الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4الصفحة 5الصفحة 6الصفحة 7
فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَسورة الصافات الآية رقم 31
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْل رَبّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْل رَبّنَا , فَوَجَبَ عَلَيْنَا عَذَاب رَبّنَا , إِنَّا لَذَائِقُونَ الْعَذَاب نَحْنُ وَأَنْتُمْ بِمَا قَدَّمْنَا مِنْ ذُنُوبنَا وَمَعْصِيَتنَا فِي الدُّنْيَا ; فَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه عَنْ قِيل الْجِنّ وَالْإِنْس , كَمَا : 22479 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْل رَبّنَا } الْآيَة , قَالَ : هَذَا قَوْل الْجِنّ.
فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَسورة الصافات الآية رقم 32
وَقَوْله : { فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ } يَقُول : فَأَضْلَلْنَاكُمْ عَنْ سَبِيل اللَّه وَالْإِيمَان بِهِ إِنَّا كُنَّا ضَالِّينَ ; وَهَذَا أَيْضًا خَبَر مِنْ اللَّه عَنْ قِيل الْجِنّ وَالْإِنْس ,
فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَسورة الصافات الآية رقم 33
قَالَ اللَّه : { فَإِنَّهُمْ يَوْمئِذٍ فِي الْعَذَاب مُشْتَرِكُونَ } يَقُول : فَإِنَّ الْإِنْس الَّذِينَ كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَأَزْوَاجهمْ , وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه , وَاَلَّذِينَ أَغْوَوْا الْإِنْس مِنْ الْجِنّ يَوْم الْقِيَامَة فِي الْعَذَاب مُشْتَرِكُونَ جَمِيعًا فِي النَّار , كَمَا اِشْتَرَكُوا فِي الدُّنْيَا فِي مَعْصِيَة اللَّه . 22480 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { فَإِنَّهُمْ يَوْمئِذٍ فِي الْعَذَاب مُشْتَرِكُونَ } قَالَ : هُمْ وَالشَّيَاطِين .
إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَسورة الصافات الآية رقم 34
{ إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَل بِالْمُجْرِمِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّا هَكَذَا نَفْعَل بِاَلَّذِينَ اِخْتَارُوا مَعَاصِي اللَّه فِي الدُّنْيَا عَلَى طَاعَته , وَالْكُفْر بِهِ عَلَى الْإِيمَان , فَنُذِيقهُمْ الْعَذَاب الْأَلِيم , وَنَجْمَع بَيْنهمْ وَبَيْن قُرَنَائِهِمْ فِي النَّار .
إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَسورة الصافات الآية رقم 35
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه يَسْتَكْبِرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاَللَّهِ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتهمْ فِي هَذِهِ الْآيَات كَانُوا فِي الدُّنْيَا إِذَا قِيلَ لَهُمْ : قُولُوا { لَا إِلَه إِلَّا اللَّه يَسْتَكْبِرُونَ } يَقُول : يَتَعَظَّمُونَ عَنْ قِيل ذَلِكَ وَيَتَكَبَّرُونَ ; وَتُرِكَ مِنْ الْكَلَام قُولُوا , اِكْتِفَاء بِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ مِنْ ذِكْره . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22481- حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : { إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه يَسْتَكْبِرُونَ } قَالَ : يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ خَاصَّة . 22482 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه يَسْتَكْبِرُونَ } قَالَ : قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب : اُحْضُرُوا مَوْتَاكُمْ , وَلَقِّنُوهُمْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , فَإِنَّهُمْ يَرَوْنَ وَيَسْمَعُونَ .
وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍسورة الصافات الآية رقم 36
وَقَوْله : { وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُون } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَيَقُول هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْش : أَنَتْرُكُ عِبَادَة آلِهَتنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُون ؟ ! يَقُول : لِاتِّبَاعِ شَاعِر مَجْنُون , يَعْنُونَ بِذَلِكَ نَبِيّ اللَّه , وَنَقُول : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , كَمَا : 22483 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَيَقُولُونَ آإِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُون } يَعْنُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَّبَهُ وَسَلَّمَ .
بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَسورة الصافات الآية رقم 37
وَقَوْله : { بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ } وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه مُكَذِّبًا لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : شَاعِر مَجْنُون , كَذَّبُوا , مَا مُحَمَّد كَمَا وَصَفُوهُ بِهِ مِنْ أَنَّهُ شَاعِر مَجْنُون , بَلْ هُوَ لِلَّهِ نَبِيّ جَاءَ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْده , وَهُوَ الْقُرْآن الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ , وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْله . وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22484 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ } بِالْقُرْآنِ { وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ } : أَيْ صَدَّقَ مَنْ كَانَ قَبْله مِنْ الْمُرْسَلِينَ.
إِنَّكُمْ لَذَائِقُوا الْعَذَابِ الأَلِيمِسورة الصافات الآية رقم 38
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّكُمْ لَذَائِقُوا الْعَذَاب الْأَلِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْل مَكَّة , الْقَائِلِينَ لِمُحَمَّدٍ : شَاعِر مَجْنُون { إِنَّكُمْ } أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ { لَذَائِقُوا الْعَذَاب الْأَلِيم } الْمُوجِع فِي الْآخِرَة
وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَسورة الصافات الآية رقم 39
{ وَمَا تُجْزَوْنَ } يَقُول : وَمَا تُثَابُونَ فِي الْآخِرَة إِذَا ذُقْتُمْ الْعَذَاب الْأَلِيم فِيهَا { إِلَّا } ثَوَاب { مَا كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } فِي الدُّنْيَا , مَعَاصِي اللَّه .
إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَسورة الصافات الآية رقم 40
وَقَوْله : { إِلَّا عِبَاد اللَّه الْمُخْلَصِينَ } يَقُول : إِلَّا عِبَاد اللَّه الَّذِينَ أَخْلَصَهُمْ يَوْم خَلَقَهُمْ لِرَحْمَتِهِ , وَكَتَبَ لَهُمْ السَّعَادَة فِي أُمّ الْكِتَاب , فَإِنَّهُمْ لَا يَذُوقُونَ الْعَذَاب , لِأَنَّهُمْ أَهْل طَاعَة اللَّه , وَأَهْل الْإِيمَان بِهِ . 22485 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { إِلَّا عِبَاد اللَّه الْمُخْلَصِينَ } قَالَ : هَذِهِ ثَنِيَّة اللَّه .
أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌسورة الصافات الآية رقم 41
وَقَوْله : { أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْق مَعْلُوم } يَقُول : هَؤُلَاءِ هُمْ عِبَاد اللَّه الْمُخْلَصُونَ لَهُمْ رِزْق مَعْلُوم ; وَذَلِكَ الرِّزْق الْمَعْلُوم : هُوَ الْفَوَاكِه الَّتِي خَلَقَهَا اللَّه لَهُمْ فِي الْجَنَّة , كَمَا : 22486 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْق مَعْلُوم } فِي الْجَنَّة . 22487 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَا : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : { أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْق مَعْلُوم } قَالَ : فِي الْجَنَّة .
فَوَاكِهُ وَهُم مُّكْرَمُونَسورة الصافات الآية رقم 42
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَوَاكِه وَهُمْ مُكْرَمُونَ } قَوْله { فَوَاكِه } رَدًّا عَلَى الرِّزْق الْمَعْلُوم تَفْسِيرًا لَهُ , وَلِذَلِكَ رُفِعَتْ وَقَوْله : { وَهُمْ مُكْرَمُونَ } يَقُول : وَهُمْ مَعَ الَّذِي لَهُمْ مِنْ الرِّزْق الْمَعْلُوم فِي الْجَنَّة , مُكْرَمُونَ بِكَرَامَةِ اللَّه الَّتِي أَكْرَمَهُمْ اللَّه بِهَا
فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِسورة الصافات الآية رقم 43
{ فِي جَنَّات النَّعِيم } يَعْنِي : فِي بَسَاتِين النَّعِيم
عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَسورة الصافات الآية رقم 44
{ عَلَى سُرُر مُتَقَابِلِينَ } يَعْنِي : أَنَّ بَعْضهمْ يُقَابِل بَعْضًا , وَلَا يَنْظُر بَعْضهمْ فِي قَفَا بَعْض .
يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسٍ مِن مَّعِينٍسورة الصافات الآية رقم 45
وَقَوْله : { يُطَاف عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِين } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَطُوف الْخَدَم عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ خَمْر جَارِيَة ظَاهِرَة لِأَعْيُنِهِمْ غَيْر غَائِرَة , كَمَا : 22488 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { يُطَاف عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِين } قَالَ : كَأْس مِنْ خَمْر جَارِيَة , وَالْمَعِين : هِيَ الْجَارِيَة 22489 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ سَلَمَة بْن نُبَيْط , عَنْ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم , فِي قَوْله : { بِكَأْسٍ مِنْ مَعِين } قَالَ : كُلّ كَأْس فِي الْقُرْآن فَهُوَ خَمْر * حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن دَاوُد , عَنْ سَلَمَة بْن نُبَيْط , عَنْ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم , قَالَ : كُلّ كَأْس فِي الْقُرْآن فَهُوَ خَمْر 22490 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : { بِكَأْسٍ مِنْ مَعِين } قَالَ : الْخَمْر. وَالْكَأْس عِنْد الْعَرَب : كُلّ إِنَاء فِيهِ شَرَاب , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَرَاب لَمْ يَكُنْ كَأْسًا , وَلَكِنَّهُ يَكُون إِنَاء
بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَسورة الصافات الآية رقم 46
وَقَوْله : { بَيْضَاء لَذَّة لِلشَّارِبِينَ } يَعْنِي بِالْبَيْضَاءِ : الْكَأْس , وَلِتَأْنِيثِ الْكَأْس أُنِّثَتْ الْبَيْضَاء , وَلَمْ يَقُلْ أَبْيَض , وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : " وَصَفْرَاء " . 22491- حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : { بَيْضَاء } قَالَ السُّدِّيّ : فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : " وَصَفْرَاء " وَقَوْله : { لَذَّة لِلشَّارِبِينَ } يَقُول : هَذِهِ الْخَمْر لَذَّة يَلْتَذّهَا شَارِبُوهَا .
لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَسورة الصافات الآية رقم 47
وَقَوْله : { لَا فِيهَا غَوْل } يَقُول : لَا فِي هَذِهِ الْخَمْر غَوْل , وَهُوَ أَنْ تُغْتَال عُقُولهمْ ; يَقُول : لَا تَذْهَب هَذِهِ الْخَمْر بِعُقُولِ شَارِبِيهَا , كَمَا تَذْهَب بِهَا خُمُور أَهْل الدُّنْيَا إِذَا شَرِبُوهَا فَأَكْثَرُوا مِنْهَا , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : وَمَا زَالَتْ الْكَأْس تَغْتَالنَا وَتَذْهَب بِالْأَوَّلِ الْأَوَّل وَالْعَرَب تَقُول : لَيْسَ فِيهَا غِيلَة وَغَائِلَة وَغَوْل بِمَعْنًى وَاحِد ; وَرُفِعَ غَوْل وَلَمْ يُنْصَب بِلَا لِدُخُولِ حَرْف الصِّفَة بَيْنهَا وَبَيْن الْغَوْل , وَكَذَلِكَ تَفْعَل الْعَرَب فِي التَّبْرِئَة إِذَا حَالَتْ بَيْن لَا وَالِاسْم بِحَرْفٍ مِنْ حُرُوف الصِّفَات رَفَعُوا الِاسْم وَلَمْ يَنْصِبُوهُ , وَقَدْ يَحْتَمِل قَوْله : { لَا فِيهَا غَوْل } أَنْ يَكُون مَعْنِيًّا بِهِ : لَيْسَ فِيهَا مَا يُؤْذِيهِمْ مِنْ مَكْرُوه , وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَب تَقُول لِلرَّجُلِ يُصَاب بِأَمْرٍ مَكْرُوه , أَوْ يُنَال بِدَاهِيَةٍ عَظِيمَة : غَالَ فُلَانًا غُول وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : لَيْسَ فِيهَا صُدَاع . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22492 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { لَا فِيهَا غَوْل } يَقُول : لَيْسَ فِيهَا صُدَاع . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : لَيْسَ فِيهَا أَذًى فَتَشْكِي مِنْهُ بُطُونهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22493 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس { لَا فِيهَا غَوْل } قَالَ : هِيَ الْخَمْر لَيْسَ فِيهَا وَجَع بَطْن . 22494- حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد قَوْله : { لَا فِيهَا غَوْل } قَالَ : وَجَع بَطْن . 22495 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { لَا فِيهَا غَوْل } قَالَ : الْغَوْل مَا يُوجِع الْبُطُون , وَشَارِب الْخَمْر هَهُنَا يَشْتَكِي بَطْنه. 22496 - حَدَّثَنِي بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { لَا فِيهَا غَوْل } يَقُول : لَيْسَ فِيهَا وَجَع بَطْن , وَلَا صُدَاع رَأْس . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أَنَّهَا لَا تُغَوِّل عُقُولهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22497 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { لَا فِيهَا غَوْل } قَالَ : لَا تَغْتَال عُقُولهمْ. وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : لَيْسَ فِيهَا أَذًى وَلَا مَكْرُوه. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22498 - حُدِّثْت عَنْ يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا بْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ سَالِم الْأَفْطَس , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : { لَا فِيهَا غَوْل } قَالَ : أَذًى وَلَا مَكْرُوه . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سِنَان الْقَزَّاز , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن بزيعة , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : { لَا فِيهَا غَوْل } قَالَ : لَيْسَ فِيهَا أَذًى وَلَا مَكْرُوه . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : لَيْسَ فِيهَا إِثْم . وَلِكُلِّ هَذِهِ الْأَقْوَال إِلَتِي ذَكَرْنَاهَا وَجْه , وَذَلِكَ أَنَّ الْغَوْل فِي كَلَام الْعَرَب : هُوَ مَا غَالَ الْإِنْسَان فَذَهَبَ بِهِ , فَكُلّ مَنْ نَالَهُ أَمْر يَكْرَههُ ضَرَبُوا لَهُ بِذَلِكَ الْمَثَل , فَقَالُوا : غَالَتْ فُلَانًا غُول , فَالذَّاهِب الْعَقْل مِنْ شُرْب الشَّرَاب , وَالْمُشْتَكِي الْبَطْن مِنْهُ , وَالْمُصَدَّع الرَّأْس مِنْ ذَلِكَ , وَاَلَّذِي نَالَهُ مِنْهُ مَكْرُوه كُلّهمْ قَدْ غَالَتْهُ غُول . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره قَدْ نَفَى عَنْ شَرَاب الْجَنَّة أَنْ يَكُون فِيهِ غَوْل , فَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِصِفَتِهِ أَنْ يُقَال فِيهِ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { لَا فِيهَا غَوْل } فَيَعُمّ بِنَفْيِ كُلّ مَعَانِي اللَّغْو عَنْهُ , وَأَعَمّ ذَلِكَ أَنْ يُقَال : لَا أَذًى فِيهَا وَلَا مَكْرُوه عَلَى شَارِبِيهَا فِي جِسْم وَلَا عَقْل , وَلَا غَيْر ذَلِكَ . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله { وَهُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَبَعْض قُرَّاء الْكُوفَة { يُنْزَفُونَ } بِفَتْحِ الزَّاي , بِمَعْنَى : وَلَا هُمْ عَنْ شُرْبهَا تُنْزَف عُقُولهمْ . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة : " وَلَا هُمْ عَنْهَا يَنْزِفُونَ " بِكَسْرِ الزَّاي , بِمَعْنَى : وَلَا هُمْ عَنْ شُرْبهَا يَنْفَد شَرَابهمْ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ صَحِيحَتَا الْمَعْنَى غَيْر مُخْتَلِفَتَيْهِ , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب ; وَذَلِكَ أَنَّ أَهْل الْجَنَّة لَا يَنْفَد شَرَابهمْ , وَلَا يُسْكِرهُمْ شُرْبهمْ إِيَّاهُ , فَيُذْهِب عُقُولهمْ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : لَا تَذْهَب عُقُولهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22499 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس { وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ } يَقُول : لَا تُذْهِب عُقُولهمْ . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس { وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ } قَالَ : لَا تُنْزَف فَتَذْهَب عُقُولهمْ. 22500 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ } قَالَ : لَا تُذْهِب عُقُولهمْ . 22501 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : { وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ } قَالَ : لَا تُنْزَف عُقُولهمْ . 22502 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ } قَالَ : لَا تُنْزَف الْعُقُول . 22503 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ } قَالَ : لَا تَغْلِبهُمْ عَلَى عُقُولهمْ . وَهَذَا التَّأْوِيل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَمَّنْ ذَكَرْنَا عَنْهُ لَمْ تَفْصِل لَنَا رُوَاته الْقِرَاءَة الَّذِي هَذَا تَأْوِيلهَا , وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون ذَلِكَ تَأْوِيل قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهَا يَنْزِفُونَ وَيُنْزَفُونَ كِلْتَيْهِمَا , وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَب تَقُول : قَدْ نَزَفَ الرَّجُل فَهُوَ مَنْزُوف : إِذَا ذَهَبَ عَقْله مِنْ السُّكْر , وَأَنْزَفَ فَهُوَ مُنْزَف , مَحْكِيَّة عَنْهُمْ اللُّغَتَانِ كِلْتَاهُمَا فِي ذَهَاب الْعَقْل مِنْ السُّكْر ; وَأَمَّا إِذَا فَنِيَتْ خَمْر الْقَوْم فَإِنِّي لَمْ أَسْمَع فِيهِ إِلَّا أَنْزَفَ الْقَوْم بِالْأَلِفِ , وَمِنْ الْإِنْزَاف بِمَعْنَى : ذَهَاب الْعَقْل مِنْ السُّكْر , قَوْل الْأُبَيْرِد : لَعَمْرِي لَئِنْ أَنْزَفْتُمُوا أَوْ صَحَوْتُمُ لَبِئْسَ النَّدَامَى كُنْتُمْ آلَ أَبْجَرَا
وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌسورة الصافات الآية رقم 48
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَعِنْدهمْ قَاصِرَات الطَّرْف عِين } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَعِنْد هَؤُلَاءِ الْمُخْلَصِينَ مِنْ عِبَاد اللَّه فِي الْجَنَّة قَاصِرَات الطَّرْف , وَهُنَّ النِّسَاء اللَّوَاتِي قَصَّرْنَ أَطْرَافهنَّ عَلَى بُعُولَتهنَّ , لَا يُرِدْنَ غَيْرهمْ , وَلَا يَمْدُدْنَ أَبْصَارهنَّ إِلَى غَيْرهمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22504 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس { وَعِنْدهمْ قَاصِرَات الطَّرْف عِين } يَقُول : عَنْ غَيْر أَزْوَاجهنَّ . 22505 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { وَعِنْدهمْ قَاصِرَات الطَّرْف عِين } قَالَ : عَلَى أَزْوَاجهنَّ ; زَادَ الْحَارِث فِي حَدِيثه : لَا تَبْغِي غَيْرهمْ . 22506 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : { وَعِنْدهمْ قَاصِرَات الطَّرْف } قَالَ : قَصَرْنَ أَبْصَارهنَّ وَقُلُوبهنَّ عَلَى أَزْوَاجهنَّ , فَلَا يُرِدْنَ غَيْرهمْ . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : ذُكِرَ أَيْضًا عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 22507 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَعِنْدهمْ قَاصِرَات الطَّرْف } قَالَ : قَصَرْنَ طَرْفهنَّ عَلَى أَزْوَاجهنَّ , فَلَا يُرِدْنَ غَيْرهمْ . 22508 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْل اللَّه { قَاصِرَات الطَّرْف } قَالَ : لَا يَنْظُرْنَ إِلَّا إِلَى أَزْوَاجهنَّ , قَدْ قَصَرْنَ أَطْرَافهنَّ عَلَى أَزْوَاجهنَّ , لَيْسَ كَمَا يَكُون نِسَاء أَهْل الدُّنْيَا. وَقَوْله : { عِين } يَعْنِي بِالْعِينِ : النُّجْل الْعُيُون عِظَامهَا , وَهِيَ جَمْع عَيْنَاء , وَالْعَيْنَاء : الْمَرْأَة الْوَاسِعَة الْعَيْن عَظِيمَتهَا , وَهِيَ أَحْسَن مَا تَكُون مِنْ الْعُيُون . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22509- حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : { عِين } قَالَ : عِظَام الْأَعْيُن . 22510 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { عِين } قَالَ : الْعَيْنَاء : الْعَظِيمَة الْعَيْن . 22511 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن وَهْب , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن الْفَرَج الصَّدَفِيّ الدِّمْيَاطِيّ , عَنْ عَمْرو بْن هَاشِم , عَنْ اِبْن أَبِي كَرِيمَة , عَنْ هِشَام بْن حَسَّان , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أُمّ سَلَمَة زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ : قُلْت : يَا رَسُول اللَّه أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْل اللَّه : { حُور عِين } قَالَ : " الْعِين : الضِّخَام الْعُيُون ; شَفْر الْحَوْرَاء بِمَنْزِلَةِ جَنَاح النَّسْر " .
كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌسورة الصافات الآية رقم 49
وَقَوْله : { كَأَنَّهُنَّ بَيْض مَكْنُون } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِي بِهِ شُبِّهْنَ مِنْ الْبَيْض بِهَذَا الْقَوْل , فَقَالَ بَعْضهمْ : شُبِّهْنَ بِبَطْنِ الْبَيْض فِي الْبَيَاض , وَهُوَ الَّذِي دَاخِل الْقِشْر , وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَمَسّهُ شَيْء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22512 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , عَنْ أَشْعَث , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : { كَأَنَّهُنَّ بَيْض مَكْنُون } قَالَ : كَأَنَّهُنَّ بَطْن الْبَيْض . 22513 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { كَأَنَّهُنَّ بَيْض مَكْنُون } قَالَ : الْبَيْض حِين يُنْشَر قَبْل أَنْ تَمَسّهُ الْأَيْدِي . 22514 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { كَأَنَّهُنَّ بَيْض مَكْنُون } لَمْ تَمُرّ بِهِ الْأَيْدِي وَلَمْ تَمَسّهُ , يُشْبِهْنَ بَيَاضه . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ شُبِّهْنَ بِالْبَيْضِ الَّذِي يَحْضُنهُ الطَّائِر , فَهُوَ إِلَى الصُّفْرَة , فَشَبَّهَ بَيَاضهنَّ فِي الصُّفْرَة بِذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22515 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { كَأَنَّهُنَّ بَيْض مَكْنُون } قَالَ : الْبَيْض الَّذِي يُكِنّهُ الرِّيش , مِثْل بَيْض النَّعَام الَّذِي قَدْ أَكَنَّهُ الرِّيش مِنْ الرِّيح , فَهُوَ أَبْيَض إِلَى الصُّرَّة فَكَأَنَّهُ يَبْرُق , فَذَلِكَ الْمَكْنُون . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِالْبَيْضِ فِي هَذَا الْمَوْضِع : اللُّؤْلُؤ , وَبِهِ شُبِّهْنَ فِي بَيَاضه وَصَفَائِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22516 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { كَأَنَّهُنَّ بَيْض مَكْنُون } يَقُول : اللُّؤْلُؤ الْمَكْنُون وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي قَوْل مَنْ قَالَ : شُبِّهْنَ فِي بَيَاضهنَّ , وَأَنَّهُنَّ لَمْ يَمَسّهُنَّ قَبْل أَزْوَاجهنَّ إِنْس وَلَا جَانّ بِبَيَاضِ الْبَيْض الَّذِي هُوَ دَاخِل الْقِشْر , وَذَلِكَ هُوَ الْجَلْدَة الْمُلْبَسَة الْمُحّ قَبْل أَنْ تَمَسّهُ يَد أَوْ شَيْء غَيْرهَا , وَذَلِكَ لَا شَكّ هُوَ الْمَكْنُون ; فَأَمَّا الْقِشْرَة الْعُلْيَا فَإِنَّ الطَّائِر يَمَسّهَا , وَالْأَيْدِي تُبَاشِرهَا , وَالْعُشّ يَلْقَاهَا. وَالْعَرَب تَقُول لِكُلِّ مَصُون مَكْنُون مَا كَانَ ذَلِكَ الشَّيْء لُؤْلُؤًا كَانَ أَوْ بَيْضًا أَوْ مَتَاعًا , كَمَا قَالَ أَبُو دَهْبَلَ : وَهِيَ زَهْرَاء مِثْل لُؤْلُؤَة الْغَوَّا صِ مُيِّزَتْ مِنْ جَوْهَر مَكْنُون وَتَقُول لِكُلِّ شَيْء أَضْمَرَتْهُ الصُّدُور : أَكَنَّتْهُ , فَهُوَ مُكَنّ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ جَاءَ الْأَثَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَّبَهُ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22517 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن وَهْب , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن الْفَرَج الصَّدَفِيّ الدِّمْيَاطِيّ , عَنْ عَمْرو بْن هَاشِم عَنْ اِبْن أَبِي كَرِيمَة , عَنْ هِشَام , عَنْ الْحَسَن , عَنْ أُمّه , عَنْ أُمّ سَلَمَة قُلْت : يَا رَسُول اللَّه أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْله { كَأَنَّهُنَّ بَيْض مَكْنُون } قَالَ : " رِقَّتهنَّ كَرِقَّةِ الْجِلْدَة الَّتِي رَأَيْتهَا فِي دَاخِل الْبَيْضَة الَّتِي تَلِي الْقِشْر وَهِيَ الْغِرْقِيء "
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَسورة الصافات الآية رقم 50
وَقَوْله : { فَأَقْبَلَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض يَتَسَاءَلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَأَقْبَلَ بَعْض أَهْل الْجَنَّة عَلَى بَعْض يَتَسَاءَلُونَ , يَقُول : يَسْأَل بَعْضهمْ بَعْضًا. كَمَا : 22518 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { فَأَقْبَلَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض يَتَسَاءَلُونَ } أَهْل الْجَنَّة. 22519 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { فَأَقْبَلَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض يَتَسَاءَلُونَ } قَالَ : أَهْل الْجَنَّة .
قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌسورة الصافات الآية رقم 51
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ قَائِل مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِين } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ قَائِل مِنْ أَهْل الْجَنَّة إِذْ أَقْبَلَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض يَتَسَاءَلُونَ : { إِنِّي كَانَ لِي قَرِين } فَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْقَرِين الَّذِي ذُكِرَ فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ ذَلِكَ الْقَرِين شَيْطَانًا , وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَقُول لَهُ : { أَإِنَّك لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ } بِالْبَعْثِ بَعْد الْمَمَات. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22520 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { إِنِّي كَانَ لِي قَرِين } قَالَ : شَيْطَان. وَقَالَ آخَرُونَ : ذَلِكَ الْقَرِين شَرِيك كَانَ لَهُ مِنْ بَنِي آدَم أَوْ صَاحِب ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22521 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { قَالَ قَائِل مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِين يَقُول أَإِنَّك لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ } قَالَ : هُوَ الرَّجُل الْمُشْرِك يَكُون لَهُ الصَّاحِب فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْل الْإِيمَان , فَيَقُول لَهُ الْمُشْرِك : إِنَّك لَتُصَدِّق بِأَنَّك مَبْعُوث مِنْ بَعْد الْمَوْت أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا ؟ فَلَمَّا أَنْ صَارُوا إِلَى الْآخِرَة وَأُدْخِلَ الْمُؤْمِن الْجَنَّة , وَأُدْخِلَ الْمُشْرِك النَّار , فَاطَّلَعَ الْمُؤْمِن , فَرَأَى صَاحِبه فِي سَوَاء الْجَحِيم { قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْت لَتُرْدِينِ } 22522 - حَدَّثَنِي إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم بْن حَبِيب بْن الشَّهِيد , قَالَ : ثنا عَتَّاب بْن بَشِير , عَنْ خُصَيْف , عَنْ فُرَات بْن ثَعْلَبَة الْبَهْرَانِيّ فِي قَوْله : { إِنِّي كَانَ لِي قَرِين } قَالَ : إِنَّ رَجُلَيْنِ كَانَا شَرِيكَيْنِ , فَاجْتُمِعَ لَهُمَا ثَمَانِيَة آلَاف دِينَار , وَكَانَ أَحَدهمَا لَهُ حِرْفَة , وَالْآخَر لَيْسَ لَهُ حِرْفَة , فَقَالَ الَّذِي لَهُ حِرْفَة لِلْآخَرِ : لَيْسَ لَك حِرْفَة , مَا أَرَانِي إِلَّا مُفَارِقك وَمُقَاسِمك , فَقَاسَمَهُ وَفَارَقَهُ ; ثُمَّ إِنَّ الرَّجُل اِشْتَرَى دَارًا بِأَلْفِ دِينَار كَانَتْ لِمَلِكٍ قَدْ مَاتَ فَدَعَا صَاحِبه فَأَرَاهُ , فَقَالَ : كَيْفَ تَرَى هَذِهِ الدَّار اِبْتَعْتهَا بِأَلْفِ دِينَار ؟ قَالَ : مَا أَحْسَنَهَا ; فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ : اللَّهُمَّ إِنَّ صَاحِبِي هَذَا قَدْ اِبْتَاعَ هَذِهِ الدَّار بِأَلْفِ دِينَار , وَإِنِّي أَسْأَلك دَارًا مِنْ دُور الْجَنَّة , فَتَصَدَّقَ بِأَلْفِ دِينَار ; ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَمْكُث , ثُمَّ إِنَّهُ تَزَوَّجَ اِمْرَأَة بِأَلْفِ دِينَار , فَدَعَاهُ وَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا ; فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ : إِنِّي تَزَوَّجْت هَذِهِ الْمَرْأَة بِأَلْفِ دِينَار ; قَالَ : مَا أَحْسَنَ هَذَا ; فَلَمَّا اِنْصَرَفَ قَالَ : يَا رَبّ إِنَّ صَاحِبِي تَزَوَّجَ اِمْرَأَة بِأَلْفِ دِينَار , وَإِنِّي أَسْأَلك اِمْرَأَة مِنْ الْحُور الْعِين , فَتَصَدَّقَ بِأَلْفِ دِينَار ; ثُمَّ إِنَّهُ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَمْكُث , ثُمَّ اِشْتَرَى بُسْتَانَيْنِ بِأَلْفَيْ دِينَار , ثُمَّ دَعَاهُ فَأَرَاهُ , فَقَالَ : إِنِّي اِبْتَعْت هَذَيْنِ الْبُسْتَانَيْنِ , فَقَالَ : مَا أَحْسَنَ هَذَا ; فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ : يَا رَبّ إِنَّ صَاحِبِي قَدْ اِشْتَرَى بُسْتَانَيْنِ بِأَلْفَيْ دِينَار , وَأَنَا أَسْأَلك بُسْتَانَيْنِ مِنْ الْجَنَّة , فَتَصَدَّقَ بِأَلْفَيْ دِينَار ; ثُمَّ إِنَّ الْمَلَك أَتَاهُمَا فَتَوَفَّاهُمَا ; ثُمَّ اِنْطَلَقَ بِهَذَا الْمُتَصَدِّق فَأَدْخَلَهُ دَارًا تُعْجِبهُ , فَإِذَا اِمْرَأَة تَطْلُع يُضِيء مَا تَحْتهَا مِنْ حُسْنهَا , ثُمَّ أَدْخَلَهُ بُسْتَانَيْنِ , وَشَيْئًا اللَّه بِهِ عَلِيم , فَقَالَ عِنْد ذَلِكَ : مَا أَشْبَهَ هَذَا بِرَجُلٍ كَانَ مِنْ أَمْره كَذَا وَكَذَا . قَالَ : فَإِنَّهُ ذَاكَ , وَلَك هَذَا الْمَنْزِل وَالْبُسْتَانَانِ وَالْمَرْأَة . قَالَ : فَإِنَّهُ كَانَ لِي صَاحِب يَقُول : { أَإِنَّك لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ } قِيلَ لَهُ : فَإِنَّهُ فِي الْجَحِيم , قَالَ : فَهَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ ؟ فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيم , فَقَالَ عِنْد ذَلِكَ : { تَاللَّهِ إِنْ كِدْت لَتُرْدِينِ وَلَوْلَا نِعْمَة رَبِّي لَكُنْت مِنْ الْمُحْضَرِينَ } . الْآيَات . وَهَذَا التَّأْوِيل الَّذِي تَأَوَّلَهُ فُرَات بْن ثَعْلَبَة يُقَوِّي قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ " إِنَّك لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ " بِتَشْدِيدِ الصَّاد بِمَعْنَى : لَمِنْ الْمُتَصَدِّقِينَ , لِأَنَّهُ يُذْكَر أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره إِنَّمَا أَعْطَاهُ مَا أَعْطَاهُ عَلَى الصَّدَقَة لَا عَلَى التَّصْدِيق , وَقِرَاءَة قُرَّاء الْأَمْصَار عَلَى خِلَاف ذَلِكَ , بَلْ قِرَاءَتهَا بِتَخْفِيفِ الصَّاد وَتَشْدِيد الدَّال , بِمَعْنَى : إِنْكَار قَرِينه عَلَيْهِ التَّصْدِيق أَنَّهُ يُبْعَث بَعْد الْمَوْت , كَأَنَّهُ قَالَ : أَتُصَدِّقُ بِأَنَّك تُبْعَث بَعْد مَمَاتك , وَتُجْزَى بِعَمَلِك , وَتُحَاسَب ؟ يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ قَوْل اللَّه : { أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ } وَهِيَ الْقِرَاءَة الصَّحِيحَة عِنْدنَا الَّتِي لَا يَجُوز خِلَافهَا لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهَا.
يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَسورة الصافات الآية رقم 52
يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ قَائِل مِنْ أَهْل الْجَنَّة إِذْ أَقْبَلَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض يَتَسَاءَلُونَ : { إِنِّي كَانَ لِي قَرِين } فَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْقَرِين الَّذِي ذُكِرَ فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ ذَلِكَ الْقَرِين شَيْطَانًا , وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَقُول لَهُ : { أَإِنَّك لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ } بِالْبَعْثِ بَعْد الْمَمَات . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22520 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { إِنِّي كَانَ لِي قَرِين } قَالَ : شَيْطَان. وَقَالَ آخَرُونَ : ذَلِكَ الْقَرِين شَرِيك كَانَ لَهُ مِنْ بَنِي آدَم أَوْ صَاحِب ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22521 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { قَالَ قَائِل مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِين يَقُول أَإِنَّك لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ } قَالَ : هُوَ الرَّجُل الْمُشْرِك يَكُون لَهُ الصَّاحِب فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْل الْإِيمَان , فَيَقُول لَهُ الْمُشْرِك : إِنَّك لَتُصَدِّق بِأَنَّك مَبْعُوث مِنْ بَعْد الْمَوْت أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا ؟ فَلَمَّا أَنْ صَارُوا إِلَى الْآخِرَة وَأُدْخِلَ الْمُؤْمِن الْجَنَّة , وَأُدْخِلَ الْمُشْرِك النَّار , فَاطَّلَعَ الْمُؤْمِن , فَرَأَى صَاحِبه فِي سَوَاء الْجَحِيم { قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْت لَتُرْدِينَ } 22522 - حَدَّثَنِي إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم بْن حَبِيب بْن الشَّهِيد , قَالَ : ثنا عَتَّاب بْن بَشِير , عَنْ خُصَيْف , عَنْ فُرَات بْن ثَعْلَبَة الْبَهْرَانِيّ فِي قَوْله : { إِنِّي كَانَ لِي قَرِين } قَالَ : إِنَّ رَجُلَيْنِ كَانَا شَرِيكَيْنِ , فَاجْتُمِعَ لَهُمَا ثَمَانِيَة آلَاف دِينَار , وَكَانَ أَحَدهمَا لَهُ حِرْفَة , وَالْآخَر لَيْسَ لَهُ حِرْفَة , فَقَالَ الَّذِي لَهُ حِرْفَة لِلْآخَرِ : لَيْسَ لَك حِرْفَة , مَا أَرَانِي إِلَّا مُفَارِقك وَمُقَاسِمك , فَقَاسَمَهُ وَفَارَقَهُ ; ثُمَّ إِنَّ الرَّجُل اِشْتَرَى دَارًا بِأَلْفِ دِينَار كَانَتْ لِمَلِكٍ قَدْ مَاتَ فَدَعَا صَاحِبه فَأَرَاهُ , فَقَالَ : كَيْفَ تَرَى هَذِهِ الدَّار اِبْتَعْتهَا بِأَلْفِ دِينَار ؟ قَالَ : مَا أَحْسَنَهَا ; فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ : اللَّهُمَّ إِنَّ صَاحِبِي هَذَا قَدْ اِبْتَاعَ هَذِهِ الدَّار بِأَلْفِ دِينَار , وَإِنِّي أَسْأَلك دَارًا مِنْ دُور الْجَنَّة , فَتَصَدَّقَ بِأَلْفِ دِينَار ; ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَمْكُث , ثُمَّ إِنَّهُ تَزَوَّجَ اِمْرَأَة بِأَلْفِ دِينَار , فَدَعَاهُ وَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا ; فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ : إِنِّي تَزَوَّجْت هَذِهِ الْمَرْأَة بِأَلْفِ دِينَار ; قَالَ : مَا أَحْسَنَ هَذَا ; فَلَمَّا اِنْصَرَفَ قَالَ : يَا رَبّ إِنَّ صَاحِبِي تَزَوَّجَ اِمْرَأَة بِأَلْفِ دِينَار , وَإِنِّي أَسْأَلك اِمْرَأَة مِنْ الْحُور الْعِين , فَتَصَدَّقَ بِأَلْفِ دِينَار ; ثُمَّ إِنَّهُ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَمْكُث , ثُمَّ اِشْتَرَى بُسْتَانَيْنِ بِأَلْفَيْ دِينَار , ثُمَّ دَعَاهُ فَأَرَاهُ , فَقَالَ : إِنِّي اِبْتَعْت هَذَيْنِ الْبُسْتَانَيْنِ , فَقَالَ : مَا أَحْسَنَ هَذَا ; فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ : يَا رَبّ إِنَّ صَاحِبِي قَدْ اِشْتَرَى بُسْتَانَيْنِ بِأَلْفَيْ دِينَار , وَأَنَا أَسْأَلك بُسْتَانَيْنِ مِنْ الْجَنَّة , فَتَصَدَّقَ بِأَلْفَيْ دِينَار ; ثُمَّ إِنَّ الْمَلَك أَتَاهُمَا فَتَوَفَّاهُمَا ; ثُمَّ اِنْطَلَقَ بِهَذَا الْمُتَصَدِّق فَأَدْخَلَهُ دَارًا تُعْجِبهُ , فَإِذَا اِمْرَأَة تَطْلُع يُضِيء مَا تَحْتهَا مِنْ حُسْنهَا , ثُمَّ أَدْخَلَهُ بُسْتَانَيْنِ , وَشَيْئًا اللَّه بِهِ عَلِيم , فَقَالَ عِنْد ذَلِكَ : مَا أَشْبَهَ هَذَا بِرَجُلٍ كَانَ مِنْ أَمْره كَذَا وَكَذَا . قَالَ : فَإِنَّهُ ذَاكَ , وَلَكَ هَذَا الْمَنْزِل وَالْبُسْتَانَانِ وَالْمَرْأَة . قَالَ : فَإِنَّهُ كَانَ لِي صَاحِب يَقُول : { أَإِنَّك لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ } قِيلَ لَهُ : فَإِنَّهُ فِي الْجَحِيم , قَالَ : فَهَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ ؟ فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيم , فَقَالَ عِنْد ذَلِكَ : { تَاللَّهِ إِنْ كِدْت لَتُرْدِينِ وَلَوْلَا نِعْمَة رَبِّي لَكُنْت مِنْ الْمُحْضَرِينَ } . الْآيَات . وَهَذَا التَّأْوِيل الَّذِي تَأَوَّلَهُ فُرَات بْن ثَعْلَبَة يُقَوِّي قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ " إِنَّك لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ " بِتَشْدِيدِ الصَّاد بِمَعْنَى : لَمِنْ الْمُتَصَدِّقِينَ , لِأَنَّهُ يُذْكَر أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره إِنَّمَا أَعْطَاهُ مَا أَعْطَاهُ عَلَى الصَّدَقَة لَا عَلَى التَّصْدِيق , وَقِرَاءَة قُرَّاء الْأَمْصَار عَلَى خِلَاف ذَلِكَ , بَلْ قِرَاءَتهَا بِتَخْفِيفِ الصَّاد وَتَشْدِيد الدَّال , بِمَعْنَى : إِنْكَار قَرِينه عَلَيْهِ التَّصْدِيق أَنَّهُ يُبْعَث بَعْد الْمَوْت , كَأَنَّهُ قَالَ : أَتُصَدِّقُ بِأَنَّك تُبْعَث بَعْد مَمَاتك , وَتُجْزَى بِعَمَلِك , وَتُحَاسَب ؟ يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ قَوْل اللَّه : { أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ } وَهِيَ الْقِرَاءَة الصَّحِيحَة عِنْدنَا الَّتِي لَا يَجُوز خِلَافهَا لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهَا .
أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَسورة الصافات الآية رقم 53
وَقَوْله : { أَإِنَّا لَمَدِينُونَ } يَقُول : أَإِنَّا لَمُحَاسَبُونَ وَمَجْزِيُّونَ بَعْد مَصِيرنَا عِظَامًا وَلُحُومنَا تُرَابًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22523- حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { أَإِنَّا لَمَدِينُونَ } يَقُول : أَإِنَّا لَمُجَازُونَ بِالْعَمَلِ , كَمَا تَدِين تُدَان . 22524 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { أَإِنَّا لَمَدِينُونَ } : أَإِنَّا لَمُحَاسَبُونَ . 22525 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { أَإِنَّا لَمَدِينُونَ } مُحَاسَبُونَ .
قَالَ هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَسورة الصافات الآية رقم 54
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ هَذَا الْمُؤْمِن الَّذِي أُدْخِلَ الْجَنَّة لِأَصْحَابِهِ : { هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ } فِي النَّار , لَعَلِّي أَرَى قَرِينِي الَّذِي كَانَ يَقُول لِي : إِنَّك لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ بِأَنَّا مَبْعُوثُونَ بَعْد الْمَمَات .
فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيمِسورة الصافات الآية رقم 55
وَقَوْله : { فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيم } يَقُول : فَاطَّلَعَ فِي النَّار فَرَآهُ فِي وَسَط الْجَحِيم . وَفِي الْكَلَام مَتْرُوك اُسْتُغْنِيَ بِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ مِنْ ذِكْره , وَهُوَ فَقَالُوا : نَعَمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل قَوْله : { فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيم } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22526 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { فِي سَوَاء الْجَحِيم } يَعْنِي : فِي وَسَط الْجَحِيم . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن مُسْعَد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس { فِي سَوَاء الْجَحِيم } يَعْنِي : فِي وَسَط الْجَحِيم. 22527 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا عَبَّاد بْن رَاشِد , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { فِي سَوَاء الْجَحِيم } يَقُول : فِي وَسَط الْجَحِيم . * حَدَّثَنِي اِبْن سِنَان , قَالَ : ثنا عَبْد الصَّمَد , قَالَ : ثنا عَبَّاد بْن رَاشِد , قَالَ : سَمِعْت الْحَسَن , فَذَكَرَ مِثْله . 22518 -حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان بْن حَرْب , قَالَ : ثنا أَبُو هِلَال , قَالَ : ثنا قَتَادَة , فِي قَوْله : { سَوَاء الْجَحِيم } قَالَ : وَسَطهَا . * حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : { هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ } قَالَ : سَأَلَ رَبّه أَنْ يُطْلِعهُ , قَالَ { فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيم } : أَيْ فِي وَسَط الْجَحِيم. 22529 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ خُلَيْد الْعَصْرِيّ , قَالَ : لَوْلَا أَنَّ اللَّه عَرَفَهُ إِيَّاهُ مَا عَرَفَهُ , لَقَدْ تَغَيَّرَ حِبْره وَسِبْره بَعْده , وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ اِطَّلَعَ فَرَأَى جَمَاجِم الْقَوْم , فَقَالَ : { تَاللَّهِ إِنْ كِدْت لَتُرْدِينِ وَلَوْلَا نِعْمَة رَبِّي لَكُنْت مِنْ الْمُحْضَرِينَ } 22530 -حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيم بْن أَبِي الْوَزِير , قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن عُيَيْنَة , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة , عَنْ قَتَادَة , عَنْ مُطَّرِف بْن عَبْد اللَّه , فِي قَوْله : { فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيم } قَالَ : وَاَللَّه لَوْلَا أَنَّهُ عَرَفَهُ مَا عَرَفَهُ , لَقَدْ غَيَّرَتْ النَّار حِبْره وَسِبْره . 22531 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ } قَالَ : كَانَ اِبْن عَبَّاس يَقْرَؤُهَا : " هَلْ أَنْتُمْ مُطْلِعُونِي فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيم " قَالَ : فِي وَسَط الْجَحِيم . وَهَذِهِ الْقِرَاءَة الَّتِي ذَكَرَهَا السُّدِّيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ فِي { مُطَّلِعُونَ } إِنْ كَانَتْ مَحْفُوظَة عَنْهُ , فَإِنَّهَا مِنْ شَوَاذّ الْحُرُوف , وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَب لَا تُؤَثِّر فِي الْمَكْنِيّ مِنْ الْأَسْمَاء إِذَا اِتَّصَلَ بِفَاعِلٍ عَلَى الْإِضَافَة فِي جَمْع أَوْ تَوْحِيد , لَا يَكَادُونَ أَنْ يَقُولُوا أَنْتَ مُكَلِّمُنِي وَلَا أَنْتُمَا مُكَلِّمَانِي وَلَا أَنْتُمْ مُكَلِّمُونِي وَلَا مُكَلِّمُونَنِي , وَإِنَّمَا يَقُولُونَ أَنْتَ مُكَلِّمِي , وَأَنْتُمَا مُكَلِّمَايَ , وَأَنْتُمْ مُكَلِّمِيَّ ; وَإِنْ قَالَ قَائِل مِنْهُمْ ذَلِكَ قَالَهُ عَلَى وَجْه الْغَلَط تَوَهُّمًا بِهِ : أَنْتَ تُكَلِّمنِي , وَأَنْتُمَا تُكَلِّمَانَنِي , وَأَنْتُمْ تُكَلِّمُونَنِي , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : وَمَا أَدْرِي وَظَنِّي كُلّ ظَنّ أَمُسْلِمُنِي إِلَى قَوْمِي شَرَاحِي ؟ فَقَالَ : مُسْلِمُنِي , وَلَيْسَ ذَلِكَ وَجْه الْكَلَام , بَلْ وَجْه الْكَلَام أَمُسْلِمِي ; فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْكَلَام ظَاهِرًا وَلَمْ يَكُنْ مُتَّصِلًا بِالْفَاعِلِ , فَإِنَّهُمْ رُبَّمَا أَضَافُوا , وَرُبَّمَا لَمْ يُضِيفُوا , فَيُقَال : هَذَا مُكَلِّم أَخَاك , وَمُكَلِّم أَخِيك , وَهَذَانِ مُكَلِّمَا أَخِيك , وَمُكَلِّمَانِ أَخَاك , وَهَؤُلَاءِ مُكَلِّمُو أَخِيك , وَمُكَلِّمُونَ أَخَاك ; وَإِنَّمَا تَخْتَار الْإِضَافَة فِي الْمَكْنِيّ الْمُتَّصِل بِفَاعِلٍ لِمَصِيرِ الْحَرْفَيْنِ بِاتِّصَالِ أَحَدهمَا بِصَاحِبِهِ , كَالْحَرْفِ الْوَاحِد.
قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدتَّ لَتُرْدِينِسورة الصافات الآية رقم 56
وَقَوْله : { تَاللَّهِ إِنْ كِدْت لَتُرْدِينِ } يَقُول : فَلَمَّا رَأَى قَرِينه فِي النَّار قَالَ : تَاللَّهِ إِنْ كِدْت فِي الدُّنْيَا لَتُهْلِكنِي بِصَدِّك إِيَّايَ عَنْ الْإِيمَان بِالْبَعْثِ وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22532 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ قَوْله : { إِنْ كِدْت لَتُرْدِينِ } قَالَ : لِتُهْلِكنِي , يُقَال مِنْهُ : أَرْدَى فُلَان فُلَانًا : إِذَا أَهْلَكَهُ , وَرَدِيَ فُلَان : إِذَا هَلَكَ , كَمَا قَالَ الْأَعْشَى . أَفِي الطَّوْف خِفْت عَلَيَّ الرَّدَى وَكَمْ مِنْ رَدٍ أَهْله لَمْ يَرِم يَعْنِي بِقَوْلِهِ " وَكَمْ مِنْ رَدٍ " : وَكَمْ مِنْ هَالِك .
وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَسورة الصافات الآية رقم 57
وَقَوْله : { وَلَوْلَا نِعْمَة رَبِّي لَكُنْت مِنْ الْمُحْضَرِينَ } يَقُول : وَلَوْلَا أَنَّ اللَّه أَنْعَمَ عَلَيَّ بِهِدَايَتِهِ , وَالتَّوْفِيق لِلْإِيمَانِ بِالْبَعْثِ بَعْد الْمَوْت , لَكُنْت مِنْ الْمُحْضَرِينَ مَعَك فِي عَذَاب اللَّه , كَمَا : 22533 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { لَكُنْت مِنْ الْمُحْضَرِينَ } : أَيْ فِي عَذَاب اللَّه. 22534 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { لَكُنْت مِنْ الْمُحْضَرِينَ } قَالَ : مِنْ الْمُعَذَّبِينَ.
أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَسورة الصافات الآية رقم 58
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيل هَذَا الْمُؤْمِن الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّه مَا أَعْطَاهُ مِنْ كَرَامَته فِي جَنَّته سُرُورًا مِنْهُ بِمَا أَعْطَاهُ فِيهَا { أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلَّا مَوْتَتنَا الْأُولَى } يَقُول : أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ غَيْر مَوْتَتنَا الْأُولَى فِي الدُّنْيَا .
إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَسورة الصافات الآية رقم 59
يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيل هَذَا الْمُؤْمِن الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّه مَا أَعْطَاهُ مِنْ كَرَامَته فِي جَنَّته سُرُورًا مِنْهُ بِمَا أَعْطَاهُ فِيهَا { أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلَّا مَوْتَتنَا الْأُولَى } يَقُول : أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ غَيْر مَوْتَتنَا الْأُولَى فِي الدُّنْيَا .


{ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } يَقُول : وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ بَعْد دُخُولنَا الْجَنَّة .
إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُسورة الصافات الآية رقم 60
{ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْز الْعَظِيم } يَقُول : إِنَّ هَذَا الَّذِي أَعْطَانَاهُ اللَّه مِنْ الْكَرَامَة فِي الْجَنَّة , أَنَّا لَا نُعَذَّب وَلَا نَمُوت , لَهُوَ النَّجَاء الْعَظِيم مِمَّا كُنَّا فِي الدُّنْيَا نُحَذِّر مِنْ عِقَاب اللَّه , وَإِدْرَاك مَا كُنَّا فِيهَا , نُؤَمِّل بِإِيمَانِنَا , وَطَاعَتنَا رَبّنَا , كَمَا : 22535 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ } إِلَى قَوْله : { الْفَوْز الْعَظِيم } قَالَ : هَذَا قَوْل أَهْل الْجَنَّة .
الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4الصفحة 5الصفحة 6الصفحة 7