مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ ↓
وَقَوْله : { مِثْل دَأْب قَوْم نُوح } يَقُول : يَفْعَل ذَلِكَ بِكُمْ فَيُهْلِككُمْ مِثْل سُنَّته فِي قَوْم نُوح وَعَاد وَثَمُود وَفِعْله بِهِمْ . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الدَّأْب فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ , الْمُغْنِيَة عَنْ إِعَادَته , مَعَ ذِكْر أَقْوَال أَهْل التَّأْوِيل فِيهِ . وَقَدْ : 23387 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس { مِثْل دَأْب قَوْم نُوح } يَقُول : مِثْل حَال . 23388 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { مِثْل دَأْب قَوْم نُوح } قَالَ : مِثْل مَا أَصَابَهُمْ .
وَقَوْله : { وَاَلَّذِينَ مِنْ بَعْدهمْ } يَعْنِي قَوْم إِبْرَاهِيم , وَقَوْم لُوط , وَهُمْ أَيْضًا مِنْ الْأَحْزَاب , كَمَا : 23389 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَاَلَّذِينَ مِنْ بَعْدهمْ } قَالَ : هُمْ الْأَحْزَاب.
وَقَوْله : { وَمَا اللَّه يُرِيد ظُلْمًا لِلْعِبَادِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيل الْمُؤْمِن مِنْ آل فِرْعَوْن لِفِرْعَوْن وَمَلَئِهِ : وَمَا أَهْلَكَ اللَّه هَذِهِ الْأَحْزَاب مِنْ هَذِهِ الْأُمَم ظُلْمًا مِنْهُ لَهُمْ بِغَيْرِ جُرْم اجْتَرَمُوهُ بَيْنهمْ وَبَيْنه , لِأَنَّهُ لَا يُرِيد ظُلْم عِبَاده , وَلَا يَشَاؤُهُ , وَلَكِنَّهُ أَهْلَكَهُمْ بِإِجْرَامِهِمْ وَكُفْرهمْ بِهِ , وَخِلَافهمْ أَمْره .
وَقَوْله : { وَاَلَّذِينَ مِنْ بَعْدهمْ } يَعْنِي قَوْم إِبْرَاهِيم , وَقَوْم لُوط , وَهُمْ أَيْضًا مِنْ الْأَحْزَاب , كَمَا : 23389 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَاَلَّذِينَ مِنْ بَعْدهمْ } قَالَ : هُمْ الْأَحْزَاب.
وَقَوْله : { وَمَا اللَّه يُرِيد ظُلْمًا لِلْعِبَادِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيل الْمُؤْمِن مِنْ آل فِرْعَوْن لِفِرْعَوْن وَمَلَئِهِ : وَمَا أَهْلَكَ اللَّه هَذِهِ الْأَحْزَاب مِنْ هَذِهِ الْأُمَم ظُلْمًا مِنْهُ لَهُمْ بِغَيْرِ جُرْم اجْتَرَمُوهُ بَيْنهمْ وَبَيْنه , لِأَنَّهُ لَا يُرِيد ظُلْم عِبَاده , وَلَا يَشَاؤُهُ , وَلَكِنَّهُ أَهْلَكَهُمْ بِإِجْرَامِهِمْ وَكُفْرهمْ بِهِ , وَخِلَافهمْ أَمْره .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا قَوْم إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ يَوْم التَّنَادِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيل هَذَا الْمُؤْمِن لِفِرْعَوْن وَقَوْمه : { وَيَا قَوْم إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ } بِقَتْلِكُمْ مُوسَى إِنْ قَتَلْتُمُوهُ عِقَاب اللَّه { يَوْم التَّنَادِ } . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { يَوْم التَّنَادِ } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار : { يَوْم التَّنَادِ } بِتَخْفِيفِ الدَّال , وَتَرْك إِثْبَات الْيَاء , بِمَعْنَى التَّفَاعُل , مِنْ تَنَادَى الْقَوْم تَنَادِيًا , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَنَادَى أَصْحَاب الْجَنَّة أَصْحَاب النَّار أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ } 7 44 وَقَالَ : { وَنَادَى أَصْحَاب النَّار أَصْحَاب الْجَنَّة أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنْ الْمَاء } 7 50 فَلِذَلِكَ تَأَوَّلَهُ قَارِئُو ذَلِكَ كَذَلِكَ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23390 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الْأَنْصَارِيّ , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة { يَوْم التَّنَادِ } قَالَ : يَوْم يُنَادِي أَهْل النَّار أَهْل الْجَنَّة : أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنْ الْمَاء * - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَيَا قَوْم إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ يَوْم التَّنَادِ } يَوْم يُنَادِي أَهْل الْجَنَّة أَهْل النَّار { أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبّكُمْ حَقًّا } 7 4 وَيُنَادِي أَهْل النَّار أَهْل الْجَنَّة { أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنْ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّه } 7 50 23391 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { يَوْم التَّنَادِ } قَالَ : يَوْم الْقِيَامَة يُنَادِي أَهْل الْجَنَّة أَهْل النَّار . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة تَأْوِيل آخَر عَلَى غَيْر هَذَا الْوَجْه ; وَهُوَ مَا : 23392- حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد الْمُحَارِبِيّ , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن رَافِع الْمَدَنِيّ , عَنْ يَزِيد بْن زِيَاد , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , عَنْ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " يَأْمُر اللَّه إِسْرَافِيل بِالنَّفْخَةِ الْأُولَى , فَيَقُول : اُنْفُخْ نَفْخَة الْفَزَع , فَفَزِعَ أَهْل السَّمَوَات وَأَهْل الْأَرْض إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه , وَيَأْمُرهُ اللَّه أَنْ يُدِيمهَا وَيُطَوِّلهَا فَلَا يَفْتُر , وَهِيَ الَّتِي يَقُول اللَّه : { وَمَا يَنْظُر هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة مَا لَهَا مِنْ فَوَاق } 38 15 فَيُسَيِّر اللَّه الْجِبَال فَتَكُون سَرَابًا , فَتُرَجّ الْأَرْض بِأَهْلِهَا رَجًّا , وَهِيَ الَّتِي يَقُول اللَّه : { يَوْم تَرْجُف الرَّاجِفَة تَتْبَعهَا الرَّادِفَة قُلُوب يَوْمئِذٍ وَاجِفَة } 79 6 : 8 فَتَكُون كَالسَّفِينَةِ الْمُرْتِعَة فِي الْبَحْر تَضْرِبهَا الْأَمْوَاج تَكْفَأ بِأَهْلِهَا , أَوْ كَالْقِنْدِيلِ الْمُعَلَّق بِالْعَرْشِ تَرُجّهُ الْأَرْوَاح , فَتَمِيد النَّاس عَلَى ظَهْرهَا , فَتَذْهَل الْمَرَاضِع , وَتَضَع الْحَوَامِل , وَتَشِيب الْوِلْدَان , وَتَطِير الشَّيَاطِين هَارِبَة حَتَّى تَأْتِي الْأَقْطَار , فَتَلَقَّاهَا الْمَلَائِكَة , فَتَضْرِب وُجُوههَا , فَتَرْجِع وَيُوَلِّي النَّاس مُدْبِرِينَ , يُنَادِي بَعْضهمْ بَعْضًا , وَهُوَ الَّذِي يَقُول اللَّه : { يَوْم التَّنَادِ يَوْم تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنْ اللَّه مِنْ عَاصِم } " فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيل مَعْنَى الْكَلَام : وَيَا قَوْم إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ يَوْم يُنَادِي النَّاس بَعْضهمْ بَعْضًا مِنْ فَزَع نَفْخَة الْفَزَع . وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ : وَيَوْم التَّنَادِّ " بِتَشْدِيدِ الدَّال , بِمَعْنَى : التَّفَاعُل مِنْ النِّدّ , وَذَلِكَ إِذَا هَرَبُوا فَنَدُّوا فِي الْأَرْض , كَمَا تَنِدّ الْإِبِل : إِذَا شَرَدَتْ عَلَى أَرْبَابهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَذُكِرَ الْمَعْنَى الَّذِي قُصِدَ بِقِرَاءَتِهِ ذَلِكَ كَذَلِكَ : 23393 -حَدَّثَنِي مُوسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن الْمَسْرُوقِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ الْأَجْلَح , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم , قَالَ : إِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة , أَمَرَ اللَّه السَّمَاء الدُّنْيَا فَتَشَقَّقَتْ بِأَهْلِهَا , وَنَزَلَ مَنْ فِيهَا مِنْ الْمَلَائِكَة , فَأَحَاطُوا بِالْأَرْضِ وَمَنْ عَلَيْهَا , ثُمَّ الثَّانِيَة , ثُمَّ الثَّالِثَة , ثُمَّ الرَّابِعَة , ثُمَّ الْخَامِسَة , ثُمَّ السَّادِسَة , ثُمَّ السَّابِعَة , فَصُفُّوا صَفًّا دُون صَفّ , ثُمَّ يَنْزِل الْمَلَك الْأَعْلَى عَلَى مَجْنَبَتِهِ الْيُسْرَى جَهَنَّم , فَإِذَا رَآهَا أَهْل الْأَرْض نَدُّوا فَلَا يَأْتُونَ قُطْرًا مِنْ أَقْطَار الْأَرْض إِلَّا وَجَدُوا السَّبْعَة صُفُوف مِنْ الْمَلَائِكَة , فَيَرْجِعُونَ إِلَى الْمَكَان الَّذِي كَانُوا فِيهِ , فَذَلِكَ قَوْل اللَّه : { إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ يَوْم التَّنَادِ يَوْم تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ } وَذَلِكَ قَوْله : { وَجَاءَ رَبّك وَالْمَلَك صَفًّا صَفًّا وَجِيءَ يَوْمئِذٍ بِجَهَنَّم } 89 22 : 23 وَقَوْله : { يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس إِنْ اِسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَار السَّمَوَات وَالْأَرْض فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ } 55 33 وَذَلِكَ قَوْله : { وَانْشَقَّتْ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمئِذٍ وَاهِيَة وَالْمَلَك عَلَى أَرْجَائِهَا } 69 17 23394 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله { يَوْم التَّنَادِ } قَالَ : تَنِدُّونَ . وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ : " يَوْم التَّنَادِي " بِإِثْبَاتِ الْيَاء وَتَخْفِيف الدَّال. وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدنَا مَا عَلَيْهِ قُرَّاء الْأَمْصَار , وَهُوَ تَخْفِيف الدَّال وَبِغَيْرِ إِثْبَات الْيَاء , وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْقِرَاءَة الَّتِي عَلَيْهَا الْحُجَّة مُجْمِعَة مِنْ قُرَّاء الْأَمْصَار , وَغَيْر جَائِز خِلَافهَا فِيمَا جَاءَتْ بِهِ نَقْلًا . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ هُوَ الصَّوَاب , فَمَعْنَى الْكَلَام : وَيَا قَوْم إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُمْ يَوْم يُنَادِي النَّاس بَعْضهمْ بَعْضًا , إِمَّا مِنْ هَوْل مَا قَدْ عَايَنُوا مِنْ عَظِيم سُلْطَان اللَّه , وَفَظَاعَة مَا غَشِيَهُمْ مِنْ كَرْب ذَلِكَ الْيَوْم , وَإِمَّا لِتَذْكِيرِ بَعْضهمْ بَعْضًا إِنْجَاز اللَّه إِيَّاهُمْ الْوَعْد الَّذِي وَعَدَهُمْ فِي الدُّنْيَا , وَاسْتِغَاثَة مِنْ بَعْضهمْ بِبَعْضٍ , مِمَّا لَقِيَ مِنْ عَظِيم الْبَلَاء فِيهِ .
يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ↓
وَقَوْله : { يَوْم تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ } فَتَأْوِيله عَلَى التَّأْوِيل الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ الْخَبَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَوْم يُوَلُّونَ هَارِبِينَ فِي الْأَرْض حِذَار عَذَاب اللَّه وَعِقَابه عِنْد مُعَايَنَتهمْ جَهَنَّم . وَتَأْوِيله عَلَى التَّأْوِيل الَّذِي قَالَهُ قَتَادَة فِي مَعْنَى { يَوْم التَّنَادِ } : يَوْم تُوَلُّونَ مُنْصَرِفِينَ عَنْ مَوْقِف الْحِسَاب إِلَى جَهَنَّم . وَبِنَحْوِ ذَلِكَ رُوِيَ الْخَبَر عَنْهُ , وَعَمَّنْ قَالَ نَحْو مَقَالَته فِي مَعْنَى { يَوْم التَّنَادِ } . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 23395 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ . ثنا يَزِيد , قَالَ . ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { يَوْم تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ } : أَيْ مُنْطَلِقًا بِكُمْ إِلَى النَّار . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ , الْقَوْل الَّذِي رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَإِنْ كَانَ الَّذِي قَالَهُ قَتَادَة فِي ذَلِكَ غَيْر بَعِيد مِنْ الْحَقّ , وَبِهِ قَالَ جِمَاعه مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23396 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ . ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ . ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا لِقَوْلِ الَّذِي رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَإِنْ كَانَ الَّذِي قَالَهُ قَتَادَة فِي ذَلِكَ غَيْر بَعِيدٍ مِنْ الْحَقّ , وَبِهِ قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23396 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ . ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { يَوْم تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ } قَالَ : فَارِّينَ غَيْر مُعْجِزِينَ .
وَقَوْله : { مَا لَكُمْ مِنْ اللَّه مِنْ عَاصِم } يَقُول : مَا لَكُمْ مِنْ اللَّه مَانِع يَمْنَعكُمْ , وَنَاصِر يَنْصُركُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23397 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ . ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { مَا لَكُمْ مِنْ اللَّه مِنْ عَاصِم } : أَيْ مِنْ نَاصِر .
وَقَوْله : { وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّه فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } يَقُول : وَمَنْ يَخْذُلهُ اللَّه فَلَمْ يُوَفِّقهُ لِرُشْدِهِ , فَمَا لَهُ مِنْ مُوَفِّق يُوَفِّقهُ لَهُ .
وَقَوْله : { مَا لَكُمْ مِنْ اللَّه مِنْ عَاصِم } يَقُول : مَا لَكُمْ مِنْ اللَّه مَانِع يَمْنَعكُمْ , وَنَاصِر يَنْصُركُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23397 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ . ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { مَا لَكُمْ مِنْ اللَّه مِنْ عَاصِم } : أَيْ مِنْ نَاصِر .
وَقَوْله : { وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّه فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } يَقُول : وَمَنْ يَخْذُلهُ اللَّه فَلَمْ يُوَفِّقهُ لِرُشْدِهِ , فَمَا لَهُ مِنْ مُوَفِّق يُوَفِّقهُ لَهُ .
وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى . { وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُف مِنْ قَبْل بِالْبَيِّنَاتِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُف بْن يَعْقُوب يَا قَوْم مِنْ قَبْل مُوسَى بِالْوَاضِحَاتِ مِنْ حُجَج اللَّه , كَمَا : 23398 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُف مِنْ قَبْل } قَالَ : قَبْل مُوسَى .
وَقَوْله : { فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ } يَقُول : فَلَمْ تَزَالُوا مُرْتَابِينَ فِيمَا أَتَاكُمْ بِهِ يُوسُف مِنْ عِنْد رَبّكُمْ غَيْر مُوقِنِي الْقُلُوب بِحَقِيقَتِهِ { حَتَّى إِذَا هَلَكَ } يَقُول : حَتَّى إِذَا مَاتَ يُوسُف قُلْتُمْ أَيّهَا الْقَوْم : لَنْ يَبْعَث اللَّه مِنْ بَعْد يُوسُف إِلَيْكُمْ رَسُولًا بِالدُّعَاءِ إِلَى الْحَقّ { وَكَذَلِكَ يُضِلّ اللَّه مَنْ هُوَ مُسْرِف مُرْتَاب } يَقُول : هَكَذَا يَصُدّ اللَّه عَنْ إِصَابَة الْحَقّ وَقَصْد السَّبِيل مَنْ هُوَ كَافِر بِهِ مُرْتَاب , شَاكّ فِي حَقِيقَة أَخْبَار رُسُله.
وَقَوْله : { فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ } يَقُول : فَلَمْ تَزَالُوا مُرْتَابِينَ فِيمَا أَتَاكُمْ بِهِ يُوسُف مِنْ عِنْد رَبّكُمْ غَيْر مُوقِنِي الْقُلُوب بِحَقِيقَتِهِ { حَتَّى إِذَا هَلَكَ } يَقُول : حَتَّى إِذَا مَاتَ يُوسُف قُلْتُمْ أَيّهَا الْقَوْم : لَنْ يَبْعَث اللَّه مِنْ بَعْد يُوسُف إِلَيْكُمْ رَسُولًا بِالدُّعَاءِ إِلَى الْحَقّ { وَكَذَلِكَ يُضِلّ اللَّه مَنْ هُوَ مُسْرِف مُرْتَاب } يَقُول : هَكَذَا يَصُدّ اللَّه عَنْ إِصَابَة الْحَقّ وَقَصْد السَّبِيل مَنْ هُوَ كَافِر بِهِ مُرْتَاب , شَاكّ فِي حَقِيقَة أَخْبَار رُسُله.
الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَات اللَّه بِغَيْرِ سُلْطَان أَتَاهُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيل الْمُؤْمِن مِنْ آل فِرْعَوْن : { الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَات اللَّه بِغَيْرِ سُلْطَان أَتَاهُمْ } فَقَوْله " الَّذِينَ " مَرْدُود عَلَى " مَنْ " فِي قَوْله { مَنْ هُوَ مُسْرِف } . وَتَأْوِيل الْكَلَام : كَذَلِكَ يُضِلّ اللَّه أَهْل الْإِسْرَاف وَالْغُلُوّ فِي ضَلَالهمْ بِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ , وَاجْتِرَائِهِمْ عَلَى مَعَاصِيه , الْمُرْتَابِينَ فِي أَخْبَار رُسُله , الَّذِينَ يُخَاصِمُونَ فِي حُجَجه الَّتِي أَتَتْهُمْ بِهَا رُسُله لِيَدْحَضُوهَا بِالْبَاطِلِ مِنْ الْحُجَج { بِغَيْرِ سُلْطَان أَتَاهُمْ } يَقُول : بِغَيْرِ حُجَّة أَتَتْهُمْ مِنْ عِنْد رَبّهمْ يَدْفَعُونَ بِهَا حَقِيقَة الْحُجَج الَّتِي أَتَتْهُمْ بِهَا الرُّسُل ; و " الَّذِينَ " إِذَا كَانَ مَعْنَى الْكَلَام مَا ذَكَرْنَا فِي مَوْضِع نَصْب رَدًّا عَلَى " مَنْ " .
وَقَوْله : { كَبُرَ مَقْتًا عِنْد اللَّه } يَقُول : كَبُرَ ذَلِكَ الْجِدَال الَّذِي يُجَادِلُونَهُ فِي آيَات اللَّه مَقْتًا عِنْد اللَّه , { وَعِنْد الَّذِينَ آمَنُوا } بِاَللَّهِ ; وَإِنَّمَا نُصِبَ قَوْله : { مَقْتًا } لِمَا فِي قَوْله { كَبُرَ } مِنْ ضَمِير الْجِدَال , وَهُوَ نَظِير قَوْله : { كَبُرَتْ كَلِمَة تَخْرُج مِنْ أَفْوَاههمْ } 18 5 فَنَصَبَ كَلِمَة مِنْ نَصَبَهَا , لِأَنَّهُ جَعَلَ فِي قَوْله : { كَبُرَتْ } ضَمِير قَوْلهمْ : { اِتَّخَذَ اللَّه وَلَدًا } 18 4 وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُضْمَر ذَلِكَ فَإِنَّهُ رَفَعَ الْكَلِمَة .
وَقَوْله : { كَذَلِكَ يَطْبَع اللَّه عَلَى كُلّ قَلْب مُتَكَبِّر جَبَّار } يَقُول : كَمَا طَبَعَ اللَّه عَلَى قُلُوب الْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَات اللَّه بِغَيْرِ سُلْطَان أَتَاهُمْ , كَذَلِكَ يَطْبَع اللَّه عَلَى كُلّ قَلْب مُتَكَبِّر عَلَى اللَّه أَنْ يُوَحِّدهُ , وَيُصَدِّق رُسُله . جَبَّار : يَعْنِي مُتَعَظِّم عَنْ اِتِّبَاع الْحَقّ. وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار , خَلَا أَبِي عَمْرو بْن الْعَلَاء , عَلَى : { كُلّ قَلْب مُتَكَبِّر } بِإِضَافَةِ الْقَلْب إِلَى الْمُتَكَبِّر , بِمَعْنَى الْخَبَر عَنْ أَنَّ اللَّه طَبَعَ عَلَى قُلُوب الْمُتَكَبِّرِينَ كُلّهَا ; وَمَنْ كَانَ ذَلِكَ قِرَاءَته , كَانَ قَوْله " جَبَّار " . مِنْ نَعْت " مُتَكَبِّر " . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ اِبْن مَسْعُود أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ ذَلِكَ " كَذَلِكَ يَطْبَع اللَّه عَلَى قَلْب كُلّ مُتَكَبِّر جَبَّار " . 23399 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ اِبْن يُوسُف , قَالَ : ثنا الْقَاسِم , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ هَارُون أَنَّهُ كَذَلِكَ فِي حَرْف اِبْن مَسْعُود . وَهَذَا الَّذِي ذُكِرَ عَنْ اِبْن مَسْعُود مِنْ قِرَاءَته يُحَقِّق قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِإِضَافَةِ قَلْب إِلَى الْمُتَكَبِّر , لِأَنَّ تَقْدِيم " كُلّ " قَبْل الْقَلْب وَتَأْخِيرهَا بَعْده لَا يُغَيِّر الْمَعْنَى , بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ فِي الْحَالَتَيْنِ وَاحِد . وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْض الْعَرَب سَمَاعًا : هُوَ يُرَجِّل شَعْره يَوْم كُلّ جُمُعَة , يَعْنِي : كُلّ يَوْم جُمُعَة. وَأَمَّا أَبُو عَمْرو فَقَرَأَ ذَلِكَ بِتَنْوِينِ الْقَلْب وَتَرَكَ إِضَافَته إِلَى مُتَكَبِّر , وَجَعَلَ الْمُتَكَبِّر وَالْجَبَّار مِنْ صِفَة الْقَلْب . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ بِإِضَافَةِ الْقَلْب إِلَى الْمُتَكَبِّر , لِأَنَّ التَّكَبُّر فِعْل الْفَاعِل بِقَلْبِهِ , كَمَا أَنَّ الْقَاتِل إِذَا قَتَلَ قَتِيلًا وَإِنْ كَانَ قَتَلَهُ بِيَدِهِ , فَإِنَّ الْفِعْل مُضَاف إِلَيْهِ , وَإِنَّمَا الْقَلْب جَارِحَة مِنْ جَوَارِح الْمُتَكَبِّر . وَإِنْ كَانَ بِهَا التَّكَبُّر , فَإِنَّ الْفِعْل إِلَى فَاعِله مُضَاف , نَظِير الَّذِي قُلْنَا فِي الْقَتْل , وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَمَا قُلْنَا , فَإِنَّ الْأُخْرَى غَيْر مَدْفُوعَة , لِأَنَّ الْعَرَب لَا تَمْنَع أَنْ تَقُول : بَطَشَتْ يَد فُلَان , وَرَأَتْ عَيْنَاهُ كَذَا , وَفَهِمَ قَلْبه , فَتُضِيف الْأَفْعَال إِلَى الْجَوَارِح , وَإِنْ كَانَتْ فِي الْحَقِيقَة لِأَصْحَابِهَا .
وَقَوْله : { كَبُرَ مَقْتًا عِنْد اللَّه } يَقُول : كَبُرَ ذَلِكَ الْجِدَال الَّذِي يُجَادِلُونَهُ فِي آيَات اللَّه مَقْتًا عِنْد اللَّه , { وَعِنْد الَّذِينَ آمَنُوا } بِاَللَّهِ ; وَإِنَّمَا نُصِبَ قَوْله : { مَقْتًا } لِمَا فِي قَوْله { كَبُرَ } مِنْ ضَمِير الْجِدَال , وَهُوَ نَظِير قَوْله : { كَبُرَتْ كَلِمَة تَخْرُج مِنْ أَفْوَاههمْ } 18 5 فَنَصَبَ كَلِمَة مِنْ نَصَبَهَا , لِأَنَّهُ جَعَلَ فِي قَوْله : { كَبُرَتْ } ضَمِير قَوْلهمْ : { اِتَّخَذَ اللَّه وَلَدًا } 18 4 وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُضْمَر ذَلِكَ فَإِنَّهُ رَفَعَ الْكَلِمَة .
وَقَوْله : { كَذَلِكَ يَطْبَع اللَّه عَلَى كُلّ قَلْب مُتَكَبِّر جَبَّار } يَقُول : كَمَا طَبَعَ اللَّه عَلَى قُلُوب الْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَات اللَّه بِغَيْرِ سُلْطَان أَتَاهُمْ , كَذَلِكَ يَطْبَع اللَّه عَلَى كُلّ قَلْب مُتَكَبِّر عَلَى اللَّه أَنْ يُوَحِّدهُ , وَيُصَدِّق رُسُله . جَبَّار : يَعْنِي مُتَعَظِّم عَنْ اِتِّبَاع الْحَقّ. وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار , خَلَا أَبِي عَمْرو بْن الْعَلَاء , عَلَى : { كُلّ قَلْب مُتَكَبِّر } بِإِضَافَةِ الْقَلْب إِلَى الْمُتَكَبِّر , بِمَعْنَى الْخَبَر عَنْ أَنَّ اللَّه طَبَعَ عَلَى قُلُوب الْمُتَكَبِّرِينَ كُلّهَا ; وَمَنْ كَانَ ذَلِكَ قِرَاءَته , كَانَ قَوْله " جَبَّار " . مِنْ نَعْت " مُتَكَبِّر " . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ اِبْن مَسْعُود أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ ذَلِكَ " كَذَلِكَ يَطْبَع اللَّه عَلَى قَلْب كُلّ مُتَكَبِّر جَبَّار " . 23399 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ اِبْن يُوسُف , قَالَ : ثنا الْقَاسِم , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ هَارُون أَنَّهُ كَذَلِكَ فِي حَرْف اِبْن مَسْعُود . وَهَذَا الَّذِي ذُكِرَ عَنْ اِبْن مَسْعُود مِنْ قِرَاءَته يُحَقِّق قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِإِضَافَةِ قَلْب إِلَى الْمُتَكَبِّر , لِأَنَّ تَقْدِيم " كُلّ " قَبْل الْقَلْب وَتَأْخِيرهَا بَعْده لَا يُغَيِّر الْمَعْنَى , بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ فِي الْحَالَتَيْنِ وَاحِد . وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْض الْعَرَب سَمَاعًا : هُوَ يُرَجِّل شَعْره يَوْم كُلّ جُمُعَة , يَعْنِي : كُلّ يَوْم جُمُعَة. وَأَمَّا أَبُو عَمْرو فَقَرَأَ ذَلِكَ بِتَنْوِينِ الْقَلْب وَتَرَكَ إِضَافَته إِلَى مُتَكَبِّر , وَجَعَلَ الْمُتَكَبِّر وَالْجَبَّار مِنْ صِفَة الْقَلْب . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ بِإِضَافَةِ الْقَلْب إِلَى الْمُتَكَبِّر , لِأَنَّ التَّكَبُّر فِعْل الْفَاعِل بِقَلْبِهِ , كَمَا أَنَّ الْقَاتِل إِذَا قَتَلَ قَتِيلًا وَإِنْ كَانَ قَتَلَهُ بِيَدِهِ , فَإِنَّ الْفِعْل مُضَاف إِلَيْهِ , وَإِنَّمَا الْقَلْب جَارِحَة مِنْ جَوَارِح الْمُتَكَبِّر . وَإِنْ كَانَ بِهَا التَّكَبُّر , فَإِنَّ الْفِعْل إِلَى فَاعِله مُضَاف , نَظِير الَّذِي قُلْنَا فِي الْقَتْل , وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَمَا قُلْنَا , فَإِنَّ الْأُخْرَى غَيْر مَدْفُوعَة , لِأَنَّ الْعَرَب لَا تَمْنَع أَنْ تَقُول : بَطَشَتْ يَد فُلَان , وَرَأَتْ عَيْنَاهُ كَذَا , وَفَهِمَ قَلْبه , فَتُضِيف الْأَفْعَال إِلَى الْجَوَارِح , وَإِنْ كَانَتْ فِي الْحَقِيقَة لِأَصْحَابِهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَ فِرْعَوْن يَا هَامَان اِبْن لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغ الْأَسْبَاب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَالَ فِرْعَوْن لَمَّا وَعَظَهُ الْمُؤْمِن مِنْ آله بِمَا وَعَظَهُ بِهِ وَزَجَرَهُ عَنْ قَتْل مُوسَى نَبِيّ اللَّه وَحَذَّرَهُ مِنْ بَأْس اللَّه عَلَى قِيله أَقْتُلهُ مَا حَذَّرَهُ لِوَزِيرِهِ وَزِير السُّوء هَامَان : { يَا هَامَان اِبْن لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغ الْأَسْبَاب } يَعْنِي بِنَاء . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الصَّرْح فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . { لَعَلِّي أَبْلُغ الْأَسْبَاب } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْأَسْبَاب فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ بَعْضهمْ : أَسْبَاب السَّمَوَات : طُرُقهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23400 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن هِشَام , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن مُوسَى , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي صَالِح { أَسْبَاب السَّمَوَات } قَالَ : طُرُق السَّمَوَات . 23401 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { أَبْلُغ الْأَسْبَاب أَسْبَاب السَّمَوَات } قَالَ : طُرُق السَّمَوَات . وَقَالَ آخَرُونَ : عُنِيَ بِأَسْبَابِ السَّمَوَات : أَبْوَاب السَّمَوَات . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23402 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَقَالَ فِرْعَوْن يَا هَامَان اِبْن لِي صَرْحًا } وَكَانَ أَوَّل مَنْ بَنَى بِهَذَا الْآجُرّ وَطَبَخَهُ { لَعَلِّي أَبْلُغ الْأَسْبَاب أَسْبَاب السَّمَوَات } : أَيْ أَبْوَاب السَّمَوَات . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِهِ مَنْزِل السَّمَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23403 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { لَعَلِّي أَبْلُغ الْأَسْبَاب أَسْبَاب السَّمَوَات } قَالَ : مَنْزِل السَّمَاء . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى قَبْل , أَنَّ السَّبَب : هُوَ كُلّ مَا تُسُبِّبَ بِهِ إِلَى الْوُصُول إِلَى مَا يُطْلَب مِنْ حَبْل وَسُلَّم وَطَرِيق وَغَيْر ذَلِكَ . فَأَوْلَى الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : مَعْنَاهُ لَعَلِّي أَبْلُغ مِنْ أَسْبَاب السَّمَوَات أَسْبَابًا أَتَسَيَّب بِهَا إِلَى رُؤْيَة إِلَه مُوسَى , طُرُقًا كَانَتْ تِلْكَ الْأَسْبَاب مِنْهَا , أَوْ أَبْوَابًا , أَوْ مَنَازِل , أَوْ غَيْر ذَلِكَ .
أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ ↓
يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَالَ فِرْعَوْن لَمَّا وَعَظَهُ الْمُؤْمِن مِنْ آلِهِ بِمَا وَعَظَهُ بِهِ وَزَجَرَهُ عَنْ قَتْل مُوسَى نَبِيّ اللَّه وَحَذَّرَهُ مِنْ بَأْس اللَّه عَلَى قِيله أَقْتُلهُ مَا حَذَّرَهُ لِوَزِيرِهِ وَزِير السُّوء هَامَان : { يَا هَامَان اِبْن لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغ الْأَسْبَاب } يَعْنِي بِنَاء. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الصَّرْح فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . { لَعَلِّي أَبْلُغ الْأَسْبَاب } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْأَسْبَاب فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ بَعْضهمْ : أَسْبَاب السَّمَوَات : طُرُقهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23400 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن هِشَام , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن مُوسَى , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي صَالِح { أَسْبَاب السَّمَوَات } قَالَ : طُرُق السَّمَوَات . 23401 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { أَبْلُغ الْأَسْبَاب السَّمَوَات } قَالَ : طُرُق السَّمَوَات . وَقَالَ آخَرُونَ : عُنِيَ بِأَسْبَابِ السَّمَوَات : أَبْوَاب السَّمَوَات . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23402 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَقَالَ فِرْعَوْن يَا هَامَان اِبْن لِي صَرْحًا } وَكَانَ أَوَّل مَنْ بَنَى بِهَذَا الْآجُرّ وَطَبَخَهُ { لَعَلِّي أَبْلُغ الْأَسْبَاب أَسْبَاب السَّمَوَات } : أَيْ أَبْوَاب السَّمَوَات . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِهِ مَنْزِل السَّمَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23403 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { لَعَلِّي أَبْلُغ الْأَسْبَاب أَسْبَاب السَّمَوَات } قَالَ : مَنْزِل السَّمَاء . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى قَبْل , أَنَّ السَّبَب : هُوَ كُلّ مَا تُسُبِّبَ بِهِ إِلَى الْوُصُول إِلَى مَا يُطْلَب مِنْ حَبْل وَسُلَّم وَطَرِيق وَغَيْر ذَلِكَ . فَأَوْلَى الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : مَعْنَاهُ لَعَلِّي أَبْلُغ مِنْ أَسْبَاب السَّمَوَات أَسْبَابًا أَتَسَيَّب بِهَا إِلَى رُؤْيَة إِلَه مُوسَى , طُرُقًا كَانَتْ تِلْكَ الْأَسْبَاب مِنْهَا , أَوْ أَبْوَابًا , أَوْ مَنَازِل , أَوْ غَيْر ذَلِكَ .
وَقَوْله : { فَأَطَّلِع إِلَى إِلَه مُوسَى } اِخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { فَأَطَّلِع } فَقَرَأَتْ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار : " فَأَطَّلِعُ " بِضَمِّ الْعَيْن : رَدًّا عَلَى قَوْله : { أَبْلُغ الْأَسْبَاب } وَعَطْفًا بِهِ عَلَيْهِ . وَذُكِرَ عَنْ حُمَيْد الْأَعْرَج أَنَّهُ قَرَأَ { فَأَطَّلِع } نَصْبًا جَوَابًا لِلَعَلِّي , وَقَدْ ذَكَرَ الْفَرَّاء أَنَّ بَعْض الْعَرَب أَنْشَدَهُ : عَلَّ صُرُوف الدَّهْر أَوْ دُولَاتهَا يُدِلْنَنَا اللَّمَّة مِنْ لَمَّاتهَا فَتَسْتَرِيح النَّفْس مِنْ زَفَرَاتهَا فَنُصِبَ فَتَسْتَرِيح عَلَى أَنَّهَا جَوَاب لِلَعَلَّ . وَالْقِرَاءَة الَّتِي لَا أَسْتَجِيز غَيْرهَا الرَّفْع فِي ذَلِكَ , لِإِجْمَاع الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهِ .
وَقَوْله : { وَإِنِّي لَأَظُنّهُ كَاذِبًا } يَقُول : وَإِنِّي لَأَظُنّ مُوسَى كَاذِبًا فِيمَا يَقُول وَيَدَّعِي مِنْ أَنَّ لَهُ فِي السَّمَاء رَبًّا أَرْسَلَهُ إِلَيْنَا .
وَقَوْله : { وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْن سُوء عَمَله } يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره : وَهَكَذَا زَيَّنَ اللَّه لِفِرْعَوْن حِين عَتَا عَلَيْهِ وَتَمَرَّدَ , قَبِيح عَمَله , حَتَّى سَوَّلَتْ لَهُ نَفْسه بُلُوغ أَسْبَاب السَّمَوَات , لِيَطَّلِع إِلَى إِلَه مُوسَى .
وَقَوْله : { وَصُدَّ عَنْ السَّبِيل } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْكُوفَة : { وَصُدَّ عَنْ السَّبِيل } بِضَمِّ الصَّاد , عَلَى وَجْه مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله , كَمَا : 23404 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَصُدَّ عَنْ السَّبِيل } قَالَ : فُعِلَ ذَلِكَ بِهِ , زُيِّنَ لَهُ سُوء عَمَله , وَصُدَّ عَنْ السَّبِيل. وَقَرَأَ ذَلِكَ حُمَيْد وَأَبُو عَمْرو وَعَامَّة قُرَّاء الْبَصْرَة " وَصَدّ " بِفَتْحِ الصَّاد , بِمَعْنَى : وَأَعْرَضَ فِرْعَوْن عَنْ سَبِيل اللَّه الَّتِي اُبْتُعِثَ بِهَا مُوسَى اِسْتِكْبَارًا. وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ فِي قِرَاءَة الْأَمْصَار , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب .
وَقَوْله : { وَمَا كَيْد فِرْعَوْن إِلَّا فِي تَبَاب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَا اِحْتِيَال فِرْعَوْن الَّذِي يَحْتَال لِلِاطِّلَاع إِلَى إِلَه مُوسَى , إِلَّا فِي خَسَار وَذَهَاب مَال وَغَبْن , لِأَنَّهُ ذَهَبَتْ نَفَقَته الَّتِي أَنْفَقَهَا عَلَى الصَّرْح بَاطِلًا , وَلَمْ يَنَلْ بِمَا أَنْفَقَ شَيْئًا مِمَّا أَرَادَهُ , فَذَلِكَ هُوَ الْخَسَار وَالتَّبَاب . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23405- حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَمَا كَيْد فِرْعَوْن إِلَّا فِي تَبَاب } يَقُول : فِي خُسْرَان . 23406 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { فِي تَبَاب } قَالَ : خَسَار . 23407 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَمَا كَيْد فِرْعَوْن إِلَّا فِي تَبَاب } : أَيْ فِي ضَلَال وَخَسَار. 23408 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَمَا كَيْد فِرْعَوْن إِلَّا فِي تَبَاب } قَالَ : التَّبَاب وَالضَّلَال وَاحِد .
وَقَوْله : { فَأَطَّلِع إِلَى إِلَه مُوسَى } اِخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { فَأَطَّلِع } فَقَرَأَتْ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار : " فَأَطَّلِعُ " بِضَمِّ الْعَيْن : رَدًّا عَلَى قَوْله : { أَبْلُغ الْأَسْبَاب } وَعَطْفًا بِهِ عَلَيْهِ . وَذُكِرَ عَنْ حُمَيْد الْأَعْرَج أَنَّهُ قَرَأَ { فَأَطَّلِع } نَصْبًا جَوَابًا لِلَعَلِّي , وَقَدْ ذَكَرَ الْفَرَّاء أَنَّ بَعْض الْعَرَب أَنْشَدَهُ : عَلَّ صُرُوف الدَّهْر أَوْ دُولَاتهَا يُدِلْنَنَا اللَّمَّة مِنْ لَمَّاتهَا فَتَسْتَرِيح النَّفْس مِنْ زَفَرَاتهَا فَنُصِبَ فَتَسْتَرِيح عَلَى أَنَّهَا جَوَاب لِلَعَلَّ . وَالْقِرَاءَة الَّتِي لَا أَسْتَجِيز غَيْرهَا الرَّفْع فِي ذَلِكَ , لِإِجْمَاع الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهِ .
وَقَوْله : { وَإِنِّي لَأَظُنّهُ كَاذِبًا } يَقُول : وَإِنِّي لَأَظُنّ مُوسَى كَاذِبًا فِيمَا يَقُول وَيَدَّعِي مِنْ أَنَّ لَهُ فِي السَّمَاء رَبًّا أَرْسَلَهُ إِلَيْنَا .
وَقَوْله : { وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْن سُوء عَمَله } يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره : وَهَكَذَا زَيَّنَ اللَّه لِفِرْعَوْن حِين عَتَا عَلَيْهِ وَتَمَرَّدَ , قَبِيح عَمَله , حَتَّى سَوَّلَتْ لَهُ نَفْسه بُلُوغ أَسْبَاب السَّمَوَات , لِيَطَّلِع إِلَى إِلَه مُوسَى .
وَقَوْله : { وَصُدَّ عَنْ السَّبِيل } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْكُوفَة : { وَصُدَّ عَنْ السَّبِيل } بِضَمِّ الصَّاد , عَلَى وَجْه مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله , كَمَا : 23404 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَصُدَّ عَنْ السَّبِيل } قَالَ : فُعِلَ ذَلِكَ بِهِ , زُيِّنَ لَهُ سُوء عَمَله , وَصُدَّ عَنْ السَّبِيل. وَقَرَأَ ذَلِكَ حُمَيْد وَأَبُو عَمْرو وَعَامَّة قُرَّاء الْبَصْرَة " وَصَدّ " بِفَتْحِ الصَّاد , بِمَعْنَى : وَأَعْرَضَ فِرْعَوْن عَنْ سَبِيل اللَّه الَّتِي اُبْتُعِثَ بِهَا مُوسَى اِسْتِكْبَارًا. وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ فِي قِرَاءَة الْأَمْصَار , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب .
وَقَوْله : { وَمَا كَيْد فِرْعَوْن إِلَّا فِي تَبَاب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَا اِحْتِيَال فِرْعَوْن الَّذِي يَحْتَال لِلِاطِّلَاع إِلَى إِلَه مُوسَى , إِلَّا فِي خَسَار وَذَهَاب مَال وَغَبْن , لِأَنَّهُ ذَهَبَتْ نَفَقَته الَّتِي أَنْفَقَهَا عَلَى الصَّرْح بَاطِلًا , وَلَمْ يَنَلْ بِمَا أَنْفَقَ شَيْئًا مِمَّا أَرَادَهُ , فَذَلِكَ هُوَ الْخَسَار وَالتَّبَاب . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23405- حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَمَا كَيْد فِرْعَوْن إِلَّا فِي تَبَاب } يَقُول : فِي خُسْرَان . 23406 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { فِي تَبَاب } قَالَ : خَسَار . 23407 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَمَا كَيْد فِرْعَوْن إِلَّا فِي تَبَاب } : أَيْ فِي ضَلَال وَخَسَار. 23408 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَمَا كَيْد فِرْعَوْن إِلَّا فِي تَبَاب } قَالَ : التَّبَاب وَالضَّلَال وَاحِد .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا يَقُوم اِتَّبَعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيل الرَّشَاد } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ الْمُؤْمِن بِاَللَّهِ مِنْ آل فِرْعَوْن { وَقَالَ الَّذِي آمَنَ } مِنْ قَوْم فِرْعَوْن لِقَوْمِهِ : { يَا قَوْم اِتَّبَعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيل الرَّشَاد } يَقُول : إِنْ اِتَّبَعْتُمُونِي فَقَبِلْتُمْ مِنِّي مَا أَقُول لَكُمْ , بَيَّنْت لَكُمْ طَرِيق الصَّوَاب الَّذِي تَرْشُدُونَ إِذَا أَخَذْتُمْ فِيهِ وَسَلَكْتُمُوهُ وَذَلِكَ هُوَ دِين اللَّه الَّذِي اُبْتُعِثَ بِهِ مُوسَى .
يَقُول : { إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا مَتَاع } يَقُول لِقَوْمِهِ : مَا هَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا الْعَاجِلَة الَّتِي عُجِّلَتْ لَكُمْ فِي هَذِهِ الدَّار إِلَّا مَتَاع تَسْتَمْتِعُونَ بِهَا إِلَى أَجَل أَنْتُمْ بَالِغُوهُ , ثُمَّ تَمُوتُونَ وَتَزُول عَنْكُمْ { وَإِنَّ الْآخِرَة هِيَ دَار الْقَرَار } يَقُول : وَإِنَّ الدَّار الْآخِرَة , وَهِيَ دَار الْقَرَار الَّتِي تَسْتَقِرُّونَ فِيهَا فَلَا تَمُوتُونَ وَلَا تَزُول عَنْكُمْ , يَقُول : فَلَهَا فَاعْمَلُوا , وَإِيَّاهَا فَاطْلُبُوا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْله : { وَإِنَّ الْآخِرَة هِيَ دَار الْقَرَار } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23409 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَإِنَّ الْآخِرَة هِيَ دَار الْقَرَار } اِسْتَقَرَّتْ الْجَنَّة بِأَهْلِهَا , وَاسْتَقَرَّتْ النَّار بِأَهْلِهَا.
مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَنْ عَمِلَ سَيِّئَة فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِن فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّة } يَقُول : مَنْ عَمِلَ بِمَعْصِيَةِ اللَّه فِي هَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا , فَلَا يَجْزِيه اللَّه فِي الْآخِرَة إِلَّا سَيِّئَة مِثْلهَا , وَذَلِكَ أَنْ يُعَاقِبهُ بِهَا ; { وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى } يَقُول : وَمَنْ عَمِلَ بِطَاعَةِ اللَّه فِي الدُّنْيَا , وَائْتَمَرَ لِأَمْرِهِ , وَانْتَهَى فِيهَا عَمَّا نَهَاهُ عَنْهُ مِنْ رَجُل أَوْ اِمْرَأَة , وَهُوَ مُؤْمِن بِاَللَّهِ { فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّة } يَقُول : فَاَلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ مِنْ عِبَاد اللَّه يَدْخُلُونَ فِي الْآخِرَة الْجَنَّة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23410- حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { مَنْ عَمِلَ سَيِّئَة فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلهَا } أَيْ شِرْكًا , " السَّيِّئَة عِنْد قَتَادَة شِرْك " { وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا } , أَيْ خَيْرًا { مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِن }
وَقَوْله : { يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَاب } يَقُول : يَرْزُقهُمْ اللَّه فِي الْجَنَّة مِنْ ثِمَارهَا , وَمَا فِيهَا مِنْ نَعِيمهَا وَلَذَّاتهَا بِغَيْرِ حِسَاب , كَمَا : 23411 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَاب } قَالَ : لَا وَاَللَّه مَا هُنَاكُم مِكْيَال وَلَا مِيزَان.
وَقَوْله : { يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَاب } يَقُول : يَرْزُقهُمْ اللَّه فِي الْجَنَّة مِنْ ثِمَارهَا , وَمَا فِيهَا مِنْ نَعِيمهَا وَلَذَّاتهَا بِغَيْرِ حِسَاب , كَمَا : 23411 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَاب } قَالَ : لَا وَاَللَّه مَا هُنَاكُم مِكْيَال وَلَا مِيزَان.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَا قَوْم مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاة وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّار } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيل هَذَا الْمُؤْمِن لِقَوْمِهِ مِنْ الْكَفَرَة : { مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاة } مِنْ عَذَاب اللَّه وَعُقُوبَته بِالْإِيمَانِ بِهِ , وَاتِّبَاع رَسُوله مُوسَى , وَتَصْدِيقه فِيمَا جَاءَكُمْ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّه { وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّار } يَقُول : وَتَدْعُونَنِي إِلَى عَمَل أَهْل النَّار . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23412 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَهُ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاة } قَالَ : الْإِيمَان بِاَللَّهِ . 23413 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاة وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّار } قَالَ هَذَا مُومِن آل فِرْعَوْن , قَالَ : يَدْعُونَهُ إِلَى دِينهمْ وَالْإِقَامَة مَعَهُمْ .
تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ ↓
وَقَوْله : { تَدْعُونَنِي لِأَكْفُر بِاَللَّهِ وَأُشْرِك بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْم } يَقُول : وَأُشْرِك بِاَللَّهِ فِي عِبَادَته أَوْثَانًا , لَسْت أَعْلَم أَنَّهُ يَصْلُح لِي عِبَادَتهَا وَإِشْرَاكهَا فِي عِبَادَة اللَّه , لِأَنَّ اللَّه لَمْ يَأْذَن لِي فِي ذَلِكَ بِخَبَرٍ وَلَا عَقْل .
وَقَوْله : { وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيز الْغَفَّار } يَقُول : وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى عِبَادَة الْعَزِيز فِي اِنْتِقَامه مِمَّنْ كَفَرَ بِهِ , الَّذِي لَا يَمْنَعهُ إِذَا اِنْتَقَمَ عَدُوّ لَهُ شَيْء , الْغَفَّار لِمَنْ تَابَ إِلَيْهِ بَعْد مَعْصِيَته إِيَّاهُ , لِعَفْوِهِ عَنْهُ , فَلَا يَضُرّهُ شَيْء مَعَ عَفْوه عَنْهُ , يَقُول : فَهَذَا الَّذِي هَذِهِ الصِّفَة صِفَته فَاعْبُدُوا , لَا مَا لَا ضُرّ عِنْده وَلَا نَفْع .
وَقَوْله : { وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيز الْغَفَّار } يَقُول : وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى عِبَادَة الْعَزِيز فِي اِنْتِقَامه مِمَّنْ كَفَرَ بِهِ , الَّذِي لَا يَمْنَعهُ إِذَا اِنْتَقَمَ عَدُوّ لَهُ شَيْء , الْغَفَّار لِمَنْ تَابَ إِلَيْهِ بَعْد مَعْصِيَته إِيَّاهُ , لِعَفْوِهِ عَنْهُ , فَلَا يَضُرّهُ شَيْء مَعَ عَفْوه عَنْهُ , يَقُول : فَهَذَا الَّذِي هَذِهِ الصِّفَة صِفَته فَاعْبُدُوا , لَا مَا لَا ضُرّ عِنْده وَلَا نَفْع .
لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَة فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة } يَقُول : حَقًّا أَنَّ الَّذِي تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ مِنْ الْأَوْثَان , لَيْسَ لَهُ دُعَاء فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة , لِأَنَّهُ جَمَاد لَا يَنْطِق , وَلَا يَفْهَم شَيْئًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23414- حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { لَيْسَ لَهُ دَعْوَة فِي الدُّنْيَا } قَالَ : الْوَثَن لَيْسَ بِشَيْءٍ . 23415 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { لَيْسَ لَهُ دَعْوَة فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة } : أَيْ لَا يَنْفَع وَلَا يَضُرّ. 23416 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : { لَيْسَ لَهُ دَعْوَة فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة } .
وَقَوْله : { وَأَنَّ مَرَدّنَا إِلَى اللَّه } يَقُول : وَأَنَّ مَرْجِعنَا وَمُنْقَلَبنَا بَعْد مَمَاتنَا إِلَى اللَّه { وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَاب النَّار } يَقُول : وَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ بِاَللَّهِ الْمُتَعَدِّينَ حُدُوده , الْقَتَلَة النُّفُوس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه قَتْلهَا , هُمْ أَصْحَاب نَار جَهَنَّم عِنْد مَرْجِعنَا إِلَى اللَّه. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل عَلَى اِخْتِلَاف مِنْهُمْ فِي مَعْنَى الْمُسْرِفِينَ فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُمْ سَفَّاكُو الدِّمَاء بِغَيْرِ حَقّهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23417 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَإِنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَاب النَّار } قَالَ : هُمْ السَّفَّاكُونَ الدِّمَاء بِغَيْرِ حَقّهَا . * - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه { وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَاب النَّار } قَالَ : هُمْ السَّفَّاكُونَ الدِّمَاء بِغَيْرِ حَقّهَا. * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ } قَالَ : السَّفَّاكُونَ الدِّمَاء بِغَيْرِ حَقّهَا , هُمْ أَصْحَاب النَّار . 23418 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَاب النَّار } قَالَ : سَمَّاهُمْ اللَّه مُسْرِفِينَ , فِرْعَوْن وَمَنْ مَعَهُ . وَقَالَ آخَرُونَ : هُمْ الْمُشْرِكُونَ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23419 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , { وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَاب النَّار } : أَيْ الْمُشْرِكُونَ . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْإِسْرَاف فِيمَا مَضَى قَبْل بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة مِنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَإِنَّمَا اِخْتَرْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِع مَا اِخْتَرْنَا , لِأَنَّ قَائِل هَذَا الْقَوْل لِفِرْعَوْن وَقَوْمه , إِنَّمَا قَصَدَ فِرْعَوْن بِهِ لِكُفْرِهِ , وَمَا كَانَ هَمَّ بِهِ مِنْ قَتْل مُوسَى , وَكَانَ فِرْعَوْن عَالِيًا عَاتِيًا فِي كُفْره . سَفَّاكًا لِلدِّمَاءِ الَّتِي كَانَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ سَفْكهَا , وَكُلّ ذَلِكَ مِنْ الْإِسْرَاف , فَلِذَلِكَ اِخْتَرْنَا مَا اِخْتَرْنَا مِنْ التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ .
وَقَوْله : { وَأَنَّ مَرَدّنَا إِلَى اللَّه } يَقُول : وَأَنَّ مَرْجِعنَا وَمُنْقَلَبنَا بَعْد مَمَاتنَا إِلَى اللَّه { وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَاب النَّار } يَقُول : وَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ بِاَللَّهِ الْمُتَعَدِّينَ حُدُوده , الْقَتَلَة النُّفُوس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه قَتْلهَا , هُمْ أَصْحَاب نَار جَهَنَّم عِنْد مَرْجِعنَا إِلَى اللَّه. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل عَلَى اِخْتِلَاف مِنْهُمْ فِي مَعْنَى الْمُسْرِفِينَ فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُمْ سَفَّاكُو الدِّمَاء بِغَيْرِ حَقّهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23417 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَإِنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَاب النَّار } قَالَ : هُمْ السَّفَّاكُونَ الدِّمَاء بِغَيْرِ حَقّهَا . * - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه { وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَاب النَّار } قَالَ : هُمْ السَّفَّاكُونَ الدِّمَاء بِغَيْرِ حَقّهَا. * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ } قَالَ : السَّفَّاكُونَ الدِّمَاء بِغَيْرِ حَقّهَا , هُمْ أَصْحَاب النَّار . 23418 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَاب النَّار } قَالَ : سَمَّاهُمْ اللَّه مُسْرِفِينَ , فِرْعَوْن وَمَنْ مَعَهُ . وَقَالَ آخَرُونَ : هُمْ الْمُشْرِكُونَ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23419 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , { وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَاب النَّار } : أَيْ الْمُشْرِكُونَ . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْإِسْرَاف فِيمَا مَضَى قَبْل بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة مِنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَإِنَّمَا اِخْتَرْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِع مَا اِخْتَرْنَا , لِأَنَّ قَائِل هَذَا الْقَوْل لِفِرْعَوْن وَقَوْمه , إِنَّمَا قَصَدَ فِرْعَوْن بِهِ لِكُفْرِهِ , وَمَا كَانَ هَمَّ بِهِ مِنْ قَتْل مُوسَى , وَكَانَ فِرْعَوْن عَالِيًا عَاتِيًا فِي كُفْره . سَفَّاكًا لِلدِّمَاءِ الَّتِي كَانَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ سَفْكهَا , وَكُلّ ذَلِكَ مِنْ الْإِسْرَاف , فَلِذَلِكَ اِخْتَرْنَا مَا اِخْتَرْنَا مِنْ التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ .
فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُول لَكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيل الْمُؤْمِن مِنْ آل فِرْعَوْن لِفِرْعَوْن وَقَوْمه : فَسَتَذْكُرُونَ أَيّهَا الْقَوْم إِذَا عَايَنْتُمْ عِقَاب اللَّه قَدْ حَلَّ بِكُمْ , وَلَقِيتُمْ مَا لَقِيتُمُوهُ صِدْق مَا أَقُول , وَحَقِيقَة مَا أُخْبِركُمْ بِهِ مِنْ أَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَاب النَّار , كَمَا : 23420 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُول لَكُمْ } , فَقُلْت لَهُ : أَوَذَلِكَ فِي الْأَخِرَة ؟ قَالَ : نَعَمْ.
وَقَوْله : { وَأُفَوِّض أَمْرِي إِلَى اللَّه } يَقُول : وَأُسَلِّم أَمْرِي إِلَى اللَّه , وَأَجْعَلهُ إِلَيْهِ وَأَتَوَكَّل عَلَيْهِ , فَإِنَّهُ الْكَافِي مَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23421 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { وَأُفَوِّض أَمْرِي إِلَى اللَّه } قَالَ : أَجْعَل أَمْرِي إِلَى اللَّه.
وَقَوْله : { إِنَّ اللَّه بَصِير بِالْعِبَادِ } يَقُول : إِنَّ اللَّه عَالِم بِأُمُورِ عِبَاده , وَمَنْ الْمُطِيع مِنْهُمْ , وَالْعَاصِي لَهُ , وَالْمُسْتَحِقّ جَمِيل الثَّوَاب , وَالْمُسْتَوْجِب سَيِّئ الْعِقَاب .
وَقَوْله : { وَأُفَوِّض أَمْرِي إِلَى اللَّه } يَقُول : وَأُسَلِّم أَمْرِي إِلَى اللَّه , وَأَجْعَلهُ إِلَيْهِ وَأَتَوَكَّل عَلَيْهِ , فَإِنَّهُ الْكَافِي مَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23421 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { وَأُفَوِّض أَمْرِي إِلَى اللَّه } قَالَ : أَجْعَل أَمْرِي إِلَى اللَّه.
وَقَوْله : { إِنَّ اللَّه بَصِير بِالْعِبَادِ } يَقُول : إِنَّ اللَّه عَالِم بِأُمُورِ عِبَاده , وَمَنْ الْمُطِيع مِنْهُمْ , وَالْعَاصِي لَهُ , وَالْمُسْتَحِقّ جَمِيل الثَّوَاب , وَالْمُسْتَوْجِب سَيِّئ الْعِقَاب .
وَقَوْله : { فَوَقَاهُ اللَّه سَيِّئَات مَا مَكَرُوا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَدَفَعَ اللَّه عَنْ هَذَا الْمُؤْمِن مِنْ آل فِرْعَوْن بِإِيمَانِهِ وَتَصْدِيق رَسُوله مُوسَى , مَكْرُوه مَا كَانَ فِرْعَوْن يَنَال بِهِ أَهْل الْخِلَاف عَلَيْهِ مِنْ الْعَذَاب وَالْبَلَاء , فَنَجَّاهُ مِنْهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23422 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { سَيِّئَات مَا مَكَرُوا } قَالَ : وَكَانَ قِبْطِيًّا مِنْ قَوْم فِرْعَوْن , فَنَجَا مَعَ مُوسَى , قَالَ : وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ بَيْن يَدَيْ مُوسَى يَوْمئِذٍ يَسِير وَيَقُول : أَيْنَ أُمِرْت يَا نَبِيّ اللَّه ؟ فَيَقُول : أَمَامك , فَيَقُول لَهُ الْمُؤْمِن : وَهَلْ أَمَامِي إِلَّا الْبَحْر ؟ فَيَقُول مُوسَى : لَا وَاَللَّه مَا كَذَبْت وَلَا كُذِّبْت , ثُمَّ يَسِير سَاعَة وَيَقُول : أَيْنَ أُمِرْت يَا نَبِيّ اللَّه ؟ فَيَقُول : أَمَامك , فَيَقُول : وَهَلْ أَمَامِي إِلَّا الْبَحْر , فَيَقُول : لَا وَاَللَّه مَا كَذَبْت , وَلَا كُذِّبْت , حَتَّى أَتَى عَلَى الْبَحْر فَضَرَبَهُ بِعَصَاهُ , فَانْفَلَقَ اِثْنَيْ عَشَر طَرِيقًا , لِكُلِّ سِبْط طَرِيق .
النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { النَّار يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُبَيِّنًا عَنْ سُوء الْعَذَاب الَّذِي حَلَّ بِهَؤُلَاءِ الْأَشْقِيَاء مِنْ قَوْم فِرْعَوْن ذَلِكَ الَّذِي حَاقَ بِهِمْ مِنْ سُوء عَذَاب اللَّه { النَّار يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا } إِنَّهُمْ لَمَّا هَلَكُوا وَغَرَّقَهُمْ اللَّه , جُعِلَتْ أَرْوَاحهمْ فِي أَجْوَاف طَيْر سُود , فَهِيَ تُعْرَض عَلَى النَّار كُلّ يَوْم مَرَّتَيْنِ { غُدُوًّا وَعَشِيًّا } إِلَى أَنْ تَقُوم السَّاعَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23424 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي قَيْس , عَنْ الْهُذَيْل بْن شُرَحْبِيل , قَالَ : أَرْوَاح آل فِرْعَوْن فِي أَجْوَاف طَيْر سُود تَغْدُو وَتَرُوح عَلَى النَّار , وَذَلِكَ عَرْضهَا . 23425 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ أَرْوَاح قَوْم فِرْعَوْن فِي أَجْوَاف طَيْر سُود تُعْرَض عَلَى النَّار غُدُوًّا وَعَشِيًّا , حَتَّى تَقُوم السَّاعَة. 23426 - حَدَّثَنَا عَبْد الْكَرِيم بْن أَبِي عُمَيْر , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن مُحَمَّد الْفَزَارِيّ الْبَلْخِيّ , قَالَ : سَمِعْت الْأَوْزَاعِيّ وَسَأَلَهُ رَجُل فَقَالَ : رَحِمَك اللَّه , رَأَيْنَا طُيُورًا تَخْرُج مِنْ الْبَحْر تَأْخُذ نَاحِيَة الْغَرْب بِيضًا , فَوْجًا فَوْجًا , لَا يَعْلَم عَدَدهَا إِلَّا اللَّه , فَإِذَا كَانَ الْعَشِيّ رَجَعَ مِثْلهَا سُودًا , قَالَ : وَفَطِنْتُمْ إِلَى ذَلِكَ ؟ قَالُوا : نَعَمْ , قَالَ : إِنَّ تِلْكَ الطُّيُور فِي حَوَاصِلهَا أَرْوَاح آل فِرْعَوْن يُعْرَضُونَ عَلَى النَّار غُدُوًّا وَعَشِيًّا , فَتَرْجِع إِلَى وُكُورهَا وَقَدْ اِحْتَرَقَتْ رِيَاشهَا , وَصَارَتْ سَوْدَاء , فَتَنْبُت عَلَيْهَا مِنْ اللَّيْل رِيَاض بِيض , وَتَتَنَاثَر السُّود , ثُمَّ تَغْدُو , وَيُعْرَضُونَ عَلَى النَّار غُدُوًّا وَعَشِيًّا , ثُمَّ تَرْجِع إِلَى وُكُورهَا , فَذَلِكَ دَأْبهَا فِي الدُّنْيَا ; فَإِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة , قَالَ اللَّه { أَدْخِلُوا آل فِرْعَوْن أَشَدّ الْعَذَاب } قَالُوا : وَكَانُوا يَقُولُونَ : إِنَّهُمْ سِتّ مِئَة أَلْف مُقَاتِل . 23427 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثني حَرْمَلَة , عَنْ سُلَيْمَان بْن حُمَيْد , قَالَ : سَمِعْت مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ يَقُول : لَيْسَ فِي الْآخِرَة لَيْل وَلَا نِصْف نَهَار , وَإِنَّمَا هُوَ بُكْرَة وَعَشِيّ , وَذَلِكَ فِي الْقُرْآن فِي آل فِرْعَوْن { يُعْرَضُونَ عِلَلهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا } وَكَذَلِكَ قَالَ لِأَهْلِ الْجَنَّة { لَهُمْ رِزْقهمْ فِيهَا بُكْرَة وَعَشِيًّا } . وَقِيلَ : عَنَى بِذَلِكَ : أَنَّهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَى مَنَازِلهمْ فِي النَّار تَعْذِيبًا لَهُمْ غُدُوًّا وَعَشِيًّا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23428 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { النَّار يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا } قَالَ : يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا صَبَاحًا وَمَسَاء , يُقَال لَهُمْ : يَا آل فِرْعَوْن هَذِهِ مَنَازِلكُمْ , تَوْبِيخًا وَنِقْمَة وَصَغَارًا لَهُمْ. 23429 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { غُدُوًّا وَعَشِيًّا } قَالَ : مَا كَانَتْ الدُّنْيَا . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه أَخْبَرَ أَنَّ آل فِرْعَوْن يُعْرَضُونَ عَلَى النَّار غُدُوًّا وَعَشِيًّا . وَجَائِز أَنْ يَكُون ذَلِكَ الْعَرْض عَلَى النَّار عَلَى نَحْو مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْهُذَيْل وَمَنْ قَالَ مِثْل قَوْله , وَأَنْ يَكُون كَمَا قَالَ قَتَادَة , وَلَا خَبَر يُوجِب الْحُجَّة بِأَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنِيّ بِهِ , فَلَا فِي ذَلِكَ إِلَّا مَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِر الْقُرْآن , وَهُمْ أَنَّهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَى النَّار غُدُوًّا وَعَشِيًّا , وَأَصْل الْغُدُوّ وَالْعَشِيّ مَصَادِر جُعِلَتْ أَوْقَاتًا . وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة يَقُول فِي ذَلِكَ : إِنَّمَا هُوَ مَصْدَر , كَمَا تَقُول : أَتَيْته ظَلَامًا ; جَعَلَهُ ظَرْفًا وَهُوَ مَصْدَر . قَالَ : وَلَوْ قُلْت : مَوْعِدك غَدْوَة , أَوْ مَوْعِدك ظَلَام , فَرَفَعْته , كَمَا تَقُول : مَوْعِدك يَوْم الْجُمُعَة , لَمْ يَحْسُن , لِأَنَّ هَذِهِ الْمَصَادِر وَمَا أَشْبَهَهَا مِنْ نَحْو سَحَر لَا تُجْعَل إِلَّا ظَرْفًا ; قَالَ : وَالظَّرْف كُلّه لَيْسَ بِمُتَمَكَّنٍ ; وَقَالَ نَحْوِيُّو الْكُوفَة : لَمْ يُسْمَع فِي هَذِهِ الْأَوْقَات , وَإِنْ كَانَتْ مَصَادِر , إِلَّا التَّعْرِيب : مَوْعِدك يَوْم مَوْعِدك صَبَاح وَرَوَاح , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { غُدُوّهَا شَهْر وَرَوَاحهَا شَهْر } 34 12 فَرَفَعَ , وَذَكَرُوا أَنَّهُمْ سَمِعُوا : إِنَّمَا الطَّيْلَسَان شَهْرَانِ , قَالُوا : وَلَمْ يُسْمَع فِي الْأَوْقَات النَّكِرَات إِلَّا الرَّفْع إِلَّا قَوْلهمْ : إِنَّمَا سَخَاؤُك أَحْيَانًا , وَقَالُوا : إِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى : إِنَّمَا سَخَاؤُك الْحِين بَعْد الْحِين , فَلَمَّا كَانَ تَأْوِيله الْإِضَافَة نُصِبَ .
وَقَوْله : { وَيَوْم تَقُوم السَّاعَة أَدْخِلُوا آل فِرْعَوْن أَشَدّ الْعَذَاب } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْحِجَاز وَالْعِرَاق سِوَى عَاصِم وَأَبِي عَمْرو { وَيَوْم تَقُوم السَّاعَة أَدْخِلُوا آل فِرْعَوْن } بِفَتْحِ الْأَلِف مِنْ ادْخُلُوا فِي الْوَصْل وَالْقَطْع بِمَعْنَى : الْأَمْر بِإِدْخَالِهِمْ النَّار . وَإِذَا قُرِئَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , كَانَ الْآل نَصْبًا بِوُقُوعِ أَدْخِلُوا عَلَيْهِ , وَقَرَأَ ذَلِكَ عَاصِم وَأَبُو عَمْرو : " وَيَوْم تَقُوم السَّاعَة أَدْخِلُوا " بِوَصْلِ الْأَلِف وَسُقُوطهَا فِي الْوَصْل مِنْ اللَّفْظ , وَبِضَمِّهَا إِذَا اُبْتُدِئَ بَعْد الْوَقْف عَلَى السَّاعَة , وَمَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , كَانَ الْآل عَلَى قِرَاءَته نَصْبًا بِالنِّدَاءِ , لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام عَلَى قِرَاءَته : اُدْخُلُوا يَا آل فِرْعَوْن أَشَدّ الْعَذَاب . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَال إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا جَمَاعَة مِنْ الْقُرَّاء , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب . فَمَعْنَى الْكَلَام إِذَنْ : وَيَوْم تَقُوم السَّاعَة يُقَال لِآلِ فِرْعَوْن : اُدْخُلُوا يَا آل فِرْعَوْن أَشَدّ الْعَذَاب , فَهَذَا عَلَى قِرَاءَة مَنْ وَصَلَ الْأَلِف مِنْ اُدْخُلُوا وَلَمْ يَقْطَع , وَمَعْنَاهُ عَلَى الْقِرَاءَة الْأُخْرَى , وَيَوْم تَقُوم السَّاعَة يَقُول اللَّه لِمَلَائِكَتِهِ { أَدْخِلُوا آل فِرْعَوْن أَشَدّ الْعَذَاب } .
وَقَوْله : { وَيَوْم تَقُوم السَّاعَة أَدْخِلُوا آل فِرْعَوْن أَشَدّ الْعَذَاب } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْحِجَاز وَالْعِرَاق سِوَى عَاصِم وَأَبِي عَمْرو { وَيَوْم تَقُوم السَّاعَة أَدْخِلُوا آل فِرْعَوْن } بِفَتْحِ الْأَلِف مِنْ ادْخُلُوا فِي الْوَصْل وَالْقَطْع بِمَعْنَى : الْأَمْر بِإِدْخَالِهِمْ النَّار . وَإِذَا قُرِئَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , كَانَ الْآل نَصْبًا بِوُقُوعِ أَدْخِلُوا عَلَيْهِ , وَقَرَأَ ذَلِكَ عَاصِم وَأَبُو عَمْرو : " وَيَوْم تَقُوم السَّاعَة أَدْخِلُوا " بِوَصْلِ الْأَلِف وَسُقُوطهَا فِي الْوَصْل مِنْ اللَّفْظ , وَبِضَمِّهَا إِذَا اُبْتُدِئَ بَعْد الْوَقْف عَلَى السَّاعَة , وَمَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , كَانَ الْآل عَلَى قِرَاءَته نَصْبًا بِالنِّدَاءِ , لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام عَلَى قِرَاءَته : اُدْخُلُوا يَا آل فِرْعَوْن أَشَدّ الْعَذَاب . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَال إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا جَمَاعَة مِنْ الْقُرَّاء , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب . فَمَعْنَى الْكَلَام إِذَنْ : وَيَوْم تَقُوم السَّاعَة يُقَال لِآلِ فِرْعَوْن : اُدْخُلُوا يَا آل فِرْعَوْن أَشَدّ الْعَذَاب , فَهَذَا عَلَى قِرَاءَة مَنْ وَصَلَ الْأَلِف مِنْ اُدْخُلُوا وَلَمْ يَقْطَع , وَمَعْنَاهُ عَلَى الْقِرَاءَة الْأُخْرَى , وَيَوْم تَقُوم السَّاعَة يَقُول اللَّه لِمَلَائِكَتِهِ { أَدْخِلُوا آل فِرْعَوْن أَشَدّ الْعَذَاب } .
وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّار فَيَقُول الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اِسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنْ النَّار } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد : { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْم الْآزِفَة إِذْ الْقُلُوب لَدَى الْحَنَاجِر كَاظِمِينَ } , { وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّار } يَقُول : وَإِذْ يَتَخَاصَمُونَ فِي النَّار . وَعَنَى بِذَلِكَ : إِذْ يَتَخَاصَم الَّذِينَ أَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِنْذَارِهِمْ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمه فِي النَّار , فَيَقُول الضُّعَفَاء مِنْهُمْ وَهُمْ الْمُتَّبِعُونَ عَلَى الشِّرْك بِاَللَّهِ { إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا } تَقُول لِرُؤَسَائِهِمْ الَّذِينَ اِتَّبَعُوهُمْ عَلَى الضَّلَالَة : إِنَّا كُنَّا لَكُمْ فِي الدُّنْيَا تَبَعًا عَلَى الْكُفْر بِاَللَّهِ { فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ } الْيَوْم { عَنَّا نَصِيبًا مِنْ النَّار } يَعْنُونَ حَظًّا فَتُخَفِّفُوهُ عَنَّا , فَقَدْ كُنَّا نُسَارِع فِي مَحَبَّتكُمْ فِي الدُّنْيَا , وَمِنْ قَبْلكُمْ أَتَيْنَا , لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا فِي الدُّنْيَا مُؤْمِنِينَ , فَلَمْ يُصِبْنَا الْيَوْم هَذَا الْبَلَاء ; وَالتَّبَع يَكُون وَاحِدًا وَجَمَاعَة فِي قَوْل بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة , وَفِي قَوْل بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة جَمْع لَا وَاحِد لَهُ , لِأَنَّهُ كَالْمَصْدَرِ . قَالَ : وَإِنْ شِئْت كَانَ وَاحِده تَابِع , فَيَكُون مِثْل خَائِل وَخَوْل , وَغَائِب وَغَيْب . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ جَمْع وَاحِد. تَابِع , وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون وَاحِدًا فَيَكُون جَمْعه أَتْبَاع .
فَأَجَابَهُمْ الْمَتْبُوعُونَ بِمَا أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُمْ ; { قَالَ الَّذِينَ اِسْتَكْبَرُوا } وَهُمْ الرُّؤَسَاء الْمَتْبُوعُونَ عَلَى الضَّلَالَة فِي الدُّنْيَا : إِنَّا أَيّهَا الْقَوْم وَأَنْتُمْ كُلّنَا فِي هَذِهِ النَّار مُخَلَّدُونَ , لَا خَلَاص لَنَا مِنْهَا { إِنَّ اللَّه قَدْ حَكَمَ بَيْن الْعِبَاد } بِفَصْلِ قَضَائِهِ , فَأَسْكَنَ أَهْل الْجَنَّة الْجَنَّة , وَأَهْل النَّار النَّار , فَلَا نَحْنُ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْبَلَاء خَارِجُونَ , وَلَا هُمْ مِمَّا فِيهِ مِنْ النَّعِيم مُنْتَقِلُونَ ; وَرُفِعَ قَوْله { كُلّ } بِقَوْلِهِ { فِيهَا } وَلَمْ يُنْصَب عَلَى النَّعْت . وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي جَوَاز النَّصْب فِي ذَلِكَ فِي الْكَلَام . وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة يَقُول : إِذَا لَمْ يُضَفْ " كُلّ " لَمْ يَجُزْ الِاتِّبَاع . وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة يَقُول : ذَلِكَ جَائِز فِي الْحَذْف وَغَيْر الْحَذْف , لِأَنَّ أَسْمَاءَهَا إِذَا حُذِفَتْ اُكْتُفِيَ بِهَا مِنْهَا . وَقَدْ بَيَّنَّا الصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته .
وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّار لِخَزَنَةِ جَهَنَّم اُدْعُوَا رَبّكُمْ يُخَفِّف عَنَّا يَوْمًا مِنْ الْعَذَاب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَالَ أَهْل جَهَنَّم لِخَزَنَتِهَا وَقِوَامهَا , اِسْتِغَاثَة بِهِمْ مِنْ عَظِيم مَا هُمْ فِيهِ مِنْ الْبَلَاء , وَرَجَاء أَنْ يَجِدُوا مِنْ عِنْدهمْ فَرَجًا { اُدْعُوَا رَبّكُمْ } لَنَا { يُخَفِّف عَنَّا يَوْمًا } وَاحِدًا , يَعْنِي قَدْر يَوْم وَاحِد مِنْ أَيَّام الدُّنْيَا { مِنْ الْعَذَاب } الَّذِي نَحْنُ فِيهِ . وَإِنَّمَا قُلْنَا : مَعْنَى ذَلِكَ : قَدْر يَوْم مِنْ أَيَّام الدُّنْيَا , لِأَنَّ الْآخِرَة يَوْم لَا لَيْل فِيهِ , فَيُقَال : خَفَّفَ عَنْهُمْ يَوْمًا وَاحِدًا .
قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ ↓
وَقَوْله : { قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَتْ خَزَنَة جَهَنَّم لَهُمْ : أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ فِي الدُّنْيَا رُسُلكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ الْحُجَج عَلَى تَوْحِيد اللَّه , فَتُوَحِّدُوهُ وَتُؤْمِنُوا بِهِ , وَتَتَبَرَّءُوا مِمَّا دُونه مِنْ الْآلِهَة ؟ قَالُوا : بَلَى , قَدْ أَتَتْنَا رُسُلنَا بِذَلِكَ .
وَقَوْله : { قَالُوا فَادْعُوا } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : قَالَتْ الْخَزَنَة لَهُمْ : فَادْعُوا إِذَنْ رَبّكُمْ الَّذِي أَتَتْكُمْ الرُّسُل بِالدُّعَاءِ إِلَى الْإِيمَان بِهِ . وَقَوْله : { وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَال } يَقُول : قَدْ دَعَوْا وَمَا دُعَاؤُهُمْ إِلَّا فِي ضَلَال , لِأَنَّهُ دُعَاء لَا يَنْفَعهُمْ , وَلَا يُسْتَجَاب لَهُمْ , بَلْ يُقَال لَهُمْ : { اِخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ } 23 108
وَقَوْله : { قَالُوا فَادْعُوا } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : قَالَتْ الْخَزَنَة لَهُمْ : فَادْعُوا إِذَنْ رَبّكُمْ الَّذِي أَتَتْكُمْ الرُّسُل بِالدُّعَاءِ إِلَى الْإِيمَان بِهِ . وَقَوْله : { وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَال } يَقُول : قَدْ دَعَوْا وَمَا دُعَاؤُهُمْ إِلَّا فِي ضَلَال , لِأَنَّهُ دُعَاء لَا يَنْفَعهُمْ , وَلَا يُسْتَجَاب لَهُمْ , بَلْ يُقَال لَهُمْ : { اِخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ } 23 108
إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّا لَنَنْصُر رُسُلنَا وَاَلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَيَوْم يَقُوم الْأَشْهَاد } يَقُول الْقَائِل : وَمَا مَعْنَى : { إِنَّا لَنَنْصُر رُسُلنَا وَاَلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَتَلَهُ أَعْدَاؤُهُ , وَمَثَّلُوا بِهِ , كشعياء وَيَحْيَى بْن زَكَرِيَّا وَأَشْبَاههمَا , وَمِنْهُمْ مَنْ هَمَّ بِقَتْلِهِ قَوْمه , فَكَانَ أَحْسَن أَحْوَاله أَنْ يَخْلُص مِنْهُمْ حَتَّى فَارَقَهُمْ نَاجِيًا بِنَفْسِهِ , كَإِبْرَاهِيم الَّذِي هَاجَرَ إِلَى الشَّام مِنْ أَرْضه مُفَارِقًا لِقَوْمِهِ , وَعِيسَى الَّذِي رُفِعَ إِلَى السَّمَاء إِذْ أَرَادَ قَوْمه قَتْله , فَأَيْنَ النُّصْرَة الَّتِي أُخْبِرْنَا أَنَّهُ يَنْصُرهَا رُسُله , و الْمُؤْمِنِينَ بِهِ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا , وَهَؤُلَاءِ أَنْبِيَاؤُهُ قَدْ نَالَهُمْ مِنْ قَوْمهمْ مَا قَدْ عَلِمْت , وَمَا نُصِرُوا عَلَى مَنْ نَالَهُمْ بِمَا نَالَهُمْ بِهِ ؟ قِيلَ : إِنَّ لِقَوْلِهِ : { إِنَّا لَنَنْصُر رُسُلنَا وَاَلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } وَجْهَيْنِ كِلَاهُمَا صَحِيح مَعْنَاهُ . أَحَدهمَا أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ : إِنَّا لَنَنْصُر رُسُلنَا وَاَلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا إِمَّا بِإِعْلَائِنَاهُمْ عَلَى مَنْ كَذَّبَنَا وَإِظْفَارنَا بِهِمْ , حَتَّى يَقْهَرُوهُمْ غَلَبَة , وَيُذِلُّوهُمْ بِالظَّفَرِ ذِلَّة , كَاَلَّذِي فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ بِدَاوُد وَسُلَيْمَان , فَأَعْطَاهُمَا مِنْ الْمُلْك وَالسُّلْطَان مَا قَهَرَا بِهِ كُلّ كَافِر , وَكَاَلَّذِي فَعَلَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِظْهَارِهِ عَلَى مَنْ كَذَّبَهُ مِنْ قَوْمه , وَإِمَّا بِانْتِقَامِنَا مِمَّنْ حَادَّهُمْ وَشَاقَّهُمْ بِإِهْلَاكِهِمْ وَإِنْجَاء الرُّسُل مِمَّنْ كَذَّبَهُمْ وَعَادَاهُمْ , كَاَلَّذِي فَعَلَ تَعَالَى ذِكْره بِنُوحٍ وَقَوْمه , مِنْ تَغْرِيق قَوْمه وَإِنْجَائِهِ مِنْهُمْ , وَكَاَلَّذِي فَعَلَ بِمُوسَى وَفِرْعَوْن وَقَوْمه , إِذْ أَهْلَكَهُمْ غَرَقًا , وَنَجَّى مُوسَى وَمَنْ آمَنَ بِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل وَغَيْرهمْ وَنَحْو ذَلِكَ , أَوْ بِانْتِقَامِنَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا مِنْ مُكَذِّبِيهِمْ بَعْد وَفَاة رَسُولنَا مِنْ بَعْد مَهْلَكهمْ , كَاَلَّذِي فَعَلْنَا مِنْ نُصْرَتنَا شعياء بَعْد مَهْلَكه , بِتَسْلِيطِنَا عَلَى قَتْله مِنْ سَلَّطْنَا حَتَّى اِنْتَصَرْنَا بِهِمْ مِنْ قَتَلَته , وَكَفِعْلِنَا بِقَتَلَةِ يَحْيَى , مِنْ تَسْلِيطنَا بُخْتَنَصَّرَ عَلَيْهِمْ حَتَّى اِنْتَصَرْنَا بِهِ مِمَّنْ قَتَلَهُ لَهُ وَكَانْتِصَارِنَا لِعِيسَى مِنْ مُرِيدِي قَتْله بِالرُّومِ حَتَّى أَهْلَكْنَاهُمْ بِهِمْ , فَهَذَا أَحَد وَجْهَيْهِ . وَقَدْ كَانَ بَعْض أَهْل التَّأْوِيل يُوَجِّه مَعْنَى ذَلِكَ إِلَى هَذَا الْوَجْه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 2343 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْفَضْل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ قَوْل اللَّه : { إِنَّا لَنَنْصُر رُسُلنَا وَاَلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } قَدْ كَانَتْ الْأَنْبِيَاء وَالْمُؤْمِنُونَ يَقْتُلُونَ فِي الدُّنْيَا وَهُمْ مَنْصُورُونَ , وَذَلِكَ أَنَّ تِلْكَ الْأُمَّة الَّتِي تَفْعَل ذَلِكَ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ لَا تَذْهَب حَتَّى يَبْعَث اللَّه قَوْمًا فَيَنْتَصِر بِهِمْ لِأُولَئِكَ الَّذِينَ قُتِلُوا مِنْهُمْ. وَالْوَجْه الْآخَر : أَنْ يَكُون هَذَا الْكَلَام عَلَى وَجْه الْخَبَر عَنْ الْجَمِيع مِنْ الرُّسُل وَالْمُؤْمِنِينَ , وَالْمُرَاد وَاحِد , فَيَكُون تَأْوِيل الْكَلَام حِينَئِذٍ : إِنَّا لَنَنْصُر رَسُولنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا بِهِ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا , وَيَوْم يَقُوم الْأَشْهَاد , كَمَا بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى أَنَّ الْعَرَب تُخْرِج الْخَبَر بِلَفْظِ الْجَمِيع , وَالْمُرَاد وَاحِد إِذَا لَمْ تَنْصِب لِلْخَبَرِ شَخْصًا بِعَيْنِهِ. وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَيَوْم يَقُوم الْأَشْهَاد يَوْم لَا يَنْفَع الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتهُمْ } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْكُوفَة { وَيَوْم يَقُوم } بِالْيَاءِ. وَيَنْفَع أَيْضًا بِالْيَاءِ , وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض أَهْل مَكَّة وَبَعْض قُرَّاء الْبَصْرَة : " تَقُوم " بِالتَّاءِ , و " تَنْفَع " بِالتَّاءِ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِد , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى أَنَّ الْعَرَب تُذَكِّر فِعْل الرَّجُل وَتُؤَنِّث إِذَا تَقَدَّمَ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته . وَعُنِيَ بِقَوْلِهِ : { وَيَوْم يَقُوم الْأَشْهَاد } يَوْم يَقُوم الْأَشْهَاد مِنْ الْمَلَائِكَة وَالْأَنْبِيَاء وَالْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْأُمَم الْمُكَذِّبَة رُسُلهَا بِالشَّهَادَةِ بِأَنَّ الرُّسُل قَدْ بَلَّغَتْهُمْ رِسَالَات رَبّهمْ , وَأَنَّ الْأُمَم كَذَّبَتْهُمْ . وَالْأَشْهَاد : جَمْع شَهِيد , كَمَا الْأَشْرَاف : جَمْع شَرِيف. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23431 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة . { وَيَوْم يَقُوم الْأَشْهَاد } مِنْ مَلَائِكَة اللَّه وَأَنْبِيَائِهِ , وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ . 23432 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { وَيَوْم يَقُوم الْأَشْهَاد } يَوْم الْقِيَامَة . 23433 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمِّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { وَيَوْم يَقُوم الْأَشْهَاد } قَالَ الْمَلَائِكَة.
وَقَوْله : { يَوْم لَا يَنْفَع الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : ذَلِكَ يَوْم لَا يَنْفَع أَهْل الشِّرْك اِعْتِذَارهمْ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَذِرُونَ إِنْ اِعْتَذَرُوا إِلَّا بِبَاطِلٍ , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه قَدْ أَعْذَرَ إِلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا , وَتَابَعَ عَلَيْهِمْ الْحُجَج فِيهَا فَلَا حُجَّة لَهُمْ فِي الْآخِرَة إِلَّا الِاعْتِصَام بِالْكَذِبِ بِأَنْ يَقُولُوا : { وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } 6 23
وَقَوْله : { وَلَهُمْ اللَّعْنَة } يَقُول : وَلِلظَّالِمِينَ اللَّعْنَة , وَهِيَ الْبُعْد مِنْ رَحْمَة اللَّه { وَلَهُمْ سُوء الدَّار } يَقُول : وَلَهُمْ مَعَ اللَّعْنَة مِنْ اللَّه شَرّ مَا فِي الدَّار الْآخِرَة , وَهُوَ الْعَذَاب الْأَلِيم .
وَقَوْله : { وَلَهُمْ اللَّعْنَة } يَقُول : وَلِلظَّالِمِينَ اللَّعْنَة , وَهِيَ الْبُعْد مِنْ رَحْمَة اللَّه { وَلَهُمْ سُوء الدَّار } يَقُول : وَلَهُمْ مَعَ اللَّعْنَة مِنْ اللَّه شَرّ مَا فِي الدَّار الْآخِرَة , وَهُوَ الْعَذَاب الْأَلِيم .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيل الْكِتَاب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى } الْبَيَان لِلْحَقِّ الَّذِي بَعَثْنَاهُ بِهِ كَمَا آتَيْنَا ذَلِكَ مُحَمَّدًا فَكَذَّبَ بِهِ فِرْعَوْن وَقَوْمه , كَمَا كَذَّبَتْ قُرَيْش مُحَمَّدًا { وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيل الْكِتَاب } يَقُول : وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيل التَّوْرَاة , فَعَلَّمْنَاهُمُوهَا , وَأَنْزَلْنَا إِلَيْهِمْ { هُدًى } يَعْنِي بَيَانًا لِأَمْرِ دِينهمْ , وَمَا أَلْزَمْنَاهُمْ مِنْ فَرَائِضهَا , { وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَاب } يَقُول : وَتَذْكِيرًا مِنَّا لِأَهْلِ الْحِجَا وَالْعُقُول مِنْهُمْ بِهَا .
وَأَنْزَلْنَا إِلَيْهِمْ { هُدًى } يَعْنِي بَيَانًا لِأَمْرِ دِينهمْ , وَمَا أَلْزَمْنَاهُمْ مِنْ فَرَائِضهَا , { وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَاب } يَقُول : وَتَذْكِيرًا مِنَّا لِأَهْلِ الْحِجَا وَالْعُقُول مِنْهُمْ بِهَا .
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ ↓
وَقَوْله : { فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْد اللَّه حَقّ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَاصْبِرْ يَا مُحَمَّد لِأَمْرِ رَبّك , وَانْفُذْ لِمَا أَرْسَلَك بِهِ مِنْ الرِّسَالَة , وَبَلِّغْ قَوْمك وَمَنْ أُمِرْت بِإِبْلَاغِهِ مَا أَنْزَلَ إِلَيْك , وَأَيْقِنْ بِحَقِيقَةِ وَعْد اللَّه الَّذِي وَعَدَك مِنْ نُصْرَتك , وَنُصْرَة مَنْ صَدَّقَك وَآمَنَ بِك , عَلَى مَنْ كَذَّبَك , وَأَنْكَرَ مَا جِئْته بِهِ مِنْ عِنْد رَبّك , وَإِنَّ وَعْد اللَّه حَقّ لَا خُلْف لَهُ وَهُوَ مُنْجِز لَهُ { وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِك } يَقُول : وَسَلْهُ غُفْرَان ذُنُوبك وَعَفْوه لَك عَنْهُ { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبّك } يَقُول : وَصَلِّ بِالشُّكْرِ مِنْك لِرَبِّك { بِالْعَشِيِّ } وَذَلِكَ مِنْ زَوَال الشَّمْس إِلَى اللَّيْل { وَالْإِبْكَار } وَذَلِكَ مِنْ طُلُوع الْفَجْر الثَّانِي إِلَى طُلُوع الشَّمْس . وَقَدْ وَجَّهَ قَوْم الْإِبْكَار إِلَى أَنَّهُ مِنْ طُلُوع الشَّمْس إِلَى اِرْتِفَاع الضُّحَى , وَخُرُوج وَقْت الضُّحَى , وَالْمَعْرُوف عِنْد الْعَرَب الْقَوْل الْأَوَّل. وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي وَجْه عَطْف الْإِبْكَار وَالْبَاء غَيْر حَسَن دُخُولهَا فِيهِ عَلَى الْعَشِيّ , وَالْبَاء تَحْسُن فِيهِ , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : مَعْنَى ذَلِكَ : وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبّك بِالْعَشِيِّ وَفِي الْإِبْكَار . وَقَالَ : قَدْ يُقَال : بِالدَّارِ زَيْد , يُرَاد : فِي الدَّار زَيْد , وَقَالَ غَيْره : إِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : صَلِّ بِالْحَمْدِ بِهَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ وَفِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ , فَإِدْخَال الْبَاء فِي وَاحِد فِيهِمَا .
إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ↑
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَات اللَّه بِغَيْرِ سُلْطَان أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورهمْ إِلَّا كِبْر مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ الَّذِينَ يُخَاصِمُونَك يَا مُحَمَّد فِيمَا أَتَيْتهمْ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّك مِنْ الْآيَات { بِغَيْرِ سُلْطَان أَتَاهُمْ } يَقُول : بِغَيْرِ حُجَّة جَاءَتْهُمْ مِنْ عِنْد اللَّه بِمُخَاصَمَتِك فِيهَا { إِنْ فِي صُدُورهمْ إِلَّا كِبْر } يَقُول : مَا فِي صُدُورهمْ إِلَّا كِبْر يَتَكَبَّرُونَ مِنْ أَجْله عَنْ اِتِّبَاعك , وَقَبُول الْحَقّ الَّذِي أَتَيْتهمْ بِهِ حَسَدًا مِنْهُمْ عَلَى الْفَضْل الَّذِي آتَاك اللَّه , وَالْكَرَامَة الَّتِي أَكْرَمَك بِهَا مِنْ النُّبُوَّة { مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ } يَقُول : الَّذِي حَسَدُوك عَلَيْهِ أَمْر لَيْسُوا بِمُدْرِكِيهِ وَلَا نَائِلِيهِ , لِأَنَّ ذَلِكَ فَضْل اللَّه يُؤْتِيه مَنْ يَشَاء , وَلَيْسَ بِالْأَمْرِ الَّذِي يُدْرَك بِالْأَمَانِي ; وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ مَعْنَاهُ : إِنْ فِي صُدُورهمْ إِلَّا عَظَمَة مَا هُمْ بِبَالِغِي تِلْكَ الْعَظَمَة لِأَنَّ اللَّه مُذِلّهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23434 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ . ثني أَبُو عَاصِم , قَالَ . ثنا عِيسَى , وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { إِنْ فِي صُدُورهمْ إِلَّا كِبْر } قَالَ : عَظَمَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَات اللَّه بِغَيْرِ سُلْطَان أَتَاهُمْ } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23435 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة . , قَوْله . { إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَات اللَّه بِغَيْرِ سُلْطَان أَتَاهُمْ } لَمْ يَأْتِهِمْ بِذَاكَ سُلْطَان .
وَقَوْله : { فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيع الْبَصِير } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَاسْتَجِرْ بِاَللَّهِ يَا مُحَمَّد مِنْ شَرّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَات اللَّه بِغَيْرِ سُلْطَان , وَمِنْ الْكِبْر أَنْ يَعْرِض فِي قَلْبك مِنْهُ شَيْء { إِنَّهُ هُوَ السَّمِيع الْبَصِير } يَقُول : إِنَّ اللَّه هُوَ السَّمِيع لِمَا يَقُول هَؤُلَاءِ الْمُجَادِلُونَ فِي آيَات اللَّه وَغَيْرهمْ مِنْ قَوْل الْبَصِير بِمَا تُمْلِهِ جَوَارِحهمْ , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ ذَلِكَ .
وَقَوْله : { فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيع الْبَصِير } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَاسْتَجِرْ بِاَللَّهِ يَا مُحَمَّد مِنْ شَرّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَات اللَّه بِغَيْرِ سُلْطَان , وَمِنْ الْكِبْر أَنْ يَعْرِض فِي قَلْبك مِنْهُ شَيْء { إِنَّهُ هُوَ السَّمِيع الْبَصِير } يَقُول : إِنَّ اللَّه هُوَ السَّمِيع لِمَا يَقُول هَؤُلَاءِ الْمُجَادِلُونَ فِي آيَات اللَّه وَغَيْرهمْ مِنْ قَوْل الْبَصِير بِمَا تُمْلِهِ جَوَارِحهمْ , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ ذَلِكَ .
لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَخَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض أَكْبَر مِنْ خَلْق النَّاس وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس لَا يَعْلَمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَابْتِدَاع السَّمَوَات وَالْأَرْض وَإِنْشَاؤُهَا مِنْ غَيْر شَيْء أَعْظَم أَيّهَا النَّاس عِنْدكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُسْتَعْظِمِي خَلْق النَّاس , وَإِنْشَائِهِمْ مِنْ غَيْر شَيْء مِنْ خَلْق النَّاس , وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ خَلْق جَمِيع ذَلِكَ هَيِّن عَلَى اللَّه .
وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلا مَّا تَتَذَكَّرُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِير وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات وَلَا الْمُسِيء قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ } وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى الَّذِي لَا يُبْصِر شَيْئًا , وَهُوَ مِثْل الْكَافِر الَّذِي لَا يَتَأَمَّل حُجَج اللَّه بِعَيْنَيْهِ , فَيَتَدَبَّرهَا وَيَعْتَبِر بِهَا , فَيَعْلَم وَحْدَانِيّته وَقُدْرَته عَلَى خَلْق مَا شَاءَ مِنْ شَيْء , وَيُؤْمِن بِهِ وَيُصَدِّق . وَالْبَصِير الَّذِي يَرَى بِعَيْنَيْهِ مَا شَخَصَ لَهُمَا وَيُبْصِرهُ , وَذَلِكَ مَثَل لِلْمُؤْمِنِ الَّذِي يَرَى بِعَيْنَيْهِ حُجَج اللَّه , فَيَتَفَكَّر فِيهَا وَيَتَّعِظ , وَيَعْلَم مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مِنْ تَوْحِيد صَانِعه , وَعَظِيم سُلْطَانه وَقُدْرَته عَلَى خَلْق مَا يَشَاء ; يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : كَذَلِكَ لَا يَسْتَوِي الْكَافِر وَالْمُؤْمِن . { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَلَا يَسْتَوِي أَيْضًا كَذَلِكَ الْمُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله , الْمُطِيعُونَ لِرَبِّهِمْ , وَلَا الْمُسِيء , وَهُوَ الْكَافِر بِرَبِّهِ , الْعَاصِي لَهُ , الْمُخَالِف أَمْره { قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ أَيّهَا النَّاس حُجَج اللَّه , فَتَعْتَبِرُونَ وَتَتَّعِظُونَ ; يَقُول : لَوْ تَذَكَّرْتُمْ آيَاته وَاعْتَبَرْتُمْ , لَعَرَفْتُمْ خَطَأ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنْ إِنْكَاركُمْ قُدْرَة اللَّه عَلَى إِحْيَائِهِ مَنْ فَنِيَ مِنْ خَلْقه مِنْ بَعْد الْفَنَاء , وَإِعَادَتهمْ لِحَيَاتِهِمْ مِنْ بَعْد وَفَاتهمْ , وَعَلِمْتُمْ قُبْح شِرْككُمْ مَنْ تُشْرِكُونَ فِي عِبَادَة رَبّكُمْ . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { تَتَذَكَّرُونَ } فَقَرَأَتْ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة : " يَتَذَكَّرُونَ " بِالْيَاءِ عَلَى وَجْه الْخَبَر , وَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة : { تَتَذَكَّرُونَ } بِالتَّاءِ عَلَى وَجْه الْخِطَاب , وَالْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّ الْقِرَاءَة بِهِمَا صَوَاب .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ السَّاعَة لَآتِيَة لَا رَيْب فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس لَا يُؤْمِنُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ السَّاعَة الَّتِي يُحْيِي اللَّه فِيهَا الْمَوْتَى لِلثَّوَابِ وَالْعِقَاب لَجَائِيَة أَيّهَا النَّاس لَا شَكَّ فِي مَجِيئِهَا ; يَقُول : فَأَيْقِنُوا بِمَجِيئِهَا , وَأَنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْد مَمَاتكُمْ , وَمُجَازُونَ بِأَعْمَالِكُمْ , فَتُوبُوا إِلَى رَبّكُمْ { وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس لَا يُؤْمِنُونَ } يَقُول : وَلَكِنَّ أَكْثَر قُرَيْش لَا يُصَدِّقُونَ بِمَجِيئِهَا .
وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ↓
وَقَوْله : { وَقَالَ رَبّكُمْ اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَيَقُول رَبّكُمْ أَيّهَا النَّاس لَكُمْ اُدْعُونِي : يَقُول : اُعْبُدُونِي وَأَخْلِصُوا لِي الْعِبَادَة دُون مَنْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِي مِنْ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام وَغَيْر ذَلِكَ { أَسْتَجِبْ لَكُمْ } يَقُول : أَجِب دُعَاءَكُمْ فَأَعْفُو عَنْكُمْ وَأَرْحَمكُمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23436- حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } يَقُول : وَحِّدُونِي أَغْفِر لَكُمْ . 23437 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن دَاوُد , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ زِرّ , عَنْ يُسَيْع الْحَضْرَمِيّ , عَنْ النُّعْمَان بْن بَشِير , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الدُّعَاء هُوَ الْعِبَادَة " وَقَرَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَقَالَ رَبّكُمْ اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي } . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , وَالْأَعْمَش عَنْ زِرّ , عَنْ يُسَيْع الْحَضْرَمِيّ , عَنْ النُّعْمَان بْن بَشِير , قَالَ : سَمِعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " الدُّعَاء هُوَ الْعِبَادَة , { وَقَالَ رَبّكُمْ اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } . .. الْآيَة . * -حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور , عَنْ زِرّ , عَنْ يُسَيْع قَالَ أَبُو مُوسَى : هَكَذَا قَالَ غُنْدَر , عَنْ سَعِيد , عَنْ مَنْصُور , عَنْ زِرّ , عَنْ يُسَيْع , عَنْ النُّعْمَان بْن بَشِير قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ الدُّعَاء هُوَ الْعِبَادَة " { وَقَالَ رَبّكُمْ اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور , عَنْ زِرّ , عَنْ يُسَيْع عَنْ النُّعْمَان بْن بَشِير , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عَرَفَة , قَالَ : ثنا يُوسُف بْن الْعُرْف الْبَاهِلِيّ , عَنْ الْحَسَن بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ مُحَمَّد بْن جُحَادَة , عَنْ يُسَيْع الْحَضْرَمِيّ , عَنْ النُّعْمَان بْن بَشِير , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ عِبَادَتِي دُعَائِي " ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَة : { وَقَالَ رَبّكُمْ اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي } قَالَ : " عَنْ دُعَائِي " . 23438 -حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا مُؤَمِّل , قَالَ : ثنا عُمَارَة , عَنْ ثَابِت , قَالَ : قَالَتْ لِأَنَسٍ : يَا أَبَا حَمْزَة أَبَلَغَك أَنَّ الدُّعَاء نِصْف الْعِبَادَة ؟ قَالَ : لَا , بَلْ هُوَ الْعِبَادَة كُلّهَا . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَنْصُور , عَنْ زِرّ , عَنْ يُسَيْع الْحَضْرَمِيّ , عَنْ النُّعْمَان بْن بَشِير , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الدُّعَاء هُوَ الْعِبَادَة , ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة { وَقَالَ رَبّكُمْ اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي } " 23439 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هَاشِم بْن الْقَاسِم , عَنْ الْأَشْجَعِيّ , قَالَ : قِيلَ لِسُفْيَان : اُدْعُ اللَّه , قَالَ : إِنَّ تَرْك الذُّنُوب هُوَ الدُّعَاء .
وَقَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي } يَقُول : إِنَّ الَّذِينَ يَتَعَظَّمُونَ عَنْ إِفْرَادِي بِالْعِبَادَةِ , وَإِفْرَاد الْأُلُوهَة لِي { سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّم دَاخِرِينَ } بِمَعْنَى : صَاغِرِينَ. وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى قَبْل عَلَى مَعْنَى الدَّخَر بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ مَعْنَى قَوْله { إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي } : إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ دُعَائِي . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23440 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي } قَالَ : عَنْ دُعَائِي. 23441 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { دَاخِرِينَ } قَالَ : صَاغِرِينَ .
وَقَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي } يَقُول : إِنَّ الَّذِينَ يَتَعَظَّمُونَ عَنْ إِفْرَادِي بِالْعِبَادَةِ , وَإِفْرَاد الْأُلُوهَة لِي { سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّم دَاخِرِينَ } بِمَعْنَى : صَاغِرِينَ. وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى قَبْل عَلَى مَعْنَى الدَّخَر بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ مَعْنَى قَوْله { إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي } : إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ دُعَائِي . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23440 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي } قَالَ : عَنْ دُعَائِي. 23441 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { دَاخِرِينَ } قَالَ : صَاغِرِينَ .