الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مُنِيبِينَ إِلَيْهِ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { مُنِيبِينَ إِلَيْهِ } تَائِبِينَ رَاجِعِينَ إِلَى اللَّه مُقْبِلِينَ , كَمَا : 21302 -حَدَّثني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { مُنِيبِينَ إِلَيْهِ } قَالَ : الْمُنِيب إِلَى اللَّه : الْمُطِيع لِلَّهِ , الَّذِي أَنَابَ إِلَى طَاعَة اللَّه وَأَمْره , وَرَجَعَ عَنْ الْأُمُور الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا قَبْل ذَلِكَ . كَانَ الْقَوْم كُفَّارًا , فَنَزَعُوا وَرَجَعُوا إِلَى الْإِسْلَام . وَتَأْوِيل الْكَلَام : فَأَقِمْ وَجْهك يَا مُحَمَّد لِلدِّينِ حَنِيفًا مُنِيبِينَ إِلَيْهِ إِلَى اللَّه ; فَالْمُنِيبُونَ حَال مِنْ الْكَاف الَّتِي فِي وَجْهك . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ يَكُون حَالًا مِنْهَا , وَالْكَاف كِنَايَة عَنْ وَاحِد , وَالْمُنِيبُونَ صِفَة لِجَمَاعَةٍ ؟ قِيلَ : لِأَنَّ الْأَمْر مِنْ الْكَاف كِنَايَة اِسْمه مِنْ اللَّه فِي هَذَا الْمَوْضِع أَمْر مِنْهُ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ , فَكَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ : فَأَقِمْ وَجْهك أَنْتَ وَأُمَّتك لِلدِّينِ حَنِيفًا لِلَّهِ , مُنِيبِينَ إِلَيْهِ .
وَقَوْله : { وَاتَّقُوهُ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَخَافُوا اللَّه وَرَاقِبُوهُ أَنْ تُفَرِّطُوا فِي طَاعَته , وَتَرْكَبُوا مَعْصِيَته .
{ وَلَا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ } يَقُول : وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَهْل الشِّرْك بِاَللَّهِ بِتَضْيِيعِكُمْ فَرَائِضه , وَرُكُوبكُمْ مَعَاصِيه , وَخِلَافكُمْ الدِّين الَّذِي دَعَاكُمْ إِلَيْهِ .
وَقَوْله : { وَاتَّقُوهُ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَخَافُوا اللَّه وَرَاقِبُوهُ أَنْ تُفَرِّطُوا فِي طَاعَته , وَتَرْكَبُوا مَعْصِيَته .
{ وَلَا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ } يَقُول : وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَهْل الشِّرْك بِاَللَّهِ بِتَضْيِيعِكُمْ فَرَائِضه , وَرُكُوبكُمْ مَعَاصِيه , وَخِلَافكُمْ الدِّين الَّذِي دَعَاكُمْ إِلَيْهِ .
وَقَوْله : { مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينهمْ وَكَانُوا شِيَعًا } يَقُول : وَلَا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ بَدَّلُوا دِينهمْ , وَخَالَفُوهُ فَفَارَقُوهُ { وَكَانُوا شِيَعًا } يَقُول : وَكَانُوا أَحْزَابًا فِرَقًا كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21303 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينهمْ وَكَانُوا شِيَعًا } : وَهُمْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى . 21304 - حَدَّثني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله { الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينهمْ وَكَانُوا شِيَعًا } إِلَى آخِر الْآيَة , قَالَ : هَؤُلَاءِ يَهُود , فَلَوْ وَجْه قَوْله { مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينهمْ } إِلَى أَنَّهُ خَبَر مُسْتَأْنَف مُنْقَطِع عَنْ قَوْله : { وَلَا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ } وَأَنَّ مَعْنَاهُ : مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينهمْ { وَكَانُوا شِيَعًا } أَحْزَابًا { كُلّ حِزْب بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } كَانَ وَجْهًا يَحْتَمِلهُ الْكَلَام .
وَقَوْله : { كُلّ حِزْب بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } يَقُول : كُلّ طَائِفَة وَفِرْقَة مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ فَارَقُوا دِينهمْ الْحَقّ , فَأَحْدَثُوا الْبِدَع الَّتِي أَحْدَثُوا بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ . يَقُول : بِمَا هُمْ بِهِ مُتَمَسِّكُونَ مِنْ الْمَذْهَب , فَرِحُونَ مَسْرُورُونَ , يَحْسِبُونَ أَنَّ الصَّوَاب مَعَهُمْ دُون غَيْرهمْ .
وَقَوْله : { كُلّ حِزْب بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } يَقُول : كُلّ طَائِفَة وَفِرْقَة مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ فَارَقُوا دِينهمْ الْحَقّ , فَأَحْدَثُوا الْبِدَع الَّتِي أَحْدَثُوا بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ . يَقُول : بِمَا هُمْ بِهِ مُتَمَسِّكُونَ مِنْ الْمَذْهَب , فَرِحُونَ مَسْرُورُونَ , يَحْسِبُونَ أَنَّ الصَّوَاب مَعَهُمْ دُون غَيْرهمْ .
وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا مَسَّ النَّاس ضُرّ دَعَوْا رَبّهمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَة إِذَا فَرِيق مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِذَا مَسَّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر ضُرّ , فَأَصَابَتْهُمْ شِدَّة وَجَدُوب وَقُحُوط { دَعَوْا رَبّهمْ } يَقُول : أَخْلَصُوا لِرَبِّهِمْ التَّوْحِيد , وَأَفْرَدُوهُ بِالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّع إِلَيْهِ , وَاسْتَغَاثُوا بِهِ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ , تَائِبِينَ إِلَيْهِ مِنْ شِرْكهمْ وَكُفْرهمْ { ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَة } يَقُول : ثُمَّ إِذَا كَشَفَ رَبّهمْ تَعَالَى ذِكْره عَنْهُمْ ذَلِكَ الضُّرّ وَفَرَّجَهُ عَنْهُمْ وَأَصَابَهُمْ بِرَخَاءٍ وَخِصْب وَسَعَة , { إِذَا فَرِيق مِنْهُمْ } يَقُول : إِذَا جَمَاعَة مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ { يُشْرِكُونَ } يَقُول : يَعْبُدُونَ مَعَهُ الْآلِهَة وَالْأَوْثَان.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُتَوَعِّدًا لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُ إِذَا كَشَفَ الضُّرّ عَنْهُمْ كَفَرُوا بِهِ , لِيَكْفُرُوا بِمَا أَعْطَيْنَاهُمْ , يَقُول : إِذَا هُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ , كَيْ يَكْفُرُوا : أَيْ يَجْحَدُوا النِّعْمَة الَّتِي أَنْعَمْتهَا عَلَيْهِمْ بِكَشْفِ عَنْهُمْ الضُّرّ الَّذِي كَانُوا فِيهِ , وَإِبْدَالِي ذَلِكَ لَهُمْ بِالرَّخَاءِ وَالْخِصْب وَالْعَافِيَة , وَذَلِكَ الرَّخَاء وَالسَّعَة هُوَ الَّذِي آتَاهُمْ تَعَالَى ذِكْره , الَّذِي قَالَ : { بِمَا آتَيْنَاهُمْ } وَقَوْله { فَتَمَتَّعُوا } يَقُول : فَتَمَتَّعُوا أَيّهَا الْقَوْم بِاَلَّذِي آتَيْنَاكُمْ مِنْ الرَّخَاء وَالسَّعَة فِي هَذِهِ الدُّنْيَا { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } إِذَا وَرَدْتُمْ عَلَى رَبّكُمْ مَا تَلْقَوْنَ مِنْ عَذَابه , وَعَظِيم عِقَابه عَلَى كُفْركُمْ بِهِ فِي الدُّنْيَا . وَقَدْ قَرَأَ بَعْضهمْ : " فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ " بِالْيَاءِ , بِمَعْنَى : لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ , فَقَدْ تَمَتَّعُوا عَلَى وَجْه الْخَبَر , فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّم بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُشْرِكُونَ فِي عِبَادَتنَا الْآلِهَة وَالْأَوْثَان , كِتَابًا بِتَصْدِيقِ مَا يَقُولُونَ , وَبِحَقِيقَةِ مَا يَفْعَلُونَ { فَهُوَ يَتَكَلَّم بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ } يَقُول : فَذَلِكَ الْكِتَاب يَنْطِق بِصِحَّةِ شِرْكهمْ ; وَإِنَّمَا يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ : أَنَّهُ لَمْ يُنَزِّل بِمَا يَقُولُونَ وَيَفْعَلُونَ كِتَابًا , وَلَا أَرْسَلَ بِهِ رَسُولًا , وَإِنَّمَا هُوَ شَيْء اِفْتَعَلُوهُ وَاخْتَلَقُوهُ , اِتِّبَاعًا مِنْهُمْ لِأَهْوَائِهِمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21305 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله { أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّم بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ } يَقُول : أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ كِتَابًا فَهُوَ يَنْطِق بِشِرْكِهِمْ .
وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاس رَحْمَة فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَة بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِذَا أَصَابَ النَّاس مِنَّا خِصْب وَرَخَاء , وَعَافِيَة فِي الْأَبْدَان وَالْأَمْوَال , فَرِحُوا بِذَلِكَ , وَإِنْ تُصِبْهُمْ مِنَّا شِدَّة مِنْ جَدْب وَقَحْط وَبَلَاء فِي الْأَمْوَال وَالْأَبْدَان { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهمْ } يَقُول : بِمَا أَسْلَفُوا مِنْ سَيِّئ الْأَعْمَال بَيْنهمْ وَبَيْن اللَّه , وَرَكِبُوا مِنْ الْمَعَاصِي { إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ } يَقُول : إِذَا هُمْ يَيْأَسُونَ مِنْ الْفَرَج ; وَالْقُنُوط : هُوَ الْإِيَاس ; وَمِنْهُ قَوْل حُمَيْد الْأَرْقَط . قَدْ وَجَدُوا الْحَجَّاج غَيْر قَانِط وَقَوْله : { إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ } هُوَ جَوَاب الْجَزَاء , لِأَنَّ " إِذَا " نَابَتْ عَنْ الْفِعْل بِدَلَالَتِهَا عَلَيْهِ , فَكَأَنَّهُ قِيلَ : وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَة بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهمْ وَجَدْتهمْ يَقْنَطُونَ , أَوْ تَجِدهُمْ , أَوْ رَأَيْتهمْ , أَوْ تَرَاهُمْ . وَقَدْ كَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة يَقُول : إِذَا كَانَتْ " إِذَا " جَوَابًا لِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَة بِالْكَلَامِ الْأَوَّل بِمَنْزِلَةِ الْفَاء .
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّه يَبْسُط الرِّزْق لِمَنْ يَشَاء وَيَقْدِر } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَوَلَمْ يَرَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ عِنْد الرَّخَاء يُصِيبهُمْ وَالْخِصْب , وَيَيْأَسُونَ مِنْ الْفَرَج عِنْد شِدَّة تَنَالهُمْ , بِعُيُونِ قُلُوبهمْ , فَيَعْلَمُوا أَنَّ الشِّدَّة وَالرَّخَاء بِيَدِ اللَّه , وَأَنَّ اللَّه يَبْسُط الرِّزْق لِمَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده فَيُوَسِّعهُ عَلَيْهِ , وَيَقْدِر عَلَى مَنْ أَرَادَ فَيُضَيِّقهُ عَلَيْهِ
{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } يَقُول : إِنَّ فِي بَسْطه ذَلِكَ عَلَى مَنْ بَسَطَهُ عَلَيْهِ , وَقَدَّرَهُ عَلَى مَنْ قَدَّرَهُ عَلَيْهِ , وَمُخَالَفَته بَيْن مَنْ خَالَفَ بَيْنه مِنْ عِبَاده فِي الْغِنَى وَالْفَقْر , لَدَلَالَة وَاضِحَة لِمَنْ صَدَّقَ حُجَج اللَّه وَأَقَرَّ بِهَا إِذَا عَايَنَهَا وَرَآهَا .
{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } يَقُول : إِنَّ فِي بَسْطه ذَلِكَ عَلَى مَنْ بَسَطَهُ عَلَيْهِ , وَقَدَّرَهُ عَلَى مَنْ قَدَّرَهُ عَلَيْهِ , وَمُخَالَفَته بَيْن مَنْ خَالَفَ بَيْنه مِنْ عِبَاده فِي الْغِنَى وَالْفَقْر , لَدَلَالَة وَاضِحَة لِمَنْ صَدَّقَ حُجَج اللَّه وَأَقَرَّ بِهَا إِذَا عَايَنَهَا وَرَآهَا .
فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقّه وَالْمِسْكِين وَابْن السَّبِيل } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلِّي اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطِ يَا مُحَمَّد ذَا الْقَرَابَة مِنْك حَقّه عَلَيْك مِنْ الصِّلَة وَالْبِرّ وَالْمِسْكِين وَابْن السَّبِيل , مَا فَرَضَ اللَّه لَهُمَا فِي ذَلِكَ , كَمَا : 21306 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا غُنْدَر , عَنْ عَوْف , عَنْ الْحَسَن { فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقّه وَالْمِسْكِين وَابْن السَّبِيل } قَالَ : هُوَ أَنْ تُوفِيَهُمْ حَقّهمْ إِنْ كَانَ عِنْد يُسْر , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدك فَقُلْ لَهُمْ قُولًا مَيْسُورًا , قُلْ لَهُمْ الْخَيْر .
وَقَوْله : { ذَلِكَ خَيْر لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْه اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِيتَاء هَؤُلَاءِ حُقُوقهمْ الَّتِي أَلْزَمهَا اللَّه عِبَاده , خَيْر لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ اللَّه بِإِتْيَانِهِمْ ذَلِكَ
{ وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ } يَقُول : وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ مُبْتَغِيًا وَجْه اللَّه بِهِ , فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُنَجَّحُونَ , الْمُدْرِكُونَ طُلُبَاتهمْ عِنْد اللَّه , الْفَائِزُونَ بِمَا اِبْتَغَوْا وَالْتَمَسُوا بِإِيتَائِهِمْ إِيَّاهُمْ مَا آتَوْا .
وَقَوْله : { ذَلِكَ خَيْر لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْه اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِيتَاء هَؤُلَاءِ حُقُوقهمْ الَّتِي أَلْزَمهَا اللَّه عِبَاده , خَيْر لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ اللَّه بِإِتْيَانِهِمْ ذَلِكَ
{ وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ } يَقُول : وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ مُبْتَغِيًا وَجْه اللَّه بِهِ , فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُنَجَّحُونَ , الْمُدْرِكُونَ طُلُبَاتهمْ عِنْد اللَّه , الْفَائِزُونَ بِمَا اِبْتَغَوْا وَالْتَمَسُوا بِإِيتَائِهِمْ إِيَّاهُمْ مَا آتَوْا .
وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَال النَّاس فَلَا يَرْبُو عِنْد اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَا أَعْطَيْتُمْ أَيّهَا النَّاس بَعْضكُمْ بَعْضًا مِنْ عَطِيَّة لِتَزْدَادَ فِي أَمْوَال النَّاس بِرُجُوعِ ثَوَابهَا إِلَيْهِ , مِمَّنْ أَعْطَاهُ ذَلِكَ , { فَلَا يَرْبُو عِنْد اللَّه } يَقُول : فَلَا يَزْدَاد ذَلِكَ عِنْد اللَّه , لِأَنَّ صَاحِبه لَمْ يُعْطِهِ مَنْ أَعْطَاهُ مُبْتَغِيًا بِهِ وَجْهه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21307 - حَدَّثني مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَال النَّاس فَلَا يَرْبُو عِنْد اللَّه } قَالَ : هُوَ مَا يُعْطِي النَّاس بَيْنهمْ بَعْضهمْ بَعْضًا , يُعْطِي الرَّجُل الرَّجُل الْعَطِيَّة , يُرِيد أَنْ يُعْطَى أَكْثَر مِنْهَا . 21308 - حَدَّثَنَا اِبْن بِشَارَة , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور بْن صَفِيَّة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر { مَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَال النَّاس } قَالَ : هُوَ الرَّجُل يُعْطِي الرَّجُل الْعَطِيَّة لِيُثِيبَهُ. * قَالَ : ثَنَا يَحْيَى , قَالَ ثَنَا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور بْن صَفِيَّة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , مِثْله . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور بْن صَفِيَّة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر { وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَال النَّاس فَلَا يَرْبُو عِنْد اللَّه } قَالَ : الرَّجُل يُعْطِي لِيُثَابَ عَلَيْهِ . 21309 -حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَال النَّاس } قَالَ : الْهَدَايَا . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : هِيَ الْهَدَايَا . 21310 - حَدَّثني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثني الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَال النَّاس } قَالَ : يُعْطِي مَاله يَبْتَغِي أَفْضَل مِنْهُ . 21311 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا اِبْن فُضَيْل , عَنْ اِبْن أَبِي خَالِد , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : هُوَ الرَّجُل يُهْدِي إِلَى الرَّجُل الْهَدِيَّة , لِيُثِيبَهُ أَفْضَل مِنْهَا. 21312 - قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن حُمَيْد الْمَعْمَرِيّ , عَنْ مَعْمَر , عَنْ اِبْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ : هُوَ الرَّجُل يُعْطِي الْعَطِيَّة وَيُهْدِي الْهَدِيَّة , لِيُثَابَ أَفْضَل مِنْ ذَلِكَ , لَيْسَ فِيهِ أَجْر وَلَا وِزْر . 21313 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَال النَّاس فَلَا يَرْبُو عِنْد اللَّه } قَالَ : مَا أَعْطَيْت مِنْ شَيْء تُرِيد مَثَابَة الدُّنْيَا , وَمُجَازَاة النَّاس ذَاكَ الرِّبَا الَّذِي لَا يَقْبَلهُ اللَّه , وَلَا يَجْزِي بِهِ. 21314 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول , فِي قَوْله { وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَال النَّاس } فَهُوَ مَا يَتَعَاطَى النَّاس بَيْنهمْ وَيَتَهَادَوْنَ , يُعْطِي الرَّجُلَ الْعَطِيَّة لِيُصِيبَ مِنْهُ أَفْضَل مِنْهَا , وَهَذَا لِلنَّاسِ عَامَّة . وَأَمَّا قَوْله : { وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِر } 74 6 فَهَذَا لِلنَّبِيِّ خَاصَّة , لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ إِلَّا لِلَّهِ , وَلَمْ يَكُنْ يُعْطِي لِيُعْطَى أَكْثَر مِنْهُ . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا عُنِيَ بِهَذَا : الرَّجُل يُعْطِي مَاله الرَّجُل لِيُعِينَهُ بِنَفْسِهِ , وَيَخْدُمهُ وَيَعُود عَلَيْهِ نَفْعه , لَا لِطَلَبِ أَجْر مِنْ اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21315 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي وَمُحَمَّد بْن فُضَيْل , عَنْ زَكَرِيَّا عَنْ عَامِر { وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَال النَّاس } قَالَ : هُوَ الرَّجُل يَلْزَق بِالرَّجُلِ , فَيَخِفّ لَهُ وَيَخْدُمهُ , وَيُسَافِر مَعَهُ , فَيَحْمِل لَهُ رِبْح بَعْض مَاله لِيَجْزِيَهُ , وَإِنَّمَا أَعْطَاهُ اِلْتِمَاس عَوْنه , وَلَمْ يُرِدْ وَجْه اللَّه . وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ إِعْطَاء الرَّجُل مَاله لِيُكْثِر بِهِ مَال مَنْ أَعْطَاهُ ذَلِكَ , لَا طَلَب ثَوَاب اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21316 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ اِبْن عَبَّاس { وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَال النَّاس } قَالَ : أَلَمْ تَرَ إِلَى الرَّجُل يَقُول لِلرَّجُلِ : لَأَمُولَنك , فَيُعْطِيه , فَهَذَا لَا يَرْبُو عِنْد اللَّه , لِأَنَّهُ يُعْطِيه لِغَيْرِ اللَّه لِيُثْرِيَ مَاله . 21317 - قَالَ ثَنَا عَمْرو بْن عَبْد الْحَمِيد الْآمُلِيّ , قَالَ : ثَنَا مَرْوَان بْن مُعَاوِيَة , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , قَالَ : سَمِعْت إِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ يَقُول فِي قَوْله : { وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَال النَّاس فَلَا يَرْبُو عِنْد اللَّه } قَالَ : كَانَ هَذَا فِي الْجَاهِلِيَّة يُعْطِي أَحَدهمْ ذَا الْقَرَابَة الْمَال يُكَثِّر بِهِ مَاله . وَقَالَ آخَرُونَ : ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلِّي اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّة , وَأَمَّا لِغَيْرِهِ فَحَلَال . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21318 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ أَبِي رَوَّاد , عَنْ الضَّحَّاك { وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَال النَّاس فَلَا يَرْبُو عِنْد اللَّه } هَذَا لِلنَّبِيِّ صَلِّي اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الرِّبَا الْحَلَال . وَإِنَّمَا اِخْتَرْنَا الْقَوْل الَّذِي اِخْتَرْنَاهُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَظْهَر مَعَانِيه . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة وَالْبَصْرَة وَبَعْض أَهْل مَكَّة : { لِيَرْبُوَ } بِفَتْحِ الْيَاء مِنْ يَرْبُو , بِمَعْنَى : وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ ذَلِكَ الرِّبَا فِي أَمْوَال النَّاس . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة : " لِتَرْبُوا " بِالتَّاءِ مِنْ تُرْبُوا وَضَمّهَا بِمَعْنَى : وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِتُرْبُوا أَنْتُمْ فِي أَمْوَال النَّاس . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا , أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي قُرَّاء الْأَمْصَار مَعَ تَقَارُب مَعْنَيَيْهِمَا , لِأَنَّ أَرْبَاب الْمَال إِذَا أَرْبَوْا رَبَا الْمَال , وَإِذَا رَبَا الْمَال فَبِإِرْبَاءِ أَرْبَابه إِيَّاهُ رَبَا . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَبِأَيِّ الْقِرَاءَتَيْنِ قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب.
{ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاة } يَقُول : وَمَا أَعْطَيْتُمْ مِنْ صَدَقَة تُرِيدُونَ بِهَا وَجْه اللَّه , { فَأُولَئِكَ } يَعْنِي الَّذِينَ يَتَصَدَّقُونَ بِأَمْوَالِهِمْ مُلْتَمِسِينَ بِذَلِكَ وَجْه اللَّه { هُمْ الْمُضْعِفُونَ } يَقُول : هُمْ الَّذِينَ لَهُمْ الضِّعْف مِنْ الْأَجْر وَالثَّوَاب , مِنْ قَوْل الْعَرَب : أَصْبَحَ الْقَوْم مُسْمِنِينَ مُعْطِشِينَ , إِذَا سَمِنَتْ إِبِلهمْ وَعَطِشَتْ. وَأَمَّا قَوْله : { وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاة تُرِيدُونَ وَجْه اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُضْعِفُونَ } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل قَالُوا فِي تَأْوِيله نَحْو الَّذِي قُلْنَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21319 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاة تُرِيدُونَ وَجْه اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُضْعِفُونَ } قَالَ : هَذَا الَّذِي يَقْبَلهُ اللَّه وَيُضَعِّفهُ لَهُمْ عَشْر أَمْثَالهَا , وَأَكْثَر مِنْ ذَلِكَ . 21320 - حَدَّثَنَا عَنْ عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس , قَوْله { وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَال النَّاس فَلَا يَرْبُو عِنْد اللَّه } قَالَ : هِيَ الْهِبَة , يَهَب الشَّيْء يُرِيد أَنْ يُثَاب عَلَيْهِ أَفْضَل مِنْهُ , فَذَلِكَ الَّذِي لَا يَرْبُو عِنْد اللَّه , لَا يُؤْجَر فِيهِ صَاحِبه , وَلَا إِثْم عَلَيْهِ { وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاة } قَالَ : هِيَ الصَّدَقَة تُرِيدُونَ وَجْه اللَّه { فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُضْعِفُونَ } 21321 - قَالَ مَعْمَر , قَالَ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْل ذَلِكَ .
{ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاة } يَقُول : وَمَا أَعْطَيْتُمْ مِنْ صَدَقَة تُرِيدُونَ بِهَا وَجْه اللَّه , { فَأُولَئِكَ } يَعْنِي الَّذِينَ يَتَصَدَّقُونَ بِأَمْوَالِهِمْ مُلْتَمِسِينَ بِذَلِكَ وَجْه اللَّه { هُمْ الْمُضْعِفُونَ } يَقُول : هُمْ الَّذِينَ لَهُمْ الضِّعْف مِنْ الْأَجْر وَالثَّوَاب , مِنْ قَوْل الْعَرَب : أَصْبَحَ الْقَوْم مُسْمِنِينَ مُعْطِشِينَ , إِذَا سَمِنَتْ إِبِلهمْ وَعَطِشَتْ. وَأَمَّا قَوْله : { وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاة تُرِيدُونَ وَجْه اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُضْعِفُونَ } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل قَالُوا فِي تَأْوِيله نَحْو الَّذِي قُلْنَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21319 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاة تُرِيدُونَ وَجْه اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُضْعِفُونَ } قَالَ : هَذَا الَّذِي يَقْبَلهُ اللَّه وَيُضَعِّفهُ لَهُمْ عَشْر أَمْثَالهَا , وَأَكْثَر مِنْ ذَلِكَ . 21320 - حَدَّثَنَا عَنْ عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس , قَوْله { وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَال النَّاس فَلَا يَرْبُو عِنْد اللَّه } قَالَ : هِيَ الْهِبَة , يَهَب الشَّيْء يُرِيد أَنْ يُثَاب عَلَيْهِ أَفْضَل مِنْهُ , فَذَلِكَ الَّذِي لَا يَرْبُو عِنْد اللَّه , لَا يُؤْجَر فِيهِ صَاحِبه , وَلَا إِثْم عَلَيْهِ { وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاة } قَالَ : هِيَ الصَّدَقَة تُرِيدُونَ وَجْه اللَّه { فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُضْعِفُونَ } 21321 - قَالَ مَعْمَر , قَالَ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْل ذَلِكَ .
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اللَّه الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُشْرِكِينَ بِهِ , مُعَرِّفهمْ قُبْح فِعْلهمْ , وَخُبْث صَنِيعهمْ : اللَّه أَيّهَا الْقَوْم الَّذِي لَا تَصْلُح الْعِبَادَة إِلَّا لَهُ , وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُون لِغَيْرِهِ , هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَلَمْ تَكُونُوا شَيْئًا , ثُمَّ رَزَقَكُمْ وَخَوَّلَكُمْ , وَلَمْ تَكُونُوا تَمْلِكُونَ قَبْل ذَلِكَ , ثُمَّ هُوَ يُمِيتكُمْ مِنْ بَعْد أَنْ خَلَقَكُمْ أَحْيَاء , ثُمَّ يُحْيِيكُمْ مِنْ بَعْد مَمَاتكُمْ لِبَعْثِ الْقِيَامَة , كَمَا : 21322 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { اللَّه الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } لِلْبَعْثِ بَعْد الْمَوْت.
وَقَوْله : { هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَل مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْء } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَلْ مِنْ آلِهَتكُمْ وَأَوْثَانكُمْ الَّتِي تَجْعَلُونَهُمْ لِلَّهِ فِي عِبَادَتكُمْ إِيَّاهُ شُرَكَاء مَنْ يَفْعَل مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْء , فَيَخْلُق أَوْ يَرْزُق , أَوْ يُمِيت , أَوْ يَنْشُر ! ; وَهَذَا مِنْ اللَّه تَقْرِيع لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ . وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام أَنَّ شُرَكَاءَهُمْ لَا تَفْعَل شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ , فَكَيْفَ لِعَبْدٍ مِنْ دُون اللَّه مَنْ لَا يَفْعَل شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ؟ ! ثُمَّ بَرَّأَ نَفْسه تَعَالَى ذِكْره عَنْ الْفِرْيَة الَّتِي اِفْتَرَاهَا هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهِ بِزَعْمِهِمْ أَنَّ آلِهَتهمْ لَهُ شُرَكَاء , فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { سُبْحَانه } أَيْ تَنْزِيهًا لِلَّهِ وَتَبْرِئَة { وَتَعَالَى } يَقُول : وَعُلُوًّا لَهُ { عَمَّا يُشْرِكُونَ } يَقُول : عَنْ شِرْك هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21323 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَل مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْء } لَا وَاَللَّه { سُبْحَانه وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } يُسَبِّح نَفْسه إِذْ قِيلَ عَلَيْهِ الْبُهْتَان .
وَقَوْله : { هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَل مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْء } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَلْ مِنْ آلِهَتكُمْ وَأَوْثَانكُمْ الَّتِي تَجْعَلُونَهُمْ لِلَّهِ فِي عِبَادَتكُمْ إِيَّاهُ شُرَكَاء مَنْ يَفْعَل مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْء , فَيَخْلُق أَوْ يَرْزُق , أَوْ يُمِيت , أَوْ يَنْشُر ! ; وَهَذَا مِنْ اللَّه تَقْرِيع لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ . وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام أَنَّ شُرَكَاءَهُمْ لَا تَفْعَل شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ , فَكَيْفَ لِعَبْدٍ مِنْ دُون اللَّه مَنْ لَا يَفْعَل شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ؟ ! ثُمَّ بَرَّأَ نَفْسه تَعَالَى ذِكْره عَنْ الْفِرْيَة الَّتِي اِفْتَرَاهَا هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهِ بِزَعْمِهِمْ أَنَّ آلِهَتهمْ لَهُ شُرَكَاء , فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { سُبْحَانه } أَيْ تَنْزِيهًا لِلَّهِ وَتَبْرِئَة { وَتَعَالَى } يَقُول : وَعُلُوًّا لَهُ { عَمَّا يُشْرِكُونَ } يَقُول : عَنْ شِرْك هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21323 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَل مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْء } لَا وَاَللَّه { سُبْحَانه وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } يُسَبِّح نَفْسه إِذْ قِيلَ عَلَيْهِ الْبُهْتَان .
ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ظَهَرَ الْفَسَاد فِي الْبَرّ وَالْبَحْر بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاس } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : ظَهَرَتْ الْمَعَاصِي فِي بَرّ الْأَرْض وَبَحْرهَا بِكَسْبِ أَيْدِي النَّاس مَا نَهَاهُمْ اللَّه عَنْهُ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمُرَاد مِنْ قَوْله : { ظَهَرَ الْفَسَاد فِي الْبَرّ وَالْبَحْر } فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِالْبَرِّ : الْفَلَوَات , وَبِالْبَحْرِ : الْأَمْصَار وَالْقُرَى الَّتِي عَلَى الْمِيَاه وَالْأَنْهَار . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21324 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب قَالَ : ثَنَا عَثَّام , قَالَ : ثَنَا النَّضْر بْن عَرَبِيّ , عَنْ مُجَاهِد { وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْض لِيُفْسِد فِيهَا } 2 205 الْآيَة , قَالَ : إِذَا وُلِّيَ سَعَى بِالتَّعَدِّي وَالظُّلْم , فَيَحْبِس اللَّه الْقَطْر , ف { يُهْلِك الْحَرْث وَالنَّسْل وَاَللَّه لَا يُحِبّ الْفَسَاد } 2 205 قَالَ : ثُمَّ قَرَأَ مُجَاهِد : { ظَهَرَ الْفَسَاد فِي الْبَرّ وَالْبَحْر } الْآيَة ; قَالَ : ثُمَّ قَالَ : أَمَا وَاَللَّه مَا هُوَ بَحْركُمْ هَذَا , وَلَكِنْ كُلّ قَرْيَة عَلَى مَاء جَارٍ فَهُوَ بَحْر . 21325 -حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ النَّضْر بْن عَرَبِيّ , عَنْ عِكْرِمَة { ظَهَرَ الْفَسَاد فِي الْبَرّ وَالْبَحْر } قَالَ : أَمَا إِنِّي لَا أَقُول بَحْركُمْ هَذَا , وَلَكِنْ كُلّ قَرْيَة عَلَى مَاء جَارٍ. 21326 - قَالَ : ثَنَا يَزِيد بْن هَارُون , عَنْ عَمْرو بْن فَرُّوخ , عَنْ حَبِيب بْن الزُّبَيْر , عَنْ عِكْرِمَة { ظَهَرَ الْفَسَاد فِي الْبَرّ وَالْبَحْر } قَالَ : إِنَّ الْعَرَب تُسَمِّي الْأَمْصَار بَحْرًا . 21327 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله { ظَهَرَ الْفَسَاد فِي الْبَرّ وَالْبَحْر بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاس } قَالَ : هَذَا قَبْل أَنْ يَبْعَث اللَّه نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , اِمْتَلَأَتْ ضَلَالَة وَظُلْمًا , فَلَمَّا بَعَثَ اللَّه نَبِيّه , رَجَعَ رَاجِعُونَ مِنْ النَّاس . قَوْله : { ظَهَرَ الْفَسَاد فِي الْبَرّ وَالْبَحْر } أَمَّا الْبَرّ فَأَهْل الْعَمُود , وَأَمَّا الْبَحْر فَأَهْل الْقُرَى وَالرِّيف . 21328 -حَدَّثني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله { ظَهَرَ الْفَسَاد فِي الْبَرّ وَالْبَحْر } قَالَ : الذُّنُوب , وَقَرَأَ { لِيُذِيقَهُمْ بَعْض الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } 21329 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَامِر , قَالَ : ثَنَا قُرَّة , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله { ظَهَرَ الْفَسَاد فِي الْبَرّ وَالْبَحْر بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاس } قَالَ : أَفْسَدَهُمْ اللَّه بِذُنُوبِهِمْ , فِي بَحْر الْأَرْض وَبَرّهَا , بِأَعْمَالِهِمْ الْخَبِيثَة. وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِالْبَرِّ : ظَهْر الْأَرْض , الْأَمْصَار وَغَيْرهَا , وَبِالْبَحْرِ الْبَحْر الْمَعْرُوف . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21330 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد { ظَهَرَ الْفَسَاد فِي الْبَرّ وَالْبَحْر } : قَالَ : فِي الْبَرّ : اِبْن آدَم الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ , وَفِي الْبَحْر : الَّذِي كَانَ يَأْخُذ كُلّ سَفِينَة غَصْبًا . 21331 -حَدَّثني يَعْقُوب , قَالَ : قَالَ أَبُو بِشْر : يَعْنِي اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : سَمِعْت اِبْن أَبِي نَجِيح , يَقُول فِي قَوْله { ظَهَرَ الْفَسَاد فِي الْبَرّ وَالْبَحْر بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاس } قَالَ : بِقَتْلِ اِبْن آدَم , وَاَلَّذِي كَانَ يَأْخُذ كُلّ سَفِينَة غَصْبًا. 21332 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا يَزِيد بْن هَارُون , عَنْ فُضَيْل بْن مَرْزُوق , عَنْ عَطِيَّة { ظَهَرَ الْفَسَاد فِي الْبَرّ وَالْبَحْر } قَالَ : قُلْت : هَذَا الْبَرّ وَالْبَحْر أَيّ فَسَاد فِيهِ ؟ قَالَ : فَقَالَ : إِذَا قَلَّ الْمَطَر , قَلَّ الْغَوْص . - حَدَّثني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثني الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله { ظَهَرَ الْفَسَاد فِي الْبَرّ } قَالَ : قَتَلَ اِبْن آدَم أَخَاهُ , وَالْبَحْر : قَالَ : أَخَذَ الْمَلِك السُّفُن غَصْبًا . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ : أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره , أَخْبَرَ أَنَّ الْفَسَاد قَدْ ظَهَرَ فِي الْبَرّ وَالْبَحْر عِنْد الْعَرَب فِي الْأَرْض الْقِفَار , وَالْبَحْر بَحْرَانِ : بَحْر مِلْح , وَبَحْر عَذْب , فَهُمَا جَمِيعًا عِنْدهمْ بَحْر , وَلَمْ يُخَصِّص جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْخَبَر عَنْ ظُهُور ذَلِكَ فِي بَحْر دُون بَحْر , فَذَلِكَ عَلَى مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اِسْم بَحْر , عَذْبًا كَانَ أَوْ مِلْحًا . إِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , دَخَلَ الْقُرَى الَّتِي عَلَى الْأَنْهَار وَالْبِحَار . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَنْ إِذْ كَانَ الْأَمْر كَمَا وَصَفْت , ظَهَرَتْ مَعَاصِي اللَّه فِي كُلّ مَكَان , مِنْ بَرّ وَبَحْر { بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاس } : أَيْ بِذُنُوبِ النَّاس , وَانْتَشَرَ الظُّلْم فِيهِمَا.
وَقَوْله : { لِيُذِيقَهُمْ بَعْض الَّذِي عَمِلُوا } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : لِيُصِيبَهُمْ بِعُقُوبَةِ بَعْض أَعْمَالهمْ الَّتِي عَمِلُوا , وَمَعْصِيَتهمْ الَّتِي عَصَوْا { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } يَقُول : كَيْ يُنِيبُوا إِلَى الْحَقّ , وَيَرْجِعُوا إِلَى التَّوْبَة , وَيَتْرُكُوا مَعَاصِي اللَّه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21333 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا اِبْن فُضَيْل , عَنْ أَشْعَث , عَنْ الْحَسَن { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } قَالَ : يَتُوبُونَ. 21334 - قَالَ : ثَنَا اِبْن مَهْدِيّ , عَنْ سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي الضُّحَى , عَنْ مَسْرُوق , عَنْ عَبْد اللَّه { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } يَوْم بَدْر , لَعَلَّهُمْ يَتُوبُونَ . 21335 - قَالَ : ثَنَا أَبُو أُسَامَة , عَنْ زَائِدَة , عَنْ مَنْصُور عَنْ إِبْرَاهِيم { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } قَالَ : إِلَى الْحَقّ . 21336 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله { لِيُذِيقَهُمْ بَعْض الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } : لَعَلَّ رَاجِعًا أَنْ يَرْجِع , لَعَلَّ تَائِبًا أَنْ يَتُوب , لَعَلَّ مُسْتَعْتِبًا أَنْ يَسْتَعْتِب . 21337 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَامِر , قَالَ : ثَنَا قُرَّة , عَنْ الْحَسَن , { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } قَالَ : يَرْجِع مَنْ بَعْدهمْ . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { لِيُذِيقَهُمْ } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار { لِيُذِيقَهُمْ } بِالْيَاءِ , بِمَعْنَى : لِيُذِيقَهُمْ اللَّه بَعْض الَّذِي عَمِلُوا , وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ قَرَأَ ذَلِكَ بِالنُّونِ عَلَى وَجْه الْخَبَر مِنْ اللَّه عَنْ نَفْسه بِذَلِكَ .
وَقَوْله : { لِيُذِيقَهُمْ بَعْض الَّذِي عَمِلُوا } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : لِيُصِيبَهُمْ بِعُقُوبَةِ بَعْض أَعْمَالهمْ الَّتِي عَمِلُوا , وَمَعْصِيَتهمْ الَّتِي عَصَوْا { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } يَقُول : كَيْ يُنِيبُوا إِلَى الْحَقّ , وَيَرْجِعُوا إِلَى التَّوْبَة , وَيَتْرُكُوا مَعَاصِي اللَّه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21333 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا اِبْن فُضَيْل , عَنْ أَشْعَث , عَنْ الْحَسَن { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } قَالَ : يَتُوبُونَ. 21334 - قَالَ : ثَنَا اِبْن مَهْدِيّ , عَنْ سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي الضُّحَى , عَنْ مَسْرُوق , عَنْ عَبْد اللَّه { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } يَوْم بَدْر , لَعَلَّهُمْ يَتُوبُونَ . 21335 - قَالَ : ثَنَا أَبُو أُسَامَة , عَنْ زَائِدَة , عَنْ مَنْصُور عَنْ إِبْرَاهِيم { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } قَالَ : إِلَى الْحَقّ . 21336 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله { لِيُذِيقَهُمْ بَعْض الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } : لَعَلَّ رَاجِعًا أَنْ يَرْجِع , لَعَلَّ تَائِبًا أَنْ يَتُوب , لَعَلَّ مُسْتَعْتِبًا أَنْ يَسْتَعْتِب . 21337 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَامِر , قَالَ : ثَنَا قُرَّة , عَنْ الْحَسَن , { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } قَالَ : يَرْجِع مَنْ بَعْدهمْ . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { لِيُذِيقَهُمْ } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار { لِيُذِيقَهُمْ } بِالْيَاءِ , بِمَعْنَى : لِيُذِيقَهُمْ اللَّه بَعْض الَّذِي عَمِلُوا , وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ قَرَأَ ذَلِكَ بِالنُّونِ عَلَى وَجْه الْخَبَر مِنْ اللَّه عَنْ نَفْسه بِذَلِكَ .
قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْض فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة الَّذِينَ مِنْ قَبْل كَانَ أَكْثَرهمْ مُشْرِكِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلِّي اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاَللَّهِ مِنْ قَوْمك : سِيرُوا فِي الْبِلَاد , فَانْظُرُوا إِلَى مَسَاكِن الَّذِينَ كَفَرُوا بِاَللَّهِ مِنْ قَبْلكُمْ , وَكَذَّبُوا رُسُله , كَيْفَ كَانَ آخِر أَمْرهمْ , وَعَاقِبَة تَكْذِيبهمْ رُسُل اللَّه وَكُفْرهمْ ! أَلَمْ نُهْلِكهُمْ بِعَذَابٍ مِنَّا , وَنَجْعَلهُمْ عِبْرَة لِمَنْ بَعْدهمْ ؟ { كَانَ أَكْثَرهمْ مُشْرِكِينَ } يَقُول : فَعَلْنَا ذَلِكَ بِهِمْ , لِأَنَّ أَكْثَرهمْ كَانُوا مُشْرِكِينَ بِاَللَّهِ مِثْلهمْ .
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَقِمْ وَجْهك لِلدِّينِ الْقَيِّم مِنْ قَبْل أَنْ يَأْتِيَ يَوْم لَا مَرَدّ لَهُ مِنْ اللَّه يَوْمئِذٍ يَصَّدَّعُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَوَجِّهْ وَجْهك يَا مُحَمَّد نَحْو الْوَجْه الَّذِي وَجَّهَك إِلَيْهِ رَبّك { لِلدِّينِ الْقَيِّم } لِطَاعَةِ رَبّك , وَالْمِلَّة الْمُسْتَقِيمَة الَّتِي لَا اِعْوِجَاج فِيهَا عَنْ الْحَقّ { مِنْ قَبْل أَنْ يَأْتِيَ يَوْم لَا مَرَدّ لَهُ مِنْ اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مِنْ قَبْل مَجِيء يَوْم مِنْ أَيَّام اللَّه لَا مَرَدّ لَهُ لِمَجِيئِهِ , لِأَنَّ اللَّه قَدْ قَضَى بِمَجِيئِهِ فَهُوَ لَا مَحَالَة جَاءَ { يَوْمئِذٍ يَصَّدَّعُونَ } يَقُول : يَوْم يَجِيء ذَلِكَ الْيَوْم يَصَّدَّع النَّاس , يَقُول : يَتَفَرَّق النَّاس فِرْقَتَيْنِ ; مِنْ قَوْلهمْ : صَدَعْت الْغَنَم صَدْعَتَيْنِ : إِذَا فَرَّقْتهَا فِرْقَتَيْنِ : فَرِيق فِي الْجَنَّة , وَفَرِيق فِي السَّعِير . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21338 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَأَقِمْ وَجْهك لِلدِّينِ الْقَيِّم } الْإِسْلَام { مِنْ قَبْل أَنْ يَأْتِيَ يَوْم لَا مَرَدّ لَهُ مِنْ اللَّه يَوْمئِذٍ يَصَّدَّعُونَ } فَرِيق فِي الْجَنَّة , وَفَرِيق فِي السَّعِير . 21339 - حَدَّثني عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله { يَوْمئِذٍ يَصَّدَّعُونَ } يَقُول : يَتَفَرَّقُونَ . 21340 - حَدَّثني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله { يَصَّدَّعُونَ } قَالَ : يَتَفَرَّقُونَ إِلَى الْجَنَّة , وَإِلَى النَّار.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْره وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ فَعَلَيْهِ أَوْزَار كُفْره , وَآثَام جُحُوده نِعَم رَبّه , { وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا } يَقُول : وَمَنْ أَطَاعَ اللَّه , فَعَمِلَ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ فِي الدُّنْيَا , وَانْتَهَى عَمَّا نَهَاهُ عَنْهُ فِيهَا { فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ } يَقُول : فَلِأَنْفُسِهِمْ يَسْتَعِدُّونَ , وَيُسَوُّونَ الْمَضْجَع لِيَسْلَمُوا مِنْ عِقَاب رَبّهمْ , وَيَنْجُوا مِنْ عَذَابه , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : اِمْهَدْ لِنَفْسِك حَانَ السُّقْم وَالتَّلَفُ وَلَا تُضِيعَن نَفْسًا مَا لَهَا خَلَفُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21341 - حَدَّثني الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ } قَالَ : يُسَوُّونَ الْمَضَاجِع . 21342 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى وَالْحُسَيْن بْن يَزِيد الطَّحَّان وَابْن وَكِيع وَأَبُو عَبْد الرَّحْمَن الْعَلَائِيّ , قَالُوا : ثَنَا يَحْيَى بْن سُلَيْم , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ } قَالَ : فِي الْقَبْر . * حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن سَعِيد الْجَوْهَرِيّ , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن سُلَيْم , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ } قَالَ : لِلْقَبْرِ . - حَدَّثَنَا نَصْر بْن عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن سُلَيْم , قَالَ : ثَنَا اِبْن أَبِي نَجِيح , قَالَ : سَمِعْت مُجَاهِدًا يَقُول : فِي قَوْله { فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ } قَالَ : فِي الْقَبْر .
لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات مِنْ فَضْله } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { يَوْمئِذٍ يَصَّدَّعُونَ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا } بِاَللَّهِ وَرَسُوله { وَعَمِلُوا الصَّالِحَات } يَقُول : وَعَمِلُوا بِمَا أَمَرَهُمْ اللَّه { مِنْ فَضْله } الَّذِي وَعَدَ مَنْ أَطَاعَهُ فِي الدُّنْيَا أَنْ يَجْزِيَهُ يَوْم الْقِيَامَة
{ إِنَّهُ لَا يُحِبّ الْكَافِرِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّمَا خَصَّ بِجَزَائِهِ مِنْ فَضْله الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات دُون مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ , إِنَّهُ لَا يُحِبّ أَهْل الْكُفْر بِهِ . وَاسْتَأْنَفَ الْخَبَر بِقَوْلِهِ { إِنَّهُ لَا يُحِبّ الْكَافِرِينَ } وَفِيهِ الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْت .
{ إِنَّهُ لَا يُحِبّ الْكَافِرِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّمَا خَصَّ بِجَزَائِهِ مِنْ فَضْله الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات دُون مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ , إِنَّهُ لَا يُحِبّ أَهْل الْكُفْر بِهِ . وَاسْتَأْنَفَ الْخَبَر بِقَوْلِهِ { إِنَّهُ لَا يُحِبّ الْكَافِرِينَ } وَفِيهِ الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْت .
وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمِنْ آيَاته أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاح مُبَشِّرَات وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَته وَلِتَجْرِيَ الْفُلْك بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْله وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمِنْ أَدِلَّته عَلَى وَحْدَانِيّته وَحُجَجه عَلَيْكُمْ عَلَى أَنَّهُ إِلَه كُلّ شَيْء { أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاح مُبَشِّرَات } بِالْغَيْثِ وَالرَّحْمَة { وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَته } يَقُول : وَلِيُنْزِل عَلَيْكُمْ مِنْ رَحْمَته , وَهِيَ الْغَيْث الَّذِي يُحْيِي بِهِ الْبِلَاد , وَلِتَجْرِيَ السُّفُن فِي الْبِحَار بِهَا بِأَمْرِهِ إِيَّاهَا { وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْله } يَقُول : وَلِتَلْتَمِسُوا مِنْ أَرْزَاقه وَمَعَايِشكُمْ الَّتِي قَسَمَهَا بَيْنكُمْ { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } يَقُول : وَلِتَشْكُرُوا رَبّكُمْ عَلَى ذَلِكَ أَرْسَلَ هَذِهِ الرِّيَاح مُبَشِّرَات . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21343 - حَدَّثني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثني الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { الرِّيَاح مُبَشِّرَات } قَالَ : بِالْمَطَرِ . وَقَالُوا فِي قَوْله : { وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَته } مِثْل الَّذِي قُلْنَا فِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21344 - حَدَّثني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثني الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَته } قَالَ : الْمَطَر . 21345 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَته } : الْمَطَر.
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلك رُسُلًا إِلَى قَوْمهمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنْ الَّذِينَ أَجْرَمُوا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُسَلِّيًا نَبِيّه صَلِّي اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَلْقَى مِنْ قَوْمه مِنْ الْأَذَى فِيهِ بِمَا لَقِيَ مِنْ قَبْله مِنْ رُسُله مِنْ قَوْمهمْ , وَمُعَلِّمه سُنَّته فِيهِمْ وَفِي قَوْمهمْ , وَأَنَّهُ سَالِك بِهِ وَبِقَوْمِهِ سُنَّته فِيهِمْ , وَفِي أُمَمهمْ : وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا يَا مُحَمَّد مِنْ قَبْلك رُسُلًا إِلَى قَوْمهمْ الْكَفَرَة , كَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَى قَوْمك الْعَابِدِي الْأَوْثَان مِنْ دُون اللَّه { فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ } يَعْنِي : بِالْوَاضِحَاتِ مِنْ الْحُجَج عَلَى صِدْقهمْ وَأَنَّهُمْ لِلَّهِ رُسُل كَمَا جِئْت أَنْتَ قَوْمك بِالْبَيِّنَاتِ فَكَذَّبُوهُمْ كَمَا كَذَّبَك قَوْمك , وَرَدُّوا عَلَيْهِمْ مَا جَاءُوهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , كَمَا رَدُّوا عَلَيْك مَا جِئْتهمْ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّك { فَانْتَقَمْنَا مِنْ الَّذِينَ أَجْرَمُوا } يَقُول : فَانْتَقَمْنَا مِنْ الَّذِينَ أَجْرَمُوا الْآثَام , وَاكْتَسَبُوا السَّيِّئَات مِنْ قَوْمهمْ , وَنَحْنُ فَاعِلُو ذَلِكَ كَذَلِكَ بِمُجْرِمِي قَوْمك
{ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْر الْمُؤْمِنِينَ } يَقُول : وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا بِاَللَّهِ وَصَدَّقُوا رُسُله , إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسنَا , وَكَذَلِكَ نَفْعَل بِك وَبِمَنْ آمَنَ بِك مِنْ قَوْمك { وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْر الْمُؤْمِنِينَ } عَلَى الْكَافِرِينَ , وَنَحْنُ نَاصِرُوك وَمَنْ آمَنَ بِك عَلَى مَنْ كَفَرَ بِك , وَمُظْفِرُوك بِهِمْ .
{ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْر الْمُؤْمِنِينَ } يَقُول : وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا بِاَللَّهِ وَصَدَّقُوا رُسُله , إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسنَا , وَكَذَلِكَ نَفْعَل بِك وَبِمَنْ آمَنَ بِك مِنْ قَوْمك { وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْر الْمُؤْمِنِينَ } عَلَى الْكَافِرِينَ , وَنَحْنُ نَاصِرُوك وَمَنْ آمَنَ بِك عَلَى مَنْ كَفَرَ بِك , وَمُظْفِرُوك بِهِمْ .
اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاء وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اللَّه الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاح فَتُثِير سَحَابًا فَيَبْسُطهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاء وَيَجْعَلهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْق يَخْرُج مِنْ خِلَاله } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : اللَّه يُرْسِل الرِّيَاح فَتُثِير سَحَابًا , يَقُول : فَتُنْشِئ الرِّيَاح سَحَابًا , وَهِيَ جَمْع سَحَابَة , { فَيَبْسُطهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاء } يَقُول : فَيَنْشُرهُ اللَّه , وَيَجْمَعهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاء , وَقَالَ : فَيَبْسُطهُ , فَوَحَّدَ الْهَاء , وَأَخْرَجَ مَخْرَج كِنَايَة الْمُذَكَّر , وَالسَّحَاب جَمْع كَمَا وَصَفْت رَدًّا عَلَى لَفْظ السَّحَاب , لَا عَلَى مَعْنَاهُ , كَمَا يُقَال : هَذَا تَمْر جَيِّد. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل قَوْله { فَيَبْسُطهُ } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21346 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { فَيَبْسُطهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاء } وَيَجْمَعهُ . وَقَوْله : { وَيَجْعَلهُ كِسَفًا } : يَقُول : وَيَجْعَل السَّحَاب قِطَعًا . مُتَفَرِّقَة , كَمَا : 21347 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَيَجْعَلهُ كِسَفًا } : أَيْ قِطَعًا . وَقَوْله { فَتَرَى الْوَدْق } يَعْنِي : الْمَطَر { يَخْرُج مِنْ خِلَاله } يَعْنِي : مِنْ بَيْن السَّحَاب . كَمَا : 21348 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { فَتَرَى الْوَدْق يَخْرُج مِنْ خِلَاله } 21349 -حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ قَطَن , عَنْ حَبِيب , عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر { يُرْسِل الرِّيَاح فَتُثِير سَحَابًا } قَالَ : الرِّيَاح أَرْبَع : يَبْعَث اللَّه رِيحًا فَتَقُمّ الْأَرْض قَمًّا , ثُمَّ يَبْعَث اللَّه الرِّيح الثَّانِيَة فَتُثِير سَحَابًا , فَيَجْعَلهُ فِي السَّمَاء كِسَفًا , ثُمَّ يَبْعَث اللَّه الرِّيح الثَّالِثَة , فَتُؤَلِّف بَيْنه فَيَحْمِلهُ رُكَامًا , ثُمَّ يَبْعَث الرِّيح الرَّابِعَة فَتُمْطِر. 21350 - حَدَّثني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثني الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { فَتَرَى الْوَدْق } قَالَ : الْقَطْر .
وَقَوْله : { فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } يَقُول : فَإِذَا صُرِفَ ذَلِكَ الْوَدْق إِلَى أَرْض مَنْ أَرَادَ صَرْفه إِلَى أَرْضه مِنْ خَلْقه رَأَيْتهمْ يَسْتَبْشِرُونَ بِأَنَّهُ صُرِفَ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ وَيَفْرَحُونَ .
وَقَوْله : { فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } يَقُول : فَإِذَا صُرِفَ ذَلِكَ الْوَدْق إِلَى أَرْض مَنْ أَرَادَ صَرْفه إِلَى أَرْضه مِنْ خَلْقه رَأَيْتهمْ يَسْتَبْشِرُونَ بِأَنَّهُ صُرِفَ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ وَيَفْرَحُونَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْل أَنْ يُنَزَّل عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْله لَمُبْلِسِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَكَانَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَصَابَهُمْ اللَّه بِهَذَا الْغَيْث مِنْ عِبَاده مِنْ قَبْل أَنْ يُنَزَّل عَلَيْهِمْ هَذَا الْغَيْث مِنْ قَبْل هَذَا الْغَيْث لَمُبْلِسِينَ , يَقُول : لَمُكْتَئِبِينَ حَزِنِينَ بِاحْتِبَاسِهِ عَنْهُمْ , كَمَا : 21351 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْل أَنْ يُنَزَّل عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْله لَمُبْلِسِينَ } : أَيْ قَانِطِينَ . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي وَجْه تَكْرِير " مِنْ قَبْله " , وَقَدْ تَقَدَّمَ قَبْل ذَلِكَ قَوْله : { مِنْ قَبْل أَنْ يُنَزَّل عَلَيْهِمْ } فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة رُدَّ مِنْ قَبْله عَلَى التَّوْكِيد نَحْو قَوْله : { فَسَجَدَ الْمَلَائِكَة كُلّهمْ أَجْمَعُونَ } 15 30 وَقَالَ غَيْر : لَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , لِأَنَّ مَعَ { مِنْ قَبْل أَنْ يُنَزَّل عَلَيْهِمْ } حَرْفًا لَيْسَ مَعَ الثَّانِيَة , قَالَ : فَكَأَنَّهُ قَالَ : مِنْ قَبْل التَّنْزِيل مِنْ قَبْل الْمَطَر فَقَدْ اِخْتَلَفَتَا , وَأَمَّا { كُلّهمْ أَجْمَعُونَ } وَكَّدَ بِأَجْمَعِينَ لِأَنَّ كُلًّا يَكُون اِسْمًا وَيَكُون تَوْكِيدًا , وَهُوَ قَوْله أَجْمَعُونَ . وَالْقَوْل عِنْدِي فِي قَوْله : { مِنْ قَبْله } عَلَى وَجْه التَّوْكِيد .
فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَانْظُرْ إِلَى آثَار رَحْمَة اللَّه كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْض بَعْد مَوْتهَا } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قَوْله : { فَانْظُرْ إِلَى آثَار رَحْمَة اللَّه } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَبَعْض الْكُوفِيِّينَ : " إِلَى أَثَر رَحْمَة اللَّه " عَلَى التَّوْحِيد , بِمَعْنَى : فَانْظُرْ يَا مُحَمَّد إِلَى أَثَر الْغَيْث الَّذِي أَصَابَ اللَّه بِهِ مَنْ أَصَابَ مِنْ عِبَاده , كَيْفَ يُحْيِي ذَلِكَ الْغَيْث الْأَرْض مِنْ بَعْد مَوْتهَا . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة : { فَانْظُرْ إِلَى آثَار رَحْمَة اللَّه } عَلَى الْجَمَّاع , بِمَعْنَى : فَانْظُرْ إِلَى آثَار الْغَيْث الَّذِي أَصَابَ اللَّه بِهِ مَنْ أَصَابَ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْض بَعْد مَوْتهَا. وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ , أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي قِرَاءَة الْأَمْصَار , مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه إِذَا أَحْيَا الْأَرْض بِغَيْثٍ أَنْزَلَهُ عَلَيْهَا , فَإِنَّ الْغَيْث أَحْيَاهَا بِإِحْيَاءِ اللَّه إِيَّاهَا بِهِ , وَإِذَا أَحْيَاهَا الْغَيْث , فَإِنَّ اللَّه هُوَ الْمُحْيِي بِهِ , فَبِأَيِّ الْقِرَاءَتَيْنِ قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَنْ : فَانْظُرْ يَا مُحَمَّد إِلَى آثَار الْغَيْث الَّذِي يُنَزِّل اللَّه مِنْ السَّحَاب , كَيْفَ يُحْيِي بِهَا الْأَرْض الْمَيِّتَة , فَيُنْبِتهَا وَيُعْشِبهَا مِنْ بَعْد مَوْتهَا وَدُثُورهَا .
{ إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى } يَقُول جَلَّ ذِكْره : إِنَّ الَّذِي يُحْيِي هَذِهِ الْأَرْض بَعْد مَوْتهَا بِهَذَا الْغَيْث , لَمُحْيِي الْمَوْتَى مِنْ بَعْد مَوْتهمْ , وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء مَعَ قُدْرَته عَلَى إِحْيَاء الْمَوْتَى قَدِير , لَا يَعِزّ عَلَيْهِ شَيْء أَرَادَهُ , وَلَا يَمْتَنِع عَلَيْهِ فِعْل شَيْء شَاءَهُ سُبْحَانه .
{ إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى } يَقُول جَلَّ ذِكْره : إِنَّ الَّذِي يُحْيِي هَذِهِ الْأَرْض بَعْد مَوْتهَا بِهَذَا الْغَيْث , لَمُحْيِي الْمَوْتَى مِنْ بَعْد مَوْتهمْ , وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء مَعَ قُدْرَته عَلَى إِحْيَاء الْمَوْتَى قَدِير , لَا يَعِزّ عَلَيْهِ شَيْء أَرَادَهُ , وَلَا يَمْتَنِع عَلَيْهِ فِعْل شَيْء شَاءَهُ سُبْحَانه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْده يَكْفُرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا مُفْسِدَة مَا أَنْبَتَهُ الْغَيْث الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاء , فَرَأَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَصَابَهُمْ اللَّه بِذَلِكَ الْغَيْث الَّذِي حَيِيَتْ بِهِ أَرَضُوهُمْ , وَأَعْشَبَتْ وَنَبَتَتْ بِهِ زُرُوعهمْ , مَا أَنْبَتَتْهُ أَرَضُوهُمْ بِذَلِكَ الْغَيْث مِنْ الزَّرْع مُصْفَرًّا , قَدْ فَسَدَ بِتِلْكَ الرِّيح الَّتِي أَرْسَلْنَاهَا , فَصَارَ مِنْ بَعْد خُضْرَته مُصْفَرًّا , لَظَلُّوا مِنْ بَعْد اِسْتِبْشَارهمْ وَفَرْحَتهمْ بِهِ يَكْفُرُونَ بِرَبِّهِمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِنَّك لَا تُسْمِع الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِ الصُّمّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { فَإِنَّك } يَا مُحَمَّد { لَا تُسْمِع الْمَوْتَى } يَقُول : لَا تَجْعَل لَهُمْ أَسْمَاعًا يَفْهَمُونَ بِهَا عَنْك مَا تَقُول لَهُمْ , وَإِنَّمَا هَذَا مَثَل مَعْنَاهُ : فَإِنَّك لَا تَقْدِر أَنْ تَفْهَم هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَدْ خَتَمَ اللَّه عَلَى أَسْمَاعهمْ , فَسَلَبَهُمْ فَهْم مَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ مِنْ مَوَاعِظ تَنْزِيله , كَمَا لَا تَقْدِر أَنْ تُفْهِم الْمَوْتَى الَّذِينَ قَدْ سَلَبَهُمْ اللَّه أَسْمَاعهمْ , بِأَنْ تَجْعَل لَهُمْ أَسْمَاعًا . وَقَوْله : { لَا تُسْمِع الصُّمّ الدُّعَاء } يَقُول : وَكَمَا لَا تَقْدِر أَنْ تُسْمِع الصُّمّ الَّذِينَ قَدْ سُلِبُوا السَّمْع الدُّعَاء , إِذَا هُمْ وَلَّوْا عَنْك مُدْبِرِينَ , كَذَلِكَ لَا تَقْدِر أَنْ تُوَفِّق هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَدْ سَلَبَهُمْ اللَّه فَهُمْ آيَات كِتَابه , لِسَمَاعِ ذَلِكَ وَفَهْمه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21352 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَإِنَّك لَا تُسْمِع الْمَوْتَى } : هَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِلْكَافِرِ ; فَكَمَا لَا يَسْمَع الْمَيِّت الدُّعَاء , كَذَلِكَ لَا يَسْمَع الْكَافِر . { لَا تُسْمِع الصُّمّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ } يَقُول : لَوْ أَنَّ أَصَمّ وَلَّى مُدْبِرًا ثُمَّ نَادَيْته لَمْ يَسْمَع , كَذَلِكَ الْكَافِر لَا يَسْمَع وَلَا يَنْتَفِع بِمَا يَسْمَع .
وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ ↓
وَقَوْله : { وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْي عَنْ ضَلَالَتهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَا أَنْتَ يَا مُحَمَّد بِمُسَدِّدٍ مَنْ أَعْمَاهُ اللَّه عَنْ الِاسْتِقَامَة , وَمَحَجَّة الْحَقّ , فَلَمْ يُوَفِّقهُ لِإِصَابَةِ الرُّشْد , فَصَارَفَهُ عَنْ ضَلَالَته الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا , وَرُكُوبه الْجَائِر مِنْ الطُّرُق , إِلَى سَبِيل الرَّشَاد , يَقُول : لَيْسَ ذَلِكَ بِيَدِك وَلَا إِلَيْك , وَلَا يَقْدِر عَلَى ذَلِكَ أَحَد غَيْرِي , لِأَنِّي الْقَادِر عَلَى كُلّ شَيْء . وَقِيلَ : بِهَادِي الْعُمْي عَنْ ضَلَالَتهمْ , وَلَمْ يَقُلْ : مِنْ ضَلَالَتهمْ . لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام مَا وَصَفْت , مِنْ أَنَّهُ : وَمَا أَنْتَ بِصَارِفِهِمْ عَنْهُ , فَحُمِلَ عَلَى الْمَعْنَى . وَلَوْ قِيلَ : مِنْ ضَلَالَتهمْ كَانَ صَوَابًا . وَكَانَ مَعْنَاهُ : مَا أَنْتَ بِمَانِعِهِمْ مِنْ ضَلَالَتهمْ .
وَقَوْله : { إِنْ تُسْمِع إِلَّا مَنْ يُؤْمِن بِآيَاتِنَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ : مَا تَسْمَع السَّمَاع الَّذِي يَنْتَفِع بِهِ سَامِعه فَيَعْقِلهُ , إِلَّا مَنْ يُؤْمِن بِآيَاتِنَا , لِأَنَّ الَّذِي يُؤْمِن بِآيَاتِنَا إِذَا سَمِعَ كِتَاب اللَّه تَدَبَّرَهُ وَفَهِمَهُ وَعَقَلَهُ , وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ , وَانْتَهَى إِلَى حُدُود اللَّه , الَّذِي حَدَّ فِيهِ , فَهُوَ الَّذِي يَسْمَع السَّمَاع النَّافِع .
وَقَوْله : { فَهُمْ مُسْلِمُونَ } يَقُول : فَهُمْ خَاضِعُونَ لِلَّهِ بِطَاعَتِهِ , مُتَذَلِّلُونَ لِمَوَاعِظ كِتَابه .
وَقَوْله : { إِنْ تُسْمِع إِلَّا مَنْ يُؤْمِن بِآيَاتِنَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ : مَا تَسْمَع السَّمَاع الَّذِي يَنْتَفِع بِهِ سَامِعه فَيَعْقِلهُ , إِلَّا مَنْ يُؤْمِن بِآيَاتِنَا , لِأَنَّ الَّذِي يُؤْمِن بِآيَاتِنَا إِذَا سَمِعَ كِتَاب اللَّه تَدَبَّرَهُ وَفَهِمَهُ وَعَقَلَهُ , وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ , وَانْتَهَى إِلَى حُدُود اللَّه , الَّذِي حَدَّ فِيهِ , فَهُوَ الَّذِي يَسْمَع السَّمَاع النَّافِع .
وَقَوْله : { فَهُمْ مُسْلِمُونَ } يَقُول : فَهُمْ خَاضِعُونَ لِلَّهِ بِطَاعَتِهِ , مُتَذَلِّلُونَ لِمَوَاعِظ كِتَابه .
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اللَّه الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْف ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْد ضَعْف قُوَّة ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْد قُوَّة ضَعْفًا وَشَيْبَة يَخْلُق مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيم الْقَدِير } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِهَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِالْبَعْثِ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْش , مُحْتَجًّا عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ الْقَادِر عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى مَا يَشَاء : { اللَّه الَّذِي خَلَقَكُمْ } أَيّهَا النَّاس { مِنْ ضَعْف } يَقُول : مِنْ نُطْفَة وَمَاء مَهِين , فَأَنْشَأَكُمْ بَشَرًا سَوِيًّا { ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْد ضَعْف قُوَّة } يَقُول : ثُمَّ جَعَلَ لَكُمْ قُوَّة عَلَى التَّصَرُّف , مِنْ بَعْد خَلْقه إِيَّاكُمْ مِنْ ضَعْف , وَمِنْ بَعْد ضَعْفكُمْ , بِالصِّغَرِ وَالطُّفُولَة { ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْد قُوَّة ضَعْفًا وَشَيْبَة } يَقُول : ثُمَّ أَحْدَثَ لَكُمْ الضَّعْف بِالْهَرَمِ وَالْكِبَر عَمَّا كُنْتُمْ عَلَيْهِ أَقْوِيَاء فِي شَبَابكُمْ وَشَيْبَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21353 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْف } أَيْ مِنْ نُطْفَة { ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْد ضَعْف قُوَّة , ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْد قُوَّة ضَعْفًا } الْهَرَم { وَشَيْبَة } الشَّمَط . وَقَوْله : { يَخْلُق مَا يَشَاء } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَخْلُق مَا يَشَاء مِنْ ضَعْف وَقُوَّة وَشَبَاب وَشَيْب { وَهُوَ الْعَلِيم } بِتَدْبِيرِ خَلْقه { الْقَدِير } عَلَى مَا يَشَاء , لَا يَمْتَنِع عَلَيْهِ شَيْء أَرَادَهُ , فَكَمَا فَعَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاء , فَكَذَلِكَ يُمِيت خَلْقه وَيُحْيِيهِمْ إِذَا شَاءَ . يَقُول : وَاعْلَمُوا أَنَّ الَّذِي فَعَلَ هَذِهِ الْأَفْعَال بِقُدْرَتِهِ يُحْيِي الْمَوْتَى إِذَا شَاءَ .
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَوْم تَقُوم السَّاعَة يُقْسِم الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْر سَاعَة كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَيَوْم تَجِيء سَاعَة الْبَعْث , فَيَبْعَث الْخَلْق مِنْ قُبُورهمْ , يُقْسِم الْمُجْرِمُونَ , وَهُمْ الَّذِينَ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِاَللَّهِ فِي الدُّنْيَا , وَيَكْتَسِبُونَ فِيهِ الْآثَام , وَإِقْسَامهمْ : حَلِفهمْ بِاَللَّهِ . { مَا لَبِثُوا غَيْر سَاعَة } : يَقُول : يُقْسِمُونَ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَلْبَثُوا فِي قُبُورهمْ غَيْر سَاعَة وَاحِدَة. يَقُول اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : كَذَلِكَ فِي الدُّنْيَا كَانُوا يُؤْفَكُونَ : يَقُول : كَذَبُوا فِي قِيلهمْ وَقَسَمهمْ مَا لَبِثْنَا غَيْر سَاعَة , كَمَا كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَكْذِبُونَ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِب وَهُمْ يَعْلَمُونَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21354 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَيَوْم تَقُوم السَّاعَة يُقْسِم الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْر سَاعَة كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ } أَيْ يَكْذِبُونَ فِي الدُّنْيَا , وَإِنَّمَا يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { يُؤْفَكُونَ } عَنْ الصِّدْق , وَيَصُدُّونَ عَنْهُ إِلَى الْكَذِب .
وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْم وَالْإِيمَان لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَاب اللَّه إِلَى يَوْم الْبَعْث فَهَذَا يَوْم الْبَعْث وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } كَانَ قَتَادَة يَقُول : هَذَا مِنْ الْمُقَدَّم الَّذِي مَعْنَاهُ التَّأْخِير . 21355 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْم وَالْإِيمَان لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَاب اللَّه إِلَى يَوْم الْبَعْث } قَالَ : هَذَا مِنْ مَقَادِيم الْكَلَام. وَتَأْوِيلهَا : وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْإِيمَان وَالْعِلْم : لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَاب اللَّه . وَذُكِرَ عَنْ اِبْن جُرَيْج أَنَّهُ كَانَ يَقُول : مَعْنَى ذَلِكَ : وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْم بِكِتَابِ اللَّه , وَالْإِيمَان بِاَللَّهِ وَكِتَابه . وَقَوْله : { فِي كِتَاب اللَّه } يَقُول : فِيمَا كَتَبَ اللَّه مِمَّا سَبَقَ فِي عِلْمه أَنَّكُمْ تَلْبَثُونَهُ { فَهَذَا يَوْم الْبَعْث } يَقُول : فَهَذَا يَوْم يُبْعَث النَّاس مِنْ قُبُورهمْ { وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } يَقُول : وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ فِي الدُّنْيَا أَنَّهُ يَكُون , وَأَنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْد الْمَوْت , فَلِذَلِكَ كُنْتُمْ تُكَذِّبُونَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَيَوْمئِذٍ لَا يَنْفَع الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتهمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَيَوْم يُبْعَثُونَ مِنْ قُبُورهمْ { لَا يَنْفَع الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتهمْ } يَعْنِي الْمُكَذِّبِينَ بِالْبَعْثِ فِي الدُّنْيَا مَعْذِرَتهمْ , وَهُوَ قَوْلهمْ : مَا عِلْمنَا أَنَّهُ يَكُون , وَلَا أَنَّا نُبْعَث . { وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } يَقُول : وَلَا هَؤُلَاءِ الظَّلَمَة يُسْتَرْجَعُونَ يَوْمئِذٍ عَمَّا كَانُوا يُكَذِّبُونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا .
وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِن جِئْتَهُم بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآن مِنْ كُلّ مَثَل } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَقَدْ مَثَّلْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآن مِنْ كُلّ مَثَل اِحْتِجَاجًا عَلَيْهِمْ , وَتَنْبِيهًا لَهُمْ عَنْ وَحْدَانِيَّة اللَّه .
وَقَوْله { وَلَئِنْ جِئْتهمْ بِآيَةٍ } يَقُول : وَلَئِنْ جِئْت يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الْقَوْم بِآيَةٍ : يَقُول : بِدَلَالَةٍ عَلَى صِدْق مَا تَقُول { لَيَقُولُن الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ } يَقُول : لَيَقُولُن الَّذِينَ جَحَدُوا رِسَالَتك , وَأَنْكَرُوا نُبُوَّتك : إِنْ أَنْتُمْ أَيّهَا الْمُصَدِّقُونَ مُحَمَّدًا فِيمَا أَتَاكُمْ بِهِ إِلَّا مُبْطِلُونَ فِيمَا تَجِيئُونَنَا بِهِ مِنْ هَذِهِ الْأُمُور .
وَقَوْله { وَلَئِنْ جِئْتهمْ بِآيَةٍ } يَقُول : وَلَئِنْ جِئْت يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الْقَوْم بِآيَةٍ : يَقُول : بِدَلَالَةٍ عَلَى صِدْق مَا تَقُول { لَيَقُولُن الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ } يَقُول : لَيَقُولُن الَّذِينَ جَحَدُوا رِسَالَتك , وَأَنْكَرُوا نُبُوَّتك : إِنْ أَنْتُمْ أَيّهَا الْمُصَدِّقُونَ مُحَمَّدًا فِيمَا أَتَاكُمْ بِهِ إِلَّا مُبْطِلُونَ فِيمَا تَجِيئُونَنَا بِهِ مِنْ هَذِهِ الْأُمُور .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كَذَلِكَ يَطْبَع اللَّه عَلَى قُلُوب الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : كَذَلِكَ يَخْتِم اللَّه عَلَى قُلُوب الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ حَقِيقَة مَا تَأْتِيهِمْ بِهِ يَا مُحَمَّد مِنْ عِنْد اللَّه مِنْ هَذِهِ الْعِبَر وَالْعِظَات , وَالْآيَات الْبَيِّنَات , فَلَا يَفْقَهُونَ عَنْ اللَّه حُجَّة , وَلَا يَفْهَمُونَ عَنْهُ مَا يَتْلُو عَلَيْهِمْ مِنْ آي كِتَابه , فَهُمْ لِذَلِكَ فِي طُغْيَانهمْ يَتَرَدَّدُونَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْد اللَّه حَقّ وَلَا يَسْتَخِفَّنك الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَاصْبِرْ يَا مُحَمَّد لِمَا يَنَالك مِنْ أَذَاهُمْ , وَبَلِّغْهُمْ رِسَالَة رَبّك , فَإِنَّ وَعْد اللَّه الَّذِي وَعَدَك مِنْ النَّصْر عَلَيْهِمْ , وَالظَّفَر بِهِمْ , وَتَمْكِينك وَتَمْكِين أَصْحَابك وَتُبَّاعك فِي الْأَرْض حَقّ { وَلَا يَسْتَخِفَّنك الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ } يَقُول : وَلَا يَسْتَخِفَّن حِلْمك وَرَأْيك هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ بِالْمَعَادِ وَلَا يُصَدِّقُونَ بِالْبَعْثِ بَعْد الْمَمَات , فَيُثَبِّطُوك عَنْ أَمْر اللَّه وَالنُّفُوذ لِمَا كَلَّفَك مِنْ تَبْلِيغهمْ رِسَالَته . 21356 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ عَلِيّ بْن رَبِيعَة , أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْخَوَارِج , قَرَأَ خَلْف عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : { لَئِنْ أَشْرَكْت لَيَحْبَطَن عَمَلك وَلَتَكُونَن مِنْ الْخَاسِرِينَ } 39 65 فَقَالَ عَلِيّ : { فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْد اللَّه حَقّ , وَلَا يَسْتَخِفَّنك الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ } * قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن آدَم , عَنْ شَرِيك , عَنْ عُثْمَان بْن أَبِي زُرْعَة عَنْ عَلِيّ بْن رَبِيعَة قَالَ : نَادَى رَجُل مِنْ الْخَوَارِج عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , وَهُوَ فِي صَلَاة الْفَجْر , فَقَالَ { وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْك وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلك لَئِنْ أَشْرَكْت لَيَحْبَطَن عَمَلك وَلَتَكُونَن مِنْ الْخَاسِرِينَ } فَأَجَابَهُ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاة : { فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْد اللَّه حَقّ وَلَا يَسْتَخِفَّنك الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ } 21357 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْد اللَّه حَقّ وَلَا يَسْتَخِفَّنك الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ } قَالَ : قَالَ رَجُل مِنْ الْخَوَارِج خَلْف عَلِيّ فِي صَلَاة الْغَدَاة : { وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْك وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلك لَئِنْ أَشْرَكْت لَيَحْبَطَن عَمَلك وَلَتَكُونَن مِنْ الْخَاسِرِينَ } 39 65 فَأَنْصَتَ لَهُ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ حَتَّى فَهِمَ مَا قَالَ , فَأَجَابَهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاة : { فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْد اللَّه حَقّ , وَلَا يَسْتَخِفَّنك الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ } آخِر تَفْسِير سُورَة الرُّوم .