الصفحة 1الصفحة 2
يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍسورة الأحقاف الآية رقم 31
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا قَوْمنَا أَجِيبُوا دَاعِي اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيل هَؤُلَاءِ النَّفَر مِنْ الْجِنّ { يَا قَوْمنَا } مِنْ الْجِنّ { أَجِيبُوا دَاعِي اللَّه } قَالُوا : أَجِيبُوا رَسُول اللَّه مُحَمَّدًا إِلَى مَا يَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ مِنْ طَاعَة اللَّه .

يَقُول : وَصَدَّقُوهُ فِيمَا جَاءَكُمْ بِهِ وَقَوْمه مِنْ أَمْر اللَّه وَنَهْيه , وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا دَعَاكُمْ إِلَى التَّصْدِيق بِهِ .


يَقُول : يَتَغَمَّد لَكُمْ رَبّكُمْ مِنْ ذُنُوبكُمْ فَيَسْتُرهَا لَكُمْ وَلَا يَفْضَحكُمْ بِهَا فِي الْآخِرَة بِعُقُوبَتِهِ إِيَّاكُمْ عَلَيْهَا .


يَقُول : وَيُنْقِذكُمْ مِنْ عَذَاب مُوجِع إِذَا أَنْتُمْ تُبْتُمْ مِنْ ذُنُوبكُمْ , وَأَنَبْتُمْ مِنْ كُفْركُمْ إِلَى الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَبِدَاعِيهِ .
وَمَن لّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍسورة الأحقاف الآية رقم 32
وَقَوْله : { وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِي اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيل هَؤُلَاءِ النَّفَر لِقَوْمِهِمْ : وَمَنْ لَا يُجِبْ أَيّهَا الْقَوْم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدًا , وَدَاعِيه إِلَى مَا بَعَثَهُ بِالدُّعَاءِ إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيده , وَالْعَمَل بِطَاعَتِهِ .


يَقُول : فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ رَبّه بِهَرَبِهِ , إِذَا أَرَادَ عُقُوبَته عَلَى تَكْذِيبه دَاعِيه , وَتَرْكه تَصْدِيقه وَإِنْ ذَهَبَ فِي الْأَرْض هَارِبًا , لِأَنَّهُ حَيْثُ كَانَ فَهُوَ فِي سُلْطَانه وَقَبْضَته .


يَقُول : وَلَيْسَ لِمَنْ لَمْ يُجِبْ دَاعِي اللَّه مِنْ دُون رَبّه نُصَرَاء يَنْصُرُونَهُ مِنْ اللَّه إِذَا عَاقَبَهُ رَبّه عَلَى كُفْره بِهِ وَتَكْذِيبه دَاعِيه .


وَقَوْله : { أُولَئِكَ فِي ضَلَال مُبِين } يَقُول : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَمْ يُجِيبُوا دَاعِي اللَّه فَيُصَدِّقُوا بِهِ , وَبِمَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيد اللَّه , وَالْعَمَل بِطَاعَتِهِ فِي جَوْر عَنْ قَصْد السَّبِيل , وَأَخْذ عَلَى غَيْر اِسْتِقَامَة , { مُبِين } : يَقُول : يُبَيِّن لِمَنْ تَأَمَّلَهُ أَنَّهُ ضَلَال , وَأُخِذَ عَلَى غَيْر قَصْد .
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌسورة الأحقاف الآية رقم 33
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّه الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض وَلَمْ يَعِي بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِي الْمَوْتَى } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَوَلَمْ يَنْظُر هَؤُلَاءِ الْمُنْكِرُونَ إِحْيَاء اللَّه خَلْقه مِنْ بَعْد وَفَاتهمْ , وَبَعْثه إِيَّاهُمْ مِنْ قُبُورهمْ بَعْد بَلَائِهِمْ , الْقَائِلُونَ لِآبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتهمْ { أُفّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَج وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُون مِنْ قَبْلِي } 46 17 فَلَمْ يَبْعَثُوا بِأَبْصَارِ قُلُوبهمْ , فَيَرَوْا وَيَعْلَمُوا أَنَّ اللَّه الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَات السَّبْع وَالْأَرْض , فَابْتَدَعَهُنَّ مِنْ غَيْر شَيْء , وَلَمْ يَعِي بِإِنْشَائِهِنَّ , فَيَعْجِز عَنْ اِخْتِرَاعهنَّ وَإِحْدَاثهنَّ { بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِي الْمَوْتَى } فَيُخْرِجهُمْ مِنْ بَعْد بَلَائِهِمْ فِي قُبُورهمْ أَحْيَاء كَهَيْئَتِهِمْ قَبْل وَفَاتهمْ . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي وَجْه دُخُول الْبَاء فِي قَوْله : { بِقَادِرٍ } فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : هَذِهِ الْبَاء كَالْبَاءِ فِي قَوْله : { كَفَى بِاَللَّهِ } 17 96 وَهُوَ مِثْل { تَنْبُت بِالدُّهْنِ } 23 20 . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : دَخَلَتْ هَذِهِ الْبَاء لِلَمْ ; قَالَ : وَالْعَرَب تُدْخِلهَا مَعَ الْجُحُود إِذَا كَانَتْ رَافِعَة لِمَا قَبْلهَا , وَتُدْخِلهَا إِذَا وَقَعَ عَلَيْهَا فِعْل يَحْتَاج إِلَى اِسْمَيْنِ مِثْل قَوْلك : مَا أَظُنّك بِقَائِمٍ , وَمَا أَظُنّ أَنَّك بِقَائِمٍ , وَمَا كُنْت بِقَائِمٍ , فَإِذَا خَلَعْت الْبَاء نَصَبْت الَّذِي كَانَتْ تَعْمَل فِيهِ , بِمَا تَعْمَل فِيهِ مِنْ الْفِعْل , قَالَ : وَلَوْ أُلْقِيَتْ الْبَاء مِنْ قَادِر فِي هَذَا الْمَوْضِع رُفِعَ , لِأَنَّهُ خَبَر لِأَنَّ , قَالَ : وَأَنْشَدَنِي بَعْضهمْ : فَمَا رَجَعَتْ بِخَائِبَةٍ رِكَاب حَكِيم بْن الْمُسَيِّب مُنْتَهَاهَا فَأَدْخَلَ الْبَاء فِي فِعْل لَوْ أُلْقِيَتْ مِنْهُ نُصِبَ بِالْفِعْلِ لَا بِالْبَاءِ , يُقَاس عَلَى هَذَا مَا أَشْبَهَهُ . وَقَالَ بَعْض مَنْ أَنْكَرَ قَوْل الْبَصْرِيّ الَّذِي ذَكَرْنَا قَوْله : هَذِهِ الْبَاء دَخَلَتْ لِلْجَحْدِ , لِأَنَّ الْمَجْحُود فِي الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ قَدْ حَال بَيْنهمَا بِأَنَّ " أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّه قَادِر عَلَى أَنْ يُحْيِي الْمَوْتَى " قَالَ : فَأَنَّ اِسْم يَرَوْا وَمَا بَعْدهَا فِي صِلَتهَا , وَلَا تَدْخُل فِيهِ الْبَاء , وَلَكِنْ مَعْنَاهُ جَحْد , فَدَخَلَتْ لِلْمَعْنَى. وَحُكِيَ عَنْ الْبَصْرِيّ أَنَّهُ كَانَ يَأْبَى إِدْخَال إِلَّا , وَأَنَّ النَّحْوِيِّينَ مِنْ أَهْل الْكُوفَة يُجِيزُونَهُ , وَيَقُولُونَ : مَا ظَنَنْت أَنْ زَيْدًا إِلَّا قَائِمًا , وَمَا ظَنَنْت أَنَّ زَيْدًا بِعَالَمٍ . وَيُنْشِد : وَلَسْت بِحَالِفٍ لَوَلَدْت مِنْهُمْ عَلَى عَمِّيَّة إِلَّا زِيَادَا قَالَ : فَأَدْخَلَ إِلَّا بَعْد جَوَاب الْيَمِين , قَالَ : فَأَمَّا " كَفَى بِاَللَّهِ " , فَهَذِهِ لَمْ تُدْخِل إِلَّا لِمَعْنًى صَحِيح , وَهِيَ لِلتَّعَجُّبِ , كَمَا تَقُول لِظَرْفٍ بِزَيْدٍ . قَالَ : وَأَمَّا { تَنْبُت الدُّهْن } 23 20 فَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا صِلَة . وَأَشْبَه الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : دَخَلَتْ الْبَاء فِي قَوْله { بِقَادِرٍ } لِلْجَحْدِ , لَمَّا ذَكَرْنَا لِقَائِلِي ذَلِكَ مِنْ الْعِلَل . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { بِقَادِرٍ } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار , عَنْ أَبِي إِسْحَاق وَالْجَحْدَرِيّ وَالْأَعْرَج { بِقَادِرٍ } وَهِيَ الصَّحِيحَة عِنْدنَا لِإِجْمَاعِ قُرَّاء الْأَمْصَار عَلَيْهَا . وَأَمَّا الْآخَرُونَ الَّذِينَ ذَكَرْتهمْ فَإِنَّهُمْ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُمْ كَانُوا يَقْرَءُونَ ذَلِكَ " يَقْدِر " بِالْيَاءِ . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهُ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود " أَنَّ اللَّه الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض قَادِر " بِغَيْرِ بَاء , فَفِي ذَلِكَ حُجَّة لِمَنْ قَرَأَهُ " بِقَادِرٍ " بِالْبَاءِ وَالْأَلِف .

. وَقَوْله : { بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : بَلَى , يَقْدِر الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض عَلَى إِحْيَاء الْمَوْتَى : أَيْ الَّذِي خَلَقَ ذَلِكَ عَلَى كُلّ شَيْء شَاءَ خَلْقه , وَأَرَادَ فِعْله , ذُو قُدْرَة لَا يُعْجِزهُ شَيْء أَرَادَهُ , وَلَا يُعْيِيه شَيْء أَرَادَ فِعْله , فَيُعْيِيه إِنْشَاء الْخَلْق بَعْد الْفَنَاء , لِأَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ فَضَعِيف , فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُون إِلَهًا مَنْ كَانَ عَمَّا أَرَادَ ضَعِيفًا .
وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَسورة الأحقاف الآية رقم 34
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَوْم يُعْرَض الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّار أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَيَوْم يُعْرَض هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ بِالْبَعْثِ , وَثَوَاب اللَّه عِبَاده عَلَى أَعْمَالهمْ الصَّالِحَة , وَعِقَابه إِيَّاهُمْ عَلَى أَعْمَالهمْ السَّيِّئَة , عَلَى النَّار , نَار جَهَنَّم , يُقَال لَهُمْ حِينَئِذٍ : أَلَيْسَ هَذَا الْعَذَاب الَّذِي تُعَذَّبُونَهُ الْيَوْم , وَقَدْ كُنْتُمْ تُكَذِّبُونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا بِالْحَقِّ , تَوْبِيخًا مِنْ اللَّه لَهُمْ عَلَى تَكْذِيبهمْ بِهِ , كَانَ فِي الدُّنْيَا

يَقُول : فَيُجِيب هَؤُلَاءِ الْكَفَرَة مِنْ فَوْرهمْ بِذَلِكَ , بِأَنْ يَقُولُوا بَلَى هُوَ الْحَقّ وَاَللَّه


يَقُول : فَقَالَ لَهُمْ الْمُقَرَّر بِذَلِكَ : فَذُوقُوا عَذَاب النَّار الْآن بِمَا كُنْتُمْ تَجْحَدُونَهُ فِي الدُّنْيَا , وَتُنْكِرُونَهُ , وَتَأْبَوْنَ الْإِقْرَار إِذَا دُعِيتُمْ إِلَى التَّصْدِيق بِهِ .
فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَسورة الأحقاف الآية رقم 35
وَقَوْله : { فَهَلْ يُهْلَك إِلَّا الْقَوْم الْفَاسِقُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَهَلْ يُهْلِك اللَّه بِعَذَابِهِ إِذَا أَنْزَلَهُ إِلَّا الْقَوْم الَّذِينَ خَالَفُوا أَمْره , وَخَرَجُوا عَنْ طَاعَته وَكَفَرُوا بِهِ. وَمَعْنَى الْكَلَام : وَمَا يُهْلِك اللَّه إِلَّا الْقَوْم الْفَاسِقِينَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24244 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { فَهَلْ يُهْلَك إِلَّا الْقَوْم الْفَاسِقُونَ } تَعْلَمُوا مَا يُهْلَك عَلَى اللَّه إِلَّا هَالِك وَلِيّ الْإِسْلَام ظَهْره أَوْ مُنَافِق صَدَّقَ بِلِسَانِهِ وَخَالَفَ بِعَمَلِهِ . ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول : " وَأَيّمَا عَبْد مِنْ أُمَّتِي هَمَّ بِحَسَنَةٍ كُتِبَتْ لَهُ وَاحِدَة , وَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْر أَمْثَالهَا . وَأَيّمَا عَبْد هَمَّ بِسَيِّئَةٍ لَمْ تُكْتَب عَلَيْهِ , فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ سَيِّئَة وَاحِدَة , ثُمَّ كَانَ يَتْبَعهَا , وَيَمْحُوهَا اللَّه وَلَا يَهْلِك إِلَّا هَالِك".

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْم مِنْ الرُّسُل } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مُثَبِّته عَلَى الْمُضِيّ لِمَا قَلَّدَهُ مِنْ عِبْء الرِّسَالَة , وَثِقَل أَحْمَال النُّبُوَّة صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَآمِره بِالِائْتِسَاء فِي الْعَزْم عَلَى النُّفُوذ لِذَلِكَ بِأُولِي الْعَزْم مِنْ قَبْله مِنْ رُسُله الَّذِينَ صَبَرُوا عَلَى عَظِيم مَا لَقَوْا فِيهِ مِنْ قَوْمهمْ مِنْ الْمَكَارِه , وَنَالَهُمْ فِيهِ مِنْهُمْ مِنْ الْأَذَى وَالشَّدَائِد { فَاصْبِرْ } يَا مُحَمَّد عَلَى مَا أَصَابَك فِي اللَّه مِنْ أَذَى مُكَذِّبِيك مِنْ قَوْمك الَّذِينَ أَرْسَلْنَاك إِلَيْهِمْ بِالْإِنْذَارِ { كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْم } عَلَى الْقِيَام بِأَمْرِ اللَّه , وَالِانْتِهَاء إِلَى طَاعَته مِنْ رُسُله الَّذِينَ لَمْ يَنْهَهُمْ عَنْ النُّفُوذ لِأَمْرِهِ , مَا نَالَهُمْ فِيهِ مِنْ شِدَّة . وَقِيلَ : إِنَّ أُولِي الْعَزْم مِنْهُمْ , كَانُوا الَّذِينَ اُمْتُحِنُوا فِي ذَات اللَّه فِي الدُّنْيَا بِالْمِحَنِ , فَلَمْ تَزِدْهُمْ الْمِحَن إِلَّا جِدًّا فِي أَمْر اللَّه , كَنُوحٍ وَإِبْرَاهِيم وَمُوسَى وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 24240 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثَنِي ثَوَابَة بْن مَسْعُود , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , أَنَّهُ قَالَ { فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْم مِنْ الرُّسُل } نُوح وَإِبْرَاهِيم وَمُوسَى وَعِيسَى وَمُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 24241 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْم مِنْ الرُّسُل } كُنَّا نُحَدَّث أَنَّ إِبْرَاهِيم كَانَ مِنْهُمْ. وَكَانَ اِبْن زَيْد يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 24242 - حَدَّثَنِي بِهِ يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْم مِنْ الرُّسُل } قَالَ : كُلّ الرُّسُل كَانُوا أُولِي عَزْم لَمْ يَتَّخِذ اللَّه رَسُولًا إِلَّا كَانَ ذَا عَزْم , فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرُوا . 24243 - حَدَّثَنَا اِبْن سِنَان الْقَزَّاز , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن رَجَاء , قَالَ : ثَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : { فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْم مِنْ الرُّسُل } قَالَ : سَمَّاهُ اللَّه مِنْ شِدَّته الْعَزْم .

وَقَوْله : { وَلَا تَسْتَعْجِل لَهُمْ } يَقُول : وَلَا تَسْتَعْجِل عَلَيْهِمْ بِالْعَذَابِ , يَقُول : لَا تَعْجَل بِمَسْأَلَتِك رَبّك ذَلِكَ لَهُمْ فَإِنَّ ذَلِكَ نَازِل بِهِمْ لَا مَحَالَة .


يَقُول : كَأَنَّهُمْ يَوْم يَرَوْنَ عَذَاب اللَّه الَّذِي يَعِدهُمْ أَنَّهُ مُنْزِله بِهِمْ , لَمْ يَلْبَثُوا فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَاعَة مِنْ نَهَار , لِأَنَّهُ يُنْسِيهِمْ شِدَّة مَا يَنْزِل بِهِمْ مِنْ عَذَابه , قَدْر مَا كَانُوا فِي الدُّنْيَا لَبِثُوا , وَمَبْلَغ مَا فِيهَا مَكَثُوا مِنْ السِّنِينَ وَالشُّهُور , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْض عَدَد سِنِينَ ؟ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْض يَوْم , فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ } 23 112 : 113


وَقَوْله : { بَلَاغ } فِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ : لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَة مِنْ نَهَار ذَلِكَ لَبِثَ بَلَاغ , بِمَعْنَى : ذَلِكَ بَلَاغ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا إِلَى أَجَلهمْ , ثُمَّ حَذَفَتْ ذَلِكَ لَبِثَ , وَهِيَ مُرَادَة فِي الْكَلَام اِكْتِفَاء بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْكَلَام عَلَيْهَا . وَالْآخَر : أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ : هَذَا الْقُرْآن وَالتَّذْكِير بَلَاغ لَهُمْ وَكِفَايَة , إِنْ فَكَّرُوا وَاعْتَبَرُوا فَتَذَكَّرُوا .
الصفحة 1الصفحة 2