الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4
وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَسورة الأنبياء الآية رقم 31
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْض رَوَاسِي } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَوَلَمْ يَرَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّار أَيْضًا مِنْ حُجَجنَا عَلَيْهِمْ وَعَلَى جَمِيع خَلْقنَا , أَنَّا جَعَلْنَا فِي الْأَرْض جِبَالًا رَاسِيَة ؟ وَالرَّوَاسِي : جَمْع رَاسِيَة , وَهِيَ الثَّابِتَة ; كَمَا : 18544 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْض رَوَاسِي } أَيْ جِبَالًا .

وَقَوْله : { أَنْ تَمِيد بِهِمْ } يَقُول : أَنْ لَا تَتَكَفَّأ بِهِمْ . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَجَعَلْنَا فِي هَذِهِ الْأَرْض هَذِهِ الرَّوَاسِي مِنْ الْجِبَال , فَثَبَّتْنَاهَا لِئَلَّا تَتَكَفَّأ بِالنَّاسِ , وَلِيَقْدِرُوا بِالثَّبَاتِ عَلَى ظَهْرهَا . كَمَا : 18545 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : كَانُوا عَلَى الْأَرْض تَمُور بِهِمْ لَا تَسْتَقِرّ , فَأَصْبَحُوا وَقَدْ جَعَلَ اللَّه الْجِبَال - وَهِيَ الرَّوَاسِي - أَوْتَادًا لِلْأَرْضِ .


{ فِجَاجًا } يَعْنِي مَسَالِك , وَاحِدهَا فَجّ . كَمَا : 18546 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا } : أَيْ أَعْلَامًا . وَقَوْله : { سُبُلًا } أَيْ طُرُقًا , وَهِيَ جَمْع السَّبِيل . وَكَانَ اِبْن عَبَّاس فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ يَقُول : إِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ : { وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا } وَجَعَلْنَا فِي الرَّوَاسِي , فَالْهَاء وَالْأَلِف فِي قَوْله : { وَجَعَلْنَا فِيهَا } مِنْ ذِكْر الرَّوَاسِي . 18547 - حَدَّثَنَا بِذَلِكَ الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا } قَالَ : بَيْن الْجِبَال . وَإِنَّمَا اِخْتَرْنَا الْقَوْل الْآخَر فِي ذَلِكَ وَجَعَلْنَا الْهَاء وَالْأَلِف مِنْ ذِكْر الْأَرْض , لِأَنَّهَا إِذَا كَانَتْ مِنْ ذِكْرهَا دَاخِل فِي ذَلِكَ السَّهْل وَالْجَبَل ; وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ كُلّه مِنْ الْأَرْض , وَقَدْ جَعَلَ اللَّه لِخَلْقِهِ فِي ذَلِكَ كُلّه فِجَاجًا سُبُلًا . وَلَا دَلَالَة تَدُلّ عَلَى أَنَّهُ عَنَى بِذَلِكَ فِجَاج بَعْض الْأَرْض الَّتِي جَعَلَهَا لَهُمْ سُبُلًا دُون بَعْض , فَالْعُمُوم بِهَا أَوْلَى .

وَقَوْله : { لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : جَعَلْنَا هَذِهِ الْفِجَاج فِي الْأَرْض لِيَهْتَدُوا إِلَى السَّيْر فِيهَا .
وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَسورة الأنبياء الآية رقم 32
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَحْفُوظًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا } لِلْأَرْضِ مَسْمُوكًا . وَقَوْله : { مَحْفُوظًا } يَقُول : حَفِظْنَاهَا مِنْ كُلّ شَيْطَان رَجِيم . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18548 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { سَقْفًا مَحْفُوظًا } قَالَ : مَرْفُوعًا . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 18549 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَحْفُوظًا } ... الْآيَة : سَقْفًا مَرْفُوعًا , وَمَوْجًا مَكْفُوفًا .

وَقَوْله : { وَهُمْ عَنْ آيَاتهَا مُعْرِضُونَ } يَقُول : وَهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ عَنْ آيَات السَّمَاء وَيَعْنِي بِآيَاتِهَا : شَمْسهَا وَقَمَرهَا وَنُجُومهَا . { مُعْرِضُونَ } يَقُول : يُعْرِضُونَ عَنْ التَّفَكُّر فِيهَا وَتَدَبُّر مَا فِيهَا مِنْ حُجَج اللَّه عَلَيْهِمْ وَدَلَالَتهَا عَلَى وَحْدَانِيَّة خَالِقهَا , وَأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُون الْعِبَادَة إِلَّا لِمَنْ دَبَّرَهَا وَسَوَّاهَا , وَلَا تَصْلُح إِلَّا لَهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18550 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَهُمْ عَنْ آيَاتهَا مُعْرِضُونَ } قَالَ : الشَّمْس وَالْقَمَر وَالنُّجُوم آيَات السَّمَاء . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم ; قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله .
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَسورة الأنبياء الآية رقم 33
وَقَوْله : { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْل وَالنَّهَار وَالشَّمْس وَالْقَمَر كُلّ فِي فَلَك يَسْبَحُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاَللَّه الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ أَيّهَا النَّاس اللَّيْل وَالنَّهَار , نِعْمَة مِنْهُ عَلَيْكُمْ وَحُجَّة وَدَلَالَة عَلَى عَظِيم سُلْطَانه وَأَنَّ الْأُلُوهَة لَهُ دُون كُلّ مَا سِوَاهُ فَهُمَا يَخْتَلِفَانِ عَلَيْكُمْ لِصَلَاحِ مَعَايِشكُمْ وَأُمُور دُنْيَاكُمْ وَآخِرَتكُمْ , وَخَلَقَ الشَّمْس وَالْقَمَر أَيْضًا { كُلّ فِي فَلَك يَسْبَحُونَ } يَقُول : كُلّ ذَلِكَ فِي فَلَك يَسْبَحُونَ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْفَلَك الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه فِي هَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ كَهَيْئَةِ حَدِيدَة الرَّحَى . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18551 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { كُلّ فِي فَلَك يَسْبَحُونَ } قَالَ : فَلَك كَهَيْئَةِ حَدِيدَة الرَّحَى . 18552 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج : { كُلّ فِي فَلَك } قَالَ : فَلَك كَهَيْئَةِ حَدِيدَة الرَّحَى . 18553 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثني جَرِير , عَنْ قَابُوس بْن أَبِي ظَبْيَان , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { كُلّ فِي فَلَك يَسْبَحُونَ } قَالَ : فَلَك السَّمَاء . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ الْفَلَك الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه فِي هَذَا الْمَوْضِع سُرْعَة جَرْي الشَّمْس وَالْقَمَر وَالنُّجُوم وَغَيْرهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18554 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { كُلّ فِي فَلَك يَسْبَحُونَ } الْفَلَك : الْجَرْي وَالسُّرْعَة . وَقَالَ آخَرُونَ : الْفَلَك مَوْج مَكْفُوف تَجْرِي الشَّمْس وَالْقَمَر وَالنُّجُوم فِيهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ الْقُطْب الَّذِي تَدُور بِهِ النُّجُوم . وَاسْتَشْهَدَ قَائِل هَذَا الْقَوْل لِقَوْلِهِ هَذَا بِقَوْلِ الرَّاجِز بَاتَتْ تُنَاجِي الْفَلَك الدَّوَّارَا حَتَّى الصَّبَاح تَعْمَل الْأَقْتَار وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ , مَا : 18555 - حَدَّثَنَا بِهِ بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { كُلّ فِي فَلَك يَسْبَحُونَ } : أَيْ فِي فَلَك السَّمَاء . * - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { كُلّ فِي فَلَك يَسْبَحُونَ } قَالَ : يَجْرِي فِي فَلَك السَّمَاء كَمَا رَأَيْت . 18556 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { كُلّ فِي فَلَك يَسْبَحُونَ } قَالَ : الْفَلَك الَّذِي بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض مِنْ مَجَارِي النُّجُوم وَالشَّمْس وَالْقَمَر . وَقَرَأَ : { تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا } 25 61 وَقَالَ : تِلْكَ الْبُرُوج بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض وَلَيْسَتْ فِي الْأَرْض . { كُلّ فِي فَلَك يَسْبَحُونَ } قَالَ : فِيمَا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض : النُّجُوم وَالشَّمْس وَالْقَمَر . وَذُكِرَ عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ كَانَ يَقُول : الْفَلَك طَاحُونَة كَهَيْئَةِ فَلْكَة الْمِغْزَل . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال كَمَا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { كُلّ فِي فَلَك يَسْبَحُونَ } ; وَجَائِز أَنْ يَكُون ذَلِكَ الْفَلَك كَمَا قَالَ مُجَاهِد كَحَدِيدَةِ الرَّحَى , وَكَمَا ذُكِرَ عَنْ الْحَسَن كَطَاحُونَةِ الرَّحَى , وَجَائِز أَنْ يَكُون مَوْجًا مَكْفُوفًا , وَأَنْ يَكُون قُطْب السَّمَاء . وَذَلِكَ أَنَّ الْفَلَك فِي كَلَام الْعَرَب هُوَ كُلّ شَيْء دَائِر , فَجَمْعه أَفْلَاك , وَقَدْ ذَكَرْت قَوْل الرَّاجِز : بَاتَتْ تُنَاجِي الْفَلَك الدَّوَّارَا وَإِذْ كَانَ كُلّ مَا دَار فِي كَلَامهَا , وَلَمْ يَكُنْ فِي كِتَاب اللَّه وَلَا فِي خَبَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَمَّنْ يُقْطَع بِقَوْلِهِ الْعُذْر , دَلِيل يَدُلّ عَلَى أَيّ ذَلِكَ هُوَ مِنْ أَيّ ; كَانَ الْوَاجِب أَنْ نَقُول فِيهِ مَا قَالَ وَنَسْكُت عَمَّا لَا عِلْم لَنَا بِهِ . فَإِذَا كَانَ الصَّوَاب فِي ذَلِكَ مِنْ الْقَوْل عِنْدنَا مَا ذَكَرْنَا , فَتَأْوِيل الْكَلَام : وَالشَّمْس وَالْقَمَر , كُلّ ذَلِكَ فِي دَائِر يَسْبَحُونَ . وَأَمَّا قَوْله : { يَسْبَحُونَ } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : يَجْرُونَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18557 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { كُلّ فِي فَلَك يَسْبَحُونَ } قَالَ : يَجْرُونَ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 18558 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { يَسْبَحُونَ } قَالَ : يَجْرُونَ . وَقِيلَ : { كُلّ فِي فَلَك يَسْبَحُونَ } فَأَخْرَجَ الْخَبَر عَنْ الشَّمْس وَالْقَمَر مَخْرَج الْخَبَر عَنْ بَنِي آدَم بِالْوَاوِ وَالنُّون , وَلَمْ يَقُلْ : " يَسْبَحْنَ " أَوْ " تَسْبَح " , كَمَا قِيلَ : { وَالشَّمْس وَالْقَمَر رَأَيْتهمْ لِي سَاجِدِينَ } 12 4 لِأَنَّ السُّجُود مِنْ أَفْعَال بَنِي آدَم , فَلَمَّا وُصِفَتْ الشَّمْس وَالْقَمَر بِمِثْلِ أَفْعَالهمْ أَجْرَى الْخَبَر عَنْهُمَا مَجْرَى الْخَبَر عَنْهُمْ .
وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَسورة الأنبياء الآية رقم 34
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلك الْخُلْد أَفَإِنْ مِتّ فَهُمْ الْخَالِدُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَمَا خَلَّدْنَا أَحَدًا مِنْ بَنِي آدَم يَا مُحَمَّد قَبْلك فِي الدُّنْيَا فَنُخَلِّدك فِيهَا , وَلَا بُدّ لَك مِنْ أَنْ تَمُوت كَمَا مَاتَ مِنْ قَبْلك رُسُلنَا .

يَقُول : فَهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِرَبِّهِمْ هُمْ الْخَالِدُونَ فِي الدُّنْيَا بَعْدك ؟ لَا , مَا ذَلِكَ كَذَلِكَ , بَلْ هُمْ مَيِّتُونَ بِكُلِّ حَال عِشْت أَوْ مِتّ فَأُدْخِلَتْ الْفَاء فِي " إِنْ " وَهِيَ جَزَاء , وَفِي جَوَابه ; لِأَنَّ الْجَزَاء مُتَّصِل بِكَلَامٍ قَبْله , وَدَخَلَتْ أَيْضًا فِي قَوْله " فَهُمْ " لِأَنَّهُ جَوَاب لِلْجَزَاءِ , وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي قَوْله " فَهُمْ " الْفَاء جَازَ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا : أَنْ تَكُون مَحْذُوفَة وَهِيَ مُرَادَة , وَالْآخَر أَنْ يَكُون مُرَادًا تَقْدِيمهَا إِلَى الْجَزَاء , فَكَأَنَّهُ قَالَ : أَفَهُمْ الْخَالِدُونَ إِنْ مِتّ .
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَسورة الأنبياء الآية رقم 35
وَقَوْله : { كُلّ نَفْس ذَائِقَة الْمَوْت } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : كُلّ نَفْس مَنْفُوسَة مِنْ خَلْقه , مُعَالِجَة غَصَص الْمَوْت وَمُتَجَرِّعَة كَأْسهَا .


وَقَوْله : { وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْر فِتْنَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَنَخْتَبِركُمْ أَيّهَا النَّاس بِالشَّرِّ - وَهُوَ الشِّدَّة - نَبْتَلِيكُمْ بِهَا , وَبِالْخَيْرِ - وَهُوَ الرَّخَاء وَالسَّعَة الْعَافِيَة - فَنَفْتِنكُمْ بِهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18559 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن : قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْر فِتْنَة } قَالَ : بِالرَّخَاءِ وَالشِّدَّة , وَكِلَاهُمَا بَلَاء . 18560 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْر فِتْنَة } يَقُول : نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ بَلَاء , وَالْخَيْر فِتْنَة ; { وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } . 18561 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْر فِتْنَة وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } قَالَ : نَبْلُوهُمْ بِمَا يُحِبُّونَ وَبِمَا يَكْرَهُونَ ; نَخْتَبِرهُمْ بِذَلِكَ لِنَنْظُر كَيْف شُكْرهمْ فِيمَا يُحِبُّونَ , وَكَيْف صَبْرهمْ فِيمَا يَكْرَهُونَ . 18562 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْر } يَقُول : نَبْتَلِيكُمْ بِالشِّدَّةِ وَالرَّخَاء , وَالصِّحَّة وَالسَّقَم , وَالْغِنَى وَالْفَقْر , وَالْحَلَال وَالْحَرَام , وَالطَّاعَة وَالْمَعْصِيَة , وَالْهُدَى وَالضَّلَالَة .


وَقَوْله : { وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } يَقُول : وَإِلَيْنَا يُرَدُّونَ فَيُجَازَوْنَ بِأَعْمَالِهِمْ , حَسَنهَا وَسَيِّئِهَا .
وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَسورة الأنبياء الآية رقم 36
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا رَآك الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَك إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُر آلِهَتكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَن هُمْ كَافِرُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَإِذَا رَآك } يَا مُحَمَّد { الَّذِينَ كَفَرُوا } بِاَللَّهِ , { إِنْ يَتَّخِذُونَك إِلَّا هُزُوًا } يَقُول : مَا يَتَّخِذُونَك إِلَّا سِخْرِيًّا يَقُول بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : { أَهَذَا الَّذِي يَذْكُر آلِهَتكُمْ } يَعْنِي بِقَوْلِهِ : يَذْكُر آلِهَتكُمْ بِسُوءٍ وَيَعِيبهَا , تَعَجُّبًا مِنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ . يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره : فَيَعْجَبُونَ مِنْ ذِكْرك يَا مُحَمَّد آلِهَتهمْ الَّتِي لَا تَضُرّ وَلَا تَنْفَع بِسُوءٍ . { وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَن } الَّذِي خَلَقَهُمْ وَأَنْعَمَ عَلَيْهِمْ , وَمِنْهُ نَفْعهمْ , وَبِيَدِهِ ضُرّهمْ , وَإِلَيْهِ مَرْجِعهمْ بِمَا هُوَ أَهْله مِنْهُمْ ; أَنْ يَذْكُرُوهُ بِهِ { كَافِرُونَ } وَالْعَرَب تَضَع الذِّكْر مَوْضِع الْمَدْح وَالذَّمّ , فَيَقُولُونَ : سَمِعْنَا فُلَانًا يَذْكُر فُلَانًا , وَهُمْ يُرِيدُونَ سَمِعْنَاهُ يَذْكُرهُ بِقَبِيحٍ وَيَعِيبهُ ; وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل عَنْتَرَة : لَا تَذْكُرِي مُهْرِي وَمَا أَطْعَمْته فَيَكُون جِلْدك مِثْل جِلْد الْأَجْرَب يَعْنِي بِذَلِكَ : لَا تَعِيبِي مُهْرِي . وَسَمِعْنَاهُ يُذْكَر بِخَيْرٍ .
خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِسورة الأنبياء الآية رقم 37
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { خُلِقَ الْإِنْسَان مِنْ عَجَل سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { خُلِقَ الْإِنْسَان } يَعْنِي آدَم { مِنْ عَجَل } . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : مِنْ عَجَل فِي بِنْيَته وَخِلْقَته ; كَانَ مِنْ الْعَجَلَة , وَعَلَى الْعَجَلَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18563 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , عَنْ أَشْعَث , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد فِي قَوْله : { خُلِقَ الْإِنْسَان مِنْ عَجَل } قَالَ : لَمَّا نَفَخَ فِيهِ الرُّوح فِي رُكْبَتَيْهِ ذَهَبَ لِيَنْهَض , فَقَالَ اللَّه : { خُلِقَ الْإِنْسَان مِنْ عَجَل } . 18564 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : لَمَّا نَفَخَ فِيهِ - يَعْنِي فِي آدَم - الرُّوح , فَدَخَلَ فِي رَأْسه عَطَسَ , فَقَالَتْ الْمَلَائِكَة : قُلْ الْحَمْد لِلَّهِ ! فَقَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ . فَقَالَ اللَّه لَهُ : رَحِمَك رَبّك ! فَلَمَّا دَخَلَ الرُّوح فِي عَيْنَيْهِ نَظَرَ إِلَى ثِمَار الْجَنَّة , فَلَمَّا دَخَلَ فِي جَوْفه اِشْتَهَى الطَّعَام , فَوَثَبَ قَبْل أَنْ تَبْلُغ الرُّوح رِجْلَيْهِ عَجْلَان إِلَى ثِمَار الْجَنَّة ; فَذَلِكَ حِين يَقُول : { خُلِقَ الْإِنْسَان مِنْ عَجَل } يَقُول : خُلِقَ الْإِنْسَان عَجُولًا . 18565 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { خُلِقَ الْإِنْسَان مِنْ عَجَل } قَالَ : خُلِقَ عَجُولًا . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ : خُلِقَ الْإِنْسَان مِنْ عَجَل , أَيْ مِنْ تَعْجِيل فِي خَلْق اللَّه إِيَّاهُ وَمِنْ سُرْعَة فِيهِ وَعَلَى عَجَل . وَقَالُوا : خَلَقَهُ اللَّه فِي آخِر النَّهَار يَوْم الْجُمُعَة قَبْل غُرُوب الشَّمْس عَلَى عَجَل فِي خَلْقه إِيَّاهُ قَبْل مَغِيبهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18566 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { خُلِقَ الْإِنْسَان مِنْ عَجَل } قَالَ : قَوْل آدَم حِين خُلِقَ بَعْد كُلّ شَيْء آخِر النَّهَار مِنْ يَوْم خَلَقَ الْخَلْق , فَلَمَّا أَحْيَا الرُّوح عَيْنَيْهِ وَلِسَانه وَرَأْسه وَلَمْ تَبْلُغ أَسْفَله , قَالَ : يَا رَبّ اِسْتَعْجِلْ بِخَلْقِي قَبْل غُرُوب الشَّمْس . * - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد : { خُلِقَ الْإِنْسَان مِنْ عَجَل } قَالَ آدَم حِين خُلِقَ بَعْد كُلّ شَيْء ; ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه , غَيْر أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثه : اِسْتَعْجِلْ بِخَلْقِي فَقَدْ غَرَبَتْ الشَّمْس . 18567 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { خُلِقَ الْإِنْسَان مِنْ عَجَل } قَالَ : عَلَى عَجَل آدَم آخِر ذَلِكَ الْيَوْم مِنْ ذَيْنك الْيَوْمَيْنِ , يُرِيد يَوْم الْجُمُعَة , وَخَلَقَهُ عَلَى عَجَل , وَجَعَلَهُ عَجُولًا . وَقَالَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة مِنْ أَهْل الْبَصْرَة مِمَّنْ قَالَ نَحْو هَذِهِ الْمَقَالَة : إِنَّمَا قَالَ : { خُلِقَ الْإِنْسَان مِنْ عَجَل } وَهُوَ يَعْنِي أَنَّهُ خَلَقَهُ مِنْ تَعْجِيل مِنْ الْأَمْر , لِأَنَّهُ قَالَ : { إِنَّمَا قَوْلنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُول لَهُ كُنْ فَيَكُون } 16 40 قَالَ : فَهَذَا الْعَجَل . وَقَوْله : { فَلَا تَسْتَعْجِلُونَ } إِنِّي { سَأُرِيكُمْ آيَاتِي } وَعَلَى قَوْل صَاحِب هَذِهِ الْمَقَالَة , يَجِب أَنْ يَكُون كُلّ خَلْق اللَّه خُلِقَ عَلَى عَجَل , لِأَنَّ كُلّ ذَلِكَ خُلِقَ بِأَنْ قِيلَ لَهُ كُنْ فَكَانَ . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَمَا وَجْه خُصُوص الْإِنْسَان إِذًا بِذِكْرِ أَنَّهُ خُلِقَ مِنْ عَجَل دُون الْأَشْيَاء كُلّهَا وَكُلّهَا مَخْلُوق مِنْ عَجَل ؟ وَفِي خُصُوص اللَّه تَعَالَى ذِكْره الْإِنْسَان بِذَلِكَ الدَّلِيل الْوَاضِح , عَلَى أَنَّ الْقَوْل فِي ذَلِكَ غَيْر الَّذِي قَالَهُ صَاحِب هَذِهِ الْمَقَالَة . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : هَذَا مِنْ الْمَقْلُوب , وَإِنَّمَا خُلِقَ الْعَجَل مِنْ الْإِنْسَان , وَخُلِقَتْ الْعَجَلَة مِنْ الْإِنْسَان . وَقَالُوا : ذَلِكَ مِثْل قَوْله : { مَا إِنَّ مَفَاتِحه لَتَنُوء بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّة } 28 76 إِنَّمَا هُوَ : لَتَنُوء الْعُصْبَة بِهَا مُتَثَاقِلَة . وَقَالُوا : هَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ فِي كَلَام الْعَرَب كَثِير مَشْهُور . قَالُوا : وَإِنَّمَا كَلَّمَ الْقَوْم بِمَا يَعْقِلُونَ . قَالُوا : وَذَلِكَ مِثْل قَوْلهمْ : عَرَضْت النَّاقَة , وَكَقَوْلِهِمْ : إِذَا طَلَعَتْ الشِّعْرَى وَاسْتَوَتْ الْعُود عَلَى الْحِرْبَاء ; أَيْ اِسْتَوَتْ الْحِرْبَاء عَلَى الْعُود , كَقَوْلِ الشَّاعِر : وَتَرْكَب خَيْلًا لَا هَوَادَة بَيْنهَا وَتَشْقَى الرِّمَاح بِالضَّيَاطِرة الْحُمْر وَكَقَوْلِ اِبْن مُقْبِل : حَسَرْت كَفِّي عَنْ السِّرْبَال آخُذهُ فَرْدًا يُجَرّ عَلَى أَيْدِي الْمُفَدِّينَا يُرِيد : حَسَرْت السِّرْبَال عَنْ كَفِّي , وَنَحْو ذَلِكَ مِنْ الْمَقْلُوب . وَفِي إِجْمَاع أَهْل التَّأْوِيل عَلَى خِلَاف هَذَا الْقَوْل , الْكِفَايَة الْمُغْنِيَة عَنْ الِاسْتِشْهَاد عَلَى فَسَاده بِغَيْرِهِ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ عِنْدنَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَمَّنْ قَالَ مَعْنَاهُ : خُلِقَ الْإِنْسَان مِنْ عَجَل فِي خَلْقه ; أَيْ عَلَى عَجَل وَسُرْعَة فِي ذَلِكَ . وَإِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , لِأَنَّهُ بُودِرَ بِخَلْقِهِ مَغِيب الشَّمْس فِي آخِر سَاعَة مِنْ نَهَار يَوْم الْجُمُعَة , وَفِي ذَلِكَ الْوَقْت نَفَخَ فِيهِ الرُّوح . وَإِنَّمَا قُلْنَا أَوْلَى الْأَقْوَال الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ , لِدَلَالَةِ قَوْله تَعَالَى : { سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونَ } عَلَى ذَلِكَ , وَأَنَّ أَبَا كُرَيْب : 18568 - حَدَّثَنَا قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , عَنْ أَبِي سَلَمَة , عَنْ أَبَى هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ فِي الْجُمُعَة لَسَاعَة " يُقَلِّلهَا , قَالَ : " لَا يُوَافِقهَا عَبْد مُسْلِم يَسْأَل اللَّه فِيهَا خَيْرًا إِلَّا أَتَاهُ اللَّه إِيَّاهُ " فَقَالَ عَبْد اللَّه بْن سَلَام : قَدْ عَلِمْت أَيّ سَاعَة هِيَ , هِيَ آخِر سَاعَات النَّهَار مِنْ يَوْم الْجُمُعَة . قَالَ اللَّه : { خُلِقَ الْإِنْسَان مِنْ عَجَل سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونَ } . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ وَعَبْدَة بْن سُلَيْمَان وَأَسِير بْن عَمْرو , عَنْ مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو سَلَمَة , عَنْ أَبَى هُرَيْرَة , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ , وَذَكَرَ كَلَام عَبْد اللَّه بْن سَلَام بِنَحْوِهِ . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَا كَانَ الصَّوَاب فِي تَأْوِيل ذَلِكَ مَا قُلْنَا بِمَا بِهِ اِسْتَشْهَدْنَا { خُلِقَ الْإِنْسَان مِنْ عَجَل } وَلِذَلِكَ يَسْتَعْجِل رَبّه بِالْعَذَابِ . { سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونَ } أَيّهَا الْمُسْتَعْجِلُونَ رَبّهمْ بِالْآيَاتِ الْقَائِلُونَ لِنَبِيِّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بَلْ هُوَ شَاعِر , فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ بِآيَاتِي , كَمَا أَرَيْتهَا مَنْ قَبْلكُمْ مِنْ الْأُمَم الَّتِي أَهْلَكْنَا بِتَكْذِيبِهَا الرُّسُل , إِذَا أَتَتْهَا الْآيَات : { فَلَا تَسْتَعْجِلُونَ } يَقُول : فَلَا تَسْتَعْجِلُوا رَبّكُمْ , فَإِنَّا سَنَأْتِيكُمْ بِهَا وَنُرِيكُمُوهَا . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { خُلِقَ الْإِنْسَان مِنْ عَجَل } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار : { خُلِقَ الْإِنْسَان مِنْ عَجَل } بِضَمِّ الْخَاء عَلَى مَذْهَب مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله . وَقَرَأَهُ حُمَيْد الْأَعْرَج : " خَلَقَ " بِفَتْحِهَا , بِمَعْنَى : خَلَقَ اللَّه الْإِنْسَان . وَالْقِرَاءَة الَّتِي عَلَيْهَا قُرَّاء الْأَمْصَار , هِيَ الْقِرَاءَة الَّتِي لَا أَسْتَجِيز خِلَافهَا .
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَسورة الأنبياء الآية رقم 38
وَقَوْله : { وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْد إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَيَقُول هَؤُلَاءِ الْمُسْتَعْجِلُونَ رَبّهمْ بِالْآيَاتِ وَالْعَذَاب لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَتَى هَذَا الْوَعْد ؟ يَقُول : مَتَى يَجِيئنَا هَذَا الَّذِي تَعِدنَا مِنْ الْعَذَاب إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِيمَا تَعِدُونَنَا بِهِ مِنْ ذَلِكَ ؟ وَقِيلَ : { هَذَا الْوَعْد } وَالْمَعْنَى الْمَوْعُود لِمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ مَعْنَاهُ . وَقِيلَ : { إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } كَأَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ . وَ " مَتَى " فِي مَوْضِع نَصْب , لِأَنَّ مَعْنَاهُ : أَيّ وَقْت هَذَا الْوَعْد وَأَيّ يَوْم هُوَ ; فَهُوَ نُصِبَ عَلَى الظَّرْف لِأَنَّهُ وَقْت .
لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَن ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنصَرُونَسورة الأنبياء الآية رقم 39
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَوْ يَعْلَم الَّذِينَ كَفَرُوا حِين لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوههمْ النَّار وَلَا عَنْ ظُهُورهمْ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَوْ يَعْلَم هَؤُلَاءِ الْكُفَّار الْمُسْتَعْجِلُونَ عَذَاب رَبّهمْ مَاذَا لَهُمْ مِنْ الْبَلَاء حِين تَلْفَح وُجُوههمْ النَّار , وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ , فَلَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوههمْ النَّار الَّتِي تَلْفَحهَا , وَلَا عَنْ ظُهُورهمْ فَيَدْفَعُونَهَا عَنْهَا بِأَنْفُسِهِمْ .

يَقُول : وَلَا لَهُمْ نَاصِر يَنْصُرهُمْ , فَيَسْتَنْقِذهُمْ حِينَئِذٍ مِنْ عَذَاب اللَّه لَمَّا أَقَامُوا عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنْ الْكُفْر بِاَللَّهِ , وَلَسَارَعُوا إِلَى التَّوْبَة مِنْهُ وَالْإِيمَان بِاَللَّهِ , وَلَمَا اِسْتَعْجَلُوا لِأَنْفُسِهِمْ الْبَلَاء .
بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلا هُمْ يُنظَرُونَسورة الأنبياء الآية رقم 40
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَة } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَا تَأْتِي هَذِهِ النَّار الَّتِي تَلْفَح وُجُوه هَؤُلَاءِ الْكُفَّار الَّذِينَ وَصَفَ أَمْرهمْ فِي هَذِهِ السُّورَة حِين تَأْتِيهِمْ عَنْ عِلْم مِنْهُمْ بِوَقْتِهَا , وَلَكِنَّهَا تَأْتِيهِمْ مُفَاجَأَة لَا يَشْعُرُونَ بِمَجِيئِهَا .

يَقُول : فَتَغْشَاهُمْ فَجْأَة , وَتَلْفَح وُجُوههمْ مُعَايَنَة كَالرَّجُلِ يَبْهَت الرَّجُل فِي وَجْهه بِالشَّيْءِ , حَتَّى يَبْقَى الْمَبْهُوت كَالْحَيْرَانِ مِنْهُ .


يَقُول : فَلَا يُطِيقُونَ حِين تَبْغَتهُمْ فَتَبْهَتهُمْ دَفْعهَا عَنْ أَنْفُسهمْ .


يَقُول : وَلَا هُمْ وَإِنْ لَمْ يُطِيقُوا دَفْعهَا عَنْ أَنْفُسهمْ يُؤَخَّرُونَ بِالْعَذَابِ بِهَا لِتَوْبَةٍ يُحْدِثُونَهَا وَإِنَابَة يُنِيبُونَ , لِأَنَّهَا لَيْسَتْ حِين عَمَل وَسَاعَة تَوْبَة وَإِنَابَة , بَلْ هِيَ سَاعَة مُجَازَاة وَإِثَابَة .
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُونسورة الأنبياء الآية رقم 41
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ اُسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلك } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنْ يَتَّخِذك يَا مُحَمَّد - هَؤُلَاءِ الْقَائِلُونَ لَك : هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَر مِثْلكُمْ , أَفَتَأْتُونَ السِّحْر وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ , إِذْ رَأَوْك - هُزُوًا وَيَقُولُونَ هَذَا الَّذِي يَذْكُر آلِهَتكُمْ ! كُفْرًا مِنْهُمْ بِاَللَّهِ , وَاجْتِرَاء عَلَيْهِ . فَلَقَدْ اُسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ رُسُلنَا الَّذِينَ أَرْسَلْنَاهُمْ مِنْ قَبْلك إِلَى أُمَمهمْ ,

يَقُول : فَوَجَبَ وَنَزَلَ بِاَلَّذِينَ اِسْتَهْزَءُوا بِهِمْ , وَسَخِرُوا مِنْهُمْ مِنْ أُمَمهمْ .


يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : حَلَّ بِهِمْ الَّذِي كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ مِنْ الْبَلَاء وَالْعَذَاب الَّذِي كَانَتْ رُسُلهمْ تُخَوِّفهُمْ نُزُوله بِهِمْ , يَسْتَهْزِئُونَ : يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ , فَلَنْ يَعْدُو هَؤُلَاءِ الْمُسْتَهْزِئُونَ بِك مِنْ هَؤُلَاءِ الْكَفَرَة أَنْ يَكُونُوا كَأَسْلَافِهِمْ مِنْ الْأُمَم الْمُكَذِّبَة رُسُلهَا , فَيَنْزِل بِهِمْ مِنْ عَذَاب اللَّه وَسَخَطه بِاسْتِهْزَائِهِمْ بِك نَظِير الَّذِي نَزَلَ بِهِمْ .
قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِم مُّعْرِضُونَسورة الأنبياء الآية رقم 42
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار مِنْ الرَّحْمَن } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد بِهَؤُلَاءِ الْمُسْتَعْجِلِيك بِالْعَذَابِ , الْقَائِلِينَ : مَتَى هَذَا الْوَعْد إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ { مَنْ يَكْلَؤُكُمْ } أَيّهَا الْقَوْم , يَقُول : مَنْ يَحْفَظكُمْ وَيَحْرُسكُمْ بِاللَّيْلِ إِذَا نِمْتُمْ , وَبِالنَّهَارِ إِذَا تَصَرَّفْتُمْ مِنْ الرَّحْمَن ؟ يَقُول : مِنْ أَمْر الرَّحْمَن إِنْ نَزَلَ بِكُمْ , وَمِنْ عَذَابه إِنْ حَلَّ بِكُمْ . وَتَرَكَ ذِكْر " الْأَمْر " وَقِيلَ " مِنْ الرَّحْمَن " اِجْتِزَاء بِمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ لِمَعْنَاهُ مِنْ ذِكْره . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18569 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار مِنْ الرَّحْمَن } قَالَ : يَحْرُسكُمْ . 18570 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد عَنْ قَتَادَة : { قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار مِنْ الرَّحْمَن } قُلْ مَنْ يَحْفَظكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار مِنْ الرَّحْمَن . يُقَال مِنْهُ : كَلَأْت الْقَوْم : إِذَا حَرَسْتهمْ , أَكْلَؤُهُمْ ; كَمَا قَالَ اِبْن هَرْمَة : إِنَّ سُلَيْمَى وَاَللَّه يَكْلَؤُهَا ضَنَّتْ بِشَيْءٍ مَا كَانَ يَرْزَؤُهَا

قَوْله : { بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْر رَبّهمْ مُعْرِضُونَ } وَقَوْله بَلْ : تَحْقِيق لِجَحْدٍ قَدْ عَرَفَهُ الْمُخَاطَبُونَ بِهَذَا الْكَلَام , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا فِي هَذَا الْمَوْضِع ظَاهِرًا . وَمَعْنَى الْكَلَام : وَمَا لَهُمْ أَنْ لَا يَعْلَمُوا أَنَّهُ لَا كَالِئ لَهُمْ مِنْ أَمْر اللَّه إِذَا هُوَ حَلَّ بِهِمْ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا , بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْر مَوَاعِظ رَبّهمْ وَحُجَجه الَّتِي اِحْتَجَّ بِهَا عَلَيْهِمْ مُعْرِضُونَ لَا يَتَدَبَّرُونَ ذَلِكَ فَلَا يَعْتَبِرُونَ بِهِ , جَهْلًا مِنْهُمْ وَسَفَهًا .
أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُم مِّن دُونِنَا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنفُسِهِمْ وَلا هُم مِّنَّا يُصْحَبُونَسورة الأنبياء الآية رقم 43
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَمْ لَهُمْ آلِهَة تَمْنَعهُمْ مِنْ دُوننَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْر أَنْفُسهمْ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَلِهَؤُلَاءِ الْمُسْتَعْجِلِي رَبّهمْ بِالْعَذَابِ آلِهَة تَمْنَعهُمْ , إِنْ نَحْنُ أَحْلَلْنَا بِهِمْ عَذَابنَا , وَأَنْزَلْنَا بِهِمْ بَأْسنَا مِنْ دُوننَا ؟ وَمَعْنَاهُ : أَمْ لَهُمْ آلِهَة مِنْ دُوننَا تَمْنَعهُمْ مِنَّا ؟ ثُمَّ وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْآلِهَة بِالضَّعْفِ وَالْمَهَانَة , وَمَا هِيَ بِهِ مِنْ صِفَتهَا , فَقَالَ : وَكَيْف تَسْتَطِيع آلِهَتهمْ الَّتِي يَدْعُونَهَا مِنْ دُوننَا أَنْ تَمْنَعهُمْ مِنَّا وَهِيَ لَا تَسْتَطِيع نَصْر أَنْفُسهَا .

وَقَوْله : { وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنَى بِذَلِكَ , وَفِي مَعْنَى " يُصْحَبُونَ " , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ الْآلِهَة , وَأَنَّهَا لَا تُصْحَب مِنْ اللَّه بِخَيْرٍ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18571 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { أَمْ لَهُمْ آلِهَة تَمْنَعهُمْ مِنْ دُوننَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْر أَنْفُسهمْ } يَعْنِي الْآلِهَة . { وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ } يَقُول : لَا يُصْحَبُونَ مِنْ اللَّه بِخَيْرٍ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَا هُمْ مِنَّا يُنْصَرُونَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18572 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا أَبُو ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ } قَالَ : لَا يُنْصَرُونَ . 18573 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { أَمْ لَهُمْ آلِهَة تَمْنَعهُمْ مِنْ دُوننَا } إِلَى قَوْله : { يُصْحَبُونَ } قَالَ : يُنْصَرُونَ . قَالَ : قَالَ مُجَاهِد : وَلَا هُمْ يُحْفَظُونَ . 18574 - حَدَّثَنَا عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ } يُجَارُونَ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18575 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ } يَقُول : وَلَا هُمْ مِنَّا يُجَارُونَ , وَهُوَ قَوْله : { وَهُوَ يُجِير وَلَا يُجَار عَلَيْهِ } يَعْنِي الصَّاحِب , وَهُوَ الْإِنْسَان يَكُون لَهُ خَفِير مِمَّا يَخَاف , فَهُوَ قَوْله يُصْحَبُونَ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْل الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَأَنَّ { هُمْ } مِنْ قَوْله : { وَلَا هُمْ } مِنْ ذِكْر الْكُفَّار , وَأَنَّ قَوْله : { يُصْحَبُونَ } بِمَعْنَى : يُجَارُونَ يُصْحَبُونَ بِالْجِوَارِ ; لِأَنَّ الْعَرَب مَحْكِيّ عَنْهَا : أَنَا لَك جَار مِنْ فُلَان وَصَاحِب , بِمَعْنَى : أُجِيرك وَأَمْنَعك , وَهُمْ إِذَا لَمْ يُصْحَبُوا بِالْجِوَارِ , وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَانِع مِنْ عَذَاب اللَّه مَعَ سَخَط اللَّه عَلَيْهِمْ , فَلَمْ يُصْحَبُوا بِخَيْرٍ وَلَمْ يُنْصَرُوا .
بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلاء وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَسورة الأنبياء الآية رقم 44
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمْ الْعُمُر } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَا لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ آلِهَة تَمْنَعهُمْ مِنْ دُوننَا , وَلَا جَار يُجِيرهُمْ مِنْ عَذَابنَا , إِذَا نَحْنُ أَرَدْنَا عَذَابهمْ , فَاتَّكَلُوا عَلَى ذَلِكَ , وَعَصَوْا رُسُلنَا اِتِّكَالًا مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ ; وَلَكِنَّا مَتَّعْنَاهُمْ بِهَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا وَآبَاءَهُمْ مِنْ قَبْلهمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمْ الْعُمُر , وَهُمْ عَلَى كُفْرهمْ مُقِيمُونَ , لَا تَأْتِيهِمْ مِنَّا وَاعِظَة مِنْ عَذَاب وَلَا زَاجِرَة مِنْ عِقَاب عَلَى كُفْرهمْ وَخِلَافهمْ أَمْرنَا وَعِبَادَتهمْ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام , فَنَسُوا عَهْدنَا وَجَهِلُوا مَوْقِع نِعْمَتنَا عَلَيْهِمْ , وَلَمْ يَعْرِفُوا مَوْضِع الشُّكْر .

وَقَوْله : { أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْض نَنْقُصهَا مِنْ أَطْرَافهَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَفَلَا يَرَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ السَّائِلُو مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْآيَات الْمُسْتَعْجِلُو بِالْعَذَابِ , أَنَّا نَأْتِي الْأَرْض نُخَرِّبهَا مِنْ نَوَاحِيهَا بِقَهْرِنَا أَهْلهَا , وَغَلَبَتِنَاهُمْ , وَإِجْلَائِهِمْ عَنْهَا , وَقَتْلهمْ بِالسُّيُوفِ , فَيَعْتَبِرُوا بِذَلِكَ وَيَتَّعِظُوا بِهِ , وَيَحْذَرُوا مِنَّا أَنْ نَنْزِل مِنْ بَأْسنَا بِهِمْ نَحْو الَّذِي قَدْ أَنْزَلْنَا بِمَنْ فَعَلْنَا ذَلِكَ بِهِ مِنْ أَهْل الْأَطْرَاف ؟ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْر الْقَائِلِينَ بِقَوْلِنَا هَذَا وَمُخَالِفِيهِ بِالرِّوَايَاتِ عَنْهُمْ فِي سُورَة الرَّعْد بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .


وَقَوْله : { أَفَهُمْ الْغَالِبُونَ } يَقُول تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَفَهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الْمُسْتَعْجِلُو مُحَمَّد بِالْعَذَابِ الْغَالِبُونَا , وَقَدْ رَأَوْا قَهْرنَا مَنْ أَحْلَلْنَا بِسَاحَتِهِ بَأْسنَا فِي أَطْرَاف الْأَرَضِينَ ؟ لَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , بَلْ نَحْنُ الْغَالِبُونَ . وَإِنَّمَا هَذَا تَقْرِيع مِنْ اللَّه تَعَالَى لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِهِ بِجَهْلِهِمْ , يَقُول : أَفَيَظُنُّونَ أَنَّهُمْ يَغْلِبُونَ مُحَمَّدًا وَيَقْهَرُونَهُ , وَقَدْ قَهَرَ مَنْ نَاوَأَهُ مِنْ أَهْل أَطْرَاف الْأَرْض غَيْرهمْ ؟ كَمَا : 18576 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { أَفَهُمْ الْغَالِبُونَ } يَقُول : لَيْسُوا بِغَالِبِينَ , وَلَكِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْغَالِب .
قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاء إِذَا مَا يُنذَرُونَسورة الأنبياء الآية رقم 45
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ إِنَّمَا أُنْذِركُمْ بِالْوَحْيِ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ : إِنَّمَا أُنْذِركُمْ أَيّهَا الْقَوْم بِتَنْزِيلِ اللَّه الَّذِي يُوحِيه إِلَيَّ مِنْ عِنْده , وَأُخَوِّفكُمْ بِهِ بَأْسه . كَمَا : 18577 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { قُلْ إِنَّمَا أُنْذِركُمْ بِالْوَحْيِ } أَيْ بِهَذَا الْقُرْآن .

وَقَوْله : { وَلَا يَسْمَع الصُّمّ الدُّعَاء } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار : { وَلَا يَسْمَع } بِفَتْحِ الْيَاء مِنْ " يَسْمَع " بِمَعْنَى أَنَّهُ فِعْل لِلصُّمِّ , وَ " الصُّمّ " حِينَئِذٍ مَرْفُوعُونَ . وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : " وَلَا تُسْمَع " بِالتَّاءِ وَضَمّهَا , فَالصُّمّ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة مَرْفُوعَة , لِأَنَّ قَوْله : " وَلَا تُسْمَع " لَمْ يُسَمَّ فَاعِله , وَمَعْنَاهُ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة : وَلَا يُسْمِع اللَّه الصُّمّ الدُّعَاء . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة عِنْدنَا فِي ذَلِكَ مَا عَلَيْهِ قُرَّاء الْأَمْصَار لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهِ . وَمَعْنَى ذَلِكَ : وَلَا يُصْغِي الْكَافِر بِاَللَّهِ بِسَمْعِ قَلْبه إِلَى تَذَكُّر مَا فِي وَحْي اللَّه مِنْ الْمَوَاعِظ وَالذِّكْر , فَيَتَذَكَّر بِهِ وَيَعْتَبِر , فَيَنْزَجِر عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ مُقِيم مِنْ ضَلَاله إِذَا تُلِيَ عَلَيْهِ وَأُرِيدَ بِهِ ; وَلَكِنَّهُ يُعْرِض عَنْ الِاعْتِبَار بِهِ وَالتَّفَكُّر فِيهِ , فِعْل الْأَصَمّ الَّذِي لَا يَسْمَع مَا يُقَال لَهُ فَيَعْمَل بِهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18578 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَلَا يَسْمَع الصُّمّ الدُّعَاء إِذَا مَا يُنْذَرُونَ } يَقُول : إِنَّ الْكَافِر قَدْ صُمَّ عَنْ كِتَاب اللَّه لَا يَسْمَعهُ , وَلَا يَنْتَفِع بِهِ وَلَا يَعْقِلهُ , كَمَا يَسْمَعهُ الْمُؤْمِن وَأَهْل الْإِيمَان .
وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَسورة الأنبياء الآية رقم 46
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَة مِنْ عَذَاب رَبّك } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَئِنْ مَسَّتْ هَؤُلَاءِ الْمُسْتَعْجِلِينَ بِالْعَذَابِ يَا مُحَمَّد نَفْحَة مِنْ عَذَاب رَبّك , يَعْنِي بِالنَّفْحَةِ النَّصِيب وَالْحَظّ , مِنْ قَوْلهمْ : نَفَحَ فُلَان لِفُلَانٍ مِنْ عَطَائِهِ : إِذَا أَعْطَاهُ قَسْمًا أَوْ نَصِيبًا مِنْ الْمَال . كَمَا : 18579 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَة مِنْ عَذَاب رَبّك } . . . الْآيَة , يَقُول : لَئِنْ أَصَابَتْهُمْ عُقُوبَة .

وَقَوْله : { لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } يَقُول : لَئِنْ أَصَابَتْهُمْ هَذِهِ النَّفْحَة مِنْ عُقُوبَة رَبّك يَا مُحَمَّد بِتَكْذِيبِهِمْ بِك وَكُفْرهمْ , لَيَعْلَمُنَّ حِينَئِذٍ غِبّ تَكْذِيبهمْ بِك , وَلَيَعْتَرِفُنَّ عَلَى أَنْفُسهمْ بِنِعْمَةِ اللَّه وَإِحْسَانه إِلَيْهِمْ وَكُفْرَانهمْ أَيَادِيه عِنْدهمْ , وَلَيَقُولُنَّ يَا وَيْلنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فِي عِبَادَتنَا الْآلِهَة وَالْأَنْدَاد , وَتَرَكْنَا عِبَادَة اللَّه الَّذِي خَلَقَنَا وَأَنْعَمَ عَلَيْنَا , وَوَضَعْنَا الْعِبَادَة غَيْر مَوْضِعهَا .
وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَسورة الأنبياء الآية رقم 47
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَنَضَع الْمَوَازِين الْقِسْط لِيَوْمِ الْقِيَامَة } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَنَضَع الْمَوَازِين } الْعَدْل وَهُوَ { الْقِسْط } . وَجَعَلَ الْقِسْط وَهُوَ مُوَحَّد مِنْ نَعْت الْمَوَازِين , وَهُوَ جَمْع لِأَنَّهُ فِي مَذْهَب عَدْل وَرِضًا وَنَظَر . وَقَوْله : { لِيَوْمِ الْقِيَامَة } يَقُول : لِأَهْلِ يَوْم الْقِيَامَة , وَمَنْ وَرَدَ عَلَى اللَّه فِي ذَلِكَ الْيَوْم مِنْ خَلْقه . وَقَدْ كَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة يُوَجِّه مَعْنَى ذَلِكَ إِلَى " فِي " كَأَنَّ مَعْنَاهُ عِنْده : وَنَضَع الْمَوَازِين الْقِسْط فِي يَوْم الْقِيَامَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18580 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَنَضَع الْمَوَازِين الْقِسْط لِيَوْمِ الْقِيَامَة } ... إِلَى آخِر الْآيَة , وَهُوَ كَقَوْلِهِ : { وَالْوَزْن يَوْمئِذٍ الْحَقّ } 7 8 يَعْنِي بِالْوَزْنِ : الْقِسْط بَيْنهمْ بِالْحَقِّ فِي الْأَعْمَال الْحَسَنَات وَالسَّيِّئَات ; فَمَنْ أَحَاطَتْ حَسَنَاته بِسَيِّئَاتِهِ ثَقُلَتْ مَوَازِينه , يَقُول : أَذْهَبَتْ حَسَنَاته سَيِّئَاته , وَمَنْ أَحَاطَتْ سَيِّئَاته بِحَسَنَاتِهِ فَقَدْ خَفَّتْ مَوَازِينه وَأُمّه هَاوِيَة , يَقُول : أَذْهَبَتْ سَيِّئَاته حَسَنَاته . 18581 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { وَنَضَع الْمَوَازِين الْقِسْط لِيَوْمِ الْقِيَامَة } قَالَ : إِنَّمَا هُوَ مَثَل , كَمَا يَجُوز الْوَزْن كَذَلِكَ يَجُوز الْحَقّ . قَالَ الثَّوْرِيّ : قَالَ لَيْث عَنْ مُجَاهِد : { وَنَضَع الْمَوَازِين الْقِسْط } قَالَ : الْعَدْل .

وَقَوْله : { فَلَا تُظْلَم نَفْس شَيْئًا } يَقُول : فَلَا يَظْلِم اللَّه نَفْسًا مِمَّنْ وَرَدَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ شَيْئًا بِأَنْ يُعَاقِبهُ بِذَنْبٍ لَمْ يَعْمَلهُ أَوْ يَبْخَسهُ ثَوَاب عَمَل عَمِلَهُ وَطَاعَة أَطَاعَهُ بِهَا ; وَلَكِنْ يُجَازِي الْمُحْسِن بِإِحْسَانِهِ , وَلَا يُعَاقِب مُسِيئًا إِلَّا بِإِسَاءَتِهِ .


وَقَوْله : { وَإِنْ كَانَ مِثْقَال حَبَّة مِنْ خَرْدَل أَتَيْنَا بِهَا } يَقُول : وَإِنْ كَانَ الَّذِي مَنْ عَمِلَ الْحَسَنَات أَوْ عَلَيْهِ مِنْ السَّيِّئَات وَزْن حَبَّة مِنْ خَرْدَل { أَتَيْنَا بِهَا } يَقُول : جِئْنَا بِهَا فَأَحْضَرْنَاهَا إِيَّاهُ . كَمَا : 18582 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : اِبْن زَيْد , فِي قَوْله { وَإِنْ كَانَ مِثْقَال حَبَّة مِنْ خَرْدَل أَتَيْنَا بِهَا } قَالَ : كَتَبْنَاهَا وَأَحْصَيْنَاهَا لَهُ وَعَلَيْهِ . 18583 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَإِنْ كَانَ مِثْقَال حَبَّة مِنْ خَرْدَل أَتَيْنَا بِهَا } قَالَ : يُؤْتِي بِهَا لَك وَعَلَيْك , ثُمَّ يَعْفُو إِنْ شَاءَ أَوْ يَأْخُذ , وَيَجْزِي بِمَا عَمِلَ لَهُ مِنْ طَاعَة . وَكَانَ مُجَاهِد يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 18584 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَإِنْ كَانَ مِثْقَال حَبَّة مِنْ خَرْدَل أَتَيْنَا بِهَا } قَالَ : جَازَيْنَا بِهَا . * - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَبْد الْحَمِيد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ كَانَ يَقُول : { وَإِنْ كَانَ مِثْقَال حَبَّة مِنْ خَرْدَل أَتَيْنَا بِهَا } قَالَ : جَازَيْنَا بِهَا . وَقَالَ : { أَتَيْنَا بِهَا } فَأَخْرَجَ قَوْله بِهَا مَخْرَج كِنَايَة الْمُؤَنَّث , وَإِنْ كَانَ الَّذِي تَقَدَّمَ ذَلِكَ قَوْله مِثْقَال حَبَّة , لِأَنَّهُ عَنَى بِقَوْلِهِ بِهَا الْحَبَّة دُون الْمِثْقَال , وَلَوْ عَنَى بِهِ الْمِثْقَال لَقِيلَ " بِهِ " . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ مُجَاهِدًا إِنَّمَا تَأَوَّلَ قَوْله : { أَتَيْنَا بِهَا } عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْهُ , لِأَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ ذَلِكَ : " آتَيْنَا بِهَا " بِمَدِّ الْأَلِف .


وَقَوْله : { وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } يَقُول : وَحَسْب مَنْ شَهِدَ ذَلِكَ الْمَوْقِف بِنَا حَاسِبِينَ , لِأَنَّهُ لَا أَحَد أَعْلَم بِأَعْمَالِهِمْ وَمَا سَلَفَ فِي الدُّنَا مِنْ صَالِح أَوْ سَيِّئ مِنَّا .
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاء وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَسورة الأنبياء الآية رقم 48
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُون الْفُرْقَان وَضِيَاء وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى بْن عِمْرَان وَأَخَاهُ هَارُون الْفُرْقَان , يَعْنِي بِهِ الْكِتَاب الَّذِي يُفَرِّق بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل . وَذَلِكَ هُوَ التَّوْرَاة فِي قَوْل بَعْضهمْ ; ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18585 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { الْفُرْقَان } قَالَ . الْكِتَاب . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 18586 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُون الْفُرْقَان } الْفُرْقَان : التَّوْرَاة حَلَالهَا وَحَرَامهَا , وَمَا فَرَّقَ اللَّه بِهِ بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل . وَكَانَ اِبْن زَيْد يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 18587 - حَدَّثَنِي بِهِ يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُون الْفُرْقَان } قَالَ : الْفُرْقَان : الْحَقّ آتَاهُ اللَّه مُوسَى وَهَارُون , فَرَّقَ بَيْنهمَا وَبَيْن فِرْعَوْن , فَقَضَى بَيْنهمْ بِالْحَقِّ . وَقَرَأَ : { وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدنَا يَوْم الْفُرْقَان } 8 41 قَالَ . يَوْم بَدْر . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَهَذَا الْقَوْل الَّذِي قَالَهُ اِبْن زَيْد فِي ذَلِكَ أَشْبَه بِظَاهِرِ التَّنْزِيل , وَذَلِكَ لِدُخُولِ الْوَاو فِي الضِّيَاء , وَلَوْ كَانَ الْفُرْقَان هُوَ التَّوْرَاة كَمَا قَالَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ , لَكَانَ التَّنْزِيل : وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُون الْفُرْقَان ضِيَاء ; لِأَنَّ الضِّيَاء الَّذِي آتَى اللَّه مُوسَى وَهَارُون هُوَ التَّوْرَاة الَّتِي أَضَاءَتْ لَهُمَا وَلِمَنْ اِتَّبَعَهُمَا أَمْر دِينهمْ فَبَصَّرَهُمْ الْحَلَال وَالْحَرَام , وَلَمْ يَقْصِد بِذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِع ضِيَاء الْإِبْصَار . وَفِي دُخُول الْوَاو فِي ذَلِكَ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْفُرْقَان غَيْر التَّوْرَاة الَّتِي هِيَ ضِيَاء . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا يُنْكَر أَنْ يَكُون الضِّيَاء مِنْ نَعْت الْفُرْقَان , وَإِنْ كَانَتْ فِيهِ وَاو فَيَكُون مَعْنَاهُ : وَضِيَاء آتَيْنَاهُ ذَلِكَ , كَمَا قَالَ { بِزِينَةٍ الْكَوَاكِب وَحِفْظًا } 37 6 : 7 قِيلَ لَهُ : إِنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْكَلَام يَحْتَمِلهُ , فَإِنَّ الْأَغْلَب مِنْ مَعَانِيه مَا قُلْنَا . وَالْوَاجِب أَنْ يُوَجَّه مَعَانِي كَلَام اللَّه إِلَى الْأَغْلَب الْأَشْهُر مِنْ وُجُوههَا الْمَعْرُوفَة عِنْد الْعَرَب مَا لَمْ يَكُنْ بِخِلَافِ ذَلِكَ مَا يَجِب التَّسْلِيم لَهُ مِنْ حُجَّة خَبَر أَوْ عَقْل .

وَقَوْله : { وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ } يَقُول : وَتَذْكِيرًا لِمَنْ اِتَّقَى اللَّه بِطَاعَتِهِ وَأَدَاء فَرَائِضه اِجْتِنَاب مَعَاصِيه , ذَكَّرَهُمْ بِمَا أَتَى مُوسَى وَهَارُون مِنْ التَّوْرَاة .
الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَسورة الأنبياء الآية رقم 49
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبّهمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنْ السَّاعَة مُشْفِقُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُون الْفُرْقَان الذِّكْر الَّذِي آتَيْنَاهُمَا لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يَخَافُونَ رَبّهمْ بِالْغَيْبِ , يَعْنِي فِي الدُّنْيَا أَنْ يُعَاقِبهُمْ فِي الْآخِرَة إِذَا قَدِمُوا عَلَيْهِ بِتَضْيِيعِهِمْ مَا أَلْزَمَهُمْ مِنْ فَرَائِضه ; فَهُمْ مِنْ خَشْيَته يُحَافِظُونَ عَلَى حُدُوده وَفَرَائِضه , وَهُمْ مِنْ السَّاعَة الَّتِي تَقُوم فِيهَا الْقِيَامَة مُشْفِقُونَ , حَذِرُونَ أَنْ تَقُوم عَلَيْهِمْ , فَيَرِدُوا عَلَى رَبّهمْ قَدْ فَرَّطُوا فِي الْوَاجِب عَلَيْهِمْ لِلَّهِ , فَيُعَاقِبهُمْ مِنْ الْعُقُوبَة بِمَا لَا قِبَل لَهُمْ بِهِ .
وَهَذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنتُمْ لَهُ مُنكِرُونَسورة الأنبياء الآية رقم 50
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَهَذَا ذِكْر مُبَارَك أَنْزَلْنَاهُ } . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَهَذَا الْقُرْآن الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذِكْر لِمَنْ تَذَكَّرَ بِهِ , وَمَوْعِظَة لِمَنْ اِتَّعَظَ بِهِ . " { مُبَارَك أَنْزَلْنَاهُ } كَمَا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاة إِلَى مُوسَى وَهَارُون ذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ .

يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَفَأَنْتُمْ أَيّهَا الْقَوْم لِهَذَا الْكِتَاب الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَى مُحَمَّد مُنْكِرُونَ وَتَقُولُونَ هُوَ { أَضْغَاث أَحْلَام بَلْ اِفْتَرَاهُ هُوَ شَاعِر فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ } 21 5 وَإِنَّمَا الَّذِي آتَيْنَاهُ مِنْ ذَلِكَ ذِكْر لِلْمُتَّقِينَ , كَاَلَّذِي آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُون ذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18588 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَهَذَا ذِكْر مُبَارَك } ... إِلَى قَوْله : { أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ } : أَيْ هَذَا الْقُرْآن .
وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَسورة الأنبياء الآية رقم 51
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيم رُشْده مِنْ قَبْل } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيم رُشْده مِنْ قَبْل } مُوسَى وَهَارُون , وَوَفَّقْنَاهُ لِلْحَقِّ , وَأَنْقَذْنَاهُ مِنْ بَيْن قَوْمه وَأَهْل بَيْته مِنْ عِبَادَة الْأَوْثَان , كَمَا فَعَلْنَا ذَلِكَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى إِبْرَاهِيم , فَأَنْقَذْنَاهُ مِنْ قَوْمه وَعَشِيرَته مِنْ عِبَادَة الْأَوْثَان , وَهَدَيْنَاهُ إِلَى سَبِيل الرَّشَاد تَوْفِيقًا مِنَّا لَهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18589 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى " ح " وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيم رُشْده مِنْ قَبْل } قَالَ : هَدَيْنَاهُ صَغِيرًا . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيم رُشْده مِنْ قَبْل } قَالَ : هَدَاهُ صَغِيرًا . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { آتَيْنَا إِبْرَاهِيم رُشْده مِنْ قَبْل } قَالَ : هَدَاهُ صَغِيرًا . 18590 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيم رُشْده مِنْ قَبْل } يَقُول : آتَيْنَاهُ هُدَاهُ .

وَقَوْله : { وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ } يَقُول : وَكُنَّا عَالِمِينَ بِهِ أَنَّهُ ذُو يَقِين وَإِيمَان بِاَللَّهِ وَتَوْحِيد لَهُ , لَا يُشْرِك بِهِ شَيْئًا .
إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَسورة الأنبياء الآية رقم 52
{ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمه } يَعْنِي فِي وَقْت قِيله وَحِين قِيله لَهُمْ : { مَا هَذِهِ التَّمَاثِيل الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ } يَقُول : قَالَ لَهُمْ : أَيّ شَيْء هَذِهِ الصُّوَر الَّتِي أَنْتُمْ عَلَيْهَا مُقِيمُونَ ؟ وَكَانَتْ تِلْكَ التَّمَاثِيل أَصْنَامهمْ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا ; كَمَا : 18591 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { مَا هَذِهِ التَّمَاثِيل الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ } قَالَ : الْأَصْنَام . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا أَنَّ الْعَاكِف عَلَى الشَّيْء الْمُقِيم عَلَيْهِ بِشَوَاهِد ذَلِكَ , وَذَكَرْنَا الرِّوَايَة عَنْ أَهْل التَّأْوِيل .
قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَسورة الأنبياء الآية رقم 53
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ أَبُو إِبْرَاهِيم وَقَوْمه لِإِبْرَاهِيم : وَجَدْنَا آبَاءَنَا لِهَذِهِ الْأَوْثَان عَابِدِينَ , فَنَحْنُ عَلَى مِلَّة آبَائِنَا نَعْبُدهَا كَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ .
قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍسورة الأنبياء الآية رقم 54
{ قَالَ } إِبْرَاهِيم : { لَقَدْ كُنْتُمْ } أَيّهَا الْقَوْم { أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ } بِعِبَادَتِكُمْ إِيَّاهَا { فِي ضَلَال مُبِين } يَقُول : فِي ذَهَاب عَنْ سَبِيل الْحَقّ , وَجَوْر عَنْ قَصْد السَّبِيل مُبِين ; يَقُول : بَيِّن لِمَنْ تَأَمَّلَهُ بِعَقْلٍ أَنَّكُمْ كَذَلِكَ فِي جَوْر عَنْ الْحَقّ .
قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللاَّعِبِينَسورة الأنبياء الآية رقم 55
{ قَالُوا أَجِئْتنَا بِالْحَقِّ } ؟ يَقُول : قَالَ أَبُوهُ وَقَوْمه لَهُ : أَجِئْتنَا بِالْحَقِّ فِيمَا تَقُول { أَمْ أَنْتَ } هَازِل لَاعِب { مِنْ اللَّاعِبِينَ } .
قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَسورة الأنبياء الآية رقم 56
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ بَلْ رَبّكُمْ رَبّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ إِبْرَاهِيم لَهُمْ : بَلْ جِئْتُكُمْ بِالْحَقِّ لَا اللَّعِب , رَبّكُمْ رَبّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض الَّذِي خَلَقَهُنَّ , وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنْ أَنَّ رَبّكُمْ هُوَ رَبّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض الَّذِي فَطَرَهُنَّ دُون التَّمَاثِيل الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ وَدُون كُلّ أَحَد سِوَاهُ شَاهِد مِنْ الشَّاهِدِينَ , يَقُول : فَإِيَّاهُ فَاعْبُدُوا لَا هَذِهِ التَّمَاثِيل الَّتِي هِيَ خَلْقه الَّتِي لَا تَضُرّ وَلَا تَنْفَع .
وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَسورة الأنبياء الآية رقم 57
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامكُمْ بَعْد أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ } ذُكِرَ أَنَّ إِبْرَاهِيم صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ حَلَفَ بِهَذِهِ الْيَمِين فِي سِرّ مِنْ قَوْمه وَخَفَاء , وَأَنَّهُ لَمْ يَسْمَع ذَلِكَ مِنْهُ إِلَّا الَّذِي أَفْشَاهُ عَلَيْهِ حِين قَالُوا : مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لِمَنْ الظَّالِمِينَ , فَقَالُوا : سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرهُمْ يُقَال لَهُ إِبْرَاهِيم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18592 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامكُمْ } قَالَ : قَوْل إِبْرَاهِيم حِين اِسْتَتْبَعَهُ قَوْمه إِلَى عِيد لَهُمْ فَأَبَى وَقَالَ : إِنِّي سَقِيم , فَسَمِعَ مِنْهُ وَعِيد أَصْنَامهمْ رَجُل مِنْهُمْ اِسْتَأْخَرَ , وَهُوَ الَّذِي يَقُول : { سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرهُمْ يُقَال لَهُ إِبْرَاهِيم } . 21 60 * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 18593 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامكُمْ } قَالَ : نَرَى أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَسْمَعُوهُ بَعْد أَنْ تَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ .
فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلاَّ كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَسورة الأنبياء الآية رقم 58
وَقَوْله : { فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار سِوَى يَحْيَى بْن وَثَّاب وَالْأَعْمَش وَالْكِسَائِيّ : { فَجَعَلَهُمْ جِذَاذًا } بِمَعْنَى جَمْع جَذِيذ , كَأَنَّهُمْ أَرَادُوا بِهِ جَمْع جَذِيذ وَجِذَاذ , كَمَا يُجْمَع الْخَفِيف خِفَاف , وَالْكَرِيم كِرَام . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدنَا بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ : { جُذَاذًا } بِضَمِّ الْجِيم , لِإِجْمَاعِ قُرَّاء الْأَمْصَار عَلَيْهِ , وَأَنَّ مَا أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ فَهُوَ الصَّوَاب ; وَهُوَ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ مَصْدَر مِثْل الرُّفَات , وَالْفُتَات , وَالدُّقَاق ; لَا وَاحِد لَهُ , وَأَمَّا مَنْ كَسَرَ الْجِيم فَإِنَّهُ جَمْع لِلْجَذِيذِ , وَالْجَذِيذ : هُوَ فَعِيل صُرِفَ مِنْ مَجْذُوذ إِلَيْهِ , مِثْل كَسِير وَهَشِيم , وَالْمَجْذُوذَة : الْمَكْسُورَة قِطَعًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18594 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا } يَقُول : حُطَامًا . 18595 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { جُذَاذًا } كَالصَّرِيمِ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 18596 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا } : أَيْ قِطَعًا . وَكَانَ سَبَب فِعْل إِبْرَاهِيم صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ بِآلِهَةِ قَوْمه ذَلِكَ , كَمَا : 18597 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ : أَنَّ إِبْرَاهِيم قَالَ لَهُ أَبُوهُ : يَا إِبْرَاهِيم إِنَّ لَنَا عِيدًا لَوْ قَدْ خَرَجْت مَعَنَا إِلَيْهِ قَدْ أَعْجَبَك دِيننَا ! فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْعِيد , فَخَرَجُوا إِلَيْهِ , خَرَجَ مَعَهُمْ إِبْرَاهِيم , فَلَمَّا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيق أَلْقَى نَفْسه وَقَالَ : إِنِّي سَقِيم , يَقُول : أَشْتَكِي رِجْلِي . فَتَوَاطَئُوا رِجْلَيْهِ وَهُوَ صَرِيع ; فَلَمَّا مَضَوْا نَادَى فِي آخِرهمْ , وَقَدْ بَقِيَ ضَعْفَى النَّاس : { وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامكُمْ بَعْد أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ } فَسَمِعُوهَا مِنْهُ . ثُمَّ رَجَعَ إِبْرَاهِيم إِلَى بَيْت الْآلِهَة , فَإِذَا هُنَّ فِي بَهْو عَظِيم , مُسْتَقْبِل بَاب الْبَهْو صَنَم عَظِيم إِلَى جَنْبه أَصْغَر مِنْهُ بَعْضهَا إِلَى بَعْض , كُلّ صَنَم يَلِيه أَصْغَر مِنْهُ , حَتَّى بَلَغُوا بَاب الْبَهْو , وَإِذَا هُمْ قَدْ جَعَلُوا طَعَامًا , فَوَضَعُوهُ بَيْن أَيْدِي الْآلِهَة , قَالُوا : إِذَا كَانَ حِين نَرْجِع رَجَعْنَا وَقَدْ بَارَكَتْ الْآلِهَة فِي طَعَامنَا فَأَكَلْنَا . فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِمْ إِبْرَاهِيم وَإِلَى مَا بَيْن أَيْدِيهمْ مِنْ الطَّعَام { قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ } ؟ 51 27 فَلَمَّا لَمْ تُجِبْهُ , قَالَ : { مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ فَرَاغ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ } 37 92 : 93 فَأَخَذَ فَأْس حَدِيد , فَنَقَرَ كُلّ صَنَم فِي حَافَّتَيْهِ , ثُمَّ عَلَّقَ الْفَأْس فِي عُنُق الصَّنَم الْأَكْبَر , ثُمَّ خَرَجَ . فَلَمَّا جَاءَ الْقَوْم إِلَى طَعَامهمْ نَظَرُوا إِلَى آلِهَتهمْ { قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنْ الظَّالِمِينَ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرهُمْ يُقَال لَهُ إِبْرَاهِيم } .


وَقَوْله : { إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ } يَقُول : إِلَّا عَظِيمًا لِلْآلِهَةِ , فَإِنَّ إِبْرَاهِيم لَمْ يَكْسِرهُ , وَلَكِنَّهُ فِيمَا ذُكِرَ عَلَّقَ الْفَأْس فِي عُنُقه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18598 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ } قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : إِلَّا عَظِيمًا لَهُمْ عَظِيم آلِهَتهمْ . قَالَ اِبْن جُرَيْج , وَقَالَ مُجَاهِد : وَجَعَلَ إِبْرَاهِيم الْفَأْس الَّتِي أَهْلَكَ بِهَا أَصْنَامهمْ مُسْنَدَة إِلَى صَدْر كَبِيرهمْ الَّذِي تَرَكَ . 18599 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : جَعَلَ إِبْرَاهِيم الْفَأْس الَّتِي أَهْلَكَ بِهَا أَصْنَامهمْ مُسْنَدَة إِلَى صَدْر كَبِيرهمْ الَّذِي تُرِكَ . 18600 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : أَقْبَلَ عَلَيْهِنَّ كَمَا قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى { ضَرْبًا بِالْيَمِينِ } ثُمَّ جَعَلَ يَكْسِرهُنَّ بِفَأْسٍ فِي يَده , حَتَّى إِذَا بَقِيَ أَعْظَم صَنَم مِنْهَا رَبَطَ الْفَأْس بِيَدِهِ , ثُمَّ تَرَكَهُنَّ . فَلَمَّا رَجَعَ قَوْمه , رَأَوْا مَا صَنَعَ بِأَصْنَامِهِمْ , فَرَاعَهُمْ ذَلِكَ وَأَعْظَمُوهُ وَقَالُوا : مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنْ الظَّالِمِينَ !


وَقَوْله { لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ } يَقُول : فَعَلَ ذَلِكَ إِبْرَاهِيم بِآلِهَتِهِمْ لِيَعْتَبِرُوا وَيَعْلَمُوا أَنَّهَا إِذَا لَمْ تَدْفَع عَنْ نَفْسهَا مَا فَعَلَ بِهَا إِبْرَاهِيم , فَهِيَ مِنْ أَنْ تَدْفَع عَنْ غَيْرهَا مِنْ أَرَادَهُ بِسُوءٍ أَبْعَد , فَيَرْجِعُوا عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنْ عِبَادَتهَا إِلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ دِينه وَتَوْحِيد اللَّه وَالْبَرَاءَة مِنْ الْأَوْثَان . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 18601 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ } قَالَ : كَادَهُمْ بِذَلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ أَوْ يُبْصِرُونَ .
قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَسورة الأنبياء الآية رقم 59
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنْ الظَّالِمِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ قَوْم إِبْرَاهِيم لَمَّا رَأَوْا آلِهَتهمْ قَدْ جُذَّتْ , إِلَّا الَّذِي رَبَطَ بِهِ الْفَاس إِبْرَاهِيم : مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا ؟ إِنَّ الَّذِي فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا لَمِنْ الظَّالِمِينَ ! أَيْ لَمِنْ الْفَاعِلِينَ بِهَا مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِعْله .
قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُسورة الأنبياء الآية رقم 60
{ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرهُمْ يُقَال لَهُ إِبْرَاهِيم } يَقُول : قَالَ الَّذِينَ سَمِعُوهُ يَقُول { وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامكُمْ بَعْد أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ } سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرهُمْ بِعَيْبٍ يُقَال لَهُ إِبْرَاهِيم . كَمَا : 18602 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرهُمْ } قَالَ اِبْن جُرَيْج : يَذْكُرهُمْ يَعِيبهُمْ . 18603 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَوْله : { سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرهُمْ يُقَال لَهُ إِبْرَاهِيم } سَمِعْنَاهُ يَسُبّهَا وَيَعِيبهَا وَيَسْتَهْزِئ بِهَا , لَمْ نَسْمَع أَحَدًا يَقُول ذَلِكَ غَيْره , وَهُوَ الَّذِي نَظُنّ صَنَعَ هَذَا بِهَا .
الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4