"الر" اللَّه أَعْلَم بِمُرَادِهِ بِذَلِكَ هَذَا "كِتَاب أُحْكِمَتْ آيَاته" بِعَجِيبِ النَّظْم وَبَدِيع الْمَعَانِي "ثُمَّ فُصِّلَتْ" بُيِّنَتْ بِالْأَحْكَامِ وَالْقَصَص وَالْمَوَاعِظ "مِنْ لَدُنْ حَكِيم خَبِير" أَيّ اللَّه
"أَ" أَيْ بِأَنْ "لَا تَعْبُدُوا إلَّا اللَّه إنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِير" بِالْعَذَابِ إنْ كَفَرْتُمْ "وَبَشِير" بِالثَّوَابِ إنْ آمَنْتُمْ
وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ↓
"وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبّكُمْ" مِنْ الشِّرْك "ثُمَّ تُوبُوا" ارْجِعُوا "إلَيْهِ" بِالطَّاعَةِ "يُمَتِّعكُمْ" فِي الدُّنْيَا "مَتَاعًا حَسَنًا" بِطِيبِ عَيْش وَسِعَة رِزْق "إلَى أَجَل مُسَمًّى" هُوَ الْمَوْت "وَيُؤْتِ" فِي الْآخِرَة "كُلّ ذِي فَضْل" فِي الْعَمَل "فَضْله" جَزَاءَهُ "وَإِنْ تَوَلَّوْا" فِيهِ حَذْف إحْدَى التَّاءَيْنِ أَيْ تُعْرِضُوا "فَإِنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ عَذَاب يَوْم كَبِير" هُوَ يَوْم الْقِيَامَة
"إلَى اللَّه مَرْجِعكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير" وَمِنْهُ الثَّوَاب وَالْعَذَاب
أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ↓
وَنَزَلَ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيّ عَنْ ابْن عَبَّاس فِيمَنْ كَانَ يَسْتَحْيِ أَنْ يَتَخَلَّى أَوْ يُجَامِع فَيُفْضِي إلَى السَّمَاء وَقِيلَ فِي الْمُنَافِقِينَ "أَلَا إنَّهُمْ يُثْنُونَ صُدُورهمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ" أَيْ اللَّه "أَلَا حِين يَسْتَغْشُونَ ثِيَابهمْ" يَتَغَطَّوْنَ بِهَا "يَعْلَم" تَعَالَى "مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ" فَلَا يُغْنِي اسْتِخْفَاؤُهُمْ "إنَّهُ عَلِيم بِذَاتِ الصُّدُور" أَيْ بِمَا فِي الْقُلُوب
وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ↓
"وَمَا مِنْ" زَائِدَة "دَابَّة فِي الْأَرْض" هِيَ مَا دَبَّ عَلَيْهَا "إلَّا عَلَى اللَّه رِزْقهَا" تَكَفَّلَ بِهِ فَضْلًا مِنْهُ تَعَالَى "وَيَعْلَم مُسْتَقَرّهَا" مَسْكَنهَا فِي الدُّنْيَا أَوْ الصُّلْب "وَمُسْتَوْدَعهَا" بَعْد الْمَوْت أَوْ فِي الرَّحِم "كُلّ" مِمَّا ذُكِرَ "فِي كِتَاب مُبِين" بَيِّن هُوَ اللَّوْح الْمَحْفُوظ
وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ↓
"وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام" أَوَّلهَا الْأَحَد وَآخِرهَا الْجُمُعَة "وَكَانَ عَرْشه" قَبْل خَلْقهمَا "عَلَى الْمَاء" وَهُوَ عَلَى مَتْن الرِّيح "لِيَبْلُوَكُمْ" مُتَعَلِّق بِخَلَقَ أَيْ خَلَقَهُمَا وَمَا فِيهِمَا مِنْ مَنَافِع لَكُمْ وَمَصَالِح لِيَخْتَبِركُمْ "أَيّكُمْ أَحْسَن عَمَلًا" أَيْ أَطْوَع لِلَّهِ "وَلَئِنْ قُلْت" يَا مُحَمَّد لَهُمْ "إنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْد الْمَوْت لَيَقُولَن الَّذِينَ كَفَرُوا إنْ" مَا "هَذَا" الْقُرْآن النَّاطِق بِالْبَعْثِ أَوْ الَّذِي تَقُولهُ "إلَّا سِحْر مُبِين" بَيِّن وَفِي قِرَاءَة سَاحِر وَالْمُشَار إلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ ↓
"وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمْ الْعَذَاب إلَى" مَجِيء "أُمَّة" أَوْقَات "مَعْدُودَة لَيَقُولُنَّ" اسْتِهْزَاء "مَا يَحْبِسهُ" مَا يَمْنَعهُ مِنْ النُّزُول "أَلَا يَوْم يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا" مَدْفُوعًا "عَنْهُمْ وَحَاقَ" نَزَلَ "بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ" مِنْ الْعَذَاب
"وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَان" الْكَافِر "مِنَّا رَحْمَة" غِنًى وَصِحَّة "ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إنَّهُ لَيَئُوس" قَنُوط مِنْ رَحْمَة اللَّه "كَفُور" شَدِيد الْكُفْر بِهِ
وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ ↓
"وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْد ضَرَّاء" فَقْر وَشِدَّة "مَسَّتْهُ لَيَقُولَن ذَهَبَ السَّيِّئَات عَنِّي" الْمَصَائِب وَلَمْ يَتَوَقَّع زَوَالهَا وَلَا شُكْر عَلَيْهَا "إنَّهُ لَفَرِح" بَطِر "فَخُور" عَلَى النَّاس بِمَا أُوتِيَ
إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ↓
"إلَّا" لَكِنْ "الَّذِينَ صَبَرُوا" عَلَى الضَّرَّاء "وَعَمِلُوا الصَّالِحَات" فِي النَّعْمَاء "أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَة وَأَجْر كَبِير" هُوَ الْجَنَّة
فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ↓
"فَلَعَلَّك" يَا مُحَمَّد "تَارِك بَعْض مَا يُوحَى إلَيْك" فَلَا تُبَلِّغهُمْ إيَّاهُ لِتَهَاوُنِهِمْ بِهِ "وَضَائِق بِهِ صَدْرك" بِتِلَاوَتِهِ عَلَيْهِمْ لِأَجْلِ "أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا" هَلَّا "أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْز أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَك" يُصَدِّقهُ كَمَا اقْتَرَحْنَا "إنَّمَا أَنْت نَذِير" فَمَا عَلَيْك إلَّا الْبَلَاغ لَا الْإِتْيَان بِمَا اقْتَرَحُوهُ "وَاَللَّه عَلَى كُلّ شَيْء وَكِيل" حَفِيظ فَيُجَازِيهِمْ
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ↓
"أَمْ" بَلْ أَ "يَقُولُونَ افْتَرَاهُ" أَيْ الْقُرْآن "قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَر مِثْله" فِي الْفَصَاحَة وَالْبَلَاغَة "مُفْتَرَيَات" فَإِنَّكُمْ عَرَبِيُّونَ فُصَحَاء مِثْلِي تَحَدَّاهُمْ بِهَا أَوَّلًا ثُمَّ بِسُورَةٍ "وَادْعُوا" لِلْمُعَاوَنَةِ عَلَى ذَلِكَ "مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُون اللَّه" أَيْ غَيْره "إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" فِي أَنَّهُ افْتِرَاء
فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ ↓
"فَإِ" نْ "لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ" أَيْ مَنْ دَعَوْتُمُوهُمْ لِلْمُعَاوَنَةِ "فَاعْلَمُوا" خِطَاب لِلْمُشْرِكِينَ "أَنَّمَا أُنْزِلَ" مُلْتَبِسًا "بِعِلْمِ اللَّه" وَلَيْسَ افْتِرَاء عَلَيْهِ "وَأَنْ" مُخَفَّفَة أَيْ أَنَّهُ "لَا إلَه إلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ" بَعْد هَذِهِ الْحُجَّة الْقَاطِعَة أَيْ أَسْلِمُوا
مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ ↓
"مَنْ كَانَ يُرِيد الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزِينَتهَا" بِأَنْ أَصَرَّ عَلَى الشِّرْك وَقِيلَ هِيَ فِي الْمُرَائِينَ "نُوَفِّ إلَيْهِمْ أَعْمَالهمْ" أَيْ جَزَاء مَا عَمِلُوهُ مِنْ خَيْر كَصَدَقَةٍ وَصِلَة رَحِم "فِيهَا" بِأَنْ نُوَسِّع عَلَيْهِمْ رِزْقهمْ "وَهُمْ فِيهَا" أَيْ الدُّنْيَا "لَا يُبْخَسُونَ" يُنْقَصُونَ شَيْئًا
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ↓
"أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَة إلَّا النَّار وَحَبِطَ" بَطَلَ "مَا صَنَعُوا" مَا صَنَعُوهُ "فِيهَا" أَيْ الْآخِرَة فَلَا ثَوَاب لَهُ
أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ ↓
"أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَة" بَيَان "مِنْ رَبّه" وَهُوَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ الْمُؤْمِنُونَ وَهِيَ الْقُرْآن "وَيَتْلُوهُ" يَتْبَعهُ "شَاهِد" لَهُ بِصِدْقِهِ "مِنْهُ" أَيْ مِنْ اللَّه وَهُوَ جِبْرِيل "وَمِنْ قَبْله" الْقُرْآن "كِتَاب مُوسَى" التَّوْرَاة شَاهِد لَهُ أَيْضًا "إمَامًا وَرَحْمَة" حَال كَمَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ ؟ لَا "أُولَئِكَ" أَيْ مَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَة "يُؤْمِنُونَ بِهِ" أَيْ بِالْقُرْآنِ فَلَهُمْ الْجَنَّة "وَمَنْ يَكْفُر بِهِ مِنْ الْأَحْزَاب" جَمِيع الْكُفَّار "فَالنَّار مَوْعِده فَلَا تَكُ فِي مِرْيَة" شَكّ "مِنْهُ" مِنْ الْقُرْآن "إنَّهُ الْحَقّ مِنْ رَبّك وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس" أَيْ أَهْل مَكَّة
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ↓
"وَمَنْ" أَيْ لَا أَحَد "أَظْلَم مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّه كَذِبًا" بِنِسْبَةِ الشَّرِيك وَالْوَلَد إلَيْهِ "أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبّهمْ" يَوْم الْقِيَامَة فِي جُمْلَة الْخَلْق "وَيَقُول الْأَشْهَاد" جَمْع شَاهِد وَهُمْ الْمَلَائِكَة يَشْهَدُونَ لِلرُّسُلِ بِالْبَلَاغِ وَعَلَى الْكُفَّار بِالتَّكْذِيبِ "هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبّهمْ أَلَا لَعْنَة اللَّه عَلَى الظَّالِمِينَ" الْمُشْرِكِينَ
"الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه" دِين الْإِسْلَام "وَيَبْغُونَهَا" يَطْلُبُونَ السَّبِيل "عِوَجًا" مُعْوَجَّة "وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ" تَأْكِيد
أُوْلَئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاء يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ ↓
"أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ" لِلَّهِ "فِي الْأَرْض وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُون اللَّه" أَيْ غَيْره "مِنْ أَوْلِيَاء" أَنْصَار يَمْنَعُونَهُمْ مِنْ عَذَابه "يُضَاعَف لَهُمْ الْعَذَاب" بِإِضْلَالِهِمْ غَيْرهمْ "مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْع" لِلْحَقِّ "وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ" ـهُ أَيْ لِفَرْطِ كَرَاهَتهمْ لَهُ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَطِيعُوا ذَلِكَ
"أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسهمْ" لِمَصِيرِهِمْ إلَى النَّار الْمُؤَبَّدَة عَلَيْهِمْ "وَضَلَّ" غَابَ "عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ" عَلَى اللَّه مِنْ دَعْوَى الشَّرِيك
"لَا جَرَمَ" حَقًّا
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُواْ إِلَى رَبِّهِمْ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ↓
"إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات وَأَخْبَتُوا" سَكَنُوا وَاطْمَأَنُّوا أَوْ أَنَابُوا
مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ ↑
"مَثَل" صِفَة "الْفَرِيقَيْنِ" الْكُفَّار وَالْمُؤْمِنِينَ "كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمّ" هَذَا مَثَل الْكَافِر "وَالْبَصِير وَالسَّمِيع" هَذَا مَثَل الْمُؤْمِن "هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا" لَا "أَفَلَا تَذَكَّرُونَ" فِيهِ إدْغَام التَّاء فِي الْأَصْل فِي الذَّال تَتَّعِظُونَ
"وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إلَى قَوْمه إِنِّي" أَيْ بِأَنِّي وَفِي قِرَاءَة بِالْكَسْرِ عَلَى حَذْف الْقَوْل "لَكُمْ نَذِير مُبِين" بَيِّن الْإِنْذَار
"أَنْ" أَيْ بِأَنْ "لَا تَعْبُدُوا إلَّا اللَّه إنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ" إنْ عَبَدْتُمْ غَيْره "عَذَاب يَوْم أَلِيم" مُؤْلِم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ↓
"فَقَالَ الْمَلَأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمه" وَهُمْ الْأَشْرَاف "مَا نَرَاك إلَّا بَشَرًا مِثْلنَا" وَلَا فَضْل لَك عَلَيْنَا "وَمَا نَرَاك اتَّبَعَك إلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلنَا" أَسَافِلنَا كَالْحَاكَةِ وَالْأَسَاكِفَة "بَادِئ الرَّأْي" بِالْهَمْزِ وَتَرْكه أَيْ ابْتِدَاء مِنْ غَيْر تَفَكُّر فِيك وَنَصْبه عَلَى الظَّرْف أَيْ وَقْت حُدُوث أَوَّل رَأْيهمْ "وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْل" فَتَسْتَحِقُّونَ بِهِ الِاتِّبَاع مِنَّا "بَلْ نَظُنّكُمْ كَاذِبِينَ" فِي دَعْوَى الرِّسَالَة أَدْرَجُوا قَوْمه مَعَهُ فِي الْخِطَاب
قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ↓
"قَالَ يَا قَوْم أَرَأَيْتُمْ" أَخْبِرُونِي "إنْ كُنْت عَلَى بَيِّنَة" بَيَان "مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَة" نُبُوَّة "مِنْ عِنْده فَعَمِيَتْ" خَفِيَتْ "عَلَيْكُمْ" وَفِي قِرَاءَة بِتَشْدِيدِ الْمِيم وَالْبِنَاء لِلْمَفْعُولِ "أَنُلْزِمُكُمُوهَا" أَنُجْبِرُكُمْ عَلَى قَبُولهَا "وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ" لَا نَقْدِر عَلَى ذَلِكَ
وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّهُم مُّلاقُوا رَبِّهِمْ وَلَكِنِّيَ أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ ↓
"وَيَا قَوْم لَا أَسْأَلكُمْ عَلَيْهِ" عَلَى تَبْلِيغ الرِّسَالَة "مَالًا" تُعْطُونِيهِ "إنْ" مَا "أَجْرِي" ثَوَابِي "إلَّا عَلَى اللَّه وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا" كَمَا أَمَرْتُمُونِي "إنَّهُمْ مُلَاقُو رَبّهمْ" بِالْبَعْثِ فَيُجَازِيهِمْ وَيَأْخُذ لَهُمْ مِمَّنْ ظَلَمَهُمْ وَطَرَدَهُمْ "وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ" عَاقِبَة أَمْركُمْ
"وَيَا قَوْم مَنْ يَنْصُرنِي" يَمْنَعنِي "مِنْ اللَّه" أَيْ عَذَابه "إنْ طَرَدْتهمْ" أَيْ لَا نَاصِر لِي "أَفَلَا" فَهَلَّا "تَذَكَّرُونَ" بِإِدْغَامِ التَّاء الثَّانِيَة فِي الْأَصْل فِي الذَّال تَتَّعِظُونَ