وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْك مِنَ الْكِتَاب هُوَ الْحَقّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِير بَصِير } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْك مِنَ الْكِتَاب } يَا مُحَمَّد , وَهُوَ هَذَا الْقُرْآن الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّه عَلَيْهِ { هُوَ الْحَقّ } يَقُول : هُوَ الْحَقّ عَلَيْك وَعَلَى أُمَّتك أَنْ تَعْمَل بِهِ , وَتَتَّبِع مَا فِيهِ دُونَ غَيْره مِنَ الْكُتُب الَّتِي أَوْحَيْت إِلَى غَيْرك { مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ } يَقُول : هُوَ يُصَدِّق مَا مَضَى بَيْنَ يَدَيْهِ , فَصَارَ أَمَامه مِنْ الْكُتُب الَّتِي أَنْزَلْتهَا إِلَى مَنْ قَبْلَك مِنْ الرُّسُل , كَمَا : 22172 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْك مِنَ الْكِتَاب هُوَ الْحَقّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } لِلْكُتُبِ الَّتِي خَلَتْ قَبْلَهُ وَقَوْله : { إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِير بَصِير } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَذُو عِلْم وَخِبْرَة بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِير بِمَا يُصْلِحهُمْ مِنْ التَّدْبِير .
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادنَا فَمِنْهُمْ ظَالِم لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِد وَمِنْهُمْ سَابِق بِالْخَيْرَاتِ } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْكِتَاب الَّذِي ذَكَرَ اللَّه فِي هَذِهِ الْآيَة أَنَّهُ أَوْرَثَهُ الَّذِينَ اصْطَفَاهُمْ مَنْ عِبَاده , وَمَنْ الْمُصْطَفَوْنَ مِنْ عِبَاده , وَالظَّالِم لِنَفْسِهِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : الْكِتَاب : هُوَ الْكُتُب الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّه مِنْ قَبْل الْفُرْقَان , وَالْمُصْطَفَوْنَ مِنْ عِبَاده : أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالظَّالِم لِنَفْسِهِ : أَهْل الْإِجْرَام مِنْهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22173 -حَدَّثَنَا عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ . عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ } إِلَى قَوْله : { الْفَضْل الْكَبِير } هُمْ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَرَّثَهُمْ اللَّه كُلّ كِتَاب أَنْزَلَهُ , فَظَالِمهمْ يُغْفَر لَهُ , وَمُقْتَصِدهمْ يُحَاسَب حِسَابًا يَسِيرًا , وَسَابِقهمْ يَدْخُل الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَاب 22174 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن بَشِير , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن قَيْس , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عِيسَى , عَنْ يَزِيد بْن الْحَارِث , عَنْ شَقِيق , عَنْ أَبِي وَائِل , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود أَنَّهُ قَالَ : هَذِهِ الْأُمَّة ثَلَاثَة أَثْلَاث يَوْم الْقِيَامَة : ثُلُث يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَاب , وَثُلُث يُحَاسَبُونَ حِسَابًا يَسِيرًا , وَثُلُث يَجِيئُونَ بِذُنُوبٍ عِظَام , حَتَّى يَقُولَ : مَا هَؤُلَاءِ ؟ وَهُوَ أَعْلَم تَبَارَكَ وَتَعَالَى , فَتَقُول الْمَلَائِكَة : هَؤُلَاءِ جَاءُوا بِذُنُوبٍ عِظَام إِلَّا أَنَّهُمْ لَمْ يُشْرِكُوا بِك , فَيَقُول الرَّبّ : أَدْخِلُوا هَؤُلَاءِ فِي سَعَة رَحْمَتِي , وَتَلَا عَبْد اللَّه هَذِهِ الْآيَة : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادنَا } 22175 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَةَ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ , قَالَ : ثنا عَوْن , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث بْن نَوْفَل , قَالَ : ثنا كَعْب الْأَحْبَار أَنَّ الظَّالِمَ لِنَفْسِهِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة , وَالْمُقْتَصِد , وَالسَّابِق بِالْخَيْرَاتِ : كُلّهمْ فِي الْجَنَّة ; أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادنَا } إِلَى قَوْله : { كُلّ كَفُور } - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَعِيد الْكِنْدِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك , عَنْ عَوْف , عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث بْن نَوْفَل , قَالَ : سَمِعْت كَعْبًا يَقُول : { فَمِنْهُمْ ظَالِم لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِد وَمِنْهُمْ سَابِق بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّه } قَالَ : كُلّهمْ فِي الْجَنَّة , وَتَلَا هَذِهِ الْآيَة : { جَنَّات عَدْن يَدْخُلُونَهَا } 35 33 . - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عَرَفَة , قَالَ : ثنا مَرْوَان بْن مُعَاوِيَة الْفَزَارِيّ , عَنْ عَوْف بْن أَبِي جَبَلَة , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث بْن نَوْفَل , قَالَ : ثنا كَعْب أَنَّ الظَّالِمَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة , وَالْمُقْتَصِد , وَالسَّابِق بِالْخَيْرَاتِ , كُلّهمْ فِي الْجَنَّة ; أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّه قَالَ : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادنَا } إِلَى قَوْله : { لُغُوب } وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَار جَهَنَّم , قَالَ : قَالَ كَعْب : فَهَؤُلَاءِ أَهْل النَّار -حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ عَوْف , قَالَ : سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث يَقُول : قَالَ كَعْب : إِنَّ الظَّالِمَ لِنَفْسِهِ , وَالْمُقْتَصِد , وَالسَّابِق بِالْخَيْرَاتِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة : كُلّهمْ فِي الْجَنَّة , أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَقُول : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادنَا } حَتَّى بَلَغَ قَوْله : { جَنَّات عَدْن يَدْخُلُونَهَا } 22176 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُمَيْد , عَنْ إِسْحَاق بْن عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث عَنْ أَبِيهِ , أَنَّ ابْن عَبَّاس سَأَلَ كَعْبًا عَنْ قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادنَا } إِلَى قَوْله : { بِإِذْنِ اللَّه } فَقَالَ : تَمَاسَّتْ مَنَاكِبهمْ وَرَبّ الْكَعْبَة , ثُمَّ أُعْطُوا الْفَضْلَ بِأَعْمَالِهِمْ 22177 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن بَشِير , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن قَيْس , عَنْ أَبِي إِسْحَاق السَّبِيعِيّ , فِي هَذِهِ الْآيَة : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا } قَالَ : قَالَ أَبُو إِسْحَاق : أَمَّا مَا سَمِعْت مُنْذُ سِتِّينَ سَنَة , فَكُلّهمْ نَاجٍ 22178 - قَالَ : ثنا عَمْرو , عَنْ مُحَمَّد بْن الْحَنَفِيَّة , قَالَ : إِنَّهَا أُمَّة مَرْحُومَة ; الظَّالِم مَغْفُور لَهُ , وَالْمُقْتَصِد فِي الْجَنَّات عِنْدَ اللَّه , وَالسَّابِق بِالْخَيْرَاتِ فِي الدَّرَجَات عِنْدَ اللَّه وَقَالَ آخَرُونَ : الْكِتَاب الَّذِي أُورِثَ هَؤُلَاءِ الْقَوْم , هُوَ شَهَادَة أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه ; وَالْمُصْطَفَوْنَ هُمْ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; وَالظَّالِم لِنَفْسِهِ مِنْهُمْ هُوَ الْمُنَافِق , وَهُوَ فِي النَّار ; وَالْمُقْتَصِد , وَالسَّابِق بِالْخَيْرَاتِ فِي الْجَنَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22179 - حَدَّثَنَا أَبُو عَمَّار الْحُسَيْن بْن حُرَيْث الْمَرْوَزِيّ , قَالَ : ثنا الْفَضْل بْن مُوسَى , عَنْ حُسَيْن بْن وَاقِد , عَنْ يَزِيد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ عَبْد اللَّه { فَمِنْهُمْ ظَالِم لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِد وَمِنْهُمْ سَابِق بِالْخَيْرَاتِ } قَالَ : اثْنَانِ فِي الْجَنَّة , وَوَاحِد فِي النَّار 22180 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادنَا } إِلَى آخِر الْآيَة , قَالَ : جَعَلَ أَهْل الْإِيمَان عَلَى ثَلَاثَة مَنَازِل , كَقَوْلِهِ : { أَصْحَاب الشِّمَال مَا أَصْحَاب الشِّمَال } 56 41 { وَأَصْحَاب الْيَمِين مَا أَصْحَاب الْيَمِين } 56 27 . { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ } 56 - 10 - 11 , فَهُمْ عَلَى هَذَا الْمِثَال 22181 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , عَنْ يَزِيد , عَنْ عِكْرِمَة { فَمِنْهُمْ ظَالِم لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِد } الْآيَة , قَالَ : الِاثْنَانِ فِي الْجَنَّة , وَوَاحِد فِي النَّار , وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الَّتِي فِي الْوَاقِعَة : { وَأَصْحَاب الْيَمِين مَا أَصْحَاب الْيَمِين } { وَأَصْحَاب الشِّمَال مَا أَصْحَاب الشِّمَال } { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ } 22182 - حَدَّثَنَا سَهْل بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا عَبْد الْمَجِيد , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادنَا فَمِنْهُمْ ظَالِم لِنَفْسِهِ } قَالَ : هُمْ أَصْحَاب الْمَشْأَمَة { وَمِنْهُمْ مُقْتَصِد } قَالَ : هُمْ أَصْحَاب الْمَيْمَنَة { وَمِنْهُمْ سَابِق بِالْخَيْرَاتِ } قَالَ : هُمْ السَّابِقُونَ مِنَ النَّاس كُلّهمْ 22183 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عَرَفَة قَالَ : ثنا مَرْوَان بْن مُعَاوِيَة , قَالَ : قَالَ عَوْف , قَالَ الْحَسَن : أَمَّا الظَّالِم لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ هُوَ الْمُنَافِق , سَقَطَ هَذَا , وَأَمَّا الْمُقْتَصِد وَالسَّابِق بِالْخَيْرَاتِ , فَهُمَا صَاحِبَا الْجَنَّة * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ عَوْف , قَالَ : قَالَ الْحَسَن : الظَّالِم لِنَفْسِهِ : الْمُنَافِق 22184 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا } شَهَادَة أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه { فَمِنْهُمْ ظَالِم لِنَفْسِهِ } هَذَا الْمُنَافِق فِي قَوْل قَتَادَة وَالْحَسَن { وَمِنْهُمْ مُقْتَصِد } قَالَ : هَذَا صَاحِب الْيَمِين { وَمِنْهُمْ سَابِق بِالْخَيْرَاتِ } قَالَ : هَذَا الْمُقَرَّب . قَالَ قَتَادَة : كَانَ النَّاس ثَلَاث مَنَازِل فِي الدُّنْيَا , وَثَلَاث مَنَازِل عِنْدَ الْمَوْت , وَثَلَاث مَنَازِل فِي الْآخِرَة . أَمَّا الدُّنْيَا , فَكَانُوا : مُؤْمِن , وَمُنَافِق , وَمُشْرِك وَأَمَّا عِنْدَ الْمَوْت , فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ : { فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْح وَرَيْحَان وَجَنَّة نَعِيم وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَاب الْيَمِين فَسَلَام لَك مِنْ أَصْحَاب الْيَمِين وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُل مِنْ حَمِيم وَتَصْلِيَة جَحِيم } 56 88 - 94 . وَأَمَّا فِي الْآخِرَة فَكَانُوا أَزْوَاجًا ثَلَاثَة , { وَأَصْحَاب الْمَيْمَنَة مَا أَصْحَاب الْمَيْمَنَة وَأَصْحَاب الْمَشْأَمَة مَا أَصْحَاب الْمَشْأَمَة وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ } 56 8 - 11 . - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادنَا فَمِنْهُمْ ظَالِم لِنَفْسِهِ } قَالَ : هُمْ أَصْحَاب الْمَشْأَمَة { وَمِنْهُمْ مُقْتَصِد } قَالَ : أَصْحَاب الْمَيْمَنَة , { وَمِنْهُمْ سَابِق بِالْخَيْرَاتِ } قَالَ : فَهُمْ السَّابِقُونَ مِنَ النَّاس كُلّهمْ - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادنَا فَمِنْهُمْ ظَالِم لِنَفْسِهِ } قَالَ : سَقَطَ هَذَا { وَمِنْهُمْ مُقْتَصِد وَمِنْهُمْ سَابِق بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّه } قَالَ : سَبَقَ هَذَا بِالْخَيْرَاتِ , وَهَذَا مُقْتَصِد عَلَى أَثَره وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ تَأْوِيل مَنْ قَالَ : عُنِيَ بِقَوْلِهِ : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادنَا } الْكُتُب الَّتِي أُنْزِلَتْ مِنْ قَبْل الْفُرْقَان . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ يَجُوز أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ , وَأُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَتْلُونَ غَيْرَ كِتَابهمْ , وَلَا يَعْمَلُونَ إِلَّا بِمَا فِيهِ مِنَ الْأَحْكَام وَالشَّرَائِع ؟ قِيلَ : إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى غَيْر الَّذِي ذَهَبْت إِلَيْهِ , وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ : ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْإِيمَانَ بِالْكِتَابِ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا , فَمِنْهُمْ مُؤْمِنُونَ بِكُلِّ كِتَاب أَنْزَلَهُ اللَّه مِنَ السَّمَاء قَبْل كِتَابهمْ وَعَامِلُونَ بِهِ ; لِأَنَّ كُلَّ كِتَاب أُنْزِلَ مِنَ السَّمَاء قَبْل الْفُرْقَان , فَإِنَّهُ يَأْمُر بِالْعَمَلِ بِالْفُرْقَانِ عِنْدَ نُزُوله , وَبِاتِّبَاعِ مَنْ جَاءَ بِهِ , وَذَلِكَ عَمَل مَنْ أَقَرَّ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَبِمَا جَاءَ بِهِ , وَعَمِلَ بِمَا دَعَاهُ إِلَيْهِ بِمَا فِي الْقُرْآن , وَبِمَا فِي غَيْره مِنَ الْكُتُب الَّتِي أُنْزِلَتْ قَبْلَهُ . وَإِنَّمَا قِيلَ : عُنِيَ بِقَوْلِهِ { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ } الْكُتُب الَّتِي ذَكَرْنَا لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْك مِنَ الْكِتَاب هُوَ الْحَقّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } ثُمَّ أَتْبَع ذَلِكَ قَوْله { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا } فَكَانَ مَعْلُومًا , إِذْ كَانَ مَعْنَى الْمِيرَاث إِنَّمَا هُوَ انْتِقَال مَعْنًى مِنْ قَوْم إِلَى آخَرِينَ , وَلَمْ تَكُنْ أُمَّة عَلَى عَهْد نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَقَلَ إِلَيْهِمْ كِتَاب مِنْ قَوْم كَانُوا قَبْلَهُمْ غَيْر أُمَّته , أَنَّ ذَلِكَ مَعْنَاهُ , وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَبَيَّنَ أَنَّ الْمُصْطَفَيْنَ مِنْ عِبَاده هُمْ مُؤْمِنُو أُمَّته ; وَأَمَّا الظَّالِم لِنَفْسِهِ , فَإِنَّهُ لَأَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْل الذُّنُوب وَالْمَعَاصِي الَّتِي هِيَ دُونَ النِّفَاق وَالشِّرْك عِنْدِي أَشْبَه بِمَعْنَى الْآيَة مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمُنَافِق أَوْ الْكَافِر , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْره أَتْبَع هَذِهِ الْآيَة قَوْله : { جَنَّات عَدْن يَدْخُلُونَهَا } فَعَمّ بِدُخُولِ الْجَنَّة جَمِيع الْأَصْنَاف الثَّلَاثَة . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَإِنَّ قَوْلَهُ { يَدْخُلُونَهَا } إِنَّمَا عُنِيَ بِهِ الْمُقْتَصِد وَالسَّابِق ; قِيلَ لَهُ : وَمَا بُرْهَانُك عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ مِنْ خَبَر أَوْ عَقْل ؟ فَإِنْ قَالَ : قِيَام الْحُجَّة أَنَّ الظَّالِمَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة سَيَدْخُلُ النَّارَ , وَلَوْ لَمْ يَدْخُل النَّارَ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَاف الثَّلَاثَة أَحَد وَجَبَ أَنْ لَا يَكُون لِأَهْلِ الْإِيمَان وَعِيد ; قِيلَ : إِنَّهُ لَيُسَدِّد فِي الْآيَة خَبَر أَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ النَّارَ , وَإِنَّمَا فِيهَا إِخْبَار مِنَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ جَنَّات عَدْن , وَجَائِز أَنْ يَدْخُلهَا الظَّالِم لِنَفْسِهِ بَعْد عُقُوبَة اللَّه إِيَّاهُ عَلَى ذُنُوبه الَّتِي أَصَابَهَا فِي الدُّنْيَا , وَظُلْمه نَفْسه فِيهَا بِالنَّارِ , أَوْ بِمَا شَاءَ مِنْ عِقَابه , ثُمَّ يُدْخِلهُ الْجَنَّةَ , فَيَكُون مِمَّنْ عَمَّهُ خَبَر اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ { جَنَّات عَدْن يَدْخُلُونَهَا } وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ أَخْبَار , وَإِنْ كَانَ فِي أَسَانِيدهَا نَظَر , مَعَ دَلِيل الْكِتَاب عَلَى صِحَّته عَلَى النَّحْو الَّذِي بَيَّنْت. ذِكْر الرِّوَايَة الْوَارِدَة بِذَلِكَ : 22185 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان عَنِ الْأَعْمَش , قَالَ : ذَكَرَ أَبُو ثَابِت أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ , فَجَلَسَ إِلَى جَنْب أَبِي الدَّرْدَاء , فَقَالَ : اللَّهُمَّ آنِسْ وَحْشَتِي , وَارْحَمْ غُرْبَتِي , وَيَسِّرْ لِي جَلِيسًا صَالِحًا , فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء : لَئِنْ كُنْت صَادِقًا لَأَنَا أَسْعَد بِهِ مِنْك ! سَأُحَدِّثُك حَدِيثًا سَمِعْته مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ أُحَدِّث بِهِ مُنْذُ سَمِعْته ذَكَرَ هَذِهِ الْآيَة : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادنَا فَمِنْهُمْ ظَالِم لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِد وَمِنْهُمْ سَابِق بِالْخَيْرَاتِ } فَأَمَّا السَّابِق بِالْخَيْرَاتِ , فَيَدْخُلهَا بِغَيْرِ حِسَاب , وَأَمَّا الْمُقْتَصِد فَيُحَاسَب حِسَابًا يَسِيرًا , وَأَمَّا الظَّالِم لِنَفْسِهِ فَيُصِيبهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَان مِنَ الْغَمّ وَالْحَزَن , فَذَلِكَ قَوْله : { الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ } 22186 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة عَنِ الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة , أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا مِنْ ثَقِيف حَدَّثَ عَنْ رَجُل مِنْ كِنَانَة , عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ , عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادنَا فَمِنْهُمْ ظَالِم لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِد وَمِنْهُمْ سَابِق بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّه } قَالَ : وَهَؤُلَاءِ كُلّهمْ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَة , وَكُلّهمْ فِي الْجَنَّة " . وَعَنَى بِقَوْلِهِ : { الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادنَا } : الَّذِينَ اخْتَرْنَاهُمْ لِطَاعَتِنَا وَاجْتَبَيْنَاهُمْ . وَقَوْله : { فَمِنْهُمْ ظَالِم لِنَفْسِهِ } يَقُول : فَمِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادنَا , مَنْ يَظْلِم نَفْسَهُ بِرُكُوبِهِ الْمَآثِم , وَاجْتِرَامه الْمَعَاصِي , وَاقْتِرَافه الْفَوَاحِشَ { وَمِنْهُمْ مُقْتَصِد } وَهُوَ غَيْر الْمُبَالِغ فِي طَاعَة رَبّه , وَغَيْر الْمُجْتَهِد فِيمَا أَلْزَمهُ مِنْ خِدْمَة رَبّه , حَتَّى يَكُونَ عَمَله فِي ذَلِكَ قَصْدًا { وَمِنْهُمْ سَابِق بِالْخَيْرَاتِ } وَهُوَ الْمُبَرَّز الَّذِي قَدْ تَقَدَّمَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي خِدْمَة رَبّه , وَأَدَاء مَا لَزِمَهُ مِنْ فَرَائِضه , فَسَبَقَهُمْ بِصَالِحِ الْأَعْمَال , وَهِيَ الْخَيْرَات الَّتِي قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ
{ بِإِذْنِ اللَّه } يَقُول : بِتَوْفِيقِ اللَّه إِيَّاهُ لِذَلِكَ .
وَقَوْله : { ذَلِكَ هُوَ الْفَضْل الْكَبِير } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : سُبُوقُ هَذَا السَّابِق مِنْ سَبْقه بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّه , هُوَ الْفَضْل الْكَبِير الَّذِي فَضَلَ بِهِ مَنْ كَانَ مُقَصِّرًا عَنْ مَنْزِلَته فِي طَاعَة اللَّه مِنْ الْمُقْتَصِد وَالظَّالِم لِنَفْسِهِ .
{ بِإِذْنِ اللَّه } يَقُول : بِتَوْفِيقِ اللَّه إِيَّاهُ لِذَلِكَ .
وَقَوْله : { ذَلِكَ هُوَ الْفَضْل الْكَبِير } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : سُبُوقُ هَذَا السَّابِق مِنْ سَبْقه بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّه , هُوَ الْفَضْل الْكَبِير الَّذِي فَضَلَ بِهِ مَنْ كَانَ مُقَصِّرًا عَنْ مَنْزِلَته فِي طَاعَة اللَّه مِنْ الْمُقْتَصِد وَالظَّالِم لِنَفْسِهِ .
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { جَنَّات عَدْن يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَب وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسهمْ فِيهَا حَرِير } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : بَسَاتِين إِقَامَة يَدْخُلُونَهَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَوْرَثْنَاهُمُ الْكِتَابَ , الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادنَا يَوْمَ الْقِيَامَة { يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِر مِنْ ذَهَب } يَلْبَسُونَ فِي جَنَّات عَدْن أَسْوِرَة مِنْ ذَهَب { وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسهمْ فِيهَا حَرِير } يَقُول : وَلِبَاسهمْ فِي الْجَنَّة حَرِير .
وَقَوْله : { وَقَالُوا الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْحَزَن الَّذِي حَمِدَ اللَّهَ عَلَى إِذْهَابه عَنْهُمْ هَؤُلَاءِ الْقَوْم , فَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ الْحَزَن الَّذِي كَانُوا فِيهِ قَبْلَ دُخُولهمْ الْجَنَّةَ مِنْ خَوْف النَّار , إِذْ كَانُوا خَائِفِينَ أَنْ يَدْخُلُوهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22187 - حَدَّثَنِي قَتَادَة بْن سَعِيد بْن قَتَادَة السَّدُوسِيّ , قَالَ : ثنا مُعَاذ بْن هِشَام صَاحِب الدَّسْتُوَائِيّ , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ عَمْرو بْن مَالِك , عَنْ أَبِي الْجَوْزَاء , عَنْ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَن } قَالَ : حَزَن النَّار 22188 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ مَعْمَر , عَنْ يَحْيَى بْن الْمُخْتَار , عَنِ الْحَسَن { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا } 25 63 . قَالَ : إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ قَوْم ذُلُل , ذَلَّتْ وَاللَّه الْأَسْمَاع وَالْأَبْصَار وَالْجَوَارِح , حَتَّى يَحْسِبهُمُ الْجَاهِل مَرْضَى , وَمَا بِالْقَوْمِ مَرَض , وَإِنَّهُمْ لَأَصِحَّةُ الْقُلُوب , وَلَكِنْ دَخَلَهُمْ مِنْ الْخَوْف مَا لَمْ يَدْخُل غَيْرَهُمْ , وَمَنَعَهُمْ مِنْ الدُّنْيَا عِلْمهمْ بِالْآخِرَةِ , فَقَالُوا : { الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَن } , وَالْحَزَن , وَاللَّه مَا حَزَنهمْ حَزَن الدُّنْيَا , وَلَا تَعَاظَمَ فِي أَنْفُسهمْ مَا طَلَبُوا بِهِ الْجَنَّةَ أَبْكَاهُمُ الْخَوْف مِنَ النَّار , وَأَنَّهُ مَنْ لَا يَتَعَزَّ بِعَزَاءِ اللَّه يَقْطَع نَفْسَهُ عَلَى الدُّنْيَا حَسَرَات , وَمَنْ لَمْ يَرَ لِلَّهِ عَلَيْهِ نِعْمَة إِلَّا فِي مَطْعَم أَوْ مَشْرَب , فَقَدْ قَلَّ عِلْمه , وَحَضَرَ عَذَابه وَقَالَ آخَرُونَ : عُنِيَ بِهِ الْمَوْت . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22189 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن إِدْرِيس , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَطِيَّة , فِي قَوْله : { الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَن } قَالَ : الْمَوْت وَقَالَ آخَرُونَ : عُنِيَ بِهِ حَزَن الْخُبْز . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22190 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ حَفْص , يَعْنِي ابْن حُمَيْد , عَنْ شِمْر , قَالَ : لَمَّا أَدْخَلَ اللَّه أَهْل الْجَنَّة الْجَنَّة , قَالُوا { الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَن } قَالَ : حَزَن الْخُبْز وَقَالَ آخَرُونَ . عُنِيَ بِذَلِكَ : الْحَزَن مِنْ التَّعَب الَّذِي كَانُوا فِيهِ فِي الدُّنْيَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 22191 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَقَالُوا الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَن } قَالَ : كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَعْمَلُونَ وَيَنْصَبُونَ وَهُمْ فِي خَوْف , أَوْ يَحْزَنُونَ وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ الْحَزَن الَّذِي يَنَال الظَّالِمَ لِنَفْسِهِ فِي مَوْقِف الْقِيَامَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22192 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ الْأَعْمَش , قَالَ : ذَكَرَ أَبُو ثَابِت أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاء , قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " أَمَّا الظَّالِم لِنَفْسِهِ , فَيُصِيبهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَان مِنَ الْغَمّ وَالْحَزَن , فَذَلِكَ قَوْله : { الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَن } " . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْره أَخْبَرَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ أَكْرَمهمْ بِمَا أَكْرَمهمْ بِهِ أَنَّهُمْ قَالُوا حِين دَخَلُوا الْجَنَّةَ { الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَن } وَخَوْف دُخُول النَّار مِنَ الْحَزَن , وَالْفَجْع مِنَ الْمَوْت مِنَ الْحَزَن , وَالْجَزَع مِنَ الْحَاجَة إِلَى الْمَطْعَم مِنَ الْحَزَن , وَلَمْ يُخَصِّص اللَّه إِذْ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ حَمِدُوهُ عَلَى إِذْهَابه الْحَزَن عَنْهُمْ نَوْعًا دُونَ نَوْع , بَلْ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ عَمُّوا جَمِيعَ أَنْوَاع الْحَزَن بِقَوْلِهِمْ ذَلِكَ , وَكَذَلِكَ ذَلِكَ ; لِأَنَّ مَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ فَلَا حَزَنَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ , فَحَمْدهمْ عَلَى إِذْهَابه عَنْهُمْ جَمِيعَ مَعَانِي الْحَزَن . وَقَوْله : { إِنَّ رَبّنَا لَغَفُور شَكُور } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيل هَذِهِ الْأَصْنَاف الَّذِينَ أَخْبَرَ أَنَّهُ اصْطَفَاهُمْ مِنْ عِبَاده عِنْدَ دُخُولهمْ الْجَنَّة : إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُور لِذُنُوبِ عِبَاده الَّذِينَ تَابُوا مِنْ ذُنُوبهمْ , فَسَاتِرهَا عَلَيْهِمْ بِعَفْوِهِ لَهُمْ عَنْهَا , شَكُور لَهُمْ عَلَى طَاعَتهمْ إِيَّاهُ , وَصَالِح مَا قَدَّمُوا فِي الدُّنْيَا مِنَ الْأَعْمَال . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22193 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُور شَكُور } لِحَسَنَاتِهِمْ 22194 -حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ حَفْص , عَنْ شِمْر { إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُور شَكُور } غَفَرَ لَهُمْ مَا كَانَ مِنْ ذَنْب , وَشَكَرَ لَهُمْ مَا كَانَ مِنْهُمْ
الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَة مِنْ فَضْله لَا يَمَسّنَا فِيهَا نَصَب وَلَا يَمَسّنَا فِيهَا لُغُوب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيل الَّذِينَ أُدْخِلُوا الْجَنَّة { إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُور شَكُور الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَة } : أَيْ رَبّنَا الَّذِي أَنْزَلَنَا هَذِهِ الدَّارَ , يَعْنُونَ الْجَنَّةَ ; فَدَار الْمُقَامَة : دَار الْإِقَامَة الَّتِي لَا نُقْلَة مَعَهَا , وَلَا تَحَوُّل ; وَالْمِيم إِذَا ضُمَّتْ مِنْ الْمُقَامَة , فَهِيَ مِنَ الْإِقَامَة ; فَإِذَا فُتِحَتْ فَهِيَ مِنَ الْمَجْلِس , وَالْمَكَان الَّذِي يُقَام فِيهِ , قَالَ الشَّاعِر : يَوْمَانِ يَوْم مَقَامَات وَأَنْدِيَة وَيَوْم سَيْر إِلَى الْأَعْدَاء تَأْوِيب وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22195 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَة مِنْ فَضْله } أَقَامُوا فَلَا يَتَحَوَّلُونَ وَقَوْله : { لَا يَمَسّنَا فِيهَا نَصَب } يَقُول : لَا يُصِيبنَا فِيهَا تَعَب وَلَا وَجَع { وَلَا يَمَسّنَا فِيهَا لُغُوب } يَعْنِي بِاللُّغُوبِ : الْعَنَاءَ وَالْإِعْيَاءَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22196 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عُبَيْد , قَالَ : ثنا مُوسَى بْن عُمَيْر , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { لَا يَمَسّنَا فِيهَا نَصَب وَلَا يَمَسّنَا فِيهَا لُغُوب } قَالَ : اللُّغُوب : الْعَنَاء 22197 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { لَا يَمَسّنَا فِيهَا نَصَب } : أَيْ وَجَع
وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَار جَهَنَّم لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا } بِاللَّهِ وَرَسُوله { لَهُمْ نَار جَهَنَّم } يَقُول : لَهُمْ نَار جَهَنَّمَ مُخَلَّدِينَ فِيهَا , لَا حَظّ لَهُمْ فِي الْجَنَّة وَلَا نَعِيمهَا , كَمَا : 22198 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { لَهُمْ نَار جَهَنَّم لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ } بِالْمَوْتِ فَيَمُوتُوا ; لِأَنَّهُمْ لَوْ مَاتُوا لَاسْتَرَاحُوا . { وَلَا يُخَفَّف عَنْهُمْ مِنْ عَذَابهَا } يَقُول : وَلَا يُخَفَّف عَنْهُمْ مِنْ عَذَاب نَار جَهَنَّم بِإِمَاتَتِهِمْ , يُخَفَّف ذَلِكَ عَنْهُمْ , كَمَا : 22199 - حَدَّثَنِي مُطَرِّف بْن عَبْد اللَّه الضَّبِّيّ , قَالَ : ثنا أَبُو قُتَيْبَة , قَالَ ثنا أَبُو هِلَال الرَّاسِبِيّ , عَنْ قَتَادَة عَنْ أَبِي السَّوْدَاء , قَالَ : مَسَاكِين أَهْل النَّار لَا يَمُوتُونَ , لَوْ مَاتُوا لَاسْتَرَاحُوا 22200 - حَدَّثَنِي عُقْبَة عَنْ سِنَان الْقَزَّاز , قَالَ : ثنا غَسَّان بْن مُضَر , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن يَزِيد ; وَحَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ سَعِيد بْن يَزِيد ; وَحَدَّثَنَا سِوَار بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , ثنا أَبُو سَلَمَة , عَنْ أَبِي نَضْرَة , عَنْ أَبِي سَعِيد , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَمَّا أَهْل النَّار الَّذِينَ هُمْ أَهْلهَا فَإِنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَحْيَوْنَ , لَكِنَّ نَاسًا - أَوْ كَمَا قَالَ -تُصِيبهُمْ النَّار بِذُنُوبِهِمْ , أَوْ قَالَ : بِخَطَايَاهُمْ , فَيُمِيتهُمْ إِمَاتَة حَتَّى إِذَا صَارُوا فَحْمًا أَذِنَ فِي الشَّفَاعَة , فَجِيءَ بِهِمْ ضَبَائِر , فَبُيُّوا عَلَى أَهْل الْجَنَّة , فَقَالَ : يَا أَهْل الْجَنَّة أَفِيضُوا عَلَيْهِمْ فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُت الْحَبَّة فِي حَمِيل السَّيْل " فَقَالَ رَجُل مِنَ الْقَوْم حِينَئِذٍ : كَأَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ بِالْبَادِيَةِ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ قِيلَ : { وَلَا يُخَفَّف عَنْهُمْ مِنْ عَذَابهَا } وَقَدْ قِيلَ فِي مَوْضِع آخَر : { كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا } 17 97 . ؟ قِيلَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَا يُخَفَّف عَنْهُمْ مِنْ هَذَا النَّوْع مِنَ الْعَذَاب .
وَقَوْله : { كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُور } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَكَذَا يُكَافَأ كُلّ جَحُود لِنِعَمِ رَبّه يَوْم الْقِيَامَة , بِأَنْ يُدْخِلَهُمْ نَارَ جَهَنَّم بِسَيِّئَاتِهِمْ الَّتِي قَدَّمُوهَا فِي الدُّنْيَا .
وَقَوْله : { كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُور } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَكَذَا يُكَافَأ كُلّ جَحُود لِنِعَمِ رَبّه يَوْم الْقِيَامَة , بِأَنْ يُدْخِلَهُمْ نَارَ جَهَنَّم بِسَيِّئَاتِهِمْ الَّتِي قَدَّمُوهَا فِي الدُّنْيَا .
وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ ↓
وَقَوْله : { وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَل صَالِحًا غَيْر الَّذِي كُنَّا نَعْمَل } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَؤُلَاءِ الْكُفَّار يَسْتَغِيثُونَ , وَيَضِجُّونَ فِي النَّار , يَقُولُونَ : يَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَل صَالِحًا : أَيْ نَعْمَل بِطَاعَتِك { غَيْر الَّذِي كُنَّا نَعْمَل } قَبْل مِنْ مَعَاصِيك , وَقَوْله : { يَصْطَرِخُونَ } يَفْتَعِلُونَ مِنْ الصُّرَاخ , حُوِّلَتْ تَاؤُهَا طَاء لِقُرْبِ مَخْرَجهَا مِنْ الصَّاد لَمَّا ثَقُلَتْ .
وَقَوْله : { أَوَلَمْ نُعَمِّركُمْ مَا يَتَذَكَّر فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَبْلَغ ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ أَرْبَعُونَ سَنَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22201 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن عُثْمَان بْن خُثَيْم , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : سَمِعْت ابْن عَبَّاس يَقُول : الْعُمُر الَّذِي أَعْذَرَ اللَّه إِلَى ابْن آدَم { أَوَلَمْ نُعَمِّركُمْ مَا يَتَذَكَّر فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ } : أَرْبَعُونَ سَنَة 22202 -حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ مُجَالِد , عَنِ الشَّعْبِيّ , عَنْ مَسْرُوق أَنَّهُ كَانَ يَقُول : إِذَا بَلَغَ أَحَدكُمْ أَرْبَعِينَ سَنَة , فَلْيَأْخُذْ حِذْره مِنْ اللَّه وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ سِتُّونَ سَنَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22203 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ ابْن خُثَيْم , عَنْ مُجَاهِد , عَنِ ابْن عَبَّاس { أَوَلَمْ نُعَمِّركُمْ مَا يَتَذَكَّر فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ } قَالَ : سِتُّونَ سَنَة - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن إِدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت عَبْدَ اللَّه بْن عُثْمَان بْن خُثَيْم , عَنْ مُجَاهِد , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : الْعُمُر الَّذِي أَعْذَرَ اللَّه فِيهِ لِابْنِ آدَمَ سِتُّونَ سَنَة 22204 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن شُعَيْب , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل بْن أَبِي فُدَيْك , عَنْ إِبْرَاهِيم بْن الْفَضْل , عَنْ أَبِي حُسَيْن الْمَكِّيّ , عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة نُودِيَ : أَيْنَ أَبْنَاء السِّتِّينَ , وَهُوَ الْعُمُر الَّذِي قَالَ اللَّه : { أَوَلَمْ نُعَمِّركُمْ مَا يَتَذَكَّر فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِير } " . 22205 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن الْفَرَج الْحِمْصِيّ , قَالَ : ثنا بَقِيَّة بْن الْوَلِيد , قَالَ : ثنا مُطَرِّف بْن مَازِن الْكِنَانِيّ , قَالَ : ثني مَعْمَر بْن رَاشِد , قَالَ : سَمِعْت مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن الْغِفَارِيّ يَقُول : سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَة يَقُول : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَلَقَدْ أَعْذَرَ اللَّه إِلَى صَاحِب السِّتِّينَ سَنَة وَالسَّبْعِينَ " . 22206 - حَدَّثَنَا أَبُو صَالِح الْفَزَارِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن سِوَار , قَالَ : ثنا يَعْقُوب بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد الْقَارِي الْإِسْكَنْدَرِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو حَازِم , عَنْ سَعِيد الْمَقْبُرِيّ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ عَمَّرَهُ اللَّه سِتِّينَ سَنَة فَقَدْ أَعْذَرَ إِلَيْهِ فِي الْعُمُر " 22207 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سِوَار , قَالَ : ثنا أَسَد بْن حُمَيْد , عَنْ سَعِيد بْن طَرِيف , عَنْ الْأَصْبَغ بْن نَبَاتَةَ , عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , فِي قَوْله : { أَوَلَمْ نُعَمِّركُمْ مَا يَتَذَكَّر فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِير } قَالَ : الْعُمُر الَّذِي عَمَّرَكُمْ اللَّه بِهِ سِتُّونَ سَنَة وَأَشْبَه الْقَوْلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَة إِذْ كَانَ الْخَبَر الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرًا فِي إِسْنَاده بَعْض مَنْ يَجِب التَّثَبُّت فِي نَقْله , قَوْل مَنْ قَالَ ذَلِكَ أَرْبَعُونَ سَنَة ; لِأَنَّ فِي الْأَرْبَعِينَ يَتَنَاهَى عَقْل الْإِنْسَان وَفَهْمه , وَمَا قَبْل ذَلِكَ وَمَا بَعْدَهُ مُنْتَقِص عَنْ كَمَالِهِ فِي حَال الْأَرْبَعِينَ.
وَقَوْله : { وَجَاءَكُمُ النَّذِير } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى النَّذِير , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22208 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَجَاءَكُمُ النَّذِير } قَالَ : النَّذِير : النَّبِيّ , وَقَرَأَ : { هَذَا نَذِير مِنَ النُّذُر الْأُولَى } 53 56 , وَقِيلَ : عَنَى بِهِ الشَّيْب , فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَنْ : أَوَلَمْ نُعَمِّركُمْ يَا مَعْشَر الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ مِنْ قُرَيْش مِنْ السِّنِينَ , مَا يَتَذَكَّر فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ , مِنْ ذَوِي الْأَلْبَاب وَالْعُقُول , وَاتَّعَظَ مِنْهُمْ مَنْ اتَّعَظَ , وَتَابَ مَنْ تَابَ , وَجَاءَكُمْ مِنَ اللَّه مُنْذِر يُنْذِركُمْ مَا أَنْتُمْ فِيهِ الْيَوْم مِنْ عَذَاب اللَّه , فَلَمْ تَتَذَكَّرُوا مَوَاعِظَ اللَّه , وَلَمْ تَقْبَلُوا مِنْ نَذِير اللَّه الَّذِي جَاءَكُمْ مَا أَتَاكُمْ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّكُمْ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِير } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { فَذُوقُوا } نَار عَذَاب جَهَنَّم الَّذِي قَدْ صَلَيْتُمُوهُ أَيّهَا الْكَافِرُونَ بِاللَّهِ { فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِير } يَقُول : فَمَا لِلْكَافِرِينَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَكْسَبُوهَا غَضَبَ اللَّه بِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ نَصِير يَنْصُرهُمْ مِنَ اللَّه لِيَسْتَنْقِذهُمْ مِنْ عِقَابه .
وَقَوْله : { أَوَلَمْ نُعَمِّركُمْ مَا يَتَذَكَّر فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَبْلَغ ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ أَرْبَعُونَ سَنَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22201 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن عُثْمَان بْن خُثَيْم , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : سَمِعْت ابْن عَبَّاس يَقُول : الْعُمُر الَّذِي أَعْذَرَ اللَّه إِلَى ابْن آدَم { أَوَلَمْ نُعَمِّركُمْ مَا يَتَذَكَّر فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ } : أَرْبَعُونَ سَنَة 22202 -حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ مُجَالِد , عَنِ الشَّعْبِيّ , عَنْ مَسْرُوق أَنَّهُ كَانَ يَقُول : إِذَا بَلَغَ أَحَدكُمْ أَرْبَعِينَ سَنَة , فَلْيَأْخُذْ حِذْره مِنْ اللَّه وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ سِتُّونَ سَنَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22203 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ ابْن خُثَيْم , عَنْ مُجَاهِد , عَنِ ابْن عَبَّاس { أَوَلَمْ نُعَمِّركُمْ مَا يَتَذَكَّر فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ } قَالَ : سِتُّونَ سَنَة - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن إِدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت عَبْدَ اللَّه بْن عُثْمَان بْن خُثَيْم , عَنْ مُجَاهِد , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : الْعُمُر الَّذِي أَعْذَرَ اللَّه فِيهِ لِابْنِ آدَمَ سِتُّونَ سَنَة 22204 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن شُعَيْب , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل بْن أَبِي فُدَيْك , عَنْ إِبْرَاهِيم بْن الْفَضْل , عَنْ أَبِي حُسَيْن الْمَكِّيّ , عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة نُودِيَ : أَيْنَ أَبْنَاء السِّتِّينَ , وَهُوَ الْعُمُر الَّذِي قَالَ اللَّه : { أَوَلَمْ نُعَمِّركُمْ مَا يَتَذَكَّر فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِير } " . 22205 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن الْفَرَج الْحِمْصِيّ , قَالَ : ثنا بَقِيَّة بْن الْوَلِيد , قَالَ : ثنا مُطَرِّف بْن مَازِن الْكِنَانِيّ , قَالَ : ثني مَعْمَر بْن رَاشِد , قَالَ : سَمِعْت مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن الْغِفَارِيّ يَقُول : سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَة يَقُول : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَلَقَدْ أَعْذَرَ اللَّه إِلَى صَاحِب السِّتِّينَ سَنَة وَالسَّبْعِينَ " . 22206 - حَدَّثَنَا أَبُو صَالِح الْفَزَارِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن سِوَار , قَالَ : ثنا يَعْقُوب بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد الْقَارِي الْإِسْكَنْدَرِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو حَازِم , عَنْ سَعِيد الْمَقْبُرِيّ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ عَمَّرَهُ اللَّه سِتِّينَ سَنَة فَقَدْ أَعْذَرَ إِلَيْهِ فِي الْعُمُر " 22207 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سِوَار , قَالَ : ثنا أَسَد بْن حُمَيْد , عَنْ سَعِيد بْن طَرِيف , عَنْ الْأَصْبَغ بْن نَبَاتَةَ , عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , فِي قَوْله : { أَوَلَمْ نُعَمِّركُمْ مَا يَتَذَكَّر فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِير } قَالَ : الْعُمُر الَّذِي عَمَّرَكُمْ اللَّه بِهِ سِتُّونَ سَنَة وَأَشْبَه الْقَوْلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَة إِذْ كَانَ الْخَبَر الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرًا فِي إِسْنَاده بَعْض مَنْ يَجِب التَّثَبُّت فِي نَقْله , قَوْل مَنْ قَالَ ذَلِكَ أَرْبَعُونَ سَنَة ; لِأَنَّ فِي الْأَرْبَعِينَ يَتَنَاهَى عَقْل الْإِنْسَان وَفَهْمه , وَمَا قَبْل ذَلِكَ وَمَا بَعْدَهُ مُنْتَقِص عَنْ كَمَالِهِ فِي حَال الْأَرْبَعِينَ.
وَقَوْله : { وَجَاءَكُمُ النَّذِير } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى النَّذِير , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22208 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَجَاءَكُمُ النَّذِير } قَالَ : النَّذِير : النَّبِيّ , وَقَرَأَ : { هَذَا نَذِير مِنَ النُّذُر الْأُولَى } 53 56 , وَقِيلَ : عَنَى بِهِ الشَّيْب , فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَنْ : أَوَلَمْ نُعَمِّركُمْ يَا مَعْشَر الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ مِنْ قُرَيْش مِنْ السِّنِينَ , مَا يَتَذَكَّر فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ , مِنْ ذَوِي الْأَلْبَاب وَالْعُقُول , وَاتَّعَظَ مِنْهُمْ مَنْ اتَّعَظَ , وَتَابَ مَنْ تَابَ , وَجَاءَكُمْ مِنَ اللَّه مُنْذِر يُنْذِركُمْ مَا أَنْتُمْ فِيهِ الْيَوْم مِنْ عَذَاب اللَّه , فَلَمْ تَتَذَكَّرُوا مَوَاعِظَ اللَّه , وَلَمْ تَقْبَلُوا مِنْ نَذِير اللَّه الَّذِي جَاءَكُمْ مَا أَتَاكُمْ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّكُمْ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِير } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { فَذُوقُوا } نَار عَذَاب جَهَنَّم الَّذِي قَدْ صَلَيْتُمُوهُ أَيّهَا الْكَافِرُونَ بِاللَّهِ { فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِير } يَقُول : فَمَا لِلْكَافِرِينَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَكْسَبُوهَا غَضَبَ اللَّه بِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ نَصِير يَنْصُرهُمْ مِنَ اللَّه لِيَسْتَنْقِذهُمْ مِنْ عِقَابه .
وَقَوْله : { إِنَّ اللَّهَ عَالِم غَيْب السَّمَوَات وَالْأَرْض } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ اللَّهَ عَالِم مَا تُخْفُونَ أَيّهَا النَّاس فِي أَنْفُسكُمْ وَتُضْمِرُونَهُ , وَمَا لَمْ تُضْمِرُوهُ وَلَمْ تَنْوُوهُ مِمَّا سَتَنْوُونَهُ , وَمَا هُوَ غَائِب عَنْ أَبْصَاركُمْ فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض , فَاتَّقُوهُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْكُمْ , وَأَنْتُمْ تُضْمِرُونَ فِي أَنْفُسكُمْ مِنْ الشَّكّ فِي وَحْدَانِيَّة اللَّه , أَوْ فِي نُبُوَّة مُحَمَّد , غَيْر الَّذِي تُبْدُونَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ , { إِنَّهُ عَلِيم بِذَاتِ الصُّدُور }
هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتًا وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَسَارًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْض } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : اللَّه الَّذِي جَعَلَكُمْ أَيّهَا النَّاس خَلَائِفَ فِي الْأَرْض مِنْ بَعْد عَاد وَثَمُود , وَمَنْ مَضَى مِنْ قَبْلكُمْ مِنَ الْأُمَم فَجَعَلَكُمْ تَخْلُفُونَهُمْ فِي دِيَارهمْ وَمَسَاكِنهمْ , كَمَا : 22209 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْض } أُمَّة بَعْدَ أُمَّة , وَقَرْنًا بَعْدَ قَرْن
وَقَوْله: { فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْره } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَمَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْكُمْ أَيّهَا النَّاس , فَعَلَى نَفْسه ضُرّ كُفْره , لَا يَضُرّ بِذَلِكَ غَيْرَ نَفْسه , لِأَنَّهُ الْمُعَاقَب عَلَيْهِ دُونَ غَيْره .
وَقَوْله : { وَلَا يَزِيد الْكَافِرِينَ كُفْرهمْ عِنْدَ رَبّهمْ إِلَّا مَقْتًا } يَقُول تَعَالَى : وَلَا يَزِيد الْكَافِرِينَ كُفْرهمْ عِنْدَ رَبّهمْ إِلَّا بُعْدًا مِنْ رَحْمَة اللَّه
{ وَلَا يَزِيد الْكَافِرِينَ كُفْرهمْ إِلَّا خَسَارًا } يَقُول : وَلَا يَزِيد الْكَافِرِينَ كُفْرهمْ بِاللَّهِ إِلَّا هَلَاكًا.
وَقَوْله: { فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْره } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَمَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْكُمْ أَيّهَا النَّاس , فَعَلَى نَفْسه ضُرّ كُفْره , لَا يَضُرّ بِذَلِكَ غَيْرَ نَفْسه , لِأَنَّهُ الْمُعَاقَب عَلَيْهِ دُونَ غَيْره .
وَقَوْله : { وَلَا يَزِيد الْكَافِرِينَ كُفْرهمْ عِنْدَ رَبّهمْ إِلَّا مَقْتًا } يَقُول تَعَالَى : وَلَا يَزِيد الْكَافِرِينَ كُفْرهمْ عِنْدَ رَبّهمْ إِلَّا بُعْدًا مِنْ رَحْمَة اللَّه
{ وَلَا يَزِيد الْكَافِرِينَ كُفْرهمْ إِلَّا خَسَارًا } يَقُول : وَلَا يَزِيد الْكَافِرِينَ كُفْرهمْ بِاللَّهِ إِلَّا هَلَاكًا.
قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّنْهُ بَلْ إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضًا إِلاَّ غُرُورًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمْ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْض } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { قُلْ } يَا مُحَمَّد لِمُشْرِكِي قَوْمك { أَرَأَيْتُمْ } أَيّهَا الْقَوْم { شُرَكَاءَكُمْ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْض } يَقُول : أَرُونِي أَيّ شَيْء خَلَقُوا مِنَ الْأَرْض
{ أَمْ لَهُمْ شِرْك فِي السَّمَوَات } يَقُول : أَمْ لِشُرَكَائِكُمْ شِرْك مَعَ اللَّه فِي السَّمَوَات , إِنْ لَمْ يَكُونُوا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْض شَيْئًا
{ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَة مِنْهُ } يَقُول : أَمْ آتَيْنَا هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ كِتَابًا أَنْزَلْنَاهُ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاء بِأَنْ يُشْرِكُوا بِاللَّهِ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ , فَهُمْ عَلَى بَيِّنَة مِنْهُ , فَهُمْ عَلَى بُرْهَان مِمَّا أَمَرْتهمْ فِيهِ مِنَ الْإِشْرَاك بِي . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22210 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمْ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْض } لَا شَيْء وَاللَّه خَلَقُوا مِنْهَا { أَمْ لَهُمْ شِرْك فِي السَّمَوَات } لَا وَاللَّه مَا لَهُمْ فِيهَا شِرْك { أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَة } مِنْهُ , يَقُول : أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُوَ يَأْمُرهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا
وَقَوْله : { بَلْ إِنْ يَعِد الظَّالِمُونَ بَعْضهمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا } وَذَلِكَ قَوْل بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : { مَا نَعْبُدهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّه زُلْفَى } 39 3 . خِدَاعًا مِنْ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ وَغُرُورًا , وَإِنَّمَا تَزَلَّفَهُمْ آلِهَتهمْ إِلَى النَّار , وَتُقْصِيهِمْ مِنَ اللَّه وَرَحْمَته .
{ أَمْ لَهُمْ شِرْك فِي السَّمَوَات } يَقُول : أَمْ لِشُرَكَائِكُمْ شِرْك مَعَ اللَّه فِي السَّمَوَات , إِنْ لَمْ يَكُونُوا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْض شَيْئًا
{ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَة مِنْهُ } يَقُول : أَمْ آتَيْنَا هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ كِتَابًا أَنْزَلْنَاهُ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاء بِأَنْ يُشْرِكُوا بِاللَّهِ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ , فَهُمْ عَلَى بَيِّنَة مِنْهُ , فَهُمْ عَلَى بُرْهَان مِمَّا أَمَرْتهمْ فِيهِ مِنَ الْإِشْرَاك بِي . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22210 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمْ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْض } لَا شَيْء وَاللَّه خَلَقُوا مِنْهَا { أَمْ لَهُمْ شِرْك فِي السَّمَوَات } لَا وَاللَّه مَا لَهُمْ فِيهَا شِرْك { أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَة } مِنْهُ , يَقُول : أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُوَ يَأْمُرهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا
وَقَوْله : { بَلْ إِنْ يَعِد الظَّالِمُونَ بَعْضهمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا } وَذَلِكَ قَوْل بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : { مَا نَعْبُدهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّه زُلْفَى } 39 3 . خِدَاعًا مِنْ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ وَغُرُورًا , وَإِنَّمَا تَزَلَّفَهُمْ آلِهَتهمْ إِلَى النَّار , وَتُقْصِيهِمْ مِنَ اللَّه وَرَحْمَته .
إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ اللَّهَ يُمْسِك السَّمَوَات وَالْأَرْض أَنْ تَزُولَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { إِنَّ اللَّهَ يُمْسِك السَّمَوَات وَالْأَرْضَ } لِئَلَّا تَزُولَا مِنْ أَمَاكِنهمَا { وَلَئِنْ زَالَتَا } يَقُول : وَلَوْ زَالَتَا { إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَد مِنْ بَعْده } يَقُول : مَا أَمْسَكَهُمَا أَحَد سِوَاهُ .
وَوُضِعَتْ " لَئِنْ " فِي قَوْله { وَلَئِنْ زَالَتَا } فِي مَوْضِع " لَوْ " لِأَنَّهُمَا يُجَابَانِ بِجَوَابٍ وَاحِد , فَيَتَشَابَهَانِ فِي الْمَعْنَى ; وَنَظِير ذَلِكَ قَوْله : { وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْده يَكْفُرُونَ } 30 15 . بِمَعْنَى : وَلَوْ أَرْسَلْنَا رِيحًا , وَكَمَا قَالَ : { وَلَئِنْ أَتَيْت الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ } 2 145 . بِمَعْنَى : لَوْ أَتَيْت , وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22211 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { إِنَّ اللَّهَ يُمْسِك السَّمَوَات وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا } مِنْ مَكَانهمَا 22212 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي وَائِل , قَالَ : جَاءَ رَجُل إِلَى عَبْد اللَّه , فَقَالَ : مِنْ أَيْنَ جِئْت ؟ قَالَ : مِنْ الشَّام , قَالَ : مَنْ لَقِيت ؟ قَالَ : لَقِيت كَعْبًا , فَقَالَ : مَا حَدَّثَك كَعْب ؟ قَالَ : حَدَّثَنِي أَنَّ السَّمَوَاتِ تَدُور عَلَى مَنْكِب مَلَك , قَالَ : فَصَدَّقْته أَوْ كَذَّبْته ؟ قَالَ : مَا صَدَّقْته وَلَا كَذَّبْته , قَالَ : لَوَدِدْت أَنَّك افْتَدَيْت مِنْ رِحْلَتك إِلَيْهِ بِرَاحِلَتِك وَرَحْلهَا , وَكَذَبَ كَعْب ; إِنَّ اللَّهَ يَقُول : { إِنَّ اللَّهَ يُمْسِك السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَد مِنْ بَعْده } 22213 - حَدَّثَنَا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : ذَهَبَ جُنْدَب الْبَجَلِيّ إِلَى كَعْب الْأَحْبَار , فَقَدِمَ عَلَيْهِ ثُمَّ رَجَعَ , فَقَالَ لَهُ عَبْد اللَّه : حَدِّثْنَا مَا حَدَّثَك , فَقَالَ : حَدَّثَنِي أَنَّ السَّمَاءَ فِي قُطْب كَقُطْبِ الرَّحَا , وَالْقُطْب عَمُود عَلَى مَنْكِب مَلَك , قَالَ عَبْد اللَّه : لَوَدِدْت أَنَّك افْتَدَيْت رِحْلَتك بِمِثْلِ رَاحِلَتك ; ثُمَّ قَالَ : مَا تَنْتَكِت الْيَهُودِيَّة فِي قَلْب عَبْد فَكَادَتْ أَنْ تُفَارِقَهُ , ثُمَّ قَالَ : { إِنَّ اللَّهَ يُمْسِك السَّمَوَات وَالْأَرْض أَنْ تَزُولَا } كَفَى بِهَا زَوَالًا أَنْ تَدُور وَقَوْله : { إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ اللَّهَ كَانَ حَلِيمًا عَمَّنْ أَشْرَكَ وَكَفَرَ بِهِ مِنْ خَلْقه فِي تَرْكه تَعْجِيلَ عَذَابه لَهُ , غَفُورًا لِذُنُوبِ مَنْ تَابَ مِنْهُمْ , وَأَنَابَ إِلَى الْإِيمَان بِهِ , وَالْعَمَل بِمَا يُرْضِيه .
وَوُضِعَتْ " لَئِنْ " فِي قَوْله { وَلَئِنْ زَالَتَا } فِي مَوْضِع " لَوْ " لِأَنَّهُمَا يُجَابَانِ بِجَوَابٍ وَاحِد , فَيَتَشَابَهَانِ فِي الْمَعْنَى ; وَنَظِير ذَلِكَ قَوْله : { وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْده يَكْفُرُونَ } 30 15 . بِمَعْنَى : وَلَوْ أَرْسَلْنَا رِيحًا , وَكَمَا قَالَ : { وَلَئِنْ أَتَيْت الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ } 2 145 . بِمَعْنَى : لَوْ أَتَيْت , وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22211 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { إِنَّ اللَّهَ يُمْسِك السَّمَوَات وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا } مِنْ مَكَانهمَا 22212 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي وَائِل , قَالَ : جَاءَ رَجُل إِلَى عَبْد اللَّه , فَقَالَ : مِنْ أَيْنَ جِئْت ؟ قَالَ : مِنْ الشَّام , قَالَ : مَنْ لَقِيت ؟ قَالَ : لَقِيت كَعْبًا , فَقَالَ : مَا حَدَّثَك كَعْب ؟ قَالَ : حَدَّثَنِي أَنَّ السَّمَوَاتِ تَدُور عَلَى مَنْكِب مَلَك , قَالَ : فَصَدَّقْته أَوْ كَذَّبْته ؟ قَالَ : مَا صَدَّقْته وَلَا كَذَّبْته , قَالَ : لَوَدِدْت أَنَّك افْتَدَيْت مِنْ رِحْلَتك إِلَيْهِ بِرَاحِلَتِك وَرَحْلهَا , وَكَذَبَ كَعْب ; إِنَّ اللَّهَ يَقُول : { إِنَّ اللَّهَ يُمْسِك السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَد مِنْ بَعْده } 22213 - حَدَّثَنَا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : ذَهَبَ جُنْدَب الْبَجَلِيّ إِلَى كَعْب الْأَحْبَار , فَقَدِمَ عَلَيْهِ ثُمَّ رَجَعَ , فَقَالَ لَهُ عَبْد اللَّه : حَدِّثْنَا مَا حَدَّثَك , فَقَالَ : حَدَّثَنِي أَنَّ السَّمَاءَ فِي قُطْب كَقُطْبِ الرَّحَا , وَالْقُطْب عَمُود عَلَى مَنْكِب مَلَك , قَالَ عَبْد اللَّه : لَوَدِدْت أَنَّك افْتَدَيْت رِحْلَتك بِمِثْلِ رَاحِلَتك ; ثُمَّ قَالَ : مَا تَنْتَكِت الْيَهُودِيَّة فِي قَلْب عَبْد فَكَادَتْ أَنْ تُفَارِقَهُ , ثُمَّ قَالَ : { إِنَّ اللَّهَ يُمْسِك السَّمَوَات وَالْأَرْض أَنْ تَزُولَا } كَفَى بِهَا زَوَالًا أَنْ تَدُور وَقَوْله : { إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ اللَّهَ كَانَ حَلِيمًا عَمَّنْ أَشْرَكَ وَكَفَرَ بِهِ مِنْ خَلْقه فِي تَرْكه تَعْجِيلَ عَذَابه لَهُ , غَفُورًا لِذُنُوبِ مَنْ تَابَ مِنْهُمْ , وَأَنَابَ إِلَى الْإِيمَان بِهِ , وَالْعَمَل بِمَا يُرْضِيه .
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُورًا ↑
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْد أَيْمَانهمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِير لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَم فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِير } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَقْسَمَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ جَهْد أَيْمَانهمْ ; يَقُول : أَشَدّ الْأَيْمَان , فَبَالَغُوا فِيهَا , لَئِنْ جَاءَهُمْ مِنَ اللَّه مُنْذِر يُنْذِرهُمْ بَأْس اللَّهِ { لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَم } يَقُول : لَيَكُونُنَّ أَسْلَكَ لِطَرِيقِ الْحَقّ , وَأَشَدّ قَبُولًا لِمَا يَأْتِيهِمْ بِهِ النَّذِير مِنْ عِنْد اللَّه , مِنْ إِحْدَى الْأُمَم الَّتِي خَلَتْ مِنْ قَبْلهمْ ; { فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِير } يَعْنِي بِالنَّذِيرِ : مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَقُول : فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُحَمَّد يُنْذِرهُمْ عِقَاب اللَّه عَلَى كُفْرهمْ , كَمَا : 22214 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِير } وَهُوَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَوْله : { مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا } يَقُول : مَا زَادَهُمْ مَجِيء النَّذِير مِنَ الْإِيمَان بِاللَّهِ وَاتِّبَاع الْحَقّ , وَسُلُوك هُدَى الطَّرِيق , إِلَّا نُفُورًا وَهَرَبًا .
وَقَوْله : { مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا } يَقُول : مَا زَادَهُمْ مَجِيء النَّذِير مِنَ الْإِيمَان بِاللَّهِ وَاتِّبَاع الْحَقّ , وَسُلُوك هُدَى الطَّرِيق , إِلَّا نُفُورًا وَهَرَبًا .
اسْتِكْبَارًا فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلا ↓
وَقَوْله : { اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْض } يَقُول : نَفَرُوا اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْض , وَخُدْعَة سَيِّئَة , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ صَدُّوا الضُّعَفَاءَ عَنْ اتِّبَاعه مَعَ كُفْرهمْ بِهِ .
وَالْمَكْر هَاهُنَا : هُوَ الشِّرْك , كَمَا : 22215 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَمَكْر السَّيِّئ } وَهُوَ الشِّرْك وَأُضِيف الْمَكْر إِلَى السَّيِّئ , وَالسَّيِّئ مِنْ نَعْت الْمَكْر , كَمَا قِيلَ : { إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقّ الْيَقِين } 56 95 . وَقِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : " مَكْرًا سَيِّئًا " , وَفِي ذَلِكَ تَحْقِيق الْقَوْل الَّذِي قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ السَّيِّئَ فِي الْمَعْنَى مِنْ نَعْت الْمَكْر , وَقَرَأَ ذَلِكَ قُرَّاء الْأَمْصَار غَيْر الْأَعْمَش وَحَمْزَة بِهَمْزَةٍ مُحَرَّكَة بِالْخَفْضِ , وَقَرَأَ ذَلِكَ الْأَعْمَش وَحَمْزَة بِهَمْزَةٍ وَتَسْكِين الْهَمْزَة اعْتِلَالًا مِنْهُمَا بِأَنَّ الْحَرَكَات لَمَّا كَثُرَتْ فِي ذَلِكَ ثَقُلَ , فَسَكّنَا الْهَمْزَة , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : إِذَا اعْوَجَجْنَ قُلْت صَاحِبْ قَوِّمِ فَسَكَّنَ الْبَاءَ , لِكَثْرَةِ الْحَرَكَات. وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة مَا عَلَيْهِ قُرَّاء الْأَمْصَار مِنْ تَحْرِيك الْهَمْزَة فِيهِ إِلَى الْخَفْض , وَغَيْر جَائِز فِي الْقُرْآن أَنْ يُقْرَأ بِكُلِّ مَا جَازَ فِي الْعَرَبِيَّة ; لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ إِنَّمَا هِيَ مَا قَرَأَتْ بِهِ الْأَئِمَّة الْمَاضِيَة , وَجَاءَ بِهِ السَّلَف عَلَى النَّحْو الَّذِي أَخَذُوا عَمَّنْ قَبْلهمْ. وَقَوْله : { وَلَا يَحِيق الْمَكْر السَّيِّئ إِلَّا بِأَهْلِهِ } يَقُول : وَلَا يَنْزِل الْمَكْر السَّيِّئ إِلَّا بِأَهْلِهِ , يَعْنِي بِالَّذِينَ يَمْكُرُونَهُ ; وَإِنَّمَا عَنَى أَنَّهُ لَا يَحِلّ مَكْرُوه ذَلِكَ الْمَكْر الَّذِي مَكَرَهُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ إِلَّا بِهِمْ . وَقَالَ قَتَادَة فِي ذَلِكَ مَا : 22216 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَلَا يَحِيق الْمَكْر السَّيِّئ إِلَّا بِأَهْلِهِ } وَهُوَ الشِّرْك
وَقَوْله : { فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَهَلْ يَنْتَظِر هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قَوْمك يَا مُحَمَّد إِلَّا سُنَّة اللَّه بِهِمْ فِي عَاجِل الدُّنْيَا عَلَى كُفْرهمْ بِهِ أَلِيم الْعِقَاب . يَقُول : فَهَلْ يَنْتَظِر هَؤُلَاءِ إِلَّا أَنْ أَحَلَّ بِهِمْ مِنْ نِقْمَتِي عَلَى شِرْكهمْ بِي وَتَكْذِيبهمْ رَسُولِي مِثْل الَّذِي أَحْلَلْت بِمَنْ قَبْلَهُمْ مِنْ أَشْكَالهمْ مِنَ الْأُمَم , كَمَا : 22217 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ } : أَيْ عُقُوبَة الْأَوَّلِينَ .
{ فَلَنْ تَجِد لِسُنَّتِ اللَّه تَبْدِيلًا } يَقُول : فَلَنْ تَجِد يَا مُحَمَّد لِسُنَّةِ اللَّه تَغْيِيرًا
وَقَوْله : { وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّه تَحْوِيلًا } يَقُول : وَلَنْ تَجِد لِسُنَّةِ اللَّه فِي خَلْقه تَبْدِيلًا ; يَقُول : لَنْ يُغَيِّر ذَلِكَ , وَلَا يُبَدِّلهُ ; لِأَنَّهُ لَا مَرَدّ لِقَضَائِهِ .
وَالْمَكْر هَاهُنَا : هُوَ الشِّرْك , كَمَا : 22215 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَمَكْر السَّيِّئ } وَهُوَ الشِّرْك وَأُضِيف الْمَكْر إِلَى السَّيِّئ , وَالسَّيِّئ مِنْ نَعْت الْمَكْر , كَمَا قِيلَ : { إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقّ الْيَقِين } 56 95 . وَقِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : " مَكْرًا سَيِّئًا " , وَفِي ذَلِكَ تَحْقِيق الْقَوْل الَّذِي قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ السَّيِّئَ فِي الْمَعْنَى مِنْ نَعْت الْمَكْر , وَقَرَأَ ذَلِكَ قُرَّاء الْأَمْصَار غَيْر الْأَعْمَش وَحَمْزَة بِهَمْزَةٍ مُحَرَّكَة بِالْخَفْضِ , وَقَرَأَ ذَلِكَ الْأَعْمَش وَحَمْزَة بِهَمْزَةٍ وَتَسْكِين الْهَمْزَة اعْتِلَالًا مِنْهُمَا بِأَنَّ الْحَرَكَات لَمَّا كَثُرَتْ فِي ذَلِكَ ثَقُلَ , فَسَكّنَا الْهَمْزَة , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : إِذَا اعْوَجَجْنَ قُلْت صَاحِبْ قَوِّمِ فَسَكَّنَ الْبَاءَ , لِكَثْرَةِ الْحَرَكَات. وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة مَا عَلَيْهِ قُرَّاء الْأَمْصَار مِنْ تَحْرِيك الْهَمْزَة فِيهِ إِلَى الْخَفْض , وَغَيْر جَائِز فِي الْقُرْآن أَنْ يُقْرَأ بِكُلِّ مَا جَازَ فِي الْعَرَبِيَّة ; لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ إِنَّمَا هِيَ مَا قَرَأَتْ بِهِ الْأَئِمَّة الْمَاضِيَة , وَجَاءَ بِهِ السَّلَف عَلَى النَّحْو الَّذِي أَخَذُوا عَمَّنْ قَبْلهمْ. وَقَوْله : { وَلَا يَحِيق الْمَكْر السَّيِّئ إِلَّا بِأَهْلِهِ } يَقُول : وَلَا يَنْزِل الْمَكْر السَّيِّئ إِلَّا بِأَهْلِهِ , يَعْنِي بِالَّذِينَ يَمْكُرُونَهُ ; وَإِنَّمَا عَنَى أَنَّهُ لَا يَحِلّ مَكْرُوه ذَلِكَ الْمَكْر الَّذِي مَكَرَهُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ إِلَّا بِهِمْ . وَقَالَ قَتَادَة فِي ذَلِكَ مَا : 22216 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَلَا يَحِيق الْمَكْر السَّيِّئ إِلَّا بِأَهْلِهِ } وَهُوَ الشِّرْك
وَقَوْله : { فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَهَلْ يَنْتَظِر هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قَوْمك يَا مُحَمَّد إِلَّا سُنَّة اللَّه بِهِمْ فِي عَاجِل الدُّنْيَا عَلَى كُفْرهمْ بِهِ أَلِيم الْعِقَاب . يَقُول : فَهَلْ يَنْتَظِر هَؤُلَاءِ إِلَّا أَنْ أَحَلَّ بِهِمْ مِنْ نِقْمَتِي عَلَى شِرْكهمْ بِي وَتَكْذِيبهمْ رَسُولِي مِثْل الَّذِي أَحْلَلْت بِمَنْ قَبْلَهُمْ مِنْ أَشْكَالهمْ مِنَ الْأُمَم , كَمَا : 22217 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ } : أَيْ عُقُوبَة الْأَوَّلِينَ .
{ فَلَنْ تَجِد لِسُنَّتِ اللَّه تَبْدِيلًا } يَقُول : فَلَنْ تَجِد يَا مُحَمَّد لِسُنَّةِ اللَّه تَغْيِيرًا
وَقَوْله : { وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّه تَحْوِيلًا } يَقُول : وَلَنْ تَجِد لِسُنَّةِ اللَّه فِي خَلْقه تَبْدِيلًا ; يَقُول : لَنْ يُغَيِّر ذَلِكَ , وَلَا يُبَدِّلهُ ; لِأَنَّهُ لَا مَرَدّ لِقَضَائِهِ .
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْض فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَوَلَمْ يَسِرْ يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ , فِي الْأَرْض الَّتِي أَهْلَكْنَا أَهْلَهَا بِكُفْرِهِمْ بِنَا وَتَكْذِيبهمْ رُسُلَنَا , فَإِنَّهُمْ تُجَّار يَسْلُكُونَ طَرِيق الشَّام { فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ } مِنَ الْأُمَم الَّتِي كَانُوا يَمُرُّونَ بِهَا أَلَمْ نُهْلِكهُمْ وَنُخَرِّب مَسَاكِنَهُمْ وَنَجْعَلهُمْ مَثَلًا لِمَنْ بَعْدَهُمْ , فَيَتَّعِظُوا بِهِمْ , وَيَنْزَجِرُوا عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَة الْآلِهَة بِالشِّرْكِ بِاللَّهِ , وَيَعْلَمُوا أَنَّ الَّذِي فَعَلَ بِأُولَئِكَ مَا فَعَلَ { وَكَانُوا أَشَدّ مِنْهُمْ قُوَّة } لَنْ يَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ بِهِمْ مِثْل الَّذِي فَعَلَ بِأُولَئِكَ مِنْ تَعْجِيل النِّقْمَة , وَالْعَذَاب لَهُمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي قَوْله : { وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّة } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22218 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَكَانُوا أَشَدّ مِنْهُمْ قُوَّة } يُخْبِركُمْ أَنَّهُ أَعْطَى الْقَوْم مَا لَمْ يُعْطِكُمْ
وَقَوْله : { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْء فِي السَّمَوَات وَلَا فِي الْأَرْض } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَنْ يُعْجِزنَا هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ مِنْ عَبَدَة الْآلِهَة , الْمُكَذِّبُونَ مُحَمَّدًا فَيَسْبِقُونَا هَرَبًا فِي الْأَرْض , إِذَا نَحْنُ أَرَدْنَا هَلَاكَهُمْ ; لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ لِيُعْجِزَهُ شَيْء يُرِيدهُ فِي السَّمَوَات وَلَا فِي الْأَرْض , وَلَنْ يَقْدِر هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ أَنْ يَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَار السَّمَوَات وَالْأَرْض , وَقَوْله : { إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا بِخَلْقِهِ , وَمَا هُوَ كَائِن , وَمَنْ هُوَ الْمُسْتَحِقّ مِنْهُمْ تَعْجِيل الْعُقُوبَة , وَمَنْ هُوَ عَنْ ضَلَالَته مِنْهُمْ رَاجِع إِلَى الْهُدَى آئِب , قَدِيرًا عَلَى الِانْتِقَام مِمَّنْ شَاءَ مِنْهُمْ , وَتَوْفِيق مَنْ أَرَادَ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ .
وَقَوْله : { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْء فِي السَّمَوَات وَلَا فِي الْأَرْض } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَنْ يُعْجِزنَا هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ مِنْ عَبَدَة الْآلِهَة , الْمُكَذِّبُونَ مُحَمَّدًا فَيَسْبِقُونَا هَرَبًا فِي الْأَرْض , إِذَا نَحْنُ أَرَدْنَا هَلَاكَهُمْ ; لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ لِيُعْجِزَهُ شَيْء يُرِيدهُ فِي السَّمَوَات وَلَا فِي الْأَرْض , وَلَنْ يَقْدِر هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ أَنْ يَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَار السَّمَوَات وَالْأَرْض , وَقَوْله : { إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا بِخَلْقِهِ , وَمَا هُوَ كَائِن , وَمَنْ هُوَ الْمُسْتَحِقّ مِنْهُمْ تَعْجِيل الْعُقُوبَة , وَمَنْ هُوَ عَنْ ضَلَالَته مِنْهُمْ رَاجِع إِلَى الْهُدَى آئِب , قَدِيرًا عَلَى الِانْتِقَام مِمَّنْ شَاءَ مِنْهُمْ , وَتَوْفِيق مَنْ أَرَادَ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ .
وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّه النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرهَا مِنْ دَابَّة وَلَكِنْ يُؤَخِّرهُمْ إِلَى أَجَل مُسَمًّى } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَوْ يُؤَاخِذ اللَّه النَّاسَ . يَقُول وَلَوْ يُعَاقِب اللَّه النَّاسَ , وَيُكَافِئهُمْ بِمَا عَمِلُوا مِنْ الذُّنُوب وَالْمَعَاصِي , وَاجْتَرَحُوا مِنْ الْآثَام , مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرهَا مِنْ دَابَّة تَدِبّ عَلَيْهَا { وَلَكِنْ يُؤَخِّرهُمْ إِلَى أَجَل مُسَمًّى } يَقُول : وَلَكِنْ يُؤَخِّر عِقَابَهُمْ وَمُؤَاخَذَتهمْ بِمَا كَسَبُوا إِلَى أَجَل مَعْلُوم عِنْدَهُ , مَحْدُود لَا يَقْصُرُونَ دُونَهُ , وَلَا يُجَاوِزُونَهُ إِذَا بَلَغُوهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22219 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَلَوْ يُؤَاخِذ اللَّه النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرهَا مِنْ دَابَّة } إِلَّا مَا حَمَلَ نُوح فِي السَّفِينَة
وَقَوْله : { فَإِذَا جَاءَ أَجَلهمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَإِذَا جَاءَ أَجَل عِقَابهمْ , فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا مَنْ الَّذِي يَسْتَحِقّ أَنْ يُعَاقِبَ مِنْهُمْ , وَمَنْ الَّذِي يَسْتَوْجِب الْكَرَامَةَ , وَمَنْ الَّذِي كَانَ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا لَهُ مُطِيعًا , وَمَنْ كَانَ فِيهَا بِهِ مُشْرِكًا , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَحَد مِنْهُمْ , وَلَا يَعْزُب عَنْهُ عِلْم شَيْء مِنْ أَمْرهمْ. آخِر تَفْسِير سُورَة فَاطِر
وَقَوْله : { فَإِذَا جَاءَ أَجَلهمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَإِذَا جَاءَ أَجَل عِقَابهمْ , فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا مَنْ الَّذِي يَسْتَحِقّ أَنْ يُعَاقِبَ مِنْهُمْ , وَمَنْ الَّذِي يَسْتَوْجِب الْكَرَامَةَ , وَمَنْ الَّذِي كَانَ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا لَهُ مُطِيعًا , وَمَنْ كَانَ فِيهَا بِهِ مُشْرِكًا , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَحَد مِنْهُمْ , وَلَا يَعْزُب عَنْهُ عِلْم شَيْء مِنْ أَمْرهمْ. آخِر تَفْسِير سُورَة فَاطِر