الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { هَلْ أَتَاك حَدِيث الْغَاشِيَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { هَلْ أَتَاك } يَا مُحَمَّد { حَدِيث الْغَاشِيَة } يَعْنِي : قِصَّتهَا وَخَبَرهَا . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْغَاشِيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ الْقِيَامَة تَغْشَى النَّاس بِالْأَهْوَالِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 28665 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس { الْغَاشِيَة } مِنْ أَسْمَاء يَوْم الْقِيَامَة , عَظَّمَهُ اللَّه , وَحَذَّرَهُ عِبَاده . 28666 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { هَلْ أَتَاك حَدِيث الْغَاشِيَة } قَالَ : الْغَاشِيَة : السَّاعَة . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { هَلْ أَتَاك حَدِيث الْغَاشِيَة } قَالَ : السَّاعَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ الْغَاشِيَة : النَّار تَغْشَى وُجُوه الْكَفَرَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 28667 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا اِبْن يَمَان , عَنْ أَشْعَث , عَنْ سَعِيد , فِي قَوْله : { هَلْ أَتَاك حَدِيث الْغَاشِيَة } قَالَ : غَاشِيَة النَّار . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ : أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { هَلْ أَتَاك حَدِيث الْغَاشِيَة } وَلَمْ يُخْبِرنَا أَنَّهُ عَنَى غَاشِيَة الْقِيَامَة , وَلَا أَنَّهُ عَنَى غَاشِيَة النَّار , وَكِلْتَاهُمَا غَاشِيَة , هَذِهِ تَغْشَى النَّاس بِالْبَلَاءِ وَالْأَهْوَال وَالْكُرُوب , وَهَذِهِ تَغْشَى الْكُفَّار بِاللَّفْحِ فِي الْوُجُوه , وَالشُّوَاظ وَالنُّحَاس , فَلَا قَوْل فِي ذَلِكَ أَصَحّ مِنْ أَنْ يُقَال كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ , وَيَعُمّ الْخَبَر بِذَلِكَ كَمَا عَمَّهُ .
وَقَوْله : { وُجُوه يَوْمئِذٍ خَاشِعَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وُجُوه يَوْمئِذٍ , وَهِيَ وُجُوه أَهْل الْكُفْر بِهِ . خَاشِعَة : يَقُول : ذَلِيلَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 28668 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وُجُوه يَوْمئِذٍ خَاشِعَة } : أَيْ ذَلِيلَة . 28669 -حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { خَاشِعَة } قَالَ : خَاشِعَة فِي النَّار .
وَقَوْله : { عَامِلَة } يَعْنِي : عَامِلَة فِي النَّار . وَقَوْله : { نَاصِبَة } يَقُول : نَاصِبَة فِيهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 28670- حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس { عَامِلَة نَاصِبَة } فَإِنَّهَا تَعْمَل وَتَنْصَبّ فِي النَّار . 28671 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثَنَا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , قَالَ : سَمِعْت الْحَسَن , قَرَأَ : { عَامِلَة نَاصِبَة } قَالَ : لَمْ تَعْمَل لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا , فَأَعْمَلَهَا فِي النَّار . 28672 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { عَامِلَة نَاصِبَة } تَكَبَّرَتْ فِي الدُّنْيَا عَنْ طَاعَة اللَّه , فَأَعْمَلَهَا وَأَنْصَبَهَا فِي النَّار . *- حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { عَامِلَة نَاصِبَة } قَالَ : عَامِلَة نَاصِبَة فِي النَّار . 28673 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { عَامِلَة نَاصِبَة } قَالَ : لَا أَحَد أَنْصَب وَلَا أَشَدّ مِنْ أَهْل النَّار .
وَقَوْله : { تَصْلَى نَارًا حَامِيَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره . تَرِد هَذِهِ الْوُجُوه نَارًا حَامِيَة قَدْ حَمِيَتْ وَاشْتَدَّ حَرّهَا. وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة { تَصْلَى } بِفَتْحِ التَّاء , بِمَعْنَى : تَصْلَى الْوُجُوه . وَقَرَأَ ذَلِكَ أَبُو عَمْرو : " تُصْلَى " بِضَمِّ التَّاء اِعْتِبَارًا بِقَوْلِهِ : { تُسْقَى مِنْ عَيْن آنِيَة } , وَالْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ صَحِيحَتَا الْمَعْنَى , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب .
وَقَوْله : { تُسْقَى مِنْ عَيْن آنِيَة } يَقُول : تُسْقَى أَصْحَاب هَذِهِ الْوُجُوه مِنْ شَرَاب عَيْن قَدْ أَنَى حَرّهَا , فَبَلَغَ غَايَته فِي شِدَّة الْحَرّ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 28674 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { تُسْقَى مِنْ عَيْن آنِيَة } قَالَ : هِيَ الَّتِي قَدْ أَطَالَ أَنْيهَا . 28675 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثَنَا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { تُسْقَى مِنْ عَيْن آنِيَة } قَالَ : أَنَى طَبْخهَا مُنْذُ يَوْم خَلَقَ اللَّه الدُّنْيَا . 28676 - حَدَّثَنِي بِهِ يَعْقُوب مَرَّة أُخْرَى , فَقَالَ : مُنْذُ يَوْم خَلَقَ اللَّه السَّمَاوَات وَالْأَرْض . 28677 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { مِنْ عَيْن آنِيَة } قَالَ : قَدْ بَلَغَتْ إِنَاهَا , وَحَانَ شُرْبهَا . 28678 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { تُسْقَى مِنْ عَيْن آنِيَة } يَقُول : قَدْ أَنَى طَبْخهَا مُنْذُ خَلَقَ اللَّه السَّمَاوَات وَالْأَرْض 28679 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { مِنْ عَيْن آنِيَة } قَالَ : مِنْ عَيْن أَنَى حَرّهَا : يَقُول : قَدْ بَلَغَ حَرّهَا . وَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِقَوْلِهِ : { مِنْ عَيْن آنِيَة } مِنْ عَيْن حَاضِرَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 28680 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { تُسْقَى مِنْ عَيْن آنِيَة } قَالَ : آنِيَة : حَاضِرَة .
وَقَوْله : { لَيْسَ لَهُمْ طَعَام إِلَّا مِنْ ضَرِيع } يَقُول : لَيْسَ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ هُمْ أَصْحَاب الْخَاشِعَة الْعَامِلَة النَّاصِبَة يَوْم الْقِيَامَة , طَعَام إِلَّا مَا يَطْعَمُونَهُ مِنْ ضَرِيع . وَالضَّرِيع عِنْد الْعَرَب : نَبْت يُقَال لَهُ الشِّبْرَق , وَتُسَمِّيه أَهْل الْحِجَاز الضَّرِيع إِذَا يَبِسَ , وَيُسَمِّيه غَيْرهمْ : الشِّبْرَق , وَهُوَ سُمّ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 28681 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس { لَيْسَ لَهُمْ طَعَام إِلَّا مِنْ ضَرِيع } قَالَ : الضَّرِيع : الشِّبْرَق . 28682 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُبَيْدَة الْمُحَارِبِيّ , قَالَ : ثَنَا عَبَّاد بْن يَعْقُوب الْأَسَدِيّ , قَالَ مُحَمَّد : ثَنَا , وَقَالَ عَبَّاد : أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن الْأَصْبَهَانِيّ , عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْله : { لَيْسَ لَهُمْ طَعَام إِلَّا مِنْ ضَرِيع } قَالَ : الشِّبْرَق . 28683 -حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثَنَا إِسْمَاعِيل بْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , قَالَ : ثَنِي نَجْدَة , رَجُل مِنْ عَبْد الْقَيْس عَنْ عِكْرِمَة , فِي قَوْله : { لَيْسَ لَهُمْ طَعَام إِلَّا مِنْ ضَرِيع } قَالَ : هِيَ شَجَرَة ذَات شَوْك , لَاطِئَة بِالْأَرْضِ , فَإِذَا كَانَ الرَّبِيع سَمَّتْهَا قُرَيْش الشِّبْرَق , فَإِذَا هَاجَ الْعُود سَمَّتْهَا الضَّرِيع . 28684 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد { لَيْسَ لَهُمْ طَعَام إِلَّا مِنْ ضَرِيع } قَالَ : الشِّبْرَق . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { ضَرِيع } قَالَ : الشِّبْرَق الْيَابِس . 28685 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { إِلَّا مِنْ ضَرِيع } قَالَ : هُوَ الشِّبْرَق إِذَا يَبِسَ يُسَمَّى الضَّرِيع. 28686- حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { لَيْسَ لَهُمْ طَعَام إِلَّا مِنْ ضَرِيع } يَقُول : مِنْ شَرّ الطَّعَام , وَأَبْشَعه وَأَخْبَثه . 28687 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُبَيْد , قَالَ : ثَنَا شَرِيك بْن عَبْد اللَّه , فِي قَوْله : { لَيْسَ لَهُمْ طَعَام إِلَّا مِنْ ضَرِيع } قَالَ : الشِّبْرَق . وَقَالَ آخَرُونَ : الضَّرِيع : الْحِجَارَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 28688- حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا اِبْن يَمَان , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد , فِي قَوْله : { لَيْسَ لَهُمْ طَعَام إِلَّا مِنْ ضَرِيع } قَالَ : الْحِجَارَة . وَقَالَ آخَرُونَ : الضَّرِيع : شَجَر مِنْ نَار . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 28689 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { لَيْسَ لَهُمْ طَعَام إِلَّا مِنْ ضَرِيع } يَقُول : شَجَر مِنْ نَار . 28690 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { لَيْسَ لَهُمْ طَعَام إِلَّا مِنْ ضَرِيع } قَالَ : الضَّرِيع : الشَّوْك مِنْ النَّار . قَالَ : وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا . فَإِنَّ الضَّرِيع : الشَّوْك الْيَابِس الَّذِي لَيْسَ لَهُ وَرَق , تَدْعُوهُ الْعَرَب الضَّرِيع , وَهُوَ فِي الْآخِرَة شَوْك مِنْ نَار
وَقَوْله : { لَا يُسْمِن } يَقُول : لَا يُسْمِن هَذَا الضَّرِيع يَوْم الْقِيَامَة أَكَلَته مِنْ أَهْل النَّار ,
يَقُول : وَلَا يُشْبِعهُمْ مِنْ جُوع يُصِيبهُمْ .
يَقُول : وَلَا يُشْبِعهُمْ مِنْ جُوع يُصِيبهُمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وُجُوه يَوْمئِذٍ نَاعِمَة } يُقَوَّل تَعَالَى ذِكْره : { وُجُوه يَوْمئِذٍ } يَعْنِي : يَوْم الْقِيَامَة { نَاعِمَة } يَقُول : هِيَ نَاعِمَة بِتَنْعِيمِ اللَّه أَهْلهَا فِي جَنَّاته , وَهُمْ أَهْل الْإِيمَان بِاَللَّهِ .
وَقَوْله : { لِسَعْيِهَا رَاضِيَة } يَقُول : لِعَمَلِهَا الَّذِي عَمِلَتْ فِي الدُّنْيَا مِنْ طَاعَة رَبّهَا رَاضِيَة . وَقِيلَ : { لِسَعْيِهَا رَاضِيَة } وَالْمَعْنَى : لِثَوَابِ سَعْيهَا فِي الْآخِرَة رَاضِيَة .
وَقَوْله : { فِي جَنَّة عَالِيَة } وَهِيَ بُسْتَان . عَالِيَة : يَعْنِي رَفِيعَة .
وَقَوْله : { لَا تَسْمَع فِيهَا لَاغِيَة } يَقُول : لَا تَسْمَع هَذِهِ الْوُجُوه , الْمَعْنَى لِأَهْلِهَا , فِيهَا فِي الْجَنَّة الْعَالِيَة لَاغِيَة . يَعْنِي بِاللَّاغِيَةِ : كَلِمَة لَغْو . وَاللَّغْو : الْبَاطِل , فَقِيلَ لِلْكَلِمَةِ الَّتِي هِيَ لَغْو لَاغِيَة , كَمَا قِيلَ لِصَاحِبِ الدِّرْع : دَارِع , وَلِصَاحِبِ الْفَرَس : فَارِس , وَلِقَائِلِ الشِّعْر شَاعِر ; وَكَمَا قَالَ الْحُطَيْئَة : أَغْرَرْتنِي وَزَعَمْت أَنَّك لَابِن بِالصَّيْفِ تَامِر يَعْنِي : صَاحِب لَبَن , وَصَاحِب تَمْر . وَزَعَمَ بَعْض الْكُوفِيِّينَ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : لَا تَسْمَع فِيهَا حَالِفَة عَلَى الْكَذِب , وَلِذَلِكَ قِيلَ لَاغِيَة ; وَلِهَذَا الَّذِي قَالَهُ مَذْهَب وَوَجْه , لَوْلَا أَنَّ أَهْل التَّأْوِيل مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ عَلَى خِلَافه , وَغَيْر جَائِز لِأَحَدٍ خِلَافهمْ فِيمَا كَانُوا عَلَيْهِ مُجْمِعِينَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 28691 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { لَا تَسْمَع فِيهَا لَاغِيَة } يَقُول : لَا تَسْمَع أَذًى وَلَا بَاطِلًا . 28692 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { لَا تَسْمَع فِيهَا لَاغِيَة } قَالَ : شَتْمًا. 28693 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { لَا تَسْمَع فِيهَا لَاغِيَة } : لَا تَسْمَع فِيهَا بَاطِلًا , وَلَا شَاتِمًا . * - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , مِثْله . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة وَبَعْض قُرَّاء الْمَدِينَة وَهُوَ أَبُو جَعْفَر { لَا تَسْمَع } بِفَتْحِ التَّاء , بِمَعْنَى : لَا تَسْمَع الْوُجُوه . وَقَرَأَ ذَلِكَ اِبْن كَثِير وَنَافِع وَأَبُو عَمْرو : " لَا تُسْمَع " بِضَمِّ التَّاء , بِمَعْنَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله , وَيُؤَنَّث تُسْمَع , لِتَأْنِيثِ لَاغِيَة . وَقَرَأَ اِبْن مُحَيْصِن بِالضَّمِّ أَيْضًا , غَيْر أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأهَا بِالْيَاءِ , عَلَى وَجْه التَّذْكِير . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي , أَنَّ كُلّ ذَلِكَ قِرَاءَات مَعْرُوفَات صَحِيحَات الْمَعَانِي , فَبِأَيِّ ذَلِكَ قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب .
وَقَوْله : { فِيهَا عَيْن جَارِيَة } يَقُول : فِي الْجَنَّة الْعَالِيَة عَيْن جَارِيَة فِي غَيْر أُخْدُود .
وَقَوْله : { فِيهَا سُرَر مَرْفُوعَة } وَالسُّرَر : جَمْع سَرِير , مَرْفُوعَة لِيَرَى الْمُؤْمِن إِذَا جَلَسَ عَلَيْهَا جَمِيع مَا خَوَّلَهُ رَبّه مِنْ النَّعِيم وَالْمُلْك فِيهَا , وَيَلْحَق جَمِيع ذَلِكَ بَصَره . وَقِيلَ : عُنِيَ بِقَوْلِ مَرْفُوعَة : مَوْضُونَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 28694 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فِيهَا سُرَر مَرْفُوعَة } يَعْنِي : مَوْضُونَة , كَقَوْلِهِ : سُرَر مَصْفُوفَة , بَعْضهَا فَوْق بَعْض .
وَقَوْله : { وَأَكْوَاب } وَهِيَ جَمْع كُوب , وَهِيَ الْأَبَارِيق الَّتِي لَا آذَان لَهَا . وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى , وَذَكَرْنَا مَا فِيهِ مِنْ الرِّوَايَة , بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته .
وَعُنِيَ بِقَوْلِهِ : { مَوْضُوعَة } : أَنَّهَا مَوْضُوعَة عَلَى حَافَّة الْعَيْن الْجَارِيَة , كُلَّمَا أَرَادُوا الشُّرْب , وَجَدُوهَا مَلْأَى مِنْ الشَّرَاب .
وَعُنِيَ بِقَوْلِهِ : { مَوْضُوعَة } : أَنَّهَا مَوْضُوعَة عَلَى حَافَّة الْعَيْن الْجَارِيَة , كُلَّمَا أَرَادُوا الشُّرْب , وَجَدُوهَا مَلْأَى مِنْ الشَّرَاب .
وَقَوْله : { وَنَمَارِق مَصْفُوفَة } يَعْنِي بِالنَّمَارِقِ : الْوَسَائِد وَالْمَرَافِق ; وَالنَّمَارِق : وَاحِدهَا نُمْرُقَة , بِضَمِّ النُّون . وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْض كَلْب سَمَاعًا نِمْرِقَة , بِكَسْرِ النُّون وَالرَّاء . وَقِيلَ : مَصْفُوفَة لِأَنَّ بَعْضهَا بِجَنْبِ بَعْض . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 28695 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَنَمَارِق مَصْفُوفَة } يَقُول : الْمَرَافِق . 28696 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَنَمَارِق مَصْفُوفَة } يَعْنِي بِالنَّمَارِقِ : الْمَجَالِس 28697 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَنَمَارِق مَصْفُوفَة } وَالنَّمَارِق : الْوَسَائِد .
وَقَوْله : { وَزَرَابِيّ مَبْثُوثَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَفِيهَا طَنَافِس وَبُسُط كَثِيرَة مَبْثُوثَة مَفْرُوشَة , وَالْوَاحِدَة : زِرْبِيَّة , وَهِيَ الطَّنْفَسَة الَّتِي لَهَا خَمْل رَقِيق . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 28698 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مَنْصُور , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ سُفْيَان , قَالَ : ثَنَا تَوْبَة الْعَنْبَرِيّ , عَنْ عِكْرِمَة بْن خَالِد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمَّار , قَالَ : رَأَيْت عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يُصَلِّي عَلَى عَبْقَرِيّ , وَهُوَ الزَّرَابِيّ . 28699 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ . ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَزَرَابِيّ مَبْثُوثَة } : الْمَبْسُوطَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِل كَيْف خُلِقَتْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِمُنْكِرِي قُدْرَته عَلَى مَا وَصَفَ فِي هَذِهِ السُّورَة , مِنْ الْعِقَاب وَالنَّكَال الَّذِي أَعَدَّهُ لِأَهْلِ عَدَاوَته , وَالنَّعِيم وَالْكَرَامَة الَّتِي أَعَدَّهَا لِأَهْلِ وِلَايَته : أَفَلَا يَنْظُر هَؤُلَاءِ الْمُنْكِرُونَ قُدْرَة اللَّه عَلَى هَذِهِ الْأُمُور , إِلَى الْإِبِل كَيْف خَلَقَهَا , وَسَخَّرَهَا لَهُمْ وَذَلَّلَهَا , وَجَعَلَهَا تَحْمِل حِمْلهَا بَارِكَة , ثُمَّ تَنْهَض بِهِ , وَاَلَّذِي خَلَقَ ذَلِكَ غَيْر عَزِيز عَلَيْهِ أَنْ يَخْلُق مَا وَصَفَ مِنْ هَذِهِ الْأُمُور فِي الْجَنَّة وَالنَّار , يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِل , فَيَعْتَبِرُونَ بِهَا , وَيَعْلَمُونَ أَنَّ الْقُدْرَة الَّتِي قَدَرَ بِهَا عَلَى خَلْقهَا , لَنْ يُعْجِزهُ خَلْق مَا شَابَهَهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 28700- حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : لَمَّا نَعَتَ اللَّه مَا فِي الْجَنَّة , عَجَّبَ مِنْ ذَلِكَ أَهْل الضَّلَالَة , فَأَنْزَلَ اللَّه : { أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِل كَيْف خُلِقَتْ } فَكَانَتْ الْإِبِل مِنْ عَيْش الْعَرَب وَمِنْ خَوَلهمْ . 28701 -حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثَنَا شُعْبَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَمَّنْ سَمِعَ شُرَيْحًا يَقُول : اُخْرُجُوا بِنَا نَنْظُر إِلَى الْإِبِل كَيْف خُلِقَتْ .
وَقَوْله : { وَإِلَى السَّمَاء كَيْف رُفِعَتْ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : أَفَلَا يَنْظُرُونَ أَيْضًا إِلَى السَّمَاء كَيْف رَفَعَهَا الَّذِي أَخْبَرَكُمْ أَنَّهُ مُعِدّ لِأَوْلِيَائِهِ مَا وَصَفَ , وَلِأَعْدَائِهِ مَا ذَكَرَ , فَيَعْلَمُوا أَنَّ قُدْرَته الْقُدْرَة الَّتِي لَا يُعْجِزهُ فِعْل شَيْء أَرَادَ فِعْله .
وَقَوْله : { وَإِلَى الْجِبَال كَيْف نُصِبَتْ } يَقُول : وَإِلَى الْجِبَال كَيْف أُقِيمَتْ مُنْتَصِبَة لَا تَسْقُط , فَتَنْبَسِط فِي الْأَرْض , وَلَكِنَّهَا جَعَلَهَا بِقُدْرَتِهِ مُنْتَصِبَة جَامِدَة , لَا تَبْرَح مَكَانهَا , وَلَا تَزُول عَنْ مَوْضِعهَا . وَقَدْ : 28702 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَإِلَى الْجِبَال كَيْف نُصِبَتْ } تَصَاعَدْ إِلَى الْجَبَل الصَّيْخُود عَامَّة يَوْمك , فَإِذَا أَفْضَيْت إِلَى أَعْلَاهُ , أَفْضَيْت إِلَى عُيُون مُتَفَجِّرَة , وَثِمَار مُتَهَدِّلَة ثَمَّ لَمْ تَحْرُثهُ الْأَيْدِي وَلَمْ تَعْمَلهُ , نِعْمَة مِنْ اللَّه , وَبُلْغَة الْأَجَل .
وَقَوْله : { وَإِلَى الْأَرْض كَيْف سُطِحَتْ } يَقُول : وَإِلَى الْأَرْض كَيْف بُسِطَتْ , يُقَال : جَبَل مُسَطَّح : إِذَا كَانَ فِي أَعْلَاهُ اِسْتِوَاء . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 28703 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَإِلَى الْأَرْض كَيْف سُطِحَتْ } : أَيْ بُسِطَتْ , يَقُول : أَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ هَذَا بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُق مَا أَرَادَ فِي الْجَنَّة .
يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { فَذَكِّرْ } يَا مُحَمَّد عِبَادِي بِآيَاتِي , وَعِظْهُمْ بِحُجَجِي , وَبَلِّغْهُمْ رِسَالَتِي .
يَقُول : إِنَّمَا أَرْسَلْتُك إِلَيْهِمْ مُذَكِّرًا , لِتُذَكِّرهُمْ نِعْمَتِي عِنْدهمْ , وَتُعَرِّفهُمْ اللَّازِم لَهُمْ , وَتَعِظهُمْ .
يَقُول : إِنَّمَا أَرْسَلْتُك إِلَيْهِمْ مُذَكِّرًا , لِتُذَكِّرهُمْ نِعْمَتِي عِنْدهمْ , وَتُعَرِّفهُمْ اللَّازِم لَهُمْ , وَتَعِظهُمْ .
وَقَوْله : { لَسْت عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ } يَقُول : لَسْت عَلَيْهِمْ بِمُسَلَّطٍ , وَلَا أَنْتَ بِجَبَّارٍ , تَحْمِلهُمْ عَلَى مَا تُرِيد . يَقُول : كِلْهُمْ إِلَيَّ , وَدَعْهُمْ وَحُكْمِي فِيهِمْ ; يُقَال : قَدْ تَسَيْطَرَ فُلَان عَلَى قَوْمه : إِذَا تَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 28704- حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { لَسْت عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ } يَقُول : لَسْت عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ . 28705 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { لَسْت عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ } : أَيْ كِلْ إِلَيَّ عِبَادِي . 28706 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { بِمُسَيْطِرٍ } قَالَ : جَبَّار . 28707- حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّر لَسْت عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ } قَالَ : لَسْت عَلَيْهِمْ بِمُسَلَّطٍ أَنْ تُكْرِههُمْ عَلَى الْإِيمَان , قَالَ : ثُمَّ جَاءَ بَعْد هَذَا : { جَاهِدْ الْكُفَّار وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ } وَقَالَ { اُقْعُدُوا لَهُمْ كُلّ مَرْصَد } وَارْصُدُوهُمْ لَا يَخْرُجُوا فِي الْبِلَاد { فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاة وَآتَوْا الزَّكَاة فَخَلُّوا سَبِيلهمْ إِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } قَالَ : فَنَسَخَتْ { لَسْت عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ } قَالَ : جَاءَ اُقْتُلْهُ أَوْ يُسْلِم ; قَالَ : وَالتَّذْكِرَة كَمَا هِيَ لَمْ تُنْسَخ . وَقَرَأَ : { وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَع الْمُؤْمِنِينَ } . 28708 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ أَبِي الزُّبَيْر , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أُمِرْت أَنْ أُقَاتِل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , فَإِذَا قَالُوا : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ , إِلَّا بِحَقِّهَا , وَحِسَابهمْ عَلَى اللَّه " ثُمَّ قَرَأَ : { إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّر لَسْت عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ } . * -حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا مِهْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي الزُّبَيْر مُحَمَّد بْن مُسْلِم , قَالَ : سَمِعْت جَابِر بْن عَبْد اللَّه , يَقُول : سَمِعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول , فَذَكَرَ مِثْله , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : قَالَ أَبُو الزُّبَيْر : ثُمَّ قَرَأَ { إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّر , لَسْت عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ } . * -حَدَّثَنَا يُوسُف بْن مُوسَى الْقَطَّان , قَالَ : ثَنَا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي الزُّبَيْر , عَنْ جَابِر , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْله .
وَقَوْله : { إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ } يَتَوَجَّه لِوَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا : فَذَكِّرْ قَوْمك يَا مُحَمَّد , إِلَّا مَنْ تَوَلَّى مِنْهُمْ عَنْك , وَأَعْرَضَ عَنْ آيَات اللَّه فَكَفَرَ , فَيَكُون قَوْله " إِلَّا " اِسْتِثْنَاء مِنْ الَّذِينَ كَانَ التَّذْكِير عَلَيْهِمْ , وَإِنْ لَمْ يَذَّكَّرُوا , كَمَا يُقَال : مَضَى فُلَان , فَدَعَا إِلَّا مَنْ لَا تُرْجَى إِجَابَته , بِمَعْنَى : فَدَعَا النَّاس إِلَّا مَنْ لَا تُرْجَى إِجَابَته . وَالْوَجْه الثَّانِي : أَنْ يُجْعَل قَوْله : { إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ } مُنْقَطِعًا عَمَّا قَبْله , فَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام حِينَئِذٍ : لَسْت عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ , إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ , يُعَذِّبهُ اللَّه , وَكَذَلِكَ الِاسْتِثْنَاء الْمُنْقَطِع يُمْتَحَن بِأَنْ يَحْسُن مَعَهُ إِنْ , فَإِذَا حَسُنَتْ مَعَهُ كَانَ مُنْقَطِعًا , وَإِذَا لَمْ تَحْسُن كَانَ اِسْتِثْنَاء مُتَّصِلًا صَحِيحًا , كَقَوْلِ الْقَائِل : سَارَ الْقَوْم إِلَّا زَيْدًا , وَلَا يَصْلُح دُخُول إِنْ هَاهُنَا لِأَنَّهُ اِسْتِثْنَاء صَحِيح .
وَقَوْله : { فَيُعَذِّبهُ اللَّه الْعَذَاب الْأَكْبَر } : هُوَ عَذَاب جَهَنَّم , يَقُول : فَيُعَذِّبهُ اللَّه الْعَذَاب الْأَكْبَر عَلَى كُفْره فِي الدُّنْيَا , وَعَذَاب جَهَنَّم فِي الْآخِرَة .
وَقَوْله : { إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابهمْ } يَقُول : إِنَّ إِلَيْنَا رُجُوع مَنْ كَفَرَ وَمَعَادهمْ .
يَقُول : ثُمَّ إِنَّ عَلَى اللَّه حِسَابه , وَهُوَ يُجَازِيه بِمَا سَلَفَ مِنْهُ مِنْ مَعْصِيَة رَبّه , يُعْلِم بِذَلِكَ نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ الْمُتَوَلِّي عُقُوبَته دُونه , وَهُوَ الْمُجَازِي وَالْمُعَاقِب , وَأَنَّهُ الَّذِي إِلَيْهِ التَّذْكِير وَتَبْلِيغ الرِّسَالَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 28709- حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء , جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ } قَالَ : حِسَابه عَلَى اللَّه . 28710 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابهمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابهمْ } يَقُول : إِنَّ إِلَى اللَّه الْإِيَاب , وَعَلَيْهِ الْحِسَاب . آخِر تَفْسِير سُورَة الْغَاشِيَة