"قَدْ" لِلتَّحْقِيقِ "أَفْلَحَ" فَازَ
"الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتهمْ خَاشِعُونَ" مُتَوَاضِعُونَ
"وَاَلَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْو" مِنْ الْكَلَام وَغَيْره
"وَاَلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ" مُؤَدُّونَ
"وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ" عَنْ الْحَرَام
"إلَّا عَلَى أَزْوَاجهمْ" أَيْ مِنْ زَوْجَاتهمْ "أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانهمْ" أَيْ السَّرَارِي "فَإِنَّهُمْ غَيْر مَلُومِينَ" فِي إتْيَانهنَّ
"فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ" مِنْ الزَّوْجَات وَالسَّرَارِي كَالِاسْتِمْنَاءِ بِالْيَدِ فِي إتْيَانهنَّ "فَأُولَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ" الْمُتَجَاوِزُونَ إلَى مَا لَا يَحِلّ لَهُمْ
"وَاَلَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ" جَمْعًا وَمُفْرَدًا "وَعَهْدهمْ" فِيمَا بَيْنهمْ أَوْ فِيمَا بَيْنهمْ وَبَيْن اللَّه مِنْ صَلَاة وَغَيْرهَا "رَاعُونَ" حَافِظُونَ
"وَاَلَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتهمْ" جَمْعًا وَمُفْرَدًا "يُحَافِظُونَ" يُقِيمُونَهَا فِي أَوْقَاتهَا
"أُولَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ" لَا غَيْرهمْ
"الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْس" هُوَ جَنَّة أَعْلَى الْجِنَان "هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" فِي ذَلِكَ إشَارَة إلَى الْمَعَاد وَيُنَاسِبهُ ذِكْر الْمَبْدَأ بَعْده
"وَ" اللَّهْ "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَان" آدَم "مِنْ سُلَالَة" هِيَ مِنْ سَلَلْت الشَّيْء مِنْ الشَّيْء أَيْ اسْتَخْرَجْته مِنْهُ وَهُوَ خُلَاصَته "مِنْ طِين" مُتَعَلِّق بِسُلَالَةٍ
"ثُمَّ جَعَلْنَاهُ" أَيْ الْإِنْسَان نَسْل آدَم "نُطْفَة" مَنِيًّا "فِي قَرَار مَكِين" هُوَ الرَّحِم
ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ↓
"ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَة عَلَقَة" دَمًا جَامِدًا "فَخَلَقْنَا الْعَلَقَة مُضْغَة" لَحْمَة قَدْر مَا يُمْضَغ "فَخَلَقْنَا الْمُضْغَة عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَام لَحْمًا" وَفِي قِرَاءَة عَظْمًا فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَخَلَقْنَا فِي الْمَوَاضِع الثَّلَاث بِمَعْنَى صَيَّرْنَا "ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَر" بِنَفْخِ الرُّوح فِيهِ "فَتَبَارَكَ اللَّه أَحْسَن الْخَالِقِينَ" أَيْ الْمُقَدِّرِينَ وَمُمَيَّز أَحْسَن مَحْذُوف لِلْعِلْمِ بِهِ : أَيْ خَلْقًا
"ثُمَّ إنَّكُمْ يَوْم الْقِيَامَة تُبْعَثُونَ" لِلْحِسَابِ وَالْجَزَاء
"وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقكُمْ سَبْع طَرَائِق" أَيْ سَمَاوَات : جَمْع طَرِيقَة لِأَنَّهَا طُرُق الْمَلَائِكَة "وَمَا كُنَّا عَنْ الْخَلْق" الَّتِي تَحْتهَا "غَافِلِينَ" أَنْ تَسْقُط عَلَيْهِمْ فَتُهْلِكهُمْ بَلْ نُمْسِكهَا كَآيَةٍ "وَيُمْسِك السَّمَاء أَنْ تَقَع عَلَى الْأَرْض"
وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ ↓
"وَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاء مَاء بِقَدَرٍ" مِنْ كِفَايَتهمْ "فَأَسْكَنَاهُ فِي الْأَرْض وَإِنَّا عَلَى ذَهَاب بِهِ لَقَادِرُونَ" فَيَمُوتُونَ مَعَ دَوَابّهمْ عَطَشًا
فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ↓
"فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّات مِنْ نَخِيل وَأَعْنَاب" هُمَا أَكْثَر فَوَاكِه الْعَرَب "لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِه كَثِيرَة وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ" صَيْفًا وَشِتَاء
"وَ" أَنْشَأْنَا "شَجَرَة تَخْرُج مِنْ طُور سَيْنَاء" جَبَل بِكَسْرِ السِّين وَفَتْحهَا وَمَنْع الصَّرْف لِلْعِلْمِيَّةِ وَالتَّأْنِيث لِلْبُقْعَةِ "تَنْبُت" مِنْ الرُّبَاعِيّ وَالثُّلَاثِيّ "بِالدُّهْنِ" الْبَاء زَائِدَة عَلَى الْأَوَّل وَمُعَدِّيَة عَلَى الثَّانِي وَهِيَ شَجَرَة الزَّيْتُون "وَصِبْغ لِلْآكِلِينَ" عَطْف عَلَى الدُّهْن أَيْ إدَام يَصْبُغ اللُّقْمَةَ بِغَمْسِهَا فِيهِ وَهُوَ الزَّيْت
وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ↓
"وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَام" الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم "لَعِبْرَة" عِظَة تَعْتَبِرُونَ بِهَا "نُسْقِيكُمْ" بِفَتْحِ النُّون وَضَمّهَا "مِمَّا فِي بُطُونهَا" اللَّبَن "وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِع كَثِيرَة" مِنْ الْأَصْوَاف وَالْأَوْبَار وَالْأَشْعَار وَغَيْر ذَلِكَ
"وَعَلَيْهَا" الْإِبِل "وَعَلَى الْفُلْك" السُّفُن
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ ↓
"وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إلَى قَوْمه فَقَالَ يَا قَوْم اُعْبُدُوا اللَّه" أَطِيعُوا اللَّه وَوَحِّدُوهُ "مَا لَكُمْ مِنْ إلَه" وَهُوَ اسْم مَا وَمَا قَبْله الْخَبَر وَمِنْ زَائِدَة "أَفَلَا تَتَّقُونَ" تَخَافُونَ عُقُوبَته بِعِبَادَتِكُمْ غَيْره
فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلائِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ ↓
"فَقَالَ الْمَلَأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمه" لِأَتْبَاعِهِمْ "مَا هَذَا إلَّا بَشَر مِثْلكُمْ يُرِيد أَنْ يَتَفَضَّل" يَتَشَرَّف "عَلَيْكُمْ" بِأَنْ يَكُون مَتْبُوعًا وَأَنْتُمْ أَتْبَاعه "وَلَوْ شَاءَ اللَّه" أَنْ لَا يُعْبَد غَيْره "لَأَنْزَلَ مَلَائِكَة" بِذَلِكَ لَا بَشَرًا "مَا سَمِعْنَا بِهَذَا" الَّذِي دَعَا إلَيْهِ نُوح مِنْ التَّوْحِيد "فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ" الْأُمَم الْمَاضِيَة
"إنْ هُوَ" مَا نُوح "إلَّا رَجُل بِهِ جِنَّة" حَالَة جُنُون "فَتَرَبَّصُوا بِهِ" انْتَظِرُوهُ "حَتَّى حِين" إلَى زَمَن مَوْته
"قَالَ" نُوح "رَبّ اُنْصُرْنِي" عَلَيْهِمْ "بِمَا كَذَّبُونِ" بِسَبَبِ تَكْذِيبهمْ إيَّايَ بِأَنْ تُهْلِكهُمْ قَالَ تَعَالَى مُجِيبًا دُعَاءَهُ
فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ ↓
"فَأَوْحَيْنَا إلَيْهِ أَنْ اصْنَعْ الْفُلْك" السَّفِينَة "بِأَعْيُنِنَا" بِمَرْأًى مِنَّا وَحِفْظنَا "وَوَحْينَا" أَمْرنَا "فَإِذَا جَاءَ أَمْرنَا" بِإِهْلَاكِهِمْ "وَفَارَ التَّنُّور" لِلْخَبَّازِ بِالْمَاءِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَامَة لِنُوحٍ "فَاسْلُكْ فِيهَا" أَيْ أَدْخِلْ فِي السَّفِينَة "مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ" ذَكَر وَأُنْثَى أَيْ مِنْ كُلّ أَنْوَاعهمَا "اثْنَيْنِ" ذَكَرًا وَأُنْثَى وَهُوَ مَفْعُول وَمِنْ مُتَعَلِّقَة بِاسْلُكْ وَفِي الْقِصَّة أَنَّ اللَّه تَعَالَى حَشَرَ لِنُوحٍ السِّبَاع وَالطَّيْر وَغَيْرهمَا فَجَعَلَ يَضْرِب بِيَدَيْهِ فِي كُلّ نَوْع فَتَقَع يَده الْيُمْنَى عَلَى الذَّكَر وَالْيُسْرَى عَلَى الْأُنْثَى فَيَحْمِلهُمَا فِي السَّفِينَة وَفِي قِرَاءَة كُلّ بِالتَّنْوِينِ فَزَوْجَيْنِ مَفْعُول وَاثْنَيْنِ تَأْكِيد لَهُ "وَأَهْلك" زَوْجَته وَأَوْلَاده "إلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْل مِنْهُمْ" بِالْإِهْلَاكِ وَهُوَ زَوْجَته وَوَلَده كَنْعَان بِخِلَافِ سَام وَحَام وَيَافِث فَحَمَلَهُمْ وَزَوْجَاتهمْ ثَلَاثَة وَفِي سُورَة هُود "وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إلَّا قَلِيل" قِيلَ كَانُوا سِتَّة رِجَال وَنِسَاؤُهُمْ وَقِيلَ جَمِيع مَنْ كَانَ فِي السَّفِينَة ثَمَانِيَة وَسَبْعُونَ نِصْفهمْ رِجَال وَنِصْفهمْ نِسَاء "وَلَا تُخَاطِبنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا" كَفَرُوا بِتَرْكِ إهْلَاكهمْ
فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ↓
"فَإِذَا اسْتَوَيْت" اعْتَدَلْت "أَنْتَ وَمَنْ مَعَك عَلَى الْفُلْك فَقُلْ الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنْ الْقَوْم الظَّالِمِينَ" الْكَافِرِينَ وَإِهْلَاكهمْ
"وَقُلْ" عِنْد نُزُولك مِنْ الْفُلْك "رَبّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا" بِضَمِّ الْمِيم وَفَتْح الزَّاي مَصْدَرًا وَاسْم مَكَان وَبِفَتْحِ الْمِيم وَكَسْر الزَّاي مَكَان النُّزُول "مُبَارَكًا" ذَلِكَ الْإِنْزَال أَوْ الْمَكَان "وَأَنْتَ خَيْر الْمُنْزِلِينَ" مَا ذُكِرَ
"إنَّ فِي ذَلِكَ" الْمَذْكُور مِنْ أَمْر نُوح وَالسَّفِينَة وَإِهْلَاك الْكُفَّار "لَآيَات" دَلَالَات عَلَى قُدْرَة اللَّه تَعَالَى "وَإِنْ" مُخَفَّفَة مِنْ الثَّقِيلَة وَاسْمهَا ضَمِير الشَّأْن "كُنَّا لَمُبْتَلِينَ" مُخْتَبِرِينَ قَوْم نُوح بِإِرْسَالِهِ إلَيْهِمْ وَوَعْظه