وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِن بِهَذَا الْقُرْآن وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا } مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَب : { لَنْ نُؤْمِن بِهَذَا الْقُرْآن } الَّذِي جَاءَنَا بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا بِالْكِتَابِ الَّذِي جَاءَ بِهِ غَيْره مِنْ بَيْن يَدَيْهِ , كَمَا : 22053 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { لَنْ نُؤْمِن بِهَذَا الْقُرْآن وَلَا بِالَّذِي بَيْن يَدَيْهِ } قَالَ : قَالَ الْمُشْرِكُونَ : لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآن , وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكُتُب وَالْأَنْبِيَاء .
وَقَوْله : { وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبّهمْ } يَتَلَاوَمُونَ , يُحَاوِر بَعْضهمْ بَعْضًا , يَقُول الْمُسْتَضْعَفُونَ كَانُوا فِي الدُّنْيَا لِلَّذِينَ كَانُوا عَلَيْهِمْ فِيهَا يَسْتَكْبِرُونَ : لَوْلَا أَنْتُمْ أَيّهَا الرُّؤَسَاء وَالْكُبَرَاء فِي الدُّنْيَا لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَآيَاته .
وَقَوْله : { وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبّهمْ } يَتَلَاوَمُونَ , يُحَاوِر بَعْضهمْ بَعْضًا , يَقُول الْمُسْتَضْعَفُونَ كَانُوا فِي الدُّنْيَا لِلَّذِينَ كَانُوا عَلَيْهِمْ فِيهَا يَسْتَكْبِرُونَ : لَوْلَا أَنْتُمْ أَيّهَا الرُّؤَسَاء وَالْكُبَرَاء فِي الدُّنْيَا لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَآيَاته .
قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا } فِي الدُّنْيَا , فَرَأَسُوا فِي الضَّلَالَة وَالْكُفْر بِاللَّهِ { لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا } فِيهَا فَكَانُوا أَتْبَاعًا لِأَهْلِ الضَّلَالَة مِنْهُمْ إِذْ قَالُوا لَهُمْ { لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى } وَمَنَعْنَاكُمْ مِنْ اتِّبَاع الْحَقّ { بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ } مِنْ عِنْد اللَّه , يُبَيِّن لَكُمْ { بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ } فَمَنَعَكُمْ إِيثَاركُمْ الْكُفْرَ بِاللَّهِ عَلَى الْإِيمَان مِنْ اتِّبَاع الْهُدَى , وَالْإِيمَان بِاللَّهِ وَرَسُوله .
وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْر اللَّيْل وَالنَّهَار إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُر بِاللَّهِ وَنَجْعَل لَهُ أَنْدَادًا } وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاق الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا } مِنْ الْكَفَرَة بِاللَّهِ فِي الدُّنْيَا , فَكَانُوا أَتْبَاعًا لِرُؤَسَائِهِمْ فِي الضَّلَالَة { لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا } فِيهَا , فَكَانُوا لَهُمْ رُؤَسَاء { بَلْ مَكْر } كُمْ لَنَا بِ { اللَّيْل وَالنَّهَار } صَدَّنَا عَنِ الْهُدَى { إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُر بِاللَّهِ وَنَجْعَل لَهُ } أَمْثَالًا وَأَشْبَاهًا فِي الْعِبَادَة وَالْأُلُوهَة ; فَأُضِيف إِلَى اللَّيْل وَالنَّهَار , وَالْمَعْنَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ مَكْر الْمُسْتَكْبِرِينَ بِالْمُسْتَضْعَفِينَ فِي اللَّيْل وَالنَّهَار , عَلَى اتِّسَاع الْعَرَب فِي الَّذِي قَدْ عُرِفَ مَعْنَاهَا فِيهِ مِنْ مَنْطِقهَا , مِنْ نَقْل صِفَة الشَّيْء إِلَى غَيْره , فَتَقُول لِلرَّجُلِ : يَا فُلَان نَهَارُك صَائِم وَلَيْلُك قَائِم , وَكَمَا قَالَ الشَّاعِر : وَنِمْت وَمَا لَيْل الْمَطِيّ بِنَائِمٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ مَضَى بَيَانًا لَهُ فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع مِنْ كِتَابنَا هَذَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22054 حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { بَلْ مَكْر اللَّيْل وَالنَّهَار إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُر بِاللَّهِ وَنَجْعَل لَهُ أَنْدَادًا } يَقُول : بَلْ مَكْركُمْ بِنَا فِي اللَّيْل وَالنَّهَار أَيُّهَا الْعُظَمَاء الرُّؤَسَاء حَتَّى أَزَلْتُمُونَا عَنْ عِبَادَة اللَّه . وَقَدْ ذَكَرَ فِي تَأْوِيله عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر مَا : 22055 حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن يَمَان , عَنْ أَشْعَث , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر { بَلْ مَكْر اللَّيْل وَالنَّهَار } قَالَ : مَرّ اللَّيْل وَالنَّهَار . وَقَوْله : { إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُر بِاللَّهِ } يَقُول : حِين تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُر بِاللَّهِ. وَقَوْله : { وَنَجْعَل لَهُ أَنْدَادًا } يَقُول : شُرَكَاء , كَمَا : 22056 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَنَجْعَل لَهُ أَنْدَادًا } شُرَكَاء .
قَوْله : { وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ } يَقُول : وَنَدِمُوا عَلَى مَا فَرَّطُوا مِنْ طَاعَة اللَّه فِي الدُّنْيَا حِين عَايَنُوا عَذَاب اللَّه الَّذِي أَعَدَّهُ لَهُمْ , كَمَا : 22057 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , { وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ } بَيْنَهُمْ { لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ } .
قَوْله : { وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاق الَّذِينَ كَفَرُوا } وَغُلَّتْ أَيْدِي الْكَافِرِينَ بِاللَّهِ فِي جَهَنَّم إِلَى أَعْنَاقهمْ فِي جَوَامِع مِنْ نَار جَهَنَّم , جَزَاء بِمَا كَانُوا بِاللَّهِ فِي الدُّنْيَا يَكْفُرُونَ , يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : مَا يَفْعَل اللَّه ذَلِكَ بِهِمْ إِلَّا ثَوَابًا لِأَعْمَالِهِمْ الْخَبِيثَة الَّتِي كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَعْمَلُونَهَا , وَمُكَافَأَةً لَهُمْ عَلَيْهَا .
قَوْله : { وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ } يَقُول : وَنَدِمُوا عَلَى مَا فَرَّطُوا مِنْ طَاعَة اللَّه فِي الدُّنْيَا حِين عَايَنُوا عَذَاب اللَّه الَّذِي أَعَدَّهُ لَهُمْ , كَمَا : 22057 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , { وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ } بَيْنَهُمْ { لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ } .
قَوْله : { وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاق الَّذِينَ كَفَرُوا } وَغُلَّتْ أَيْدِي الْكَافِرِينَ بِاللَّهِ فِي جَهَنَّم إِلَى أَعْنَاقهمْ فِي جَوَامِع مِنْ نَار جَهَنَّم , جَزَاء بِمَا كَانُوا بِاللَّهِ فِي الدُّنْيَا يَكْفُرُونَ , يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : مَا يَفْعَل اللَّه ذَلِكَ بِهِمْ إِلَّا ثَوَابًا لِأَعْمَالِهِمْ الْخَبِيثَة الَّتِي كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَعْمَلُونَهَا , وَمُكَافَأَةً لَهُمْ عَلَيْهَا .
وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَة مِنْ نَذِير إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَا بَعَثْنَا إِلَى أَهْل قَرْيَة نَذِيرًا يُنْذِرهُمْ بَأْسَنَا أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ عَلَى مَعْصِيَتهمْ إِيَّانَا , إِلَّا قَالَ كُبَرَاؤُهَا وَرُؤَسَاؤُهَا فِي الضَّلَالَة كَمَا قَالَ قَوْم فِرْعَوْن مِنْ الْمُشْرِكِينَ لَهُ : إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ مِنْ النِّذَارَة , وَبُعِثْتُمْ بِهِ مِنْ تَوْحِيد اللَّه , وَالْبَرَاءَة مِنَ الْآلِهَة وَالْأَنْدَاد كَافِرُونَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22058 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَة مِنْ نَذِير إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } قَالَ : هُمْ رُءُوسهمْ وَقَادَتهمْ فِي الشَّرّ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَر أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَالَ أَهْل الِاسْتِكْبَار عَلَى اللَّه مِنْ كُلّ قَرْيَة أَرْسَلْنَا فِيهَا نَذِيرًا لِأَنْبِيَائِنَا وَرُسُلنَا : { نَحْنُ أَكْثَر أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا } وَمَا نَحْنُ فِي الْآخِرَة { بِمُعَذَّبِينَ } لِأَنَّ اللَّهَ لَوْ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا مَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنَ الْمِلَّة وَالْعَمَل لَمْ يُخَوِّلنَا الْأَمْوَالَ وَالْأَوْلَاد , وَلَمْ يَبْسُط لَنَا فِي الرِّزْق , وَإِنَّمَا أَعْطَانَا مَا أَعْطَانَا مِنْ ذَلِكَ لِرِضَاهُ أَعْمَالَنَا , وَآثَرَنَا بِمَا آثَرَنَا عَلَى غَيْرنَا لِفَضْلِنَا , وَزُلْفَة لَنَا عِنْدَهُ , يَقُول اللَّه لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد : { إِنَّ رَبِّي يَبْسُط الرِّزْق } مِنْ الْمَعَاش وَالرِّيَاش فِي الدُّنْيَا { لِمَنْ يَشَاء } مِنْ خَلْقه { وَيَقْدِر } فَيُضَيِّق عَلَى مَنْ يَشَاء لَا لِمَحَبَّةٍ فِيمَنْ يَبْسُط لَهُ ذَلِكَ وَلَا خَيْر فِيهِ وَلَا زُلْفَة لَهُ , اسْتَحَقَّ بِهَا مِنْهُ , وَلَا لِبُغْضٍ مِنْهُ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ , وَلَا مَقْت , وَلَكِنَّهُ يَفْعَل ذَلِكَ مِحْنَة لِعِبَادِهِ وَابْتِلَاء , وَأَكْثَر النَّاس لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَفْعَل ذَلِكَ اخْتِبَارًا لِعِبَادِهِ , وَلَكِنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ مَحَبَّة لِمَنْ بَسَطَ لَهُ وَمَقْت لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22059 حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَمَا أَمْوَالكُمْ وَلَا أَوْلَادكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى } الْآيَة , قَالَ : قَالُوا : نَحْنُ أَكْثَر أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا , فَأَخْبَرَهُمُ اللَّه أَنَّهُ لَيْسَتْ أَمْوَالكُمْ وَلَا أَوْلَادكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى , { إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا } , قَالَ : وَهَذَا قَوْل الْمُشْرِكِينَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه , قَالُوا : لَوْ لَمْ يَكُنْ اللَّه عَنَّا رَاضِيًا لَمْ يُعْطِنَا هَذَا , كَمَا قَالَ قَارُون : لَوْلَا أَنَّ اللَّه رَضِيَ بِي وَبِحَالِي مَا أَعْطَانِي هَذَا , قَالَ : { أَوْ لَمْ يَعْلَم أَنَّ اللَّه قَدْ أَهْلَك مِنْ قَبْله مِنَ الْقُرُون } 28 78 ... إِلَى آخِر الْآيَة .
قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ↓
يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَالَ أَهْل الِاسْتِكْبَار عَلَى اللَّه مِنْ كُلّ قَرْيَة أَرْسَلْنَا فِيهَا نَذِيرًا لِأَنْبِيَائِنَا وَرُسُلنَا : { نَحْنُ أَكْثَر أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا } وَمَا نَحْنُ فِي الْآخِرَة { بِمُعَذَّبِينَ } لِأَنَّ اللَّهَ لَوْ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا مَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنَ الْمِلَّة وَالْعَمَل لَمْ يُخَوَّلنَا الْأَمْوَالَ وَالْأَوْلَادَ , وَلَمْ يَبْسُط لَنَا فِي الرِّزْق , وَإِنَّمَا أَعْطَانَا مَا أَعْطَانَا مِنْ ذَلِكَ لِرِضَاهُ أَعْمَالَنَا , وَآثَرَنَا بِمَا آثَرَنَا عَلَى غَيْرنَا لِفَضْلِنَا , وَزُلْفَة لَنَا عِنْده , يَقُول اللَّه لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد : { إِنَّ رَبِّي يَبْسُط الرِّزْق } مِنْ الْمَعَاش وَالرِّيَاش فِي الدُّنْيَا { لِمَنْ يَشَاء } مِنْ خَلْقه { وَيَقْدِر } فَيُضَيِّق عَلَى مَنْ يَشَاء لَا لِمَحَبَّةٍ فِيمَنْ يَبْسُط لَهُ ذَلِكَ وَلَا خَيْر فِيهِ وَلَا زُلْفَة لَهُ , اسْتَحَقَّ بِهَا مِنْهُ , وَلَا لِبُغْضٍ مِنْهُ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ , وَلَا مَقْت , وَلَكِنَّهُ يَفْعَل ذَلِكَ مِحْنَةً لِعِبَادِهِ وَابْتِلَاءً , وَأَكْثَر النَّاس لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَفْعَل ذَلِكَ اخْتِبَارًا لِعِبَادِهِ , وَلَكِنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ مَحَبَّة لِمَنْ بَسَطَ لَهُ وَمَقْت لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22059 حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَمَا أَمْوَالكُمْ وَلَا أَوْلَادكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى } الْآيَة , قَالَ : قَالُوا : نَحْنُ أَكْثَر أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا , فَأَخْبَرَهُمُ اللَّه أَنَّهُ لَيْسَتْ أَمْوَالكُمْ وَلَا أَوْلَادكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى , { إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا } , قَالَ : وَهَذَا قَوْل الْمُشْرِكِينَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه , قَالُوا : لَوْ لَمْ يَكُنْ اللَّه عَنَّا رَاضِيًا لَمْ يُعْطِنَا هَذَا , كَمَا قَالَ قَارُون : لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ رَضِيَ بِي وَبِحَالِي مَا أَعْطَانِي هَذَا , قَالَ : { أَوَلَمْ يَعْلَم أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَك مِنْ قَبْله مِنَ الْقُرُون } 28 78 ... إِلَى آخِر الْآيَة .
وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا أَمْوَالكُمْ وَلَا أَوْلَادكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَمَا أَمْوَالكُمْ الَّتِي تَفْتَخِرُونَ بِهَا أَيّهَا الْقَوْم عَلَى النَّاس , وَلَا أَوْلَادكُمْ الَّذِينَ تَتَكَبَّرُونَ بِهِمْ بِالَّتِي تُقَرِّبكُمْ مِنَّا قُرْبَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22060 حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { عِنْدَنَا زُلْفَى } قَالَ : قُرْبَى . 22061 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَمَا أَمْوَالكُمْ وَلَا أَوْلَادكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى } لَا يَعْتَبِر النَّاس بِكَثْرَةِ الْمَال وَالْوَلَد , وَإِنَّ الْكَافِرَ قَدْ يُعْطَى الْمَالَ , وَرُبَّمَا حُبِسَ عَنِ الْمُؤْمِن . وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَمَا أَمْوَالكُمْ وَلَا أَوْلَادكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى } وَلَمْ يَقُلْ بِاللَّتَيْنِ , وَقَدْ ذَكَرَ الْأَمْوَالَ وَالْأَوْلَادَ , وَهُمَا نَوْعَانِ مُخْتَلِفَانِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ مِنْ كُلّ نَوْع مِنْهُمَا جَمْع يَصْلُح فِيهِ الَّتِي ; وَلَوْ قَالَ قَائِل : أَرَادَ بِذَلِكَ أَحَد النَّوْعَيْنِ لَمْ يَبْعُد قَوْله , وَكَانَ ذَلِكَ كَقَوْلِ الشَّاعِر : نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا , وَأَنْتَ بِمَا عِنْدَك رَاضٍ وَالرَّأْي مُخْتَلِف وَلَمْ يَقُلْ : رَاضِيَانِ.
وَقَوْله : { إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى ذَلِكَ ; فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَا أَمْوَالكُمْ وَلَا أَوْلَادكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى , إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا , فَإِنَّهُ تُقَرِّبهُمْ أَمْوَالهمْ وَأَوْلَادهمْ بِطَاعَتِهِمْ اللَّه فِي ذَلِكَ وَأَدَائِهِمْ فِيهِ حَقّه إِلَى اللَّه زُلْفَى دُونَ أَهْل الْكُفْر بِاللَّهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22062 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْل اللَّه : { إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا } قَالَ : لَمْ تَضُرّهُمْ أَمْوَالهمْ وَلَا أَوْلَادهمْ فِي الدُّنْيَا لِلْمُؤْمِنِينَ , وَقَرَأَ : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَة } 10 26 فَالْحُسْنَى : الْجَنَّة , وَالزِّيَادَة : مَا أَعْطَاهُمُ اللَّه فِي الدُّنْيَا لَمْ يُحَاسِبهُمْ بِهِ , كَمَا حَاسَبَ الْآخَرِينَ , فَمَنْ حَمَلَهَا عَلَى هَذَا التَّأْوِيل نَصَبَ بِوُقُوعِ تُقَرِّب عَلَيْهِ , وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُونَ " مَنْ " فِي مَوْضِع رَفْع , فَيَكُون كَأَنَّهُ قِيلَ : وَمَا هُوَ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا .
وَقَوْله : { فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْف } يَقُول : فَهَؤُلَاءِ لَهُمْ مِنَ اللَّه عَلَى أَعْمَالهمْ الصَّالِحَة الضِّعْف مِنْ الثَّوَاب , بِالْوَاحِدَةِ عَشْر . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22063 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْف بِمَا عَمِلُوا } قَالَ : بِأَعْمَالِهِمْ الْوَاحِد عَشْر , وَفِي سَبِيل اللَّه بِالْوَاحِدِ سَبْعمِائَة .
وَقَوْله : { فِي الْغُرُفَات آمِنُونَ } يَقُول : وَهُمْ فِي غُرُفَات الْجَنَّات آمِنُونَ مِنْ عَذَاب اللَّه .
وَقَوْله : { إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى ذَلِكَ ; فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَا أَمْوَالكُمْ وَلَا أَوْلَادكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى , إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا , فَإِنَّهُ تُقَرِّبهُمْ أَمْوَالهمْ وَأَوْلَادهمْ بِطَاعَتِهِمْ اللَّه فِي ذَلِكَ وَأَدَائِهِمْ فِيهِ حَقّه إِلَى اللَّه زُلْفَى دُونَ أَهْل الْكُفْر بِاللَّهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22062 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْل اللَّه : { إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا } قَالَ : لَمْ تَضُرّهُمْ أَمْوَالهمْ وَلَا أَوْلَادهمْ فِي الدُّنْيَا لِلْمُؤْمِنِينَ , وَقَرَأَ : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَة } 10 26 فَالْحُسْنَى : الْجَنَّة , وَالزِّيَادَة : مَا أَعْطَاهُمُ اللَّه فِي الدُّنْيَا لَمْ يُحَاسِبهُمْ بِهِ , كَمَا حَاسَبَ الْآخَرِينَ , فَمَنْ حَمَلَهَا عَلَى هَذَا التَّأْوِيل نَصَبَ بِوُقُوعِ تُقَرِّب عَلَيْهِ , وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُونَ " مَنْ " فِي مَوْضِع رَفْع , فَيَكُون كَأَنَّهُ قِيلَ : وَمَا هُوَ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا .
وَقَوْله : { فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْف } يَقُول : فَهَؤُلَاءِ لَهُمْ مِنَ اللَّه عَلَى أَعْمَالهمْ الصَّالِحَة الضِّعْف مِنْ الثَّوَاب , بِالْوَاحِدَةِ عَشْر . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22063 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْف بِمَا عَمِلُوا } قَالَ : بِأَعْمَالِهِمْ الْوَاحِد عَشْر , وَفِي سَبِيل اللَّه بِالْوَاحِدِ سَبْعمِائَة .
وَقَوْله : { فِي الْغُرُفَات آمِنُونَ } يَقُول : وَهُمْ فِي غُرُفَات الْجَنَّات آمِنُونَ مِنْ عَذَاب اللَّه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَاب مُحْضَرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَالَّذِينَ يَعْمَلُونَ فِي آيَاتنَا , يَعْنِي : فِي حُجَجنَا وَآي كِتَابنَا , يَبْتَغُونَ إِبْطَالَهُ , وَيُرِيدُونَ إِطْفَاءَ نُوره مُعَاوِنِينَ , يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يَفُوتُونَنَا بِأَنْفُسِهِمْ , وَيُعْجِزُونَنَا { أُولَئِكَ فِي الْعَذَاب مُحْضَرُونَ } يَعْنِي فِي عَذَاب جَهَنَّم مُحْضَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَة
قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ↓
{ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُط الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قُلْ يَا مُحَمَّد إِنَّ رَبِّي يَبْسُط الرِّزْق لِمَنْ يَشَاء مِنْ خَلْقه , فَيُوَسِّعهُ عَلَيْهِ تَكْرِمَة لَهُ وَغَيْر تَكْرِمَة , وَيَقْدِر عَلَى مَنْ يَشَاء مِنْهُمْ فَيُضَيِّقهُ وَيُقَتِّرهُ إِهَانَةً لَهُ وَغَيْر إِهَانَة , بَلْ مِحْنَة وَاخْتِبَارًا { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْء فَهُوَ يُخْلِفهُ } يَقُول : وَمَا أَنْفَقْتُمْ أَيّهَا النَّاس مِنْ نَفَقَة فِي طَاعَة اللَّه , فَإِنَّ اللَّهَ يُخْلِفُهَا عَلَيْكُمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22064 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ الْمِنْهَال بْن عَمْرو , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْء فَهُوَ يُخْلِفهُ } قَالَ : مَا كَانَ فِي غَيْر إِسْرَاف وَلَا تَقْتِير. وَقَوْله : { وَهُوَ خَيْر الرَّازِقِينَ } يَقُول : وَهُوَ خَيْر مَنْ قِيلَ إِنَّهُ يَرْزُق وَوُصِفَ بِهِ , وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يُوصَف بِذَلِكَ مَنْ دُونَهُ , فَيُقَال : فُلَان يَرْزُق أَهْلَهُ وَعِيَالَهُ .
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَوْم يَحْشُرهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُول لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَيَوْم نَحْشُر هَؤُلَاءِ الْكُفَّار بِاللَّهِ جَمِيعًا , ثُمَّ نَقُول لِلْمَلَائِكَةِ : أَهَؤُلَاءِ كَانُوا يَعْبُدُونَكُمْ مِنْ دُوننَا ؟ فَتَتَبَرَّأ مِنْهُمُ الْمَلَائِكَة
قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ ↓
{ قَالُوا سُبْحَانَك } رَبّنَا , تَنْزِيهًا لَك وَتَبْرِئَةً مِمَّا أَضَافَ إِلَيْك هَؤُلَاءِ مِنْ الشُّرَكَاء وَالْأَنْدَاد { أَنْتَ وَلِيّنَا مِنْ دُونهمْ } لَا نَتَّخِذ وَلِيًّا دُونَك { بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ } وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22065 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَيَوْم نَحْشُرهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُول لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ } اسْتِفْهَام , كَقَوْلِهِ لِعِيسَى : { أَأَنْت قُلْت لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُون اللَّه } 5 116 وَقَوْله : { أَكْثَرهمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ } يَقُول : أَكْثَرهمْ بِالْجِنِّ مُصَدِّقُونَ , يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ بَنَات اللَّه , تَعَالَى اللَّه عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا .
فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعًا وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَالْيَوْم لَا يَمْلِك بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُول لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّار الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَالْيَوْم لَا يَمْلِك بَعْضكُمْ أَيّهَا الْمَلَائِكَة لِلَّذِينَ كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَعْبُدُونَكُمْ نَفْعًا يَنْفَعُونَكُمْ بِهِ وَلَا ضَرًّا يَنَالُونَكُمْ بِهِ , أَوْ تَنَالُونَهُمْ بِهِ { وَنَقُول لِلَّذِينَ ظَلَمُوا } يَقُول : وَنَقُول لِلَّذِينَ عَبَدُوا غَيْرَ اللَّه فَوَضَعُوا الْعِبَادَةَ فِي غَيْر مَوْضِعهَا , وَجَعَلُوهَا لِغَيْرِ مَنْ تَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ لَهُ : { ذُوقُوا عَذَابَ النَّار الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا } فِي الدُّنْيَا { تُكَذِّبُونَ } فَقَدْ وَرَدْتُمُوهَا .
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ مُّفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتنَا بَيِّنَات } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِذَا تُتْلَى عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ آيَات كِتَابنَا { بَيِّنَات } يَقُول : وَاضِحَات أَنَّهُنَّ حَقّ مِنْ عِنْدنَا
{ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُل يُرِيد أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُد آبَاؤُكُمْ } يَقُول : قَالُوا عِنْدَ ذَلِكَ : لَا تَتَّبِعُوا مُحَمَّدًا , فَمَا هُوَ إِلَّا رَجُل يُرِيد أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُد آبَاؤُكُمْ مِنَ الْأَوْثَان , وَيُغَيِّر دِينَكُمْ وَدِينَ آبَائِكُمْ
{ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْك مُفْتَرًى } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَالَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ : مَا هَذَا الَّذِي تَتْلُو عَلَيْنَا يَا مُحَمَّد , يَعْنُونَ الْقُرْآنَ , إِلَّا إِفْك , يَقُول : إِلَّا كَذِبٌ مُفْتَرًى ; يَقُول : مُخْتَلَق . مُتَخَرَّص
{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْر مُبِين } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَقَالَ الْكُفَّار لِلْحَقِّ , يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا جَاءَهُمْ , يَعْنِي : لَمَّا بَعَثَهُ اللَّه نَبِيًّا : هَذَا سِحْر مُبِين ; يَقُول : مَا هَذَا إِلَّا سِحْر مُبِين , يُبَيِّن لِمَنْ رَآهُ وَتَأَمَّلَهُ أَنَّهُ سِحْر.
{ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُل يُرِيد أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُد آبَاؤُكُمْ } يَقُول : قَالُوا عِنْدَ ذَلِكَ : لَا تَتَّبِعُوا مُحَمَّدًا , فَمَا هُوَ إِلَّا رَجُل يُرِيد أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُد آبَاؤُكُمْ مِنَ الْأَوْثَان , وَيُغَيِّر دِينَكُمْ وَدِينَ آبَائِكُمْ
{ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْك مُفْتَرًى } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَالَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ : مَا هَذَا الَّذِي تَتْلُو عَلَيْنَا يَا مُحَمَّد , يَعْنُونَ الْقُرْآنَ , إِلَّا إِفْك , يَقُول : إِلَّا كَذِبٌ مُفْتَرًى ; يَقُول : مُخْتَلَق . مُتَخَرَّص
{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْر مُبِين } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَقَالَ الْكُفَّار لِلْحَقِّ , يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا جَاءَهُمْ , يَعْنِي : لَمَّا بَعَثَهُ اللَّه نَبِيًّا : هَذَا سِحْر مُبِين ; يَقُول : مَا هَذَا إِلَّا سِحْر مُبِين , يُبَيِّن لِمَنْ رَآهُ وَتَأَمَّلَهُ أَنَّهُ سِحْر.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُب يَدْرُسُونَهَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُشْرِكِينَ الْقَائِلِينَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا : هَذَا سِحْر مُبِين بِمَا يَقُولُونَ مِنْ ذَلِكَ كُتُبًا يَدْرُسُونَهَا : يَقُول : يَقْرَءُونَهَا , كَمَا : 22066 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُب يَدْرُسُونَهَا } : أَيْ يَقْرَءُونَهَا .
{ وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَك مِنْ نَذِير } يَقُول : وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمِك يَا مُحَمَّد فِيمَا يَقُولُونَ وَيَعْمَلُونَ قَبْلَك مِنْ نَبِيّ يُنْذِرهُمْ بَأْسَنَا عَلَيْهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22067 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَك مِنْ نَذِير } مَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى الْعَرَب كِتَابًا قَبْلَ الْقُرْآن , وَلَا بَعَثَ إِلَيْهِمْ نَبِيًّا قَبْلَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
{ وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَك مِنْ نَذِير } يَقُول : وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمِك يَا مُحَمَّد فِيمَا يَقُولُونَ وَيَعْمَلُونَ قَبْلَك مِنْ نَبِيّ يُنْذِرهُمْ بَأْسَنَا عَلَيْهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22067 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَك مِنْ نَذِير } مَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى الْعَرَب كِتَابًا قَبْلَ الْقُرْآن , وَلَا بَعَثَ إِلَيْهِمْ نَبِيًّا قَبْلَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ↓
وَقَوْله : { وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ } يَقُول : وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ مِنَ الْأُمَم رُسُلنَا وَتَنْزِيلنَا
{ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ } يَقُول : وَلَمْ يَبْلُغ قَوْمك يَا مُحَمَّد عُشْر مَا أَعْطَيْنَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ مِنَ الْأُمَم مِنَ الْقُوَّة وَالْأَيْدِي وَالْبَطْش , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ النِّعَم . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22068 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ } مِنَ الْقُوَّة فِي الدُّنْيَا. 22069 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله { وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ } يَقُول : مَا جَاوَزُوا مِعْشَارَ مَا أَنْعَمْنَا عَلَيْهِمْ . 22070 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ } يُخْبِركُمْ أَنَّهُ أَعْطَى الْقَوْمَ مَا لَمْ يُعْطِكُمْ مِنَ الْقُوَّة وَغَيْر ذَلِكَ . 22071 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ } قَالَ : مَا بَلَغَ هَؤُلَاءِ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِعْشَار مَا آتَيْنَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ , وَمَا أَعْطَيْنَاهُمْ مِنْ الدُّنْيَا , وَبَسَطْنَا عَلَيْهِمْ { فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِير } يَقُول : فَكَذَّبُوا رُسُلِي فِيمَا أَتَوْهُمْ بِهِ مِنْ رِسَالَتِي , فَعَاقَبْنَاهُمْ بِتَغْيِيرِنَا بِهِمْ مَا كُنَّا آتَيْنَاهُمْ مِنْ النِّعَم , فَانْظُرْ يَا مُحَمَّد كَيْفَ كَانَ نَكِير . يَقُول : كَيْفَ كَانَ تَغْيِيرِي بِهِمْ وَعُقُوبَتِي .
{ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ } يَقُول : وَلَمْ يَبْلُغ قَوْمك يَا مُحَمَّد عُشْر مَا أَعْطَيْنَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ مِنَ الْأُمَم مِنَ الْقُوَّة وَالْأَيْدِي وَالْبَطْش , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ النِّعَم . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22068 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ } مِنَ الْقُوَّة فِي الدُّنْيَا. 22069 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله { وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ } يَقُول : مَا جَاوَزُوا مِعْشَارَ مَا أَنْعَمْنَا عَلَيْهِمْ . 22070 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ } يُخْبِركُمْ أَنَّهُ أَعْطَى الْقَوْمَ مَا لَمْ يُعْطِكُمْ مِنَ الْقُوَّة وَغَيْر ذَلِكَ . 22071 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ } قَالَ : مَا بَلَغَ هَؤُلَاءِ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِعْشَار مَا آتَيْنَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ , وَمَا أَعْطَيْنَاهُمْ مِنْ الدُّنْيَا , وَبَسَطْنَا عَلَيْهِمْ { فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِير } يَقُول : فَكَذَّبُوا رُسُلِي فِيمَا أَتَوْهُمْ بِهِ مِنْ رِسَالَتِي , فَعَاقَبْنَاهُمْ بِتَغْيِيرِنَا بِهِمْ مَا كُنَّا آتَيْنَاهُمْ مِنْ النِّعَم , فَانْظُرْ يَا مُحَمَّد كَيْفَ كَانَ نَكِير . يَقُول : كَيْفَ كَانَ تَغْيِيرِي بِهِمْ وَعُقُوبَتِي .
قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمك : إِنَّمَا أَعِظُكُمْ أَيّهَا الْقَوْم بِوَاحِدَةٍ وَهِيَ طَاعَة اللَّه , كَمَا : 22072 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { إِنَّمَا أَعِظكُمْ بِوَاحِدَةٍ } قَالَ : بِطَاعَةِ اللَّه . وَقَوْله : { أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى } يَقُول : وَتِلْكَ الْوَاحِدَة الَّتِي أَعِظكُمْ بِهَا هِيَ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ , { وَفُرَادَى } فُرَادَى , فَأَنْ فِي مَوْضِع خَفْض تَرْجَمَة عَنِ الْوَاحِدَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22073 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثني أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى } قَالَ : وَاحِدًا وَاثْنَيْنِ . 22074 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى } رَجُلًا وَرَجُلَيْنِ , وَقِيلَ : إِنَّمَا قِيلَ : إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ , وَتِلْكَ الْوَاحِدَة أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ بِالنَّصِيحَةِ وَتَرْك الْهَوَى . { مَثْنَى } يَقُول : يَقُوم الرَّجُل مِنْكُمْ مَعَ آخَر فَيَتَصَادَقَانِ عَلَى الْمُنَاظَرَة , هَلْ عَلِمْتُمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُنُونًا قَطُّ ؟ ثُمَّ يَنْفَرِد كُلّ وَاحِد مِنْكُمْ , فَيَتَفَكَّر وَيَعْتَبِر فَرْدًا هَلْ كَانَ ذَلِكَ بِهِ ؟ فَتَعْلَمُوا حِينَئِذٍ أَنَّهُ نَذِير لَكُمْ .
وَقَوْله : { ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّة } يَقُول : لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَجْنُونٍ
وَقَوْله { إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِير لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَاب شَدِيد } يَقُول : مَا مُحَمَّد إِلَّا نَذِير لَكُمْ يُنْذِركُمْ عَلَى كُفْركُمْ بِاللَّهِ عِقَابه أَمَامَ عَذَاب جَهَنَّم قَبْل أَنْ تَصْلَوْهَا , وَقَوْله : " هُوَ " كِنَايَة اسْم مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَقَوْله : { ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّة } يَقُول : لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَجْنُونٍ
وَقَوْله { إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِير لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَاب شَدِيد } يَقُول : مَا مُحَمَّد إِلَّا نَذِير لَكُمْ يُنْذِركُمْ عَلَى كُفْركُمْ بِاللَّهِ عِقَابه أَمَامَ عَذَاب جَهَنَّم قَبْل أَنْ تَصْلَوْهَا , وَقَوْله : " هُوَ " كِنَايَة اسْم مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْر فَهُوَ لَكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قُلْ يَا مُحَمَّد لِقَوْمِك الْمُكَذِّبِيكَ , الرَّادِّينَ عَلَيْك مَا أَتَيْتهمْ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّك : مَا أَسْأَلكُمْ مِنْ جُعْل عَلَى إِنْذَارِيكُمْ عَذَابَ اللَّه , وَتَخْوِيفكُمْ بِهِ بَأْسَهُ , وَنَصِيحَتِي لَكُمْ فِي أَمْرِي إِيَّاكُمْ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ , وَالْعَمَل بِطَاعَتِهِ , فَهُوَ لَكُمْ لَا حَاجَة لِي بِهِ , وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام : قُلْ لَهُمْ : إِنِّي لَمْ أَسْأَلكُمْ عَلَى ذَلِكَ جُعْلًا فَتَتَّهِمُونِي , وَتَظُنُّوا أَنِّي إِنَّمَا دَعَوْتُكُمْ إِلَى اتِّبَاعِي لِمَالٍ آخُذهُ مِنْكُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22075 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْر } : أَيْ جُعْل { فَهُوَ لَكُمْ } يَقُول : لَمْ أَسْأَلكُمْ عَلَى الْإِسْلَام جُعْلًا .
وَقَوْله : { إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّه } يَقُول : مَا ثَوَابِي عَلَى دُعَائِكُمْ إِلَى الْإِيمَان بِاللَّهِ , وَالْعَمَل بِطَاعَتِهِ , وَتَبْلِيغكُمْ رِسَالَته , إِلَّا عَلَى اللَّه
{ وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء شَهِيد } يَقُول : وَاللَّه عَلَى حَقِيقَة مَا أَقُول لَكُمْ شَهِيد يَشْهَد لِي بِهِ , وَعَلَى غَيْر ذَلِكَ مِنَ الْأَشْيَاء كُلّهَا .
وَقَوْله : { إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّه } يَقُول : مَا ثَوَابِي عَلَى دُعَائِكُمْ إِلَى الْإِيمَان بِاللَّهِ , وَالْعَمَل بِطَاعَتِهِ , وَتَبْلِيغكُمْ رِسَالَته , إِلَّا عَلَى اللَّه
{ وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء شَهِيد } يَقُول : وَاللَّه عَلَى حَقِيقَة مَا أَقُول لَكُمْ شَهِيد يَشْهَد لِي بِهِ , وَعَلَى غَيْر ذَلِكَ مِنَ الْأَشْيَاء كُلّهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِف بِالْحَقِّ عَلَّام الْغُيُوب } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { قُلْ } يَا مُحَمَّد لِمُشْرِكِي قَوْمِك { إِنَّ رَبِّي يَقْذِف بِالْحَقِّ } وَهُوَ الْوَحْي , يَقُول : يُنَزِّلهُ مِنَ السَّمَاء , فَيَقْذِفهُ إِلَى نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { عَلَّام الْغُيُوب } يَقُول : عَلَّام مَا يَغِيب عَنِ الْأَبْصَار , وَلَا مُظْهِرَ لَهَا , وَمَا لَمْ يَكُنْ مِمَّا هُوَ كَائِن , وَذَلِكَ مِنْ صِفَة الرَّبّ ; غَيْر أَنَّهُ رُفِعَ لِمَجِيئِهِ بَعْدَ الْخَبَر , وَكَذَلِكَ تَفْعَل الْعَرَب إِذَا وَقَعَ النَّعْت بَعْدَ الْخَبَر , فِي أَنَّ أَتْبَعُوا النَّعْتَ إِعْرَاب مَا فِي الْخَبَر , فَقَالُوا : إِنَّ أَبَاك يَقُوم الْكَرِيمُ , فَرُفِعَ الْكَرِيم عَلَى مَا وَصَفْت , وَالنَّصْب فِيهِ جَائِز , لِأَنَّهُ نَعْت لِلْأَبِ , فَيَتْبَع إِعْرَابه
{ قُلْ جَاءَ الْحَقّ } يَقُول : قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد : جَاءَ الْقُرْآن وَوَحْي اللَّه { وَمَا يُبْدِئ الْبَاطِل } يَقُول : وَمَا يُنْشِئ الْبَاطِل خَلْقًا ; وَالْبَاطِل هُوَ فِيمَا فَسَّرَهُ أَهْل التَّأْوِيل : إِبْلِيس { وَمَا يُعِيد } يَقُول : وَلَا يُعِيدهُ حَيًّا بَعْدَ فَنَائِهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22076 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِف بِالْحَقِّ } : أَيْ بِالْوَحْيِ { عَلَّام الْغُيُوب قُلْ جَاءَ الْحَقّ } أَيْ الْقُرْآن { وَمَا يُبْدِئ الْبَاطِل وَمَا يُعِيد } , وَالْبَاطِل : إِبْلِيس : أَيْ مَا يَخْلُق إِبْلِيس أَحَدًا , وَلَا يَبْعَثهُ . 22077 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِف بِالْحَقِّ عَلَّام الْغُيُوب } , فَقَرَأَ : { بَلْ نَقْذِف بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِل } 21 18 ... إِلَى قَوْله { وَلَكُمْ الْوَيْل مِمَّا تَصِفُونَ } 21 18 قَالَ : يُزْهِق اللَّه الْبَاطِلَ , وَيُثْبِت اللَّه الْحَقّ الَّذِي دَمَغَ بِهِ الْبَاطِلَ , يَدْمَغ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِل , فَيُهْلِك الْبَاطِلَ وَيُثْبِت الْحَقَّ , فَذَلِكَ قَوْله { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِف بِالْحَقِّ عَلَّام الْغُيُوب } .
قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ إِنْ ضَلَلْت فَإِنَّمَا أَضِلّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْت فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيع قَرِيب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قُلْ يَا مُحَمَّد لِقَوْمِك : إِنْ ضَلَلْت عَنِ الْهُدَى , فَسَلَكْت غَيْر طَرِيق الْحَقّ , فَإِنَّمَا ضَلَالِي عَنْ الصَّوَاب عَلَى نَفْسِي , يَقُول : فَإِنَّ ضَلَالِي عَنْ الْهُدَى عَلَى نَفْسِي ضَرّه { وَإِنْ اهْتَدَيْت } يَقُول : وَإِنْ اسْتَقَمْت عَلَى الْحَقّ { فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي } يَقُول : فَبِوَحْيِ اللَّه الَّذِي يُوحِي إِلَيَّ , وَتَوْفِيقه لِلِاسْتِقَامَةِ عَلَى مَحَجَّة الْحَقّ وَطَرِيق الْهُدَى . وَقَوْله : { إِنَّهُ سَمِيع قَرِيب } يَقُول : إِنَّ رَبِّي سَمِيع لِمَا أَقُول لَكُمْ , حَافِظ لَهُ , وَهُوَ الْمُجَازِي لِي عَلَى صِدْقِي فِي ذَلِكَ , وَذَلِكَ مِنِّي غَيْر بَعِيد , فَيَتَعَذَّر عَلَيْهِ سَمَاع مَا أَقُول لَكُمْ , وَمَا تَقُولُونَ , وَمَا يَقُولهُ غَيْرنَا , وَلَكِنَّهُ قَرِيب مِنْ كُلّ مُتَكَلِّم يَسْمَع كُلّ مَا يَنْطِق بِهِ , أَقْرَب إِلَيْهِ مِنْ حَبْل الْوَرِيد .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْت وَأُخِذُوا مِنْ مَكَان قَرِيب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَلَوْ تَرَى يَا مُحَمَّد إِذْ فَزِعُوا . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنَيَيْنِ بِهَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِهَا هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ وَصَفَهُمْ تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتنَا بَيِّنَات قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُل يُرِيد أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُد آبَاؤُكُمْ } قَالَ : وَعُنِيَ بِقَوْلِهِ : { إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْت وَأُخِذُوا مِنْ مَكَان قَرِيب } عِنْدَ نُزُول نِقْمَة اللَّه بِهِمْ فِي الدُّنْيَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22078 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْلُهُ : { وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْت } إلَى آخِر الْآيَة , قَالَ : هَذَا مِنْ عَذَاب الدُّنْيَا . 22079 -حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاكَ يَقُول فِي قَوْله : { وَأُخِذُوا مِنْ مَكَان قَرِيب } قَالَ : هَذَا عَذَاب الدُّنْيَا . 22080 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْت } إِلَى آخِر السُّورَة , قَالَ : هَؤُلَاءِ قَتْلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْل بَدْر , نَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَة , قَالَ : وَهُمُ الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّه كُفْرًا , وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَار جَهَنَّم , أَهْل بَدْر مِنَ الْمُشْرِكِينَ. وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِذَلِكَ جَيْش يَخْسِف بِهِمْ بِبَيْدَاءَ مِنَ الْأَرْض. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22081 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد , فِي قَوْله : { وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْت } قَالَ : هُمُ الْجَيْش الَّذِي يَخْسِف بِهِمْ بِالْبَيْدَاءِ , يَبْقَى مِنْهُمْ رَجُل يُخْبِر النَّاسَ بِمَا لَقِيَ أَصْحَابه . 22082 - حَدَّثَنَا عِصَام بْن رَوَّاد بْن الْجَرَّاح , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن سَعِيد , قَالَ : ثني مَنْصُور بْن الْمُعْتَمِر , عَنْ رِبْعِيّ بْن حِرَاش , قَالَ : سَمِعْت حُذَيْفَةَ بْن الْيَمَان يَقُول : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَذَكَرَ فِتْنَة تَكُون بَيْنَ أَهْل الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب . قَالَ : " فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ , إِذْ خَرَجَ عَلَيْهِمْ السُّفْيَانِيّ مِنَ الْوَادِي الْيَابِس فِي فَوْرَة ذَلِكَ , حَتَّى يَنْزِل دِمَشْق , فَيَبْعَث جَيْشَيْنِ : جَيْشًا إِلَى الْمَشْرِق , وَجَيْشًا إِلَى الْمَدِينَة , حَتَّى يَنْزِلُوا بِأَرْضِ بَابِل فِي الْمَدِينَة الْمَلْعُونَة , وَالْبُقْعَة الْخَبِيثَة , فَيَقْتُلُونَ أَكْثَر مِنْ ثَلَاثَة آلَاف , وَيَبْقُرُونَ بِهَا أَكْثَر مِنْ مِائَة امْرَأَة , وَيَقْتُلُونَ بِهَا ثَلَاثمِائَةِ كَبْش مِنْ بَنِي الْعَبَّاس , ثُمَّ يَنْحَدِرُونَ إِلَى الْكُوفَة فَيُخْرِجُونَ مَا حَوْلهَا , ثُمَّ يَخْرُجُونَ مُتَوَجِّهِينَ إِلَى الشَّام , فَتَخْرُج رَايَة هَذَا مِنَ الْكُوفَة , فَتَلْحَق ذَلِكَ الْجَيْش مِنْهَا عَلَى الْفِئَتَيْنِ فَيَقْتُلُونَهُمْ , لَا يَفْلِت مِنْهُمْ مُخْبِر , وَيَسْتَنْقِذُونَ مَا فِي أَيْدِيهمْ مِنَ السَّبْي وَالْغَنَائِم , وَيُخَلِّي جَيْشَهُ التَّالِي بِالْمَدِينَةِ , فَيَنْهَبُونَهَا ثَلَاثَة أَيَّام وَلَيَالِيهَا , ثُمَّ يَخْرُجُونَ مُتَوَجِّهِينَ إِلَى مَكَّة , حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْبَيْدَاءِ , بَعَثَ اللَّه جِبْرِيل , فَيَقُول : يَا جَبْرَائِيل اذْهَبْ فَأَبِدْهُمْ , فَيَضْرِبهَا بِرِجْلِهِ ضَرْبَة يَخْسِف اللَّه بِهِمْ , فَذَلِكَ قَوْله فِي سُورَة سَبَأ { وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْت } الْآيَة , وَلَا يَنْفَلِت مِنْهُمْ إِلَّا رَجُلَانِ : أَحَدهمَا بَشِير , وَالْآخَر نَذِير , وَهُمَا مِنْ جُهَيْنَة , فَلِذَلِكَ جَاءَ الْقَوْل : * وَعِنْدَ جُهَيْنَةَ الْخَبَرُ الْيَقِينُ * 22083 حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن خَلَف الْعَسْقَلَانِيّ قَالَ : سَأَلْت رَوَّاد بْن الْجَرَّاح , عَنِ الْحَدِيث الَّذِي حَدَّثَ بِهِ عَنْهُ , عَنْ سُفْيَان الثَّوْرِيّ , عَنْ مَنْصُور , عَنْ رِبْعِيّ , عَنْ حُذَيْفَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عَنْ قِصَّة ذَكَرَهَا فِي الْفِتَن , قَالَ : فَقُلْت لَهُ : أَخْبِرْنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيث سَمِعْته مِنْ سُفْيَان الثَّوْرِيّ ؟ قَالَ : لَا , قُلْت : فَقَرَأْته عَلَيْهِ , قَالَ : لَا , قُلْت : فَقُرِئَ عَلَيْهِ وَأَنْتَ حَاضِر ؟ قَالَ : لَا , قُلْت : فَمَا قِصَّته , فَمَا خَبَره ؟ قَالَ : جَاءَنِي قَوْم فَقَالُوا : مَعَنَا حَدِيث عَجِيب , أَوْ كَلَام هَذَا مَعْنَاهُ , نَقْرَؤُهُ وَتَسْمَعهُ , قُلْت لَهُمْ : هَاتُوهُ , فَقَرَءُوهُ عَلَيَّ , ثُمَّ ذَهَبُوا فَحَدَّثُوا بِهِ عَنِّي , أَوْ كَلَام هَذَا مَعْنَاهُ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَقَدْ : 22084 -حَدَّثَنِي بِبَعْضِ هَذَا الْحَدِيث مُحَمَّد بْن خَلَف , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز بْن أَبَانَ , عَنْ سُفْيَان الثَّوْرِيّ , عَنْ مَنْصُور , عَنْ رِبْعِيّ , عَنْ حُذَيْفَة , عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , حَدِيث طَوِيلٌ , قَالَ : رَأَيْته فِي كِتَاب الْحُسَيْن بْن عَلِيّ الصُّدَائِيّ , عَنْ شَيْخ , عَنْ رَوَّاد , عَنْ سُفْيَان بِطُولِهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ إِذَا فَزِعُوا عِنْد خُرُوجهمْ مِنْ قُبُورهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22085 - حَدَّثَنِي بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنِ الْحَسَن , قَوْله : { وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا } قَالَ : فَزِعُوا يَوْم الْقِيَامَة حِين خَرَجُوا مِنْ قُبُورهمْ , وَقَالَ قَتَادَة : { وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْت وَأُخِذُوا مِنْ مَكَان قَرِيب } حِين عَايَنُوا عَذَابَ اللَّه. 22086 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَطَاء , عَنِ ابْن مَعْقِل { وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْت } قَالَ : أَفْزَعَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة فَلَمْ يُفَوَّتُوا . وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , وَأَشْبَهَ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِر التَّنْزِيل قَوْل مَنْ قَالَ : وَعِيد اللَّه الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَذَّبُوا رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْمه لِأَنَّ الْآيَاتِ قَبْل هَذِهِ الْآيَة جَاءَتْ بِالْإِخْبَارِ عَنْهُمْ وَعَنْ أَسْبَابهمْ , وَبِوَعِيدِ اللَّه إِيَّاهُمْ مَغَبَّته , وَهَذِهِ الْآيَة فِي سِيَاق تِلْكَ الْآيَات , فَلَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خَبَرًا عَنْ حَالهمْ أَشْبَهَ مِنْهُ بِأَنْ يَكُون خَبَرًا لِمَا لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْر , وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَتَأْوِيل الْكَلَام : وَلَوْ تَرَى يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمك , فَتُعَايِنهُمْ حِين فَزِعُوا مِنْ مُعَايَنَتهمْ عَذَاب اللَّه { فَلَا فَوْت } يَقُول فَلَا سَبِيلَ حِينَئِذٍ أَنْ يَفُوتُوا بِأَنْفُسِهِمْ , أَوْ يُعْجِزُونَا هَرَبًا , وَيَنْجُوا مِنْ عَذَابنَا , كَمَا : 22087 - حَدَّثَنَا عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْت } يَقُول : فَلَا نَجَاة . 22088 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَبْد الْحَمِيد , قَالَ : ثنا مَرْوَان , عَنْ جُوَيْبِر , عَنِ الضَّحَّاك , فِي قَوْله : { وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْت } قَالَ : لَا هَرَبَ . وَقَوْله : { وَأُخِذُوا مِنْ مَكَان قَرِيب } يَقُول : وَأَخَذَهُمُ اللَّه بِعَذَابِهِ مِنْ مَوْضِع قَرِيب ; لِأَنَّهُمْ حَيْثُ كَانُوا مِنَ اللَّه قَرِيب لَا يَبْعُدُونَ عَنْهُ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُش مِنْ مَكَان بَعِيد } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَالَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ حِين عَايَنُوا عَذَابَ اللَّه آمَنَّا بِهِ , يَعْنِي : آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِكِتَابِهِ وَرَسُوله . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22089 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ } قَالُوا : آمَنَّا بِاللَّهِ . 22090 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { قَالُوا آمَنَّا بِهِ } عِنْدَ ذَلِكَ , يَعْنِي : حِينَ عَايَنُوا عَذَابَ اللَّه . 22091 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ } بَعْدَ الْقَتْل وَقَوْله { وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُش } يَقُول : وَمِنْ أَيّ وَجْه لَهُمْ التَّنَاوُش . وَاخْتَلَفَتْ قُرَّاء الْأَمْصَار فِي ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة { التَّنَاوُش } بِغَيْرِ هَمْز , بِمَعْنَى : التَّنَاوُل ; وَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة وَالْبَصْرَة : " التَّنَاؤُش " بِالْهَمْزِ , بِمَعْنَى : التَّنَؤُش , وَهُوَ الْإِبْطَاء , يُقَال مِنْهُ : تَنَاءَشْت الشَّيْءَ : أَخَذْته مِنْ بَعِيد , وَنُشْته : أَخَذْته مِنْ قَرِيب ; وَمِنْ التَّنَؤُش قَوْل الشَّاعِر : تَمَنَّى نَئِيشًا أَنْ يَكُونَ أَطَاعَنِي وَقَدْ حَدَثَتْ بَعْدَ الْأُمُور أُمُور وَمِنَ النَّوْش قَوْل الرَّاجِز : فَهِيَ تَنُوش الْحَوْضَ نَوْشًا مِنْ عَلَا نَوْشًا بِهِ تَقْطَع أَجْوَازَ الْفَلَا وَيُقَال لِلْقَوْمِ فِي الْحَرْب , إِذَا دَنَا بَعْضهمْ إِلَى بَعْض بِالرِّمَاحِ وَلَمْ يَتَلَاقَوْا : قَدْ تَنَاوَشَ الْقَوْم . وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ فِي قُرَّاء الْأَمْصَار , مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى , وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : وَقَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ , فِي حِين لَا يَنْفَعهُمْ قِيلَ ذَلِكَ , فَقَالَ اللَّه { وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُش } أَيْ وَأَيْنَ لَهُمْ التَّوْبَة وَالرَّجْعَة : أَيْ قَدْ بَعُدَتْ عَنْهُمْ , فَصَارُوا مِنْهَا كَمَوْضِعٍ بَعِيد أَنْ يَتَنَاوَلُوهَا ; وَإِنَّمَا وَصَفْت ذَلِكَ الْمَوْضِع بِالْبَعِيدِ ; لِأَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ فِي الْقِيَامَة , فَقَالَ اللَّه : أَنَّى لَهُمْ بِالتَّوْبَةِ الْمَقْبُولَة , وَالتَّوْبَة الْمَقْبُولَة إِنَّمَا كَانَتْ فِي الدُّنْيَا , وَقَدْ ذَهَبَتْ الدُّنْيَا فَصَارَتْ بَعِيدًا مِنَ الْآخِرَة , فَبِأَيَّةِ الْقِرَاءَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرْت قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ فِي ذَلِكَ . وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ بِالْهَمْزِ هَمَزُوا , وَهُمْ يُرِيدُونَ مَعْنَى مَنْ لَمْ يَهْمِز , وَلَكِنَّهُمْ هَمَزُوهُ لِانْضِمَامِ الْوَاو فَقَلَبُوهَا , كَمَا قِيلَ : { وَإِذَا الرُّسُل أُقِّتَتْ } 77 11 فَجَعَلَتْ الْوَاو مِنْ وُقِّتَتْ , إِذَا كَانَتْ مَضْمُومَة هَمَزُوهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22092 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن عَطِيَّة , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنِ التَّمِيمِيّ , قَالَ : قُلْت لِابْنِ عَبَّاس : أَرَأَيْت قَوْل اللَّه : { وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُش } قَالَ : يَسْأَلُونَ الرَّدّ , وَلَيْسَ بِحِينِ رَدٍّ . * - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنِ التَّمِيمِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس نَحْوه . * - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله { وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُش } يَقُول : فَكَيْفَ لَهُمْ بِالرَّدِّ . 22093 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُش } قَالَ : الرَّدّ. 22094 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد { وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُش } قَالَ : التَّنَاوُل { مِنْ مَكَان بَعِيد } . 22095 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُش مِنْ مَكَان بَعِيد } قَالَ : هَؤُلَاءِ قَتْلَى أَهْل بَدْر مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ , وَقَرَأَ : { وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْت وَأُخِذُوا مِنْ مَكَان قَرِيب وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ } الْآيَة , قَالَ : التَّنَاوُش : التَّنَاوُل , وَأَنَّى لَهُمْ تَنَاوُل التَّوْبَة مِنْ مَكَان بَعِيد , وَقَدْ تَرَكُوهَا فِي الدُّنْيَا , قَالَ : وَهَذَا بَعْدَ الْمَوْت فِي الْآخِرَة . قَالَ : وَقَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله { وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ } بَعْدَ الْقَتْل { وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُش مِنْ مَكَان بَعِيد } وَقَرَأَ : { وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّار } 4 18 قَالَ : لَيْسَ لَهُمْ تَوْبَة , وَقَالَ : عَرَضَ اللَّه عَلَيْهِمْ أَنْ يَتُوبُوا مَرَّةً وَاحِدَةً , فَيَقْبَلهَا اللَّه مِنْهُمْ , فَأَبَوْا , أَوْ يُعْرَضُونَ التَّوْبَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ , قَالَ : فَهُمْ يَعْرِضُونَهَا فِي الْآخِرَة خَمْس عَرْضَاتٍ , فَيَأْبَى اللَّه أَنْ يَقْبَلَهَا مِنْهُمْ ; قَالَ : وَالتَّائِب عِنْدَ الْمَوْت لَيْسَتْ لَهُ تَوْبَة { وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّار فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدّ وَلَا نُكَذِّب بِآيَاتِ رَبّنَا } 6 27 الْآيَة , وَقَرَأَ : { رَبّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَل صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ } 32 12 22096 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَبْد الْحَمِيد , قَالَ : ثنا مَرْوَان , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , فِي قَوْل : { وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُش } قَالَ : وَأَنَّى لَهُمْ الرَّجْعَة. وَقَوْله : { مِنْ مَكَان بَعِيد } يَقُول : مِنْ آخِرَتهمْ إِلَى الدُّنْيَا , كَمَا : 22097 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { مِنْ مَكَان بَعِيد } مِنَ الْآخِرَة إِلَى الدُّنْيَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْل وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَان بَعِيد } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ } يَقُول : وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا يَسْأَلُونَهُ رَبَّهُمْ عِنْدَ نُزُول الْعَذَاب بِهِمْ , وَمُعَايَنَتهمْ إِيَّاهُ مِنَ الْإِقَالَة لَهُ , وَذَلِكَ الْإِيمَان بِاللَّهِ , وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَبِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22098 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْل } : أَيْ بِالْإِيمَانِ فِي الدُّنْيَا . وَقَوْله : { وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَان بَعِيد } يَقُول : وَهُمُ الْيَوْم يَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مُحَمَّدًا مِنْ مَكَان بَعِيد , يَعْنِي أَنَّهُمْ يَرْجُمُونَهُ , وَمَا أَتَاهُمْ مِنْ كِتَاب اللَّه بِالظُّنُونِ وَالْأَوْهَام , فَيَقُول بَعْضهمْ : هُوَ سَاحِر , وَبَعْضهمْ شَاعِر , وَغَيْر ذَلِكَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22099 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَان بَعِيد } قَالَ : قَوْلهمْ سَاحِر , بَلْ هُوَ كَاهِن , بَلْ هُوَ شَاعِر . 22100 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَان بَعِيد } أَيْ يَرْجُمُونَ بِالظَّنِّ , يَقُولُونَ : لَا بَعْث , وَلَا جَنَّةَ , وَلَا نَارَ . 22101 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ زَيْد , فِي قَوْله : { يَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَان بَعِيد } قَالَ : بِالْقُرْآنِ .
وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْل إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكّ مُرِيب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَحِيلَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ حِين فَزِعُوا , فَلَا فَوْت , وَأُخِذُوا مِنْ مَكَان قَرِيب , فَقَالُوا آمَنَّا بِهِ { وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } حِينَئِذٍ مِنْ الْإِيمَان بِمَا كَانُوا بِهِ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ ذَلِكَ يَكْفُرُونَ وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ إِلَيْهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22102 - حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيل بْن حَفْص الْأُبُلِيّ , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر , عَنْ أَبِي الْأَشْهَب , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } قَالَ : حِيلَ بَيْنهمْ وَبَيْنَ الْإِيمَان بِاللَّهِ . * - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمَّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَبْد الصَّمَد , قَالَ : سَمِعْت الْحَسَن , وَسُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَة { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } قَالَ : حِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِيمَان . * -حَدَّثَنِي ابْن أَبِي زِيَاد , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَشْهَب , عَنْ الْحَسَن { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } قَالَ : حِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِيمَان . 22103 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَبْد الصَّمَد الْأَنْصَارِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ شِبْل , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } قَالَ : مِنْ الرُّجُوع إِلَى الدُّنْيَا لِيَتُوبُوا . 22104 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } كَانَ الْقَوْم يَشْتَهُونَ طَاعَةَ اللَّه أَنْ يَكُونُوا عَمِلُوا بِهَا فِي الدُّنْيَا حِينَ عَايَنُوا مَا عَايَنُوا . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا الْحَسَن بْن حَبِيب , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَشْهَب , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } قَالَ : حِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِيمَان . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ مِنْ مَال وَوَلَد وَزَهْرَة الدُّنْيَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22105 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; قَالَ : ثني الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } قَالَ : مِنْ مَال أَوْ وَلَد أَوْ زَهْرَة . 22106 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : قَالَ أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَحِيلَ بَيْنهمْ وَبَيْن مَا يَشْتَهُونَ } قَالَ : فِي الدُّنْيَا الَّتِي كَانُوا فِيهَا وَالْحَيَاة , وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْقَوْلَ الَّذِي اخْتَرْنَاهُ فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْقَوْمَ إِنَّمَا تَمَنَّوْا حِينَ عَايَنُوا مِنْ عَذَاب اللَّه مَا عَايَنُوا , مَا أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُمْ أَنَّهُمْ تَمَنَّوْهُ , وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ , فَقَالَ اللَّه : وَأَنَّى لَهُمْ تَنَاوُش ذَلِكَ مِنْ مَكَان بَعِيد , وَقَدْ كَفَرُوا مِنْ قَبْل ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَلَأَنْ يَكُونَ قَوْله : { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } خَبَرًا عَنْ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُمْ إِلَى مَا تَمَنَّوْهُ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْ غَيْره . وَقَوْله : { كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْل } يَقُول فَعَلْنَا بِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ , فَحُلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ مِنَ الْإِيمَان بِاللَّهِ عِنْد نُزُول سَخَط اللَّه بِهِمْ , وَمُعَايَنَتهمْ بَأْسَهُ كَمَا فَعَلْنَا بِأَشْيَاعِهِمْ عَلَى كُفْرهمْ بِاللَّهِ مِنْ قَبْلهمْ مِنْ كُفَّار الْأُمَم , فَلَمْ نَقْبَل مِنْهُمْ إِيمَانَهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْت , كَمَا لَمْ نَقْبَل فِي مِثْل ذَلِكَ الْوَقْت مِنْ ضُرَبَائِهِمْ , وَالْأَشْيَاع : جَمْع شِيَع , وَشِيَع : جَمْع شِيعَة , فَأَشْيَاع جَمْع الْجَمْع . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22107 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح { كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْل } قَالَ الْكُفَّار مِنْ قَبْلهمْ . 22108 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْل } أَيْ فِي الدُّنْيَا كَانُوا إِذَا عَايَنُوا الْعَذَابَ لَمْ يُقْبَل مِنْهُمْ إِيمَان . وَقَوْله : { إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكّ مُرِيب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَحِيلَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ حِينَ عَايَنُوا بَأْسَ اللَّه , وَبَيْنَ الْإِيمَان : إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْل فِي الدُّنْيَا فِي شَكّ مِنْ نُزُول الْعَذَاب الَّذِي نَزَلَ بِهِمْ وَعَايَنُوهُ , وَقَدْ أَخْبَرَهُمْ نَبِيّهمْ أَنَّهُمْ إِنْ لَمْ يُنِيبُوا مِمَّا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنَ الْكُفْر بِاللَّهِ , وَعِبَادَة الْأَوْثَان أَنَّ اللَّهَ مُهْلِكهمْ , وَمُحِلّ بِهِمْ عُقُوبَته فِي عَاجِل الدُّنْيَا , وَآجِل الْآخِرَة قَبْل نُزُوله بِهِمْ { مُرِيب } يَقُول : مُوجِب لِصَاحِبِهِ الَّذِي هُوَ بِهِ مَا يَرِيبهُ مِنْ مَكْرُوه , مِنْ قَوْلهمْ : قَدْ أَرَابَ الرَّجُل : إِذَا أَتَى رِيبَة وَرَكِبَ فَاحِشَة ; كَمَا قَالَ الرَّاجِز : يَا قَوْم مَالِي وَأَبَا ذُؤَيْب ؟ كُنْت إِذَا أَتَوْته مِنْ غَيْب يَشُمّ عِطْفِي وَيَبَزُّ ثَوْبِي كَأَنَّمَا أَرَبْته بِرَيْبِ يَقُول : كَأَنَّمَا أَتَيْت إِلَيْهِ رِيبَة آخِر تَفْسِير سُورَة سَبَأ .