وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ ↓
أَخْبَرَ بِتَذَلُّلِهِ وَتَوَاضُعه لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَأَنَّهُ لَا يَدَّعِي مَا لَيْسَ لَهُ مِنْ خَزَائِن اللَّه ; وَهِيَ إِنْعَامه عَلَى مَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده ; وَأَنَّهُ لَا يَعْلَم الْغَيْب ; لِأَنَّ الْغَيْب لَا يَعْلَمهُ إِلَّا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ .
أَيْ لَا أَقُول إِنَّ مَنْزِلَتِي عِنْد النَّاس مَنْزِلَة الْمَلَائِكَة . وَقَدْ قَالَتْ الْعُلَمَاء : الْفَائِدَة فِي الْكَلَام الدَّلَالَة عَلَى أَنَّ الْمَلَائِكَة أَفْضَل مِنْ الْأَنْبِيَاء ; لِدَوَامِهِمْ عَلَى الطَّاعَة , وَاتِّصَال عِبَادَاتهمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ . وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي " الْبَقَرَة " .
أَيْ تَسْتَثْقِل وَتَحْتَقِر أَعْيُنكُمْ ; وَالْأَصْل تَزْدَرِيهِمْ حُذِفَتْ الْهَاء وَالْمِيم لِطُولِ الِاسْم . وَالدَّال مُبْدَلَة مِنْ تَاء ; لِأَنَّ الْأَصْل فِي تَزْدَرِي تَزْتَرِي ; وَلَكِنَّ التَّاء تُبَدَّل بَعْد الزَّاي دَالًا ; لِأَنَّ الزَّاي مَجْهُورَة وَالتَّاء مَهْمُوسَة , فَأُبْدِلَ مِنْ التَّاء حَرْف مَجْهُور مِنْ مَخْرَجهَا . وَيُقَال : أَزْرَيْت عَلَيْهِ إِذَا عِبْته . وَزَرَيْت عَلَيْهِ إِذَا حَقَّرْته . وَأَنْشَدَ الْفَرَّاء : يُبَاعِدهُ الصَّدِيق وَتَزْدَرِيه حَلِيلَته وَيَنْهَرهُ الصَّغِير
أَيْ لَيْسَ لِاحْتِقَارِكُمْ لَهُمْ تَبْطُل أُجُورهمْ , أَوْ يَنْقُص ثَوَابهمْ .
فَيُجَازِيهِمْ عَلَيْهِ وَيُؤَاخِذهُمْ بِهِ .
أَيْ إِنْ قُلْت هَذَا الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْره . و " إِذًا " مُلْغَاة ; لِأَنَّهَا مُتَوَسِّطَة .
أَيْ لَا أَقُول إِنَّ مَنْزِلَتِي عِنْد النَّاس مَنْزِلَة الْمَلَائِكَة . وَقَدْ قَالَتْ الْعُلَمَاء : الْفَائِدَة فِي الْكَلَام الدَّلَالَة عَلَى أَنَّ الْمَلَائِكَة أَفْضَل مِنْ الْأَنْبِيَاء ; لِدَوَامِهِمْ عَلَى الطَّاعَة , وَاتِّصَال عِبَادَاتهمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ . وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي " الْبَقَرَة " .
أَيْ تَسْتَثْقِل وَتَحْتَقِر أَعْيُنكُمْ ; وَالْأَصْل تَزْدَرِيهِمْ حُذِفَتْ الْهَاء وَالْمِيم لِطُولِ الِاسْم . وَالدَّال مُبْدَلَة مِنْ تَاء ; لِأَنَّ الْأَصْل فِي تَزْدَرِي تَزْتَرِي ; وَلَكِنَّ التَّاء تُبَدَّل بَعْد الزَّاي دَالًا ; لِأَنَّ الزَّاي مَجْهُورَة وَالتَّاء مَهْمُوسَة , فَأُبْدِلَ مِنْ التَّاء حَرْف مَجْهُور مِنْ مَخْرَجهَا . وَيُقَال : أَزْرَيْت عَلَيْهِ إِذَا عِبْته . وَزَرَيْت عَلَيْهِ إِذَا حَقَّرْته . وَأَنْشَدَ الْفَرَّاء : يُبَاعِدهُ الصَّدِيق وَتَزْدَرِيه حَلِيلَته وَيَنْهَرهُ الصَّغِير
أَيْ لَيْسَ لِاحْتِقَارِكُمْ لَهُمْ تَبْطُل أُجُورهمْ , أَوْ يَنْقُص ثَوَابهمْ .
فَيُجَازِيهِمْ عَلَيْهِ وَيُؤَاخِذهُمْ بِهِ .
أَيْ إِنْ قُلْت هَذَا الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْره . و " إِذًا " مُلْغَاة ; لِأَنَّهَا مُتَوَسِّطَة .
قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ↓
أَيْ خَاصَمْتنَا فَأَكْثَرْت خُصُومَتنَا وَبَالَغْت فِيهَا . وَالْجَدَل فِي كَلَام الْعَرَب الْمُبَالَغَة فِي الْخُصُومَة ; مُشْتَقّ مِنْ الْجَدْل وَهُوَ شِدَّة الْفَتْل ; وَيُقَال لِلصَّقْرِ أَيْضًا أَجْدَل لِشِدَّتِهِ فِي الطَّيْر ; وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي " الْأَنْعَام " بِأَشْبَعَ مِنْ هَذَا . وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس " فَأَكْثَرْت جَدَلنَا " ذَكَرَهُ النَّحَّاس . وَالْجَدَل فِي الدِّين مَحْمُود ; وَلِهَذَا جَادَلَ نُوح وَالْأَنْبِيَاء قَوْمهمْ حَتَّى يَظْهَر الْحَقّ , فَمَنْ قَبِلَهُ أَنْجَحَ وَأَفْلَحَ , وَمَنْ رَدَّهُ خَابَ وَخَسِرَ . وَأَمَّا الْجِدَال لِغَيْرِ الْحَقّ حَتَّى يَظْهَر الْبَاطِل فِي صُورَة الْحَقّ فَمَذْمُوم , وَصَاحِبه فِي الدَّارَيْنِ مَلُوم .
أَيْ مِنْ الْعَذَاب .
فِي قَوْلك .
أَيْ مِنْ الْعَذَاب .
فِي قَوْلك .
أَيْ إِنْ أَرَادَ إِهْلَاككُمْ عَذَّبَكُمْ .
أَيْ بِفَائِتِينَ . وَقِيلَ : بِغَالِبِينَ بِكَثْرَتِكُمْ ; لِأَنَّهُمْ أُعْجِبُوا بِذَلِكَ ; كَانُوا مَلَئُوا الْأَرْض سَهْلًا وَجَبَلًا عَلَى مَا يَأْتِي .
أَيْ بِفَائِتِينَ . وَقِيلَ : بِغَالِبِينَ بِكَثْرَتِكُمْ ; لِأَنَّهُمْ أُعْجِبُوا بِذَلِكَ ; كَانُوا مَلَئُوا الْأَرْض سَهْلًا وَجَبَلًا عَلَى مَا يَأْتِي .
وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ↓
أَيْ إِبْلَاغِي وَاجْتِهَادِي فِي إِيمَانكُمْ .
أَيْ لِأَنَّكُمْ لَا تَقْبَلُونَ نُصْحًا ; وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " بَرَاءَة " مَعْنَى النُّصْح لُغَة .
أَيْ يُضِلّكُمْ . وَهَذَا مِمَّا يَدُلّ عَلَى بُطْلَان مَذْهَب الْمُعْتَزِلَة وَالْقَدَرِيَّة وَمَنْ وَافَقَهُمَا ; إِذْ زَعَمُوا أَنَّ اللَّه تَعَالَى لَا يُرِيد أَنْ يَعْصِي الْعَاصِي , وَلَا يَكْفُر الْكَافِر , وَلَا يَغْوِي الْغَاوِي ; وَأَنْ يَفْعَل ذَلِكَ , وَاَللَّه لَا يُرِيد ذَلِكَ ; فَرَدَّ اللَّه عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ : " إِنْ كَانَ اللَّه يُرِيد أَنْ يُغْوِيكُمْ " . وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي " الْفَاتِحَة " وَغَيْرهَا . وَقَدْ أَكْذَبُوا شَيْخهمْ اللَّعِين إِبْلِيس عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي " الْأَعْرَاف " فِي إِغْوَاء اللَّه تَعَالَى إِيَّاهُ حَيْثُ قَالَ : " فَبِمَا أَغْوَيْتنِي " [ الْأَعْرَاف : 16 ] وَلَا مَحِيص لَهُمْ عَنْ قَوْل نُوح عَلَيْهِ السَّلَام : " إِنْ كَانَ اللَّه يُرِيد أَنْ يُغْوِيكُمْ " فَأَضَافَ إِغْوَاءَهُمْ إِلَى اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى ; إِذْ هُوَ الْهَادِي وَالْمُضِلّ ; سُبْحَانه عَمَّا يَقُول الْجَاحِدُونَ وَالظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا . وَقِيلَ : " أَنْ يُغْوِيكُمْ " يُهْلِككُمْ ; لِأَنَّ الْإِضْلَال يُفْضِي إِلَى الْهَلَاك . الطَّبَرِيّ : " يُغْوِيكُمْ " يُهْلِككُمْ بِعَذَابِهِ ; حُكِيَ عَنْ طَيِّئ أَصْبَحَ فُلَان غَاوِيًا أَيْ مَرِيضًا , وَأَغْوَيْته أَهْلَكْته ; وَمِنْهُ " فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا " . [ مَرْيَم : 59 ] .
فَإِلَيْهِ الْإِغْوَاء , وَإِلَيْهِ الْهِدَايَة .
تَهْدِيد وَوَعِيد .
أَيْ لِأَنَّكُمْ لَا تَقْبَلُونَ نُصْحًا ; وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " بَرَاءَة " مَعْنَى النُّصْح لُغَة .
أَيْ يُضِلّكُمْ . وَهَذَا مِمَّا يَدُلّ عَلَى بُطْلَان مَذْهَب الْمُعْتَزِلَة وَالْقَدَرِيَّة وَمَنْ وَافَقَهُمَا ; إِذْ زَعَمُوا أَنَّ اللَّه تَعَالَى لَا يُرِيد أَنْ يَعْصِي الْعَاصِي , وَلَا يَكْفُر الْكَافِر , وَلَا يَغْوِي الْغَاوِي ; وَأَنْ يَفْعَل ذَلِكَ , وَاَللَّه لَا يُرِيد ذَلِكَ ; فَرَدَّ اللَّه عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ : " إِنْ كَانَ اللَّه يُرِيد أَنْ يُغْوِيكُمْ " . وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي " الْفَاتِحَة " وَغَيْرهَا . وَقَدْ أَكْذَبُوا شَيْخهمْ اللَّعِين إِبْلِيس عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي " الْأَعْرَاف " فِي إِغْوَاء اللَّه تَعَالَى إِيَّاهُ حَيْثُ قَالَ : " فَبِمَا أَغْوَيْتنِي " [ الْأَعْرَاف : 16 ] وَلَا مَحِيص لَهُمْ عَنْ قَوْل نُوح عَلَيْهِ السَّلَام : " إِنْ كَانَ اللَّه يُرِيد أَنْ يُغْوِيكُمْ " فَأَضَافَ إِغْوَاءَهُمْ إِلَى اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى ; إِذْ هُوَ الْهَادِي وَالْمُضِلّ ; سُبْحَانه عَمَّا يَقُول الْجَاحِدُونَ وَالظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا . وَقِيلَ : " أَنْ يُغْوِيكُمْ " يُهْلِككُمْ ; لِأَنَّ الْإِضْلَال يُفْضِي إِلَى الْهَلَاك . الطَّبَرِيّ : " يُغْوِيكُمْ " يُهْلِككُمْ بِعَذَابِهِ ; حُكِيَ عَنْ طَيِّئ أَصْبَحَ فُلَان غَاوِيًا أَيْ مَرِيضًا , وَأَغْوَيْته أَهْلَكْته ; وَمِنْهُ " فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا " . [ مَرْيَم : 59 ] .
فَإِلَيْهِ الْإِغْوَاء , وَإِلَيْهِ الْهِدَايَة .
تَهْدِيد وَوَعِيد .
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرِمُونَ ↓
يَعْنُونَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . اِفْتَرَى اِفْتَعَلَ ; أَيْ اِخْتَلَقَ الْقُرْآن مِنْ قِبَل نَفْسه , وَمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ نُوح وَقَوْمه ; قَالَ مُقَاتِل , وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : هُوَ مِنْ مُحَاوَرَة نُوح لِقَوْمِهِ وَهُوَ أَظْهَر ; لِأَنَّهُ لَيْسَ قَبْله وَلَا بَعْده إِلَّا ذِكْر نُوح وَقَوْمه ; فَالْخِطَاب مِنْهُمْ وَلَهُمْ .
أَيْ اِخْتَلَقْته وَافْتَعَلْته , يَعْنِي الْوَحْي وَالرِّسَالَة .
أَيْ عِقَاب إِجْرَامِي , وَإِنْ كُنْت مُحِقًّا فِيمَا أَقُولهُ فَعَلَيْكُمْ عِقَاب تَكْذِيبِي . وَالْإِجْرَام مَصْدَر أَجْرَمَ ; وَهُوَ اِقْتِرَاف السَّيِّئَة . وَقِيلَ الْمَعْنَى : أَيْ جَزَاء جُرْمِي وَكَسْبِي . وَجَرَمَ وَأَجْرَمَ بِمَعْنًى ; عَنْ النَّحَّاس وَغَيْره . قَالَ : طَرِيد عَشِيرَة وَرَهِين جُرْم بِمَا جَرَمَتْ يَدِي وَجَنَى لِسَانِي وَمَنْ قَرَأَ " أَجْرَامِي " بِفَتْحِ الْهَمْزَة ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ جَمْع جُرُم ; وَذَكَرَهُ النَّحَّاس أَيْضًا .
أَيْ مِنْ الْكُفْر وَالتَّكْذِيب .
أَيْ اِخْتَلَقْته وَافْتَعَلْته , يَعْنِي الْوَحْي وَالرِّسَالَة .
أَيْ عِقَاب إِجْرَامِي , وَإِنْ كُنْت مُحِقًّا فِيمَا أَقُولهُ فَعَلَيْكُمْ عِقَاب تَكْذِيبِي . وَالْإِجْرَام مَصْدَر أَجْرَمَ ; وَهُوَ اِقْتِرَاف السَّيِّئَة . وَقِيلَ الْمَعْنَى : أَيْ جَزَاء جُرْمِي وَكَسْبِي . وَجَرَمَ وَأَجْرَمَ بِمَعْنًى ; عَنْ النَّحَّاس وَغَيْره . قَالَ : طَرِيد عَشِيرَة وَرَهِين جُرْم بِمَا جَرَمَتْ يَدِي وَجَنَى لِسَانِي وَمَنْ قَرَأَ " أَجْرَامِي " بِفَتْحِ الْهَمْزَة ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ جَمْع جُرُم ; وَذَكَرَهُ النَّحَّاس أَيْضًا .
أَيْ مِنْ الْكُفْر وَالتَّكْذِيب .
وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ↓
" أَنَّهُ " فِي مَوْضِع رَفْع عَلَى أَنَّهُ اِسْم مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله . وَيَجُوز أَنْ يَكُون فِي مَوْضِع نَصْب , وَيَكُون التَّقْدِير : ب " أَنَّهُ " . و " آمَنَ " فِي مَوْضِع نَصْب ب " يُؤْمِن " وَمَعْنَى الْكَلَام الْإِيَاس مِنْ إِيمَانهمْ , وَاسْتِدَامَة كُفْرهمْ , تَحْقِيقًا لِنُزُولِ الْوَعِيد بِهِمْ . قَالَ الضَّحَّاك : فَدَعَا عَلَيْهِمْ لَمَّا أُخْبِرَ بِهَذَا فَقَالَ : " رَبّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْض مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا " [ نُوح : 26 ] الْآيَتَيْنِ . وَقِيلَ : إِنَّ رَجُلًا مِنْ قَوْم نُوح حَمَلَ اِبْنه عَلَى كَتِفه , فَلَمَّا رَأَى الصَّبِيّ نُوحًا قَالَ لِأَبِيهِ : اِعْطِنِي حَجَرًا ; فَأَعْطَاهُ حَجَرًا , وَرَمَى بِهِ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَام فَأَدْمَاهُ ; فَأَوْحَى اللَّه تَعَالَى إِلَيْهِ " أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِن مِنْ قَوْمك إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ " .
أَيْ فَلَا تَغْتَمّ بِهَلَاكِهِمْ حَتَّى تَكُون بَائِسًا ; أَيْ حَزِينًا . وَالْبُؤْس الْحُزْن ; وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : وَكَمْ مِنْ خَلِيل أَوْ حَمِيم رُزِئْته فَلَمْ أَبْتَئِس وَالرُّزْء فِيهِ جَلِيل يُقَال : اِبْتَأَسَ الرَّجُل إِذَا بَلَغَهُ شَيْء يَكْرَههُ . وَالِابْتِئَاس حُزْن فِي اِسْتِكَانَة .
أَيْ فَلَا تَغْتَمّ بِهَلَاكِهِمْ حَتَّى تَكُون بَائِسًا ; أَيْ حَزِينًا . وَالْبُؤْس الْحُزْن ; وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : وَكَمْ مِنْ خَلِيل أَوْ حَمِيم رُزِئْته فَلَمْ أَبْتَئِس وَالرُّزْء فِيهِ جَلِيل يُقَال : اِبْتَأَسَ الرَّجُل إِذَا بَلَغَهُ شَيْء يَكْرَههُ . وَالِابْتِئَاس حُزْن فِي اِسْتِكَانَة .
وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ ↓
أَيْ اِعْمَلْ السَّفِينَة لِتَرْكَبهَا أَنْتَ وَمَنْ آمَنَ مَعَك . " بِأَعْيُنِنَا " أَيْ بِمَرْأًى مِنَّا وَحَيْثُ نَرَاك . وَقَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس : بِحِفْظِنَا إِيَّاكَ حِفْظ مَنْ يَرَاك . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا : ( بِحِرَاسَتِنَا ) ; وَالْمَعْنَى وَاحِد ; فَعَبَّرَ عَنْ الرُّؤْيَة بِالْأَعْيُنِ ; لِأَنَّ الرُّؤْيَة تَكُون بِهَا . وَيَكُون جَمْع الْأَعْيُن لِلْعَظَمَةِ لَا لِلتَّكْثِيرِ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : " فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ " [ الْمُرْسَلَات : 23 ] " فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ " " وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ " [ الذَّارِيَات : 47 ] . وَقَدْ يَرْجِع مَعْنَى الْأَعْيُن فِي هَذِهِ الْآيَة وَغَيْرهَا إِلَى مَعْنَى عَيْن ; كَمَا قَالَ : " وَلِتُصْنَع عَلَى عَيْنِي " وَذَلِكَ كُلّه عِبَارَة عَنْ الْإِدْرَاك وَالْإِحَاطَة , وَهُوَ سُبْحَانه مُنَزَّه عَنْ الْحَوَاسّ وَالتَّشْبِيه وَالتَّكْيِيف ; لَا رَبّ غَيْره . وَقِيلَ : الْمَعْنَى " بِأَعْيُنِنَا " أَيْ بِأَعْيُنِ مَلَائِكَتنَا الَّذِينَ جَعَلْنَاهُمْ عُيُونًا عَلَى حِفْظك وَمَعُونَتك ; فَيَكُون الْجَمْع عَلَى هَذَا التَّكْثِير عَلَى بَابه . وَقِيلَ : " بِأَعْيُنِنَا " أَيْ بِعِلْمِنَا ; قَالَهُ مُقَاتِل : وَقَالَ الضَّحَّاك وَسُفْيَان : " بِأَعْيُنِنَا " بِأَمْرِنَا . وَقِيلَ : بِوَحْيِنَا . وَقِيلَ : بِمَعُونَتِنَا لَك عَلَى صُنْعهَا . " وَوَحْينَا " أَيْ عَلَى مَا أَوْحَيْنَا إِلَيْك , مِنْ صَنْعَتهَا .
أَيْ لَا تَطْلُب إِمْهَالهمْ فَإِنِّي مُغْرِقهمْ .
أَيْ لَا تَطْلُب إِمْهَالهمْ فَإِنِّي مُغْرِقهمْ .
وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ ↓
أَيْ وَطَفِقَ يَصْنَع . قَالَ زَيْد بْن أَسْلَمَ : مَكَثَ نُوح صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَة سَنَة يَغْرِس الشَّجَر وَيَقْطَعهَا وَيُيَبِّسهَا , وَمِائَة سَنَة يَعْمَلهَا . وَرَوَى اِبْن الْقَاسِم عَنْ اِبْن أَشْرَس عَنْ مَالِك قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ قَوْم نُوح مَلَئُوا الْأَرْض , حَتَّى مَلَئُوا السَّهْل وَالْجَبَل , فَمَا يَسْتَطِيع هَؤُلَاءِ أَنْ يَنْزِلُوا إِلَى هَؤُلَاءِ , وَلَا هَؤُلَاءِ أَنْ يَصْعَدُوا إِلَى هَؤُلَاءِ فَمَكَثَ نُوح يَغْرِس الشَّجَر مِائَة عَام لِعَمَلِ السَّفِينَة , ثُمَّ جَمَعَهَا يُيَبِّسهَا مِائَة عَام , وَقَوْمه يَسْخَرُونَ ; وَذَلِكَ لِمَا رَأَوْهُ يَصْنَع مِنْ ذَلِكَ , حَتَّى كَانَ مِنْ قَضَاء اللَّه فِيهِمْ مَا كَانَ . وَرُوِيَ عَنْ عَمْرو بْن الْحَارِث قَالَ : عَمِلَ نُوح سَفِينَته بِبِقَاعِ دِمَشْق , وَقَطَعَ خَشَبهَا مِنْ جَبَل لُبْنَان . وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ : لَمَّا اِسْتَنْقَذَ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى مَنْ فِي الْأَصْلَاب وَالْأَرْحَام مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ . " أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِن مِنْ قَوْمك إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ " " فَاصْنَعْ الْفُلْك " قَالَ : يَا رَبّ مَا أَنَا بِنَجَّارٍ , قَالَ : " بَلَى فَإِنَّ ذَلِكَ بِعَيْنِي " فَأَخَذَ الْقَدُوم فَجَعَلَهُ بِيَدِهِ , وَجَعَلَتْ يَده لَا تُخْطِئ , فَجَعَلُوا يَمُرُّونَ بِهِ وَيَقُولُونَ : هَذَا الَّذِي يَزْعُم أَنَّهُ نَبِيّ صَارَ نَجَّارًا ; فَعَمِلَهَا فِي أَرْبَعِينَ سَنَة . وَحَكَى الثَّعْلَبِيّ وَأَبُو نَصْر الْقُشَيْرِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : ( اِتَّخَذَ نُوح السَّفِينَة فِي سَنَتَيْنِ ) . زَادَ الثَّعْلَبِيّ : وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَم كَيْف صَنْعَة الْفُلْك , فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ أَنْ اِصْنَعْهَا كَجُؤْجُؤِ الطَّائِر . وَقَالَ كَعْب : بَنَاهَا فِي ثَلَاثِينَ سَنَة , وَاَللَّه أَعْلَم . الْمَهْدَوِيّ : وَجَاءَ فِي الْخَبَر أَنَّ الْمَلَائِكَة كَانَتْ تُعَلِّمهُ كَيْف يَصْنَعهَا . وَاخْتَلَفُوا فِي طُولهَا وَعَرْضهَا ; فَعَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا ( كَانَ طُولهَا ثَلَاثمِائَةِ ذِرَاع , وَعَرْضهَا خَمْسُونَ , وَسُمْكهَا ثَلَاثُونَ ذِرَاعًا ; وَكَانَتْ مِنْ خَشَب السَّاج ) . وَكَذَا قَالَ الْكَلْبِيّ وَقَتَادَة وَعِكْرِمَة كَانَ طُولهَا ثَلَاثمِائَةِ ذِرَاع , وَالذِّرَاع إِلَى الْمَنْكِب . قَالَهُ سَلْمَان الْفَارِسِيّ . وَقَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ : إِنَّ طُول السَّفِينَة أَلْف ذِرَاع وَمِائَتَا ذِرَاع , وَعَرْضهَا سِتّمِائَةِ ذِرَاع . وَحَكَاهُ الثَّعْلَبِيّ فِي كِتَاب الْعَرَائِس . وَرَوَى عَلِيّ بْن زَيْد عَنْ يُوسُف بْن مِهْرَان عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : ( قَالَ الْحَوَارِيُّونَ لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام : لَوْ بَعَثْت لَنَا رَجُلًا شَهِدَ السَّفِينَة يُحَدِّثنَا عَنْهَا , فَانْطَلَقَ بِهِمْ حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى كَثِيب مِنْ تُرَاب فَأَخَذَ كَفًّا مِنْ ذَلِكَ التُّرَاب , قَالَ أَتَدْرُونَ مَا هَذَا ؟ قَالُوا : اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم . قَالَ : هَذَا كَعْب حَام بْن نُوح قَالَ فَضَرَبَ الْكَثِيب بِعَصَاهُ وَقَالَ : قُمْ بِإِذْنِ اللَّه فَإِذَا هُوَ قَائِم يَنْفُض التُّرَاب مِنْ رَأْسه , وَقَدْ شَابَ ; فَقَالَ لَهُ عِيسَى : أَهَكَذَا هَلَكْت ؟ قَالَ : لَا بَلْ مُتّ وَأَنَا شَابّ ; وَلَكِنَّنِي ظَنَنْت أَنَّهَا السَّاعَة فَمِنْ ثَمَّ شِبْت . قَالَ : أَخْبِرْنَا عَنْ سَفِينَة نُوح ؟ قَالَ : كَانَ طُولهَا أَلْف ذِرَاع وَمِائَتَيْ ذِرَاع , وَعَرْضهَا سِتّمِائَةِ ذِرَاع , وَكَانَتْ ثَلَاث طَبَقَات , طَبَقَة فِيهَا الدَّوَابّ وَالْوَحْش , وَطَبَقَة فِيهَا الْإِنْس , وَطَبَقَة فِيهَا الطَّيْر . وَذَكَرَ بَاقِي الْخَبَر عَلَى مَا يَأْتِي ذِكْره إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى ) . وَقَالَ الْكَلْبِيّ فِيمَا حَكَاهُ النَّقَّاش : وَدَخَلَ الْمَاء فِيهَا أَرْبَعَة أَذْرُع , وَكَانَ لَهَا ثَلَاثَة أَبْوَاب ; بَاب فِيهِ السِّبَاع وَالطَّيْر , وَبَاب فِيهِ الْوَحْش , وَبَاب فِيهِ الرِّجَال وَالنِّسَاء . اِبْن عَبَّاس جَعَلَهَا ثَلَاث بُطُون ; الْبَطْن الْأَسْفَل لِلْوُحُوشِ وَالسِّبَاع وَالدَّوَابّ , وَالْأَوْسَط لِلطَّعَامِ وَالشَّرَاب , وَرَكِبَ هُوَ فِي الْبَطْن الْأَعْلَى , وَحَمَلَ مَعَهُ جَسَد آدَم عَلَيْهِ السَّلَام مُعْتَرِضًا بَيْن الرِّجَال وَالنِّسَاء , ثُمَّ دَفَنَهُ بَعْد بِبَيْتِ الْمَقْدِس ; وَكَانَ إِبْلِيس مَعَهُمْ فِي الْكَوْثَل . وَقِيلَ : جَاءَتْ الْحَيَّة وَالْعَقْرَب لِدُخُولِ السَّفِينَة فَقَالَ نُوح : لَا أَحْمِلكُمَا ; لِأَنَّكُمَا سَبَب الضَّرَر وَالْبَلَاء , فَقَالَتَا : اِحْمِلْنَا فَنَحْنُ نَضْمَن لَك أَلَّا نَضُرّ أَحَدًا ذَكَرَك ; فَمَنْ قَرَأَ حِين يَخَاف مَضَرَّتهمَا " سَلَام عَلَى نُوح فِي الْعَالَمِينَ " [ الصَّافَّات : 79 ] لَمْ تَضُرَّاهُ ; ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيّ وَغَيْره . وَذَكَرَ الْحَافِظ اِبْن عَسَاكِر فِي التَّارِيخ لَهُ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيث أَبِي أُمَامَةَ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ قَالَ حِين يُمْسِي صَلَّى اللَّه عَلَى نُوح وَعَلَى نُوح السَّلَام لَمْ تَلْدَغهُ عَقْرَب تِلْكَ اللَّيْلَة ) .
ظَرْف
قَالَ الْأَخْفَش وَالْكِسَائِيّ يُقَال : سَخِرْت بِهِ وَمِنْهُ . وَفِي سُخْرِيَتهمْ مِنْهُ قَوْلَانِ :
أَحَدهمَا : أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَهُ يَبْنِي سَفِينَته فِي الْبَرّ , فَيَسْخَرُونَ بِهِ وَيَسْتَهْزِئُونَ وَيَقُولُونَ : يَا نُوح صِرْت بَعْد النُّبُوَّة نَجَّارًا .
الثَّانِي : لَمَّا رَأَوْهُ يَبْنِي السَّفِينَة وَلَمْ يُشَاهِدُوا قَبْلهَا سَفِينَة بُنِيَتْ قَالُوا : يَا نُوح مَا تَصْنَع ؟ قَالَ : أَبْنِي بَيْتًا يَمْشِي عَلَى الْمَاء ; فَعَجِبُوا مِنْ قَوْله وَسَخِرُوا مِنْهُ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : ( وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَرْض قَبْل الطُّوفَان نَهَر وَلَا بَحْر ) ; فَلِذَلِكَ سَخِرُوا مِنْهُ ; وَمِيَاه الْبِحَار هِيَ بَقِيَّة الطُّوفَان .
أَيْ مِنْ فِعْلنَا الْيَوْم عِنْد بِنَاء السَّفِينَة .
غَدًا عِنْد الْغَرَق . وَالْمُرَاد بِالسُّخْرِيَةِ هُنَا الِاسْتِجْهَال ; وَمَعْنَاهُ إِنْ تَسْتَجْهِلُونَا فَإِنَّا نَسْتَجْهِلُكُمْ كَمَا تَسْتَجْهِلُونَنَا .
ظَرْف
قَالَ الْأَخْفَش وَالْكِسَائِيّ يُقَال : سَخِرْت بِهِ وَمِنْهُ . وَفِي سُخْرِيَتهمْ مِنْهُ قَوْلَانِ :
أَحَدهمَا : أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَهُ يَبْنِي سَفِينَته فِي الْبَرّ , فَيَسْخَرُونَ بِهِ وَيَسْتَهْزِئُونَ وَيَقُولُونَ : يَا نُوح صِرْت بَعْد النُّبُوَّة نَجَّارًا .
الثَّانِي : لَمَّا رَأَوْهُ يَبْنِي السَّفِينَة وَلَمْ يُشَاهِدُوا قَبْلهَا سَفِينَة بُنِيَتْ قَالُوا : يَا نُوح مَا تَصْنَع ؟ قَالَ : أَبْنِي بَيْتًا يَمْشِي عَلَى الْمَاء ; فَعَجِبُوا مِنْ قَوْله وَسَخِرُوا مِنْهُ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : ( وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَرْض قَبْل الطُّوفَان نَهَر وَلَا بَحْر ) ; فَلِذَلِكَ سَخِرُوا مِنْهُ ; وَمِيَاه الْبِحَار هِيَ بَقِيَّة الطُّوفَان .
أَيْ مِنْ فِعْلنَا الْيَوْم عِنْد بِنَاء السَّفِينَة .
غَدًا عِنْد الْغَرَق . وَالْمُرَاد بِالسُّخْرِيَةِ هُنَا الِاسْتِجْهَال ; وَمَعْنَاهُ إِنْ تَسْتَجْهِلُونَا فَإِنَّا نَسْتَجْهِلُكُمْ كَمَا تَسْتَجْهِلُونَنَا .
تَهْدِيد , و " مَنْ " مُتَّصِلَة ب " سَوْفَ تَعْلَمُونَ " و " تَعْلَمُونَ " هُنَا مِنْ بَاب التَّعْدِيَة إِلَى مَفْعُول ; أَيْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ الَّذِي يَأْتِيه الْعَذَاب . وَيَجُوز أَنْ تَكُون " مَنْ " اِسْتِفْهَامِيَّة ; أَيْ أَيّنَا يَأْتِيه الْعَذَاب ؟ . وَقِيلَ : " مَنْ " فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ و " يَأْتِيه " الْخَبَر , و " يُخْزِيه " صِفَة ل " عَذَاب " . وَحَكَى الْكِسَائِيّ : أَنَّ أُنَاسًا مِنْ أَهْل الْحِجَاز يَقُولُونَ : سَوْ تَعْلَمُونَ ; وَقَالَ مَنْ قَالَ : " سَتَعْلَمُونَ " أَسْقَطَ الْوَاو وَالْفَاء جَمِيعًا . وَحَكَى الْكُوفِيُّونَ : سَفْ تَعْلَمُونَ ; وَلَا يَعْرِف الْبَصْرِيُّونَ إِلَّا سَوْفَ تَفْعَل , وَسَتَفْعَلُ لُغَتَانِ لَيْسَتْ إِحْدَاهُمَا مِنْ الْأُخْرَى
أَيْ يَجِب عَلَيْهِ وَيَنْزِل بِهِ .
أَيْ دَائِم , يُرِيد عَذَاب الْآخِرَة .
أَيْ يَجِب عَلَيْهِ وَيَنْزِل بِهِ .
أَيْ دَائِم , يُرِيد عَذَاب الْآخِرَة .
حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ ↓
اُخْتُلِفَ فِي التَّنُّور عَلَى أَقْوَال سَبْعَة :
الْأَوَّل : أَنَّهُ وَجْه الْأَرْض , وَالْعَرَب تُسَمِّي وَجْه الْأَرْض تَنُّورًا ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة وَالزُّهْرِيّ وَابْن عُيَيْنَة ; وَذَلِكَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ : إِذَا رَأَيْت الْمَاء عَلَى وَجْه الْأَرْض فَارْكَبْ أَنْتَ وَمَنْ مَعَك .
الثَّانِي : أَنَّهُ تَنُّور الْخُبْز الَّذِي يُخْبَز فِيهِ ; وَكَانَ تَنُّورًا مِنْ حِجَارَة ; وَكَانَ لِحَوَّاء حَتَّى صَارَ لِنُوحٍ ; فَقِيلَ لَهُ : إِذَا رَأَيْت الْمَاء يَفُور مِنْ التَّنُّور فَارْكَبْ أَنْتَ وَأَصْحَابك . وَأَنْبَعَ اللَّه الْمَاء مِنْ التَّنُّور , فَعَلِمَتْ بِهِ اِمْرَأَته فَقَالَتْ : يَا نُوح فَارَ الْمَاء مِنْ التَّنُّور ; فَقَالَ : جَاءَ وَعْد رَبِّي حَقًّا . هَذَا قَوْل الْحَسَن ; وَقَالَهُ مُجَاهِد وَعَطِيَّة عَنْ اِبْن عَبَّاس .
الثَّالِث : أَنَّهُ مَوْضِع اِجْتِمَاع الْمَاء فِي السَّفِينَة ; عَنْ الْحَسَن أَيْضًا .
الرَّابِع : أَنَّهُ طُلُوع الْفَجْر , وَنُور الصُّبْح ; مِنْ قَوْلهمْ : نَوَّرَ الْفَجْر تَنْوِيرًا ; قَالَهُ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ .
الْخَامِس : أَنَّهُ مَسْجِد الْكُوفَة ; قَالَهُ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب أَيْضًا ; وَقَالَهُ مُجَاهِد . قَالَ مُجَاهِد : كَانَ نَاحِيَة التَّنُّور بِالْكُوفَةِ . وَقَالَ : اِتَّخَذَ نُوح السَّفِينَة فِي جَوْف مَسْجِد الْكُوفَة , وَكَانَ التَّنُّور عَلَى يَمِين الدَّاخِل مِمَّا يَلِي كِنْدَة . وَكَانَ فَوَرَان الْمَاء مِنْهُ عَلَمًا لِنُوحٍ , وَدَلِيلًا عَلَى هَلَاك قَوْمه . قَالَ الشَّاعِر وَهُوَ أُمَيَّة : فَارَ تَنُّورهمْ وَجَاشَ بِمَاءٍ صَارَ فَوْق الْجِبَال حَتَّى عَلَاهَا
السَّادِس : أَنَّهُ أَعَالِي الْأَرْض , وَالْمَوَاضِع الْمُرْتَفِعَة مِنْهَا ; قَالَهُ قَتَادَة .
السَّابِع : أَنَّهُ الْعَيْن الَّتِي بِالْجَزِيرَةِ " عَيْن الْوَرْدَة " رَوَاهُ عِكْرِمَة . وَقَالَ مُقَاتِل : كَانَ ذَلِكَ تَنُّور آدَم , وَإِنَّمَا كَانَ بِالشَّامِ بِمَوْضِعٍ يُقَال لَهُ : " عَيْن وَرْدَة " وَقَالَ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : ( فَارَ تَنُّور آدَم بِالْهِنْدِ ) . قَالَ النَّحَّاس : وَهَذِهِ الْأَقْوَال لَيْسَتْ بِمُتَنَاقِضَةٍ ; لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَخْبَرَنَا أَنَّ الْمَاء جَاءَ مِنْ السَّمَاء وَالْأَرْض ; قَالَ : " فَفَتَحْنَا أَبْوَاب السَّمَاء بِمَاءٍ مُنْهَمِر . وَفَجَّرْنَا الْأَرْض عُيُونًا " [ الْقَمَر : 11 - 12 ] . فَهَذِهِ الْأَقْوَال تَجْتَمِع فِي أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَلَامَة . وَالْفَوَرَان الْغَلَيَان . وَالتَّنُّور اِسْم أَعْجَمِيّ عَرَّبَته الْعَرَب , وَهُوَ عَلَى بِنَاء فَعَّلَ ; لِأَنَّ أَصْل بِنَائِهِ تَنَّرَ , وَلَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب نُون قَبْل رَاء . وَقِيلَ : مَعْنَى " فَارَ التَّنُّور " التَّمْثِيل لِحُضُورِ الْعَذَاب ; كَقَوْلِهِمْ : حَمِيَ الْوَطِيس إِذَا اِشْتَدَّتْ الْحَرْب . وَالْوَطِيس التَّنُّور . وَيُقَال : فَارَتْ قِدْر الْقَوْم إِذَا اِشْتَدَّ حَرْبهمْ ; قَالَ شَاعِرهمْ : تَرَكْتُمْ قِدْركُمْ لَا شَيْء فِيهَا وَقِدْر الْقَوْم حَامِيَة تَفُور
يَعْنِي ذَكَرًا وَأُنْثَى ; لِبَقَاءِ أَصْل النَّسْل بَعْد الطُّوفَان . وَقَرَأَ حَفْص " مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اِثْنَيْنِ " بِتَنْوِينِ " كُلّ " أَيْ مِنْ كُلّ شَيْء زَوْجَيْنِ . وَالْقِرَاءَتَانِ تَرْجِعَانِ إِلَى مَعْنًى وَاحِد : شَيْء مَعَهُ آخَر لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ . وَيُقَال لِلِاثْنَيْنِ : هُمَا زَوْجَانِ , فِي كُلّ اِثْنَيْنِ لَا يَسْتَغْنِي أَحَدهمَا عَنْ صَاحِبه ; فَإِنَّ الْعَرَب تُسَمِّي كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا زَوْجًا يُقَال : لَهُ زَوْجَا نَعْل إِذَا كَانَ لَهُ نَعْلَانِ . وَكَذَلِكَ عِنْده زَوْجَا حَمَام , وَعَلَيْهِ زَوْجَا قُيُود ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَر وَالْأُنْثَى " . [ النَّجْم : 45 ] . وَيُقَال لِلْمَرْأَةِ هِيَ زَوْج الرَّجُل , وَلِلرَّجُلِ هُوَ زَوْجهَا . وَقَدْ يُقَال لِلِاثْنَيْنِ هُمَا زَوْج , وَقَدْ يَكُون الزَّوْجَانِ بِمَعْنَى الضَّرْبَيْنِ , وَالصِّنْفَيْنِ , وَكُلّ ضَرْب يُدْعَى زَوْجًا ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلّ زَوْج بَهِيج " [ الْحَجّ : 5 ] أَيْ مِنْ كُلّ لَوْن وَصِنْف . وَقَالَ الْأَعْشَى : وَكُلّ زَوْج مِنْ الدِّيبَاج يَلْبَسهُ أَبُو قُدَامَة مَحْبُوّ بِذَاكَ مَعَا أَرَادَ كُلّ ضَرْب وَلَوْن . و " مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ " فِي مَوْضِع نَصْب ب " اِحْمِلْ " . " اِثْنَيْنِ " تَأْكِيد .
أَيْ وَاحْمِلْ أَهْلك .
" مَنْ " فِي مَوْضِع نَصْب بِالِاسْتِثْنَاءِ .
مِنْهُمْ أَيْ بِالْهَلَاكِ ; وَهُوَ اِبْنه كَنْعَان وَامْرَأَته وَاعِلَة كَانَا كَافِرَيْنِ .
قَالَ الضَّحَّاك وَابْن جُرَيْج : أَيْ اِحْمِلْ مَنْ آمَنَ بِي , أَيْ مَنْ صَدَّقَك ; ف " مَنْ " فِي مَوْضِع نَصْب ب " اِحْمِلْ " .
قَالَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا : ( آمَنَ مِنْ قَوْمه ثَمَانُونَ إِنْسَانًا , مِنْهُمْ ثَلَاثَة مِنْ بَنِيهِ ; سَام وَحَام وَيَافِث , وَثَلَاث كَنَائِن لَهُ . وَلَمَّا خَرَجُوا مِنْ السَّفِينَة بَنَوْا قَرْيَة وَهِيَ الْيَوْم تُدْعَى قَرْيَة الثَّمَانِينَ بِنَاحِيَةِ الْمَوْصِل ) . وَوَرَدَ فِي الْخَبَر أَنَّهُ كَانَ فِي السَّفِينَة ثَمَانِيَة أَنْفُس ; نُوح وَزَوْجَته غَيْر الَّتِي عُوقِبَتْ , وَبَنُوهُ الثَّلَاثَة وَزَوْجَاتهمْ ; وَهُوَ قَوْل قَتَادَة وَالْحَكَم بْن عُتَيْبَة وَابْن جُرَيْج وَمُحَمَّد بْن كَعْب ; فَأَصَابَ حَام اِمْرَأَته فِي السَّفِينَة , فَدَعَا نُوح اللَّه أَنْ يُغَيِّر نُطْفَته فَجَاءَ بِالسُّودَانِ . قَالَ عَطَاء : وَدَعَا نُوح عَلَى حَام أَلَّا يَعْدُو شَعْر أَوْلَاده آذَانهمْ , وَأَنَّهُمْ حَيْثُمَا كَانَ وَلَده يَكُونُونَ عَبِيدًا لِوَلَدِ سَام وَيَافِث . وَقَالَ الْأَعْمَش : كَانُوا سَبْعَة ; نُوح وَثَلَاث كَنَائِن وَثَلَاثَة بَنِينَ ; وَأَسْقَطَ اِمْرَأَة نُوح . وَقَالَ اِبْن إِسْحَاق : كَانُوا عَشَرَة سِوَى نِسَائِهِمْ ; نُوح وَبَنُوهُ سَام وَحَام وَيَافِث , وَسِتَّة أُنَاس مِمَّنْ كَانَ آمَنَ بِهِ , وَأَزْوَاجهمْ جَمِيعًا . و " قَلِيل " رُفِعَ بِ" آمَنَ " , وَلَا يَجُوز نَصْبه عَلَى الِاسْتِثْنَاء ; لِأَنَّ الْكَلَام قَبْله لَمْ يَتِمّ , إِلَّا أَنَّ الْفَائِدَة فِي دُخُول " إِلَّا " و " مَا " لِأَنَّك لَوْ قُلْت : آمَنَ مَعَهُ فُلَان وَفُلَان جَازَ أَنْ يَكُون غَيْرهمْ قَدْ آمَنَ ; فَإِذَا جِئْت بِمَا وَإِلَّا , أَوْجَبْت لِمَا بَعْد إِلَّا وَنَفَيْت عَنْ غَيْرهمْ .
الْأَوَّل : أَنَّهُ وَجْه الْأَرْض , وَالْعَرَب تُسَمِّي وَجْه الْأَرْض تَنُّورًا ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة وَالزُّهْرِيّ وَابْن عُيَيْنَة ; وَذَلِكَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ : إِذَا رَأَيْت الْمَاء عَلَى وَجْه الْأَرْض فَارْكَبْ أَنْتَ وَمَنْ مَعَك .
الثَّانِي : أَنَّهُ تَنُّور الْخُبْز الَّذِي يُخْبَز فِيهِ ; وَكَانَ تَنُّورًا مِنْ حِجَارَة ; وَكَانَ لِحَوَّاء حَتَّى صَارَ لِنُوحٍ ; فَقِيلَ لَهُ : إِذَا رَأَيْت الْمَاء يَفُور مِنْ التَّنُّور فَارْكَبْ أَنْتَ وَأَصْحَابك . وَأَنْبَعَ اللَّه الْمَاء مِنْ التَّنُّور , فَعَلِمَتْ بِهِ اِمْرَأَته فَقَالَتْ : يَا نُوح فَارَ الْمَاء مِنْ التَّنُّور ; فَقَالَ : جَاءَ وَعْد رَبِّي حَقًّا . هَذَا قَوْل الْحَسَن ; وَقَالَهُ مُجَاهِد وَعَطِيَّة عَنْ اِبْن عَبَّاس .
الثَّالِث : أَنَّهُ مَوْضِع اِجْتِمَاع الْمَاء فِي السَّفِينَة ; عَنْ الْحَسَن أَيْضًا .
الرَّابِع : أَنَّهُ طُلُوع الْفَجْر , وَنُور الصُّبْح ; مِنْ قَوْلهمْ : نَوَّرَ الْفَجْر تَنْوِيرًا ; قَالَهُ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ .
الْخَامِس : أَنَّهُ مَسْجِد الْكُوفَة ; قَالَهُ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب أَيْضًا ; وَقَالَهُ مُجَاهِد . قَالَ مُجَاهِد : كَانَ نَاحِيَة التَّنُّور بِالْكُوفَةِ . وَقَالَ : اِتَّخَذَ نُوح السَّفِينَة فِي جَوْف مَسْجِد الْكُوفَة , وَكَانَ التَّنُّور عَلَى يَمِين الدَّاخِل مِمَّا يَلِي كِنْدَة . وَكَانَ فَوَرَان الْمَاء مِنْهُ عَلَمًا لِنُوحٍ , وَدَلِيلًا عَلَى هَلَاك قَوْمه . قَالَ الشَّاعِر وَهُوَ أُمَيَّة : فَارَ تَنُّورهمْ وَجَاشَ بِمَاءٍ صَارَ فَوْق الْجِبَال حَتَّى عَلَاهَا
السَّادِس : أَنَّهُ أَعَالِي الْأَرْض , وَالْمَوَاضِع الْمُرْتَفِعَة مِنْهَا ; قَالَهُ قَتَادَة .
السَّابِع : أَنَّهُ الْعَيْن الَّتِي بِالْجَزِيرَةِ " عَيْن الْوَرْدَة " رَوَاهُ عِكْرِمَة . وَقَالَ مُقَاتِل : كَانَ ذَلِكَ تَنُّور آدَم , وَإِنَّمَا كَانَ بِالشَّامِ بِمَوْضِعٍ يُقَال لَهُ : " عَيْن وَرْدَة " وَقَالَ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : ( فَارَ تَنُّور آدَم بِالْهِنْدِ ) . قَالَ النَّحَّاس : وَهَذِهِ الْأَقْوَال لَيْسَتْ بِمُتَنَاقِضَةٍ ; لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَخْبَرَنَا أَنَّ الْمَاء جَاءَ مِنْ السَّمَاء وَالْأَرْض ; قَالَ : " فَفَتَحْنَا أَبْوَاب السَّمَاء بِمَاءٍ مُنْهَمِر . وَفَجَّرْنَا الْأَرْض عُيُونًا " [ الْقَمَر : 11 - 12 ] . فَهَذِهِ الْأَقْوَال تَجْتَمِع فِي أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَلَامَة . وَالْفَوَرَان الْغَلَيَان . وَالتَّنُّور اِسْم أَعْجَمِيّ عَرَّبَته الْعَرَب , وَهُوَ عَلَى بِنَاء فَعَّلَ ; لِأَنَّ أَصْل بِنَائِهِ تَنَّرَ , وَلَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب نُون قَبْل رَاء . وَقِيلَ : مَعْنَى " فَارَ التَّنُّور " التَّمْثِيل لِحُضُورِ الْعَذَاب ; كَقَوْلِهِمْ : حَمِيَ الْوَطِيس إِذَا اِشْتَدَّتْ الْحَرْب . وَالْوَطِيس التَّنُّور . وَيُقَال : فَارَتْ قِدْر الْقَوْم إِذَا اِشْتَدَّ حَرْبهمْ ; قَالَ شَاعِرهمْ : تَرَكْتُمْ قِدْركُمْ لَا شَيْء فِيهَا وَقِدْر الْقَوْم حَامِيَة تَفُور
يَعْنِي ذَكَرًا وَأُنْثَى ; لِبَقَاءِ أَصْل النَّسْل بَعْد الطُّوفَان . وَقَرَأَ حَفْص " مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اِثْنَيْنِ " بِتَنْوِينِ " كُلّ " أَيْ مِنْ كُلّ شَيْء زَوْجَيْنِ . وَالْقِرَاءَتَانِ تَرْجِعَانِ إِلَى مَعْنًى وَاحِد : شَيْء مَعَهُ آخَر لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ . وَيُقَال لِلِاثْنَيْنِ : هُمَا زَوْجَانِ , فِي كُلّ اِثْنَيْنِ لَا يَسْتَغْنِي أَحَدهمَا عَنْ صَاحِبه ; فَإِنَّ الْعَرَب تُسَمِّي كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا زَوْجًا يُقَال : لَهُ زَوْجَا نَعْل إِذَا كَانَ لَهُ نَعْلَانِ . وَكَذَلِكَ عِنْده زَوْجَا حَمَام , وَعَلَيْهِ زَوْجَا قُيُود ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَر وَالْأُنْثَى " . [ النَّجْم : 45 ] . وَيُقَال لِلْمَرْأَةِ هِيَ زَوْج الرَّجُل , وَلِلرَّجُلِ هُوَ زَوْجهَا . وَقَدْ يُقَال لِلِاثْنَيْنِ هُمَا زَوْج , وَقَدْ يَكُون الزَّوْجَانِ بِمَعْنَى الضَّرْبَيْنِ , وَالصِّنْفَيْنِ , وَكُلّ ضَرْب يُدْعَى زَوْجًا ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلّ زَوْج بَهِيج " [ الْحَجّ : 5 ] أَيْ مِنْ كُلّ لَوْن وَصِنْف . وَقَالَ الْأَعْشَى : وَكُلّ زَوْج مِنْ الدِّيبَاج يَلْبَسهُ أَبُو قُدَامَة مَحْبُوّ بِذَاكَ مَعَا أَرَادَ كُلّ ضَرْب وَلَوْن . و " مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ " فِي مَوْضِع نَصْب ب " اِحْمِلْ " . " اِثْنَيْنِ " تَأْكِيد .
أَيْ وَاحْمِلْ أَهْلك .
" مَنْ " فِي مَوْضِع نَصْب بِالِاسْتِثْنَاءِ .
مِنْهُمْ أَيْ بِالْهَلَاكِ ; وَهُوَ اِبْنه كَنْعَان وَامْرَأَته وَاعِلَة كَانَا كَافِرَيْنِ .
قَالَ الضَّحَّاك وَابْن جُرَيْج : أَيْ اِحْمِلْ مَنْ آمَنَ بِي , أَيْ مَنْ صَدَّقَك ; ف " مَنْ " فِي مَوْضِع نَصْب ب " اِحْمِلْ " .
قَالَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا : ( آمَنَ مِنْ قَوْمه ثَمَانُونَ إِنْسَانًا , مِنْهُمْ ثَلَاثَة مِنْ بَنِيهِ ; سَام وَحَام وَيَافِث , وَثَلَاث كَنَائِن لَهُ . وَلَمَّا خَرَجُوا مِنْ السَّفِينَة بَنَوْا قَرْيَة وَهِيَ الْيَوْم تُدْعَى قَرْيَة الثَّمَانِينَ بِنَاحِيَةِ الْمَوْصِل ) . وَوَرَدَ فِي الْخَبَر أَنَّهُ كَانَ فِي السَّفِينَة ثَمَانِيَة أَنْفُس ; نُوح وَزَوْجَته غَيْر الَّتِي عُوقِبَتْ , وَبَنُوهُ الثَّلَاثَة وَزَوْجَاتهمْ ; وَهُوَ قَوْل قَتَادَة وَالْحَكَم بْن عُتَيْبَة وَابْن جُرَيْج وَمُحَمَّد بْن كَعْب ; فَأَصَابَ حَام اِمْرَأَته فِي السَّفِينَة , فَدَعَا نُوح اللَّه أَنْ يُغَيِّر نُطْفَته فَجَاءَ بِالسُّودَانِ . قَالَ عَطَاء : وَدَعَا نُوح عَلَى حَام أَلَّا يَعْدُو شَعْر أَوْلَاده آذَانهمْ , وَأَنَّهُمْ حَيْثُمَا كَانَ وَلَده يَكُونُونَ عَبِيدًا لِوَلَدِ سَام وَيَافِث . وَقَالَ الْأَعْمَش : كَانُوا سَبْعَة ; نُوح وَثَلَاث كَنَائِن وَثَلَاثَة بَنِينَ ; وَأَسْقَطَ اِمْرَأَة نُوح . وَقَالَ اِبْن إِسْحَاق : كَانُوا عَشَرَة سِوَى نِسَائِهِمْ ; نُوح وَبَنُوهُ سَام وَحَام وَيَافِث , وَسِتَّة أُنَاس مِمَّنْ كَانَ آمَنَ بِهِ , وَأَزْوَاجهمْ جَمِيعًا . و " قَلِيل " رُفِعَ بِ" آمَنَ " , وَلَا يَجُوز نَصْبه عَلَى الِاسْتِثْنَاء ; لِأَنَّ الْكَلَام قَبْله لَمْ يَتِمّ , إِلَّا أَنَّ الْفَائِدَة فِي دُخُول " إِلَّا " و " مَا " لِأَنَّك لَوْ قُلْت : آمَنَ مَعَهُ فُلَان وَفُلَان جَازَ أَنْ يَكُون غَيْرهمْ قَدْ آمَنَ ; فَإِذَا جِئْت بِمَا وَإِلَّا , أَوْجَبْت لِمَا بَعْد إِلَّا وَنَفَيْت عَنْ غَيْرهمْ .
أَمْر بِالرُّكُوبِ ; وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون مِنْ اللَّه تَعَالَى , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون مِنْ نُوح لِقَوْمِهِ . وَالرُّكُوب الْعُلُوّ عَلَى ظَهْر الشَّيْء . وَيُقَال : رَكِبَهُ الدَّيْن . وَفِي الْكَلَام حَذْف ; أَيْ اِرْكَبُوا الْمَاء فِي السَّفِينَة . وَقِيلَ : الْمَعْنَى اِرْكَبُوهَا . و " فِي " لِلتَّأْكِيدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ " [ يُوسُف : 43 ] وَفَائِدَة " فِي " أَنَّهُمْ أُمِرُوا أَنْ يَكُونُوا فِي جَوْفهَا لَا عَلَى ظَهْرهَا . قَالَ عِكْرِمَة : رَكِبَ نُوح عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْفُلْك لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ رَجَب , وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيّ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ الْمُحَرَّم ; فَذَلِكَ سِتَّة أَشْهُر ; وَقَالَهُ قَتَادَة وَزَادَ وَهُوَ يَوْم عَاشُورَاء ; فَقَالَ لِمَنْ كَانَ مَعَهُ : مَنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمه , وَمَنْ لَمْ يَكُنْ صَائِمًا فَلْيَصُمْهُ . وَذَكَرَ الطَّبَرِيّ فِي هَذَا حَدِيثًا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَنَّ نُوحًا رَكِبَ فِي السَّفِينَة أَوَّل يَوْم مِنْ رَجَب , وَصَامَ الشَّهْر أَجْمَع , وَجَرَتْ بِهِمْ السَّفِينَة إِلَى يَوْم عَاشُورَاء , فَفِيهِ أَرْسَتْ عَلَى الْجُودِيّ , فَصَامَهُ نُوح وَمَنْ مَعَهُ ) . وَذَكَرَ الطَّبَرِيّ عَنْ اِبْن إِسْحَاق مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ أَقَامَ عَلَى الْمَاء نَحْو السَّنَة , وَمَرَّتْ بِالْبَيْتِ فَطَافَتْ بِهِ سَبْعًا , وَقَدْ رَفَعَهُ اللَّه عَنْ الْغَرَق فَلَمْ يَنَلْهُ غَرَق , ثُمَّ مَضَتْ إِلَى الْيَمَن وَرَجَعَتْ إِلَى الْجُودِيّ فَاسْتَوَتْ عَلَيْهِ .
قِرَاءَة أَهْل الْحَرَمَيْنِ وَأَهْل الْبَصْرَة بِضَمِّ الْمِيم فِيهِمَا إِلَّا مَنْ شَذَّ , عَلَى مَعْنَى بِسْمِ اللَّه إِجْرَاؤُهَا وَإِرْسَاؤُهَا ; فَمَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ ; وَيَجُوز أَنْ تَكُون فِي مَوْضِع نَصْب , وَيَكُون التَّقْدِير : بِسْمِ اللَّه وَقْت إِجْرَائِهَا ثُمَّ حَذَفَ وَقْت , وَأُقِيمَ " مَجْرَاهَا " مَقَامه . وَقَرَأَ الْأَعْمَش وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ : " بِسْمِ اللَّه مَجْرِيهَا " بِفَتْحِ الْمِيم و " مُرْسَاهَا " بِضَمِّ الْمِيم . وَرَوَى يَحْيَى بْن عِيسَى عَنْ الْأَعْمَش عَنْ يَحْيَى بْن وَثَّاب " بِسْمِ اللَّه مَجْرَاهَا وَمَرْسَاهَا " بِفَتْحِ الْمِيم فِيهِمَا ; عَلَى الْمَصْدَر مِنْ جَرَتْ تَجْرِي جَرْيًا وَمَجْرًى , وَرَسَتْ رُسُوًّا وَمَرْسًى إِذَا ثَبَتَتْ . وَقَرَأَ مُجَاهِد وَسُلَيْمَان بْن جُنْدُب وَعَاصِم الْجَحْدَرِيّ وَأَبُو رَجَاء الْعُطَارِدِيّ : " بِسْمِ اللَّه مُجْرِيهَا وَمُرْسِيهَا " نَعْت لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي مَوْضِع جَرّ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون فِي مَوْضِع رَفْع عَلَى إِضْمَار مُبْتَدَأ ; أَيْ هُوَ مُجْرِيهَا وَمُرْسِيهَا . وَيَجُوز النَّصْب عَلَى الْحَال . وَقَالَ الضَّحَّاك . كَانَ نُوح عَلَيْهِ السَّلَام إِذَا قَالَ بِسْمِ اللَّه مَجْرَاهَا جَرَتْ , وَإِذَا قَالَ بِسْمِ اللَّه مُرْسَاهَا رَسَتْ . وَرَوَى مَرْوَان بْن سَالِم عَنْ طَلْحَة بْن عَبْد اللَّه بْن كُرَيْز عَنْ الْحُسَيْن بْن عَلِيّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَمَان لِأُمَّتِي مِنْ الْغَرَق إِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْك بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم " وَمَا قَدَرُوا اللَّه حَقَّ قَدْره وَالْأَرْض جَمِيعًا قَبْضَته يَوْم الْقِيَامَة وَالسَّمَاوَات مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ " [ الزُّمَر : 67 ] " بِسْمِ اللَّه مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُور رَحِيم " . وَفِي هَذِهِ الْآيَة دَلِيل , عَلَى ذِكْر الْبَسْمَلَة عِنْد اِبْتِدَاء كُلّ فِعْل ; كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْبَسْمَلَة ; وَالْحَمْد لِلَّهِ .
أَيْ لِأَهْلِ السَّفِينَة . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : ( لَمَّا كَثُرَتْ الْأَرْوَاث وَالْأَقْذَار أَوْحَى اللَّه إِلَى نُوح اِغْمِزْ ذَنَب الْفِيل , فَوَقَعَ مِنْهُ خِنْزِير وَخِنْزِيرَة فَأَقْبَلَا عَلَى الرَّوْث ; فَقَالَ نُوح : لَوْ غَمَزْت ذَنَب هَذَا الْخِنْزِير ! فَفَعَلَ , فَخَرَجَ مِنْهُ فَأَرَ وَفَأْرَة فَلَمَّا وَقَعَا أَقْبَلَا عَلَى السَّفِينَة وَحِبَالهَا تَقْرِضهَا , وَتَقْرِض الْأَمْتِعَة وَالْأَزْوَاد حَتَّى خَافُوا عَلَى حِبَال السَّفِينَة ; فَأَوْحَى اللَّه إِلَى نُوح أَنْ اِمْسَحْ جَبْهَة الْأَسَد فَمَسَحَهَا , فَخَرَجَ مِنْهَا سِنَّوْرَانِ فَأَكَلَا الْفَأْرَة . وَلَمَّا حَمَلَ الْأَسَد فِي السَّفِينَة قَالَ : يَا رَبّ مِنْ أَيْنَ أُطْعِمهُ ؟ قَالَ : سَوْفَ أُشْغِلهُ ; فَأَخَذَتْهُ الْحُمَّى ; فَهُوَ الدَّهْر مَحْمُوم . قَالَ اِبْن عَبَّاس : ( وَأَوَّل مَا حَمَلَ نُوح مِنْ الْبَهَائِم فِي الْفُلْك حَمَلَ الْإِوَزَّة , وَآخِر مَا حَمَلَ حَمَلَ الْحِمَار ) ; قَالَ : وَتَعَلَّقَ إِبْلِيس بِذَنَبِهِ , وَيَدَاهُ قَدْ دَخَلَتَا فِي السَّفِينَة , وَرِجْلَاهُ خَارِجَة بَعْد فَجَعَلَ الْحِمَار يَضْطَرِب وَلَا يَسْتَطِيع أَنْ يَدْخُل , فَصَاحَ بِهِ نُوح : اُدْخُلْ وَيْلك فَجَعَلَ يَضْطَرِب ; فَقَالَ : اُدْخُلْ وَيْلك ! وَإِنْ كَانَ مَعَك الشَّيْطَان , كَلِمَة زَلَّتْ عَلَى لِسَانه , فَدَخَلَ وَوَثَبَ الشَّيْطَان فَدَخَلَ . ثُمَّ إِنَّ نُوحًا رَآهُ يُغَنِّي فِي السَّفِينَة , فَقَالَ لَهُ : يَا لَعِين مَا أَدْخَلَك بَيْتِي ؟ ! قَالَ : أَنْتَ أَذِنْت لِي ; فَذَكَرَ لَهُ ; فَقَالَ لَهُ : قُمْ فَاخْرُجْ . قَالَ : مَا لَك بُدّ فِي أَنْ تَحْمِلنِي مَعَك , فَكَانَ فِيمَا يَزْعُمُونَ فِي ظَهْر الْفُلْك . وَكَانَ مَعَ نُوح عَلَيْهِ السَّلَام خَرَزَتَانِ مُضِيئَتَانِ , وَاحِدَة مَكَان الشَّمْس , وَالْأُخْرَى مَكَان الْقَمَر . اِبْن عَبَّاس : ( إِحْدَاهُمَا بَيْضَاء كَبَيَاضِ النَّهَار , وَالْأُخْرَى سَوْدَاء كَسَوَادِ اللَّيْل ) ; فَكَانَ يَعْرِف بِهِمَا مَوَاقِيت الصَّلَاة ; فَإِذَا أَمْسَوْا غَلَبَ سَوَاد هَذِهِ بَيَاض هَذِهِ , وَإِذَا أَصْبَحُوا غَلَبَ بَيَاض هَذِهِ سَوَاد هَذِهِ ; عَلَى قَدْر السَّاعَات .
قِرَاءَة أَهْل الْحَرَمَيْنِ وَأَهْل الْبَصْرَة بِضَمِّ الْمِيم فِيهِمَا إِلَّا مَنْ شَذَّ , عَلَى مَعْنَى بِسْمِ اللَّه إِجْرَاؤُهَا وَإِرْسَاؤُهَا ; فَمَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ ; وَيَجُوز أَنْ تَكُون فِي مَوْضِع نَصْب , وَيَكُون التَّقْدِير : بِسْمِ اللَّه وَقْت إِجْرَائِهَا ثُمَّ حَذَفَ وَقْت , وَأُقِيمَ " مَجْرَاهَا " مَقَامه . وَقَرَأَ الْأَعْمَش وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ : " بِسْمِ اللَّه مَجْرِيهَا " بِفَتْحِ الْمِيم و " مُرْسَاهَا " بِضَمِّ الْمِيم . وَرَوَى يَحْيَى بْن عِيسَى عَنْ الْأَعْمَش عَنْ يَحْيَى بْن وَثَّاب " بِسْمِ اللَّه مَجْرَاهَا وَمَرْسَاهَا " بِفَتْحِ الْمِيم فِيهِمَا ; عَلَى الْمَصْدَر مِنْ جَرَتْ تَجْرِي جَرْيًا وَمَجْرًى , وَرَسَتْ رُسُوًّا وَمَرْسًى إِذَا ثَبَتَتْ . وَقَرَأَ مُجَاهِد وَسُلَيْمَان بْن جُنْدُب وَعَاصِم الْجَحْدَرِيّ وَأَبُو رَجَاء الْعُطَارِدِيّ : " بِسْمِ اللَّه مُجْرِيهَا وَمُرْسِيهَا " نَعْت لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي مَوْضِع جَرّ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون فِي مَوْضِع رَفْع عَلَى إِضْمَار مُبْتَدَأ ; أَيْ هُوَ مُجْرِيهَا وَمُرْسِيهَا . وَيَجُوز النَّصْب عَلَى الْحَال . وَقَالَ الضَّحَّاك . كَانَ نُوح عَلَيْهِ السَّلَام إِذَا قَالَ بِسْمِ اللَّه مَجْرَاهَا جَرَتْ , وَإِذَا قَالَ بِسْمِ اللَّه مُرْسَاهَا رَسَتْ . وَرَوَى مَرْوَان بْن سَالِم عَنْ طَلْحَة بْن عَبْد اللَّه بْن كُرَيْز عَنْ الْحُسَيْن بْن عَلِيّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَمَان لِأُمَّتِي مِنْ الْغَرَق إِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْك بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم " وَمَا قَدَرُوا اللَّه حَقَّ قَدْره وَالْأَرْض جَمِيعًا قَبْضَته يَوْم الْقِيَامَة وَالسَّمَاوَات مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ " [ الزُّمَر : 67 ] " بِسْمِ اللَّه مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُور رَحِيم " . وَفِي هَذِهِ الْآيَة دَلِيل , عَلَى ذِكْر الْبَسْمَلَة عِنْد اِبْتِدَاء كُلّ فِعْل ; كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْبَسْمَلَة ; وَالْحَمْد لِلَّهِ .
أَيْ لِأَهْلِ السَّفِينَة . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : ( لَمَّا كَثُرَتْ الْأَرْوَاث وَالْأَقْذَار أَوْحَى اللَّه إِلَى نُوح اِغْمِزْ ذَنَب الْفِيل , فَوَقَعَ مِنْهُ خِنْزِير وَخِنْزِيرَة فَأَقْبَلَا عَلَى الرَّوْث ; فَقَالَ نُوح : لَوْ غَمَزْت ذَنَب هَذَا الْخِنْزِير ! فَفَعَلَ , فَخَرَجَ مِنْهُ فَأَرَ وَفَأْرَة فَلَمَّا وَقَعَا أَقْبَلَا عَلَى السَّفِينَة وَحِبَالهَا تَقْرِضهَا , وَتَقْرِض الْأَمْتِعَة وَالْأَزْوَاد حَتَّى خَافُوا عَلَى حِبَال السَّفِينَة ; فَأَوْحَى اللَّه إِلَى نُوح أَنْ اِمْسَحْ جَبْهَة الْأَسَد فَمَسَحَهَا , فَخَرَجَ مِنْهَا سِنَّوْرَانِ فَأَكَلَا الْفَأْرَة . وَلَمَّا حَمَلَ الْأَسَد فِي السَّفِينَة قَالَ : يَا رَبّ مِنْ أَيْنَ أُطْعِمهُ ؟ قَالَ : سَوْفَ أُشْغِلهُ ; فَأَخَذَتْهُ الْحُمَّى ; فَهُوَ الدَّهْر مَحْمُوم . قَالَ اِبْن عَبَّاس : ( وَأَوَّل مَا حَمَلَ نُوح مِنْ الْبَهَائِم فِي الْفُلْك حَمَلَ الْإِوَزَّة , وَآخِر مَا حَمَلَ حَمَلَ الْحِمَار ) ; قَالَ : وَتَعَلَّقَ إِبْلِيس بِذَنَبِهِ , وَيَدَاهُ قَدْ دَخَلَتَا فِي السَّفِينَة , وَرِجْلَاهُ خَارِجَة بَعْد فَجَعَلَ الْحِمَار يَضْطَرِب وَلَا يَسْتَطِيع أَنْ يَدْخُل , فَصَاحَ بِهِ نُوح : اُدْخُلْ وَيْلك فَجَعَلَ يَضْطَرِب ; فَقَالَ : اُدْخُلْ وَيْلك ! وَإِنْ كَانَ مَعَك الشَّيْطَان , كَلِمَة زَلَّتْ عَلَى لِسَانه , فَدَخَلَ وَوَثَبَ الشَّيْطَان فَدَخَلَ . ثُمَّ إِنَّ نُوحًا رَآهُ يُغَنِّي فِي السَّفِينَة , فَقَالَ لَهُ : يَا لَعِين مَا أَدْخَلَك بَيْتِي ؟ ! قَالَ : أَنْتَ أَذِنْت لِي ; فَذَكَرَ لَهُ ; فَقَالَ لَهُ : قُمْ فَاخْرُجْ . قَالَ : مَا لَك بُدّ فِي أَنْ تَحْمِلنِي مَعَك , فَكَانَ فِيمَا يَزْعُمُونَ فِي ظَهْر الْفُلْك . وَكَانَ مَعَ نُوح عَلَيْهِ السَّلَام خَرَزَتَانِ مُضِيئَتَانِ , وَاحِدَة مَكَان الشَّمْس , وَالْأُخْرَى مَكَان الْقَمَر . اِبْن عَبَّاس : ( إِحْدَاهُمَا بَيْضَاء كَبَيَاضِ النَّهَار , وَالْأُخْرَى سَوْدَاء كَسَوَادِ اللَّيْل ) ; فَكَانَ يَعْرِف بِهِمَا مَوَاقِيت الصَّلَاة ; فَإِذَا أَمْسَوْا غَلَبَ سَوَاد هَذِهِ بَيَاض هَذِهِ , وَإِذَا أَصْبَحُوا غَلَبَ بَيَاض هَذِهِ سَوَاد هَذِهِ ; عَلَى قَدْر السَّاعَات .
وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ ↓
الْمَوْج جَمْع مَوْجَة ; وَهِيَ مَا اِرْتَفَعَ مِنْ جُمْلَة الْمَاء الْكَثِير عِنْد اِشْتِدَاد الرِّيح . وَالْكَاف لِلتَّشْبِيهِ , وَهِيَ فِي مَوْضِع خَفْض نَعْت لِلْمَوْجِ . وَجَاءَ فِي التَّفْسِير أَنَّ الْمَاء جَاوَزَ كُلّ شَيْء بِخَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا .
قِيلَ : كَانَ كَافِرًا وَاسْمه كَنْعَان . وَقِيلَ : يَام . وَيَجُوز عَلَى قَوْل سِيبَوَيْهِ : " وَنَادَى نُوح اِبْنه " بِحَذْفِ الْوَاو مِنْ " اِبْنه " فِي اللَّفْظ , وَأَنْشَدَ : لَهُ زَجَل كَأَنَّهُ صَوْت حَادٍ فَأَمَّا " وَنَادَى نُوح اِبْنه وَكَانَ " فَقِرَاءَة شَاذَّة , وَهِيَ مَرْوِيَّة عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب كَرَّمَ اللَّه وَجْهه , وَعُرْوَة بْن الزُّبَيْر . وَزَعَمَ أَبُو حَاتِم أَنَّهَا تَجُوز عَلَى أَنَّهُ يُرِيد " اِبْنهَا " فَحَذَفَ الْأَلِف كَمَا تَقُول : " اِبْنه " ; فَتَحْذِف الْوَاو . وَقَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو حَاتِم لَا يَجُوز عَلَى مَذْهَب سِيبَوَيْهِ ; لِأَنَّ الْأَلِف خَفِيفَة فَلَا يَجُوز حَذْفهَا , وَالْوَاو ثَقِيلَة يَجُوز حَذْفهَا
أَيْ مِنْ دِين أَبِيهِ . وَقِيلَ : عَنْ السَّفِينَة . وَقِيلَ : إِنَّ نُوحًا لَمْ يَعْلَم أَنَّ اِبْنه كَانَ كَافِرًا , وَأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ مُؤْمِن ; وَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ : " وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ " وَسَيَأْتِي . وَكَانَ هَذَا النِّدَاء مِنْ قَبْل أَنْ يَسْتَيْقِن الْقَوْم الْغَرَق ; وَقَبْل رُؤْيَة الْيَأْس , بَلْ كَانَ فِي أَوَّل مَا فَارَ التَّنُّور , وَظَهَرَتْ الْعَلَامَة لِنُوحٍ . وَقَرَأَ عَاصِم : " يَا بُنَيَّ اِرْكَبْ مَعَنَا " بِفَتْحِ الْيَاء , وَالْبَاقُونَ بِكَسْرِهَا . وَأَصْل " يَا بُنَيّ " أَنْ تَكُون بِثَلَاثِ يَاءَات ; يَاء التَّصْغِير , وَيَاء الْفِعْل , وَيَاء الْإِضَافَة ; فَأُدْغِمَتْ يَاء التَّصْغِير فِي لَام الْفِعْل , وَكُسِرَتْ لَام الْفِعْل مِنْ أَجْل يَاء الْإِضَافَة , وَحُذِفَتْ يَاء الْإِضَافَة لِوُقُوعِهَا مَوْقِع التَّنْوِين , أَوْ لِسُكُونِهَا وَسُكُون الرَّاء فِي هَذَا الْمَوْضِع ; هَذَا أَصْل قِرَاءَة مَنْ كَسَرَ الْيَاء , وَهُوَ أَيْضًا أَصْل قِرَاءَة مَنْ فَتَحَ ; لِأَنَّهُ قَلَبَ يَاء الْإِضَافَة أَلِفًا لِخِفَّةِ الْأَلِف , ثُمَّ حَذَفَ الْأَلِف لِكَوْنِهَا عِوَضًا مِنْ حَرْف يُحْذَف , أَوْ لِسُكُونِهَا وَسُكُون الرَّاء . قَالَ النَّحَّاس : أَمَّا قِرَاءَة عَاصِم فَمُشْكِلَة ; قَالَ أَبُو حَاتِم : يُرِيد يَا بُنَيَّاهُ ثُمَّ يُحْذَف ; قَالَ النَّحَّاس : رَأَيْت عَلِيّ بْن سُلَيْمَان يَذْهَب إِلَى أَنَّ هَذَا لَا يَجُوز ; لِأَنَّ الْأَلِف خَفِيفَة . قَالَ أَبُو جَعْفَر النَّحَّاس : مَا عَلِمْت أَنَّ أَحَدًا مِنْ النَّحْوِيِّينَ جَوَّزَ الْكَلَام فِي هَذَا إِلَّا أَبَا إِسْحَاق ; فَإِنَّهُ زَعَمَ أَنَّ الْفَتْح مِنْ جِهَتَيْنِ , وَالْكَسْر مِنْ جِهَتَيْنِ ; فَالْفَتْح عَلَى أَنَّهُ يُبَدِّل مِنْ الْيَاء أَلِفًا ; قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِخْبَارًا : " يَا وَيْلَتَا " [ هُود : 72 ] وَكَمَا قَالَ الشَّاعِر : فَيَا عَجَبًا مِنْ رَحْلهَا الْمُتَحَمَّل فَيُرِيد يَا بُنَيَّا , ثُمَّ حَذَفَ الْأَلِف ; لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ , كَمَا تَقُول : جَاءَنِي عَبْدَا اللَّه فِي التَّثْنِيَة . وَالْجِهَة الْأُخْرَى أَنْ تَحْذِف الْأَلِف ; لِأَنَّ النِّدَاء مَوْضِع حَذْف . وَالْكَسْر عَلَى أَنْ تُحْذَف الْيَاء لِلنِّدَاءِ . وَالْجِهَة الْأُخْرَى عَلَى أَنْ تَحْذِفهَا لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ .
قِيلَ : كَانَ كَافِرًا وَاسْمه كَنْعَان . وَقِيلَ : يَام . وَيَجُوز عَلَى قَوْل سِيبَوَيْهِ : " وَنَادَى نُوح اِبْنه " بِحَذْفِ الْوَاو مِنْ " اِبْنه " فِي اللَّفْظ , وَأَنْشَدَ : لَهُ زَجَل كَأَنَّهُ صَوْت حَادٍ فَأَمَّا " وَنَادَى نُوح اِبْنه وَكَانَ " فَقِرَاءَة شَاذَّة , وَهِيَ مَرْوِيَّة عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب كَرَّمَ اللَّه وَجْهه , وَعُرْوَة بْن الزُّبَيْر . وَزَعَمَ أَبُو حَاتِم أَنَّهَا تَجُوز عَلَى أَنَّهُ يُرِيد " اِبْنهَا " فَحَذَفَ الْأَلِف كَمَا تَقُول : " اِبْنه " ; فَتَحْذِف الْوَاو . وَقَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو حَاتِم لَا يَجُوز عَلَى مَذْهَب سِيبَوَيْهِ ; لِأَنَّ الْأَلِف خَفِيفَة فَلَا يَجُوز حَذْفهَا , وَالْوَاو ثَقِيلَة يَجُوز حَذْفهَا
أَيْ مِنْ دِين أَبِيهِ . وَقِيلَ : عَنْ السَّفِينَة . وَقِيلَ : إِنَّ نُوحًا لَمْ يَعْلَم أَنَّ اِبْنه كَانَ كَافِرًا , وَأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ مُؤْمِن ; وَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ : " وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ " وَسَيَأْتِي . وَكَانَ هَذَا النِّدَاء مِنْ قَبْل أَنْ يَسْتَيْقِن الْقَوْم الْغَرَق ; وَقَبْل رُؤْيَة الْيَأْس , بَلْ كَانَ فِي أَوَّل مَا فَارَ التَّنُّور , وَظَهَرَتْ الْعَلَامَة لِنُوحٍ . وَقَرَأَ عَاصِم : " يَا بُنَيَّ اِرْكَبْ مَعَنَا " بِفَتْحِ الْيَاء , وَالْبَاقُونَ بِكَسْرِهَا . وَأَصْل " يَا بُنَيّ " أَنْ تَكُون بِثَلَاثِ يَاءَات ; يَاء التَّصْغِير , وَيَاء الْفِعْل , وَيَاء الْإِضَافَة ; فَأُدْغِمَتْ يَاء التَّصْغِير فِي لَام الْفِعْل , وَكُسِرَتْ لَام الْفِعْل مِنْ أَجْل يَاء الْإِضَافَة , وَحُذِفَتْ يَاء الْإِضَافَة لِوُقُوعِهَا مَوْقِع التَّنْوِين , أَوْ لِسُكُونِهَا وَسُكُون الرَّاء فِي هَذَا الْمَوْضِع ; هَذَا أَصْل قِرَاءَة مَنْ كَسَرَ الْيَاء , وَهُوَ أَيْضًا أَصْل قِرَاءَة مَنْ فَتَحَ ; لِأَنَّهُ قَلَبَ يَاء الْإِضَافَة أَلِفًا لِخِفَّةِ الْأَلِف , ثُمَّ حَذَفَ الْأَلِف لِكَوْنِهَا عِوَضًا مِنْ حَرْف يُحْذَف , أَوْ لِسُكُونِهَا وَسُكُون الرَّاء . قَالَ النَّحَّاس : أَمَّا قِرَاءَة عَاصِم فَمُشْكِلَة ; قَالَ أَبُو حَاتِم : يُرِيد يَا بُنَيَّاهُ ثُمَّ يُحْذَف ; قَالَ النَّحَّاس : رَأَيْت عَلِيّ بْن سُلَيْمَان يَذْهَب إِلَى أَنَّ هَذَا لَا يَجُوز ; لِأَنَّ الْأَلِف خَفِيفَة . قَالَ أَبُو جَعْفَر النَّحَّاس : مَا عَلِمْت أَنَّ أَحَدًا مِنْ النَّحْوِيِّينَ جَوَّزَ الْكَلَام فِي هَذَا إِلَّا أَبَا إِسْحَاق ; فَإِنَّهُ زَعَمَ أَنَّ الْفَتْح مِنْ جِهَتَيْنِ , وَالْكَسْر مِنْ جِهَتَيْنِ ; فَالْفَتْح عَلَى أَنَّهُ يُبَدِّل مِنْ الْيَاء أَلِفًا ; قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِخْبَارًا : " يَا وَيْلَتَا " [ هُود : 72 ] وَكَمَا قَالَ الشَّاعِر : فَيَا عَجَبًا مِنْ رَحْلهَا الْمُتَحَمَّل فَيُرِيد يَا بُنَيَّا , ثُمَّ حَذَفَ الْأَلِف ; لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ , كَمَا تَقُول : جَاءَنِي عَبْدَا اللَّه فِي التَّثْنِيَة . وَالْجِهَة الْأُخْرَى أَنْ تَحْذِف الْأَلِف ; لِأَنَّ النِّدَاء مَوْضِع حَذْف . وَالْكَسْر عَلَى أَنْ تُحْذَف الْيَاء لِلنِّدَاءِ . وَالْجِهَة الْأُخْرَى عَلَى أَنْ تَحْذِفهَا لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ .
قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ ↓
أَيْ أَرْجِع وَأَنْضَمّ .
أَيْ يَمْنَعنِي
فَلَا أَغْرَق .
أَيْ لَا مَانِع ; فَإِنَّهُ يَوْم حَقَّ فِيهِ الْعَذَاب عَلَى الْكُفَّار . وَانْتَصَبَ " عَاصِم " عَلَى التَّبْرِئَة . وَيَجُوز " لَا عَاصِم الْيَوْم " تَكُون لَا بِمَعْنَى لَيْسَ .
فِي مَوْضِع نَصْب اِسْتِثْنَاء لَيْسَ مِنْ الْأَوَّل ; أَيْ لَكِنْ مَنْ رَحِمَهُ اللَّه فَهُوَ يَعْصِمهُ , قَالَهُ الزَّجَّاج . وَيَجُوز أَنْ يَكُون فِي مَوْضِع رَفْع , عَلَى أَنَّ عَاصِمًا بِمَعْنَى مَعْصُوم ; مِثْل : " مَاء دَافِق " [ الطَّارِق : 6 ] أَيْ مَدْفُوق ; فَالِاسْتِثْنَاء . عَلَى هَذَا مُتَّصِل ; قَالَ الشَّاعِر : بَطِيء الْقِيَام رَخِيم الْكَلَا م أَمْسَى فُؤَادِي بِهِ فَاتِنَا أَيْ مَفْتُونًا . وَقَالَ آخَر : دَعْ الْمَكَارِم لَا تَنْهَض لِبُغْيَتِهَا وَاقْعُدْ فَإِنَّك أَنْتَ الطَّاعِم الْكَاسِي أَيْ الْمَطْعُوم الْمَكْسُوّ . قَالَ النَّحَّاس : وَمِنْ أَحْسَن مَا قِيلَ فِيهِ أَنْ تَكُون " مَنْ " فِي مَوْضِع رَفْع ; بِمَعْنَى لَا يَعْصِم الْيَوْم مِنْ أَمْر اللَّه إِلَّا الرَّاحِم ; أَيْ إِلَّا اللَّه . وَهَذَا اِخْتِيَار الطَّبَرِيّ . وَيُحَسِّن هَذَا أَنَّك لَمْ تَجْعَل عَاصِمًا بِمَعْنَى مَعْصُوم فَتُخْرِجهُ مِنْ بَابه , وَلَا " إِلَّا " بِمَعْنَى " لَكِنْ "
يَعْنِي بَيْن نُوح وَابْنه .
قِيلَ : إِنَّهُ كَانَ رَاكِبًا عَلَى فَرَس قَدْ بَطِرَ بِنَفْسِهِ , وَأُعْجِبَ بِهَا ; فَلَمَّا رَأَى الْمَاء جَاءَ قَالَ : يَا أَبَتِ فَارَ التَّنُّور , فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ : " يَا بُنَيّ اِرْكَبْ مَعَنَا " فَمَا اِسْتَتَمَّ الْمُرَاجَعَة حَتَّى جَاءَتْ مَوْجَة عَظِيمَة فَالْتَقَمَتْهُ هُوَ وَفَرَسه , وَحِيلَ بَيْنه وَبَيْن نُوح فَغَرِقَ . وَقِيلَ : إِنَّهُ اِتَّخَذَ لِنَفْسِهِ بَيْتًا مِنْ زُجَاج يَتَحَصَّن فِيهِ مِنْ الْمَاء , فَلَمَّا فَارَ التَّنُّور دَخَلَ فِيهِ وَأَقْفَلَهُ عَلَيْهِ مِنْ دَاخِل , فَلَمْ يَزَلْ يَتَغَوَّط فِيهِ وَيَبُول حَتَّى غَرِقَ بِذَلِكَ . وَقِيلَ : إِنَّ الْجَبَل الَّذِي أَوَى إِلَيْهِ " طُور سَيْنَاء " .
أَيْ يَمْنَعنِي
فَلَا أَغْرَق .
أَيْ لَا مَانِع ; فَإِنَّهُ يَوْم حَقَّ فِيهِ الْعَذَاب عَلَى الْكُفَّار . وَانْتَصَبَ " عَاصِم " عَلَى التَّبْرِئَة . وَيَجُوز " لَا عَاصِم الْيَوْم " تَكُون لَا بِمَعْنَى لَيْسَ .
فِي مَوْضِع نَصْب اِسْتِثْنَاء لَيْسَ مِنْ الْأَوَّل ; أَيْ لَكِنْ مَنْ رَحِمَهُ اللَّه فَهُوَ يَعْصِمهُ , قَالَهُ الزَّجَّاج . وَيَجُوز أَنْ يَكُون فِي مَوْضِع رَفْع , عَلَى أَنَّ عَاصِمًا بِمَعْنَى مَعْصُوم ; مِثْل : " مَاء دَافِق " [ الطَّارِق : 6 ] أَيْ مَدْفُوق ; فَالِاسْتِثْنَاء . عَلَى هَذَا مُتَّصِل ; قَالَ الشَّاعِر : بَطِيء الْقِيَام رَخِيم الْكَلَا م أَمْسَى فُؤَادِي بِهِ فَاتِنَا أَيْ مَفْتُونًا . وَقَالَ آخَر : دَعْ الْمَكَارِم لَا تَنْهَض لِبُغْيَتِهَا وَاقْعُدْ فَإِنَّك أَنْتَ الطَّاعِم الْكَاسِي أَيْ الْمَطْعُوم الْمَكْسُوّ . قَالَ النَّحَّاس : وَمِنْ أَحْسَن مَا قِيلَ فِيهِ أَنْ تَكُون " مَنْ " فِي مَوْضِع رَفْع ; بِمَعْنَى لَا يَعْصِم الْيَوْم مِنْ أَمْر اللَّه إِلَّا الرَّاحِم ; أَيْ إِلَّا اللَّه . وَهَذَا اِخْتِيَار الطَّبَرِيّ . وَيُحَسِّن هَذَا أَنَّك لَمْ تَجْعَل عَاصِمًا بِمَعْنَى مَعْصُوم فَتُخْرِجهُ مِنْ بَابه , وَلَا " إِلَّا " بِمَعْنَى " لَكِنْ "
يَعْنِي بَيْن نُوح وَابْنه .
قِيلَ : إِنَّهُ كَانَ رَاكِبًا عَلَى فَرَس قَدْ بَطِرَ بِنَفْسِهِ , وَأُعْجِبَ بِهَا ; فَلَمَّا رَأَى الْمَاء جَاءَ قَالَ : يَا أَبَتِ فَارَ التَّنُّور , فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ : " يَا بُنَيّ اِرْكَبْ مَعَنَا " فَمَا اِسْتَتَمَّ الْمُرَاجَعَة حَتَّى جَاءَتْ مَوْجَة عَظِيمَة فَالْتَقَمَتْهُ هُوَ وَفَرَسه , وَحِيلَ بَيْنه وَبَيْن نُوح فَغَرِقَ . وَقِيلَ : إِنَّهُ اِتَّخَذَ لِنَفْسِهِ بَيْتًا مِنْ زُجَاج يَتَحَصَّن فِيهِ مِنْ الْمَاء , فَلَمَّا فَارَ التَّنُّور دَخَلَ فِيهِ وَأَقْفَلَهُ عَلَيْهِ مِنْ دَاخِل , فَلَمْ يَزَلْ يَتَغَوَّط فِيهِ وَيَبُول حَتَّى غَرِقَ بِذَلِكَ . وَقِيلَ : إِنَّ الْجَبَل الَّذِي أَوَى إِلَيْهِ " طُور سَيْنَاء " .
وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ↓
هَذَا مَجَاز لِأَنَّهَا مَوَات . وَقِيلَ : جُعِلَ فِيهَا مَا تُمَيِّز بِهِ . وَاَلَّذِي قَالَ إِنَّهُ مَجَاز قَالَ : لَوْ فُتِّشَ كَلَام الْعَرَب وَالْعَجَم مَا وُجِدَ فِيهِ مِثْل هَذِهِ الْآيَة عَلَى حُسْن نَظْمهَا , وَبَلَاغَة رَصْفهَا , وَاشْتِمَال الْمَعَانِي فِيهَا . وَفِي الْأَثَر : إِنَّ اللَّه تَعَالَى لَا يُخْلِي الْأَرْض مِنْ مَطَر عَام أَوْ عَامَيْنِ , وَأَنَّهُ مَا نَزَلَ مِنْ السَّمَاء مَاء قَطُّ إِلَّا بِحِفْظِ مَلَك مُوَكَّل بِهِ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ مَاء الطُّوفَان ; فَإِنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ مَا لَا يَحْفَظهُ الْمَلَك . وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : " إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاء حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَة " [ الْحَاقَّة : 11 ] فَجَرَتْ بِهِمْ السَّفِينَة إِلَى أَنْ تَنَاهَى الْأَمْر ; فَأَمَرَ اللَّه الْمَاء الْمُنْهَمِر مِنْ السَّمَاء بِالْإِمْسَاكِ , وَأَمَرَ اللَّه الْأَرْض بِالِابْتِلَاعِ . وَيُقَال : بَلَعَ الْمَاء يَبْلَعهُ مِثْل مَنَعَ يَمْنَع وَبَلِعَ يَبْلَع مِثْل حَمِدَ وَيَحْمَد ; لُغَتَانِ حَكَاهُمَا الْكِسَائِيّ وَالْفَرَّاء . وَالْبَالُوعَة الْمَوْضِع الَّذِي يَشْرَب الْمَاء . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : اِلْتَقَى الْمَاءَانِ عَلَى أَمْر قَدْ قُدِرَ , مَا كَانَ فِي الْأَرْض وَمَا نَزَلَ مِنْ السَّمَاء ; فَأَمَرَ اللَّه مَا نَزَلَ مِنْ السَّمَاء بِالْإِقْلَاعِ , فَلَمْ تَمْتَصّ الْأَرْض مِنْهُ قَطْرَة , وَأَمَرَ الْأَرْض بِابْتِلَاعِ مَا خَرَجَ مِنْهَا فَقَطْ . وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : " وَقِيلَ يَا أَرْض اِبْلَعِي مَاءَك وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء " وَقِيلَ : مَيَّزَ اللَّه بَيْن الْمَاءَيْنِ , فَمَا كَانَ مِنْ مَاء الْأَرْض أَمَرَهَا فَبَلَعَتْهُ , وَصَارَ مَاء السَّمَاء بِحَارًا .
أَيْ نَقَصَ ; يُقَال : غَاضَ الشَّيْء وَغِضْته أَنَا ; كَمَا يُقَال : نَقَصَ بِنَفْسِهِ وَنَقَصَهُ غَيْره , وَيَجُوز " غُيِضَ " بِضَمِّ الْغَيْن .
أَيْ أُحْكِمَ وَفُرِغَ مِنْهُ ; يَعْنِي أُهْلِكَ قَوْم نُوح عَلَى تَمَام وَإِحْكَام . وَيُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَعْقَمَ أَرْحَامهمْ أَيْ أَرْحَام نِسَائِهِمْ قَبْل الْغَرَق بِأَرْبَعِينَ سَنَة , فَلَمْ يَكُنْ فِيمَنْ هَلَكَ صَغِير . وَالصَّحِيح أَنَّهُ أَهْلَكَ الْوِلْدَان بِالطُّوفَانِ , كَمَا هَلَكَتْ الطَّيْر وَالسِّبَاع . وَلَمْ يَكُنْ الْغَرَق عُقُوبَة لِلصِّبْيَانِ وَالْبَهَائِم وَالطَّيْر , بَلْ مَاتُوا بِآجَالِهِمْ . وَحُكِيَ أَنَّهُ لَمَّا كَثُرَ الْمَاء فِي السِّكَك خَشِيَتْ أُمّ صَبِيّ عَلَيْهِ ; وَكَانَتْ تُحِبّهُ حُبًّا شَدِيدًا , فَخَرَجَتْ بِهِ إِلَى الْجَبَل , حَتَّى بَلَغَتْ ثُلُثه , فَلَمَّا بَلَغَهَا الْمَاء خَرَجَتْ حَتَّى بَلَغَتْ ثُلُثَيْهِ , فَلَمَّا بَلَغَهَا الْمَاء اِسْتَوَتْ عَلَى الْجَبَل ; فَلَمَّا بَلَغَ الْمَاء رَقَبَتهَا رَفَعَتْ يَدَيْهَا بِابْنِهَا حَتَّى ذَهَبَ بِهَا الْمَاء ; فَلَوْ رَحِمَ اللَّه مِنْهُمْ أَحَدًا لَرَحِمَ أُمّ الصَّبِيّ .
أَيْ هَلَاكًا لَهُمْ . الْجُودِيّ جَبَل بِقُرْبِ الْمَوْصِل ; اِسْتَوَتْ عَلَيْهِ فِي الْعَاشِر مِنْ الْمُحَرَّم يَوْم عَاشُورَاء ; فَصَامَهُ نُوح وَأَمَرَ جَمِيع مَنْ مَعَهُ مِنْ النَّاس وَالْوَحْش وَالطَّيْر وَالدَّوَابّ وَغَيْرهَا فَصَامُوهُ , شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى . وَقِيلَ : كَانَ ذَلِكَ يَوْم الْجُمْعَة . وَرُوِيَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَوْحَى إِلَى الْجِبَال أَنَّ السَّفِينَة تُرْسَى عَلَى وَاحِد مِنْهَا فَتَطَاوَلَتْ , وَبَقِيَ الْجُودِيّ لَمْ يَتَطَاوَل تَوَاضُعًا لِلَّهِ , فَاسْتَوَتْ السَّفِينَة عَلَيْهِ : وَبَقِيَتْ عَلَيْهِ أَعْوَادهَا . وَفِي الْحَدِيث أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَقَدْ بَقِيَ مِنْهَا شَيْء أَدْرَكَهُ أَوَائِل هَذِهِ الْأُمَّة ) . وَقَالَ مُجَاهِد : تَشَامَخَتْ الْجِبَال وَتَطَاوَلَتْ لِئَلَّا يَنَالهَا الْغَرَق ; فَعَلَا الْمَاء فَوْقهَا خَمْسَة عَشَرَ ذِرَاعًا , وَتَطَامَنَ الْجُودِيّ , وَتَوَاضَعَ لِأَمْرِ اللَّه تَعَالَى فَلَمْ يَغْرَق , وَرَسَتْ السَّفِينَة عَلَيْهِ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الْجُودِيّ اِسْم لِكُلِّ جَبَل , وَمِنْهُ قَوْل زَيْد بْن عَمْرو بْن نُفَيْل . سُبْحَانه ثُمَّ سُبْحَانًا يَعُود لَهُ وَقَبْلنَا سَبَّحَ الْجُودِيّ وَالْجَمَد وَيُقَال : إِنَّ الْجُودِيّ مِنْ جِبَال الْجَنَّة ; فَلِهَذَا اِسْتَوَتْ عَلَيْهِ . وَيُقَال : أَكْرَمَ اللَّه ثَلَاثَة جِبَال بِثَلَاثَةِ نَفَر : الْجُودِيّ بِنُوحٍ , وَطُور سَيْنَاء بِمُوسَى , وَحِرَاء بِمُحَمَّدٍ صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ .
[ مَسْأَلَة ] : لَمَّا تَوَاضَعَ الْجُودِيّ وَخَضَعَ عَزَّ , وَلَمَّا اِرْتَفَعَ غَيْره وَاسْتَعْلَى ذَلَّ , وَهَذِهِ سُنَّة اللَّه فِي خَلْقه , يَرْفَع مَنْ تَخَشَّعَ , وَيَضَع مَنْ تَرَفَّعَ ; وَلَقَدْ أَحْسَن الْقَائِل : وَإِذَا تَذَلَّلَتْ الرِّقَاب تَخَشُّعًا مِنَّا إِلَيْك فَعِزّهَا فِي ذُلّهَا وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم عَنْ أَنَس بْن مَالِك قَالَ : كَانَتْ نَاقَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُسَمَّى الْعَضْبَاء ; وَكَانَتْ لَا تُسْبَق ; فَجَاءَ أَعْرَابِيّ عَلَى قَعُود لَهُ فَسَبَقَهَا , فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ; وَقَالُوا : سُبِقَتْ الْعَضْبَاء ! فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِنَّ حَقًّا عَلَى اللَّه أَلَّا يَرْفَع شَيْئًا مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا وَضَعَهُ ) . وَخَرَّجَ مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَا نَقَصَتْ صَدَقَة مِنْ مَال وَمَا زَادَ اللَّه عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَد لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّه ) . وَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّه أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَبْغِي أَحَد عَلَى أَحَد وَلَا يَفْخَر أَحَد عَلَى أَحَد ) . خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ .
[ مَسْأَلَة ] : نَذْكُر فِيهَا مِنْ قِصَّة نُوح مَعَ قَوْمه وَبَعْض ذِكْر السَّفِينَة ذَكَرَ الْحَافِظ اِبْن عَسَاكِر فِي التَّارِيخ لَهُ عَنْ الْحَسَن : أَنَّ نُوحًا أَوَّل رَسُول بَعَثَهُ اللَّه إِلَى أَهْل الْأَرْض ; فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : " وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمه فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْف سَنَة إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا " [ الْعَنْكَبُوت : 14 ] وَكَانَ قَدْ كَثُرَتْ فِيهِمْ الْمَعَاصِي , وَكَثُرَتْ الْجَبَابِرَة وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا , وَكَانَ نُوح يَدْعُوهُمْ لَيْلًا وَنَهَارًا , سِرًّا وَعَلَانِيَة , وَكَانَ صَبُورًا حَلِيمًا , وَلَمْ يَلْقَ أَحَد مِنْ الْأَنْبِيَاء أَشَدّ مِمَّا لَقِيَ نُوح , فَكَانُوا يَدْخُلُونَ عَلَيْهِ فَيَخْنُقُونَهُ حَتَّى يُتْرَك وَقِيذًا , وَيَضْرِبُونَهُ فِي الْمَجَالِس وَيُطْرَد , وَكَانَ لَا يَدْعُو عَلَى مَنْ يَصْنَع بِهِ بَلْ يَدْعُوهُمْ وَيَقُول : " رَبّ اِغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ " فَكَانَ لَا يَزِيدهُمْ ذَلِكَ إِلَّا فِرَارًا مِنْهُ , حَتَّى أَنَّهُ لِيُكَلِّم الرَّجُل مِنْهُمْ فَيَلُفّ رَأْسه بِثَوْبِهِ , وَيَجْعَل أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ لِكَيْلَا يَسْمَع شَيْئًا مِنْ كَلَامه , فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : " وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتهمْ لِتَغْفِر لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعهمْ فِي آذَانهمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابهمْ " [ نُوح : 7 ] . وَقَالَ مُجَاهِد وَعُبَيْد بْن عُمَيْر : كَانُوا يَضْرِبُونَهُ حَتَّى يُغْشَى عَلَيْهِ فَإِذَا أَفَاقَ قَالَ : " رَبّ اِغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ " . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : ( إِنَّ نُوحًا كَانَ يُضْرَب ثُمَّ يُلَفّ فِي لِبَد فَيُلْقَى فِي بَيْته يَرَوْنَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ , ثُمَّ يَخْرُج فَيَدْعُوهُمْ ; حَتَّى إِذَا يَئِسَ مِنْ إِيمَان قَوْمه جَاءَهُ رَجُل وَمَعَهُ اِبْنه وَهُوَ يَتَوَكَّأ عَلَى عَصًا ; فَقَالَ : يَا بُنَيّ اُنْظُرْ هَذَا الشَّيْخ لَا يَغُرَّنك , قَالَ : يَا أَبَتِ أَمْكِنِّي مِنْ الْعَصَا , فَأَمْكَنَهُ فَأَخَذَ الْعَصَا ثُمَّ قَالَ : ضَعْنِي فِي الْأَرْض فَوَضَعَهُ , فَمَشَى إِلَيْهِ بِالْعَصَا فَضَرَبَهُ فَشَجَّهُ شَجَّة مُوضِحَة فِي رَأْسه , وَسَالَتْ الدِّمَاء ; فَقَالَ نُوح : " رَبّ قَدْ تَرَى مَا يَفْعَل بِي عِبَادك فَإِنْ يَكُ لَك فِي عِبَادك خَيْرِيَّة فَاهْدِهِمْ وَإِنْ يَكُ غَيْر ذَلِكَ فَصَبِّرْنِي إِلَى أَنْ تَحْكُم وَأَنْتَ خَيْر الْحَاكِمِينَ " فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ وَآيَسَهُ مِنْ إِيمَان قَوْمه , وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي أَصْلَاب الرِّجَال وَلَا فِي أَرْحَام النِّسَاء مُؤْمِن ) ;
قَالَ : " وَأُوحِيَ إِلَى نُوح أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِن مِنْ قَوْمك إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِس بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ " ; أَيْ لَا تَحْزَن عَلَيْهِمْ . " وَاصْنَعْ الْفُلْك بِأَعْيُنِنَا وَوَحْينَا " قَالَ : يَا رَبّ وَأَيْنَ الْخَشَب ؟ قَالَ : اِغْرِسْ الشَّجَر . قَالَ : فَغَرَسَ السَّاج عِشْرِينَ سَنَة , وَكَفَّ عَنْ الدُّعَاء , وَكَفُّوا عَنْ الِاسْتِهْزَاء . وَكَانُوا يَسْخَرُونَ مِنْهُ ; فَلَمَّا أَدْرَكَ الشَّجَر أَمَرَهُ رَبّه فَقَطَعَهَا وَجَفَّفَهَا : فَقَالَ : يَا رَبّ كَيْف أَتَّخِذ هَذَا الْبَيْت ؟ قَالَ : اِجْعَلْهُ عَلَى ثَلَاثَة صُوَر ; رَأْسه كَرَأْسِ الدِّيك , وَجُؤْجُؤُهُ كَجُؤْجُؤِ الطَّيْر , وَذَنَبه كَذَنَبِ الدِّيك ; وَاجْعَلْهَا مُطْبَقَة وَاجْعَلْ لَهَا أَبْوَابًا فِي جَنْبهَا , وَشُدَّهَا بِدُسُرٍ , يَعْنِي مَسَامِير الْحَدِيد . وَبَعَثَ اللَّه جِبْرِيل فَعَلَّمَهُ صَنْعَة السَّفِينَة , وَجَعَلَتْ يَده لَا تُخْطِئ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : ( كَانَتْ دَار نُوح عَلَيْهِ السَّلَام دِمَشْق , وَأَنْشَأَ سَفِينَته مِنْ خَشَب لُبْنَان بَيْن زَمْزَم وَبَيْن الرُّكْن وَالْمَقَام ) , فَلَمَّا كَمُلَتْ حَمَلَ فِيهَا السِّبَاع وَالدَّوَابّ فِي الْبَاب الْأَوَّل , وَجَعَلَ الْوَحْش وَالطَّيْر فِي الْبَاب الثَّانِي , وَأَطْبَقَ عَلَيْهِمَا وَجَعَلَ أَوْلَاد آدَم أَرْبَعِينَ رَجُلًا وَأَرْبَعِينَ اِمْرَأَة فِي الْبَاب الْأَعْلَى وَأَطْبَقَ عَلَيْهِمْ , وَجَعَلَ الذَّرّ مَعَهُ فِي الْبَاب الْأَعْلَى لِضَعْفِهَا أَلَّا تَطَأهَا الدَّوَابّ . قَالَ الزُّهْرِيّ : إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ رِيحًا فَحُمِلَ إِلَيْهِ مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اِثْنَيْنِ ; مِنْ السِّبَاع وَالطَّيْر وَالْوَحْش وَالْبَهَائِم . وَقَالَ جَعْفَر بْن مُحَمَّد : بَعَثَ اللَّه جِبْرِيل فَحَشَرَهُمْ , فَجَعَلَ يَضْرِب بِيَدَيْهِ عَلَى الزَّوْجَيْنِ فَتَقَع يَده الْيُمْنَى عَلَى الذَّكَر وَالْيُسْرَى عَلَى الْأُنْثَى , فَيُدْخِلهُ السَّفِينَة وَقَالَ زَيْد بْن ثَابِت : اُسْتُصْعِبَتْ عَلَى نُوح الْمَاعِزَة أَنْ تَدْخُل السَّفِينَة , فَدَفَعَهَا بِيَدِهِ فِي ذَنَبهَا ; فَمِنْ ثَمَّ اِنْكَسَرَ ذَنَبهَا فَصَارَ مَعْقُوفًا وَبَدَا حَيَاؤُهَا . وَمَضَتْ النَّعْجَة حَتَّى دَخَلَتْ فَمَسَحَ عَلَى ذَنَبهَا فَسُتِرَ حَيَاؤُهَا ; قَالَ إِسْحَاق : أَخْبَرَنَا رَجُل مِنْ أَهْل الْعِلْم أَنَّ نُوحًا حَمَلَ أَهْل السَّفِينَة , وَجَعَلَ فِيهَا مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اِثْنَيْنِ , وَحَمَلَ مِنْ الْهُدْهُد زَوْجَيْنِ , فَمَاتَتْ الْهُدْهُدَة فِي السَّفِينَة قَبْل أَنْ تَظْهَر الْأَرْض . فَحَمَلَهَا الْهُدْهُد فَطَافَ بِهَا الدُّنْيَا لِيُصِيبَ لَهَا مَكَانًا , فَلَمْ يَجِد طِينًا وَلَا تُرَابًا , فَرَحِمَهُ رَبّه فَحَفَرَ لَهَا فِي قَفَاهُ قَبْرًا فَدَفَنَهَا فِيهِ , فَذَلِكَ الرِّيش النَّاتِئ فِي قَفَا الْهُدْهُد مَوْضِع الْقَبْر ; فَلِذَلِكَ نَتَأَتْ أَقْفِيَة الْهَدَاهِد . وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَانَ حَمْل نُوح مَعَهُ فِي السَّفِينَة مِنْ جَمِيع الشَّجَر وَكَانَتْ الْعَجْوَة مِنْ الْجَنَّة مَعَ نُوح فِي السَّفِينَة ) . وَذَكَرَ صَاحِب كِتَاب ( الْعَرُوس ) وَغَيْره : أَنَّ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَبْعَث مَنْ يَأْتِيه بِخَبَرِ الْأَرْض قَالَ الدَّجَاج : أَنَا ; فَأَخَذَهَا وَخَتَمَ عَلَى جَنَاحهَا وَقَالَ لَهَا : أَنْتِ مَخْتُومَة بِخَاتَمِي لَا تَطِيرِي أَبَدًا , أَنْتِ يَنْتَفِع بِك أُمَّتِي ; فَبَعَثَ الْغُرَاب فَأَصَابَ جِيفَة فَوَقَعَ عَلَيْهَا فَاحْتَبَسَ فَلَعَنَهُ , وَلِذَلِكَ يُقْتَل فِي الْحِلّ وَالْحَرَم وَدَعَا عَلَيْهِ بِالْخَوْفِ ; فَلِذَلِكَ لَا يَأْلَف الْبُيُوت . وَبَعَثَ الْحَمَامَة فَلَمْ تَجِد قَرَارًا فَوَقَعَتْ عَلَى شَجَرَة بِأَرْضِ سَيْنَاء فَحَمَلَتْ وَرَقَة زَيْتُونَة , وَرَجَعَتْ إِلَى نُوح فَعَلِمَ أَنَّهَا لَمْ تَسْتَمْكِن مِنْ الْأَرْض , ثُمَّ بَعَثَهَا بَعْد ذَلِكَ فَطَارَتْ حَتَّى وَقَعَتْ بِوَادِي الْحَرَم , فَإِذَا الْمَاء قَدْ نَضَبَ مِنْ مَوَاضِع الْكَعْبَة , وَكَانَتْ طِينَتهَا حَمْرَاء , فَاخْتَضَبَتْ رِجْلَاهَا , ثُمَّ جَاءَتْ إِلَى نُوح عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَتْ : بُشْرَايَ مِنْك أَنْ تَهَب لِي الطَّوْق فِي عُنُقِي , وَالْخِضَاب فِي رِجْلِي , وَأَسْكُن الْحَرَم ; فَمَسَحَ يَده عَلَى عُنُقهَا وَطَوْقهَا , وَوَهَبَ لَهَا الْحُمْرَة فِي رِجْلَيْهَا , وَدَعَا لَهَا وَلِذُرِّيَّتِهَا بِالْبَرَكَةِ . وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيّ أَنَّهُ بَعَثَ بَعْد الْغُرَاب التُّدْرُج وَكَانَ مِنْ جِنْس الدَّجَاج ; وَقَالَ : إِيَّاكَ أَنْ تَعْتَذِر , فَأَصَابَ الْخُضْرَة وَالْفُرْجَة فَلَمْ يَرْجِع , وَأَخَذَ أَوْلَاده عِنْده رَهْنًا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة .
أَيْ نَقَصَ ; يُقَال : غَاضَ الشَّيْء وَغِضْته أَنَا ; كَمَا يُقَال : نَقَصَ بِنَفْسِهِ وَنَقَصَهُ غَيْره , وَيَجُوز " غُيِضَ " بِضَمِّ الْغَيْن .
أَيْ أُحْكِمَ وَفُرِغَ مِنْهُ ; يَعْنِي أُهْلِكَ قَوْم نُوح عَلَى تَمَام وَإِحْكَام . وَيُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَعْقَمَ أَرْحَامهمْ أَيْ أَرْحَام نِسَائِهِمْ قَبْل الْغَرَق بِأَرْبَعِينَ سَنَة , فَلَمْ يَكُنْ فِيمَنْ هَلَكَ صَغِير . وَالصَّحِيح أَنَّهُ أَهْلَكَ الْوِلْدَان بِالطُّوفَانِ , كَمَا هَلَكَتْ الطَّيْر وَالسِّبَاع . وَلَمْ يَكُنْ الْغَرَق عُقُوبَة لِلصِّبْيَانِ وَالْبَهَائِم وَالطَّيْر , بَلْ مَاتُوا بِآجَالِهِمْ . وَحُكِيَ أَنَّهُ لَمَّا كَثُرَ الْمَاء فِي السِّكَك خَشِيَتْ أُمّ صَبِيّ عَلَيْهِ ; وَكَانَتْ تُحِبّهُ حُبًّا شَدِيدًا , فَخَرَجَتْ بِهِ إِلَى الْجَبَل , حَتَّى بَلَغَتْ ثُلُثه , فَلَمَّا بَلَغَهَا الْمَاء خَرَجَتْ حَتَّى بَلَغَتْ ثُلُثَيْهِ , فَلَمَّا بَلَغَهَا الْمَاء اِسْتَوَتْ عَلَى الْجَبَل ; فَلَمَّا بَلَغَ الْمَاء رَقَبَتهَا رَفَعَتْ يَدَيْهَا بِابْنِهَا حَتَّى ذَهَبَ بِهَا الْمَاء ; فَلَوْ رَحِمَ اللَّه مِنْهُمْ أَحَدًا لَرَحِمَ أُمّ الصَّبِيّ .
أَيْ هَلَاكًا لَهُمْ . الْجُودِيّ جَبَل بِقُرْبِ الْمَوْصِل ; اِسْتَوَتْ عَلَيْهِ فِي الْعَاشِر مِنْ الْمُحَرَّم يَوْم عَاشُورَاء ; فَصَامَهُ نُوح وَأَمَرَ جَمِيع مَنْ مَعَهُ مِنْ النَّاس وَالْوَحْش وَالطَّيْر وَالدَّوَابّ وَغَيْرهَا فَصَامُوهُ , شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى . وَقِيلَ : كَانَ ذَلِكَ يَوْم الْجُمْعَة . وَرُوِيَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَوْحَى إِلَى الْجِبَال أَنَّ السَّفِينَة تُرْسَى عَلَى وَاحِد مِنْهَا فَتَطَاوَلَتْ , وَبَقِيَ الْجُودِيّ لَمْ يَتَطَاوَل تَوَاضُعًا لِلَّهِ , فَاسْتَوَتْ السَّفِينَة عَلَيْهِ : وَبَقِيَتْ عَلَيْهِ أَعْوَادهَا . وَفِي الْحَدِيث أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَقَدْ بَقِيَ مِنْهَا شَيْء أَدْرَكَهُ أَوَائِل هَذِهِ الْأُمَّة ) . وَقَالَ مُجَاهِد : تَشَامَخَتْ الْجِبَال وَتَطَاوَلَتْ لِئَلَّا يَنَالهَا الْغَرَق ; فَعَلَا الْمَاء فَوْقهَا خَمْسَة عَشَرَ ذِرَاعًا , وَتَطَامَنَ الْجُودِيّ , وَتَوَاضَعَ لِأَمْرِ اللَّه تَعَالَى فَلَمْ يَغْرَق , وَرَسَتْ السَّفِينَة عَلَيْهِ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الْجُودِيّ اِسْم لِكُلِّ جَبَل , وَمِنْهُ قَوْل زَيْد بْن عَمْرو بْن نُفَيْل . سُبْحَانه ثُمَّ سُبْحَانًا يَعُود لَهُ وَقَبْلنَا سَبَّحَ الْجُودِيّ وَالْجَمَد وَيُقَال : إِنَّ الْجُودِيّ مِنْ جِبَال الْجَنَّة ; فَلِهَذَا اِسْتَوَتْ عَلَيْهِ . وَيُقَال : أَكْرَمَ اللَّه ثَلَاثَة جِبَال بِثَلَاثَةِ نَفَر : الْجُودِيّ بِنُوحٍ , وَطُور سَيْنَاء بِمُوسَى , وَحِرَاء بِمُحَمَّدٍ صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ .
[ مَسْأَلَة ] : لَمَّا تَوَاضَعَ الْجُودِيّ وَخَضَعَ عَزَّ , وَلَمَّا اِرْتَفَعَ غَيْره وَاسْتَعْلَى ذَلَّ , وَهَذِهِ سُنَّة اللَّه فِي خَلْقه , يَرْفَع مَنْ تَخَشَّعَ , وَيَضَع مَنْ تَرَفَّعَ ; وَلَقَدْ أَحْسَن الْقَائِل : وَإِذَا تَذَلَّلَتْ الرِّقَاب تَخَشُّعًا مِنَّا إِلَيْك فَعِزّهَا فِي ذُلّهَا وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم عَنْ أَنَس بْن مَالِك قَالَ : كَانَتْ نَاقَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُسَمَّى الْعَضْبَاء ; وَكَانَتْ لَا تُسْبَق ; فَجَاءَ أَعْرَابِيّ عَلَى قَعُود لَهُ فَسَبَقَهَا , فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ; وَقَالُوا : سُبِقَتْ الْعَضْبَاء ! فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِنَّ حَقًّا عَلَى اللَّه أَلَّا يَرْفَع شَيْئًا مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا وَضَعَهُ ) . وَخَرَّجَ مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَا نَقَصَتْ صَدَقَة مِنْ مَال وَمَا زَادَ اللَّه عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَد لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّه ) . وَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّه أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَبْغِي أَحَد عَلَى أَحَد وَلَا يَفْخَر أَحَد عَلَى أَحَد ) . خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ .
[ مَسْأَلَة ] : نَذْكُر فِيهَا مِنْ قِصَّة نُوح مَعَ قَوْمه وَبَعْض ذِكْر السَّفِينَة ذَكَرَ الْحَافِظ اِبْن عَسَاكِر فِي التَّارِيخ لَهُ عَنْ الْحَسَن : أَنَّ نُوحًا أَوَّل رَسُول بَعَثَهُ اللَّه إِلَى أَهْل الْأَرْض ; فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : " وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمه فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْف سَنَة إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا " [ الْعَنْكَبُوت : 14 ] وَكَانَ قَدْ كَثُرَتْ فِيهِمْ الْمَعَاصِي , وَكَثُرَتْ الْجَبَابِرَة وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا , وَكَانَ نُوح يَدْعُوهُمْ لَيْلًا وَنَهَارًا , سِرًّا وَعَلَانِيَة , وَكَانَ صَبُورًا حَلِيمًا , وَلَمْ يَلْقَ أَحَد مِنْ الْأَنْبِيَاء أَشَدّ مِمَّا لَقِيَ نُوح , فَكَانُوا يَدْخُلُونَ عَلَيْهِ فَيَخْنُقُونَهُ حَتَّى يُتْرَك وَقِيذًا , وَيَضْرِبُونَهُ فِي الْمَجَالِس وَيُطْرَد , وَكَانَ لَا يَدْعُو عَلَى مَنْ يَصْنَع بِهِ بَلْ يَدْعُوهُمْ وَيَقُول : " رَبّ اِغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ " فَكَانَ لَا يَزِيدهُمْ ذَلِكَ إِلَّا فِرَارًا مِنْهُ , حَتَّى أَنَّهُ لِيُكَلِّم الرَّجُل مِنْهُمْ فَيَلُفّ رَأْسه بِثَوْبِهِ , وَيَجْعَل أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ لِكَيْلَا يَسْمَع شَيْئًا مِنْ كَلَامه , فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : " وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتهمْ لِتَغْفِر لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعهمْ فِي آذَانهمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابهمْ " [ نُوح : 7 ] . وَقَالَ مُجَاهِد وَعُبَيْد بْن عُمَيْر : كَانُوا يَضْرِبُونَهُ حَتَّى يُغْشَى عَلَيْهِ فَإِذَا أَفَاقَ قَالَ : " رَبّ اِغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ " . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : ( إِنَّ نُوحًا كَانَ يُضْرَب ثُمَّ يُلَفّ فِي لِبَد فَيُلْقَى فِي بَيْته يَرَوْنَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ , ثُمَّ يَخْرُج فَيَدْعُوهُمْ ; حَتَّى إِذَا يَئِسَ مِنْ إِيمَان قَوْمه جَاءَهُ رَجُل وَمَعَهُ اِبْنه وَهُوَ يَتَوَكَّأ عَلَى عَصًا ; فَقَالَ : يَا بُنَيّ اُنْظُرْ هَذَا الشَّيْخ لَا يَغُرَّنك , قَالَ : يَا أَبَتِ أَمْكِنِّي مِنْ الْعَصَا , فَأَمْكَنَهُ فَأَخَذَ الْعَصَا ثُمَّ قَالَ : ضَعْنِي فِي الْأَرْض فَوَضَعَهُ , فَمَشَى إِلَيْهِ بِالْعَصَا فَضَرَبَهُ فَشَجَّهُ شَجَّة مُوضِحَة فِي رَأْسه , وَسَالَتْ الدِّمَاء ; فَقَالَ نُوح : " رَبّ قَدْ تَرَى مَا يَفْعَل بِي عِبَادك فَإِنْ يَكُ لَك فِي عِبَادك خَيْرِيَّة فَاهْدِهِمْ وَإِنْ يَكُ غَيْر ذَلِكَ فَصَبِّرْنِي إِلَى أَنْ تَحْكُم وَأَنْتَ خَيْر الْحَاكِمِينَ " فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ وَآيَسَهُ مِنْ إِيمَان قَوْمه , وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي أَصْلَاب الرِّجَال وَلَا فِي أَرْحَام النِّسَاء مُؤْمِن ) ;
قَالَ : " وَأُوحِيَ إِلَى نُوح أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِن مِنْ قَوْمك إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِس بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ " ; أَيْ لَا تَحْزَن عَلَيْهِمْ . " وَاصْنَعْ الْفُلْك بِأَعْيُنِنَا وَوَحْينَا " قَالَ : يَا رَبّ وَأَيْنَ الْخَشَب ؟ قَالَ : اِغْرِسْ الشَّجَر . قَالَ : فَغَرَسَ السَّاج عِشْرِينَ سَنَة , وَكَفَّ عَنْ الدُّعَاء , وَكَفُّوا عَنْ الِاسْتِهْزَاء . وَكَانُوا يَسْخَرُونَ مِنْهُ ; فَلَمَّا أَدْرَكَ الشَّجَر أَمَرَهُ رَبّه فَقَطَعَهَا وَجَفَّفَهَا : فَقَالَ : يَا رَبّ كَيْف أَتَّخِذ هَذَا الْبَيْت ؟ قَالَ : اِجْعَلْهُ عَلَى ثَلَاثَة صُوَر ; رَأْسه كَرَأْسِ الدِّيك , وَجُؤْجُؤُهُ كَجُؤْجُؤِ الطَّيْر , وَذَنَبه كَذَنَبِ الدِّيك ; وَاجْعَلْهَا مُطْبَقَة وَاجْعَلْ لَهَا أَبْوَابًا فِي جَنْبهَا , وَشُدَّهَا بِدُسُرٍ , يَعْنِي مَسَامِير الْحَدِيد . وَبَعَثَ اللَّه جِبْرِيل فَعَلَّمَهُ صَنْعَة السَّفِينَة , وَجَعَلَتْ يَده لَا تُخْطِئ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : ( كَانَتْ دَار نُوح عَلَيْهِ السَّلَام دِمَشْق , وَأَنْشَأَ سَفِينَته مِنْ خَشَب لُبْنَان بَيْن زَمْزَم وَبَيْن الرُّكْن وَالْمَقَام ) , فَلَمَّا كَمُلَتْ حَمَلَ فِيهَا السِّبَاع وَالدَّوَابّ فِي الْبَاب الْأَوَّل , وَجَعَلَ الْوَحْش وَالطَّيْر فِي الْبَاب الثَّانِي , وَأَطْبَقَ عَلَيْهِمَا وَجَعَلَ أَوْلَاد آدَم أَرْبَعِينَ رَجُلًا وَأَرْبَعِينَ اِمْرَأَة فِي الْبَاب الْأَعْلَى وَأَطْبَقَ عَلَيْهِمْ , وَجَعَلَ الذَّرّ مَعَهُ فِي الْبَاب الْأَعْلَى لِضَعْفِهَا أَلَّا تَطَأهَا الدَّوَابّ . قَالَ الزُّهْرِيّ : إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ رِيحًا فَحُمِلَ إِلَيْهِ مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اِثْنَيْنِ ; مِنْ السِّبَاع وَالطَّيْر وَالْوَحْش وَالْبَهَائِم . وَقَالَ جَعْفَر بْن مُحَمَّد : بَعَثَ اللَّه جِبْرِيل فَحَشَرَهُمْ , فَجَعَلَ يَضْرِب بِيَدَيْهِ عَلَى الزَّوْجَيْنِ فَتَقَع يَده الْيُمْنَى عَلَى الذَّكَر وَالْيُسْرَى عَلَى الْأُنْثَى , فَيُدْخِلهُ السَّفِينَة وَقَالَ زَيْد بْن ثَابِت : اُسْتُصْعِبَتْ عَلَى نُوح الْمَاعِزَة أَنْ تَدْخُل السَّفِينَة , فَدَفَعَهَا بِيَدِهِ فِي ذَنَبهَا ; فَمِنْ ثَمَّ اِنْكَسَرَ ذَنَبهَا فَصَارَ مَعْقُوفًا وَبَدَا حَيَاؤُهَا . وَمَضَتْ النَّعْجَة حَتَّى دَخَلَتْ فَمَسَحَ عَلَى ذَنَبهَا فَسُتِرَ حَيَاؤُهَا ; قَالَ إِسْحَاق : أَخْبَرَنَا رَجُل مِنْ أَهْل الْعِلْم أَنَّ نُوحًا حَمَلَ أَهْل السَّفِينَة , وَجَعَلَ فِيهَا مِنْ كُلّ زَوْجَيْنِ اِثْنَيْنِ , وَحَمَلَ مِنْ الْهُدْهُد زَوْجَيْنِ , فَمَاتَتْ الْهُدْهُدَة فِي السَّفِينَة قَبْل أَنْ تَظْهَر الْأَرْض . فَحَمَلَهَا الْهُدْهُد فَطَافَ بِهَا الدُّنْيَا لِيُصِيبَ لَهَا مَكَانًا , فَلَمْ يَجِد طِينًا وَلَا تُرَابًا , فَرَحِمَهُ رَبّه فَحَفَرَ لَهَا فِي قَفَاهُ قَبْرًا فَدَفَنَهَا فِيهِ , فَذَلِكَ الرِّيش النَّاتِئ فِي قَفَا الْهُدْهُد مَوْضِع الْقَبْر ; فَلِذَلِكَ نَتَأَتْ أَقْفِيَة الْهَدَاهِد . وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَانَ حَمْل نُوح مَعَهُ فِي السَّفِينَة مِنْ جَمِيع الشَّجَر وَكَانَتْ الْعَجْوَة مِنْ الْجَنَّة مَعَ نُوح فِي السَّفِينَة ) . وَذَكَرَ صَاحِب كِتَاب ( الْعَرُوس ) وَغَيْره : أَنَّ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَبْعَث مَنْ يَأْتِيه بِخَبَرِ الْأَرْض قَالَ الدَّجَاج : أَنَا ; فَأَخَذَهَا وَخَتَمَ عَلَى جَنَاحهَا وَقَالَ لَهَا : أَنْتِ مَخْتُومَة بِخَاتَمِي لَا تَطِيرِي أَبَدًا , أَنْتِ يَنْتَفِع بِك أُمَّتِي ; فَبَعَثَ الْغُرَاب فَأَصَابَ جِيفَة فَوَقَعَ عَلَيْهَا فَاحْتَبَسَ فَلَعَنَهُ , وَلِذَلِكَ يُقْتَل فِي الْحِلّ وَالْحَرَم وَدَعَا عَلَيْهِ بِالْخَوْفِ ; فَلِذَلِكَ لَا يَأْلَف الْبُيُوت . وَبَعَثَ الْحَمَامَة فَلَمْ تَجِد قَرَارًا فَوَقَعَتْ عَلَى شَجَرَة بِأَرْضِ سَيْنَاء فَحَمَلَتْ وَرَقَة زَيْتُونَة , وَرَجَعَتْ إِلَى نُوح فَعَلِمَ أَنَّهَا لَمْ تَسْتَمْكِن مِنْ الْأَرْض , ثُمَّ بَعَثَهَا بَعْد ذَلِكَ فَطَارَتْ حَتَّى وَقَعَتْ بِوَادِي الْحَرَم , فَإِذَا الْمَاء قَدْ نَضَبَ مِنْ مَوَاضِع الْكَعْبَة , وَكَانَتْ طِينَتهَا حَمْرَاء , فَاخْتَضَبَتْ رِجْلَاهَا , ثُمَّ جَاءَتْ إِلَى نُوح عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَتْ : بُشْرَايَ مِنْك أَنْ تَهَب لِي الطَّوْق فِي عُنُقِي , وَالْخِضَاب فِي رِجْلِي , وَأَسْكُن الْحَرَم ; فَمَسَحَ يَده عَلَى عُنُقهَا وَطَوْقهَا , وَوَهَبَ لَهَا الْحُمْرَة فِي رِجْلَيْهَا , وَدَعَا لَهَا وَلِذُرِّيَّتِهَا بِالْبَرَكَةِ . وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيّ أَنَّهُ بَعَثَ بَعْد الْغُرَاب التُّدْرُج وَكَانَ مِنْ جِنْس الدَّجَاج ; وَقَالَ : إِيَّاكَ أَنْ تَعْتَذِر , فَأَصَابَ الْخُضْرَة وَالْفُرْجَة فَلَمْ يَرْجِع , وَأَخَذَ أَوْلَاده عِنْده رَهْنًا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة .
وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ ↓
أَيْ دَعَاهُ .
أَيْ مِنْ أَهْلِي الَّذِينَ وَعَدْتهمْ أَنْ تُنَجِّيهِمْ مِنْ الْغَرَق ; فَفِي الْكَلَام حَذْف .
يَعْنِي الصِّدْق . وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا : وَإِنَّمَا سَأَلَ نُوح رَبّه اِبْنه لِقَوْلِهِ : " وَأَهْلك " وَتَرَكَ قَوْله : " إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْل " [ هُود : 40 ] فَلَمَّا كَانَ عِنْده مِنْ أَهْله قَالَ : " رَبّ إِنَّ اِبْنِي مِنْ أَهْلِي " يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله : " وَلَا تَكُنْ مِنْ الْكَافِرِينَ " أَيْ لَا تَكُنْ مِمَّنْ لَسْت مِنْهُمْ ; لِأَنَّهُ كَانَ عِنْده مُؤْمِنًا فِي ظَنّه , وَلَمْ يَكُ نُوح يَقُول لِرَبِّهِ : " إِنَّ اِبْنِي مِنْ أَهْلِي " إِلَّا وَذَلِكَ عِنْده كَذَلِكَ ; إِذْ مُحَال أَنْ يَسْأَل هَلَاك الْكُفَّار , ثُمَّ يَسْأَل فِي إِنْجَاء بَعْضهمْ ; وَكَانَ اِبْنه يُسِرّ الْكُفْر وَيُظْهِر الْإِيمَان ; فَأَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى نُوحًا بِمَا هُوَ مُنْفَرِد بِهِ مِنْ عِلْم الْغُيُوب ; أَيْ عَلِمْت مِنْ حَال اِبْنك مَا لَمْ تَعْلَمهُ أَنْتَ . وَقَالَ الْحَسَن : كَانَ مُنَافِقًا ; وَلِذَلِكَ اِسْتَحَلَّ نُوح أَنْ يُنَادِيه . وَعَنْهُ أَيْضًا : كَانَ اِبْن اِمْرَأَته ; دَلِيله قِرَاءَة عَلِيّ " وَنَادَى نُوح اِبْنهَا " .
اِبْتِدَاء وَخَبَر . أَيْ حَكَمْت عَلَى قَوْم بِالنَّجَاةِ , وَعَلَى قَوْم بِالْغَرَقِ .
أَيْ مِنْ أَهْلِي الَّذِينَ وَعَدْتهمْ أَنْ تُنَجِّيهِمْ مِنْ الْغَرَق ; فَفِي الْكَلَام حَذْف .
يَعْنِي الصِّدْق . وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا : وَإِنَّمَا سَأَلَ نُوح رَبّه اِبْنه لِقَوْلِهِ : " وَأَهْلك " وَتَرَكَ قَوْله : " إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْل " [ هُود : 40 ] فَلَمَّا كَانَ عِنْده مِنْ أَهْله قَالَ : " رَبّ إِنَّ اِبْنِي مِنْ أَهْلِي " يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله : " وَلَا تَكُنْ مِنْ الْكَافِرِينَ " أَيْ لَا تَكُنْ مِمَّنْ لَسْت مِنْهُمْ ; لِأَنَّهُ كَانَ عِنْده مُؤْمِنًا فِي ظَنّه , وَلَمْ يَكُ نُوح يَقُول لِرَبِّهِ : " إِنَّ اِبْنِي مِنْ أَهْلِي " إِلَّا وَذَلِكَ عِنْده كَذَلِكَ ; إِذْ مُحَال أَنْ يَسْأَل هَلَاك الْكُفَّار , ثُمَّ يَسْأَل فِي إِنْجَاء بَعْضهمْ ; وَكَانَ اِبْنه يُسِرّ الْكُفْر وَيُظْهِر الْإِيمَان ; فَأَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى نُوحًا بِمَا هُوَ مُنْفَرِد بِهِ مِنْ عِلْم الْغُيُوب ; أَيْ عَلِمْت مِنْ حَال اِبْنك مَا لَمْ تَعْلَمهُ أَنْتَ . وَقَالَ الْحَسَن : كَانَ مُنَافِقًا ; وَلِذَلِكَ اِسْتَحَلَّ نُوح أَنْ يُنَادِيه . وَعَنْهُ أَيْضًا : كَانَ اِبْن اِمْرَأَته ; دَلِيله قِرَاءَة عَلِيّ " وَنَادَى نُوح اِبْنهَا " .
اِبْتِدَاء وَخَبَر . أَيْ حَكَمْت عَلَى قَوْم بِالنَّجَاةِ , وَعَلَى قَوْم بِالْغَرَقِ .
قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ↓
أَيْ لَيْسَ , مِنْ أَهْلك الَّذِينَ وَعَدْتهمْ أَنْ أُنَجِّيهُمْ ; قَالَهُ سَعِيد بْن جُبَيْر . وَقَالَ الْجُمْهُور : لَيْسَ مِنْ أَهْل دِينك وَلَا وِلَايَتك ; فَهُوَ عَلَى حَذْف مُضَاف ; وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ حُكْم الِاتِّفَاق فِي الدِّين أَقْوَى مِنْ حُكْم النَّسَب .
قَرَأَ اِبْن عَبَّاس وَعُرْوَة وَعِكْرِمَة وَيَعْقُوب وَالْكِسَائِيّ " إِنَّهُ عَمِلَ غَيْر صَالِح " أَيْ مِنْ الْكُفْر وَالتَّكْذِيب ; وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ " عَمَل " أَيْ اِبْنك ذُو عَمَل غَيْر صَالِح فَحُذِفَ الْمُضَاف ; قَالَهُ الزَّجَّاج وَغَيْره . قَالَ : تَرْتَع مَا رَتَعَتْ حَتَّى إِذَا اِدَّكَرَتْ فَإِنَّمَا هِيَ إِقْبَال وَإِدْبَار أَيْ ذَات إِقْبَال وَإِدْبَار . وَهَذَا الْقَوْل وَاَلَّذِي قَبْله يَرْجِع إِلَى مَعْنًى وَاحِد . وَيَجُوز أَنْ تَكُون الْهَاء لِلسُّؤَالِ ; أَيْ إِنَّ سُؤَالك إِيَّايَ أَنْ أُنَجِّيه . عَمَل غَيْر صَالِح . قَالَ قَتَادَة . وَقَالَ الْحَسَن : مَعْنَى عَمَل غَيْر صَالِح أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشه وَلَمْ يَكُنْ اِبْنه . وَكَانَ لِغَيْرِ رِشْدَة , وَقَالَهُ أَيْضًا مُجَاهِد . قَالَ قَتَادَة سَأَلْت الْحَسَن عَنْهُ فَقَالَ : وَاَللَّه مَا كَانَ اِبْنه ; قُلْت إِنَّ اللَّه أَخْبَرَ عَنْ نُوح أَنَّهُ قَالَ : " إِنَّ اِبْنِي مِنْ أَهْلِي " فَقَالَ : لَمْ يَقُلْ مِنِّي , وَهَذِهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّهُ كَانَ اِبْن اِمْرَأَته مِنْ زَوْج آخَر ; فَقُلْت لَهُ : إِنَّ اللَّه حَكَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : " إِنَّ اِبْنِي مِنْ أَهْلِي " " وَنَادَى نُوح اِبْنه " وَلَا يَخْتَلِف أَهْل الْكِتَابَيْنِ أَنَّهُ اِبْنه ; فَقَالَ الْحَسَن : وَمَنْ يَأْخُذ دِينه عَنْ أَهْل الْكِتَاب ! إِنَّهُمْ يَكْذِبُونَ . وَقَرَأَ : " فَخَانَتَاهُمَا " [ التَّحْرِيم : 10 ] . وَقَالَ اِبْن جُرَيْج : نَادَاهُ وَهُوَ يَحْسَب أَنَّهُ اِبْنه , وَكَانَ وُلِدَ عَلَى فِرَاشه , وَكَانَتْ اِمْرَأَته خَانَتْهُ فِيهِ , وَلِهَذَا قَالَ : " فَخَانَتَاهُمَا " . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : ( مَا بَغَتْ اِمْرَأَة نَبِيّ قَطُّ ) , وَأَنَّهُ كَانَ اِبْنه لِصُلْبِهِ . وَكَذَلِكَ قَالَ الضَّحَّاك وَعِكْرِمَة وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَمَيْمُون بْن مِهْرَان وَغَيْرهمْ , وَأَنَّهُ كَانَ اِبْنه لِصُلْبِهِ . وَقِيلَ لِسَعِيدِ بْن جُبَيْر يَقُول نُوح : " إِنَّ اِبْنِي مِنْ أَهْلِي " أَكَانَ مِنْ أَهْله ؟ أَكَانَ اِبْنه ؟ فَسَبَّحَ اللَّه طَوِيلًا ثُمَّ قَالَ : ( لَا إِلَه إِلَّا اللَّه ! يُحَدِّث اللَّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ اِبْنه , وَتَقُول إِنَّهُ لَيْسَ اِبْنه ! نَعَمْ كَانَ اِبْنه ; وَلَكِنْ كَانَ مُخَالِفًا فِي النِّيَّة وَالْعَمَل وَالدِّين , وَلِهَذَا قَالَ اللَّه تَعَالَى : " إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلك " ) ; وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي الْبَاب إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى لِجَلَالَةِ مَنْ قَالَ بِهِ , وَإِنَّ قَوْله : " إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلك " لَيْسَ مِمَّا يَنْفِي عَنْهُ أَنَّهُ اِبْنه . وَقَوْله : " فَخَانَتَاهُمَا " [ التَّحْرِيم : 10 ] يَعْنِي فِي الدِّين لَا فِي الْفِرَاش , وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ كَانَتْ تُخْبِر النَّاس أَنَّهُ مَجْنُون , وَذَلِكَ أَنَّهَا قَالَتْ لَهُ : أَمَا يَنْصُرك رَبّك ؟ فَقَالَ لَهَا : نَعَمْ . قَالَتْ : فَمَتَى ؟ قَالَ : إِذَا فَارَ التَّنُّور ; فَخَرَجَتْ تَقُول لِقَوْمِهَا : يَا قَوْم وَاَللَّه إِنَّهُ لَمَجْنُون , يَزْعُم أَنَّهُ لَا يَنْصُرهُ رَبّه إِلَّا أَنْ يَفُور هَذَا التَّنُّور , فَهَذِهِ خِيَانَتهَا . وَخِيَانَة الْأُخْرَى أَنَّهَا كَانَتْ تَدُلّ عَلَى الْأَضْيَاف عَلَى مَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّه . وَاَللَّه أَعْلَم . وَقِيلَ : الْوَلَد قَدْ يُسَمَّى عَمَلًا كَمَا يُسَمَّى كَسْبًا , كَمَا فِي الْخَبَر ( أَوْلَادكُمْ مِنْ كَسْبكُمْ ) . ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيّ .
فِي هَذِهِ الْآيَة تَسْلِيَة لِلْخَلْقِ فِي فَسَاد أَبْنَائِهِمْ وَإِنْ كَانُوا صَالِحِينَ . وَرُوِيَ أَنَّ اِبْن مَالِك بْن أَنَس نَزَلَ مِنْ فَوْق وَمَعَهُ حَمَام قَدْ غَطَّاهُ , قَالَ : فَعَلِمَ مَالِك أَنَّهُ قَدْ فَهِمَهُ النَّاس ; فَقَالَ مَالِك : الْأَدَب أَدَب اللَّه لَا أَدَب الْآبَاء وَالْأُمَّهَات , وَالْخَيْر خَيْر اللَّه لَا خَيْر الْآبَاء وَالْأُمَّهَات . وَفِيهَا أَيْضًا دَلِيل عَلَى أَنَّ الِابْن مِنْ الْأَهْل لُغَة وَشَرْعًا , وَمِنْ أَهْل الْبَيْت ; فَمَنْ وَصَّى لِأَهْلِهِ دَخَلَ فِي ذَلِكَ اِبْنه , وَمَنْ تَضَمَّنَهُ مَنْزِله , وَهُوَ فِي عِيَاله . وَقَالَ تَعَالَى فِي آيَة أُخْرَى : " وَلَقَدْ نَادَانَا نُوح فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ . وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْله مِنْ الْكَرْب الْعَظِيم " [ الصَّافَّات : 75 ] فَسَمَّى جَمِيع مَنْ ضَمَّهُ مَنْزِله مِنْ أَهْله .
وَدَلَّتْ الْآيَة عَلَى قَوْل الْحَسَن وَمُجَاهِد وَغَيْرهمَا : أَنَّ الْوَلَد لِلْفِرَاشِ ; وَلِذَلِكَ قَالَ نُوح مَا قَالَ آخِذًا بِظَاهِرِ الْفِرَاش . وَقَدْ رَوَى سُفْيَان بْن عُيَيْنَة عَنْ عَمْرو بْن دِينَار أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْد بْن عُمَيْر يَقُول : نَرَى رَسُول اللَّه صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا قَضَى بِالْوَلَدِ لِلْفِرَاشِ مِنْ أَجْل اِبْن نُوح عَلَيْهِ السَّلَام ; ذَكَرَهُ أَبُو عُمَر فِي كِتَاب " التَّمْهِيد " . وَفِي الْحَدِيث الصَّحِيح عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( الْوَلَد لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَر ) يُرِيد الْخَيْبَة . وَقِيلَ : الرَّجْم بِالْحِجَارَةِ . وَقَرَأَ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر . " وَنَادَى نُوح اِبْنهَا " يُرِيد اِبْن اِمْرَأَته , وَهِيَ تَفْسِير الْقِرَاءَة الْمُتَقَدِّمَة عَنْهُ , وَعَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , وَهِيَ حُجَّة لِلْحَسَنِ وَمُجَاهِد ; إِلَّا أَنَّهَا قِرَاءَة شَاذَّة , فَلَا نَتْرُك الْمُتَّفَق عَلَيْهَا لَهَا . وَاَللَّه أَعْلَم .
أَيْ أَنْهَاك عَنْ هَذَا السُّؤَال , وَأُحَذِّرك لِئَلَّا تَكُون , أَوْ كَرَاهِيَة أَنْ تَكُون مِنْ الْجَاهِلِينَ ; أَيْ الْآثِمِينَ . وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " يَعِظكُمْ اللَّه أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا " [ النُّور : 17 ] أَيْ يُحَذِّركُمْ اللَّه وَيَنْهَاكُمْ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى أَرْفَعك أَنْ تَكُون مِنْ الْجَاهِلِينَ . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذِهِ زِيَادَة مِنْ اللَّه وَمَوْعِظَة يَرْفَع بِهَا نُوحًا عَنْ مَقَام الْجَاهِلِينَ , وَيُعْلِيه بِهَا إِلَى مَقَام الْعُلَمَاء وَالْعَارِفِينَ ;
قَرَأَ اِبْن عَبَّاس وَعُرْوَة وَعِكْرِمَة وَيَعْقُوب وَالْكِسَائِيّ " إِنَّهُ عَمِلَ غَيْر صَالِح " أَيْ مِنْ الْكُفْر وَالتَّكْذِيب ; وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ " عَمَل " أَيْ اِبْنك ذُو عَمَل غَيْر صَالِح فَحُذِفَ الْمُضَاف ; قَالَهُ الزَّجَّاج وَغَيْره . قَالَ : تَرْتَع مَا رَتَعَتْ حَتَّى إِذَا اِدَّكَرَتْ فَإِنَّمَا هِيَ إِقْبَال وَإِدْبَار أَيْ ذَات إِقْبَال وَإِدْبَار . وَهَذَا الْقَوْل وَاَلَّذِي قَبْله يَرْجِع إِلَى مَعْنًى وَاحِد . وَيَجُوز أَنْ تَكُون الْهَاء لِلسُّؤَالِ ; أَيْ إِنَّ سُؤَالك إِيَّايَ أَنْ أُنَجِّيه . عَمَل غَيْر صَالِح . قَالَ قَتَادَة . وَقَالَ الْحَسَن : مَعْنَى عَمَل غَيْر صَالِح أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشه وَلَمْ يَكُنْ اِبْنه . وَكَانَ لِغَيْرِ رِشْدَة , وَقَالَهُ أَيْضًا مُجَاهِد . قَالَ قَتَادَة سَأَلْت الْحَسَن عَنْهُ فَقَالَ : وَاَللَّه مَا كَانَ اِبْنه ; قُلْت إِنَّ اللَّه أَخْبَرَ عَنْ نُوح أَنَّهُ قَالَ : " إِنَّ اِبْنِي مِنْ أَهْلِي " فَقَالَ : لَمْ يَقُلْ مِنِّي , وَهَذِهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّهُ كَانَ اِبْن اِمْرَأَته مِنْ زَوْج آخَر ; فَقُلْت لَهُ : إِنَّ اللَّه حَكَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : " إِنَّ اِبْنِي مِنْ أَهْلِي " " وَنَادَى نُوح اِبْنه " وَلَا يَخْتَلِف أَهْل الْكِتَابَيْنِ أَنَّهُ اِبْنه ; فَقَالَ الْحَسَن : وَمَنْ يَأْخُذ دِينه عَنْ أَهْل الْكِتَاب ! إِنَّهُمْ يَكْذِبُونَ . وَقَرَأَ : " فَخَانَتَاهُمَا " [ التَّحْرِيم : 10 ] . وَقَالَ اِبْن جُرَيْج : نَادَاهُ وَهُوَ يَحْسَب أَنَّهُ اِبْنه , وَكَانَ وُلِدَ عَلَى فِرَاشه , وَكَانَتْ اِمْرَأَته خَانَتْهُ فِيهِ , وَلِهَذَا قَالَ : " فَخَانَتَاهُمَا " . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : ( مَا بَغَتْ اِمْرَأَة نَبِيّ قَطُّ ) , وَأَنَّهُ كَانَ اِبْنه لِصُلْبِهِ . وَكَذَلِكَ قَالَ الضَّحَّاك وَعِكْرِمَة وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَمَيْمُون بْن مِهْرَان وَغَيْرهمْ , وَأَنَّهُ كَانَ اِبْنه لِصُلْبِهِ . وَقِيلَ لِسَعِيدِ بْن جُبَيْر يَقُول نُوح : " إِنَّ اِبْنِي مِنْ أَهْلِي " أَكَانَ مِنْ أَهْله ؟ أَكَانَ اِبْنه ؟ فَسَبَّحَ اللَّه طَوِيلًا ثُمَّ قَالَ : ( لَا إِلَه إِلَّا اللَّه ! يُحَدِّث اللَّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ اِبْنه , وَتَقُول إِنَّهُ لَيْسَ اِبْنه ! نَعَمْ كَانَ اِبْنه ; وَلَكِنْ كَانَ مُخَالِفًا فِي النِّيَّة وَالْعَمَل وَالدِّين , وَلِهَذَا قَالَ اللَّه تَعَالَى : " إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلك " ) ; وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي الْبَاب إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى لِجَلَالَةِ مَنْ قَالَ بِهِ , وَإِنَّ قَوْله : " إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلك " لَيْسَ مِمَّا يَنْفِي عَنْهُ أَنَّهُ اِبْنه . وَقَوْله : " فَخَانَتَاهُمَا " [ التَّحْرِيم : 10 ] يَعْنِي فِي الدِّين لَا فِي الْفِرَاش , وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ كَانَتْ تُخْبِر النَّاس أَنَّهُ مَجْنُون , وَذَلِكَ أَنَّهَا قَالَتْ لَهُ : أَمَا يَنْصُرك رَبّك ؟ فَقَالَ لَهَا : نَعَمْ . قَالَتْ : فَمَتَى ؟ قَالَ : إِذَا فَارَ التَّنُّور ; فَخَرَجَتْ تَقُول لِقَوْمِهَا : يَا قَوْم وَاَللَّه إِنَّهُ لَمَجْنُون , يَزْعُم أَنَّهُ لَا يَنْصُرهُ رَبّه إِلَّا أَنْ يَفُور هَذَا التَّنُّور , فَهَذِهِ خِيَانَتهَا . وَخِيَانَة الْأُخْرَى أَنَّهَا كَانَتْ تَدُلّ عَلَى الْأَضْيَاف عَلَى مَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّه . وَاَللَّه أَعْلَم . وَقِيلَ : الْوَلَد قَدْ يُسَمَّى عَمَلًا كَمَا يُسَمَّى كَسْبًا , كَمَا فِي الْخَبَر ( أَوْلَادكُمْ مِنْ كَسْبكُمْ ) . ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيّ .
فِي هَذِهِ الْآيَة تَسْلِيَة لِلْخَلْقِ فِي فَسَاد أَبْنَائِهِمْ وَإِنْ كَانُوا صَالِحِينَ . وَرُوِيَ أَنَّ اِبْن مَالِك بْن أَنَس نَزَلَ مِنْ فَوْق وَمَعَهُ حَمَام قَدْ غَطَّاهُ , قَالَ : فَعَلِمَ مَالِك أَنَّهُ قَدْ فَهِمَهُ النَّاس ; فَقَالَ مَالِك : الْأَدَب أَدَب اللَّه لَا أَدَب الْآبَاء وَالْأُمَّهَات , وَالْخَيْر خَيْر اللَّه لَا خَيْر الْآبَاء وَالْأُمَّهَات . وَفِيهَا أَيْضًا دَلِيل عَلَى أَنَّ الِابْن مِنْ الْأَهْل لُغَة وَشَرْعًا , وَمِنْ أَهْل الْبَيْت ; فَمَنْ وَصَّى لِأَهْلِهِ دَخَلَ فِي ذَلِكَ اِبْنه , وَمَنْ تَضَمَّنَهُ مَنْزِله , وَهُوَ فِي عِيَاله . وَقَالَ تَعَالَى فِي آيَة أُخْرَى : " وَلَقَدْ نَادَانَا نُوح فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ . وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْله مِنْ الْكَرْب الْعَظِيم " [ الصَّافَّات : 75 ] فَسَمَّى جَمِيع مَنْ ضَمَّهُ مَنْزِله مِنْ أَهْله .
وَدَلَّتْ الْآيَة عَلَى قَوْل الْحَسَن وَمُجَاهِد وَغَيْرهمَا : أَنَّ الْوَلَد لِلْفِرَاشِ ; وَلِذَلِكَ قَالَ نُوح مَا قَالَ آخِذًا بِظَاهِرِ الْفِرَاش . وَقَدْ رَوَى سُفْيَان بْن عُيَيْنَة عَنْ عَمْرو بْن دِينَار أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْد بْن عُمَيْر يَقُول : نَرَى رَسُول اللَّه صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا قَضَى بِالْوَلَدِ لِلْفِرَاشِ مِنْ أَجْل اِبْن نُوح عَلَيْهِ السَّلَام ; ذَكَرَهُ أَبُو عُمَر فِي كِتَاب " التَّمْهِيد " . وَفِي الْحَدِيث الصَّحِيح عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( الْوَلَد لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَر ) يُرِيد الْخَيْبَة . وَقِيلَ : الرَّجْم بِالْحِجَارَةِ . وَقَرَأَ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر . " وَنَادَى نُوح اِبْنهَا " يُرِيد اِبْن اِمْرَأَته , وَهِيَ تَفْسِير الْقِرَاءَة الْمُتَقَدِّمَة عَنْهُ , وَعَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , وَهِيَ حُجَّة لِلْحَسَنِ وَمُجَاهِد ; إِلَّا أَنَّهَا قِرَاءَة شَاذَّة , فَلَا نَتْرُك الْمُتَّفَق عَلَيْهَا لَهَا . وَاَللَّه أَعْلَم .
أَيْ أَنْهَاك عَنْ هَذَا السُّؤَال , وَأُحَذِّرك لِئَلَّا تَكُون , أَوْ كَرَاهِيَة أَنْ تَكُون مِنْ الْجَاهِلِينَ ; أَيْ الْآثِمِينَ . وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " يَعِظكُمْ اللَّه أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا " [ النُّور : 17 ] أَيْ يُحَذِّركُمْ اللَّه وَيَنْهَاكُمْ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى أَرْفَعك أَنْ تَكُون مِنْ الْجَاهِلِينَ . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذِهِ زِيَادَة مِنْ اللَّه وَمَوْعِظَة يَرْفَع بِهَا نُوحًا عَنْ مَقَام الْجَاهِلِينَ , وَيُعْلِيه بِهَا إِلَى مَقَام الْعُلَمَاء وَالْعَارِفِينَ ;
قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ ↓
الْآيَة وَهَذِهِ ذُنُوب الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِمْ السَّلَام , فَشُكْر اللَّه تَذَلُّله وَتَوَاضُعه .
مَا فَرَّطَ مِنْ السُّؤَال .
أَيْ بِالتَّوْبَةِ .
أَيْ أَعْمَالًا . فَقَالَ : " يَا نُوح اِهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا " .
مَا فَرَّطَ مِنْ السُّؤَال .
أَيْ بِالتَّوْبَةِ .
أَيْ أَعْمَالًا . فَقَالَ : " يَا نُوح اِهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا " .
قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِّنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ↓
أَيْ قَالَتْ لَهُ الْمَلَائِكَة , أَوْ قَالَ اللَّه تَعَالَى لَهُ : اِهْبِطْ مِنْ السَّفِينَة إِلَى الْأَرْض , أَوْ مِنْ الْجَبَل إِلَى الْأَرْض ; فَقَدْ اِبْتَلَعَتْ الْمَاء وَجَفَّتْ . " بِسَلَامٍ مِنَّا " أَيْ بِسَلَامَةٍ وَأَمْن . وَقِيلَ : بِتَحِيَّةٍ .
أَيْ نِعَم ثَابِتَة ; مُشْتَقّ مِنْ بُرُوك الْجَمَل وَهُوَ ثُبُوته وَإِقَامَته . وَمِنْهُ الْبِرْكَة لِثُبُوتِ الْمَاء فِيهَا . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا : ( نُوح آدَم الْأَصْغَر ) , فَجَمِيع الْخَلَائِق الْآن مِنْ نَسْله , وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ فِي السَّفِينَة مِنْ الرِّجَال وَالنِّسَاء إِلَّا مَنْ كَانَ مِنْ ذُرِّيَّته ; عَلَى قَوْل قَتَادَة وَغَيْره , حَسَب مَا تَقَدَّمَ ; وَفِي التَّنْزِيل " وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّته هُمْ الْبَاقِينَ " [ الصَّافَّات : 77 ] .
" وَعَلَى أُمَم مِمَّنْ مَعَك " قِيلَ : دَخَلَ فِي هَذَا كُلّ مُؤْمِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . وَدَخَلَ فِي قَوْله " وَأُمَم سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسّهُمْ مِنَّا عَذَاب أَلِيم " كُلّ كَافِر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ; رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب . وَالتَّقْدِير عَلَى هَذَا : وَعَلَى ذُرِّيَّة أُمَم مِمَّنْ مَعَك , وَذُرِّيَّة أُمَم سَنُمَتِّعُهُمْ . وَقِيلَ : " مِنْ " لِلتَّبْعِيضِ , وَتَكُون لِبَيَانِ الْجِنْس . " وَأُمَم سَنُمَتِّعُهُمْ " اِرْتَفَعَ و " أُمَم " عَلَى مَعْنَى وَتَكُون أُمَم . قَالَ الْأَخْفَش سَعِيد كَمَا تَقُول : كَلَّمْت زَيْدًا وَعَمْرو جَالِس . وَأَجَازَ الْفَرَّاء فِي غَيْر الْقِرَاءَة وَأُمَمًا , وَتَقْدِيره : وَنُمَتِّع أُمَمًا . وَأُعِيدَتْ " عَلَى " مَعَ " أُمَم " لِأَنَّهُ مَعْطُوف عَلَى الْكَاف مِنْ " عَلَيْك " وَهِيَ ضَمِير الْمَجْرُور , وَلَا يُعْطَف عَلَى ضَمِير الْمَجْرُور إِلَّا بِإِعَادَةِ الْجَار عَلَى قَوْل سِيبَوَيْهِ وَغَيْره . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " النِّسَاء " بَيَان هَذَا مُسْتَوْفًى فِي قَوْله تَعَالَى : " وَاتَّقُوا اللَّه الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَام " [ النِّسَاء : 1 ] بِالْخَفْضِ . وَالْبَاء فِي قَوْله : " بِسَلَامٍ " مُتَعَلِّقَة بِمَحْذُوفٍ ; لِأَنَّهَا فِي مَوْضِع الْحَال ; أَيْ اِهْبِطْ مُسَلَّمًا عَلَيْك . و " مِنَّا " فِي مَوْضِع جَرّ مُتَعَلِّق بِمَحْذُوفٍ ; لِأَنَّهُ نَعْت لِلْبَرَكَاتِ . " وَعَلَى أُمَم " مُتَعَلِّق بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ " عَلَيْك " ; لِأَنَّهُ أُعِيدَ مِنْ أَجْل الْمَعْطُوف عَلَى الْكَاف . و " مِنْ " فِي قَوْله : " مِمَّنْ مَعَك " مُتَعَلِّق بِمَحْذُوفٍ ; لِأَنَّهُ فِي مَوْضِع جَرّ نَعْت لِلْأُمَمِ . و " مَعَك " مُتَعَلِّق بِفِعْلٍ مَحْذُوف ; لِأَنَّهُ صِلَة لِ " مَنْ " أَيْ مِمَّنْ اِسْتَقَرَّ مَعَك , أَوْ آمَنَ مَعَك , أَوْ رَكِبَ مَعَك .
أَيْ نِعَم ثَابِتَة ; مُشْتَقّ مِنْ بُرُوك الْجَمَل وَهُوَ ثُبُوته وَإِقَامَته . وَمِنْهُ الْبِرْكَة لِثُبُوتِ الْمَاء فِيهَا . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا : ( نُوح آدَم الْأَصْغَر ) , فَجَمِيع الْخَلَائِق الْآن مِنْ نَسْله , وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ فِي السَّفِينَة مِنْ الرِّجَال وَالنِّسَاء إِلَّا مَنْ كَانَ مِنْ ذُرِّيَّته ; عَلَى قَوْل قَتَادَة وَغَيْره , حَسَب مَا تَقَدَّمَ ; وَفِي التَّنْزِيل " وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّته هُمْ الْبَاقِينَ " [ الصَّافَّات : 77 ] .
" وَعَلَى أُمَم مِمَّنْ مَعَك " قِيلَ : دَخَلَ فِي هَذَا كُلّ مُؤْمِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . وَدَخَلَ فِي قَوْله " وَأُمَم سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسّهُمْ مِنَّا عَذَاب أَلِيم " كُلّ كَافِر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ; رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب . وَالتَّقْدِير عَلَى هَذَا : وَعَلَى ذُرِّيَّة أُمَم مِمَّنْ مَعَك , وَذُرِّيَّة أُمَم سَنُمَتِّعُهُمْ . وَقِيلَ : " مِنْ " لِلتَّبْعِيضِ , وَتَكُون لِبَيَانِ الْجِنْس . " وَأُمَم سَنُمَتِّعُهُمْ " اِرْتَفَعَ و " أُمَم " عَلَى مَعْنَى وَتَكُون أُمَم . قَالَ الْأَخْفَش سَعِيد كَمَا تَقُول : كَلَّمْت زَيْدًا وَعَمْرو جَالِس . وَأَجَازَ الْفَرَّاء فِي غَيْر الْقِرَاءَة وَأُمَمًا , وَتَقْدِيره : وَنُمَتِّع أُمَمًا . وَأُعِيدَتْ " عَلَى " مَعَ " أُمَم " لِأَنَّهُ مَعْطُوف عَلَى الْكَاف مِنْ " عَلَيْك " وَهِيَ ضَمِير الْمَجْرُور , وَلَا يُعْطَف عَلَى ضَمِير الْمَجْرُور إِلَّا بِإِعَادَةِ الْجَار عَلَى قَوْل سِيبَوَيْهِ وَغَيْره . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " النِّسَاء " بَيَان هَذَا مُسْتَوْفًى فِي قَوْله تَعَالَى : " وَاتَّقُوا اللَّه الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَام " [ النِّسَاء : 1 ] بِالْخَفْضِ . وَالْبَاء فِي قَوْله : " بِسَلَامٍ " مُتَعَلِّقَة بِمَحْذُوفٍ ; لِأَنَّهَا فِي مَوْضِع الْحَال ; أَيْ اِهْبِطْ مُسَلَّمًا عَلَيْك . و " مِنَّا " فِي مَوْضِع جَرّ مُتَعَلِّق بِمَحْذُوفٍ ; لِأَنَّهُ نَعْت لِلْبَرَكَاتِ . " وَعَلَى أُمَم " مُتَعَلِّق بِمَا تَعَلَّقَ بِهِ " عَلَيْك " ; لِأَنَّهُ أُعِيدَ مِنْ أَجْل الْمَعْطُوف عَلَى الْكَاف . و " مِنْ " فِي قَوْله : " مِمَّنْ مَعَك " مُتَعَلِّق بِمَحْذُوفٍ ; لِأَنَّهُ فِي مَوْضِع جَرّ نَعْت لِلْأُمَمِ . و " مَعَك " مُتَعَلِّق بِفِعْلٍ مَحْذُوف ; لِأَنَّهُ صِلَة لِ " مَنْ " أَيْ مِمَّنْ اِسْتَقَرَّ مَعَك , أَوْ آمَنَ مَعَك , أَوْ رَكِبَ مَعَك .
تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ↓
أَيْ تِلْكَ الْأَنْبَاء , وَفِي مَوْضِع آخَر " ذَلِكَ " أَيْ ذَلِكَ النَّبَأ وَالْقَصَص مِنْ أَنْبَاء مَا غَابَ عَنْك .
أَيْ لِتَقِف عَلَيْهَا .
أَيْ كَانُوا غَيْر عَارِفِينَ بِأَمْرِ الطُّوفَان , وَالْمَجُوس الْآن يُنْكِرُونَهُ .
خَبَر أَيْ مَجْهُولَة عِنْدك وَعِنْد قَوْمك . " فَاصْبِرْ " عَلَى مَشَاقّ الرِّسَالَة وَإِذَايَة الْقَوْم كَمَا صَبَرَ نُوح . وَقِيلَ : أَرَادَ جَهْلهمْ بِقِصَّةِ اِبْن نُوح وَإِنْ سَمِعُوا أَمْر الطُّوفَان فَإِنَّهُ عَلَى الْجُمْلَة . " فَاصْبِرْ " أَيْ اِصْبِرْ يَا مُحَمَّد عَلَى الْقِيَام بِأَمْرِ اللَّه وَتَبْلِيغ رِسَالَته , وَمَا تَلْقَى مِنْ أَذَى الْعَرَب الْكُفَّار , كَمَا صَبَرَ نُوح عَلَى أَذَى قَوْمه .
فِي الدُّنْيَا بِالظَّفَرِ , وَفِي الْآخِرَة بِالْفَوْزِ .
عَنْ الشِّرْك وَالْمَعَاصِي .
أَيْ لِتَقِف عَلَيْهَا .
أَيْ كَانُوا غَيْر عَارِفِينَ بِأَمْرِ الطُّوفَان , وَالْمَجُوس الْآن يُنْكِرُونَهُ .
خَبَر أَيْ مَجْهُولَة عِنْدك وَعِنْد قَوْمك . " فَاصْبِرْ " عَلَى مَشَاقّ الرِّسَالَة وَإِذَايَة الْقَوْم كَمَا صَبَرَ نُوح . وَقِيلَ : أَرَادَ جَهْلهمْ بِقِصَّةِ اِبْن نُوح وَإِنْ سَمِعُوا أَمْر الطُّوفَان فَإِنَّهُ عَلَى الْجُمْلَة . " فَاصْبِرْ " أَيْ اِصْبِرْ يَا مُحَمَّد عَلَى الْقِيَام بِأَمْرِ اللَّه وَتَبْلِيغ رِسَالَته , وَمَا تَلْقَى مِنْ أَذَى الْعَرَب الْكُفَّار , كَمَا صَبَرَ نُوح عَلَى أَذَى قَوْمه .
فِي الدُّنْيَا بِالظَّفَرِ , وَفِي الْآخِرَة بِالْفَوْزِ .
عَنْ الشِّرْك وَالْمَعَاصِي .
وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ ↓
أَيْ وَأَرْسَلْنَا , فَهُوَ مَعْطُوف عَلَى " أَرْسَلْنَا نُوحًا " . وَقِيلَ لَهُ أَخُوهُمْ لِأَنَّهُ مِنْهُمْ , وَكَانَتْ الْقَبِيلَة تَجْمَعهُمْ ; كَمَا تَقُول : يَا أَخَا تَمِيم . وَقِيلَ : إِنَّمَا قِيلَ لَهُ أَخُوهُمْ لِأَنَّهُ مِنْ بَنِي آدَم كَمَا أَنَّهُمْ مِنْ بَنِي آدَم ; وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي " الْأَعْرَاف " وَكَانُوا عَبَدَة الْأَوْثَان . وَقِيلَ : هُمْ عَادَانِ , عَاد الْأُولَى وَعَاد الْأُخْرَى , فَهَؤُلَاءِ هُمْ الْأُولَى ; وَأَمَّا الْأُخْرَى فَهُوَ شَدَّاد وَلُقْمَان الْمَذْكُورَانِ فِي قَوْله تَعَالَى : " إِرَم ذَات الْعِمَاد " [ الْفَجْر : 7 ] . وَعَاد اِسْم رَجُل ثُمَّ اِسْتَمَرَّ عَلَى قَوْم اِنْتَسَبُوا إِلَيْهِ .
بِالْخَفْضِ عَلَى اللَّفْظ , و " غَيْره " بِالرَّفْعِ عَلَى الْمَوْضِع , و " غَيْره " بِالنَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَاء .
أَيْ مَا أَنْتُمْ فِي اِتِّخَاذكُمْ إِلَهًا غَيْره إِلَّا كَاذِبُونَ عَلَيْهِ جَلَّ وَعَزَّ .
بِالْخَفْضِ عَلَى اللَّفْظ , و " غَيْره " بِالرَّفْعِ عَلَى الْمَوْضِع , و " غَيْره " بِالنَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَاء .
أَيْ مَا أَنْتُمْ فِي اِتِّخَاذكُمْ إِلَهًا غَيْره إِلَّا كَاذِبُونَ عَلَيْهِ جَلَّ وَعَزَّ .
يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ↓
أَيْ عَلَى التَّبْلِيغ , وَالدُّعَاء إِلَى اللَّه , وَالْإِيمَان بِهِ فَيَثْقُل عَلَيْكُمْ أَيْ ثَوَابِي فِي تَبْلِيغ الرِّسَالَة . وَالْفِطْرَة اِبْتِدَاء الْخَلْق .
مَا جَرَى عَلَى قَوْم نُوح لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُل .
مَا جَرَى عَلَى قَوْم نُوح لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُل .
وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ↓
أَيْ اِرْجِعُوا إِلَيْهِ بِالطَّاعَةِ وَالْعِبَادَة . قَالَ الْفَرَّاء : " ثُمَّ " هُنَا بِمَعْنَى الْوَاو ; أَيْ وَتُوبُوا إِلَيْهِ ; لِأَنَّ الِاسْتِغْفَار هُوَ التَّوْبَة , وَالتَّوْبَة هِيَ الِاسْتِغْفَار . وَقِيلَ : اِسْتَغْفِرُوهُ مِنْ سَالِف ذُنُوبكُمْ , وَتُوبُوا إِلَيْهِ مِنْ الْمُسْتَأْنَف مَتَى وَقَعَتْ مِنْكُمْ . قَالَ بَعْض الصُّلَحَاء : الِاسْتِغْفَار بِلَا إِقْلَاع تَوْبَة الْكَذَّابِينَ . وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي " آل عِمْرَان " مُسْتَوْفًى . وَفِي " الْبَقَرَة " عِنْد قَوْله : " وَلَا تَتَّخِذُوا آيَات اللَّه هُزُوًا " [ الْبَقَرَة : 231 ] . وَقِيلَ : إِنَّمَا قَدَّمَ ذِكْر الِاسْتِغْفَار لِأَنَّ الْمَغْفِرَة هِيَ الْغَرَض الْمَطْلُوب , وَالتَّوْبَة هِيَ السَّبَب إِلَيْهَا ; فَالْمَغْفِرَة أَوَّل فِي الْمَطْلُوب وَآخِر فِي السَّبَب . وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمَعْنَى اِسْتَغْفِرُوهُ مِنْ الصَّغَائِر , وَتُوبُوا إِلَيْهِ مِنْ الْكَبَائِر .
جُزِمَ لِأَنَّهُ جَوَاب وَفِيهِ مَعْنَى الْمُجَازَاة .
نُصِبَ عَلَى الْحَال , وَفِيهِ مَعْنَى التَّكْثِير ; أَيْ يُرْسِل السَّمَاء بِالْمَطَرِ مُتَتَابِعًا يَتْلُو بَعْضه بَعْضًا ; وَالْعَرَب تَحْذِف الْهَاء فِي مِفْعَال عَلَى النَّسَب ; وَأَكْثَر مَا يَأْتِي مِفْعَال مِنْ أَفْعَلَ , وَقَدْ جَاءَ هَاهُنَا مِنْ فَعَّلَ ; لِأَنَّهُ مِنْ دَرَّتْ السَّمَاء تَدِرّ وَتَدُرّ فَهِيَ مِدْرَار . وَكَانَ قَوْم هُود - أَعْنِي عَادًا - أَهْل بَسَاتِين وَزُرُوع وَعِمَارَة , وَكَانَتْ مَسَاكِنهمْ الرِّمَال الَّتِي بَيْن الشَّام وَالْيَمَن كَمَا تَقَدَّمَ فِي " الْأَعْرَاف " .
عَطْف عَلَى يُرْسِل .
قَالَ مُجَاهِد : شِدَّة عَلَى شِدَّتكُمْ . الضَّحَّاك . خِصْبًا إِلَى خِصْبكُمْ . عَلِيّ بْن عِيسَى : عِزًّا عَلَى عِزّكُمْ . عِكْرِمَة : وَلَدًا إِلَى وَلَدكُمْ . وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه حَبَسَ عَنْهُمْ الْمَطَر وَأَعْقَمَ الْأَرْحَام ثَلَاث سِنِينَ فَلَمْ يُولَد لَهُمْ وَلَد ; فَقَالَ لَهُمْ هُود : إِنْ آمَنْتُمْ أَحْيَا اللَّه بِلَادكُمْ وَرَزَقَكُمْ الْمَال وَالْوَلَد ; فَتِلْكَ الْقُوَّة . وَقَالَ الزَّجَّاج : الْمَعْنَى يَزِدْكُمْ قُوَّة فِي النِّعَم .
أَيْ لَا تُعْرِضُوا عَمَّا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ , وَتُقِيمُوا عَلَى الْكُفْر
جُزِمَ لِأَنَّهُ جَوَاب وَفِيهِ مَعْنَى الْمُجَازَاة .
نُصِبَ عَلَى الْحَال , وَفِيهِ مَعْنَى التَّكْثِير ; أَيْ يُرْسِل السَّمَاء بِالْمَطَرِ مُتَتَابِعًا يَتْلُو بَعْضه بَعْضًا ; وَالْعَرَب تَحْذِف الْهَاء فِي مِفْعَال عَلَى النَّسَب ; وَأَكْثَر مَا يَأْتِي مِفْعَال مِنْ أَفْعَلَ , وَقَدْ جَاءَ هَاهُنَا مِنْ فَعَّلَ ; لِأَنَّهُ مِنْ دَرَّتْ السَّمَاء تَدِرّ وَتَدُرّ فَهِيَ مِدْرَار . وَكَانَ قَوْم هُود - أَعْنِي عَادًا - أَهْل بَسَاتِين وَزُرُوع وَعِمَارَة , وَكَانَتْ مَسَاكِنهمْ الرِّمَال الَّتِي بَيْن الشَّام وَالْيَمَن كَمَا تَقَدَّمَ فِي " الْأَعْرَاف " .
عَطْف عَلَى يُرْسِل .
قَالَ مُجَاهِد : شِدَّة عَلَى شِدَّتكُمْ . الضَّحَّاك . خِصْبًا إِلَى خِصْبكُمْ . عَلِيّ بْن عِيسَى : عِزًّا عَلَى عِزّكُمْ . عِكْرِمَة : وَلَدًا إِلَى وَلَدكُمْ . وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه حَبَسَ عَنْهُمْ الْمَطَر وَأَعْقَمَ الْأَرْحَام ثَلَاث سِنِينَ فَلَمْ يُولَد لَهُمْ وَلَد ; فَقَالَ لَهُمْ هُود : إِنْ آمَنْتُمْ أَحْيَا اللَّه بِلَادكُمْ وَرَزَقَكُمْ الْمَال وَالْوَلَد ; فَتِلْكَ الْقُوَّة . وَقَالَ الزَّجَّاج : الْمَعْنَى يَزِدْكُمْ قُوَّة فِي النِّعَم .
أَيْ لَا تُعْرِضُوا عَمَّا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ , وَتُقِيمُوا عَلَى الْكُفْر
قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ↓
أَيْ حُجَّة وَاضِحَة .
إِصْرَارًا مِنْهُمْ عَلَى الْكُفْر .
إِصْرَارًا مِنْهُمْ عَلَى الْكُفْر .
إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ↑
أَيْ أَصَابَك .
أَيْ أَصْنَامنَا .
أَيْ ( بِجُنُونٍ لِسَبِّك إِيَّاهَا ) , عَنْ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره . يُقَال : عَرَاهُ الْأَمْر وَاعْتَرَاهُ إِذَا أَلَمَّ بِهِ . وَمِنْهُ " وَأَطْعِمُوا الْقَانِع وَالْمُعْتَرّ " [ الْحَجّ : 36 ] .
أَيْ عَلَى نَفْسِي .
أَيْ وَأُشْهِدكُمْ ; لَا أَنَّهُمْ كَانُوا أَهْل شَهَادَة ; وَلَكِنَّهُ نِهَايَة لِلتَّقْرِيرِ ; أَيْ لِتَعْرِفُوا
أَيْ مِنْ عِبَادَة الْأَصْنَام الَّتِي تَعْبُدُونَهَا .
أَيْ أَصْنَامنَا .
أَيْ ( بِجُنُونٍ لِسَبِّك إِيَّاهَا ) , عَنْ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره . يُقَال : عَرَاهُ الْأَمْر وَاعْتَرَاهُ إِذَا أَلَمَّ بِهِ . وَمِنْهُ " وَأَطْعِمُوا الْقَانِع وَالْمُعْتَرّ " [ الْحَجّ : 36 ] .
أَيْ عَلَى نَفْسِي .
أَيْ وَأُشْهِدكُمْ ; لَا أَنَّهُمْ كَانُوا أَهْل شَهَادَة ; وَلَكِنَّهُ نِهَايَة لِلتَّقْرِيرِ ; أَيْ لِتَعْرِفُوا
أَيْ مِنْ عِبَادَة الْأَصْنَام الَّتِي تَعْبُدُونَهَا .
أَيْ أَنْتُمْ وَأَوْثَانكُمْ فِي عَدَاوَتِي وَضُرِّي .
أَيْ لَا تُؤَخِّرُونِ . وَهَذَا الْقَوْل مَعَ كَثْرَة الْأَعْدَاء يَدُلّ عَلَى كَمَالِ الثِّقَة بِنَصْرِ اللَّه تَعَالَى . وَهُوَ مِنْ أَعْلَام النُّبُوَّة , أَنْ يَكُون الرَّسُول وَحْده يَقُول لِقَوْمِهِ : " فَكِيدُونِي جَمِيعًا " . وَكَذَلِكَ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقُرَيْشٍ . وَقَالَ نُوح صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَأَجْمِعُوا أَمْركُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ " [ يُونُس : 71 ] الْآيَة .
أَيْ لَا تُؤَخِّرُونِ . وَهَذَا الْقَوْل مَعَ كَثْرَة الْأَعْدَاء يَدُلّ عَلَى كَمَالِ الثِّقَة بِنَصْرِ اللَّه تَعَالَى . وَهُوَ مِنْ أَعْلَام النُّبُوَّة , أَنْ يَكُون الرَّسُول وَحْده يَقُول لِقَوْمِهِ : " فَكِيدُونِي جَمِيعًا " . وَكَذَلِكَ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقُرَيْشٍ . وَقَالَ نُوح صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَأَجْمِعُوا أَمْركُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ " [ يُونُس : 71 ] الْآيَة .
إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ↓
أَيْ رَضِيت بِحُكْمِهِ , وَوَثِقْت بِنَصْرِهِ .
أَيْ نَفْس تَدِبّ عَلَى الْأَرْض ; وَهُوَ فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ .
أَيْ يُصَرِّفهَا كَيْف يَشَاء , وَيَمْنَعهَا مِمَّا يَشَاء ; أَيْ فَلَا تَصِلُونَ إِلَى ضُرِّي . وَكُلّ مَا فِيهِ رُوح يُقَال لَهُ دَابّ وَدَابَّة ; وَالْهَاء لِلْمُبَالَغَةِ . وَقَالَ الْفَرَّاء : مَالِكهَا , وَالْقَادِر عَلَيْهَا . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : قَاهِرهَا ; لِأَنَّ مَنْ أَخَذْت بِنَاصِيَتِهِ فَقَدْ قَهَرْته . وَقَالَ الضَّحَّاك : يُحْيِيهَا ثُمَّ يُمِيتهَا ; وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب . وَالنَّاصِيَة قُصَاص الشَّعْر فِي مُقَدَّم الرَّأْس . وَنَصَوْت الرَّجُل أَنْصُوهُ نَصْوًا أَيْ مَدَدْت نَاصِيَته . قَالَ اِبْن جُرَيْج : إِنَّمَا خَصَّ النَّاصِيَة ; لِأَنَّ الْعَرَب تَسْتَعْمِل ذَلِكَ إِذَا وَصَفَتْ إِنْسَانًا بِالذِّلَّةِ وَالْخُضُوع ; فَيَقُولُونَ . مَا نَاصِيَة فُلَان إِلَّا بِيَدِ فُلَان ; أَيْ إِنَّهُ مُطِيع لَهُ يُصَرِّفهُ كَيْف يَشَاء . وَكَانُوا إِذَا أَسَرُوا أَسِيرًا وَأَرَادُوا إِطْلَاقه وَالْمَنّ عَلَيْهِ جَزُّوا نَاصِيَته لِيُعْرَفُوا بِذَلِكَ فَخْرًا عَلَيْهِ ; فَخَاطَبَهُمْ بِمَا يَعْرِفُونَهُ فِي كَلَامهمْ . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم فِي " نَوَادِر الْأُصُول " " مَا مِنْ دَابَّة إِلَّا هُوَ آخِذ بِنَاصِيَتِهَا " وَجْهه عِنْدنَا أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَدَّرَ مَقَادِير أَعْمَال الْعِبَاد , ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهَا , ثُمَّ خَلَقَ خَلْقه , وَقَدْ نَفَذَ بَصَره فِي جَمِيع مَا هُمْ فِيهِ عَامِلُونَ مِنْ قَبْل أَنْ يَخْلُقهُمْ , فَلَمَّا خَلَقَهُمْ وَضَعَ نُور تِلْكَ النَّظْرَة فِي نَوَاصِيهمْ فَذَلِكَ النُّور آخِذ بِنَوَاصِيهِمْ , يُجْرِيهِمْ إِلَى أَعْمَالهمْ الْمُقَدَّرَة عَلَيْهِمْ يَوْم الْمَقَادِير . وَخَلَقَ اللَّه الْمَقَادِير قَبْل أَنْ يَخْلُق السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِخَمْسِينَ أَلْف سَنَة ; رَوَاهُ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاص قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( قَدَّرَ اللَّه الْمَقَادِير قَبْل أَنْ يَخْلُق السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِخَمْسِينَ أَلْف سَنَة ) . وَلِهَذَا قَوِيَتْ الرُّسُل وَصَارُوا مِنْ أُولِي الْعَزْم لِأَنَّهُمْ لَاحَظُوا نُور النَّوَاصِي , وَأَيْقَنُوا أَنَّ جَمِيع خَلْقه مُنْقَادُونَ بِتِلْكَ الْأَنْوَار إِلَى مَا نَفَذَ بَصَره فِيهِمْ مِنْ الْأَعْمَال , فَأَوْفَرهمْ حَظًّا مِنْ الْمُلَاحَظَة أَقْوَاهُمْ فِي الْعَزْم , وَلِذَلِكَ مَا قَوِيَ هُود النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَالَ : " فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ . إِنِّي تَوَكَّلْت عَلَى اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ مَا مِنْ دَابَّة إِلَّا هُوَ آخِذ بِنَاصِيَتِهَا " وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ نَاصِيَة لِأَنَّ الْأَعْمَال قَدْ نُصَّتْ وَبَرَزَتْ مِنْ غَيْب الْغَيْب فَصَارَتْ مَنْصُوصَة فِي الْمَقَادِير , قَدْ نَفَذَ بَصَر الْخَالِق فِي جَمِيع حَرَكَات الْخَلْق بِقُدْرَةٍ , ثُمَّ وُضِعَتْ حَرَكَات كُلّ مَنْ دَبَّ عَلَى الْأَرْض حَيًّا فِي جَبْهَته بَيْن عَيْنَيْهِ , فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْمَوْضِع مِنْهُ نَاصِيَة ; لِأَنَّهَا تَنُصّ حَرَكَات الْعِبَاد بِمَا قَدَّرَ ; فَالنَّاصِيَة مَأْخُوذَة بِمَنْصُوصِ الْحَرَكَات الَّتِي نَظَرَ اللَّه تَعَالَى إِلَيْهَا قَبْل أَنْ يَخْلُقهَا وَوَصَفَ نَاصِيَة أَبِي جَهْل فَقَالَ : " نَاصِيَة كَاذِبَة خَاطِئَة " [ الْعَلَق : 16 ] يُخْبِر أَنَّ النَّوَاصِي فِيهَا كَاذِبَة خَاطِئَة ; فَعَلَى سَبِيل مَا تَأَوَّلُوهُ يَسْتَحِيل أَنْ تَكُون النَّاصِيَة مَنْسُوبَة إِلَى الْكَذِب وَالْخَطَأ . وَاَللَّه أَعْلَم .
قَالَ النَّحَّاس : الصِّرَاط فِي اللُّغَة الْمِنْهَاج الْوَاضِح ; وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ يَقْدِر عَلَى كُلّ شَيْء فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذهُمْ إِلَّا بِالْحَقِّ . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ لَا خَلَل فِي تَدْبِيره , وَلَا تَفَاوُت فِي خَلْقه سُبْحَانه .
أَيْ نَفْس تَدِبّ عَلَى الْأَرْض ; وَهُوَ فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ .
أَيْ يُصَرِّفهَا كَيْف يَشَاء , وَيَمْنَعهَا مِمَّا يَشَاء ; أَيْ فَلَا تَصِلُونَ إِلَى ضُرِّي . وَكُلّ مَا فِيهِ رُوح يُقَال لَهُ دَابّ وَدَابَّة ; وَالْهَاء لِلْمُبَالَغَةِ . وَقَالَ الْفَرَّاء : مَالِكهَا , وَالْقَادِر عَلَيْهَا . وَقَالَ الْقُتَبِيّ : قَاهِرهَا ; لِأَنَّ مَنْ أَخَذْت بِنَاصِيَتِهِ فَقَدْ قَهَرْته . وَقَالَ الضَّحَّاك : يُحْيِيهَا ثُمَّ يُمِيتهَا ; وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب . وَالنَّاصِيَة قُصَاص الشَّعْر فِي مُقَدَّم الرَّأْس . وَنَصَوْت الرَّجُل أَنْصُوهُ نَصْوًا أَيْ مَدَدْت نَاصِيَته . قَالَ اِبْن جُرَيْج : إِنَّمَا خَصَّ النَّاصِيَة ; لِأَنَّ الْعَرَب تَسْتَعْمِل ذَلِكَ إِذَا وَصَفَتْ إِنْسَانًا بِالذِّلَّةِ وَالْخُضُوع ; فَيَقُولُونَ . مَا نَاصِيَة فُلَان إِلَّا بِيَدِ فُلَان ; أَيْ إِنَّهُ مُطِيع لَهُ يُصَرِّفهُ كَيْف يَشَاء . وَكَانُوا إِذَا أَسَرُوا أَسِيرًا وَأَرَادُوا إِطْلَاقه وَالْمَنّ عَلَيْهِ جَزُّوا نَاصِيَته لِيُعْرَفُوا بِذَلِكَ فَخْرًا عَلَيْهِ ; فَخَاطَبَهُمْ بِمَا يَعْرِفُونَهُ فِي كَلَامهمْ . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم فِي " نَوَادِر الْأُصُول " " مَا مِنْ دَابَّة إِلَّا هُوَ آخِذ بِنَاصِيَتِهَا " وَجْهه عِنْدنَا أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَدَّرَ مَقَادِير أَعْمَال الْعِبَاد , ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهَا , ثُمَّ خَلَقَ خَلْقه , وَقَدْ نَفَذَ بَصَره فِي جَمِيع مَا هُمْ فِيهِ عَامِلُونَ مِنْ قَبْل أَنْ يَخْلُقهُمْ , فَلَمَّا خَلَقَهُمْ وَضَعَ نُور تِلْكَ النَّظْرَة فِي نَوَاصِيهمْ فَذَلِكَ النُّور آخِذ بِنَوَاصِيهِمْ , يُجْرِيهِمْ إِلَى أَعْمَالهمْ الْمُقَدَّرَة عَلَيْهِمْ يَوْم الْمَقَادِير . وَخَلَقَ اللَّه الْمَقَادِير قَبْل أَنْ يَخْلُق السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِخَمْسِينَ أَلْف سَنَة ; رَوَاهُ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاص قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( قَدَّرَ اللَّه الْمَقَادِير قَبْل أَنْ يَخْلُق السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِخَمْسِينَ أَلْف سَنَة ) . وَلِهَذَا قَوِيَتْ الرُّسُل وَصَارُوا مِنْ أُولِي الْعَزْم لِأَنَّهُمْ لَاحَظُوا نُور النَّوَاصِي , وَأَيْقَنُوا أَنَّ جَمِيع خَلْقه مُنْقَادُونَ بِتِلْكَ الْأَنْوَار إِلَى مَا نَفَذَ بَصَره فِيهِمْ مِنْ الْأَعْمَال , فَأَوْفَرهمْ حَظًّا مِنْ الْمُلَاحَظَة أَقْوَاهُمْ فِي الْعَزْم , وَلِذَلِكَ مَا قَوِيَ هُود النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَالَ : " فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ . إِنِّي تَوَكَّلْت عَلَى اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ مَا مِنْ دَابَّة إِلَّا هُوَ آخِذ بِنَاصِيَتِهَا " وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ نَاصِيَة لِأَنَّ الْأَعْمَال قَدْ نُصَّتْ وَبَرَزَتْ مِنْ غَيْب الْغَيْب فَصَارَتْ مَنْصُوصَة فِي الْمَقَادِير , قَدْ نَفَذَ بَصَر الْخَالِق فِي جَمِيع حَرَكَات الْخَلْق بِقُدْرَةٍ , ثُمَّ وُضِعَتْ حَرَكَات كُلّ مَنْ دَبَّ عَلَى الْأَرْض حَيًّا فِي جَبْهَته بَيْن عَيْنَيْهِ , فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْمَوْضِع مِنْهُ نَاصِيَة ; لِأَنَّهَا تَنُصّ حَرَكَات الْعِبَاد بِمَا قَدَّرَ ; فَالنَّاصِيَة مَأْخُوذَة بِمَنْصُوصِ الْحَرَكَات الَّتِي نَظَرَ اللَّه تَعَالَى إِلَيْهَا قَبْل أَنْ يَخْلُقهَا وَوَصَفَ نَاصِيَة أَبِي جَهْل فَقَالَ : " نَاصِيَة كَاذِبَة خَاطِئَة " [ الْعَلَق : 16 ] يُخْبِر أَنَّ النَّوَاصِي فِيهَا كَاذِبَة خَاطِئَة ; فَعَلَى سَبِيل مَا تَأَوَّلُوهُ يَسْتَحِيل أَنْ تَكُون النَّاصِيَة مَنْسُوبَة إِلَى الْكَذِب وَالْخَطَأ . وَاَللَّه أَعْلَم .
قَالَ النَّحَّاس : الصِّرَاط فِي اللُّغَة الْمِنْهَاج الْوَاضِح ; وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ يَقْدِر عَلَى كُلّ شَيْء فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذهُمْ إِلَّا بِالْحَقِّ . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ لَا خَلَل فِي تَدْبِيره , وَلَا تَفَاوُت فِي خَلْقه سُبْحَانه .
فَإِن تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ↓
فِي مَوْضِع جَزْم ; فَلِذَلِكَ حُذِفَتْ مِنْهُ النُّون , وَالْأَصْل تَتَوَلَّوْا , فَحُذِفَتْ التَّاء لِاجْتِمَاعِ تَاءَيْنِ .
بِمَعْنَى قَدْ بَيَّنْت لَكُمْ .
أَيْ يُهْلِككُمْ وَيَخْلُق مَنْ هُوَ أَطْوَع لَهُ مِنْكُمْ يُوَحِّدُونَهُ وَيَعْبُدُونَهُ . " وَيَسْتَخْلِف " مَقْطُوع مِمَّا قَبْله فَلِذَلِكَ اِرْتَفَعَ ; أَوْ مَعْطُوف عَلَى مَا يَجِب فِيمَا بَعْد الْفَاء مِنْ قَوْله : " فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ " . وَرُوِيَ عَنْ حَفْص عَنْ عَاصِم " وَيَسْتَخْلِف " بِالْجَزْمِ حَمْلًا عَلَى مَوْضِع الْفَاء وَمَا بَعْدهَا ; مِثْل : " وَيَذَرهُمْ فِي طُغْيَانهمْ يَعْمَهُونَ " [ الْأَعْرَاف : 186 ] .
أَيْ بِتَوَلِّيكُمْ وَإِعْرَاضكُمْ . " إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلّ شَيْء حَفِيظ " أَيْ لِكُلِّ شَيْء حَافِظ . " عَلَى " بِمَعْنَى اللَّام ; فَهُوَ يَحْفَظنِي مِنْ أَنْ تَنَالُونِي بِسُوءٍ .
بِمَعْنَى قَدْ بَيَّنْت لَكُمْ .
أَيْ يُهْلِككُمْ وَيَخْلُق مَنْ هُوَ أَطْوَع لَهُ مِنْكُمْ يُوَحِّدُونَهُ وَيَعْبُدُونَهُ . " وَيَسْتَخْلِف " مَقْطُوع مِمَّا قَبْله فَلِذَلِكَ اِرْتَفَعَ ; أَوْ مَعْطُوف عَلَى مَا يَجِب فِيمَا بَعْد الْفَاء مِنْ قَوْله : " فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ " . وَرُوِيَ عَنْ حَفْص عَنْ عَاصِم " وَيَسْتَخْلِف " بِالْجَزْمِ حَمْلًا عَلَى مَوْضِع الْفَاء وَمَا بَعْدهَا ; مِثْل : " وَيَذَرهُمْ فِي طُغْيَانهمْ يَعْمَهُونَ " [ الْأَعْرَاف : 186 ] .
أَيْ بِتَوَلِّيكُمْ وَإِعْرَاضكُمْ . " إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلّ شَيْء حَفِيظ " أَيْ لِكُلِّ شَيْء حَافِظ . " عَلَى " بِمَعْنَى اللَّام ; فَهُوَ يَحْفَظنِي مِنْ أَنْ تَنَالُونِي بِسُوءٍ .
وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ ↓
أَيْ عَذَابنَا بِهَلَاكِ عَاد .
لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَنْجُو إِلَّا بِرَحْمَةِ اللَّه تَعَالَى , وَإِنْ كَانَتْ لَهُ أَعْمَال صَالِحَة . وَفِي صَحِيح مُسْلِم وَالْبُخَارِيّ وَغَيْرهمَا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَنْ يُنَجِّي أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَله . قَالُوا : وَلَا أَنْتَ يَا رَسُول اللَّه ؟ ! قَالَ : وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدنِي اللَّه بِرَحْمَةٍ مِنْهُ ) . وَقِيلَ : مَعْنَى " بِرَحْمَةٍ مِنَّا " بِأَنْ بَيَّنَّا لَهُمْ الْهُدَى الَّذِي هُوَ رَحْمَة . وَكَانُوا أَرْبَعَة آلَاف . وَقِيلَ : ثَلَاثَة آلَاف .
أَيْ عَذَاب يَوْم الْقِيَامَة . وَقِيلَ : هُوَ الرِّيح الْعَقِيم كَمَا ذَكَرَ اللَّه فِي " الذَّارِيَات " وَغَيْرهَا وَسَيَأْتِي . قَالَ الْقُشَيْرِيّ أَبُو نَصْر : وَالْعَذَاب الَّذِي يَتَوَعَّد بِهِ النَّبِيّ أُمَّته إِذَا حَضَرَ يُنَجِّي اللَّه مِنْهُ النَّبِيّ وَالْمُؤْمِنِينَ مَعَهُ ; نَعَمْ ! لَا يَبْعُد أَنْ يَبْتَلِي اللَّه نَبِيًّا وَقَوْمه فَيَعُمّهُمْ بِبَلَاءٍ فَيَكُون ذَلِكَ عُقُوبَة لِلْكَافِرِينَ , وَتَمْحِيصًا لِلْمُؤْمِنِينَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مِمَّا تَوَعَّدَهُمْ النَّبِيّ بِهِ .
لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَنْجُو إِلَّا بِرَحْمَةِ اللَّه تَعَالَى , وَإِنْ كَانَتْ لَهُ أَعْمَال صَالِحَة . وَفِي صَحِيح مُسْلِم وَالْبُخَارِيّ وَغَيْرهمَا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَنْ يُنَجِّي أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَله . قَالُوا : وَلَا أَنْتَ يَا رَسُول اللَّه ؟ ! قَالَ : وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدنِي اللَّه بِرَحْمَةٍ مِنْهُ ) . وَقِيلَ : مَعْنَى " بِرَحْمَةٍ مِنَّا " بِأَنْ بَيَّنَّا لَهُمْ الْهُدَى الَّذِي هُوَ رَحْمَة . وَكَانُوا أَرْبَعَة آلَاف . وَقِيلَ : ثَلَاثَة آلَاف .
أَيْ عَذَاب يَوْم الْقِيَامَة . وَقِيلَ : هُوَ الرِّيح الْعَقِيم كَمَا ذَكَرَ اللَّه فِي " الذَّارِيَات " وَغَيْرهَا وَسَيَأْتِي . قَالَ الْقُشَيْرِيّ أَبُو نَصْر : وَالْعَذَاب الَّذِي يَتَوَعَّد بِهِ النَّبِيّ أُمَّته إِذَا حَضَرَ يُنَجِّي اللَّه مِنْهُ النَّبِيّ وَالْمُؤْمِنِينَ مَعَهُ ; نَعَمْ ! لَا يَبْعُد أَنْ يَبْتَلِي اللَّه نَبِيًّا وَقَوْمه فَيَعُمّهُمْ بِبَلَاءٍ فَيَكُون ذَلِكَ عُقُوبَة لِلْكَافِرِينَ , وَتَمْحِيصًا لِلْمُؤْمِنِينَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مِمَّا تَوَعَّدَهُمْ النَّبِيّ بِهِ .
وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ↓
اِبْتِدَاء وَخَبَر . وَحَكَى الْكِسَائِيّ أَنَّ مِنْ الْعَرَب مَنْ لَا يَصْرِف " عَادًا " فَيَجْعَلهُ اِسْمًا لِلْقَبِيلَةِ .
أَيْ كَذَّبُوا بِالْمُعْجِزَاتِ وَأَنْكَرُوهَا .
يَعْنِي هُودًا وَحْده ; لِأَنَّهُ لَمْ يُرْسِل إِلَيْهِمْ مِنْ الرُّسُل سِوَاهُ . وَنَظِيره قَوْله تَعَالَى : " يَا أَيّهَا الرُّسُل كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَات " [ الْمُؤْمِنُونَ : 51 ] يَعْنِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْده ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي عَصْره رَسُول سِوَاهُ ; وَإِنَّمَا جَمَعَ هَاهُنَا لِأَنَّ مَنْ كَذَّبَ رَسُولًا وَاحِدًا فَقَدْ كَفَرَ بِجَمِيعِ الرُّسُل . وَقِيلَ : عَصَوْا هُودًا وَالرُّسُل قَبْله , وَكَانُوا بِحَيْثُ لَوْ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ أَلْف رَسُول لَجَحَدُوا الْكُلّ .
أَيْ اِتَّبَعَ سُقَّاطهمْ رُؤَسَاءَهُمْ . وَالْجَبَّار الْمُتَكَبِّر . وَالْعَنِيد الطَّاغِي الَّذِي لَا يَقْبَل الْحَقّ وَلَا يُذْعِن لَهُ . قَالَ أَبُو عُبَيْد : الْعَنِيد وَالْعَنُود وَالْعَانِد وَالْمُعَانِد الْمُعَارِض بِالْخِلَافِ , وَمِنْهُ قِيلَ لِلْعِرْقِ الَّذِي يَنْفَجِر بِالدَّمِ عَانِد . وَقَالَ الرَّاجِز : إِنِّي كَبِير لَا أُطِيق الْعُنَّدَا
أَيْ كَذَّبُوا بِالْمُعْجِزَاتِ وَأَنْكَرُوهَا .
يَعْنِي هُودًا وَحْده ; لِأَنَّهُ لَمْ يُرْسِل إِلَيْهِمْ مِنْ الرُّسُل سِوَاهُ . وَنَظِيره قَوْله تَعَالَى : " يَا أَيّهَا الرُّسُل كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَات " [ الْمُؤْمِنُونَ : 51 ] يَعْنِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْده ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي عَصْره رَسُول سِوَاهُ ; وَإِنَّمَا جَمَعَ هَاهُنَا لِأَنَّ مَنْ كَذَّبَ رَسُولًا وَاحِدًا فَقَدْ كَفَرَ بِجَمِيعِ الرُّسُل . وَقِيلَ : عَصَوْا هُودًا وَالرُّسُل قَبْله , وَكَانُوا بِحَيْثُ لَوْ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ أَلْف رَسُول لَجَحَدُوا الْكُلّ .
أَيْ اِتَّبَعَ سُقَّاطهمْ رُؤَسَاءَهُمْ . وَالْجَبَّار الْمُتَكَبِّر . وَالْعَنِيد الطَّاغِي الَّذِي لَا يَقْبَل الْحَقّ وَلَا يُذْعِن لَهُ . قَالَ أَبُو عُبَيْد : الْعَنِيد وَالْعَنُود وَالْعَانِد وَالْمُعَانِد الْمُعَارِض بِالْخِلَافِ , وَمِنْهُ قِيلَ لِلْعِرْقِ الَّذِي يَنْفَجِر بِالدَّمِ عَانِد . وَقَالَ الرَّاجِز : إِنِّي كَبِير لَا أُطِيق الْعُنَّدَا
وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ ↓
أَيْ أُلْحِقُوهَا .
أَيْ وَأُتْبِعُوا يَوْم الْقِيَامَة مِثْل ذَلِكَ ; فَالتَّمَام عَلَى قَوْله : " وَيَوْم الْقِيَامَة " .
قَالَ الْفَرَّاء : أَيْ كَفَرُوا نِعْمَة رَبّهمْ ; قَالَ : وَيُقَال كَفَرْته وَكَفَرْت بِهِ , مِثْل شَكَرْته وَشَكَرْت لَهُ
أَيْ لَا زَالُوا مُبْعَدِينَ عَنْ رَحْمَة اللَّه . وَالْبُعْد الْهَلَاك وَالْبُعْد التَّبَاعُد مِنْ الْخَيْر . يُقَال : بَعُدَ يَبْعُد بُعْدًا إِذَا تَأَخَّرَ وَتَبَاعَدَ . وَبَعِدَ يَبْعَد بَعَدًا إِذَا هَلَكَ ; قَالَ : لَا يَبْعَدَنْ قَوْمِي الَّذِينَ هُمْ سُمّ الْعُدَاة وَآفَة الْجُزْر وَقَالَ النَّابِغَة : فَلَا تَبْعَدَنْ إِنَّ الْمَنِيَّة مَنْهَل وَكُلّ اِمْرِئٍ يَوْمًا بِهِ الْحَال زَائِل
أَيْ وَأُتْبِعُوا يَوْم الْقِيَامَة مِثْل ذَلِكَ ; فَالتَّمَام عَلَى قَوْله : " وَيَوْم الْقِيَامَة " .
قَالَ الْفَرَّاء : أَيْ كَفَرُوا نِعْمَة رَبّهمْ ; قَالَ : وَيُقَال كَفَرْته وَكَفَرْت بِهِ , مِثْل شَكَرْته وَشَكَرْت لَهُ
أَيْ لَا زَالُوا مُبْعَدِينَ عَنْ رَحْمَة اللَّه . وَالْبُعْد الْهَلَاك وَالْبُعْد التَّبَاعُد مِنْ الْخَيْر . يُقَال : بَعُدَ يَبْعُد بُعْدًا إِذَا تَأَخَّرَ وَتَبَاعَدَ . وَبَعِدَ يَبْعَد بَعَدًا إِذَا هَلَكَ ; قَالَ : لَا يَبْعَدَنْ قَوْمِي الَّذِينَ هُمْ سُمّ الْعُدَاة وَآفَة الْجُزْر وَقَالَ النَّابِغَة : فَلَا تَبْعَدَنْ إِنَّ الْمَنِيَّة مَنْهَل وَكُلّ اِمْرِئٍ يَوْمًا بِهِ الْحَال زَائِل