لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَقَدْ سَمِعَ اللَّه قَوْل الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّه فَقِير وَنَحْنُ أَغْنِيَاء } ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة وَآيَات بَعْدهَا نَزَلَتْ فِي بَعْض الْيَهُود , الَّذِينَ كَانُوا عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر الْآثَار بِذَلِكَ : 6615 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , عَنْ عِكْرِمَة , أَنَّهُ حَدَّثَهُ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : دَخَلَ أَبُو بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بَيْت الْمِدْرَاس , فَوَجَدَ مِنْ يَهُود نَاسًا كَثِيرًا قَدْ اِجْتَمَعُوا إِلَى رَجُل مِنْهُمْ يُقَال لَهُ فِنْحَاص , كَانَ مِنْ عُلَمَائِهِمْ وَأَحْبَارهمْ , وَمَعَهُ حَبْر يُقَال لَهُ : أشيع . فَقَالَ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لِفِنْحَاصَ : وَيْحَك يَا فِنْحَاص , اِتَّقِ اللَّه وَأَسْلِمْ ! فَوَاَللَّهِ إِنَّك لَتَعْلَم أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه , قَدْ جَاءَكُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْد اللَّه , تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدكُمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل ! قَالَ فِنْحَاص : وَاَللَّه يَا أَبَا بَكْر مَا بِنَا إِلَى اللَّه مِنْ فَقْر , وَإِنَّهُ إِلَيْنَا لَفَقِير , وَمَا نَتَضَرَّع إِلَيْهِ كَمَا يَتَضَرَّع إِلَيْنَا , وَإِنَّا عَنْهُ لَأَغْنِيَاء , وَلَوْ كَانَ عَنَّا غَنِيًّا مَا اِسْتَقْرَضَ مِنَّا كَمَا يَزْعُم صَاحِبكُمْ , يَنْهَاكُمْ عَنْ الرِّبَا وَيُعْطِينَاهُ , وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا عَنَّا مَا أَعْطَانَا الرِّبَا . فَغَضِبَ أَبُو بَكْر , فَضَرَبَ وَجْه فِنْحَاص ضَرْبَة شَدِيدَة , وَقَالَ : وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ , لَوْلَا الْعَهْد الَّذِي بَيْننَا وَبَيْنك لَضَرَبْت عُنُقك يَا عَدُوّ اللَّه , فَأَكْذِبُونَا مَا اِسْتَطَعْتُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ! فَذَهَبَ فِنْحَاص إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : يَا مُحَمَّد اُنْظُرْ مَا صَنَعَ بِي صَاحِبك ! فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْر : وَمَا حَمَلَك عَلَى مَا صَنَعْت ؟ " فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه إِنَّ عَدُوّ اللَّه قَالَ قَوْلًا عَظِيمًا , زَعَمَ أَنَّ اللَّه فَقِير , وَأَنَّهُمْ عَنْهُ أَغْنِيَاء , فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ غَضِبْت لِلَّهِ مِمَّا قَالَ , فَضَرَبْت وَجْهه . فَجَحَدَ ذَلِكَ فِنْحَاص , وَقَالَ : مَا قُلْت ذَلِكَ . فَأَنْزَلَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيمَا قَالَ فِنْحَاص رَدًّا عَلَيْهِ وَتَصْدِيقًا لِأَبِي بَكْر : { لَقَدْ سَمِعَ اللَّه قَوْل الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّه فَقِير وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلهمْ الْأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقّ وَنَقُول ذُوقُوا عَذَاب الْحَرِيق } وَفِي قَوْل أَبِي بَكْر وَمَا بَلَغَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْغَضَب : { لَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْم الْأُمُور } 3 186 * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , عَنْ عِكْرِمَة مَوْلَى اِبْن عَبَّاس , قَالَ : دَخَلَ أَبُو بَكْر , فَذَكَرَ نَحْوه , غَيْر أَنَّهُ قَالَ : وَإِنَّا عَنْهُ لَأَغْنِيَاء , وَمَا هُوَ عَنَّا بِغَنِيٍّ , وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا ; ثُمَّ ذَكَرَ سَائِر الْحَدِيث نَحْوه . 6616 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { لَقَدْ سَمِعَ اللَّه قَوْل الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّه فَقِير وَنَحْنُ أَغْنِيَاء } قَالَهَا فِنْحَاص الْيَهُودِيّ مِنْ بَنِي مَرْثَد , لَقِيَهُ أَبُو بَكْر فَكَلَّمَهُ , فَقَالَ لَهُ : يَا فِنْحَاص , اِتَّقِ اللَّه وَآمِنْ وَصَدِّقْ , وَأَقْرِضْ اللَّه قَرْضًا حَسَنًا ! فَقَالَ فِنْحَاص : يَا أَبَا بَكْر , تَزْعُم أَنَّ رَبّنَا فَقِير , يَسْتَقْرِضنَا أَمْوَالنَا , وَمَا يَسْتَقْرِض إِلَّا الْفَقِير مِنْ الْغَنِيّ , إِنْ كَانَ مَا تَقُول حَقًّا , فَإِنَّ اللَّه إِذًا لَفَقِير . فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ هَذَا , فَقَالَ أَبُو بَكْر : فَلَوْلَا هُدْنَة كَانَتْ بَيْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْن بَنِي مَرْثَد لَقَتَلْته . 6617 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : صَكَّ أَبُو بَكْر رَجُلًا مِنْهُمْ الَّذِينَ قَالُوا : إِنَّ اللَّه فَقِير وَنَحْنُ أَغْنِيَاء لِمَ يَسْتَقْرِضنَا وَهُوَ غَنِيّ وَهُمْ يَهُود . 6618 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , قَالَ الَّذِينَ قَالُوا : إِنَّ اللَّه فَقِير وَنَحْنُ أَغْنِيَاء , لَمْ يَسْتَقْرِضنَا وَهُوَ غَنِيّ ؟ قَالَ شِبْل : بَلَغَنِي أَنَّهُ فِنْحَاص الْيَهُودِيّ , وَهُوَ الَّذِي قَالَ : إِنَّ اللَّه ثَالِث ثَلَاثَة , وَيَد اللَّه مَغْلُولَة . 6619 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثني يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : حُدِّثْت عَنْ عَطَاء , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِض اللَّه قَرْضًا حَسَنًا } 2 245 قَالَتْ الْيَهُود : إِنَّ رَبّكُمْ يَسْتَقْرِض مِنْكُمْ ! فَأَنْزَلَ اللَّه : { لَقَدْ سَمِعَ اللَّه قَوْل الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّه فَقِير وَنَحْنُ أَغْنِيَاء } * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَمْرو , عَنْ عَطَاء , عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِض اللَّه قَرْضًا حَسَنًا } قَالَ : عَجِبَتْ الْيَهُود فَقَالَتْ : إِنَّ اللَّه فَقِير يَسْتَقْرِض , فَنَزَلَتْ : { لَقَدْ سَمِعَ اللَّه قَوْل الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّه فَقِير وَنَحْنُ أَغْنِيَاء } 6620 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّه فَقِير وَنَحْنُ أَغْنِيَاء } ذُكِرَ لَنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي حُيَيّ بْن أَخْطَب لَمَّا أَنْزَلَ اللَّه : { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِض : اللَّه قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَة } قَالَ : يَسْتَقْرِضنَا رَبّنَا , إِنَّمَا يَسْتَقْرِض الْفَقِير الْغَنِيّ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِض اللَّه قَرْضًا حَسَنًا } 2 245 قَالَتْ الْيَهُود : إِنَّمَا يَسْتَقْرِض الْفَقِير مِنْ الْغَنِيّ , قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّه : { لَقَدْ سَمِعَ اللَّه قَوْل الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّه فَقِير وَنَحْنُ أَغْنِيَاء } 6621 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : سَمِعْت اِبْن زَيْد يَقُول فِي قَوْله : { لَقَدْ سَمِعَ اللَّه قَوْل الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّه فَقِير وَنَحْنُ أَغْنِيَاء } قَالَ : هَؤُلَاءِ الْيَهُود . فَتَأْوِيل الْآيَة إِذًا : لَقَدْ سَمِعَ اللَّه قَوْل الَّذِينَ قَالُوا مِنْ الْيَهُود : إِنَّ اللَّه فَقِير إِلَيْنَا وَنَحْنُ أَغْنِيَاء عَنْهُ , سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا مِنْ الْإِفْك وَالْفِرْيَة عَلَى رَبّهمْ وَقَتْلهمْ أَنْبِيَاءَهُمْ بِغَيْرِ حَقّ .
وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلهمْ } فَقَرَأَ ذَلِكَ قُرَّاء الْحِجَاز وَعَامَّة قُرَّاء الْعِرَاق : { سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا } بِالنُّونِ , { وَقَتْلهمْ الْأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقّ } بِنَصْبِ الْقَتْل . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : " سَيَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلهمْ الْأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقّ " بِالْيَاءِ مِنْ سَيَكْتُبُ , وَبِضَمِّهَا وَرَفْع الْقَتْل عَلَى مَذْهَب مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله , اِعْتِبَارًا بِقِرَاءَةٍ يُذْكَر أَنَّهَا مِنْ قِرَاءَة عَبْد اللَّه فِي قَوْله : " وَنَقُول ذُوقُوا " , يُذْكَر أَنَّهَا فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : " وَيُقَال " ; فَأَغْفَلَ قَارِئ ذَلِكَ وَجْه الصَّوَاب فِيمَا قَصَدَ إِلَيْهِ مِنْ تَأْوِيل الْقِرَاءَة الَّتِي تُنْسَب إِلَى عَبْد اللَّه , وَخَالَفَ الْحُجَّة مِنْ قُرَّاء الْإِسْلَام . وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي لِمَنْ قَرَأَ : " سَيَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلهمْ الْأَنْبِيَاء " عَلَى وَجْه مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله , أَنْ يَقْرَأ : وَيُقَال , لِأَنَّ قَوْله : " وَنَقُول " عَطْف عَلَى قَوْله : " سَنَكْتُبُ " . فَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة أَنْ يُوَفَّق بَيْنهمَا فِي الْمَعْنَى بِأَنْ يَقْرَآ جَمِيعًا عَلَى مَذْهَب مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله , أَوْ عَلَى مَذْهَب مَا يُسَمَّى فَاعِله , فَأَمَّا أَنْ يُقْرَأ أَحَدهمَا عَلَى مَذْهَب مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله , وَالْآخَر عَلَى وَجْه مَا قَدْ سُمِّيَ فَاعِله مِنْ غَيْر مَعْنًى أَلْجَأَهُ عَلَى ذَلِكَ , فَاخْتِيَار خَارِج عَنْ الْفَصِيح مِنْ كَلَام الْعَرَب . وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدنَا : { سَنَكْتُبُ } بِالنُّونِ { وَقَتْلهمْ } بِالنَّصْبِ لِقَوْلِهِ : " وَنَقُول " , وَلَوْ كَانَتْ الْقِرَاءَة فِي " سَيَكْتُبُ " بِالْيَاءِ وَضَمّهَا , لَقِيلَ : " وَيُقَال " , عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا . فَإِنْ قَالَ قَائِل : كَيْفَ قِيلَ : { وَقَتْلهمْ الْأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقّ } وَقَدْ ذُكِرَتْ الْآثَار الَّتِي رُوِيَتْ , أَنَّ الَّذِينَ عَنَوْا بِقَوْلِهِ : { لَقَدْ سَمِعَ اللَّه قَوْل الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّه فَقِير } بَعْض الْيَهُود الَّذِينَ كَانُوا عَلَى عَهْد نَبِيّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أُولَئِكَ أَحَد قَتَلَ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاء , لِأَنَّهُمْ لَمْ يُدْرِكُوا نَبِيًّا مِنْ أَنْبِيَاء اللَّه فَيَقْتُلُوهُ ؟ قِيلَ : إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى غَيْر الْوَجْه الَّذِي ذَهَبْت إِلَيْهِ , وَإِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الَّذِينَ عَنَى اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهَذِهِ الْآيَة كَانُوا رَاضِينَ بِمَا فَعَلَ أَوَائِلهمْ مِنْ قَتْل مَنْ قَتَلُوا مِنْ الْأَنْبِيَاء , وَكَانُوا مِنْهُمْ , وَعَلَى مِنْهَاجهمْ , مِنْ اِسْتِحْلَال ذَلِكَ وَاسْتِجَازَته . فَأَضَافَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِعْل مَا فَعَلَهُ مَنْ كَانُوا عَلَى مِنْهَاجه وَطَرِيقَته إِلَى جَمِيعهمْ , إِذْ كَانُوا أَهْل مِلَّة وَاحِدَة , وَنِحْلَة وَاحِدَة , وَبِالرِّضَا مِنْ جَمِيعهمْ فَعَلَ مَا فَعَلَ فَاعِل ذَلِكَ مِنْهُمْ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ نَظَائِره فِيمَا مَضَى قَبْل .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَنَقُول ذُوقُوا عَذَاب الْحَرِيق } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَنَقُول لِلْقَائِلِينَ بِأَنَّ اللَّه فَقِير وَنَحْنُ أَغْنِيَاء , الْقَاتِلِينَ أَنْبِيَاء اللَّه بِغَيْرِ حَقّ , يَوْم الْقِيَامَة : ذُوقُوا عَذَاب الْحَرِيق , يَعْنِي بِذَلِكَ : عَذَاب نَار مُحْرِقَة مُلْتَهِبَة , وَالنَّار اِسْم جَامِع لِلْمُلْتَهِبَةِ مِنْهَا وَغَيْر الْمُلْتَهِبَة , وَإِنَّمَا الْحَرِيق صِفَة لَهَا , يُرَاد أَنَّهَا مُحْرِقَة , كَمَا قِيلَ : " عَذَاب أَلِيم " يَعْنِي : مُؤْلِم , وَ " وَجِيع " يَعْنِي : مُوجِع
وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلهمْ } فَقَرَأَ ذَلِكَ قُرَّاء الْحِجَاز وَعَامَّة قُرَّاء الْعِرَاق : { سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا } بِالنُّونِ , { وَقَتْلهمْ الْأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقّ } بِنَصْبِ الْقَتْل . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : " سَيَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلهمْ الْأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقّ " بِالْيَاءِ مِنْ سَيَكْتُبُ , وَبِضَمِّهَا وَرَفْع الْقَتْل عَلَى مَذْهَب مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله , اِعْتِبَارًا بِقِرَاءَةٍ يُذْكَر أَنَّهَا مِنْ قِرَاءَة عَبْد اللَّه فِي قَوْله : " وَنَقُول ذُوقُوا " , يُذْكَر أَنَّهَا فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : " وَيُقَال " ; فَأَغْفَلَ قَارِئ ذَلِكَ وَجْه الصَّوَاب فِيمَا قَصَدَ إِلَيْهِ مِنْ تَأْوِيل الْقِرَاءَة الَّتِي تُنْسَب إِلَى عَبْد اللَّه , وَخَالَفَ الْحُجَّة مِنْ قُرَّاء الْإِسْلَام . وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي لِمَنْ قَرَأَ : " سَيَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلهمْ الْأَنْبِيَاء " عَلَى وَجْه مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله , أَنْ يَقْرَأ : وَيُقَال , لِأَنَّ قَوْله : " وَنَقُول " عَطْف عَلَى قَوْله : " سَنَكْتُبُ " . فَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة أَنْ يُوَفَّق بَيْنهمَا فِي الْمَعْنَى بِأَنْ يَقْرَآ جَمِيعًا عَلَى مَذْهَب مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله , أَوْ عَلَى مَذْهَب مَا يُسَمَّى فَاعِله , فَأَمَّا أَنْ يُقْرَأ أَحَدهمَا عَلَى مَذْهَب مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله , وَالْآخَر عَلَى وَجْه مَا قَدْ سُمِّيَ فَاعِله مِنْ غَيْر مَعْنًى أَلْجَأَهُ عَلَى ذَلِكَ , فَاخْتِيَار خَارِج عَنْ الْفَصِيح مِنْ كَلَام الْعَرَب . وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدنَا : { سَنَكْتُبُ } بِالنُّونِ { وَقَتْلهمْ } بِالنَّصْبِ لِقَوْلِهِ : " وَنَقُول " , وَلَوْ كَانَتْ الْقِرَاءَة فِي " سَيَكْتُبُ " بِالْيَاءِ وَضَمّهَا , لَقِيلَ : " وَيُقَال " , عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا . فَإِنْ قَالَ قَائِل : كَيْفَ قِيلَ : { وَقَتْلهمْ الْأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقّ } وَقَدْ ذُكِرَتْ الْآثَار الَّتِي رُوِيَتْ , أَنَّ الَّذِينَ عَنَوْا بِقَوْلِهِ : { لَقَدْ سَمِعَ اللَّه قَوْل الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّه فَقِير } بَعْض الْيَهُود الَّذِينَ كَانُوا عَلَى عَهْد نَبِيّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أُولَئِكَ أَحَد قَتَلَ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاء , لِأَنَّهُمْ لَمْ يُدْرِكُوا نَبِيًّا مِنْ أَنْبِيَاء اللَّه فَيَقْتُلُوهُ ؟ قِيلَ : إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى غَيْر الْوَجْه الَّذِي ذَهَبْت إِلَيْهِ , وَإِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الَّذِينَ عَنَى اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهَذِهِ الْآيَة كَانُوا رَاضِينَ بِمَا فَعَلَ أَوَائِلهمْ مِنْ قَتْل مَنْ قَتَلُوا مِنْ الْأَنْبِيَاء , وَكَانُوا مِنْهُمْ , وَعَلَى مِنْهَاجهمْ , مِنْ اِسْتِحْلَال ذَلِكَ وَاسْتِجَازَته . فَأَضَافَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِعْل مَا فَعَلَهُ مَنْ كَانُوا عَلَى مِنْهَاجه وَطَرِيقَته إِلَى جَمِيعهمْ , إِذْ كَانُوا أَهْل مِلَّة وَاحِدَة , وَنِحْلَة وَاحِدَة , وَبِالرِّضَا مِنْ جَمِيعهمْ فَعَلَ مَا فَعَلَ فَاعِل ذَلِكَ مِنْهُمْ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ نَظَائِره فِيمَا مَضَى قَبْل .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَنَقُول ذُوقُوا عَذَاب الْحَرِيق } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَنَقُول لِلْقَائِلِينَ بِأَنَّ اللَّه فَقِير وَنَحْنُ أَغْنِيَاء , الْقَاتِلِينَ أَنْبِيَاء اللَّه بِغَيْرِ حَقّ , يَوْم الْقِيَامَة : ذُوقُوا عَذَاب الْحَرِيق , يَعْنِي بِذَلِكَ : عَذَاب نَار مُحْرِقَة مُلْتَهِبَة , وَالنَّار اِسْم جَامِع لِلْمُلْتَهِبَةِ مِنْهَا وَغَيْر الْمُلْتَهِبَة , وَإِنَّمَا الْحَرِيق صِفَة لَهَا , يُرَاد أَنَّهَا مُحْرِقَة , كَمَا قِيلَ : " عَذَاب أَلِيم " يَعْنِي : مُؤْلِم , وَ " وَجِيع " يَعْنِي : مُوجِع
وَأَمَّا قَوْله : { ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } أَيْ قَوْلنَا لَهُمْ يَوْم الْقِيَامَة : ذُوقُوا عَذَاب الْحَرِيق بِمَا أَسْلَفَتْ أَيْدِيكُمْ , وَاكْتَسَبَتْهَا أَيَّام حَيَاتكُمْ فِي الدُّنْيَا , وَبِأَنَّ اللَّه عَدْل لَا يَجُور , فَيُعَاقِب عَبْدًا لَهُ بِغَيْرِ اِسْتِحْقَاق مِنْهُ الْعُقُوبَة , وَلَكِنَّهُ يُجَازِي كُلّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ , وَيُوَفِّي كُلّ عَامِل جَزَاء مَا عَمِلَ , فَجَازَى الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ يَوْم الْقِيَامَة مِنْ الْيَهُود الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتهمْ , فَأَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا : إِنَّ اللَّه فَقِير وَنَحْنُ أَغْنِيَاء , وَقَتَلُوا الْأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقّ , بِمَا جَازَاهُمْ بِهِ مِنْ عَذَاب الْحَرِيق , بِمَا اِكْتَسَبُوا مِنْ الْآثَام , وَاجْتَرَحُوا مِنْ السَّيِّئَات , وَكَذَبُوا عَلَى اللَّه بَعْد الْإِعْذَار إِلَيْهِمْ بِالْإِنْذَارِ , فَلَمْ يَكُنْ تَعَالَى ذِكْره بِمَا عَاقَبَهُمْ بِهِ مِنْ إِذَاقَتهمْ عَذَاب الْحَرِيق ظَالِمًا وَلَا وَاضِعًا عُقُوبَته فِي غَيْر أَهْلهَا , وَكَذَلِكَ هُوَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ غَيْر ظَلَّام أَحَدًا مِنْ خَلْقه , وَلَكِنَّهُ الْعَادِل بَيْنهمْ , وَالْمُتَفَضِّل عَلَى جَمِيعهمْ بِمَا أَحَبَّ مِنْ فَوَاضِله وَنِعَمه .
الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّىَ يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّه عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِن لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِينَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلهُ النَّار قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُل مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِاَلَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : لَقَدْ سَمِعَ اللَّه قَوْل الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّه عَهِدَ إِلَيْنَا أَنْ لَا نُؤْمِن لِرَسُولٍ . وَقَوْله : { الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّه } فِي مَوْضِع خَفْض رَدًّا عَلَى قَوْله : { الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّه فَقِير } وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { قَالُوا إِنَّ اللَّه عَهِدَ إِلَيْنَا أَنْ لَا نُؤْمِن لِرَسُولٍ } أَوْصَانَا وَتَقَدَّمَ إِلَيْنَا فِي كُتُبه وَعَلَى أَلْسُن أَنْبِيَائِهِ , أَنْ لَا نُؤْمِن لِرَسُولٍ . يَقُول : أَنْ لَا نُصَدِّق رَسُولًا فِيمَا يَقُول إِنَّهُ جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , مِنْ أَمْر وَنَهْي وَغَيْر ذَلِكَ { حَتَّى يَأْتِينَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلهُ النَّار } يَقُول : يَجِيئنَا بِقُرْبَانٍ , وَهُوَ مَا تَقَرَّبَ بِهِ الْعَبْد إِلَى رَبّه مِنْ صَدَقَة , وَهُوَ مَصْدَر مِثْل الْعُدْوَان وَالْخُسْرَان مِنْ قَوْلك : قَرَّبْت قُرْبَانًا . وَإِنَّمَا قَالَ : " تَأْكُلهُ النَّار " , لِأَنَّ أَكْل النَّار مَا قَرَّبَهُ أَحَدهمْ لِلَّهِ فِي ذَلِكَ الزَّمَان كَانَ دَلِيلًا عَلَى قَبُول اللَّه مِنْهُ مَا قَرَّبَ لَهُ , وَدَلَالَة عَلَى صِدْق الْمُقَرِّب فِيمَا اِدَّعَى أَنَّهُ مُحِقّ فِيمَا نَازَعَ أَوْ قَالَ , كَمَا : 6622 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { حَتَّى يَأْتِينَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلهُ النَّار } كَانَ الرَّجُل يَتَصَدَّق , فَإِذَا تُقُبِّلَ مِنْهُ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ نَار مِنْ السَّمَاء فَأَكَلَتْهُ . 6623 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { بِقُرْبَانٍ تَأْكُلهُ النَّار } كَانَ الرَّجُل إِذَا تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ , فَتُقُبِّلَتْ مِنْهُ بَعَثَ اللَّه نَارًا مِنْ السَّمَاء , فَنَزَلَتْ عَلَى الْقُرْبَانِ فَأَكَلَتْهُ . فَقَالَ اللَّه تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَنْ لَا نُؤْمِن لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِينَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلهُ النَّار قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُل مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ } يَعْنِي : بِالْحُجَجِ الدَّالَّة عَلَى صِدْق نُبُوَّتهمْ وَحَقِيقَة قَوْلهمْ ; { وَبِاَلَّذِي قُلْتُمْ } يَعْنِي : وَبِاَلَّذِي اِدَّعَيْتُمْ أَنَّهُ إِذَا جَاءَ بِهِ لَزِمَكُمْ تَصْدِيقه , وَالْإِقْرَار بِنُبُوَّتِهِ مِنْ أَكْل النَّار قُرْبَانه إِذَا قَرَّبَ لِلَّهِ دَلَالَة عَلَى صِدْقه ; { فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } يَقُول لَهُ : قُلْ لَهُمْ : قَدْ جَاءَتْكُمْ الرُّسُل الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِي بِاَلَّذِي زَعَمْتُمْ أَنَّهُ حُجَّة لَهُمْ عَلَيْكُمْ , فَقَتَلْتُمُوهُمْ , فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ وَأَنْتُمْ مُقِرُّونَ بِأَنَّ الَّذِي جَاءُوكُمْ بِهِ مِنْ ذَلِكَ كَانَ حُجَّة لَهُمْ عَلَيْكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِي أَنَّ اللَّه عَهِدَ إِلَيْكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِمَنْ أَتَاكُمْ مِنْ رُسُله بِقُرْبَانٍ تَأْكُلهُ النَّار حُجَّة لَهُ عَلَى نُبُوَّته ؟ وَإِنَّمَا أَعْلَمَ اللَّه عِبَاده بِهَذِهِ الْآيَة , أَنَّ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتهمْ مِنْ الْيَهُود الَّذِينَ كَانُوا عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لَنْ يَفِرُّوا , وَأَنْ يَكُونُوا فِي كَذِبهمْ عَلَى اللَّه , وَافْتِرَائِهِمْ عَلَى رَبّهمْ , وَتَكْذِيبهمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ يَعْلَمُونَهُ صَادِقًا مُحِقًّا , وَجُحُودهمْ نُبُوَّته , وَهُمْ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ فِي عَهْد اللَّه تَعَالَى إِلَيْهِمْ أَنَّهُ رَسُوله إِلَى خَلْقه , مَفْرُوضَة طَاعَته إِلَّا كَمَنْ مَضَى مِنْ أَسْلَافهمْ الَّذِينَ كَانُوا يَقْتُلُونَ أَنْبِيَاء اللَّه بَعْد قَطْع اللَّه عُذْرهمْ بِالْحُجَجِ الَّتِي أَيَّدَهُمْ اللَّه بِهَا , وَالْأَدِلَّة الَّتِي أَبَانَ صِدْقهمْ بِهَا , اِفْتِرَاء عَلَى اللَّه , وَاسْتِخْفَافًا بِحُقُوقِهِ .
فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَاؤُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِنْ كَذَّبُوك فَقَدْ كَذَّبَ رُسُل مِنْ قَبْلك جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُر وَالْكِتَاب الْمُنِير } وَهَذَا تَعْزِيَة مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْأَذَى الَّذِي كَانَ يَنَالهُ مِنْ الْيَهُود وَأَهْل الشِّرْك بِاَللَّهِ مِنْ سَائِر أَهْل الْمِلَل . يَقُول اللَّه تَعَالَى لَهُ : لَا يَحْزُنك يَا مُحَمَّد كَذِب هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوا : إِنَّ اللَّه فَقِير , وَقَالُوا : إِنَّ اللَّه عَهِدَ إِلَيْنَا أَنْ لَا نُؤْمِن لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِينَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلهُ النَّار , وَافْتِرَاؤُهُمْ عَلَى رَبّهمْ اِغْتِرَارًا بِإِمْهَالِ اللَّه إِيَّاهُمْ , وَلَا يَعْظُمَنَّ عَلَيْك تَكْذِيبهمْ إِيَّاكَ , وَادِّعَاؤُهُمْ الْأَبَاطِيل مِنْ عُهُود اللَّه إِلَيْهِمْ , فَإِنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ بِك فَكَذَّبُوك , كَذَبُوا عَلَى اللَّه , فَقَدْ كُذِّبَتْ أَسْلَافهمْ مِنْ رُسُل اللَّه قَبْلك مَنْ جَاءَهُمْ بِالْحُجَجِ الْقَاطِعَة الْعُذْر , وَالْأَدِلَّة الْبَاهِرَة الْعَقْل , وَالْآيَات الْمُعْجِزَة الْخَلْق , وَذَلِكَ هُوَ الْبَيِّنَات . وَأَمَّا الزُّبُر : فَإِنَّهُ جَمْع زَبُور : وَهُوَ الْكِتَاب , وَكُلّ كِتَاب فَهُوَ زَبُور , وَمِنْهُ قَوْل اِمْرِئِ الْقَيْس : لِمَنْ طَلَل أَبْصَرْته فَشَجَانِي كَخَطِّ زَبُور فِي عَسِيب يَمَانِي وَيَعْنِي بِالْكِتَابِ : التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل , وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُود كَذَّبَتْ عِيسَى وَمَا جَاءَ بِهِ وَحَرَّفَتْ مَا جَاءَ بِهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام مِنْ صِفَة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَبَدَّلَتْ عَهْده إِلَيْهِمْ فِيهِ , وَأَنَّ النَّصَارَى جَحَدَتْ مَا فِي الْإِنْجِيل مِنْ نَعْته وَغَيَّرَتْ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ فِي أَمْره . وَأَمَّا قَوْله : { الْمُنِير } فَإِنَّهُ يَعْنِي : الَّذِي يُنِير فَيُبَيِّن الْحَقّ لِمَنْ اِلْتَبَسَ عَلَيْهِ وَيُوَضِّحهُ , وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ النُّور وَالْإِضَاءَة , يُقَال : قَدْ أَنَارَ لَك هَذَا الْأَمْر , بِمَعْنَى : أَضَاءَ لَك وَتَبَيَّنَ , فَهُوَ يُنِير إِنَارَة , وَالشَّيْء الْمُنِير . وَقَدْ : 6624 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { فَإِنْ كَذَّبُوك فَقَدْ كُذِّبَ رُسُل مِنْ قَبْلك } قَالَ : يُعَزِّي نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 6625 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج . قَوْله : { فَإِنْ كَذَّبُوك فَقَدْ كُذِّبَ رُسُل مِنْ قَبْلك } قَالَ : يُعَزِّي نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَهَذَا الْحَرْف فِي مَصَاحِف أَهْل الْحِجَاز وَالْعِرَاق : " وَالزُّبُر " بِغَيْرِ بَاء , وَهُوَ فِي مَصَاحِف أَهْل الشَّام : " وَبِالزُّبُرِ " بِالْبَاءِ مِثْل الَّذِي فِي سُورَة فَاطِر . 35 25
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كُلّ نَفْس ذَائِقَة الْمَوْت وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُوركُمْ يَوْم الْقِيَامَة فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّار وَأُدْخِلَ الْجَنَّة فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاع الْغُرُور } يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره : أَنَّ مَصِير هَؤُلَاءِ الْمُفْتَرِينَ عَلَى اللَّه مِنْ الْيَهُود الْمُكَذِّبِينَ بِرَسُولِهِ , الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتهمْ , وَأَخْبَرَ عَنْ جَرَاءَتهمْ عَلَى رَبّهمْ , وَمَصِير غَيْرهمْ مِنْ جَمِيع خَلْقه تَعَالَى ذِكْره , وَمَرْجِع جَمِيعهمْ إِلَيْهِ , لِأَنَّهُ قَدْ حَتَّمَ الْمَوْت عَلَى جَمِيعهمْ , فَقَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا يَحْزُنك تَكْذِيب مَنْ كَذَّبَك يَا مُحَمَّد مِنْ هَؤُلَاءِ الْيَهُود وَغَيْرهمْ , وَافْتِرَاء مَنْ اِفْتَرَى عَلَيَّ , فَقَدْ كُذِّبَ قَبْلك رُسُل جَاءُوا مِنْ الْآيَات وَالْحُجَج مَنْ أُرْسِلُوا إِلَيْهِ بِمِثْلِ الَّذِي جِئْت مَنْ أُرْسِلَتْ إِلَيْهِ , فَلَك فِيهِمْ أُسْوَة تَتَعَزَّى بِهِمْ , وَمَصِير مَنْ كَذَّبَك , وَافْتَرَى عَلَيَّ وَغَيْرهمْ , وَمَرْجِعهمْ إِلَيَّ , فَأُوَفِّي كُلّ نَفْس مِنْهُمْ جَزَاء عَمَله يَوْم الْقِيَامَة , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُوركُمْ يَوْم الْقِيَامَة } يَعْنِي أُجُور أَعْمَالكُمْ إِنْ خَيْرًا فَخَيْر , وَإِنْ شَرًّا فَشَرّ . { فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّار } , يَقُول : فَمَنْ نُحِّيَ عَنْ النَّار وَأُبْعِدَ مِنْهَا , { فَقَدْ فَازَ } يَقُول : فَقَدْ نَجَا وَظَفِرَ بِحَاجَتِهِ , يُقَال مِنْهُ : فَازَ فُلَان بِطِلْبَتِهِ يَفُوز فَوْزًا وَمَفَازًا وَمَفَازَة : إِذَا ظَفِرَ بِهَا . وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ : فَمَنْ نُحِّيَ عَنْ النَّار فَأُبْعِدَ مِنْهَا , وَأُدْخِلَ الْجَنَّة , فَقَدْ نَجَا وَظَفِرَ بِعَظِيمِ الْكَرَامَة . { وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاع الْغُرُور } يَقُول : وَمَا لَذَّات الدُّنْيَا وَشَهَوَاتهَا , وَمَا فِيهَا مِنْ زِينَتهَا وَزَخَارِفهَا , إِلَّا مَتَاع الْغُرُور , يَقُول : إِلَّا مُتْعَة يُمَتِّعُكُمُوهَا الْغُرُور وَالْخِدَاع الْمُضْمَحِلّ , الَّذِي لَا حَقِيقَة لَهُ عِنْد الِامْتِحَان , وَلَا صِحَّة لَهُ عِنْد الِاخْتِبَار , فَأَنْتُمْ تَلْتَذُّونَ بِمَا مَتَّعَكُمْ الْغُرُور مِنْ دُنْيَاكُمْ , ثُمَّ هُوَ عَائِد عَلَيْكُمْ بِالْفَجَائِع وَالْمَصَائِب وَالْمَكَارِه , يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَا تَرْكَنُوا إِلَى الدُّنْيَا فَتَسْكُنُوا إِلَيْهَا , فَإِنَّمَا أَنْتُمْ مِنْهَا فِي غُرُور تُمَتَّعُونَ , ثُمَّ أَنْتُمْ عَنْهَا بَعْد قَلِيل رَاحِلُونَ . وَقَدْ رُوِيَ فِي تَأْوِيل ذَلِكَ مَا : 6626 - حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ بُكَيْر بْن الْأَخْنَس , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن سَابِط فِي قَوْله : { وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاع الْغُرُور } قَالَ : كَزَادِ الرَّاعِي , تُزَوِّدهُ الْكَفّ مِنْ التَّمْر , أَوْ الشَّيْء مِنْ الدَّقِيق , أَوْ الشَّيْء يَشْرَب عَلَيْهِ اللَّبَن . فَكَأَنَّ اِبْن سَابِط ذَهَبَ فِي تَأْوِيله هَذَا إِلَى أَنَّ مَعْنَى الْآيَة : وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاع قَلِيل , لَا يُبَلِّغ مَنْ تَمَتَّعَهُ وَلَا يَكْفِيه لِسَفَرِهِ . وَهَذَا التَّأْوِيل وَإِنْ كَانَ وَجْهًا مِنْ وُجُوه التَّأْوِيل , فَإِنَّ الصَّحِيح مِنْ الْقَوْل فِيهِ هُوَ مَا قُلْنَا , لِأَنَّ الْغُرُور إِنَّمَا هُوَ الْخِدَاع فِي كَلَام الْعَرَب , وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا وَجْه لِصَرْفِهِ إِلَى مَعْنَى الْقِلَّة , لِأَنَّ الشَّيْء قَدْ يَكُون قَلِيلًا وَصَاحِبه مِنْهُ فِي غَيْر خِدَاع وَلَا غُرُور ; وَأَمَّا الَّذِي هُوَ فِي غُرُور فَلَا الْقَلِيل يَصِحّ لَهُ وَلَا الْكَثِير مِمَّا هُوَ مِنْهُ فِي غُرُور . وَالْغُرُور مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : غَرَّنِي فُلَان , فَهُوَ يَغُرّنِي غُرُورًا بِضَمِّ الْغَيْن ; وَأَمَّا إِذَا فُتِحَتْ الْغَيْن مِنْ الْغُرُور فَهُوَ صِفَة لِلشَّيْطَانِ الْغَرُور الَّذِي يَغُرّ اِبْن آدَم حَتَّى يُدْخِلهُ مِنْ مَعْصِيَة اللَّه فِيمَا يَسْتَوْجِب بِهِ عُقُوبَته . وَقَدْ : 6627 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَبْدَة وَعَبْد الرَّحِيم , قَالَا : ثنا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو سَلَمَة , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَوْضِع سَوْط فِي الْجَنَّة خَيْر مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا , وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ { وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاع الْغُرُور } "
لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالكُمْ وَأَنْفُسكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْم الْأُمُور } يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره : { لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالكُمْ } لَتُخْتَبَرُنَّ بِالْمَصَائِبِ فِي أَمْوَالكُمْ وَأَنْفُسكُمْ , يَعْنِي : وَبِهَلَاكِ الْأَقْرِبَاء وَالْعَشَائِر مِنْ أَهْل نُصْرَتكُمْ وَمِلَّتكُمْ , { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } يَعْنِي : مِنْ الْيَهُود وَقَوْلهمْ { إِنَّ اللَّه فَقِير وَنَحْنُ أَغْنِيَاء } وَقَوْلهمْ { يَد اللَّه مَغْلُولَة } وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ اِفْتِرَائِهِمْ عَلَى اللَّه . { وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا } يَعْنِي النَّصَارَى , { أَذًى كَثِيرًا } وَالْأَذَى مِنْ الْيَهُود مَا ذَكَرْنَا , وَمِنْ النَّصَارَى قَوْلهمْ : الْمَسِيح اِبْن اللَّه , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ كُفْرهمْ بِاَللَّهِ . { وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا } يَقُول : وَإِنْ تَصْبِرُوا لِأَمْرِ اللَّه الَّذِي أَمَرَكُمْ بِهِ فِيهِمْ وَفِي غَيْرهمْ مِنْ طَاعَته وَتَتَّقُوا , يَقُول : وَتَتَّقُوا اللَّه فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ , فَتَعْمَلُوا فِي ذَلِكَ بِطَاعَتِهِ . { فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْم الْأُمُور } يَقُول : فَإِنَّ ذَلِكَ الصَّبْر وَالتَّقْوَى مِمَّا عَزَمَ اللَّه عَلَيْهِ وَأَمَرَكُمْ بِهِ . وَقِيلَ إِنَّ ذَلِكَ كُلّه نَزَلَ فِي فِنْحَاص الْيَهُودِيّ سَيِّد بَنِي قَيْنُقَاع . كَاَلَّذِي : 6628 - حَدَّثَنَا بِهِ الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ عِكْرِمَة فِي قَوْله : { لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالكُمْ وَأَنْفُسكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا } قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَفِي أَبِي بَكْر رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِ , وَفِي فِنْحَاص الْيَهُودِيّ سَيِّد بَنِي قَيْنُقَاع , قَالَ : بَعَثَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْر الصِّدِّيق رَحِمَهُ اللَّه إِلَى فِنْحَاص يَسْتَمِدّهُ , وَكَتَبَ إِلَيْهِ بِكِتَابٍ , وَقَالَ لِأَبِي بَكْر : " لَا تَفْتَاتَنَّ عَلَيَّ بِشَيْءٍ حَتَّى تَرْجِع " فَجَاءَ أَبُو بَكْر وَهُوَ مُتَوَشِّح بِالسَّيْفِ , فَأَعْطَاهُ الْكِتَاب , فَلَمَّا قَرَأَهُ قَالَ : قَدْ اِحْتَاجَ رَبّكُمْ أَنْ نُمِدّهُ ! فَهَمَّ أَبُو بَكْر أَنْ يَضْرِبهُ بِالسَّيْفِ , ثُمَّ ذَكَرَ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَفْتَاتَنَّ عَلَيَّ بِشَيْءٍ حَتَّى تَرْجِع " فَكَفَّ ; وَنَزَلَتْ : { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرّ لَهُمْ } وَمَا بَيْن الْآيَتَيْنِ إِلَى قَوْله : { لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالكُمْ وَأَنْفُسكُمْ } نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَات فِي بَنِي قَيْنُقَاع , إِلَى قَوْله : { فَإِنْ كَذَّبُوك فَقَدْ كُذِّبَ رُسُل مِنْ قَبْلك } . قَالَ اِبْن جُرَيْج : يُعَزِّي نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : { لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالكُمْ وَأَنْفُسكُمْ } قَالَ : أَعْلَمَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ سَيَبْتَلِيهِمْ فَيَنْظُر كَيْفَ صَبْرهمْ عَلَى دِينهمْ , ثُمَّ قَالَ : { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ } يَعْنِي : الْيَهُود وَالنَّصَارَى , { وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا } فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَسْمَعُونَ مِنْ الْيَهُود قَوْلهمْ : عُزَيْر اِبْن اللَّه , وَمِنْ النَّصَارَى : الْمَسِيح اِبْن اللَّه , فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَنْصِبُونَ لَهُمْ الْحَرْب , وَيَسْمَعُونَ إِشْرَاكهمْ , فَقَالَ اللَّه : { وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْم الْأُمُور } يَقُول : مِنْ الْقُوَّة مِمَّا عَزَمَ اللَّه عَلَيْهِ وَأَمَرَكُمْ بِهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ فِي كَعْب بْن الْأَشْرَف , وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَهْجُو رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَتَشَبَّب بِنِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6629 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ فِي قَوْله : { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِنْ قَبْلكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا } قَالَ : هُوَ كَعْب بْن الْأَشْرَف , وَكَانَ يُحَرِّض الْمُشْرِكِينَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه فِي شِعْره , وَيَهْجُو النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ خَمْسَة نَفَر مِنْ الْأَنْصَار فِيهِمْ مُحَمَّد بْن مَسْلَمَة , وَرَجُل يُقَال لَهُ أَبُو عَبْس . فَأَتَوْهُ وَهُوَ فِي مَجْلِس قَوْمه بِالْعَوَالِي ; فَلَمَّا رَآهُمْ ذُعِرَ مِنْهُمْ , فَأَنْكَرَ شَأْنهمْ , وَقَالُوا : جِئْنَاك لِحَاجَةٍ , قَالَ : فَلْيَدْنُ إِلَيَّ بَعْضكُمْ , فَلِيُحَدِّثنِي بِحَاجَتِهِ ! فَجَاءَهُ رَجُل مِنْهُمْ فَقَالَ : جِئْنَاك لِنَبِيعَك أَدْرَاعًا عِنْدنَا لِنَسْتَنْفِقَ بِهَا , فَقَالَ : وَاَللَّه لَئِنْ فَعَلْتُمْ لَقَدْ جَهَدْتُمْ مُنْذُ نَزَلَ بِكُمْ هَذَا الرَّجُل ! فَوَاعَدُوهُ أَنْ يَأْتُوهُ عِشَاء حِين هَدَأَ عَنْهُمْ النَّاس . فَأَتَوْهُ , فَنَادَوْهُ , فَقَالَتْ اِمْرَأَته : مَا طَرَقَك هَؤُلَاءِ سَاعَتهمْ هَذِهِ لِشَيْءٍ مِمَّا تُحِبّ ! قَالَ : إِنَّهُمْ حَدَّثُونِي بِحَدِيثِهِمْ وَشَأْنهمْ . قَالَ مَعْمَر : فَأَخْبَرَنِي أَيُّوب عَنْ عِكْرِمَة أَنَّهُ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ فَكَلَّمَهُمْ , فَقَالَ : أَتَرْهَنُونَنِي أَبْنَاءَكُمْ ؟ وَأَرَادُوا أَنْ يَبِيعهُمْ تَمْرًا , قَالَ : فَقَالُوا إِنَّا نَسْتَحْيِي أَنْ تُعَيَّر أَبْنَاؤُنَا فَيُقَال هَذَا رَهِينَة وَسْق , وَهَذَا رَهِينَة وَسْقَيْنِ ! فَقَالَ : أَتَرْهَنُونَنِي نِسَائِكُمْ ؟ قَالُوا : أَنْتَ أَجْمَل النَّاس , وَلَا نَأْمَنك , وَأَيّ اِمْرَأَة تَمْتَنِع مِنْك لِجَمَالِك ؟ وَلَكِنَّا نَرْهَنك سِلَاحنَا , فَقَدْ عَلِمْت حَاجَتنَا إِلَى السِّلَاح الْيَوْم . فَقَالَ : اِئْتُونِي بِسِلَاحِكُمْ , وَاحْتَمِلُوا مَا شِئْتُمْ ! قَالُوا : فَانْزِلْ إِلَيْنَا نَأْخُذ عَلَيْك , وَتَأْخُذ عَلَيْنَا . فَذَهَبَ يَنْزِل , فَتَعَلَّقَتْ بِهِ اِمْرَأَته وَقَالَتْ : أَرْسِلْ إِلَى أَمْثَالهمْ مِنْ قَوْمك يَكُونُوا مَعَك . قَالَ : لَوْ وَجَدَنِي هَؤُلَاءِ نَائِمًا مَا أَيْقَظُونِي . قَالَتْ : فَكَلَّمَهُمْ مِنْ فَوْق الْبَيْت , فَأَبَى عَلَيْهَا , فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ يَفُوح رِيحه , قَالُوا : مَا هَذِهِ الرِّيح يَا فُلَان ؟ قَالَ : هَذَا عِطْر أُمّ فُلَان ! اِمْرَأَته . فَدَنَا إِلَيْهِ بَعْضهمْ يَشَمّ رَائِحَته , ثُمَّ اِعْتَنَقَهُ , ثُمَّ قَالَ : اُقْتُلُوا عَدُوّ اللَّه ! فَطَعَنَهُ أَبُو عَبْس فِي خَاصِرَته , وَعَلَاهُ مُحَمَّد بْن مَسْلَمَة بِالسَّيْفِ , فَقَتَلُوهُ , ثُمَّ رَجَعُوا . فَأَصْبَحَتْ الْيَهُود مَذْعُورِينَ , فَجَاءُوا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالُوا : قُتِلَ سَيِّدنَا غِيلَة ! فَذَكَّرَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَنِيعه , وَمَا كَانَ يَحُضّ عَلَيْهِمْ , وَيُحَرِّض فِي قِتَالهمْ , وَيُؤْذِيهِمْ , ثُمَّ دَعَاهُمْ إِلَى أَنْ يَكْتُب بَيْنه وَبَيْنهمْ صُلْحًا , فَقَالَ : فَكَانَ ذَلِكَ الْكِتَاب مَعَ عَلِيّ رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِ .
وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ } يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره : وَاذْكُرْ أَيْضًا مِنْ هَؤُلَاءِ الْيَهُود وَغَيْرهمْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب مِنْهُمْ يَا مُحَمَّد إِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاقهمْ , لَيُبَيِّنُنَّ لِلنَّاسِ أَمْرك الَّذِي أَخَذَ مِيثَاقهمْ عَلَى بَيَانه لِلنَّاسِ فِي كِتَابهمْ الَّذِي فِي أَيْدِيهمْ , وَهُوَ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل , وَأَنَّك لِلَّهِ رَسُول مُرْسَل بِالْحَقِّ , وَلَا يَكْتُمُونَهُ , وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيمَنْ عُنِيَ بِهَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِهَا الْيَهُود خَاصَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6630 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , عَنْ عِكْرِمَة أَنَّهُ حَدَّثَهُ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ } إِلَى قَوْله : { عَذَاب أَلِيم } يَعْنِي : فِنْحَاص وأشيع وَأَشْبَاههمَا مِنْ الْأَحْبَار . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , عَنْ عِكْرِمَة مَوْلَى اِبْن عَبَّاس , مِثْله . 6631 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا يَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورهمْ } كَانَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَّبِعُوا النَّبِيّ الْأُمِّيّ الَّذِي يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَكَلِمَاته , وَقَالَ : { اِتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } 7 158 فَلَمَّا بَعَثَ اللَّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } 2 40 عَاهَدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ , فَقَالَ حِين بَعَثَ مُحَمَّدًا : صَدِّقُوهُ , وَتَلْقَوْنَ الَّذِي أَحْبَبْتُمْ عِنْدِي . 6632 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ } . . الْآيَة , قَالَ : إِنَّ اللَّه أَخَذَ مِيثَاق الْيَهُود لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَا يَكْتُمُونَهُ , فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورهمْ , وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا . 6633 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ أَبِي الْجَحَّاف , عَنْ مُسْلِم الْبَطِين , قَالَ : سَأَلَ الْحَجَّاج بْن يُوسُف جُلَسَاءَهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَة : { وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب } فَقَامَ رَجُل إِلَى سَعِيد بْن جُبَيْر فَسَأَلَهُ , فَقَالَ : وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق أَهْل الْكِتَاب يَهُود , " لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ " مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَكْتُمُونَهُ , فَنَبَذُوهُ . 6634 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : " وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا يَكْتُمُونَهُ " قَالَ : وَكَانَ فِيهِ إِنَّ الْإِسْلَام دِين اللَّه الَّذِي اِفْتَرَضَهُ عَلَى عِبَاده , وَإِنَّ مُحَمَّدًا يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل . وَقَالَ آخَرُونَ : عُنِيَ بِذَلِكَ كُلّ مَنْ أُوتِيَ عِلْمًا بِأَمْرِ الدِّين . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6635 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : " وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا يَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورهمْ " . .. الْآيَة , هَذَا مِيثَاق أَخَذَ اللَّه عَلَى أَهْل الْعِلْم , فَمَنْ عَلِمَ شَيْئًا فَلْيُعَلِّمْهُ وَإِيَّاكُمْ , وَكِتْمَان الْعِلْم , فَإِنَّ كِتْمَان الْعِلْم هَلَكَة , وَلَا يَتَكَلَّفَنَّ رَجُل مَا لَا عِلْم لَهُ بِهِ , فَيَخْرُج مِنْ دِين اللَّه , فَيَكُون مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ , كَانَ يُقَال : مَثَل عِلْم لَا يُقَال بِهِ كَمَثَلِ كَنْز لَا يُنْفَق مِنْهُ , وَمَثَل حِكْمَة لَا تَخْرُج كَمَثَلِ صَنَم قَائِم لَا يَأْكُل وَلَا يَشْرَب . وَكَانَ يُقَال : طُوبِي لِعَالِمٍ نَاطِق , وَطُوبِي لِمُسْتَمِعٍ وَاعٍ . هَذَا رَجُل عَلِمَ عِلْمًا فَعَلَّمَهُ وَبَذَلَهُ وَدَعَا إِلَيْهِ , وَرَجُل سَمِعَ خَيْرًا فَحَفِظَهُ وَوَعَاهُ , وَانْتَفَعَ بِهِ . 6636 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن إِبْرَاهِيم الْمَسْعُودِيّ , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدّه , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , قَالَ : جَاءَ رَجُل إِلَى قَوْم فِي الْمَسْجِد وَفِيهِ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود فَقَالَ : إِنَّ أَخَاكُمْ كَعْبًا يُقْرِئكُمْ السَّلَام , وَيُبَشِّركُمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة لَيْسَتْ فِيكُمْ : " وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا يَكْتُمُونَهُ " فَقَالَ لَهُ عَبْد اللَّه : وَأَنْتَ فَأَقْرِئْهُ السَّلَام , وَأَخْبِرْهُ أَنَّهَا نَزَلَتْ وَهُوَ يَهُودِيّ . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة بِنَحْوِهِ , عَنْ عَبْد اللَّه وَكَعْب . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق النَّبِيِّينَ عَلَى قَوْمهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6637 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ سُفْيَان , قَالَ : ثني يَحْيَى بْن أَبِي ثَابِت , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : قُلْت لِابْنِ عَبَّاس : إِنَّ أَصْحَاب عَبْد اللَّه يَقْرَءُونَ : " وَإِذْ أَخَذَ رَبّك مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب مِيثَاقهمْ " قَالَ : مِنْ النَّبِيِّينَ عَلَى قَوْمهمْ . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا قَبِيصَة , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ حَبِيب , عَنْ سَعِيد , قَالَ : قُلْت لِابْنِ عَبَّاس : إِنَّ أَصْحَاب عَبْد اللَّه يَقْرَءُونَ { وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب } " وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق النَّبِيِّينَ " قَالَ : فَقَالَ : أَخَذَ اللَّه مِيثَاق النَّبِيِّينَ عَلَى قَوْمهمْ . وَأَمَّا قَوْله : " لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ " . فَإِنَّهُ كَمَا : 6638 - حَدَّثَنَا عَبْد الْوَارِث بْن عَبْد الصَّمَد بْن عَبْد الْوَارِث , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ذَكْوَان , قَالَ : ثنا أَبُو نَعَامَة السَّعْدِيّ , قَالَ : كَانَ الْحَسَن يُفَسِّر قَوْله : " وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا يَكْتُمُونَهُ " لَيَتَكَلَّمُنَّ بِالْحَقِّ وَلَيُصَدِّقُنَّهُ بِالْعَمَلِ . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ بَعْضهمْ : { لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ } بِالتَّاءِ , وَهِيَ قِرَاءَة عُظْم قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْكُوفَة عَلَى وَجْه الْمُخَاطَب , بِمَعْنَى : قَالَ لَهُمْ : لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ : " لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا يَكْتُمُونَهُ " بِالْيَاءِ جَمِيعًا عَلَى وَجْه الْخَبَر عَنْ الْغَائِب , لِأَنَّهُمْ فِي وَقْت إِخْبَار اللَّه نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ عَنْهُمْ كَانُوا غَيْر مَوْجُودِينَ , فَصَارَ الْخَبَر عَنْهُمْ كَالْخَبَرِ عَنْ الْغَائِب . وَالْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا : أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ صَحِيحَة وُجُوههمَا , مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قِرَاءَة الْإِسْلَام , غَيْر مُخْتَلِفَتَيْ الْمَعَانِي , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَقَدْ أَصَابَ الْحَقّ وَالصَّوَاب فِي ذَلِكَ . غَيْر أَنَّ الْأَمْر فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ , فَإِنَّ أَحَبّ الْقِرَاءَتَيْنِ إِلَيَّ أَنْ أَقْرَأ بِهَا : " لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا يَكْتُمُونَهُ " بِالْيَاءِ جَمِيعًا اِسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ : { فَنَبَذُوهُ } أَنَّهُ إِذَا كَانَ قَدْ خَرَجَ مَخْرَج الْخَبَر عَنْ الْغَائِب عَلَى سَبِيل قَوْله : { فَنَبَذُوهُ } حَتَّى يَكُون مُتَّسِقًا كُلّه عَلَى مَعْنًى وَاحِد وَمِثَال وَاحِد , وَلَوْ كَانَ الْأَوَّل بِمَعْنَى الْخِطَاب لَكَانَ أَنْ يُقَال : فَنَبَذْتُمُوهُ وَرَاء ظُهُوركُمْ , أَوْلَى مِنْ أَنْ يُقَال : فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورهمْ .
يَقُول : فَتَرَكُوا أَمْر اللَّه وَضَيَّعُوهُ , وَنَقَضُوا مِيثَاقه الَّذِي أَخَذَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ , فَكَتَمُوا أَمْرك , وَكَذَّبُوا بِك وَأَمَّا قَوْله : { فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورهمْ } فَإِنَّهُ مَثَل لِتَضْيِيعِهِمْ الْقِيَام بِالْمِيثَاقِ , وَتَرْكهمْ الْعَمَل بِهِ . وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْله قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا , فَكَرِهْنَا إِعَادَته . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6639 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْن أَيُّوب الْبَجَلِيّ , عَنْ الشَّعْبِيّ فِي قَوْله : { فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورهمْ } قَالَ : إِنَّهُمْ قَدْ كَانُوا يَقْرَءُونَهُ إِنَّمَا نَبَذُوا الْعَمَل بِهِ . 6640 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورهمْ } قَالَ : نَبَذُوا الْمِيثَاق . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن عُمَر , قَالَ : ثنا مَالِك بْن مِغْوَل , قَالَ : نُبِّئْت عَنْ الشَّعْبِيّ فِي هَذِهِ الْآيَة : { فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورهمْ } قَالَ : قَذَفُوهُ بَيْن أَيْدِيهمْ , وَتَرَكُوا الْعَمَل بِهِ .
يَقُول : وَابْتَاعُوا بِكِتْمَانِهِمْ مَا أُخِذَ عَلَيْهِمْ الْمِيثَاق أَنْ لَا يَكْتُمُوهُ مِنْ أَمْر نُبُوَّتك , عِوَضًا مِنْهُ , خَسِيسًا قَلِيلًا مِنْ عَرَض الدُّنْيَا . وَأَمَّا قَوْله : { وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا } فَإِنَّ مَعْنَاهُ مَا قُلْنَا مِنْ أَخْذهمْ مَا أَخَذُوا عَلَى كِتْمَانهمْ الْحَقّ وَتَحْرِيفهمْ الْكِتَاب . كَمَا : 6641 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا } أَخَذُوا طَمَعًا , وَكَتَمُوا اِسْم مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
ثُمَّ ذَمَّ جَلَّ ثَنَاؤُهُ شِرَاءَهُمْ مَا اِشْتَرَوْا بِهِ مِنْ ذَلِكَ , فَقَالَ : { فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } وَقَوْله : { فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } يَقُول : فَبِئْسَ الشِّرَاء يَشْتَرُونَ فِي تَضْيِيعهمْ الْمِيثَاق وَتَبْدِيلهمْ الْكِتَاب . كَمَا : 6642 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } قَالَ : تَبْدِيل الْيَهُود التَّوْرَاة .
يَقُول : فَتَرَكُوا أَمْر اللَّه وَضَيَّعُوهُ , وَنَقَضُوا مِيثَاقه الَّذِي أَخَذَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ , فَكَتَمُوا أَمْرك , وَكَذَّبُوا بِك وَأَمَّا قَوْله : { فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورهمْ } فَإِنَّهُ مَثَل لِتَضْيِيعِهِمْ الْقِيَام بِالْمِيثَاقِ , وَتَرْكهمْ الْعَمَل بِهِ . وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْله قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا , فَكَرِهْنَا إِعَادَته . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6639 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْن أَيُّوب الْبَجَلِيّ , عَنْ الشَّعْبِيّ فِي قَوْله : { فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورهمْ } قَالَ : إِنَّهُمْ قَدْ كَانُوا يَقْرَءُونَهُ إِنَّمَا نَبَذُوا الْعَمَل بِهِ . 6640 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورهمْ } قَالَ : نَبَذُوا الْمِيثَاق . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سِنَان , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن عُمَر , قَالَ : ثنا مَالِك بْن مِغْوَل , قَالَ : نُبِّئْت عَنْ الشَّعْبِيّ فِي هَذِهِ الْآيَة : { فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورهمْ } قَالَ : قَذَفُوهُ بَيْن أَيْدِيهمْ , وَتَرَكُوا الْعَمَل بِهِ .
يَقُول : وَابْتَاعُوا بِكِتْمَانِهِمْ مَا أُخِذَ عَلَيْهِمْ الْمِيثَاق أَنْ لَا يَكْتُمُوهُ مِنْ أَمْر نُبُوَّتك , عِوَضًا مِنْهُ , خَسِيسًا قَلِيلًا مِنْ عَرَض الدُّنْيَا . وَأَمَّا قَوْله : { وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا } فَإِنَّ مَعْنَاهُ مَا قُلْنَا مِنْ أَخْذهمْ مَا أَخَذُوا عَلَى كِتْمَانهمْ الْحَقّ وَتَحْرِيفهمْ الْكِتَاب . كَمَا : 6641 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا } أَخَذُوا طَمَعًا , وَكَتَمُوا اِسْم مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
ثُمَّ ذَمَّ جَلَّ ثَنَاؤُهُ شِرَاءَهُمْ مَا اِشْتَرَوْا بِهِ مِنْ ذَلِكَ , فَقَالَ : { فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } وَقَوْله : { فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } يَقُول : فَبِئْسَ الشِّرَاء يَشْتَرُونَ فِي تَضْيِيعهمْ الْمِيثَاق وَتَبْدِيلهمْ الْكِتَاب . كَمَا : 6642 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } قَالَ : تَبْدِيل الْيَهُود التَّوْرَاة .
لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنْ الْعَذَاب وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِذَلِكَ قَوْم مِنْ أَهْل النِّفَاق كَانُوا يَقْعُدُونَ خِلَاف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا غَزَا الْعَدُوّ , فَإِذَا اِنْصَرَفَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِعْتَذَرُوا إِلَيْهِ , وَأَحَبُّوا أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6643 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَهْل بْن عَسْكَر وَابْن عَبْد الرَّحِيم الْبَرْقِيّ , قَالَا : ثنا اِبْن أَبِي مَرْيَم , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر بْن أَبِي كَثِير , قَالَ : ثني زَيْد بْن أَسْلَم , عَنْ عَطَاء بْن يَسَار , عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ : أَنَّ رِجَالًا مِنْ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , إِذَا خَرَجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْغَزْو تَخَلَّفُوا عَنْهُ وَفَرِحُوا بِمَقْعَدِهِمْ خِلَاف رَسُول اللَّه , وَإِذَا قَدِمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ السَّفَر اِعْتَذَرُوا إِلَيْهِ وَأَحَبُّوا أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى فِيهِمْ : { لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا } . .. الْآيَة . 6644 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا } قَالَ : هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ يَقُولُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْ قَدْ خَرَجْت لَخَرَجْنَا مَعَك , فَإِذَا خَرَجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَخَلَّفُوا وَكَذَبُوا , وَيَفْرَحُونَ بِذَلِكَ , وَيَرَوْنَ أَنَّهَا حِيلَة اِحْتَالُوا بِهَا . وَقَالَ آخَرُونَ : عُنِيَ بِذَلِكَ قَوْم مِنْ أَحْبَار الْيَهُود كَانُوا يَفْرَحُونَ بِإِضْلَالِهِمْ النَّاس , وَنِسْبَة النَّاس إِيَّاهُمْ إِلَى الْعِلْم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6645 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , عَنْ عِكْرِمَة مَوْلَى اِبْن عَبَّاس أَوْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب } إِلَى قَوْله { وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم } يَعْنِي : فِنْحَاصًا وأشيع وَأَشْبَاههمَا مِنْ الْأَحْبَار الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا يُصِيبُونَ مِنْ الدُّنْيَا عَلَى مَا زَيَّنُوا لِلنَّاسِ مِنْ الضَّلَالَة { وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا } أَنْ يَقُول لَهُمْ النَّاس عُلَمَاء وَلَيْسُوا بِأَهْلِ عِلْم , لَمْ يَحْمِلُوهُمْ عَلَى هُدًى وَلَا خَيْر , وَيُحِبُّونَ أَنْ يَقُول لَهُمْ النَّاس : قَدْ فَعَلُوا . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , عَنْ عِكْرِمَة , أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ اِبْن عَبَّاس بِنَحْوِ ذَلِكَ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : وَلَيْسُوا بِأَهْلِ عِلْم , لَمْ يَحْمِلُوهُمْ عَلَى هُدًى . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ قَوْم مِنْ الْيَهُود فَرِحُوا بِاجْتِمَاع كَلِمَتهمْ عَلَى تَكْذِيب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِأَنْ يُقَال لَهُمْ أَهْل صَلَاة وَصِيَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6646 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم , يَقُول فِي قَوْله : { لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا } فَإِنَّهُمْ فَرِحُوا بِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى كُفْرهمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَالُوا : قَدْ جَمَعَ اللَّه كَلِمَتنَا , وَلَمْ يُخَالِف أَحَد مِنَّا أَحَدًا أَنَّهُ نَبِيّ , وَقَالُوا : نَحْنُ أَبْنَاء اللَّه وَأَحِبَّاؤُهُ , وَنَحْنُ أَهْل الصَّلَاة وَالصِّيَام . وَكَذَبُوا , بَلْ هُمْ أَهْل كُفْر وَشِرْك وَافْتِرَاء عَلَى اللَّه , قَالَ اللَّه : { يُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا } * - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , فِي قَوْله : { لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا } قَالَ : كَانَتْ الْيَهُود أَمَرَ بَعْضكُمْ بَعْضًا , فَكَتَبَ بَعْضهمْ إِلَى بَعْض أَنَّ مُحَمَّدًا لَيْسَ بِنَبِيٍّ , فَأَجْمِعُوا كَلِمَتكُمْ , وَتَمَسَّكُوا بِدِينِكُمْ وَكِتَابكُمْ الَّذِي مَعَكُمْ . فَفَعَلُوا وَفَرِحُوا بِذَلِكَ , وَفَرِحُوا بِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الْكُفْر بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 6647 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : كَتَمُوا اِسْم مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَفَرِحُوا بِذَلِكَ , وَفَرِحُوا بِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الْكُفْر بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 6648 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : كَتَمُوا اِسْم مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَفَرِحُوا بِذَلِكَ حِين اِجْتَمَعُوا عَلَيْهِ , وَكَانُوا يُزَكُّونَ أَنْفُسهمْ , فَيَقُولُونَ : نَحْنُ أَهْل الصِّيَام وَأَهْل الصَّلَاة وَأَهْل الزَّكَاة , وَنَحْنُ عَلَى دِين إِبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِمْ : { لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا } مِنْ كِتْمَان مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا } أَحَبُّوا أَنْ تَحْمَدهُمْ الْعَرَب بِمَا يُزَكُّونَ بِهِ أَنْفُسهمْ , وَلَيْسُوا كَذَلِكَ . 6649 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ أَبِي الْجَحَّاف , عَنْ مُسْلِم الْبَطِين , قَالَ : سَأَلَ الْحَجَّاج جُلَسَاءَهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَة : { لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا } قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : بِكِتْمَانِهِمْ مُحَمَّدًا , { وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا } قَالَ : هُوَ قَوْلهمْ : نَحْنُ عَلَى دِين إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام . 6650 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا } هُمْ أَهْل الْكِتَاب أُنْزِلَ عَلَيْهِمْ الْكِتَاب , فَحَكَمُوا بِغَيْرِ الْحَقّ , وَحَرَّفُوا الْكَلِم عَنْ مَوَاضِعه , وَفَرِحُوا بِذَلِكَ , وَأَحَبُّوا أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا , فَرِحُوا بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمَا أَنْزَلَ اللَّه , وَهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ اللَّه , وَيَصُومُونَ , وَيُصَلُّونَ , وَيُطِيعُونَ اللَّه ; فَقَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا } كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَكَفَرُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , { وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا } مِنْ الصَّلَاة وَالصَّوْم , فَقَالَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنْ الْعَذَاب وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم } وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا مِنْ تَبْدِيلهمْ كِتَاب اللَّه , وَيُحِبُّونَ أَنْ يَحْمَدهُمْ النَّاس عَلَى ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6651 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا } قَالَ : يَهُود , فَرِحُوا بِإِعْجَابِ النَّاس بِتَبْدِيلِهِمْ الْكِتَاب وَحَمْدهمْ إِيَّاهُمْ عَلَيْهِ , وَلَا تَمْلِك يَهُود ذَلِكَ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أَنَّهُمْ فَرِحُوا بِمَا أَعْطَى اللَّه تَعَالَى آل إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6652 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي الْمُعَلَّى , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا } قَالَ : الْيَهُود يَفْرَحُونَ بِمَا آتَى اللَّه إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا وَهْب بْن جَرِير , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي الْمُعَلَّى الْعَطَّار , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : هُمْ الْيَهُود , فَرِحُوا بِمَا أَعْطَى اللَّه تَعَالَى إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ قَوْم مِنْ الْيَهُود سَأَلَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْء , فَكَتَمُوهُ , فَفَرِحُوا بِكِتْمَانِهِمْ ذَلِكَ إِيَّاهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6653 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي اِبْن أَبِي مُلَيْكَة أَنَّ عَلْقَمَة بْن أَبِي وَقَّاص أَخْبَرَهُ : أَنَّ مَرْوَان قَالَ لِرَافِعٍ : اِذْهَبْ يَا رَافِع إِلَى اِبْن عَبَّاس فَقُلْ لَهُ : لَئِنْ كَانَ كُلّ اِمْرِئٍ مِنَّا فَرِحَ بِمَا أَتَى وَأَحَبَّ أَنْ يُحْمَد بِمَا لَمْ يَفْعَل مُعَذَّبًا , لَيُعَذِّبَنَا اللَّه أَجْمَعِينَ ! فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : مَا لَكُمْ وَلِهَذِهِ ؟ إِنَّمَا دَعَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُود , فَسَأَلَهُمْ عَنْ شَيْء فَكَتَمُوهُ إِيَّاهُ وَأَخْبَرُوهُ بِغَيْرِهِ , فَأَرَوْهُ أَنْ قَدْ اِسْتَجَابُوا لِلَّهِ بِمَا أَخْبَرُوهُ عَنْهُ مِمَّا سَأَلَهُمْ , وَفَرِحُوا بِمَا أَتَوْا مِنْ كِتْمَانهمْ إِيَّاهُ . ثُمَّ قَالَ : { وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب } . .. الْآيَة . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن أَبِي مُلَيْكَة , أَنَّ حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف أَخْبَرَهُ أَنَّ مَرْوَان بْن الْحَكَم قَالَ لِبَوَّابِهِ : يَا رَافِع اِذْهَبْ إِلَى اِبْن عَبَّاس , فَقُلْ لَهُ : لَئِنْ كَانَ كُلّ اِمْرِئٍ مِنَّا فَرِحَ بِمَا أَتَى وَأَحَبَّ أَنْ يُحْمَد بِمَا لَمْ يَفْعَل مُعَذَّبًا , لَنُعَذَّبَنَّ جَمِيعًا فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : مَا لَكُمْ وَلِهَذِهِ الْآيَة ؟ إِنَّمَا أُنْزِلَتْ فِي أَهْل الْكِتَاب . ثُمَّ تَلَا اِبْن عَبَّاس : { وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاق الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ } إِلَى قَوْله : { أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا } قَالَ اِبْن عَبَّاس : سَأَلَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْء فَكَتَمُوهُ إِيَّاهُ , وَأَخْبَرُوهُ بِغَيْرِهِ , فَخَرَجُوا وَقَدْ أَرَوْهُ أَنْ قَدْ أَخْبَرُوهُ بِمَا قَدْ سَأَلَهُمْ عَنْهُ , فَاسْتَحْمَدُوا بِذَلِكَ إِلَيْهِ , وَفَرِحُوا بِمَا أَتَوْا مِنْ كِتْمَانهمْ إِيَّاهُ مَا سَأَلَهُمْ عَنْهُ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ قَوْم مِنْ يَهُود أَظْهَرُوا النِّفَاق لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَحَبَّة مِنْهُمْ لِلْحَمْدِ , وَاَللَّه عَالِم مِنْهُمْ خِلَاف ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6654 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ أَعْدَاء اللَّه الْيَهُود يَهُود خَيْبَر أَتَوْا نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَزَعَمُوا أَنَّهُمْ رَاضُونَ بِاَلَّذِي جَاءَ بِهِ , وَأَنَّهُمْ مُتَابِعُوهُ وَهُمْ مُتَمَسِّكُونَ بِضَلَالَتِهِمْ , وَأَرَادُوا أَنْ يَحْمَدهُمْ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا } . .. الْآيَة . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : إِنَّ أَهْل خَيْبَر أَتَوْا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه , فَقَالُوا : إِنَّا عَلَى رَأْيكُمْ وَهَيْئَتكُمْ , وَإِنَّا لَكُمْ رِدْء , فَأَكْذَبَهُمْ اللَّه , فَقَالَ : { لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا } . .. الْآيَتَيْنِ . 6655 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , قَالَ : جَاءَ رَجُل إِلَى عَبْد اللَّه , فَقَالَ : إِنَّ كَعْبًا يَقْرَأ عَلَيْك السَّلَام , وَيَقُول : إِنَّ هَذِهِ الْآيَة لَمْ تَنْزِل فِيكُمْ : { لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا } قَالَ : أَخْبَرُوهُ أَنَّهَا نَزَلَتْ وَهُوَ يَهُودِيّ . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيل قَوْله : { لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا } . .. الْآيَة , قَوْل مَنْ قَالَ : عُنِيَ بِذَلِكَ أَهْل الْكِتَاب الَّذِينَ أَخْبَرَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ أَنَّهُ أَخَذَ مِيثَاقهمْ , لَيُبَيِّنُنَّ لِلنَّاسِ أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَا يَكْتُمُونَهُ , لِأَنَّ قَوْله : { لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا } . .. الْآيَة فِي سِيَاق الْخَبَر عَنْهُمْ , وَهُوَ شَبِيه بِقِصَّتِهِمْ مَعَ اِتِّفَاق أَهْل التَّأْوِيل عَلَى أَنَّهُمْ الْمَعْنِيُّونَ بِذَلِكَ , فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَتَأْوِيل الْآيَة : لَا تَحْسَبَنَّ يَا مُحَمَّد الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا مِنْ كِتْمَانهمْ النَّاس أَمْرك , وَأَنَّك لِي رَسُول مُرْسَل بِالْحَقِّ , وَهُمْ يَجِدُونَك مَكْتُوبًا عِنْدهمْ فِي كُتُبهمْ , وَقَدْ أَخَذْت عَلَيْهِمْ الْمِيثَاق بِالْإِقْرَارِ بِنُبُوَّتِك , وَبَيَان أَمْرك لِلنَّاسِ , وَأَنْ لَا يَكْتُمُوهُمْ ذَلِكَ , وَهُمْ مَعَ نَقْضِهِمْ مِيثَاقِي الَّذِي أَخَذْت عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ , يَفْرَحُونَ بِمَعْصِيَتِهِمْ إِيَّايَ فِي ذَلِكَ , وَمُخَالَفَتهمْ أَمْرِي , وَيُحِبُّونَ أَنْ يَحْمَدهُمْ النَّاس بِأَنَّهُمْ أَهْل طَاعَة لِلَّهِ وَعِبَادَة وَصَلَاة وَصَوْم , وَاتِّبَاع لِوَحْيِهِ , وَتَنْزِيله الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى أَنْبِيَائِهِ , وَهُمْ مِنْ ذَلِكَ أَبْرِيَاء أَخْلِيَاء لِتَكْذِيبِهِمْ رَسُوله , وَنَقْضِهِمْ مِيثَاقه الَّذِي أُخِذَ عَلَيْهِمْ , لَمْ يَفْعَلُوا شَيْئًا مِمَّا يُحِبُّونَ أَنْ يَحْمَدهُمْ النَّاس عَلَيْهِ , فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنْ الْعَذَاب , وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم . وَقَوْله : { فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنْ الْعَذَاب } فَلَا تَظُنّهُمْ بِمَنْجَاةٍ مِنْ عَذَاب اللَّه الَّذِي أَعَدَّهُ لِأَعْدَائِهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ الْخَسْف وَالْمَسْخ وَالرَّجْف وَالْقَتْل , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ عِقَاب اللَّه , وَلَا هُمْ بِبَعِيدٍ مِنْهُ . كَمَا : 6656 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنْ الْعَذَاب } قَالَ : بِمَنْجَاةٍ مِنْ الْعَذَاب . قَالَ أَبُو جَعْفَر : { وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم } يَقُول : وَلَهُمْ عَذَاب فِي الْآخِرَة أَيْضًا مُؤْلِم , مَعَ الَّذِي لَهُمْ فِي الدُّنْيَا مُعَجَّل .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلِلَّهِ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض وَاَللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } وَهَذَا تَكْذِيب مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ الَّذِينَ قَالُوا : { إِنَّ اللَّه فَقِير وَنَحْنُ أَغْنِيَاء } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُكَذِّبًا لَهُمْ : لِلَّهِ مُلْك جَمِيع مَا حَوَتْهُ السَّمَوَات وَالْأَرْض , فَكَيْفَ يَكُون أَيّهَا الْمُفْتَرُونَ عَلَى اللَّه مَنْ كَانَ مُلْك ذَلِكَ لَهُ فَقِيرًا ! ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ الْقَادِر عَلَى تَعْجِيل الْعُقُوبَة لِقَائِلِي ذَلِكَ وَلِكُلِّ مُكَذِّب بِهِ وَمُفْتَرٍ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْر ذَلِكَ مِمَّا أَرَادَ وَأَحَبَّ , وَلَكِنَّهُ تَفَضَّلَ بِحِلْمِهِ عَلَى خَلْقه , فَقَالَ : { وَاَللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } يَعْنِي : مِنْ إِهْلَاك قَائِل ذَلِكَ , وَتَعْجِيل عُقُوبَته لَهُمْ , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأُمُور .
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الأَلْبَابِ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ فِي خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَاب } وَهَذَا اِحْتِجَاج مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَلَى قَائِل ذَلِكَ وَعَلَى سَائِر خَلْقه بِأَنَّهُ الْمُدَبِّر الْمُصَرِّف الْأَشْيَاء , وَالْمُسَخِّر مَا أَحَبَّ , وَإِنَّ الْإِغْنَاء وَالْإِفْقَار إِلَيْهِ وَبِيَدِهِ , فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : تَدَبَّرُوا أَيّهَا النَّاس , وَاعْتَبِرُوا فَفِيمَا أَنْشَأْته فَخَلَقْته مِنْ السَّمَوَات وَالْأَرْض لِمَعَاشِكُمْ وَأَقْوَاتكُمْ وَأَرْزَاقكُمْ , وَفِيمَا عَقَّبْت بَيْنه مِنْ اللَّيْل وَالنَّهَار , فَجَعَلْتهمَا يَخْتَلِفَانِ وَيَعْتَقِبَانِ عَلَيْكُمْ , تَتَصَرَّفُونَ فِي هَذَا لِمَعَاشِكُمْ , وَتَسْكُنُونَ فِي هَذَا رَاحَة لِأَجْسَادِكُمْ , مُعْتَبَر وَمُدَّكَر , وَآيَات وَعِظَات . فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ ذَا لُبّ وَعَقْل , يَعْلَم أَنَّ مَنْ نَسَبَنِي إِلَى أَنِّي فَقِير وَهُوَ غَنِيّ كَاذِب مُفْتَرٍ , فَإِنَّ ذَلِكَ كُلّه بِيَدِي أُقَلِّبهُ وَأَصْرِفهُ , وَلَوْ أَبْطَلْت ذَلِكَ لَهَلَكْتُمْ , فَكَيْفَ يُنْسَب فَقْر إِلَى مَنْ كَانَ كُلّ مَا بِهِ عَيْش مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض بِيَدِهِ وَإِلَيْهِ ! أَمْ كَيْفَ يَكُون غَنِيًّا مَنْ كَانَ رِزْقه بِيَدِ غَيْره , إِذَا شَاءَ رَزَقَهُ , وَإِذَا شَاءَ حَرَمَهُ ! فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَلْبَاب .
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّه قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ } وَقَوْله : { الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّه قِيَامًا وَقُعُودًا } مِنْ نَعْت " أُولِي الْأَلْبَاب " , وَ " الَّذِينَ " فِي مَوْضِع خَفْض رَدًّا عَلَى قَوْله : " لِأُولِي الْأَلْبَاب " . وَمَعْنَى الْآيَة : إِنَّ فِي خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار لَآيَات لِأُولِي الْأَلْبَاب , الذَّاكِرِينَ اللَّه قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ , يَعْنِي بِذَلِكَ : قِيَامًا فِي صَلَاتهمْ وَقُعُودًا فِي تَشَهُّدهمْ وَفِي غَيْر صَلَاتهمْ وَعَلَى جُنُوبِهِمْ نِيَامًا . كَمَا : 6657 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّه قِيَامًا وَقُعُودًا } . .. الْآيَة , قَالَ : هُوَ ذِكْر اللَّه فِي الصَّلَاة وَفِي غَيْر الصَّلَاة , وَقِرَاءَة الْقُرْآن . 6658 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّه قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ } وَهَذِهِ حَالَاتك كُلّهَا يَا اِبْن آدَم , فَاذْكُرْهُ وَأَنْتَ عَلَى جَنْبك يُسْرًا مِنْ اللَّه وَتَخْفِيفًا . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ قِيلَ : { وَعَلَى جُنُوبِهِمْ } فَعُطِفَ بِ " عَلَى " , وَهِيَ صِفَة عَلَى الْقِيَام وَالْقُعُود وَهُمَا اِسْمَانِ ؟ قِيلَ : لِأَنَّ قَوْله : { وَعَلَى جُنُوبِهِمْ } فِي مَعْنَى الِاسْم , وَمَعْنَاهُ : وَنِيَامًا أَوْ مُضْطَجِعِينَ عَلَى جُنُوبِهِمْ ; فَحَسُنَ عَطْف ذَلِكَ عَلَى الْقِيَام وَالْقُعُود لِذَلِكَ الْمَعْنَى , كَمَا قِيلَ : { وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَان الضُّرّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا } فَعَطَفَ بِقَوْلِهِ : { أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا } 10 12 عَلَى قَوْله : { لِجَنْبِهِ } , لِأَنَّ مَعْنَى قَوْله : لِجَنْبِهِ مُضْطَجِعًا , فَعُطِفَ بِالْقَاعِدِ وَالْقَائِم عَلَى مَعْنَاهُ , فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْله : { وَعَلَى جُنُوبِهِمْ }
وَأَمَّا قَوْله : { وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُمْ يَعْتَبِرُونَ بِصَنْعَةِ صَانِع ذَلِكَ , فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا يَصْنَع ذَلِكَ إِلَّا مَنْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء , وَمَنْ هُوَ مَالِك كُلّ شَيْء وَرَازِقه , وَخَالِق كُلّ شَيْء وَمُدَبِّره , مَنْ هُوَ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير , وَبِيَدِهِ الْإِغْنَاء وَالْإِفْقَار , وَالْإِعْزَاز وَالْإِذْلَال , وَالْإِحْيَاء وَالْإِمَاتَة , وَالشَّقَاء وَالسَّعَادَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { رَبّنَا مَا خَلَقْت هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانك فَقِنَا عَذَاب النَّار } يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره : وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض , قَائِلِينَ : { رَبّنَا مَا خَلَقْت هَذَا بَاطِلًا } فَتَرَكَ ذِكْر قَائِلِينَ , إِذْ كَانَ فِيمَا ظَهَرَ مِنْ الْكَلَام دَلَالَة عَلَيْهِ ; وَقَوْله : { مَا خَلَقْت هَذَا بَاطِلًا } يَقُول : لَمْ تَخْلُق هَذَا الْخَلْق عَبَثًا وَلَا لَعِبًا , لَمْ تَخْلُقهُ إِلَّا لِأَمْرٍ عَظِيم مِنْ ثَوَاب وَعِقَاب وَمُحَاسَبَة وَمُجَازَاة , وَإِنَّمَا قَالَ : مَا خَلَقْت هَذَا بَاطِلًا , وَلَمْ يَقُلْ : مَا خَلَقْت هَذِهِ , وَلَا هَؤُلَاءِ , لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهَذَا الْخَلْق الَّذِي فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض , يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله : { سُبْحَانك فَقِنَا عَذَاب النَّار } وَرَغْبَتهمْ إِلَى رَبّهمْ فِي أَنْ يَقِيَهُمْ عَذَاب الْجَحِيم , وَلَوْ كَانَ الْمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ : { مَا خَلَقْت هَذَا بَاطِلًا } السَّمَوَات وَالْأَرْض , لَمَّا كَانَ لِقَوْلِهِ عَقِيبَ ذَلِكَ : { فَقِنَا عَذَاب النَّار } مَعْنًى مَفْهُوم , لِأَنَّ السَّمَوَات وَالْأَرْض أَدِلَّة عَلَى بَارِئِهَا , لَا عَلَى الثَّوَاب وَالْعِقَاب , وَإِنَّمَا الدَّلِيل عَلَى الثَّوَاب وَالْعِقَاب : الْأَمْر وَالنَّهْي ; وَإِنَّمَا وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أُولِي الْأَلْبَاب الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَة , أَنَّهُمْ إِذَا رَأَوْا الْمَأْمُورِينَ الْمَنْهِيِّينَ , قَالُوا : يَا رَبّنَا لَمْ تَخْلُق هَؤُلَاءِ بَاطِلًا عَبَثًا سُبْحَانك , يَعْنِي : تَنْزِيهًا لَك مِنْ أَنْ تَفْعَل شَيْئًا عَبَثًا , وَلَكِنَّك خَلَقْتهمْ لِعَظِيمٍ مِنْ الْأَمْر , لِجَنَّةٍ أَوْ نَار . ثُمَّ فَزِعُوا إِلَى رَبّهمْ بِالْمَسْأَلَةِ أَنْ يُجِيرهُمْ مِنْ عَذَاب النَّار , وَأَنْ لَا يَجْعَلهُمْ مِمَّنْ عَصَاهُ وَخَالَفَ أَمْره , فَيَكُونُوا مِنْ أَهْل جَهَنَّم .
وَأَمَّا قَوْله : { وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُمْ يَعْتَبِرُونَ بِصَنْعَةِ صَانِع ذَلِكَ , فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا يَصْنَع ذَلِكَ إِلَّا مَنْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء , وَمَنْ هُوَ مَالِك كُلّ شَيْء وَرَازِقه , وَخَالِق كُلّ شَيْء وَمُدَبِّره , مَنْ هُوَ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير , وَبِيَدِهِ الْإِغْنَاء وَالْإِفْقَار , وَالْإِعْزَاز وَالْإِذْلَال , وَالْإِحْيَاء وَالْإِمَاتَة , وَالشَّقَاء وَالسَّعَادَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { رَبّنَا مَا خَلَقْت هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانك فَقِنَا عَذَاب النَّار } يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره : وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض , قَائِلِينَ : { رَبّنَا مَا خَلَقْت هَذَا بَاطِلًا } فَتَرَكَ ذِكْر قَائِلِينَ , إِذْ كَانَ فِيمَا ظَهَرَ مِنْ الْكَلَام دَلَالَة عَلَيْهِ ; وَقَوْله : { مَا خَلَقْت هَذَا بَاطِلًا } يَقُول : لَمْ تَخْلُق هَذَا الْخَلْق عَبَثًا وَلَا لَعِبًا , لَمْ تَخْلُقهُ إِلَّا لِأَمْرٍ عَظِيم مِنْ ثَوَاب وَعِقَاب وَمُحَاسَبَة وَمُجَازَاة , وَإِنَّمَا قَالَ : مَا خَلَقْت هَذَا بَاطِلًا , وَلَمْ يَقُلْ : مَا خَلَقْت هَذِهِ , وَلَا هَؤُلَاءِ , لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهَذَا الْخَلْق الَّذِي فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض , يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله : { سُبْحَانك فَقِنَا عَذَاب النَّار } وَرَغْبَتهمْ إِلَى رَبّهمْ فِي أَنْ يَقِيَهُمْ عَذَاب الْجَحِيم , وَلَوْ كَانَ الْمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ : { مَا خَلَقْت هَذَا بَاطِلًا } السَّمَوَات وَالْأَرْض , لَمَّا كَانَ لِقَوْلِهِ عَقِيبَ ذَلِكَ : { فَقِنَا عَذَاب النَّار } مَعْنًى مَفْهُوم , لِأَنَّ السَّمَوَات وَالْأَرْض أَدِلَّة عَلَى بَارِئِهَا , لَا عَلَى الثَّوَاب وَالْعِقَاب , وَإِنَّمَا الدَّلِيل عَلَى الثَّوَاب وَالْعِقَاب : الْأَمْر وَالنَّهْي ; وَإِنَّمَا وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أُولِي الْأَلْبَاب الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَة , أَنَّهُمْ إِذَا رَأَوْا الْمَأْمُورِينَ الْمَنْهِيِّينَ , قَالُوا : يَا رَبّنَا لَمْ تَخْلُق هَؤُلَاءِ بَاطِلًا عَبَثًا سُبْحَانك , يَعْنِي : تَنْزِيهًا لَك مِنْ أَنْ تَفْعَل شَيْئًا عَبَثًا , وَلَكِنَّك خَلَقْتهمْ لِعَظِيمٍ مِنْ الْأَمْر , لِجَنَّةٍ أَوْ نَار . ثُمَّ فَزِعُوا إِلَى رَبّهمْ بِالْمَسْأَلَةِ أَنْ يُجِيرهُمْ مِنْ عَذَاب النَّار , وَأَنْ لَا يَجْعَلهُمْ مِمَّنْ عَصَاهُ وَخَالَفَ أَمْره , فَيَكُونُوا مِنْ أَهْل جَهَنَّم .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { رَبّنَا إِنَّك مَنْ تُدْخِل النَّار فَقَدْ أَخْزَيْته } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : رَبّنَا إِنَّك مَنْ تُدْخِل النَّار مِنْ عِبَادك فَتُخَلِّدهُ فِيهَا فَقَدْ أَخْزَيْته , قَالَ : وَلَا يُخْزَى مُؤْمِن مَصِيره إِلَى الْجَنَّة وَإِنْ عُذِّبَ بِالنَّارِ بَعْض الْعَذَاب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6659 - حَدَّثَنِي أَبُو حَفْص الْجُبَيْرِيّ وَمُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَا : أَخْبَرَنَا الْمُؤَمَّل , أَخْبَرَنَا أَبُو هِلَال , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَنَس , فِي قَوْله : { رَبّنَا إِنَّك مَنْ تُدْخِل النَّار فَقَدْ أَخْزَيْته } قَالَ : مَنْ تُخَلِّد . 6660 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ رَجُل , عَنْ اِبْن الْمُسَيِّب : { رَبّنَا إِنَّك مَنْ تُدْخِل النَّار فَقَدْ أَخْزَيْته } قَالَ : هِيَ خَاصَّة لِمَنْ لَا يَخْرُج مِنْهَا . 6661 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو النُّعْمَان عَارِم , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن زَيْد , قَالَ : ثنا قَبِيصَة بْن مَرْوَان , عَنْ الْأَشْعَث الْحَمَلِيّ , قَالَ : قُلْت لِلْحَسَنِ : يَا أَبَا سَعِيد أَرَأَيْت مَا تَذْكُر مِنْ الشَّفَاعَة حَقّ هُوَ ؟ قَالَ : نَعَمْ حَقّ . قَالَ : قُلْت يَا أَبَا سَعِيد أَرَأَيْت قَوْل اللَّه تَعَالَى : { رَبّنَا إِنَّك مَنْ تُدْخِل النَّار فَقَدْ أَخْزَيْته } وَ { يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ النَّار وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا } ؟ 5 37 قَالَ : فَقَالَ لِي : إِنَّك وَاَللَّه لَا تَسْتَطِيع عَلَى شَيْء , إِنَّ لِلنَّارِ أَهْلًا لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا كَمَا قَالَ اللَّه . قَالَ : قُلْت يَا أَبَا سَعِيد : فِيمَنْ دَخَلُوا ثُمَّ خَرَجُوا ؟ قَالَ : كَانُوا أَصَابُوا ذُنُوبًا فِي الدُّنْيَا , فَأَخَذَهُمْ اللَّه بِهَا فَأَدْخَلَهُمْ بِهَا , ثُمَّ أَخْرَجَهُمْ بِمَا يَعْلَم فِي قُلُوبهمْ مِنْ الْإِيمَان وَالتَّصْدِيق بِهِ . 6662 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { إِنَّك مَنْ تُدْخِل النَّار فَقَدْ أَخْزَيْته } قَالَ : هُوَ مَنْ يُخَلَّد فِيهَا . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : رَبّنَا إِنَّك مَنْ تُدْخِل النَّار مِنْ مُخَلَّد فِيهَا وَغَيْر مُخَلَّد فِيهَا , فَقَدْ أُخْزِيَ بِالْعَذَابِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6663 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا الْحَارِث بْن مُسْلِم , عَنْ يَحْيَى بْن عَمْرو بْن دِينَار , قَالَ : قَدِمَ عَلَيْنَا جَابِر بْن عَبْد اللَّه فِي عُمْرَة , فَانْتَهَيْت إِلَيْهِ أَنَا وَعَطَاء , فَقُلْت : { رَبّنَا إِنَّك مَنْ تُدْخِل النَّار فَقَدْ أَخْزَيْته } ؟ قَالَ : وَمَا إِخْزَاؤُهُ حِين أَحْرَقَهُ بِالنَّارِ ! وَإِنْ دُون ذَلِكَ لَخِزْيًا . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ عِنْدِي قَوْل جَابِر : إِنَّ مَنْ أُدْخِلَ النَّار فَقَدْ أُخْزِيَ بِدُخُولِهِ إِيَّاهَا , وَإِنْ أُخْرِجَ مِنْهَا . وَذَلِكَ أَنَّ الْخِزْي إِنَّمَا هُوَ هَتْك سِتْر الْمُخْزَى وَفَضِيحَته , وَمَنْ عَاقَبَهُ رَبّه فِي الْآخِرَة عَلَى ذُنُوبه , فَقَدْ فَضَحَهُ بِعِقَابِهِ إِيَّاهُ , وَذَلِكَ هُوَ الْخِزْي .
وَأَمَّا قَوْله : { وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَار } يَقُول : وَمَا لِمَنْ خَالَفَ أَمْر اللَّه فَعَصَاهُ مِنْ ذِي نُصْرَة لَهُ يَنْصُرهُ مِنْ اللَّه فَيَدْفَع عَنْهُ عِقَابه أَوْ يُنْقِذهُ مِنْ عَذَابه .
وَأَمَّا قَوْله : { وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَار } يَقُول : وَمَا لِمَنْ خَالَفَ أَمْر اللَّه فَعَصَاهُ مِنْ ذِي نُصْرَة لَهُ يَنْصُرهُ مِنْ اللَّه فَيَدْفَع عَنْهُ عِقَابه أَوْ يُنْقِذهُ مِنْ عَذَابه .
رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { رَبّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَار } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل الْمُنَادِي الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : الْمُنَادِي فِي هَذَا الْمَوْضِع الْقُرْآن . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6664 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا قَبِيصَة بْن عُقْبَة , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مُوسَى بْن عُبَيْدَة , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب : { إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ } قَالَ : هُوَ الْكِتَاب , لَيْسَ كُلّهمْ لَقِيَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا مَنْصُور بْن حَكِيم , عَنْ خَارِجَة , عَنْ مُوسَى بْن عُبَيْدَة , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , فِي قَوْله : { رَبّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ } قَالَ : لَيْسَ كُلّ النَّاس سَمِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَكِنَّ الْمُنَادِي : الْقُرْآن . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6665 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ } قَالَ : هُوَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 6666 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { رَبّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ } قَالَ : ذَلِكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مُحَمَّد بْن كَعْب , وَهُوَ أَنْ يَكُون الْمُنَادِي الْقُرْآن ; لِأَنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ وَصَفَهُمْ اللَّه بِهَذِهِ الصِّفَة فِي هَذِهِ الْآيَات لَيْسُوا مِمَّنْ رَأَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَايَنَهُ , فَسَمِعُوا دُعَاءَهُ إِلَى اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَنِدَاءَهُ , وَلَكِنَّهُ الْقُرْآن . وَهُوَ نَظِير قَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ مُخْبِرًا عَنْ الْجِنّ إِذْ سَمِعُوا كَلَام اللَّه يُتْلَى عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا : { إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْد } 72 1 : 2 وَبِنَحْوِ ذَلِكَ : 6667 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { رَبّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ } إِلَى قَوْله : { وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَار } سَمِعُوا دَعْوَة مِنْ اللَّه فَأَجَابُوهَا , فَأَحْسَنُوا الْإِجَابَة فِيهَا , وَصَبَرُوا عَلَيْهَا , يُنَبِّئكُمْ اللَّه عَنْ مُؤْمِن الْإِنْس كَيْفَ قَالَ , وَعَنْ مُؤْمِن الْجِنّ كَيْفَ قَالَ , فَأَمَّا مُؤْمِن الْجِنّ , فَقَالَ : { إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْد فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِك بِرَبِّنَا أَحَدًا } ; وَأَمَّا مُؤْمِن الْإِنْس , فَقَالَ : { إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبنَا } . .. الْآيَة . وَقِيلَ : { إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ } يَعْنِي : يُنَادِي إِلَى الْإِيمَان , كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْره : { الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا } 7 43 بِمَعْنَى : هَدَانَا إِلَى هَذَا , وَكَمَا قَالَ الرَّاجِز : أَوْحَى لَهَا الْقَرَار فَاسْتَقَرَّتْ وَشَدَّهَا بِالرَّاسِيَاتِ الثُّبَّت بِمَعْنَى : أَوْحَى إِلَيْهَا , وَمِنْهُ قَوْله : { بِأَنَّ رَبّك أَوْحَى لَهَا } 99 5 وَقِيلَ : مُحْتَمَل أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ : إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا لِلْإِيمَانِ يُنَادِي أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ . فَتَأْوِيل الْآيَة إِذًا : رَبّنَا سَمِعْنَا دَاعِيًا يَدْعُو إِلَى الْإِيمَان يَقُول إِلَى التَّصْدِيق بِك , وَالْإِقْرَار بِوَحْدَانِيَّتِك , وَاتِّبَاع رَسُولك وَطَاعَته , فِيمَا أَمَرَنَا بِهِ , وَنَهَانَا عَنْهُ , مِمَّا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدك فَآمَنَّا رَبّنَا , يَقُول : فَصَدَّقْنَا بِذَلِكَ يَا رَبّنَا , فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبنَا , يَقُول : فَاسْتُرْ عَلَيْنَا خَطَايَانَا , وَلَا تَفْضَحنَا بِهَا فِي الْقِيَامَة عَلَى رُءُوس الْأَشْهَاد , بِعُقُوبَتِك إِيَّانَا عَلَيْهَا , وَلَكِنْ كَفِّرْهَا عَنَّا , وَسَيِّئَات أَعْمَالنَا فَامْحُهَا بِفَضْلِك وَرَحْمَتك إِيَّانَا , وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَار , يَعْنِي بِذَلِكَ : وَاقْبِضْنَا إِلَيْك إِذَا قَبَضْتنَا إِلَيْك فِي عِدَاد الْأَبْرَار , وَاحْشُرْنَا مَحْشَرهمْ وَمَعَهُمْ ; وَالْأَبْرَار جَمْع بَرّ , وَهُمْ الَّذِينَ بَرُّوا اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِطَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ وَخِدْمَتهمْ لَهُ , حَتَّى أَرْضَوْهُ فَرَضِيَ عَنْهُمْ .
رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { رَبّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتنَا عَلَى رُسُلك وَلَا تُخْزِنَا يَوْم الْقِيَامَة إِنَّك لَا تُخْلِف الْمِيعَاد } إِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَمَا وَجْه مَسْأَلَة هَؤُلَاءِ الْقَوْم رَبّهمْ أَنْ يُؤْتِيهِمْ مَا وَعَدَهُمْ , وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ اللَّه مُنْجِز وَعْده , وَغَيْر جَائِز أَنْ يَكُون مِنْهُ إِخْلَاف مَوْعِد ؟ قِيلَ : اِخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ أَهْل الْبَحْث , فَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ قَوْل خَرَجَ مَخْرَج الْمَسْأَلَة , وَمَعْنَاهُ الْخَبَر , قَالُوا : وَإِنَّمَا تَأْوِيل الْكَلَام : رَبّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا , رَبّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبنَا , وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتنَا , وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَار , لِتُؤْتِيَنَا مَا وَعَدْتنَا عَلَى رُسُلك , وَلَا تُخْزِنَا يَوْم الْقِيَامَة , قَالُوا : وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ قَالُوا : إِنْ تَوَفَّيْتنَا مَعَ الْأَبْرَار فَأَنْجِزْ لَنَا مَا وَعَدْتنَا لِأَنَّهُمْ قَدْ عَلِمُوا أَنَّ اللَّه لَا يُخْلِف الْمِيعَاد , وَأَنَّ مَا وَعَدَ عَلَى أَلْسِنَة رُسُله لَيْسَ يُعْطِيه بِالدُّعَاءِ , وَلَكِنَّهُ تَفَضُّل بِإِيتَائِهِ , ثُمَّ يُنْجِزهُ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ قَوْل مِنْ قَائِله عَلَى مَعْنَى الْمَسْأَلَة وَالدُّعَاء لِلَّهِ , بِأَنْ يَجْعَلهُمْ مِمَّنْ آتَاهُمْ مَا وَعَدَهُمْ مِنْ الْكَرَامَة عَلَى أَلْسُن رُسُله , لَا أَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ اِسْتَحَقُّوا مَنْزِلَة الْكَرَامَة عِنْد اللَّه فِي أَنْفُسهمْ , ثُمَّ سَأَلُوهُ أَنْ يُؤْتِيهِمْ مَا وَعَدَهُمْ بَعْد عِلْمهمْ بِاسْتِحْقَاقِهِمْ عِنْد أَنْفُسهمْ , فَيَكُون ذَلِكَ مِنْهُمْ مَسْأَلَة لِرَبِّهِمْ أَنْ لَا يُخْلِف وَعْده , قَالُوا : وَلَوْ كَانَ الْقَوْم إِنَّمَا سَأَلُوا رَبّهمْ أَنْ يُؤْتِيهِمْ مَا وَعَدَ الْأَبْرَار , لَكَانُوا قَدْ زَكُّوا أَنْفُسهمْ , وَشَهِدُوا لَهَا أَنَّهَا مِمَّنْ قَدْ اِسْتَوْجَبَ كَرَامَة اللَّه وَثَوَابه , قَالُوا : وَلَيْسَ ذَلِكَ صِفَة أَهْل الْفَضْل مِنْ الْمُؤْمِنِينَ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ قَالُوا هَذَا الْقَوْل عَلَى وَجْه الْمَسْأَلَة , وَالرَّغْبَة مِنْهُمْ إِلَى اللَّه أَنْ يُؤْتِيهِمْ مَا وَعَدَهُمْ مِنْ النَّصْر عَلَى أَعْدَائِهِمْ مِنْ أَهْل الْكُفْر , وَالظَّفَر بِهِمْ , وَإِعْلَاء كَلِمَة الْحَقّ عَلَى الْبَاطِل , فَيُعَجِّل ذَلِكَ لَهُمْ , قَالُوا : وَمُحَال أَنْ يَكُون الْقَوْم مَعَ وَصْف اللَّه إِيَّاهُمْ بِمَا وَصَفَتْهُمْ بِهِ كَانُوا عَلَى غَيْر يَقِين مِنْ أَنَّ اللَّه لَا يُخْلِف الْمِيعَاد , فَيَرْغَبُوا إِلَى اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي ذَلِكَ , وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا وُعِدُوا النَّصْر , وَلَمْ يُوَقَّت لَهُمْ فِي تَعْجِيل ذَلِكَ لَهُمْ , لِمَا فِي تَعَجُّله مِنْ سُرُور الظَّفَر وَرَاحَة الْجَسَد . وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي : أَنَّ هَذِهِ الصِّفَة , صِفَة مَنْ هَاجَرَ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَطَنه وَدَاره , مُفَارِقًا لِأَهْلِ الشِّرْك بِاَللَّهِ إِلَى اللَّه وَرَسُوله , وَغَيْرهمْ مِنْ تُبَّاع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ رَغِبُوا إِلَى اللَّه فِي تَعْجِيل نُصْرَتهمْ عَلَى أَعْدَاء اللَّه وَأَعْدَائِهِمْ , فَقَالُوا : رَبّنَا آتِنَا مَا وَعَدْتنَا مِنْ نُصْرَتك عَلَيْهِمْ عَاجِلًا , فَإِنَّك لَا تُخْلِف الْمِيعَاد , وَلَكِنْ لَا صَبْر لَنَا عَلَى أَنَاتك وَحِلْمك عَنْهُمْ , فَعَجِّلْ حَرْبهمْ , وَلَنَا الظَّفَر عَلَيْهِمْ . يَدُلّ عَلَى صِحَّة ذَلِكَ آخِر الْآيَة الْأُخْرَى , وَهُوَ قَوْله : { فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبّهمْ أَنِّي لَا أُضِيع عَمَل عَامِل مِنْكُمْ مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى بَعْضكُمْ مِنْ بَعْض فَاَلَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا } . .. الْآيَات بَعْدهَا . وَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا ذَهَبَ إِلَيْهِ الَّذِينَ حَكَيْت قَوْلهمْ فِي شَيْء , وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْر مَوْجُود فِي كَلَام الْعَرَب أَنْ يُقَال : اِفْعَلْ بِنَا يَا رَبّ كَذَا وَكَذَا , بِمَعْنَى : اِفْعَلْ بِنَا لِكَذَا الَّذِي وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ , لَجَازَ أَنْ يَقُول الْقَائِل لِآخَرَ : أَقْبِلْ إِلَيَّ وَكَلِّمْنِي , بِمَعْنَى : أَقْبِلْ إِلَيَّ لِتُكَلِّمَنِي , وَذَلِكَ غَيْر مَوْجُود فِي الْكَلَام , وَلَا مَعْرُوف جَوَازه , وَكَذَلِكَ أَيْضًا غَيْر مَعْرُوف فِي الْكَلَام : آتِنَا مَا وَعَدْتنَا , بِمَعْنَى : اِجْعَلْنَا مِمَّنْ آتَيْته ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كُلّ مَنْ أَعْطَى شَيْئًا سَنِيًّا فَقَدْ صُيِّرَ نَظِيرًا لِمَنْ كَانَ مِثْله فِي الْمَعْنَى الَّذِي أُعْطِيَهُ , وَلَكِنْ لَيْسَ الظَّاهِر مِنْ مَعْنَى الْكَلَام ذَلِكَ , وَإِنْ كَانَ قَدْ يَئُول مَعْنَاهُ إِلَيْهِ . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذًا : رَبّنَا أَعْطِنَا مَا وَعَدْتنَا عَلَى أَلْسُن رُسُلك أَنَّك تُعْلِي كَلِمَتك كَلِمَة الْحَقّ , بِتَأْيِيدِنَا عَلَى مَنْ كَفَرَ بِك وَحَادَّك وَعَبَدَ غَيْرك , وَعَجِّلْ لَنَا ذَلِكَ , فَإِنَّا قَدْ عَلِمْنَا أَنَّك لَا تُخْلِف مِيعَادك , وَلَا تُخْزِنَا يَوْم الْقِيَامَة , فَتَفْضَحنَا بِذُنُوبِنَا الَّتِي سُلِكَتْ مِنَّا , وَلَكِنْ كَفِّرْهَا عَنَّا وَاغْفِرْهَا لَنَا . وَقَدْ : 6668 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { رَبّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتنَا عَلَى رُسُلك } قَالَ : يُسْتَنْجَز مَوْعُود اللَّه عَلَى رُسُله .
فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبّهمْ أَنِّي لَا أُضِيع عَمَل عَامِل مِنْكُمْ مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : فَأَجَابَ هَؤُلَاءِ الدَّاعِينَ بِمَا وَصَفَ اللَّه عَنْهُمْ أَنَّهُمْ دَعَوْا بِهِ رَبّهمْ , بِأَنِّي لَا أُضِيع عَمَل عَامِل مِنْكُمْ عَمِلَ خَيْرًا ذَكَرًا كَانَ الْعَامِل أَوْ أُنْثَى , وَذَكَر أَنَّهُ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا بَالُ الرِّجَال يُذْكَرُونَ وَلَا تُذْكَر النِّسَاء فِي الْهِجْرَة ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي ذَلِكَ هَذِهِ الْآيَة . 6669 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمَّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : قَالَتْ أُمّ سَلَمَة : يَا رَسُول اللَّه , تُذْكَر الرِّجَال فِي الْهِجْرَة وَلَا نُذْكَر ؟ فَنَزَلَتْ : { أَنِّي لَا أُضِيع عَمَل عَامِل مِنْكُمْ مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى } . .. الْآيَة . 6670 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , قَالَ : سَمِعْت رَجُلًا مِنْ وَلَد أُمّ سَلَمَة زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَقُول : قَالَتْ أُمّ سَلَمَة : يَا رَسُول اللَّه لَا أَسْمَع اللَّه يَذْكُر النِّسَاء فِي الْهِجْرَة بِشَيْءٍ ! فَأَنْزَلَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبّهمْ أَنِّي لَا أُضِيع عَمَل عَامِل مِنْكُمْ مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى } 6671 - حَدَّثَنَا الرَّبِيع بْن سُلَيْمَان , قَالَ : ثنا أَسَد بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ رَجُل مِنْ وَلَد أُمّ سَلَمَة , عَنْ أُمّ سَلَمَة أَنَّهَا قَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه لَا أَسْمَع اللَّه ذَكَرَ النِّسَاء فِي الْهِجْرَة بِشَيْءٍ ! فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبّهمْ أَنِّي لَا أُضِيع عَمَل عَامِل مِنْكُمْ مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى بَعْضكُمْ مِنْ بَعْض } وَقِيلَ : فَاسْتَجَابَ لَهُمْ , بِمَعْنَى : فَأَجَابَهُمْ , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : وَدَاعٍ دَعَا يَا مَنْ يُجِيب إِلَى النَّدَى فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْد ذَاكَ مُجِيب بِمَعْنَى : فَلَمْ يُجِبْهُ عِنْد ذَاكَ مُجِيب . وَأُدْخِلَتْ " مِنْ " فِي قَوْله : { مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى } عَلَى التَّرْجَمَة وَالتَّفْسِير عَنْ قَوْله " مِنْكُمْ " , بِمَعْنَى : لَا أُضِيع عَمَل عَامِل مِنْكُمْ مِنْ الذُّكُور وَالْإِنَاث وَلَيْسَتْ " مِنْ " هَذِهِ بِاَلَّتِي يَجُوز إِسْقَاطهَا وَحَذْفهَا مِنْ الْكَلَام فِي الْجَحْد , لِأَنَّهَا دَخَلَتْ بِمَعْنًى لَا يَصْلُح الْكَلَام إِلَّا بِهِ . وَزَعَمَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة أَنَّهَا دَخَلَتْ فِي هَذَا الْمَوْضِع , كَمَا تَدْخُل فِي قَوْلهمْ : " قَدْ كَانَ مِنْ حَدِيث " قَالَ : " وَمِنْ " هَهُنَا أَحْسَن , لِأَنَّ النَّهْي قَدْ دَخَلَ فِي قَوْله : لَا أُضِيع . وَأَنْكَرَ ذَلِكَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة وَقَالَ : لَا تَدْخُل " مِنْ " وَتَخْرُج إِلَّا فِي مَوْضِع الْجَحْد ; وَقَالَ : قَوْله : { لَا أُضِيع عَمَل عَامِل مِنْكُمْ } لَمْ يُدْرِكهُ الْجَحْد , لِأَنَّك لَا تَقُول : لَا أَضْرِب غُلَام رَجُل فِي الدَّار وَلَا فِي الْبَيْت فَيَدْخُل , وَلَا لِأَنَّهُ لَمْ يَنَلْهُ الْجَحْد , وَلَكِنْ " مِنْ " مُفَسِّرَة .
وَأَمَّا قَوْله : { بَعْضكُمْ مِنْ بَعْض } فَإِنَّهُ يَعْنِي : بَعْضكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّه قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ , مِنْ بَعْض , فِي النُّصْرَة وَالْمَسْأَلَة وَالدِّين , وَحُكْم جَمِيعكُمْ فِيمَا أَنَا بِكُمْ فَاعِل عَلَى حُكْم أَحَدكُمْ فِي أَنِّي لَا أُضِيع عَمَل ذَكَر مِنْكُمْ وَلَا أُنْثَى .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَاَلَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتهمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُم جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار ثَوَابًا مِنْ عِنْد اللَّه وَاَللَّه عِنْده حُسْن الثَّوَاب } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَاَلَّذِينَ هَاجَرُوا قَوْمهمْ مِنْ أَهْل الْكُفْر وَعَشِيرَتهمْ فِي اللَّه , إِلَى إِخْوَانهمْ مِنْ أَهْل الْإِيمَان بِاَللَّهِ , وَالتَّصْدِيق بِرَسُولِهِ , وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارهمْ , وَهُمْ الْمُهَاجِرُونَ الَّذِينَ أَخْرَجَهُمْ مُشْرِكُو قُرَيْش مِنْ دِيَارهمْ بِمَكَّةَ , وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي , يَعْنِي : وَأُوذُوا فِي طَاعَتهمْ رَبّهمْ , وَعِبَادَتهمْ إِيَّاهُ , مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين , وَذَلِكَ هُوَ سَبِيل اللَّه الَّتِي آذَى فِيهَا الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْل مَكَّة الْمُؤْمِنِينَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلهَا ; وَقُتِلُوا , يَعْنِي : وَقُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه وَقَاتَلُوا فِيهَا , لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتهمْ , يَعْنِي : لَأَمْحُوَنَّهَا عَنْهُمْ , وَلَأَتَفَضَّلَنَّ عَلَيْهِمْ بِعَفْوِي وَرَحْمَتِي , وَلَأَغْفِرَنَّهَا لَهُمْ , وَلَأُدْخِلَنَّهُم جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار , ثَوَابهَا , يَعْنِي : جَزَاء لَهُمْ عَلَى مَا عَمِلُوا وَأَبْلَوْا فِي اللَّه وَفِي سَبِيله ; مِنْ عِنْد اللَّه : يَعْنِي : مِنْ قِبَل اللَّه لَهُمْ ; وَاَللَّه عِنْده حُسْن الثَّوَاب , يَعْنِي : أَنَّ اللَّه عِنْده مِنْ جَزَاء أَعْمَالهمْ جَمِيع صُنُوفه , وَذَلِكَ مَا لَا يَبْلُغهُ وَصْف وَاصِف , لِأَنَّهُ مِمَّا لَا عَيْن رَأَتْ وَلَا أُذُن سَمِعَتْ , وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْب بَشَر . كَمَا : 6672 - حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن وَهْب , قَالَ : ثنا عَمِّي عَبْد اللَّه بْن وَهْب , قَالَ : ثني عَمْرو بْن الْحَارِث : أَنَّ أَبَا عُشَّانَة الْمَعَافِرِيّ , حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاص يَقُول : لَقَدْ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَقُول : " إِنَّ أَوَّل ثُلَّة تَدْخُل الْجَنَّة لِفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ , الَّذِينَ تُتَّقَى بِهِمْ الْمَكَارِه , إِذَا أُمِرُوا سَمِعُوا وَأَطَاعُوا وَإِنْ كَانَتْ لِرَجُلٍ مِنْهُمْ حَاجَة إِلَى السُّلْطَان لَمْ تُقْضَ حَتَّى يَمُوت وَهِيَ فِي صَدْره , وَإِنَّ اللَّه يَدْعُو يَوْم الْقِيَامَة الْجَنَّة , فَتَأْتِي بِزُخْرُفِهَا وَزِينَتهَا , فَيَقُول : أَيْنَ عِبَادِي الَّذِينَ قَاتَلُوا فِي سَبِيلِي وَقُتِلُوا , وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي , وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِي , اُدْخُلُوا الْجَنَّة , فَيَدْخُلُونَهَا بِغَيْرِ عَذَاب , وَلَا حِسَاب , وَتَأْتِي الْمَلَائِكَة فَيَسْجُدُونَ وَيَقُولُونَ : رَبّنَا نَحْنُ نُسَبِّح لَك اللَّيْل وَالنَّهَار , وَنُقَدِّس لَك مَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ آثَرْتهمْ عَلَيْنَا , فَيَقُول الرَّبّ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : هَؤُلَاءِ عِبَادِي الَّذِينَ قَاتَلُوا فِي سَبِيلِي , وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي , فَتَدْخُل الْمَلَائِكَة عَلَيْهِمْ مِنْ كُلّ بَاب : { سَلَام عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّار } " . 13 24 وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا } فَقَرَأَهُ بَعْضهمْ : " وَقَتَلُوا وَقُتِلُوا " بِالتَّخْفِيفِ , بِمَعْنَى أَنَّهُمْ قَتَلُوا مَنْ قُتِلُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ : " وَقَاتَلُوا وَقُتِّلُوا " بِتَشْدِيدِ قُتِّلُوا , بِمَعْنَى : أَنَّهُمْ قَاتَلُوا الْمُشْرِكِينَ , وَقَتَّلَهُمْ الْمُشْرِكُونَ بَعْضًا بَعْد بَعْض وَقَتْلًا بَعْد قَتْل . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَبَعْض الْكُوفِيِّينَ : " وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا " بِالتَّخْفِيفِ , بِمَعْنَى أَنَّهُمْ قَاتَلُوا الْمُشْرِكِينَ وَقُتِلُوا . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : { وَقُتِلُوا } بِالتَّخْفِيفِ { وَقَاتَلُوا } بِمَعْنَى : أَنَّ بَعْضهمْ قُتِلَ , وَقَاتَلَ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ . وَالْقِرَاءَة الَّتِي لَا أَسْتَجِيزُ أَنْ أَعْدُوهَا إِحْدَى هَاتَيْنِ الْقِرَاءَتَيْنِ , وَهِيَ : " وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا " بِالتَّخْفِيفِ , أَوْ { وَقُتِلُوا } بِالتَّخْفِيفِ { وَقَاتَلُوا } لِأَنَّهَا الْقِرَاءَة الْمَنْقُولَة نَقْل وِرَاثَة , وَمَا عَدَاهُمَا فَشَاذّ . وَبِأَيِّ هَاتَيْنِ الْقِرَاءَتَيْنِ الَّتِي ذَكَرْت أَنِّي لَا أَسْتَجِيزُ أَنْ أَعْدُوهُمَا قَرَأَ قَارِئ فَمُصِيب فِي ذَلِكَ الصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة , لِاسْتِفَاضَةِ الْقِرَاءَة بِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا فِي قُرَّاء الْإِسْلَام مَعَ اِتِّفَاق مَعْنَيَيْهِمَا .
وَأَمَّا قَوْله : { بَعْضكُمْ مِنْ بَعْض } فَإِنَّهُ يَعْنِي : بَعْضكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّه قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ , مِنْ بَعْض , فِي النُّصْرَة وَالْمَسْأَلَة وَالدِّين , وَحُكْم جَمِيعكُمْ فِيمَا أَنَا بِكُمْ فَاعِل عَلَى حُكْم أَحَدكُمْ فِي أَنِّي لَا أُضِيع عَمَل ذَكَر مِنْكُمْ وَلَا أُنْثَى .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَاَلَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتهمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُم جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار ثَوَابًا مِنْ عِنْد اللَّه وَاَللَّه عِنْده حُسْن الثَّوَاب } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَاَلَّذِينَ هَاجَرُوا قَوْمهمْ مِنْ أَهْل الْكُفْر وَعَشِيرَتهمْ فِي اللَّه , إِلَى إِخْوَانهمْ مِنْ أَهْل الْإِيمَان بِاَللَّهِ , وَالتَّصْدِيق بِرَسُولِهِ , وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارهمْ , وَهُمْ الْمُهَاجِرُونَ الَّذِينَ أَخْرَجَهُمْ مُشْرِكُو قُرَيْش مِنْ دِيَارهمْ بِمَكَّةَ , وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي , يَعْنِي : وَأُوذُوا فِي طَاعَتهمْ رَبّهمْ , وَعِبَادَتهمْ إِيَّاهُ , مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين , وَذَلِكَ هُوَ سَبِيل اللَّه الَّتِي آذَى فِيهَا الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْل مَكَّة الْمُؤْمِنِينَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلهَا ; وَقُتِلُوا , يَعْنِي : وَقُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه وَقَاتَلُوا فِيهَا , لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتهمْ , يَعْنِي : لَأَمْحُوَنَّهَا عَنْهُمْ , وَلَأَتَفَضَّلَنَّ عَلَيْهِمْ بِعَفْوِي وَرَحْمَتِي , وَلَأَغْفِرَنَّهَا لَهُمْ , وَلَأُدْخِلَنَّهُم جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار , ثَوَابهَا , يَعْنِي : جَزَاء لَهُمْ عَلَى مَا عَمِلُوا وَأَبْلَوْا فِي اللَّه وَفِي سَبِيله ; مِنْ عِنْد اللَّه : يَعْنِي : مِنْ قِبَل اللَّه لَهُمْ ; وَاَللَّه عِنْده حُسْن الثَّوَاب , يَعْنِي : أَنَّ اللَّه عِنْده مِنْ جَزَاء أَعْمَالهمْ جَمِيع صُنُوفه , وَذَلِكَ مَا لَا يَبْلُغهُ وَصْف وَاصِف , لِأَنَّهُ مِمَّا لَا عَيْن رَأَتْ وَلَا أُذُن سَمِعَتْ , وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْب بَشَر . كَمَا : 6672 - حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن وَهْب , قَالَ : ثنا عَمِّي عَبْد اللَّه بْن وَهْب , قَالَ : ثني عَمْرو بْن الْحَارِث : أَنَّ أَبَا عُشَّانَة الْمَعَافِرِيّ , حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاص يَقُول : لَقَدْ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَقُول : " إِنَّ أَوَّل ثُلَّة تَدْخُل الْجَنَّة لِفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ , الَّذِينَ تُتَّقَى بِهِمْ الْمَكَارِه , إِذَا أُمِرُوا سَمِعُوا وَأَطَاعُوا وَإِنْ كَانَتْ لِرَجُلٍ مِنْهُمْ حَاجَة إِلَى السُّلْطَان لَمْ تُقْضَ حَتَّى يَمُوت وَهِيَ فِي صَدْره , وَإِنَّ اللَّه يَدْعُو يَوْم الْقِيَامَة الْجَنَّة , فَتَأْتِي بِزُخْرُفِهَا وَزِينَتهَا , فَيَقُول : أَيْنَ عِبَادِي الَّذِينَ قَاتَلُوا فِي سَبِيلِي وَقُتِلُوا , وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي , وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِي , اُدْخُلُوا الْجَنَّة , فَيَدْخُلُونَهَا بِغَيْرِ عَذَاب , وَلَا حِسَاب , وَتَأْتِي الْمَلَائِكَة فَيَسْجُدُونَ وَيَقُولُونَ : رَبّنَا نَحْنُ نُسَبِّح لَك اللَّيْل وَالنَّهَار , وَنُقَدِّس لَك مَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ آثَرْتهمْ عَلَيْنَا , فَيَقُول الرَّبّ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : هَؤُلَاءِ عِبَادِي الَّذِينَ قَاتَلُوا فِي سَبِيلِي , وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي , فَتَدْخُل الْمَلَائِكَة عَلَيْهِمْ مِنْ كُلّ بَاب : { سَلَام عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّار } " . 13 24 وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا } فَقَرَأَهُ بَعْضهمْ : " وَقَتَلُوا وَقُتِلُوا " بِالتَّخْفِيفِ , بِمَعْنَى أَنَّهُمْ قَتَلُوا مَنْ قُتِلُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ : " وَقَاتَلُوا وَقُتِّلُوا " بِتَشْدِيدِ قُتِّلُوا , بِمَعْنَى : أَنَّهُمْ قَاتَلُوا الْمُشْرِكِينَ , وَقَتَّلَهُمْ الْمُشْرِكُونَ بَعْضًا بَعْد بَعْض وَقَتْلًا بَعْد قَتْل . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَبَعْض الْكُوفِيِّينَ : " وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا " بِالتَّخْفِيفِ , بِمَعْنَى أَنَّهُمْ قَاتَلُوا الْمُشْرِكِينَ وَقُتِلُوا . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : { وَقُتِلُوا } بِالتَّخْفِيفِ { وَقَاتَلُوا } بِمَعْنَى : أَنَّ بَعْضهمْ قُتِلَ , وَقَاتَلَ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ . وَالْقِرَاءَة الَّتِي لَا أَسْتَجِيزُ أَنْ أَعْدُوهَا إِحْدَى هَاتَيْنِ الْقِرَاءَتَيْنِ , وَهِيَ : " وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا " بِالتَّخْفِيفِ , أَوْ { وَقُتِلُوا } بِالتَّخْفِيفِ { وَقَاتَلُوا } لِأَنَّهَا الْقِرَاءَة الْمَنْقُولَة نَقْل وِرَاثَة , وَمَا عَدَاهُمَا فَشَاذّ . وَبِأَيِّ هَاتَيْنِ الْقِرَاءَتَيْنِ الَّتِي ذَكَرْت أَنِّي لَا أَسْتَجِيزُ أَنْ أَعْدُوهُمَا قَرَأَ قَارِئ فَمُصِيب فِي ذَلِكَ الصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة , لِاسْتِفَاضَةِ الْقِرَاءَة بِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا فِي قُرَّاء الْإِسْلَام مَعَ اِتِّفَاق مَعْنَيَيْهِمَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّب الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَاد } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَلَا يَغُرَّنَّكَ يَا مُحَمَّد تَقَلُّب الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَاد , يَعْنِي : تَصَرُّفهمْ فِي الْأَرْض وَضَرْبهمْ فِيهَا . كَمَا : 6673 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّب الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَاد } يَقُول : ضَرْبهمْ فِي الْبِلَاد . فَنَهَى اللَّه تَعَالَى ذِكْره نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الِاغْتِرَار بِضَرْبِهِمْ فِي الْبِلَاد , وَإِمْهَال اللَّه إِيَّاهُمْ مَعَ شِرْكهمْ وَجُحُودهمْ نِعَمه , وَعِبَادَتهمْ غَيْره . وَخَرَجَ الْخِطَاب بِذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالْمَعْنِيّ بِهِ غَيْره مِنْ أَتْبَاعه وَأَصْحَابه , كَمَا قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى قَبْل مِنْ أَمْر اللَّه , وَلَكِنْ كَانَ بِأَمْرِ اللَّه صَادِعًا , وَإِلَى الْحَقّ دَاعِيًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ قَتَادَة . 6674 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّب الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَاد } وَاَللَّه مَا غَرُّوا نَبِيّ اللَّه , وَلَا وَكَّلَ إِلَيْهِمْ شَيْئًا مِنْ أَمْر اللَّه , حَتَّى قَبَضَهُ اللَّه عَلَى ذَلِكَ .
وَأَمَّا قَوْله : { مَتَاع قَلِيل } فَإِنَّهُ يَعْنِي : أَنَّ تَقَلُّبهمْ فِي الْبِلَاد وَتَصَرُّفهمْ فِيهَا مُتْعَة يُمَتَّعُونَ بِهَا قَلِيلًا , حَتَّى يَبْلُغُوا آجَالهمْ , فَتَخْتَرِمَهُمْ مَنِيَّاتهمْ , ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّم بَعْد مَمَاتهمْ , وَالْمَأْوَى : الْمَصِير الَّذِي يَأْوُونَ إِلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة , فَيَصِيرُونَ فِيهِ .
وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَبِئْسَ الْمِهَاد } وَبِئْسَ الْفِرَاش وَالْمَضْجَع جَهَنَّم .
وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَبِئْسَ الْمِهَاد } وَبِئْسَ الْفِرَاش وَالْمَضْجَع جَهَنَّم .
لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَكِنْ الَّذِينَ اِتَّقَوْا رَبّهمْ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { لَكِنْ الَّذِينَ اِتَّقَوْا رَبّهمْ } لَكِنْ الَّذِينَ اِتَّقَوْا اللَّه بِطَاعَتِهِ , وَاتِّبَاع مَرْضَاته , فِي الْعَمَل بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ , وَاجْتِنَاب مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ .
{ لَهُمْ جَنَّات } يَعْنِي : بَسَاتِين .
{ تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار خَالِدِينَ فِيهَا } يَقُول : بَاقِينَ فِيهَا أَبَدًا .
{ نُزُلًا مِنْ عِنْد اللَّه } يَعْنِي : إِنْزَالًا مِنْ اللَّه إِيَّاهُمْ فِيهَا أَنْزَلَهُمُوهَا ; وَنُصِبَ " نُزُلًا " عَلَى التَّفْسِير , مِنْ قَوْله : لَهُمْ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار , كَمَا يُقَال : لَك عِنْد اللَّه جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار ثَوَابًا , وَكَمَا يُقَال : هُوَ لَك صَدَقَة , وَهُوَ لَك هِبَة . وَقَوْله : { مِنْ عِنْد اللَّه } يَعْنِي : مِنْ قِبَل اللَّه , وَمِنْ كَرَامَة اللَّه إِيَّاهُمْ , وَعَطَايَاهُ لَهُمْ .
وَقَوْله : { وَمَا عِنْد اللَّه خَيْر لِلْأَبْرَارِ } يَقُول : وَمَا عِنْد اللَّه مِنْ الْحَيَاة وَالْكَرَامَة , وَحُسْن الْمَآب خَيْر لِلْأَبْرَارِ , مِمَّا يَتَقَلَّب فِيهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَإِنَّ الَّذِي يَتَقَلَّبُونَ فِيهِ زَائِل فَانٍ , وَهُوَ قَلِيل مِنْ الْمَتَاع خَسِيس , وَمَا عِنْد اللَّه خَيْر مِنْ كَرَامَته لِلْأَبْرَارِ , وَهُمْ أَهْل طَاعَته , بَاقٍ غَيْر فَانٍ وَلَا زَائِل . 6675 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : سَمِعْت اِبْن زَيْد يَقُول فِي قَوْله : { وَمَا عِنْد اللَّه خَيْر لِلْأَبْرَارِ } قَالَ : لِمَنْ يُطِيع اللَّه . 6676 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ خَيْثَمَة عَنْ الْأَسْوَد , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : مَا مِنْ نَفْس بَرَّة وَلَا فَاجِرَة إِلَّا وَالْمَوْت خَيْر لَهَا . ثُمَّ قَرَأَ عَبْد اللَّه : { وَمَا عِنْد اللَّه خَيْر لِلْأَبْرَارِ } وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْر لِأَنْفُسِهِمْ } 3 178 6677 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ فَرَج بْن فَضَالَة , عَنْ لُقْمَان , عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء أَنَّهُ كَانَ يَقُول : مَا مِنْ مُؤْمِن إِلَّا وَالْمَوْت خَيْر لَهُ , وَمَا مِنْ كَافِر إِلَّا وَالْمَوْت خَيْر لَهُ . وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقنِي , فَإِنَّ اللَّه يَقُول : { وَمَا عِنْد اللَّه خَيْر لِلْأَبْرَارِ } وَيَقُول : { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْر لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا }
{ لَهُمْ جَنَّات } يَعْنِي : بَسَاتِين .
{ تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار خَالِدِينَ فِيهَا } يَقُول : بَاقِينَ فِيهَا أَبَدًا .
{ نُزُلًا مِنْ عِنْد اللَّه } يَعْنِي : إِنْزَالًا مِنْ اللَّه إِيَّاهُمْ فِيهَا أَنْزَلَهُمُوهَا ; وَنُصِبَ " نُزُلًا " عَلَى التَّفْسِير , مِنْ قَوْله : لَهُمْ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار , كَمَا يُقَال : لَك عِنْد اللَّه جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار ثَوَابًا , وَكَمَا يُقَال : هُوَ لَك صَدَقَة , وَهُوَ لَك هِبَة . وَقَوْله : { مِنْ عِنْد اللَّه } يَعْنِي : مِنْ قِبَل اللَّه , وَمِنْ كَرَامَة اللَّه إِيَّاهُمْ , وَعَطَايَاهُ لَهُمْ .
وَقَوْله : { وَمَا عِنْد اللَّه خَيْر لِلْأَبْرَارِ } يَقُول : وَمَا عِنْد اللَّه مِنْ الْحَيَاة وَالْكَرَامَة , وَحُسْن الْمَآب خَيْر لِلْأَبْرَارِ , مِمَّا يَتَقَلَّب فِيهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَإِنَّ الَّذِي يَتَقَلَّبُونَ فِيهِ زَائِل فَانٍ , وَهُوَ قَلِيل مِنْ الْمَتَاع خَسِيس , وَمَا عِنْد اللَّه خَيْر مِنْ كَرَامَته لِلْأَبْرَارِ , وَهُمْ أَهْل طَاعَته , بَاقٍ غَيْر فَانٍ وَلَا زَائِل . 6675 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : سَمِعْت اِبْن زَيْد يَقُول فِي قَوْله : { وَمَا عِنْد اللَّه خَيْر لِلْأَبْرَارِ } قَالَ : لِمَنْ يُطِيع اللَّه . 6676 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ خَيْثَمَة عَنْ الْأَسْوَد , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : مَا مِنْ نَفْس بَرَّة وَلَا فَاجِرَة إِلَّا وَالْمَوْت خَيْر لَهَا . ثُمَّ قَرَأَ عَبْد اللَّه : { وَمَا عِنْد اللَّه خَيْر لِلْأَبْرَارِ } وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْر لِأَنْفُسِهِمْ } 3 178 6677 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ فَرَج بْن فَضَالَة , عَنْ لُقْمَان , عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء أَنَّهُ كَانَ يَقُول : مَا مِنْ مُؤْمِن إِلَّا وَالْمَوْت خَيْر لَهُ , وَمَا مِنْ كَافِر إِلَّا وَالْمَوْت خَيْر لَهُ . وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقنِي , فَإِنَّ اللَّه يَقُول : { وَمَا عِنْد اللَّه خَيْر لِلْأَبْرَارِ } وَيَقُول : { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْر لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا }
وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب لَمَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّه ثَمَنًا قَلِيلًا } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيمَنْ عَنَى بِهَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِهَا أَصْحَمَة النَّجَاشِيّ , وَفِيهِ أُنْزِلَتْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6678 - حَدَّثَنَا عِصَام بْن زِيَاد بْن رَوَّاد بْن الْجَرَّاح , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْهُذَلِيّ , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " اُخْرُجُوا فَصَلُّوا عَلَى أَخ لَكُمْ ! " فَصَلَّى بِنَا , فَكَبَّرَ أَرْبَع تَكْبِيرَات , فَقَالَ : " هَذَا النَّجَاشِيّ أَصْحَمَة " , فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ : اُنْظُرُوا هَذَا يُصَلِّي عَلَى عِلْج نَصْرَانِيّ لَمْ يَرَهُ قَطُّ ! فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب لَمَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ } 6679 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُعَاذ بْن هِشَام , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ قَتَادَة : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ أَخَاكُمْ النَّجَاشِيّ قَدْ مَاتَ فَصَلُّوا عَلَيْهِ ! " قَالُوا : نُصَلِّي عَلَى رَجُل لَيْسَ بِمُسْلِمٍ ؟ قَالَ : فَنَزَلَتْ : { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب لَمَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ } قَالَ قَتَادَة : فَقَالُوا : فَإِنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّي إِلَى الْقِبْلَة . فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَلِلَّهِ الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْه اللَّه } 2 115 * - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب لَمَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ } ذُكِرَ لَنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي النَّجَاشِيّ وَفِي نَاس مِنْ أَصْحَابه آمَنُوا بِنَبِيِّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَصَدَّقُوا بِهِ . قَالَ : وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْتَغْفَرَ لِلنَّجَاشِيِّ , وَصَلَّى عَلَيْهِ حِين بَلَغَهُ مَوْته , قَالَ لِأَصْحَابِهِ : " صَلُّوا عَلَى أَخ لَكُمْ قَدْ مَاتَ بِغَيْرِ بِلَادكُمْ ! " فَقَالَ أُنَاس مِنْ أَهْل النِّفَاق : يُصَلِّي عَلَى رَجُل مَاتَ لَيْسَ مِنْ أَهْل دِينه ! فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة : { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب لَمَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّه ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرهمْ عِنْد رَبّهمْ إِنَّ اللَّه سَرِيع الْحِسَاب } * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب لَمَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي النَّجَاشِيّ وَأَصْحَابه مِمَّنْ آمَنَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَاسْم النَّجَاشِيّ أَصْحَمَة . 6680 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : قَالَ عَبْد الرَّزَّاق , وَقَالَ اِبْن عُيَيْنَة : اِسْم النَّجَاشِيّ بِالْعَرَبِيَّةِ عَطِيَّة . 6681 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : لَمَّا صَلَّى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّجَاشِيّ , طَعَنَ فِي ذَلِكَ الْمُنَافِقُونَ , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب لَمَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ } . .. إِلَى آخِر الْآيَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ عَبْد اللَّه بْن سَلَام وَمَنْ مَعَهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6682 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : نَزَلَتْ - يَعْنِي هَذِهِ الْآيَة - فِي عَبْد اللَّه بْن سَلَام وَمَنْ مَعَهُ . 6683 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب لَمَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ } . .. الْآيَة كُلّهَا , قَالَ : هَؤُلَاءِ يَهُود . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ : مُسْلِمَة أَهْل الْكِتَاب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6684 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب لَمَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ } مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , وَهُمْ مُسْلِمَة أَهْل الْكِتَاب . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِتَأْوِيلِ الْآيَة مَا قَالَهُ مُجَاهِد , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَمَّ بِقَوْلِهِ : { وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب } أَهْل الْكِتَاب جَمِيعًا , فَلَمْ يُخَصِّصْ مِنْهُمْ النَّصَارَى دُون الْيَهُود , وَلَا الْيَهُود دُون النَّصَارَى , وَإِنَّمَا أَخْبَرَ أَنَّ مِنْ أَهْل الْكِتَاب مَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ , وَكِلَا الْفَرِيقَيْنِ , أَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى , مِنْ أَهْل الْكِتَاب . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَمَا أَنْتَ قَائِل فِي الْخَبَر الَّذِي رَوَيْت عَنْ جَابِر وَغَيْره أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي النَّجَاشِيّ وَأَصْحَابه ؟ قِيلَ : ذَلِكَ خَبَر فِي إِسْنَاده نَظَر , وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا لَا شَكّ فِيهِ لَمْ يَكُنْ لِمَا قُلْنَا فِي مَعْنَى الْآيَة بِخِلَافٍ , وَذَلِكَ أَنَّ جَابِرًا وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ إِنَّمَا قَالُوا : نَزَلَتْ فِي النَّجَاشِيّ , وَقَدْ تَنْزِل الْآيَة فِي الشَّيْء ثُمَّ يُعَمّ بِهَا كُلّ مَنْ كَانَ فِي مَعْنَاهُ . فَالْآيَة وَإِنْ كَانَتْ نَزَلَتْ فِي النَّجَاشِيّ , فَإِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ جَعَلَ الْحُكْم الَّذِي حَكَمَ بِهِ لِلنَّجَاشِيِّ حُكْمًا لِجَمِيع عِبَاده الَّذِينَ هُمْ بِصِفَةِ النَّجَاشِيّ فِي اِتِّبَاعهمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّصْدِيق بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , بَعْد الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ قَبْل ذَلِكَ مِنْ اِتِّبَاع أَمْر اللَّه فِيمَا أَمَرَ بِهِ عِبَاده فِي الْكِتَابَيْنِ : التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَتَأْوِيل الْآيَة : وَإِنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل لَمَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ , فَيُقِرّ بِوَحْدَانِيَّتِهِ , وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ , يَقُول : وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ كِتَابه وَوَحْيه , عَلَى لِسَان رَسُوله مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ , يَعْنِي : وَمَا أُنْزِلَ عَلَى أَهْل الْكِتَاب مِنْ الْكُتُب , وَذَلِكَ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور , خَاشِعِينَ لِلَّهِ , يَعْنِي : خَاضِعِينَ لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ , مُسْتَكِينِينَ لَهُ بِهَا مُتَذَلِّلِينَ . كَمَا : 6685 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { خَاشِعِينَ لِلَّهِ } قَالَ : الْخَاشِع : الْمُتَذَلِّل لِلَّهِ الْخَائِف . وَنُصِبَ قَوْله : { خَاشِعِينَ لِلَّهِ } عَلَى الْحَال مِنْ قَوْله : { لَمَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ } وَهُوَ حَال مِمَّا فِي " يُؤْمِن " مِنْ ذِكْر " مَنْ " . { لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّه ثَمَنًا قَلِيلًا } يَقُول : لَا يُحَرِّفُونَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ فِي كُتُبه مِنْ نَعْت مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُبَدِّلُونَهُ , وَلَا غَيْر ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامه وَحُجَجه فِيهِ , لِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا خَسِيس , يُعْطَوْنَهُ عَلَى ذَلِكَ التَّبْدِيل , وَابْتِغَاء الرِّيَاسَة عَلَى الْجُهَّال , وَلَكِنْ يَنْقَادُونَ لِلْحَقِّ , فَيَعْمَلُونَ بِمَا أَمَرَهُمْ اللَّه بِهِ , فِيمَا أَنْزَلَ إِلَيْهِمْ مِنْ كُتُبه , وَيَنْتَهُونَ عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ فِيهَا , وَيُؤْثِرُونَ أَمْر اللَّه تَعَالَى عَلَى هَوَى أَنْفُسهمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله : { أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرهمْ عِنْد رَبّهمْ إِنَّ اللَّه سَرِيع الْحِسَاب } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرهمْ } هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ , وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ , وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ , لَهُمْ أَجْرهمْ عِنْد رَبّهمْ ; يَعْنِي : لَهُمْ عِوَض أَعْمَالهمْ الَّتِي عَمِلُوهَا , وَثَوَاب طَاعَتهمْ رَبّهمْ فِيمَا أَطَاعُوهُ فِيهِ عِنْد رَبّهمْ , يَعْنِي : مَذْخُور ذَلِكَ لَهُمْ لَدَيْهِ , حَتَّى يَصِيرُوا إِلَيْهِ فِي الْقِيَامَة , فَيُوَفِّيهِمْ ذَلِكَ { إِنَّ اللَّه سَرِيع الْحِسَاب } وَسُرْعَة حِسَابه تَعَالَى ذِكْره , أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ أَعْمَالهمْ قَبْل أَنْ يَعْمَلُوهَا , وَبَعْد مَا عَمِلُوهَا , فَلَا حَاجَة بِهِ إِلَى إِحْصَاء عَدَد ذَلِكَ , فَيَقَع فِي الْإِحْصَاء إِبْطَاء , فَلِذَلِكَ قَالَ : { إِنَّ اللَّه سَرِيع الْحِسَاب }
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله : { أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرهمْ عِنْد رَبّهمْ إِنَّ اللَّه سَرِيع الْحِسَاب } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرهمْ } هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ , وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ , وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ , لَهُمْ أَجْرهمْ عِنْد رَبّهمْ ; يَعْنِي : لَهُمْ عِوَض أَعْمَالهمْ الَّتِي عَمِلُوهَا , وَثَوَاب طَاعَتهمْ رَبّهمْ فِيمَا أَطَاعُوهُ فِيهِ عِنْد رَبّهمْ , يَعْنِي : مَذْخُور ذَلِكَ لَهُمْ لَدَيْهِ , حَتَّى يَصِيرُوا إِلَيْهِ فِي الْقِيَامَة , فَيُوَفِّيهِمْ ذَلِكَ { إِنَّ اللَّه سَرِيع الْحِسَاب } وَسُرْعَة حِسَابه تَعَالَى ذِكْره , أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ أَعْمَالهمْ قَبْل أَنْ يَعْمَلُوهَا , وَبَعْد مَا عَمِلُوهَا , فَلَا حَاجَة بِهِ إِلَى إِحْصَاء عَدَد ذَلِكَ , فَيَقَع فِي الْإِحْصَاء إِبْطَاء , فَلِذَلِكَ قَالَ : { إِنَّ اللَّه سَرِيع الْحِسَاب }
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِصْبِرُوا وَصَابِرُوا } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : اِصْبِرُوا عَلَى دِينكُمْ , وَصَابِرُوا الْكُفَّار وَرَابِطُوهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6686 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ الْمُبَارَك بْن فَضَالَة , عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُول فِي قَوْل اللَّه : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا } قَالَ : أَمَرَهُمْ أَنْ يَصْبِرُوا عَلَى دِينهمْ , وَلَا يَدْعُوهُ لِشِدَّةٍ وَلَا رَخَاء , وَلَا سَرَّاء وَلَا ضَرَّاء , وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُصَابِرُوا الْكُفَّار , وَأَنْ يُرَابِطُوا الْمُشْرِكِينَ . 6687 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا } أَيْ اِصْبِرُوا عَلَى طَاعَة اللَّه , وَصَابِرُوا أَهْل الضَّلَالَة , وَرَابِطُوا فِي سَبِيل اللَّه , { وَاتَّقُوا اللَّه لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { اِصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا } يَقُول : صَابِرُوا الْمُشْرِكِينَ , وَرَابِطُوا فِي سَبِيل اللَّه . 6688 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { اِصْبِرُوا } عَلَى الطَّاعَة , { وَصَابِرُوا } أَعْدَاء اللَّه , { وَرَابِطُوا } فِي سَبِيل اللَّه . 6689 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { اِصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا } قَالَ : اِصْبِرُوا عَلَى مَا أُمِرْتُمْ بِهِ , وَصَابِرُوا الْعَدُوّ وَرَابِطُوهُمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : اِصْبِرُوا عَلَى دِينكُمْ , وَصَابِرُوا وَعْدِي إِيَّاكُمْ عَلَى طَاعَتكُمْ لِي , وَرَابِطُوا أَعْدَاءَكُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6690 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي هَذِهِ الْآيَة : { اِصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا } يَقُول : اِصْبِرُوا عَلَى دِينكُمْ , وَصَابِرُوا الْوَعْد الَّذِي وَعَدْتُكُمْ , وَرَابِطُوا عَدُوِّي وَعَدُوّكُمْ , حَتَّى يَتْرُك دِينه لِدِينِكُمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : اِصْبِرُوا عَلَى الْجِهَاد , وَصَابِرُوا عَدُوّكُمْ وَرَابِطُوهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6691 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا جَعْفَر بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هِشَام بْن سَعْد , عَنْ زَيْد بْن أَسْلَم فِي قَوْله : { اِصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا } قَالَ : اِصْبِرُوا عَلَى الْجِهَاد , وَصَابِرُوا عَدُوّكُمْ , وَرَابِطُوا عَلَى عَدُوّكُمْ . 6692 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُطَرِّف بْن عَبْد اللَّه الْمُرِّيّ , قَالَ : ثنا مَالِك بْن أَنَس , عَنْ زَيْد بْن أَسْلَم , قَالَ : كَتَبَ أَبُو عُبَيْدَة بْن الْجَرَّاح إِلَى عُمَر بْن الْخَطَّاب , فَذَكَرَ لَهُ جُمُوعًا مِنْ الرُّوم وَمَا يَتَخَوَّف مِنْهُمْ , فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَر : أَمَّا بَعْد , فَإِنَّهُ مَهْمَا نَزَلَ بِعَبْدٍ مُؤْمِن مَنْزِلَة شِدَّة يَجْعَل اللَّه بَعْدهَا فَرَجًا , وَإِنَّهُ لَنْ يَغْلِب عُسْر يُسْرَيْنِ , وَإِنَّ اللَّه يَقُول فِي كِتَابه : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّه لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى : { وَرَابِطُوا } أَيْ رَابِطُوا عَلَى الصَّلَوَات : أَيْ اِنْتَظِرُوهَا وَاحِدَة بَعْد وَاحِدَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 6693 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ مُصْعَب بْن ثَابِت بْن عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , قَالَ : ثني دَاوُد بْن صَالِح , قَالَ : قَالَ لِي أَبُو سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن : يَا اِبْن أَخِي هَلْ تَدْرِي فِي أَيّ شَيْء نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة { اِصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا } ؟ قَالَ : قُلْت لَا . قَالَ : إِنَّهُ يَا اِبْن أَخِي لَمْ يَكُنْ فِي زَمَان النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْو يُرَابَط فِيهِ , وَلَكِنَّهُ اِنْتِظَار الصَّلَاة خَلْف الصَّلَاة . 6694 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ عَبْد اللَّه بْن سَعِيد الْمَقْبُرِيّ , عَنْ جَدّه , عَنْ شُرَحْبِيل عَنْ عَلِيّ , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَلَا أَدُلّكُمْ عَلَى مَا يُكَفِّر اللَّه بِهِ الذُّنُوب وَالْخَطَايَا ؟ إِسْبَاغ الْوُضُوء عَلَى الْمَكَارِه , وَانْتِظَار الصَّلَاة بَعْد الصَّلَاة , فَذَلِكَ الرِّبَاط " . 6695 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْن سَهْل الرَّمْلِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن مُهَاجِر , قَالَ : ثني يَحْيَى بْن زَيْد , عَنْ زَيْد بْن أَبِي أُنَيْسَة , عَنْ شُرَحْبِيل , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَلَا أَدُلّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّه بِهِ الْخَطَايَا وَيُكَفِّر بِهِ الذُّنُوب ؟ " قَالَ : قُلْنَا بَلَى يَا رَسُول اللَّه ! قَالَ : " إِسْبَاغ الْوُضُوء فِي أَمَاكِنهَا , وَكَثْرَة الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِد , وَانْتِظَار الصَّلَاة بَعْد الصَّلَاة , فَذَلِكُمْ الرِّبَاط " . 6696 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا خَالِد بْن مَخْلَد , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , عَنْ الْعَلَاء بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَلَا أَدُلّكُمْ عَلَى مَا يَحُطّ اللَّه بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَع بِهِ الدَّرَجَات ؟ " قَالُوا : بَلَى يَا رَسُول اللَّه . قَالَ : " إِسْبَاغ الْوُضُوء عِنْد الْمَكَارِه , وَكَثْرَة الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِد , وَانْتِظَار الصَّلَاة بَعْد الصَّلَاة , فَذَلِكُمْ الرِّبَاط فَذَلِكُمْ الرِّبَاط " . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن جَعْفَر , عَنْ الْعَلَاء بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بِنَحْوِهِ . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَات بِتَأْوِيلِ الْآيَة , قَوْل مَنْ قَالَ فِي ذَلِكَ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } يَا أَيّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّه وَرَسُوله , اِصْبِرُوا عَلَى دِينكُمْ , وَطَاعَة رَبّكُمْ , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه لَمْ يَخْصُصْ مِنْ مَعَانِي الصَّبْر عَلَى الدِّين وَالطَّاعَة شَيْئًا فَيَجُوز إِخْرَاجه مِنْ ظَاهِر التَّنْزِيل . فَلِذَلِكَ قُلْنَا إِنَّهُ عَنَى بِقَوْلِهِ : { اِصْبِرُوا } الْأَمْر بِالصَّبْرِ عَلَى جَمِيع مَعَانِي طَاعَة اللَّه فِيمَا أَمَرَ وَنَهَى , صَعْبهَا وَشَدِيدهَا , وَسَهْلهَا وَخَفِيفهَا . { وَصَابِرُوا } يَعْنِي : وَصَابِرُوا أَعْدَاءَكُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ , لِأَنَّ الْمَعْرُوف مِنْ كَلَام الْعَرَب فِي الْمُفَاعَلَة , أَنْ تَكُون مِنْ فَرِيقَيْنِ , أَوْ اِثْنَيْنِ فَصَاعِدًا , وَلَا تَكُون مِنْ وَاحِد إِلَّا قَلِيلًا فِي أَحْرُف مَعْدُودَة , وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَإِنَّمَا أُمِرَ الْمُؤْمِنُونَ أَنْ يُصَابِرُوا غَيْرهمْ مِنْ أَعْدَائِهِمْ , حَتَّى يُظْفِرهُمْ اللَّه بِهِمْ , وَيُعْلِي كَلِمَته , وَيُخْزِي أَعْدَاءَهُمْ , وَأَنْ لَا يَكُنْ عَدُوّهُمْ أَصْبَر مِنْهُمْ . وَكَذَلِكَ قَوْله { وَرَابِطُوا } مَعْنَاهُ : وَرَابِطُوا أَعْدَاءَكُمْ وَأَعْدَاء دِينكُمْ مِنْ أَهْل الشِّرْك فِي سَبِيل اللَّه . وَأَرَى أَنَّ أَصْل الرِّبَاط : اِرْتِبَاط الْخَيْل لِلْعَدُوِّ , كَمَا اِرْتَبَطَ عَدُوّهُمْ لَهُمْ خَيْلهمْ , ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ ذَلِكَ فِي كُلّ مُقِيم فِي ثُغْر , يَدْفَع عَمَّنْ وَرَاءَهُ مَنْ أَرَادَهُ مِنْ أَعْدَائِهِمْ بِسُوءٍ , وَيَحْمِي عَنْهُمْ مَنْ بَيْنه وَبَيْنهمْ , مِمَّنْ بَغَاهُمْ بِشَرٍّ كَانَ ذَا خَيْل قَدْ اِرْتَبَطَهَا , أَوْ ذَا رِجْلَة لَا مَرْكَب لَهُ . وَإِنَّمَا قُلْنَا : مَعْنَى { وَرَابِطُوا } وَرَابِطُوا أَعْدَاءَكُمْ وَأَعْدَاء دِينكُمْ , لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْنَى الْمَعْرُوف مِنْ مَعَانِي الرِّبَاط . وَإِنَّمَا تَوَجَّهَ الْكَلَام إِلَى الْأَغْلَب الْمَعْرُوف فِي اِسْتِعْمَال النَّاس مِنْ مَعَانِيه دُون الْخَفِيّ , حَتَّى يَأْتِي بِخِلَافِ ذَلِكَ مَا يُوجِب صَرْفه إِلَى الْخَفِيّ مِنْ مَعَانِيه حُجَّة يَجِب التَّسْلِيم لَهَا مِنْ كِتَاب أَوْ خَبَر عَنْ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَوْ إِجْمَاع مِنْ أَهْل التَّأْوِيل .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاتَّقُوا اللَّه لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره : وَاتَّقُوا اللَّه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ , وَاحْذَرُوهُ أَنْ تُخَالِفُوا أَمْره , أَوْ تَتَقَدَّمُوا نَهْيه , { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } يَقُول : لِتُفْلِحُوا فَتَبْقَوْا فِي نَعِيم الْأَبَد , وَتَنْجَحُوا فِي طِلْبَاتكُمْ عِنْده . كَمَا : 6697 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي قَوْله : { وَاتَّقُوا اللَّه لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } وَاتَّقُوا اللَّه فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنكُمْ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ غَدًا إِذَا لَقِيتُمُونِي . آخِر تَفْسِير سُورَة آل عِمْرَان .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاتَّقُوا اللَّه لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره : وَاتَّقُوا اللَّه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ , وَاحْذَرُوهُ أَنْ تُخَالِفُوا أَمْره , أَوْ تَتَقَدَّمُوا نَهْيه , { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } يَقُول : لِتُفْلِحُوا فَتَبْقَوْا فِي نَعِيم الْأَبَد , وَتَنْجَحُوا فِي طِلْبَاتكُمْ عِنْده . كَمَا : 6697 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي قَوْله : { وَاتَّقُوا اللَّه لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } وَاتَّقُوا اللَّه فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنكُمْ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ غَدًا إِذَا لَقِيتُمُونِي . آخِر تَفْسِير سُورَة آل عِمْرَان .