{ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْم الْقِيَامَة عِنْد رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } يَقُول : ثُمَّ إِنَّ جَمِيعكُمْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ يَوْم الْقِيَامَة عِنْد رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ فَيَأْخُذ لِلْمَظْلُومِ مِنْكُمْ مِنْ الظَّالِم , وَيَفْصِل بَيْن جَمِيعكُمْ بِالْحَقِّ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِهِ اِخْتِصَام الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ , وَاخْتِصَام الْمَظْلُوم وَالظَّالِم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23206 - حَدَّثَنَا عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْم الْقِيَامَة عِنْد رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } يَقُول : يُخَاصِم الصَّادِق الْكَاذِب , وَالْمَظْلُوم الظَّالِم , وَالْمُهْتَدِي الضَّالّ , وَالضَّعِيف الْمُسْتَكْبِر . 23207 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْم الْقِيَامَة عِنْد رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } قَالَ : أَهْل الْإِسْلَام وَأَهْل الْكُفْر . 23208 - حَدَّثَنِي اِبْن الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي مَرْيَم , قَالَ : ثنا اِبْن الدَّرَاوَرْدِيّ , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن عَمْرو عَنْ يَحْيَى بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن حَاطِب بْن الزُّبَيْر , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { إِنَّك مَيِّت وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْم الْقِيَامَة عِنْد رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } قَالَ الزُّبَيْر : يَا رَسُول اللَّه , أَيُكَرَّر عَلَيْنَا مَا كَانَ بَيْننَا فِي الدُّنْيَا مَعَ خَوَاصّ الذُّنُوب ؟ فَقَالَ النَّبِيّ : صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَعَمْ حَتَّى يُؤَدِّي إِلَى كُلّ ذِي حَقّ حَقّه. وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ اِخْتِصَام أَهْل الْإِسْلَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23209 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : نَزَلَتْ عَلَيْنَا هَذِهِ الْآيَة وَمَا نَدْرِي مَا تَفْسِيرهَا حَتَّى وَقَعَتْ الْفِتْنَة , فَقُلْنَا : هَذَا الَّذِي وَعَدَنَا رَبّنَا أَنْ نَخْتَصِم فِي { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْم الْقِيَامَة عِنْد رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } 23210 -حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا اِبْن عَوْن , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { إِنَّك مَيِّت وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ } الْآيَة , قَالُوا : مَا خُصُومَتنَا بَيْننَا وَنَحْنُ إِخْوَان , قَالَ : فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَان بْن عَفَّان , قَالُوا : هَذِهِ خُصُومَتنَا بَيْننَا. 23211 - حُدِّثْت عَنْ اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , فِي قَوْله { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْم الْقِيَامَة عِنْد رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } قَالَ : هُمْ أَهْل الْقِبْلَة . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : عُنِيَ بِذَلِكَ : إِنَّك يَا مُحَمَّد سَتَمُوتُ , وَإِنَّكُمْ أَيّهَا النَّاس سَتَمُوتُونَ , ثُمَّ إِنَّ جَمِيعكُمْ أَيّهَا النَّاس تَخْتَصِمُونَ عِنْد رَبّكُمْ , مُؤْمِنكُمْ وَكَافِركُمْ , وَمُحِقُّوكُمْ وَمُبْطِلُوكُمْ , وَظَالِمُوكُمْ وَمَظْلُومُوكُمْ , حَتَّى يُؤْخَذ لِكُلٍّ مِنْكُمْ مِمَّنْ لِصَاحِبِهِ قَبْله حَقّ حَقّه . وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا الْقَوْل أَوْلَى بِالصَّوَابِ لِأَنَّ اللَّه عَمَّ بِقَوْلِهِ : { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْم الْقِيَامَة عِنْد رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } خِطَاب جَمِيع عِبَاده , فَلَمْ يُخَصِّص بِذَلِكَ مِنْهُمْ بَعْضًا دُون بَعْض , فَذَلِكَ عَلَى عُمُومه عَلَى مَا عَمَّهُ اللَّه بِهِ ; وَقَدْ تَنْزِل الْآيَة فِي مَعْنَى , ثُمَّ يَكُون دَاخِلًا فِي حُكْمهَا كُلّ مَا كَانَ فِي مَعْنَى مَا نَزَلَتْ بِهِ .
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ ↓
وَقَوْله : { فَمَنْ أَظْلَم مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّه وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَمِمَّنْ خَلَقَ اللَّه أَعْظَم فِرْيَة مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّه , فَادَّعَى أَنَّ لَهُ وَلَدًا وَصَاحِبَة , أَوْ أَنَّهُ حَرَّمَ مَا لَمْ يُحَرِّمهُ مِنْ الْمَطَاعِم { وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ } يَقُول : وَكَذَّبَ بِكِتَابِ اللَّه إِذْ أَنْزَلَهُ عَلَى مُحَمَّد , وَابْتَعَثَهُ اللَّه بِهِ رَسُولًا , وَأَنْكَرَ قَوْل لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23212 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ } : أَيْ بِالْقُرْآنِ وَقَوْله : { أَلَيْسَ فِي جَهَنَّم مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ } يَقُول تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَلَيْسَ فِي النَّار مَأْوًى وَمَسْكَن لِمَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ , وَامْتَنَعَ مِنْ تَصْدِيق مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَاتِّبَاعه عَلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَيْهِ مِمَّا أَتَاهُ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه مِنْ التَّوْحِيد , وَحُكْم الْقُرْآن ؟
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ , وَمَا ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالُوا : وَالصِّدْق الَّذِي جَاءَ بِهِ : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , وَاَلَّذِي صَدَّقَ بِهِ أَيْضًا , هُوَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23213 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَاَلَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ } يَقُول : مَنْ جَاءَ بِلَا إِلَه إِلَّا اللَّه { وَصَدَّقَ بِهِ } يَعْنِي : رَسُوله . وَقَالَ آخَرُونَ : الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ : رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَاَلَّذِي صَدَّقَ بِهِ : أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23214 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن مَنْصُور , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُصَعِّد الْمَرْوَزِيّ , قَالَ : ثنا عُمَر بْن إِبْرَاهِيم بْن خَالِد , عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن عُمَيْر , عَنْ أَسِيد بْن صَفْوَان , عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , فِي قَوْله : { وَاَلَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ } قَالَ : مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَصَدَّقَ بِهِ , قَالَ : أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . وَقَالَ آخَرُونَ : الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ : رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالصِّدْق : الْقُرْآن , وَالْمُصَدِّقُونَ بِهِ : الْمُؤْمِنُونَ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23215 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَاَلَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ } قَالَ : هَذَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ بِالْقُرْآنِ , وَصَدَّقَ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ . 23216 - يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَاَلَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ } رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَصَدَّقَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ . وَقَالَ آخَرُونَ : الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ جِبْرِيل , وَالصِّدْق : الْقُرْآن الَّذِي جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , وَصَدَّقَ بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23217 - مُحَمَّد , مَال : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : { وَاَلَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ } مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ آخَرُونَ : الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ : الْمُؤْمِنُونَ , وَالصِّدْق : الْقُرْآن , وَهُمْ الْمُصَدِّقُونَ بِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23218 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد قَوْله : { وَاَلَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ } قَالَ : الَّذِينَ يَجِيئُونَ بِالْقُرْآنِ يَوْم الْقِيَامَة , فَيَقُولُونَ : هَذَا الَّذِي أَعْطَيْتُمُونَا فَاتَّبَعْنَا مَا فِيهِ . - قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَمْرو , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد { وَاَلَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ } قَالَ : هُمْ أَهْل الْقُرْآن يَجِيئُونَ بِهِ يَوْم الْقِيَامَة يَقُولُونَ : هَذَا الَّذِي أَعْطَيْتُمُونَا , فَاتَّبَعْنَا مَا فِيهِ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنَى بِقَوْلِهِ : { وَاَلَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ } كُلّ مَنْ دَعَا إِلَى تَوْحِيد اللَّه , وَتَصْدِيق رُسُله , وَالْعَمَل بِمَا اُبْتُعِثَ بِهِ رَسُوله مِنْ بَيْن رُسُل اللَّه وَأَتْبَاعه وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ , وَأَنْ يُقَال : الصِّدْق هُوَ الْقُرْآن , وَشَهَادَة أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , وَالْمُصَدِّق بِهِ : الْمُؤْمِنُونَ بِالْقُرْآنِ , مِنْ جَمِيع خَلْق اللَّه كَائِنًا مَنْ كَانَ مِنْ نَبِيّ اللَّه وَأَتْبَاعه . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ , لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى ذِكْره : { وَاَلَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ } عَقِيب قَوْله : { فَمَنْ أَظْلَم مِمَّنْ كَذَّبَ عَلَى اللَّه وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ } وَذَلِكَ ذَمّ مِنْ اللَّه لِلْمُفْتَرِينَ عَلَيْهِ , الْمُكَذِّبِينَ بِتَنْزِيلِهِ وَوَحْيه , الْجَاحِدِينَ وَحْدَانِيّته , فَالْوَاجِب أَنْ يَكُون عَقِيب ذَلِكَ مَدْح مَنْ كَانَ بِخِلَافِ صِفَة هَؤُلَاءِ الْمَذْمُومِينَ , وَهُمْ الَّذِينَ دَعَوْهُمْ إِلَى تَوْحِيد اللَّه , وَوَصَفَهُ بِالصِّفَةِ الَّتِي هُوَ بِهَا , وَتَصْدِيقهمْ بِتَنْزِيلِ اللَّه وَوَحْيه , وَاَلَّذِي كَانُوا يَوْم نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة , رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه وَمَنْ بَعْدهمْ , الْقَائِمُونَ فِي كُلّ عَصْر وَزَمَان بِالدُّعَاءِ إِلَى تَوْحِيد اللَّه , وَحُكْم كِتَابه , لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لَمْ يَخُصّ وَصْفه بِهَذِهِ الصِّفَة الَّتِي فِي هَذِهِ الْآيَة عَلَى أَشْخَاص بِأَعْيَانِهِمْ , وَلَا عَلَى أَهْل زَمَان دُون غَيْرهمْ , وَإِنَّمَا وَصَفَهُمْ بِصِفَةٍ , ثُمَّ مَدَحَهُمْ بِهَا , وَهِيَ الْمَجِيء بِالصِّدْقِ وَالتَّصْدِيق بِهِ , فَكُلّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ وَصْفه فَهُوَ دَاخِل فِي جُمْلَة هَذِهِ الْآيَة إِذَا كَانَ مِنْ بَنِي آدَم . وَمِنْ الدَّلِيل عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود . " وَاَلَّذِينَ جَاءُوا بِالصِّدْقِ وَصَدَّقُوا بِهِ " فَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ مِنْ قِرَاءَته أَنَّ الَّذِي مِنْ قَوْله { وَاَلَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ } لَمْ يُعْنَ بِهَا وَاحِد بِعَيْنِهِ , وَأَنَّهُ مُرَاد بِهَا جِمَاعٌ ذَلِكَ صِفَتهمْ , وَلَكِنَّهَا أُخْرِجَتْ بِلَفْظِ الْوَاحِد , إِذْ لَمْ تَكُنْ مُوَقَّتَة . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة مِنْ الْبَصْرِيِّينَ , أَنَّ " الَّذِي " فِي هَذَا الْمَوْضِع جُعِلَ فِي مَعْنَى جَمَاعَة بِمَنْزِلَةِ " مَنْ " . وَمِمَّا يُؤَيِّد مَا قُلْنَا أَيْضًا قَوْله : { أُولَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ } فَجُعِلَ الْخَبَر عَنْ " الَّذِي " جِمَاعًا , لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى جِمَاع . وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا : عُنِيَ بِقَوْلِهِ : { وَصَدَّقَ بِهِ } : غَيْر الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ , فَقَوْل بَعِيد مِنْ الْمَفْهُوم , لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا لَكَانَ التَّنْزِيل : وَاَلَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ , وَاَلَّذِي صَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ ; فَكَانَتْ تَكُون " الَّذِي " مُكَرَّرَة مَعَ التَّصْدِيق , لِيَكُونَ الْمُصَدِّق غَيْر الْمُصَدِّق ; فَأَمَّا إِذَا لَمْ يُكَرَّر , فَإِنَّ الْمَفْهُوم مِنْ الْكَلَام , أَنَّ التَّصْدِيق مِنْ صِفَة الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ ; لَا وَجْه لِلْكَلَامِ غَيْر ذَلِكَ . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَتْ " الَّذِي " فِي مَعْنَى الْجِمَاع بِمَا قَدْ بَيَّنَّا , كَانَ الصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي تَأْوِيله مَا بَيَّنَّا .
وَقَوْله : { أُولَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتهمْ . هُمْ الَّذِينَ اِتَّقُوا اللَّه بِتَوْحِيدِهِ وَالْبَرَاءَة مِنْ الْأَوْثَان وَالْأَنْدَاد , وَأَدَاء فَرَائِضه , وَاجْتِنَاب مَعَاصِيه , فَخَافُوا عِقَابه , كَمَا : 23219 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس { أُولَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ } يَقُول : اِتَّقُوا الشِّرْك .
وَقَوْله : { أُولَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتهمْ . هُمْ الَّذِينَ اِتَّقُوا اللَّه بِتَوْحِيدِهِ وَالْبَرَاءَة مِنْ الْأَوْثَان وَالْأَنْدَاد , وَأَدَاء فَرَائِضه , وَاجْتِنَاب مَعَاصِيه , فَخَافُوا عِقَابه , كَمَا : 23219 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس { أُولَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ } يَقُول : اِتَّقُوا الشِّرْك .
وَقَوْله : { لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْد رَبّهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَهُمْ عِنْد رَبّهمْ يَوْم الْقِيَامَة , مَا تَشْتَهِيه أَنْفُسهمْ , وَتَلَذّهُ أَعْيُنهمْ { ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَذَا الَّذِي لَهُمْ عِنْد رَبّهمْ , جَزَاء مَنْ أَحْسَنَ فِي الدُّنْيَا فَأَطَاعَ اللَّه فِيهَا , وَائْتَمَرَ لِأَمْرِهِ , وَانْتَهَى عَمَّا نَهَاهُ فِيهَا عَنْهُ .
لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لِيُكَفِّر اللَّه عَنْهُمْ أَسْوَأ الَّذِينَ عَمِلُوا وَيَجْزِيهِمْ أَجْرهمْ بِأَحْسَن الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَجَزَى هَؤُلَاءِ الْمُحْسِنِينَ رَبّهمْ بِإِحْسَانِهِمْ , كَيْ يُكَفِّر عَنْهُمْ أَسْوَأ الَّذِي عَمِلُوا فِي الدُّنْيَا مِنْ الْأَعْمَال , فِيمَا بَيْنهمْ وَبَيْن رَبّهمْ , بِمَا كَانَ مِنْهُمْ فِيهَا مِنْ تَوْبَة وَإِنَابَة مِمَّا اِجْتَرَحُوا مِنْ السَّيِّئَات فِيهَا { وَيَجْزِيهِمْ أَجْرهمْ } يَقُول : وَيُثِيبهُمْ ثَوَابهمْ { بِأَحْسَن الَّذِي كَانُوا } فِي الدُّنْيَا { يَعْمَلُونَ } مِمَّا يَرْضَى اللَّه عَنْهُمْ دُون أَسْوَئِهَا , كَمَا : 23220 -يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : { وَاَلَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ } : أَيْ وَلَهُمْ ذُنُوب , أَيْ رَبّ نَعَمْ { لَهُمْ } فِيهَا { مَا يَشَاءُونَ عِنْد رَبّهمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ لِيُكَفِّر اللَّه عَنْهُمْ أَسْوَأ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيهِمْ أَجْرهمْ بِأَحْسَن الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ } , وَقَرَأَ : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّه وَجِلَتْ قُلُوبهمْ } 8 2 ... إِلَى أَنْ بَلَغَ { وَمَغْفِرَة } 8 4 لِئَلَّا يَيْأَس مَنْ لَهُمْ الذُّنُوب أَنْ لَا يَكُونُوا مِنْهُمْ { وَرِزْق كَرِيم } 8 4 , وَقَرَأَ : { إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَات } 33 35 . .. إِلَى آخِر الْآيَة .
أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَلَيْسَ اللَّه بِكَافٍ عَبْده } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة : { أَلَيْسَ اللَّه بِكَافٍ عَلَى عَبْده } فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء الْمَدِينَة وَعَامَّة قُرَّاء أَهْل الْكُوفَة : " أَلَيْسَ اللَّه بِكَافٍ عِبَاده " عَلَى الْجِمَاع , بِمَعْنَى : أَلَيْسَ اللَّه بِكَافٍ مُحَمَّدًا وَأَنْبِيَاءَهُ مِنْ قَبْله مَا خَوَّفْتهمْ أُمَمهمْ مِنْ أَنْ تَنَالهُمْ آلِهَتهمْ بِسُوءٍ ; وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة , وَبَعْض قُرَّاء لِلْكُوفَةِ : { بِكَافٍ عَبْده } عَلَى التَّوْحِيد , بِمَعْنَى : أَلَيْسَ اللَّه بِكَافٍ عَبْده مُحَمَّدًا . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي قِرَاءَة الْأَمْصَار . فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب لِصِحَّةِ مَعْنَيَيْهِمَا وَاسْتِفَاضَة الْقِرَاءَة بِهِمَا فِي قِرَاءَة الْأَمْصَار. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23221 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { أَلَيْسَ اللَّه بِكَافٍ عَبْده } يَقُول : مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 23222 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { أَلَيْسَ اللَّه بِكَافٍ عَبْده } قَالَ : بَلَى , وَاَللَّه لَيَكْفِينَهُ اللَّه وَيُعِزّهُ وَيَنْصُرهُ كَمَا وَعَدَهُ.
وَقَوْله : { وَيُخَوِّفُونَك بِاَلَّذِينَ مِنْ دُونه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَيُخَوِّفك هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ يَا مُحَمَّد بِاَلَّذِينَ مِنْ دُون اللَّه مِنْ الْأَوْثَان وَالْآلِهَة أَنْ تُصِيبك بِسُوءٍ , بِبَرَاءَتِك مِنْهَا , وَعَيْبك لَهَا , وَاَللَّه كَافِيك ذَلِكَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23223 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَيُخَوِّفُونَك بِاَلَّذِينَ مِنْ دُونه } الْآلِهَة , قَالَ : بَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِد بْن الْوَلِيد إِلَى شِعْب بِسُقَام لِيَكْسِر الْعُزَّى , فَقَالَ سَادِنهَا , وَهُوَ قَيِّمهَا : يَا خَالِد أَنَا أُحَذِّركهَا , إِنَّ لَهَا شِدَّة لَا يَقُوم إِلَيْهَا شَيْء , فَمَشَى إِلَيْهَا خَالِد بِالْفَأْسِ فَهَشَّمَ أَنْفهَا . 23224 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { وَيُخَوِّفُونَك بِاَلَّذِينَ مِنْ دُونه } يَقُول : بِآلِهَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ . 23225 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَيُخَوِّفُونَك بِاَلَّذِينَ مِنْ دُونه } قَالَ : يُخَوِّفُونَك بِآلِهَتِهِمْ الَّتِي مِنْ دُونه .
وَقَوْله : { وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّه فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَنْ يَخْذُلهُ اللَّه فَيُضِلّهُ عَنْ طَرِيق الْحَقّ وَسَبِيل الرُّشْد , فَمَا لَهُ سِوَاهُ مِنْ مُرْشِد وَمُسَدِّد إِلَى طَرِيق الْحَقّ , وَمُوَفِّق لِلْإِيمَانِ بِاَللَّهِ , وَتَصْدِيق رَسُوله , وَالْعَمَل بِطَاعَتِهِ { وَمَنْ يَهْدِ اللَّه فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلّ } يَقُول : وَمَنْ يُوَفِّقهُ اللَّه لِلْإِيمَانِ بِهِ , وَالْعَمَل بِكِتَابِهِ , فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلّ , يَقُول : فَمَا لَهُ مِنْ مَزِيغ يُزِيغهُ عَنْ الْحَقّ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ إِلَى الِارْتِدَاد إِلَى الْكُفْر { أَلَيْسَ اللَّه بِعَزِيزٍ ذِي اِنْتِقَام } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : أَلَيْسَ اللَّه يَا مُحَمَّد بِعَزِيزٍ فِي اِنْتِقَامه مِنْ كَفَرَة خَلْقه , ذِي اِنْتِقَام مِنْ أَعْدَائِهِ الْجَاحِدِينَ وَحْدَانِيّته .
وَقَوْله : { وَيُخَوِّفُونَك بِاَلَّذِينَ مِنْ دُونه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَيُخَوِّفك هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ يَا مُحَمَّد بِاَلَّذِينَ مِنْ دُون اللَّه مِنْ الْأَوْثَان وَالْآلِهَة أَنْ تُصِيبك بِسُوءٍ , بِبَرَاءَتِك مِنْهَا , وَعَيْبك لَهَا , وَاَللَّه كَافِيك ذَلِكَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23223 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَيُخَوِّفُونَك بِاَلَّذِينَ مِنْ دُونه } الْآلِهَة , قَالَ : بَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِد بْن الْوَلِيد إِلَى شِعْب بِسُقَام لِيَكْسِر الْعُزَّى , فَقَالَ سَادِنهَا , وَهُوَ قَيِّمهَا : يَا خَالِد أَنَا أُحَذِّركهَا , إِنَّ لَهَا شِدَّة لَا يَقُوم إِلَيْهَا شَيْء , فَمَشَى إِلَيْهَا خَالِد بِالْفَأْسِ فَهَشَّمَ أَنْفهَا . 23224 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { وَيُخَوِّفُونَك بِاَلَّذِينَ مِنْ دُونه } يَقُول : بِآلِهَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ . 23225 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَيُخَوِّفُونَك بِاَلَّذِينَ مِنْ دُونه } قَالَ : يُخَوِّفُونَك بِآلِهَتِهِمْ الَّتِي مِنْ دُونه .
وَقَوْله : { وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّه فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَنْ يَخْذُلهُ اللَّه فَيُضِلّهُ عَنْ طَرِيق الْحَقّ وَسَبِيل الرُّشْد , فَمَا لَهُ سِوَاهُ مِنْ مُرْشِد وَمُسَدِّد إِلَى طَرِيق الْحَقّ , وَمُوَفِّق لِلْإِيمَانِ بِاَللَّهِ , وَتَصْدِيق رَسُوله , وَالْعَمَل بِطَاعَتِهِ { وَمَنْ يَهْدِ اللَّه فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلّ } يَقُول : وَمَنْ يُوَفِّقهُ اللَّه لِلْإِيمَانِ بِهِ , وَالْعَمَل بِكِتَابِهِ , فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلّ , يَقُول : فَمَا لَهُ مِنْ مَزِيغ يُزِيغهُ عَنْ الْحَقّ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ إِلَى الِارْتِدَاد إِلَى الْكُفْر { أَلَيْسَ اللَّه بِعَزِيزٍ ذِي اِنْتِقَام } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : أَلَيْسَ اللَّه يَا مُحَمَّد بِعَزِيزٍ فِي اِنْتِقَامه مِنْ كَفَرَة خَلْقه , ذِي اِنْتِقَام مِنْ أَعْدَائِهِ الْجَاحِدِينَ وَحْدَانِيّته .
{ وَمَنْ يَهْدِ اللَّه فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلّ } يَقُول : وَمَنْ يُوَفِّقهُ اللَّه لِلْإِيمَانِ بِهِ , وَالْعَمَل بِكِتَابِهِ , فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلّ , يَقُول : فَمَا لَهُ مِنْ مَزِيغ يُزِيغهُ عَنْ الْحَقّ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ إِلَى الِارْتِدَاد إِلَى الْكُفْر { أَلَيْسَ اللَّه بِعَزِيزٍ ذِي اِنْتِقَام } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : أَلَيْسَ اللَّه يَا مُحَمَّد بِعَزِيزٍ فِي اِنْتِقَامه مِنْ كَفَرَة خَلْقه , ذِي اِنْتِقَام مِنْ أَعْدَائِهِ الْجَاحِدِينَ وَحْدَانِيّته .
وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَئِنْ سَأَلْتهمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض لَيَقُولُنَّ اللَّه قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّه بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَات ضُرّه أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَات رَحْمَته قُلْ حَسْبِيَ اللَّه عَلَيْهِ يَتَوَكَّل الْمُتَوَكِّلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَلَئِنْ سَأَلْت يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْعَادِلِينَ بِاَللَّهِ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام : مَنْ خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض ؟ لَيَقُولُنَّ : الَّذِي خَلَقَهُ اللَّه ; فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ , فَقُلْ : أَفَرَأَيْتُمْ أَيّهَا الْقَوْم هَذَا الَّذِي تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه مِنْ الْأَصْنَام وَالْآلِهَة { إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّه بِضُرٍّ } يَقُول : بِشِدَّة فِي مَعِيشَتِي , هَلْ هُنَّ كَاشِفَات عَنِّي مَا يُصِيبنِي بِهِ رَبِّي مِنْ الضُّرّ ؟ { أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ } يَقُول : إِنْ أَرَادَنِيَ بِرَحْمَةٍ أَنْ يُصِيبنِي سَعَة فِي مَعِيشَتِي , وَكَثْرَة مَالِي , وَرَخَاء وَعَافِيَة فِي بَدَنِي , هَلْ هُنَّ مُمْسِكَات عَنِّي مَا أَرَادَ أَنْ يُصِيبنِي بِهِ مِنْ تِلْكَ الرَّحْمَة ؟ وَتَرَك الْجَوَاب لِاسْتِغْنَاءِ السَّامِع بِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ , وَدَلَالَة مَا ظَهَرَ مِنْ الْكَلَام عَلَيْهِ . وَالْمَعْنَى : فَإِنَّهُمْ سَيَقُولُونَ لَا , فَقُلْ : حَسْبِيَ اللَّه مِمَّا سِوَاهُ مِنْ الْأَشْيَاء كُلّهَا , إِيَّاهُ أَعْبُد , وَإِلَيْهِ أَفْزَع فِي أُمُورِي دُون كُلّ شَيْء سِوَاهُ , فَإِنَّهُ الْكَافِي , وَبِيَدِهِ الضُّرّ وَالنَّفْع , لَا إِلَى الْأَصْنَام وَالْأَوْثَان الَّتِي لَا تَضُرّ وَلَا تَنْفَع , { عَلَيْهِ يَتَوَكَّل الْمُتَوَكِّلُونَ } يَقُول : عَلَى اللَّه يَتَوَكَّل مَنْ هُوَ مُتَوَكِّل , وَبِهِ فَلْيَثِقْ لَا بِغَيْرِهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23226- بِشْر , قَالَ : ثنا . يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَلَئِنْ سَأَلْتهمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض لَيَقُولُنَّ اللَّه } حَتَّى بَلَغَ { كَاشِفَات ضُرّه } يَعْنِي : الْأَصْنَام { أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَات رَحْمَته } وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة { كَاشِفَات ضُرّه } و { مُمْسِكَات رَحْمَته } , فَقَرَأَهُ بَعْضهمْ بِالْإِضَافَةِ وَخَفْض الضُّرّ وَالرَّحْمَة , وَقَرَأَهُ بَعْض قُرَّاء الْمَدِينَة وَعَامَّة قُرَّاء الْبَصْرَة بِالتَّنْوِينِ , وَنَصْب الضُّرّ وَالرَّحْمَة . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا , أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ , مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب , وَهُوَ نَظِير قَوْله : { كَيْد الْكَافِرِينَ } 8 18 فِي حَال الْإِضَافَة وَالتَّنْوِين .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى . { قُلْ يَا قَوْم اِعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتكُمْ إِنِّي عَامِل فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِمُشْرِكِي قَوْمك , الَّذِينَ اِتَّخَذُوا الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام آلِهَة يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُون اللَّه اِعْمَلُوا أَيّهَا الْقَوْم عَلَى تَمَكُّنكُمْ مِنْ الْعَمَل الَّذِي تَعْمَلُونَ وَمَنَازِلكُمْ , كَمَا : 23227 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { عَلَى مَكَانَتكُمْ } قَالَ : عَلَى نَاحِيَتكُمْ { إِنِّي عَامِل } كَذَلِكَ عَلَى تُؤَدَة عَلَى عَمَل مَنْ سَلَفَ مِنْ أَنْبِيَاء اللَّه قَبْلِي { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } إِذَا جَاءَكُمْ بَأْس اللَّه , مَنْ الْمُحِقّ مِنَّا مِنْ الْمُبْطِل , وَالرَّشِيد مِنْ الْغَوِيّ .
وَقَوْله : { مَنْ يَأْتِيه عَذَاب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَنْ يَأْتِيه عَذَاب يُخْزِيه , مَا أَتَاهُ مِنْ ذَلِكَ الْعَذَاب , يَعْنِي : يُذِلّهُ وَيُهِينهُ { وَيَحِلّ عَلَيْهِ عَذَاب مُقِيم } يَقُول : وَيَنْزِل عَلَيْهِ عَذَاب دَائِم لَا يُفَارِقهُ .
إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْك الْكِتَاب لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنْ اِهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْك يَا مُحَمَّد الْكِتَاب تِبْيَانًا لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ { فَمَنْ اِهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ } يَقُول : فَمَنْ عَمِلَ بِمَا فِي الْكِتَاب الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْهِ وَاتَّبَعَهُ فَلِنَفْسِهِ , يَقُول : فَإِنَّمَا عَمِلَ بِذَلِكَ لِنَفْسِهِ , وَإِيَّاهَا بَغَى الْخَيْر لَا غَيْرهَا , لِأَنَّهُ أَكْسَبَهَا رِضَا اللَّه وَالْفَوْز بِالْجَنَّةِ , وَالنَّجَاة مِنْ النَّار . { وَمَنْ ضَلَّ } يَقُول : وَمَنْ جَارَ عَنْ الْكِتَاب الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْك , وَالْبَيَان الَّذِي بَدَّدْنَاهُ لَك , فَضَلَّ عَنْ قَصْد الْمَحَجَّة , وَزَالَ عَنْ سَوَاء السَّبِيل , فَإِنَّمَا يَجُور عَلَى نَفْسه , وَإِلَيْهَا يَسُوق الْعَطَب وَالْهَلَاك , لِأَنَّهُ يُكْسِبهَا سَخَط اللَّه , وَأَلِيم عِقَابه , وَالْخِزْي الدَّائِم . { وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَا أَنْتَ يَا مُحَمَّد عَلَى مَنْ أَرْسَلْتُك إِلَيْهِ مِنْ النَّاس بِرَقِيبٍ تَرْقُب أَعْمَالهمْ , وَتَحْفَظ عَلَيْهِمْ أَفْعَالهمْ , إِنَّمَا أَنْتَ رَسُول , وَإِنَّمَا عَلَيْك الْبَلَاغ , وَعَلَيْنَا الْحِسَاب , كَمَا : 23228 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ } أَيْ بِحَفِيظٍ . 23229 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : { وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ } قَالَ : بِحَفِيظٍ .
اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اللَّه يُتَوَفَّى الْأَنْفُس حِين مَوْتهَا وَاَلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامهَا فَيُمْسِك الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْت وَيُرْسِل الْأُخْرَى إِلَى أَجَل مُسَمًّى } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمِنْ الدَّلَالَة عَلَى أَنَّ الْأُلُوهَة لِلَّهِ الْوَاحِد الْقَهَّار خَالِصَة دُون كُلّ مَا سِوَاهُ , أَنَّهُ يُمِيت وَيُحْيِي , وَيَفْعَل مَا يَشَاء , وَلَا يَقْدِر عَلَى ذَلِكَ شَيْء سِوَاهُ ; فَجَعَلَ ذَلِكَ خَبَرًا نَبَّهَهُمْ بِهِ عَلَى عَظِيم قُدْرَته , فَقَالَ : { اللَّه يُتَوَفَّى الْأَنْفُس حِين مَوْتهَا } فَيَقْبِضهَا عِنْد فَنَاء أَجَلهَا , وَانْقِضَاء مُدَّة حَيَاتهَا , وَيُتَوَفَّى أَيْضًا الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامهَا , كَمَا الَّتِي مَاتَتْ عِنْد مَمَاتهَا { فَيُمْسِك الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْت } ذُكِرَ أَنَّ أَرْوَاح الْأَحْيَاء وَالْأَمْوَات تَلْتَقِي فِي الْمَنَام , فَيَتَعَارَف مَا شَاءَ اللَّه مِنْهَا , فَإِذَا أَرَادَ جَمِيعهَا الرُّجُوع إِلَى أَجْسَادهَا أَمْسَكَ اللَّه أَرْوَاح الْأَمْوَات عِنْده وَحَبَسَهَا , وَأَرْسَلَ أَرْوَاح الْأَحْيَاء حَتَّى تَرْجِع إِلَى أَجْسَادهَا إِلَى أَجَل مُسَمًّى وَذَلِكَ إِلَى اِنْقِضَاء مُدَّة حَيَاتهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23230- اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : { اللَّه يَتَوَفَّى الْأَنْفُس حِين مَوْتهَا } الْآيَة . قَالَ : يَجْمَع بَيْن أَرْوَاح الْأَحْيَاء , وَأَرْوَاح الْأَمْوَات , فَيَتَعَارَف مِنْهَا مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَتَعَارَف , فَيُمْسِك الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْت , وَيُرْسِل الْأُخْرَى إِلَى أَجْسَادهَا. 23231 - مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : { اللَّه يَتَوَفَّى الْأَنْفُس حِين مَوْتهَا } قَالَ : تَقْبِض الْأَرْوَاح عِنْد نِيَام النَّائِم , فَتَقْبِض رُوحه فِي مَنَامه , فَتَلْقَى الْأَرْوَاح بَعْضهَا بَعْضًا : أَرْوَاح الْمَوْتَى وَأَرْوَاح النِّيَام , فَتَلْتَقِي فَتُسَاءَل , قَالَ : فَيُخَلِّي عَنْ أَرْوَاح الْأَحْيَاء , فَتَرْجِع إِلَى أَجْسَادهَا , وَتُرِيد الْأُخْرَى أَنْ تَرْجِع , فَيَحْبِس الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْت , وَيُرْسِل الْأُخْرَى إِلَى أَجَل مُسَمًّى , قَالَ : إِلَى بَقِيَّة آجَالهَا . 23232 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { اللَّه يَتَوَفَّى الْأَنْفُس حِين مَوْتهَا وَاَلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامهَا } قَالَ : فَالنَّوْم وَفَاة { فَيُمْسِك الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْت وَيُرْسِل الْأُخْرَى } الَّتِي لَمْ يَقْبِضهَا { إِلَى أَجَل مُسَمًّى }
وَقَوْله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ فِي قَبْض اللَّه نَفْس النَّائِم وَالْمَيِّت وَإِرْسَاله بَعْد نَفْس هَذَا تَرْجِع إِلَى جِسْمهَا , وَحَبْسه لِغَيْرِهَا عَنْ جِسْمهَا لَعِبْرَة وَعِظَة لِمَنْ تَفَكَّرَ وَتَدَبَّرَ , وَبَيَانًا لَهُ أَنَّ اللَّه يُحْيِي مَنْ يَشَاء مِنْ خَلْقه إِذَا شَاءَ , وَيُمِيت مَنْ شَاءَ إِذَا شَاءَ .
وَقَوْله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ فِي قَبْض اللَّه نَفْس النَّائِم وَالْمَيِّت وَإِرْسَاله بَعْد نَفْس هَذَا تَرْجِع إِلَى جِسْمهَا , وَحَبْسه لِغَيْرِهَا عَنْ جِسْمهَا لَعِبْرَة وَعِظَة لِمَنْ تَفَكَّرَ وَتَدَبَّرَ , وَبَيَانًا لَهُ أَنَّ اللَّه يُحْيِي مَنْ يَشَاء مِنْ خَلْقه إِذَا شَاءَ , وَيُمِيت مَنْ شَاءَ إِذَا شَاءَ .
أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلا يَعْقِلُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَمْ اِتَّخَذُوا مِنْ دُون اللَّه شُفَعَاء قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَمْ اِتَّخَذَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ مِنْ دُونه آلِهَتهمْ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا شُفَعَاء تَشْفَع لَهُمْ عِنْد اللَّه فِي حَاجَاتهمْ . وَقَوْله : { قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لَهُمْ : أَتَتَّخِذُونَ هَذِهِ الْآلِهَة شُفَعَاء كَمَا تَزْعُمُونَ وَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا , وَلَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا , قُلْ لَهُمْ : إِنْ تَكُونُوا تَعْبُدُونَهَا لِذَلِكَ , وَتَشْفَع لَكُمْ عِنْد اللَّه , فَأَخْلِصُوا عِبَادَتكُمْ لِلَّهِ , وَأَفْرِدُوهُ بِالْأُلُوهَةِ , فَإِنَّ الشَّفَاعَة جَمِيعًا لَهُ , لَا يَشْفَع عِنْده إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ , وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا , وَأَنْتُمْ مَتَى أَخْلَصْتُمْ لَهُ الْعِبَادَة , فَدَعَوْتُمُوهُ , وَشَفَعَكُمْ { لَهُ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض } , يَقُول : لَهُ سُلْطَان السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمُلْكهَا , وَمَا تَعْبُدُونَ أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ مِنْ دُونه لَهُ ; يَقُول : فَاعْبُدُوا الْمَلِك لَا الْمَمْلُوك الَّذِي لَا يَمْلِك شَيْئًا. { ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } يَقُول : ثُمَّ إِلَى اللَّه مَصِيركُمْ , وَهُوَ مُعَاقِبكُمْ عَلَى إِشْرَاككُمْ بِهِ , إِنْ مِتُّمْ عَلَى شِرْككُمْ . وَمَعْنَى الْكَلَام : لِلَّهِ الشَّفَاعَة جَمِيعًا , لَهُ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض , فَاعْبُدُوا الْمَالِك الَّذِي لَهُ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض , الَّذِي يَقْدِر عَلَى نَفْعكُمْ فِي الدُّنْيَا , وَعَلَى ضُرّكُمْ فِيهَا , وَعِنْد مَرْجِعكُمْ إِلَيْهِ بَعْد مَمَاتكُمْ , فَإِنَّكُمْ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23233- حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { أَمْ اِتَّخَذُوا مِنْ دُون اللَّه شُفَعَاء } الْآلِهَة { قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا } الشَّفَاعَة . 23234 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ . ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَثَّنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَة جَمِيعًا } قَالَ : لَا يَشْفَع عِنْده أَحَد إِلَّا بِإِذْنِهِ .
قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ↓
يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَمْ اِتَّخَذَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ مِنْ دُونه آلِهَتهمْ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا شُفَعَاء تَشْفَع لَهُمْ عِنْد اللَّه فِي حَاجَاتهمْ . وَقَوْله : { قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لَهُمْ : أَتَتَّخِذُونَ هَذِهِ الْآلِهَة شُفَعَاء كَمَا تَزْعُمُونَ وَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ نَفْعًا وَلَا ضُرًّا , وَلَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا , قُلْ لَهُمْ : إِنْ تَكُونُوا تَعْبُدُونَهَا لِذَلِكَ , وَتَشْفَع لَكُمْ عِنْد اللَّه , فَأَخْلِصُوا عِبَادَتكُمْ لِلَّهِ , وَأَفْرِدُوهُ بِالْأُلُوهَةِ , فَإِنَّ الشَّفَاعَة جَمِيعًا لَهُ , لَا يَشْفَع عِنْده إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ , وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا , وَأَنْتُمْ مَتَى أَخْلَصْتُمْ لَهُ الْعِبَادَة , فَدَعَوْتُمُوهُ , وَشَفَعَكُمْ { لَهُ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض } , يَقُول : لَهُ سُلْطَان السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمُلْكهَا , وَمَا تَعْبُدُونَ أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ مِنْ دُونه لَهُ ; يَقُول : فَاعْبُدُوا الْمَلِك لَا الْمَمْلُوك الَّذِي لَا يَمْلِك شَيْئًا . { ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } يَقُول : ثُمَّ إِلَى اللَّه مَصِيركُمْ , وَهُوَ مُعَاقِبكُمْ عَلَى إِشْرَاككُمْ بِهِ , إِنْ مِتُّمْ عَلَى شِرْككُمْ . وَمَعْنَى الْكَلَام : لِلَّهِ الشَّفَاعَة جَمِيعًا , لَهُ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض , فَاعْبُدُوا الْمَالِك الَّذِي لَهُ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض , الَّذِي يَقْدِر عَلَى نَفْعكُمْ فِي الدُّنْيَا , وَعَلَى ضُرّكُمْ فِيهَا , وَعِنْد مَرْجِعكُمْ إِلَيْهِ بَعْد مَمَاتكُمْ , فَإِنَّكُمْ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23233- حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { أَمْ اِتَّخَذُوا مِنْ دُون اللَّه شُفَعَاء } الْآلِهَة { قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا } الشَّفَاعَة. 23234 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ . ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَة جَمِيعًا } قَالَ : لَا يَشْفَع عِنْده أَحَد إِلَّا بِإِذْنِهِ .
وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا ذُكِرَ اللَّه وَحْده اِشْمَأَزَّتْ قُلُوب الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونه إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِذَا أُفْرِدَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالذِّكْرِ , فَدُعِيَ وَحْده , وَقِيلَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , اِشْمَأَزَّتْ قُلُوب الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْمَعَادِ وَالْبَعْث بَعْد الْمَمَات . وَعَنَى بِقَوْلِهِ : { اِشْمَأَزَّتْ } : نَفَرَتْ مِنْ تَوْحِيد اللَّه . { وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونه } يَقُول : وَإِذَا ذُكِرَ الْآلِهَة الَّتِي يَدْعُونَهَا مِنْ دُون اللَّه مَعَ اللَّه , فَقِيلَ : تِلْكَ الْغَرَانِيق الْعُلَى , وَإِنَّ شَفَاعَتهَا لَتُرْتَجَى , إِذْ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يَسْتَبْشِرُونَ بِذَلِكَ وَيَفْرَحُونَ , كَمَا : 23235 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَإِذَا ذُكِرَ اللَّه وَحْده اِشْمَأَزَّتْ قُلُوب الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ } : أَيْ نَفَرَتْ قُلُوبهمْ وَاسْتَكْبَرَتْ { وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونه } الْآلِهَة { إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } 23236 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { اِشْمَأَزَّتْ } قَالَ : اِنْقَبَضَتْ , قَالَ : وَذَلِكَ يَوْم قَرَأَ عَلَيْهِمْ " النَّجْم " عِنْد بَاب الْكَعْبَة . 23237 - مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ قَوْله : { اِشْمَأَزَّتْ } قَالَ : نَفَرَتْ { وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونه } أَوْثَانهمْ .
قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ اللَّهُمَّ فَاطِر السَّمَوَات وَالْأَرْض عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة أَنْتَ تَحْكُم بَيْن عِبَادك فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد , اللَّه خَالِق السَّمَوَات وَالْأَرْض { عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة } الَّذِي لَا تَرَاهُ الْأَبْصَار , وَلَا تَحُسّهُ الْعُيُون وَالشَّهَادَة الَّذِي تَشْهَدهُ أَبْصَار خَلْقه , وَتَرَاهُ أَعْيُنهمْ { أَنْتَ تَحْكُم بَيْن عِبَادك } فَتَفْصِل بَيْنهمْ بِالْحَقِّ يَوْم تَجْمَعهُمْ لِفَصْلِ الْقَضَاء بَيْنهمْ { فِيمَا كَانُوا فِيهِ } فِي الدُّنْيَا { يَخْتَلِفُونَ } مِنْ الْقَوْل فِيك , وَفِي عَظَمَتك وَسُلْطَانك , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ اِخْتِلَافهمْ بَيْنهمْ , فَتَقْضِي يَوْمئِذٍ بَيْننَا وَبَيْن هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ إِذَا ذَكَرْت وَحْدك اِشْمَأَزَّتْ قُلُوبهمْ , إِذَا ذُكِرَ مَنْ دُونك اِسْتَبْشَرُوا بِالْحَقِّ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23238- حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : { فَاطِر السَّمَوَات وَالْأَرْض } فَاطِر : قَالَ خَالِق . وَفِي قَوْله { عَالِم الْغَيْب } قَالَ : مَا غَابَ عَنْ الْعِبَاد فَهُوَ يَعْلَمهُ , { وَالشَّهَادَة } : مَا عَرَفَ الْعِبَاد وَشَهِدُوا , فَهُوَ يَعْلَمهُ.
وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِن سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا وَمِثْله مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوء الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّه مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَوْ أَنَّ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاَللَّهِ يَوْم الْقِيَامَة , وَهُمْ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسهمْ { مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا } فِي الدُّنْيَا مِنْ أَمْوَالهَا وَزِينَتهَا { وَمِثْله مَعَهُ } مُضَاعَفًا , فَقَبِلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ عِوَضًا مِنْ أَنْفُسهمْ , لَفَدَوْا بِذَلِكَ كُلّه أَنْفُسهمْ عِوَضًا مِنْهَا , لِيَنْجُوَ مِنْ سُوء عَذَاب اللَّه , الَّذِي هُوَ مُعَذِّبهمْ بِهِ يَوْمئِذٍ { وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّه } يَقُول : وَظَهَرَ لَهُمْ يَوْمئِذٍ مِنْ أَمْر اللَّه وَعَذَابه , الَّذِي كَانَ أَعَدَّهُ لَهُمْ , مَا لَمْ يَكُونُوا قَبْل ذَلِكَ يَحْتَسِبُونَ أَنَّهُ أَعَدَّهُ لَهُمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَات مَا كَسَبُوا وَحَاقَ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَظَهَرَ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَوْم الْقِيَامَة { سَيِّئَات مَا كَسَبُوا } مِنْ الْأَعْمَال فِي الدُّنْيَا , إِذْ أُعْطُوا كُتُبهمْ بِشَمَائِلِهِمْ { وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } وَوَجَبَ عَلَيْهِمْ حِينَئِذٍ , فَلَزِمَهُمْ عَذَاب اللَّه الَّذِي كَانَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّنْيَا يَعِدهُمْ عَلَى كُفْرهمْ بِرَبِّهِمْ , فَكَانُوا بِهِ يَسْخَرُونَ , إِنْكَارًا أَنْ يُصِيبهُمْ ذَلِكَ , أَوْ يَنَالهُمْ تَكْذِيبًا مِنْهُمْ بِهِ , وَأَحَاطَ ذَلِكَ بِهِمْ .
فَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَان ضُرّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَة مِنَّا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَإِذَا أَصَابَ الْإِنْسَان بُؤْس وَشِدَّة دَعَانَا مُسْتَغِيثًا بِنَا مِنْ جِهَة مَا أَصَابَهُ مِنْ الضُّرّ , { ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَة مِنَّا } يَقُول : ثُمَّ إِذَا أَعْطَيْنَاهُ فَرَجًا مِمَّا كَانَ فِيهِ مِنْ الضُّرّ , بِأَنْ أَبْدَلْنَاهُ بِالضُّرِّ رَخَاء وَسَعَة , وَبِالسَّقَمِ صِحَّة وَعَافِيَة , فَقَالَ : إِنَّمَا أُعْطِيت الَّذِي أُعْطِيت مِنْ الرَّخَاء وَالسَّعَة فِي الْمَعِيشَة , وَالصِّحَّة فِي الْبَدَن وَالْعَافِيَة , عَلَى عِلْم عِنْدِي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَعْنِي عَلَى عِلْم مِنْ اللَّه بِأَنِّي لَهُ أَهْل لِشَرَفِي وَرِضَاهُ بِعَمَلِي ( عِنْدِي ) يَعْنِي : فِيمَا عِنْدِي , كَمَا يُقَال : أَنْتَ مُحْسِن فِي هَذَا الْأَمْر عِنْدِي : أَيْ فِيمَا أَظُنّ وَأَحْسِب . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23239- حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَة مِنَّا } حَتَّى بَلَغَ { عَلَى عِلْم } عِنْدِي : أَيْ عَلَى خَيْر عِنْدِي . 23240 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَة مِنَّا } قَالَ : أَعْطَيْنَاهُ.
وَقَوْله : { أُوتِيتهُ عَلَى عِلْم } : أَيْ عَلَى شَرَف أَعْطَانِيهِ .
وَقَوْله : { بَلْ هِيَ فِتْنَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : بَلْ عَطِيَّتنَا إِيَّاهُمْ تِلْكَ النِّعْمَة مِنْ بَعْد الضُّرّ الَّذِي كَانُوا فِيهِ فِتْنَة لَهُمْ ; يَعْنِي بَلَاء اِبْتَلَيْنَاهُمْ بِهِ , وَاخْتِبَارًا اِخْتَبَرْنَاهُمْ بِهِ { وَلَكِنَّ أَكْثَرهمْ } لِجَهْلِهِمْ , وَسُوء رَأْيهمْ { لَا يَعْلَمُونَ } لِأَيِّ سَبَب أُعْطُوا ذَلِكَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23241- حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يُرِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { بَلْ هِيَ فِتْنَة } : أَيْ بَلَاء .
وَقَوْله : { أُوتِيتهُ عَلَى عِلْم } : أَيْ عَلَى شَرَف أَعْطَانِيهِ .
وَقَوْله : { بَلْ هِيَ فِتْنَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : بَلْ عَطِيَّتنَا إِيَّاهُمْ تِلْكَ النِّعْمَة مِنْ بَعْد الضُّرّ الَّذِي كَانُوا فِيهِ فِتْنَة لَهُمْ ; يَعْنِي بَلَاء اِبْتَلَيْنَاهُمْ بِهِ , وَاخْتِبَارًا اِخْتَبَرْنَاهُمْ بِهِ { وَلَكِنَّ أَكْثَرهمْ } لِجَهْلِهِمْ , وَسُوء رَأْيهمْ { لَا يَعْلَمُونَ } لِأَيِّ سَبَب أُعْطُوا ذَلِكَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23241- حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يُرِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { بَلْ هِيَ فِتْنَة } : أَيْ بَلَاء .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَات مَا كَسَبُوا وَاَلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَات مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَدْ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَة - يَعْنِي قَوْلهمْ : لِنِعْمَةِ اللَّه الَّتِي خَوَّلَهُمْ وَهُمْ مُشْرِكُونَ : أُوتِينَاهُ عَلَى عِلْم عِنْدنَا - { الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ } يَعْنِي : الَّذِي مِنْ قَبْل مُشْرِكِي قُرَيْش مِنْ الْأُمَم الْخَالِيَة لِرُسُلِهَا , تَكْذِيبًا مِنْهُمْ لَهُمْ , وَاسْتِهْزَاء بِهِمْ . وَقَوْله. { فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } يَقُول : فَلَمْ يُغْنِ عَنْهُمْ حِين أَتَاهُمْ بَأْس اللَّه عَلَى تَكْذِيبهمْ رُسُل اللَّه وَاسْتِهْزَائِهِمْ بِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ مِنْ الْأَعْمَال , وَذَلِكَ عِبَادَتهمْ الْأَوْثَان . يَقُول : لَمْ تَنْفَعهُمْ خِدْمَتهمْ إِيَّاهَا , وَلَمْ تَشْفَع آلِهَتهمْ لَهُمْ عِنْد اللَّه حِينَئِذٍ , وَلَكِنَّهَا أَسْلَمَتْهُمْ وَتَبَرَّأَتْ مِنْهُمْ .
فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَـٰؤُلاَءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ ↓
وَقَوْله : { فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَات مَا كَسَبُوا } يَقُول : فَأَصَابَ الَّذِينَ قَالُوا هَذِهِ الْمَقَالَة مِنْ الْأُمَم الْخَالِيَة , وَبَال سَيِّئَات مَا كَسَبُوا مِنْ الْأَعْمَال , فَعُوجِلُوا بِالْخِزْيِ فِي دَار الدُّنْيَا , وَذَلِكَ كَقَارُون الَّذِي قَالَ حِين وَعَظَ { إِنَّمَا أُوتِيته عَلَى عِلْم عِنْدِي } 28 78 فَخَسَفَ اللَّه بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْض { فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَة يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُون اللَّه وَمَا كَانَ مِنْ الْمُنْتَصِرِينَ } 28 78 يَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَاَلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ } يَقُول لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بِاَللَّهِ يَا مُحَمَّد مِنْ قَوْمك , وَظَلَمُوا أَنْفُسهمْ وَقَالُوا هَذِهِ الْمَقَالَة سَيُصِيبُهُمْ أَيْضًا وَبَال { سَيِّئَات مَا كَسَبُوا } كَمَا أَصَابَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ بِقَوْلِهِمْ إِيَّاهَا { وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ } يَقُول : وَمَا يَفُوقُونَ رَبّهمْ وَلَا يَسْبِقُونَهُ هَرَبًا فِي الْأَرْض مِنْ عَذَابه إِذَا نَزَلَ بِهِمْ , وَلَكِنَّهُ يُصِيبهُمْ { سُنَّة اللَّه فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْل وَلَنْ تَجِد لِسُنَّةِ اللَّه تَبْدِيلًا } فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ , فَأَحَلَّ بِهِمْ خِزْيه فِي عَاجِل الدُّنْيَا فَقَتَلَهُمْ بِالسَّيْفِ يَوْم بَدْر . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَا ذَلِكَ : 23242 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ } الْأُمَم الْمَاضِيَة { وَاَلَّذِينَ ظَلَمُوا } مِنْ هَؤُلَاءِ , قَالَ : مِنْ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّه يَبْسُط الرِّزْق لِمَنْ يَشَاء وَيَقْدِر إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَوَلَمْ يَعْلَم يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَشَفْنَا عَنْهُمْ ضُرّهمْ , فَقَالُوا : إِنَّمَا أُوتِينَاهُ عَلَى عِلْم مِنَّا , أَنَّ الشِّدَّة وَالرَّخَاء وَالسَّعَة وَالضِّيق وَالْبَلَاء بِيَدِ اللَّه , دُون كُلّ مَنْ سِوَاهُ , يَبْسُط الرِّزْق لِمَنْ يَشَاء , فَيُوَسِّعهُ عَلَيْهِ , وَيَقْدِر ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده , فَيُضَيِّقهُ , وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حُجَج اللَّه عَلَى عِبَاده , لِيَعْتَبِرُوا بِهِ وَيَتَذَكَّرُوا , وَيَعْلَمُوا أَنَّ الرَّغْبَة إِلَيْهِ وَالرَّهْبَة دُون الْآلِهَة وَالْأَنْدَاد . { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات } يَقُول : إِنَّ فِي بَسْط اللَّه الرِّزْق لِمَنْ يَشَاء , وَتَقْتِيره عَلَى مَنْ أَرَادَ لَآيَات , يَعْنِي : دَلَالَات وَعَلَامَات { لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } يَعْنِي : يُصَدِّقُونَ بِالْحَقِّ , فَيُقِرُّونَ بِهِ إِذَا تَبَيَّنُوهُ وَعَلِمُوا حَقِيقَته أَنَّ الَّذِي يَفْعَل ذَلِكَ هُوَ اللَّه دُون كُلّ مَا سِوَاهُ.
قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِينَ عَنَوْا بِهَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِهَا قَوْم مِنْ أَهْل الشِّرْك , قَالُوا لَمَّا دُعُوا إِلَى الْإِيمَان بِاَللَّهِ : كَيْفَ نُؤْمِن وَقَدْ أَشْرَكْنَا وَزَنَيْنَا , وَقَتَلْنَا النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه , وَاَللَّه يَعِد فَاعِل ذَلِكَ النَّار , فَمَا يَنْفَعنَا مَعَ مَا قَدْ سَلَفَ مِنَّا الْإِيمَان , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23243 - مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَة اللَّه } وَذَلِكَ أَنَّ أَهْل مَكَّة قَالُوا : يَزْعُم مُحَمَّد أَنَّهُ مَنْ عَبَدَ الْأَوْثَان , وَدَعَا مَعَ اللَّه إِلَهًا آخَر , وَقَتَلَ النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه لَمْ يُغْفَر لَهُ , فَكَيْفَ نُهَاجِر وَنُسْلِم , وَقَدْ عَبَدْنَا الْآلِهَة , وَقَتَلْنَا النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه وَنَحْنُ أَهْل الشِّرْك ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَة اللَّه } يَقُول : لَا تَيْأَسُوا مِنْ رَحْمَتِي , إِنَّ اللَّه يَغْفِر الذُّنُوب جَمِيعًا وَقَالَ : { وَأَنِيبُوا إِلَى رَبّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ } وَإِنَّمَا يُعَاتِب اللَّه أُولِي الْأَلْبَاب وَإِنَّمَا الْحَلَال وَالْحَرَام لِأَهْلِ الْإِيمَان , فَإِيَّاهُمْ عَاتَبَ , وَإِيَّاهُمْ أَمَرَ إِنْ أَسْرَفَ أَحَدهمْ عَلَى نَفْسه , أَنْ لَا يَقْنُط مِنْ رَحْمَة اللَّه , وَأَنْ يُنِيب وَلَا يُبْطِئ بِالتَّوْبَةِ مِنْ ذَلِكَ الْإِسْرَاف , وَالذَّنْب الَّذِي عَمِلَ ; وَقَدْ ذَكَرَ اللَّه فِي سُورَة آل عِمْرَان الْمُؤْمِنِينَ حِين سَأَلُوا اللَّه الْمَغْفِرَة , فَقَالُوا : { رَبّنَا اِغْفِرْ لَنَا ذُنُوبنَا وَإِسْرَافنَا فِي أَمْرنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامنَا } 3 147 . فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَم أَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا يُصِيبُونَ الْإِسْرَاف , فَأَمَرَهُمْ بِالتَّوْبَةِ مِنْ إِسْرَافهمْ . 23244 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ } قَالَ : قَتْل النَّفْس فِي الْجَاهِلِيَّة . 23245- حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني اِبْن إِسْحَاق , عَنْ بَعْض أَصْحَابه , عَنْ عَطَاء بْن يَسَار , قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَات الثَّلَاث بِالْمَدِينَةِ فِي وَحْشِيّ وَأَصْحَابه { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ } إِلَى قَوْله : { مِنْ قَبْل أَنْ يَأْتِيكُمْ الْعَذَاب بَغْتَة وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ } 23246 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْر , قَالَ : قَالَ زَيْد بْن أَسْلَم , فِي قَوْله : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَة اللَّه } قَالَ : إِنَّمَا هِيَ لِلْمُشْرِكِينَ . 23247 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ } حَتَّى بَلَغَ { الذُّنُوب جَمِيعًا } قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ أُنَاسًا أَصَابُوا ذُنُوبًا عِظَامًا فِي الْجَاهِلِيَّة , فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام أَشْفَقُوا أَنْ لَا يُتَاب عَلَيْهِمْ , فَدَعَاهُمْ اللَّه بِهَذِهِ الْآيَة : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ } 23248 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي قَوْله : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ } قَالَ : هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْل مَكَّة , قَالُوا : كَيْفَ نُجِيبك وَأَنْتَ تَزْعُم أَنَّهُ مَنْ زَنَى , أَوْ قَتَلَ , أَوْ أَشْرَكَ بِالرَّحْمَنِ كَانَ هَالِكًا مِنْ أَهْل النَّار ؟ فَكُلّ هَذِهِ الْأَعْمَال قَدْ عَمِلْنَاهَا ; فَأُنْزِلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَة : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ } 23249 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَة اللَّه } الْآيَة قَالَ : كَانَ قَوْم مَسْخُوطِينَ فِي أَهْل الْجَاهِلِيَّة , فَلَمَّا بَعَثَ اللَّه نَبِيّه قَالُوا : لَوْ أَتَيْنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَّا بِهِ وَاتَّبَعْنَاهُ ; فَقَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : كَيْفَ يَقْبَلكُمْ اللَّه وَرَسُوله فِي دِينه ؟ فَقَالُوا : أَلَا نَبْعَث إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا ؟ فَلَمَّا بَعَثُوا , نَزَلَ الْقُرْآن : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَة اللَّه } فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { فَأَكُون مِنْ الْمُحْسِنِينَ } 23250 -حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : تَجَالَسَ شُتَيْر بْن شُكْل وَمَسْرُوق فَقَالَ شُتَيْر : إِمَّا أَنْ تُحَدِّث مَا سَمِعْت مِنْ اِبْن مَسْعُود فَأُصَدِّقك , وَإِمَّا أَنْ أُحَدِّث فَتُصَدِّقنِي فَقَالَ مَسْرُوق : لَا بَلْ حَدِّثْ فَأُصَدِّقك , فَقَالَ : سَمِعْت اِبْن مَسْعُود يَقُول : إِنَّ أَكْبَر آيَة فَرَجًا فِي الْقُرْآن { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَة اللَّه } فَقَالَ مَسْرُوق : صَدَقْت . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ أَهْل الْإِسْلَام , وَقَالُوا : تَأْوِيل الْكَلَام : إِنَّ اللَّه يَغْفِر الذُّنُوب جَمِيعًا لِمَنْ يَشَاء , قَالُوا : وَهِيَ كَذَلِكَ فِي مُصْحَف عَبْد اللَّه , وَقَالُوا : إِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي قَوْم صَدَّهُمْ الْمُشْرِكُونَ عَنْ الْهِجْرَة وَفَتَنُوهُمْ , فَأَشْفَقُوا أَنْ لَا يَكُون لَهُمْ تَوْبَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23251 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن سَعِيد الْجَوْهَرِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد الْأُمَوِيّ , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : قَالَ - يَعْنِي عُمَر : كُنَّا نَقُول : مَا لِمَنْ اُفْتُتِنَ مِنْ تَوْبَة ; وَكَانُوا يَقُولُونَ : مَا اللَّه بِقَابِلٍ مِنَّا شَيْئًا , تَرَكْنَا الْإِسْلَام بِبَلَاءٍ أَصَابَنَا بَعْد مَعْرِفَته , فَلَمَّا قَدِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة أَنْزَلَ اللَّه فِيهِمْ : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحِمَهُ اللَّه } الْآيَة , قَالَ عُمَر : فَكَتَبْتهَا بِيَدِي , ثُمَّ بَعَثْت بِهَا إِلَى هِشَام بْن الْعَاصِ , قَالَ هِشَام : فَلَمَّا جَاءَتْنِي جَعَلْت أَقْرَؤُهَا وَلَا أَفْهَمهَا , فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا أُنْزِلَتْ فِينَا لَمَّا كُنَّا نَقُول , فَجَلَسْت عَلَى بَعِيرِي , ثُمَّ لَحِقْت بِالْمَدِينَةِ . 23252 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَات فِي عَيَّاش بْن أَبِي رَبِيعَة , وَالْوَلِيد بْن الْوَلِيد , وَنَفَر مِنْ الْمُسْلِمِينَ , كَانُوا أَسْلَمُوا ثُمَّ فُتِنُوا وَعُذِّبُوا , فَافْتُتِنُوا ; كُنَّا نَقُول : لَا يَقْبَل اللَّه مِنْ هَؤُلَاءِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا أَبَدًا ; قَوْم أَسْلَمُوا ثُمَّ تَرَكُوا دِينهمْ بِعَذَابٍ عُذِّبُوهُ , فَنَزَلَتْ هَؤُلَاءِ الْآيَات , وَكَانَ عُمَر بْن الْخَطَّاب كَاتِبًا ; قَالَ : فَكَتَبَهَا بِيَدِهِ ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إِلَى عَيَّاش بْن أَبِي رَبِيعَة , وَالْوَلِيد بْن الْوَلِيد , إِلَى أُولَئِكَ النَّفَر , فَأَسْلَمُوا وَهَاجَرُوا . 23253 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا يُونُس , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , قَالَ : قَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : أَيّ آيَة فِي الْقُرْآن أَوْسَع ؟ فَجَعَلُوا يَذْكُرُونَ آيَات مِنْ الْقُرْآن : { وَمَنْ يَعْمَل سُوءًا أَوْ يَظْلِم نَفْسه ثُمَّ يَسْتَغْفِر اللَّه يَجِد اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا } 4 110 . وَنَحْوهَا , فَقَالَ عَلِيّ : مَا فِي الْقُرْآن آيَة أَوْسَع مِنْ : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ } إِلَى آخِر الْآيَة . 23254 - حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي سَعِيد الْأَزْدِيّ , عَنْ أَبِي الْكَنُود , قَالَ : دَخَلَ عَبْد اللَّه الْمَسْجِد , فَإِذَا قَاصّ يَذْكُر النَّار وَالْأَغْلَال , قَالَ : فَجَاءَ حَتَّى قَامَ عَلَى رَأْسه , فَقَالَ مَا يُذَكِّر أَتُقْنِطُ النَّاس { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ } الْآيَة . 23255 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْر , عَنْ الْقُرَظِيّ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَة اللَّه } قَالَ : هِيَ لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ. 23256 - حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْن يَحْيَى بْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : ثنا حَجَّاج , قَالَ : ثنا اِبْن لَهِيعَة , عَنْ أَبِي قُنْبُل , قَالَ : سَمِعْت أَبَا عَبْد الرَّحْمَن الْمُزَنِيّ يَقُول : ثني أَبُو عَبْد الرَّحْمَن الجلائي , أَنَّهُ سَمِعَ ثَوْبَان مَوْلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " مَا أُحِبّ أَنَّ لِي الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا بِهَذِهِ الْآيَة : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَة اللَّه } " . .. الْآيَة , فَقَالَ رَجُل : يَا رَسُول اللَّه , وَمَنْ أَشْرَكَ ؟ فَسَكَتَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ قَالَ : " أَلَا وَمَنْ أَشْرَكَ , أَلَا وَمَنْ أَشْرَكَ " ثَلَاث مَرَّات . وَقَالَ آخَرُونَ : نَزَلَ ذَلِكَ فِي قَوْم كَانُوا يَرَوْنَ أَهْل الْكَبَائِر مِنْ أَهْل النَّار , فَأَعْلَمَهُمْ اللَّه بِذَلِكَ أَنَّهُ يَغْفِر الذُّنُوب جَمِيعًا لِمَنْ يَشَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23257 - حَدَّثَنِي اِبْن الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن أَبِي سَلَمَة , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاذ الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ مُقَاتِل بْن حَيَّان , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : كُنَّا مَعْشَر أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَرَى أَوْ نَقُول : إِنَّهُ لَيْسَ شَيْء مِنْ حَسَنَاتنَا إِلَّا وَهِيَ مَقْبُولَة , حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة { أَطِيعُوا اللَّه وَأَطِيعُوا الرَّسُول وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالكُمْ } 47 32 فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة قُلْنَا : مَا هَذَا الَّذِي يُبْطِل أَعْمَالنَا ؟ فَقُلْنَا : الْكَبَائِر وَالْفَوَاحِش , قَالَ : فَكُنَّا إِذَا رَأَيْنَا مَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْهَا قُلْنَا : قَدْ هَلَكَ , حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة { إِنَّ اللَّه لَا يَغْفِر أَنْ يُشْرَك بِهِ وَيَغْفِر مَا دُون ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء } 4 48 فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة كَفَفْنَا عَنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ , فَكُنَّا إِذَا رَأَيْنَا أَحَدًا أَصَابَ مِنْهَا شَيْئًا خِفْنَا عَلَيْهِ , إِنْ لَمْ يُصِبْ مِنْهَا شَيْئًا رَجَوْنَا لَهُ . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ جَمِيع مَنْ أَسْرَفَ عَلَى نَفْسه مِنْ أَهْل الْإِيمَان وَالشِّرْك , لِأَنَّ اللَّه عَمَّ بِقَوْلِهِ { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ } جَمِيع الْمُسْرِفِينَ , فَلَمْ يُخَصِّص بِهِ مُسْرِفًا دُون مُسْرِف . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَيَغْفِر اللَّه الشِّرْك ؟ قِيلَ : نَعَمْ إِذَا تَابَ مِنْهُ الْمُشْرِك. وَإِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ { إِنَّ اللَّه يَغْفِر الذُّنُوب جَمِيعًا } لِمَنْ يَشَاء , كَمَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْل , أَنَّ اِبْن مَسْعُود كَانَ يَقْرَؤُهُ : وَأَنَّ اللَّه قَدْ اِسْتَثْنَى مِنْهُ الشِّرْك إِذَا لَمْ يَتُبْ مِنْهُ صَاحِبه , فَقَالَ : إِنَّ اللَّه لَا يَغْفِر أَنْ يُشْرَك بِهِ , وَيَغْفِر مَا دُون ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء , فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَغْفِر الشِّرْك إِلَّا بَعْد تَوْبَة بِقَوْلِهِ : { إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا } 19 46 . فَأَمَّا مَا عَدَاهُ فَإِنَّ صَاحِبه فِي مَشِيئَة رَبّه , إِنْ شَاءَ تَفَضَّلَ عِلِّيّه , فَعَفَا لَهُ عَنْهُ , وَإِنْ شَاءَ عَدَلَ عَلَيْهِ فَجَازَاهُ بِهِ .
وَأَمَّا قَوْله : { لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَة اللَّه } فَإِنَّهُ يَعْنِي : لَا تَيْأَسُوا مِنْ رَحْمَة اللَّه . كَذَلِكَ : 23258 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الرِّوَايَات قَبْل فِيمَا مَضَى وَبَيَّنَّا مَعْنَاهُ.
وَقَوْله : { إِنَّ اللَّه يَغْفِر الذُّنُوب جَمِيعًا } يَقُول : إِنَّ اللَّه يَسْتُر عَلَى الذُّنُوب كُلّهَا بِعَفْوِهِ عَنْ أَهْلهَا وَتَرْكه عُقُوبَتهمْ عَلَيْهَا إِذَا تَابُوا مِنْهَا { إِنَّهُ هُوَ الْغَفُور الرَّحِيم } بِهِمْ , أَنْ يُعَاقِبهُمْ عَلَيْهَا بَعْد تَوْبَتهمْ مِنْهَا .
وَأَمَّا قَوْله : { لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَة اللَّه } فَإِنَّهُ يَعْنِي : لَا تَيْأَسُوا مِنْ رَحْمَة اللَّه . كَذَلِكَ : 23258 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الرِّوَايَات قَبْل فِيمَا مَضَى وَبَيَّنَّا مَعْنَاهُ.
وَقَوْله : { إِنَّ اللَّه يَغْفِر الذُّنُوب جَمِيعًا } يَقُول : إِنَّ اللَّه يَسْتُر عَلَى الذُّنُوب كُلّهَا بِعَفْوِهِ عَنْ أَهْلهَا وَتَرْكه عُقُوبَتهمْ عَلَيْهَا إِذَا تَابُوا مِنْهَا { إِنَّهُ هُوَ الْغَفُور الرَّحِيم } بِهِمْ , أَنْ يُعَاقِبهُمْ عَلَيْهَا بَعْد تَوْبَتهمْ مِنْهَا .
وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَنِيبُوا إِلَى رَبّكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَقْبِلُوا أَيّهَا النَّاس إِلَى رَبّكُمْ بِالتَّوْبَةِ , وَارْجِعُوا إِلَيْهِ بِالطَّاعَةِ لَهُ , وَاسْتَجِيبُوا لَهُ إِلَى مَا دَعَاكُمْ إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيده , وَإِفْرَاد الْأُلُوهَة لَهُ , وَإِخْلَاص الْعِبَادَة لَهُ , كَمَا : 23259 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَأَنِيبُوا إِلَى رَبّكُمْ } : أَيْ أَقْبِلُوا إِلَى رَبّكُمْ . 23260 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { وَأَنِيبُوا } قَالَ : أَجِيبُوا. 23261 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَأَنِيبُوا إِلَى رَبّكُمْ } قَالَ : الْإِنَابَة : الرُّجُوع إِلَى الطَّاعَة , وَالنُّزُوع عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ , أَلَا تَرَاهُ يَقُول : { مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ } 30 31
وَقَوْله : { وَأَسْلِمُوا لَهُ } يَقُول : وَاخْضَعُوا لَهُ بِالطَّاعَةِ وَالْإِقْرَار بِالدِّينِ الْحَنِيفِيّ { مِنْ قَبْل أَنْ يَأْتِيكُمْ الْعَذَاب } مِنْ عِنْده عَلَى كُفْركُمْ بِهِ.
{ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ } يَقُول : ثُمَّ لَا يَنْصُركُمْ نَاصِر , فَيُنْقِذكُمْ مِنْ عَذَابه النَّازِل بِكُمْ .
وَقَوْله : { وَأَسْلِمُوا لَهُ } يَقُول : وَاخْضَعُوا لَهُ بِالطَّاعَةِ وَالْإِقْرَار بِالدِّينِ الْحَنِيفِيّ { مِنْ قَبْل أَنْ يَأْتِيكُمْ الْعَذَاب } مِنْ عِنْده عَلَى كُفْركُمْ بِهِ.
{ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ } يَقُول : ثُمَّ لَا يَنْصُركُمْ نَاصِر , فَيُنْقِذكُمْ مِنْ عَذَابه النَّازِل بِكُمْ .
وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ ↓
وَقَوْله : { وَاتَّبِعُوا أَحْسَن مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبّكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاتَّبِعُوا أَيّهَا النَّاس مَا أَمَرَكُمْ بِهِ رَبّكُمْ فِي تَنْزِيله , وَاجْتَنِبُوا مَا نَهَاكُمْ فِيهِ عَنْهُ , وَذَلِكَ هُوَ أَحْسَن مَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا مِنْ رَبّنَا . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمِنْ الْقُرْآن شَيْء وَهُوَ أَحْسَن مِنْ شَيْء ؟ قِيلَ لَهُ : الْقُرْآن كُلّه حَسَن , وَلَيْسَ مَعْنَى ذَلِكَ مَا تَوَهَّمْت , وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ : وَاتَّبِعُوا مِمَّا أَنْزَلَ إِلَيْكُمْ رَبّكُمْ مِنْ الْأَمْر وَالنَّهْي وَالْخَبَر , وَالْمَثَل , وَالْقَصَص , وَالْجَدَل , وَالْوَعْد , وَالْوَعِيد أَحْسَنه أَنْ تَأْتَمِرُوا لِأَمْرِهِ , وَتَنْتَهُوا عَمَّا نَهَى عَنْهُ , لِأَنَّ النَّهْي مِمَّا أُنْزِلَ فِي الْكِتَاب , فَلَوْ عَمِلُوا بِمَا نُهُوا عَنْهُ كَانُوا عَامِلِينَ بِأَقْبَحِهِ , فَذَلِكَ وَجْهه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23262 - مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { وَاتَّبِعُوا أَحْسَن مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبّكُمْ } يَقُول : مَا أُمِرْتُمْ بِهِ فِي الْكِتَاب { مِنْ قَبْل أَنْ يَأْتِيكُمْ الْعَذَاب } قَوْله : { مِنْ قَبْل أَنْ يَأْتِيكُمْ الْعَذَاب بَغْتَة } يَقُول : مِنْ قَبْل أَنْ يَأْتِيكُمْ عَذَاب اللَّه فَجْأَة { وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ } يَقُول : وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ بِهِ حَتَّى يَغْشَاكُمْ فَجْأَة .
أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتىٰ عَلَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ↑
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَنْ تَقُول نَفْس يَا حَسْرَتَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَنِيبُوا إِلَى رَبّكُمْ , وَأَسْلِمُوا لَهُ { أَنْ تَقُول نَفْس } بِمَعْنَى لِئَلَّا تَقُول نَفْس { يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه } , وَهُوَ نَظِير قَوْله : { وَأَلْقَى فِي الْأَرْض رَوَاسِي أَنْ تَمِيد بِكُمْ } 16 15 بِمَعْنَى : أَنْ لَا تَمِيد بِكُمْ , فَأَنْ , إِذْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ , فِي مَوْضِع نَصْب . وَقَوْله { يَا حَسْرَتَا } يَعْنِي أَنْ تَقُول : يَا نَدَمًا , كَمَا : 23263 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثني أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي قَوْله : { يَا حَسْرَتَا } قَالَ : النَّدَامَة . وَالْأَلِف فِي قَوْله { يَا حَسْرَتَا } هِيَ كِنَايَة الْمُتَكَلِّم , وَإِنَّمَا أُرِيدَ : يَا حَسْرَتِي ; وَلَكِنَّ الْعَرَب تُحَوِّل الْيَاء فِي كِنَايَة اِسْم الْمُتَكَلِّم فِي الِاسْتِغَاثَة أَلِفًا , فَتَقُول : يَا وَيْلَتَا , وَيَا نَدَمًا , فَيُخْرِجُونَ ذَلِكَ عَلَى لَفْظ الدُّعَاء , وَرُبَّمَا قِيلَ : يَا حَسْرَة عَلَى الْعِبَاد , كَمَا قِيلَ : يَا لَهْف , وَيَا لَهْفًا عَلَيْهِ , وَذَكَرَ الْفَرَّاء أَنَّ أَبَا ثَرْوَان أَنْشَدَهُ : تَزُورُونَهَا وَلَا أَزُور نِسَاءَكُمْ أَلَهْف لِأَوْلَادِ الْإِمَاء الْحَوَاطِب خَفْضًا كَمَا يُخْفَض فِي النِّدَاء إِذَا أَضَافَهُ الْمُتَكَلِّم إِلَى نَفْسه , وَرُبَّمَا أَدْخَلُوا الْهَاء بَعْد هَذِهِ الْأَلِف , فَيَخْفِضُونَهَا أَحْيَانًا , وَيَرْفَعُونَهَا أَحْيَانًا ; وَذَكَرَ الْفَرَّاء أَنَّ بَعْض بَنِي أَسَد أَنْشَدَ : يَا رَبّ يَا رَبَّاهِ إِيَّاكَ أَسَلْ عَفَرَاء يَا رَبَّاهُ مِنْ قَبْل الْأَجَل خَفْضًا , قَالَ : وَالْخَفْض أَكْثَر فِي كَلَامهمْ , إِلَّا فِي قَوْلهمْ : يَا هَنَاه , وَيَا هَنْتَاه , فَإِنَّ الرَّفْع فِيهَا أَكْثَر مِنْ الْخَفْض , لِأَنَّهُ كَثِير فِي الْكَلَام , حَتَّى صَارَ كَأَنَّهُ حَرْف وَاحِد .
وَقَوْله : { عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه } يَقُول عَلَى مَا ضَيَّعْت مِنْ الْعَمَل بِمَا أَمَرَنِي اللَّه بِهِ , وَقَصَّرْت فِي الدُّنْيَا فِي طَاعَة اللَّه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23264 - اِبْن حُمَيْد , قَالَ . ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله { يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه } يَقُول : فِي أَمْر اللَّه . - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ . ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه } قَالَ : فِي أَمْر اللَّه . 23265 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ . ثنا أَحْمَد قَالَ ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : { عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه } قَالَ : تَرَكْت مِنْ أَمْر اللَّه .
وَقَوْله : { وَإِنْ كُنْت لَمِنْ السَّاخِرِينَ } يَقُول : وَإِنْ كُنْت لَمِنْ الْمُسْتَهْزِئِينَ بِأَمْرِ اللَّه وَكِتَابه وَرَسُوله وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23266 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَاده فِي قَوْله : { أَنْ تَقُول نَفْس يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه وَإِنْ كُنْت لَمِنْ السَّاخِرِينَ } قَالَ : فَلَمْ يَكْفِهِ أَنْ ضَيَّعَ طَاعَة اللَّه حَتَّى جَعَلَ يَسْخَر بِأَهْلِ طَاعَة اللَّه , قَالَ : هَذَا قَوْل صِنْف مِنْهُمْ. 23267 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ . ثنا أَحْمَد , قَالَ ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { وَإِنْ كُنْت لَمِنْ السَّاخِرِينَ } يَقُول : مِنْ الْمُسْتَهْزِئِينَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِالْكِتَابِ , وَبِمَا جَاءَ بِهِ .
وَقَوْله : { عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه } يَقُول عَلَى مَا ضَيَّعْت مِنْ الْعَمَل بِمَا أَمَرَنِي اللَّه بِهِ , وَقَصَّرْت فِي الدُّنْيَا فِي طَاعَة اللَّه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23264 - اِبْن حُمَيْد , قَالَ . ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله { يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه } يَقُول : فِي أَمْر اللَّه . - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ . ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه } قَالَ : فِي أَمْر اللَّه . 23265 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ . ثنا أَحْمَد قَالَ ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : { عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه } قَالَ : تَرَكْت مِنْ أَمْر اللَّه .
وَقَوْله : { وَإِنْ كُنْت لَمِنْ السَّاخِرِينَ } يَقُول : وَإِنْ كُنْت لَمِنْ الْمُسْتَهْزِئِينَ بِأَمْرِ اللَّه وَكِتَابه وَرَسُوله وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23266 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَاده فِي قَوْله : { أَنْ تَقُول نَفْس يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه وَإِنْ كُنْت لَمِنْ السَّاخِرِينَ } قَالَ : فَلَمْ يَكْفِهِ أَنْ ضَيَّعَ طَاعَة اللَّه حَتَّى جَعَلَ يَسْخَر بِأَهْلِ طَاعَة اللَّه , قَالَ : هَذَا قَوْل صِنْف مِنْهُمْ. 23267 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ . ثنا أَحْمَد , قَالَ ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { وَإِنْ كُنْت لَمِنْ السَّاخِرِينَ } يَقُول : مِنْ الْمُسْتَهْزِئِينَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِالْكِتَابِ , وَبِمَا جَاءَ بِهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوْ تَقُول لَوْ أَنَّ اللَّه هَدَانِي لَكُنْت مِنْ الْمُتَّقِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَنِيبُوا إِلَى رَبّكُمْ أَيّهَا النَّاس , وَأَسْلِمُوا لَهُ , أَنْ لَا تَقُول نَفْس يَوْم الْقِيَامَة : يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه , فِي أَمْر اللَّه , وَأَنْ لَا تَقُول نَفْس أُخْرَى : لَوْ أَنَّ اللَّه هَدَانِي لِلْحَقِّ , فَوَفَّقَنِي لِلرَّشَادِ لَكُنْت مِمَّنْ اِتَّقَاهُ بِطَاعَتِهِ وَاتِّبَاع رِضَاهُ , أَوْ أَنْ لَا تَقُول أُخْرَى حِين تَرَى عَذَاب اللَّه فَتُعَايِنهُ { لَوْ أَنَّ لِي كَرَّة } تَقُول لَوْ أَنَّ لِي رَجْعَة إِلَى الدُّنْيَا { فَأَكُون مِنْ الْمُحْسِنِينَ } الَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي طَاعَة رَبّهمْ , وَالْعَمَل بِمَا أَمَرَتْهُمْ بِهِ الرُّسُل . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23268 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه } الْآيَة , قَالَ : هَذَا قَوْل صِنْف مِنْهُمْ { أَوْ تَقُول لَوْ أَنَّ اللَّه هَدَانِي } الْآيَة , قَالَ . هَذَا قَوْل صِنْف آخَر : { أَوْ تَقُول حِين تَرَى الْعَذَاب } الْآيَة , يَعْنِي بِقَوْلِهِ { لَوْ أَنَّ لِي كَرَّة } رَجْعَة إِلَى الدُّنْيَا , قَالَ : هَذَا صِنْف آخَر . 23269 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { أَنْ تَقُول نَفْس يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه } قَالَ : أَخْبَرَ اللَّه مَا الْعِبَاد قَائِلُوهُ قَبْل أَنْ يَقُولُوهُ , وَعَمَلهمْ قَبْل أَنْ يَعْمَلُوهُ , قَالَ : { وَلَا يُنَبِّئك مِثْل خَبِير } 6 110 { أَنْ تَقُول نَفْس يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه أَوْ تَقُول لَوْ أَنَّ اللَّه هَدَانِي } إِلَى قَوْله : { فَأَكُون مِنْ الْمُحْسِنِينَ } يَقُول : مِنْ الْمُهْتَدِينَ , فَأَخْبَرَ اللَّه سُبْحَانه أَنَّهُمْ لَوْ رُدُّوا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْهُدَى , وَقَالَ { وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } 35 14 وَقَالَ : { وَنُقَلِّب أَفْئِدَتهمْ وَأَبْصَارهمْ } 6 38 كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّل مَرَّة , قَالَ : وَلَوْ رُدُّوا إِلَى الدُّنْيَا لَحِيلَ بَيْنهمْ وَبَيْن الْهُدَى , كَمَا حُلْنَا بَيْنهمْ وَبَيْنه أَوَّل مَرَّة وَهُمْ فِي الدُّنْيَا . وَفِي نَصْب قَوْله { فَأَكُون } وَجْهَانِ ; أَحَدهمَا : أَنْ يَكُون نَصْبه عَلَى أَنَّهُ جَوَاب لَوْ وَالثَّانِي : عَلَى الرَّدّ عَلَى مَوْضِع الْكَرَّة , وَتَوْجِيه الْكَرَّة فِي الْمَعْنَى إِلَى : لَوْ أَنَّ لِي أَنْ أَكُرّ , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : فَمَا لَك مِنْهَا غَيْر ذِكْرَى وَحَسْرَة وَتَسْأَلَ عَنْ رُكْبَانهَا أَيْنَ يَمَّمُوا ؟ فَنَصَبَ تَسْأَل عَطْفًا بِهَا عَلَى مَوْضِع الذِّكْرَى , لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : فَمَا لَك بِيُرْسِلَ عَلَى مَوْضِع الْوَحْي فِي قَوْله : { إِلَّا وَحْيًا } 42 51
يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَنِيبُوا إِلَى رَبّكُمْ أَيّهَا النَّاس , وَأَسْلِمُوا لَهُ , أَنْ لَا تَقُول نَفْس يَوْم الْقِيَامَة : يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه , فِي أَمْر اللَّه , وَأَنْ لَا تَقُول نَفْس أُخْرَى : لَوْ أَنَّ اللَّه هَدَانِي لِلْحَقِّ , فَوَفَّقَنِي لِلرَّشَادِ لَكُنْت مِمَّنْ اِتَّقَاهُ بِطَاعَتِهِ وَاتِّبَاع رِضَاهُ , أَوْ أَنْ لَا تَقُول أُخْرَى حِين تَرَى عَذَاب اللَّه فَتُعَايِنهُ { لَوْ أَنَّ لِي كَرَّة } تَقُول لَوْ أَنَّ لِي رَجْعَة إِلَى الدُّنْيَا { فَأَكُون مِنْ الْمُحْسِنِينَ } الَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي طَاعَة رَبّهمْ , وَالْعَمَل بِمَا أَمَرَتْهُمْ بِهِ الرُّسُل . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23268 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه } الْآيَة , قَالَ : هَذَا قَوْل صِنْف مِنْهُمْ { أَوْ تَقُول لَوْ أَنَّ اللَّه هَدَانِي } الْآيَة , قَالَ . هَذَا قَوْل صِنْف آخَر : { أَوْ تَقُول حِين تَرَى الْعَذَاب } الْآيَة , يَعْنِي بِقَوْلِهِ { لَوْ أَنَّ لِي كَرَّة } رَجْعَة إِلَى الدُّنْيَا , قَالَ : هَذَا صِنْف آخَر . 23269 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { أَنْ تَقُول نَفْس يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه } قَالَ : أَخْبَرَ اللَّه مَا الْعِبَاد قَائِلُوهُ قَبْل أَنْ يَقُولُوهُ , وَعَمَلهمْ قَبْل أَنْ يَعْمَلُوهُ , قَالَ : { وَلَا يُنَبِّئك مِثْل خَبِير } 6 110 { أَنْ تَقُول نَفْس يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه أَوْ تَقُول لَوْ أَنَّ اللَّه هَدَانِي } إِلَى قَوْله : { فَأَكُون مِنْ الْمُحْسِنِينَ } يَقُول : مِنْ الْمُهْتَدِينَ , فَأَخْبَرَ اللَّه سُبْحَانه أَنَّهُمْ لَوْ رُدُّوا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْهُدَى , وَقَالَ { وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } 35 14 وَقَالَ : { وَنُقَلِّب أَفْئِدَتهمْ وَأَبْصَارهمْ } 6 38 كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّل مَرَّة , قَالَ : وَلَوْ رُدُّوا إِلَى الدُّنْيَا لَحِيلَ بَيْنهمْ وَبَيْن الْهُدَى , كَمَا حُلْنَا بَيْنهمْ وَبَيْنه أَوَّل مَرَّة وَهُمْ فِي الدُّنْيَا . وَفِي نَصْب قَوْله { فَأَكُون } وَجْهَانِ ; أَحَدهمَا : أَنْ يَكُون نَصْبه عَلَى أَنَّهُ جَوَاب لَوْ وَالثَّانِي : عَلَى الرَّدّ عَلَى مَوْضِع الْكَرَّة , وَتَوْجِيه الْكَرَّة فِي الْمَعْنَى إِلَى : لَوْ أَنَّ لِي أَنْ أَكُرّ , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : فَمَا لَك مِنْهَا غَيْر ذِكْرَى وَحَسْرَة وَتَسْأَلَ عَنْ رُكْبَانهَا أَيْنَ يَمَّمُوا ؟ فَنَصَبَ تَسْأَل عَطْفًا بِهَا عَلَى مَوْضِع الذِّكْرَى , لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : فَمَا لَك بِيُرْسِلَ عَلَى مَوْضِع الْوَحْي فِي قَوْله : { إِلَّا وَحْيًا } 42 51
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { بَلَى قَدْ جَاءَتْك آيَاتِي فَكَذَّبْت بِهَا وَاسْتَكْبَرْت وَكُنْت مِنْ الْكَافِرِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُكَذِّبًا لِلْقَائِلِ : { لَوْ أَنَّ اللَّه هَدَانِي لَكُنْت مِنْ الْمُتَّقِينَ } , وَلِلْقَائِلِ : { لَوْ أَنَّ لِي كَرَّة فَأَكُون مِنْ الْمُحْسِنِينَ } : مَا الْقَوْل كَمَا تَقُولُونَ { بَلَى قَدْ جَاءَتْك } أَيّهَا الْمُتَمَنِّي عَلَى اللَّه الرَّدّ إِلَى الدُّنْيَا لِتَكُونَ فِيهَا مِنْ الْمُحْسِنِينَ { آيَاتِي } يَقُول : قَدْ جَاءَتْك حُجَجِي مِنْ بَيْن رَسُول أَرْسَلْته إِلَيْك , وَكِتَاب أَنْزَلْته يُتْلَى عَلَيْك مَا فِيهِ مِنْ الْوَعْد وَالْوَعِيد وَالتَّذْكِير { فَكَذَّبْت } بِآيَاتِي { وَاسْتَكْبَرْت } عَنْ قَبُولهَا وَاتِّبَاعهَا { وَكُنْت مِنْ الْكَافِرِينَ } يَقُول : وَكُنْت مِمَّنْ يَعْمَل عَمَل الْكَافِرِينَ , وَيَسْتَنّ بِسُنَّتِهِمْ , وَيَتَّبِع مِنْهَاجهمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23270- حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : يَقُول اللَّه رَدًّا لِقَوْلِهِمْ , وَتَكْذِيبًا لَهُمْ , يَعْنِي لِقَوْلِ الْقَائِلِينَ : { لَوْ أَنَّ اللَّه هَدَانِي } , وَالصِّنْف الْآخَر : { بَلَى قَدْ جَاءَتْك آيَاتِي } الْآيَة . وَبِفَتْحِ الْكَاف وَالتَّاء مِنْ قَوْله { قَدْ جَاءَتْك آيَاتِي فَكَذَّبْت } عَلَى وَجْه الْمُخَاطَبَة لِلذُّكُورِ , قَرَأَهُ الْقُرَّاء فِي جَمِيع أَمْصَار الْإِسْلَام . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ بِكَسْرِ جَمِيعه عَلَى وَجْه الْخِطَاب لِلنَّفْسِ , كَأَنَّهُ قَالَ : أَنْ تَقُول نَفْس : يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه , بَلَى قَدْ جَاءَتْك أَيَّتهَا النَّفْس آيَاتِي , فَكَذَّبْت بِهَا , أَجْرَى الْكَلَام كُلّه عَلَى النَّفْس , إِذْ كَانَ اِبْتِدَاء الْكَلَام بِهَا جَرَى , وَالْقِرَاءَة الَّتِي لَا أَسْتَجِيز خِلَافهَا , مَا جَاءَتْ بِهِ قُرَّاء الْأَمْصَار مُجْمِعَة عَلَيْهِ , نَقْلًا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُوَ الْفَتْح فِي جَمِيع ذَلِكَ .
وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَوْم الْقِيَامَة تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّه وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَيَوْم الْقِيَامَة تَرَى } يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ { الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّه } مِنْ قَوْمك فَزَعَمُوا أَنَّ لَهُ وَلَدًا , وَأَنَّ لَهُ شَرِيكًا , وَعَبَدُوا آلِهَة مِنْ دُونه { وُجُوههمْ مُسْوَدَّة } ; وَالْوُجُوه وَإِنْ كَانَتْ مَرْفُوعَة بِمُسْوَدَّةٍ , فَإِنَّ فِيهَا مَعْنَى نَصْب , لِأَنَّهَا مَعَ خَبَرهَا تَمَام تَرَى , وَلَوْ تَقَدَّمَ قَوْله مُسْوَدَّة قَبْل الْوُجُوه , كَانَ نَصْبًا , وَلَوْ نَصَبَ الْوُجُوه الْمُسْوَدَّة نَاصِب فِي الْكَلَام لَا فِي الْقُرْآن , إِذَا كَانَتْ الْمُسْوَدَّة مُؤَخَّرَة كَانَ جَائِزًا , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : ذَرِينِي إِنَّ أَمْرَك لَنْ يُطَاعَا وَمَا أَلْفَيْتنِي حِلْمِي مُضَاعًا فَنَصَبَ الْحِلْم وَالْمُضَاع عَلَى تَكْرِير أَلْفَيْتنِي , وَكَذَلِكَ تَفْعَل الْعَرَب فِي كُلّ مَا اِحْتَاجَ إِلَى اِسْم وَخَبَر , مِثْل ظَنَّ وَأَخَوَاتهَا ; وَفِي " مُسْوَدَّة " لِلْعَرَبِ لُغَتَانِ : مُسْوَدَّة , وَمُسْوَادَّة , وَهِيَ فِي أَهْل الْحِجَاز يَقُولُونَ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُمْ : قَدْ اِسْوَادَّ وَجْهه , وَاحْمَارَّ , وَاشْهَابَّ . وَذَكَرَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة عَنْ بَعْضهمْ أَنَّهُ قَالَ : لَا يَكُون اِفْعَالَّ إِلَّا فِي ذِي اللَّوْن الْوَاحِد نَحْو الْأَشْهَب , قَالَ : وَلَا يَكُون فِي نَحْو الْأَحْمَر , لِأَنَّ الْأَشْهَب لَوْن يَحْدُث , وَالْأَحْمَر لَا يَحْدُث .
وَقَوْله : { أَلَيْسَ فِي جَهَنَّم مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ } يَقُول : أَلَيْسَ فِي جَهَنَّم مَأْوًى وَمَسْكَن لِمَنْ تَكَبَّرَ عَلَى اللَّه , فَامْتَنَعَ مِنْ تَوْحِيده , وَالِانْتِهَاء إِلَى طَاعَته فِيمَا أَمَرَهُ وَنَهَاهُ عَنْهُ .
وَقَوْله : { أَلَيْسَ فِي جَهَنَّم مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ } يَقُول : أَلَيْسَ فِي جَهَنَّم مَأْوًى وَمَسْكَن لِمَنْ تَكَبَّرَ عَلَى اللَّه , فَامْتَنَعَ مِنْ تَوْحِيده , وَالِانْتِهَاء إِلَى طَاعَته فِيمَا أَمَرَهُ وَنَهَاهُ عَنْهُ .