الْأَصْل هَمْزَتَانِ خُفِّفَتْ الثَّانِيَة , وَلَا يَجُوز تَحْقِيقهَا , وَاسْم الْفَاعِل مُؤْثِر , وَالْمَصْدَر إِيثَار . وَيُقَال : أَثَرْت التُّرَاب إِثَارَة فَأَنَا مُثِير ; وَهُوَ أَيْضًا عَلَى أَفْعَل ثُمَّ أُعِلَّ , وَالْأَصْل أَثْيَر نُقِلَتْ حَرَكَة الْيَاء عَلَى الثَّاء , فَانْقَلَبَتْ الْيَاء أَلِفًا , ثُمَّ حُذِفَتْ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ . وَأَثَرْت الْحَدِيث عَلَى فَعَلْت فَأَنَا آثِرٌ ; وَالْمَعْنَى : لَقَدْ فَضَّلَك اللَّه عَلَيْنَا , وَاخْتَارَك بِالْعِلْمِ وَالْحِلْم وَالْحُكْم وَالْعَقْل وَالْمُلْك .
أَيْ مُذْنِبِينَ مِنْ خَطِئَ يَخْطَأ إِذَا أَتَى الْخَطِيئَة , وَفِي ضِمْن هَذَا سُؤَال الْعَفْو . وَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاس : كَيْف قَالُوا " وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ " وَقَدْ تَعَمَّدُوا لِذَلِكَ ؟ قَالَ : وَإِنْ تَعَمَّدُوا لِذَلِكَ , فَمَا تَعَمَّدُوا حَتَّى أَخْطَئُوا الْحَقّ , وَكَذَلِكَ كُلّ مَنْ أَتَى ذَنْبًا تَخَطَّى الْمِنْهَاج الَّذِي عَلَيْهِ مِنْ الْحَقّ , حَتَّى يَقَع فِي الشُّبْهَة وَالْمَعْصِيَة .
أَيْ مُذْنِبِينَ مِنْ خَطِئَ يَخْطَأ إِذَا أَتَى الْخَطِيئَة , وَفِي ضِمْن هَذَا سُؤَال الْعَفْو . وَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاس : كَيْف قَالُوا " وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ " وَقَدْ تَعَمَّدُوا لِذَلِكَ ؟ قَالَ : وَإِنْ تَعَمَّدُوا لِذَلِكَ , فَمَا تَعَمَّدُوا حَتَّى أَخْطَئُوا الْحَقّ , وَكَذَلِكَ كُلّ مَنْ أَتَى ذَنْبًا تَخَطَّى الْمِنْهَاج الَّذِي عَلَيْهِ مِنْ الْحَقّ , حَتَّى يَقَع فِي الشُّبْهَة وَالْمَعْصِيَة .
أَيْ قَالَ يُوسُف - وَكَانَ حَلِيمًا مُوَفَّقًا : " لَا تَثْرِيب عَلَيْكُمْ الْيَوْم " وَتَمَّ الْكَلَام . وَمَعْنَى " الْيَوْم " : الْوَقْت . وَالتَّثْرِيب التَّعْيِير وَالتَّوْبِيخ , أَيْ لَا تَعْيِير وَلَا تَوْبِيخ وَلَا لَوْم عَلَيْكُمْ الْيَوْم ; قَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ وَغَيْره ; وَمِنْهُ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : ( إِذَا زَنَتْ أَمَة أَحَدكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدّ وَلَا يُثَرِّب عَلَيْهَا ) أَيْ لَا يُعَيِّرهَا ; وَقَالَ بِشْر : فَعَفَوْت عَنْهُمْ عَفْو غَيْر مُثَرِّب وَتَرَكْتهمْ لِعِقَابِ يَوْم سَرْمَد وَقَالَ الْأَصْمَعِيّ : ثَرَّبْت عَلَيْهِ وَعَرَّبْت عَلَيْهِ بِمَعْنَى إِذَا قَبَّحْت عَلَيْهِ فِعْله . وَقَالَ الزَّجَّاج : الْمَعْنَى لَا إِفْسَاد لِمَا بَيْنِي وَبَيْنكُمْ مِنْ الْحُرْمَة , وَحَقّ الْإِخْوَة , وَلَكُمْ عِنْدِي الْعَفْو وَالصَّفْح ; وَأَصْل التَّثْرِيب الْإِفْسَاد , وَهِيَ لُغَة أَهْل الْحِجَاز . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِعُضَادَتَيْ الْبَاب يَوْم فَتْح مَكَّة , وَقَدْ لَاذَ النَّاس بِالْبَيْتِ فَقَالَ : ( الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَ وَعْده وَنَصَرَ عَبْده وَهَزَمَ الْأَحْزَاب وَحْده ) ثُمَّ قَالَ : ( مَاذَا تَظُنُّونَ يَا مَعْشَر قُرَيْش ) قَالُوا : خَيْرًا , أَخ كَرِيم , وَابْن أَخ كَرِيم وَقَدْ قَدَرْت ; قَالَ : ( وَأَنَا أَقُول كَمَا قَالَ أَخِي يُوسُف " لَا تَثْرِيب عَلَيْكُمْ الْيَوْم " فَقَالَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : فَفِضْت عَرَقًا مِنْ الْحَيَاء مِنْ قَوْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; ذَلِكَ أَنِّي قَدْ كُنْت قُلْت لَهُمْ حِين دَخَلْنَا مَكَّة : الْيَوْم نَنْتَقِم مِنْكُمْ وَنَفْعَل , فَلَمَّا قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ اِسْتَحْيَيْت مِنْ قَوْلِي .
مُسْتَقْبَل فِيهِ مَعْنَى الدُّعَاء ; سَأَلَ اللَّه أَنْ يَسْتُر عَلَيْهِمْ وَيَرْحَمهُمْ . وَأَجَازَ الْأَخْفَش الْوَقْف عَلَى " عَلَيْكُمْ " وَالْأَوَّل هُوَ الْمُسْتَعْمَل ; فَإِنَّ فِي الْوَقْف عَلَى " عَلَيْكُمْ " وَالِابْتِدَاء ب " الْيَوْم يَغْفِر اللَّه لَكُمْ " جَزْم بِالْمَغْفِرَةِ فِي الْيَوْم , وَذَلِكَ لَا يَكُون إِلَّا عَنْ وَحْي , وَهَذَا بَيِّن . وَقَالَ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ : طَلَب الْحَوَائِج مِنْ الشَّبَاب أَسْهَلَ مِنْهُ مِنْ الشُّيُوخ ; أَلَمْ تَرَ قَوْل يُوسُف : " لَا تَثْرِيب عَلَيْكُمْ الْيَوْم يَغْفِر اللَّه لَكُمْ " وَقَالَ يَعْقُوب : " سَوْفَ أَسْتَغْفِر لَكُمْ رَبِّي " .
مُسْتَقْبَل فِيهِ مَعْنَى الدُّعَاء ; سَأَلَ اللَّه أَنْ يَسْتُر عَلَيْهِمْ وَيَرْحَمهُمْ . وَأَجَازَ الْأَخْفَش الْوَقْف عَلَى " عَلَيْكُمْ " وَالْأَوَّل هُوَ الْمُسْتَعْمَل ; فَإِنَّ فِي الْوَقْف عَلَى " عَلَيْكُمْ " وَالِابْتِدَاء ب " الْيَوْم يَغْفِر اللَّه لَكُمْ " جَزْم بِالْمَغْفِرَةِ فِي الْيَوْم , وَذَلِكَ لَا يَكُون إِلَّا عَنْ وَحْي , وَهَذَا بَيِّن . وَقَالَ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ : طَلَب الْحَوَائِج مِنْ الشَّبَاب أَسْهَلَ مِنْهُ مِنْ الشُّيُوخ ; أَلَمْ تَرَ قَوْل يُوسُف : " لَا تَثْرِيب عَلَيْكُمْ الْيَوْم يَغْفِر اللَّه لَكُمْ " وَقَالَ يَعْقُوب : " سَوْفَ أَسْتَغْفِر لَكُمْ رَبِّي " .
اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ↓
" اِذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا " نَعْت لِلْقَمِيصِ , وَالْقَمِيص مُذَكَّر , فَأَمَّا قَوْل الشَّاعِر : تَدْعُو هَوَازِن وَالْقَمِيص مُفَاضَة فَوْق النِّطَاق تُشَدّ بِالْأَزْرَارِ فَتَقْدِيره : [ وَالْقَمِيص ] دِرْع مُفَاضَة . قَالَهُ النَّحَّاس . وَقَالَ اِبْن السُّدِّيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُجَاهِد : قَالَ لَهُمْ يُوسُف : " اِذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْه أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا " قَالَ : كَانَ يُوسُف أَعْلَم بِاَللَّهِ مِنْ أَنْ يَعْلَم أَنَّ قَمِيصه يَرُدّ عَلَى يَعْقُوب بَصَره , وَلَكِنَّ ذَلِكَ قَمِيص إِبْرَاهِيم الَّذِي أَلْبَسهُ اللَّه فِي النَّار مِنْ حَرِير الْجَنَّة , وَكَانَ كَسَاهُ إِسْحَاق , وَكَانَ إِسْحَاق كَسَاهُ يَعْقُوب , وَكَانَ يَعْقُوب أَدْرَجَ ذَلِكَ الْقَمِيص فِي قَصَبَة مِنْ فِضَّة وَعَلَقَة فِي عُنُق يُوسُف , لِمَا كَانَ يَخَاف عَلَيْهِ مِنْ الْعَيْن , وَأَخْبَرَهُ جِبْرِيل بِأَنْ أَرْسِلْ قَمِيصك فَإِنَّ فِيهِ رِيح الْجَنَّة , وَإِنَّ رِيح الْجَنَّة لَا يَقَع عَلَى سَقِيم وَلَا مُبْتَلًى إِلَّا عُوفِيَ . وَقَالَ الْحَسَن : لَوْلَا أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَعْلَم يُوسُف بِذَلِكَ لَمْ يَعْلَم أَنَّهُ يَرْجِع إِلَيْهِ بَصَره , وَكَانَ الَّذِي حَمَلَ قَمِيصه يَهُوذَا , قَالَ لِيُوسُف : أَنَا الَّذِي حَمَلْت إِلَيْهِ قَمِيصك بِدَمِ كَذِب فَأَحْزَنْته , وَأَنَا الَّذِي أَحْمِلهُ الْأَنّ لِأُسِرّهُ , وَلِيَعُودَ إِلَيْهِ بَصَره , فَحَمَلَهُ ; حَكَاهُ السُّدِّيّ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الْقَمِيص الَّذِي بَعَثَهُ هُوَ الْقَمِيص الَّذِي قُدَّ مِنْ دُبُره , لِيَعْلَم يَعْقُوب أَنَّهُ عُصِمَ مِنْ الزِّنَا ; وَالْقَوْل الْأَوَّل أَصَحّ , وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيث أَنَس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيّ وَاَللَّه أَعْلَم .
لِتَتَّخِذُوا مِصْر دَارًا . قَالَ مَسْرُوق : فَكَانُوا ثَلَاثَة وَتِسْعِينَ , مَا بَيْن رَجُل وَامْرَأَة .
لِتَتَّخِذُوا مِصْر دَارًا . قَالَ مَسْرُوق : فَكَانُوا ثَلَاثَة وَتِسْعِينَ , مَا بَيْن رَجُل وَامْرَأَة .
أَيْ خَرَجَتْ مُنْطَلِقَة مِنْ مِصْر إِلَى الشَّام , يُقَال : فَصَلَ فُصُولًا , وَفَصَلْته فَصْلًا , فَهُوَ لَازِم وَمُتَعَدٍّ .
أَيْ قَالَ لِمَنْ حَضَرَ مِنْ قَرَابَته مِمَّنْ لَمْ يَخْرُج إِلَى مِصْر وَهُمْ وَلَد وَلَده
وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون خَرَجَ بَعْض بَنِيهِ , فَقَالَ لِمَنْ بَقِيَ : " إِنِّي لَأَجِد رِيح يُوسُف لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ " . قَالَ اِبْن عَبَّاس : هَاجَتْ رِيح فَحَمَلَتْ رِيح قَمِيص يُوسُف إِلَيْهِ , وَبَيْنهمَا مَسِيرَة ثَمَان لَيَالٍ . وَقَالَ الْحَسَن : مَسِيرَة عَشْر لَيَالٍ ; وَعَنْهُ أَيْضًا مَسِيرَة شَهْر . وَقَالَ مَالِك بْن أَنَس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : إِنَّمَا أَوْصَلَ رِيحه مَنْ أَوْصَلَ عَرْش بِلْقِيس قَبْل أَنْ يَرْتَدّ إِلَى سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام طَرْفه . وَقَالَ مُجَاهِد : هَبَّتْ رِيح فَصَفَقَتْ الْقَمِيص فَرَاحَتْ رَوَائِح الْجَنَّة فِي الدُّنْيَا وَاتَّصَلَتْ بِيَعْقُوب , فَوَجَدَ رِيح الْجَنَّة فَعَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِنْ رِيح الْجَنَّة إِلَّا مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ الْقَمِيص , فَعِنْد ذَلِكَ قَالَ : " إِنِّي لَأَجِد " أَيْ أَشُمّ ; فَهُوَ وُجُود بِحَاسَّةِ الشَّمّ .
قَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد : لَوْلَا أَنْ تُسَفِّهُونِ ; وَمِنْهُ قَوْل النَّابِغَة : إِلَّا سُلَيْمَان إِذْ قَالَ الْمَلِيك لَهُ قُمْ فِي الْبَرِيَّة فَاحْدُدْهَا عَنْ الْفَنَد أَيْ عَنْ السَّفَه . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَالضَّحَّاك : لَوْلَا أَنْ تُكَذِّبُونِ . وَالْفَنَد الْكَذِب . وَقَدْ أَفْنَدَ إِفْنَادًا كَذَبَ ; وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : يَا صَاحِبَيَّ دَعَا لَوْمِي وَتَفْنِيدِي فَلَيْسَ مَا فَاتَ مِنْ أَمْرِي بِمَرْدُودِ وَقَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : " لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ " لَوْلَا أَنْ تُضَعِّفُوا رَأْيِي ; وَقَالَهُ اِبْن إِسْحَاق . وَالْفَنَد ضَعْف الرَّأْي مِنْ كِبَر . وَقَوْل رَابِع : تُضَلِّلُونَ , قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَة . وَقَالَ الْأَخْفَش : تَلُومُونِي ; وَالتَّفْنِيد اللَّوْم وَتَضْعِيف الرَّأْي . وَقَالَ الْحَسَن وَقَتَادَة وَمُجَاهِد أَيْضًا : تُهَرِّمُونَ ; وَكُلّه مُتَقَارِب الْمَعْنَى , وَهُوَ رَاجِع إِلَى التَّعْجِيز وَتَضْعِيف الرَّأْي ; يُقَال : فَنَّدَهُ تَفْنِيدًا إِذَا أَعْجَزَهُ , كَمَا قَالَ : أَهْلَكَنِي بِاللَّوْمِ وَالتَّفْنِيد وَيُقَال : أَفْنَدَ إِذَا تَكَلَّمَ بِالْخَطَأِ ; وَالْفَنَد الْخَطَأ فِي الْكَلَام وَالرَّأْي , كَمَا قَالَ النَّابِغَة : فَاحْدُدْهَا عَنْ الْفَنَد أَيْ اِمْنَعْهَا عَنْ الْفَسَاد فِي الْعَقْل , وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ : اللَّوْم تَفْنِيد ; قَالَ الشَّاعِر : يَا عَاذِلَيَّ دَعَا الْمَلَام وَأَقْصِرَا طَالَ الْهَوَى وَأَطَلْتُمَا التَّفْنِيدَا وَيُقَال : أَفْنَدَ فُلَانًا الدَّهْرُ إِذَا أَفْسَدَهُ ; وَمِنْهُ قَوْل اِبْن مُقْبِل : دَعْ الدَّهْر يَفْعَل مَا أَرَادَ فَإِنَّهُ إِذَا كُلِّفَ الْإِفْنَادَ بِالنَّاسِ أَفْنَدَا
أَيْ قَالَ لِمَنْ حَضَرَ مِنْ قَرَابَته مِمَّنْ لَمْ يَخْرُج إِلَى مِصْر وَهُمْ وَلَد وَلَده
وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون خَرَجَ بَعْض بَنِيهِ , فَقَالَ لِمَنْ بَقِيَ : " إِنِّي لَأَجِد رِيح يُوسُف لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ " . قَالَ اِبْن عَبَّاس : هَاجَتْ رِيح فَحَمَلَتْ رِيح قَمِيص يُوسُف إِلَيْهِ , وَبَيْنهمَا مَسِيرَة ثَمَان لَيَالٍ . وَقَالَ الْحَسَن : مَسِيرَة عَشْر لَيَالٍ ; وَعَنْهُ أَيْضًا مَسِيرَة شَهْر . وَقَالَ مَالِك بْن أَنَس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : إِنَّمَا أَوْصَلَ رِيحه مَنْ أَوْصَلَ عَرْش بِلْقِيس قَبْل أَنْ يَرْتَدّ إِلَى سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام طَرْفه . وَقَالَ مُجَاهِد : هَبَّتْ رِيح فَصَفَقَتْ الْقَمِيص فَرَاحَتْ رَوَائِح الْجَنَّة فِي الدُّنْيَا وَاتَّصَلَتْ بِيَعْقُوب , فَوَجَدَ رِيح الْجَنَّة فَعَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِنْ رِيح الْجَنَّة إِلَّا مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ الْقَمِيص , فَعِنْد ذَلِكَ قَالَ : " إِنِّي لَأَجِد " أَيْ أَشُمّ ; فَهُوَ وُجُود بِحَاسَّةِ الشَّمّ .
قَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد : لَوْلَا أَنْ تُسَفِّهُونِ ; وَمِنْهُ قَوْل النَّابِغَة : إِلَّا سُلَيْمَان إِذْ قَالَ الْمَلِيك لَهُ قُمْ فِي الْبَرِيَّة فَاحْدُدْهَا عَنْ الْفَنَد أَيْ عَنْ السَّفَه . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَالضَّحَّاك : لَوْلَا أَنْ تُكَذِّبُونِ . وَالْفَنَد الْكَذِب . وَقَدْ أَفْنَدَ إِفْنَادًا كَذَبَ ; وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : يَا صَاحِبَيَّ دَعَا لَوْمِي وَتَفْنِيدِي فَلَيْسَ مَا فَاتَ مِنْ أَمْرِي بِمَرْدُودِ وَقَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : " لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ " لَوْلَا أَنْ تُضَعِّفُوا رَأْيِي ; وَقَالَهُ اِبْن إِسْحَاق . وَالْفَنَد ضَعْف الرَّأْي مِنْ كِبَر . وَقَوْل رَابِع : تُضَلِّلُونَ , قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَة . وَقَالَ الْأَخْفَش : تَلُومُونِي ; وَالتَّفْنِيد اللَّوْم وَتَضْعِيف الرَّأْي . وَقَالَ الْحَسَن وَقَتَادَة وَمُجَاهِد أَيْضًا : تُهَرِّمُونَ ; وَكُلّه مُتَقَارِب الْمَعْنَى , وَهُوَ رَاجِع إِلَى التَّعْجِيز وَتَضْعِيف الرَّأْي ; يُقَال : فَنَّدَهُ تَفْنِيدًا إِذَا أَعْجَزَهُ , كَمَا قَالَ : أَهْلَكَنِي بِاللَّوْمِ وَالتَّفْنِيد وَيُقَال : أَفْنَدَ إِذَا تَكَلَّمَ بِالْخَطَأِ ; وَالْفَنَد الْخَطَأ فِي الْكَلَام وَالرَّأْي , كَمَا قَالَ النَّابِغَة : فَاحْدُدْهَا عَنْ الْفَنَد أَيْ اِمْنَعْهَا عَنْ الْفَسَاد فِي الْعَقْل , وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ : اللَّوْم تَفْنِيد ; قَالَ الشَّاعِر : يَا عَاذِلَيَّ دَعَا الْمَلَام وَأَقْصِرَا طَالَ الْهَوَى وَأَطَلْتُمَا التَّفْنِيدَا وَيُقَال : أَفْنَدَ فُلَانًا الدَّهْرُ إِذَا أَفْسَدَهُ ; وَمِنْهُ قَوْل اِبْن مُقْبِل : دَعْ الدَّهْر يَفْعَل مَا أَرَادَ فَإِنَّهُ إِذَا كُلِّفَ الْإِفْنَادَ بِالنَّاسِ أَفْنَدَا
أَيْ لَفِي ذَهَاب عَنْ طَرِيق الصَّوَاب . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَابْن زَيْد : لَفِي خَطَئِك الْمَاضِي مِنْ حُبّ يُوسُف لَا تَنْسَاهُ . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : لَفِي جُنُونك الْقَدِيم . قَالَ الْحَسَن : وَهَذَا عُقُوق . وَقَالَ قَتَادَة وَسُفْيَان : لَفِي مَحَبَّتك الْقَدِيمَة . وَقِيلَ : إِنَّمَا قَالُوا هَذَا ; لِأَنَّ يُوسُف عِنْدهمْ كَانَ قَدْ مَاتَ . وَقِيلَ : إِنَّ الَّذِي قَالَ لَهُ ذَلِكَ مَنْ بَقِيَ مَعَهُ مِنْ وَلَده وَلَمْ يَكُنْ عِنْدهمْ الْخَبَر . وَقِيلَ : قَالَ لَهُ ذَلِكَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ أَهْله وَقَرَابَته . وَقِيلَ : بَنُو بَنِيهِ وَكَانُوا صِغَارًا ; فَاَللَّه أَعْلَم .
فَلَمَّا أَن جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ↓
" عَلَى وَجْهه " أَيْ عَلَى عَيْنَيْهِ . و " أَنْ " زَائِدَة , وَالْبَشِير قِيلَ هُوَ شَمْعُون . وَقِيلَ : يَهُوذَا قَالَ : أَنَا أَذْهَب بِالْقَمِيصِ الْيَوْم كَمَا ذَهَبْت بِهِ مُلَطَّخًا بِالدَّمِ ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَعَنْ السُّدِّيّ أَنَّهُ قَالَ لِإِخْوَتِهِ : قَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي ذَهَبْت إِلَيْهِ بِقَمِيصِ التَّرْحَة فَدَعُونِي أَذْهَب إِلَيْهِ بِقَمِيصِ الْفَرْحَة . وَقَالَ يَحْيَى بْن يَمَان عَنْ سُفْيَان : لَمَّا جَاءَ الْبَشِير إِلَى يَعْقُوب قَالَ لَهُ : عَلَى أَيّ دِين تَرَكْت يُوسُف ؟ قَالَ : عَلَى الْإِسْلَام ; قَالَ : الْآن تَمَّتْ النِّعْمَة ; وَقَالَ الْحَسَن : لَمَّا وَرَدَ الْبَشِير عَلَى يَعْقُوب لَمْ يَجِد عِنْده شَيْئًا يُثِيبهُ بِهِ ; فَقَالَ : وَاَللَّه مَا أَصَبْت عِنْدنَا شَيْئًا ; وَمَا خَبَزْنَا شَيْئًا مُنْذُ سَبْع لَيَالٍ , وَلَكِنْ هَوَّنَ اللَّه عَلَيْك سَكَرَات الْمَوْت .
قُلْت : وَهَذَا الدُّعَاء مِنْ أَعْظَم مَا يَكُون مِنْ الْجَوَائِز , وَأَفْضَل الْعَطَايَا وَالذَّخَائِر . وَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَة عَلَى جَوَاز الْبَذْل وَالْهِبَات عِنْد الْبَشَائِر . وَفِي الْبَاب حَدِيث كَعْب بْن مَالِك - الطَّوِيل - وَفِيهِ : " فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْت صَوْته يُبَشِّرنِي نَزَعْت ثَوْبَيَّ فَكَسَوْتهمَا إِيَّاهُ بِبِشَارَتِهِ " وَذَكَرَ الْحَدِيث , وَقَدْ تَقَدَّمَ بِكَمَالِهِ فِي قِصَّة الثَّلَاثَة الَّذِينَ خُلِّفُوا , وَكِسْوَة كَعْب ثَوْبَيْهِ لِلْبَشِيرِ مَعَ كَوْنه لَيْسَ لَهُ غَيْرهمَا دَلِيل عَلَى جَوَاز مِثْل ذَلِكَ إِذَا اِرْتَجَى حُصُول مَا يَسْتَبْشِر بِهِ . وَهُوَ دَلِيل عَلَى جَوَاز إِظْهَار الْفَرَح بَعْد زَوَال الْغَمّ وَالتَّرَح . وَمِنْ هَذَا الْبَاب جَوَاز حِذَاقَة الصِّبْيَان , وَإِطْعَام الطَّعَام فِيهَا , قَدْ نَحَرَ عُمَر بَعْد حِفْظه سُورَة " الْبَقَرَة " جَزُورًا . وَاَللَّه أَعْلَم .
ذَكَّرَهُمْ قَوْله : " إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّه وَأَعْلَم مِنْ اللَّه مَا لَا تَعْلَمُونَ " [ يُوسُف : 86 ] .
قُلْت : وَهَذَا الدُّعَاء مِنْ أَعْظَم مَا يَكُون مِنْ الْجَوَائِز , وَأَفْضَل الْعَطَايَا وَالذَّخَائِر . وَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَة عَلَى جَوَاز الْبَذْل وَالْهِبَات عِنْد الْبَشَائِر . وَفِي الْبَاب حَدِيث كَعْب بْن مَالِك - الطَّوِيل - وَفِيهِ : " فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْت صَوْته يُبَشِّرنِي نَزَعْت ثَوْبَيَّ فَكَسَوْتهمَا إِيَّاهُ بِبِشَارَتِهِ " وَذَكَرَ الْحَدِيث , وَقَدْ تَقَدَّمَ بِكَمَالِهِ فِي قِصَّة الثَّلَاثَة الَّذِينَ خُلِّفُوا , وَكِسْوَة كَعْب ثَوْبَيْهِ لِلْبَشِيرِ مَعَ كَوْنه لَيْسَ لَهُ غَيْرهمَا دَلِيل عَلَى جَوَاز مِثْل ذَلِكَ إِذَا اِرْتَجَى حُصُول مَا يَسْتَبْشِر بِهِ . وَهُوَ دَلِيل عَلَى جَوَاز إِظْهَار الْفَرَح بَعْد زَوَال الْغَمّ وَالتَّرَح . وَمِنْ هَذَا الْبَاب جَوَاز حِذَاقَة الصِّبْيَان , وَإِطْعَام الطَّعَام فِيهَا , قَدْ نَحَرَ عُمَر بَعْد حِفْظه سُورَة " الْبَقَرَة " جَزُورًا . وَاَللَّه أَعْلَم .
ذَكَّرَهُمْ قَوْله : " إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّه وَأَعْلَم مِنْ اللَّه مَا لَا تَعْلَمُونَ " [ يُوسُف : 86 ] .
فِي الْكَلَام حَذْف , التَّقْدِير : فَلَمَّا رَجَعُوا مِنْ مِصْر قَالُوا يَا أَبَانَا ; وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الَّذِي قَالَ لَهُ : " تَاللَّهِ إِنَّك لَفِي ضَلَالك " الْقَدِيم " بَنُو بَنِيهِ أَوْ غَيْرهمْ مِنْ قَرَابَته وَأَهْله لَا وَلَده , فَإِنَّهُمْ كَانُوا غُيَّبًا , وَكَانَ يَكُون ذَلِكَ زِيَادَة فِي الْعُقُوق . وَاَللَّه أَعْلَم . وَإِنَّمَا سَأَلُوهُ الْمَغْفِرَة , لِأَنَّهُمْ أَدْخَلُوا عَلَيْهِ مِنْ أَلَم الْحُزْن مَا لَمْ يَسْقُط الْمَأْثَم عَنْهُ إِلَّا بِإِحْلَالِهِ .
قُلْت : وَهَذَا الْحُكْم ثَابِت فِيمَنْ آذَى مُسْلِمًا فِي نَفْسه أَوْ مَاله أَوْ غَيْر ذَلِكَ ظَالِمًا لَهُ ; فَإِنَّهُ يَجِب عَلَيْهِ أَنْ يَتَحَلَّل لَهُ وَيُخْبِرهُ بِالْمَظْلِمَةِ وَقَدْرهَا ; وَهَلْ يَنْفَعهُ التَّحْلِيل الْمُطْلَق أَمْ لَا ؟ فِيهِ خِلَاف وَالصَّحِيح أَنَّهُ لَا يَنْفَع ; فَإِنَّهُ لَوْ أَخْبَرَهُ بِمَظْلِمَةٍ لَهَا قَدْر وَبَال رُبَّمَا لَمْ تَطِبْ نَفْس الْمَظْلُوم فِي التَّحَلُّل مِنْهَا . وَاَللَّه أَعْلَم . وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ وَغَيْره عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلِمَة لِأَخِيهِ مِنْ عَرْضه أَوْ شَيْء فَلْيُحْلِلْهُ مِنْهُ الْيَوْم قَبْل أَلَّا يَكُون دِينَار وَلَا دِرْهَم إِنْ كَانَ لَهُ عَمَل صَالِح أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلِمَته وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَات أُخِذَ مِنْ سَيِّئَات صَاحِبه فَحُمِلَ عَلَيْهِ ) قَالَ الْمُهَلِّب فَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَخَذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلِمَته ) يَجِب أَنْ تَكُون الْمَظْلِمَة مَعْلُومَة الْقَدْر مُشَارًا إِلَيْهَا مُبَيَّنَة , وَاَللَّه أَعْلَم .
قُلْت : وَهَذَا الْحُكْم ثَابِت فِيمَنْ آذَى مُسْلِمًا فِي نَفْسه أَوْ مَاله أَوْ غَيْر ذَلِكَ ظَالِمًا لَهُ ; فَإِنَّهُ يَجِب عَلَيْهِ أَنْ يَتَحَلَّل لَهُ وَيُخْبِرهُ بِالْمَظْلِمَةِ وَقَدْرهَا ; وَهَلْ يَنْفَعهُ التَّحْلِيل الْمُطْلَق أَمْ لَا ؟ فِيهِ خِلَاف وَالصَّحِيح أَنَّهُ لَا يَنْفَع ; فَإِنَّهُ لَوْ أَخْبَرَهُ بِمَظْلِمَةٍ لَهَا قَدْر وَبَال رُبَّمَا لَمْ تَطِبْ نَفْس الْمَظْلُوم فِي التَّحَلُّل مِنْهَا . وَاَللَّه أَعْلَم . وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ وَغَيْره عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلِمَة لِأَخِيهِ مِنْ عَرْضه أَوْ شَيْء فَلْيُحْلِلْهُ مِنْهُ الْيَوْم قَبْل أَلَّا يَكُون دِينَار وَلَا دِرْهَم إِنْ كَانَ لَهُ عَمَل صَالِح أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلِمَته وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَات أُخِذَ مِنْ سَيِّئَات صَاحِبه فَحُمِلَ عَلَيْهِ ) قَالَ الْمُهَلِّب فَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَخَذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلِمَته ) يَجِب أَنْ تَكُون الْمَظْلِمَة مَعْلُومَة الْقَدْر مُشَارًا إِلَيْهَا مُبَيَّنَة , وَاَللَّه أَعْلَم .
قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَخَّرَ دُعَاءَهُ إِلَى السَّحَر . وَقَالَ الْمُثَنَّى بْن الصَّبَّاح عَنْ طَاوُس قَالَ : سَحَر لَيْلَة الْجُمْعَة , وَوَافَقَ ذَلِكَ لَيْلَة عَاشُورَاء . وَفِي دُعَاء الْحِفْظ - مِنْ كِتَاب التِّرْمِذِيّ - عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ : بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - فَقَالَ : - بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّيّ - تَفَلَّتَ هَذَا الْقُرْآن مِنْ صَدْرِي , فَمَا أَجِدنِي أَقْدِر عَلَيْهِ , فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَفَلَا أُعَلِّمك كَلِمَات يَنْفَعك اللَّه بِهِنَّ وَيَنْفَع بِهِنَّ مَنْ عَلَّمْته وَيُثْبِت مَا تَعَلَّمْت فِي صَدْرك ) قَالَ : أَجَل يَا رَسُول اللَّه ! فَعَلِّمْنِي ; قَالَ : ( إِذَا كَانَ لَيْلَة الْجُمْعَة فَإِنْ اِسْتَطَعْت أَنْ تَقُوم فِي ثُلُث اللَّيْل الْآخِر فَإِنَّهَا سَاعَة مَشْهُودَة وَالدُّعَاء فِيهَا مُسْتَجَاب وَقَدْ قَالَ أَخِي يَعْقُوب لِبَنِيهِ " سَوْفَ أَسْتَغْفِر لَكُمْ رَبِّي " يَقُول حَتَّى تَأْتِي لَيْلَة الْجُمْعَة ) وَذَكَرَ الْحَدِيث . وَقَالَ أَيُّوب بْن أَبِي تَمِيمَة السِّخْتِيَانِيّ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ : " سَوْفَ أَسْتَغْفِر لَكُمْ رَبِّي " فِي اللَّيَالِي الْبِيض , فِي الثَّالِثَة عَشْرَة , وَالرَّابِعَة عَشْرَة , وَالْخَامِسَة عَشْرَة فَإِنَّ الدُّعَاء فِيهَا مُسْتَجَاب . وَعَنْ عَامِر الشَّعْبِيّ قَالَ : " سَوْفَ أَسْتَغْفِر لَكُمْ رَبِّي " أَيْ أَسْأَل يُوسُف إِنْ عَفَا عَنْكُمْ اِسْتَغْفَرْت لَكُمْ رَبِّي ; وَذَكَرَ سُنَيْد بْن دَاوُد قَالَ : حَدَّثَنَا هُشَيْم قَالَ حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن إِسْحَاق عَنْ مُحَارِب بْن دِثَار عَنْ عَمّه قَالَ : كُنْت آتِي الْمَسْجِد فِي السَّحَر فَأَمُرُّ بِدَارِ اِبْن مَسْعُود فَأَسْمَعهُ يَقُول : اللَّهُمَّ إِنَّك أَمَرْتنِي فَأَطَعْت , وَدَعَوْتنِي فَأَجَبْت , وَهَذَا سَحَر فَاغْفِرْ لِي , فَلَقِيت اِبْن مَسْعُود فَقُلْت : كَلِمَات أَسْمَعك تَقُولهُنَّ فِي السَّحَر فَقَالَ : إِنَّ يَعْقُوب أَخَّرَ بَنِيهِ إِلَى السَّحَر بِقَوْلِهِ : " سَوْفَ أَسْتَغْفِر لَكُمْ رَبِّي " .
فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ ↓
أَيْ قَصْرًا كَانَ لَهُ هُنَاكَ .
قِيلَ : إِنَّ يُوسُف بَعَثَ مَعَ الْبَشِير مِائَتَيْ رَاحِلَة وَجَهَازًا , وَسَأَلَ يَعْقُوب أَنْ يَأْتِيه بِأَهْلِهِ وَوَلَده جَمِيعًا ; فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ , أَيْ ضَمَّ ; وَيَعْنِي بِأَبَوَيْهِ أَبَاهُ وَخَالَته , وَكَانَتْ أُمّه قَدْ مَاتَتْ فِي وِلَادَة أَخِيهِ بِنْيَامِين وَقِيلَ : أَحْيَا اللَّه لَهُ أُمّه تَحْقِيقًا لِلرُّؤْيَا حَتَّى سَجَدَتْ لَهُ , قَالَهُ الْحَسَن ; وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " الْبَقَرَة " أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَحْيَا لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلَام أَبَاهُ وَأُمّه فَآمَنَا بِهِ .
قَالَ اِبْن جُرَيْج : أَيْ سَوْفَ أَسْتَغْفِر لَكُمْ رَبِّي إِنْ شَاءَ اللَّه ; قَالَ : وَهَذَا مِنْ تَقْدِيم الْقُرْآن وَتَأْخِيره ; قَالَ النَّحَّاس : يَذْهَب اِبْن جُرَيْج إِلَى أَنَّهُمْ قَدْ دَخَلُوا مِصْر فَكَيْف يَقُول : " اُدْخُلُوا مِصْر إِنْ شَاءَ اللَّه " . وَقِيلَ : إِنَّمَا قَالَ : " إِنْ شَاءَ اللَّه " تَبَرُّكًا وَجَزْمًا . " آمَنِينَ " مِنْ الْقَحْط , أَوْ مِنْ فِرْعَوْن ; وَكَانُوا لَا يَدْخُلُونَهَا إِلَّا بِجَوَازِهِ .
قِيلَ : إِنَّ يُوسُف بَعَثَ مَعَ الْبَشِير مِائَتَيْ رَاحِلَة وَجَهَازًا , وَسَأَلَ يَعْقُوب أَنْ يَأْتِيه بِأَهْلِهِ وَوَلَده جَمِيعًا ; فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ , أَيْ ضَمَّ ; وَيَعْنِي بِأَبَوَيْهِ أَبَاهُ وَخَالَته , وَكَانَتْ أُمّه قَدْ مَاتَتْ فِي وِلَادَة أَخِيهِ بِنْيَامِين وَقِيلَ : أَحْيَا اللَّه لَهُ أُمّه تَحْقِيقًا لِلرُّؤْيَا حَتَّى سَجَدَتْ لَهُ , قَالَهُ الْحَسَن ; وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " الْبَقَرَة " أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَحْيَا لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلَام أَبَاهُ وَأُمّه فَآمَنَا بِهِ .
قَالَ اِبْن جُرَيْج : أَيْ سَوْفَ أَسْتَغْفِر لَكُمْ رَبِّي إِنْ شَاءَ اللَّه ; قَالَ : وَهَذَا مِنْ تَقْدِيم الْقُرْآن وَتَأْخِيره ; قَالَ النَّحَّاس : يَذْهَب اِبْن جُرَيْج إِلَى أَنَّهُمْ قَدْ دَخَلُوا مِصْر فَكَيْف يَقُول : " اُدْخُلُوا مِصْر إِنْ شَاءَ اللَّه " . وَقِيلَ : إِنَّمَا قَالَ : " إِنْ شَاءَ اللَّه " تَبَرُّكًا وَجَزْمًا . " آمَنِينَ " مِنْ الْقَحْط , أَوْ مِنْ فِرْعَوْن ; وَكَانُوا لَا يَدْخُلُونَهَا إِلَّا بِجَوَازِهِ .
وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ↓
قَالَ قَتَادَة : يُرِيد السَّرِير , وَقَدْ تَقَدَّمَتْ مَحَامِله ; وَقَدْ يُعَبَّر بِالْعَرْشِ عَنْ الْمُلْك وَالْمَلِك نَفْسه ; وَمِنْهُ قَوْل النَّابِغَة الذُّبْيَانِيّ : عُرُوش تَفَانَوْا بَعْد عِزّ وَأَمْنَة وَقَدْ تَقَدَّمَ .
فِيهِ ثَلَاث مَسَائِل : الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى : " وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا " الْهَاء فِي " خَرُّوا لَهُ " قِيلَ : إِنَّهَا تَعُود عَلَى اللَّه تَعَالَى ; الْمَعْنَى : وَخَرُّوا شُكْرًا لِلَّهِ سُجَّدًا ; وَيُوسُف كَالْقِبْلَةِ لِتَحْقِيقِ رُؤْيَاهُ , وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَن ; قَالَ النَّقَّاش : وَهَذَا خَطَأ ; وَالْهَاء رَاجِعَة إِلَى يُوسُف لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي أَوَّل السُّورَة : " رَأَيْتهمْ لِي سَاجِدِينَ " [ يُوسُف : 4 ] . وَكَانَ تَحِيَّتهمْ أَنْ يَسْجُد الْوَضِيع لِلشَّرِيفِ , وَالصَّغِير لِلْكَبِيرِ ; سَجَدَ يَعْقُوب وَخَالَته وَإِخْوَته لِيُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام , فَاقْشَعَرَّ جِلْده وَقَالَ : " هَذَا تَأْوِيل رُؤْيَايَ مِنْ قَبْل " وَكَانَ بَيْن رُؤْيَا يُوسُف وَبَيْن تَأْوِيلهَا اِثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ سَنَة . وَقَالَ سَلْمَان الْفَارِسِيّ وَعَبْد اللَّه بْن شَدَّاد : أَرْبَعُونَ سَنَة ; قَالَ عَبْد اللَّه بْن شَدَّاد : وَذَلِكَ آخِر مَا تُبْطِئ الرُّؤْيَا . وَقَالَ قَتَادَة : خَمْس وَثَلَاثُونَ سَنَة . وَقَالَ السُّدِّيّ وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَعِكْرِمَة : سِتّ وَثَلَاثُونَ سَنَة . وَقَالَ الْحَسَن وَجِسْر بْن فَرْقَد وَفُضَيْل بْن عِيَاض : ثَمَانُونَ سَنَة . وَقَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه : أُلْقِيَ يُوسُف فِي الْجُبّ وَهُوَ اِبْن سَبْع عَشْرَة سَنَة , وَغَابَ عَنْ أَبِيهِ ثَمَانِينَ سَنَة , وَعَاشَ بَعْد أَنْ اِلْتَقَى بِأَبِيهِ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ سَنَة , وَمَاتَ وَهُوَ اِبْن مِائَة وَعِشْرِينَ سَنَة . وَفِي التَّوْرَاة مِائَة وَسِتّ وَعِشْرُونَ سَنَة . وَوُلِدَ لِيُوسُف مِنْ اِمْرَأَة الْعَزِيز إفراثيم ومنشا وَرَحْمَة اِمْرَأَة أَيُّوب . وَبَيْن يُوسُف وَمُوسَى أَرْبَعمِائَةِ سَنَة . وَقِيلَ : إِنَّ يَعْقُوب بَقِيَ عِنْد يُوسُف عِشْرِينَ سَنَة , ثُمَّ تُوُفِّيَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقِيلَ : أَقَامَ عِنْده ثَمَانِي عَشْرَة سَنَة . وَقَالَ بَعْض الْمُحَدِّثِينَ : بِضْعًا وَأَرْبَعِينَ سَنَة ; وَكَانَ بَيْن يَعْقُوب وَيُوسُف ثَلَاث وَثَلَاثُونَ سَنَة حَتَّى جَمَعَهُمْ اللَّه . وَقَالَ اِبْن إِسْحَاق : ثَمَانِي عَشْرَة سَنَة , وَاَللَّه أَعْلَم .
الثَّانِيَة : قَالَ سَعِيد بَعْد جُبَيْر عَنْ قَتَادَة عَنْ الْحَسَن : فِي قَوْله : " وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا " - قَالَ : لَمْ يَكُنْ سُجُودًا , لَكِنَّهُ سُنَّة كَانَتْ فِيهِمْ , يُومِئُونَ بِرُءُوسِهِمْ إِيمَاء , كَذَلِكَ كَانَتْ تَحِيَّتهمْ . وَقَالَ الثَّوْرِيّ وَالضَّحَّاك وَغَيْرهمَا : كَانَ سُجُودًا كَالسُّجُودِ الْمَعْهُود عِنْدنَا , وَهُوَ كَانَ تَحِيَّتهمْ . وَقِيلَ : كَانَ اِنْحِنَاء كَالرُّكُوعِ , وَلَمْ يَكُنْ خُرُورًا عَلَى الْأَرْض , وَهَكَذَا كَانَ سَلَامهمْ بِالتَّكَفِّي وَالِانْحِنَاء , وَقَدْ نَسَخَ اللَّه ذَلِكَ كُلّه فِي شَرْعنَا , وَجَعَلَ الْكَلَام بَدَلًا عَنْ الِانْحِنَاء . وَأَجْمَعَ الْمُفَسِّرُونَ أَنَّ ذَلِكَ السُّجُود عَلَى أَيّ وَجْه كَانَ فَإِنَّمَا كَانَ تَحِيَّة لَا عِبَادَة ; قَالَ قَتَادَة : هَذِهِ كَانَتْ تَحِيَّة الْمُلُوك عِنْدهمْ ; وَأَعْطَى اللَّه هَذِهِ الْأُمَّة السَّلَام تَحِيَّة أَهْل الْجَنَّة .
قُلْت : هَذَا الِانْحِنَاء وَالتَّكَفِّي الَّذِي نُسِخَ عَنَّا قَدْ صَارَ عَادَة بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّة , وَعِنْد الْعَجَم , وَكَذَلِكَ قِيَام بَعْضهمْ إِلَى بَعْض ; حَتَّى أَنَّ أَحَدهمْ إِذَا لَمْ يَقُمْ لَهُ وَجَدَ فِي نَفْسه كَأَنَّهُ لَا يُؤْبَه بِهِ , وَأَنَّهُ لَا قَدْر لَهُ ; وَكَذَلِكَ إِذَا اِلْتَقَوْا اِنْحَنَى بَعْضهمْ لِبَعْضٍ , عَادَة مُسْتَمِرَّة , وَوِرَاثَة مُسْتَقِرَّة لَا سِيَّمَا عِنْد اِلْتِقَاء الْأُمَرَاء وَالرُّؤَسَاء نَكَبُوا عَنْ السُّنَن , وَأَعْرَضُوا عَنْ السُّنَن . وَرَوَى أَنَس بْن مَالِك قَالَ : قُلْنَا يَا رَسُول اللَّه أَيَنْحَنِي بَعْضنَا إِلَى بَعْض إِذَا اِلْتَقَيْنَا ؟ قَالَ : ( لَا ) ; قُلْنَا : أَفَيَعْتَنِق بَعْضنَا بَعْضًا ؟ قَالَ ( لَا ) . قُلْنَا : أَفَيُصَافِح بَعْضنَا بَعْضًا ؟ قَالَ ( نَعَمْ ) . خَرَّجَهُ أَبُو عُمَر فِي " التَّمْهِيد " فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قُومُوا إِلَى سَيِّدكُمْ وَخَيْركُمْ ) - يَعْنِي سَعْد بْن مُعَاذ - قُلْنَا : ذَلِكَ مَخْصُوص بِسَعْدٍ لِمَا تَقْتَضِيه الْحَال الْمُعَيَّنَة ; وَقَدْ قِيلَ : إِنَّمَا كَانَ قِيَامهمْ لِيُنْزِلُوهُ عَنْ الْحِمَار ; وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يَجُوز لِلرَّجُلِ الْكَبِير إِذَا لَمْ يُؤَثِّر ذَلِكَ فِي نَفْسه , فَإِنْ أَثَّرَ فِيهِ وَأُعْجِبَ بِهِ وَرَأَى لِنَفْسِهِ حَظًّا لَمْ يَجُزْ عَوْنه عَلَى ذَلِكَ ; لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَتَمَثَّل لَهُ النَّاس قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَده مِنْ النَّار ) . وَجَاءَ عَنْ الصَّحَابَة رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَجْه أَكْرَم عَلَيْهِمْ مِنْ وَجْه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمَا كَانُوا يَقُومُونَ لَهُ إِذَا رَأَوْهُ , لِمَا يَعْرِفُونَ مِنْ كَرَاهَته لِذَلِكَ .
الثَّالِثَة : فَإِنْ قِيلَ : فَمَا تَقُول فِي الْإِشَارَة بِالْإِصْبَعِ ؟ قِيلَ لَهُ : ذَلِكَ جَائِز إِذَا بَعُدَ عَنْك , لِتُعَيِّنَ لَهُ بِهِ وَقْت السَّلَام , فَإِنْ كَانَ دَانِيًا فَلَا ; وَقَدْ قِيلَ بِالْمَنْعِ فِي الْقُرْب وَالْبُعْد ; لِمَا جَاءَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا فَلَيْسَ مِنَّا ) . وَقَالَ : ( لَا تُسَلِّمُوا تَسْلِيم الْيَهُود وَالنَّصَارَى فَإِنَّ تَسْلِيم الْيَهُود بِالْأَكُفِّ وَالنَّصَارَى بِالْإِشَارَةِ ) . وَإِذَا سَلَّمَ فَإِنَّهُ لَا يَنْحَنِي , وَلَا أَنْ يُقَبِّل مَعَ السَّلَام يَده , وَلِأَنَّ الِانْحِنَاء عَلَى مَعْنَى التَّوَاضُع لَا يَنْبَغِي إِلَّا لِلَّهِ . وَأَمَّا تَقْبِيل الْيَد فَإِنَّهُ مِنْ فِعْل الْأَعَاجِم , وَلَا يُتَّبَعُونَ عَلَى أَفْعَالهمْ الَّتِي أَحْدَثُوهَا تَعْظِيمًا مِنْهُمْ لِكُبَرَائِهِمْ ; قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَقُومُوا عِنْد رَأْسِي كَمَا تَقُوم الْأَعَاجِم عِنْد رُءُوس أَكَاسِرَتهَا " فَهَذَا مِثْله . وَلَا بَأْس بِالْمُصَافَحَةِ ; فَقَدْ صَافَحَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعْفَر بْن أَبِي طَالِب حِين قَدِمَ مِنْ الْحَبَشَة , وَأَمَرَ بِهَا , وَنَدَبَ إِلَيْهَا , وَقَالَ : ( تَصَافَحُوا يَذْهَب الْغِلّ ) وَرَوَى غَالِب التَّمَّار عَنْ الشَّعْبِيّ أَنَّ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا إِذَا اِلْتَقَوْا تَصَافَحُوا , وَإِذَا قَدِمُوا مِنْ سَفَر تَعَانَقُوا ; فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ كَرِهَ مَالِك الْمُصَافَحَة ؟ قُلْنَا : رَوَى اِبْن وَهْب عَنْ مَالِك أَنَّهُ كَرِهَ الْمُصَافَحَة وَالْمُعَانَقَة , وَذَهَبَ إِلَى هَذَا سُحْنُون وَغَيْره مِنْ أَصْحَابنَا ; وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِك خِلَاف ذَلِكَ مِنْ جَوَاز الْمُصَافَحَة , وَهُوَ الَّذِي يَدُلّ عَلَيْهِ مَعْنَى مَا فِي الْمُوَطَّأ ; وَعَلَى جَوَاز الْمُصَافَحَة جَمَاعَة الْعُلَمَاء مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : إِنَّمَا كَرِهَ مَالِك الْمُصَافَحَة لِأَنَّهُ لَمْ يَرَهَا أَمْرًا عَامًّا فِي الدِّين , وَلَا مَنْقُولًا نَقْل السَّلَام ; وَلَوْ كَانَتْ مِنْهُ لَاسْتَوَى مَعَهُ
قُلْت : قَدْ جَاءَ فِي الْمُصَافَحَة حَدِيث يَدُلّ عَلَى التَّرْغِيب فِيهَا , وَالدَّأَب عَلَيْهَا وَالْمُحَافَظَة ; وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْبَرَاء بْن عَازِب قَالَ : لَقِيت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ بِيَدَيَّ فَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه ! إِنْ كُنْت لَأَحْسِب أَنَّ الْمُصَافَحَة لِلْأَعَاجِمِ ؟ فَقَالَ : ( نَحْنُ أَحَقّ بِالْمُصَافَحَةِ مِنْهُمْ مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَأْخُذ أَحَدهمَا بِيَدِ صَاحِبه مَوَدَّة بَيْنهمَا وَنَصِيحَة إِلَّا أُلْقِيَتْ ذُنُوبهمَا بَيْنهمَا ) .
" وَقَدْ أَحْسَن بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنْ السِّجْن " وَلَمْ يَقُلْ مِنْ الْجُبّ اسْتِعْمَالًا لِلْكَرْمِ ; لِئَلَّا يُذَكِّر إِخْوَته صَنِيعهمْ بَعْد عَفْوه عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ : " لَا تَثْرِيب عَلَيْكُمْ " .
قُلْت : وَهَذَا هُوَ الْأَصْل عِنْد مَشَايِخ الصُّوفِيَّة : ذِكْر اِلْجَفَا فِي وَقْت الصَّفَا جَفَا , وَهُوَ قَوْل صَحِيح دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَاب . وَقِيلَ : لِأَنَّ فِي دُخُوله السِّجْن كَانَ بِاخْتِيَارِهِ بِقَوْلِهِ : " رَبّ السِّجْن أَحَبّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ " [ يُوسُف : 33 ] وَكَانَ فِي الْجُبّ بِإِرَادَةِ اللَّه تَعَالَى لَهُ . وَقِيلَ : لِأَنَّهُ كَانَ فِي السِّجْن مَعَ اللُّصُوص وَالْعُصَاة , وَفِي الْجُبّ مَعَ اللَّه تَعَالَى ; وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمِنَّة فِي النَّجَاة مِنْ السِّجْن كَانَتْ أَكْبَر , لِأَنَّهُ دَخَلَهُ بِسَبَبِ أَمْر هَمَّ بِهِ ; وَأَيْضًا دَخَلَهُ بِاخْتِيَارِهِ إِذْ قَالَ : " رَبّ السِّجْن أَحَبَّ إِلَيَّ " فَكَانَ الْكَرْب فِيهِ أَكْثَر ; وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا : " اُذْكُرْنِي عِنْد رَبّك " [ يُوسُف : 42 ] فَعُوقِبَ فِيهِ .
يُرْوَى أَنَّ مَسْكَن يَعْقُوب كَانَ بِأَرْضِ كَنْعَان , وَكَانُوا أَهْل مَوَاشٍ وَبَرِّيَّة ; وَقِيلَ : كَانَ يَعْقُوب تَحُول إِلَى بَادِيَة وَسَكَنَهَا , وَأَنَّ اللَّه لَمْ يَبْعَث نَبِيًّا مِنْ أَهْل الْبَادِيَة . وَقِيلَ : إِنَّهُ كَانَ خَرَجَ إِلَى بَدَا , وَهُوَ مَوْضِع ; وَإِيَّاهُ عَنَى جَمِيل بِقَوْلِهِ : وَأَنْتِ الَّتِي حَبَّبْت شَغْبًا إِلَى بَدَا إِلَيَّ وَأَوْطَانِي بِلَاد سِوَاهُمَا وَلِيَعْقُوب بِهَذَا الْمَوْضِع مَسْجِد تَحْت جَبَل . يُقَال : بَدَا الْقَوْم بَدْوًا إِذَا أَتَوْا بَدَا , كَمَا يُقَال : غَارُوا غَوْرًا أَيْ أَتَوْا الْغَوْر ; وَالْمَعْنَى : وَجَاءَ بِكُمْ مِنْ مَكَان بَدَا ; ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيّ , وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ عَنْ الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس .
بِإِيقَاعِ الْحَسَد ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَقِيلَ : أَفْسَدَ مَا بَيْنِي وَبَيْن إِخْوَتِي ; أَحَالَ ذَنْبهمْ عَلَى الشَّيْطَان تَكَرُّمًا مِنْهُ .
أَيْ رَفِيق بِعِبَادِهِ . وَقَالَ الْخَطَّابِيّ : اللَّطِيف هُوَ الْبَرّ بِعِبَادِهِ الَّذِي يَلْطُف بِهِمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ , وَيُسَبِّب لَهُمْ مَصَالِحهمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُونَ ; كَقَوْلِهِ : " اللَّه لَطِيف بِعِبَادِهِ يَرْزُق مَنْ يَشَاء " [ الشُّورَى : 19 ] . وَقِيلَ : اللَّطِيف الْعَالِم بِدَقَائِق الْأُمُور ; وَالْمُرَاد هُنَا الْإِكْرَام وَالرِّفْق . قَالَ قَتَادَة , لَطَفَ بِيُوسُف بِإِخْرَاجِهِ مِنْ السِّجْن , وَجَاءَهُ بِأَهْلِهِ مِنْ الْبَدْو , وَنَزَعَ عَنْ قَلْبه نَزْغ الشَّيْطَان . وَيُرْوَى أَنَّ يَعْقُوب لَمَّا قَدِمَ بِأَهْلِهِ وَوَلَده وَشَارَفَ أَرْض مِصْر وَبَلَغَ ذَلِكَ يُوسُف اِسْتَأْذَنَ فِرْعَوْن - وَاسْمه الرَّيَّان - أَنْ يَأْذَن لَهُ فِي تَلَقِّي أَبِيهِ يَعْقُوب ; وَأَخْبَرَهُ بِقُدُومِهِ فَأَذِنَ لَهُ , وَأَمَرَ الْمَلَأ مِنْ أَصْحَابه بِالرُّكُوبِ مَعَهُ ; فَخَرَجَ يُوسُف وَالْمَلِك مَعَهُ فِي أَرْبَعَة آلَاف مِنْ الْأُمَرَاء مَعَ كُلّ أَمِير خَلْق اللَّه أَعْلَم بِهِمْ ; وَرَكِبَ أَهْل مِصْر مَعَهُمْ يَتَلَقَّوْنَ يَعْقُوب , فَكَانَ يَعْقُوب يَمْشِي مُتَّكِئًا عَلَى يَد يَهُوذَا ; فَنَظَرَ يَعْقُوب إِلَى الْخَيْل وَالنَّاس وَالْعَسَاكِر فَقَالَ : يَا يَهُوذَا ! هَذَا فِرْعَوْن مِصْر ؟ قَالَ : لَا , بَلْ هَذَا اِبْنك يُوسُف ; فَلَمَّا دَنَا كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبه ذَهَبَ يُوسُف لِيَبْدَأهُ بِالسَّلَامِ فَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ , وَكَانَ يَعْقُوب أَحَقّ بِذَلِكَ مِنْهُ وَأَفْضَل ; فَابْتَدَأَ يَعْقُوب بِالسَّلَامِ فَقَالَ : السَّلَام عَلَيْك يَا مُذْهِب الْأَحْزَان , وَبَكَى وَبَكَى مَعَهُ يُوسُف ; فَبَكَى يَعْقُوب فَرَحًا , وَبَكَى يُوسُف لَمَّا رَأَى بِأَبِيهِ مِنْ الْحُزْن ; قَالَ اِبْن عَبَّاس : فَالْبُكَاء أَرْبَعَة , بُكَاء مِنْ الْخَوْف , وَبُكَاء مِنْ الْجَزَع , وَبُكَاء مِنْ الْفَرَح , وَبُكَاء رِيَاء . ثُمَّ قَالَ يَعْقُوب : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَقَرَّ عَيْنَيَّ بَعْد الْهُمُوم وَالْأَحْزَان , وَدَخَلَ , مِصْر فِي اِثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ مِنْ أَهْل بَيْته ; فَلَمْ يَخْرُجُوا مِنْ مِصْر حَتَّى بَلَغُوا سِتّمِائَةِ أَلْف وَنَيِّف أَلْف ; وَقَطَعُوا الْبَحْر مَعَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ; رَوَاهُ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَحَكَى اِبْن مَسْعُود أَنَّهُمْ دَخَلُوا مِصْر وَهُمْ ثَلَاثَة وَتِسْعُونَ إِنْسَانًا مَا بَيْن رَجُل وَامْرَأَة , وَخَرَجُوا مَعَ مُوسَى وَهُمْ سِتّمِائَةِ أَلْف وَسَبْعُونَ أَلْفًا . وَقَالَ الرَّبِيع بْن خَيْثَم : دَخَلُوهَا وَهُمْ اِثْنَانِ وَسَبْعُونَ أَلْفًا , وَخَرَجُوا مَعَ مُوسَى وَهُمْ سِتّمِائَةِ أَلْف . وَقَالَ وَهْب : بْن مُنَبِّه دَخَلَ يَعْقُوب وَوَلَده مِصْر وَهُمْ تِسْعُونَ إِنْسَانًا مَا بَيْن رَجُل وَامْرَأَة وَصَغِير , وَخَرَجُوا مِنْهَا مَعَ مُوسَى فِرَارًا مِنْ فِرْعَوْن , وَهُمْ سِتّمِائَةِ أَلْف وَخَمْسمِائَةِ وَبِضْع وَسَبْعُونَ رَجُلًا مُقَاتِلِينَ , سِوَى الذُّرِّيَّة . وَالْهَرْمَى وَالزَّمْنَى ; وَكَانَتْ الذُّرِّيَّة أَلْف أَلْف وَمِائَتَيْ أَلْف سِوَى الْمُقَاتِلَة , وَقَالَ أَهْل التَّوَارِيخ : أَقَامَ يَعْقُوب بِمِصْرَ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ سَنَة فِي أَغْبَط حَال وَنِعْمَة , وَمَاتَ بِمِصْرَ , وَأَوْصَى إِلَى اِبْنه يُوسُف أَنْ يَحْمِل جَسَده حَتَّى يَدْفِنهُ عِنْد أَبِيهِ إِسْحَاق بِالشَّامِ فَفَعَلَ , ثُمَّ اِنْصَرَفَ إِلَى مِصْر . قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : نُقِلَ يَعْقُوب صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَابُوت مِنْ سَاج إِلَى بَيْت الْمَقْدِس , وَوَافَقَ ذَلِكَ يَوْم مَاتَ عَيْصُو , فَدُفِنَا فِي قَبْر وَاحِد ; فَمِنْ ثَمَّ تَنْقُل الْيَهُود مَوْتَاهُمْ إِلَى بَيْت الْمَقْدِس , مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ ; وَوُلِدَ يَعْقُوب وَعَيْصُو فِي بَطْن وَاحِد , وَدُفِنَا فِي قَبْر وَاحِد وَكَانَ عُمْرهمَا جَمِيعًا مِائَة وَسَبْعًا وَأَرْبَعِينَ سَنَة .
فِيهِ ثَلَاث مَسَائِل : الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى : " وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا " الْهَاء فِي " خَرُّوا لَهُ " قِيلَ : إِنَّهَا تَعُود عَلَى اللَّه تَعَالَى ; الْمَعْنَى : وَخَرُّوا شُكْرًا لِلَّهِ سُجَّدًا ; وَيُوسُف كَالْقِبْلَةِ لِتَحْقِيقِ رُؤْيَاهُ , وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَن ; قَالَ النَّقَّاش : وَهَذَا خَطَأ ; وَالْهَاء رَاجِعَة إِلَى يُوسُف لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي أَوَّل السُّورَة : " رَأَيْتهمْ لِي سَاجِدِينَ " [ يُوسُف : 4 ] . وَكَانَ تَحِيَّتهمْ أَنْ يَسْجُد الْوَضِيع لِلشَّرِيفِ , وَالصَّغِير لِلْكَبِيرِ ; سَجَدَ يَعْقُوب وَخَالَته وَإِخْوَته لِيُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام , فَاقْشَعَرَّ جِلْده وَقَالَ : " هَذَا تَأْوِيل رُؤْيَايَ مِنْ قَبْل " وَكَانَ بَيْن رُؤْيَا يُوسُف وَبَيْن تَأْوِيلهَا اِثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ سَنَة . وَقَالَ سَلْمَان الْفَارِسِيّ وَعَبْد اللَّه بْن شَدَّاد : أَرْبَعُونَ سَنَة ; قَالَ عَبْد اللَّه بْن شَدَّاد : وَذَلِكَ آخِر مَا تُبْطِئ الرُّؤْيَا . وَقَالَ قَتَادَة : خَمْس وَثَلَاثُونَ سَنَة . وَقَالَ السُّدِّيّ وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَعِكْرِمَة : سِتّ وَثَلَاثُونَ سَنَة . وَقَالَ الْحَسَن وَجِسْر بْن فَرْقَد وَفُضَيْل بْن عِيَاض : ثَمَانُونَ سَنَة . وَقَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه : أُلْقِيَ يُوسُف فِي الْجُبّ وَهُوَ اِبْن سَبْع عَشْرَة سَنَة , وَغَابَ عَنْ أَبِيهِ ثَمَانِينَ سَنَة , وَعَاشَ بَعْد أَنْ اِلْتَقَى بِأَبِيهِ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ سَنَة , وَمَاتَ وَهُوَ اِبْن مِائَة وَعِشْرِينَ سَنَة . وَفِي التَّوْرَاة مِائَة وَسِتّ وَعِشْرُونَ سَنَة . وَوُلِدَ لِيُوسُف مِنْ اِمْرَأَة الْعَزِيز إفراثيم ومنشا وَرَحْمَة اِمْرَأَة أَيُّوب . وَبَيْن يُوسُف وَمُوسَى أَرْبَعمِائَةِ سَنَة . وَقِيلَ : إِنَّ يَعْقُوب بَقِيَ عِنْد يُوسُف عِشْرِينَ سَنَة , ثُمَّ تُوُفِّيَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقِيلَ : أَقَامَ عِنْده ثَمَانِي عَشْرَة سَنَة . وَقَالَ بَعْض الْمُحَدِّثِينَ : بِضْعًا وَأَرْبَعِينَ سَنَة ; وَكَانَ بَيْن يَعْقُوب وَيُوسُف ثَلَاث وَثَلَاثُونَ سَنَة حَتَّى جَمَعَهُمْ اللَّه . وَقَالَ اِبْن إِسْحَاق : ثَمَانِي عَشْرَة سَنَة , وَاَللَّه أَعْلَم .
الثَّانِيَة : قَالَ سَعِيد بَعْد جُبَيْر عَنْ قَتَادَة عَنْ الْحَسَن : فِي قَوْله : " وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا " - قَالَ : لَمْ يَكُنْ سُجُودًا , لَكِنَّهُ سُنَّة كَانَتْ فِيهِمْ , يُومِئُونَ بِرُءُوسِهِمْ إِيمَاء , كَذَلِكَ كَانَتْ تَحِيَّتهمْ . وَقَالَ الثَّوْرِيّ وَالضَّحَّاك وَغَيْرهمَا : كَانَ سُجُودًا كَالسُّجُودِ الْمَعْهُود عِنْدنَا , وَهُوَ كَانَ تَحِيَّتهمْ . وَقِيلَ : كَانَ اِنْحِنَاء كَالرُّكُوعِ , وَلَمْ يَكُنْ خُرُورًا عَلَى الْأَرْض , وَهَكَذَا كَانَ سَلَامهمْ بِالتَّكَفِّي وَالِانْحِنَاء , وَقَدْ نَسَخَ اللَّه ذَلِكَ كُلّه فِي شَرْعنَا , وَجَعَلَ الْكَلَام بَدَلًا عَنْ الِانْحِنَاء . وَأَجْمَعَ الْمُفَسِّرُونَ أَنَّ ذَلِكَ السُّجُود عَلَى أَيّ وَجْه كَانَ فَإِنَّمَا كَانَ تَحِيَّة لَا عِبَادَة ; قَالَ قَتَادَة : هَذِهِ كَانَتْ تَحِيَّة الْمُلُوك عِنْدهمْ ; وَأَعْطَى اللَّه هَذِهِ الْأُمَّة السَّلَام تَحِيَّة أَهْل الْجَنَّة .
قُلْت : هَذَا الِانْحِنَاء وَالتَّكَفِّي الَّذِي نُسِخَ عَنَّا قَدْ صَارَ عَادَة بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّة , وَعِنْد الْعَجَم , وَكَذَلِكَ قِيَام بَعْضهمْ إِلَى بَعْض ; حَتَّى أَنَّ أَحَدهمْ إِذَا لَمْ يَقُمْ لَهُ وَجَدَ فِي نَفْسه كَأَنَّهُ لَا يُؤْبَه بِهِ , وَأَنَّهُ لَا قَدْر لَهُ ; وَكَذَلِكَ إِذَا اِلْتَقَوْا اِنْحَنَى بَعْضهمْ لِبَعْضٍ , عَادَة مُسْتَمِرَّة , وَوِرَاثَة مُسْتَقِرَّة لَا سِيَّمَا عِنْد اِلْتِقَاء الْأُمَرَاء وَالرُّؤَسَاء نَكَبُوا عَنْ السُّنَن , وَأَعْرَضُوا عَنْ السُّنَن . وَرَوَى أَنَس بْن مَالِك قَالَ : قُلْنَا يَا رَسُول اللَّه أَيَنْحَنِي بَعْضنَا إِلَى بَعْض إِذَا اِلْتَقَيْنَا ؟ قَالَ : ( لَا ) ; قُلْنَا : أَفَيَعْتَنِق بَعْضنَا بَعْضًا ؟ قَالَ ( لَا ) . قُلْنَا : أَفَيُصَافِح بَعْضنَا بَعْضًا ؟ قَالَ ( نَعَمْ ) . خَرَّجَهُ أَبُو عُمَر فِي " التَّمْهِيد " فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قُومُوا إِلَى سَيِّدكُمْ وَخَيْركُمْ ) - يَعْنِي سَعْد بْن مُعَاذ - قُلْنَا : ذَلِكَ مَخْصُوص بِسَعْدٍ لِمَا تَقْتَضِيه الْحَال الْمُعَيَّنَة ; وَقَدْ قِيلَ : إِنَّمَا كَانَ قِيَامهمْ لِيُنْزِلُوهُ عَنْ الْحِمَار ; وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يَجُوز لِلرَّجُلِ الْكَبِير إِذَا لَمْ يُؤَثِّر ذَلِكَ فِي نَفْسه , فَإِنْ أَثَّرَ فِيهِ وَأُعْجِبَ بِهِ وَرَأَى لِنَفْسِهِ حَظًّا لَمْ يَجُزْ عَوْنه عَلَى ذَلِكَ ; لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَتَمَثَّل لَهُ النَّاس قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَده مِنْ النَّار ) . وَجَاءَ عَنْ الصَّحَابَة رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَجْه أَكْرَم عَلَيْهِمْ مِنْ وَجْه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمَا كَانُوا يَقُومُونَ لَهُ إِذَا رَأَوْهُ , لِمَا يَعْرِفُونَ مِنْ كَرَاهَته لِذَلِكَ .
الثَّالِثَة : فَإِنْ قِيلَ : فَمَا تَقُول فِي الْإِشَارَة بِالْإِصْبَعِ ؟ قِيلَ لَهُ : ذَلِكَ جَائِز إِذَا بَعُدَ عَنْك , لِتُعَيِّنَ لَهُ بِهِ وَقْت السَّلَام , فَإِنْ كَانَ دَانِيًا فَلَا ; وَقَدْ قِيلَ بِالْمَنْعِ فِي الْقُرْب وَالْبُعْد ; لِمَا جَاءَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا فَلَيْسَ مِنَّا ) . وَقَالَ : ( لَا تُسَلِّمُوا تَسْلِيم الْيَهُود وَالنَّصَارَى فَإِنَّ تَسْلِيم الْيَهُود بِالْأَكُفِّ وَالنَّصَارَى بِالْإِشَارَةِ ) . وَإِذَا سَلَّمَ فَإِنَّهُ لَا يَنْحَنِي , وَلَا أَنْ يُقَبِّل مَعَ السَّلَام يَده , وَلِأَنَّ الِانْحِنَاء عَلَى مَعْنَى التَّوَاضُع لَا يَنْبَغِي إِلَّا لِلَّهِ . وَأَمَّا تَقْبِيل الْيَد فَإِنَّهُ مِنْ فِعْل الْأَعَاجِم , وَلَا يُتَّبَعُونَ عَلَى أَفْعَالهمْ الَّتِي أَحْدَثُوهَا تَعْظِيمًا مِنْهُمْ لِكُبَرَائِهِمْ ; قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَقُومُوا عِنْد رَأْسِي كَمَا تَقُوم الْأَعَاجِم عِنْد رُءُوس أَكَاسِرَتهَا " فَهَذَا مِثْله . وَلَا بَأْس بِالْمُصَافَحَةِ ; فَقَدْ صَافَحَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعْفَر بْن أَبِي طَالِب حِين قَدِمَ مِنْ الْحَبَشَة , وَأَمَرَ بِهَا , وَنَدَبَ إِلَيْهَا , وَقَالَ : ( تَصَافَحُوا يَذْهَب الْغِلّ ) وَرَوَى غَالِب التَّمَّار عَنْ الشَّعْبِيّ أَنَّ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا إِذَا اِلْتَقَوْا تَصَافَحُوا , وَإِذَا قَدِمُوا مِنْ سَفَر تَعَانَقُوا ; فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ كَرِهَ مَالِك الْمُصَافَحَة ؟ قُلْنَا : رَوَى اِبْن وَهْب عَنْ مَالِك أَنَّهُ كَرِهَ الْمُصَافَحَة وَالْمُعَانَقَة , وَذَهَبَ إِلَى هَذَا سُحْنُون وَغَيْره مِنْ أَصْحَابنَا ; وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِك خِلَاف ذَلِكَ مِنْ جَوَاز الْمُصَافَحَة , وَهُوَ الَّذِي يَدُلّ عَلَيْهِ مَعْنَى مَا فِي الْمُوَطَّأ ; وَعَلَى جَوَاز الْمُصَافَحَة جَمَاعَة الْعُلَمَاء مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : إِنَّمَا كَرِهَ مَالِك الْمُصَافَحَة لِأَنَّهُ لَمْ يَرَهَا أَمْرًا عَامًّا فِي الدِّين , وَلَا مَنْقُولًا نَقْل السَّلَام ; وَلَوْ كَانَتْ مِنْهُ لَاسْتَوَى مَعَهُ
قُلْت : قَدْ جَاءَ فِي الْمُصَافَحَة حَدِيث يَدُلّ عَلَى التَّرْغِيب فِيهَا , وَالدَّأَب عَلَيْهَا وَالْمُحَافَظَة ; وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْبَرَاء بْن عَازِب قَالَ : لَقِيت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ بِيَدَيَّ فَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه ! إِنْ كُنْت لَأَحْسِب أَنَّ الْمُصَافَحَة لِلْأَعَاجِمِ ؟ فَقَالَ : ( نَحْنُ أَحَقّ بِالْمُصَافَحَةِ مِنْهُمْ مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَأْخُذ أَحَدهمَا بِيَدِ صَاحِبه مَوَدَّة بَيْنهمَا وَنَصِيحَة إِلَّا أُلْقِيَتْ ذُنُوبهمَا بَيْنهمَا ) .
" وَقَدْ أَحْسَن بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنْ السِّجْن " وَلَمْ يَقُلْ مِنْ الْجُبّ اسْتِعْمَالًا لِلْكَرْمِ ; لِئَلَّا يُذَكِّر إِخْوَته صَنِيعهمْ بَعْد عَفْوه عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ : " لَا تَثْرِيب عَلَيْكُمْ " .
قُلْت : وَهَذَا هُوَ الْأَصْل عِنْد مَشَايِخ الصُّوفِيَّة : ذِكْر اِلْجَفَا فِي وَقْت الصَّفَا جَفَا , وَهُوَ قَوْل صَحِيح دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَاب . وَقِيلَ : لِأَنَّ فِي دُخُوله السِّجْن كَانَ بِاخْتِيَارِهِ بِقَوْلِهِ : " رَبّ السِّجْن أَحَبّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ " [ يُوسُف : 33 ] وَكَانَ فِي الْجُبّ بِإِرَادَةِ اللَّه تَعَالَى لَهُ . وَقِيلَ : لِأَنَّهُ كَانَ فِي السِّجْن مَعَ اللُّصُوص وَالْعُصَاة , وَفِي الْجُبّ مَعَ اللَّه تَعَالَى ; وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمِنَّة فِي النَّجَاة مِنْ السِّجْن كَانَتْ أَكْبَر , لِأَنَّهُ دَخَلَهُ بِسَبَبِ أَمْر هَمَّ بِهِ ; وَأَيْضًا دَخَلَهُ بِاخْتِيَارِهِ إِذْ قَالَ : " رَبّ السِّجْن أَحَبَّ إِلَيَّ " فَكَانَ الْكَرْب فِيهِ أَكْثَر ; وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا : " اُذْكُرْنِي عِنْد رَبّك " [ يُوسُف : 42 ] فَعُوقِبَ فِيهِ .
يُرْوَى أَنَّ مَسْكَن يَعْقُوب كَانَ بِأَرْضِ كَنْعَان , وَكَانُوا أَهْل مَوَاشٍ وَبَرِّيَّة ; وَقِيلَ : كَانَ يَعْقُوب تَحُول إِلَى بَادِيَة وَسَكَنَهَا , وَأَنَّ اللَّه لَمْ يَبْعَث نَبِيًّا مِنْ أَهْل الْبَادِيَة . وَقِيلَ : إِنَّهُ كَانَ خَرَجَ إِلَى بَدَا , وَهُوَ مَوْضِع ; وَإِيَّاهُ عَنَى جَمِيل بِقَوْلِهِ : وَأَنْتِ الَّتِي حَبَّبْت شَغْبًا إِلَى بَدَا إِلَيَّ وَأَوْطَانِي بِلَاد سِوَاهُمَا وَلِيَعْقُوب بِهَذَا الْمَوْضِع مَسْجِد تَحْت جَبَل . يُقَال : بَدَا الْقَوْم بَدْوًا إِذَا أَتَوْا بَدَا , كَمَا يُقَال : غَارُوا غَوْرًا أَيْ أَتَوْا الْغَوْر ; وَالْمَعْنَى : وَجَاءَ بِكُمْ مِنْ مَكَان بَدَا ; ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيّ , وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ عَنْ الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس .
بِإِيقَاعِ الْحَسَد ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَقِيلَ : أَفْسَدَ مَا بَيْنِي وَبَيْن إِخْوَتِي ; أَحَالَ ذَنْبهمْ عَلَى الشَّيْطَان تَكَرُّمًا مِنْهُ .
أَيْ رَفِيق بِعِبَادِهِ . وَقَالَ الْخَطَّابِيّ : اللَّطِيف هُوَ الْبَرّ بِعِبَادِهِ الَّذِي يَلْطُف بِهِمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ , وَيُسَبِّب لَهُمْ مَصَالِحهمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُونَ ; كَقَوْلِهِ : " اللَّه لَطِيف بِعِبَادِهِ يَرْزُق مَنْ يَشَاء " [ الشُّورَى : 19 ] . وَقِيلَ : اللَّطِيف الْعَالِم بِدَقَائِق الْأُمُور ; وَالْمُرَاد هُنَا الْإِكْرَام وَالرِّفْق . قَالَ قَتَادَة , لَطَفَ بِيُوسُف بِإِخْرَاجِهِ مِنْ السِّجْن , وَجَاءَهُ بِأَهْلِهِ مِنْ الْبَدْو , وَنَزَعَ عَنْ قَلْبه نَزْغ الشَّيْطَان . وَيُرْوَى أَنَّ يَعْقُوب لَمَّا قَدِمَ بِأَهْلِهِ وَوَلَده وَشَارَفَ أَرْض مِصْر وَبَلَغَ ذَلِكَ يُوسُف اِسْتَأْذَنَ فِرْعَوْن - وَاسْمه الرَّيَّان - أَنْ يَأْذَن لَهُ فِي تَلَقِّي أَبِيهِ يَعْقُوب ; وَأَخْبَرَهُ بِقُدُومِهِ فَأَذِنَ لَهُ , وَأَمَرَ الْمَلَأ مِنْ أَصْحَابه بِالرُّكُوبِ مَعَهُ ; فَخَرَجَ يُوسُف وَالْمَلِك مَعَهُ فِي أَرْبَعَة آلَاف مِنْ الْأُمَرَاء مَعَ كُلّ أَمِير خَلْق اللَّه أَعْلَم بِهِمْ ; وَرَكِبَ أَهْل مِصْر مَعَهُمْ يَتَلَقَّوْنَ يَعْقُوب , فَكَانَ يَعْقُوب يَمْشِي مُتَّكِئًا عَلَى يَد يَهُوذَا ; فَنَظَرَ يَعْقُوب إِلَى الْخَيْل وَالنَّاس وَالْعَسَاكِر فَقَالَ : يَا يَهُوذَا ! هَذَا فِرْعَوْن مِصْر ؟ قَالَ : لَا , بَلْ هَذَا اِبْنك يُوسُف ; فَلَمَّا دَنَا كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبه ذَهَبَ يُوسُف لِيَبْدَأهُ بِالسَّلَامِ فَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ , وَكَانَ يَعْقُوب أَحَقّ بِذَلِكَ مِنْهُ وَأَفْضَل ; فَابْتَدَأَ يَعْقُوب بِالسَّلَامِ فَقَالَ : السَّلَام عَلَيْك يَا مُذْهِب الْأَحْزَان , وَبَكَى وَبَكَى مَعَهُ يُوسُف ; فَبَكَى يَعْقُوب فَرَحًا , وَبَكَى يُوسُف لَمَّا رَأَى بِأَبِيهِ مِنْ الْحُزْن ; قَالَ اِبْن عَبَّاس : فَالْبُكَاء أَرْبَعَة , بُكَاء مِنْ الْخَوْف , وَبُكَاء مِنْ الْجَزَع , وَبُكَاء مِنْ الْفَرَح , وَبُكَاء رِيَاء . ثُمَّ قَالَ يَعْقُوب : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَقَرَّ عَيْنَيَّ بَعْد الْهُمُوم وَالْأَحْزَان , وَدَخَلَ , مِصْر فِي اِثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ مِنْ أَهْل بَيْته ; فَلَمْ يَخْرُجُوا مِنْ مِصْر حَتَّى بَلَغُوا سِتّمِائَةِ أَلْف وَنَيِّف أَلْف ; وَقَطَعُوا الْبَحْر مَعَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ; رَوَاهُ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَحَكَى اِبْن مَسْعُود أَنَّهُمْ دَخَلُوا مِصْر وَهُمْ ثَلَاثَة وَتِسْعُونَ إِنْسَانًا مَا بَيْن رَجُل وَامْرَأَة , وَخَرَجُوا مَعَ مُوسَى وَهُمْ سِتّمِائَةِ أَلْف وَسَبْعُونَ أَلْفًا . وَقَالَ الرَّبِيع بْن خَيْثَم : دَخَلُوهَا وَهُمْ اِثْنَانِ وَسَبْعُونَ أَلْفًا , وَخَرَجُوا مَعَ مُوسَى وَهُمْ سِتّمِائَةِ أَلْف . وَقَالَ وَهْب : بْن مُنَبِّه دَخَلَ يَعْقُوب وَوَلَده مِصْر وَهُمْ تِسْعُونَ إِنْسَانًا مَا بَيْن رَجُل وَامْرَأَة وَصَغِير , وَخَرَجُوا مِنْهَا مَعَ مُوسَى فِرَارًا مِنْ فِرْعَوْن , وَهُمْ سِتّمِائَةِ أَلْف وَخَمْسمِائَةِ وَبِضْع وَسَبْعُونَ رَجُلًا مُقَاتِلِينَ , سِوَى الذُّرِّيَّة . وَالْهَرْمَى وَالزَّمْنَى ; وَكَانَتْ الذُّرِّيَّة أَلْف أَلْف وَمِائَتَيْ أَلْف سِوَى الْمُقَاتِلَة , وَقَالَ أَهْل التَّوَارِيخ : أَقَامَ يَعْقُوب بِمِصْرَ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ سَنَة فِي أَغْبَط حَال وَنِعْمَة , وَمَاتَ بِمِصْرَ , وَأَوْصَى إِلَى اِبْنه يُوسُف أَنْ يَحْمِل جَسَده حَتَّى يَدْفِنهُ عِنْد أَبِيهِ إِسْحَاق بِالشَّامِ فَفَعَلَ , ثُمَّ اِنْصَرَفَ إِلَى مِصْر . قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : نُقِلَ يَعْقُوب صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَابُوت مِنْ سَاج إِلَى بَيْت الْمَقْدِس , وَوَافَقَ ذَلِكَ يَوْم مَاتَ عَيْصُو , فَدُفِنَا فِي قَبْر وَاحِد ; فَمِنْ ثَمَّ تَنْقُل الْيَهُود مَوْتَاهُمْ إِلَى بَيْت الْمَقْدِس , مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ ; وَوُلِدَ يَعْقُوب وَعَيْصُو فِي بَطْن وَاحِد , وَدُفِنَا فِي قَبْر وَاحِد وَكَانَ عُمْرهمَا جَمِيعًا مِائَة وَسَبْعًا وَأَرْبَعِينَ سَنَة .
رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ↓
قَالَ قَتَادَة : لَمْ يَتَمَنَّ الْمَوْت أَحَد ; نَبِيّ وَلَا غَيْره إِلَّا يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام ; حِين تَكَامَلَتْ عَلَيْهِ النِّعَم وَجُمِعَ لَهُ الشَّمْل اِشْتَاقَ إِلَى لِقَاء رَبّه عَزَّ وَجَلَّ . وَقِيلَ : إِنَّ يُوسُف لَمْ يَتَمَنَّ الْمَوْت , وَإِنَّمَا تَمَنَّى الْوَفَاة عَلَى الْإِسْلَام ; أَيْ إِذَا جَاءَ أَجَلِي تَوَفَّنِي مُسْلِمًا ; وَهَذَا قَوْل الْجُمْهُور . وَقَالَ سَهْل بْن عَبْد اللَّه التُّسْتَرِيّ : لَا يَتَمَنَّى الْمَوْت إِلَّا ثَلَاث : رَجُل جَاهِل بِمَا بَعْد الْمَوْت , أَوْ رَجُل يَفِرّ مِنْ أَقْدَار اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ , أَوْ مُشْتَاق مُحِبّ لِلِقَاءِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . وَثَبَتَ فِي الصَّحِيح عَنْ أَنَس قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدكُمْ الْمَوْت لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ فَإِنْ كَانَ لَا بُدّ مُتَمَنِّيًا فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاة خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاة خَيْرًا لِي ) رَوَاهُ مُسْلِم . وَفِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَتَمَنَّى أَحَدكُمْ الْمَوْت وَلَا يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْل أَنْ يَأْتِيه إِنَّهُ إِذَا مَاتَ أَحَدكُمْ اِنْقَطَعَ عَمَله وَإِنَّهُ لَا يَزِيد الْمُؤْمِن عُمُره إِلَّا خَيْرًا ) . وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَكَيْف يُقَال : إِنَّ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام تَمَنَّى الْمَوْت وَالْخُرُوج مِنْ الدُّنْيَا وَقَطْع الْعَمَل ؟ هَذَا بَعِيد ! إِلَّا أَنْ يُقَال : إِنَّ ذَلِكَ كَانَ جَائِزًا فِي شَرْعه ; أَمَّا أَنَّهُ يَجُوز تَمَنِّي الْمَوْت وَالدُّعَاء بِهِ عِنْد ظُهُور الْفِتَن وَغَلَبَتهَا , وَخَوْف ذَهَاب الدِّين , عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي كِتَاب " التَّذْكِرَة " . " وَمِنْ " مِنْ قَوْله : " مِنْ الْمُلْك " لِلتَّبْعِيضِ , وَكَذَلِكَ قَوْله : " وَعَلَّمْتنِي مِنْ تَأْوِيل الْأَحَادِيث " لِأَنَّ مُلْك مِصْر مَا كَانَ كُلّ الْمُلْك , وَعِلْم التَّعْبِير مَا كَانَ كُلّ الْعُلُوم . وَقِيلَ : " مِنْ " لِلْجِنْسِ كَقَوْلِهِ : " فَاجْتَنِبُوا الرِّجْس مِنْ الْأَوْثَان " [ الْحَجّ : 30 ] وَقِيلَ : لِلتَّأَكُّدِ . أَيْ آتَيْتنِي الْمُلْك وَعَلَّمْتنِي تَأْوِيل الْأَحَادِيث
نُصِبَ عَلَى النَّعْت لِلنِّدَاءِ , وَهُوَ رَبّ , وَهُوَ نِدَاء مُضَاف ; وَالتَّقْدِير : يَا رَبّ ! وَيَجُوز أَنْ يَكُون نِدَاء ثَانِيًا . وَالْفَاطِر الْخَالِق ; فَهُوَ سُبْحَانه فَاطِر الْمَوْجُودَات , أَيْ خَالِقهَا وَمُبْدِئُهَا وَمُنْشِئُهَا وَمُخْتَرِعهَا عَلَى الْإِطْلَاق مِنْ غَيْر شَيْء , وَلَا مِثَال سَبَقَ ; وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي " الْبَقَرَة " مُسْتَوْفًى ; عِنْد قَوْله : " بَدِيع السَّمَوَات وَالْأَرْض " [ الْبَقَرَة : 117 ] وَزِدْنَاهُ بَيَانًا فِي الْكِتَاب الْأَسْنَى فِي شَرْح أَسْمَاء اللَّه الْحُسْنَى .
أَيْ نَاصِرِي وَمُتَوَلِّي أُمُورِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة .
يُرِيد آبَاءَهُ الثَّلَاثَة ; إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب , فَتَوَفَّاهُ اللَّه - طَاهِرًا طَيِّبًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِصْرِ , وَدُفِنَ فِي النِّيل فِي صُنْدُوق مِنْ رُخَام ; وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ تَشَاحَّ النَّاس عَلَيْهِ ; كُلّ يُحِبّ أَنْ يُدْفَن فِي مَحَلَّتهمْ , لِمَا يَرْجُونَ مِنْ بَرَكَته ; وَاجْتَمَعُوا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى هَمُّوا بِالْقِتَالِ , فَرَأَوْا أَنْ يَدْفِنُوهُ فِي النِّيل مِنْ حَيْثُ مَفْرِق الْمَاء بِمِصْرَ , فَيَمُرّ عَلَيْهِ الْمَاء , ثُمَّ يَتَفَرَّق فِي جَمِيع مِصْر , فَيَكُونُوا فِيهِ شُرَّعًا فَفَعَلُوا ; فَلَمَّا خَرَجَ مُوسَى بِبَنِي إِسْرَائِيل أَخْرَجَهُ مِنْ النِّيل : وَنَقَلَ تَابُوته بَعْد أَرْبَعمِائَةِ سَنَة إِلَى بَيْت الْمَقْدِس , فَدَفَنُوهُ مَعَ آبَائِهِ لِدَعْوَتِهِ : " وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ " وَكَانَ عُمْره مِائَة عَام وَسَبْعَة أَعْوَام . وَعَنْ الْحَسَن قَالَ : أُلْقِيَ يُوسُف فِي الْجُبّ وَهُوَ اِبْن سَبْع عَشْرَة سَنَة , وَكَانَ فِي الْعُبُودِيَّة وَالسِّجْن وَالْمُلْك ثَمَانِينَ سَنَة , ثُمَّ جُمِعَ لَهُ شَمْله فَعَاشَ بَعْد ذَلِكَ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ سَنَة ; وَكَانَ لَهُ مِنْ الْوَلَد إفراثيم , ومنشا , وَرَحْمَة , زَوْجَة أَيُّوب ; فِي قَوْل اِبْن لَهِيعَة . قَالَ الزُّهْرِيّ : وَوَلَد لإفراثيم - بْن يُوسُف - نُون بْن إفراثيم , وَوَلَد لِنُونِ يُوشَع ; فَهُوَ يُوشَع بْن نُون , وَهُوَ فَتَى مُوسَى الَّذِي كَانَ مَعَهُ صَاحِب أَمْره , وَنَبَّأَهُ اللَّه فِي زَمَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ; فَكَانَ بَعْده نَبِيًّا , وَهُوَ الَّذِي اِفْتَتَحَ أَرِيحَا , وَقَتَلَ مَنْ كَانَ بِهَا مِنْ الْجَبَابِرَة , وَاسْتَوْقَفْت لَهُ الشَّمْس حَسْب مَا تَقَدَّمَ فِي " الْمَائِدَة " . وَوُلِدَ لمنشا بْن يُوسُف مُوسَى بْن منشا , قَبْل مُوسَى بْن عِمْرَان . وَأَهْل التَّوْرَاة يَزْعُمُونَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي طَلَبَ الْعَالِم لِيَتَعَلَّم مِنْهُ حَتَّى أَدْرَكَهُ , وَالْعَالِم هُوَ الَّذِي خَرَقَ السَّفِينَة , وَقَتَلَ الْغُلَام , وَبَنَى الْجِدَار , وَمُوسَى بْن منشا مَعَهُ حَتَّى بَلَغَهُ مَعَهُ حَيْثُ بَلَغَ ; وَكَانَ اِبْن عَبَّاس يُنْكِر ذَلِكَ ; وَالْحَقّ الَّذِي قَالَهُ اِبْن عَبَّاس ; وَكَذَلِكَ فِي الْقُرْآن . ثُمَّ كَانَ بَيْن يُوسُف وَمُوسَى أُمَم وَقُرُون , وَكَانَ فِيمَا بَيْنهمَا شُعَيْب , صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ .
نُصِبَ عَلَى النَّعْت لِلنِّدَاءِ , وَهُوَ رَبّ , وَهُوَ نِدَاء مُضَاف ; وَالتَّقْدِير : يَا رَبّ ! وَيَجُوز أَنْ يَكُون نِدَاء ثَانِيًا . وَالْفَاطِر الْخَالِق ; فَهُوَ سُبْحَانه فَاطِر الْمَوْجُودَات , أَيْ خَالِقهَا وَمُبْدِئُهَا وَمُنْشِئُهَا وَمُخْتَرِعهَا عَلَى الْإِطْلَاق مِنْ غَيْر شَيْء , وَلَا مِثَال سَبَقَ ; وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي " الْبَقَرَة " مُسْتَوْفًى ; عِنْد قَوْله : " بَدِيع السَّمَوَات وَالْأَرْض " [ الْبَقَرَة : 117 ] وَزِدْنَاهُ بَيَانًا فِي الْكِتَاب الْأَسْنَى فِي شَرْح أَسْمَاء اللَّه الْحُسْنَى .
أَيْ نَاصِرِي وَمُتَوَلِّي أُمُورِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة .
يُرِيد آبَاءَهُ الثَّلَاثَة ; إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب , فَتَوَفَّاهُ اللَّه - طَاهِرًا طَيِّبًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِصْرِ , وَدُفِنَ فِي النِّيل فِي صُنْدُوق مِنْ رُخَام ; وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ تَشَاحَّ النَّاس عَلَيْهِ ; كُلّ يُحِبّ أَنْ يُدْفَن فِي مَحَلَّتهمْ , لِمَا يَرْجُونَ مِنْ بَرَكَته ; وَاجْتَمَعُوا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى هَمُّوا بِالْقِتَالِ , فَرَأَوْا أَنْ يَدْفِنُوهُ فِي النِّيل مِنْ حَيْثُ مَفْرِق الْمَاء بِمِصْرَ , فَيَمُرّ عَلَيْهِ الْمَاء , ثُمَّ يَتَفَرَّق فِي جَمِيع مِصْر , فَيَكُونُوا فِيهِ شُرَّعًا فَفَعَلُوا ; فَلَمَّا خَرَجَ مُوسَى بِبَنِي إِسْرَائِيل أَخْرَجَهُ مِنْ النِّيل : وَنَقَلَ تَابُوته بَعْد أَرْبَعمِائَةِ سَنَة إِلَى بَيْت الْمَقْدِس , فَدَفَنُوهُ مَعَ آبَائِهِ لِدَعْوَتِهِ : " وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ " وَكَانَ عُمْره مِائَة عَام وَسَبْعَة أَعْوَام . وَعَنْ الْحَسَن قَالَ : أُلْقِيَ يُوسُف فِي الْجُبّ وَهُوَ اِبْن سَبْع عَشْرَة سَنَة , وَكَانَ فِي الْعُبُودِيَّة وَالسِّجْن وَالْمُلْك ثَمَانِينَ سَنَة , ثُمَّ جُمِعَ لَهُ شَمْله فَعَاشَ بَعْد ذَلِكَ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ سَنَة ; وَكَانَ لَهُ مِنْ الْوَلَد إفراثيم , ومنشا , وَرَحْمَة , زَوْجَة أَيُّوب ; فِي قَوْل اِبْن لَهِيعَة . قَالَ الزُّهْرِيّ : وَوَلَد لإفراثيم - بْن يُوسُف - نُون بْن إفراثيم , وَوَلَد لِنُونِ يُوشَع ; فَهُوَ يُوشَع بْن نُون , وَهُوَ فَتَى مُوسَى الَّذِي كَانَ مَعَهُ صَاحِب أَمْره , وَنَبَّأَهُ اللَّه فِي زَمَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ; فَكَانَ بَعْده نَبِيًّا , وَهُوَ الَّذِي اِفْتَتَحَ أَرِيحَا , وَقَتَلَ مَنْ كَانَ بِهَا مِنْ الْجَبَابِرَة , وَاسْتَوْقَفْت لَهُ الشَّمْس حَسْب مَا تَقَدَّمَ فِي " الْمَائِدَة " . وَوُلِدَ لمنشا بْن يُوسُف مُوسَى بْن منشا , قَبْل مُوسَى بْن عِمْرَان . وَأَهْل التَّوْرَاة يَزْعُمُونَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي طَلَبَ الْعَالِم لِيَتَعَلَّم مِنْهُ حَتَّى أَدْرَكَهُ , وَالْعَالِم هُوَ الَّذِي خَرَقَ السَّفِينَة , وَقَتَلَ الْغُلَام , وَبَنَى الْجِدَار , وَمُوسَى بْن منشا مَعَهُ حَتَّى بَلَغَهُ مَعَهُ حَيْثُ بَلَغَ ; وَكَانَ اِبْن عَبَّاس يُنْكِر ذَلِكَ ; وَالْحَقّ الَّذِي قَالَهُ اِبْن عَبَّاس ; وَكَذَلِكَ فِي الْقُرْآن . ثُمَّ كَانَ بَيْن يُوسُف وَمُوسَى أُمَم وَقُرُون , وَكَانَ فِيمَا بَيْنهمَا شُعَيْب , صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ .
ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ ↓
" ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاء الْغَيْب " اِبْتِدَاء وَخَبَر . " نُوحِيه إِلَيْك " خَبَر ثَانٍ . قَالَ الزَّجَّاج : وَيَجُوز أَنْ يَكُون " ذَلِكَ " بِمَعْنَى الَّذِي ! " نُوحِيه إِلَيْك " خَبَره ; أَيْ الَّذِي مِنْ أَنْبَاء الْغَيْب نُوحِيه إِلَيْك ; يَعْنِي هُوَ الَّذِي قَصَصْنَا عَلَيْك يَا مُحَمَّد مِنْ أَمْر يُوسُف مِنْ أَخْبَار الْغَيْب " نُوحِيه إِلَيْك " أَيْ نُعَلِّمك بِوَحْيِ هَذَا إِلَيْك .
أَيْ مَعَ إِخْوَة يُوسُف
فِي إِلْقَاء يُوسُف فِي الْجُبّ .
أَيْ بِيُوسُف فِي إِلْقَائِهِ فِي الْجُبّ . وَقِيلَ : " يَمْكُرُونَ " بِيَعْقُوب حِين جَاءُوهُ بِالْقَمِيصِ مُلَطَّخًا بِالدَّمِ ; أَيْ مَا شَاهَدْت تِلْكَ الْأَحْوَال , وَلَكِنَّ اللَّه أَطْلَعَك عَلَيْهَا .
أَيْ مَعَ إِخْوَة يُوسُف
فِي إِلْقَاء يُوسُف فِي الْجُبّ .
أَيْ بِيُوسُف فِي إِلْقَائِهِ فِي الْجُبّ . وَقِيلَ : " يَمْكُرُونَ " بِيَعْقُوب حِين جَاءُوهُ بِالْقَمِيصِ مُلَطَّخًا بِالدَّمِ ; أَيْ مَا شَاهَدْت تِلْكَ الْأَحْوَال , وَلَكِنَّ اللَّه أَطْلَعَك عَلَيْهَا .
ظَنَّ أَنَّ الْعَرَب لَمَّا سَأَلَتْهُ عَنْ هَذِهِ الْقِصَّة وَأَخْبَرَهُمْ يُؤْمِنُونَ , فَلَمْ يُؤْمِنُوا ; فَنَزَلَتْ الْآيَة تَسْلِيَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; أَيْ لَيْسَ تَقْدِر عَلَى هِدَايَة مَنْ أَرَدْت هِدَايَته ; تَقُول : حَرَصَ يَحْرِص , مِثْل : ضَرَبَ يَضْرِب . وَفِي لُغَة ضَعِيفَة حَرِصَ يَحْرَص مِثْل حَمِدَ يَحْمَد . وَالْحِرْص طَلَب الشَّيْء بِاخْتِيَارِ .
" مِنْ " صِلَة ; أَيْ مَا تَسْأَلهُمْ جَعْلًا .
أَيْ مَا هُوَ ; يَعْنِي الْقُرْآن وَالْوَحْي .
أَيْ عِظَة وَتَذْكِرَة " لِلْعَالَمِينَ " .
أَيْ مَا هُوَ ; يَعْنِي الْقُرْآن وَالْوَحْي .
أَيْ عِظَة وَتَذْكِرَة " لِلْعَالَمِينَ " .
وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ↓
قَالَ الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ : هِيَ " أَيْ " دَخَلَ عَلَيْهَا كَاف التَّشْبِيه وَبُنِيَتْ مَعَهَا , فَصَارَ فِي الْكَلَام مَعْنَى كَمْ , وَقَدْ مَضَى فِي " آل عِمْرَان " الْقَوْل فِيهَا مُسْتَوْفًى . وَمَضَى الْقَوْل فِي آيَة " السَّمَوَات وَالْأَرْض " فِي " الْبَقَرَة " . وَقِيلَ : الْآيَات آثَار عُقُوبَات الْأُمَم السَّالِفَة ; أَيْ هُمْ غَافِلُونَ مُعْرِضُونَ عَنْ تَأَمُّل . وَقَرَأَ عِكْرِمَة وَعَمْرو بْن فَائِد " وَالْأَرْض " رَفْعًا اِبْتِدَاء , وَخَبَره . " يَمُرُّونَ عَلَيْهَا " . وَقَرَأَ السُّدِّيّ " وَالْأَرْض " نَصْبًا بِإِضْمَارِ فِعْل , وَالْوَقْف عَلَى هَاتَيْنِ الْقِرَاءَتَيْنِ عَلَى " السَّمَوَات " . وَقَرَأَ اِبْن مَسْعُود : " يَمْشُونَ عَلَيْهَا " .
نَزَلَتْ فِي قَوْم أَقَرُّوا بِاَللَّهِ خَالِقهمْ وَخَالِق الْأَشْيَاء كُلّهَا , وَهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَان ; قَالَهُ الْحَسَن , وَمُجَاهِد وَعَامِر الشَّعْبِيّ وَأَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ . وَقَالَ عِكْرِمَة هُوَ قَوْله : " وَلَئِنْ سَأَلْتهمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّه " [ الزُّخْرُف : 87 ] ثُمَّ يَصِفُونَهُ بِغَيْرِ صِفَته وَيَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ; وَعَنْ الْحَسَن أَيْضًا : أَنَّهُمْ أَهْل كِتَاب مَعَهُمْ شِرْك وَإِيمَان , آمَنُوا بِاَللَّهِ وَكَفَرُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَلَا يَصِحّ إِيمَانهمْ ; حَكَاهُ اِبْن , الْأَنْبَارِيّ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : نَزَلَتْ فِي تَلْبِيَة مُشْرِكِي الْعَرَب : لَبَّيْكَ لَا شَرِيك لَك إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَك تَمْلِكهُ وَمَا مَلَكَ . وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُمْ النَّصَارَى . وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُمْ الْمُشَبِّهَة , آمَنُوا مُجْمَلًا وَأَشْرَكُوا مُفَصَّلًا . وَقِيلَ : نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ ; الْمَعْنَى : " وَمَا يُؤْمِن أَكْثَرهمْ بِاَللَّهِ " أَيْ بِاللِّسَانِ إِلَّا وَهُوَ كَافِر بِقَلْبِهِ ; ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ عَنْ الْحَسَن أَيْضًا . وَقَالَ عَطَاء : هَذَا فِي الدُّعَاء ; وَذَلِكَ أَنَّ الْكُفَّار يَنْسَوْنَ رَبّهمْ فِي الرَّخَاء , فَإِذَا أَصَابَهُمْ الْبَلَاء أَخْلَصُوا فِي الدُّعَاء ; بَيَانه : " وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ " [ يُونُس : 22 ] الْآيَة . وَقَوْله : " وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَان الضُّرّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ " [ يُونُس : 12 ] الْآيَة . وَفِي آيَة أُخْرَى : " وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرّ فَذُو دُعَاء عَرِيض " [ فُصِّلَتْ : 51 ] . وَقِيلَ : مَعْنَاهَا أَنَّهُمْ يَدْعُونَ اللَّه يُنْجِيهِمْ مِنْ الْهَلَكَة , فَإِذَا أَنْجَاهُمْ قَالَ قَائِلهمْ : لَوْلَا فُلَان مَا نَجَوْنَا , وَلَوْلَا الْكَلْب لَدَخَلَ عَلَيْنَا اللِّصّ , وَنَحْو هَذَا ; فَيَجْعَلُونَ نِعْمَة اللَّه مَنْسُوبَة إِلَى فُلَان , وَوِقَايَته مَنْسُوبَة إِلَى الْكَلْب .
قُلْت : وَقَدْ يَقَع فِي هَذَا الْقَوْل وَاَلَّذِي قَبْله كَثِير مِنْ عَوَامّ الْمُسْلِمِينَ ; وَلَا حَوْل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيّ الْعَظِيم . وَقِيلَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي قِصَّة الدُّخَان ; وَذَلِكَ أَنَّ أَهْل مَكَّة لَمَّا غَشِيَهُمْ الدُّخَان فِي سِنِي الْقَحْط قَالُوا : " رَبّنَا اِكْشِفْ عَنَّا الْعَذَاب إِنَّا مُؤْمِنُونَ " [ الدُّخَان : 12 ] فَذَلِكَ إِيمَانهمْ , وَشِرْكهمْ عَوْدهمْ إِلَى الْكُفْر بَعْد كَشْف الْعَذَاب ; بَيَانه قَوْله : " إِنَّكُمْ عَائِدُونَ " [ الدُّخَان : 15 ] وَالْعَوْد لَا يَكُون إِلَّا بَعْد اِبْتِدَاء ; فَيَكُون مَعْنَى : " إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ " أَيْ إِلَّا وَهُمْ عَائِدُونَ إِلَى الشِّرْك , وَاَللَّه أَعْلَم .
قُلْت : وَقَدْ يَقَع فِي هَذَا الْقَوْل وَاَلَّذِي قَبْله كَثِير مِنْ عَوَامّ الْمُسْلِمِينَ ; وَلَا حَوْل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيّ الْعَظِيم . وَقِيلَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي قِصَّة الدُّخَان ; وَذَلِكَ أَنَّ أَهْل مَكَّة لَمَّا غَشِيَهُمْ الدُّخَان فِي سِنِي الْقَحْط قَالُوا : " رَبّنَا اِكْشِفْ عَنَّا الْعَذَاب إِنَّا مُؤْمِنُونَ " [ الدُّخَان : 12 ] فَذَلِكَ إِيمَانهمْ , وَشِرْكهمْ عَوْدهمْ إِلَى الْكُفْر بَعْد كَشْف الْعَذَاب ; بَيَانه قَوْله : " إِنَّكُمْ عَائِدُونَ " [ الدُّخَان : 15 ] وَالْعَوْد لَا يَكُون إِلَّا بَعْد اِبْتِدَاء ; فَيَكُون مَعْنَى : " إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ " أَيْ إِلَّا وَهُمْ عَائِدُونَ إِلَى الشِّرْك , وَاَللَّه أَعْلَم .
أَفَأَمِنُواْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ↓
قَالَ اِبْن عَبَّاس : مُجَلَّلَة . وَقَالَ مُجَاهِد : عَذَاب يَغْشَاهُمْ ; نَظِيره . " يَوْم يَغْشَاهُمْ الْعَذَاب مِنْ فَوْقهمْ وَمِنْ تَحْت أَرْجُلهمْ " [ الْعَنْكَبُوت : 55 ] . وَقَالَ قَتَادَة : وَقِيعَة تَقَع لَهُمْ . وَقَالَ الضَّحَّاك : يَعْنِي الصَّوَاعِق وَالْقَوَارِع .
يَعْنِي الْقِيَامَة .
نَصْب عَلَى الْحَال ; وَأَصْله الْمَصْدَر . وَقَالَ الْمُبَرِّد : جَاءَ عَنْ الْعَرَب حَال بَعْد نَكِرَة ; وَهُوَ قَوْلهمْ : وَقَعَ أَمْر بَغْتَة وَفَجْأَة ; قَالَ النَّحَّاس : وَمَعْنَى " بَغْتَة " إِصَابَة مِنْ حَيْثُ لَمْ يَتَوَقَّع . وَقَوْله : " بَغْتَة " قَالَ اِبْن عَبَّاس : تَصِيح الصَّيْحَة بِالنَّاسِ وَهُمْ فِي أَسْوَاقهمْ وَمَوَاضِعهمْ , كَمَا قَالَ : " تَأْخُذهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ " [ يس : 49 ] عَلَى مَا يَأْتِي .
وَهُوَ تَوْكِيد أَنَّهَا تَقَع وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ .
يَعْنِي الْقِيَامَة .
نَصْب عَلَى الْحَال ; وَأَصْله الْمَصْدَر . وَقَالَ الْمُبَرِّد : جَاءَ عَنْ الْعَرَب حَال بَعْد نَكِرَة ; وَهُوَ قَوْلهمْ : وَقَعَ أَمْر بَغْتَة وَفَجْأَة ; قَالَ النَّحَّاس : وَمَعْنَى " بَغْتَة " إِصَابَة مِنْ حَيْثُ لَمْ يَتَوَقَّع . وَقَوْله : " بَغْتَة " قَالَ اِبْن عَبَّاس : تَصِيح الصَّيْحَة بِالنَّاسِ وَهُمْ فِي أَسْوَاقهمْ وَمَوَاضِعهمْ , كَمَا قَالَ : " تَأْخُذهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ " [ يس : 49 ] عَلَى مَا يَأْتِي .
وَهُوَ تَوْكِيد أَنَّهَا تَقَع وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ .
قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ↓
اِبْتِدَاء وَخَبَر ; أَيْ قُلْ يَا مُحَمَّد هَذِهِ طَرِيقِي وَسُنَّتِي وَمِنْهَاجِي ; قَالَهُ اِبْن زَيْد . وَقَالَ الرَّبِيع : دَعْوَتِي , مُقَاتِل : دِينِي , وَالْمَعْنَى وَاحِد ; أَيْ الَّذِي أَنَا عَلَيْهِ وَأَدْعُو إِلَيْهِ يُؤَدِّي إِلَى الْجَنَّة .
أَيْ عَلَى يَقِين وَحَقّ ; وَمِنْهُ : فُلَان مُسْتَبْصِر بِهَذَا . " أَنَا " تَوْكِيد . " وَمَنْ اِتَّبَعَنِي " عَطْف عَلَى الْمُضْمَر .
أَيْ قُلْ يَا مُحَمَّد : " وَسُبْحَان اللَّه " .
الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ مِنْ دُون اللَّه أَنْدَادًا .
أَيْ عَلَى يَقِين وَحَقّ ; وَمِنْهُ : فُلَان مُسْتَبْصِر بِهَذَا . " أَنَا " تَوْكِيد . " وَمَنْ اِتَّبَعَنِي " عَطْف عَلَى الْمُضْمَر .
أَيْ قُلْ يَا مُحَمَّد : " وَسُبْحَان اللَّه " .
الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ مِنْ دُون اللَّه أَنْدَادًا .
وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ↓
هَذَا رَدّ عَلَى الْقَائِلِينَ : " لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَك " [ الْأَنْعَام : 8 ] أَيْ أَرْسَلْنَا رِجَالًا لَيْسَ فِيهِمْ اِمْرَأَة وَلَا جِنِّيّ وَلَا مَلَك ; وَهَذَا يَرُدّ مَا يُرْوَى عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( إِنَّ فِي النِّسَاء أَرْبَع نَبِيَّات حَوَّاء وَآسِيَة وَأُمّ مُوسَى وَمَرْيَم ) . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " آل عِمْرَان " شَيْء مِنْ هَذَا . " مِنْ أَهْل الْقُرَى " يُرِيد الْمَدَائِن ; وَلَمْ يَبْعَث اللَّه نَبِيًّا مِنْ أَهْل الْبَادِيَة لِغَلَبَةِ الْجَفَاء وَالْقَسْوَة عَلَى أَهْل الْبَدْو ; وَلِأَنَّ أَهْل الْأَمْصَار أَعْقَل وَأَحْلَم وَأَفْضَل وَأَعْلَم . قَالَ الْحَسَن : لَمْ يَبْعَث اللَّه نَبِيًّا مِنْ أَهْل الْبَادِيَة قَطُّ , وَلَا مِنْ النِّسَاء , وَلَا مِنْ الْجِنّ . وَقَالَ قَتَادَة : " مِنْ أَهْل الْقُرَى " أَيْ مِنْ أَهْل الْأَمْصَار ; لِأَنَّهُمْ أَعْلَم وَأَحْلَم . وَقَالَ الْعُلَمَاء : مِنْ شَرْط الرَّسُول أَنْ يَكُون رَجُلًا آدَمِيًّا مَدَنِيًّا ; وَإِنَّمَا قَالُوا آدَمِيًّا تَحَرُّزًا ; مِنْ قَوْله : " يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنّ " [ الْجِنّ : 6 ] وَاَللَّه أَعْلَم .
إِلَى مَصَارِع الْأُمَم الْمُكَذِّبَة لِأَنْبِيَائِهِمْ فَيَعْتَبِرُوا .
اِبْتِدَاء وَخَبَره . وَزَعَمَ الْفَرَّاء أَنَّ الدَّار هِيَ الْآخِرَة ; وَأُضِيف الشَّيْء إِلَى نَفْسه لِاخْتِلَافِ اللَّفْظ , كَيَوْمِ الْخَمِيس , وَبَارِحَة الْأُولَى ; قَالَ الشَّاعِر : وَلَوْ أَقْوَتْ عَلَيْك دِيَار عَبْس عَرَفْت الذُّلّ عِرْفَان الْيَقِين أَيْ عِرْفَانًا يَقِينًا ; وَاحْتَجَّ الْكِسَائِيّ بِقَوْلِهِمْ : صَلَاة الْأُولَى ; وَاحْتَجَّ الْأَخْفَش بِمَسْجِدِ الْجَامِع . قَالَ النَّحَّاس : إِضَافَة الشَّيْء إِلَى نَفْسه مُحَال ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُضَاف الشَّيْء إِلَى غَيْره لِيَتَعَرَّف بِهِ ; وَالْأَجْوَد الصَّلَاة الْأُولَى , وَمَنْ قَالَ صَلَاة الْأُولَى فَمَعْنَاهُ : عِنْد صَلَاة الْفَرِيضَة الْأُولَى ; وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ الْأُولَى لِأَنَّهَا أَوَّل مَا صُلِّيَ حِين فُرِضَتْ الصَّلَاة , وَأَوَّل مَا أُظْهِرَ ; فَلِذَلِكَ قِيلَ لَهَا أَيْضًا الظُّهْر . وَالتَّقْدِير : وَلَدَار الْحَال الْآخِرَة خَيْر , وَهَذَا قَوْل الْبَصْرِيِّينَ ; وَالْمُرَاد بِهَذِهِ الدَّار الْجَنَّة ; أَيْ هِيَ خَيْر لِلْمُتَّقِينَ . وَقُرِئَ : " وَلَلدَّار الْآخِرَة " . وَقَرَأَ نَافِع وَعَاصِم وَيَعْقُوب وَغَيْرهمْ
بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَاب . الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَر .
إِلَى مَصَارِع الْأُمَم الْمُكَذِّبَة لِأَنْبِيَائِهِمْ فَيَعْتَبِرُوا .
اِبْتِدَاء وَخَبَره . وَزَعَمَ الْفَرَّاء أَنَّ الدَّار هِيَ الْآخِرَة ; وَأُضِيف الشَّيْء إِلَى نَفْسه لِاخْتِلَافِ اللَّفْظ , كَيَوْمِ الْخَمِيس , وَبَارِحَة الْأُولَى ; قَالَ الشَّاعِر : وَلَوْ أَقْوَتْ عَلَيْك دِيَار عَبْس عَرَفْت الذُّلّ عِرْفَان الْيَقِين أَيْ عِرْفَانًا يَقِينًا ; وَاحْتَجَّ الْكِسَائِيّ بِقَوْلِهِمْ : صَلَاة الْأُولَى ; وَاحْتَجَّ الْأَخْفَش بِمَسْجِدِ الْجَامِع . قَالَ النَّحَّاس : إِضَافَة الشَّيْء إِلَى نَفْسه مُحَال ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُضَاف الشَّيْء إِلَى غَيْره لِيَتَعَرَّف بِهِ ; وَالْأَجْوَد الصَّلَاة الْأُولَى , وَمَنْ قَالَ صَلَاة الْأُولَى فَمَعْنَاهُ : عِنْد صَلَاة الْفَرِيضَة الْأُولَى ; وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ الْأُولَى لِأَنَّهَا أَوَّل مَا صُلِّيَ حِين فُرِضَتْ الصَّلَاة , وَأَوَّل مَا أُظْهِرَ ; فَلِذَلِكَ قِيلَ لَهَا أَيْضًا الظُّهْر . وَالتَّقْدِير : وَلَدَار الْحَال الْآخِرَة خَيْر , وَهَذَا قَوْل الْبَصْرِيِّينَ ; وَالْمُرَاد بِهَذِهِ الدَّار الْجَنَّة ; أَيْ هِيَ خَيْر لِلْمُتَّقِينَ . وَقُرِئَ : " وَلَلدَّار الْآخِرَة " . وَقَرَأَ نَافِع وَعَاصِم وَيَعْقُوب وَغَيْرهمْ
بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَاب . الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَر .
حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ↓
هَذِهِ الْآيَة فِيهَا تَنْزِيه الْأَنْبِيَاء وَعِصْمَتهمْ عَمَّا لَا يَلِيق بِهِمْ . وَهَذَا الْبَاب عَظِيم , وَخَطَره جَسِيم , يَنْبَغِي الْوُقُوف , عَلَيْهِ لِئَلَّا يَزِلّ الْإِنْسَان فَيَكُون فِي سَوَاء الْجَحِيم . الْمَعْنَى : وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلك يَا مُحَمَّد إِلَّا رِجَالًا ثُمَّ لَمْ نُعَاقِب أُمَمهمْ بِالْعَذَابِ . " حَتَّى إِذَا اِسْتَيْأَسَ الرُّسُل " أَيْ يَئِسُوا مِنْ إِيمَان قَوْمهمْ . " وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِّبُوا " بِالتَّشْدِيدِ ; أَيْ أَيْقَنُوا أَنَّ قَوْمهمْ كَذَّبُوهُمْ . وَقِيلَ الْمَعْنَى : حَسِبُوا أَنَّ مَنْ آمَنَ بِهِمْ مِنْ قَوْمهمْ كَذَّبُوهُمْ , لَا أَنَّ الْقَوْم كَذَّبُوا , وَلَكِنَّ الْأَنْبِيَاء ظَنُّوا وَحَسِبُوا أَنَّهُمْ يُكَذِّبُونَهُمْ ; أَيْ خَافُوا أَنْ يَدْخُل قُلُوب أَتْبَاعهمْ شَكّ ; فَيَكُون " وَظَنُّوا " عَلَى بَابه فِي هَذَا التَّأْوِيل . وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود وَأَبُو عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ وَأَبُو جَعْفَر بْن الْقَعْقَاع وَالْحَسَن وَقَتَادَة وَأَبُو رَجَاء الْعُطَارِدِيّ وَعَاصِم وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ وَيَحْيَى بْن وَثَّاب وَالْأَعْمَش وَخَلَف " كُذِبُوا " بِالتَّخْفِيفِ ; أَيْ ظَنَّ الْقَوْم أَنَّ الرُّسُل كَذَبُوهُمْ فِيمَا أَخْبَرُوا بِهِ مِنْ الْعَذَاب , وَلَمْ يَصْدُقُوا . وَقِيلَ : الْمَعْنَى ظَنّ الْأُمَم أَنَّ الرُّسُل قَدْ كَذَبُوا فِيمَا وَعَدُوا بِهِ مِنْ نَصْرهمْ . وَفِي رِوَايَة عَنْ اِبْن عَبَّاس ; ظَنَّ الرُّسُل أَنَّ اللَّه أَخْلَفَ مَا وَعَدَهُمْ . وَقِيلَ : لَمْ تَصِحّ هَذِهِ الرِّوَايَة ; لِأَنَّهُ لَا يُظَنّ بِالرُّسُلِ هَذَا الظَّنّ , وَمَنْ ظَنَّ هَذَا الظَّنّ لَا يَسْتَحِقّ النَّصْر ; فَكَيْف قَالَ : " جَاءَهُمْ نَصْرنَا " ؟ ! قَالَ الْقُشَيْرِيّ أَبُو نَصْر : وَلَا يَبْعُد إِنْ صَحَّتْ الرِّوَايَة أَنَّ الْمُرَاد خَطَر بِقُلُوبِ الرُّسُل هَذَا مِنْ غَيْر أَنْ يَتَحَقَّقُوهُ فِي نُفُوسهمْ ; وَفِي الْخَبَر : ( إِنَّ اللَّه تَعَالَى تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسهَا مَا لَمْ يَنْطِق بِهِ لِسَان أَوْ تَعْمَل بِهِ ) . وَيَجُوز أَنْ يُقَال : قَرَّبُوا مِنْ ذَلِكَ الظَّنّ ; كَقَوْلِك : بَلَغْت الْمَنْزِل , أَيْ قَرَّبْت مِنْهُ . وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيّ وَالنَّحَّاس عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : كَانُوا بَشَرًا فَضَعُفُوا مِنْ طُول الْبَلَاء , وَنَسُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُخْلِفُوا ; ثُمَّ تَلَا : " حَتَّى يَقُول الرَّسُول وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْر اللَّه " [ الْبَقَرَة : 214 ] . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم : وَجْهه عِنْدنَا أَنَّ الرُّسُل كَانَتْ تَخَاف بُعْد مَا وَعَدَ اللَّه النَّصْر , لَا مِنْ تُهْمَة لِوَعْدِ اللَّه , وَلَكِنْ لِتُهْمَةِ النُّفُوس أَنْ تَكُون قَدْ أَحْدَثَتْ , حَدَثًا يَنْقُض ذَلِكَ الشَّرْط وَالْعَهْد الَّذِي عُهِدَ إِلَيْهِمْ ; فَكَانَتْ إِذَا طَالَتْ عَلَيْهِمْ الْمُدَّة دَخَلَهُمْ الْإِيَاس وَالظُّنُون مِنْ هَذَا الْوَجْه . وَقَالَ الْمَهْدَوِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس : ظَنَّتْ الرُّسُل أَنَّهُمْ قَدْ أُخْلِفُوا عَلَى مَا يَلْحَق الْبَشَر ; وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام : " رَبّ أَرِنِي كَيْف تُحْيِي الْمَوْتَى " [ الْبَقَرَة : 260 ] الْآيَة . وَالْقِرَاءَة الْأُولَى أَوْلَى . وَقَرَأَ مُجَاهِد وَحُمَيْد - " قَدْ كَذَبُوا " بِفَتْحِ الْكَاف وَالذَّال مُخَفَّفًا ; عَلَى مَعْنَى : وَظَنَّ قَوْم الرُّسُل أَنَّ الرُّسُل قَدْ كَذَبُوا , لِمَا رَأَوْا مِنْ تَفَضُّل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي تَأْخِير الْعَذَاب . وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمَعْنَى : وَلَمَّا أَيْقَنَ الرُّسُل أَنَّ قَوْمهمْ قَدْ كَذَبُوا عَلَى اللَّه بِكُفْرِهِمْ جَاءَ الرُّسُلَ نَصْرُنَا . وَفِي الْبُخَارِيّ عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة قَالَتْ لَهُ وَهُوَ يَسْأَلهَا عَنْ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " حَتَّى إِذَا اِسْتَيْأَسَ الرُّسُل " قَالَ قُلْت : أَكُذِبُوا أَمْ كُذِّبُوا ؟ قَالَتْ عَائِشَة : كُذِبُوا . قُلْت : فَقَدْ اِسْتَيْقَنُوا أَنَّ قَوْمهمْ كَذَّبُوهُمْ فَمَا هُوَ بِالظَّنِّ ؟ قَالَتْ : أَجَل ! لَعَمْرِي ! لَقَدْ اِسْتَيْقَنُوا بِذَلِكَ ; فَقُلْت لَهَا : " وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا " قَالَتْ : مَعَاذ اللَّه ! لَمْ تَكُنْ الرُّسُل تَظُنّ ذَلِكَ بِرَبِّهَا . قُلْت : فَمَا هَذِهِ الْآيَة ؟ قَالَتْ : هُمْ أَتْبَاع الرُّسُل الَّذِينَ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَصَدَّقُوهُمْ , فَطَالَ عَلَيْهِمْ الْبَلَاء , وَاسْتَأْخَرَ عَنْهُمْ النَّصْر حَتَّى إِذَا اِسْتَيْأَسَ الرُّسُل مِمَّنْ كَذَّبَهُمْ مِنْ قَوْمهمْ , وَظَنَّتْ الرُّسُل أَنَّ أَتْبَاعهمْ قَدْ كَذَّبُوهُمْ جَاءَهُمْ نَصْرُنَا عِنْد ذَلِكَ . وَفِي قَوْله تَعَالَى : " جَاءَهُمْ نَصْرنَا " قَوْلَانِ : أَحَدهمَا : جَاءَ الرُّسُلَ نَصْرُ اللَّه ; قَالَ مُجَاهِد . الثَّانِي : جَاءَ قَوْمهمْ عَذَاب اللَّه ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس .
قِيلَ : الْأَنْبِيَاء وَمَنْ آمَنَ مَعَهُمْ . وَرُوِيَ عَنْ عَاصِم " فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاء " بِنُونٍ وَاحِدَة مَفْتُوحَة الْيَاء , و " مَنْ " فِي مَوْضِع رَفْع , اِسْم مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله ; وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْد هَذِهِ الْقِرَاءَة لِأَنَّهَا فِي مُصْحَف عُثْمَان , وَسَائِر مَصَاحِف الْبُلْدَان بِنُونٍ وَاحِدَة . وَقَرَأَ اِبْن مُحَيْصِن " فَنَجَا " فِعْل مَاضٍ , و " مَنْ " فِي مَوْضِع رَفْع لِأَنَّهُ الْفَاعِل , وَعَلَى قِرَاءَة الْبَاقِينَ نَصَبًا عَلَى الْمَفْعُول .
أَيْ عَذَابنَا .
أَيْ الْكَافِرِينَ الْمُشْرِكِينَ .
قِيلَ : الْأَنْبِيَاء وَمَنْ آمَنَ مَعَهُمْ . وَرُوِيَ عَنْ عَاصِم " فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاء " بِنُونٍ وَاحِدَة مَفْتُوحَة الْيَاء , و " مَنْ " فِي مَوْضِع رَفْع , اِسْم مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله ; وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْد هَذِهِ الْقِرَاءَة لِأَنَّهَا فِي مُصْحَف عُثْمَان , وَسَائِر مَصَاحِف الْبُلْدَان بِنُونٍ وَاحِدَة . وَقَرَأَ اِبْن مُحَيْصِن " فَنَجَا " فِعْل مَاضٍ , و " مَنْ " فِي مَوْضِع رَفْع لِأَنَّهُ الْفَاعِل , وَعَلَى قِرَاءَة الْبَاقِينَ نَصَبًا عَلَى الْمَفْعُول .
أَيْ عَذَابنَا .
أَيْ الْكَافِرِينَ الْمُشْرِكِينَ .
لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ↓
أَيْ فِي قِصَّة يُوسُف وَأَبِيهِ وَإِخْوَته , أَوْ فِي قَصَص الْأُمَم . " عِبْرَة " أَيْ فِكْرَة وَتَذْكِرَة وَعِظَة .
أَيْ الْعُقُول . وَقَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن الْحَارِث التَّيْمِيّ : إِنَّ يَعْقُوب عَاشَ مِائَة سَنَة وَسَبْعًا وَأَرْبَعِينَ سَنَة , وَتُوُفِّيَ أَخُوهُ عَيْصُو مَعَهُ فِي يَوْم وَاحِد , وَقُبِرَا فِي قَبْر وَاحِد ; فَذَلِكَ قَوْله : " لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصهمْ عِبْرَة لِأُولِي الْأَلْبَاب " إِلَى آخِر السُّورَة .
أَيْ مَا كَانَ الْقُرْآن حَدِيثًا يُفْتَرَى , أَوْ مَا كَانَتْ هَذِهِ الْقِصَّة حَدِيثًا يُفْتَرَى .
أَيْ وَلَكِنْ كَانَ تَصْدِيق , وَيَجُوز الرَّفْع بِمَعْنَى لَكِنْ هُوَ تَصْدِيق الَّذِي بَيْن يَدَيْهِ أَيْ مَا كَانَ قَبْله مِنْ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَسَائِر كُتُب اللَّه تَعَالَى ; وَهَذَا تَأْوِيل مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ الْقُرْآن .
مِمَّا يَحْتَاج الْعِبَاد إِلَيْهِ مِنْ الْحَلَال وَالْحَرَام , وَالشَّرَائِع وَالْأَحْكَام . " وَهُدًى وَرَحْمَة لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ " .
أَيْ الْعُقُول . وَقَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن الْحَارِث التَّيْمِيّ : إِنَّ يَعْقُوب عَاشَ مِائَة سَنَة وَسَبْعًا وَأَرْبَعِينَ سَنَة , وَتُوُفِّيَ أَخُوهُ عَيْصُو مَعَهُ فِي يَوْم وَاحِد , وَقُبِرَا فِي قَبْر وَاحِد ; فَذَلِكَ قَوْله : " لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصهمْ عِبْرَة لِأُولِي الْأَلْبَاب " إِلَى آخِر السُّورَة .
أَيْ مَا كَانَ الْقُرْآن حَدِيثًا يُفْتَرَى , أَوْ مَا كَانَتْ هَذِهِ الْقِصَّة حَدِيثًا يُفْتَرَى .
أَيْ وَلَكِنْ كَانَ تَصْدِيق , وَيَجُوز الرَّفْع بِمَعْنَى لَكِنْ هُوَ تَصْدِيق الَّذِي بَيْن يَدَيْهِ أَيْ مَا كَانَ قَبْله مِنْ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَسَائِر كُتُب اللَّه تَعَالَى ; وَهَذَا تَأْوِيل مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ الْقُرْآن .
مِمَّا يَحْتَاج الْعِبَاد إِلَيْهِ مِنْ الْحَلَال وَالْحَرَام , وَالشَّرَائِع وَالْأَحْكَام . " وَهُدًى وَرَحْمَة لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ " .