وَهَذِهِ السُّورَة وَسُورَة " النَّاس " و " الْإِخْلَاص " : تَعَوَّذَ بِهِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين سَحَرَتْهُ الْيَهُود ; عَلَى مَا يَأْتِي . وَقِيلَ : إِنَّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ كَانَ يُقَال لَهُمَا الْمُقَشْقِشَتَانِ ; أَيْ تُبْرِئَانِ مِنْ النِّفَاق . وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَزَعَمَ اِبْن مَسْعُود أَنَّهُمَا دُعَاء تَعَوَّذَ بِهِ , وَلَيْسَتَا مِنْ الْقُرْآن ; خَالَفَ بِهِ الْإِجْمَاع مِنْ الصَّحَابَة وَأَهْل الْبَيْت . قَالَ اِبْن قُتَيْبَة : لَمْ يَكْتُب عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود فِي مُصْحَفه الْمُعَوِّذَتَيْنِ ; لِأَنَّهُ كَانَ يَسْمَع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذ الْحَسَن وَالْحُسَيْن - رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا - بِهِمَا , فَقَدَّرَ أَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ : أُعِيذكُمَا بِكَلِمَاتِ اللَّه التَّامَّة , مِنْ كُلّ شَيْطَان وَهَامَّة , وَمِنْ كُلّ عَيْن لَامَّة . قَالَ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ : وَهَذَا مَرْدُود عَلَى اِبْن قُتَيْبَة ; لِأَنَّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ مِنْ كَلَام رَبّ الْعَالَمِينَ , الْمُعْجِز لِجَمِيع الْمَخْلُوقِينَ ; و " أُعِيذكُمَا بِكَلِمَاتِ اللَّه التَّامَّة " مِنْ قَوْل الْبَشَر بَيِّن . وَكَلَام الْخَالِق الَّذِي هُوَ آيَة لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَم النَّبِيِّينَ , وَحُجَّة لَهُ بَاقِيَة عَلَى جَمِيع الْكَافِرِينَ , لَا يَلْتَبِس بِكَلَامِ الْآدَمِيِّينَ , عَلَى مِثْل عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود الْفَصِيح اللِّسَان , الْعَالِم بِاللُّغَةِ , الْعَارِف بِأَجْنَاسِ الْكَلَام , وَأَفَانِين الْقَوْل . وَقَالَ بَعْض النَّاس : لَمْ يَكْتُب عَبْد اللَّه الْمُعَوِّذَتَيْنِ لِأَنَّهُ أَمِنَ عَلَيْهِمَا مِنْ النِّسْيَان , فَأَسْقَطَهُمَا وَهُوَ يَحْفَظهُمَا ; كَمَا أَسْقَطَ فَاتِحَة الْكِتَاب مِنْ مُصْحَفه , وَمَا يَشُكّ فِي حِفْظه وَإِتْقَانه لَهَا . فَرَدَّ هَذَا الْقَوْل عَلَى قَائِله , وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ قَدْ كَتَبَ : " إِذَا جَاءَ نَصْر اللَّه وَالْفَتْح " , و " إِنَّا أَعْطَيْنَاك الْكَوْثَر " , و " قُلْ هُوَ اللَّه أَحَد " وَهُنَّ يَجْرِينَ مَجْرَى الْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي أَنَّهُنَّ غَيْر طِوَال , وَالْحِفْظ إِلَيْهِنَّ أَسْرَع , وَنِسْيَانهنَّ مَأْمُون , وَكُلّهنَّ يُخَالِف فَاتِحَة الْكِتَاب ; إِذْ الصَّلَاة لَا تَتِمّ إِلَّا بِقِرَاءَتِهَا . وَسَبِيل كُلّ رَكْعَة أَنْ تَكُون الْمُقَدِّمَة فِيهَا قَبْل مَا يَقْرَأ مِنْ بَعْدهَا , فَإِسْقَاط فَاتِحَة الْكِتَاب مِنْ الْمُصْحَف , عَلَى مَعْنَى الثِّقَة بِبَقَاءِ حِفْظهَا , وَالْأَمْن مِنْ نِسْيَانهَا , صَحِيح , وَلَيْسَ مِنْ السُّوَر مَا يَجْرِي فِي هَذَا الْمَعْنَى مَجْرَاهَا , وَلَا يَسْلُك بِهِ طَرِيقهَا . وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي سُورَة " الْفَاتِحَة " . وَالْحَمْد لِلَّهِ .
" قُلْ أَعُوذ بِرَبِّ الْفَلَق " رَوَى النَّسَائِيّ عَنْ عُقْبَة بْن عَامِر , قَالَ : أَتَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ رَاكِب , فَوَضَعْت يَدِي عَلَى قَدَمه , فَقُلْت : أَقْرِئْنِي سُورَة [ هُود ] أَقْرِئْنِي سُورَة يُوسُف . فَقَالَ لِي : [ لَنْ تَقْرَأ شَيْئًا أَبْلَغ عِنْد اللَّه مِنْ " قُلْ أَعُوذ بِرَبِّ الْفَلَق " ] . وَعَنْهُ قَالَ : بَيْنَا أَنَا أَسِير مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْن الْجُحْفَة وَالْأَبْوَاء , إِذْ غَشَتْنَا رِيح مُظْلِمَة شَدِيدَة , فَجَعَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَوَّذ " بِأَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَق " , وَ " أَعُوذ بِرَبِّ النَّاس " , وَيَقُول : [ يَا عُقْبَة , تَعَوَّذْ بِهِمَا فَمَا تَعَوَّذَ مُتَعَوِّذ بِمِثْلِهِمَا ] . قَالَ : وَسَمِعْته يَقْرَأ بِهِمَا فِي الصَّلَاة . وَرَوَى النَّسَائِيّ عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : أَصَابَنَا طَشّ وَظُلْمَة , فَانْتَظَرْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُج . ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامًا مَعْنَاهُ : فَخَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ بِنَا , فَقَالَ : قُلْ . فَقُلْت : مَا أَقُول ؟ قَالَ : ( قُلْ هُوَ اللَّه أَحَد وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِين تُمْسِي , وَحِين تُصْبِح ثَلَاثًا , يَكْفِيك كُلّ شَيْء ) وَعَنْ عُقْبَة بْن عَامِر الْجُهَنِيّ قَالَ : قَالَ لِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ قُلْ ] . قُلْت : مَا أَقُول ؟ قَالَ قُلْ : ( قُلْ هُوَ اللَّه أَحَد . قُلْ أَعُوذ بِرَبِّ الْفَلَق . قُلْ أَعُوذ بِرَبِّ النَّاس - فَقَرَأَهُنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ قَالَ : لَمْ يَتَعَوَّذ النَّاس بِمِثْلِهِنَّ , أَوْ لَا يَتَعَوَّذ النَّاس بِمِثْلِهِنَّ ) . وَفِي حَدِيث أَبْنِ عَبَّاس " قُلْ أَعُوذ بِرَبِّ الْفَلَق وَقُلْ أَعُوذ بِرَبِّ النَّاس , هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ " . وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم عَنْ عَائِشَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اِشْتَكَى قَرَأَ عَلَى نَفْسه بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَيَنْفُث , كُلَّمَا اِشْتَدَّ وَجَعه كُنْت أَقْرَأ عَلَيْهِ , وَأَمْسَح عَنْهُ بِيَدِهِ , رَجَاء بَرَكَتهَا . النَّفْث : النَّفْخ لَيْسَ مَعَهُ رِيق .
ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث عَائِشَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَحَرَهُ يَهُودِيّ مِنْ يَهُود بَنِي زُرَيْق , يُقَال لَهُ لَبِيد بْن الْأَعْصَم , حَتَّى يُخَيَّل إِلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَل الشَّيْء وَلَا يَفْعَلهُ , فَمَكَثَ كَذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَمْكُث - فِي غَيْر الصَّحِيح : سَنَة - ثُمَّ قَالَ : ( يَا عَائِشَة أُشْعِرْت أَنَّ اللَّه أَفْتَانِي فِيمَا اِسْتَفْتَيْته فِيهِ . أَتَانِي مَلَكَانِ , فَجَلَسَ أَحَدهمَا عِنْد رَأْسِي , وَالْآخَر عِنْد رِجْلِي , فَقَالَ الَّذِي عِنْد رَأْسِي لِلَّذِي عِنْد رِجْلِي : مَا شَأْن الرَّجُل ؟ قَالَ : مَطْبُوب . قَالَ وَمَنْ طَبَّهُ ؟ قَالَ لَبِيد بْن الْأَعْصَم . قَالَ فِي مَاذَا ؟ قَالَ فِي مُشْط وَمُشَاطَة وَجُفّ طَلْعَة ذَكَر , تَحْت رَاعُوفَة فِي بِئْر ذِي أَرْوَانَ ) فَجَاءَ الْبِئْر وَاسْتَخْرَجَهُ . اِنْتَهَى الصَّحِيح . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : ( أَمَا شَعَرْت يَا عَائِشَة أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَخْبَرَنِي بِدَائِي ) . ثُمَّ بَعَثَ عَلِيًّا وَالزُّبَيْر وَعَمَّار بْن يَاسِر , فَنَزَحُوا مَاء تِلْكَ الْبِئْر كَأَنَّهُ نُقَاعَة الْحِنَّاء , ثُمَّ رَفَعُوا الصَّخْرَة وَهِيَ الرَّاعُوفَة - صَخْرَة تُتْرَك أَسْفَل الْبِئْر يَقُوم عَلَيْهَا الْمَائِح , وَأَخْرَجُوا الْجُفّ , فَإِذَا مُشَاطَة رَأْس إِنْسَان , وَأَسْنَان مِنْ مُشْط , وَإِذَا وَتَر مَعْقُود فِيهِ إِحْدَى عَشْرَة عُقْدَة مُغْرَزَة بِالْإِبَرِ , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ , وَهُمَا إِحْدَى عَشْرَة آيَة عَلَى عَدَد تِلْكَ الْعُقَد , وَأَمَرَ أَنْ يُتَعَوَّذ بِهِمَا ; فَجَعَلَ كُلَّمَا قَرَأَ آيَة اِنْحَلَّتْ عُقْدَة , وَوَجَدَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِفَّة , حَتَّى اِنْحَلَّتْ الْعُقْدَة الْأَخِيرَة , فَكَأَنَّمَا أُنْشِطَ مِنْ عِقَال , وَقَالَ : لَيْسَ بِهِ بَأْس . وَجَعَلَ جِبْرِيل يَرْقِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُول : [ بِاسْمِ اللَّه أَرْقِيك , مِنْ كُلّ شَيْء يُؤْذِيك , مِنْ شَرّ حَاسِد وَعَيْن , وَاَللَّه يَشْفِيك ] . فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , أَلَا نَقْتُل الْخَبِيث . فَقَالَ : [ أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّه , وَأَكْرَه أَنْ أُثِير عَلَى النَّاس شَرًّا ] . وَذَكَرَ الْقُشَيْرِيّ فِي تَفْسِيره أَنَّهُ وَرَدَ فِي الصِّحَاح : أَنَّ غُلَامًا مِنْ الْيَهُود كَانَ يَخْدُم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَدَسَّتْ إِلَيْهِ الْيَهُود , وَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى أَخَذَ مُشَاطَة رَأْس النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالْمُشَاطَة بِضَمِّ الْمِيم : مَا يَسْقُط مِنْ الشَّعْر عِنْد الْمَشْط . وَأَخَذَ عِدَّة مِنْ أَسْنَان مُشْطه , فَأَعْطَاهَا الْيَهُود , فَسَحَرُوهُ فِيهَا , وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى ذَلِكَ لَبِيد بْن الْأَعْصَم الْيَهُودِيّ . وَذَكَرَ نَحْو مَا تَقَدَّمَ عَنْ اِبْن عَبَّاس .
تَقَدَّمَ فِي " الْبَقَرَة " الْقَوْل فِي السِّحْر وَحَقِيقَته , وَمَا يَنْشَأ عَنْهُ مِنْ الْآلَام وَالْمَفَاسِد , وَحُكْم السَّاحِر ; فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَتِهِ
قَوْله تَعَالَى : " الْفَلَق " اُخْتُلِفَ فِيهِ ; فَقِيلَ : سِجْن فِي جَهَنَّم ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ أُبَيّ بْن كَعْب : بَيْت فِي جَهَنَّم إِذَا فُتِحَ صَاحَ أَهْل النَّار مِنْ حَرّه . وَقَالَ الْحُبُلِيّ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن : هُوَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء جَهَنَّم . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : وَادٍ فِي جَهَنَّم . وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن عُمَر : شَجَرَة فِي النَّار . سَعِيد بْن جُبَيْر : جُبّ فِي النَّار . النَّحَّاس : يُقَال لِمَا اِطْمَأَنَّ مِنْ الْأَرْض فَلَق ; فَعَلَى هَذَا يَصِحّ هَذَا الْقَوْل . وَقَالَ جَابِر بْن عَبْد اللَّه وَالْحَسَن وَسَعِيد بْن جُبَيْر أَيْضًا وَمُجَاهِد وَقَتَادَة وَالْقُرَظِيّ وَابْن زَيْد : الْفَلَق , الصُّبْح . وَقَالَهُ اِبْن عَبَّاس . تَقُول الْعَرَب : هُوَ أَبْيَن مِنْ فَلَق الصُّبْح وَفَرَق الصُّبْح . وَقَالَ الشَّاعِر : يَا لَيْلَة لَمْ أَنَمْهَا بِتّ مُرْتَفِقًا أَرْعَى النُّجُوم إِلَى أَنْ نَوَّرَ الْفَلَق وَقِيلَ : الْفَلَق : الْجِبَال وَالصُّخُور تَنْفَرِد بِالْمِيَاهِ ; أَيْ تَتَشَقَّق . وَقِيلَ : هُوَ التَّفْلِيق بَيْن الْجِبَال وَالصُّخُور ; لِأَنَّهَا تَتَشَقَّق مِنْ خَوْف اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . قَالَ زُهَيْر : مَا زِلْت أَرْمُقهُمْ حَتَّى إِذَا هَبَطَتْ أَيْدِي الرِّكَاب بِهِمْ مِنْ رَاكِس فَلَقَا الرَّاكِس : بَطْن الْوَادِي . وَكَذَلِكَ هُوَ فِي قَوْل النَّابِغَة : وَعِيد أَبِي قَابُوس فِي غَيْر كُنْهِهِ أَتَانِي وَدُونِي رَاكِس فَالضَّوَاجِع وَالرَّاكِس أَيْضًا : الْهَادِي , وَهُوَ الثَّوْر وَسَط الْبَيْدَر , تَدُور عَلَيْهِ الثِّيرَان فِي الدِّيَاسَة . وَقِيلَ : الرَّحِم تَنْفَلِق بِالْحَيَوَانِ . وَقِيلَ : إِنَّهُ كُلّ مَا اِنْفَلَقَ عَنْ جَمِيع مَا خُلِقَ مِنْ الْحَيَوَان وَالصُّبْح وَالْحَبّ وَالنَّوَى , وَكُلّ شَيْء مِنْ نَبَات وَغَيْره ; قَالَهُ الْحَسَن وَغَيْره . قَالَ الضَّحَّاك : الْفَلَق الْخَلْق كُلّه ; قَالَ : وَسْوَسَ يَدْعُو مُخْلِصًا رَبّ الْفَلَقْ سِرًّا وَقَدْ أَوَّنَ تَأْوِينَ الْعُقُقْ قُلْت : هَذَا الْقَوْل يَشْهَد لَهُ الِاشْتِقَاق ; فَإِنَّ الْفَلَق الشَّقّ . فَلَقْت الشَّيْء فَلْقًا أَيْ شَقَقْته . وَالتَّفْلِيق مِثْله . يُقَال : فَلَقْته فَانْفَلَقَ وَتَفَلَّقَ . فَكُلّ مَا اِنْفَلَقَ عَنْ شَيْء مِنْ حَيَوَان وَصُبْح وَحَبّ وَنَوَى وَمَاء فَهُوَ فَلَق ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " فَالِق الْإِصْبَاح " [ الْأَنْعَام : 96 ] قَالَ : " فَالِق الْحَبّ وَالنَّوَى " [ الْأَنْعَام : 95 ] . وَقَالَ ذُو الرُّمَّة يَصِف الثَّوْر الْوَحْشِيّ : حَتَّى إِذَا مَا اِنْجَلَى عَنْ وَجْهه فَلَق هَادِيه فِي أُخْرَيَات اللَّيْل مُنْتَصِب يَعْنِي بِالْفَلَقِ هُنَا : الصُّبْح بِعَيْنِهِ . وَالْفَلَق أَيْضًا : الْمُطْمَئِنّ مِنْ الْأَرْض بَيْن الرَّبْوَتَيْنِ , وَجَمْعه : فُلْقَان ; مِثْل خَلَق وَخُلْقَان , وَرُبَّمَا قَالَ : كَانَ ذَلِكَ بِفَالِقِ كَذَا وَكَذَا ; يُرِيدُونَ الْمَكَان الْمُنْحَدِر بَيْن الرَّبْوَتَيْنِ , وَالْفَلَق أَيْضًا مِقْطَرَة السَّجَّان . فَأَمَّا الْفِلْق ( بِالْكَسْرِ ) : فَالدَّاهِيَة وَالْأَمْر الْعَجَب ; تَقُول مِنْهُ : أَفْلَقَ الرَّجُل وَافْتَلَقَ . وَشَاعِر مُفْلِق , وَقَدْ جَاءَ بِالْفِلْقِ أَيْ بِالدَّاهِيَةِ . وَالْفِلْق أَيْضًا : الْقَضِيب يُشَقّ بِاثْنَيْنِ , فَيُعْمَل مِنْهُ قَوْسَانِ , يُقَال لِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا فِلْق , وَقَوْلهمْ : جَاءَ بِعُلَق فُلَق ; وَهِيَ الدَّاهِيَة ; لَا يُجْرَى [ مُجْرَى عُمَر ] . يُقَال مِنْهُ : أَعْلَقْت وَأَفْلَقْت ; أَيْ جِئْت بِعُلَق فُلَق . وَمَرَّ يَفْتَلِق فِي عَدْوِهِ ; أَيْ يَأْتِي بِالْعَجَبِ مِنْ شِدَّته .
" قُلْ أَعُوذ بِرَبِّ الْفَلَق " رَوَى النَّسَائِيّ عَنْ عُقْبَة بْن عَامِر , قَالَ : أَتَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ رَاكِب , فَوَضَعْت يَدِي عَلَى قَدَمه , فَقُلْت : أَقْرِئْنِي سُورَة [ هُود ] أَقْرِئْنِي سُورَة يُوسُف . فَقَالَ لِي : [ لَنْ تَقْرَأ شَيْئًا أَبْلَغ عِنْد اللَّه مِنْ " قُلْ أَعُوذ بِرَبِّ الْفَلَق " ] . وَعَنْهُ قَالَ : بَيْنَا أَنَا أَسِير مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْن الْجُحْفَة وَالْأَبْوَاء , إِذْ غَشَتْنَا رِيح مُظْلِمَة شَدِيدَة , فَجَعَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَوَّذ " بِأَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَق " , وَ " أَعُوذ بِرَبِّ النَّاس " , وَيَقُول : [ يَا عُقْبَة , تَعَوَّذْ بِهِمَا فَمَا تَعَوَّذَ مُتَعَوِّذ بِمِثْلِهِمَا ] . قَالَ : وَسَمِعْته يَقْرَأ بِهِمَا فِي الصَّلَاة . وَرَوَى النَّسَائِيّ عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : أَصَابَنَا طَشّ وَظُلْمَة , فَانْتَظَرْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُج . ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامًا مَعْنَاهُ : فَخَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ بِنَا , فَقَالَ : قُلْ . فَقُلْت : مَا أَقُول ؟ قَالَ : ( قُلْ هُوَ اللَّه أَحَد وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِين تُمْسِي , وَحِين تُصْبِح ثَلَاثًا , يَكْفِيك كُلّ شَيْء ) وَعَنْ عُقْبَة بْن عَامِر الْجُهَنِيّ قَالَ : قَالَ لِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ قُلْ ] . قُلْت : مَا أَقُول ؟ قَالَ قُلْ : ( قُلْ هُوَ اللَّه أَحَد . قُلْ أَعُوذ بِرَبِّ الْفَلَق . قُلْ أَعُوذ بِرَبِّ النَّاس - فَقَرَأَهُنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ قَالَ : لَمْ يَتَعَوَّذ النَّاس بِمِثْلِهِنَّ , أَوْ لَا يَتَعَوَّذ النَّاس بِمِثْلِهِنَّ ) . وَفِي حَدِيث أَبْنِ عَبَّاس " قُلْ أَعُوذ بِرَبِّ الْفَلَق وَقُلْ أَعُوذ بِرَبِّ النَّاس , هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ " . وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم عَنْ عَائِشَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اِشْتَكَى قَرَأَ عَلَى نَفْسه بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَيَنْفُث , كُلَّمَا اِشْتَدَّ وَجَعه كُنْت أَقْرَأ عَلَيْهِ , وَأَمْسَح عَنْهُ بِيَدِهِ , رَجَاء بَرَكَتهَا . النَّفْث : النَّفْخ لَيْسَ مَعَهُ رِيق .
ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث عَائِشَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَحَرَهُ يَهُودِيّ مِنْ يَهُود بَنِي زُرَيْق , يُقَال لَهُ لَبِيد بْن الْأَعْصَم , حَتَّى يُخَيَّل إِلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَل الشَّيْء وَلَا يَفْعَلهُ , فَمَكَثَ كَذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَمْكُث - فِي غَيْر الصَّحِيح : سَنَة - ثُمَّ قَالَ : ( يَا عَائِشَة أُشْعِرْت أَنَّ اللَّه أَفْتَانِي فِيمَا اِسْتَفْتَيْته فِيهِ . أَتَانِي مَلَكَانِ , فَجَلَسَ أَحَدهمَا عِنْد رَأْسِي , وَالْآخَر عِنْد رِجْلِي , فَقَالَ الَّذِي عِنْد رَأْسِي لِلَّذِي عِنْد رِجْلِي : مَا شَأْن الرَّجُل ؟ قَالَ : مَطْبُوب . قَالَ وَمَنْ طَبَّهُ ؟ قَالَ لَبِيد بْن الْأَعْصَم . قَالَ فِي مَاذَا ؟ قَالَ فِي مُشْط وَمُشَاطَة وَجُفّ طَلْعَة ذَكَر , تَحْت رَاعُوفَة فِي بِئْر ذِي أَرْوَانَ ) فَجَاءَ الْبِئْر وَاسْتَخْرَجَهُ . اِنْتَهَى الصَّحِيح . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : ( أَمَا شَعَرْت يَا عَائِشَة أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَخْبَرَنِي بِدَائِي ) . ثُمَّ بَعَثَ عَلِيًّا وَالزُّبَيْر وَعَمَّار بْن يَاسِر , فَنَزَحُوا مَاء تِلْكَ الْبِئْر كَأَنَّهُ نُقَاعَة الْحِنَّاء , ثُمَّ رَفَعُوا الصَّخْرَة وَهِيَ الرَّاعُوفَة - صَخْرَة تُتْرَك أَسْفَل الْبِئْر يَقُوم عَلَيْهَا الْمَائِح , وَأَخْرَجُوا الْجُفّ , فَإِذَا مُشَاطَة رَأْس إِنْسَان , وَأَسْنَان مِنْ مُشْط , وَإِذَا وَتَر مَعْقُود فِيهِ إِحْدَى عَشْرَة عُقْدَة مُغْرَزَة بِالْإِبَرِ , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ , وَهُمَا إِحْدَى عَشْرَة آيَة عَلَى عَدَد تِلْكَ الْعُقَد , وَأَمَرَ أَنْ يُتَعَوَّذ بِهِمَا ; فَجَعَلَ كُلَّمَا قَرَأَ آيَة اِنْحَلَّتْ عُقْدَة , وَوَجَدَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِفَّة , حَتَّى اِنْحَلَّتْ الْعُقْدَة الْأَخِيرَة , فَكَأَنَّمَا أُنْشِطَ مِنْ عِقَال , وَقَالَ : لَيْسَ بِهِ بَأْس . وَجَعَلَ جِبْرِيل يَرْقِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُول : [ بِاسْمِ اللَّه أَرْقِيك , مِنْ كُلّ شَيْء يُؤْذِيك , مِنْ شَرّ حَاسِد وَعَيْن , وَاَللَّه يَشْفِيك ] . فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , أَلَا نَقْتُل الْخَبِيث . فَقَالَ : [ أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّه , وَأَكْرَه أَنْ أُثِير عَلَى النَّاس شَرًّا ] . وَذَكَرَ الْقُشَيْرِيّ فِي تَفْسِيره أَنَّهُ وَرَدَ فِي الصِّحَاح : أَنَّ غُلَامًا مِنْ الْيَهُود كَانَ يَخْدُم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَدَسَّتْ إِلَيْهِ الْيَهُود , وَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى أَخَذَ مُشَاطَة رَأْس النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالْمُشَاطَة بِضَمِّ الْمِيم : مَا يَسْقُط مِنْ الشَّعْر عِنْد الْمَشْط . وَأَخَذَ عِدَّة مِنْ أَسْنَان مُشْطه , فَأَعْطَاهَا الْيَهُود , فَسَحَرُوهُ فِيهَا , وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى ذَلِكَ لَبِيد بْن الْأَعْصَم الْيَهُودِيّ . وَذَكَرَ نَحْو مَا تَقَدَّمَ عَنْ اِبْن عَبَّاس .
تَقَدَّمَ فِي " الْبَقَرَة " الْقَوْل فِي السِّحْر وَحَقِيقَته , وَمَا يَنْشَأ عَنْهُ مِنْ الْآلَام وَالْمَفَاسِد , وَحُكْم السَّاحِر ; فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَتِهِ
قَوْله تَعَالَى : " الْفَلَق " اُخْتُلِفَ فِيهِ ; فَقِيلَ : سِجْن فِي جَهَنَّم ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ أُبَيّ بْن كَعْب : بَيْت فِي جَهَنَّم إِذَا فُتِحَ صَاحَ أَهْل النَّار مِنْ حَرّه . وَقَالَ الْحُبُلِيّ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن : هُوَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء جَهَنَّم . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : وَادٍ فِي جَهَنَّم . وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن عُمَر : شَجَرَة فِي النَّار . سَعِيد بْن جُبَيْر : جُبّ فِي النَّار . النَّحَّاس : يُقَال لِمَا اِطْمَأَنَّ مِنْ الْأَرْض فَلَق ; فَعَلَى هَذَا يَصِحّ هَذَا الْقَوْل . وَقَالَ جَابِر بْن عَبْد اللَّه وَالْحَسَن وَسَعِيد بْن جُبَيْر أَيْضًا وَمُجَاهِد وَقَتَادَة وَالْقُرَظِيّ وَابْن زَيْد : الْفَلَق , الصُّبْح . وَقَالَهُ اِبْن عَبَّاس . تَقُول الْعَرَب : هُوَ أَبْيَن مِنْ فَلَق الصُّبْح وَفَرَق الصُّبْح . وَقَالَ الشَّاعِر : يَا لَيْلَة لَمْ أَنَمْهَا بِتّ مُرْتَفِقًا أَرْعَى النُّجُوم إِلَى أَنْ نَوَّرَ الْفَلَق وَقِيلَ : الْفَلَق : الْجِبَال وَالصُّخُور تَنْفَرِد بِالْمِيَاهِ ; أَيْ تَتَشَقَّق . وَقِيلَ : هُوَ التَّفْلِيق بَيْن الْجِبَال وَالصُّخُور ; لِأَنَّهَا تَتَشَقَّق مِنْ خَوْف اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . قَالَ زُهَيْر : مَا زِلْت أَرْمُقهُمْ حَتَّى إِذَا هَبَطَتْ أَيْدِي الرِّكَاب بِهِمْ مِنْ رَاكِس فَلَقَا الرَّاكِس : بَطْن الْوَادِي . وَكَذَلِكَ هُوَ فِي قَوْل النَّابِغَة : وَعِيد أَبِي قَابُوس فِي غَيْر كُنْهِهِ أَتَانِي وَدُونِي رَاكِس فَالضَّوَاجِع وَالرَّاكِس أَيْضًا : الْهَادِي , وَهُوَ الثَّوْر وَسَط الْبَيْدَر , تَدُور عَلَيْهِ الثِّيرَان فِي الدِّيَاسَة . وَقِيلَ : الرَّحِم تَنْفَلِق بِالْحَيَوَانِ . وَقِيلَ : إِنَّهُ كُلّ مَا اِنْفَلَقَ عَنْ جَمِيع مَا خُلِقَ مِنْ الْحَيَوَان وَالصُّبْح وَالْحَبّ وَالنَّوَى , وَكُلّ شَيْء مِنْ نَبَات وَغَيْره ; قَالَهُ الْحَسَن وَغَيْره . قَالَ الضَّحَّاك : الْفَلَق الْخَلْق كُلّه ; قَالَ : وَسْوَسَ يَدْعُو مُخْلِصًا رَبّ الْفَلَقْ سِرًّا وَقَدْ أَوَّنَ تَأْوِينَ الْعُقُقْ قُلْت : هَذَا الْقَوْل يَشْهَد لَهُ الِاشْتِقَاق ; فَإِنَّ الْفَلَق الشَّقّ . فَلَقْت الشَّيْء فَلْقًا أَيْ شَقَقْته . وَالتَّفْلِيق مِثْله . يُقَال : فَلَقْته فَانْفَلَقَ وَتَفَلَّقَ . فَكُلّ مَا اِنْفَلَقَ عَنْ شَيْء مِنْ حَيَوَان وَصُبْح وَحَبّ وَنَوَى وَمَاء فَهُوَ فَلَق ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " فَالِق الْإِصْبَاح " [ الْأَنْعَام : 96 ] قَالَ : " فَالِق الْحَبّ وَالنَّوَى " [ الْأَنْعَام : 95 ] . وَقَالَ ذُو الرُّمَّة يَصِف الثَّوْر الْوَحْشِيّ : حَتَّى إِذَا مَا اِنْجَلَى عَنْ وَجْهه فَلَق هَادِيه فِي أُخْرَيَات اللَّيْل مُنْتَصِب يَعْنِي بِالْفَلَقِ هُنَا : الصُّبْح بِعَيْنِهِ . وَالْفَلَق أَيْضًا : الْمُطْمَئِنّ مِنْ الْأَرْض بَيْن الرَّبْوَتَيْنِ , وَجَمْعه : فُلْقَان ; مِثْل خَلَق وَخُلْقَان , وَرُبَّمَا قَالَ : كَانَ ذَلِكَ بِفَالِقِ كَذَا وَكَذَا ; يُرِيدُونَ الْمَكَان الْمُنْحَدِر بَيْن الرَّبْوَتَيْنِ , وَالْفَلَق أَيْضًا مِقْطَرَة السَّجَّان . فَأَمَّا الْفِلْق ( بِالْكَسْرِ ) : فَالدَّاهِيَة وَالْأَمْر الْعَجَب ; تَقُول مِنْهُ : أَفْلَقَ الرَّجُل وَافْتَلَقَ . وَشَاعِر مُفْلِق , وَقَدْ جَاءَ بِالْفِلْقِ أَيْ بِالدَّاهِيَةِ . وَالْفِلْق أَيْضًا : الْقَضِيب يُشَقّ بِاثْنَيْنِ , فَيُعْمَل مِنْهُ قَوْسَانِ , يُقَال لِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا فِلْق , وَقَوْلهمْ : جَاءَ بِعُلَق فُلَق ; وَهِيَ الدَّاهِيَة ; لَا يُجْرَى [ مُجْرَى عُمَر ] . يُقَال مِنْهُ : أَعْلَقْت وَأَفْلَقْت ; أَيْ جِئْت بِعُلَق فُلَق . وَمَرَّ يَفْتَلِق فِي عَدْوِهِ ; أَيْ يَأْتِي بِالْعَجَبِ مِنْ شِدَّته .
قِيلَ : هُوَ إِبْلِيس وَذُرِّيَّته . وَقِيلَ جَهَنَّم . وَقِيلَ : هُوَ عَامّ ; أَيْ مِنْ شَرّ كُلّ ذِي شَرّ خَلَقَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ
اُخْتُلِفَ فِيهِ ; فَقِيلَ : هُوَ اللَّيْل . وَالْغَسَق : أَوَّل ظُلْمَة اللَّيْل ; يُقَال مِنْهُ : غَسَقَ اللَّيْل يَغْسِق أَيْ أَظْلَمَ . قَالَ اِبْن قَيْس الرُّقَيَّات : إِنَّ هَذَا اللَّيْل قَدْ غَسَقَا وَاشْتَكَيْت الْهَمّ وَالْأَرَقَا وَقَالَ آخَر : يَا طَيْف هِنْد لَقَدْ أَبْقَيْت لِي أَرَقًا إِذْ جِئْتنَا طَارِقًا وَاللَّيْل قَدْ غَسَقَا هَذَا قَوْل اِبْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك وَقَتَادَة وَالسُّدِّيّ وَغَيْرهمْ . و " وَقَبَ " عَلَى هَذَا التَّفْسِير : أَظْلَمَ ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَالضَّحَّاك : دَخَلَ . قَتَادَة : ذَهَبَ . يَمَان بْن رِئَاب : سَكَنَ . وَقِيلَ : نَزَلَ ; يُقَال : وَقَبَ الْعَذَاب عَلَى الْكَافِرِينَ ; نَزَلَ . قَالَ الشَّاعِر : وَقَبَ الْعَذَاب عَلَيْهِمُ فَكَأَنَّهُمْ لَحِقَتْهُمُ نَار السَّمُوم فَأُحْصِدُوا وَقَالَ الزَّجَّاج : قِيلَ اللَّيْل غَاسِق لِأَنَّهُ أَبْرَد مِنْ النَّهَار . وَالْغَاسِق : الْبَارِد . وَالْغَسَق : الْبَرْد ; وَلِأَنَّ فِي اللَّيْل تَخْرُج السِّبَاع مِنْ آجَامهَا , وَالْهَوَامّ مِنْ أَمَاكِنهَا , وَيَنْبَعِث أَهْل الشَّرّ عَلَى الْعَبَث وَالْفَسَاد . وَقِيلَ : الْغَاسِق : الثُّرَيَّا ; وَذَلِكَ أَنَّهَا إِذَا سَقَطَتْ كَثُرَتْ الْأَسْقَام وَالطَّوَاعِين , وَإِذَا طَلَعَتْ اِرْتَفَعَ ذَلِكَ ; قَالَهُ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد . وَقِيلَ : هُوَ الشَّمْس إِذَا غَرَبَتْ ; قَالَهُ اِبْن شِهَاب . وَقِيلَ : هُوَ الْقَمَر . قَالَ الْقُتَبِيّ : " إِذَا وَقَبَ " الْقَمَر : إِذَا دَخَلَ فِي سَاهُوره , وَهُوَ كَالْغِلَافِ لَهُ , وَذَلِكَ إِذَا خُسِفَ بِهِ . وَكُلّ شَيْء أَسْوَد فَهُوَ غَسَق . وَقَالَ قَتَادَة : " إِذَا وَقَبَ " إِذَا غَابَ . وَهُوَ أَصَحّ ; لِأَنَّ فِي التِّرْمِذِيّ عَنْ عَائِشَة : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظَرَ إِلَى الْقَمَر , فَقَالَ : [ يَا عَائِشَة , اِسْتَعِيذِي بِاَللَّهِ مِنْ شَرّ هَذَا , فَإِنَّ هَذَا هُوَ الْغَاسِق إِذَا وَقَبَ ] . قَالَ أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح . وَقَالَ أَحْمَد بْن يَحْيَى ثَعْلَب عَنْ اِبْن الْأَعْرَابِيّ فِي تَأْوِيل هَذَا الْحَدِيث : وَذَلِكَ أَنَّ أَهْل الرِّيَب يَتَحَيَّنُونَ وَجْبَة الْقَمَر . وَأَنْشَدَ : أَرَاحَنِي اللَّه مِنْ أَشْيَاء أَكْرَههَا مِنْهَا الْعَجُوز وَمِنْهَا الْكَلْب وَالْقَمَر هَذَا يَبُوح وَهَذَا يُسْتَضَاء بِهِ وَهَذِهِ ضِمْرِز قَوَّامَة السَّحَر وَقِيلَ : الْغَاسِق : الْحَيَّة إِذَا لَدَغَتْ . وَكَأَنَّ الْغَاسِق نَابهَا ; لِأَنَّ السُّمّ يَغْسِق مِنْهُ ; أَيْ يَسِيل . وَوَقَبَ نَابهَا : إِذَا دَخَلَ فِي اللَّدِيغ . وَقِيلَ : الْغَاسِق : كُلّ هَاجِم يَضُرّ , كَائِنًا مَا كَانَ ; مِنْ قَوْلهمْ : غَسَقَتْ الْقُرْحَة : إِذَا جَرَى صَدِيدهَا .
يَعْنِي السَّاحِرَات اللَّائِي يَنْفُثْنَ فِي عُقَد الْخَيْط حِين يَرْقِينَ عَلَيْهَا . شَبَّهَ النَّفْخ كَمَا يَعْمَل مَنْ يَرْقِي . قَالَ الشَّاعِر : أَعُوذ بِرَبِّي مِنْ النَّافِثَات فِي عِضَهِ الْعَاضِه الْمُعْضِه وَقَالَ مُتَمِّم بْن نُوَيْرَة : نَفَثْت فِي الْخَيْط شَبِيه الرُّقَى مِنْ خَشْيَة الْجِنَّة وَالْحَاسِد وَقَالَ عَنْتَرَة : فَإِنْ يَبْرَأ فَلَمْ أَنْفُث عَلَيْهِ وَإِنْ يُفْقَد فَحُقَّ لَهُ الْفُقُود وَرَوَى النَّسَائِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ مَنْ عَقَدَ عُقْدَة ثُمَّ نَفَثَ فِيهَا , فَقَدْ سَحَرَ , وَمَنْ سَحَرَ فَقَدْ أَشْرَكَ , وَمَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ ] . وَاخْتُلِفَ فِي النَّفْث عِنْد الرُّقَى فَمَنَعَهُ قَوْم , وَأَجَازَهُ آخَرُونَ . قَالَ عِكْرِمَة : لَا يَنْبَغِي لِلرَّاقِي أَنْ يَنْفُث , وَلَا يَمْسَح وَلَا يَعْقِد . قَالَ إِبْرَاهِيم : كَانُوا يَكْرَهُونَ النَّفْث فِي الرُّقَى . وَقَالَ بَعْضهمْ : دَخَلْت , عَلَى الضَّحَّاك وَهُوَ وَجِع , فَقُلْت : أَلَا أَعُوذك يَا أَبَا مُحَمَّد ؟ قَالَ : لَا شَيْء مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنْ لَا تَنْفُث ; فَعَوَّذْته بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ . وَقَالَ اِبْن جُرَيْج قُلْت لِعَطَاءٍ : الْقُرْآن يُنْفَخ بِهِ أَوْ يُنْفَث ؟ قَالَ : لَا شَيْء مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنْ تَقْرَؤُهُ هَكَذَا . ثُمَّ قَالَ بَعْد : اُنْفُثْ إِنْ شِئْت . وَسُئِلَ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ عَنْ الرُّقْيَة يُنْفَث فِيهَا , فَقَالَ : لَا أَعْلَم بِهَا بَأْسًا , وَإِذَا اِخْتَلَفُوا فَالْحَاكِم بَيْنهمْ السُّنَّة . رَوَتْ عَائِشَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْفُث فِي الرُّقْيَة ; رَوَاهُ الْأَئِمَّة , وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ أَوَّل السُّورَة وَفِي " الْإِسْرَاء " . وَعَنْ مُحَمَّد بْن حَاطِب أَنَّ يَده اِحْتَرَقَتْ فَأَتَتْ بِهِ أُمّه النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَجَعَلَ يَنْفُث عَلَيْهَا وَيَتَكَلَّم بِكَلَامٍ ; زَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَحْفَظهُ . وَقَالَ مُحَمَّد بْن الْأَشْعَث : ذُهِبَ بِي إِلَى عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا وَفِي عَيْنِي سُوء , فَرَقَتْنِي وَنَفَثَتْ .
وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَة مِنْ قَوْله : لَا يَنْبَغِي لِلرَّاقِي أَنْ يَنْفُث , فَكَأَنَّهُ ذَهَبَ فِيهِ إِلَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى جَعَلَ النَّفْث فِي الْعُقَد مِمَّا يُسْتَعَاذ بِهِ , فَلَا يَكُون بِنَفْسِهِ عُوذَة . وَلَيْسَ هَذَا هَكَذَا ; لِأَنَّ النَّفْث فِي الْعُقَد إِذَا كَانَ مَذْمُومًا لَمْ يَجِب أَنْ يَكُون النَّفْث بِلَا عُقَد مَذْمُومًا . وَلِأَنَّ النَّفْث فِي الْعُقَد إِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ السِّحْر الْمُضِرّ بِالْأَرْوَاحِ , وَهَذَا النَّفْث لِاسْتِصْلَاحِ الْأَبْدَان , فَلَا يُقَاس مَا يَنْفَع بِمَا يَضُرّ . وَأَمَّا كَرَاهَة عِكْرِمَة الْمَسْح فَخِلَاف السُّنَّة . قَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : اِشْتَكَيْت , فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَقُول : اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ أَجَلِي قَدْ حَضَرَ فَأَرِحْنِي , وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا فَاشْفِنِي وَعَافِنِي , وَإِنْ كَانَ بَلَاء فَصَبِّرْنِي . فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ كَيْفَ قُلْت ] ؟ فَقُلْت لَهُ : فَمَسَحَنِي بِيَدِهِ , ثُمَّ قَالَ : [ اللَّهُمَّ اِشْفِهِ ] فَمَا عَادَ ذَلِكَ الْوَجَع بَعْد . وَقَرَأَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو وَعَبْد الرَّحْمَن بْن سَابِط وَعِيسَى بْن عُمَر وَرُوَيْس عَنْ يَعْقُوب " مِنْ شَرّ النَّافِثَات " فِي وَزْن ( فَاعِلَات ) . وَرُوِيَتْ عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْقَاسِم مَوْلَى أَبِي بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا . وَرُوِيَ أَنَّ نِسَاء سَحَرْنَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِحْدَى عَشْرَة عُقْدَة , فَأَنْزَلَ اللَّه الْمُعَوِّذَتَيْنِ إِحْدَى عَشْرَة آيَة . قَالَ اِبْن زَيْد : كُنَّ مِنْ الْيَهُود ; يَعْنِي السَّوَاحِر الْمَذْكُورَات . وَقِيلَ : هُنَّ بَنَات لَبِيد بْن الْأَعْصَم .
وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَة مِنْ قَوْله : لَا يَنْبَغِي لِلرَّاقِي أَنْ يَنْفُث , فَكَأَنَّهُ ذَهَبَ فِيهِ إِلَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى جَعَلَ النَّفْث فِي الْعُقَد مِمَّا يُسْتَعَاذ بِهِ , فَلَا يَكُون بِنَفْسِهِ عُوذَة . وَلَيْسَ هَذَا هَكَذَا ; لِأَنَّ النَّفْث فِي الْعُقَد إِذَا كَانَ مَذْمُومًا لَمْ يَجِب أَنْ يَكُون النَّفْث بِلَا عُقَد مَذْمُومًا . وَلِأَنَّ النَّفْث فِي الْعُقَد إِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ السِّحْر الْمُضِرّ بِالْأَرْوَاحِ , وَهَذَا النَّفْث لِاسْتِصْلَاحِ الْأَبْدَان , فَلَا يُقَاس مَا يَنْفَع بِمَا يَضُرّ . وَأَمَّا كَرَاهَة عِكْرِمَة الْمَسْح فَخِلَاف السُّنَّة . قَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : اِشْتَكَيْت , فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَقُول : اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ أَجَلِي قَدْ حَضَرَ فَأَرِحْنِي , وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا فَاشْفِنِي وَعَافِنِي , وَإِنْ كَانَ بَلَاء فَصَبِّرْنِي . فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ كَيْفَ قُلْت ] ؟ فَقُلْت لَهُ : فَمَسَحَنِي بِيَدِهِ , ثُمَّ قَالَ : [ اللَّهُمَّ اِشْفِهِ ] فَمَا عَادَ ذَلِكَ الْوَجَع بَعْد . وَقَرَأَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو وَعَبْد الرَّحْمَن بْن سَابِط وَعِيسَى بْن عُمَر وَرُوَيْس عَنْ يَعْقُوب " مِنْ شَرّ النَّافِثَات " فِي وَزْن ( فَاعِلَات ) . وَرُوِيَتْ عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْقَاسِم مَوْلَى أَبِي بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا . وَرُوِيَ أَنَّ نِسَاء سَحَرْنَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِحْدَى عَشْرَة عُقْدَة , فَأَنْزَلَ اللَّه الْمُعَوِّذَتَيْنِ إِحْدَى عَشْرَة آيَة . قَالَ اِبْن زَيْد : كُنَّ مِنْ الْيَهُود ; يَعْنِي السَّوَاحِر الْمَذْكُورَات . وَقِيلَ : هُنَّ بَنَات لَبِيد بْن الْأَعْصَم .
قَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَة " النِّسَاء " مَعْنَى الْحَسَد , وَأَنَّهُ تَمَنِّي زَوَال نِعْمَة الْمَحْسُود وَإِنْ لَمْ يَصِرْ لِلْحَاسِدِ مِثْلهَا . وَالْمُنَافَسَة هِيَ تَمَنِّي مِثْلهَا وَإِنْ لَمْ تَزُلْ . فَالْحَسَد شَرّ مَذْمُوم . وَالْمُنَافَسَة مُبَاحَة وَهِيَ الْغِبْطَة . وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : [ الْمُؤْمِن يَغْبِط , وَالْمُنَافِق يَحْسُد ] . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ : [ لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اِثْنَتَيْنِ ] يُرِيد لَا غِبْطَة وَقَدْ مَضَى فِي سُورَة " النِّسَاء " وَالْحَمْد لِلَّهِ .
قُلْت : قَالَ الْعُلَمَاء : الْحَاسِد لَا يَضُرّ إِلَّا إِذَا ظَهَرَ حَسَده بِفِعْلٍ أَوْ قَوْل , وَذَلِكَ بِأَنْ يَحْمِلهُ الْحَسَد عَلَى إِيقَاع الشَّرّ بِالْمَحْسُودِ , فَيَتْبَع مَسَاوِئَهُ , وَيَطْلُب عَثَرَاته . قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ إِذَا حَسَدْت فَلَا تَبْغِ ... ] الْحَدِيث . وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَالْحَسَد أَوَّل ذَنْب عُصِيَ اللَّه بِهِ فِي السَّمَاء , وَأَوَّل ذَنْب عُصِيَ بِهِ فِي الْأَرْض , فَحَسَدَ إِبْلِيس آدَم , وَحَسَدَ قَابِيل هَابِيل . وَالْحَاسِد مَمْقُوت مَبْغُوض مَطْرُود مَلْعُون وَلَقَدْ أَحْسَنَ مَنْ قَالَ : قُلْ لِلْحَسُودِ إِذَا تَنَفَّسَ طَعْنَة يَا ظَالِمًا وَكَأَنَّهُ مَظْلُوم
هَذِهِ سُورَة دَالَّة عَلَى أَنَّ اللَّه سُبْحَانه خَالِق كُلّ شَرّ , وَأَمَرَ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَعَوَّذ مِنْ جَمِيع الشُّرُور . فَقَالَ : " مِنْ شَرّ مَا خَلَقَ " . وَجَعَلَ خَاتِمَة ذَلِكَ الْحَسَد , تَنْبِيهًا عَلَى عِظَمه , وَكَثْرَة ضَرَره . وَالْحَاسِد عَدُوّ نِعْمَة اللَّه . قَالَ بَعْض الْحُكَمَاء : بَارَزَ الْحَاسِد رَبّه مِنْ خَمْسَة أَوْجُه :
أَحَدهَا : أَنَّهُ أَبْغَضَ كُلّ نِعْمَة ظَهَرَتْ عَلَى غَيْره .
وَثَانِيهَا : أَنَّهُ سَاخِط لِقِسْمَةِ رَبّه , كَأَنَّهُ يَقُول : لِمَ قَسَمْت هَذِهِ الْقِسْمَة ؟
وَثَالِثهَا : أَنَّهُ ضَادَّ فِعْل اللَّه , أَيْ إِنَّ فَضْل اللَّه يُؤْتِيه مَنْ يَشَاء , وَهُوَ يَبْخَل بِفَضْلِ اللَّه .
وَرَابِعهَا : أَنَّهُ خَذَلَ أَوْلِيَاء اللَّه , أَوْ يُرِيد خِذْلَانهمْ وَزَوَال النِّعْمَة عَنْهُمْ .
وَخَامِسهَا : أَنَّهُ أَعَانَ عَدُوّهُ إِبْلِيس . وَقِيلَ : الْحَاسِد لَا يَنَال فِي الْمَجَالِس إِلَّا نَدَامَة , وَلَا يَنَال عِنْد الْمَلَائِكَة إِلَّا لَعْنَة وَبَغْضَاء , وَلَا يَنَال فِي الْخَلْوَة إِلَّا جَزَعًا وَغَمًّا , وَلَا يَنَال فِي الْآخِرَة إِلَّا حُزْنًا وَاحْتِرَاقًا , وَلَا يَنَال مِنْ اللَّه إِلَّا بُعْدًا وَمَقْتًا .
وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( ثَلَاثَة لَا يُسْتَجَاب دُعَاؤُهُمْ : آكِل الْحَرَام , وَمُكْثِر الْغِيبَة , وَمَنْ كَانَ فِي قَلْبه غِلّ أَوْ حَسَد لِلْمُسْلِمِينَ ) . وَاَللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَم .
قُلْت : قَالَ الْعُلَمَاء : الْحَاسِد لَا يَضُرّ إِلَّا إِذَا ظَهَرَ حَسَده بِفِعْلٍ أَوْ قَوْل , وَذَلِكَ بِأَنْ يَحْمِلهُ الْحَسَد عَلَى إِيقَاع الشَّرّ بِالْمَحْسُودِ , فَيَتْبَع مَسَاوِئَهُ , وَيَطْلُب عَثَرَاته . قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ إِذَا حَسَدْت فَلَا تَبْغِ ... ] الْحَدِيث . وَقَدْ تَقَدَّمَ . وَالْحَسَد أَوَّل ذَنْب عُصِيَ اللَّه بِهِ فِي السَّمَاء , وَأَوَّل ذَنْب عُصِيَ بِهِ فِي الْأَرْض , فَحَسَدَ إِبْلِيس آدَم , وَحَسَدَ قَابِيل هَابِيل . وَالْحَاسِد مَمْقُوت مَبْغُوض مَطْرُود مَلْعُون وَلَقَدْ أَحْسَنَ مَنْ قَالَ : قُلْ لِلْحَسُودِ إِذَا تَنَفَّسَ طَعْنَة يَا ظَالِمًا وَكَأَنَّهُ مَظْلُوم
هَذِهِ سُورَة دَالَّة عَلَى أَنَّ اللَّه سُبْحَانه خَالِق كُلّ شَرّ , وَأَمَرَ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَعَوَّذ مِنْ جَمِيع الشُّرُور . فَقَالَ : " مِنْ شَرّ مَا خَلَقَ " . وَجَعَلَ خَاتِمَة ذَلِكَ الْحَسَد , تَنْبِيهًا عَلَى عِظَمه , وَكَثْرَة ضَرَره . وَالْحَاسِد عَدُوّ نِعْمَة اللَّه . قَالَ بَعْض الْحُكَمَاء : بَارَزَ الْحَاسِد رَبّه مِنْ خَمْسَة أَوْجُه :
أَحَدهَا : أَنَّهُ أَبْغَضَ كُلّ نِعْمَة ظَهَرَتْ عَلَى غَيْره .
وَثَانِيهَا : أَنَّهُ سَاخِط لِقِسْمَةِ رَبّه , كَأَنَّهُ يَقُول : لِمَ قَسَمْت هَذِهِ الْقِسْمَة ؟
وَثَالِثهَا : أَنَّهُ ضَادَّ فِعْل اللَّه , أَيْ إِنَّ فَضْل اللَّه يُؤْتِيه مَنْ يَشَاء , وَهُوَ يَبْخَل بِفَضْلِ اللَّه .
وَرَابِعهَا : أَنَّهُ خَذَلَ أَوْلِيَاء اللَّه , أَوْ يُرِيد خِذْلَانهمْ وَزَوَال النِّعْمَة عَنْهُمْ .
وَخَامِسهَا : أَنَّهُ أَعَانَ عَدُوّهُ إِبْلِيس . وَقِيلَ : الْحَاسِد لَا يَنَال فِي الْمَجَالِس إِلَّا نَدَامَة , وَلَا يَنَال عِنْد الْمَلَائِكَة إِلَّا لَعْنَة وَبَغْضَاء , وَلَا يَنَال فِي الْخَلْوَة إِلَّا جَزَعًا وَغَمًّا , وَلَا يَنَال فِي الْآخِرَة إِلَّا حُزْنًا وَاحْتِرَاقًا , وَلَا يَنَال مِنْ اللَّه إِلَّا بُعْدًا وَمَقْتًا .
وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( ثَلَاثَة لَا يُسْتَجَاب دُعَاؤُهُمْ : آكِل الْحَرَام , وَمُكْثِر الْغِيبَة , وَمَنْ كَانَ فِي قَلْبه غِلّ أَوْ حَسَد لِلْمُسْلِمِينَ ) . وَاَللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَم .