"حم" الله أعلم بمراده به
"تنزيل من الرحمن الرحيم" مبتدأ
"كتاب" خبره "فصلت آياته" بينت بالأحكام والقصص والمواعظ "قرآنا عربيا" حال من كتاب بصفته "لقوم" متعلق بفصلت "يعلمون" يفهمون ذلك, وهم العرب
"بشيرا" صفة قرآنا "ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون" سماع قبول
وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ ↓
"وقالوا" للنبي "قلوبنا في أكنة" أغطية "مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر" ثقل "ومن بيننا وبينك حجاب" خلاف في الدين "فاعمل" على دينك "إننا عاملون" على ديننا
قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ ↓
"قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي إنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه" بالإيمان والطاعة "واستغفروه وويل" كلمة عذاب
"الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم" تأكيد
"إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون" مقطوع
قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ↓
"قل أإنكم" بتحقيق الهمزة الثانية وتسهيلها وإدخال ألف بينها بوجهيها وبين الأولى "لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين" الأحد والاثنين "وتجعلون له أندادا" شركاء "ذلك رب" أي مالك "العالمين" جمع عالم, وهو ما سوى الله وجمع لاختلاف أنواعه بالياء والنون, تغليبا للعقلاء
وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ ↓
"وجعل" مستأنف ولا يجوز عطفه على صلة الذي للفاصل الأجنبي "فيها رواسي" جبالا ثوابت "من فوقها وبارك فيها" بكثرة المياه والزروع والضروع "وقدر" قسم "فيها أقواتها" للناس والبهائم "في" تمام "أربعة أيام" أي الجعل وما ذكر معه في يوم الثلاثاء والأربعاء "سواء" منصوب على المصدر, أي استوت الأربعة استواء لا تزيد ولا تنقص "للسائلين" عن خلق الأرض بما فيها
ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ↓
"ثم استوى" قصد "إلى السماء وهي دخان" بخار مرتفع "فقال لها وللأرض ائتيا" إلى مرادي منكما "طوعا أو كرها" في موضع الحال, أي طائعتين أو مكرهتين "قالتا أتينا" بمن فينا "طائعين" فيه تغليب المذكر العاقل أو نزلتا لخطابهما منزلته
فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ↓
"فقضاهن" الضمير يرجع إلى السماء لأنها في معنى الجمع الآيلة إليه , أي صيرها "سبع سماوات في يومين" الخميس والجمعة فرغ منها في آخر ساعة منه, وفيها خلق آدم ولذلك لم يقل هنا سواء, ووافق ما هنا آيات خلق السماوات والأرض في ستة أيام "وأوحى في كل سماء أمرها" الذي أمر به من فيها من الطاعة والعبادة "وزينا السماء الدنيا بمصابيح" بنجوم "وحفظا" منصوب بفعله المقدر, أي حفظناها من استراق الشياطين السمع بالشهب "ذلك تقدير العزيز" في ملكه "العليم" بخلقه
"فإن أعرضوا" أي كفار مكة عن الإيمان بعد هذا البيان "فقل أنذرتكم" خوفتكم "صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود" عذابا يهلككم مثل الذي أهلكهم
إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ↓
"إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم" أي مقبلين عليهم ومدبرين عنهم فكفروا كما سيأتي, والإهلاك في زمنه فقط "أن" أي بأن "لا تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لأنزل" علينا "ملائكة فإنا بما أرسلتم به" على زعمكم
فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ↓
"فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا" لما خوفوا بالعذاب "من أشد منا قوة" أي لا أحد, كان واحدهم يقلع الصخرة العظيمة من الجبل يجعلها حيث يشاء "أولم يروا" يعلموا "أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا" المعجزات
فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنصَرُونَ ↓
"فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا" باردة شديدة الصوت بلا مطر "في أيام نحسات" بكسر الحاء وسكونها مشؤومات عليهم "لنذيقهم عذاب الخزي" الذل "في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى" أشد "وهم لا ينصرون" بمنعه عنهم
وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ↓
"وأما ثمود فهديناهم" بينا لهم طريق الهدى "فاستحبوا العمى" اختاروا الكفر "على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون" المهين
"ونجينا" منها "الذين آمنوا وكانوا يتقون" الله
"و" اذكر "يوم يحشر" بالياء والنون المفتوحة وضم الشين وفتح الهمزة "أعداء الله إلى النار فهم يوزعون" يساقون
حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ↓
"حتى إذا ما" زائدة
وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ↓
"وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء" أي أراد نطقه "وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون" قيل: هو من كلام الجلود, وقيل: هو من كلام الله تعالى كالذي بعده وموقعه قريب مما قبله بأن القادر على إنشائكم ابتداء وإعادتكم بعد الموت أحياء قادر على إنطاق جلودكم وأعضائكم
وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ ↓
"وما كنتم تستترون" عن ارتكابكم الفواحش من "أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم" لأنكم لم توقنوا بالبعث "ولكن ظننتم" عند استتاركم
"وذلكم" مبتدأ "ظنكم" بدل منه "الذي ظننتم بربكم" نعت والخبر "أرداكم" أي أهلككم
"فإن يصبروا" على العذاب "فالنار مثوى" مأوى "لهم وإن يستعتبوا" يطلبوا العتبى, أي الرضا "فما هم من المعتبين" المرضيين
وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ ↓
"وقيضنا" سببنا "لهم قرناء" من الشياطين "فزينوا لهم ما بين أيديهم" من أمر الدنيا واتباع الشهوات "وما خلفهم" من أمر الآخرة بقولهم لا بعث ولا حساب "وحق عليهم القول" بالعذاب وهو "لأملأن جهنم" الآية "في" جملة "أمم قد خلت" هلكت
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ↓
"وقال الذين كفروا" عند قراءة النبي صلى الله عليه وسلم "لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه" ائتوا باللغط ونحوه وصيحوا في زمن قراءته "لعلكم تغلبون" فيسكت عن القراءة
فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ↑
"فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون" أي أقبح جزاء عملهم
ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ↓
"ذلك" العذاب الشديد وأسوأ الجزاء "جزاء أعداء الله" بتحقيق الهمزة الثانية وإبدالها واوا "النار" عطف بيان للجزاء المخبر به عن ذلك "لهم فيها دار الخلد" أي إقامة لا انتقال منها "جزاء" منصوب على المصدر بفعله المقدر "بما كانوا بآياتنا" القرآن
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأَسْفَلِينَ ↓
"وقال الذين كفروا" في النار "ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس" أي إبليس وقابيل سنا الكفر والقتل "نجعلهما تحت أقدامنا" في النار "ليكونا من الأسفلين" أي أشد عذابا منا
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ↓
"إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا" على التوحيد وغيره مما وجب عليهم "تتنزل عليهم الملائكة" عند الموت "أن" بأن "لا تخافوا" من الموت وما بعده "ولا تحزنوا" على ما خلفتم من أهل وولد فنحن نخلفكم فيه