الصفحة 1الصفحة 2
وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍسورة الشورى الآية رقم 31
وَقَوْله : { وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْض } يَقُول : وَمَا أَنْتُمْ أَيّهَا النَّاس بِمُفِيتِي رَبّكُمْ بِأَنْفُسِكُمْ إِذَا أَرَادَ عُقُوبَتكُمْ عَلَى ذُنُوبكُمْ الَّتِي أَذْنَبْتُمُوهَا , وَمَعْصِيَتكُمْ إِيَّاهُ الَّتِي رَكِبْتُمُوهَا هَرَبًا فِي الْأَرْض , فَمُعْجِزِيهِ , حَتَّى لَا يَقْدِر عَلَيْكُمْ , وَلَكِنَّكُمْ حَيْثُ كُنْتُمْ فِي سُلْطَانه وَقَبْضَته , جَارِيَة فِيكُمْ مَشِيئَته

{ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُون اللَّه مِنْ وَلِيّ } يَلِيكُمْ بِالدِّفَاعِ عَنْكُمْ إِذَا أَرَادَ عُقُوبَتكُمْ عَلَى مَعْصِيَتكُمْ إِيَّاهُ { وَلَا نَصِير } يَقُول : وَلَا لَكُمْ مِنْ دُونه نَصِير يَنْصُركُمْ إِذَا هُوَ عَاقَبَكُمْ , فَيَنْتَصِر لَكُمْ مِنْهُ , فَاحْذَرُوا أَيّهَا النَّاس مَعَاصِيه , وَاتَّقُوهُ أَنْ تُخَالِفُوهُ فِيمَا أَمَرَكُمْ أَوْ نَهَاكُمْ , فَإِنَّهُ لَا دَافِع لِعُقُوبَتِهِ عَمَّنْ أَحَلَّهَا بِهِ .
وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلامِسورة الشورى الآية رقم 32
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمِنْ آيَاته الْجَوَار فِي الْبَحْر } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمِنْ حُجَج اللَّه أَيّهَا النَّاس عَلَيْكُمْ بِأَنَّهُ الْقَادِر عَلَى كُلّ مَا يَشَاء , وَأَنَّهُ لَا يَتَعَذَّر عَلَيْهِ فِعْل شَيْء أَرَادَهُ السُّفُن الْجَارِيَة فِي الْبَحْر , وَالْجَوَارِي : جَمْع جَارِيَة , وَهِيَ السَّائِرَة فِي الْبَحْر. كَمَا : 23724 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبَى نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { الْجَوَار فِي الْبَحْر } قَالَ : السُّفُن . 23725 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ { وَمِنْ آيَاته الْجَوَار فِي الْبَحْر } قَالَ : الْجَوَارِي : السُّفُن .

وَقَوْله : { كَالْأَعْلَامِ } يَعْنِي كَالْجِبَالِ : وَاحِدهَا عَلَم ; وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : كَأَنَّهُ عَلَم فِي رَأْسه نَار يَعْنِي : جَبَل . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23726 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { كَالْأَعْلَامِ } قَالَ : كَالْجِبَالِ . 23727 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : الْأَعْلَام : الْجِبَال.
إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍسورة الشورى الآية رقم 33
وَقَوْله : { إِنْ يَشَأْ يُسْكِن الرِّيح فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِد عَلَى ظَهْره } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنْ يَشَأِ اللَّه الَّذِي قَدْ أَجْرَى هَذِهِ السُّفُن فِي الْبَحْر أَنْ لَا تَجْرِي فِيهِ , أَسْكَنَ الرِّيح الَّتِي تَجْرِي بِهَا فِيهِ , فَثَبَتْنَ فِي مَوْضِع وَاحِد , وَوَقَفْنَ عَلَى ظَهْر الْمَاء لَا تَجْرِي , فَلَا تَتَقَدَّم وَلَا تَتَأَخَّر . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23728 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَمِنْ آيَاته الْجَوَار فِي الْبَحْر كَالْأَعْلَامِ إِنْ يَشَأْ يُسْكِن الرِّيح فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِد عَلَى ظَهْره } سُفُن هَذَا الْبَحْر تَجْرِي بِالرِّيحِ فَإِذَا أُمْسِكَتْ عَنْهَا الرِّيح رَكَدَتْ , قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات لِكُلِّ صَبَّار شَكُور } . 23729 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { إِنْ يَشَأْ يُسْكِن الرِّيح فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِد عَلَى ظَهْره } لَا تَجْرِي . 23730 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِد عَلَى ظَهْره } يَقُول : وُقُوفًا .


وَقَوْله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات لِكُلِّ صَبَّار شَكُور } يَقُول : إِنَّ فِي جَرْي هَذِهِ الْجَوَارِي فِي الْبَحْر بِقُدْرَةِ اللَّه لَعِظَة وَعِبْرَة وَحُجَّة بَيِّنَة عَلَى قُدْرَة اللَّه عَلَى مَا يَشَاء , لِكُلِّ ذِي صَبْر عَلَى طَاعَة اللَّه , شَكُور لِنِعَمِهِ وَأَيَادِيه عِنْده .
أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍسورة الشورى الآية رقم 34
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوْ يُوبِقهُنَّ بِمَا كَسَبُوا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَوْ يُوبِق هَذِهِ الْجَوَارِي فِي الْبَحْر بِمَا كَسَبَتْ رُكْبَانهَا مِنْ الذُّنُوب , وَاجْتَرَمُوا مِنَ الْآثَام , وَجَزَمَ يُوبِقهُنَّ , عَطْفًا عَلَى { يُسْكِن الرِّيح } وَمَعْنَى الْكَلَام إِنْ يُسْكِن الرِّيح فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِد عَلَى ظَهْره , { أَوْ يُوبِقهُنَّ } وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { أَوْ يُوبِقهُنَّ } أَوْ يُهْلِكهُنَّ بِالْغَرَقِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23731 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { أَوْ يُوبِقهُنَّ } يَقُول : يُهْلِكهُنَّ . 23732 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { أَوْ يُوبِقهُنَّ } : أَوْ يُهْلِكهُنَّ. 23733 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ { أَوْ يُوبِقهُنَّ } قَالَ : يُغْرِقهُنَّ بِمَا كَسَبُوا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي قَوْله : { بِمَا كَسَبُوا } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23734 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { أَوْ يُوبِقهُنَّ بِمَا كَسَبُوا } : أَيْ بِذُنُوبِ أَهْلهَا . * - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { أَوْ يُوبِقهُنَّ بِمَا كَسَبُوا } قَالَ : بِذُنُوبِ أَهْلهَا . 23735 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { أَوْ يُوبِقهُنَّ بِمَا كَسَبُوا } قَالَ : يُوبِقهُنَّ بِمَا كَسَبَتْ أَصْحَابهنَّ . وَيَعْلَم الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتنَا

وَقَوْله : { وَيَعْفُ عَنْ كَثِير } يَقُول : وَيَصْفَح تَعَالَى ذِكْره عَنْ كَثِير مِنْ ذُنُوبكُمْ فَلَا يُعَاقِب عَلَيْهَا.
وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٍسورة الشورى الآية رقم 35
وَقَوْله : { وَيَعْلَم الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتنَا } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَيَعْلَم الَّذِينَ يُخَاصِمُونَ رَسُوله مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِي آيَاته وَعِبَره وَأَدِلَّته عَلَى تَوْحِيده . وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة " وَيَعْلَم الَّذِينَ " رَفْعًا عَلَى الِاسْتِئْنَاف , كَمَا قَالَ فِي سُورَة بَرَاءَة : { وَيَتُوب اللَّه عَلَى مَنْ يَشَاء } 9 15 وَقَرَأَتْهُ قُرَّاء الْكُوفَة وَالْبَصْرَة { وَيَعْلَم الَّذِينَ } نَصْبًا كَمَا قَالَ فِي سُورَة آل عِمْرَان { وَيَعْلَم الصَّابِرِينَ } 3 142 عَلَى الصَّرْف ; وَكَمَا قَالَ النَّابِغَة : فَإِنْ يَهْلِك أَبُو قَابُوس يَهْلِك رَبِيع النَّاس وَالشَّهْر الْحَرَام وَنُمْسِك بَعْده بِذَنَابِ عَيْش أَجَبَّ الظَّهْر لَهُ سَنَام وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَلُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ , مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب.

وَقَوْله : { مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيص } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيص مِنْ عِقَاب اللَّه إِذَا عَاقَبَهُمْ عَلَى ذُنُوبهمْ , وَكُفْرهمْ بِهِ , وَلَا لَهُمْ مِنْهُ مَلْجَأ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23736 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط عَنِ السُّدِّيّ , قَوْله : { مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيص } : مَا لَهُمْ مِنْ مَلْجَأ .
فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَسورة الشورى الآية رقم 36
وَقَوْله : { فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْء فَمَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَمَا أُعْطِيتُمْ أَيّهَا النَّاس مِنْ شَيْء مِنْ رِيَاش الدُّنْيَا مِنْ الْمَال وَالْبَنِينَ , فَمَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا , يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَهُوَ مَتَاع لَكُمْ تَتَمَتَّعُونَ بِهِ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا , وَلَيْسَ مِنْ دَار الْآخِرَة , وَلَا مِمَّا يَنْفَعكُمْ فِي مُعَادكُمْ .

يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَالَّذِي عِنْد اللَّه لِأَهْلِ طَاعَته وَالْإِيمَان بِهِ فِي الْآخِرَة , خَيْر مِمَّا أُوتِيتُمُوهُ فِي الدُّنْيَا مِنْ مَتَاعهَا وَأَبْقَى ; لِأَنَّ مَا أُوتِيتُمْ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهُ نَافِد , وَمَا عِنْد اللَّه مِنْ النَّعِيم فِي جِنَانه لِأَهْلِ طَاعَته بَاقٍ غَيْر نَافِد .

يَقُول : وَمَا عِنْد اللَّه لِلَّذِينَ آمَنُوا بِهِ , وَعَلَيْهِ يَتَوَكَّلُونَ فِي أُمُورهمْ , وَإِلَيْهِ يَقُومُونَ فِي أَسْبَابهمْ , وَبِهِ يَثِقُونَ , خَيْر وَأَبْقَى مِمَّا أُوتِيتُمُوهُ مِنْ مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا .
وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَسورة الشورى الآية رقم 37
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِر الْإِثْم وَالْفَوَاحِش } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَا عِنْد اللَّه لِلَّذِينَ آمَنُوا { وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِر الْإِثْم } , وَكَبَائِر فَوَاحِش الْإِثْم , قَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَاف أَهْل التَّأْوِيل فِيهَا وَبَيَّنَّا الصَّوَاب مِنَ الْقَوْل عِنْدنَا فِيهَا فِي سُورَة النِّسَاء , فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَته هَا هُنَا . { وَالْفَوَاحِش } قِيلَ : إِنَّهَا الزِّنَى : ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23737 - مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { وَالْفَوَاحِش } قَالَ : الْفَوَاحِش : الزِّنَى . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { كَبَائِر الْإِثْم } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة عَلَى الْجِمَاع كَذَلِكَ فِي النَّجْم , وَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة " كَبِير الْإِثْم " عَلَى التَّوْحِيد فِيهِمَا جَمِيعًا ; وَكَأَنَّ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , عَنَى بِكَبِيرِ الْإِثْم : الشِّرْك , كَمَا كَانَ الْفَرَّاء يَقُول : كَأَنِّي أَسْتَحِبّ لِمَنْ قَرَأَ كَبَائِر الْإِثْم أَنْ يَخْفِض الْفَوَاحِش , لِتَكُونَ الْكَبَائِر مُضَافَة إِلَى مَجْمُوع إِذْ كَانَتْ جَمْعًا , وَقَالَ : مَا سَمِعْت أَحَدًا مِنَ الْقُرَّاء خَفَضَ الْفَوَاحِش . وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا عُلَمَاء مِنْ الْقُرَّاء عَلَى تَقَارُب مَعْنَيَيْهِمَا , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب .

وَقَوْله : { وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِذَا مَا غَضِبُوا عَلَى مَنْ اجْتَرَمَ إِلَيْهِمْ جُرْمًا , هُمْ يَغْفِرُونَ لِمَنْ أَجْرَمَ إِلَيْهِمْ ذَنْبه , وَيَصْفَحُونَ عَنْهُ عُقُوبَة ذَنْبه .
وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَسورة الشورى الآية رقم 38
وَقَوْله : { وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَالَّذِينَ أَجَابُوا لِرَبِّهِمْ حِين دَعَاهُمْ إِلَى تَوْحِيده , وَالْإِقْرَار بِوَحْدَانِيِّتِهِ وَالْبَرَاءَة مِنْ عِبَادَة كُلّ مَا يَعْبُد دُونه { وَأَقَامُوا الصَّلَاة } الْمَفْرُوضَة بِحُدُودِهَا فِي أَوْقَاتهَا . وَكَانَ ابْن زَيْد يَقُول : عَنَى بِقَوْلِهِ : { وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ } . .. الْآيَة الْأَنْصَار . 23738 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , وَقَرَأَ { وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِر الْإِثْم وَالْفَوَاحِش وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ } قَالَ : فَبَدَأَ بِهِمْ { وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ } الْأَنْصَار { وَأَقَامُوا الصَّلَاة } وَلَيْسَ فِيهِمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَأَمْرهمْ شُورَى بَيْنهمْ } لَيْسَ فِيهِمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا .

يَقُول : وَإِذَا حَزَبَهُمْ أَمْر تَشَاوَرُوا بَيْنهمْ.

يَقُول : وَمِنَ الْأَمْوَال الَّتِي رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فِي سَبِيل اللَّه , وَيُؤَدُّونَ مَا فُرِضَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْحُقُوق لِأَهْلِهَا مِنْ زَكَاة وَنَفَقَة عَلَى مَنْ تَجِب عَلَيْهِ نَفَقَته .
وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَسورة الشورى الآية رقم 39
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْي هُمْ يَنْتَصِرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَالَّذِينَ إِذَا بَغَى عَلَيْهِمْ بَاغٍ , وَاعْتَدَى عَلَيْهِمْ هُمْ يَنْتَصِرُونَ . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْبَاغِي الَّذِي حَمِدَ تَعَالَى ذِكْره , الْمُنْتَصِر مِنْهُ بَعْد بَغْيه عَلَيْهِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ الْمُشْرِك إِذَا بَغَى عَلَى الْمُسْلِم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23739 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنِي ابْن وَهْب قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : ذَكَرَ الْمُهَاجِرِينَ صِنْفَيْنِ , صِنْفًا عَفَا , وَصِنْفًا انْتَصَرَ , وَقَرَأَ { وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِر الْإِثْم وَالْفَوَاحِش وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ } قَالَ : فَبَدَأَ بِهِمْ { وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ } . .. إِلَى قَوْله : { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } وَهُمُ الْأَنْصَار , ثُمَّ ذَكَرَ الصِّنْف الثَّالِث فَقَالَ : { وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْي هُمْ يَنْتَصِرُونَ } مِنَ الْمُشْرِكِينَ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ كُلّ بَاغٍ بَغَى فَحَمِدَ الْمُنْتَصِر مِنْهُ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23740 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : { وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْي هُمْ يَنْتَصِرُونَ } قَالَ : يَنْتَصِرُونَ مِمَّنْ بَغَى عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْر أَنْ يَعْتَدُوا . وَهَذَا الْقَوْل الثَّانِي أَوْلَى فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ , لِأَنَّ اللَّه لَمْ يُخَصِّص مِنْ ذَلِكَ مَعْنَى دُون مَعْنَى , بَلْ حَمِدَ كُلّ مُنْتَصِر بِحَقٍّ مِمَّنْ بَغَى عَلَيْهِ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا فِي الِانْتِصَار مِنَ الْمَدْح ؟ قِيلَ : إِنَّ فِي إِقَامَة الظَّالِم عَلَى سَبِيل الْحَقّ وَعُقُوبَته بِمَا هُوَ لَهُ أَهْل تَقْوِيمًا لَهُ , وَفِي ذَلِكَ أَعْظَم الْمَدْح .
وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَسورة الشورى الآية رقم 40
وَقَوْله : { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلهَا } وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مَعْنَى ذَلِكَ , وَأَنَّ مَعْنَاهُ : وَجَزَاء سَيِّئَة الْمُسِيء عُقُوبَته بِمَا أَوْجَبَهُ اللَّه عَلَيْهِ , فَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ عُقُوبَة مِنَ اللَّه أَوْجَبَهَا عَلَيْهِ , فَهِيَ مَسَاءَة لَهُ . وَالسَّيِّئَة : إِنَّمَا هِيَ الْفَعْلَة مِنْ السُّوء , وَذَلِكَ نَظِير قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ { وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلهَا } 6 160 وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : أَنْ يُجَاب الْقَائِل الْكَلِمَة الْقَزَعَة بِمِثْلِهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23741 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : قَالَ لِي أَبُو بِشْر : سَمِعْت ابْن أَبِي نَجِيح يَقُول فِي قَوْله : { وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مِثْلهَا } قَالَ : يَقُول أَخْزَاهُ اللَّه , فَيَقُول : أَخْزَاهُ اللَّه . 23742 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : { وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مِثْلهَا } قَالَ : إِذَا شَتَمَك بِشَتْمَةٍ فَاشْتُمْهُ مِثْلهَا مِنْ غَيْر أَنْ تَعْتَدِي . وَكَانَ ابْن زَيْد يَقُول فِي ذَلِكَ بِمَا : 23743 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي : { وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْي هُمْ يَنْتَصِرُونَ } مِنَ الْمُشْرِكِينَ { وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مِثْلهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ } . ... الْآيَة , لَيْسَ أَمْركُمْ أَنْ تَعْفُوا عَنْهُمْ لِأَنَّهُ أَحَبَّهُمْ { وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْد ظُلْمه فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيل } , ثُمَّ نَسَخَ هَذَا كُلّه وَأَمَرَهُ بِالْجِهَادِ. فَعَلَى قَوْل ابْن زَيْد هَذَا تَأْوِيل الْكَلَام : وَجَزَاء سَيِّئَة مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَيْك , سَيِّئَة مِثْلهَا مِنْكُمْ إِلَيْهِمْ , وَإِنْ عَفَوْتُمْ وَأَصْلَحْتُمْ فِي الْعَفْو , فَأَجْركُمْ فِي عَفْوكُمْ عَنْهُمْ إِلَى اللَّه , إِنَّهُ لَا يُحِبّ الْكَافِرِينَ ; وَهَذَا عَلَى قَوْله كَقَوْلِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّه } 2 194 وَلِلَّذِي قَالَ مِنْ ذَلِكَ وَجْه غَيْر أَنَّ الصَّوَاب عِنْدنَا : أَنْ تُحْمَل الْآيَة عَلَى الظَّاهِر مَا لَمْ يَنْقُلهُ إِلَى الْبَاطِن مَا يَجِب التَّسْلِيم لَهَا , وَلَمْ يَثْبُت حُجَّة فِي قَوْله : { وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مِثْلهَا } أَنَّهُ مُرَاد بِهِ الْمُشْرِكُونَ دُون الْمُسْلِمِينَ , وَلَا بِأَنَّ هَذِهِ الْآيَة مَنْسُوخَة , فَنُسَلِّم لَهَا بِأَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ .

وَقَوْله : { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْره عَلَى اللَّه } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَمَنْ عَفَا عَمَّنْ أَسَاءَ إِلَيْهِ إِسَاءَته إِلَيْهِ , فَغَفَرَهَا لَهُ , وَلَمْ يُعَاقِبهُ بِهَا , وَهُوَ عَلَى عُقُوبَته عَلَيْهَا قَادِر ابْتِغَاء وَجْه اللَّه , فَأَجْر عَفْوه ذَلِكَ عَلَى اللَّه , وَاللَّه مُثِيبه عَلَيْهِ ثَوَابه.

يَقُول : إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ أَهْل الظُّلْم الَّذِينَ يَتَعَدُّونَ عَلَى النَّاس , فَيُسِيئُونَ إِلَيْهِمْ بِغَيْرِ مَا أَذِنَ اللَّه لَهُمْ فِيهِ .
وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍسورة الشورى الآية رقم 41
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْد ظُلْمه فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيل } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَمَنِ انْتَصَرَ مِمَّنْ ظَلَمَهُ مِمَّنْ بَعْد ظُلْمه إِيَّاهُ { فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيل } يَقُول : فَأُولَئِكَ الْمُنْتَصِرُونَ مِنْهُمْ لَا سَبِيل لِلْمُنْتَصِرِ مِنْهُمْ عَلَيْهِمْ بِعُقُوبَةٍ لَا أَذًى ; لِأَنَّهُمْ انْتَصَرُوا مِنْهُمْ بِحَقٍّ , وَمَنْ أَخَذَ حَقّه مِمَّنْ وَجَبَ ذَلِكَ لَهُ عَلَيْهِ , وَلَمْ يَتَعَدَّ , لَمْ يَظْلِم , فَيَكُون عَلَيْهِ سَبِيل , وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِهِ كُلّ مُنْتَصِر مِمَّنْ أَسَاءَ إِلَيْهِ , مُسْلِمًا كَانَ الْمُسِيء أَوْ كَافِرًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23744 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن بَزِيع , قَالَ : ثنا مُعَاذ , قَالَ : ثنا ابْن عَوْن , قَالَ : كُنْت أَسْأَل عَنْ الِانْتِصَار { وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْد ظُلْمه } . . . الْآيَة , فَحَدَّثَنِي عَلِيّ بْن زَيْد بْن جُدْعَان , عَنْ أُمّ مُحَمَّد امْرَأَة أَبِيهِ , قَالَ ابْن عَوْن : زَعَمُوا أَنَّهَا كَانَتْ تَدْخُل عَلَى أُمّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ : قَالَتْ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ : دَخَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَعِنْدنَا زَيْنَب بِنْت جَحْش , فَجَعَلَ يَصْنَع بِيَدِهِ شَيْئًا , وَلَمْ يَفْطِن لَهَا , فَقُلْت بِيَدِي حَتَّى فَطَّنْته لَهَا , فَأَمْسَكَ , وَأَقْبَلَتْ زَيْنَب تَقَحَّمُ عَائِشَة , فَنَهَاهَا , فَأَبَتْ أَنْ تَنْتَهِيَ , فَقَالَ لِعَائِشَة : " سُبِّيهَا " فَسَبَّتْهَا وَغَلَبَتْهَا وَانْطَلَقَتْ زَيْنَب فَأَتَتْ عَلِيًّا , فَقَالَتْ : إِنَّ عَائِشَة تَقَع بِكُمْ وَتَفْعَل بِكُمْ , فَجَاءَتْ فَاطِمَة , فَقَالَ لَهَا : " إِنَّهَا حِبَّة أَبِيك وَرَبّ الْكَعْبَة " , فَانْصَرَفَتْ وَقَالَتْ لِعَلِيٍّ : إِنِّي قُلْت لَهُ كَذَا وَكَذَا , فَقَالَ كَذَا وَكَذَا ; قَالَ : وَجَاءَ عَلِيّ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ فِي ذَلِكَ. 23745 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْد ظُلْمه } . .. الْآيَة , قَالَ : هَذَا فِي الْخَمْش يَكُون بَيْن النَّاس . 23746 -حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْد ظُلْمه فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيل } قَالَ : هَذَا فِيمَا يَكُون بَيْن النَّاس مِنَ الْقِصَاص , فَأَمَّا لَوْ ظَلَمَك رَجُل لَمْ يَحِلّ لَك أَنْ تَظْلِمهُ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِهِ الِانْتِصَار مِنْ أَهْل الشِّرْك , وَقَالَ : هَذَا مَنْسُوخ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23747 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْد ظُلْمه فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيل } قَالَ : لِمَنْ انْتَصَرَ بَعْد ظُلْمه مِنَ الْمُؤْمِنِينَ انْتَصَرَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَهَذَا قَدْ نُسِخَ , وَلَيْسَ هَذَا فِي أَهْل الْإِسْلَام , وَلَكِنْ فِي أَهْل الْإِسْلَام الَّذِي قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن فَإِذَا الَّذِي بَيْنك وَبَيْنه عَدَاوَة كَأَنَّهُ وَلِيّ حَمِيم } 41 34 وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل أَنْ يُقَال : إِنَّهُ مَعْنِيّ بِهِ كُلّ مُنْتَصِر مِنْ ظَالِمه , وَأَنَّ الْآيَة مُحْكَمَة غَيْر مَنْسُوخَة لِلْعِلَّةِ الَّتِي بَيَّنْت فِي الْآيَة قَبْلهَا.
إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌسورة الشورى الآية رقم 42
وَقَوْله : { إِنَّمَا السَّبِيل عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاس } يَقُول تَبَارَكَ وَتَعَالَى : إِنَّمَا الطَّرِيق لَكُمْ أَيّهَا النَّاس عَلَى الَّذِينَ يَتَعَدُّونَ عَلَى النَّاس ظُلْمًا وَعُدْوَانًا , بِأَنْ يُعَاقِبُوهُمْ بِظُلْمِهِمْ لَا عَلَى مَنْ انْتَصَرَ مِمَّنْ ظَلَمَهُ , فَأَخَذَ مِنْهُ حَقّه .

وَقَوْله : { وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْض بِغَيْرِ الْحَقّ } يَقُول : وَيَتَجَاوَزُونَ فِي أَرْض اللَّه الْحَدّ الَّذِي أَبَاحَ لَهُمْ رَبّهمْ إِلَى مَا لَمْ يَأْذَن لَهُمْ فِيهِ , فَيُفْسِدُونَ فِيهَا بِغَيْرِ الْحَقّ .

يَقُول : فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاس , وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْض بِغَيْرِ الْحَقّ , لَهُمْ عَذَاب مِنَ اللَّه يَوْم الْقِيَامَة فِي جَهَنَّم مُؤْلِم مُوجِع .
وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِسورة الشورى الآية رقم 43
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَمَنْ صَبَرَ عَلَى إِسَاءَة إِلَيْهِ , وَغَفَرَ لِلْمُسِيءِ إِلَيْهِ جُرْمه إِلَيْهِ , فَلَمْ يَنْتَصِر مِنْهُ , وَهُوَ عَلَى الِانْتِصَار مِنْهُ قَادِر ابْتِغَاء وَجْه اللَّه وَجَزِيل ثَوَابه . { إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْم الْأُمُور } يَقُول : إِنَّ صَبْره ذَلِكَ وَغُفْرَانه ذَنْب الْمُسِيء إِلَيْهِ , لَمِنْ عَزْم الْأُمُور الَّتِي نَدَبَ إِلَيْهَا عِبَاده , وَعَزَمَ عَلَيْهِمُ الْعَمَل بِهِ . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي وَجْه دُخُول " إِنَّ " فِي قَوْله : { إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْم الْأُمُور } مَعَ دُخُول اللَّام فِي قَوْله : { وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ } فَكَانَ نَحْوِيّ أَهْل الْبَصْرَة يَقُول فِي ذَلِكَ : أَمَّا اللَّام الَّتِي فِي قَوْله : { وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ } فَلَامَ الِابْتِدَاء , وَأَمَّا إِنَّ ذَلِكَ فَمَعْنَاهُ وَاللَّه أَعْلَم : إِنَّ ذَلِكَ مِنْهُ مِنْ عَزْم الْأُمُور , وَقَالَ : قَدْ تَقُول : مَرَرْت بِالدَّارِ الذِّرَاع بِدِرْهَمٍ : أَيْ الذِّرَاع مِنْهَا بِدِرْهَمٍ , وَمَرَرْت بِبُرّ قَفِيز بِدِرْهَمٍ , أَيْ قَفِيز مِنْهُ بِدِرْهَمٍ . قَالَ : وَأَمَّا ابْتِدَاء " إِنَّ " فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَمِثْل { قُلْ إِنَّ الْمَوْت الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ } 62 8 يَجُوز ابْتِدَاء الْكَلَام , وَهَذَا إِذَا طَالَ الْكَلَام فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَكَانَ بَعْضهمْ يَسْتَخْطِئ هَذَا الْقَوْل وَيَقُول : إِنَّ الْعَرَب إِذَا أَدْخَلَتْ اللَّام فِي أَوَائِل الْجَزَاء أَجَابَتْهُ بِجَوَابَاتِ الْأَيْمَان بِمَا , وَلَا , وَإِنَّ وَاللَّام : قَالَ : وَهَذَا مِنْ ذَاكَ , كَمَا قَالَ : { لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ } 59 12 { وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَار ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ } 59 12 فَجَاءَ بِلَا وَبِاللَّامِ جَوَابًا لِلَّامِ الْأُولَى. قَالَ : وَلَوْ قَالَ : لَئِنْ قُمْت إِنِّي لَقَائِم لَجَازَ وَلَا حَاجَة بِهِ إِلَى الْعَائِد ; لِأَنَّ الْجَوَاب فِي الْيَمِين قَدْ يَكُون فِيهِ الْعَائِد , وَقَدْ لَا يَكُون ; أَلَا تَرَى أَنَّك تَقُول : لَئِنْ قُمْت لَأَقُومَن , وَلَا أَقُوم , وَإِنِّي لَقَائِم فَلَا تَأْتِي بِعَائِدٍ . قَالَ : وَأَمَّا قَوْلهمْ : مَرَرْت بِدَارِ الذِّرَاع بِدِرْهَمٍ وَبِبُرّ قَفِيز بِدِرْهَمٍ , فَلَا بُدّ مِنْ أَنْ يَتَّصِل بِالْأَوَّلِ بِالْعَائِدِ , وَإِنَّمَا يُحْذَف الْعَائِد فِيهِ ; لِأَنَّ الثَّانِي تَبْعِيض لِلْأَوَّلِ مَرَرْت بِبُرٍّ بَعْضه بِدِرْهَمٍ , وَبَعْضه بِدِرْهَمٍ ; فَلَمَّا كَانَ الْمَعْنَى التَّبْعِيض حُذِفَ الْعَائِد . قَالَ : وَأَمَّا ابْتِدَاء " إِنَّ " فِي كُلّ مَوْضِع إِذَا طَالَ الْكَلَام , فَلَا يَجُوز أَنْ تَبْتَدِئ إِلَّا بِمَعْنَى : قُلْ إِنَّ الْمَوْت الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ , فَإِنَّهُ جَوَاب لِلْجَزَاءِ , كَأَنَّهُ قَالَ : مَا فَرَرْتُمْ مِنْهُ مِنَ الْمَوْت , فَهُوَ مُلَاقِيكُمْ , وَهَذَا الْقَوْل الثَّانِي عِنْدِي أَوْلَى فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ لِلْعِلَلِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا .
وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن وَلِيٍّ مِّن بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍسورة الشورى الآية رقم 44
{ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّه فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيّ مِنْ بَعْده } يَقُول : وَمَنْ خَذَلَهُ اللَّه عَنْ الرَّشَاد , فَلَيْسَ لَهُ مِنْ وَلِيّ يَلِيه , فَيَهْدِيه لِسَبِيلِ الصَّوَاب , وَيُسَدِّدهُ مِنْ بَعْد إِضْلَال اللَّه إِيَّاهُ { وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَاب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَتَرَى الْكَافِرِينَ بِاللَّهِ يَا مُحَمَّد يَوْم الْقِيَامَة لَمَّا عَايَنُوا عَذَاب اللَّه يَقُولُونَ لِرَبِّهِمْ : { هَلْ } لَنَا يَا رَبّ { إِلَى مَرَدّ مِنْ سَبِيل ؟ } وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ { وَلَوْ تَرَى إِذْ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسهمْ عِنْد رَبّهمْ رَبّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا } . .. 32 12 الْآيَة , اسْتَعْتَبَ الْمَسَاكِين فِي غَيْر حِين الِاسْتِعْتَاب. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23748 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : { هَلْ إِلَى مَرَدّ مِنْ سَبِيل } يَقُول : إِلَى الدُّنْيَا .
وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍسورة الشورى الآية رقم 45
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلّ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَتَرَى يَا مُحَمَّد الظَّالِمِينَ يُعْرَضُونَ عَلَى النَّار { خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلّ } يَقُول : خَاضِعِينَ مُتَذَلِّلِينَ . كَمَا : 23749 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : الْخُشُوع : الْخَوْف وَالْخَشْيَة لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَقَرَأَ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { لَمَّا رَأَوُا الْعَذَاب } . .. إِلَى قَوْله : { خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلّ } قَالَ : قَدْ أَذَلَّهُمُ الْخَوْف الَّذِي نَزَلَ بِهِمْ وَخَشَعُوا لَهُ . 23750 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : { خَاشِعِينَ } قَالَ : خَاضِعِينَ مِنْ الذُّلّ .

وَقَوْله : { يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْف خَفِيّ } يَقُول : يَنْظُر هَؤُلَاءِ الظَّالِمُونَ إِلَى النَّار حِين يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا مِنْ طَرْف خَفِيّ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى قَوْله : { مِنْ طَرْف خَفِيّ } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : مِنْ طَرْف ذَلِيل , وَكَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : مِنْ طَرْف قَدْ خَفِيَ مِنْ ذِلَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23751 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلّ } ... إِلَى قَوْله : { مِنْ طَرْف خَفِيّ } يَعْنِي بِالْخَفِيِّ : الذَّلِيل . 23752 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى : وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ : { مِنْ طَرْف خَفِيّ } قَالَ : ذَلِيل. قَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ يُسَارِقُونَ النَّظَر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23753 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْف خَفِيّ } قَالَ : يُسَارِقُونَ النَّظَر. 23754 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ { مِنْ طَرْف خَفِيّ } قَالَ : يُسَارِقُونَ النَّظَر . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة فِي ذَلِكَ : جَعَلَ الطَّرْف الْعَيْن , كَأَنَّهُ قَالَ : وَنَظَرهمْ مِنْ عَيْن ضَعِيفَة , وَاللَّه أَعْلَم . قَالَ : وَقَالَ يُونُس : إِنَّ { مِنْ طَرْف } مِثْل بِطَرْفٍ , كَمَا تَقُول الْعَرَب : ضَرَبْته فِي السَّيْف , وَضَرَبْته بِالسَّيْفِ . وَقَالَ آخَر مِنْهُمْ : إِنَّمَا قِيلَ : { مِنْ طَرْف خَفِيّ } لِأَنَّهُ لَا يَفْتَح عَيْنَيْهِ , إِنَّمَا يَنْظُر بِبَعْضِهَا. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : إِنَّمَا قِيلَ : { مِنْ طَرْف خَفِيّ } لِأَنَّهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَى النَّار بِقُلُوبِهِمْ , لِأَنَّهُمْ يُحْشَرُونَ عُمْيًا . وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ , الْقَوْل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنِ ابْن عَبَّاس وَمُجَاهِد , وَهُوَ أَنَّ مَعْنَاهُ : أَنَّهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَى النَّار مِنْ طَرْف ذَلِيل , وَصَفَهُ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالْخَفَاءِ لِلذِّلَّةِ الَّتِي قَدْ رَكِبَتْهُمْ , حَتَّى كَادَتْ أَعْيُنهمْ أَنْ تَغُور , فَتَذْهَب .

وَقَوْله : { وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسهمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْم الْقِيَامَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُوله : إِنَّ الْمَغْبُونِينَ الَّذِينَ غَبَنُوا أَنْفُسهمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْم الْقِيَامَة فِي الْجَنَّة . كَمَا : 23755 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ , قَوْله : { الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسهمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْم الْقِيَامَة } قَالَ : غَبَنُوا أَنْفُسهمْ وَأَهْلِيهِمْ فِي الْجَنَّة .

وَقَوْله : { أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَاب مُقِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَلَا إِنَّ الْكَافِرِينَ يَوْم الْقِيَامَة فِي عَذَاب لَهُمْ مِنَ اللَّه مُقِيم عَلَيْهِمْ , ثَابِت لَا يَزُول عَنْهُمْ , وَلَا يَبِيد , وَلَا يَخِفّ .
وَمَا كَانَ لَهُم مِّنْ أَوْلِيَاءَ يَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍسورة الشورى الآية رقم 46
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاء يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُون اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَمْ يَكُنْ لِهَؤُلَاءِ الْكَافِرِينَ حِين يُعَذِّبهُمْ اللَّه يَوْم الْقِيَامَة أَوْلِيَاء يَمْنَعُونَهُمْ مِنْ عَذَاب اللَّه وَلَا يَنْتَصِرُونَ لَهُمْ مِنْ رَبّهمْ عَلَى مَا نَالَهُمْ بِهِ مِنَ الْعَذَاب مِنْ دُون اللَّه .

يَقُول : وَمَنْ يَخْذُلهُ عَنْ طَرِيق الْحَقّ فَمَا لَهُ مِنْ طَرِيق إِلَى الْوُصُول إِلَيْهِ ; لِأَنَّ الْهِدَايَة وَالْإِضْلَال بِيَدِهِ دُون كُلّ أَحَد سِوَاهُ .
اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُم مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٍسورة الشورى الآية رقم 47
وَقَوْله : { اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْكَافِرِينَ بِهِ : أَجِيبُوا أَيّهَا النَّاس دَاعِي اللَّه وَآمِنُوا بِهِ وَاتَّبِعُوهُ عَلَى مَا جَاءَكُمْ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّكُمْ .

يَقُول : لَا شَيْء يَرُدّ مَجِيئه إِذَا جَاءَ اللَّه بِهِ , وَذَلِكَ يَوْم الْقِيَامَة .

يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : مَا لَكُمْ أَيّهَا النَّاس مِنْ مَعْقِل تَحْتَرِزُونَ فِيهِ , وَتَلْجَئُونَ إِلَيْهِ , فَتَعْتَصِمُونَ بِهِ مِنَ النَّازِل بِكُمْ مِنْ عَذَاب اللَّه عَلَى كُفْركُمْ بِهِ , كَانَ فِي الدُّنْيَا { وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِير } يَقُول : وَلَا أَنْتُمْ تَقْدِرُونَ لِمَا يَحِلّ بِكُمْ مِنْ عِقَابه يَوْمئِذٍ عَلَى تَغْيِيره , وَلَا عَلَى انْتِصَار مِنْهُ إِذَا عَاقَبَكُمْ بِمَا عَاقَبَكُمْ بِهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23756 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأ } قَالَ : مِنْ مُحْرِز , وَقَوْله : { مِنْ نَكِير } قَالَ : نَاصِر يَنْصُركُمْ . 23757 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأ يَوْمئِذٍ } تَلْجَئُونَ إِلَيْهِ { وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِير } يَقُول : مِنْ عِزّ تَعْتَزُّونَ .
فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإِنسَانَ كَفُورٌسورة الشورى الآية رقم 48
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاك عَلَيْهِمْ حَفِيظًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَإِنْ أَعْرَضَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ يَا مُحَمَّد عَمَّا أَتَيْتهمْ بِهِ مِنَ الْحَقّ , وَدَعَوْتهمْ إِلَيْهِ مِنْ الرُّشْد , فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَك , وَأَبَوْا قَبُوله مِنْك , فَدَعْهُمْ , فَإِنَّا لَنْ نُرْسِلك إِلَيْهِمْ رَقِيبًا عَلَيْهِمْ , تَحْفَظ عَلَيْهِمْ أَعْمَالهمْ وَتُحْصِيهَا .

يَقُول : مَا عَلَيْك يَا مُحَمَّد إِلَّا أَنْ تُبَلِّغهُمْ مَا أَرْسَلْنَاك بِهِ إِلَيْهِمْ مِنْ الرِّسَالَة , فَإِذَا بَلَّغْتهمْ ذَلِكَ , فَقَدْ قَضَيْت مَا عَلَيْك .

يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَإِنَّا إِذَا أَغْنَيْنَا ابْن آدَم فَأَعْطَيْنَاهُ مِنْ عِنْدنَا سَعَة , وَذَلِكَ هُوَ الرَّحْمَة الَّتِي ذَكَرَهَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ , فَرِحَ بِهَا : يَقُول : سُرَّ بِمَا أَعْطَيْنَاهُ مِنَ الْغِنَى , وَرَزَقْنَاهُ مِنْ السَّعَة وَكَثْرَة الْمَال .

يَقُول : وَإِنْ أَصَابَتْهُمْ فَاقَة وَفَقْر وَضِيق عَيْش . وَإِنَّمَا قَالَ : { وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَة } فَأَخْرَجَ الْهَاء وَالْمِيم مَخْرَج كِنَايَة جَمْع الذُّكُور , وَقَدْ ذُكِرَ الْإِنْسَان قَبْل ذَلِكَ بِمَعْنَى الْوَاحِد , لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْجَمْع .

يَقُول : بِمَا أَسْلَفَتْ مِنْ مَعْصِيَة اللَّه عُقُوبَة لَهُ عَلَى مَعْصِيَته إِيَّاهُ , جَحَدَ نِعْمَة اللَّه , وَأَيِس مِنَ الْخَيْر .

يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَإِنَّ الْإِنْسَان جَحُود نِعَم رَبّه , يُعَدِّد الْمَصَائِب , وَيَجْحَد النِّعَم .
لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَسورة الشورى الآية رقم 49
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لِلَّهِ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض يَخْلُق مَا يَشَاء يَهَب لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَب لِمَنْ يَشَاء الذُّكُور } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لِلَّهِ سُلْطَان السَّمَوَات السَّبْع وَالْأَرَضِينَ , يَفْعَل فِي سُلْطَانه مَا يَشَاء , وَيَخْلُق مَا يُحِبّ خَلْقه , يَهَب لِمَنْ يَشَاء مِنْ خَلْقه مِنْ الْوَلَد الْإِنَاث دُون الذُّكُور , بِأَنْ يَجْعَل كُلّ مَا حَمَلَتْ زَوْجَته مِنْ حَمْل مِنْهُ أُنْثَى { وَيَهَب لِمَنْ يَشَاء الذُّكُور } يَقُول : وَيَهَب لِمَنْ يَشَاء مِنْهُمْ الذُّكُور , بِأَنْ يَجْعَل كُلّ حَمْل حَمَلَتْهُ امْرَأَته ذَكَرًا لَا أُنْثَى فِيهِمْ. 23758 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { أَوْ يُزَوِّجهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا } قَالَ : يَخْلِط بَيْنهمْ يَقُول : التَّزْوِيج : أَنْ تَلِد الْمَرْأَة غُلَامًا , ثُمَّ تَلِد جَارِيَة , ثُمَّ تَلِد غُلَامًا , ثُمَّ تَلِد جَارِيَة . 23759 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { يَهَب لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَب لِمَنْ يَشَاء الذُّكُور } قَادِر وَاللَّه رَبّنَا عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَهَب لِلرَّجُلِ ذُكُورًا لَيْسَتْ مَعَهُمْ أُنْثَى , وَأَنْ يَهَب لِلرَّجُلِ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا , فَيَجْمَعهُمْ لَهُ جَمِيعًا , { وَيَجْعَل مَنْ يَشَاء عَقِيمًا } لَا يُولَد لَهُ . 23760 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ , فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { يَهَب لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَب لِمَنْ يَشَاء الذُّكُور } لَيْسَتْ مَعَهُمْ إِنَاث { أَوْ يُزَوِّجهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا } قَالَ : يَهَب لَهُمْ إِنَاثًا وَذُكْرَانًا , وَيَجْعَل مَنْ يَشَاء عَقِيمًا لَا يُولَد لَهُ . 23761 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَيَجْعَل مَنْ يَشَاء عَقِيمًا } يَقُول : لَا يُلَقِّح . 23762 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَيَجْعَل مَنْ يَشَاء عَقِيمًا } لَا يَلِد وَاحِدًا وَلَا اثْنَيْنِ . 23763 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد اللَّه , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { يَهَب لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَب لِمَنْ يَشَاء الذُّكُور } لَيْسَ فِيهِمْ أُنْثَى { أَوْ يُزَوِّجهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا } تَلِد الْمَرْأَة ذَكَرًا مَرَّة وَأُنْثَى مَرَّة { وَيَجْعَل مَنْ يَشَاء عَقِيمًا } لَا يُولَد لَهُ. وَقَالَ ابْن زَيْد : فِي مَعْنَى قَوْله : { أَوْ يُزَوِّجهُمْ } مَا : 23764 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : فِي قَوْله : { أَوْ يُزَوِّجهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا } قَالَ : أَوْ يَجْعَل فِي الْوَاحِد ذَكَرًا وَأُنْثَى تَوْأَمًا , هَذَا قَوْله : { أَوْ يُزَوِّجهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا } .
أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌسورة الشورى الآية رقم 50
يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لِلَّهِ سُلْطَان السَّمَوَات السَّبْع وَالْأَرَضِينَ , يَفْعَل فِي سُلْطَانه مَا يَشَاء , وَيَخْلُق مَا يُحِبّ خَلْقه , يَهَب لِمَنْ يَشَاء مِنْ خَلْقه مِنَ الْوَلَد الْإِنَاث دُون الذُّكُور , بِأَنْ يَجْعَل كُلّ مَا حَمَلَتْ زَوْجَته مِنْ حَمْل مِنْهُ أُنْثَى { وَيَهَب لِمَنْ يَشَاء الذُّكُور } يَقُول : وَيَهَب لِمَنْ يَشَاء مِنْهُمْ الذُّكُور , بِأَنْ يَجْعَل كُلّ حَمْل حَمَلَتْهُ امْرَأَته ذَكَرًا لَا أُنْثَى فِيهِمْ. 23758 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { أَوْ يُزَوِّجهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا } قَالَ : يَخْلِط بَيْنهمْ يَقُول : التَّزْوِيج : أَنْ تَلِد الْمَرْأَة غُلَامًا , ثُمَّ تَلِد جَارِيَة , ثُمَّ تَلِد غُلَامًا , ثُمَّ تَلِد جَارِيَة . 23759 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { يَهَب لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَب لِمَنْ يَشَاء الذُّكُور } قَادِر وَاللَّه رَبّنَا عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَهَب لِلرَّجُلِ ذُكُورًا لَيْسَتْ مَعَهُمْ أُنْثَى , وَأَنْ يَهَب لِلرَّجُلِ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا , فَيَجْمَعهُمْ لَهُ جَمِيعًا , { وَيَجْعَل مَنْ يَشَاء عَقِيمًا } لَا يُولَد لَهُ . 23760 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { يَهَب لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَب لِمَنْ يَشَاء الذُّكُور } لَيْسَتْ مَعَهُمْ إِنَاث { أَوْ يُزَوِّجهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا } قَالَ : يَهَب لَهُمْ إِنَاثًا وَذُكْرَانًا , وَيَجْعَل مَنْ يَشَاء عَقِيمًا لَا يُولَد لَهُ. 23761 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَيَجْعَل مَنْ يَشَاء عَقِيمًا } يَقُول : لَا يُلَقِّح. 23762 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَيَجْعَل مَنْ يَشَاء عَقِيمًا } لَا يَلِد وَاحِدًا وَلَا اثْنَيْنِ . 23763 - حَدَّثَنَا عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد اللَّه , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { يَهَب لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَب لِمَنْ يَشَاء الذُّكُور } لَيْسَ فِيهِمْ أُنْثَى { أَوْ يُزَوِّجهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا } تَلِد الْمَرْأَة ذَكَرًا مَرَّة وَأُنْثَى مَرَّة { وَيَجْعَل مَنْ يَشَاء عَقِيمًا } لَا يُولَد لَهُ . وَقَالَ ابْن زَيْد : فِي مَعْنَى قَوْله : { أَوْ يُزَوِّجهُمْ } مَا : 23764 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : فِي قَوْله : { أَوْ يُزَوِّجهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا } قَالَ : أَوْ يَجْعَل فِي الْوَاحِد ذَكَرًا وَأُنْثَى تَوْأَمًا , هَذَا قَوْله : { أَوْ يُزَوِّجهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا } .

وَقَوْله : { إِنَّهُ عَلِيم قَدِير } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ اللَّه ذُو عِلْم بِمَا يَخْلُق , وَقُدْرَة عَلَى خَلْق مَا يَشَاء لَا يَعْزُب عَنْهُ عِلْم شَيْء مِنْ خَلْقه , وَلَا يُعْجِزهُ شَيْء أَرَادَ خَلْقه .
وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌسورة الشورى الآية رقم 51
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمهُ اللَّه إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاء حِجَاب أَوْ يُرْسِل رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَا يَنْبَغِي لِبَشَرٍ مِنْ بَنِي آدَم أَنْ يُكَلِّمهُ رَبّه إِلَّا وَحْيًا يُوحِي اللَّه إِلَيْهِ كَيْفَ شَاءَ , أَوْ إِلْهَامًا , وَإِمَّا غَيْره { أَوْ مِنْ وَرَاء حِجَاب } يَقُول : أَوْ يُكَلِّمهُ بِحَيْثُ يَسْمَع كَلَامه وَلَا يَرَاهُ , كَمَا كَلَّمَ مُوسَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَوْ يُرْسِل رَسُولًا } يَقُول : أَوْ يُرْسِل اللَّه مِنْ مَلَائِكَته رَسُولًا , إِمَّا جَبْرَائِيل , وَإِمَّا غَيْره { فَيُوحِي بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء } يَقُول : فَيُوحِي ذَلِكَ الرَّسُول إِلَى الْمُرْسَل إِلَيْهِ بِإِذْنِ رَبّه مَا يَشَاء , يَعْنِي : مَا يَشَاء رَبّه أَنْ يُوحِيه إِلَيْهِ مِنْ أَمْر وَنَهْي , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الرِّسَالَة وَالْوَحْي . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23765 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ , فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمهُ اللَّه إِلَّا وَحْيًا } يُوحِي إِلَيْهِ { أَوْ مِنْ وَرَاء حِجَاب } مُوسَى كَلَّمَهُ اللَّه مِنْ وَرَاء حِجَاب , { أَوْ يُرْسِل رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء } قَالَ : جَبْرَائِيل يَأْتِي بِالْوَحْيِ . وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { أَوْ يُرْسِل رَسُولًا } فَيُوحِيَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار { فَيُوحِيَ } بِنَصْبِ الْيَاء عَطْفًا عَلَى { يُرْسِل } , وَنَصَبُوا { يُرْسِل } عَطْفًا بِهَا عَلَى مَوْضِع الْوَحْي , وَمَعْنَاهُ ; لِأَنَّ مَعْنَاهُ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمهُ اللَّه إِلَّا أَنْ يُوحِيَ إِلَيْهِ أَوْ يُرْسِل إِلَيْهِ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء , وَقَرَأَ ذَلِكَ نَافِع الْمَدَنِيّ " فَيُوحِي " بِإِرْسَالِ الْيَاء بِمَعْنَى الرَّفْع عَطْفًا بِهِ عَلَى { يُرْسِل } , وَبِرَفْعِ { يُرْسِل } عَلَى الِابْتِدَاء .

وَقَوْله : { إِنَّهُ عَلِيّ حَكِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره إِنَّهُ يَعْنِي نَفْسه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : ذُو عُلُوّ عَلَى كُلّ شَيْء وَارْتِفَاع عَلَيْهِ , وَاقْتِدَار . حَكِيم : يَقُول : ذُو حِكْمَة فِي تَدْبِيره خَلْقه .
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍسورة الشورى الآية رقم 52
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْك رُوحًا مِنْ أَمْرنَا } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْك رُوحًا مِنْ أَمْرنَا } وَكَمَا كُنَّا نُوحِي فِي سَائِر رُسُلنَا , كَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْك يَا مُحَمَّد هَذَا الْقُرْآن , رُوحًا مِنْ أَمْرنَا : يَقُول : وَحْيًا وَرَحْمَة مِنْ أَمْرنَا . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الرُّوح فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِهِ الرَّحْمَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23766 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , عَنِ الْحَسَن فِي قَوْله : { رُوحًا مِنْ أَمْرنَا } قَالَ : رَحْمَة مِنْ أَمْرنَا. وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ : وَحْيًا مِنْ أَمْرنَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23767 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْك رُوحًا مِنْ أَمْرنَا } قَالَ : وَحْيًا مِنْ أَمْرنَا . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الرُّوح فِيمَا مَضَى بِذِكْرِ اخْتِلَاف أَهْل التَّأْوِيل فِيهَا بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع.

وَقَوْله : { مَا كُنْت تَدْرِي مَا الْكِتَاب وَلَا الْإِيمَان } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا كُنْت تَدْرِي يَا مُحَمَّد أَيّ شَيْء الْكِتَاب وَلَا الْإِيمَان اللَّذَيْنِ أَعْطَيْنَاكَهُمَا .

{ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا } يَقُول : وَلَكِنْ جَعَلْنَا هَذَا الْقُرْآن , وَهُوَ الْكِتَاب نُورًا , يَعْنِي ضِيَاء لِلنَّاسِ , يَسْتَضِيئُونَ بِضَوْئِهِ الَّذِي بَيَّنَ اللَّه فِيهِ , وَهُوَ بَيَانه الَّذِي بَيَّنَ فِيهِ , مِمَّا لَهُمْ فِيهِ فِي الْعَمَل بِهِ الرَّشَاد , وَمِنَ النَّار النَّجَاة { نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاء مِنْ عِبَادنَا } يَقُول : نَهْدِي بِهَذَا الْقُرْآن , فَالْهَاء فِي قَوْله " وَبِهِ " مِنْ ذِكْر الْكِتَاب. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاء } : نُسَدِّد إِلَى سَبِيل الصَّوَاب , وَذَلِكَ الْإِيمَان بِاللَّهِ { مَنْ نَشَاء مِنْ عِبَادنَا } يَقُول : نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاء هِدَايَته إِلَى الطَّرِيق الْمُسْتَقِيم مِنْ عِبَادنَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23768 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ { مَا كُنْت تَدْرِي مَا الْكِتَاب وَلَا الْإِيمَان } يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاء مِنْ عِبَادنَا } يَعْنِي بِالْقُرْآنِ . وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ } فَوَحَّدَ الْهَاء , وَقَدْ ذَكَرَ قَبْل الْكِتَاب وَالْإِيمَان ; لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ الْخَبَر عَنِ الْكِتَاب , وَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِهِ الْإِيمَان وَالْكِتَاب , وَلَكِنْ وَحَّدَ الْهَاء ; لِأَنَّ أَسْمَاء الْأَفْعَال يَجْمَع جَمِيعهَا الْفِعْل , كَمَا يُقَال : إِقْبَالك وَإِدْبَارك يُعْجِبنِي , فَيُوَحِّدهُمَا وَهُمَا اثْنَانِ .

وَقَوْله : { وَإِنَّك لَتَهْدِي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَإِنَّك يَا مُحَمَّد لَتَهْدِي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم عِبَادنَا , بِالدُّعَاءِ إِلَى اللَّه , وَالْبَيَان لَهُمْ . كَمَا : 23769 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَإِنَّك لَتَهْدِي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم } قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَلِكُلِّ قَوْم هَادٍ } 13 7 دَاعٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ. * - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { وَإِنَّك لَتَهْدِي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم } قَالَ : لِكُلِّ قَوْم هَادٍ . 23770 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ { وَإِنَّك لَتَهْدِي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم } يَقُول : تَدْعُو إِلَى دِين مُسْتَقِيم .
صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُسورة الشورى الآية رقم 53
يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَإِنَّك لَتَهْدِي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم , وَهُوَ الْإِسْلَام , طَرِيق اللَّه الَّذِي دَعَا إِلَيْهِ عِبَاده , الَّذِي لَهُمْ مُلْك جَمِيع مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض , لَا شَرِيك لَهُ فِي ذَلِكَ , وَالصِّرَاط الثَّانِي : تَرْجَمَة عَنْ الصِّرَاط الْأَوَّل.

وَقَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { أَلَا إِلَى اللَّه تَصِير الْأُمُور } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : أَلَا إِلَى اللَّه أَيّهَا النَّاس تَصِير أُمُوركُمْ فِي الْآخِرَة , فَيَقْضِي بَيْنكُمْ بِالْعَدْلِ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : أَوَلَيْسَتْ أُمُورهمْ فِي الدُّنْيَا إِلَيْهِ ؟ قِيلَ : هِيَ وَإِنْ كَانَ إِلَيْهِ تَدْبِير جَمِيع ذَلِكَ , فَإِنَّ لَهُمْ حُكَّامًا وَوُلَاة يَنْظُرُونَ بَيْنهمْ , وَلَيْسَ لَهُمْ يَوْم الْقِيَامَة حَاكِم وَلَا سُلْطَان غَيْره , فَلِذَلِكَ قِيلَ : إِلَيْهِ تَصِير الْأُمُور هُنَالِكَ وَإِنْ كَانَتِ الْأُمُور كُلّهَا إِلَيْهِ وَبِيَدِهِ قَضَاؤُهَا وَتَدْبِيرهَا فِي كُلّ حَال . آخِر تَفْسِير سُورَة حم عسق .
الصفحة 1الصفحة 2