الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4الصفحة 5الصفحة 6الصفحة 7
يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَسورة الأعراف الآية رقم 31
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا بَنِي آدَم خُذُوا زِينَتكُمْ عِنْد كُلّ مَسْجِد } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَتَعَرَّوْنَ عِنْد طَوَافهمْ بِبَيْتِهِ الْحَرَام وَيُبْدُونَ عَوْرَاتهمْ هُنَالِكَ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَب , وَالْمُحَرِّمِينَ مِنْهُمْ أَكْل مَا لَمْ يُحَرِّمهُ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ حَلَال رِزْقِهِ تَبَرُّرًا عِنْد نَفْسه لِرَبِّهِ : { يَا بَنِي آدَم خُذُوا زِينَتكُمْ } مِنْ الْكِسَاء وَاللِّبَاس , { عِنْد كُلّ مَسْجِد وَكُلُوا } مِنْ طَيِّبَات مَا رَزَقْتُكُمْ , وَحَلَّلْتُهُ لَكُمْ , { وَاشْرَبُوا } مِنْ حَلَال الْأَشْرِبَة , وَلَا تُحَرِّمُوا إِلَّا مَا حَرَّمْت عَلَيْكُمْ فِي كِتَابِي أَوْ عَلَى لِسَان رَسُولِي مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11276 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن حَبِيب بْن عَرَبِيّ , قَالَ : ثنا خَالِد بْن الْحَارِث , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ سَلَمَة , عَنْ مُسْلِم البطين , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّ النِّسَاء كُنَّ يَطُفْنَ بِالْبَيْتِ عُرَاة - وَقَالَ فِي مَوْضِع آخَر : بِغَيْرِ ثِيَاب - إِلَّا أَنْ تَجْعَل الْمَرْأَة عَلَى فَرْجهَا خِرْقَة فِيمَا وُصِفَ إِنْ شَاءَ اللَّه , وَتَقُول : الْيَوْم يَبْدُو بَعْضه أَوْ كُلّه فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلَا أُحِلّهُ قَالَ : فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { خُذُوا زِينَتكُمْ عِنْد كُلّ مَسْجِد } * حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ سَلَمَة بْن كُهَيْل , عَنْ مُسْلِم البطين , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : كَانُوا يَطُوفُونَ عُرَاة , الرِّجَال بِالنَّهَارِ , وَالنِّسَاء بِاللَّيْلِ , وَكَانَتْ الْمَرْأَة تَقُول : الْيَوْم يَبْدُو بَعْضه أَوْ كُلّه فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلَا أُحِلّهُ فَقَالَ اللَّه : { خُذُوا زِينَتكُمْ } 11277 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { خُذُوا زِينَتكُمْ عِنْد كُلّ مَسْجِد } قَالَ : الثِّيَاب . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا غُنْدَر وَوَهْبُ بْن جَرِير , عَنْ شُعْبَة , عَنْ سَلَمَة بْن كُهَيْل , قَالَ : سَمِعْت مُسْلِمًا الْبَطِين يُحَدِّث عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَتْ الْمَرْأَة تَطُوف بِالْبَيْتِ عُرْيَانَة - قَالَ غُنْدَر : وَهِيَ عُرْيَانَة , قَالَ وَهْب : كَانَتْ الْمَرْأَة تَطُوف بِالْبَيْتِ وَقَدْ أَخْرَجَتْ صَدْرهَا وَمَا هُنَالِكَ . قَالَ غُنْدَر : وَتَقُول : مَنْ يُعِيرنِي تَطْوَافًا تَجْعَلهُ عَلَى فَرْجهَا - وَتَقُول : الْيَوْم يَبْدُو بَعْضه أَوْ كُلّه وَمَا بَدَا مِنْهُ فَلَا أُحِلّهُ فَأَنْزَلَ اللَّه { يَا بَنِي آدَم خُذُوا زِينَتكُمْ عِنْد كُلّ مَسْجِد } * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { يَا بَنِي آدَم خُذُوا زِينَتكُمْ عِنْد كُلّ مَسْجِد } قَالَ : كَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاة , فَأَمَرَهُمْ اللَّه أَنْ يَلْبَسُوا ثِيَابهمْ وَلَا يَتَعَرَّوْا . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { خُذُوا زِينَتكُمْ عِنْد كُلّ مَسْجِد } الْآيَة , قَالَ : كَانَ رِجَال يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاة , فَأَمَرَهُمْ اللَّه بِالزِّينَةِ . وَالزِّينَة : اللِّبَاس , وَهُوَ مَا يُوَارِي السَّوْأَة , وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ جَيِّد الْبَزّ وَالْمَتَاع , فَأُمِرُوا أَنْ يَأْخُذُوا زِينَتهمْ عِنْد كُلّ مَسْجِد. 11278 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ وَابْن فُضَيْل , عَنْ عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء : { خُذُوا زِينَتكُمْ } قَالَ : كَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاة , فَأُمِرُوا أَنْ يَلْبَسُوا ثِيَابهمْ . * حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء , بِنَحْوِهِ. * حَدَّثَنِي عَمْرو , قَالَ : ثنا يَحْيَى , قَالَ : ثنا عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء , فِي قَوْله : { خُذُوا زِينَتكُمْ عِنْد كُلّ مَسْجِد } : اِلْبَسُوا ثِيَابكُمْ . 11279 - حَدَّثَنَا يَعْقُوب ; قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُغِيرَة ; عَنْ إِبْرَاهِيم ; فِي قَوْله : { خُذُوا زِينَتكُمْ عِنْد كُلّ مَسْجِد } قَالَ : كَانَ نَاس يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاة فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم : { خُذُوا زِينَتكُمْ عِنْد كُلّ مَسْجِد } قَالَ : كَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاة , فَأُمِرُوا أَنْ يَلْبَسُوا الثِّيَاب. 11280 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ عُثْمَان بْن الْأَسْوَد , عَنْ مُجَاهِد : { خُذُوا زِينَتكُمْ عِنْد كُلّ مَسْجِد } قَالَ : مَا وَارَى الْعَوْرَة وَلَوْ عَبَاءَة . * حَدَّثَنَا عَمْرو قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , وَأَبُو عَاصِم , وَعَبْد اللَّه بْن دَاوُد , عَنْ عُثْمَان بْن الْأَسْوَد , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { خُذُوا زِينَتكُمْ عِنْد كُلّ مَسْجِد } قَالَ : مَا يُوَارِي عَوْرَتك وَلَوْ عَبَاءَة . 11281 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { خُذُوا زِينَتكُمْ عِنْد كُلّ مَسْجِد } فِي قُرَيْش , لِتَرْكِهِمْ الثِّيَاب فِي الطَّوَاف . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , بِنَحْوِهِ . 11282 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { خُذُوا زِينَتكُمْ عِنْد كُلّ مَسْجِد } قَالَ : الثِّيَاب . 11283 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا زَيْد بْن حُبَاب , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ : { خُذُوا زَيْتكُمْ عِنْد كُلّ مَسْجِد } قَالَ : الشَّمْلَة مِنْ الزِّينَة . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو , عَنْ طَاوُس : { خُذُوا زِينَتكُمْ عِنْد كُلّ مَسْجِد } قَالَ : الثِّيَاب . 11284 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا سُوَيْد وَأَبُو أُسَامَة , عَنْ حَمَّاد بْن زَيْد , عَنْ أَيُّوب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : كَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاة , فَطَافَتْ اِمْرَأَة بِالْبَيْتِ وَهِيَ عُرْيَانَة , فَقَالَتْ : الْيَوْم يَبْدُو بَعْضه أَوْ كُلّه فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلَا أُحِلّهُ 11285 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : قَوْله : { خُذُوا زِينَتكُمْ عِنْد كُلّ مَسْجِد } قَالَ : كَانَ حَيّ مِنْ أَهْل الْيَمَن كَانَ أَحَدهمْ إِذَا قَدِمَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا يَقُول : لَا يَنْبَغِي أَنْ أَطُوف فِي ثَوْب قَدْ دَنِسْت فِيهِ , فَيَقُول : مَنْ يُعِيرنِي مِئْزَرًا ؟ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ , وَإِلَّا طَافَ عُرْيَانًا , فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِ مَا تَسْمَعُونَ : { خُذُوا زِينَتكُمْ عِنْد كُلّ مَسْجِد } 11286 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : قَالَ اللَّه : { يَا بَنِي آدَم خُذُوا زِينَتكُمْ عِنْد كُلّ مَسْجِد } يَقُول : مَا يُوَارِي الْعَوْرَة عِنْد كُلّ مَسْجِد . 11287 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ : أَنَّ الْعَرَب كَانَتْ تَطُوف بِالْبَيْتِ عُرَاة , إِلَّا الْحُمْس قُرَيْش وَأَحْلَافهمْ ; فَمَنْ جَاءَ مِنْ غَيْرهمْ وَضَعَ ثِيَابه وَطَافَ فِي ثِيَاب أَحْمَس , فَإِنَّهُ لَا يَحِلّ لَهُ أَنْ يَلْبَس ثِيَابه , فَإِنْ لَمْ يَجِد مَنْ يُعِيرهُ مِنْ الْحُمْس فَإِنَّهُ يُلْقِي ثِيَابه وَيَطُوف عُرْيَانًا , وَإِنْ طَافَ فِي ثِيَاب نَفْسه أَلْقَاهَا إِذَا قَضَى طَوَافه يُحَرِّمهَا فَيَجْعَلهَا حَرَامًا عَلَيْهِ , فَلِذَلِكَ قَالَ : { خُذُوا زِينَتكُمْ عِنْد كُلّ مَسْجِد } * وَبِهِ عَنْ مَعْمَر قَالَ : قَالَ اِبْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ : الشَّمْلَة مِنْ الزِّينَة . 11288 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { خُذُوا زِينَتكُمْ عِنْد كُلّ مَسْجِد } الْآيَة , كَانَ نَاس مِنْ أَهْل الْيَمَن وَالْأَعْرَاب إِذَا حَجُّوا الْبَيْت يَطُوفُونَ بِهِ عُرَاة لَيْلًا , فَأَمَرَهُمْ اللَّه أَنْ يَلْبَسُوا ثِيَابهمْ وَلَا يَتَعَرَّوْا فِي الْمَسْجِد. 11289 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : { خُذُوا زِينَتكُمْ } قَالَ : زِينَتهمْ ثِيَابهمْ الَّتِي كَانُوا يَطْرَحُونَهَا عِنْد الْبَيْت وَيَتَعَرَّوْنَ . 11290 - وَحَدَّثَنِي بِهِ مَرَّة أُخْرَى بِإِسْنَادِهِ , عَنْ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَة اللَّه الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَات مِنْ الرِّزْق } قَالَ : كَانُوا إِذَا جَاءُوا الْبَيْت فَطَافُوا بِهِ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ ثِيَابهمْ الَّتِي طَافُوا فِيهَا , فَإِنْ وَجَدُوا مَنْ يُعِيرهُمْ ثِيَابًا , وَإِلَّا طَافُوا بِالْبَيْتِ عُرَاة , فَقَالَ : { مَنْ حَرَّمَ زِينَة اللَّه } قَالَ : ثِيَاب اللَّه الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ الْآيَة .

وَكَاَلَّذِي قُلْنَا أَيْضًا , قَالُوا فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا } ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11291 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ اِبْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : أَحَلَّ اللَّه الْأَكْل وَالشُّرْب مَا لَمْ يَكُنْ سَرَفًا أَوْ مَخِيلَة . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبّ الْمُسْرِفِينَ } فِي الطَّعَام وَالشَّرَاب . 11292 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : قَالَ : كَانَ الَّذِينَ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاة يُحَرِّمُونَ عَلَيْهِمْ الْوَدَك مَا أَقَامُوا بِالْمَوْسِمِ , فَقَالَ اللَّه لَهُمْ : { كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبّ الْمُسْرِفِينَ } يَقُول : لَا تُسْرِفُوا فِي التَّحْرِيم . 11293 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا أَبُو سَعْد , قَالَ : سَمِعْت مُجَاهِدًا يَقُول فِي قَوْله : { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا } قَالَ : أَمَرَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا وَيَشْرَبُوا مِمَّا رَزَقَهُمْ اللَّه . 11294 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَلَا تُسْرِفُوا } لَا تَأْكُلُوا حَرَامًا ذَلِكَ الْإِسْرَاف .

وَقَوْله { إِنَّهُ لَا يُحِبّ الْمُسْرِفِينَ } يَقُول : إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ الْمُتَعَدِينَ حَدّه فِي حَلَال أَوْ حَرَام , الْغَالِينَ فِيمَا أَحَلَّ اللَّه أَوْ حَرَّمَ بِإِحْلَالِ الْحَرَام , وَبِتَحْرِيمِ الْحَلَال , وَلَكِنَّهُ يُحِبّ أَنْ يُحَلِّل مَا أَحَلَّ وَيُحَرِّم مَا حَرَّمَ , وَذَلِكَ الْعَدْل الَّذِي أَمَرَ بِهِ .
قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَسورة الأعراف الآية رقم 32
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَة اللَّه الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَات مِنْ الرِّزْق } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { قُلْ } يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْجَهَلَة مِنْ الْعَرَب الَّذِينَ يَتَعَرَّوْنَ عِنْد طَوَافهمْ بِالْبَيْتِ , وَيُحَرِّمُونَ عَلَى أَنْفُسهمْ مَا أَحْلَلْت لَهُمْ مِنْ طَيِّبَات الرِّزْق : { مَنْ حَرَّمَ } أَيّهَا الْقَوْم عَلَيْكُمْ { زِينَة اللَّه } الَّتِي خَلَقَهَا لِعِبَادِهِ أَنْ تَتَزَيَّنُوا بِهَا وَتَتَجَمَّلُوا بِلِبَاسِهَا , وَالْحَلَال مِنْ رِزْق اللَّه الَّذِي رَزَقَ خَلْقه لِمَطَاعِمِهِمْ وَمَشَارِبهمْ. وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْق بَعْد إِجْمَاعهمْ عَلَى أَنَّ الزِّينَة مَا قُلْنَا , فَقَالَ بَعْضهمْ : الطَّيِّبَات مِنْ الرِّزْق فِي هَذَا الْمَوْضِع : اللَّحْم , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَأْكُلُونَهُ فِي حَال إِحْرَامهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ : 11295 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : { قُلّ مَنْ حَرَّمَ زِينَة اللَّه الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَات مِنْ الرِّزْق } وَهُوَ الْوَدَك . 11296 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَة اللَّه الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَات مِنْ الرِّزْق } الَّذِي حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسهمْ , قَالَ : كَانُوا إِذَا حَجُّوا أَوْ اِعْتَمَرُوا حَرَّمُوا الشَّاة عَلَيْهِمْ وَمَا يَخْرُج مِنْهَا . * وَحَدَّثَنِي بِهِ يُونُس مَرَّة أُخْرَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَة اللَّه } إِلَى آخِر الْآيَة , قَالَ : كَانَ قَوْم يُحَرِّمُونَ مَا يَخْرُج مِنْ الشَّاة لَبَنهَا وَسَمْنهَا وَلَحْمهَا , فَقَالَ اللَّه : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَة اللَّه الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَات مِنْ الرِّزْق } قَالَ : وَالزِّينَة مِنْ الثِّيَاب. 11297 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا حِبَّان بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ سُفْيَان , عَنْ رَجُل , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : لَمَّا بَعَثَ مُحَمَّدًا فَقَالَ : هَذَا نَبِيِّي هَذَا خِيَارِي , اِسْتَنُّوا بِهِ خُذُوا فِي سُنَّته وَسَبِيله ! لَمْ تُغْلَق دُونه الْأَبْوَاب وَلَمْ تَقُمْ دُونه الْحُجُب , وَلَمْ يُغْد عَلَيْهِ بالجبار وَلَمْ يُرْجَع عَلَيْهِ بِهَا . وَكَانَ يَجْلِس بِالْأَرْضِ , وَيَأْكُل طَعَامه بِالْأَرْضِ , وَيَلْعَق يَده , وَيَلْبَس الْغَلِيظ , وَيَرْكَب الْحِمَار , وَيُرْدِف عَبْده , وَكَانَ يَقُول : " مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي " . قَالَ الْحَسَن : فَمَا أَكْثَر الرَّاغِبِينَ عَنْ سُنَّته التَّارِكِينَ لَهَا , ثُمَّ عُلُوجًا فُسَّاقًا , أَكَلَة الرِّبَا وَالْغُلُول , قَدْ سَفَّهَهُمْ رَبِّي وَمَقَتَهُمْ , زَعَمُوا أَنْ لَا بَأْس عَلَيْهِمْ فِيمَا أَكَلُوا وَشَرِبُوا وَزَخْرَفُوا هَذِهِ الْبُيُوت , يَتَأَوَّلُونَ هَذِهِ الْآيَة : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَة اللَّه الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَات مِنْ الرِّزْق } وَإِنَّمَا جُعِلَ ذَلِكَ لِأَوْلِيَاءِ الشَّيْطَان , قَدْ جَعَلَهَا مَلَاعِب لِبَطْنِهِ وَفَرْجه مِنْ كَلَام لَمْ يَحْفَظهُ سُفْيَان . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ مَا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّة تُحَرِّم مِنْ الْبَحَائِر وَالسَّوَائِب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11298 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَة اللَّه الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَات مِنْ الرِّزْق } وَهُوَ مَا حَرَّمَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة عَلَيْهِمْ مِنْ أَمْوَالهمْ : الْبَحِيرَة , وَالسَّائِبَة , وَالْوَصِيلَة , وَالْحَام . 11299 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَة اللَّه الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَات مِنْ الرِّزْق } قَالَ : إِنَّ الْجَاهِلِيَّة كَانُوا يُحَرِّمُونَ أَشْيَاء أَحَلَّهَا اللَّه مِنْ الثِّيَاب وَغَيْرهَا , وَهُوَ قَوْل اللَّه : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّه لَكُمْ مِنْ رِزْق فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا } 10 59 وَهُوَ هَذَا , فَأَنْزَلَ اللَّه : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَة اللَّه الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَات مِنْ الرِّزْق }

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا خَالِصَة يَوْم الْقِيَامَة } يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَمَرْتُك أَنْ تَقُول لَهُمْ { مَنْ حَرَّمَ زِينَة اللَّه الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَات مِنْ الرِّزْق } إِذْ عَيُوا بِالْجَوَابِ فَلَمْ يَدْرُوا مَا يُجِيبُونَك : زِينَة اللَّه الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ , وَطَيِّبَات رِزْقه لِلَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّه وَرَسُوله , وَاتَّبَعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك فِي الدُّنْيَا , وَقَدْ شَرَكهمْ فِي ذَلِكَ فِيهَا مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله وَخَالَفَ أَمْر رَبّه , وَهِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله خَالِصَة يَوْم الْقِيَامَة , لَا يُشْرِكهُمْ فِي ذَلِكَ يَوْمئِذٍ أَحَد كَفَرَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله وَخَالَفَ أَمْر رَبّه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل : ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11300 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا خَالِصَة يَوْم الْقِيَامَة } يَقُول : شَارَكَ الْمُسْلِمُونَ الْكُفَّار فِي الطَّيِّبَات , فَأَكَلُوا مِنْ طَيِّبَات طَعَامهَا , وَلَبِسُوا مِنْ خِيَار ثِيَابهَا , وَنَكَحُوا مِنْ صَالِح نِسَائِهَا , وَخَلَصُوا بِهَا يَوْم الْقِيَامَة. * وَحَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى مَرَّة أُخْرَى بِهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فَقَالَ : { قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } يَعْنِي : يُشَارِك الْمُسْلِمُونَ الْمُشْرِكِينَ فِي الطَّيِّبَات فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا , ثُمَّ يُخَلِّص اللَّه الطَّيِّبَات فِي الْآخِرَة لِلَّذِينَ آمَنُوا , وَلَيْسَ لِلْمُشْرِكِينَ فِيهَا شَيْء . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَة اللَّه الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَات مِنْ الرِّزْق قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا خَالِصَة يَوْم الْقِيَامَة } يَقُول : قُلْ هِيَ فِي الْآخِرَة خَالِصَة لِمَنْ آمَنَ بِي فِي الدُّنْيَا , لَا يُشْرِكهُمْ فِيهَا أَحَد ; وَذَلِكَ أَنَّ الزِّينَة فِي الدُّنْيَا لِكُلِّ بَنِي آدَم , فَجَعَلَهَا اللَّه خَالِصَة لِأَوْلِيَائِهِ فِي الْآخِرَة . 11301 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سَلَمَة بْن نُبَيْط , عَنْ الضَّحَّاك : { قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا خَالِصَة يَوْم الْقِيَامَة } قَالَ : الْيَهُود وَالنَّصَارَى يُشْرِكُونَكُمْ فِيهَا فِي الدُّنْيَا , وَهِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا خَالِصَة يَوْم الْقِيَامَة . 11302 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن : { قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا خَالِصَة يَوْم الْقِيَامَة } خَالِصَة لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الْآخِرَة لَا يُشَارِكهُمْ فِيهَا الْكُفَّار , فَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَقَدْ شَارَكُوهُمْ. 11303 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا خَالِصَة يَوْم الْقِيَامَة } مَنْ عَمِلَ بِالْإِيمَانِ فِي الدُّنْيَا خَلَصَتْ لَهُ كَرَامَة اللَّه يَوْم الْقِيَامَة , وَمَنْ تَرَكَ الْإِيمَان فِي الدُّنْيَا قَدِمَ عَلَى رَبّه لَا عُذْر لَهُ . 11304 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } يَشْتَرِك فِيهَا مَعَهُمْ الْمُشْرِكُونَ , { خَالِصَة يَوْم الْقِيَامَة } لِلَّذِينَ آمَنُوا . 11305 - حَدَّثَنِي عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَة اللَّه الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَات مِنْ الرِّزْق قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا خَالِصَة يَوْم الْقِيَامَة } يَقُول : الْمُشْرِكُونَ يُشَارِكُونَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا فِي اللِّبَاس وَالطَّعَام وَالشَّرَاب , وَيَوْم الْقِيَامَة يَخْلُص اللِّبَاس وَالطَّعَام وَالشَّرَاب لِلْمُؤْمِنِينَ , وَلَيْسَ لِلْمُشْرِكِينَ فِي شَيْء مِنْ ذَلِكَ نَصِيب . 11306 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : الدُّنْيَا يُصِيب مِنْهَا الْمُؤْمِن وَالْكَافِر , وَيَخْلُص خَيْر الْآخِرَة لِلْمُؤْمِنِينَ , وَلَيْسَ لِلْكَافِرِ فِيهَا نَصِيب . 11307 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : { قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا خَالِصَة يَوْم الْقِيَامَة } قَالَ : هَذِهِ يَوْم الْقِيَامَة لِلَّذِينَ آمَنُوا , لَا يُشْرِكهُمْ فِيهَا أَهْل الْكُفْر وَيُشْرِكُونَهُمْ فِيهَا فِي الدُّنْيَا , وَإِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة فَلَيْسَ لَهُمْ فِيهَا قَلِيل وَلَا كَثِير . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر فِي ذَلِكَ , بِمَا : 11308 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن أَبَان وَحَبُّويَةُ الرَّازِيّ أَبُو يَزِيد عَنْ يَعْقُوب الْقُمِّيّ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا خَالِصَة يَوْم الْقِيَامَة } قَالَ : يَنْتَفِعُونَ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَلَا يَتْبَعهُمْ إِثْمهَا . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله " خَالِصَة " , فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء الْمَدِينَة : " خَالِصَة " بِرَفْعِهَا , بِمَعْنَى : قُلْ هِيَ خَالِصَة لِلَّذِينَ آمَنُوا. وَقَرَأَهُ سَائِر قُرَّاء الْأَمْصَار : { خَالِصَة } بِنَصْبِهَا عَلَى الْحَال مِنْ لَهُمْ , وَقَدْ تُرِكَ ذِكْرهَا مِنْ الْكَلَام اِكْتِفَاء مِنْهَا بِدَلَالَةِ الظَّاهِر عَلَيْهَا , عَلَى مَا قَدْ وَصَفْت فِي تَأْوِيل الْكَلَام أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا مُشْتَرَكَة , وَهِيَ لَهُمْ فِي الْآخِرَة خَالِصَة . وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ بِالنَّصْبِ جَعَلَ خَبَر " هِيَ " فِي قَوْله : { لِلَّذِينَ آمَنُوا } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ عِنْدِي بِالصِّحَّةِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ نَصْبًا , لِإِيثَارِ الْعَرَب النَّصْب فِي الْفِعْل إِذَا تَأَخَّرَ بَعْد الِاسْم وَالصِّفَة وَإِنْ كَانَ الرَّفْع جَائِزًا , غَيْر أَنَّ ذَلِكَ أَكْثَر فِي كَلَامهمْ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كَذَلِكَ نُفَصِّل الْآيَات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : كَمَا بَيَّنْت لَكُمْ الْوَاجِب عَلَيْكُمْ فِي اللِّبَاس وَالزِّينَة وَالْحَلَال مِنْ الْمَطَاعِم وَالْمَشَارِب وَالْحَرَام مِنْهَا , وَمَيَّزْت بَيْن ذَلِكَ لَكُمْ أَيّهَا النَّاس , كَذَلِكَ أُبَيِّن جَمِيع أَدِلَّتِي وَحُجَجِي وَإعْلَام حَلَالِي وَحَرَامِي وَأَحْكَامِي لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ مَا يُبَيَّن لَهُمْ وَيَفْقَهُونَ مَا يُمَيَّز لَهُمْ .
قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَسورة الأعراف الآية رقم 33
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِش مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْم وَالْبَغْي بِغَيْرِ الْحَقّ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَتَجَرَّدُونَ مِنْ ثِيَابهمْ لِلطَّوَافِ بِالْبَيْتِ , وَيُحَرِّمُونَ أَكْل طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَهُمْ مِنْ رِزْقه أَيّهَا الْقَوْم : إِنَّ اللَّه لَمْ يُحَرِّم مَا تُحَرِّمُونَهُ , بَلْ أَحَلَّ ذَلِكَ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَطَيَّبَهُ لَهُمْ . وَإِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْقَبَائِح مِنْ الْأَشْيَاء , وَهِيَ الْفَوَاحِش , مَا ظَهَرَ مِنْهَا فَكَانَ عَلَانِيَة , وَمَا بَطَنَ مِنْهَا فَكَانَ سِرًّا فِي خَفَاء . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِد فِي ذَلِكَ مَا : 11309 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثني عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا أَبُو سَعْد , قَالَ : سَمِعْت مُجَاهِدًا يَقُول فِي قَوْله : { مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } قَالَ : مَا ظَهَرَ مِنْهَا طَوَاف أَهْل الْجَاهِلِيَّة عُرَاة , وَمَا بَطَنَ : الزِّنَا . وَقَدْ ذَكَرْت اِخْتِلَاف أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ بِالرِّوَايَاتِ فِيمَا مَضَى فَكَرِهْتُ إِعَادَته. وَأَمَّا الْإِثْم : فَإِنَّهُ الْمَعْصِيَة . وَالْبَغْي : الِاسْتِطَالَة عَلَى النَّاس . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِش مَعَ الْإِثْم وَالْبَغْي عَلَى النَّاس . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11310 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَالْإِثْم وَالْبَغْي } أَمَّا الْإِثْم : فَالْمَعْصِيَة , وَالْبَغْي : أَنْ يَبْغِي عَلَى النَّاس بِغَيْرِ الْحَقّ . 11311 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا أَبُو سَعْد , قَالَ : سَمِعْت مُجَاهِدًا فِي قَوْله : { مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْم وَالْبَغْي } قَالَ : نَهَى عَنْ الْإِثْم وَهِيَ الْمَعَاصِي كُلّهَا , وَأَخْبَرَ أَنَّ الْبَاغِي بَغْيه كَائِن عَلَى نَفْسه .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّل بِهِ سُلْطَانًا } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِش وَالشِّرْك بِهِ أَنْ تَعْبُدُوا مَعَ اللَّه إِلَهًا غَيْره , { مَا لَمْ يُنَزِّل بِهِ سُلْطَانًا } يَقُول : حَرَّمَ رَبّكُمْ عَلَيْكُمْ أَنْ تَجْعَلُوا مَعَهُ فِي عِبَادَته شِرْكًا لِشَيْءٍ لَمْ يُجْعَل لَكُمْ فِي إِشْرَاككُمْ إِيَّاهُ فِي عِبَادَته حُجَّة وَلَا بُرْهَانًا , وَهُوَ السُّلْطَان .

{ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّه مَا لَا تَعْلَمُونَ } يَقُول : وَأَنْ تَقُولُوا : إِنَّ اللَّه أَمَرَكُمْ بِالتَّعَرِّي وَالتَّجَرُّد لِلطَّوَافِ بِالْبَيْتِ , وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ أَكْل هَذِهِ الْأَنْعَام الَّتِي حَرَّمْتُمُوهَا وَسَيَّبْتُمُوهَا وَجَعَلْتُمُوهَا وَسَائِل وَحَوَامِي , وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا لَا تَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّه حَرَّمَهُ أَوْ أَمَرَ بِهِ أَوْ أَبَاحَهُ , فَتُضِيفُوا إِلَى اللَّه تَحْرِيمه وَحَظْره وَالْأَمْر بِهِ , فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّه عَلَيْكُمْ دُون مَا تَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّه حَرَّمَهُ أَوْ تَقُولُونَ إِنَّ اللَّه أَمَرَكُمْ بِهِ جَهْلًا مِنْكُمْ بِحَقِيقَةِ مَا تَقُولُونَ وَتُضِيفُونَهُ إِلَى اللَّه .
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَسورة الأعراف الآية رقم 34
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلِكُلِّ أُمَّة أَجَل } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُهَدِّدًا لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَة قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاَللَّه أَمَرَنَا بِهَا , وَوَعِيدًا مِنْهُ لَهُمْ عَلَى كَذِبهمْ عَلَيْهِ وَعَلَى إِصْرَارهمْ عَلَى الشِّرْك بِهِ وَالْمُقَام عَلَى كُفْرهمْ , وَمُذَكِّرًا لَهُمْ مَا أَحَلَّ بِأَمْثَالِهِمْ مِنْ الْأُمَم الَّذِينَ كَانُوا قَبْلهمْ : { وَلِكُلِّ أُمَّة أَجَل } يَقُول : وَلِكُلِّ جَمَاعَة اِجْتَمَعَتْ عَلَى تَكْذِيب رُسُل اللَّه وَرَدّ نَصَائِحهمْ , وَالشِّرْك بِاَللَّهِ مَعَ مُتَابَعَة رَبّهمْ حُجَجه عَلَيْهِمْ , أَجَل , يَعْنِي : وَقْت لِحُلُولِ الْعُقُوبَات بِسَاحَتِهِمْ , وَنُزُول الْمَثُلَات بِهِمْ عَلَى شِرْكهمْ .

{ فَإِذَا جَاءَ أَجَلهمْ } يَقُول : فَإِذَا جَاءَ الْوَقْت الَّذِي وَقَّتَهُ اللَّه لِهَلَاكِهِمْ وَحُلُول الْعِقَاب بِهِمْ

{ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَة } يَقُول : لَا يَتَأَخَّرُونَ بِالْبَقَاءِ فِي الدُّنْيَا وَلَا يَتَمَتَّعُونَ بِالْحَيَاةِ فِيهَا عَنْ وَقْت هَلَاكهمْ وَحِين حُلُول أَجَل فِنَائِهِمْ سَاعَة مِنْ سَاعَات الزَّمَان .

{ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ } يَقُول : وَلَا يَتَقَدَّمُونَ بِذَلِكَ أَيْضًا عَنْ الْوَقْت الَّذِي جَعَلَهُ اللَّه لَهُمْ وَقْتًا لِلْهَلَاكِ .
يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَسورة الأعراف الآية رقم 35
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا بَنِي آدَم إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُل مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنْ اِتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُعَرِّفًا خَلْقه مَا أَعَدَّ لِحِزْبِهِ وَأَهْل طَاعَته وَالْإِيمَان بِهِ وَبِرَسُولِهِ , وَمَا أَعَدَّ لِحِزْبِ الشَّيْطَان وَأَوْلِيَائِهِ وَالْكَافِرِينَ بِهِ وَبِرُسُلِهِ : { يَا بَنِي آدَم إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُل مِنْكُمْ } يَقُول : إِنْ يَجِئْكُمْ رُسُلِي الَّذِينَ أُرْسِلهُمْ إِلَيْكُمْ بِدُعَائِكُمْ إِلَى طَاعَته وَالِانْتِهَاء إِلَى أَمْرِي وَنَهْيِي مِنْكُمْ , يَعْنِي : مِنْ أَنْفُسكُمْ , وَمِنْ عَشَائِركُمْ وَقَبَائِلكُمْ. { يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي } يَقُول : يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَات كِتَابِي , وَيُعَرِّفُونَكُمْ أَدِلَّتِي وَأَعْلَامِي عَلَى صِدْق مَا جَاءُوكُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِي , وَحَقِيقَة مَا دَعَوْكُمْ إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِي . { فَمَنْ اِتَّقَى وَأَصْلَحَ } يَقُول : فَمَنْ آمَنَ مِنْكُمْ بِمَا أَتَاهُ بِهِ رُسُلِي مِمَّا قَصَّ عَلَيْهِ مِنْ آيَاتِي وَصَدَّقَ وَاتَّقَى اللَّه , فَخَافَهُ بِالْعَمَلِ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ وَالِانْتِهَاء عَمَّا نَهَاهُ عَنْهُ , عَلَى لِسَان رَسُوله . { وَأَصْلَحَ } يَقُول : وَأَصْلَحَ أَعْمَاله الَّتِي كَانَ لَهَا مُفْسِدًا قَبْل ذَلِكَ مِنْ مَعَاصِي اللَّه بِالتَّحَوُّبِ مِنْهَا . { فَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ } يَقُول : فَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ يَوْم الْقِيَامَة مِنْ عِقَاب اللَّه إِذَا وَرَدُوا عَلَيْهِ . { وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } . عَلَى مَا فَاتَهُمْ مِنْ دُنْيَاهُمْ الَّتِي تَرَكُوهَا , وَشَهَوَاتهمْ الَّتِي تَجَنَّبُوهَا , اِتِّبَاعًا مِنْهُمْ لِنَهْيِ اللَّه عَنْهَا إِذَا عَايَنُوا مِنْ كَرَامَة اللَّه مَا عَايَنُوا هُنَالِكَ . 11312 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا هِشَام أَبُو عَبْد اللَّه , قَالَ : ثنا هَيَّاج , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن زِيَاد , عَنْ أَبِي سَيَّار السُّلَمِيّ , قَالَ : إِنَّ اللَّه جَعَلَ آدَم وَذُرِّيَّته فِي كَفّه , فَقَالَ : { يَا بَنِي آدَم إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُل مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِي فَمَنْ اِتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } ثُمَّ نَظَرَ إِلَى الرُّسُل فَقَالَ : { يَا أَيّهَا الرُّسُل كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَات وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيم وَإنَّ هَذِهِ أُمَّتكُمْ أُمَّة وَاحِدَة وَأَنَا رَبّكُمْ فَاتَّقُونِ } 23 51 : 52 ثُمَّ بَثَّهُمْ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : مَا جَوَاب قَوْله : { إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُل مِنْكُمْ } ؟ قِيلَ : قَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ فِي ذَلِكَ : الْجَوَاب مُضْمَر , يَدُلّ عَلَيْهِ مَا ظَهَرَ مِنْ الْكَلَام , وَذَلِكَ قَوْله : { فَمَنْ اِتَّقَى وَأَصْلَحَ } وَذَلِكَ لِأَنَّهُ حِين قَالَ : { فَمَنْ اِتَّقَى وَأَصْلَحَ } كَأَنَّهُ قَالَ : فَأَطِيعُوهُمْ . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : الْجَوَاب : " فَمَنْ اِتَّقَى " , لِأَنَّ مَعْنَاهُ , فَمَنْ اِتَّقَى مِنْكُمْ وَأَصْلَحَ قَالَ : وَيَدُلّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ , تَبْعِيضه الْكَلَام , فَكَانَ فِي التَّبْعِيض اِكْتِفَاء مِنْ ذِكْر " مِنْكُمْ " .
وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَسورة الأعراف الآية رقم 36
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَأَمَّا مَنْ كَذَّبَ بِأَنْبَاءِ رُسُلِي الَّتِي أرْسَلْتهَا إِلَيْهِ وَجَحَدَ تَوْحِيدِي وَكَفَرَ بِمَا جَاءَ بِهِ رُسُلِي وَاسْتَكْبَرَ عَنْ تَصْدِيق حُجَجِي وَأَدِلَّتِي , { فَأُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } يَقُول : هُمْ فِي نَار جَهَنَّم مَاكِثُونَ , لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا أَبَدًا .
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُواْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَسورة الأعراف الآية رقم 37
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ أَظْلَم مِمَّنْ اِفْتَرَى عَلَى اللَّه كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالهُمْ نَصِيبهمْ مِنْ الْكِتَاب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَمَنْ أَخَطَأ فِعْلًا وَأَجْهَل قَوْلًا وَأَبْعَد ذَهَابًا عَنْ الْحَقّ وَالصَّوَاب { مِمَّنْ اِفْتَرَى عَلَى اللَّه كَذِبًا } يَقُول : مِمَّنْ اِخْتَلَقَ عَلَى اللَّه زُورًا مِنْ الْقَوْل , فَقَالَ إِذَا فَعَلَ فَاحِشَة : إِنَّ اللَّه أَمَرَنَا بِهَا . { أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ } يَقُول : أَوْ كَذَّبَ بِأَدِلَّتِهِ وَأَعْلَامه الدَّالَّة عَلَى وَحْدَانِيّته وَنُبُوَّة أَنْبِيَائِهِ , فَجَحَدَ حَقِيقَتهَا وَدَافَعَ صِحَّتهَا . { أُولَئِكَ } يَقُول : مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَافْتَرَى عَلَى اللَّه الْكَذِب وَكَذَّبَ بِآيَاتِهِ , { أُولَئِكَ يَنَالهُمْ نَصِيبهمْ مِنْ الْكِتَاب } يَقُول : يَصِل إِلَيْهِمْ حَظّهمْ مِمَّا كَتَبَ اللَّه لَهُمْ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي صِفَة ذَلِكَ النَّصِيب الَّذِي لَهُمْ فِي الْكِتَاب وَمَا هُوَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ عَذَاب اللَّه الَّذِي أَعَدَّهُ لِأَهْلِ الْكُفْر بِهِ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11313 - حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا مَرْوَان , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ أَبِي صَالِح , قَوْله : { أُولَئِكَ يَنَالهُمْ نَصِيبهمْ مِنْ الْكِتَاب } : أَيْ مِنْ الْعَذَاب. * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ أَبِي صَالِح , مِثْله . 11314 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { أُولَئِكَ يَنَالهُمْ نَصِيبهمْ مِنْ الْكِتَاب } يَقُول : مَا كُتِبَ لَهُمْ مِنْ الْعَذَاب . 11315 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ كَثِير بْن زِيَاد , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { أُولَئِكَ يَنَالهُمْ نَصِيبهمْ مِنْ الْكِتَاب } قَالَ : مِنْ الْعَذَاب. * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ أَبِي سَهْل , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : مِنْ الْعَذَاب . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ رَجُل , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : مِنْ الْعَذَاب . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أُولَئِكَ يَنَالهُمْ نَصِيبهمْ مِمَّا سَبَقَ لَهُمْ مِنْ الشَّقَاء وَالسَّعَادَة. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11316 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن آدَم , عَنْ شَرِيك , عَنْ سَعِيد : { أُولَئِكَ يَنَالهُمْ نَصِيبهمْ مِنْ الْكِتَاب } قَالَ : مِنْ الشِّقْوَة وَالسَّعَادَة. 11317 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد : { أُولَئِكَ يَنَالهُمْ نَصِيبهمْ مِنْ الْكِتَاب } كَشَقِيٍّ وَسَعِيد . 11318 - حَدَّثَنَا وَاصِل بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن فُضَيْل , عَنْ الْحَسَن اِبْن عَمْرو الْفُقَيْمِيّ , عَنْ الْحَكَم قَالَ : سَمِعْت مُجَاهِدًا يَقُول : { أُولَئِكَ يَنَالهُمْ نَصِيبهمْ مِنْ الْكِتَاب } قَالَ : هُوَ مَا سَبَقَ . * حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { أُولَئِكَ يَنَالهُمْ نَصِيبهمْ مِنْ الْكِتَاب } : مَا كُتِبَ لَهُمْ مِنْ الشَّقَاوَة وَالسَّعَادَة . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { يَنَالهُمْ نَصِيبهمْ مِنْ الْكِتَاب } : مَا كُتِبَ عَلَيْهِمْ مِنْ الشَّقَاوَة وَالسَّعَادَة , كَشَقِيٍّ وَسَعِيد. 11319 - قَالَ : حَدَّثَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ شَرِيك , عَنْ جَابِر , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { أُولَئِكَ يَنَالهُمْ نَصِيبهمْ مِنْ الْكِتَاب } مِنْ الشَّقَاوَة وَالسَّعَادَة . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن نُمَيْر وَابْن إِدْرِيس , عَنْ الْحَسَن بْن عَمْرو , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد : { أُولَئِكَ يَنَالهُمْ نَصِيبهمْ مِنْ الْكِتَاب } قَالَ : مَا قَدْ سَبَقَ مِنْ الْكِتَاب . 11320 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ فُضَيْل بْن مَرْزُوق , عَنْ عَطِيَّة : { أُولَئِكَ يَنَالهُمْ نَصِيبهمْ مِنْ الْكِتَاب } قَالَ : مَا سَبَقَ لَهُمْ فِي الْكِتَاب . * قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن عَمْرو وَيَحْيَى بْن آدَم , عَنْ شَرِيك , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد : { أُولَئِكَ يَنَالهُمْ نَصِيبهمْ } قَالَ : مِنْ الشَّقَاوَة وَالسَّعَادَة . * قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : مَا قَضَى أَوْ قَدَّرَ عَلَيْهِمْ . 11321 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : { يَنَالهُمْ نَصِيبهمْ مِنْ الْكِتَاب } يَنَالهُمْ الَّذِي كُتِبَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْأَعْمَال . 11322 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَبْد الْحَمِيد , قَالَ : ثنا مَرْوَان بْن مُعَاوِيَة , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن سُمَيْع , عَنْ بَكْر الطَّوِيل , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { أُولَئِكَ يَنَالهُمْ نَصِيبهمْ مِنْ الْكِتَاب } قَالَ : قَوْم يَعْمَلُونَ أَعْمَالًا لَا بُدّ لَهُمْ أَنْ يَعْمَلُوهَا. وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أُولَئِكَ يَنَالهُمْ نَصِيبهمْ مِنْ كِتَابهمْ الَّذِي كُتِبَ لَهُمْ أَوْ عَلَيْهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي الدُّنْيَا مِنْ خَيْر وَشَرّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11323 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { أُولَئِكَ يَنَالهُمْ نَصِيبهمْ مِنْ الْكِتَاب } يَقُول : نَصِيبهمْ مِنْ الْأَعْمَال , مَنْ عَمِلَ خَيْرًا جُزِيَ بِهِ , وَمَنْ عَمِلَ شَرًّا جُزِيَ بِهِ . 11324 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { أُولَئِكَ يَنَالهُمْ نَصِيبهمْ مِنْ الْكِتَاب } قَالَ : مِنْ أَحْكَام الْكِتَاب عَلَى قَدْر أَعْمَالهمْ . 11325 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { أُولَئِكَ يَنَالهُمْ نَصِيبهمْ مِنْ الْكِتَاب } قَالَ : يَنَالهُمْ نَصِيبهمْ فِي الْآخِرَة مِنْ أَعْمَالهمْ الَّتِي عَمِلُوا وَأَسْلَفُوا . * حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { أُولَئِكَ يَنَالهُمْ نَصِيبهمْ مِنْ الْكِتَاب } أَيْ أَعْمَالهمْ , أَعْمَال السُّوء الَّتِي عَمِلُوهَا وَأَسْلَفُوهَا . * حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن الْمِقْدَام , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر , قَالَ : قَالَ أَبِي : { أُولَئِكَ يَنَالهُمْ نَصِيبهمْ مِنْ الْكِتَاب } زَعَمَ قَتَادَة : مِنْ أَعْمَالهمْ الَّتِي عَمِلُوا . 11326 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , عَنْ الضَّحَّاك , قَوْله : { أُولَئِكَ يَنَالهُمْ نَصِيبهمْ مِنْ الْكِتَاب } يَقُول : يَنَالهُمْ نَصِيبهمْ مِنْ الْعَمَل , يَقُول : إِنْ عَمِلَ مِنْ ذَلِكَ نَصِيب خَيْر جُزِيَ خَيْرًا , وَإِنْ عَمِلَ شَرًّا جُزِيَ مِثْله. وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : يَنَالهُمْ نَصِيبهمْ مِمَّا وُعِدُوا فِي الْكِتَاب مِنْ خَيْر أَوْ شَرّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11327 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا زَيْد بْن أَبِي الزَّرْقَاء , عَنْ سُفْيَان , عَنْ جَابِر , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي هَذِهِ الْآيَة : { أُولَئِكَ يَنَالهُمْ نَصِيبهمْ مِنْ الْكِتَاب } قَالَ : مِنْ الْخَيْر وَالشَّرّ . 11328 - قَالَ حَدَّثَنَا زَيْد , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : مَا وُعِدُوا . * حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد : { أُولَئِكَ يَنَالهُمْ نَصِيبهمْ مِنْ الْكِتَاب } قَالَ : مَا وُعِدُوا . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد : { أُولَئِكَ يَنَالهُمْ نَصِيبهمْ مِنْ الْكِتَاب } قَالَ : مَا وُعِدُوا فِيهِ مِنْ خَيْر أَوْ شَرّ . 11329 - قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ جَابِر , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ لَيْث , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { أُولَئِكَ يَنَالهُمْ نَصِيبهمْ مِنْ الْكِتَاب } قَالَ : مَا وُعِدُوا مِثْله . 11330 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : مَا وُعِدُوا فِيهِ مِنْ خَيْر أَوْ شَرّ . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد : { أُولَئِكَ يَنَالهُمْ نَصِيبهمْ مِنْ الْكِتَاب } قَالَ : مَا وُعِدُوا فِيهِ . * حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { أُولَئِكَ يَنَالهُمْ نَصِيبهمْ مِنْ الْكِتَاب } قَالَ : مَا وُعِدُوا مِنْ خَيْر أَوْ شَرّ . * حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَبْد الْحَمِيد , قَالَ : ثنا مَرْوَان بْن مُعَاوِيَة , عَنْ الْحُسَيْن بْن عَمْرو , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { أُولَئِكَ يَنَالهُمْ نَصِيبهمْ مِنْ الْكِتَاب } قَالَ : يَنَالهُمْ مَا سَبَقَ لَهُمْ مِنْ الْكِتَاب . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أُولَئِكَ يَنَالهُمْ نَصِيبهمْ مِنْ الْكِتَاب الَّذِي كَتَبَهُ اللَّه عَلَى مَنْ اِفْتَرَى عَلَيْهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11331 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { أُولَئِكَ يَنَالهُمْ نَصِيبهمْ مِنْ الْكِتَاب } يَقُول : يَنَالهُمْ مَا كُتِبَ عَلَيْهِمْ , يَقُول : قَدْ كُتِبَ لِمَنْ يَفْتَرِي عَلَى اللَّه أَنَّ وَجْهه مُسْوَدّ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أُولَئِكَ يَنَالهُمْ نَصِيبهمْ مِمَّا كُتِبَ لَهُمْ مِنْ الرِّزْق وَالْعُمُر وَالْعَمَل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11332 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن سَعْد , قَالَ : ثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس : { أُولَئِكَ يَنَالهُمْ نَصِيبهمْ مِنْ الْكِتَاب } مِمَّا كُتِبَ لَهُمْ مِنْ الرِّزْق . 11333 - قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن حَرْب , عَنْ اِبْن لَهِيعَة , عَنْ أَبِي صَخْر , عَنْ الْقُرَظِيّ : { أُولَئِكَ يَنَالهُمْ نَصِيبهمْ مِنْ الْكِتَاب } قَالَ : عَمَله وَرِزْقه وَعُمُره. 11334 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { أُولَئِكَ يَنَالهُمْ نَصِيبهمْ مِنْ الْكِتَاب } قَالَ : مِنْ الْأَعْمَال وَالْأَرْزَاق وَالْأَعْمَال , فَإِذَا فَنِيَ هَذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ وَقَدْ فَرَغُوا مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاء كُلّهَا . قَالَ أَبُو جَعْفَر , وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أُولَئِكَ يَنَالهُمْ نَصِيبهمْ مِنْ الْكِتَاب مِمَّا كُتِبَ لَهُمْ مِنْ خَيْر وَشَرّ فِي الدُّنْيَا وَرِزْق وَعَمَل وَأَجَل . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَتْبَعَ ذَلِكَ قَوْله : { حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه } فَأَبَانَ بِإِتْبَاعِهِ ذَلِكَ قَوْله : { أُولَئِكَ يَنَالهُمْ نَصِيبهمْ مِنْ الْكِتَاب } أَنَّ الَّذِي يَنَالهُمْ مِنْ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ مَا كَانَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا أَنْ يَنَالهُمْ , لِأَنَّهُ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ يَنَالهُمْ إِلَى وَقْت مَجِيئِهِمْ رُسُله لِتَقْبِض أَرْوَاحهمْ . وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ نَصِيبهمْ مِنْ الْكِتَاب أَوْ مِمَّا قَدْ أُعِدَّ لَهُمْ فِي الْآخِرَة , لَمْ يَكُنْ مَحْدُودًا بِأَنَّهُ يَنَالهُمْ إِلَى مَجِيء رُسُل اللَّه لِوَفَاتِهِمْ ; لِأَنَّ رُسُل اللَّه لَا تَجِيئهُمْ لِلْوَفَاةِ فِي الْآخِرَة , وَأَنَّ عَذَابهمْ فِي الْآخِرَة لَا آخِر لَهُ وَلَا اِنْقِضَاء فَإِنَّ اللَّه قَدْ قَضَى عَلَيْهِمْ بِالْخُلُودِ فِيهِ , فَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ مَعْنَاهُ مَا اِخْتَرْنَا مِنْ الْقَوْل فِيهِ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلنَا } إِلَى أَنْ جَاءَتْهُمْ رُسُلنَا , يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ اِفْتَرَوْا عَلَى اللَّه الْكَذِب أَوْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبّهمْ , يَنَالهُمْ حُظُوظهمْ الَّتِي كَتَبَ اللَّه لَهُمْ وَسَبَقَ فِي عِلْمه لَهُمْ مِنْ رِزْق وَعَمَل وَأَجَل وَخَيْر وَشَرّ فِي الدُّنْيَا , إِلَى أَنْ تَأْتِيَهُمْ رُسُلنَا لِقَبْضِ أَرْوَاحهمْ . { فَإِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلنَا } يَعْنِي : مَلَك الْمَوْت وَجُنْده . { يَتَوَفَّوْنَهُمْ } يَقُول : يَسْتَوْفُونَ عَدَدهمْ مِنْ الدُّنْيَا إِلَى الْآخِرَة .

{ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه } يَقُول : قَالَتْ الرُّسُل : أَيْنَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَدْعُونَهُمْ أَوْلِيَاء مِنْ دُون اللَّه وَتَعْبُدُونَهُمْ , لَا يَدْفَعُونَ عَنْكُمْ مَا قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ أَمْر اللَّه الَّذِي هُوَ خَالِقكُمْ وَخَالِقهمْ وَمَا قَدْ نَزَلَ بِسَاحَتِكُمْ مِنْ عَظِيم الْبَلَاء , وَهَلَّا يُغِيثُونَكُمْ مِنْ كَرْب مَا أَنْتُمْ فِيهِ فَيُنْقِذُونَكُمْ مِنْهُ ! فَأَجَابَهُمْ الْأَشْقِيَاء , فَقَالُوا : ضَلَّ عَنَّا أَوْلِيَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُون اللَّه ; يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { ضَلُّوا } : جَارُوا وَأَخَذُوا غَيْر طَرِيقنَا وَتَرَكُونَا عِنْد حَاجَتنَا إِلَيْهِمْ فَلَمْ يَنْفَعُونَا. يَقُول اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَشَهِدَ الْقَوْم حِينَئِذٍ عَلَى أَنْفُسهمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ بِاَللَّهِ جَاحِدِينَ وَحْدَانِيّته .
قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِن لاَّ تَعْلَمُونَسورة الأعراف الآية رقم 38
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ اُدْخُلُوا فِي أُمَم قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلكُمْ مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْس فِي النَّار كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّة لَعَنَتْ أُخْتهَا } وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ قِيله لِهَؤُلَاءِ الْمُفْتَرِينَ عَلَيْهِ الْمُكَذِّبِينَ آيَاته يَوْم الْقِيَامَة , يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ لَهُمْ حِين وُرِدُوا عَلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة : اُدْخُلُوا أَيّهَا الْمُفْتَرُونَ عَلَى رَبّكُمْ الْمُكَذِّبُونَ رُسُله فِي جَمَاعَات مِنْ ضُرَبَائِكُمْ { قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلكُمْ } يَقُول : قَدْ سَلَفَتْ مِنْ قَبْلكُمْ مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْس فِي النَّار . وَمَعْنَى ذَلِكَ : اُدْخُلُوا فِي أُمَم هِيَ فِي النَّار قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلكُمْ مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْس. وَإِنَّمَا يَعْنِي بِالْأُمَمِ : الْأَحْزَاب وَأَهْل الْمِلَل الْكَافِرَة . { كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّة لَعَنَتْ أُخْتهَا } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : كُلَّمَا دَخَلَتْ النَّار جَمَاعَة مِنْ أَهْل مِلَّة لَعَنَتْ أُخْتهَا , يَقُول : شَتَمَتْ الْجَمَاعَة الْأُخْرَى مِنْ أَهْل مِلَّتهَا تَبَرِّيًا مِنْهَا . وَإِنَّمَا عَنَى بِالْأُخْتِ : الْأُخُوَّة فِي الدِّين وَالْمِلَّة ; وَقِيلَ أُخْتهَا وَلَمْ يَقُلْ أَخَاهَا , لِأَنَّهُ عَنَى بِهَا أُمَّة وَجَمَاعَة أُخْرَى , كَأَنَّهُ قِيلَ : كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّة لَعَنَتْ أُمَّة أُخْرَى مِنْ أَهْل مِلَّتهَا وَدِينهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11335 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّة لَعَنَتْ أُخْتهَا } يَقُول : كُلَّمَا دَخَلَتْ أَهْل مِلَّة لَعَنُوا أَصْحَابهمْ عَلَى ذَلِكَ الدِّين , يَلْعَن الْمُشْرِكُونَ الْمُشْرِكِينَ وَالْيَهُود الْيَهُود وَالنَّصَارَى النَّصَارَى وَالصَّابِئُونَ الصَّابِئِينَ وَالْمَجُوس الْمَجُوس , تَلْعَن الْآخِرَة الْأُولَى .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : حَتَّى إِذَا تَدَارَكَتْ الْأُمَم فِي النَّار جَمِيعًا , يَعْنِي : اِجْتَمَعَتْ فِيهَا , يُقَال : قَدْ ادَّارَكُوا وَتَدَارَكُوا : إِذَا اِجْتَمَعُوا , يَقُول : اِجْتَمَعَ فِيهَا الْأَوَّلُونَ مِنْ أَهْل الْمِلَل الْكَافِرَة وَالْآخَرُونَ مِنْهُمْ.

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنْ النَّار قَالَ لِكُلٍّ ضِعْف } وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ مُحَاوَرَة الْأَحْزَاب مِنْ أَهْل الْمِلَل الْكَافِرَة فِي النَّار يَوْم الْقِيَامَة , يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره : فَإِذَا اِجْتَمَعَ أَهْل الْمِلَل الْكَافِرَة فِي النَّار فَادَّارَكُوا , قَالَتْ أُخْرَى هَلْ كُلّ مِلَّة دَخَلَتْ النَّار الَّذِينَ كَانُوا فِي الدُّنْيَا بَعْد أُولَى مِنْهُمْ تَقَدَّمَتْهَا وَكَانَتْ لَهَا سَلَفًا وَإِمَامًا فِي الضَّلَالَة وَالْكُفْر لِأُولَاهَا الَّذِينَ كَانُوا قَبْلهمْ فِي الدُّنْيَا : رَبّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا عَنْ سَبِيلك وَدَعَوْنَا إِلَى عِبَادَة غَيْرك وَزَيَّنُوا لَنَا طَاعَة الشَّيْطَان , فَآتِهِمْ الْيَوْم مِنْ عَذَابك الضِّعْف عَلَى عَذَابنَا . كَمَا : 11336 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : قَالَتْ أُخْرَاهُمْ الَّذِينَ كَانُوا فِي آخِر الزَّمَان لِأُولَاهُمْ الَّذِينَ شَرَعُوا لَهُمْ ذَلِكَ الدِّين : { رَبّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنْ النَّار } وَأَمَّا قَوْله : { قَالَ لِكُلٍّ ضِعْف وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ } فَإِنَّهُ خَبَر مِنْ اللَّه عَنْ جَوَابه لَهُمْ , يَقُول : قَالَ اللَّه لِلَّذِينَ يَدْعُونَهُ فَيَقُولُونَ : رَبّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنْ النَّار لِكُلِّكُمْ , أَوَّلكُمْ وَآخِركُمْ وَتَابِعُوكُمْ وَمُتَّبِعُوكُمْ ضِعْف , يَقُول : مُكَرَّر عَلَيْهِ الْعَذَاب . وَضِعْف الشَّيْء : مِثْله مَرَّة : وَكَانَ مُجَاهِد يَقُول فِي ذَلِكَ , مَا : 11337 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { عَذَابًا ضِعْفًا مِنْ النَّار قَالَ لِكُلٍّ ضِعْف } * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11338 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ اللَّه : { لِكُلٍّ ضِعْف } لِلْأُولَى وَلِلْآخِرَةِ ضِعْف . 11339 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : ثني غَيْر وَاحِد , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ مُرَّة , عَنْ عَبْد اللَّه : { ضِعْفًا مِنْ النَّار } قَالَ : أَفَاعِي . * حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ مُرَّة , عَنْ عَبْد اللَّه : { فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنْ النَّار } قَالَ : حَيَّات وَأَفَاعِي . وَقِيلَ : إِنَّ الضِّعْف فِي كَلَام الْعَرَب مَا كَانَ ضِعْفَيْنِ ; وَالْمُضَاعَف مَا كَانَ أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ .

وَقَوْله : { وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ } يَقُول : وَلَكِنَّكُمْ يَا مَعْشَر أَهْل النَّار , لَا تَعْلَمُونَ مَا قَدْر مَا أَعَدَّ اللَّه لَكُمْ مِنْ الْعَذَاب , فَلِذَلِكَ تَسْأَل الضِّعْف مِنْهُ الْأُمَّة الْكَافِرَة الْأُخْرَى لِأُخْتِهَا الْأُولَى .
وَقَالَتْ أُولاهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَسورة الأعراف الآية رقم 39
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْل فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَقَالَتْ أُولَى كُلّ أُمَّة وَمِلَّة سَبَقَتْ فِي الدُّنْيَا لِأُخْرَاهَا الَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدهمْ وَحَدَثُوا بَعْد زَمَانهمْ فِيهَا , فَسَلَكُوا سَبِيلهمْ وَاسْتَنُّوا سُنَّتهمْ : { فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْل } و قَدْ عَلِمْتُمْ مَا حَلَّ بِنَا مِنْ عُقُوبَة اللَّه بِمَعْصِيَتِنَا إِيَّاهُ وَكُفْرنَا بِهِ , وَجَاءَتْنَا وَجَاءَتْكُمْ بِذَلِكَ الرُّسُل وَالنُّذُر , هَلْ اِنْتَهَيْتُمْ إِلَى طَاعَة اللَّه , وَارْتَدَعْتُمْ عَنْ غَوَايَتكُمْ وَضَلَالَتكُمْ ؟ فَانْقَضَتْ حُجَّة الْقَوْم وَخُصِمُوا وَلَمْ يُطِيقُوا جَوَابًا بِأَنْ يَقُولُوا فُضِّلْنَا عَلَيْكُمْ أَنَّا اِعْتَبَرْنَا بِكُمْ فَآمَنَّا بِاَللَّهِ وَصَدَّقْنَا رُسُله , قَالَ اللَّه لِجَمِيعِهِمْ : فَذُوقُوا جَمِيعكُمْ أَيّهَا الْكَفَرَة عَذَاب جَهَنَّم , بِمَا كُنْتُمْ فِي الدُّنْيَا تَكْسِبُونَ مِنْ الْآثَام وَالْمَعَاصِي , وَتَجْتَرِحُونَ مِنْ الذُّنُوب وَالْإِجْرَام ! وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11340 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر , قَالَ : سَمِعْت عِمْرَان , عَنْ أَبِي مِجْلَز : { وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْل فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ } قَالَ : يَقُول : فَمَا فَضْلكُمْ عَلَيْنَا , وَقَدْ بُيِّنَ لَكُمْ مَا صُنِعَ بِنَا وَحُذِّرْتُمْ . 11341 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْل } فَقَدْ ضَلَلْتُمْ كَمَا ضَلَلْنَا . وَكَانَ مُجَاهِد يَقُول فِي هَذَا بِمَا : 11342 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْل } قَالَ : مِنْ التَّخْفِيف مِنْ الْعَذَاب . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْل } قَالَ : مِنْ تَخْفِيف . وَهَذَا الْقَوْل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ مُجَاهِد قَوْل لَا مَعْنَى لَهُ , لِأَنَّ قَوْل الْقَائِلِينَ : فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْل , لِمَنْ قَالُوا ذَلِكَ ; إِنَّمَا هُوَ تَوْبِيخ مِنْهُمْ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُمْ قَبْل تِلْكَ الْحَال , يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ دُخُول " كَانَ " فِي الْكَلَام , وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ تَوْبِيخًا لَهُمْ عَلَى قِيلهمْ الَّذِي قَالُوا لِرَبِّهِمْ : آتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنْ النَّار , لَكَانَ التَّوْبِيخ أَنْ يُقَال : فَمَا لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْل فِي تَخْفِيف الْعَذَاب عَنْكُمْ وَقَدْ نَالَكُمْ مِنْ الْعَذَاب مَا قَدْ نَالَنَا . وَلَمْ يَقُلْ : فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْل .
إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَسورة الأعراف الآية رقم 40
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّح لَهُمْ أَبْوَاب السَّمَاء } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِحُجَجِنَا وَأَدِلَّتنَا فَلَمْ يُصَدِّقُوا بِهَا وَلَمْ يَتَّبِعُوا رُسُلنَا , { وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا } يَقُول : وَتَكَبَّرُوا عَنْ التَّصْدِيق بِهَا وَأَنِفُوا مِنْ اِتِّبَاعهَا وَالِانْقِيَاد لَهَا تَكَبُّرًا , لَا تُفَتَّح لَهُمْ لِأَرْوَاحِهِمْ إِذَا خَرَجَتْ مِنْ أَجْسَادهمْ أَبْوَاب السَّمَاء , وَلَا يَصْعَد لَهُمْ فِي حَيَاتهمْ إِلَى اللَّه قَوْل وَلَا عَمَل , لِأَنَّ أَعْمَالهمْ خَبِيثَة . وَإِنَّمَا يُرْفَع الْكَلِم الطَّيِّب وَالْعَمَل الصَّالِح , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إِلَيْهِ يَصْعَد الْكَلِم الطَّيِّب وَالْعَمَل الصَّالِح يَرْفَعهُ } 35 10 ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { لَا تُفَتَّح لَهُمْ أَبْوَاب السَّمَاء } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : لَا تُفَتَّح لِأَرْوَاحِ هَؤُلَاءِ الْكُفَّار أَبْوَاب السَّمَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11343 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَعْلَى , عَنْ أَبِي سِنَان , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { لَا تُفَتَّح لَهُمْ أَبْوَاب السَّمَاء } قَالَ : عَنَى بِهَا الْكُفَّار أَنَّ السَّمَاء لَا تُفَتَّح لِأَرْوَاحِهِمْ وَتُفَتَّح لِأَرْوَاحِ الْمُؤْمِنِينَ . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ أَبِي سِنَان , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : تُفَتَّح السَّمَاء لِرُوحِ الْمُؤْمِن , وَلَا تُفَتَّح لِرُوحِ الْكَافِر. 11344 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { لَا تُفَتَّح لَهُمْ أَبْوَاب السَّمَاء } قَالَ : إِنَّ الْكَافِر إِذَا أُخِذَ رُوحه ضَرَبَتْهُ مَلَائِكَة الْأَرْض حَتَّى يَرْتَفِع إِلَى السَّمَاء , فَإِذَا بَلَغَ السَّمَاء الدُّنْيَا ضَرَبَتْهُ مَلَائِكَة السَّمَاء فَهَبَطَ , فَضَرَبَتْهُ مَلَائِكَة الْأَرْض فَارْتَفَعَ , فَإِذَا بَلَغَ السَّمَاء الدُّنْيَا ضَرَبَتْهُ مَلَائِكَة السَّمَاء الدُّنْيَا , فَهَبَطَ إِلَى أَسْفَل الْأَرَضِينَ ; وَإِذَا كَانَ مُؤْمِنًا أُخِذَ رُوحه , وَفُتِحَ لَهُ أَبْوَاب السَّمَاء , فَلَا يَمُرّ بِمَلَكٍ إِلَّا حَيَّاهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى اللَّه , فَيُعْطِيه حَاجَته , ثُمَّ يَقُول اللَّه : رُدُّوا رُوح عَبْدِي فِيهِ إِلَى الْأَرْض , فَإِنِّي قَضَيْت مِنْ التُّرَاب خَلْقه , وَإِلَى التُّرَاب يَعُود , وَمِنْهُ يَخْرُج . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أَنَّهُ لَا يَصْعَد لَهُمْ عَمَل صَالِح وَلَا دُعَاء إِلَى اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11345 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , عَنْ سُفْيَان , عَنْ لَيْث , عَنْ عَطَاء , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { لَا تُفَتَّح لَهُمْ أَبْوَاب السَّمَاء } : لَا يَصْعَد لَهُمْ قَوْل وَلَا عَمَل . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّح لَهُمْ أَبْوَاب السَّمَاء } يَعْنِي : لَا يَصْعَد إِلَى اللَّه مِنْ عَمَلهمْ شَيْء . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { لَا تُفَتَّح لَهُمْ أَبْوَاب السَّمَاء } يَقُول : لَا تُفَتَّح لِخَيْرٍ يَعْمَلُونَ. 11346 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد : { لَا تُفَتَّح لَهُمْ أَبْوَاب السَّمَاء } قَالَ : لَا يَصْعَد لَهُمْ كَلَام وَلَا عَمَل . 11347 - حَدَّثَنَا مَطَر بْن مُحَمَّد الضَّبِّيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن دَاوُد , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم , فِي قَوْله : { لَا تُفَتَّح لَهُمْ أَبْوَاب السَّمَاء } قَالَ : لَا يَرْتَفِع لَهُمْ عَمَل وَلَا دُعَاء . 11348 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن آدَم , عَنْ شَرِيك , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد : { لَا تُفَتَّح لَهُمْ أَبْوَاب السَّمَاء } قَالَ : لَا يَرْتَفِع لَهُمْ عَمَل وَلَا دُعَاء . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحِمَّانِيّ , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ سَعِيد : { لَا تُفَتَّح لَهُمْ أَبْوَاب السَّمَاء } قَالَ : لَا يُرْفَع لَهُمْ عَمَل صَالِح وَلَا دُعَاء . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : لَا تُفَتَّح أَبْوَاب السَّمَاء لِأَرْوَاحِهِمْ وَلَا لِأَعْمَالِهِمْ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11349 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { لَا تُفَتَّح لَهُمْ أَبْوَاب السَّمَاء } قَالَ : لِأَرْوَاحِهِمْ وَلَا لِأَعْمَالِهِمْ. قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَإِنَّمَا اِخْتَرْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ مَا اِخْتَرْنَا مِنْ الْقَوْل لِعُمُومِ خَبَر اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ أَبْوَاب السَّمَاء لَا تُفَتَّح لَهُمْ , وَلَمْ يُخَصَّص الْخَبَر بِأَنَّهُ يُفَتَّح لَهُمْ فِي شَيْء , فَذَلِكَ عَلَى مَا عَمَّهُ خَبَر اللَّه تَعَالَى بِأَنَّهَا لَا تُفَتَّح لَهُمْ فِي شَيْء مَعَ تَأْيِيد الْخَبَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ . وَذَلِكَ مَا : 11350 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر بْن عَيَّاش , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ الْمِنْهَال , عَنْ زَاذَان , عَنْ الْبَرَاء : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ قَبْض رُوح الْفَاجِر , وَأَنَّهُ يُصْعَد بِهَا إِلَى السَّمَاء , قَالَ : " فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلَا يَمُرُّونَ عَلَى مَلَإٍ مِنْ الْمَلَائِكَة إِلَّا قَالُوا : مَا هَذَا الرُّوح الْخَبِيث , فَيَقُولُونَ : فُلَان بِأَقْبَح أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُدْعَى بِهَا فِي الدُّنْيَا . حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاء فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ فَلَا يُفْتَح لَهُ " . ثُمَّ قَرَأَ رَسُول اللَّه : { لَا تُفَتَّح لَهُمْ أَبْوَاب السَّمَاء وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّة حَتَّى يَلِج الْجَمَل فِي سَمِّ الْخِيَاط } 11351 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ اِبْن أَبِي ذِئْب , عَنْ مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن عَطَاء , عَنْ سَعِيد بْن يَسَار , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : " الْمَيِّت تَحْضُرهُ الْمَلَائِكَة , فَإِذَا كَانَ الرَّجُل الصَّالِح قَالُوا اُخْرُجِي أَيَّتهَا النَّفْس الطَّيِّبَة كَانَتْ فِي الْجَسَد الطَّيِّب , اُخْرُجِي حَمِيدَة , وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَان وَرَبّ غَيْر غَضْبَان ! قَالَ : فَيَقُولُونَ ذَلِكَ حَتَّى يُعْرَج بِهَا إِلَى السَّمَاء فَيُسْتَفْتَح لَهَا , فَيُقَال : مَنْ هَذَا ؟ فَيَقُولُونَ : فُلَان , فَيُقَال : مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الطَّيِّبَة الَّتِي كَانَتْ فِي الْجَسَد الطَّيِّب , اُدْخُلِي حَمِيدَة , وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَان وَرَبّ غَيْر غَضْبَان ! فَيُقَال لَهَا حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى السَّمَاء الَّتِي فِيهَا اللَّه . وَإِذَا كَانَ الرَّجُل السُّوء قَالَ : اُخْرُجِي أَيَّتهَا النَّفْس كَانَتْ فِي الْجَسَد الْخَبِيث , اُخْرُجِي ذَمِيمَة , وَأَبْشِرِي بِحَمِيمٍ وَغَسَّاق وَآخَر مِنْ شَكْله أَزْوَاج ! فَيَقُولُونَ ذَلِكَ حَتَّى تَخْرُج ثُمَّ يُعْرَج بِهَا إِلَى السَّمَاء , فَيُسْتَفْتَح لَهَا , فَيُقَال : مَنْ هَذَا ؟ فَيَقُولُونَ : فُلَان , فَيَقُولُونَ : لَا مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الْخَبِيثَة كَانَتْ فِي الْجَسَد الْخَبِيث , اِرْجِعِي ذَمِيمَة فَإِنَّهُ لَا تُفَتَّح لَك أَبْوَاب السَّمَاء ! فَتُرْسَل بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض فَتَصِير إِلَى الْقَبْر " . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي فُدَيْك , قَالَ : ثني اِبْن أَبِي ذِئْب , عَنْ مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن عَطَاء , عَنْ سَعِيد بْن يَسَار , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة : " لَا يُفْتَح لَهُمْ أَبْوَاب السَّمَاء " بِالْيَاءِ مِنْ يُفَتَّح وَتَخْفِيف التَّاء مِنْهَا , بِمَعْنَى : لَا يُفْتَح لَهُمْ جَمِيعهَا بِمَرَّةٍ وَاحِدَة وَفَتْحَة وَاحِدَة . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض الْمَدَنِيِّينَ وَبَعْض الْكُوفِيِّينَ : { لَا تُفَتَّح } بِالتَّاءِ وَتَشْدِيد التَّاء الثَّانِيَة , بِمَعْنَى : لَا يُفْتَح لَهُمْ بَاب بَعْد بَاب وَشَيْء بَعْد شَيْء . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب فِي ذَلِكَ عِنْدِي مِنْ الْقَوْل أَنْ يُقَال : إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ صَحِيحَتَا الْمَعْنَى , وَذَلِكَ أَنَّ أَرْوَاح الْكُفَّار لَا تُفَتَّح لَهَا وَلَا لِأَعْمَالِهِمْ الْخَبِيثَة أَبْوَاب السَّمَاء بِمَرَّةٍ وَاحِدَة وَلَا مَرَّة بَعْد مَرَّة وَبَاب بَعْد بَاب , فَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ فِي ذَلِكَ صَحِيح , وَكَذَلِكَ الْيَاء وَالتَّاء فِي يُفْتَح وَتُفَتَّح , لِأَنَّ الْيَاء بِنَاء عَلَى فِعْل الْوَاحِد لِلتَّوْحِيدِ وَالتَّاء , لِأَنَّ الْأَبْوَاب جَمَاعَة , فَيُخْبَر عَنْهَا خَبَر الْجَمَاعَة .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّة حَتَّى يَلِج الْجَمَل فِي سَمِّ الْخِيَاط } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَلَا يَدْخُل هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا الْجَنَّة الَّتِي أَعَدَّهَا اللَّه لِأَوْلِيَائِهِ الْمُؤْمِنِينَ أَبَدًا , كَمَا لَا يَلِج الْجَمَل فِي سَمِّ الْخِيَاط أَبَدًا , وَذَلِكَ ثُقْب الْإِبْرَة . وَكُلّ ثُقْب فِي عَيْن أَوْ أَنْف أَوْ غَيْر ذَلِكَ , فَإِنَّ الْعَرَب تُسَمِّيه سَمًّا وَتَجْمَعهُ سُمُومًا وَسِمَامًا , وَالسِّمَام فِي جَمْع السُّمّ الْقَاتِل أَشْهَر وَأَفْصَح مِنْ السُّمُوم , وَهُوَ فِي جَمْع السَّمّ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الثُّقْب أَفْصَح , وَكِلَاهُمَا فِي الْعَرَب مُسْتَفِيض , وَقَدْ يُقَال لِوَاحِدِ السُّمُوم الَّتِي هِيَ الثُّقُوب : سَمّ وَسُمّ بِفَتْحِ السِّين وَضَمّهَا , وَمِنْ السَّمّ الَّذِي بِمَعْنَى الثُّقْب قَوْل الْفَرَزْدَق : فَنَفَّسْتُ عَنْ سَمَّيْهِ حَتَّى تَنَفَّسَا وَقُلْت لَهُ لَا تَخْشَ شَيْئًا وَرَائِيَا يَعْنِي بِسَمَّيْهِ : ثُقْبَيْ أَنْفه . وَأَمَّا الْخِيَاط : فَإِنَّهُ الْمِخْيَط وَهِيَ الْإِبْرَة , قِيلَ لَهَا : خِيَاط وَمِخْيَط , كَمَا قِيلَ : قِنَاع وَمِقْنَع , وَإِزَار وَمِئْزَر , وَقِرَام وَمِقْرَم , وَلِحَاف وَمِلْحَف . وَأَمَّا الْقُرَّاء مِنْ جَمِيع الْأَمْصَار , فَإِنَّهَا قَرَأَتْ قَوْله : { فِي سَمِّ الْخِيَاط } بِفَتْحِ السِّين , وَأَجْمَعَتْ عَلَى قِرَاءَة " الْجَمَل " بِفَتْحِ الْجِيم وَالْمِيم وَتَخْفِيف ذَلِكَ . وَأَمَّا اِبْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة وَسَعِيد بْن جُبَيْر , فَإِنَّهُ حُكِيَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْرَءُونَ ذَلِكَ : " الْجُمَّل " بِضَمِّ الْجِيم وَتَشْدِيد الْمِيم , عَلَى اِخْتِلَاف فِي ذَلِكَ عَنْ سَعِيد وَابْن عَبَّاس . فَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوهُ بِالْفَتْحِ مِنْ الْحَرْفَيْنِ وَالتَّخْفِيف , فَإِنَّهُمْ وَجَّهُوا تَأْوِيله إِلَى الْجَمَل الْمَعْرُوف وَكَذَلِكَ فَسَّرُوهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11352 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن طَلْحَة الْيَرْبُوعِيّ , قَالَ : ثنا فُضَيْل بْن عِيَاض , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عَبْد اللَّه فِي قَوْله : { حَتَّى يَلِج الْجَمَل فِي سَمِّ الْخِيَاط } قَالَ : الْجَمَل : اِبْن النَّاقَة , أَوْ زَوْج النَّاقَة. * حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عَبْد اللَّه : { حَتَّى يَلِج الْجَمَل فِي سَمِّ الْخِيَاط } قَالَ : الْجَمَل : زَوْج النَّاقَة . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عَبْد اللَّه , مِثْله . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن مَهْدِيّ , عَنْ هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : الْجَمَل : زَوْج النَّاقَة . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عَبْد اللَّه مِثْله . 11353 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا قُرَّة , قَالَ : سَمِعْت الْحَسَن يَقُول : الْجَمَل الَّذِي يَقُوم فِي الْمِرْبَد . 11354 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن : { حَتَّى يَلِج الْجَمَل فِي سَمِّ الْخِيَاط } قَالَ : حَتَّى يَدْخُل الْبَعِير فِي خَرْق الْإِبْرَة . 11355 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن مَهْدِيّ , عَنْ هُشَيْم , عَنْ عَبَّاد بْن رَاشِد , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : هُوَ الْجَمَل . فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ , قَالَ : هُوَ الْأَشْتَر . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ عَبَّاد بْن رَاشِد , عَنْ الْحَسَن , مِثْله . * حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ يَحْيَى , قَالَ : كَانَ الْحَسَن يَقْرَؤُهَا : { حَتَّى يَلِج الْجَمَل فِي سَمِّ الْخِيَاط } قَالَ : فَذَهَبَ بَعْضهمْ يَسْتَفْهِمهُ , قَالَ : أَشْتَر أَشْتَر . 11356 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو النُّعْمَان عَارِم , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن زَيْد , عَنْ شُعَيْب بْن الْحَبْحَاب , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { حَتَّى يَلِج الْجَمَل } قَالَ : الْجَمَل : الَّذِي لَهُ أَرْبَع قَوَائِم . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ أَبِي حُصَيْن , أَوْ حُصَيْن , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ اِبْن مَسْعُود فِي قَوْله : { حَتَّى يَلِج الْجَمَل فِي سَمِّ الْخِيَاط } قَالَ : زَوْج النَّاقَة , يَعْنِي الْجَمَل . 11357 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , عَنْ الضَّحَّاك : أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : { الْجَمَل } وَهُوَ الَّذِي لَهُ أَرْبَع قَوَائِم. * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو تُمَيْلَة , عَنْ عُبَيْد , عَنْ الضَّحَّاك : { حَتَّى يَلِج الْجَمَل } الَّذِي لَهُ أَرْبَع قَوَائِم. * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا زَيْد بْن الْحُبَاب , عَنْ قُرَّة , عَنْ الْحَسَن : { حَتَّى يَلِج الْجَمَل } قَالَ : الَّذِي بِالْمِرْبَدِ. 11358 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن مَسْعُود أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : " حَتَّى يَلِج الْجَمَل الْأَصْفَر ". 11359 - حَدَّثَنَا نَصْر بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سُلَيْم , قَالَ : ثنا عَبْد الْكَرِيم بْن أَبِي الْمُخَارِق , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { حَتَّى يَلِج الْجَمَل فِي سَمِّ الْخِيَاط } قَالَ : الْجَمَل : اِبْن النَّاقَة , أَوْ بَعْل النَّاقَة . وَأَمَّا الَّذِينَ خَالَفُوا هَذِهِ الْقِرَاءَة فَإِنَّهُمْ اِخْتَلَفُوا , فَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ : إِحْدَاهُمَا الْمُوَافَقَة لِهَذِهِ الْقِرَاءَة وَهَذَا التَّأْوِيل . ذِكْر الرِّوَايَة بِذَلِكَ عَنْهُ : 11360 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { حَتَّى يَلِج الْجَمَل فِي سَمِّ الْخِيَاط } وَالْجَمَل : ذُو الْقَوَائِم . وَذُكِرَ أَنَّ اِبْن مَسْعُود قَالَ ذَلِكَ. 11361 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { حَتَّى يَلِج الْجَمَل فِي سَمِّ الْخِيَاط } : هُوَ الْجَمَل الْعَظِيم لَا يَدْخُل فِي خَرْق الْإِبْرَة مِنْ أَجْل أَنَّهُ أَعْظَم مِنْهَا . وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى مَا : 11362 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن طَلْحَة الْيَرْبُوعِيّ , قَالَ : ثنا فُضَيْل بْن عِيَاض , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس : فِي قَوْله : " حَتَّى يَلِج الْجُمَّل فِي سَمِّ الْخِيَاط " قَالَ : هُوَ قَلْس السَّفِينَة . 11363 - حَدَّثَنِي عَبْد الْأَعْلَى بْن وَاصِل , قَالَ : ثنا أَبُو غَسَّان مَالِك بْن إِسْمَاعِيل , عَنْ خَالِد بْن عَبْد اللَّه الْوَاسِطِيّ , عَنْ حَنْظَلَة السَّدُوسِيّ , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : " حَتَّى يَلِج الْجُمَّل فِي سَمِّ الْخِيَاط " يَعْنِي : الْحَبْل الْغَلِيظ . فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلْحَسَنِ , فَقَالَ : { حَتَّى يَلِج الْجَمَل } قَالَ عَبْد الْأَعْلَى . قَالَ أَبُو غَسَّان , قَالَ خَالِد : يَعْنِي الْبَعِير . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أُسَامَة , عَنْ فُضَيْل , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَرَأَ : " الْجُمَّل " مُثَقَّلَة , وَقَالَ : هُوَ حَبْل السَّفِينَة. * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن مَهْدِيّ , عَنْ هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : " الْجُمَّل " : حِبَال السُّفُن . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن آدَم , عَنْ اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ حَنْظَلَة , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : " حَتَّى يَلِج الْجُمَّل فِي سَمِّ الْخِيَاط " قَالَ : الْحَبْل الْغَلِيظ. * حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس : " حَتَّى يَلِج الْجُمَّل فِي سَمِّ الْخِيَاط " قَالَ : هُوَ الْحَبْل الَّذِي يَكُون عَلَى السَّفِينَة . وَاخْتُلِفَ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَيْضًا فِي ذَلِكَ , فَرُوِيَ عَنْهُ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا مِثْل الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ اِبْن عَبَّاس بِضَمِّ الْجِيم وَتَثْقِيل الْمِيم . ذِكْر الرِّوَايَة بِذَلِكَ عَنْهُ : 11364 - حَدَّثَنَا عِمْرَان بْن مُوسَى الْقَزَّاز , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَارِث بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا حُسَيْن الْمُعَلِّم , عَنْ أَبِي بِشْر عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , أَنَّهُ قَرَأَهَا : " حَتَّى يَلِج الْجُمَّل " يَعْنِي : قُلُوس السُّفُن , يَعْنِي الْحِبَال الْغِلَاظ. وَالْأُخْرَى مِنْهُمَا بِضَمِّ الْجِيم وَتَخْفِيف الْمِيم . ذِكْر الرِّوَايَة بِذَلِكَ عَنْهُ : 11365 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَا : ثنا عَمْرو , عَنْ سَالِم بْن عَجْلَان الْأَفْطَس , قَالَ : قَرَأْت عَلَى أَبِي : حَتَّى يَلِج الْجُمَّل " فَقَالَ : " حَتَّى يَلِج الْجُمَل " خَفِيفَة : هُوَ حَبْل السَّفِينَة , هَكَذَا أَقْرَأَنِيهَا سَعِيد بْن جُبَيْر . وَأَمَّا عِكْرِمَة , فَإِنَّهُ كَانَ يَقْرَأ ذَلِكَ : " الْجُمَّل " بِضَمِّ الْجِيم وَتَشْدِيد الْمِيم , وَبِتَأَوُّلِهِ كَمَا : 11366 - حَدَّثَنِي اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو تُمَيْلَة , عَنْ عِيسَى بْن عُبَيْدَة , قَالَ : سَمِعْت عِكْرِمَة يَقْرَأ " الْجُمَّل " مُثَقَّلَة , وَيَقُول : هُوَ الْحَبْل الَّذِي يُصْعَد بِهِ إِلَى النَّخْل . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُسْلِم بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا كَعْب بْن فَرُّوخ , قَالَ : ثنا قَتَادَة , عَنْ عِكْرِمَة , فِي قَوْله : " حَتَّى يَلِج الْجُمَّل فِي سَمِّ الْخِيَاط " قَالَ : الْحَبْل الْغَلِيظ فِي خَرْق الْإِبْرَة. 11367 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : " حَتَّى يَلِج الْجُمَّل فِي سَمِّ الْخِيَاط " قَالَ : حَبْل السَّفِينَة فِي سَمِّ الْخِيَاط . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه بْن كَثِير : سَمِعْت مُجَاهِدًا يَقُول : الْحَبْل مِنْ حِبَال السُّفُن . وَكَأَنَّ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِتَخْفِيفِ الْمِيم وَضَمَّ الْجِيم عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَلَى مِثَال الصُّرَد وَالْجُعَل وَجَّهَهُ إِلَى جِمَاع جُمْلَة مِنْ الْحِبَال جُمِعَتْ جُمَلًا , كَمَا تُجْمَع الظُّلْمَة ظُلَمًا وَالْخُرْبَة خُرَبًا . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة يُنْكِر التَّشْدِيد فِي الْمِيم , وَيَقُول : إِنَّمَا أَرَادَ الرَّاوِي الْجُمَل بِالتَّخْفِيفِ , فَلَمْ يُفْهَم ذَلِكَ مِنْهُ , فَشَدَّدَهُ . وَحُدِّثْت عَنْ الْفَرَّاء , عَنْ الْكِسَائِيّ أَنَّهُ قَالَ : الَّذِي رَوَاهُ عَنْ اِبْن عَبَّاس كَانَ أَعْجَمِيًّا . وَأَمَّا مَنْ شَدَّدَ الْمِيم وَضَمَّ الْجِيم , فَإِنَّهُ وَجَّهَهُ إِلَى أَنَّهُ اِسْم وَاحِد : وَهُوَ الْحَبْل أَوْ الْخَيْط الْغَلِيظ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدنَا مَا عَلَيْهِ قُرَّاء الْأَمْصَار وَهُوَ : { حَتَّى يَلِج الْجَمَل فِي سَمِّ الْخِيَاط } بِفَتْحِ الْجِيم وَالْمِيم مِنْ " الْجَمَل " وَتَخْفِيفهَا , وَفَتْح السِّين مِنْ " السَّمّ " , لِأَنَّهَا الْقِرَاءَة الْمُسْتَفِيضَة فِي قُرَّاء الْأَمْصَار , وَغَيْر جَائِز مُخَالَفَة مَا جَاءَتْ بِهِ الْحُجَّة مُتَّفِقَة عَلَيْهِ مِنْ الْقُرَّاء , وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي فَتْح السِّين فِي قَوْله : { سَمِّ الْخِيَاط } . إِذْ كَانَ الصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة ذَلِكَ , فَتَأْوِيل الْكَلَام : وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّة حَتَّى يَلِج , وَالْوُلُوج : الدُّخُول مِنْ قَوْلهمْ : وَلَجَ فُلَان الدَّار يَلِج وُلُوجًا , بِمَعْنَى : دَخَلَ الْجَمَل فِي سَمِّ الْإِبْرَة وَهُوَ ثُقْبهَا. وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل قَوْله : { سَمِّ الْخِيَاط } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11368 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة وَابْن مَهْدِيّ وَسُوَيْد الْكَلْبِيّ , عَنْ حَمَّاد بْن زَيْد , عَنْ يَحْيَى بْن عَتِيق , قَالَ : سَأَلْت الْحَسَن , عَنْ قَوْله : { حَتَّى يَلِج الْجَمَل فِي سَمِّ الْخِيَاط } قَالَ : ثُقْب الْإِبْرَة . 11369 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُسْلِم بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا كَعْب بْن فَرُّوخ , قَالَ : ثنا قَتَادَة , عَنْ عِكْرِمَة : { فِي سَمِّ الْخِيَاط } قَالَ : ثُقْب الْإِبْرَة . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن , مِثْله . 11370 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فِي سَمِّ الْخِيَاط } قَالَ : جُحْر الْإِبْرَة. 11371 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فِي سَمِّ الْخِيَاط } يَقُول : جُحْر الْإِبْرَة . 11372 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثني عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فِي سَمِّ الْخِيَاط } قَالَ : فِي ثُقْبه .

{ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ } يَقُول وَكَذَلِكَ نُثِيب الَّذِينَ أَجْرَمُوا فِي الدُّنْيَا مَا اِسْتَحَقُّوا بِهِ مِنْ اللَّه الْعَذَاب الْأَلِيم فِي الْآخِرَة .
لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَسورة الأعراف الآية رقم 41
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَهُمْ مِنْ جَهَنَّم مِهَاد وَمِنْ فَوْقهمْ غَوَاشٍ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا { مِنْ جَهَنَّم مِهَاد } و هُوَ مَا اِمْتَهَدُوهُ مِمَّا يُقْعَد عَلَيْهِ وَيُضْطَجَع كَالْفِرَاشِ الَّذِي يُفْرَش وَالْبِسَاط الَّذِي يُبْسَط . { وَمِنْ فَوْقهمْ غَوَاشٍ } وَهُوَ جَمْع غَاشِيَة , وَذَلِكَ مَا غَشَّاهُمْ فَغَطَّاهُمْ مِنْ فَوْقهمْ . وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام : لَهُمْ مِنْ جَهَنَّم مِهَاد , مِنْ تَحْتهمْ فُرُش وَمِنْ فَوْقهمْ مِنْهَا لُحُف , وَإِنَّهُمْ بَيْن ذَلِكَ . وَبِنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11373 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مُوسَى بْن عُبَيْدَة , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب : { لَهُمْ مِنْ جَهَنَّم مِهَاد } قَالَ : الْفِرَاش , { وَمِنْ فَوْقهمْ غَوَاشٍ } قَالَ : اللُّحُف 11374 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب قَالَ : ثنا جَابِر بْن نُوح , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك : { لَهُمْ مِنْ جَهَنَّم مِهَاد وَمِنْ فَوْقهمْ غَوَاشٍ } قَالَ : الْمِهَاد : الْفُرُش , وَالْغَوَاشِي : اللُّحُف . 11375 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { لَهُمْ مِنْ جَهَنَّم مِهَاد وَمِنْ فَوْقهمْ غَوَاشٍ } أَمَّا الْمِهَاد لَهُمْ : كَهَيْئَةِ الْفِرَاش , وَالْغَوَاشِي : تَتَغَشَّاهُمْ مِنْ فَوْقهمْ .

وَأَمَّا قَوْله { وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ } : فَإِنَّهُ يَقُول : وَكَذَلِكَ نُثِيب وَنُكَافِئ مَنْ ظَلَمَ نَفْسه فَأَكْسَبَهَا مِنْ غَضَب اللَّه مَا لَا قِبَل لَهَا بِهِ بِكُفْرِهِ بِرَبِّهِ وَتَكْذِيبه أَنْبِيَاءَهُ .
وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَسورة الأعراف الآية رقم 42
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات لَا نُكَلِّف نَفْسًا إِلَّا وُسْعهَا أُولَئِكَ أَصْحَاب الْجَنَّة هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَاَلَّذِينَ صَدَقُوا اللَّه وَرَسُوله وَأَقَرُّوا بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ وَحْي اللَّه وَتَنْزِيله وَشَرَائِع دِينه , وَعَمِلُوا مَا أَمَرَهُمْ اللَّه بِهِ فَأَطَاعُوهُ وَتَجَنَّبُوا مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ. { لَا نُكَلِّف نَفْسًا إِلَّا وُسْعهَا } يَقُول : لَا نُكَلِّف نَفْسًا مِنْ الْأَعْمَال إِلَّا مَا يَسَعهَا فَلَا تَحْرَج فِيهِ { أُولَئِكَ } يَقُول : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات , { أَصْحَاب الْجَنَّة } يَقُول : هُمْ أَهْل الْجَنَّة الَّذِينَ هُمْ أَهْلهَا دُون غَيْرهمْ مِمَّنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ , وَعَمِلَ بِسَيِّئَاتِهِمْ { فِيهَا خَالِدُونَ } يَقُول : هُمْ فِي الْجَنَّة مَاكِثُونَ , دَائِم فِيهَا مُكْثهمْ لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا وَلَا يُسْلَبُونَ نَعِيمهمْ .
وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَسورة الأعراف الآية رقم 43
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ مِنْ غِلّ تَجْرِي مِنْ تَحْتهمْ الْأَنْهَار } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَذْهَبْنَا مِنْ صُدُور هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتهمْ وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ أَصْحَاب الْجَنَّة , مَا فِيهَا مِنْ حِقْد وَغِلّ وَعَدَاوَة كَانَ مِنْ بَعْضهمْ فِي الدُّنْيَا عَلَى بَعْض , فَجَعَلَهُمْ فِي الْجَنَّة إِذْ أَدْخَلهُمُوهَا عَلَى سُرَر مُتَقَابِلِينَ , لَا يَحْسُد بَعْضهمْ بَعْضًا عَلَى شَيْء خَصَّ اللَّه بِهِ بَعْضهمْ وَفَضَّلَهُ مِنْ كَرَامَته عَلَيْهِ , تَجْرِي مِنْ تَحْتهمْ أَنْهَار الْجَنَّة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11376 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ مِنْ غِلّ } قَالَ : الْعَدَاوَة . 11377 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ سَعِيد بْن بَشِير , عَنْ قَتَادَة : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ مِنْ غِلّ } قَالَ : هِيَ الْإِحَن . 11378 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ إِسْرَائِيل أَبِي مُوسَى , عَنْ الْحَسَن , عَنْ عَلِيّ , قَالَ : فِينَا وَاَللَّه أَهْل بَدْر نَزَلَتْ : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ مِنْ غِلّ إِخْوَانًا عَلَى سُرَر مُتَقَابِلِينَ } . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ إِسْرَائِيل , قَالَ : سَمِعْته يَقُول : قَالَ عَلِيّ عَلَيْهِ السَّلَام : فِينَا وَاَللَّه أَهْل بَدْر نَزَلَتْ : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ مِنْ غِلّ إِخْوَانًا عَلَى سُرَر مُتَقَابِلِينَ } 15 47 11379 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : قَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُون أَنَا وَعُثْمَان وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر مِنْ الَّذِينَ قَالَ اللَّه تَعَالَى فِيهِمْ : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ مِنْ غِلّ } رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِمْ . 11380 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ مِنْ غِلّ تَجْرِي مِنْ تَحْتهمْ الْأَنْهَار } قَالَ : إِنَّ أَهْل الْجَنَّة إِذَا سِيقُوا إِلَى الْجَنَّة , فَبَلَغُوا , وَجَدُوا عِنْد بَابهَا شَجَرَة فِي أَصْل سَاقهَا عَيْنَانِ , فَشَرِبُوا مِنْ إِحْدَاهُمَا , فَيُنْزَع مَا فِي صُدُورهمْ مِنْ غِلّ , فَهُوَ الشَّرَاب الطَّهُور. وَاغْتَسَلُوا مِنْ الْأُخْرَى , فَجَرَّتْ عَلَيْهِمْ نَضْرَة النَّعِيم , فَلَمْ يُشَعَّثُوا وَلَمْ يَتَّسِخُوا بَعْدهَا أَبَدًا. 11381 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ الْجُرَيْرِيّ , عَنْ أَبِي نَضْرَة , قَالَ : يُحْبَس أَهْل الْجَنَّة دُون الْجَنَّة حَتَّى يُقْضَى لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْض , حَتَّى يَدْخُلُوا الْجَنَّة حِين يَدْخُلُونَهَا وَلَا يَطْلُب أَحَد مِنْهُمْ أَحَدًا بِقُلَامَةِ ظُفْر ظَلَمَهَا إِيَّاهُ وَيُحْبَس أَهْل النَّار دُون النَّار حَتَّى يُقْضَى لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْض , فَيَدْخُلُونَ النَّار حِين يَدْخُلُونَهَا وَلَا يَطْلُب أَحَد مِنْهُمْ أَحَدًا بِقُلَامَةِ ظُفْر ظَلَمَهَا إِيَّاهُ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالُوا الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَالَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَهُمْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات حِين أُدْخِلُوا الْجَنَّة , وَرَأَوْا مَا أَكْرَمَهُمْ اللَّه بِهِ مِنْ كَرَامَته , وَمَا صَرَفَ عَنْهُمْ مِنْ الْعَذَاب الْمُهِين الَّذِي اُبْتُلِيَ بِهِ أَهْل النَّار بِكُفْرِهِمْ بِرَبِّهِمْ وَتَكْذِيبهمْ رُسُله : { الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا } يَقُول : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَنَا لِلْعَمَلِ الَّذِي أَكْسَبَنَا هَذَا الَّذِي نَحْنُ فِيهِ مِنْ كَرَامَة اللَّه وَفَضْله وَصَرَفَ عَذَابه عَنَّا . { وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّه } يَقُول : وَمَا كُنَّا لِنُرْشَد لِذَلِكَ لَوْلَا أَنْ أَرْشَدَنَا اللَّه لَهُ وَوَفَّقَنَا بِمَنِّهِ وَطَوْله. كَمَا : 11382 - حَدَّثَنَا أَبُو هِشَام الرِّفَاعِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر بْن عَيَّاش , قَالَ : ثنا الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ أَبِي سَعِيد , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كُلّ أَهْل النَّار يَرَى مَنْزِله مِنْ الْجَنَّة , فَيَقُولُونَ لَوْ هَدَانَا اللَّه , فَتَكُون عَلَيْهِمْ حَسْرَة . وَكُلّ أَهْل الْجَنَّة يَرَى مَنْزِله مِنْ النَّار , فَيَقُولُونَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّه. فَهَذَا شُكْرهمْ " . 11383 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : سَمِعْت أَبَا إِسْحَاق يُحَدِّث عَنْ عَاصِم بْن ضَمْرَة , عَنْ عَلِيّ , قَالَ : ذَكَرَ عُمَر لِشَيْءٍ لَا أَحْفَظهُ , ثُمَّ ذَكَرَ الْجَنَّة , فَقَالَ : يَدْخُلُونَ فَإِذَا شَجَرَة يَخْرُج مِنْ تَحْت سَاقِهَا عَيْنَانِ , قَالَ : فَيَغْتَسِلُونَ مِنْ إِحْدَاهُمَا , فَتَجْرِي عَلَيْهِمْ نَضْرَة النَّعِيم , فَلَا تَشْعَث أَشْعَارهمْ وَلَا تُغَبَّر أَبْشَارهمْ , وَيَشْرَبُونَ مِنْ الْأُخْرَى , فَيَخْرُج كُلّ قَذًى وَقَذَر , أَوْ شَيْء فِي بُطُونهمْ . قَالَ : ثُمَّ يُفْتَح لَهُمْ بَاب الْجَنَّة , فَيُقَال لَهُمْ : { سَلَام عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ } قَالَ : فَتَسْتَقْبِلهُمْ الْوِلْدَان , فَيَحُفُّونَ بِهِمْ كَمَا تَحُفّ الْوِلْدَان بِالْحَمِيمِ إِذَا جَاءَ مِنْ غَيْبَته . ثُمَّ يَأْتُونَ فَيُبَشِّرُونَ أَزْوَاجهمْ , فَيُسَمُّونَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاء آبَائِهِمْ , فَيَقُلْنَ : أَنْتَ رَأَيْته ؟ قَالَ : فَيَسْتَخِفّهُنَّ الْفَرَح , قَالَ : فَيَجِئْنَ حَتَّى يَقِفْنَ عَلَى أُسْكُفَّة الْبَاب . قَالَ : فَيَجِيئُونَ فَيَدْخُلُونَ , فَإِذَا أُسّ بُيُوتهمْ بِجَنْدَلِ اللُّؤْلُؤ , وَإِذَا صُرُوح صُفْر وَخُضْر وَحُمْر وَمِنْ كُلّ لَوْن , وَسُرُر مَرْفُوعَة , وَأَكْوَاب مَوْضُوعَة , وَنَمَارِق مَصْفُوفَة , وَزَرَابِيّ مَبْثُوثَة , فَلَوْلَا أَنَّ اللَّه قَدَّرَهَا لَالْتُمِعَتْ أَبْصَارهمْ مِمَّا يَرَوْنَ فِيهَا . فَيُعَانِقُونَ الْأَزْوَاج , وَيَقْعُدُونَ عَلَى السُّرُر , وَيَقُولُونَ : { الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّه لَقَدْ جَاءَتْ رُسُل رَبّنَا بِالْحَقِّ } الْآيَة .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَقَدْ جَاءَتْ رُسُل رَبّنَا بِالْحَقِّ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات أَنَّهُمْ يَقُولُونَ عِنْد دُخُولهمْ الْجَنَّة وَرُؤْيَتهمْ كَرَامَة اللَّه الَّتِي أَكْرَمهمْ بِهَا , وَهُوَ أَنَّ أَعْدَاء اللَّه فِي النَّار : وَاللَّهِ لَقَدْ جَاءَتْنَا فِي الدُّنْيَا وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ فِي النَّار رُسُل رَبّنَا بِالْحَقِّ مِنْ الْأَخْبَار , عَنْ وَعَدَ اللَّه أَهْل طَاعَته وَالْإِيمَان بِهِ وَبِرُسُلِهِ وَوَعِيده أَهْل مَعَاصِيه وَالْكُفْر بِهِ.

وَأَمَّا قَوْله : { وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمْ الْجَنَّة أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : وَنَادَى مُنَادٍ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَ اللَّه صِفَتهمْ وَأَخْبَرَ عَمَّا أَعَدَّ لَهُمْ مِنْ كَرَامَته , أَنْ يَا هَؤُلَاءِ هَذِهِ تِلْكُمْ الْجَنَّة الَّتِي كَانَتْ رُسُلِي فِي الدُّنْيَا تُخْبِركُمْ عَنْهَا , أَوْرَثَكُمُوهَا اللَّه عَنْ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِرُسُلِهِ , لِتَصْدِيقِكُمْ إِيَّاهُمْ ! وَطَاعَتكُمْ رَبّكُمْ . وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى قَوْله : { بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11384 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمْ الْجَنَّة أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } قَالَ : لَيْسَ مِنْ كَافِر وَلَا مُؤْمِن إِلَّا وَلَهُ فِي الْجَنَّة وَالنَّار مَنْزِل . فَإِذَا دَخَلَ أَهْل الْجَنَّة الْجَنَّة وَأَهْل النَّار النَّار , وَدَخَلُوا مَنَازِلهمْ , رُفِعَتْ الْجَنَّة لِأَهْلِ النَّار فَنَظَرُوا إِلَى مَنَازِلهمْ فِيهَا , فَقِيلَ لَهُمْ : هَذِهِ مَنَازِلكُمْ لَوْ عَمِلْتُمْ بِطَاعَةِ اللَّه , ثُمَّ يُقَال : يَا أَهْل الْجَنَّة رِثُوهُم بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ! فَيُقْسَم بَيْن أَهْل الْجَنَّة مَنَازِلهمْ . 11385 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عُمَر بْن سَعْد أَبُو دَاوُد الْحَفَرِيّ , عَنْ سَعِيد بْن بَكْر , عَنْ سُفْيَان الثَّوْرِيّ , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ الْأَغَرّ : { وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمْ الْجَنَّة أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } قَالَ : نُودُوا أَنْ صِحُّوا فَلَا تَسْقَمُوا وَاخْلُدُوا فَلَا تَمُوتُوا وَانْعَمُوا فَلَا تَبْأَسُوا ! 11386 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا قَبِيصَة , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ الْأَغَرّ , عَنْ أَبِي سَعِيد : { وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمْ الْجَنَّة } الْآيَة , قَالَ : يُنَادِي مُنَادٍ : إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلَا تَسْقَمُوا أَبَدًا . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي " أَنْ " الَّتِي مَعَ " تِلْكُمْ " , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : هِيَ " أَنَّ " الثَّقِيلَة خُفِّفَتْ , وَأُضْمِرَ فِيهَا , وَلَا يَسْتَقِيم أَنْ نَجْعَلهَا الْخَفِيفَة لِأَنَّ بَعْدهَا اِسْمًا , وَالْخَفِيفَة لَا تَلِيهَا الْأَسْمَاء , وَقَدْ قَالَ الشَّاعِر : فِي فِتْيَة كَسُيُوفِ الْهِنْد قَدْ عَلِمُوا أَنْ هَالِك كُلّ مَنْ يَحْفَى وَيَنْتَعِل وَقَالَ آخَر : أُكَاشِرُهُ وَأَعْلَم أَنْ كِلَانَا عَلَى مَا سَاءَ صَاحِبه حَرِيص قَالَ : فَمَعْنَاهُ : أَنَّهُ كِلَانَا قَالَ , وَيَكُون كَقَوْلِهِ : { أَنْ قَدْ وَجَدْنَا } فِي مَوْضِع " أَيْ " , وَقَوْله : { أَنْ أَقِيمُوا } 42 13 وَلَا تَكُون " أَنْ " الَّتِي تَعْمَل فِي الْأَفْعَال , لِأَنَّك تَقُول : غَاظَنِي أَنْ قَامَ , وَأَنْ ذَهَبَ , فَتَقَع عَلَى الْأَفْعَال وَإِنْ كَانَتْ لَا تَعْمَل فِيهَا , وَفِي كِتَاب اللَّه : { وَانْطَلَقَ الْمَلَأ مِنْهُمْ أَنْ اِمْشُوا } 38 6 أَيْ اِمْشُوا . وَأَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْ قَوْله هَذَا بَعْض أَهْل الْكُوفَة , فَقَالَ : غَيْر جَائِز أَنْ يَكُون مَعَ " أَنْ " فِي هَذَا الْمَوْضِع " هَاء " مُضْمَرَة , لِأَنَّ " أَنْ " دَخَلَتْ فِي الْكَلَام لِتَقِي مَا بَعْدهَا , قَالَ : و " أَنْ " هَذِهِ الَّتِي مَعَ " تِلْكُمُ " , هِيَ الدَّائِرَة الَّتِي يَقَع فِيهَا مَا ضَارَعَ الْحِكَايَة , وَلَيْسَ بِلَفْظِ الْحِكَايَة , نَحْو : نَادَيْت أَنَّك قَائِم , وَأَنْ زَيْد قَائِم , وَأَنْ قُمْت , فَتَلِي كُلّ الْكَلَام , وَجُعِلَتْ " أَنْ " وِقَايَة , لِأَنَّ النِّدَاء يَقَع عَلَى مَا بَعْده , وَسَلِمَ مَا بَعْد " أَنْ " كَمَا سَلِمَ مَا بَعْد الْقَوْل , أَلَا تَرَى أَنَّك تَقُول : قُلْت : زَيْد قَائِم , وَقُلْت : قَامَ , فَتَلِيهَا مَا شِئْت مِنْ الْكَلَام ؟ فَلَمَّا كَانَ النِّدَاء بِمَعْنَى الظَّنّ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْقَوْل سَلِمَ " مَا " بَعْد " أَنْ " , وَدَخَلَتْ " أَنْ " وِقَايَة . قَالَ : وَأَمَّا " أَيْ " فَإِنَّهَا لَا تَكُون عَلَى أَنْ لَا يَكُون : أَيْ جَوَاب الْكَلَام , وَأَنْ تَكْفِي مِنْ الِاسْم .
وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَسورة الأعراف الآية رقم 44
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَنَادَى أَصْحَاب الْجَنَّة أَصْحَاب النَّار أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَنَادَى أَهْل الْجَنَّة أَهْل النَّار بَعْد دُخُولِهِمُوهَا : يَا أَهْل النَّار قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبّنَا حَقًّا فِي الدُّنْيَا عَلَى أَلْسُن رُسُله مِنْ الثَّوَاب عَلَى الْإِيمَان بِهِ وَبِهِمْ وَعَلَى طَاعَته , فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبّكُمْ عَلَى أَلْسِنَتهمْ عَلَى الْكُفْر بِهِ وَعَلَى مَعَاصِيه مِنْ الْعِقَاب ؟ فَأَجَابَهُمْ أَهْل النَّار بِأَنْ نَعَمْ , قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَ رَبّنَا حَقًّا . كَاَلَّذِي : 11387 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَنَادَى أَصْحَاب الْجَنَّة أَصْحَاب النَّار أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ } قَالَ : وَجَدَ أَهْل الْجَنَّة مَا وُعِدُوا مِنْ ثَوَاب , وَأَهْل النَّار مَا وُعِدُوا مِنْ عِقَاب. 11388 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَنَادَى أَصْحَاب الْجَنَّة أَصْحَاب النَّار أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبّكُمْ حَقًّا } وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه وَعَدَ أَهْل الْجَنَّة النَّعِيم وَالْكَرَامَة وَكُلّ خَيْر عَلِمَهُ النَّاس أَوْ لَمْ يَعْلَمُوهُ , وَوَعَدَ أَهْل النَّار كُلّ خِزْي وَعَذَاب عَلِمَهُ النَّاس أَوْ لَمْ يَعْلَمُوهُ ; فَذَلِكَ قَوْله : { وَآخَر مِنْ شَكْله أَزْوَاج } 38 58 قَالَ : فَنَادَى أَصْحَاب الْجَنَّة أَصْحَاب النَّار { أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ } يَقُول : مِنْ الْخِزْي وَالْهَوَان وَالْعَذَاب , قَالَ أَهْل الْجَنَّة : فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبّنَا حَقًّا مِنْ النَّعِيم وَالْكَرَامَة . { فَأَذَّنَ مُؤَذِّن بَيْنهمْ أَنْ لَعْنَة اللَّه عَلَى الظَّالِمِينَ } وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { قَالُوا نَعَمْ } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْكُوفَة وَالْبَصْرَة : { قَالُوا نَعَمْ } بِفَتْحِ الْعَيْن مِنْ " نَعَمْ " . وَرُوِيَ عَنْ بَعْض الْكُوفِيِّينَ أَنَّهُ قَرَأَ : " قَالُوا نَعِمْ " بِكَسْرِ الْعَيْن , وَقَدْ أَنْشَدَ بَيْتًا لِبَنِي كَلْب : " نَعِمْ " إِذَا قَالَهَا مِنْهُ مُحَقَّقَة وَلَا تَجِيء " عَسَى " مِنْهُ وَلَا " قَمِنُ " بِكَسْرِ " نَعَمْ " . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة عِنْدنَا : { نَعَمْ } بِفَتْحِ الْعَيْن , لِأَنَّهَا الْقِرَاءَة الْمُسْتَفِيضَة فِي قُرَّاء الْأَمْصَار وَاللُّغَة الْمَشْهُورَة فِي الْعَرَب .

وَأَمَّا قَوْله : { فَأَذَّنَ مُؤَذِّن بَيْنهمْ } يَقُول : فَنَادَى مُنَادٍ , وَأَعْلَمَ مُعْلِم بَيْنهمْ , { أَنْ لَعْنَة اللَّه عَلَى الظَّالِمِينَ } يَقُول : غَضَب اللَّه وَسَخَطه وَعُقُوبَته عَلَى مَنْ كَفَرَ بِهِ . وَقَدْ بَيَّنَّا الْقَوْل فِي " أَنْ " إِذَا صَحِبَتْ مِنْ الْكَلَام مَا ضَارَعَ الْحِكَايَة وَلَيْسَ بِصَرِيحِ الْحِكَايَة , بِأَنَّهَا تُشَدِّدهَا الْعَرَب أَحْيَانًا وَتُوقِع الْفِعْل عَلَيْهَا فَتَفْتَحهَا وَتُخَفِّفهَا أَحْيَانًا , وَتُعْمِل الْفِعْل فِيهَا فَتَنْصِبهَا بِهِ وَتُبْطِل عَمَلهَا عَنْ الِاسْم الَّذِي يَلِيهَا فِيمَا مَضَى , بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَسَوَاء شُدِّدَتْ " أَنْ " أَوْ خُفِّفَتْ فِي الْقِرَاءَة , إِذْ كَانَ مَعْنَى الْكَلَام بِأَيِّ ذَلِكَ قَرَأَ الْقَارِئ وَاحِدًا , وَكَانَتَا قِرَاءَتَيْنِ مَشْهُورَتَيْنِ فِي قِرَاءَة الْأَمْصَار .
الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ كَافِرُونَسورة الأعراف الآية رقم 45
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالآخِرَة كَافِرُونَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : إِنَّ الْمُؤَذِّن بَيْن أَهْل الْجَنَّة وَالنَّار يَقُول : أَنْ لَعْنَة اللَّه عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَصَدُّوا عَنْ سَبِيله . { وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا } يَقُول : حَاوَلُوا سَبِيل اللَّه , وَهُوَ دِينه , أَنْ يُغَيِّرُوهُ وَيُبَدِّلُوهُ عَمَّا جَعَلَهُ اللَّه لَهُ مِنْ اِسْتِقَامَته . { وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ } يَقُول : وَهُمْ لِقِيَامِ السَّاعَة وَالْبَعْث فِي الْآخِرَة وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب فِيهَا جَاحِدُونَ . وَالْعَرَب تَقُول لِلْمَيْلِ فِي الدِّين وَالطَّرِيق : " عِوَج " , بِكَسْرِ الْعَيْن , وَفِي مَيْل الرَّجُل عَلَى الشَّيْء وَالْعَطْف عَلَيْهِ : عَاج إِلَيْهِ يَعُوج عِيَاجًا وَعَوَجًا وَعِوَجًا , بِالْكَسْرِ مِنْ الْعَيْن وَالْفَتْح , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : قِفَا نَبْكِي مَنَازِل آل لَيْلَى عَلَى عِوَج إِلَيْهَا وَانْثِنَاء ذَكَرَ الْفَرَّاء أَنَّ أَبَا الْجَرَّاح أَنْشَدَهُ إِيَّاهُ بِكَسْرِ الْعَيْن مِنْ عِوَج ; فَأَمَّا مَا كَانَ خِلْقَة فِي الْإِنْسَان , فَإِنَّهُ يُقَال فِيهِ : عَوَج سَاقه , بِفَتْحِ الْعَيْن .
وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَسورة الأعراف الآية رقم 46
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَبَيْنهمَا حِجَاب } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَبَيْنهمَا حِجَاب } وَبَيْن الْجَنَّة وَالنَّار حِجَاب , يَقُول : حَاجِز , وَهُوَ السُّور الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه تَعَالَى فَقَالَ : { فَضُرِبَ بَيْنهمْ بِسُورٍ لَهُ بَاب بَاطِنه فِيهِ الرَّحْمَة وَظَاهِره مِنْ قِبَله الْعَذَاب } 57 13 وَهُوَ الْأَعْرَاف الَّتِي يَقُول اللَّه فِيهَا : { وَعَلَى الْأَعْرَاف رِجَال } كَذَلِكَ : 11389 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن رَجَاء , وَعَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : بَلَغَنِي , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الْأَعْرَاف : حِجَاب بَيْن الْجَنَّة وَالنَّار. 11390 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَبَيْنهمَا حِجَاب } وَهُوَ السُّور , وَهُوَ الْأَعْرَاف .

وَأَمَّا قَوْله : { وَعَلَى الْأَعْرَاف رِجَال } فَإِنَّ الْأَعْرَاف جَمْع وَاحِدهَا عُرْف , وَكُلّ مُرْتَفِع مِنْ الْأَرْض عِنْد الْعَرَب فَهُوَ عُرْف , وَإِنَّمَا قِيلَ لِعُرْفِ الدِّيك : عُرْف , لِارْتِفَاعِهِ عَلَى مَا سِوَاهُ مِنْ جَسَده ; وَمِنْهُ قَوْل الشَّمَّاخ بْن ضِرَار : وَظَلَّتْ بِأَعْرَافٍ تَعَالَى كَأَنَّهَا رِمَاح نَحَاهَا وِجْهَة الرِّيح رَاكِز يَعْنِي بِقَوْلِهِ : " بِأَعْرَافٍ " : بِنُشُوزٍ مِنْ الْأَرْض ; وَمِنْهُ قَوْل الْآخَر : كُلّ كِنَاز لَحْمه نِيَاف كَالْعَلَمِ الْمُوفِي عَلَى الْأَعْرَاف وَكَانَ السُّدِّيّ يَقُول : إِنَّمَا سُمِّيَ الْأَعْرَاف أَعْرَافًا , لِأَنَّ أَصْحَابه يَعْرِفُونَ النَّاس . 11391 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11392 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي يَزِيد , سَمِعَ اِبْن عَبَّاس يَقُول : الْأَعْرَاف : هُوَ الشَّيْء الْمُشْرِف . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي يَزِيد , قَالَ : سَمِعْت اِبْن عَبَّاس يَقُول , مِثْله . 11393 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ جَابِر , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : الْأَعْرَاف : سُور كَعُرْفِ الدِّيك . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو نَعِيم , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ جَابِر , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . 11394 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الْأَعْرَاف : حِجَاب بَيْن الْجَنَّة وَالنَّار سُور لَهُ بَاب . قَالَ أَبُو مُوسَى : وَحَدَّثَنِي عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي يَزِيد , أَنَّهُ سَمِعَ اِبْن عَبَّاس يَقُول : إِنَّ الْأَعْرَاف تَلّ بَيْن الْجَنَّة وَالنَّار حُبِسَ عَلَيْهِ نَاس مِنْ أَهْل الذُّنُوب بَيْن الْجَنَّة وَالنَّار . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الْأَعْرَاف : حِجَاب بَيْن الْجَنَّة وَالنَّار , سُور لَهُ بَاب . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت , عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : الْأَعْرَاف : سُور بَيْن الْجَنَّة وَالنَّار. * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : الْأَعْرَاف : سُور بَيْن الْجَنَّة وَالنَّار . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { وَعَلَى الْأَعْرَاف رِجَال } يَعْنِي بِالْأَعْرَافِ : السُّور الَّذِي ذَكَرَ اللَّه فِي الْقُرْآن وَهُوَ بَيْن الْجَنَّة وَالنَّار . * حَدَّثَنَا الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : الْأَعْرَاف : سُور لَهُ عُرْف كَعُرْفِ الدِّيك . 11395 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ أَبِي جَعْفَر , قَالَ : الْأَعْرَاف : سُور بَيْن الْجَنَّة وَالنَّار . 11396 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثني عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول : الْأَعْرَاف : السُّور الَّذِي بَيْن الْجَنَّة وَالنَّار . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي صِفَة الرِّجَال الَّذِينَ أَخْبَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ عَلَى الْأَعْرَاف وَمَا السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله صَارُوا هُنَالِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُمْ قَوْم مِنْ بَنِي آدَم اِسْتَوَتْ حَسَنَاتهمْ وَسَيِّئَاتهمْ , فَجُعِلُوا هُنَالِكَ إِلَى أَنْ يَقْضِي اللَّه فِيهِمْ مَا يَشَاء , ثُمَّ يُدْخِلهُمْ الْجَنَّة بِفَضْلِ رَحْمَته إِيَّاهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11397 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا يُونُس بْن أَبِي إِسْحَاق , قَالَ : قَالَ الشَّعْبِيّ : أَرْسَلَ إِلَيَّ عَبْد الْحَمِيد بْن عَبْد الرَّحْمَن وَعِنْده أَبُو الزِّنَاد عَبْد اللَّه بْن ذَكْوَان مَوْلَى قُرَيْش , وَإِذَا هُمَا قَدْ ذَكَرَا مِنْ أَصْحَاب الْأَعْرَاف ذِكْرًا لَيْسَ كَمَا ذَكَرَا , فَقُلْت لَهُمَا : إِنْ شِئْتُمَا أَنْبَأْتُكُمَا بِمَا ذَكَرَ حُذَيْفَة . فَقَالَا : هَاتِ ! فَقُلْت : إِنَّ حُذَيْفَة ذَكَرَ أَصْحَاب الْأَعْرَاف , فَقَالَ : هُمْ قَوْم تَجَاوَزَتْ بِهِمْ حَسَنَاتهمْ النَّار وَقَصُرَتْ بِهِمْ سَيِّئَاتهمْ عَنْ الْجَنَّة , فَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارهمْ تِلْقَاء أَصْحَاب النَّار , قَالُوا : رَبّنَا لَا تَجْعَلنَا مَعَ الْقَوْم الظَّالِمِينَ ! فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ , اِطَّلَعَ إِلَيْهِمْ رَبّك تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَقَالَ : اِذْهَبُوا وَادْخُلُوا الْجَنَّة , فَإِنِّي قَدْ غَفَرْت لَكُمْ ! . 11398 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُصَيْن , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ حُذَيْفَة , أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أَصْحَاب الْأَعْرَاف , قَالَ : فَقَالَ : هُمْ قَوْم اِسْتَوَتْ حَسَنَاتهمْ وَسَيِّئَاتهمْ , فَقَصُرَتْ بِهِمْ سَيِّئَاتهمْ عَنْ الْجَنَّة , وَخَلَّفَتْ بِهِمْ حَسَنَاتهمْ عَنْ النَّار. قَالَ : فَوُقِفُوا هُنَالِكَ عَلَى السُّور حَتَّى يَقْضِي اللَّه فِيهِمْ . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير وَعِمْرَان بْن عُيَيْنَة , عَنْ حُصَيْن , عَنْ عَامِر , عَنْ حُذَيْفَة , قَالَ : أَصْحَاب الْأَعْرَاف : قَوْم كَانَتْ لَهُمْ ذُنُوب وَحَسَنَات , فَقَصُرَتْ بِهِمْ ذُنُوبهمْ عَنْ الْجَنَّة وَتَجَاوَزَتْ بِهِمْ حَسَنَاتهمْ عَنْ النَّار , فَهُمْ كَذَلِكَ حَتَّى يَقْضِي اللَّه بَيْن خَلْقه فَيَنْفُذ فِيهِمْ أَمْره . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ جَابِر , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ حُذَيْفَة , قَالَ : أَصْحَاب الْأَعْرَاف قَوْم اِسْتَوَتْ حَسَنَاتهمْ وَسَيِّئَاتهمْ , فَيَقُول : اُدْخُلُوا الْجَنَّة بِفَضْلِي وَمَغْفِرَتِي , { لَا خَوْف عَلَيْكُمْ } الْيَوْم { وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ } * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ يُونُس بْن أَبِي إِسْحَاق , عَنْ عَامِر , عَنْ حُذَيْفَة , قَالَ : أَصْحَاب الْأَعْرَاف قَوْم تَجَاوَزَتْ بِهِمْ حَسَنَاتهمْ النَّار , وَقَصُرَتْ بِهِمْ سَيِّئَاتهمْ عَنْ الْجَنَّة . 11399 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ أَبِي بَكْر الْهُذَلِيّ , قَالَ : قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر , وَهُوَ يُحَدِّث ذَلِكَ عَنْ اِبْن مَسْعُود , قَالَ : يُحَاسَب النَّاس يَوْم الْقِيَامَة , فَمَنْ كَانَتْ حَسَنَاته أَكْثَر مِنْ سَيِّئَاته بِوَاحِدَةٍ دَخَلَ الْجَنَّة , وَمَنْ كَانَتْ سَيِّئَاته أَكْثَر مِنْ حَسَنَاته بِوَاحِدَةٍ دَخَلَ النَّار . ثُمَّ قَرَأَ قَوْل اللَّه : { فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينه فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينه فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسهمْ } 7 8 : 9 ثُمَّ قَالَ : إِنَّ الْمِيزَان يَخِفّ بِمِثْقَالِ حَبَّة وَيَرْجِع ; قَالَ : فَمَنْ اِسْتَوَتْ حَسَنَاته وَسَيِّئَاته كَانَ مِنْ أَصْحَاب الْأَعْرَاف . فَوُقِفُوا عَلَى الصِّرَاط , ثُمَّ عَرَفُوا أَهْل الْجَنَّة وَأَهْل النَّار , فَإِذَا نَظَرُوا إِلَى أَهْل الْجَنَّة نَادَوْا : سَلَام عَلَيْكُمْ ! وَإِذَا صَرَفُوا أَبْصَارهمْ إِلَى يَسَارهمْ نَظَرُوا أَصْحَاب النَّار , قَالُوا : { رَبّنَا لَا تَجْعَلنَا مَعَ الْقَوْم الظَّالِمِينَ } 7 47 فَيَتَعَوَّذُونَ بِاَللَّهِ مِنْ مَنَازِلهمْ . قَالَ : فَأَمَّا أَصْحَاب الْحَسَنَات , فَإِنَّهُمْ يُعْطَوْنَ نُورًا فَيَمْشُونَ بِهِ بَيْن أَيْدِيهمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ , وَيُعْطَى كُلّ عَبْد يَوْمئِذٍ نُورًا وَكُلّ أَمَة نُورًا , فَإِذَا أَتَوْا عَلَى الصِّرَاط سَلَبَ اللَّه نُور كُلّ مُنَافِق وَمُنَافِقَة . فَلَمَّا رَأَى أَهْل الْجَنَّة مَا لَقِيَ الْمُنَافِقُونَ , قَالُوا : رَبّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورنَا ! وَأَمَّا أَصْحَاب الْأَعْرَاف , فَإِنَّ النُّور كَانَ فِي أَيْدِيهمْ , فَلَمْ يُنْزَع مِنْ أَيْدِيهمْ , فَهُنَالِكَ يَقُول اللَّه : { لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ } فَكَانَ الطَّمَع دُخُولًا . قَالَ : فَقَالَ اِبْن مَسْعُود : عَلَى أَنَّ الْعَبْد إِذَا عَمِلَ حَسَنَة كُتِبَ لَهُ بِهَا عَشْرًا , وَإِذَا عَمِلَ سَيِّئَة لَمْ تُكْتَب إِلَّا وَاحِدَة . ثُمَّ يَقُول : هَلَكَ مَنْ غَلَبَ وُحْدَانه أَعْشَاره . 11400 - حَدَّثَنَا أَبُو هَمَّام الْوَلِيد بْن شُجَاع , قَالَ : أَخْبَرَنِي اِبْن وَهْب قَالَ : أَخْبَرَنِي عِيسَى الْخَيَّاط عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ حُذَيْفَة , قَالَ : أَصْحَاب الْأَعْرَاف قَوْم كَانَتْ لَهُمْ أَعْمَال أَنْجَاهُمْ اللَّه بِهَا مِنْ النَّار , وَهُمْ آخِر مَنْ يَدْخُل الْجَنَّة , قَدْ عَرَفُوا أَهْل الْجَنَّة وَأَهْل النَّار. 11401 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد , قَالَ : ثنا هَمَّام , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَصْحَاب الْأَعْرَاف : قَوْم اِسْتَوَتْ حَسَنَاتهمْ وَسَيِّئَاتهمْ , فَلَمْ تَزِدْ حَسَنَاتهمْ عَلَى سَيِّئَاتهمْ وَلَا سَيِّئَاتهمْ عَلَى حَسَنَاتهمْ . 11402 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع وَابْن حُمَيْد , قَالَا : ثنا جَرِير عَنْ مَنْصُور , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت , عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : الْأَعْرَاف : سُور بَيْن الْجَنَّة وَالنَّار , وَأَصْحَاب الْأَعْرَاف بِذَلِكَ الْمَكَان , حَتَّى إِذَا بَدَا لِلَّهِ أَنْ يُعَافِيهِمْ , اِنْطَلَقَ بِهِمْ إِلَى نَهْر يُقَال لَهُ الْحَيَاة حَافَّتَاهُ قُضُب الذَّهَب مُكَلَّل بِاللُّؤْلُؤِ تُرَابه الْمِسْك , فَأُلْقُوا فِيهِ حَتَّى تَصْلُح أَلْوَانهمْ وَيَبْدُو فِي نُحُورهمْ شَامَة بَيْضَاء يُعْرَفُونَ بِهَا , حَتَّى إِذَا صَلُحَتْ أَلْوَانهمْ أَتَى بِهِمْ الرَّحْمَن , فَقَالَ : تَمَنَّوْا مَا شِئْتُمْ ! قَالَ : فَيَتَمَنَّوْنَ , حَتَّى إِذَا اِنْقَطَعَتْ أُمْنِيَّتهمْ قَالَ لَهُمْ : لَكُمْ الَّذِي تَمَنَّيْتُمْ وَمِثْله سَبْعِينَ مَرَّة . فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّة وَفِي نُحُورهمْ شَامَة بَيْضَاء يُعْرَفُونَ بِهَا , يُسَمُّونَ مَسَاكِين الْجَنَّة . 11403 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ حَبِيب , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث , قَالَ : أَصْحَاب الْأَعْرَاف يُؤْمَر بِهِمْ إِلَى نَهْر يُقَال لَهُ الْحَيَاة , تُرَابه الْوَرْس وَالزَّعْفَرَان , وَحَافَّتَاهُ قُضُب اللُّؤْلُؤ. قَالَ : وَأَحْسَبهُ قَالَ : مُكَلَّل بِاللُّؤْلُؤِ. وَقَالَ : فَيَغْتَسِلُونَ فِيهِ , فَتَبْدُو فِي نُحُورهمْ شَامَة بَيْضَاء فَيُقَال لَهُمْ : تَمَنَّوْا ! فَيُقَال لَهُمْ : لَكُمْ مَا تَمَنَّيْتُمْ وَسَبْعُونَ ضِعْفًا ! وَإِنَّهُمْ مَسَاكِين أَهْل الْجَنَّة . قَالَ حَبِيب : وَحَدَّثَنِي رَجُل : أَنَّهُمْ اِسْتَوَتْ حَسَنَاتهمْ وَسَيِّئَاتهمْ . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حَبِيب بْن ثَابِت , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث , قَالَ : أَصْحَاب الْأَعْرَاف يُنْتَهَى بِهِمْ إِلَى نَهْر يُقَال لَهُ الْحَيَاة , حَافَّتَاهُ قُضُب مِنْ ذَهَب - قَالَ سُفْيَان : أَرَاهُ قَالَ - : مُكَلَّل بِاللُّؤْلُؤِ . قَالَ : فَيَغْتَسِلُونَ مِنْهُ اغْتِسَالَة , فَتَبْدُو فِي نُحُورهمْ شَامَة بَيْضَاء , ثُمَّ يَعُودُونَ فَيَغْتَسِلُونَ فَيَزْدَادُونَ , فَكُلَّمَا اِغْتَسَلُوا اِزْدَادَتْ بَيَاضًا , فَيُقَال لَهُمْ : تَمَنَّوْا مَا شِئْتُمْ ! فَيَتَمَنَّوْنَ مَا شَاءُوا. فَيُقَال لَهُمْ : لَكُمْ مَا تَمَنَّيْتُمْ وَسَبْعُونَ ضِعْفًا ! قَالَ : فَهُمْ مَسَاكِين أَهْل الْجَنَّة . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ حُصَيْن , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ حُذَيْفَة , قَالَ : أَصْحَاب الْأَعْرَاف : قَوْم اِسْتَوَتْ حَسَنَاتهمْ وَسَيِّئَاتهمْ , فَهُمْ عَلَى سُور بَيْن الْجَنَّة وَالنَّار { لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ } * حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : كَانَ اِبْن عَبَّاس يَقُول : الْأَعْرَاف بَيْن الْجَنَّة وَالنَّار , حُبِسَ عَلَيْهِ أَقْوَام بِأَعْمَالِهِمْ. وَكَانَ يَقُول : قَوْم اِسْتَوَتْ حَسَنَاتهمْ وَسَيِّئَاتهمْ , فَلَمْ تَزِدْ حَسَنَاتهمْ عَلَى سَيِّئَاتهمْ , وَلَا سَيِّئَاتهمْ عَلَى حَسَنَاتهمْ . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَهْل الْأَعْرَاف : قَوْم اِسْتَوَتْ حَسَنَاتهمْ وَسَيِّئَاتهمْ . 11404 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : أَصْحَاب الْأَعْرَاف : قَوْم اِسْتَوَتْ حَسَنَاتهمْ وَسَيِّئَاتهمْ . 11405 - وَقَالَ : ثنا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ شَرِيك , عَنْ مَنْصُور , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : أَصْحَاب الْأَعْرَاف اِسْتَوَتْ أَعْمَالهمْ. * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : أَصْحَاب الْأَعْرَاف : قَوْم اِسْتَوَتْ حَسَنَاتهمْ وَسَيِّئَاتهمْ , فَوُقِفُوا هُنَالِكَ عَلَى السُّور . 11406 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت , عَنْ سُفَيْع أَوْ سُمَيْع - قَالَ أَبُو جَعْفَر : كَذَا وُجِدَتْ فِي كِتَاب سُفَيْع - عَنْ أَبِي عَلْقَمَة قَالَ : أَصْحَاب الْأَعْرَاف : قَوْم اِسْتَوَتْ حَسَنَاتهمْ وَسَيِّئَاتهمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : كَانُوا قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه عُصَاة لِآبَائِهِمْ فِي الدُّنْيَا. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11407 - اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ أَبِي مِسْعَر , عَنْ شُرَحْبِيل بْن سَعْد , قَالَ : هُمْ قَوْم خَرَجُوا فِي الْغَزْو بِغَيْرِ إِذْن آبَائِهِمْ . 11408 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني اللَّيْث , قَالَ : ثني خَالِد , عَنْ سَعِيد , عَنْ يَحْيَى بْن شِبْل : أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي النَّضِير أَخْبَرَهُ عَنْ رَجُل مِنْ بَنِي هِلَال أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَصْحَاب الْأَعْرَاف , فَقَالَ : " هُمْ قَوْم غَزَوْا فِي سَبِيل اللَّه عُصَاة لِآبَائِهِمْ , فَقُتِلُوا , فَأَعْتَقَهُمْ اللَّه مِنْ النَّار بِقَتْلِهِمْ فِي سَبِيله , وَحُبِسُوا عَنْ الْجَنَّة بِمَعْصِيَةِ آبَائِهِمْ , فَهُمْ آخِر مَنْ يَدْخُل الْجَنَّة " . 11409 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , عَنْ أَبِي مَعْشَر , عَنْ يَحْيَى بْن شِبْل مَوْلَى بَنِي هَاشِم , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : سُئِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَصْحَاب الْأَعْرَاف , فَقَالَ : " قَوْم قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه بِمَعْصِيَةِ آبَائِهِمْ , فَمَنَعَهُمْ قَتْلهمْ فِي سَبِيل اللَّه عَنْ النَّار , وَمَنَعَتْهُمْ مَعْصِيَة آبَائِهِمْ أَنْ يَدْخُلُوا الْجَنَّة " . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُمْ قَوْم صَالِحُونَ فُقَهَاء عُلَمَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11410 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ خُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : أَصْحَاب الْأَعْرَاف قَوْم صَالِحُونَ , فُقَهَاء عُلَمَاء . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُمْ مَلَائِكَة وَلَيْسُوا بِبَنِي آدَم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11411 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي مِجْلَز , قَوْله : { وَبَيْنهمَا حِجَاب وَعَلَى الْأَعْرَاف رِجَال يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ } قَالَ : هُمْ رِجَال مِنْ الْمَلَائِكَة يَعْرِفُونَ أَهْل الْجَنَّة وَأَهْل النَّار . قَالَ : { وَنَادَوْا أَصْحَاب الْجَنَّة أَنْ سَلَام عَلَيْكُمْ } إِلَى قَوْله : { رَبّنَا لَا تَجْعَلنَا مَعَ الْقَوْم الظَّالِمِينَ } . قَالَ : فَنَادَى أَصْحَاب الْأَعْرَاف رِجَالًا فِي النَّار يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ : { مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالهُمْ اللَّه بِرَحْمَةٍ } قَالَ : فَهَذَا حِين دَخَلَ أَهْل الْجَنَّة الْجَنَّة , { اُدْخُلُوا الْجَنَّة لَا خَوْف عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ } 11412 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر , قَالَ : سَمِعْت عِمْرَان , قَالَ : قُلْت لِأَبِي مِجْلَز : يَقُول اللَّه : { وَعَلَى الْأَعْرَاف رِجَال } وَتَزْعُم أَنْتَ أَنَّهُمْ الْمَلَائِكَة ؟ قَالَ : فَقَالَ : إِنَّهُمْ ذُكُور وَلَيْسُوا بِإِنَاثٍ . 11413 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ , عَنْ أَبِي مِجْلَز : { وَعَلَى الْأَعْرَاف رِجَال } قَالَ : رِجَال مِنْ الْمَلَائِكَة يَعْرِفُونَ الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا بِسِيمَاهُمْ , أَهْل النَّار وَأَهْل الْجَنَّة , وَهَذَا قَبْل أَنْ يَدْخُل أَهْل الْجَنَّة الْجَنَّة . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ التَّيْمِيّ , عَنْ أَبِي مِجْلَز , بِنَحْوِهِ . 11414 - وَقَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ التَّيْمِيّ , عَنْ أَبِي مِجْلَز , قَالَ : أَصْحَاب الْأَعْرَاف الْمَلَائِكَة . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا يَعْلَى بْن أَسَد , قَالَ : ثنا خَالِد , قَالَ : أَخْبَرَنَا التَّيْمِيّ , عَنْ أَبِي مِجْلَز : { وَعَلَى الْأَعْرَاف رِجَال } قَالَ : هُمْ الْمَلَائِكَة . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ عِمْرَان بْن حُدَيْر , عَنْ أَبِي مِجْلَز : { وَعَلَى الْأَعْرَاف رِجَال } قَالَ : هُمْ الْمَلَائِكَة . قُلْت : يَا أَبَا مِجْلَز يَقُول اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى رِجَال , وَأَنْتَ تَقُول مَلَائِكَة ؟ قَالَ : إِنَّهُمْ ذُكْرَان لَيْسُوا بِإِنَاثٍ . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج , قَالَ : ثنا حَمَّاد عَنْ عِمْرَان بْن حُدَيْر , عَنْ أَبِي مِجْلَز , فِي قَوْله : { وَعَلَى الْأَعْرَاف رِجَال يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ } قَالَ : الْمَلَائِكَة , قَالَ : قُلْت : يَقُول اللَّه رِجَال , قَالَ : الْمَلَائِكَة ذُكُور . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي أَصْحَاب الْأَعْرَاف أَنْ يُقَال كَمَا قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِيهِمْ : هُمْ رِجَال يَعْرِفُونَ كُلًّا مِنْ أَهْل الْجَنَّة وَأَهْل النَّار بِسِيمَاهُمْ , وَلَا خَبَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصِحّ سَنَده وَلَا أَنَّهُ مُتَّفَق عَلَى تَأْوِيلهَا , وَلَا إِجْمَاع مِنْ الْأُمَّة عَلَى أَنَّهُمْ مَلَائِكَة . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ ذَلِكَ لَا يُدْرَك قِيَاسًا , وَكَانَ الْمُتَعَارَف بَيْن أَهْل لِسَان الْعَرَب أَنَّ الرِّجَال اِسْم يَجْمَع ذُكُور بَنِي آدَم دُون إِنَاثهمْ وَدُون سَائِر الْخَلْق غَيْرهمْ , كَانَ بَيِّنًا أَنَّ مَا قَالَهُ أَبُو مِجْلَز مِنْ أَنَّهُمْ مَلَائِكَة قَوْل لَا مَعْنَى لَهُ , وَأَنَّ الصَّحِيح مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ مَا قَالَهُ سَائِر أَهْل التَّأْوِيل غَيْره . هَذَا مَعَ مَنْ قَالَ بِخِلَافِهِ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمَعَ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْأَخْبَار وَإِنْ كَانَ فِي أَسَانِيدهَا مَا فِيهَا . وَقَدْ : 11415 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثني الْحُسَيْن , قَالَ : ثني جَرِير عَنْ عِمَارَة بْن الْقَعْقَاع , عَنْ أَبِي زُرْعَة بْن عَمْرو بْن جَرِير , قَالَ : سُئِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَصْحَاب الْأَعْرَاف , فَقَالَ : " هُمْ آخِر مَنْ يُفْصَل بَيْنهمْ مِنْ الْعِبَاد , وَإِذَا فَرَغَ رَبّ الْعَالَمِينَ مِنْ فَصْله بَيْن الْعِبَاد , قَالَ : أَنْتُمْ قَوْم أَخْرَجَتْكُمْ حَسَنَاتكُمْ مِنْ النَّار وَلَمْ تُدْخِلكُمْ الْجَنَّة , وَأَنْتُمْ عُتَقَائِي فَارْعَوْا مِنْ الْجَنَّة حَيْثُ شِئْتُمْ " .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَعَلَى الْأَعْرَاف رِجَال يَعْرِفُونَ أَهْل الْجَنَّة بِسِيمَاهُمْ , وَذَلِكَ بَيَاض وُجُوههمْ وَنَضْرَة النَّعِيم عَلَيْهَا . وَيَعْرِفُونَ أَهْل النَّار كَذَلِكَ بِسِيمَاهُمْ , وَذَلِكَ سَوَاد وُجُوههمْ وَزُرْقَة أَعْيُنهمْ , فَإِذَا رَأَوْا أَهْل الْجَنَّة نَادَوْهُمْ : سَلَام عَلَيْكُمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11416 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَعَلَى الْأَعْرَاف رِجَال يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ } قَالَ : يَعْرِفُونَ أَهْل النَّار بِسَوَادِ الْوُجُوه , وَأَهْل الْجَنَّة بِبَيَاضِ الْوُجُوه . 11417 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَعَلَى الْأَعْرَاف رِجَال يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ } قَالَ : أَنْزَلَهُمْ اللَّه بِتِلْكَ الْمَنْزِلَة لِيَعْرِفُوا مَنْ فِي الْجَنَّة وَالنَّار , وَلِيَعْرِفُوا أَهْل النَّار بِسَوَادِ الْوُجُوه , وَيَتَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ أَنْ يَجْعَلهُمْ مَعَ الْقَوْم الظَّالِمِينَ , وَهُمْ فِي ذَلِكَ يُحَيُّونَ أَهْل الْجَنَّة بِالسَّلَامِ , لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ أَنْ يَدْخُلُوهَا , وَهُمْ دَاخِلُوهَا إِنْ شَاءَ اللَّه . 11418 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { بِسِيمَاهُمْ } قَالَ : بِسَوَادِ الْوُجُوه وَزُرْقَة الْعُيُون . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَعَلَى الْأَعْرَاف رِجَال يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ } الْكُفَّار بِسَوَادِ الْوُجُوه وَزُرْقَة الْعُيُون , وَسِيمَا أَهْل الْجَنَّة مُبَيَّضَة وُجُوههمْ . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : أَصْحَاب الْأَعْرَاف إِذَا رَأَوْا أَصْحَاب الْجَنَّة عَرَفُوهُمْ بِبَيَاضِ الْوُجُوه , وَإِذَا رَأَوْا أَصْحَاب النَّار عَرَفُوهُمْ بِسَوَادِ الْوُجُوه . 11419 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : إِنَّ أَصْحَاب الْأَعْرَاف رِجَال كَانَتْ لَهُمْ ذُنُوب عِظَام , وَكَانَ حُسِمَ أَمْرهمْ لِلَّهِ , فَأُقِيمُوا ذَلِكَ الْمَقَام إِذَا نَظَرُوا إِلَى أَهْل النَّار عَرَفُوهُمْ بِسَوَادِ الْوُجُوه , فَ { قَالُوا رَبّنَا لَا تَجْعَلنَا مَعَ الْقَوْم الظَّالِمِينَ } وَإِذَا نَظَرُوا إِلَى أَهْل الْجَنَّة عَرَفُوهُمْ بِبَيَاضِ الْوُجُوه , فَذَلِكَ قَوْله : { وَنَادَوْا أَصْحَاب الْجَنَّة أَنْ سَلَام عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ } 11420 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك , فِي قَوْله : { وَعَلَى الْأَعْرَاف رِجَال يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ } زَعَمُوا أَنَّ أَصْحَاب الْأَعْرَاف رِجَال مِنْ أَهْل الذُّنُوب أَصَابُوا ذُنُوبًا ; وَكَانَ حُسِمَ أَمْرهمْ لِلَّهِ , فَجَعَلَهُمْ اللَّه عَلَى الْأَعْرَاف , فَإِذَا نَظَرُوا إِلَى أَهْل النَّار عَرَفُوهُمْ بِسَوَادِ الْوُجُوه , فَتَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ النَّار ; وَإِذَا نَظَرُوا إِلَى أَهْل الْجَنَّة , نَادَوْهُمْ أَنْ سَلَام عَلَيْكُمْ , قَالَ اللَّه : { لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ } قَالَ : وَهَذَا قَوْل اِبْن عَبَّاس . 11421 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ } يَعْرِفُونَ النَّاس بِسِيمَاهُمْ , يَعْرِفُونَ أَهْل النَّار بِسَوَادِ وُجُوههمْ , وَأَهْل الْجَنَّة بِبَيَاضِ وُجُوههمْ . 11422 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ } يَعْرِفُونَ أَهْل النَّار بِسَوَادِ وُجُوههمْ , وَأَهْل الْجَنَّة بِبَيَاضِ وُجُوههمْ . 11423 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَعَلَى الْأَعْرَاف رِجَال يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ } قَالَ : أَهْل الْجَنَّة بِسِيمَاهُمْ بِيض الْوُجُوه , وَأَهْل النَّار بِسِيمَاهُمْ سُود الْوُجُوه . قَالَ : وَقَوْله { يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ } قَالَ : أَصْحَاب الْجَنَّة وَأَصْحَاب النَّار , وَنَادَوْا أَصْحَاب الْجَنَّة , قَالَ : حِين رَأَوْا وُجُوههمْ قَدْ اِبْيَضَّتْ. 11424 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ } قَالَ : بِسَوَادِ الْوُجُوه. 11425 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ مُبَارَك , عَنْ الْحَسَن : { بِسِيمَاهُمْ } قَالَ : بِسَوَادِ الْوُجُوه , وَزُرْقَة الْعُيُون . وَالسِّيمَاء : الْعَلَامَة الدَّالَّة عَلَى الشَّيْء فِي كَلَام الْعَرَب , وَأَصْله مِنْ السِّمَة نُقِلَتْ وَاوهَا الَّتِي هِيَ فَاء الْفِعْل إِلَى مَوْضِع الْعَيْن , كَمَا يُقَال : اِضْمَحَلَّ وَامْضَحَلّ . وَذُكِرَ سَمَاعًا عَنْ بَعْض بَنِي عُقَيْل , : هِيَ أَرْض خَامَة , يَعْنِي : وَخِمَة ; وَمِنْهُ قَوْلهمْ : لَهُ جَاه عِنْد النَّاس , بِمَعْنَى : وَجْه , نُقِلَتْ وَاوه إِلَى مَوْضِع عَيْن الْفِعْل وَفِيهَا لُغَات ثَلَاث : " سِيمَا مَقْصُورَة " , و " سِيمَاء " مَمْدُودَة , و " سِيمِيَاء " بِزِيَادَةِ يَاء أُخْرَى بَعْد الْمِيم فِيهَا وَمَدّهَا عَلَى مِثَال الْكِبْرِيَاء , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : غُلَام رَمَاهُ اللَّه بِالْحُسْنِ إِذْ رَمَى لَهُ سِيمِيَاء لَا تَشُقّ عَلَى الْبَصَر

وَأَمَّا قَوْله : { وَنَادَوْا أَصْحَاب الْجَنَّة أَنْ سَلَام عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ } أَيْ حَلَّتْ عَلَيْهِمْ أَمَنَة اللَّه مِنْ عِقَابه وَأَلِيم عَذَابه . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ : { لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ } فَقَالَ بَعْضهمْ : هَذَا خَبَر مِنْ اللَّه عَنْ أَهْل الْأَعْرَاف أَنَّهُمْ قَالُوا لِأَهْلِ الْجَنَّة مَا قَالُوا قَبْل دُخُول أَصْحَاب الْأَعْرَاف , غَيْر أَنَّهُمْ قَالُوهُ وَهُمْ يَطْمَعُونَ فِي دُخُولهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11426 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : أَهْل الْأَعْرَاف يَعْرِفُونَ النَّاس , فَإِذَا مَرُّوا عَلَيْهِمْ بِزُمْرَةٍ يُذْهَب بِهَا إِلَى الْجَنَّة قَالُوا : سَلَام عَلَيْكُمْ ! يَقُول اللَّه لِأَهْلِ الْأَعْرَاف : { لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ } أَنْ يَدْخُلُوهَا. 11427 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , قَالَ : تَلَا الْحَسَن : { لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ } قَالَ : وَاَللَّه مَا جُعِلَ ذَلِكَ الطَّمَع فِي قُلُوبهمْ إِلَّا لِكَرَامَةٍ يُرِيدهَا بِهِمْ. 11428 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ } قَالَ : أَنْبَأَكُمْ اللَّه بِمَكَانِهِمْ مِنْ الطَّمَع . 11429 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ أَبِي بَكْر الْهُذَلِيّ , قَالَ : قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر , وَهُوَ يُحَدِّث ذَلِكَ عَنْ اِبْن مَسْعُود , قَالَ : أَمَّا أَصْحَاب الْأَعْرَاف , فَإِنَّ النُّور كَانَ فِي أَيْدِيهمْ فَانْتُزِعَ مِنْ أَيْدِيهمْ ; يَقُول اللَّه : { لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ } قَالَ : فِي دُخُولهَا . قَالَ اِبْن عَبَّاس : فَأَدْخَلَ اللَّه أَصْحَاب الْأَعْرَاف الْجَنَّة . 11430 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ عِكْرِمَة وَعَطَاء : { لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ } قَالَا : فِي دُخُولهَا . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا عُنِيَ بِذَلِكَ أَهْل الْجَنَّة , وَأَنَّ أَصْحَاب الْأَعْرَاف يَقُولُونَ لَهُمْ قَبْل أَنْ يَدْخُلُوا الْجَنَّة : سَلَام عَلَيْكُمْ , وَأَهْل الْجَنَّة يَطْمَعُونَ أَنْ يَدْخُلُوهَا , وَلَمْ يَدْخُلُوهَا بَعْد . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11431 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ , عَنْ أَبِي مِجْلَز : { وَنَادَوْا أَصْحَاب الْجَنَّة أَنْ سَلَام عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ } قَالَ : الْمَلَائِكَة يَعْرِفُونَ الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا بِسِيمَاهُمْ , وَهَذَا قَبْل أَنْ يَدْخُل أَهْل الْجَنَّة الْجَنَّة أَصْحَاب الْأَعْرَاف , يُنَادُونَ أَصْحَاب الْجَنَّة : أَنْ سَلَام عَلَيْكُمْ ! لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ فِي دُخُولهَا.
وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاء أَصْحَابِ النَّارِ قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَسورة الأعراف الآية رقم 47
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارهمْ تِلْقَاء أَصْحَاب النَّار قَالُوا رَبّنَا لَا تَجْعَلنَا مَعَ الْقَوْم الظَّالِمِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَار أَصْحَاب الْأَعْرَاف تِلْقَاء أَصْحَاب النَّار - يَعْنِي : حِيَالهمْ وَوِجَاههمْ - فَنَظَرُوا إِلَى تَشْوِيه اللَّه لَهُمْ , { قَالُوا رَبّنَا لَا تَجْعَلنَا مَعَ الْقَوْم الظَّالِمِينَ } الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ فَأَكْسَبُوهَا مِنْ سَخَطك مَا أَوْرَثَهُمْ مِنْ عَذَابك مَا هُمْ فِيهِ . 11432 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ , يَعْنِي بِأَصْحَابِ الْأَعْرَاف بِزُمْرَةٍ يُذْهَب بِهَا إِلَى النَّار , { قَالُوا رَبّنَا لَا تَجْعَلنَا مَعَ الْقَوْم الظَّالِمِينَ } 11433 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : إِنَّ أَصْحَاب الْأَعْرَاف إِذَا نَظَرُوا إِلَى أَهْل النَّار وَعَرَفُوهُمْ قَالُوا : { رَبّنَا لَا تَجْعَلنَا مَعَ الْقَوْم الظَّالِمِينَ } 11434 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِي مُكَيْن , عَنْ أَخِيهِ , عَنْ عِكْرِمَة : { وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارهمْ تِلْقَاء أَصْحَاب النَّار } قَالَ : تُحْرَد وُجُوههمْ لِلنَّارِ , فَإِذَا رَأَوْا أَهْل الْجَنَّة ذَهَبَ ذَلِكَ عَنْهُمْ . 11435 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارهمْ تِلْقَاء أَصْحَاب النَّار } فَرَأَوْا وُجُوههمْ مُسْوَدَّة وَأَعْيُنهمْ مُزْرَقَّة , { قَالُوا رَبّنَا لَا تَجْعَلنَا مَعَ الْقَوْم الظَّالِمِينَ }
وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَسورة الأعراف الآية رقم 48
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَنَادَى أَصْحَاب الْأَعْرَاف رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَنَادَى أَصْحَاب الْأَعْرَاف رِجَالًا } مِنْ أَهْل الْأَرْض { يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ } سِيمَا أَهْل النَّار , { قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعكُمْ } مَا كُنْتُمْ تَجْمَعُونَ مِنْ الْأَمْوَال وَالْعُدَد فِي الدُّنْيَا , { وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ } يَقُول : وَتَكَبُّركُمْ الَّذِي كُنْتُمْ تَتَكَبَّرُونَ فِيهَا . كَمَا : 11436 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : فَمَرَّ بِهِمْ - يَعْنِي بِأَصْحَابِ الْأَعْرَاف - نَاس مِنْ الْجَبَّارِينَ عَرَفُوهُمْ بِسِيمَاهُمْ ; قَالَ : يَقُول : قَالَ أَصْحَاب الْأَعْرَاف : { مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ } 11437 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَنَادَى أَصْحَاب الْأَعْرَاف رِجَالًا } قَالَ : فِي النَّار , { يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعكُمْ } وَتَكَبُّركُمْ , { وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ } 11438 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ , عَنْ أَبِي مِجْلَز : { وَنَادَى أَصْحَاب الْأَعْرَاف رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ } قَالَ : هَذَا حِين دَخَلَ أَهْل الْجَنَّة الْجَنَّة , { أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالهُمْ اللَّه بِرَحْمَةٍ } الْآيَة . قُلْت لِأَبِي مِجْلَز : عَنْ اِبْن عَبَّاس ؟ قَالَ : لَا بَلْ عَنْ غَيْره . * حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ , عَنْ أَبِي مِجْلَز : { وَنَادَى أَصْحَاب الْأَعْرَاف رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ } قَالَ : نَادَتْ الْمَلَائِكَة رِجَالًا فِي النَّار يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ : { مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالهُمْ اللَّه بِرَحْمَةٍ } قَالَ : هَذَا حِين دَخَلَ أَهْل الْجَنَّة الْجَنَّة , { اُدْخُلُوا الْجَنَّة لَا خَوْف عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ } 11439 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَنَادَى أَصْحَاب الْأَعْرَاف رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ } فَالرِّجَال عُظَمَاء مِنْ أَهْل الدُّنْيَا ; قَالَ : فَبِهَذِهِ الصِّفَة عَرَفَ أَهْل الْأَعْرَاف أَهْل الْجَنَّة مِنْ أَهْل النَّار. وَإِنَّمَا ذِكْر هَذَا حِين يَذْهَب رَئِيس أَهْل الْخَيْر وَرَئِيس أَهْل الشَّرّ يَوْم الْقِيَامَة . قَالَ : وَقَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ } قَالَ : عَلَى أَهْل طَاعَة اللَّه.
أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَسورة الأعراف الآية رقم 49
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالهُمْ اللَّه بِرَحْمَةٍ اُدْخُلُوا الْجَنَّة لَا خَوْف عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيِّينَ بِهَذَا الْكَلَام , فَقَالَ بَعْضهمْ : هَذَا قِيل اللَّه لِأَهْلِ النَّار تَوْبِيخًا لَهُمْ عَلَى مَا كَانَ مِنْ قِيلهمْ فِي الدُّنْيَا لِأَهْلِ الْأَعْرَاف عِنْد إِدْخَاله أَصْحَاب الْأَعْرَاف الْجَنَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11440 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : أَصْحَاب الْأَعْرَاف : رِجَال كَانَتْ لَهُمْ ذُنُوب عِظَام , وَكَانَ حُسِمَ أَمْرهمْ لِلَّهِ , يَقُومُونَ عَلَى الْأَعْرَاف , فَإِذَا نَظَرُوا إِلَى أَهْل الْجَنَّة طَمِعُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا , وَإِذَا نَظَرُوا إِلَى أَهْل النَّار تَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْهَا , فَأُدْخِلُوا الْجَنَّة . فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : { أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالهُمْ اللَّه بِرَحْمَةٍ } يَعْنِي أَصْحَاب الْأَعْرَاف , { اُدْخُلُوا الْجَنَّة لَا خَوْف عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ } 11441 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : إِنَّ اللَّه أَدْخَلَ أَصْحَاب الْأَعْرَاف الْجَنَّة لِقَوْلِهِ : { اُدْخُلُوا الْجَنَّة لَا خَوْف عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ } 11442 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : قَالَ اللَّه لِأَهْلِ التَّكَبُّر وَالْأَمْوَال : { أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالهُمْ اللَّه بِرَحْمَةٍ } يَعْنِي أَصْحَاب الْأَعْرَاف , { اُدْخُلُوا الْجَنَّة لَا خَوْف عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ } 11443 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { أَهَؤُلَاءِ } الضُّعَفَاء { الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالهُمْ اللَّه بِرَحْمَةٍ اُدْخُلُوا الْجَنَّة لَا خَوْف عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ } قَالَ : فَقَالَ حُذَيْفَة : " أَصْحَاب الْأَعْرَاف قَوْم تَكَافَأَتْ أَعْمَالهمْ فَقَصُرَتْ بِهِمْ حَسَنَاتهمْ عَنْ الْجَنَّة , وَقَصُرَتْ بِهِمْ سَيِّئَاتهمْ عَنْ النَّار , فَجُعِلُوا عَلَى الْأَعْرَاف يَعْرِفُونَ النَّاس بِسِيمَاهُمْ . فَلَمَّا قُضِيَ بَيْن الْعِبَاد , أُذِنَ لَهُمْ فِي طَلَب الشَّفَاعَة , فَأَتَوْا آدَم عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالُوا : يَا آدَم أَنْتَ أَبُونَا فَاشْفَعْ لَنَا عِنْد رَبّك ! فَقَالَ : هَلْ تَعْلَمُونَ أَحَدًا خَلَقَهُ اللَّه بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحه وَسَبَقَتْ رَحْمَة اللَّه إِلَيْهِ غَضَبه وَسَجَدَتْ لَهُ الْمَلَائِكَة غَيْرِي ؟ فَيَقُولُونَ لَا . قَالَ : فَيَقُول : مَا عَلِمْت كُنْه مَا أَسْتَطِيع أَنْ أَشْفَع لَكُمْ , وَلَكِنْ اِئْتُوا اِبْنِي إِبْرَاهِيم ! قَالَ : فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فَيَسْأَلُونَهُ أَنْ يَشْفَع لَهُمْ عِنْد رَبّه , فَيَقُول هَلْ تَعْلَمُونَ مِنْ أَحَد اِتَّخَذَهُ اللَّه خَلِيلًا ؟ هَلْ تَعْلَمُونَ أَحَدًا أَحْرَقَهُ قَوْمه فِي النَّار فِي اللَّه غَيْرِي ؟ فَيَقُولُونَ : لَا ! فَيَقُول : مَا عَلِمْت كُنْه مَا أَسْتَطِيع أَنْ أَشْفَع لَكُمْ , وَلَكِنْ اِئْتُوا اِبْنِي مُوسَى ! فَيَأْتُونَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَيَقُول : هَلْ تَعْلَمُونَ مِنْ أَحَد كَلَّمَهُ اللَّه تَكْلِيمًا وَقَرَّبَهُ نَجِيًّا غَيْرِي ؟ فَيَقُولُونَ : لَا , فَيَقُول : مَا عَلِمْت كُنْه مَا أَسْتَطِيع أَنْ أَشْفَع لَكُمْ , وَلَكِنْ اِئْتُوا عِيسَى ! فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُونَ : اِشْفَعْ لَنَا عِنْد رَبّك ! فَيَقُول : هَلْ تَعْلَمُونَ أَحَدًا خَلَقَهُ اللَّه مِنْ غَيْر أَب غَيْرِي ؟ فَيَقُولُونَ : لَا , فَيَقُول : هَلْ تَعْلَمُونَ مِنْ أَحَد كَانَ يُبْرِئ الْأَكْمَه وَالْأَبْرَص وَيُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّه غَيْرِي ؟ قَالَ : فَيَقُولُونَ : لَا , قَالَ : فَيَقُول : أَنَا حَجِيج نَفْسِي , مَا عَلِمْت كُنْه مَا أَسْتَطِيع أَنْ أَشْفَع لَكُمْ , وَلَكِنْ اِئْتُوا مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ! " قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَيَأْتُونِي , فَأَضْرِب بِيَدِي عَلَى صَدْرِي ثُمَّ أَقُول : أَنَا لَهَا . ثُمَّ أَمْشِي حَتَّى أَقِف بَيْن يَدَيْ الْعَرْش , فَأُثْنِي عَلَى رَبِّي , فَيَفْتَح لِي مِنْ الثَّنَاء مَا لَمْ يَسْمَع السَّامِعُونَ بِمِثْلِهِ قَطُّ , ثُمَّ أَسْجُد فَيُقَال لِي : يَا مُحَمَّد اِرْفَعْ رَأْسَك , سَلْ تُعْطَهْ , وَاشْفَعْ تُشَفَّع ! فَأَرْفَع رَأْسِي فَأَقُول : رَبّ أُمَّتِي ! فَيُقَال : هُمْ لَك . فَلَا يَبْقَى نَبِيّ مُرْسَل وَلَا مَلَك مُقَرَّب إِلَّا غَبَطَنِي يَوْمئِذٍ بِذَلِكَ الْمَقَام , وَهُوَ الْمَقَام الْمَحْمُود " . قَالَ : " فَآتِي بِهِمْ بَاب الْجَنَّة فَأَسْتَفْتِح , فَيُفْتَح لِي وَلَهُمْ , فَيُذْهَب بِهِمْ إِلَى نَهْر يُقَال لَهُ نَهْر الْحَيَاة , حَافَّتَاهُ قُضُب مِنْ ذَهَب مُكَلَّل بِاللُّؤْلُؤِ , تُرَابه الْمِسْك , وَحَصْبَاؤُهُ الْيَاقُوت , فَيَغْتَسِلُونَ مِنْهُ , فَتَعُود إِلَيْهِمْ أَلْوَان أَهْل الْجَنَّة وَرِيحهمْ , وَيَصِيرُونَ كَأَنَّهُمْ الْكَوَاكِب الدُّرِّيه , وَيَبْقَى فِي صَدْرهمْ شَامَات بِيض يُعْرَفُونَ بِهَا , يُقَال لَهُمْ مَسَاكِين أَهْل الْجَنَّة " . 11444 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك , قَالَ : إِنَّ اللَّه أَدْخَلَهُمْ بَعْد أَصْحَاب الْجَنَّة , وَهُوَ قَوْله : { اُدْخُلُوا الْجَنَّة لَا خَوْف عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ } يَعْنِي أَصْحَاب الْأَعْرَاف. وَهَذَا قَوْل اِبْن عَبَّاس . فَتَأْوِيل الْكَلَام عَلَى هَذَا التَّأْوِيل الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَمَنْ ذَكَرنَا قَوْله فِيهِ : قَالَ اللَّه لِأَهْلِ التَّكَبُّر عَنْ الْإِقْرَار بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّه وَالْإِذْعَان لِطَاعَتِهِ وَطَاعَة رُسُله الْجَامِعِينَ فِي الدُّنْيَا الْأَمْوَال مُكَاثَرَة وَرِيَاء : أَيّهَا الْجَبَابِرَة الَّذِينَ كَانُوا فِي الدُّنْيَا , أَهَؤُلَاءِ الضُّعَفَاء الَّذِينَ كُنْتُمْ فِي الدُّنْيَا أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالهُمْ اللَّه بِرَحْمَةٍ ؟ قَالَ : قَدْ غَفَرْت لَهُمْ وَرَحِمْتهمْ بِفَضْلِي وَرَحْمَتِي , اُدْخُلُوا يَا أَصْحَاب الْأَعْرَاف الْجَنَّة , لَا خَوْف عَلَيْكُمْ بَعْدهَا مِنْ عُقُوبَة تُعَاقَبُونَ بِهَا عَلَى مَا سَلَفَ مِنْكُمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ الْآثَام وَالْإِجْرَام , وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ عَلَى شَيْء فَاتَكُمْ فِي دُنْيَاكُمْ ! وَقَالَ أَبُو مِجْلَز : بَلْ هَذَا الْقَوْل خَبَر مِنْ اللَّه عَنْ قِيل الْمَلَائِكَة لِأَهْلِ النَّار بَعْد مَا دَخَلُوا النَّار تَعْيِيرًا مِنْهُمْ لَهُمْ عَلَى مَا كَانُوا يَقُولُونَ فِي الدُّنْيَا لِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ أَدْخَلَهُمْ اللَّه يَوْم الْقِيَامَة جَنَّته . وَأَمَّا قَوْله : { اُدْخُلُوا الْجَنَّة لَا خَوْف عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ } فَخَبَر مِنْ اللَّه عَنْ أَمْره أَهْل الْجَنَّة بِدُخُولِهَا . 11445 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ , عَنْ أَبِي مِجْلَز , قَالَ : نَادَتْ الْمَلَائِكَة رِجَالًا فِي النَّار يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ : مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ ! أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالهُمْ اللَّه بِرَحْمَةٍ ؟ قَالَ : فَهَذَا حِين يَدْخُل أَهْل الْجَنَّة الْجَنَّة ; اُدْخُلُوا الْجَنَّة لَا خَوْف عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ .
وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَسورة الأعراف الآية رقم 50
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَنَادَى أَصْحَاب النَّار أَصْحَاب الْجَنَّة أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنْ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّه قَالُوا إِنَّ اللَّه حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ } وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ اِسْتِغَاثَة أَهْل النَّار بِأَهْلِ الْجَنَّة عِنْد نُزُول عَظِيم الْبَلَاء بِهِمْ مِنْ شِدَّة الْعَطَش وَالْجُوع , عُقُوبَة مِنْ اللَّه لَهُمْ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ تَرْك طَاعَة اللَّه وَأَدَاء مَا كَانَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ فِيهَا فِي أَمْوَالهمْ مِنْ حُقُوق الْمَسَاكِين مِنْ الزَّكَاة وَالصَّدَقَة . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَنَادَى أَصْحَاب النَّار بَعْدَمَا دَخَلُوهَا أَصْحَاب الْجَنَّة بَعْدَمَا سَكَنُوهَا أَنْ يَا أَهْل الْجَنَّة : { أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنْ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّه } أَيْ أَطْعِمُونَا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّه مِنْ الطَّعَام . كَمَا : 11446 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنْ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّه } قَالَ : مِنْ الطَّعَام . 11447 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنْ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّه } قَالَ : يَسْتَطْعِمُونَهُمْ وَيَسْتَسْقُونَهُمْ . فَأَجَابَهُمْ أَهْل الْجَنَّة : إِنَّ اللَّه حَرَّمَ الْمَاء وَالطَّعَام عَلَى الَّذِينَ جَحَدُوا تَوْحِيده وَكَذَّبُوا فِي الدُّنْيَا رُسُله . وَالْهَاء وَالْمِيم فِي قَوْله : { إِنَّ اللَّه حَرَّمَهُمَا } عَائِدَتَانِ عَلَى الْمَاء , وَعَلَى " مَا " الَّتِي فِي قَوْله : { أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّه } وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11448 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عُثْمَان الثَّقَفِيّ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَنَادَى أَصْحَاب النَّار أَصْحَاب الْجَنَّة أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنْ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّه } قَالَ : يُنَادِي الرَّجُل أَخَاهُ أَوْ أَبَاهُ , فَيَقُول : قَدْ اِحْتَرَقْت , أَفِضْ عَلَيَّ مِنْ الْمَاء ! فَيُقَال لَهُمْ : أَجِيبُوهُمْ ! فَيَقُولُونَ : { إِنَّ اللَّه حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ } 11449 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن دُكَيْن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عُثْمَان , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { وَنَادَى أَصْحَاب النَّار أَصْحَاب الْجَنَّة أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنْ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّه } قَالَ : يُنَادِي الرَّجُل أَخَاهُ : يَا أَخِي قَدْ اِحْتَرَقْت فَأَغِثْنِي ! فَيَقُول : { إِنَّ اللَّه حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ } 11450 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { قَالُوا إِنَّ اللَّه حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ } قَالَ : طَعَام أَهْل الْجَنَّة وَشَرَابهَا .
الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَسورة الأعراف الآية رقم 51
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ اِتَّخَذُوا دِينهمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاة الدُّنْيَا فَالْيَوْم نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاء يَوْمهمْ هَذَا } وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه عَنْ قِيل أَهْل الْجَنَّة لِلْكَافِرِينَ , يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَأَجَابَ أَهْل الْجَنَّة أَهْل النَّار : { إِنَّ اللَّه حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ } الَّذِينَ كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَرُسُله , { الَّذِينَ اِتَّخَذُوا دِينهمْ } الَّذِي أَمَرَهُمْ اللَّه بِهِ { لَهْوًا وَلَعِبًا } يَقُول : سُخْرِيَة وَلَعِبًا . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي ذَلِكَ مَا : 11451 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله { الَّذِينَ اِتَّخَذُوا دِينهمْ لَهْوًا وَلَعِبًا } الْآيَة . قَالَ : وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا دُعُوا إِلَى الْإِيمَان سَخِرُوا مِمَّنْ دَعَاهُمْ إِلَيْهِ وَهَزَءُوا بِهِ اِغْتِرَارًا بِاَللَّهِ . { وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاة الدُّنْيَا } يَقُول : وَخَدَعَهُمْ عَاجِل مَا هُمْ فِيهِ مِنْ الْعَيْش وَالْخَفْض وَالدَّعَة عَنْ الْأَخْذ بِنَصِيبِهِمْ مِنْ الْآخِرَة حَتَّى آتَتْهُمْ الْمَنِيَّة ; يَقُول اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَالْيَوْم نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاء يَوْمهمْ هَذَا } أَيْ فَفِي هَذَا الْيَوْم وَذَلِكَ يَوْم الْقِيَامَة نَنْسَاهُمْ , يَقُول : نَتْرُكهُمْ فِي الْعَذَاب الْمُبِين جِيَاعًا عِطَاشًا بِغَيْرِ طَعَام وَلَا شَرَاب , كَمَا تَرَكُوا الْعَمَل لِلِقَاءِ يَوْمهمْ هَذَا وَرَفَضُوا الِاسْتِعْدَاد لَهُ بِإِتْعَابِ أَبْدَانهمْ فِي طَاعَة اللَّه . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى قَوْله نَنْسَاهُمْ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11452 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ جَابِر , عَنْ مُجَاهِد : { فَالْيَوْم نَنْسَاهُمْ } قَالَ : نُسُوا فِي الْعَذَاب . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَالْيَوْم نَنْسَاهُمْ } قَالَ : نَتْرُكهُمْ كَمَا تَرَكُوا لِقَاء يَوْمهمْ هَذَا. * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { نَنْسَاهُمْ } قَالَ : نَتْرُكهُمْ فِي النَّار . 11453 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى ; قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس { فَالْيَوْم نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاء يَوْمهمْ هَذَا } قَالَ : نَتْرُكهُمْ مِنْ الرَّحْمَة كَمَا تَرَكُوا أَنْ يَعْمَلُوا لِلِقَاءِ رَبّهمْ هَذَا. 11454 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنَى أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس . قَوْله : { فَالْيَوْم نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاء يَوْمهمْ هَذَا } الْآيَة : يَقُول : نَسِيَهُمْ اللَّه مِنْ الْخَيْر , وَلَمْ يَنْسَهُمْ مِنْ الشَّرّ . * حَدَّثَنِي الْحَارِث . قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا أَبُو سَعْد , قَالَ : سَمِعْت مُجَاهِدًا فِي قَوْله : { فَالْيَوْم نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاء يَوْمهمْ هَذَا } قَالَ : نُؤَخِّرهُمْ فِي النَّار .

أَمَّا قَوْله { وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : الْيَوْم نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاء يَوْمهمْ هَذَا , وَكَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ . فَـ " مَا " الَّتِي فِي قَوْله : { وَمَا كَانُوا } مَعْطُوفَة عَلَى " مَا " الَّتِي فِي قَوْله : { كَمَا نَسُوا } وَتَأْوِيل الْكَلَام : فَالْيَوْم نَتْرُكهُمْ فِي الْعَذَاب , كَمَا تَرَكُوا الْعَمَل فِي الدُّنْيَا لِلِقَاءِ اللَّه يَوْم الْقِيَامَة , وَكَمَا كَانُوا بِآيَاتِ اللَّه يَجْحَدُونَ , وَهِيَ حُجَّة الَّتِي اِحْتَجَّ بِهَا عَلَيْهِمْ مِنْ الْأَنْبِيَاء وَالرُّسُل وَالْكُتُب وَغَيْر ذَلِكَ . يَجْحَدُونَ : يَكْذِبُونَ وَلَا يُصَدِّقُونَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ .
وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَسورة الأعراف الآية رقم 52
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى . { وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْم هُدًى وَرَحْمَة لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أُقْسِم يَا مُحَمَّد لَقَدْ جِئْنَا هَؤُلَاءِ الْكَفَرَة بِكِتَابٍ , يَعْنِي الْقُرْآن الَّذِي أَنْزَلَهُ إِلَيْهِمْ . يَقُول : لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْهِمْ هَذَا الْقُرْآن مُفَصَّلًا مُبَيَّنًا فِيهِ الْحَقّ مِنْ الْبَاطِل , { عَلَى عِلْم } يَقُول : عَلَى عِلْم مِنَّا بِحَقِّ مَا فُصِّلَ فِيهِ مِنْ الْبَاطِل الَّذِي مُيِّزَ فِيهِ بَيْنه وَبَيْن الْحَقّ , { هُدًى وَرَحْمَة } يَقُول : بَيَّنَّاهُ لِيَهْتَدِيَ وَيُرْحَم بِهِ قَوْم يُصَدِّقُونَ بِهِ وَبِمَا فِيهِ مِنْ أَمْر اللَّه وَنَهْيه وَأَخْبَاره وَوَعْده وَوَعِيده . فَيُنْقِذهُمْ بِهِ مِنْ الضَّلَالَة إِلَى الْهُدَى . وَهَذِهِ الْآيَة مَرْدُودَة عَلَى قَوْله : { كِتَاب أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْك فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرك حَرَج مِنْهُ لِتُنْذِر بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ } { وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْم } وَالْهُدَى فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْقَطْع مِنْ الْهَاء الَّتِي فِي قَوْله : { فَصَّلْنَاهُ } وَلَوْ نُصِب عَلَى فِعْل فَصَّلْنَاهُ , فَيَكُون الْمَعْنَى : فَصَّلْنَا الْكِتَاب كَذَلِكَ كَانَ صَحِيحًا ; وَلَوْ قُرِئَ " هُدًى وَرَحْمَةٍ " كَانَ فِي الْإِعْرَاب فَصِيحًا , وَكَانَ خَفْض ذَلِكَ بِالرَّدِّ عَلَى الْكِتَاب .
هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَسورة الأعراف الآية رقم 53
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيله } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيله } هَلْ يَنْتَظِر هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِآيَاتِ اللَّه وَيَجْحَدُونَ لِقَاءَهُ , إِلَّا تَأْوِيله ؟ يَقُول : إِلَّا مَا يَئُول إِلَيْهِ أَمْرهمْ مِنْ وُرُودهمْ عَلَى عَذَاب اللَّه , وَصِلِيّهمْ جَحِيمه , وَأَشْبَاه هَذَا مِمَّا أَوْعَدَهُمْ اللَّه بِهِ . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى التَّأْوِيل فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11455 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيله } : أَيْ ثَوَابه { يَوْم يَأْتِي تَأْوِيله } أَيْ ثَوَابه . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , قَالَ : ثنا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيله يَوْم يَأْتِي تَأْوِيله } قَالَ : تَأْوِيله : عَاقِبَته . 11456 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيله } قَالَ : جَزَاءَهُ , { يَوْم يَأْتِي تَأْوِيله } قَالَ : جَزَاؤُهُ . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله. 11457 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيله } أَمَّا تَأْوِيله : فَعَوَاقِبه مِثْل وَقْعَة بَدْر , وَالْقِيَامَة , وَمَا وَعَد فِيهِ مِنْ مَوْعِد . 11458 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس فِي قَوْله : { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيله يَوْم يَأْتِي تَأْوِيله يَقُول الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْل قَدْ جَاءَتْ رُسُل رَبّنَا بِالْحَقِّ } فَلَا يَزَال يَقَع مِنْ تَأْوِيله أَمْر حَتَّى يَتِمّ تَأْوِيله يَوْم الْقِيَامَة , فَفِي ذَلِكَ أُنْزِلَ : { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيله } حَيْثُ أَثَابَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَوْلِيَاءَهُ وَأَعْدَاءَهُ ثَوَاب أَعْمَالهمْ , { يَقُول } يَوْمئِذٍ { الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْل قَدْ جَاءَتْ رُسُل رَبّنَا بِالْحَقِّ } الْآيَة . 11459 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيله يَوْم يَأْتِي تَأْوِيله } قَالَ : يَوْم الْقِيَامَة . 11460 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { يَوْم يَأْتِي تَأْوِيله } قَالَ : يَأْتِي تَحْقِيقه . وَقَرَأَ قَوْل اللَّه تَعَالَى : { هَذَا تَأْوِيل رُؤْيَايَ مِنْ قَبْل } 12 100 قَالَ : هَذَا تَحْقِيقهَا. وَقَرَأَ قَوْل اللَّه : { وَمَا يَعْلَم تَأْوِيله إِلَّا اللَّه } 3 7 قَالَ : مَا يَعْلَم حَقِيقَته وَمَتَى يَأْتِي إِلَّا اللَّه تَعَالَى .

وَأَمَّا قَوْله : { يَوْم يَأْتِي تَأْوِيله يَقُول الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْل } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : يَوْم يَجِيء مَا يَئُول إِلَيْهِ أَمْرهمْ مِنْ عِقَاب اللَّه , { يَقُول الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْل } : أَيْ يَقُول الَّذِينَ ضَيَّعُوا وَتَرَكُوا مَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ الْعَمَل الْمُنْجِيهِمْ مِمَّا آل إِلَيْهِ أَمْرهمْ يَوْمئِذٍ مِنْ الْعَذَاب مِنْ قَبْل ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا : { قَدْ جَاءَتْ رُسُل رَبّنَا بِالْحَقِّ } أَقْسَمَ الْمَسَاكِين حِين عَايَنُوا الْبَلَاء وَحَلَّ بِهِمْ الْعِقَاب أَنَّ رُسُل اللَّه الَّتِي أَتَتْهُمْ بِالنِّذَارَةِ وَبَلَّغَتْهُمْ عَنْ اللَّه الرِّسَالَة , قَدْ كَانَتْ نَصَحَتْ لَهُمْ وَصَدَقَتهمْ عَنْ اللَّه , وَذَلِكَ حِين لَا يَنْفَعهُمْ التَّصْدِيق وَلَا يُنْجِيهِمْ مِنْ سَخَط اللَّه وَأَلِيم عِقَابه كَثْرَة الْقِيل وَالْقَال . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11461 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { يَقُول الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْل قَدْ جَاءَتْ رُسُل رَبّنَا بِالْحَقِّ } أَمَّا الَّذِينَ نَسُوهُ فَتَرَكُوهُ , فَلَمَّا رَأَوْا مَا وَعَدَهُمْ أَنْبِيَاؤُهُمْ اِسْتَيْقَنُوا فَقَالُوا : قَدْ جَاءَتْ رُسُل رَبّنَا بِالْحَقِّ. 11462 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { يَقُول الَّذِينَ نَسُوهُ } قَالَ : أَعْرَضُوا عَنْهُ. * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاء فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدّ فَنَعْمَل غَيْر الَّذِي كُنَّا نَعْمَل قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسهمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتهمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ عِنْد حُلُول سَخَط اللَّه بِهِمْ وَوُرُودهمْ أَلِيم عَذَابه وَمُعَايَنَتهمْ تَأْوِيل مَا كَانَتْ رُسُل اللَّه تَعِدهُمْ : هَلْ لَنَا مِنْ أَصْدِقَاء وَأَوْلِيَاء الْيَوْم , فَيَشْفَعُوا لَنَا عِنْد رَبّنَا , فَتُنْجِينَا شَفَاعَتهمْ عِنْده مِمَّا قَدْ حَلَّ بِنَا مِنْ سُوء فِعَالنَا فِي الدُّنْيَا , أَوْ نُرَدّ إِلَى الدُّنْيَا مَرَّة أُخْرَى , فَنَعْمَل فِيهَا بِمَا يُرْضِيه وَيُعْتِبهُ مِنْ أَنْفُسنَا ؟ قَالَ هَذَا الْقَوْل الْمَسَاكِين هُنَالِكَ , لِأَنَّهُمْ كَانُوا عَهِدُوا فِي الدُّنْيَا أَنْفُسهمْ لَهَا شُفَعَاء تَشْفَع لَهُمْ فِي حَاجَاتهمْ , فَيَذْكُرُوا ذَلِكَ فِي وَقْت لَا خُلَّة فِيهِ لَهُمْ وَلَا شَفَاعَة , يَقُول اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسهمْ } يَقُول : غَبَنُوا أَنْفُسهمْ حُظُوظهَا بِبَيْعِهِمْ مَا لَا خَطَر لَهُ مِنْ نَعِيم الْآخِرَة الدَّائِم بِالْخَسِيسِ مِنْ عَرَض الدُّنْيَا الزَّائِل , { وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } يَقُول : وَأَسْلَمَهُمْ لِعَذَابِ اللَّه , وَحَادَ عَنْهُمْ أَوْلِيَاؤُهُمْ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ مِنْ دُون اللَّه , وَيَزْعُمُونَ كَذِبًا وَافْتِرَاء أَنَّهُمْ أَرْبَابهمْ مِنْ دُون اللَّه . 11463 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسهمْ } يَقُول : شَرَوْهَا بِخُسْرَانٍ . وَإِنَّمَا رُفِعَ قَوْله { أَوْ نُرَدّ } وَلَمْ يُنْصَب عَطْفًا عَلَى قَوْله : { فَيَشْفَعُوا لَنَا } لِأَنَّ الْمَعْنَى : هَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاء فَيَشْفَعُوا لَنَا , أَوْ هَلْ نُرَدّ فَنَعْمَل غَيْر الَّذِي كُنَّا نَعْمَل . وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْعَطْف عَلَى قَوْله { فَيَشْفَعُوا لَنَا }
إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَسورة الأعراف الآية رقم 54
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ رَبّكُمْ اللَّه الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام ثُمَّ اِسْتَوَى عَلَى الْعَرْش } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ سَيِّدكُمْ وَمُصْلِح أُمُوركُمْ أَيّهَا النَّاس , هُوَ الْمَعْبُود الَّذِي لَهُ الْعِبَادَة مِنْ كُلّ شَيْء الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام , وَذَلِكَ يَوْم الْأَحَد وَالِاثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاء وَالْأَرْبِعَاء وَالْخَمِيس وَالْجُمُعَة . كَمَا : 11464 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا أَبُو عَوَانَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : بَدْء الْخَلْق : الْعَرْش وَالْمَاء وَالْهَوَاء , وَخَلَقْت الْأَرْض مِنْ الْمَاء , وَكَانَ بَدْء الْخَلْق يَوْم الْأَحَد وَالِاثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاء وَالْأَرْبِعَاء وَالْخَمِيس , وَجَمْع الْخَلْق فِي يَوْم الْجُمُعَة , وَتَهَوَّدَتْ الْيَهُود يَوْم السَّبْت , وَيَوْم مِنْ السِّتَّة الْأَيَّام كَأَلْفِ سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ . { ثُمَّ اِسْتَوَى عَلَى الْعَرْش } وَقَدْ ذَكَرْنَا مَعْنَى الِاسْتِوَاء وَاخْتِلَاف النَّاس فِيهِ فِيمَا مَضَى قَبْل بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته.

وَأَمَّا قَوْله : { يُغْشِي اللَّيْل النَّهَار يَطْلُبهُ حَثِيثًا } فَإِنَّهُ يَقُول : يُورِد اللَّيْل عَلَى النَّهَار فَيُلْبِسهُ إِيَّاهُ , حَتَّى يُذْهِب نَضْرَته وَنُوره . { يَطْلُبهُ } يَقُول : يَطْلُب اللَّيْل النَّهَار { حَثِيثًا } يَعْنِي سَرِيعًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11465 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { يَطْلُبهُ حَثِيثًا } يَقُول : سَرِيعًا . 11466 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { يُغْشِي اللَّيْل النَّهَار يَطْلُبهُ حَثِيثًا } قَالَ : يُغْشِي اللَّيْل النَّهَار بِضَوْئِهِ , وَيَطْلُبهُ سَرِيعًا حَتَّى يُدْرِكهُ .


الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالشَّمْس وَالْقَمَر وَالنُّجُوم مُسَخَّرَات بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْق وَالْأَمْر تَبَارَكَ اللَّه رَبّ الْعَالَمِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ رَبّكُمْ اللَّه الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَالشَّمْس وَالْقَمَر وَالنُّجُوم , كُلّ ذَلِكَ بِأَمْرِهِ , أَمَرَهُنَّ اللَّه فَأَطَعْنَ أَمْرَهُ , أَلَا لِلَّهِ الْخَلْق كُلّه , وَالْأَمْر الَّذِي لَا يُخَالَف وَلَا يُرَدّ أَمْره دُون مَا سِوَاهُ مِنْ الْأَشْيَاء كُلّهَا , وَدُون مَا عَبَده الْمُشْرِكُونَ مِنْ الْآلِهَة وَالْأَوْثَان الَّتِي لَا تَضُرّ وَلَا تَنْفَع وَلَا تَخْلُق وَلَا تَأْمُر , تَبَارَكَ اللَّه مَعْبُودنَا الَّذِي لَهُ عِبَادَة كُلّ شَيْء رَبّ الْعَالَمِينَ . 11467 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا هِشَام أَبُو عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا بَقِيَّة بْن الْوَلِيد , قَالَ : ثني عَبْد الْغَفَّار بْن عَبْد الْعَزِيز الْأَنْصَارِيّ , عَنْ عَبْد الْعَزِيز الشَّامِيّ , عَنْ أَبِيهِ , وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ لَمْ يَحْمَد اللَّه عَلَى مَا عَمِلَ مِنْ عَمَل صَالِح , وَحَمِدَ نَفْسه , قَلَّ شُكْره وَحَبِطَ عَمَله . وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّه جَعَلَ لِلْعِبَادِ مِنْ الْأَمْر شَيْئًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى أَنْبِيَائِهِ , لِقَوْلِهِ : { أَلَا لَهُ الْخَلْق وَالْأَمْر تَبَارَكَ اللَّه رَبّ الْعَالَمِينَ } " .
ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَسورة الأعراف الآية رقم 55
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى . { اُدْعُوا رَبّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : اُدْعُوا أَيّهَا النَّاس رَبّكُمْ وَحْده , فَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاء دُون مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونه مِنْ الْآلِهَة وَالْأَصْنَام . { تَضَرُّعًا } يَقُول : تَذَلُّلًا وَاسْتِكَانَة لِطَاعَتِهِ . { وَخُفْيَة } يَقُول : بِخُشُوعِ قُلُوبكُمْ وَصِحَّة الْيَقِين مِنْكُمْ بِوَحْدَانِيَّتِهِ فِيمَا بَيْنكُمْ وَبَيْنه , لَا جِهَارًا مُرَاءَاة , وَقُلُوبكُمْ غَيْر مُوقِنَة بِوَحْدَانِيَّتِهِ وَرُبُوبِيَّته , كَمَا فَعَلَ أَهْل النِّفَاق وَالْخِدَاع لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ . كَمَا : 11468 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر قَالَ أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ الْمُبَارَك بْن فَضَالَة , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : إِنْ كَانَ الرَّجُل لَقَدْ جَمَعَ الْقُرْآن وَمَا يَشْعُر جَاره , وَإِنْ كَانَ الرَّجُل لَقَدْ فَقِهَ الْفِقْه الْكَثِير وَمَا يَشْعُر بِهِ النَّاس , وَإِنْ كَانَ الرَّجُل لَيُصَلِّي الصَّلَاة الطَّوِيلَة فِي بَيْته وَعِنْده الزُّوَّار وَمَا يَشْعُرُونَ بِهِ . وَلَقَدْ أَدْرَكْنَا أَقْوَامًا مَا كَانَ عَلَى الْأَرْض مِنْ عَمَل يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوهُ فِي السِّرّ فَيَكُون عَلَانِيَة أَبَدًا . وَلَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَجْتَهِدُونَ فِي الدُّعَاء وَمَا يُسْمَع لَهُمْ صَوْت إِنْ كَانَ إِلَّا هَمْسًا بَيْنهمْ وَبَيْن رَبّهمْ , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه يَقُول . { اُدْعُوا رَبّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَة } وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه ذَكَرَ عَبْدًا صَالِحًا , فَرَضِيَ فِعْله فَقَالَ : { إِذْ نَادَى رَبّه نِدَاء خَفِيًّا } 19 3 11469 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَاصِم الْأَحْوَل , عَنْ أَبِي عُثْمَان النَّهْدِيّ , عَنْ أَبِي مُوسَى , قَالَ : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاة , فَأَشْرَفُوا عَلَى وَادٍ يُكَبِّرُونَ وَيُهَلِّلُونَ وَيَرْفَعُونَ أَصْوَاتهمْ , فَقَالَ . " أَيّهَا النَّاس اِرْبَعُوا عَلَى أَنْفُسكُمْ , إِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمّ وَلَا غَائِبًا إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا مَعَكُمْ " . 11470 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ ثني حَجَّاج . عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { اُدْعُوا رَبّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَة } قَالَ : السِّرّ.

وَأَمَّا قَوْله : { إِنَّهُ لَا يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : إِنَّ رَبّكُمْ لَا يُحِبّ مَنْ اِعْتَدَى فَتَجَاوَزَ حَدّه الَّذِي حَدَّهُ لِعِبَادِهِ فِي دُعَائِهِ وَمَسْأَلَته رَبّه , وَرَفْعه صَوْته فَوْق الْحَدّ الَّذِي حَدَّ لَهُمْ فِي دُعَائِهِمْ إِيَّاهُ وَمَسْأَلَتهمْ وَفِي غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأُمُور . كَمَا : 11471 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا مُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , قَالَ : أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيل بْن حَمَّاد بْن أَبِي سُلَيْمَان عَنْ عَبَّاد بْن عَبَّاد , عَنْ عَلْقَمَة , عَنْ أَبِي مِجْلَز : { اُدْعُوا رَبّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَة إِنَّهُ لَا يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ } قَالَ : لَا يَسْأَل مَنَازِل الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِمْ السَّلَام . 11472 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { إِنَّهُ لَا يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ } فِي الدُّعَاء وَلَا فِي غَيْره . قَالَ اِبْن جُرَيْج : إِنَّ مِنْ الدُّعَاء اِعْتِدَاء يُكْرَه رَفْع الصَّوْت وَالنِّدَاء وَالصِّيَاح بِالدُّعَاءِ , وَيُؤْمَر بِالتَّضَرُّعِ وَالِاسْتِكَانَة .
وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَسورة الأعراف الآية رقم 56
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْض بَعْد إِصْلَاحهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْض بَعْد إِصْلَاحهَا } لَا تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ فِي الْأَرْض وَلَا تَعْصُوهُ فِيهَا ; وَذَلِكَ هُوَ الْفَسَاد فِيهَا . وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَة فِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى وَبَيَّنَّا مَعْنَاهُ بِشَوَاهِدِهِ . { بَعْد إِصْلَاحهَا } يَقُول : بَعْد إِصْلَاح اللَّه إِيَّاهُ لِأَهْلِ طَاعَته بِابْتِعَاثِهِ فِيهِمْ الرُّسُل دُعَاة إِلَى الْحَقّ , وَإِيضَاحه حُجَجه لَهُمْ . { وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا } يَقُول : وَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاء وَالْعَمَل , وَلَا تُشْرِكُوا فِي عَمَلكُمْ لَهُ شَيْئًا غَيْره مِنْ الْآلِهَة وَالْأَصْنَام وَغَيْر ذَلِكَ , وَلْيَكُنْ مَا يَكُون مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ خَوْفًا مِنْ عِقَابه وَطَمَعًا فِي ثَوَابه ; وَإِنَّ مَنْ كَانَ دُعَاؤُهُ إِيَّاهُ عَلَى غَيْر ذَلِكَ فَهُوَ بِالْآخِرَةِ مِنْ الْمُكَذِّبِينَ , لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَخَفْ عِقَاب اللَّه وَلَمْ يَرْجُ ثَوَابه لَمْ يُبَالِ مَا رَكِبَ مِنْ أَمْر يَسْخَطهُ اللَّه وَلَا يَرْضَاهُ .

{ إِنَّ رَحْمَة اللَّه قَرِيب مِنْ الْمُحْسِنِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ ثَوَاب اللَّه الَّذِي وَعَدَ الْمُحْسِنِينَ عَلَى إِحْسَانهمْ فِي الدُّنْيَا قَرِيب مِنْهُمْ . وَذَلِكَ هُوَ رَحْمَته ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنهمْ وَبَيْن أَنْ يَصِيرُوا إِلَى ذَلِكَ مِنْ رَحْمَته وَمَا أُعِدَّ لَهُمْ مِنْ كَرَامَته , إِلَّا أَنْ تُفَارِق أَرْوَاحهمْ أَجْسَادهمْ ; وَلِذَلِكَ مِنْ الْمَعْنَى ذَكَرَ قَوْله : { قَرِيب } وَهُوَ مِنْ خَبَر الرَّحْمَة وَالرَّحْمَة مُؤَنَّثَة , لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْقُرْب فِي الْوَقْت لَا فِي النَّسَب وَالْأَوْقَات بِذَلِكَ الْمَعْنَى , إِذَا رُفِعَتْ أَخْبَارًا لِلْأَسْمَاءِ أَجْرَتهَا الْعَرَب مَجْرَى الْحَال فَوَحَّدَتْهَا مَعَ الْوَاحِد وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمِيع وَذَكَّرَتْهَا مَعَ الْمُؤَنَّث , فَقَالُوا : كَرَامَة اللَّه بَعِيد مِنْ فُلَان , وَهِيَ قَرِيب مِنْ فُلَان , كَمَا يَقُولُونَ : هِنْد قَرِيب مِنَّا , وَالْهِنْدَانِ مِنَّا قَرِيب , وَالْهِنْدَات مِنَّا قَرِيب , لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : هِيَ فِي مَكَان قَرِيب مِنَّا , فَإِذَا حَذَفُوا الْمَكَان وَجَعَلُوا الْقَرِيب خَلْفًا مِنْهُ , ذَكَّرُوهُ وَوَحَّدُوهُ فِي الْجَمْع , كَمَا كَانَ الْمَكَان مُذَكَّرًا وَمُوَحَّدًا فِي الْجَمْع. وَأَمَّا إِذَا أَنَّثُوهُ أَخْرَجُوهُ مُثَنًّى مَعَ الِاثْنَيْنِ وَمَجْمُوعًا مَعَ الْجَمِيع فَقَالُوا : هِيَ قَرِيبَة , مِنَّا , وَهُمَا مِنَّا قَرِيبَتَانِ , كَمَا قَالَ عُرْوَة بْن الْوَرْد : عَشِيَّة لَا عَفْرَاء مِنْك قَرِيبَة فَتَدْنُو وَلَا عَفْرَاء مِنْك بَعِيد فَأَنَّثَ قَرِيبَة , وَذَكَّرَ بَعِيدًا عَلَى مَا وَصَفْت . وَلَوْ كَانَ الْقَرِيب مِنْ الْقَرَابَة فِي النَّسَب لَمْ يَكُنْ مَعَ الْمُؤَنَّث إِلَّا مُؤَنَّثًا وَمَعَ الْجَمْع إِلَّا مَجْمُوعًا . وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة يَقُول : ذُكِرَ قَرِيب وَهُوَ صِفَة لِلرَّحْمَةِ , وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْعَرَب : رِيح خَرِيق , وَمِلْحَفَة جَدِيد , وَشَاة سَدِيس . قَالَ : وَإِنْ شِئْت قُلْت : تَفْسِير الرَّحْمَة هَهُنَا الْمَطَر وَنَحْوه , فَلِذَلِكَ ذَكَّرَ كَمَا قَالَ : { وَإِنْ كَانَ طَائِفَة مِنْكُمْ آمَنُوا } فَذَكَّرَ لِأَنَّهُ أَرَادَ النَّاس , وَإِنْ شِئْت جَعَلْته كَبَعْضِ مَا يُذَكِّرُونَ مِنْ الْمُؤَنَّث , كَقَوْلِ الشَّاعِر : وَلَا أَرْضَ أَبْقَلَ إِبْقَالهَا وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْ قِيله بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة , وَرَأَى أَنَّهُ يَلْزَمهُ إِنْ جَازَ أَنْ يُذَكِّر قَرِيبًا تَوْجِيهًا مِنْهُ لِلرَّحْمَةِ إِلَى مَعْنَى الْمَطَر أَنْ يَقُول : هِنْد قَامَ , تَوْجِيهًا مِنْهُ لِهِنْد وَهِيَ اِمْرَأَة إِلَى مَعْنَى إِنْسَان , وَرَأَى أَنَّ مَا شُبِّهَ بِهِ قَوْله : { إِنَّ رَحْمَة اللَّه قَرِيب مِنْ الْمُحْسِنِينَ } بِقَوْلِهِ : { وَإِنْ كَانَ طَائِفَة مِنْكُمْ آمَنُوا } غَيْر مُشَبَّهَة , وَذَلِكَ أَنَّ الطَّائِفَة فِيمَا زَعَمَ مَصْدَر بِمَعْنَى الطَّيْف , كَمَا الصَّيْحَة وَالصِّيَاح بِمَعْنًى , وَلِذَلِكَ قِيلَ : { وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَة } 11 67
وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَسورة الأعراف الآية رقم 57
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَهُوَ الَّذِي يُرْسِل الرِّيَاح بُشْرًا بَيْن يَدَيْ رَحْمَته حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّت فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلّ الثَّمَرَات } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ رَبّكُمْ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَالشَّمْس وَالْقَمَر وَالنُّجُوم مُسَخَّرَات بِأَمْرِهِ " هُوَ الَّذِي يُرْسِل الرِّيَاح نَشْرًا بَيْن يَدَيْ رَحْمَته " . وَالنَّشْر بِفَتْحِ النُّون وَسُكُون الشِّين فِي كَلَام الْعَرَب مِنْ الرِّيَاح الطَّيِّبَة اللَّيِّنَة الْهُبُوب الَّتِي تُنْشِئ السَّحَاب , وَكَذَلِكَ كُلّ رِيح طَيِّبَة عِنْدهمْ فَهِيَ نَشْر ; وَمِنْهُ قَوْل اِمْرِئِ الْقَيس : كَأَنَّ الْمُدَام وَصَوْب الْغَمَام وَرِيح الْخُزَامَى وَنَشْر الْقُطُر وَبِهَذِهِ الْقِرَاءَة قَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ خَلَا عَاصِم بْن أَبِي النَّجُود , فَإِنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ : { بُشْرًا } عَلَى اِخْتِلَاف عَنْهُ فِيهِ , فَرَوَى ذَلِكَ بَعْضهمْ عَنْهُ : { بُشْرًا } بِالْبَاءِ وَضَمّهَا وَسُكُون الشِّين , وَبَعْضهمْ بِالْبَاءِ وَضَمّهَا وَضَمّ الشِّين , وَكَانَ يَتَأَوَّل فِي قِرَاءَته ذَلِكَ كَذَلِكَ قَوْله : { وَمِنْ آيَاته أَنْ يُرْسِل الرِّيَاح مُبَشِّرَات } 30 46 تُبَشِّر بِالْمَطَرِ , وَأَنَّهُ جُمِعَ بَشِير بُشُرًا , كَمَا يُجْمَع النَّذِير نُذُرًا . وَأَمَّا قُرَّاء الْمَدِينَة وَعَامَّة الْمَكِّيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ , فَإِنَّهُمْ قَرَءُوا ذَلِكَ : " وَهُوَ الَّذِي يُرْسِل الرِّيَاح نُشُرًا " بِضَمِّ النُّون وَالشِّين , بِمَعْنَى جَمْع نَشُور جَمْع نُشُرًا , كَمَا يُجْمَع الصَّبُور صُبُرًا , وَالشَّكُور شُكُرًا. وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب يَقُول : مَعْنَاهَا إِذَا قُرِئَتْ كَذَلِكَ أَنَّهَا الرِّيح الَّتِي تَهُبّ مِنْ كُلّ نَاحِيَة وَتَجِيء مِنْ كُلّ وَجْه. وَكَانَ بَعْضهمْ يَقُول : إِذَا قُرِئَتْ بِضَمِّ النُّون فَيَنْبَغِي أَنْ تُسَكَّن شِينُهَا , لِأَنَّ ذَلِكَ لُغَة بِمَعْنَى النَّشْر بِالْفَتْحِ ; وَقَالَ : الْعَرَب تَضُمّ النُّون مِنْ النَّشْر أَحْيَانًا , وَتَفْتَح أَحْيَانًا بِمَعْنًى وَاحِد . قَالَ : فَاخْتِلَاف الْقُرَّاء فِي ذَلِكَ عَلَى قَدْر اِخْتِلَافهَا فِي لُغَتهَا فِيهِ . وَكَانَ يَقُول : هُوَ نَظِير الْخَسْف وَالْخُسْف بِفَتْحِ الْخَاء وَضَمّهَا. وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ " نَشْرًا " و " نُشُرًا " بِفَتْحِ النُّون وَسُكُون الشِّين وَبِضَمِّ النُّون وَالشِّين قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي قِرَاءَة الْأَمْصَار , فَلَا أُحِبّ الْقِرَاءَة بِهَا , وَإِنْ كَانَ لَهَا مَعْنًى صَحِيح وَوَجْه مَفْهُوم فِي الْمَعْنَى وَالْإِعْرَاب كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْعِلَّة. وَأَمَّا قَوْله : { بَيْن يَدَيْ رَحْمَته } فَإِنَّهُ يَقُول : قُدَّام رَحْمَته وَأَمَامهَا ; وَالْعَرَب كَذَلِكَ تَقُول لِكُلِّ شَيْء حَدَثَ قُدَّام شَيْء وَأَمَامه جَاءَ بَيْن يَدَيْهِ , لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ كَلَامهمْ جَرَى فِي أَخْبَارهمْ عَنْ بَنِي آدَم , وَكَثُرَ اِسْتِعْمَاله فِيهِمْ حَتَّى قَالُوا ذَلِكَ فِي غَيْر اِبْن آدَم وَمَا لَا يَد لَهُ . وَالرَّحْمَة الَّتِي ذَكَرَهَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِع الْمَطَر . فَمَعْنَى الْكَلَام إِذَنْ : وَاَللَّه الَّذِي يُرْسِل الرِّيَاح لَيِّنًا هُبُوبهَا , طَيِّبًا نَسِيمهَا , أَمَام غَيْثه الَّذِي يَسُوقهُ بِهَا إِلَى خَلْقه , فَيُنْشِئ بِهَا سَحَابًا ثِقَالًا , حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْهَا , وَالْإِقْلَال بِهَا : حَمْلهَا , كَمَا يُقَال : اِسْتَقَلَّ الْبَعِير بِحِمْلِهِ وَأَقَلَّهُ : إِذَا حَمَلَهُ فَقَامَ بِهِ . سَاقَهُ اللَّه لِإِحْيَاءِ بَلَد مَيِّت قَدْ تَعَفَّتْ مَزَارِعه وَدَرَسَتْ مَشَارِبه وَأَجْدَبَ أَهْله , فَأَنْزَلَ بِهِ الْمَطَر وَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ كُلّ الثَّمَرَات . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11473 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ : " وَهُوَ الَّذِي يُرْسِل الرِّيَاح نُشْرًا بَيْن يَدَيْ رَحْمَته " إِلَى قَوْله : { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } قَالَ : إِنَّ اللَّه يُرْسِل الرِّيح , فَتَأْتِي بِالسَّحَابِ مِنْ بَيْن الْخَافِقَيْنِ طَرَف السَّمَاء وَالْأَرْض مِنْ حَيْثُ يَلْتَقِيَانِ , فَيُخْرِجهُ مِنْ ثَمَّ , ثُمَّ يَنْشُرهُ فَيَبْسُطهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاء , ثُمَّ يَفْتَح أَبْوَاب السَّمَاء , فَيَسِيل الْمَاء عَلَى السَّحَاب , ثُمَّ يُمْطِر السَّحَاب بَعْد ذَلِكَ . وَأَمَّا رَحْمَته : فَهُوَ الْمَطَر .

وَأَمَّا قَوْله : { كَذَلِكَ نُخْرِج الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } فَإِنَّهُ يَقُول تَعَالَى ذِكْره : كَمَا نُحْيِي هَذَا الْبَلَد الْمَيِّت بِمَا نُنَزِّل بِهِ مِنْ الْمَاء الَّذِي نُنَزِّلهُ مِنْ السَّحَاب , فَنُخْرِج بِهِ مِنْ الثَّمَرَات بَعْد مَوْته وَجُدُوبَته وَقُحُوط أَهْله , كَذَلِكَ نُخْرِج الْمَوْتَى مِنْ قُبُورهمْ أَحْيَاء بَعْد فَنَائِهِمْ وَدُرُوس آثَارهمْ . { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُشْرِكِينَ بِهِ مِنْ عَبَدَة الْأَصْنَام , الْمُكَذِّبِينَ بِالْبَعْثِ بَعْد الْمَمَات , الْمُنْكِرِينَ لِلثَّوَابِ وَالْعِقَاب : ضَرَبْت لَكُمْ أَيّهَا الْقَوْم هَذَا الْمَثَل الَّذِي ذَكَرْت لَكُمْ مِنْ إِحْيَاء الْبَلَد الْمَيِّت بِقَطْرِ الْمَطَر الَّذِي يَأْتِي بِهِ السَّحَاب , الَّذِي تَنْشُرهُ الرِّيَاح الَّتِي وَصَفْت صِفَتهَا ; لِتَعْتَبِرُوا فَتَذَّكَّرُوا وَتَعْلَمُوا أَنَّ مَنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ قُدْرَته فَيَسِير فِي إِحْيَاء الْمَوْتَى بَعْد فَنَائِهَا وَإِعَادَتهَا خَلْقًا سَوِيًّا بَعْد دُرُوسهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11474 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { كَذَلِكَ نُخْرِج الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ , وَكَذَلِكَ النُّشُور , كَمَا نُخْرِج الزَّرْع بِالْمَاءِ . وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة : " إِنَّ النَّاس إِذَا مَاتُوا فِي النَّفْخَة الْأُولَى أُمْطِر عَلَيْهِمْ مِنْ مَاء تَحْت الْعَرْش يُدْعَى مَاء الْحَيَوَان أَرْبَعِينَ سَنَة فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُت الزَّرْع مِنْ الْمَاء , حَتَّى إِذَا اِسْتَكْمَلَتْ أَجْسَامهمْ نُفِخَ فِيهِمْ الرُّوح , ثُمَّ يُلْقَى عَلَيْهِمْ نَوْمَة , فَيَنَامُونَ فِي قُبُورهمْ , فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّور الثَّانِيَة , عَاشُوا وَهُمْ يَجِدُونَ طَعْم النَّوْم فِي رُءُوسهمْ وَأَعْيُنهمْ , كَمَا يَجِد النَّائِم حِين يَسْتَيْقِظ مِنْ نَوْمه , فَعِنْد ذَلِكَ يَقُولُونَ : { يَا وَيْلنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدنَا } فَنَادَاهُمْ الْمُنَادِي { هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَن وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ } 36 52 " 11475 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { كَذَلِكَ نُخْرِج الْمَوْتَى } قَالَ : إِذَا أَرَادَ اللَّه أَنْ يُخْرِج الْمَوْتَى أَمْطَرَ السَّمَاء حَتَّى تَتَشَقَّق عَنْهُمْ الْأَرْض , ثُمَّ يُرْسِل الْأَرْوَاح فَتَعُود كُلّ رُوح إِلَى جَسَدهَا , فَكَذَلِكَ يُحْيِي اللَّه الْمَوْتَى بِالْعِطْرِ كَإِحْيَائِهِ الْأَرْض .
وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَسورة الأعراف الآية رقم 58
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالْبَلَد الطَّيِّب يَخْرُج نَبَاته بِإِذْنِ رَبّه وَاَلَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُج إِلَّا نَكِدًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَالْبَلَد الطَّيِّبَة تُرْبَته الْعَذْبَة مَشَارِبه , يَخْرُج نَبَاته إِذَا أَنْزَلَ اللَّه الْغَيْث وَأَرْسَلَ عَلَيْهِ الْحَيَا بِإِذْنِهِ طَيِّبًا ثَمَره فِي حِينه وَوَقْته . { وَاَلَّذِي خَبُثَ } فَرَدُؤَتْ تُرْبَته وَمَلَحَتْ مَشَارِبه , { لَا يَخْرُج } نَبَاته { إِلَّا نَكِدًا } يَقُول : إِلَّا عُسْرًا فِي شِدَّة , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : لَا تُنْجِز الْوَعْد إِنْ وَعَدْت وَإِنْ أَعْطَيْت أَعْطَيْت تَافِهًا نَكِدًا يَعْنِي بِالتَّافِهِ : الْقَلِيل , وَبِالنَّكِدِ , الْعَسِر , يُقَال مِنْهُ : نَكِدَ يَنْكَد نَكَدًا وَنَكْدًا , فَهُوَ نَكَد وَنَكِد , وَالنَّكَد الْمَصْدَر , وَمِنْ أَمْثَالهمْ نَكْدًا وَجَحْدًا وَنُكْدًا وَجُحْدًا , وَالْجَحْد : الشِّدَّة وَالضِّيق , وَيُقَال إِذَا شُفِهَ وَسُئِلَ قَدْ نَكَدُوهُ يَنْكَدُونَهُ نَكْدًا , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : وَأَعْطِ مَا أَعْطَيْته طَيِّبًا لَا خَيْر فِي الْمَنْكُود وَالنَّاكِد وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ ; فَقَرَأَهُ بَعْض أَهْل الْمَدِينَة : " إِلَّا نَكَدًا " بِفَتْحِ الْكَاف. وَقَرَأَهُ بَعْض الْكُوفِيِّينَ بِسُكُونِ الْكَاف : " نَكْدًا " . وَخَالَفَهُمَا بَعْد سَائِر الْقُرَّاء فِي الْأَمْصَار , فَقَرَءُوهُ : { إِلَّا نَكِدًا } بِكَسْرِ الْكَاف . كَأَنَّ مَنْ قَرَأَهُ : " نَكَدًا " بِنَصْبِ الْكَاف أَرَادَ الْمَصْدَر , وَكَأَنَّ مَنْ قَرَأَهُ بِسُكُونِ الْكَاف أَرَادَ كَسْرهَا فَسَكَّنَهَا عَلَى لُغَة مَنْ قَالَ : هَذِهِ فَخْذ وَكَتْد , وَكَانَ الَّذِي يَجِب عَلَيْهِ إِذَا أَرَادَ ذَلِكَ أَنْ يَكْسِر النُّون مِنْ " نِكْد " حَتَّى يَكُون قَدْ أَصَابَ الْقِيَاس. قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدنَا قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ : { نَكِدًا } بِفَتْحِ النُّون وَكَسْر الْكَاف لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ قُرَّاء الْأَمْصَار عَلَيْهِ . وَهَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِر , فَالْبَلَد الطَّيِّب الَّذِي يَخْرُج نَبَاته بِإِذْنِ رَبّه مَثَل لِلْمُؤْمِنِ , وَاَلَّذِي خَبُثَ فَلَا يَخْرُج نَبَاته إِلَّا نَكِدًا مَثَل لِلْكَافِرِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11476 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح عَنْ عَلِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { وَالْبَلَد الطَّيِّب يَخْرُج نَبَاته بِإِذْنِ رَبّه وَاَلَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُج إِلَّا نَكِدًا } فَهَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِلْمُؤْمِنِ , يَقُول : هُوَ طَيِّب وَعَمَله طَيِّب كَمَا الْبَلَد الطَّيِّب ثَمَره طَيِّب . ثُمَّ ضَرَبَ مَثَل الْكَافِر كَالْبَلْدَةِ السَّبْخَة الْمَالِحَة الَّتِي لَا تَخْرُج مِنْهَا الْبَرَكَة , فَالْكَافِر هُوَ الْخَبِيث وَعَمَله خَبِيث . 11477 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { وَالْبَلَد الطَّيِّب } { وَاَلَّذِي خَبُثَ } قَالَ : كُلّ ذَلِكَ مِنْ أَرْض السِّبَاخ وَغَيْرهَا مِثْل آدَم وَذُرِّيَّته , فِيهِمْ طَيِّب وَخَبِيث . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , بِنَحْوِهِ . 11478 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَالْبَلَد الطَّيِّب يَخْرُج نَبَاته بِإِذْنِ رَبّه وَاَلَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُج إِلَّا نَكِدًا } قَالَ : هَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه فِي الْكَافِر وَالْمُؤْمِن . 11479 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد , يَعْنِي اِبْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَالْبَلَد الطَّيِّب يَخْرُج نَبَاته بِإِذْنِ رَبّه وَاَلَّذِي خَبُثَ } هِيَ السَّبْخَة { لَا يَخْرُج } نَبَاتهَا { إِلَّا نَكِدًا } وَالنَّكِد : الشَّيْء الْقَلِيل الَّذِي لَا يَنْفَع كَذَلِكَ الْقُلُوب لَمَّا نَزَلَ الْقُرْآن , فَالْقَلْب الْمُؤْمِن لَمَّا دَخَلَهُ الْقُرْآن آمَنَ بِهِ , وَثَبَتَ الْإِيمَان فِيهِ ; وَالْقَلْب الْكَافِر لَمَّا دَخَلَهُ الْقُرْآن لَمْ يَتَعَلَّق مِنْهُ بِشَيْءٍ يَنْفَعهُ , وَلَمْ يَثْبُت فِيهِ مِنْ الْإِيمَان شَيْء إِلَّا مَا لَا يَنْفَع , كَمَا لَمْ يُخْرِج هَذَا الْبَلَد إِلَّا مَا لَا يَنْفَع مِنْ النَّبَات . 11480 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا أَبُو سَعْد , عَنْ مُجَاهِد : { وَالْبَلَد الطَّيِّب يَخْرُج نَبَاته بِإِذْنِ رَبّه وَاَلَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُج إِلَّا نَكِدًا } قَالَ : الطَّيِّب يَنْفَعهُ الْمَطَر فَيَنْبُت , وَاَلَّذِي خَبُثَ السِّبَاخ لَا يَنْفَعهُ الْمَطَر لَا يَخْرُج نَبَاته إِلَّا نَكِدًا , قَالَ : هَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِآدَم وَذُرِّيَّته كُلّهمْ , إِنَّمَا خُلِقُوا مِنْ نَفْس وَاحِدَة , فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَكِتَابه فَطَابَ ; وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ وَكِتَابه فَخَبُثَ .

وَقَوْله : { كَذَلِكَ نُصَرِّف الْآيَات لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ } يَقُول : كَذَلِكَ نُبَيِّن آيَة بَعْد آيَة , وَنُدْلِي بِحُجَّةٍ بَعْد حُجَّة , وَنَضْرِب مَثَلًا بَعْد مَثَل , لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ اللَّه عَلَى إِنْعَامه عَلَيْهِمْ بِالْهِدَايَةِ وَتَبْصِيره إِيَّاهُمْ سَبِيل أَهْل الضَّلَالَة , بِاتِّبَاعِهِمْ مَا أَمَرَهُمْ بِاتِّبَاعِهِ وَتَجَنُّبهمْ مَا أَمَرَهُمْ بِتَجَنُّبِهِ مِنْ سُبُل الضَّلَالَة .
لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍسورة الأعراف الآية رقم 59
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمه فَقَالَ يَا قَوْم اُعْبُدُوا اللَّه مَا لَكُمْ مِنْ إِلَه غَيْره إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ عَذَاب يَوْم عَظِيم } أَقْسَمَ رَبّنَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِلْمُخَاطَبِينَ بِهَذِهِ الْآيَة أَنَّهُ أَرْسَلَ نُوحًا إِلَى قَوْمه مُنْذِرهمْ بَأْسه , وَمُخَوِّفهمْ سَخَطه عَلَى عِبَادَتهمْ غَيْره , فَقَالَ لِمَنْ كَفَرَ مِنْهُمْ : { يَا قَوْم اُعْبُدُوا اللَّه } الَّذِي لَهُ الْعِبَادَة , وَذِلُّوا لَهُ بِالطَّاعَةِ وَاخْضَعُوا لَهُ بِالِاسْتِكَانَةِ , وَدَعُوا عِبَادَة مَا سِوَاهُ مِنْ الْأَنْدَاد وَالْآلِهَة , فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُمْ مَعْبُود يَسْتَوْجِب عَلَيْكُمْ الْعِبَادَة غَيْره , فَإِنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ إِنْ لَمْ تَفْعَلُوا ذَلِكَ { عَذَاب يَوْم عَظِيم } يَعْنِي : عَذَاب يَوْم يَعْظُم فِيهِ بَلَاؤُكُمْ بِمَجِيئِهِ إِيَّاكُمْ بِسَخَطِ رَبّكُمْ . وَقَدْ اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { غَيْره } فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض أَهْل الْمَدِينَة وَالْكُوفَة : " مَا لَكُمْ مِنْ إِلَه غَيْرِهِ " بِخَفْضِ " غَيْر " عَلَى النَّعْت لِإِلَهٍ . وَقَرَأَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَالْكُوفَة : { مَا لَكُمْ مِنْ إِلَه غَيْرُهُ } بِرَفْعِ " غَيْر " , رَدّ الْهَاء عَلَى مَوْضِع " مِنْ " لِأَنَّ مَوْضِعهَا رَفْع لَوْ نُزِعَتْ مِنْ الْكَلَام لَكَانَ الْكَلَام رَفْعًا , وَقِيلَ : مَا لَكُمْ إِلَه غَيْر اللَّه , فَالْعَرَب لَمَّا وَصَفَتْ مِنْ أَنَّ الْمَعْلُوم بِالْكَلَامِ أَدْخَلَتْ " مِنْ " فِيهِ أَوْ أَخْرَجَتْ , وَأَنَّهَا تُدْخِلهَا أَحْيَانًا فِي مِثْل هَذَا مِنْ الْكَلَام وَتُخْرِجهَا مِنْهُ أَحْيَانًا تَرُدّ مَا نَعَتَتْ بِهِ الِاسْم الَّذِي عَمِلَتْ فِيهِ عَلَى لَفْظه , فَإِذَا خَفَضْتَ فَعَلَى كَلَام وَاحِد , لِأَنَّهَا نَعْت لِإِلَهٍ ; وَأَمَّا إِذَا رَفَعْتَ , فَعَلَى كَلَامَيْنِ : مَا لَكُمْ غَيْره مِنْ إِلَه , وَهَذَا قَوْل يَسْتَضْعِفهُ أَهْل الْعَرَبِيَّة.
قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍسورة الأعراف الآية رقم 60
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ الْمَلَأ مِنْ قَوْمه إِنَّا لَنَرَاك فِي ضَلَال مُبِين } وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ جَوَاب مُشْرِكِي قَوْم نُوح لِنُوح , وَهُمْ الْمَلَأ - وَالْمَلَأ : الْجَمَاعَة مِنْ الرِّجَال لَا اِمْرَأَة فِيهِمْ - أَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ حِين دَعَاهُمْ إِلَى عِبَادَة اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ : { إِنَّا لَنَرَاك } يَا نُوح { فِي ضَلَال مُبِين } يَعْنُونَ : فِي أَمْر زَائِل عَنْ الْحَقّ , مُبِين زَوَاله عَنْ قَصْد الْحَدّ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ .
الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4الصفحة 5الصفحة 6الصفحة 7