"الر" اللَّه أَعْلَم بِمُرَادِهِ بِذَلِكَ "تِلْكَ" هَذِهِ الْآيَات "آيَات الْكِتَاب" الْقُرْآن وَالْإِضَافَة بِمَعْنَى مِنْ "الْمُبِين" الْمُظْهِر لِلْحَقِّ مِنْ الْبَاطِل
"إنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا" بِلُغَةِ الْعَرَب "لَعَلَّكُمْ" يَا أَهْل مَكَّة "تَعْقِلُونَ" تَفْقَهُونَ مَعَانِيه
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ↓
"نَحْنُ نَقُصّ عَلَيْك أَحْسَن الْقَصَص بِمَا أَوْحَيْنَا" بِإِيحَائِنَا "إلَيْك هَذَا الْقُرْآن وَإِنْ" مُخَفَّفَة أَيْ وَإِنَّهُ
إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ↓
اُذْكُرْ "إذْ قَالَ يُوسُف لِأَبِيهِ" يَعْقُوب "يَا أَبَتِ" بِالْكَسْرِ دَلَالَة عَلَى يَاء الْإِضَافَة الْمَحْذُوفَة وَالْفَتْح دَلَالَة عَلَى أَلِف مَحْذُوفَة قُلِبَتْ عَنْ الْيَاء "إنِّي رَأَيْت" فِي الْمَنَام "أَحَد عَشَر كَوْكَبًا وَالشَّمْس وَالْقَمَر رَأَيْتهمْ" تَأْكِيد "لِي سَاجِدِينَ" جُمِعَ بِالْيَاءِ وَالنُّون لِلْوَصْفِ بِالسُّجُودِ الَّذِي هُوَ مِنْ صِفَات الْعُقَلَاء
قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ↓
"قَالَ يَا بُنَيّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاك عَلَى إخْوَتك فَيَكِيدُوا لَك كَيْدًا" يَحْتَالُونَ فِي هَلَاكك حَسَدًا لِعِلْمِهِمْ بِتَأْوِيلِهَا مِنْ أَنَّهُمْ الْكَوَاكِب وَالشَّمْس أُمّك وَالْقَمَر أَبُوك "إنَّ الشَّيْطَان لِلْإِنْسَانِ عَدُوّ مُبِين" ظَاهِر الْعَدَاوَة
وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ↓
"وَكَذَلِكَ" كَمَا رَأَيْت "يَجْتَبِيك" يَخْتَارك "رَبّك وَيُعَلِّمك مِنْ تَأْوِيل الْأَحَادِيث" تَعْبِير الرُّؤْيَا "وَيُتِمّ نِعْمَته عَلَيْك" بِالنُّبُوَّةِ "وَعَلَى آل يَعْقُوب" أَوْلَاده "كَمَا أَتَمَّهَا" بِالنُّبُوَّةِ "عَلَى أَبَوَيْك مِنْ قَبْل إبْرَاهِيم وَإِسْحَاق إنَّ رَبّك عَلِيم" بِخَلْقِهِ "حَكِيم" فِي صُنْعه بِهِمْ
"لَقَدْ كَانَ فِي" خَبَر "يُوسُف وَإِخْوَته" وَهُمْ أَحَد عَشَر "آيَات" عِبَر "لِلسَّائِلِينَ" عَنْ خَبَرهمْ
إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ↓
اُذْكُرْ "إذْ قَالُوا" أَيْ بَعْض إخْوَة يُوسُف لِبَعْضِهِمْ "لَيُوسُف" مُبْتَدَأ "وَأَخُوهُ" شَقِيقه بِنْيَامِين "أَحَبّ" خَبَر "إلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَة" جَمَاعَة "إنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَال" خَطَأ "مُبِين" بَيِّن بِإِيثَارِهِمَا عَلَيْنَا
اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ ↓
"اُقْتُلُوا يُوسُف أَوْ اطْرَحُوهُ أَرْضًا" أَيْ بِأَرْضِ بَعِيدَة "يَخْلُ لَكُمْ وَجْه أَبِيكُمْ" بِأَنْ يُقْبِل عَلَيْكُمْ وَلَا يَلْتَفِت لِغَيْرِكُمْ "وَتَكُونُوا مِنْ بَعْده" أَيْ بَعْد قَتْل يُوسُف أَوْ طَرْحه "قَوْمًا صَالِحِينَ" بِأَنْ تَتُوبُوا
قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ ↓
"قَالَ قَائِل مِنْهُمْ" هُوَ يَهُوذَا "لَا تَقْتُلُوا يُوسُف وَأَلْقُوهُ" اطْرَحُوهُ "فِي غَيَابَة الْجُبّ" مُظْلِم الْبِئْر وَفِي قِرَاءَة بِالْجَمْعِ "يَلْتَقِطهُ بَعْض السَّيَّارَة" الْمُسَافِرِينَ "إنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ" مَا أَرَدْتُمْ مِنْ التَّفْرِيق فَاكْتَفَوْا بِذَلِكَ
"قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَك لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُف وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ" لَقَائِمُونَ بِمَصَالِحِهِ
"أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا" إلَى الصَّحْرَاء "نَرْتَع وَنَلْعَب" بِالنُّونِ وَالْيَاء فِيهِمَا نَنْشَط وَنَتَّسِع
قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ ↓
"قَالَ إنِّي لَيَحْزُنَنِي أَنْ تَذْهَبُوا" أَيْ ذَهَابكُمْ "بِهِ" لِفِرَاقِهِ "وَأَخَاف أَنْ يَأْكُلهُ الذِّئْب" الْمُرَاد بِهِ الْجِنْس وَكَانَتْ أَرْضهمْ كَثِيرَة الذِّئَاب "وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ" مَشْغُولُونَ
"قَالُوا لَئِنْ" لَام قَسَم "أَكَلَهُ الذِّئْب وَنَحْنُ عُصْبَة" جَمَاعَة "إنَّا إذًا لَخَاسِرُونَ" عَاجِزُونَ فَأَرْسَلَهُ مَعَهُمْ
فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ↓
"فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا" عَزَمُوا "أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبّ" وَجَوَاب لَمَّا مَحْذُوف أَيْ فَعَلُوا ذَلِكَ بِأَنْ نَزَعُوا قَمِيصه بَعْد ضَرْبه وَإِهَانَته وَإِرَادَة قَتْله وَأَدْلَوْهُ فَلَمَّا وَصَلَ إلَى نِصْف الْبِئْر أَلْقَوْهُ لِيَمُوتَ فَسَقَطَ فِي الْمَاء ثُمَّ أَوَى إلَى صَخْرَة فَنَادَوْهُ فَأَجَابَهُمْ يَظُنّ رَحْمَتهمْ فَأَرَادُوا رَضْخه بِصَخْرَةٍ فَمَنَعَهُمْ يَهُوذَا "وَأَوْحَيْنَا إلَيْهِ" فِي الْجُبّ وَحْي حَقِيقَة وَلَهُ سَبْع عَشْرَة سَنَة أَوْ دُونهَا تَطْمِينًا لِقَلْبِهِ "لَتُنَبَّئَنَّهُمْ" بَعْد الْيَوْم "بِأَمْرِهِمْ" بِصَنِيعِهِمْ "هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ" بِك حَال الْإِنْبَاء
"وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاء" وَقْت الْمَسَاء
قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ↓
"قَالُوا يَا أَبَانَا إنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِق" نَرْمِي "وَتَرَكْنَا يُوسُف عِنْد مَتَاعنَا" ثِيَابنَا "فَأَكَلَهُ الذِّئْب وَمَا أَنْت بِمُؤْمِنٍ" بِمُصَدِّقٍ "لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ" عِنْدك لَاتَّهَمْتنَا فِي هَذِهِ الْقِصَّة لِمَحَبَّةِ يُوسُف فَكَيْفَ وَأَنْت تُسِيء الظَّنّ بِنَا
وَجَاؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ↓
"وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصه" مَحَلّه نَصْب عَلَى الظَّرْفِيَّة أَيْ فَوْقه "بِدَمٍ كَذِب" أَيْ ذِي كَذِب بِأَنْ ذَبَحُوا سَخْلَة وَلَطَّخُوهُ بِدَمِهَا وَذُهِلُوا عَنْ شَقّه وَقَالُوا إنَّهُ دَمه "قَالَ" يَعْقُوب لَمَّا رَآهُ صَحِيحًا وَعَلِمَ كَذِبهمْ "بَلْ سَوَّلَتْ" زَيَّنَتْ "لَكُمْ أَنْفُسكُمْ أَمْرًا" فَفَعَلْتُمُوهُ بِهِ "فَصَبْر جَمِيل" لَا جَزَع فِيهِ وَهُوَ خَبَر مُبْتَدَأ مَحْذُوف أَيْ أَمْرِي "وَاَللَّه الْمُسْتَعَان" الْمَطْلُوب مِنْهُ الْعَوْن "عَلَى مَا تَصِفُونَ" تَذْكُرُونَ مِنْ أَمْر يُوسُف
وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ↓
"وَجَاءَتْ سَيَّارَة" مُسَافِرُونَ مِنْ مَدْيَن إلَى مِصْر فَنَزَلُوا قَرِيبًا مِنْ جُبّ يُوسُف "فَأَرْسَلُوا وَارِدهمْ" الَّذِي يَرِد الْمَاء لِيَسْتَقِيَ مِنْهُ "فَأَدْلَى" أَرْسَلَ "دَلْوه" فِي الْبِئْر فَتَعَلَّقَ بِهَا يُوسُف فَأَخْرَجَهُ فَلَمَّا رَآهُ "قَالَ يَا بُشْرَايَ" وَفِي قِرَاءَة بُشْرَى وَنِدَاؤُهَا مَجَاز أَيْ اُحْضُرِي فَهَذَا وَقْتك "هَذَا غُلَام" فَعَلِمَ بِهِ إخْوَته فَأَتَوْهُ "وَأَسَرُّوهُ" أَيْ أَخْفَوْا أَمْره جَاعِلِيهِ "بِضَاعَة" بِأَنْ قَالُوا هَذَا عَبْدنَا أَبَقَ وَسَكَتَ يُوسُف خَوْفًا مِنْ أَنْ يَقْتُلُوهُ
"وَشَرَوْهُ" بَاعُوهُ مِنْهُمْ "بَخْس" نَاقِص "دَرَاهِم مَعْدُودَة" عِشْرِينَ أَوْ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ "وَكَانُوا" أَيْ إخْوَته "فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ" فَجَاءَتْ بِهِ السَّيَّارَة إلَى مِصْر فَبَاعَهُ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِعِشْرِينَ دِينَارًا وَزَوْجَيْ نَعْل وَثَوْبَيْنِ
وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ↓
"وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْر" وَهُوَ قطفير الْعَزِيز "لِامْرَأَتِهِ" زُلَيْخَا "أَكْرِمِي مَثْوَاهُ" مُقَامه عِنْدنَا "عَسَى أَنْ يَنْفَعنَا أَوْ نَتَّخِذهُ وَلَدًا" وَكَانَ حَصُورًا "وَكَذَلِكَ" كَمَا نَجَّيْنَاهُ مِنْ الْقَتْل وَالْجُبّ وَعَطَّفْنَا عَلَيْهِ قَلْب الْعَزِيز "مَكَّنَّا لِيُوسُف فِي الْأَرْض" أَرْض مِصْر حَتَّى بَلَغَ مَا بَلَغَ "وَلِنُعَلِّمهُ مِنْ تَأْوِيل الْأَحَادِيث" تَعْبِير الرُّؤْيَا عُطِفَ عَلَى مُقَدَّر مُتَعَلِّق بمَكَّنَّا أَيْ لِنُمَلِّكهُ أَوْ الْوَاو زَائِدَة "وَاَللَّه غَالِب عَلَى أَمْره" تَعَالَى لَا يَعْجِزهُ شَيْء "وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس" وَهُمْ الْكُفَّار "لَا يَعْلَمُونَ" ذَلِكَ
"وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدّه" وَهُوَ ثَلَاثُونَ سَنَة أَوْ وَثَلَاث "آتَيْنَاهُ حُكْمًا" حِكْمَة "وَعِلْمًا" فِقْهًا فِي الدِّين قَبْل أَنْ يُبْعَث نَبِيًّا "وَكَذَلِكَ" كَمَا جَزَيْنَاهُ "نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ" لِأَنْفُسِهِمْ
وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ↓
"وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتهَا" هِيَ زُلَيْخَا "عَنْ نَفْسه" أَيْ طَلَبَتْ مِنْهُ أَنْ يُوَاقِعهَا "وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَاب" لِلْبَيْتِ "وَقَالَتْ" لَهُ "هَيْتَ لَك" أَيْ هَلُمَّ وَاللَّامُ لِلتَّبْيِينِ وَفِي قِرَاءَة بِكَسْرِ الْهَاء وَأُخْرَى بِضَمِّ التَّاء "قَالَ مَعَاذ اللَّه" أَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ "إنَّهُ" الَّذِي اشْتَرَانِي "رَبِّي" سَيِّدِي "أَحْسَنَ مَثْوَايَ" مُقَامِي فَلَا أَخُونه فِي أَهْله "إنَّهُ" أَيْ الشَّأْن "لَا يُفْلِح الظَّالِمُونَ" الزُّنَاة
وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ↓
"وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ" قَصَدَتْ مِنْهُ الْجِمَاع "وَهَمَّ بِهَا" قَصَدَ ذَلِكَ "لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَان رَبّه" قَالَ ابْن عَبَّاس مُثِّلَ لَهُ يَعْقُوب فَضَرَبَ صَدْره فَخَرَجَتْ شَهْوَته مِنْ أَنَامِله وَجَوَاب لَوْلَا لَجَامَعَهَا "كَذَلِكَ" أَرَيْنَاهُ الْبُرْهَان "لِنَصْرِف عَنْهُ السُّوء" الْخِيَانَة "وَالْفَحْشَاء" الزِّنَا "إنَّهُ مِنْ عِبَادنَا الْمُخْلِصِينَ" فِي الطَّاعَة وَفِي قِرَاءَة بِفَتْحِ اللَّام أَيْ الْمُخْتَارِينَ
وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ↑
"وَاسْتَبَقَا الْبَاب" بَادَرَ إلَيْهِ يُوسُف لِلْفِرَارِ وَهِيَ لِلتَّشَبُّثِ بِهِ فَأَمْسَكَتْ ثَوْبه وَجَذَبَتْهُ إلَيْهَا "وَقَدَّتْ" شَقَّتْ "قَمِيصه مِنْ دُبُر وَأَلْفَيَا" وَجَدَا "سَيِّدهَا" زَوْجهَا "لَدَى الْبَاب" فَنَزَّهَتْ نَفْسهَا ثُمَّ "قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِك سُوءًا" زِنًا "إلَّا أَنْ يُسْجَن" يُحْبَس فِي سِجْن "أَوْ عَذَاب أَلِيم" مُؤْلِم بِأَنْ يُضْرَب
قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ↓
"قَالَ" يُوسُف مُتَبَرِّئًا "هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِد مِنْ أَهْلهَا" ابْن عَمّهَا رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ فِي الْمَهْد فَقَالَ "إنْ كَانَ قَمِيصه قُدَّ مِنْ قُبُل" قُدَّام
"وَإِنْ كَانَ قَمِيصه قُدَّ مِنْ دُبُر" خَلْف
"فَلَمَّا رَأَى" زَوْجهَا "قَمِيصه قُدَّ مِنْ دُبُر قَالَ إنَّهُ" أَيْ قَوْلك "مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ" إلَخْ "مِنْ كَيْدكُنَّ" أَيّهَا النِّسَاء
"يُوسُف أَعْرِضْ عَنْ هَذَا" الْأَمْر وَلَا تَذْكُرهُ لِئَلَّا يَشِيع "وَاسْتَغْفِرِي" يَا زُلَيْخَا "لِذَنْبِك إنَّك كُنْت مِنَ الْخَاطِئِينَ" الْآثِمِينَ وَاشْتَهَرَ الْخَبَر وَشَاعَ
وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ↓
"وَقَالَ نِسْوَة فِي الْمَدِينَة" مَدِينَة مِصْر "امْرَأَة الْعَزِيز تُرَاوِد فَتَاهَا" عَبْدهَا . "عَنْ نَفْسه قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا" تَمْيِيز أَيْ دَخَلَ حُبّه شِغَاف قَلْبهَا أَيْ غِلَافه "إنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَال" أَيْ فِي خَطَأ "مُبِين" بَيِّن بِحُبِّهَا إيَّاهُ