أَيْ ذَا بَرَكَات وَمَنَافِع فِي الدِّين وَالدُّعَاء إِلَيْهِ وَمُعَلِّمًا لَهُ . التُّسْتَرِيّ : وَجَعَلَنِي آمُر بِالْمَعْرُوفِ , وَأَنْهَى عَنْ الْمُنْكَر , وَأُرْشِد الضَّالّ , وَأَنْصُر الْمَظْلُوم , وَأُغِيث الْمَلْهُوف .
أَيْ لِأُؤَدِّيهِمَا إِذَا أَدْرَكَنِي التَّكْلِيف , وَأَمْكَنَنِي أَدَاؤُهُمَا , عَلَى الْقَوْل الْأَخِير الصَّحِيح .
فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الظَّرْف أَيْ دَوَام حَيَاتِي .
أَيْ لِأُؤَدِّيهِمَا إِذَا أَدْرَكَنِي التَّكْلِيف , وَأَمْكَنَنِي أَدَاؤُهُمَا , عَلَى الْقَوْل الْأَخِير الصَّحِيح .
فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الظَّرْف أَيْ دَوَام حَيَاتِي .
قَالَ اِبْن عَبَّاس : لَمَّا قَالَ " وَبَرًّا بِوَالِدَتِي " وَلَمْ يَقُلْ بِوَالِدَيَّ عُلِمَ أَنَّهُ شَيْء مِنْ جِهَة اللَّه تَعَالَى .
أَيْ مُتَعَظِّمًا مُتَكَبِّرًا يَقْتُل وَيَضْرِب عَلَى الْغَضَب . وَقِيلَ : الْجَبَّار الَّذِي لَا يَرَى لِأَحَدٍ عَلَيْهِ حَقًّا قَطُّ .
أَيْ خَائِبًا مِنْ الْخَيْر . اِبْن عَبَّاس : عَاقًّا . وَقِيلَ : عَاصِيًا لِرَبِّهِ . وَقِيلَ : لَمْ يَجْعَلنِي تَارِكًا لِأَمْرِهِ فَأَشْقَى كَمَا شَقِيَ إِبْلِيس لَمَّا تَرَكَ أَمْره . قَالَ مَالِك بْن أَنَس رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَة : مَا أَشَدّهَا عَلَى أَهْل الْقَدَر ! أَخْبَرَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام بِمَا قُضِيَ مِنْ أَمْره , وَبِمَا هُوَ كَائِن إِلَى أَنْ يَمُوت . وَقَدْ رُوِيَ فِي قَصَص هَذِهِ الْآيَة عَنْ اِبْن زَيْد وَغَيْره أَنَّهُمْ لَمَّا سَمِعُوا كَلَام عِيسَى أَذْعَنُوا وَقَالُوا : إِنَّ هَذَا لَأَمْر عَظِيم . وَرُوِيَ أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا تَكَلَّمَ فِي طُفُولَته بِهَذِهِ الْآيَة , ثُمَّ عَادَ إِلَى حَالَة الْأَطْفَال , حَتَّى مَشَى عَلَى عَادَة الْبَشَر إِلَى أَنْ بَلَغَ مَبْلَغ الصِّبْيَان فَكَانَ نُطْقه إِظْهَار بَرَاءَة أُمّه لَا أَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ يَعْقِل فِي تِلْكَ الْحَالَة , وَهُوَ كَمَا يُنْطِق اللَّه تَعَالَى الْجَوَارِح يَوْم الْقِيَامَة . وَلَمْ يُنْقَل أَنَّهُ دَامَ نُطْقه , وَلَا أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ اِبْن يَوْم أَوْ شَهْر , وَلَوْ كَانَ يَدُوم نُطْقه وَتَسْبِيحه وَوَعْظه وَصَلَاته فِي صِغَره مِنْ وَقْت الْوِلَادَة لَكَانَ مِثْله مِمَّا لَا يَنْكَتِم , وَهَذَا كُلّه مِمَّا يَدُلّ عَلَى فَسَاد الْقَوْل الْأَوَّل , وَيُصَرِّح بِجَهَالَةِ قَائِله . وَيَدُلّ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي الْمَهْد خِلَافًا لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى . وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ إِجْمَاع الْفِرَق عَلَى أَنَّهَا لَمْ تُحَدّ . وَإِنَّمَا صَحَّ بَرَاءَتهَا مِنْ الزِّنَا بِكَلَامِهِ فِي الْمَهْد . وَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَة عَلَى أَنَّ الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَبِرّ الْوَالِدَيْنِ كَانَ وَاجِبًا عَلَى الْأُمَم السَّالِفَة , وَالْقُرُون الْخَالِيَة الْمَاضِيَة , فَهُوَ مِمَّا يَثْبُت حُكْمه وَلَمْ يُنْسَخ فِي شَرِيعَة أَمْره . وَكَانَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِي غَايَة التَّوَاضُع ; يَأْكُل الشَّجَر , وَيَلْبَس الشَّعْر , وَيَجْلِس عَلَى التُّرَاب , وَيَأْوِي حَيْثُ جَنَّهُ اللَّيْل , لَا مَسْكَن لَهُ , صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . الْإِشَارَة بِمَنْزِلَةِ الْكَلَام , وَتُفْهِم مَا يُفْهِم الْقَوْل . كَيْفَ لَا وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى عَنْ مَرْيَم فَقَالَ : " فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ " وَفَهِمَ مِنْهَا الْقَوْم مَقْصُودهَا وَغَرَضهَا فَقَالُوا : ( كَيْفَ نُكَلِّم ) وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي " آل عِمْرَان " مُسْتَوْفًى . قَالَ الْكُوفِيُّونَ : لَا يَصِحّ قَذْف الْأَخْرَس وَلَا لِعَانه . وَرُوِيَ مِثْله عَنْ الشَّعْبِيّ , وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق , وَإِنَّمَا يَصِحّ الْقَذْف عِنْدهمْ بِصَرِيحِ الزِّنَا دُون مَعْنَاهُ , وَهَذَا لَا يَصِحّ مِنْ الْأَخْرَس ضَرُورَة , فَلَمْ يَكُنْ قَاذِفًا ; بِالْإِشَارَةِ بِالزِّنَا مِنْ الْوَطْء الْحَلَال وَالشُّبْهَة . قَالُوا : وَاللِّعَان عِنْدنَا شَهَادَات , وَشَهَادَة الْأَخْرَس لَا تُقْبَل بِالْإِجْمَاعِ . قَالَ اِبْن الْقَصَّار : قَوْلهمْ إِنَّ الْقَذْف لَا يَصِحّ إِلَّا بِالتَّصْرِيحِ فَهُوَ بَاطِل بِسَائِرِ الْأَلْسِنَة مَا عَدَا الْعَرَبِيَّة , فَكَذَلِكَ إِشَارَة الْأَخْرَس . وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْإِجْمَاع فِي شَهَادَة الْأَخْرَس فَغَلَط . وَقَدْ نَصَّ مَالِك أَنَّ شَهَادَته مَقْبُولَة إِذَا فُهِمَتْ إِشَارَته , وَأَنَّهَا تَقُوم مَقَام اللَّفْظ بِالشَّهَادَةِ , وَأَمَّا مَعَ الْقُدْرَة بِاللَّفْظِ فَلَا تَقَع مِنْهُ إِلَّا بِاللَّفْظِ . قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَالْمُخَالِفُونَ يُلْزِمُونَ الْأَخْرَس الطَّلَاق وَالْبُيُوع وَسَائِر الْأَحْكَام , فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُون الْقَذْف مِثْل ذَلِكَ . قَالَ الْمُهَلِّب : وَقَدْ تَكُون الْإِشَارَة فِي كَثِير مِنْ أَبْوَاب الْفِقْه أَقْوَى مِنْ الْكَلَام مِثْل قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : ( بُعِثْت أَنَا وَالسَّاعَة كَهَاتَيْنِ ) نَعْرِف قُرْب مَا بَيْنهمَا بِمِقْدَارِ زِيَادَة الْوُسْطَى عَلَى السِّبَابَة . وَفِي إِجْمَاع الْعُقُول عَلَى أَنَّ الْعِيَان أَقْوَى مِنْ الْخَبَر دَلِيل عَلَى أَنَّ الْإِشَارَة قَدْ تَكُون فِي بَعْض الْمَوَاضِع أَقْوَى مِنْ الْكَلَام .
أَيْ مُتَعَظِّمًا مُتَكَبِّرًا يَقْتُل وَيَضْرِب عَلَى الْغَضَب . وَقِيلَ : الْجَبَّار الَّذِي لَا يَرَى لِأَحَدٍ عَلَيْهِ حَقًّا قَطُّ .
أَيْ خَائِبًا مِنْ الْخَيْر . اِبْن عَبَّاس : عَاقًّا . وَقِيلَ : عَاصِيًا لِرَبِّهِ . وَقِيلَ : لَمْ يَجْعَلنِي تَارِكًا لِأَمْرِهِ فَأَشْقَى كَمَا شَقِيَ إِبْلِيس لَمَّا تَرَكَ أَمْره . قَالَ مَالِك بْن أَنَس رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَة : مَا أَشَدّهَا عَلَى أَهْل الْقَدَر ! أَخْبَرَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام بِمَا قُضِيَ مِنْ أَمْره , وَبِمَا هُوَ كَائِن إِلَى أَنْ يَمُوت . وَقَدْ رُوِيَ فِي قَصَص هَذِهِ الْآيَة عَنْ اِبْن زَيْد وَغَيْره أَنَّهُمْ لَمَّا سَمِعُوا كَلَام عِيسَى أَذْعَنُوا وَقَالُوا : إِنَّ هَذَا لَأَمْر عَظِيم . وَرُوِيَ أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا تَكَلَّمَ فِي طُفُولَته بِهَذِهِ الْآيَة , ثُمَّ عَادَ إِلَى حَالَة الْأَطْفَال , حَتَّى مَشَى عَلَى عَادَة الْبَشَر إِلَى أَنْ بَلَغَ مَبْلَغ الصِّبْيَان فَكَانَ نُطْقه إِظْهَار بَرَاءَة أُمّه لَا أَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ يَعْقِل فِي تِلْكَ الْحَالَة , وَهُوَ كَمَا يُنْطِق اللَّه تَعَالَى الْجَوَارِح يَوْم الْقِيَامَة . وَلَمْ يُنْقَل أَنَّهُ دَامَ نُطْقه , وَلَا أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ اِبْن يَوْم أَوْ شَهْر , وَلَوْ كَانَ يَدُوم نُطْقه وَتَسْبِيحه وَوَعْظه وَصَلَاته فِي صِغَره مِنْ وَقْت الْوِلَادَة لَكَانَ مِثْله مِمَّا لَا يَنْكَتِم , وَهَذَا كُلّه مِمَّا يَدُلّ عَلَى فَسَاد الْقَوْل الْأَوَّل , وَيُصَرِّح بِجَهَالَةِ قَائِله . وَيَدُلّ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي الْمَهْد خِلَافًا لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى . وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ إِجْمَاع الْفِرَق عَلَى أَنَّهَا لَمْ تُحَدّ . وَإِنَّمَا صَحَّ بَرَاءَتهَا مِنْ الزِّنَا بِكَلَامِهِ فِي الْمَهْد . وَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَة عَلَى أَنَّ الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَبِرّ الْوَالِدَيْنِ كَانَ وَاجِبًا عَلَى الْأُمَم السَّالِفَة , وَالْقُرُون الْخَالِيَة الْمَاضِيَة , فَهُوَ مِمَّا يَثْبُت حُكْمه وَلَمْ يُنْسَخ فِي شَرِيعَة أَمْره . وَكَانَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِي غَايَة التَّوَاضُع ; يَأْكُل الشَّجَر , وَيَلْبَس الشَّعْر , وَيَجْلِس عَلَى التُّرَاب , وَيَأْوِي حَيْثُ جَنَّهُ اللَّيْل , لَا مَسْكَن لَهُ , صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . الْإِشَارَة بِمَنْزِلَةِ الْكَلَام , وَتُفْهِم مَا يُفْهِم الْقَوْل . كَيْفَ لَا وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى عَنْ مَرْيَم فَقَالَ : " فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ " وَفَهِمَ مِنْهَا الْقَوْم مَقْصُودهَا وَغَرَضهَا فَقَالُوا : ( كَيْفَ نُكَلِّم ) وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي " آل عِمْرَان " مُسْتَوْفًى . قَالَ الْكُوفِيُّونَ : لَا يَصِحّ قَذْف الْأَخْرَس وَلَا لِعَانه . وَرُوِيَ مِثْله عَنْ الشَّعْبِيّ , وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق , وَإِنَّمَا يَصِحّ الْقَذْف عِنْدهمْ بِصَرِيحِ الزِّنَا دُون مَعْنَاهُ , وَهَذَا لَا يَصِحّ مِنْ الْأَخْرَس ضَرُورَة , فَلَمْ يَكُنْ قَاذِفًا ; بِالْإِشَارَةِ بِالزِّنَا مِنْ الْوَطْء الْحَلَال وَالشُّبْهَة . قَالُوا : وَاللِّعَان عِنْدنَا شَهَادَات , وَشَهَادَة الْأَخْرَس لَا تُقْبَل بِالْإِجْمَاعِ . قَالَ اِبْن الْقَصَّار : قَوْلهمْ إِنَّ الْقَذْف لَا يَصِحّ إِلَّا بِالتَّصْرِيحِ فَهُوَ بَاطِل بِسَائِرِ الْأَلْسِنَة مَا عَدَا الْعَرَبِيَّة , فَكَذَلِكَ إِشَارَة الْأَخْرَس . وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْإِجْمَاع فِي شَهَادَة الْأَخْرَس فَغَلَط . وَقَدْ نَصَّ مَالِك أَنَّ شَهَادَته مَقْبُولَة إِذَا فُهِمَتْ إِشَارَته , وَأَنَّهَا تَقُوم مَقَام اللَّفْظ بِالشَّهَادَةِ , وَأَمَّا مَعَ الْقُدْرَة بِاللَّفْظِ فَلَا تَقَع مِنْهُ إِلَّا بِاللَّفْظِ . قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَالْمُخَالِفُونَ يُلْزِمُونَ الْأَخْرَس الطَّلَاق وَالْبُيُوع وَسَائِر الْأَحْكَام , فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُون الْقَذْف مِثْل ذَلِكَ . قَالَ الْمُهَلِّب : وَقَدْ تَكُون الْإِشَارَة فِي كَثِير مِنْ أَبْوَاب الْفِقْه أَقْوَى مِنْ الْكَلَام مِثْل قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : ( بُعِثْت أَنَا وَالسَّاعَة كَهَاتَيْنِ ) نَعْرِف قُرْب مَا بَيْنهمَا بِمِقْدَارِ زِيَادَة الْوُسْطَى عَلَى السِّبَابَة . وَفِي إِجْمَاع الْعُقُول عَلَى أَنَّ الْعِيَان أَقْوَى مِنْ الْخَبَر دَلِيل عَلَى أَنَّ الْإِشَارَة قَدْ تَكُون فِي بَعْض الْمَوَاضِع أَقْوَى مِنْ الْكَلَام .
أَيْ السَّلَامَة عَلَيَّ مِنْ اللَّه تَعَالَى . قَالَ الزَّجَّاج : ذُكِرَ السَّلَام قَبْل هَذَا بِغَيْرِ أَلِف وَلَام فَحَسُنَ فِي الثَّانِيَة ذِكْر الْأَلِف وَاللَّام .
يَعْنِي فِي الدُّنْيَا . وَقِيلَ : مِنْ هَمْز الشَّيْطَان كَمَا تَقَدَّمَ فِي " آل عِمْرَان " .
يَعْنِي فِي الْقَبْر
يَعْنِي فِي الْآخِرَة . لِأَنَّ لَهُ أَحْوَاله ثَلَاثَة فِي الدُّنْيَا حَيًّا , وَفِي الْقَبْر مَيِّتًا , وَفِي الْآخِرَة مَبْعُوثًا ; فَسَلِمَ فِي أَحْوَاله كُلّهَا وَهُوَ قَوْل الْكَلْبِيّ . ثُمَّ اِنْقَطَعَ كَلَامه فِي الْمَهْد حَتَّى بَلَغَ مَبْلَغ الْغِلْمَان . وَقَالَ قَتَادَة : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام رَأَتْهُ اِمْرَأَة يُحْيِي الْمَوْتَى , وَيُبْرِئ الْأَكْمَه وَالْأَبْرَص فِي سَائِر آيَاته فَقَالَتْ : طُوبَى لِلْبَطْنِ الَّذِي حَمَلَك , وَالثَّدْي الَّذِي أَرْضَعَك ; فَقَالَ لَهَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام : طُوبَى لِمَنْ تَلَا كِتَاب اللَّه تَعَالَى وَاتَّبَعَ مَا فِيهِ وَعَمِلَ بِهِ .
يَعْنِي فِي الدُّنْيَا . وَقِيلَ : مِنْ هَمْز الشَّيْطَان كَمَا تَقَدَّمَ فِي " آل عِمْرَان " .
يَعْنِي فِي الْقَبْر
يَعْنِي فِي الْآخِرَة . لِأَنَّ لَهُ أَحْوَاله ثَلَاثَة فِي الدُّنْيَا حَيًّا , وَفِي الْقَبْر مَيِّتًا , وَفِي الْآخِرَة مَبْعُوثًا ; فَسَلِمَ فِي أَحْوَاله كُلّهَا وَهُوَ قَوْل الْكَلْبِيّ . ثُمَّ اِنْقَطَعَ كَلَامه فِي الْمَهْد حَتَّى بَلَغَ مَبْلَغ الْغِلْمَان . وَقَالَ قَتَادَة : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام رَأَتْهُ اِمْرَأَة يُحْيِي الْمَوْتَى , وَيُبْرِئ الْأَكْمَه وَالْأَبْرَص فِي سَائِر آيَاته فَقَالَتْ : طُوبَى لِلْبَطْنِ الَّذِي حَمَلَك , وَالثَّدْي الَّذِي أَرْضَعَك ; فَقَالَ لَهَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام : طُوبَى لِمَنْ تَلَا كِتَاب اللَّه تَعَالَى وَاتَّبَعَ مَا فِيهِ وَعَمِلَ بِهِ .
أَيْ ذَلِكَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عِيسَى ابْن مَرْيَم فَكَذَلِكَ اِعْتَقِدُوهُ , لَا كَمَا تَقُول الْيَهُود إِنَّهُ لِغَيْرِ رَشْدَة وَأَنَّهُ اِبْن يُوسُف النَّجَّار , وَلَا كَمَا قَالَتْ النَّصَارَى : إِنَّهُ الْإِلَه أَوْ اِبْن الْإِلَه .
قَالَ الْكِسَائِيّ : " قَوْل الْحَقّ " نَعْت لِعِيسَى أَيْ ذَلِكَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم " قَوْل الْحَقّ " وَسُمِّيَ قَوْل الْحَقّ كَمَا سُمِّيَ كَلِمَة اللَّه ; وَالْحَقّ هُوَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . وَقَالَ أَبُو حَاتِم : الْمَعْنَى هُوَ قَوْل الْحَقّ . وَقِيلَ : التَّقْدِير هَذَا الْكَلَام قَوْل الْحَقّ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : ( يُرِيد هَذَا كَلَام عِيسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْل الْحَقّ لَيْسَ بِبَاطِلٍ ; وَأُضِيفَ الْقَوْل إِلَى الْحَقّ كَمَا قَالَ : ( وَعْد الصِّدْق الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ) [ الْأَحْقَاف : 16 ] أَيْ الْوَعْد وَالصِّدْق . وَقَالَ : " وَلَلدَّار الْآخِرَة خَيْر " [ الْأَنْعَام : 32 ] أَيْ وَلَا الدَّار الْآخِرَة . وَقَرَأَ عَاصِم وَعَبْد اللَّه بْن عَامِر " قَوْل الْحَقّ " بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَال ; أَيْ أَقُول قَوْلًا حَقًّا . وَالْعَامِل مَعْنَى الْإِشَارَة فِي ( ذَلِكَ ) . الزَّجَّاج : هُوَ مَصْدَر أَيْ أَقُول قَوْل الْحَقّ لِأَنَّ مَا قَبْله يَدُلّ عَلَيْهِ . وَقِيلَ : مَدْح . وَقِيلَ : إِغْرَاء . وَقَرَأَ عَبْد اللَّه " قَالَ الْحَقّ " وَقَرَأَ الْحَسَن " قُولُ الْحَقّ " بِضَمِّ الْقَاف , وَكَذَلِكَ فِي " الْأَنْعَام " " قَوْله الْحَقّ " [ الْأَنْعَام : 73 ] وَالْقَوْل وَالْقَال وَالْقُولُ بِمَعْنًى وَاحِد , كَالرَّهْبِ وَالرَّهَب وَالرُّهْب
مِنْ نَعْت عِيسَى .
أَيْ يَشُكُّونَ ; أَيْ ذَلِكَ عِيسَى ابْن مَرْيَم الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ الْقَوْل الْحَقّ . وَقِيلَ : " يَمْتَرُونَ " يَخْتَلِفُونَ . ذَكَرَ عَبْد الرَّزَّاق قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله تَعَالَى ( ذَلِكَ عِيسَى ابْن مَرْيَم قَوْل الْحَقّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ ) قَالَ : اِجْتَمَعَ بَنُو إِسْرَائِيل فَأَخْرَجُوا مِنْهُمْ أَرْبَعَة نَفَر , أَخْرَجَ كُلّ قَوْم عَالِمهمْ فَامْتَرَوْا فِي عِيسَى حِين رُفِعَ ; فَقَالَ أَحَدهمْ : هُوَ اللَّه هَبَطَ إِلَى الْأَرْض فَأَحْيَا مَنْ أَحْيَا وَأَمَاتَ مَنْ أَمَاتَ , ثُمَّ صَعِدَ إِلَى السَّمَاء وَهُمْ الْيَعْقُوبِيَّة . فَقَالَتْ الثَّلَاثَة : كَذَبْت . ثُمَّ قَالَ اِثْنَانِ مِنْهُمْ لِلثَّالِثِ : قُلْ فِيهِ , قَالَ : هُوَ اِبْن اللَّه وَهُمْ النَّسْطُورِيَّة , فَقَالَ الِاثْنَانِ كَذَبْت , ثُمَّ قَالَ أَحَد الِاثْنَيْنِ لِلْآخَرِ قُلْ فِيهِ , فَقَالَ : هُوَ ثَالِث ثَلَاثَة , اللَّه إِلَه وَهُوَ إِلَه , وَأُمّه إِلَه , وَهُمْ الْإِسْرَائِيلِيَّة مُلُوك النَّصَارَى . قَالَ الرَّابِع : كَذَبْت بَلْ هُوَ عَبْد اللَّه وَرَسُوله وَرُوحه وَكَلِمَته وَهُمْ الْمُسْلِمُونَ , فَكَانَ لِكُلِّ رَجُل مِنْهُمْ أَتْبَاع - عَلَى مَا قَالَ - فَاقْتَتَلُوا فَظُهِرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ , فَذَلِكَ قَوْل اللَّه تَعَالَى : ( وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاس ) [ آل عِمْرَان : 21 ] . وَقَالَ قَتَادَة : وَهُمْ الَّذِينَ قَالَ اللَّه تَعَالَى فِيهِمْ : ( فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَاب مِنْ بَيْنهمْ ) اِخْتَلَفُوا فِيهِ فَصَارُوا أَحْزَابًا فَهَذَا مَعْنَى قَوْل ( الَّذِي فِيهِ تَمْتَرُونَ ) بِالتَّاءِ الْمُعْجَمَة مِنْ فَوْق وَهِيَ قِرَاءَة أَبِي عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ وَغَيْره قَالَ اِبْن عَبَّاس فَمَرَّ بِمَرْيَم اِبْن عَمّهَا وَمَعَهَا اِبْنهَا إِلَى مِصْر فَكَانُوا فِيهَا اِثْنَتَيْ عَشْرَة سَنَة حَتَّى مَاتَ الْمَلِك الَّذِي كَانُوا يَخَافُونَهُ ; ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ . قُلْت وَوَقَعَ فِي تَارِيخ مِصْر فِيمَا رَأَيْت وَجَاءَ فِي الْإِنْجِيل الظَّاهِر أَنَّ السَّيِّد الْمَسِيح لَمَّا وُلِدَ فِي بَيْت لَحْم كَانَ هيرودس فِي ذَلِكَ الْوَقْت مَلِكًا وَأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَوْحَى إِلَى يُوسُف النَّجَّار فِي الْحُلْم وَقَالَ لَهُ قُمْ فَخُذْ الصَّبِيّ وَأُمّه وَاذْهَبْ إِلَى مِصْر وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُول لَك , فَإِنَّ هيرودس مُزْمِع أَنْ يَطْلُب عِيسَى لِيُهْلِكهُ فَقَامَ مِنْ نَوْمه وَامْتَثَلَ أَمْر رَبّه وَأَخَذَ السَّيِّد الْمَسِيح وَمَرْيَم أُمّه وَجَاءَ إِلَى مِصْر , وَفِي حَال مَجِيئِهِ إِلَى مِصْر نَزَلَ بِبِئْرِ الْبَلَسَان الَّتِي بِظَاهِرِ الْقَاهِرَة وَغَسَلَتْ ثِيَابه عَلَى ذَلِكَ الْبِئْر فَالْبَلَسَان لَا يَطْلُع وَلَا يَنْبُت إِلَّا فِي تِلْكَ الْأَرْض وَمِنْهُ يَخْرُج الدُّهْن الَّذِي يُخَالِط الزَّيْت الَّذِي تَعَمَّد بِهِ النَّصَارَى وَلِذَلِكَ كَانَتْ قَارُورَة وَاحِدَة فِي أَيَّام الْمِصْرِيِّينَ لَهَا مِقْدَار عَظِيم , وَتَقَع فِي نُفُوس مُلُوك النَّصَارَى مِثْل مَلِك الْقُسْطَنْطِينِيَّة وَمَلِك صِقِلِّيَة وَمَلِك الْحَبَشَة وَمَلِك النَّوْبَة وَمَلِك الْفِرِنْجَة وَغَيْرهمْ مِنْ الْمُلُوك عِنْدَمَا يُهَادِيهِمْ بِهِ مُلُوك مِصْر مَوْقِعًا جَلِيلًا جِدًّا وَتَكُون أَحَبّ إِلَيْهِمْ مِنْ كُلّ هَدِيَّة لَهَا قَدْر وَفِي تِلْكَ السَّفْرَة وَصَلَ السَّيِّد الْمَسِيح إِلَى مَدِينَة الْأُشْمُونِينَ وقسقام الْمَعْرُوفَة الْآن بِالْمُحَرَّقَةِ فَلِذَلِكَ يُعَظِّمهَا النَّصَارَى إِلَى الْآنَ , وَيَحْضُرُونَ إِلَيْهَا فِي عِيد الْفِصْح مِنْ كُلّ مَكَان ; لِأَنَّهَا نِهَايَة مَا وَصَلَ إِلَيْهَا مِنْ أَرْض مِصْر , وَمِنْهَا عَادَ إِلَى الشَّام . وَاَللَّه أَعْلَم .
قَالَ الْكِسَائِيّ : " قَوْل الْحَقّ " نَعْت لِعِيسَى أَيْ ذَلِكَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم " قَوْل الْحَقّ " وَسُمِّيَ قَوْل الْحَقّ كَمَا سُمِّيَ كَلِمَة اللَّه ; وَالْحَقّ هُوَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . وَقَالَ أَبُو حَاتِم : الْمَعْنَى هُوَ قَوْل الْحَقّ . وَقِيلَ : التَّقْدِير هَذَا الْكَلَام قَوْل الْحَقّ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : ( يُرِيد هَذَا كَلَام عِيسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْل الْحَقّ لَيْسَ بِبَاطِلٍ ; وَأُضِيفَ الْقَوْل إِلَى الْحَقّ كَمَا قَالَ : ( وَعْد الصِّدْق الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ) [ الْأَحْقَاف : 16 ] أَيْ الْوَعْد وَالصِّدْق . وَقَالَ : " وَلَلدَّار الْآخِرَة خَيْر " [ الْأَنْعَام : 32 ] أَيْ وَلَا الدَّار الْآخِرَة . وَقَرَأَ عَاصِم وَعَبْد اللَّه بْن عَامِر " قَوْل الْحَقّ " بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَال ; أَيْ أَقُول قَوْلًا حَقًّا . وَالْعَامِل مَعْنَى الْإِشَارَة فِي ( ذَلِكَ ) . الزَّجَّاج : هُوَ مَصْدَر أَيْ أَقُول قَوْل الْحَقّ لِأَنَّ مَا قَبْله يَدُلّ عَلَيْهِ . وَقِيلَ : مَدْح . وَقِيلَ : إِغْرَاء . وَقَرَأَ عَبْد اللَّه " قَالَ الْحَقّ " وَقَرَأَ الْحَسَن " قُولُ الْحَقّ " بِضَمِّ الْقَاف , وَكَذَلِكَ فِي " الْأَنْعَام " " قَوْله الْحَقّ " [ الْأَنْعَام : 73 ] وَالْقَوْل وَالْقَال وَالْقُولُ بِمَعْنًى وَاحِد , كَالرَّهْبِ وَالرَّهَب وَالرُّهْب
مِنْ نَعْت عِيسَى .
أَيْ يَشُكُّونَ ; أَيْ ذَلِكَ عِيسَى ابْن مَرْيَم الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ الْقَوْل الْحَقّ . وَقِيلَ : " يَمْتَرُونَ " يَخْتَلِفُونَ . ذَكَرَ عَبْد الرَّزَّاق قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله تَعَالَى ( ذَلِكَ عِيسَى ابْن مَرْيَم قَوْل الْحَقّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ ) قَالَ : اِجْتَمَعَ بَنُو إِسْرَائِيل فَأَخْرَجُوا مِنْهُمْ أَرْبَعَة نَفَر , أَخْرَجَ كُلّ قَوْم عَالِمهمْ فَامْتَرَوْا فِي عِيسَى حِين رُفِعَ ; فَقَالَ أَحَدهمْ : هُوَ اللَّه هَبَطَ إِلَى الْأَرْض فَأَحْيَا مَنْ أَحْيَا وَأَمَاتَ مَنْ أَمَاتَ , ثُمَّ صَعِدَ إِلَى السَّمَاء وَهُمْ الْيَعْقُوبِيَّة . فَقَالَتْ الثَّلَاثَة : كَذَبْت . ثُمَّ قَالَ اِثْنَانِ مِنْهُمْ لِلثَّالِثِ : قُلْ فِيهِ , قَالَ : هُوَ اِبْن اللَّه وَهُمْ النَّسْطُورِيَّة , فَقَالَ الِاثْنَانِ كَذَبْت , ثُمَّ قَالَ أَحَد الِاثْنَيْنِ لِلْآخَرِ قُلْ فِيهِ , فَقَالَ : هُوَ ثَالِث ثَلَاثَة , اللَّه إِلَه وَهُوَ إِلَه , وَأُمّه إِلَه , وَهُمْ الْإِسْرَائِيلِيَّة مُلُوك النَّصَارَى . قَالَ الرَّابِع : كَذَبْت بَلْ هُوَ عَبْد اللَّه وَرَسُوله وَرُوحه وَكَلِمَته وَهُمْ الْمُسْلِمُونَ , فَكَانَ لِكُلِّ رَجُل مِنْهُمْ أَتْبَاع - عَلَى مَا قَالَ - فَاقْتَتَلُوا فَظُهِرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ , فَذَلِكَ قَوْل اللَّه تَعَالَى : ( وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاس ) [ آل عِمْرَان : 21 ] . وَقَالَ قَتَادَة : وَهُمْ الَّذِينَ قَالَ اللَّه تَعَالَى فِيهِمْ : ( فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَاب مِنْ بَيْنهمْ ) اِخْتَلَفُوا فِيهِ فَصَارُوا أَحْزَابًا فَهَذَا مَعْنَى قَوْل ( الَّذِي فِيهِ تَمْتَرُونَ ) بِالتَّاءِ الْمُعْجَمَة مِنْ فَوْق وَهِيَ قِرَاءَة أَبِي عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ وَغَيْره قَالَ اِبْن عَبَّاس فَمَرَّ بِمَرْيَم اِبْن عَمّهَا وَمَعَهَا اِبْنهَا إِلَى مِصْر فَكَانُوا فِيهَا اِثْنَتَيْ عَشْرَة سَنَة حَتَّى مَاتَ الْمَلِك الَّذِي كَانُوا يَخَافُونَهُ ; ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ . قُلْت وَوَقَعَ فِي تَارِيخ مِصْر فِيمَا رَأَيْت وَجَاءَ فِي الْإِنْجِيل الظَّاهِر أَنَّ السَّيِّد الْمَسِيح لَمَّا وُلِدَ فِي بَيْت لَحْم كَانَ هيرودس فِي ذَلِكَ الْوَقْت مَلِكًا وَأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَوْحَى إِلَى يُوسُف النَّجَّار فِي الْحُلْم وَقَالَ لَهُ قُمْ فَخُذْ الصَّبِيّ وَأُمّه وَاذْهَبْ إِلَى مِصْر وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُول لَك , فَإِنَّ هيرودس مُزْمِع أَنْ يَطْلُب عِيسَى لِيُهْلِكهُ فَقَامَ مِنْ نَوْمه وَامْتَثَلَ أَمْر رَبّه وَأَخَذَ السَّيِّد الْمَسِيح وَمَرْيَم أُمّه وَجَاءَ إِلَى مِصْر , وَفِي حَال مَجِيئِهِ إِلَى مِصْر نَزَلَ بِبِئْرِ الْبَلَسَان الَّتِي بِظَاهِرِ الْقَاهِرَة وَغَسَلَتْ ثِيَابه عَلَى ذَلِكَ الْبِئْر فَالْبَلَسَان لَا يَطْلُع وَلَا يَنْبُت إِلَّا فِي تِلْكَ الْأَرْض وَمِنْهُ يَخْرُج الدُّهْن الَّذِي يُخَالِط الزَّيْت الَّذِي تَعَمَّد بِهِ النَّصَارَى وَلِذَلِكَ كَانَتْ قَارُورَة وَاحِدَة فِي أَيَّام الْمِصْرِيِّينَ لَهَا مِقْدَار عَظِيم , وَتَقَع فِي نُفُوس مُلُوك النَّصَارَى مِثْل مَلِك الْقُسْطَنْطِينِيَّة وَمَلِك صِقِلِّيَة وَمَلِك الْحَبَشَة وَمَلِك النَّوْبَة وَمَلِك الْفِرِنْجَة وَغَيْرهمْ مِنْ الْمُلُوك عِنْدَمَا يُهَادِيهِمْ بِهِ مُلُوك مِصْر مَوْقِعًا جَلِيلًا جِدًّا وَتَكُون أَحَبّ إِلَيْهِمْ مِنْ كُلّ هَدِيَّة لَهَا قَدْر وَفِي تِلْكَ السَّفْرَة وَصَلَ السَّيِّد الْمَسِيح إِلَى مَدِينَة الْأُشْمُونِينَ وقسقام الْمَعْرُوفَة الْآن بِالْمُحَرَّقَةِ فَلِذَلِكَ يُعَظِّمهَا النَّصَارَى إِلَى الْآنَ , وَيَحْضُرُونَ إِلَيْهَا فِي عِيد الْفِصْح مِنْ كُلّ مَكَان ; لِأَنَّهَا نِهَايَة مَا وَصَلَ إِلَيْهَا مِنْ أَرْض مِصْر , وَمِنْهَا عَادَ إِلَى الشَّام . وَاَللَّه أَعْلَم .
مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ↓
أَيْ مَا يَنْبَغِي لَهُ وَلَا يَجُوز
"مِنْ " صِلَة لِلْكَلَامِ ; أَيْ أَنْ يَتَّخِذ وَلَدًا . و " أَنْ " فِي مَوْضِع رَفْع اِسْم " كَانَ " أَيْ مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذ وَلَدًا ; أَيْ مَا كَانَ مِنْ صِفَته اِتِّخَاذ الْوَلَد , ثُمَّ نَزَّهَ نَفْسه تَعَالَى عَنْ مَقَالَتهمْ فَقَالَ.
أَنْ يَكُون لَهُ وَلَد
أَيْ إِذَا أَرَادَ إِحْكَامه وَإِتْقَانه - كَمَا سَبَقَ فِي عِلْمه - قَالَ لَهُ كُنْ . قَالَ اِبْن عَرَفَة : قَضَاء الشَّيْء إِحْكَامه وَإِمْضَاؤُهُ وَالْفَرَاغ مِنْهُ ; وَمِنْهُ سُمِّيَ الْقَاضِي ; لِإِنَّهُ إِذَا حَكَمَ فَقَدْ فَرَغَ مِمَّا بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ . وَقَالَ الْأَزْهَرِيّ : قَضَى فِي اللُّغَة عَلَى وُجُوه , مَرْجِعهَا إِلَى اِنْقِطَاع الشَّيْء وَتَمَامه ; قَالَ أَبُو ذُؤَيْب : وَعَلَيْهِمَا مَسْرُودَتَانِ قَضَاهُمَا دَاوُد أَوْ صَنَع السَّوَابِغ تُبَّع وَقَالَ الشَّمَّاخ فِي عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : قَضَيْت أُمُورًا ثُمَّ غَادَرْت بَعْدهَا بَوَائِق فِي أَكْمَامهَا لَمْ تُفَتَّق قَالَ عُلَمَاؤُنَا : " قَضَى " لَفْظ مُشْتَرَك , يَكُون بِمَعْنَى الْخَلْق ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " فَقَضَاهُنَّ سَبْع سَمَوَات فِي يَوْمَيْنِ " [ فُصِّلَتْ : 12 ] أَيْ خَلَقَهُنَّ . وَيَكُون بِمَعْنَى الْإِعْلَام ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل فِي الْكِتَاب " [ الْإِسْرَاء : 4 ] أَيْ أَعْلَمْنَا . وَيَكُون بِمَعْنَى الْأَمْر ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَقَضَى رَبّك أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ " [ الْإِسْرَاء : 23 ] . وَيَكُون بِمَعْنَى الْإِلْزَام وَإِمْضَاء الْأَحْكَام ; وَمِنْهُ سُمِّيَ الْحَاكِم قَاضِيًا . وَيَكُون بِمَعْنَى تَوْفِيَة الْحَقّ , قَالَ اللَّه تَعَالَى : " فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَل " [ الْقَصَص : 29 ] . وَيَكُون بِمَعْنَى الْإِرَادَة ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ كُنْ فَيَكُون " [ غَافِر : 68 ] أَيْ إِذَا أَرَادَ خَلْق شَيْء . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : " قَضَى " مَعْنَاهُ قَدَّرَ ; وَقَدْ يَجِيء بِمَعْنَى أَمْضَى , وَيَتَّجِه فِي هَذِهِ الْآيَة الْمَعْنَيَانِ عَلَى مَذْهَب أَهْل السُّنَّة قَدَّرَ فِي الْأَزَل وَأَمْضَى فِيهِ . وَعَلَى مَذْهَب الْمُعْتَزِلَة أَمْضَى عِنْد الْخَلْق وَالْإِيجَاد . قَوْله تَعَالَى : " أَمْرًا " الْأَمْر وَاحِد الْأُمُور , وَلَيْسَ بِمَصْدَرِ أَمَرَ يَأْمُر . قَالَ عُلَمَاؤُنَا : وَالْأَمْر فِي الْقُرْآن يَتَصَرَّف عَلَى أَرْبَعَة عَشَر وَجْهًا : الْأَوَّل : الدِّين ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " حَتَّى جَاءَ الْحَقّ وَظَهَرَ أَمْر اللَّه " [ التَّوْبَة : 48 ] يَعْنِي دِين اللَّه الْإِسْلَام . الثَّانِي : الْقَوْل ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " فَإِذَا جَاءَ أَمْرنَا " يَعْنِي قَوْلنَا , وَقَوْله : " فَتَنَازَعُوا أَمْرهمْ بَيْنهمْ " [ طه : 62 ] يَعْنِي قَوْلهمْ . الثَّالِث : الْعَذَاب ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " لَمَّا قُضِيَ الْأَمْر " [ إِبْرَاهِيم : 22 ] يَعْنِي لَمَّا وَجَبَ الْعَذَاب بِأَهْلِ النَّار . الرَّابِع : عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " إِذَا قَضَى أَمْرًا " [ آل عِمْرَان : 47 ] يَعْنِي عِيسَى , وَكَانَ فِي عِلْمه أَنْ يَكُون مِنْ غَيْر أَب . الْخَامِس : الْقَتْل بِبَدْرٍ ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " فَإِذَا جَاءَ أَمْر اللَّه " [ غَافِر : 78 ] يَعْنِي الْقَتْل بِبَدْرٍ , وَقَوْله تَعَالَى : " لِيَقْضِيَ اللَّه أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا " [ الْأَنْفَال : 42 ] يَعْنِي قَتْل كُفَّار مَكَّة . السَّادِس : فَتْح مَكَّة ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِي اللَّه بِأَمْرِهِ " [ التَّوْبَة : 24 ] يَعْنِي فَتْح مَكَّة . السَّابِع : قَتْل قُرَيْظَة وَجَلَاء بَنِي النَّضِير ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِي اللَّه بِأَمْرِهِ " [ الْبَقَرَة : 109 ] . الثَّامِن : الْقِيَامَة , قَالَ اللَّه تَعَالَى : " أَتَى أَمْر اللَّه " [ النَّحْل : 1 ] . التَّاسِع : الْقَضَاء ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " يُدَبِّر الْأَمْر " [ يُونُس : 3 ] يَعْنِي الْقَضَاء . الْعَاشِر : الْوَحْي ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " يُدَبِّر الْأَمْر مِنْ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض " [ السَّجْدَة : 5 ] يَقُول : يُنَزِّل الْوَحْي مِنْ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض ; وَقَوْله : " يَتَنَزَّل الْأَمْر بَيْنهنَّ " [ الطَّلَاق : 12 ] يَعْنِي الْوَحْي . الْحَادِي عَشَر : أَمْر الْخَلْق ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " أَلَا إِلَى اللَّه تَصِير الْأُمُور " [ الشُّورَى : 53 ] يَعْنِي أُمُور الْخَلَائِق . الثَّانِي عَشَر : النَّصْر , قَالَ اللَّه تَعَالَى : " يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنْ الْأَمْر مِنْ شَيْء " [ آل عِمْرَان : 154 ] يَعْنُونَ النَّصْر , " قُلْ إِنَّ الْأَمْر كُلّه لِلَّهِ " [ آل عِمْرَان : 154 ] يَعْنِي النَّصْر . الثَّالِث عَشَر : الذَّنْب ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " فَذَاقَتْ وَبَال أَمْرهَا " [ الطَّلَاق : 9 ] يَعْنِي جَزَاء ذَنْبهَا . الرَّابِع عَشَر : الشَّأْن وَالْفِعْل ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَمَا أَمْر فِرْعَوْن بِرَشِيدٍ " [ هُود : 97 ] أَيْ فِعْله وَشَأْنه , وَقَالَ : " فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْره " [ النُّور : 63 ] أَيْ فِعْله . قَوْله تَعَالَى : " كُنْ " قِيلَ : الْكَاف مِنْ كَيْنُونَة , وَالنُّون مِنْ نُوره ; وَهِيَ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام : ( أَعُوذ بِكَلِمَاتِ اللَّه التَّامَّات مِنْ شَرّ مَا خَلَقَ ) . وَيُرْوَى : ( بِكَلِمَةِ اللَّه التَّامَّة ) عَلَى الْإِفْرَاد . فَالْجَمْع لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْكَلِمَة فِي الْأُمُور كُلّهَا , فَإِذَا قَالَ لِكُلِّ أَمْر كُنْ , وَلِكُلِّ شَيْء كُنْ , فَهُنَّ كَلِمَات . يَدُلّ عَلَى هَذَا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي ذَرّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يُحْكَى عَنْ اللَّه تَعَالَى : ( عَطَائِي كَلَام وَعَذَابِي كَلَام ) . خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ فِي حَدِيث فِيهِ طُول . وَالْكَلِمَة عَلَى الْإِفْرَاد بِمَعْنَى الْكَلِمَات أَيْضًا ; لَكِنْ لَمَّا تَفَرَّقَتْ الْكَلِمَة الْوَاحِدَة فِي الْأُمُور فِي الْأَوْقَات صَارَتْ كَلِمَات وَمَرْجِعهنَّ إِلَى كَلِمَة وَاحِدَة . وَإِنَّمَا قِيلَ " تَامَّة " لِأَنَّ أَقَلّ الْكَلَام عِنْد أَهْل اللُّغَة عَلَى ثَلَاثَة أَحْرُف : حَرْف مُبْتَدَأ , وَحَرْف تُحْشَى بِهِ الْكَلِمَة , وَحَرْف يُسْكَت عَلَيْهِ . وَإِذَا كَانَ عَلَى حَرْفَيْنِ فَهُوَ عِنْدهمْ مَنْقُوص , كَيَدٍ وَدَم وَفَم ; وَإِنَّمَا نَقَصَ لِعِلَّةٍ . فَهِيَ مِنْ الْآدَمِيِّينَ مِنْ الْمَنْقُوصَات لِأَنَّهَا عَلَى حَرْفَيْنِ ; وَلِأَنَّهَا كَلِمَة مَلْفُوظَة بِالْأَدَوَاتِ . وَمِنْ رَبّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى تَامَّة ; لِأَنَّهَا بِغَيْرِ الْأَدَوَات , تَعَالَى عَنْ شَبَه الْمَخْلُوقِينَ . قَوْله تَعَالَى : " فَيَكُون " قُرِئَ بِرَفْعِ النُّون عَلَى الِاسْتِئْنَاف . قَالَ سِيبَوَيْهِ . فَهُوَ يَكُون , أَوْ فَإِنَّهُ يَكُون . وَقَالَ غَيْره : هُوَ مَعْطُوف عَلَى " يَقُول " ; فَعَلَى الْأَوَّل كَائِنًا بَعْد الْأَمْر , وَإِنْ كَانَ مَعْدُومًا فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْجُود إِذَا هُوَ عِنْده مَعْلُوم ; عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه . وَعَلَى الثَّانِي كَائِنًا مَعَ الْأَمْر ; وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيّ وَقَالَ : أَمْره لِلشَّيْءِ ب " كُنْ " لَا يَتَقَدَّم الْوُجُود وَلَا يَتَأَخَّر عَنْهُ ; فَلَا يَكُون الشَّيْء مَأْمُورًا بِالْوُجُودِ إِلَّا وَهُوَ مَوْجُود بِالْأَمْرِ , وَلَا مَوْجُودًا إِلَّا وَهُوَ مَأْمُور بِالْوُجُودِ , عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه . قَالَ : وَنَظِيره قِيَام النَّاس مِنْ قُبُورهمْ لَا يَتَقَدَّم دُعَاء اللَّه وَلَا يَتَأَخَّر عَنْهُ ; كَمَا قَالَ " ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَة مِنْ الْأَرْض إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ " [ الرُّوم : 25 ] . وَضَعَّفَ اِبْن عَطِيَّة هَذَا الْقَوْل وَقَالَ : هُوَ خَطَأ مِنْ جِهَة الْمَعْنَى ; لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْقَوْل مَعَ التَّكْوِين وَالْوُجُود . وَتَلْخِيص الْمُعْتَقَد فِي هَذِهِ الْآيَة : أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَزَلْ آمِرًا لِلْمَعْدُومَاتِ بِشَرْطِ وُجُودهَا , قَادِرًا مَعَ تَأَخُّر الْمَقْدُورَات , عَالِمًا مَعَ تَأَخُّر الْمَعْلُومَات . فَكُلّ مَا فِي الْآيَة يَقْتَضِي الِاسْتِقْبَال فَهُوَ بِحَسَبِ الْمَأْمُورَات ; إِذْ الْمُحْدَثَات تَجِيء بَعْد أَنْ لَمْ تَكُنْ . وَكُلّ مَا يُسْنَد إِلَى اللَّه تَعَالَى مِنْ قُدْرَة وَعِلْم فَهُوَ قَدِيم وَلَمْ يَزَلْ . وَالْمَعْنَى الَّذِي تَقْتَضِيه عِبَارَة " كُنْ " : هُوَ قَدِيم قَائِم بِالذَّاتِ . وَقَالَ أَبُو الْحَسَن الْمَاوَرْدِيّ فَإِنْ قِيلَ : فَفِي أَيّ حَال يَقُول لَهُ كُنْ فَيَكُون ؟ أَفِي حَال عَدَمه , أَمْ فِي حَال وُجُوده ؟ فَإِنْ كَانَ فِي حَال عَدَمه اِسْتَحَالَ أَنْ يَأْمُر إِلَّا مَأْمُورًا ; كَمَا يَسْتَحِيل أَنْ يَكُون الْأَمْر إِلَّا مِنْ آمِر ; وَإِنْ كَانَ فِي حَال وُجُوده فَتِلْكَ حَال لَا يَجُوز أَنْ يَأْمُر فِيهَا بِالْوُجُودِ وَالْحُدُوث ; لِأَنَّهُ مَوْجُود حَادِث ؟ قِيلَ عَنْ هَذَا السُّؤَال أَجْوِبَة ثَلَاثَة : أَحَدهَا : أَنَّهُ خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى عَنْ نُفُوذ أَوَامِره فِي خَلْقه الْمَوْجُود , كَمَا أَمَرَ فِي بَنِي إِسْرَائِيل أَنْ يَكُونُوا قِرَدَة خَاسِئِينَ ; وَلَا يَكُون هَذَا وَارِدًا فِي إِيجَاد الْمَعْدُومَات . الثَّانِي : أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَالِم هُوَ كَائِن قَبْل كَوْنه ; فَكَانَتْ الْأَشْيَاء الَّتِي لَمْ تَكُنْ وَهِيَ كَائِنَة بِعِلْمِهِ قَبْل كَوْنهَا مُشَابِهَة لِلَّتِي هِيَ مَوْجُودَة ; فَجَازَ أَنْ يَقُول لَهَا : كُونِي . وَيَأْمُرهَا بِالْخُرُوجِ مِنْ حَال الْعَدَم إِلَى حَال الْوُجُود ; لِتَصَوُّرِ جَمِيعهَا لَهُ وَلِعِلْمِهِ بِهَا فِي حَال الْعَدَم . الثَّالِث : إِنَّ ذَلِكَ خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى عَامّ عَنْ جَمِيع مَا يُحْدِثهُ وَيُكَوِّنهُ إِذَا أَرَادَ خَلْقه وَإِنْشَاءَهُ كَانَ , وَوُجِدَ مِنْ غَيْر أَنْ يَكُون هُنَاكَ قَوْل يَقُول , وَإِنَّمَا هُوَ قَضَاء يُرِيدهُ ; فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالْقَوْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَوْلًا ; كَقَوْلِ أَبِي النَّجْم : قَدْ قَالَتْ الْأَنْسَاع لِلْبَطْنِ الْحَقِ وَلَا قَوْل هُنَاكَ , وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ الظَّهْر قَدْ لَحِقَ بِالْبَطْنِ , وَكَقَوْلِ عَمْرو بْن حممة الدَّوْسِيّ : فَأَصْبَحْت مِثْل النَّسْر طَارَتْ فِرَاخه إِذَا رَامَ تَطْيَارًا يُقَال لَهُ قَعِ وَكَمَا قَالَ الْآخَر : قَالَتْ جَنَاحَاهُ لِسَاقَيْهِ اِلْحَقَا وَنَجِّيَا لَحْمَكُمَا أَنْ يُمَزَّقَا
"مِنْ " صِلَة لِلْكَلَامِ ; أَيْ أَنْ يَتَّخِذ وَلَدًا . و " أَنْ " فِي مَوْضِع رَفْع اِسْم " كَانَ " أَيْ مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذ وَلَدًا ; أَيْ مَا كَانَ مِنْ صِفَته اِتِّخَاذ الْوَلَد , ثُمَّ نَزَّهَ نَفْسه تَعَالَى عَنْ مَقَالَتهمْ فَقَالَ.
أَنْ يَكُون لَهُ وَلَد
أَيْ إِذَا أَرَادَ إِحْكَامه وَإِتْقَانه - كَمَا سَبَقَ فِي عِلْمه - قَالَ لَهُ كُنْ . قَالَ اِبْن عَرَفَة : قَضَاء الشَّيْء إِحْكَامه وَإِمْضَاؤُهُ وَالْفَرَاغ مِنْهُ ; وَمِنْهُ سُمِّيَ الْقَاضِي ; لِإِنَّهُ إِذَا حَكَمَ فَقَدْ فَرَغَ مِمَّا بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ . وَقَالَ الْأَزْهَرِيّ : قَضَى فِي اللُّغَة عَلَى وُجُوه , مَرْجِعهَا إِلَى اِنْقِطَاع الشَّيْء وَتَمَامه ; قَالَ أَبُو ذُؤَيْب : وَعَلَيْهِمَا مَسْرُودَتَانِ قَضَاهُمَا دَاوُد أَوْ صَنَع السَّوَابِغ تُبَّع وَقَالَ الشَّمَّاخ فِي عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : قَضَيْت أُمُورًا ثُمَّ غَادَرْت بَعْدهَا بَوَائِق فِي أَكْمَامهَا لَمْ تُفَتَّق قَالَ عُلَمَاؤُنَا : " قَضَى " لَفْظ مُشْتَرَك , يَكُون بِمَعْنَى الْخَلْق ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " فَقَضَاهُنَّ سَبْع سَمَوَات فِي يَوْمَيْنِ " [ فُصِّلَتْ : 12 ] أَيْ خَلَقَهُنَّ . وَيَكُون بِمَعْنَى الْإِعْلَام ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل فِي الْكِتَاب " [ الْإِسْرَاء : 4 ] أَيْ أَعْلَمْنَا . وَيَكُون بِمَعْنَى الْأَمْر ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَقَضَى رَبّك أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ " [ الْإِسْرَاء : 23 ] . وَيَكُون بِمَعْنَى الْإِلْزَام وَإِمْضَاء الْأَحْكَام ; وَمِنْهُ سُمِّيَ الْحَاكِم قَاضِيًا . وَيَكُون بِمَعْنَى تَوْفِيَة الْحَقّ , قَالَ اللَّه تَعَالَى : " فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَل " [ الْقَصَص : 29 ] . وَيَكُون بِمَعْنَى الْإِرَادَة ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ كُنْ فَيَكُون " [ غَافِر : 68 ] أَيْ إِذَا أَرَادَ خَلْق شَيْء . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : " قَضَى " مَعْنَاهُ قَدَّرَ ; وَقَدْ يَجِيء بِمَعْنَى أَمْضَى , وَيَتَّجِه فِي هَذِهِ الْآيَة الْمَعْنَيَانِ عَلَى مَذْهَب أَهْل السُّنَّة قَدَّرَ فِي الْأَزَل وَأَمْضَى فِيهِ . وَعَلَى مَذْهَب الْمُعْتَزِلَة أَمْضَى عِنْد الْخَلْق وَالْإِيجَاد . قَوْله تَعَالَى : " أَمْرًا " الْأَمْر وَاحِد الْأُمُور , وَلَيْسَ بِمَصْدَرِ أَمَرَ يَأْمُر . قَالَ عُلَمَاؤُنَا : وَالْأَمْر فِي الْقُرْآن يَتَصَرَّف عَلَى أَرْبَعَة عَشَر وَجْهًا : الْأَوَّل : الدِّين ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " حَتَّى جَاءَ الْحَقّ وَظَهَرَ أَمْر اللَّه " [ التَّوْبَة : 48 ] يَعْنِي دِين اللَّه الْإِسْلَام . الثَّانِي : الْقَوْل ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " فَإِذَا جَاءَ أَمْرنَا " يَعْنِي قَوْلنَا , وَقَوْله : " فَتَنَازَعُوا أَمْرهمْ بَيْنهمْ " [ طه : 62 ] يَعْنِي قَوْلهمْ . الثَّالِث : الْعَذَاب ; وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " لَمَّا قُضِيَ الْأَمْر " [ إِبْرَاهِيم : 22 ] يَعْنِي لَمَّا وَجَبَ الْعَذَاب بِأَهْلِ النَّار . الرَّابِع : عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " إِذَا قَضَى أَمْرًا " [ آل عِمْرَان : 47 ] يَعْنِي عِيسَى , وَكَانَ فِي عِلْمه أَنْ يَكُون مِنْ غَيْر أَب . الْخَامِس : الْقَتْل بِبَدْرٍ ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " فَإِذَا جَاءَ أَمْر اللَّه " [ غَافِر : 78 ] يَعْنِي الْقَتْل بِبَدْرٍ , وَقَوْله تَعَالَى : " لِيَقْضِيَ اللَّه أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا " [ الْأَنْفَال : 42 ] يَعْنِي قَتْل كُفَّار مَكَّة . السَّادِس : فَتْح مَكَّة ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِي اللَّه بِأَمْرِهِ " [ التَّوْبَة : 24 ] يَعْنِي فَتْح مَكَّة . السَّابِع : قَتْل قُرَيْظَة وَجَلَاء بَنِي النَّضِير ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِي اللَّه بِأَمْرِهِ " [ الْبَقَرَة : 109 ] . الثَّامِن : الْقِيَامَة , قَالَ اللَّه تَعَالَى : " أَتَى أَمْر اللَّه " [ النَّحْل : 1 ] . التَّاسِع : الْقَضَاء ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " يُدَبِّر الْأَمْر " [ يُونُس : 3 ] يَعْنِي الْقَضَاء . الْعَاشِر : الْوَحْي ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " يُدَبِّر الْأَمْر مِنْ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض " [ السَّجْدَة : 5 ] يَقُول : يُنَزِّل الْوَحْي مِنْ السَّمَاء إِلَى الْأَرْض ; وَقَوْله : " يَتَنَزَّل الْأَمْر بَيْنهنَّ " [ الطَّلَاق : 12 ] يَعْنِي الْوَحْي . الْحَادِي عَشَر : أَمْر الْخَلْق ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " أَلَا إِلَى اللَّه تَصِير الْأُمُور " [ الشُّورَى : 53 ] يَعْنِي أُمُور الْخَلَائِق . الثَّانِي عَشَر : النَّصْر , قَالَ اللَّه تَعَالَى : " يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنْ الْأَمْر مِنْ شَيْء " [ آل عِمْرَان : 154 ] يَعْنُونَ النَّصْر , " قُلْ إِنَّ الْأَمْر كُلّه لِلَّهِ " [ آل عِمْرَان : 154 ] يَعْنِي النَّصْر . الثَّالِث عَشَر : الذَّنْب ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " فَذَاقَتْ وَبَال أَمْرهَا " [ الطَّلَاق : 9 ] يَعْنِي جَزَاء ذَنْبهَا . الرَّابِع عَشَر : الشَّأْن وَالْفِعْل ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَمَا أَمْر فِرْعَوْن بِرَشِيدٍ " [ هُود : 97 ] أَيْ فِعْله وَشَأْنه , وَقَالَ : " فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْره " [ النُّور : 63 ] أَيْ فِعْله . قَوْله تَعَالَى : " كُنْ " قِيلَ : الْكَاف مِنْ كَيْنُونَة , وَالنُّون مِنْ نُوره ; وَهِيَ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَام : ( أَعُوذ بِكَلِمَاتِ اللَّه التَّامَّات مِنْ شَرّ مَا خَلَقَ ) . وَيُرْوَى : ( بِكَلِمَةِ اللَّه التَّامَّة ) عَلَى الْإِفْرَاد . فَالْجَمْع لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْكَلِمَة فِي الْأُمُور كُلّهَا , فَإِذَا قَالَ لِكُلِّ أَمْر كُنْ , وَلِكُلِّ شَيْء كُنْ , فَهُنَّ كَلِمَات . يَدُلّ عَلَى هَذَا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي ذَرّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يُحْكَى عَنْ اللَّه تَعَالَى : ( عَطَائِي كَلَام وَعَذَابِي كَلَام ) . خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ فِي حَدِيث فِيهِ طُول . وَالْكَلِمَة عَلَى الْإِفْرَاد بِمَعْنَى الْكَلِمَات أَيْضًا ; لَكِنْ لَمَّا تَفَرَّقَتْ الْكَلِمَة الْوَاحِدَة فِي الْأُمُور فِي الْأَوْقَات صَارَتْ كَلِمَات وَمَرْجِعهنَّ إِلَى كَلِمَة وَاحِدَة . وَإِنَّمَا قِيلَ " تَامَّة " لِأَنَّ أَقَلّ الْكَلَام عِنْد أَهْل اللُّغَة عَلَى ثَلَاثَة أَحْرُف : حَرْف مُبْتَدَأ , وَحَرْف تُحْشَى بِهِ الْكَلِمَة , وَحَرْف يُسْكَت عَلَيْهِ . وَإِذَا كَانَ عَلَى حَرْفَيْنِ فَهُوَ عِنْدهمْ مَنْقُوص , كَيَدٍ وَدَم وَفَم ; وَإِنَّمَا نَقَصَ لِعِلَّةٍ . فَهِيَ مِنْ الْآدَمِيِّينَ مِنْ الْمَنْقُوصَات لِأَنَّهَا عَلَى حَرْفَيْنِ ; وَلِأَنَّهَا كَلِمَة مَلْفُوظَة بِالْأَدَوَاتِ . وَمِنْ رَبّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى تَامَّة ; لِأَنَّهَا بِغَيْرِ الْأَدَوَات , تَعَالَى عَنْ شَبَه الْمَخْلُوقِينَ . قَوْله تَعَالَى : " فَيَكُون " قُرِئَ بِرَفْعِ النُّون عَلَى الِاسْتِئْنَاف . قَالَ سِيبَوَيْهِ . فَهُوَ يَكُون , أَوْ فَإِنَّهُ يَكُون . وَقَالَ غَيْره : هُوَ مَعْطُوف عَلَى " يَقُول " ; فَعَلَى الْأَوَّل كَائِنًا بَعْد الْأَمْر , وَإِنْ كَانَ مَعْدُومًا فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْجُود إِذَا هُوَ عِنْده مَعْلُوم ; عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه . وَعَلَى الثَّانِي كَائِنًا مَعَ الْأَمْر ; وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيّ وَقَالَ : أَمْره لِلشَّيْءِ ب " كُنْ " لَا يَتَقَدَّم الْوُجُود وَلَا يَتَأَخَّر عَنْهُ ; فَلَا يَكُون الشَّيْء مَأْمُورًا بِالْوُجُودِ إِلَّا وَهُوَ مَوْجُود بِالْأَمْرِ , وَلَا مَوْجُودًا إِلَّا وَهُوَ مَأْمُور بِالْوُجُودِ , عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه . قَالَ : وَنَظِيره قِيَام النَّاس مِنْ قُبُورهمْ لَا يَتَقَدَّم دُعَاء اللَّه وَلَا يَتَأَخَّر عَنْهُ ; كَمَا قَالَ " ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَة مِنْ الْأَرْض إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ " [ الرُّوم : 25 ] . وَضَعَّفَ اِبْن عَطِيَّة هَذَا الْقَوْل وَقَالَ : هُوَ خَطَأ مِنْ جِهَة الْمَعْنَى ; لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْقَوْل مَعَ التَّكْوِين وَالْوُجُود . وَتَلْخِيص الْمُعْتَقَد فِي هَذِهِ الْآيَة : أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَزَلْ آمِرًا لِلْمَعْدُومَاتِ بِشَرْطِ وُجُودهَا , قَادِرًا مَعَ تَأَخُّر الْمَقْدُورَات , عَالِمًا مَعَ تَأَخُّر الْمَعْلُومَات . فَكُلّ مَا فِي الْآيَة يَقْتَضِي الِاسْتِقْبَال فَهُوَ بِحَسَبِ الْمَأْمُورَات ; إِذْ الْمُحْدَثَات تَجِيء بَعْد أَنْ لَمْ تَكُنْ . وَكُلّ مَا يُسْنَد إِلَى اللَّه تَعَالَى مِنْ قُدْرَة وَعِلْم فَهُوَ قَدِيم وَلَمْ يَزَلْ . وَالْمَعْنَى الَّذِي تَقْتَضِيه عِبَارَة " كُنْ " : هُوَ قَدِيم قَائِم بِالذَّاتِ . وَقَالَ أَبُو الْحَسَن الْمَاوَرْدِيّ فَإِنْ قِيلَ : فَفِي أَيّ حَال يَقُول لَهُ كُنْ فَيَكُون ؟ أَفِي حَال عَدَمه , أَمْ فِي حَال وُجُوده ؟ فَإِنْ كَانَ فِي حَال عَدَمه اِسْتَحَالَ أَنْ يَأْمُر إِلَّا مَأْمُورًا ; كَمَا يَسْتَحِيل أَنْ يَكُون الْأَمْر إِلَّا مِنْ آمِر ; وَإِنْ كَانَ فِي حَال وُجُوده فَتِلْكَ حَال لَا يَجُوز أَنْ يَأْمُر فِيهَا بِالْوُجُودِ وَالْحُدُوث ; لِأَنَّهُ مَوْجُود حَادِث ؟ قِيلَ عَنْ هَذَا السُّؤَال أَجْوِبَة ثَلَاثَة : أَحَدهَا : أَنَّهُ خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى عَنْ نُفُوذ أَوَامِره فِي خَلْقه الْمَوْجُود , كَمَا أَمَرَ فِي بَنِي إِسْرَائِيل أَنْ يَكُونُوا قِرَدَة خَاسِئِينَ ; وَلَا يَكُون هَذَا وَارِدًا فِي إِيجَاد الْمَعْدُومَات . الثَّانِي : أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَالِم هُوَ كَائِن قَبْل كَوْنه ; فَكَانَتْ الْأَشْيَاء الَّتِي لَمْ تَكُنْ وَهِيَ كَائِنَة بِعِلْمِهِ قَبْل كَوْنهَا مُشَابِهَة لِلَّتِي هِيَ مَوْجُودَة ; فَجَازَ أَنْ يَقُول لَهَا : كُونِي . وَيَأْمُرهَا بِالْخُرُوجِ مِنْ حَال الْعَدَم إِلَى حَال الْوُجُود ; لِتَصَوُّرِ جَمِيعهَا لَهُ وَلِعِلْمِهِ بِهَا فِي حَال الْعَدَم . الثَّالِث : إِنَّ ذَلِكَ خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى عَامّ عَنْ جَمِيع مَا يُحْدِثهُ وَيُكَوِّنهُ إِذَا أَرَادَ خَلْقه وَإِنْشَاءَهُ كَانَ , وَوُجِدَ مِنْ غَيْر أَنْ يَكُون هُنَاكَ قَوْل يَقُول , وَإِنَّمَا هُوَ قَضَاء يُرِيدهُ ; فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالْقَوْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَوْلًا ; كَقَوْلِ أَبِي النَّجْم : قَدْ قَالَتْ الْأَنْسَاع لِلْبَطْنِ الْحَقِ وَلَا قَوْل هُنَاكَ , وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ الظَّهْر قَدْ لَحِقَ بِالْبَطْنِ , وَكَقَوْلِ عَمْرو بْن حممة الدَّوْسِيّ : فَأَصْبَحْت مِثْل النَّسْر طَارَتْ فِرَاخه إِذَا رَامَ تَطْيَارًا يُقَال لَهُ قَعِ وَكَمَا قَالَ الْآخَر : قَالَتْ جَنَاحَاهُ لِسَاقَيْهِ اِلْحَقَا وَنَجِّيَا لَحْمَكُمَا أَنْ يُمَزَّقَا
قَرَأَ أَهْل الْمَدِينَة وَابْن كَثِير وَأَبُو عَمْرو بِفَتْحِ " أَنَّ " وَأَهْل الْكُوفَة " وَإِنَّ " بِكَسْرِ الْهَمْزَة عَلَى أَنَّهُ مُسْتَأْنَف . تَدُلّ عَلَيْهِ قِرَاءَة أُبَيّ " كُنْ فَيَكُون . إِنَّ اللَّه " بِغَيْرِ وَاو عَلَى الْعَطْف عَلَى " قَالَ إِنِّي عَبْد اللَّه " وَفِي الْفَتْح أَقْوَال : فَمَذْهَب الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ أَنَّ الْمَعْنَى ; وَلِأَنَّ اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ , وَكَذَا " وَأَنَّ الْمَسَاجِد لِلَّهِ " ف " أَنَّ " فِي مَوْضِع نَصْب عِنْدهمَا . وَأَجَازَ الْفَرَّاء أَنْ يَكُون فِي مَوْضِع خَفْض عَلَى حَذْف اللَّام , وَأَجَازَ أَنْ يَكُون أَيْضًا فِي مَوْضِع خَفْض بِمَعْنَى وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة مَا دُمْت حَيًّا وَبِأَنَّ اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ ; وَأَجَازَ الْكِسَائِيّ أَنْ يَكُون فِي مَوْضِع رَفْع بِمَعْنَى ; وَالْأَمْر أَنَّ اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ . وَفِيهَا قَوْل خَامِس حَكَى أَبُو عُبَيْد أَنَّ أَبَا عَمْرو بْن الْعَلَاء قَالَهُ , وَهُوَ أَنْ يَكُون الْمَعْنَى : وَقَضَى أَنَّ اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ ; فَهِيَ مَعْطُوفَة عَلَى قَوْله : " أَمْرًا " مِنْ قَوْله : " إِذَا قَضَى أَمْرًا " وَالْمَعْنَى إِذَا قَضَى أَمْرًا وَقَضَى أَنَّ اللَّه . وَلَا يُبْتَدَأ ب " أَنَّ " عَلَى هَذَا التَّقْدِير , وَلَا عَلَى التَّقْدِير الثَّالِث . وَيَجُوز الِابْتِدَاء بِهَا عَلَى الْأَوْجُه الْبَاقِيَة .
أَيْ دِين قَوِيم لَا اِعْوِجَاج فِيهِ .
أَيْ دِين قَوِيم لَا اِعْوِجَاج فِيهِ .
"مِنْ " زَائِدَة أَيْ اِخْتَلَفَ الْأَحْزَاب بَيْنهمْ . وَقَالَ قَتَادَة : أَيْ مَا بَيْنهمْ فَاخْتَلَفَتْ الْفِرَق مِنْ أَهْل الْكِتَاب فِي أَمْر عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَالْيَهُود بِالْقَدْحِ وَالسِّحْر . وَالنَّصَارَى قَالَتْ النَّسْطُورِيَّة مِنْهُمْ : هُوَ اِبْن اللَّه . وَالْمَلْكَانِيَّة ثَالِث ثَلَاثَة . وَقَالَتْ الْيَعْقُوبِيَّة : هُوَ اللَّه ; فَأَفْرَطَتْ النَّصَارَى وَغَلَتْ , وَفَرَّطَتْ الْيَهُود وَقَصَّرَتْ . وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي " النِّسَاء " وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْمُرَاد مِنْ الْأَحْزَاب الَّذِينَ تَحَزَّبُوا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَّبُوهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ .
أَيْ مِنْ شُهُود يَوْم الْقِيَامَة , وَالْمَشْهَد بِمَعْنَى الْمَصْدَر , وَالشُّهُود الْحُضُور وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْحُضُور لَهُمْ , وَيُضَاف إِلَى الظَّرْف لِوُقُوعِهِ فِيهِ , كَمَا يُقَال : وَيْل لِفُلَانٍ مِنْ قِتَال يَوْم كَذَا ; أَيْ مِنْ حُضُوره ذَلِكَ الْيَوْم . وَقِيلَ : الْمَشْهَد بِمَعْنَى الْمَوْضِع الَّذِي يَشْهَدهُ الْخَلَائِق , كَالْمَحْشَرِ لِلْمَوْضِعِ الَّذِي يُحْشَر إِلَيْهِ الْخَلْق . وَقِيلَ : فَوَيْل لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ حُضُورهمْ الْمَشْهَد الْعَظِيم الَّذِي اِجْتَمَعُوا فِيهِ لِلتَّشَاوُرِ , فَأَجْمَعُوا عَلَى الْكُفْر بِاَللَّهِ , وَقَوْلهمْ : إِنَّ اللَّه ثَالِث ثَلَاثَة .
أَيْ مِنْ شُهُود يَوْم الْقِيَامَة , وَالْمَشْهَد بِمَعْنَى الْمَصْدَر , وَالشُّهُود الْحُضُور وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْحُضُور لَهُمْ , وَيُضَاف إِلَى الظَّرْف لِوُقُوعِهِ فِيهِ , كَمَا يُقَال : وَيْل لِفُلَانٍ مِنْ قِتَال يَوْم كَذَا ; أَيْ مِنْ حُضُوره ذَلِكَ الْيَوْم . وَقِيلَ : الْمَشْهَد بِمَعْنَى الْمَوْضِع الَّذِي يَشْهَدهُ الْخَلَائِق , كَالْمَحْشَرِ لِلْمَوْضِعِ الَّذِي يُحْشَر إِلَيْهِ الْخَلْق . وَقِيلَ : فَوَيْل لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ حُضُورهمْ الْمَشْهَد الْعَظِيم الَّذِي اِجْتَمَعُوا فِيهِ لِلتَّشَاوُرِ , فَأَجْمَعُوا عَلَى الْكُفْر بِاَللَّهِ , وَقَوْلهمْ : إِنَّ اللَّه ثَالِث ثَلَاثَة .
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس : الْعَرَب تَقُول هَذَا فِي مَوْضِع التَّعَجُّب ; فَتَقُول أَسْمِعْ بِزَيْدٍ وَأَبْصِرْ بِزَيْدٍ أَيْ مَا أَسْمَعَهُ وَأَبْصَرَهُ . قَالَ : فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ عَجَّبَ نَبِيّه مِنْهُمْ . قَالَ الْكَلْبِيّ : لَا أَحَد أَسْمَع يَوْم الْقِيَامَة وَلَا أَبْصَر , حِين يَقُول اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِعِيسَى : ( أَأَنْت قُلْت لِلنَّاسِ اِتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُون اللَّه ) [ الْمَائِدَة : 116 ] . وَقِيلَ : " أَسْمِعْ " بِمَعْنَى الطَّاعَة ; أَيْ مَا أَطْوَعهمْ لِلَّهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْم
يَعْنِي فِي الدُّنْيَا.
وَأَيّ ضَلَال أَبْيَن مِنْ أَنْ يَعْتَقِد الْمَرْء فِي شَخْص مِثْله حَمَلَتْهُ الْأَرْحَام , وَأَكَلَ وَشَرِبَ , وَأَحْدَثَ وَاحْتَاجَ أَنَّهُ إِلَه ؟ ! وَمَنْ هَذَا وَصْفه أَصَمّ أَعْمَى وَلَكِنَّهُ سَيُبْصِرُ وَيَسْمَع فِي الْآخِرَة إِذَا رَأَى الْعَذَاب , وَلَكِنَّهُ لَا يَنْفَعهُ ذَلِكَ ; قَالَ مَعْنَاهُ قَتَادَة وَغَيْره .
يَعْنِي فِي الدُّنْيَا.
وَأَيّ ضَلَال أَبْيَن مِنْ أَنْ يَعْتَقِد الْمَرْء فِي شَخْص مِثْله حَمَلَتْهُ الْأَرْحَام , وَأَكَلَ وَشَرِبَ , وَأَحْدَثَ وَاحْتَاجَ أَنَّهُ إِلَه ؟ ! وَمَنْ هَذَا وَصْفه أَصَمّ أَعْمَى وَلَكِنَّهُ سَيُبْصِرُ وَيَسْمَع فِي الْآخِرَة إِذَا رَأَى الْعَذَاب , وَلَكِنَّهُ لَا يَنْفَعهُ ذَلِكَ ; قَالَ مَعْنَاهُ قَتَادَة وَغَيْره .
رُوِيَ عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود أَنَّهُ قَالَ : مَا مِنْ أَحَد يَدْخُل النَّار إِلَّا وَلَهُ بَيْت فِي الْجَنَّة فَيَتَحَسَّر عَلَيْهِ . وَقِيلَ : تَقَع الْحَسْرَة إِذَا أُعْطِيَ كِتَابه بِشِمَالِهِ . " إِذْ قُضِيَ الْأَمْر " أَيْ فُرِغَ مِنْ الْحِسَاب , وَأُدْخِلَ أَهْل الْجَنَّة الْجَنَّة وَأَهْل النَّار النَّار . وَفِي صَحِيح مُسْلِم مِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا دَخَلَ أَهْل الْجَنَّة الْجَنَّة وَأَهْل النَّار النَّار النَّار يُجَاء بِالْمَوْتِ يَوْم الْقِيَامَة كَأَنَّهُ كَبْش أَمْلَح فَيُوقَف بَيْن الْجَنَّة وَالنَّار فَيُقَال يَا أَهْل الْجَنَّة هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ نَعَمْ هَذَا الْمَوْت - قَالَ - ثُمَّ يُقَال يَا أَهْل النَّار هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ نَعَمْ هَذَا الْمَوْت - قَالَ - فَيُؤْمَر بِهِ فَيُذْبَح ثُمَّ يُقَال يَا أَهْل الْجَنَّة خُلُود فَلَا مَوْت وَيَا أَهْل النَّار خُلُود فَلَا مَوْت - ثُمَّ قَرَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " وَأَنْذِرْهُمْ يَوْم الْحَسْرَة إِذْ قُضِيَ الْأَمْر وَهُمْ فِي غَفْلَة وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ " خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ بِمَعْنَاهُ عَنْ اِبْن عُمَر , وَابْن مَاجَهْ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة وَالتِّرْمِذِيّ عَنْ أَبِي سَعِيد يَرْفَعهُ وَقَالَ فِيهِ حَدِيث حَسَن صَحِيح . وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي كِتَاب " التَّذْكِرَة " وَبَيَّنَّا هُنَاكَ أَنَّ الْكُفَّار مُخَلَّدُونَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيث وَالْآي رَدًّا عَلَى مَنْ قَالَ : إِنَّ صِفَة الْغَضَب تَنْقَطِع , وَإِنَّ إِبْلِيس وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ الْكَفَرَة كَفِرْعَوْن وَهَامَان وَقَارُون وَأَشْبَاههمْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّة .
أَيْ نُمِيت سُكَّانهَا فَنَرِثهَا .
يَوْم الْقِيَامَة فَنُجَازِي كُلًّا بِعَمَلِهِ , وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي " الْحِجْر " وَغَيْرهَا .
يَوْم الْقِيَامَة فَنُجَازِي كُلًّا بِعَمَلِهِ , وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي " الْحِجْر " وَغَيْرهَا .
الْمَعْنَى : وَاذْكُرْ فِي الْكِتَاب الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْك وَهُوَ الْقُرْآن قِصَّة إِبْرَاهِيم وَخَبَره . وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الصِّدِّيق فِي " النِّسَاء " وَاشْتِقَاق الصِّدْق فِي " الْبَقَرَة " فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ وَمَعْنَى الْآيَة : اِقْرَأْ عَلَيْهِمْ يَا مُحَمَّد فِي الْقُرْآن أَمْر إِبْرَاهِيم فَقَدْ عَرَفُوا أَنَّهُمْ مِنْ وَلَده , فَإِنَّهُ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ يَتَّخِذ الْأَنْدَاد , فَهَؤُلَاءِ لَمْ يَتَّخِذُونَ الْأَنْدَاد ؟ ! وَهُوَ كَمَا قَالَ " وَمَنْ يَرْغَب عَنْ مِلَّة إِبْرَاهِيم إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسه " [ الْبَقَرَة : 130 ]
إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا ↓
وَهُوَ آزَر . وَقَدْ تَقَدَّمَ
بِكَسْرِ التَّاء قِرَاءَة أَبِي عَمْرو وَعَاصِم وَنَافِع وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ , وَهِيَ عِنْد الْبَصْرِيِّينَ عَلَامَة التَّأْنِيث أُدْخِلَتْ عَلَى الْأَب فِي النِّدَاء خَاصَّة بَدَلًا مِنْ يَاء الْإِضَافَة , وَقَدْ تَدْخُل عَلَامَة التَّأْنِيث عَلَى الْمُذَكَّر فَيُقَال : رَجُل نُكَحَة وَهُزَأَة ; قَالَ النَّحَّاس : إِذَا قُلْت " يَا أَبَتِ " بِكَسْرِ التَّاء عِنْد سِيبَوَيْهِ بَدَل مِنْ يَاء الْإِضَافَة ; وَلَا يَجُوز عَلَى قَوْله الْوَقْف إِلَّا بِالْهَاءِ , وَلَهُ عَلَى قَوْله دَلَائِل : مِنْهَا - أَنَّ قَوْلك : " يَا أَبَه " يُؤَدِّي عَنْ مَعْنَى " يَا أَبِي " ; وَأَنَّهُ لَا يُقَال : " يَا أَبَتِ " إِلَّا فِي الْمَعْرِفَة ; وَلَا يُقَال : جَاءَنِي أَبَتِ , وَلَا تَسْتَعْمِل الْعَرَب هَذَا إِلَّا فِي النِّدَاء خَاصَّة , وَلَا يُقَال : " يَا أَبَتِي " لِأَنَّ التَّاء بَدَل مِنْ الْيَاء فَلَا يُجْمَع بَيْنهمَا . وَزَعَمَ الْفَرَّاء أَنَّهُ إِذَا قَالَ : " يَا أَبَتِ " فَكَسَرَ دَلَّ عَلَى الْيَاء لَا غَيْر ; لِأَنَّ الْيَاء فِي النِّيَّة . وَزَعَمَ أَبُو إِسْحَاق أَنَّ هَذَا خَطَأ , وَالْحَقّ مَا قَالَ , كَيْفَ تَكُون الْيَاء فِي النِّيَّة وَلَيْسَ يُقَال : " يَا أَبَتِي " ؟ ! وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَر وَالْأَعْرَج وَعَبْد اللَّه بْن عَامِر " يَا أَبَتَ " بِفَتْحِ التَّاء ; قَالَ الْبَصْرِيُّونَ : أَرَادُوا " يَا أَبَتِي " بِالْيَاءِ , ثُمَّ أُبْدِلَتْ الْيَاء أَلِفًا فَصَارَتْ " يَا أَبَتَا " فَحُذِفَتْ الْأَلِف وَبَقِيَتْ الْفَتْحَة عَلَى التَّاء . وَقِيلَ الْأَصْل الْكَسْر , ثُمَّ أُبْدِلَ مِنْ الْكَسْر فَتْحَة , كَمَا يُبْدَل مِنْ الْيَاء أَلِف فَيُقَال : يَا غُلَامًا أَقْبِلْ . وَأَجَازَ الْفَرَّاء " يَا أَبَتُ " بِضَمِّ التَّاء .
أَيْ لِأَيِّ شَيْء تَعْبُد .
يُرِيد الْأَصْنَام .
بِكَسْرِ التَّاء قِرَاءَة أَبِي عَمْرو وَعَاصِم وَنَافِع وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ , وَهِيَ عِنْد الْبَصْرِيِّينَ عَلَامَة التَّأْنِيث أُدْخِلَتْ عَلَى الْأَب فِي النِّدَاء خَاصَّة بَدَلًا مِنْ يَاء الْإِضَافَة , وَقَدْ تَدْخُل عَلَامَة التَّأْنِيث عَلَى الْمُذَكَّر فَيُقَال : رَجُل نُكَحَة وَهُزَأَة ; قَالَ النَّحَّاس : إِذَا قُلْت " يَا أَبَتِ " بِكَسْرِ التَّاء عِنْد سِيبَوَيْهِ بَدَل مِنْ يَاء الْإِضَافَة ; وَلَا يَجُوز عَلَى قَوْله الْوَقْف إِلَّا بِالْهَاءِ , وَلَهُ عَلَى قَوْله دَلَائِل : مِنْهَا - أَنَّ قَوْلك : " يَا أَبَه " يُؤَدِّي عَنْ مَعْنَى " يَا أَبِي " ; وَأَنَّهُ لَا يُقَال : " يَا أَبَتِ " إِلَّا فِي الْمَعْرِفَة ; وَلَا يُقَال : جَاءَنِي أَبَتِ , وَلَا تَسْتَعْمِل الْعَرَب هَذَا إِلَّا فِي النِّدَاء خَاصَّة , وَلَا يُقَال : " يَا أَبَتِي " لِأَنَّ التَّاء بَدَل مِنْ الْيَاء فَلَا يُجْمَع بَيْنهمَا . وَزَعَمَ الْفَرَّاء أَنَّهُ إِذَا قَالَ : " يَا أَبَتِ " فَكَسَرَ دَلَّ عَلَى الْيَاء لَا غَيْر ; لِأَنَّ الْيَاء فِي النِّيَّة . وَزَعَمَ أَبُو إِسْحَاق أَنَّ هَذَا خَطَأ , وَالْحَقّ مَا قَالَ , كَيْفَ تَكُون الْيَاء فِي النِّيَّة وَلَيْسَ يُقَال : " يَا أَبَتِي " ؟ ! وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَر وَالْأَعْرَج وَعَبْد اللَّه بْن عَامِر " يَا أَبَتَ " بِفَتْحِ التَّاء ; قَالَ الْبَصْرِيُّونَ : أَرَادُوا " يَا أَبَتِي " بِالْيَاءِ , ثُمَّ أُبْدِلَتْ الْيَاء أَلِفًا فَصَارَتْ " يَا أَبَتَا " فَحُذِفَتْ الْأَلِف وَبَقِيَتْ الْفَتْحَة عَلَى التَّاء . وَقِيلَ الْأَصْل الْكَسْر , ثُمَّ أُبْدِلَ مِنْ الْكَسْر فَتْحَة , كَمَا يُبْدَل مِنْ الْيَاء أَلِف فَيُقَال : يَا غُلَامًا أَقْبِلْ . وَأَجَازَ الْفَرَّاء " يَا أَبَتُ " بِضَمِّ التَّاء .
أَيْ لِأَيِّ شَيْء تَعْبُد .
يُرِيد الْأَصْنَام .
يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا ↓
أَيْ مِنْ الْيَقِين وَالْمَعْرِفَة بِاَللَّهِ وَمَا يَكُون بَعْد الْمَوْت , وَأَنَّ مَنْ عَبَدَ غَيْر اللَّه عُذِّبَ.
إِلَى مَا أَدْعُوك إِلَيْهِ .
أَيْ أَرْشُدك إِلَى دِين مُسْتَقِيم فِيهِ النَّجَاة .
إِلَى مَا أَدْعُوك إِلَيْهِ .
أَيْ أَرْشُدك إِلَى دِين مُسْتَقِيم فِيهِ النَّجَاة .
أَيْ لَا تُطِعْهُ فِيمَا يَأْمُرك بِهِ مِنْ الْكُفْر , وَمَنْ أَطَاعَ شَيْئًا فِي مَعْصِيَة فَقَدْ عَبَدَهُ .
" كَانَ " صِلَة زَائِدَة وَقِيلَ بِمَعْنَى صَارَ . وَقِيلَ بِمَعْنَى الْحَال أَيْ هُوَ لِلرَّحْمَنِ . وَعَصِيًّا وَعَاصٍ بِمَعْنًى وَاحِد قَالَهُ الْكِسَائِيّ .
" كَانَ " صِلَة زَائِدَة وَقِيلَ بِمَعْنَى صَارَ . وَقِيلَ بِمَعْنَى الْحَال أَيْ هُوَ لِلرَّحْمَنِ . وَعَصِيًّا وَعَاصٍ بِمَعْنًى وَاحِد قَالَهُ الْكِسَائِيّ .
أَيْ إِنْ مُتّ عَلَى مَا أَنْتَ عَلَيْهِ . وَيَكُون " أَخَاف " بِمَعْنَى أَعْلَم . وَيَجُوز أَنْ يَكُون " أَخَاف " عَلَى بَابهَا فَيَكُون الْمَعْنَى : إِنِّي أَخَاف أَنْ تَمُوت عَلَى كُفْرك فَيَمَسّك الْعَذَاب .
أَيْ قَرِينًا فِي النَّار .
أَيْ قَرِينًا فِي النَّار .
قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ↓
أَيْ أَتَرْغَبُ عَنْهَا إِلَى غَيْرهَا .
قَالَ الْحَسَن : يَعْنِي بِالْحِجَارَةِ . الضَّحَّاك : بِالْقَوْلِ ; أَيْ لَأَشْتُمَنَّك . اِبْن عَبَّاس : لَأَضْرِبَنَّك . وَقِيلَ : لَأُظْهِرَنَّ أَمْرك .
قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَيْ اِعْتَزِلْنِي سَالِم الْعِرْض لَا يُصِيبك مِنِّي مَعَرَّة ; وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيّ , فَقَوْله : " مَلِيًّا " عَلَى هَذَا حَال مِنْ إِبْرَاهِيم . وَقَالَ الْحَسَن وَمُجَاهِد : " مَلِيًّا " دَهْرًا طَوِيلًا ; وَمِنْهُ قَوْل الْمُهَلْهَل : فَتَصَدَّعَتْ صُمّ الْجِبَال لِمَوْتِهِ وَبَكَتْ عَلَيْهِ الْمُرْمَلَات مَلِيًّا قَالَ الْكِسَائِيّ : يُقَال هَجَرْته مَلِيًّا وَمَلْوَة وَمُلْوَة وَمَلَاوَة وَمُلَاوَة , فَهُوَ عَلَى هَذَا الْقَوْل ظَرْف , وَهُوَ بِمَعْنَى الْمَلَاوَة مِنْ الزَّمَان , وَهُوَ الطَّوِيل مِنْهُ .
قَالَ الْحَسَن : يَعْنِي بِالْحِجَارَةِ . الضَّحَّاك : بِالْقَوْلِ ; أَيْ لَأَشْتُمَنَّك . اِبْن عَبَّاس : لَأَضْرِبَنَّك . وَقِيلَ : لَأُظْهِرَنَّ أَمْرك .
قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَيْ اِعْتَزِلْنِي سَالِم الْعِرْض لَا يُصِيبك مِنِّي مَعَرَّة ; وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيّ , فَقَوْله : " مَلِيًّا " عَلَى هَذَا حَال مِنْ إِبْرَاهِيم . وَقَالَ الْحَسَن وَمُجَاهِد : " مَلِيًّا " دَهْرًا طَوِيلًا ; وَمِنْهُ قَوْل الْمُهَلْهَل : فَتَصَدَّعَتْ صُمّ الْجِبَال لِمَوْتِهِ وَبَكَتْ عَلَيْهِ الْمُرْمَلَات مَلِيًّا قَالَ الْكِسَائِيّ : يُقَال هَجَرْته مَلِيًّا وَمَلْوَة وَمُلْوَة وَمَلَاوَة وَمُلَاوَة , فَهُوَ عَلَى هَذَا الْقَوْل ظَرْف , وَهُوَ بِمَعْنَى الْمَلَاوَة مِنْ الزَّمَان , وَهُوَ الطَّوِيل مِنْهُ .
لَمْ يُعَارِضهُ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام بِسُوءِ الرَّدّ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمَر بِقِتَالِهِ عَلَى كُفْره . وَالْجُمْهُور عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِسَلَامِهِ الْمُسَالَمَة الَّتِي هِيَ الْمُتَارَكَة لَا التَّحِيَّة ; قَالَ الطَّبَرِيّ : مَعْنَاهُ أَمَنَة مِنِّي لَك . وَعَلَى هَذَا لَا يُبْدَأ الْكَافِر بِالسَّلَامِ . وَقَالَ النَّقَّاش : حَلِيم خَاطَبَ سَفِيهًا ; كَمَا قَالَ : " وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا " [ الْفُرْقَان : 63 ] . وَقَالَ بَعْضهمْ فِي مَعْنَى تَسْلِيمه : هُوَ تَحِيَّة مُفَارِق ; وَجُوِّزَ تَحِيَّة الْكَافِر وَأَنْ يَبْدَأ بِهَا . قِيلَ لِابْنِ عُيَيْنَة : هَلْ يَجُوز السَّلَام عَلَى الْكَافِر ؟ قَالَ : نَعَمْ ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " لَا يَنْهَاكُمْ اللَّه عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّين وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَاركُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُقْسِطِينَ " [ الْمُمْتَحَنَة : 8 ] . وَقَالَ " قَدْ كَانَتْ " لَكُمْ أُسْوَة حَسَنَة فِي إِبْرَاهِيم " [ الْمُمْتَحَنَة : 4 ] الْآيَة ; وَقَالَ إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ " سَلَام عَلَيْك " . قُلْت : الْأَظْهَر مِنْ الْآيَة مَا قَالَهُ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة ; وَفِي الْبَاب حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ : رَوَى أَبُو هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا تَبْدَءُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدهمْ فِي الطَّرِيق فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقه ) خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أُسَامَة بْن زَيْد أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ حِمَارًا عَلَيْهِ إِكَاف تَحْته قَطِيفَة فَدَكِيَّة , وَأَرْدَفَ وَرَاءَهُ أُسَامَة بْن زَيْد ; وَهُوَ يَعُود سَعْد بْن عُبَادَة فِي بَنِي الْحَارِث بْن الْخَزْرَج , وَذَلِكَ قَبْل وَقْعَة بَدْر , حَتَّى مَرَّ فِي مَجْلِس فِيهِ أَخْلَاط مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَة الْأَوْثَان وَالْيَهُود , وَفِيهِمْ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ ابْن سَلُول , وَفِي الْمَجْلِس عَبْد اللَّه بْن رَوَاحَة , فَلَمَّا غَشِيَتْ الْمَجْلِس عَجَاجَة الدَّابَّة , خَمَّرَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ أَنْفه بِرِدَائِهِ , ثُمَّ قَالَ : لَا تُغَبِّرُوا عَلَيْنَا , فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; الْحَدِيث . فَالْأَوَّل يُفِيد تَرْك السَّلَام عَلَيْهِمْ اِبْتِدَاء لِأَنَّ ذَلِكَ إِكْرَام , وَالْكَافِر لَيْسَ أَهْله . وَالْحَدِيث الثَّانِي يُجَوِّز ذَلِكَ . قَالَ الطَّبَرِيّ : وَلَا يُعَارِض مَا رَوَاهُ أُسَامَة بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي أَحَدهمَا خِلَاف لِلْآخَرِ وَذَلِكَ أَنَّ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة مَخْرَجه الْعُمُوم , وَخَبَر أُسَامَة يُبَيِّن أَنَّ مَعْنَاهُ الْخُصُوص . وَقَالَ النَّخَعِيّ : إِذَا كَانَتْ لَك حَاجَة عِنْد يَهُودِيّ أَوْ نَصْرَانِيّ فَابْدَأْهُ بِالسَّلَامِ فَبَانَ بِهَذَا أَنَّ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة ( لَا تَبْدَءُوهُمْ بِالسَّلَامِ ) إِذَا كَانَ لِغَيْرِ سَبَب يَدْعُوكُمْ إِلَى أَنْ تَبْدَءُوهُمْ بِالسَّلَامِ , مِنْ قَضَاء ذِمَام أَوْ حَاجَة تَعْرِض لَكُمْ قِبَلهمْ , أَوْ حَقّ صُحْبَة أَوْ جِوَار أَوْ سَفَر . قَالَ الطَّبَرِيّ : وَقَدْ رُوِيَ عَنْ السَّلَف أَنَّهُمْ كَانُوا يُسَلِّمُونَ عَلَى أَهْل الْكِتَاب . وَفَعَلَهُ اِبْن مَسْعُود بِدِهْقَانٍ صَحِبَهُ فِي طَرِيقه ; قَالَ عَلْقَمَة : فَقُلْت لَهُ يَا أَبَا عَبْد الرَّحْمَن أَلَيْسَ يُكْرَه أَنْ يُبْدَءُوا بِالسَّلَامِ ؟ ! قَالَ نَعَمْ , وَلَكِنْ حَقّ الصُّحْبَة . وَكَانَ أَبُو أُسَامَة إِذَا اِنْصَرَفَ إِلَى بَيْته لَا يَمُرّ بِمُسْلِمٍ وَلَا نَصْرَانِيّ وَلَا صَغِير وَلَا كَبِير إِلَّا سَلَّمَ عَلَيْهِ ; قِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ : أُمِرْنَا أَنْ نُفْشِي السَّلَام . وَسُئِلَ الْأَوْزَاعِيّ عَنْ مُسْلِم مَرَّ بِكَافِرٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ , فَقَالَ : إِنْ سَلَّمْت فَقَدْ سَلَّمَ الصَّالِحُونَ قَبْلك , وَإِنْ تَرَكْت فَقَدْ تَرَكَ الصَّالِحُونَ قَبْلك . وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ أَنَّهُ قَالَ : إِذَا مَرَرْت بِمَجْلِسٍ فِيهِ مُسْلِمُونَ وَكُفَّار فَسَلِّمْ عَلَيْهِمْ . قُلْت : وَقَدْ اِحْتَجَّ أَهْل الْمَقَالَة الْأُولَى بِأَنَّ السَّلَام الَّذِي مَعْنَاهُ التَّحِيَّة إِنَّمَا خُصَّ بِهِ هَذِهِ الْأُمَّة ; لِحَدِيثِ أَنَس بْن مَالِك قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَعْطَى أُمَّتِي ثَلَاثًا لَمْ تُعْطَ أَحَدًا قَبْلهمْ السَّلَام وَهِيَ تَحِيَّة أَهْل الْجَنَّة ) الْحَدِيث ; ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم ; وَقَدْ مَضَى فِي الْفَاتِحَة بِسَنَدِهِ . وَقَدْ مَضَى الْكَلَام فِي مَعْنَى قَوْله : " سَأَسْتَغْفِرُ لَك رَبِّي " وَارْتَفَعَ السَّلَام بِالِابْتِدَاءِ ; وَجَازَ ذَلِكَ مَعَ نَكِرَته لِأَنَّهُ نَكِرَة مُخَصِّصَة فَقَرَنَتْ الْمَعْرِفَة .
الْحَفِيّ الْمُبَالِغ فِي الْبِرّ وَالْإِلْطَاف ; يُقَال : حَفِيَ بِهِ وَتَحَفَّى إِذَا بَرَّهُ . وَقَالَ الْكِسَائِيّ يُقَال : حَفِيَ بِي حَفَاوَة وَحِفْوَة . وَقَالَ الْفَرَّاء : " إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا " أَيْ عَالِمًا لَطِيفًا يُجِيبنِي إِذَا دَعَوْته .
الْحَفِيّ الْمُبَالِغ فِي الْبِرّ وَالْإِلْطَاف ; يُقَال : حَفِيَ بِهِ وَتَحَفَّى إِذَا بَرَّهُ . وَقَالَ الْكِسَائِيّ يُقَال : حَفِيَ بِي حَفَاوَة وَحِفْوَة . وَقَالَ الْفَرَّاء : " إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا " أَيْ عَالِمًا لَطِيفًا يُجِيبنِي إِذَا دَعَوْته .
وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا ↓
الْعُزْلَة الْمُفَارَقَة وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " الْكَهْف " بَيَانهَا .
قِيلَ : أَرَادَ بِهَذَا الدُّعَاء أَنْ يَهَب اللَّه تَعَالَى لَهُ أَهْلًا وَوَلَدًا يَتَقَوَّى بِهِمْ حَتَّى لَا يَسْتَوْحِش بِالِاعْتِزَالِ عَنْ قَوْمه . وَلِهَذَا قَالَ : " فَلَمَّا اِعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاق وَيَعْقُوب " وَقِيلَ : " عَسَى " يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْعَبْد لَا يَقْطَع بِأَنَّهُ يَبْقَى عَلَى الْمَعْرِفَة أَمْ لَا فِي الْمُسْتَقْبَل وَقِيلَ دَعَا لِأَبِيهِ بِالْهِدَايَةِ . ف " عَسَى " شَكّ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَدْرِي هَلْ يُسْتَجَاب لَهُ فِيهِ أَمْ لَا ؟ وَالْأَوَّل أَظْهَر .
قِيلَ : أَرَادَ بِهَذَا الدُّعَاء أَنْ يَهَب اللَّه تَعَالَى لَهُ أَهْلًا وَوَلَدًا يَتَقَوَّى بِهِمْ حَتَّى لَا يَسْتَوْحِش بِالِاعْتِزَالِ عَنْ قَوْمه . وَلِهَذَا قَالَ : " فَلَمَّا اِعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاق وَيَعْقُوب " وَقِيلَ : " عَسَى " يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْعَبْد لَا يَقْطَع بِأَنَّهُ يَبْقَى عَلَى الْمَعْرِفَة أَمْ لَا فِي الْمُسْتَقْبَل وَقِيلَ دَعَا لِأَبِيهِ بِالْهِدَايَةِ . ف " عَسَى " شَكّ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَدْرِي هَلْ يُسْتَجَاب لَهُ فِيهِ أَمْ لَا ؟ وَالْأَوَّل أَظْهَر .
فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلا جَعَلْنَا نَبِيًّا ↓
أَيْ آنَسْنَا وَحْشَته بِوَلَدٍ ; عَنْ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره .
أَيْ أَثْنَيْنَا عَلَيْهِمْ ثَنَاء حَسَنًا ; لِأَنَّ جَمِيع الْمِلَل تُحْسِن الثَّنَاء عَلَيْهِمْ . وَاللِّسَان يُذَكَّر وَيُؤَنَّث ; وَقَدْ تَقَدَّمَ .
أَيْ وَاقْرَأْ عَلَيْهِمْ مِنْ الْقُرْآن قِصَّة مُوسَى .
فِي عِبَادَته غَيْر مُرَاءٍ . وَقَرَأَ أَهْل الْكُوفَة بِفَتْحِ اللَّام ; أَيْ أَخْلَصْنَاهُ فَجَعَلْنَاهُ مُخْتَارًا .
فِي عِبَادَته غَيْر مُرَاءٍ . وَقَرَأَ أَهْل الْكُوفَة بِفَتْحِ اللَّام ; أَيْ أَخْلَصْنَاهُ فَجَعَلْنَاهُ مُخْتَارًا .
أَيْ كَلَّمْنَاهُ لَيْلَة الْجُمْعَة .
أَيْ يَمِين مُوسَى , وَكَانَتْ الشَّجَرَة فِي جَانِب الْجَبَل عَنْ يَمِين مُوسَى حِين أَقْبَلَ مِنْ مَدْيَن إِلَى مِصْر ; قَالَهُ الطَّبَرِيّ وَغَيْره فَإِنَّ الْجِبَال لَا يَمِين لَهَا وَلَا شِمَال .
نُصِبَ عَلَى الْحَال ; أَيْ كَلَّمْنَاهُ مِنْ غَيْر وَحْي . وَقِيلَ : أَدْنَيْنَاهُ لِتَقْرِيبِ الْمَنْزِلَة حَتَّى كَلَّمْنَاهُ . وَذَكَرَ وَكِيع وَقَبِيصَة عَنْ سُفْيَان عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا " أَيْ أُدْنِيَ حَتَّى سَمِعَ صَرِير الْأَقْلَام .
أَيْ يَمِين مُوسَى , وَكَانَتْ الشَّجَرَة فِي جَانِب الْجَبَل عَنْ يَمِين مُوسَى حِين أَقْبَلَ مِنْ مَدْيَن إِلَى مِصْر ; قَالَهُ الطَّبَرِيّ وَغَيْره فَإِنَّ الْجِبَال لَا يَمِين لَهَا وَلَا شِمَال .
نُصِبَ عَلَى الْحَال ; أَيْ كَلَّمْنَاهُ مِنْ غَيْر وَحْي . وَقِيلَ : أَدْنَيْنَاهُ لِتَقْرِيبِ الْمَنْزِلَة حَتَّى كَلَّمْنَاهُ . وَذَكَرَ وَكِيع وَقَبِيصَة عَنْ سُفْيَان عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا " أَيْ أُدْنِيَ حَتَّى سَمِعَ صَرِير الْأَقْلَام .
وَذَلِكَ حِين سَأَلَ فَقَالَ : "وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُون أَخِي " [ طَه : 29 ]
اُخْتُلِفَ فِيهِ ; فَقِيلَ : هُوَ إِسْمَاعِيل بْن حزقيل , بَعَثَهُ اللَّه إِلَى قَوْمه فَسَلَخُوا جِلْدَة رَأْسه , فَخَيَّرَهُ اللَّه تَعَالَى فِيمَا شَاءَ مِنْ عَذَابهمْ , فَاسْتَعْفَاهُ وَرَضِيَ بِثَوَابِهِ , وَفَوَّضَ أَمْرهمْ إِلَيْهِ فِي عَفْوه وَعُقُوبَته . وَالْجُمْهُور أَنَّهُ إِسْمَاعِيل الذَّبِيح أَبُو الْعَرَب بْن إِبْرَاهِيم . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الذَّبِيح إِسْحَاق ; وَالْأَوَّل أَظْهَر عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَيَأْتِي فِي " وَالصَّافَّات " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . وَخَصَّهُ اللَّه تَعَالَى بِصِدْقِ الْوَعْد وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا فِي غَيْره مِنْ الْأَنْبِيَاء تَشْرِيفًا لَهُ وَإِكْرَامًا , كَالتَّقْلِيبِ بِنَحْوِ الْحَلِيم وَالْأَوَّاه وَالصِّدِّيق ; وَلِأَنَّهُ الْمَشْهُور الْمُتَوَاصِف مِنْ خِصَاله . صِدْق الْوَعْد مَحْمُود وَهُوَ مِنْ خُلُق النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ , وَضِدّه وَهُوَ الْخُلْف مَذْمُوم , وَذَلِكَ مِنْ أَخْلَاق الْفَاسِقِينَ وَالْمُنَافِقِينَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي " بَرَاءَة " . وَقَدْ أَثْنَى اللَّه تَعَالَى عَلَى نَبِيّه إِسْمَاعِيل فَوَصَفَهُ بِصِدْقِ الْوَعْد . وَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ ; فَقِيلَ : إِنَّهُ وَعَدَ مِنْ نَفْسه بِالصَّبْرِ عَلَى الذَّبْح فَصَبَرَ حَتَّى فُدِيَ . هَذَا فِي قَوْل مَنْ يَرَى أَنَّهُ الذَّبِيح . وَقِيلَ : وَعَدَ رَجُلًا أَنْ يَلْقَاهُ فِي مَوْضِع فَجَاءَ إِسْمَاعِيل وَانْتَظَرَ الرَّجُل يَوْمه وَلَيْلَته , فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْم الْآخَر جَاءَ ; فَقَالَ لَهُ : مَا زِلْت هَاهُنَا فِي اِنْتِظَارك مُنْذُ أَمْس . وَقِيلَ : اِنْتَظَرَهُ ثَلَاثَة أَيَّام . وَقِيلَ فَعَلَ مِثْله نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْل بَعْثه ; ذَكَرَهُ النَّقَّاش وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَغَيْره عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي الْحَمْسَاء قَالَ : بَايَعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَيْعٍ قَبْل أَنْ يُبْعَث وَبَقِيَتْ لَهُ بَقِيَّة فَوَعَدْته أَنْ آتِيه بِهَا فِي مَكَانه فَنَسِيت , ثُمَّ ذَكَرْت بَعْد ثَلَاثَة أَيَّام , فَجِئْت فَإِذَا هُوَ فِي مَكَانه ; فَقَالَ : ( يَا فَتَى لَقَدْ شَقَقْت عَلَيَّ أَنَا هَاهُنَا مُنْذُ ثَلَاث أَنْتَظِرك ) لَفْظ أَبِي دَاوُد . وَقَالَ يَزِيد الرَّقَاشِيّ : اِنْتَظَرَهُ إِسْمَاعِيل اِثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ يَوْمًا ; ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَفِي كِتَاب اِبْن سَلَّام أَنَّهُ اِنْتَظَرَهُ سَنَة . وَذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ وَعَدَ صَاحِبًا لَهُ أَنْ يَنْتَظِرهُ فِي مَكَان فَانْتَظَرَهُ سَنَة . وَذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيّ قَالَ : فَلَمْ يَبْرَح مِنْ مَكَانه سَنَة حَتَّى أَتَاهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ إِنَّ التَّاجِر الَّذِي سَأَلَك أَنْ تَقْعُد لَهُ حَتَّى يَعُود هُوَ إِبْلِيس فَلَا تَقْعُد وَلَا كَرَامَة لَهُ . وَهَذَا بَعِيد وَلَا يَصِحّ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ إِسْمَاعِيل لَمْ يَعِد شَيْئًا إِلَّا وَفَّى بِهِ , وَهَذَا قَوْل صَحِيح , وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيه ظَاهِر الْآيَة ; وَاَللَّه أَعْلَم . مِنْ هَذَا الْبَاب قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( الْعِدَةُ دَيْنٌ ) . وَفِي الْأَثَر ( وَأْيُ الْمُؤْمِن وَاجِبٌ ) أَيْ فِي أَخْلَاق الْمُؤْمِنِينَ . وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَرْضًا لِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاء عَلَى مَا حَكَاهُ أَبُو عُمَر أَنَّ مَنْ وَعَدَ بِمَالٍ مَا كَانَ لِيَضْرِب بِهِ مَعَ الْغُرَمَاء ; فَلِذَلِكَ قُلْنَا إِيجَاب الْوَفَاء بِهِ حَسَن مَعَ الْمُرُوءَة , وَلَا يُقْضَى بِهِ وَالْعَرَب تَمْتَدِح بِالْوَفَاءِ , وَتَذُمّ بِالْخُلْفِ وَالْغَدْر , وَكَذَلِكَ سَائِر الْأُمَم , وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِل : مَتَى مَا يَقُلْ حُرّ لِصَاحِبِ حَاجَة نَعَمْ يَقْضِهَا وَالْحُرّ لِلْوَأْيِ ضَامِن وَلَا خِلَاف أَنَّ الْوَفَاء يَسْتَحِقّ صَاحِبه الْحَمْد وَالشُّكْر , وَعَلَى الْخُلْف الذَّمّ . وَقَدْ أَثْنَى اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى مَنْ صَدَقَ وَعْدَهُ , وَوَفَى بِنَذْرِهِ ; وَكَفَى بِهَذَا مَدْحًا وَثَنَاء , وَبِمَا خَالَفَهُ ذَمًّا . قَالَ مَالِك : إِذَا سَأَلَ الرَّجُل الرَّجُل أَنْ يَهَب لَهُ الْهِبَة فَيَقُول لَهُ نَعَمْ , ثُمَّ يَبْدُو لَهُ أَلَّا يَفْعَل فَمَا أَرَى يَلْزَمهُ . قَالَ مَالِك : وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي قَضَاء دَيْن فَسَأَلَهُ أَنْ يَقْضِيه عَنْهُ فَقَالَ نَعَمْ , وَثَمَّ رِجَال يَشْهَدُونَ عَلَيْهِ فَمَا أَحْرَاهُ أَنْ يَلْزَمهُ إِذَا شَهِدَ عَلَيْهِ اِثْنَانِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَسَائِر الْفُقَهَاء : إِنَّ الْعِدَة لَا يَلْزَم مِنْهَا شَيْء لِأَنَّهَا مَنَافِع لَمْ يَقْبِضهَا فِي الْعَارِيَة لِأَنَّهَا طَارِئَة , وَفِي غَيْر الْعَارِيَة هِيَ أَشْخَاص وَأَعْيَان مَوْهُوبَة لَمْ تُقْبَض فَلِصَاحِبِهَا الرُّجُوع فِيهَا . وَفِي الْبُخَارِيّ " وَاذْكُرْ فِي الْكِتَاب إِسْمَاعِيل إِنَّهُ كَانَ صَادِق الْوَعْد " ; وَقَضَى اِبْن أَشْوَع بِالْوَعْدِ وَذُكِرَ ذَلِكَ عَنْ سَمُرَة بْن جُنْدُب . قَالَ الْبُخَارِيّ : وَرَأَيْت إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم يَحْتَجّ بِحَدِيثِ اِبْن أَشْوَع .
قِيلَ : أُرْسِلَ إِسْمَاعِيل إِلَى جُرْهُم . وَكُلّ الْأَنْبِيَاء كَانُوا إِذَا وَعَدُوا صَدَقُوا , وَخَصَّ إِسْمَاعِيل بِالذِّكْرِ تَشْرِيفًا لَهُ . وَاَللَّه أَعْلَم .
قِيلَ : أُرْسِلَ إِسْمَاعِيل إِلَى جُرْهُم . وَكُلّ الْأَنْبِيَاء كَانُوا إِذَا وَعَدُوا صَدَقُوا , وَخَصَّ إِسْمَاعِيل بِالذِّكْرِ تَشْرِيفًا لَهُ . وَاَللَّه أَعْلَم .
قَالَ الْحَسَن : يَعْنِي أُمَّته . وَفِي حَرْف اِبْن مَسْعُود " وَكَانَ يَأْمُر أَهْله جُرْهُم وَوَلَده بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة " .
أَيْ رَضِيًّا زَاكِيًا صَالِحًا . قَالَ الْكِسَائِيّ وَالْفَرَّاء : مِنْ قَالَ مَرْضِيّ بَنَاهُ عَلَى رَضِيت قَالَا : وَأَهْل الْحِجَاز يَقُولُونَ : مَرْضُوّ . وَقَالَ الْكِسَائِيّ وَالْفَرَّاء : مِنْ الْعَرَب مَنْ يَقُول رِضَوَان وَرِضَيَان فَرِضَوَان عَلَى مَرْضُوّ , وَرِضَيَان عَلَى مَرْضِيّ وَلَا يُجِيز الْبَصْرِيُّونَ أَنْ يَقُولُوا إِلَّا رِضَوَان وَرِبَوَان . قَالَ أَبُو جَعْفَر النَّحَّاس : سَمِعْت أَبَا إِسْحَاق الزَّجَّاج يَقُول : يُخْطِئُونَ فِي الْخَطّ فَيَكْتُبُونَ رِبًا بِالْيَاءِ ثُمَّ يُخْطِئُونَ فِيمَا هُوَ أَشَدّ مِنْ هَذَا فَيَقُولُونَ رِبَيَان وَلَا يَجُوز إِلَّا رِبَوَان وَرِضَوَان قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَال النَّاس " .
أَيْ رَضِيًّا زَاكِيًا صَالِحًا . قَالَ الْكِسَائِيّ وَالْفَرَّاء : مِنْ قَالَ مَرْضِيّ بَنَاهُ عَلَى رَضِيت قَالَا : وَأَهْل الْحِجَاز يَقُولُونَ : مَرْضُوّ . وَقَالَ الْكِسَائِيّ وَالْفَرَّاء : مِنْ الْعَرَب مَنْ يَقُول رِضَوَان وَرِضَيَان فَرِضَوَان عَلَى مَرْضُوّ , وَرِضَيَان عَلَى مَرْضِيّ وَلَا يُجِيز الْبَصْرِيُّونَ أَنْ يَقُولُوا إِلَّا رِضَوَان وَرِبَوَان . قَالَ أَبُو جَعْفَر النَّحَّاس : سَمِعْت أَبَا إِسْحَاق الزَّجَّاج يَقُول : يُخْطِئُونَ فِي الْخَطّ فَيَكْتُبُونَ رِبًا بِالْيَاءِ ثُمَّ يُخْطِئُونَ فِيمَا هُوَ أَشَدّ مِنْ هَذَا فَيَقُولُونَ رِبَيَان وَلَا يَجُوز إِلَّا رِبَوَان وَرِضَوَان قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَال النَّاس " .
إِدْرِيس عَلَيْهِ السَّلَام أَوَّل مَنْ خَطَّ بِالْقَلَمِ وَأَوَّل مَنْ خَاطَ الثِّيَاب وَلَبِسَ الْمَخِيط , وَأَوَّل مَنْ نَظَرَ فِي عِلْم النُّجُوم وَالْحِسَاب وَسَيْرهَا . وَسُمِّيَ إِدْرِيس لِكَثْرَةِ دَرْسه لِكِتَابِ اللَّه تَعَالَى . وَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ ثَلَاثِينَ صَحِيفَة كَمَا فِي حَدِيث أَبِي ذَرّ . الزَّمَخْشَرِيّ : وَقِيلَ سُمِّيَ إِدْرِيسُ إِدْرِيسَ لِكَثْرَةِ دَرْسه كِتَاب اللَّه تَعَالَى ; وَكَانَ اِسْمه أخنوخ وَهُوَ غَيْر صَحِيح ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ إِفْعِيلًا مِنْ الدَّرْس لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِلَّا سَبَب وَاحِد وَهُوَ الْعَلَمِيَّة وَكَانَ مُنْصَرِفًا , فَامْتِنَاعه مِنْ الصَّرْف دَلِيل عَلَى الْعُجْمَة ; وَكَذَلِكَ إِبْلِيس أَعْجَمِيّ وَلَيْسَ مِنْ الْإِبْلَاس كَمَا يَزْعُمُونَ ; وَلَا يَعْقُوب مِنْ العقب , وَلَا إِسْرَائِيل بإسرال كَمَا زَعَمَ اِبْن السِّكِّيت ; وَمَنْ لَمْ يُحَقِّق وَلَمْ يَتَدَرَّب بِالصِّنَاعَةِ كَثُرَتْ مِنْهُ أَمْثَال هَذِهِ الْهَنَات ; يَجُوز أَنْ يَكُون مَعْنَى إِدْرِيس عَلَيْهِ السَّلَام فِي تِلْكَ اللُّغَة قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ فَحَسِبَهُ الرَّاوِي مُشْتَقًّا مِنْ الدَّرْس . قَالَ الثَّعْلَبِيّ وَالْغَزْنَوِيّ وَغَيْرهمَا : وَهُوَ جَدّ نُوح وَهُوَ خَطَأ ; وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " الْأَعْرَاف : بَيَانه وَكَذَا وَقَعَ فِي السِّيرَة أَنَّ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَام بْن لامك بْن متوشلخ بْن أخنوخ وَهُوَ إِدْرِيس النَّبِيّ فِيمَا يَزْعُمُونَ ; وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم . وَكَانَ أَوَّل مَنْ أُعْطِيَ النُّبُوَّة مِنْ بَنِي آدَم , وَخَطَّ بِالْقَلَمِ . اِبْن يرد بْن مهلائيل بْن قينان بْن يانش بْن شِيث بْن آدَم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قَالَ أَنَس بْن مَالِك وَأَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ وَغَيْرهمَا : يَعْنِي السَّمَاء الرَّابِعَة . وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; وَقَالَ كَعْب الْأَحْبَار . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك : يَعْنِي السَّمَاء السَّادِسَة ; ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ . قُلْت : وَوَقَعَ فِي الْبُخَارِيّ عَنْ شَرِيك بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي نَمِر قَالَ سَمِعْت أَنَس بْن مَالِك يَقُول : لَيْلَة أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَسْجِد الْكَعْبَة , الْحَدِيث وَفِيهِ : كُلّ سَمَاء فِيهَا أَنْبِيَاء - قَدْ سَمَّاهُمْ - مِنْهُمْ إِدْرِيس فِي الثَّانِيَة . وَهُوَ وَهْم , وَالصَّحِيح أَنَّهُ فِي السَّمَاء الرَّابِعَة ; كَذَلِكَ رَوَاهُ ثَابِت الْبُنَانِيّ عَنْ أَنَس بْن مَالِك عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; ذَكَرَهُ مُسْلِم فِي الصَّحِيح . وَرَوَى مَالِك بْن صَعْصَعَة قَالَ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَمَّا عُرِجَ بِي إِلَى السَّمَاء أَتَيْت عَلَى إِدْرِيس فِي السَّمَاء الرَّابِعَة ) . خَرَّجَهُ مُسْلِم أَيْضًا . وَكَانَ سَبَب رَفْعه عَلَى مَا قَالَ اِبْن عَبَّاس وَكَعْب وَغَيْرهمَا : أَنَّهُ سَارَ ذَات يَوْم فِي حَاجَة فَأَصَابَهُ وَهَج الشَّمْس , فَقَالَ : ( يَا رَبّ أَنَا مَشَيْت يَوْمًا فَكَيْفَ بِمَنْ يَحْمِلهَا خَمْسمِائَةِ عَام فِي يَوْم وَاحِد ! اللَّهُمَّ خَفِّفْ عَنْهُ مِنْ ثِقَلهَا . يَعْنِي الْمَلَك الْمُوَكَّل بِفَلَكِ الشَّمْس ) ; يَقُول إِدْرِيس : اللَّهُمَّ خَفِّفْ عَنْهُ مِنْ ثِقَلهَا وَاحْمِلْ عَنْهُ مِنْ حَرّهَا . فَلَمَّا أَصْبَحَ الْمَلَك وَجَدَ مِنْ خِفَّة الشَّمْس وَالظِّلّ مَا لَا يَعْرِف فَقَالَ : يَا رَبّ خَلَقْتنِي لِحَمْلِ الشَّمْس فَمَا الَّذِي قَضَيْت فِيهِ ؟ فَقَالَ اللَّه تَعَالَى : " أَمَا إِنَّ عَبْدِي إِدْرِيس سَأَلَنِي أَنْ أُخَفِّف عَنْك حَمْلهَا وَحَرّهَا فَأَجَبْته " فَقَالَ : يَا رَبّ اِجْمَعْ بَيْنِي وَبَيْنه , وَاجْعَلْ بَيْنِي وَبَيْنه خُلَّة . فَأَذِنَ اللَّه لَهُ حَتَّى أَتَى إِدْرِيس , وَكَانَ إِدْرِيس عَلَيْهِ السَّلَام يَسْأَلهُ . فَقَالَ أُخْبِرْت أَنَّك أَكْرَم الْمَلَائِكَة وَأَمْكَنهمْ عِنْد مَلَك الْمَوْت , فَاشْفَعْ لِي إِلَيْهِ لِيُؤَخِّر أَجَلِي , فَأَزْدَاد شُكْرًا وَعِبَادَة . فَقَالَ الْمَلَك : لَا يُؤَخِّر اللَّه نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلهَا فَقَالَ لِلْمَلَكِ : قَدْ عَلِمْت ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ أَطْيَب لِنَفْسِي . قَالَ نَعَمْ . ثُمَّ حَمَلَهُ عَلَى جَنَاحه فَرَفَعَهُ إِلَى السَّمَاء وَوَضَعَهُ عِنْد مَطْلَع الشَّمْس , ثُمَّ قَالَ لِمَلَكِ الْمَوْت : لِي صَدِيق مِنْ بَنِي آدَم تَشَفَّعَ بِي إِلَيْك لِتُؤَخِّر أَجَله . فَقَالَ : لَيْسَ ذَلِكَ إِلَيَّ وَلَكِنْ إِنْ أَحْبَبْت عِلْمه أَعْلَمْته مَتَى يَمُوت . قَالَ : " نَعَمْ " ثُمَّ نَظَرَ فِي دِيوَانه , فَقَالَ : إِنَّك تَسْأَلنِي عَنْ إِنْسَان مَا أَرَاهُ يَمُوت أَبَدًا . قَالَ " وَكَيْفَ " ؟ قَالَ : لَا أَجِدهُ يَمُوت إِلَّا عِنْد مَطْلَع الشَّمْس . قَالَ : فَإِنِّي أَتَيْتُك وَتَرَكْته هُنَاكَ ; قَالَ : اِنْطَلِقْ فَمَا أَرَاك تَجِدهُ إِلَّا وَقَدْ مَاتَ فَوَاَللَّهِ مَا بَقِيَ مِنْ أَجَل إِدْرِيس شَيْء . فَرَجَعَ الْمَلَك فَوَجَدَهُ مَيِّتًا . وَقَالَ السُّدِّيّ : إِنَّهُ نَامَ ذَات يَوْم , وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ حَرّ الشَّمْس , فَقَامَ وَهُوَ مِنْهَا فِي كَرْب ; فَقَالَ : اللَّهُمَّ خَفِّفْ عَنْ مَلَك الشَّمْس حَرّهَا , وَأَعْنِهِ عَلَى ثِقَلهَا , فَإِنَّهُ يُمَارِس نَارًا حَامِيَة . فَأَصْبَحَ مَلَك الشَّمْس وَقَدْ نُصِبَ لَهُ كُرْسِيّ مِنْ نُور عِنْده سَبْعُونَ أَلْف مَلَك عَنْ يَمِينه , وَمِثْلهَا عَنْ يَسَاره يَخْدُمُونَهُ , وَيَتَوَلَّوْنَ أَمْره وَعَمَله مِنْ تَحْت حُكْمه ; فَقَالَ مَلَك الشَّمْس : يَا رَبّ مِنْ أَيْنَ لِي هَذَا ؟ . قَالَ " دَعَا لَك رَجُل مِنْ بَنِي آدَم يُقَال لَهُ إِدْرِيس " ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو حَدِيث كَعْب قَالَ فَقَالَ لَهُ مَلَك الشَّمْس : أَتُرِيدُ حَاجَة ؟ قَالَ : نَعَمْ وَدِدْت أَنِّي لَوْ رَأَيْت الْجَنَّة . قَالَ : فَرَفَعَهُ عَلَى جَنَاحه , ثُمَّ طَارَ بِهِ , فَبَيْنَمَا هُوَ فِي السَّمَاء الرَّابِعَة اِلْتَقَى بِمَلَكِ الْمَوْت يَنْظُر فِي السَّمَاء , يَنْظُر يَمِينًا وَشِمَالًا , فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مَلَك الشَّمْس , وَقَالَ : يَا إِدْرِيس هَذَا مَلَك الْمَوْت فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَقَالَ مَلَك الْمَوْت : سُبْحَان اللَّه ! وَلِأَيِّ مَعْنًى رَفَعْته هُنَا ؟ قَالَ : رَفَعْته لِأُرِيَهُ الْجَنَّة . قَالَ : فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى أَمَرَنِي أَنْ أَقْبِض رُوح إِدْرِيس فِي السَّمَاء الرَّابِعَة . قُلْت : يَا رَبّ وَأَيْنَ إِدْرِيس مِنْ السَّمَاء الرَّابِعَة , فَنَزَلْت فَإِذَا هُوَ مَعَك ; فَقَبَضَ رُوحه فَرَفَعَهَا إِلَى الْجَنَّة , وَدَفَنَتْ الْمَلَائِكَة جُثَّته فِي السَّمَاء الرَّابِعَة , فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : " وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا " قَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه : كَانَ يُرْفَع لِإِدْرِيس كُلّ يَوْم مِنْ الْعِبَادَة مِثْل مَا يُرْفَع لِأَهْلِ الْأَرْض فِي زَمَانه , فَعَجِبَ مِنْهُ الْمَلَائِكَة وَاشْتَاقَ إِلَيْهِ مَلَك الْمَوْت , فَاسْتَأْذَنَ رَبّه فِي زِيَارَته فَأَذِنَ لَهُ , فَأَتَاهُ فِي صُورَة آدَمِيّ , وَكَانَ إِدْرِيس عَلَيْهِ السَّلَام يَصُوم النَّهَار ; فَلَمَّا كَانَ وَقْت إِفْطَاره دَعَاهُ إِلَى طَعَامه فَأَبَى أَنْ يَأْكُل . فَفَعَلَ بِهِ ذَلِكَ ثَلَاث لَيَالٍ فَأَنْكَرَهُ إِدْرِيس ; وَقَالَ لَهُ : مَنْ أَنْتَ ! قَالَ أَنَا مَلَك الْمَوْت ; اِسْتَأْذَنْت رَبِّي أَنْ أَصْحَبَك فَأَذِنَ لِي ; فَقَالَ : إِنَّ لِي إِلَيْك حَاجَة . قَالَ : وَمَا هِيَ ؟ قَالَ : أَنْ تَقْبِض رُوحِي . فَأَوْحَى اللَّه تَعَالَى إِلَيْهِ أَنْ اِقْبِضْ رُوحه ; فَقَبَضَهُ وَرَدَّهُ إِلَيْهِ بَعْد سَاعَة , وَقَالَ لَهُ مَلَك الْمَوْت : مَا الْفَائِدَة فِي قَبْض رُوحك ؟ قَالَ : لِأَذُوقَ كُرَب الْمَوْت فَأَكُون لَهُ أَشَدّ اِسْتِعْدَادًا . ثُمَّ قَالَ لَهُ إِدْرِيس بَعْد سَاعَة : إِنَّ لِي إِلَيْك حَاجَة أُخْرَى . قَالَ : وَمَا هِيَ ؟ قَالَ أَنْ تَرْفَعنِي إِلَى السَّمَاء فَأَنْظُر إِلَى الْجَنَّة وَالنَّار ; فَأَذِنَ اللَّه تَعَالَى لَهُ فِي رَفْعه إِلَى السَّمَوَات , فَرَأَى النَّار فَصَعِقَ , فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ أَرِنِي الْجَنَّة ; فَأَدْخَلَهُ الْجَنَّة , ثُمَّ قَالَ لَهُ مَلَك الْمَوْت : اخْرُجْ لِتَعُودَ إِلَى مَقَرّك . فَتَعَلَّقَ بِشَجَرَةٍ وَقَالَ : لَا أَخْرُج مِنْهَا . فَبَعَثَ اللَّه تَعَالَى بَيْنهمَا مَلَكًا حَكَمًا , فَقَالَ مَا لَك لَا تَخْرُج ؟ قَالَ : لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ " كُلّ نَفْس ذَائِقَة الْمَوْت " [ آل عِمْرَان : 185 ] وَأَنَا ذُقْته , وَقَالَ : " وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدهَا " [ مَرْيَم : 71 ] وَقَدْ وَرَدْتهَا ; وَقَالَ : " وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ " [ الْحِجْر : 48 ] فَكَيْفَ أَخْرُج ؟ قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِمَلَكِ الْمَوْت : " بِإِذْنِي دَخَلَ الْجَنَّة وَبِأَمْرِي يَخْرُج " فَهُوَ حَيّ هُنَالِكَ فَذَلِكَ قَوْله " وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا " قَالَ النَّحَّاس : قَوْل إِدْرِيس " وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ " يَجُوز أَنْ يَكُون اللَّه أَعْلَمَ هَذَا إِدْرِيس , ثُمَّ نَزَلَ الْقُرْآن بِهِ . قَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه : فَإِدْرِيس تَارَة يَرْتَع فِي الْجَنَّة , وَتَارَة يَعْبُد اللَّه تَعَالَى مَعَ الْمَلَائِكَة فِي السَّمَاء .
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ↓
يُرِيد إِدْرِيس وَحْده .
يُرِيد إِبْرَاهِيم وَحْده
يُرِيد إِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب .
مِنْ ذُرِّيَّة مُوسَى وَهَارُون وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى فَكَانَ لِإِدْرِيس وَنُوح شَرَف الْقُرْب مِنْ آدَم , وَلِإِبْرَاهِيم شَرَف الْقُرْب مِنْ نُوح وَلِإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب شَرَف الْقُرْب مِنْ إِبْرَاهِيم .
أَيْ إِلَى الْإِسْلَام .
بِالْإِيمَانِ .
وَقَرَأَ شِبْل بْن عَبَّاد الْمَكِّيّ " يُتْلَى " بِالتَّذْكِيرِ لِأَنَّ التَّأْنِيث غَيْر حَقِيقِيّ مَعَ وُجُود الْفَاصِل .
وَصَفَهُمْ بِالْخُشُوعِ لِلَّهِ وَالْبُكَاء . وَقَدْ مَضَى فِي " سُبْحَان " [ الْإِسْرَاء : 1 ] . يُقَال بَكَى يَبْكِي بُكَاء وَبَكَى بُكِيًّا , إِلَّا أَنَّ الْخَلِيل قَالَ : إِذَا قَصَرْت الْبُكَاء فَهُوَ مِثْل الْحُزْن ; أَيْ لَيْسَ مَعَهُ صَوْت كَمَا قَالَ الشَّاعِر : بَكَتْ عَيْنِي وَحُقَّ لَهَا بُكَاهَا وَمَا يُغْنِي الْبُكَاء وَلَا الْعَوِيل " وَسُجَّدًا " نُصِبَ عَلَى الْحَال " وَبُكِيًّا " عَطْف عَلَيْهِ .
فِي هَذِهِ الْآيَة دَلَالَة عَلَى أَنَّ لِآيَاتِ الرَّحْمَن تَأْثِيرًا فِي الْقُلُوب . قَالَ الْحَسَن ( إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَات الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ) فِي الصَّلَاة . وَقَالَ الْأَصَمّ : الْمُرَاد بِآيَات الرَّحْمَن الْكُتُب الْمُتَضَمِّنَة لِتَوْحِيدِهِ وَحُجَجه , وَأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْجُدُونَ عِنْد تِلَاوَتهَا , وَيَبْكُونَ عِنْد ذِكْرهَا . وَالْمَرْوِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ الْمُرَاد بِهِ الْقُرْآن خَاصَّة , وَأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْجُدُونَ وَيَبْكُونَ عِنْد تِلَاوَته ; قَالَ إِلْكِيَا : وَفِي هَذَا دَلَالَة مِنْ قَوْله عَلَى أَنَّ الْقُرْآن هُوَ الَّذِي كَانَ يُتْلَى عَلَى جَمِيع الْأَنْبِيَاء , وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا كَانَ الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مُخْتَصًّا بِإِنْزَالِهِ إِلَيْهِ . اِحْتَجَّ أَبُو بَكْر الرَّازِيّ بِهَذِهِ الْآيَة عَلَى وُجُوب سُجُود الْقُرْآن عَلَى الْمُسْتَمِع وَالْقَارِئ . قَالَ إِلْكِيَا : وَهَذَا بَعِيد فَإِنَّ هَذَا الْوَصْف شَامِل لِكُلِّ آيَات اللَّه تَعَالَى . وَضَمَّ السُّجُود إِلَى الْبُكَاء , وَأَبَانَ بِهِ عَنْ طَرِيقَة الْأَنْبِيَاء الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي تَعْظِيمهمْ لِلَّهِ تَعَالَى وَآيَاته , وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَة عَلَى وُجُوب ذَلِكَ عِنْد آيَة مَخْصُوصَة . قَالَ الْعُلَمَاء : يَنْبَغِي لِمَنْ قَرَأَ سَجْدَة أَنْ يَدْعُو فِيهَا بِمَا يَلِيق بِآيَاتِهَا , فَإِنْ قَرَأَ سُورَة السَّجْدَة " أَلَمْ تَنْزِيل " قَالَ : اللَّهُمَّ اِجْعَلْنِي مِنْ السَّاجِدِينَ لِوَجْهِك , الْمُسَبِّحِينَ بِحَمْدِك , وَأَعُوذ بِك أَنْ أَكُون مِنْ الْمُسْتَكْبِرِينَ عَنْ أَمْرك . وَإِنْ قَرَأَ سَجْدَة " سُبْحَان " قَالَ : اللَّهُمَّ اِجْعَلْنِي مِنْ الْبَاكِينَ إِلَيْك , الْخَاشِعِينَ لَك . وَإِنْ قَرَأَ هَذِهِ قَالَ : اللَّهُمَّ اِجْعَلْنِي مِنْ عِبَادك الْمُنْعَم عَلَيْهِمْ , الْمَهْدِيِّينَ السَّاجِدِينَ لَك , الْبَاكِينَ عِنْد تِلَاوَة آيَاتك .
يُرِيد إِبْرَاهِيم وَحْده
يُرِيد إِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب .
مِنْ ذُرِّيَّة مُوسَى وَهَارُون وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى فَكَانَ لِإِدْرِيس وَنُوح شَرَف الْقُرْب مِنْ آدَم , وَلِإِبْرَاهِيم شَرَف الْقُرْب مِنْ نُوح وَلِإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب شَرَف الْقُرْب مِنْ إِبْرَاهِيم .
أَيْ إِلَى الْإِسْلَام .
بِالْإِيمَانِ .
وَقَرَأَ شِبْل بْن عَبَّاد الْمَكِّيّ " يُتْلَى " بِالتَّذْكِيرِ لِأَنَّ التَّأْنِيث غَيْر حَقِيقِيّ مَعَ وُجُود الْفَاصِل .
وَصَفَهُمْ بِالْخُشُوعِ لِلَّهِ وَالْبُكَاء . وَقَدْ مَضَى فِي " سُبْحَان " [ الْإِسْرَاء : 1 ] . يُقَال بَكَى يَبْكِي بُكَاء وَبَكَى بُكِيًّا , إِلَّا أَنَّ الْخَلِيل قَالَ : إِذَا قَصَرْت الْبُكَاء فَهُوَ مِثْل الْحُزْن ; أَيْ لَيْسَ مَعَهُ صَوْت كَمَا قَالَ الشَّاعِر : بَكَتْ عَيْنِي وَحُقَّ لَهَا بُكَاهَا وَمَا يُغْنِي الْبُكَاء وَلَا الْعَوِيل " وَسُجَّدًا " نُصِبَ عَلَى الْحَال " وَبُكِيًّا " عَطْف عَلَيْهِ .
فِي هَذِهِ الْآيَة دَلَالَة عَلَى أَنَّ لِآيَاتِ الرَّحْمَن تَأْثِيرًا فِي الْقُلُوب . قَالَ الْحَسَن ( إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَات الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ) فِي الصَّلَاة . وَقَالَ الْأَصَمّ : الْمُرَاد بِآيَات الرَّحْمَن الْكُتُب الْمُتَضَمِّنَة لِتَوْحِيدِهِ وَحُجَجه , وَأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْجُدُونَ عِنْد تِلَاوَتهَا , وَيَبْكُونَ عِنْد ذِكْرهَا . وَالْمَرْوِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ الْمُرَاد بِهِ الْقُرْآن خَاصَّة , وَأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْجُدُونَ وَيَبْكُونَ عِنْد تِلَاوَته ; قَالَ إِلْكِيَا : وَفِي هَذَا دَلَالَة مِنْ قَوْله عَلَى أَنَّ الْقُرْآن هُوَ الَّذِي كَانَ يُتْلَى عَلَى جَمِيع الْأَنْبِيَاء , وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا كَانَ الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مُخْتَصًّا بِإِنْزَالِهِ إِلَيْهِ . اِحْتَجَّ أَبُو بَكْر الرَّازِيّ بِهَذِهِ الْآيَة عَلَى وُجُوب سُجُود الْقُرْآن عَلَى الْمُسْتَمِع وَالْقَارِئ . قَالَ إِلْكِيَا : وَهَذَا بَعِيد فَإِنَّ هَذَا الْوَصْف شَامِل لِكُلِّ آيَات اللَّه تَعَالَى . وَضَمَّ السُّجُود إِلَى الْبُكَاء , وَأَبَانَ بِهِ عَنْ طَرِيقَة الْأَنْبِيَاء الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي تَعْظِيمهمْ لِلَّهِ تَعَالَى وَآيَاته , وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَة عَلَى وُجُوب ذَلِكَ عِنْد آيَة مَخْصُوصَة . قَالَ الْعُلَمَاء : يَنْبَغِي لِمَنْ قَرَأَ سَجْدَة أَنْ يَدْعُو فِيهَا بِمَا يَلِيق بِآيَاتِهَا , فَإِنْ قَرَأَ سُورَة السَّجْدَة " أَلَمْ تَنْزِيل " قَالَ : اللَّهُمَّ اِجْعَلْنِي مِنْ السَّاجِدِينَ لِوَجْهِك , الْمُسَبِّحِينَ بِحَمْدِك , وَأَعُوذ بِك أَنْ أَكُون مِنْ الْمُسْتَكْبِرِينَ عَنْ أَمْرك . وَإِنْ قَرَأَ سَجْدَة " سُبْحَان " قَالَ : اللَّهُمَّ اِجْعَلْنِي مِنْ الْبَاكِينَ إِلَيْك , الْخَاشِعِينَ لَك . وَإِنْ قَرَأَ هَذِهِ قَالَ : اللَّهُمَّ اِجْعَلْنِي مِنْ عِبَادك الْمُنْعَم عَلَيْهِمْ , الْمَهْدِيِّينَ السَّاجِدِينَ لَك , الْبَاكِينَ عِنْد تِلَاوَة آيَاتك .
فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ↓
أَيْ أَوْلَاد سُوء . قَالَ أَبُو عُبَيْدَة : حَدَّثَنَا حَجَّاج عَنْ اِبْن جُرَيْج عَنْ مُجَاهِد قَالَ : ذَلِكَ عِنْد قِيَام السَّاعَة , وَذَهَاب صَالِحِي هَذِهِ الْأُمَّة أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْزُو بَعْضهمْ عَلَى بَعْض فِي الْأَزِقَّة زِنًى . وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْل فِي " خَلْف " فِي " الْأَعْرَاف " فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ .
وَقَرَأَ عَبْد اللَّه وَالْحَسَن " أَضَاعُوا الصَّلَوَات " عَلَى الْجَمْع . وَهُوَ ذَمّ وَنَصّ فِي أَنَّ إِضَاعَة الصَّلَاة مِنْ الْكَبَائِر الَّتِي يُوبَق بِهَا صَاحِبهَا وَلَا خِلَاف فِي ذَلِكَ , وَقَدْ قَالَ عُمَر : وَمَنْ ضَيَّعَهَا فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَع . وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ الْمُرَاد بِهَذِهِ الْآيَة ; فَقَالَ مُجَاهِد : النَّصَارَى خَلَفُوا بَعْد الْيَهُود . وَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ وَمُجَاهِد أَيْضًا وَعَطَاء : هُمْ قَوْم مِنْ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِر الزَّمَان ; أَيْ يَكُون فِي هَذِهِ الْأُمَّة مَنْ هَذِهِ صِفَته لَا أَنَّهُمْ الْمُرَاد بِهَذِهِ الْآيَة . وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي مَعْنَى إِضَاعَتهَا ; فَقَالَ الْقُرَظِيّ : هِيَ إِضَاعَة كُفْر وَجَحْد بِهَا . وَقَالَ الْقَاسِم بْن مُخَيْمِرَة , وَعَبْد اللَّه بْن مَسْعُود : هِيَ إِضَاعَة أَوْقَاتهَا , وَعَدَم الْقِيَام بِحُقُوقِهَا وَهُوَ الصَّحِيح , وَأَنَّهَا إِذَا صُلِّيَتْ مُخَلًّى بِهَا لَا تَصِحّ وَلَا تُجْزِئ ; لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلرَّجُلِ الَّذِي صَلَّى وَجَاءَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ( اِرْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ ) ثَلَاث مَرَّات خَرَّجَهُ مُسْلِم , وَقَالَ حُذَيْفَة لِرَجُلٍ يُصَلِّي فَطَفَّفَ : مُنْذُ كَمْ تُصَلِّي هَذِهِ الصَّلَاة ؟ قَالَ مُنْذُ أَرْبَعِينَ عَامًا . قَالَ : مَا صَلَّيْت , وَلَوْ مُتّ وَأَنْتَ تُصَلِّي هَذِهِ الصَّلَاة لَمُتّ عَلَى غَيْر فِطْرَة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ثُمَّ قَالَ : إِنَّ الرَّجُل لَيُخَفِّف الصَّلَاة وَيُتِمّ وَيُحْسِن . خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ وَاللَّفْظ لِلنَّسَائِيِّ , وَفِي التِّرْمِذِيّ عَنْ أَبِي مَسْعُود الْأَنْصَارِيّ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تُجْزِئ صَلَاة لَا يُقِيم فِيهَا الرَّجُل ) يَعْنِي صُلْبه فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود ; قَالَ : حَدِيث حَسَن صَحِيح ; وَالْعَمَل عَلَى هَذَا عِنْد أَهْل الْعِلْم مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدهمْ ; يَرَوْنَ أَنْ يُقِيم الرَّجُل صُلْبه فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود ; قَالَ الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق : مَنْ لَمْ يُقِمْ صُلْبه فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود فَصَلَاته فَاسِدَة ; قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( تِلْكَ الصَّلَاة صَلَاة الْمُنَافِق يَجْلِس يَرْقُب الشَّمْس حَتَّى أَذَا كَانَتْ بَيْن قَرْنَيْ الشَّيْطَان قَامَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا لَا يَذْكُر اللَّه فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا ) . وَهَذَا ذَمّ لِمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ . وَقَالَ فَرْوَة بْن خَالِد بْن سِنَان : اِسْتَبْطَأَ أَصْحَاب الضَّحَّاك مَرَّة أَمِيرًا فِي صَلَاة الْعَصْر حَتَّى كَادَتْ الشَّمْس تَغْرُب ; فَقَرَأَ الضَّحَّاك هَذِهِ الْآيَة , ثُمَّ قَالَ : وَاَللَّه لِأَنْ أَدَعهَا أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُضَيِّعهَا . وَجُمْلَة الْقَوْل هَذَا الْبَاب أَنَّ مَنْ لَمْ يُحَافِظ عَلَى كَمَالِ وُضُوئِهَا وَرُكُوعهَا وَسُجُودهَا فَلَيْسَ بِمُحَافِظٍ عَلَيْهَا , وَمَنْ لَمْ يُحَافِظ عَلَيْهَا فَقَدْ ضَيَّعَهَا , وَمَنْ ضَيَّعَهَا فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَع , كَمَا أَنَّ مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا حَفِظَ اللَّه عَلَيْهِ دِينه , وَلَا دِين لِمَنْ لَا صَلَاة لَهُ . وَقَالَ الْحَسَن : عَطَّلُوا الْمَسَاجِد , وَاشْتَغَلُوا بِالصَّنَائِعِ وَالْأَسْبَاب . " وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَات " أَيْ اللَّذَّات وَالْمَعَاصِي .
رَوَى التِّرْمِذِيّ وَأَبُو دَاوُد عَنْ أَنَس بْن حَكِيم الضَّبِّيّ أَنَّهُ أَتَى الْمَدِينَة فَلَقِيَ أَبَا هُرَيْرَة فَقَالَ لَهُ : يَا فَتَى أَلَا أُحَدِّثك حَدِيثًا لَعَلَّ اللَّه تَعَالَى أَنْ يَنْفَعك بِهِ ; قُلْت : بَلَى . قَالَ : ( إِنَّ أَوَّل مَا يُحَاسَب بِهِ النَّاس يَوْم الْقِيَامَة مِنْ أَعْمَالهمْ الصَّلَاة فَيَقُول اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِمَلَائِكَتِهِ وَهُوَ أَعْلَم اُنْظُرُوا فِي صَلَاة عَبْدِي أَتَمَّهَا أَوْ نَقَصَهَا فَإِنْ كَانَتْ تَامَّة كُتِبَتْ لَهُ تَامَّة وَإِنْ كَانَ اِنْتَقَصَ مِنْهَا شَيْئًا قَالَ اُنْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّع فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّع قَالَ أَكْمِلُوا لِعَبْدِي فَرِيضَته مِنْ تَطَوُّعه ثُمَّ تُؤْخَذ الْأَعْمَال عَلَى ذَلِكَ ) . قَالَ يُونُس : وَأَحْسِبهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لَفْظ أَبِي دَاوُد . وَقَالَ : حَدَّثَنَا مُوسَى بْن إِسْمَاعِيل حَدَّثَنَا حَمَّاد حَدَّثَنَا دَاوُد بْن أَبِي هِنْد عَنْ زُرَارَة بْن أَوْفَى عَنْ تَمِيم الدَّارِيّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْمَعْنَى . قَالَ : ( ثُمَّ الزَّكَاة مِثْل ذَلِكَ ) ( ثُمَّ تُؤْخَذ الْأَعْمَال عَلَى حَسْب ذَلِكَ ) . وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ عَنْ هَمَّام عَنْ الْحَسَن عَنْ حُرَيْث بْن قَبِيصَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول ( إِنَّ أَوَّل مَا يُحَاسَب بِهِ الْعَبْد يَوْم الْقِيَامَة بِصَلَاتِهِ فَإِنْ صَلَحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ قَالَ هَمَّام : لَا أَدْرِي هَذَا مِنْ كَلَام قَتَادَة أَوْ مِنْ الرِّوَايَة فَإِنْ اِنْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَته شَيْء قَالَ اُنْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّع فَيُكَمَّل بِهِ مَا نَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَة ثُمَّ يَكُون سَائِر عَمَله عَلَى نَحْو ذَلِكَ ) خَالَفَهُ أَبُو الْعَوَّام فَرَوَاهُ عَنْ قَتَادَة عَنْ الْحَسَن عَنْ أَبِي رَافِع عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( إِنَّ أَوَّل مَا يُحَاسَب بِهِ الْعَبْد يَوْم الْقِيَامَة صَلَاته فَإِنْ وُجِدَتْ تَامَّة كُتِبَتْ تَامَّة وَإِنْ كَانَ اِنْتُقِصَ مِنْهَا شَيْء قَالَ اُنْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ لَهُ مِنْ تَطَوُّع يُكَمِّل لَهُ مَا ضَيَّعَ مِنْ فَرِيضَته مِنْ تَطَوُّعه ثُمَّ سَائِر الْأَعْمَال تَجْرِي عَلَى حَسْب ذَلِكَ ) قَالَ النَّسَائِيّ أَخْبَرَنَا إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم قَالَ حَدَّثَنَا النَّضْر بْن شُمَيْل قَالَ أَنْبَأَنَا حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ الْأَزْرَق بْن قَيْس عَنْ يَحْيَى بْن يَعْمَر عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( أَوَّل مَا يُحَاسَب بِهِ الْعَبْد يَوْم الْقِيَامَة صَلَاته فَإِنْ كَانَ أَكْمَلَهَا وَإِلَّا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ اُنْظُرُوا لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّع فَإِنْ وُجِدَ لَهُ تَطَوُّع قَالَ أَكْمِلُوا بِهِ الْفَرِيضَة ) قَالَ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ فِي كِتَاب " التَّمْهِيد " أَمَّا إِكْمَال الْفَرِيضَة مِنْ التَّطَوُّع فَإِنَّمَا يَكُون وَاَللَّه أَعْلَم فِيمَنْ سَهَا عَنْ فَرِيضَة فَلَمْ يَأْتِ بِهَا , أَوْ لَمْ يُحْسِن رُكُوعهَا وَسُجُودهَا وَلَمْ يَدْرِ قَدْر ذَلِكَ وَأَمَّا مَنْ تَرَكَهَا , أَوْ نَسِيَ ثُمَّ ذَكَرَهَا فَلَمْ يَأْتِ بِهَا عَامِدًا وَاشْتَغَلَ بِالتَّطَوُّعِ عَنْ أَدَاء فَرْضهَا وَهُوَ ذَاكِر لَهُ فَلَا تُكْمَل لَهُ فَرِيضَة مِنْ تَطَوُّعه وَاَللَّه أَعْلَم وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيث الشَّامِيِّينَ فِي هَذَا الْبَاب حَدِيث مُنْكَر يَرْوِيه مُحَمَّد بْن حِمْيَر عَنْ عَمْرو بْن قَيْس السَّكُونِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن قُرْط عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( مَنْ صَلَّى صَلَاة لَمْ يُكْمِل فِيهَا رُكُوعه وَسُجُوده زِيدَ فِيهَا مِنْ تَسْبِيحَاته حَتَّى تَتِمّ ) قَالَ أَبُو عُمَر وَهَذَا لَا يُحْفَظ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْه وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَإِنْ كَانَ صَحَّ كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ صَلَاة كَانَ قَدْ أَتَمَّهَا عِنْد نَفْسه وَلَيْسَتْ فِي الْحُكْم بِتَامَّةٍ
قُلْت : فَيَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُحْسِن فَرْضه وَنَفْله حَتَّى يَكُون لَهُ نَفْل يَجِدهُ زَائِدًا عَلَى فَرْضه يُقَرِّبهُ مِنْ رَبّه كَمَا قَالَ سُبْحَانه وَتَعَالَى ( وَمَا يَزَال عَبْدِي يَتَقَرَّب إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبّهُ " الْحَدِيث فَأَمَّا إِذَا كَانَ نَفْل يُكْمَل بِهِ الْفَرْض فَحُكْمه فِي الْمَعْنَى حُكْم الْفَرْض وَمَنْ لَا يُحْسِن أَنْ يُصَلِّي الْفَرْض فَأَحْرَى وَأَوْلَى أَلَّا يُحْسِن التَّنَفُّل لَا جَرَمَ تَنَفُّل النَّاس فِي أَشَدّ مَا يَكُون مِنْ النُّقْصَان وَالْخَلَل لِخِفَّتِهِ عِنْدهمْ وَتَهَاوُنهمْ بِهِ حَتَّى كَأَنَّهُ غَيْر مُعْتَدٍ بِهِ وَلَعَمْر اللَّه لَقَدْ يُشَاهَد فِي الْوُجُود مَنْ يُشَار إِلَيْهِ وَيُظَنّ بِهِ الْعِلْم تَنَفُّله كَذَلِكَ بَلْ فَرْضه إِذْ يَنْقُرهُ نَقْر الدِّيك لِعَدَمِ مَعْرِفَته بِالْحَدِيثِ فَكَيْفَ بِالْجُهَّالِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاء وَلَا يُجْزِئ رُكُوع وَلَا سُجُود وَلَا وُقُوف بَعْد الرُّكُوع وَلَا جُلُوس بَيْن السَّجْدَتَيْنِ حَتَّى يَعْتَدِل رَاكِعًا وَوَاقِفًا وَسَاجِدًا وَجَالِسًا وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي الْأَثَر وَعَلَيْهِ جُمْهُور الْعُلَمَاء وَأَهْل النَّظَر وَهَذِهِ رِوَايَة اِبْن وَهْب وَأَبِي مُصْعَب عَنْ مَالِك وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي " الْبَقَرَة " وَإِذَا كَانَ هَذَا فَكَيْفَ يُكْمَل بِذَلِكَ التَّنَفُّل مَا نَقَصَ مِنْ هَذَا الْفَرْض عَلَى سَبِيل الْجَهْل وَالسَّهْو ؟ ! بَلْ كُلّ ذَلِكَ غَيْر صَحِيح وَلَا مَقْبُول لِأَنَّهُ وَقَعَ عَلَى غَيْر الْمَطْلُوب وَاَللَّه أَعْلَم
وَعَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ فِي قَوْله تَعَالَى : ( وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَات ) هُوَ مَنْ بَنَى [ الْمَشِيد ] وَرَكِبَ الْمَنْظُور وَلَيْسَ الْمَشْهُور .
قُلْت الشَّهَوَات عِبَارَة عَمَّا يُوَافِق الْإِنْسَان وَيَشْتَهِيه وَيُلَائِمهُ وَلَا يَتَّقِيه وَفِي الصَّحِيح ( حُفَّتْ الْجَنَّة بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتْ النَّار بِالشَّهَوَاتِ ) وَمَا ذُكِرَ عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ جُزْء مِنْ هَذَا
قَالَ اِبْن زَيْد شَرًّا أَوْ ضَلَالًا أَوْ خَيْبَة قَالَ فَمَنْ يَلْقَ خَيْرًا يَحْمَد النَّاس أَمْره وَمَنْ يَغْوَ لَا يَعْدَم عَلَى الْغَيّ لَائِمًا وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود : ( هُوَ وَادٍ فِي جَهَنَّم وَالتَّقْدِير عِنْد أَهْل اللُّغَة فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ هَذَا الْغَيّ ) كَمَا قَالَ جَلَّ ذِكْره : " وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا " [ الْفُرْقَان : 68 ] وَالْأَظْهَر أَنَّ الْغَيّ اِسْم لِلْوَادِي سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ الْغَاوِينَ يَصِيرُونَ إِلَيْهِ قَالَ كَعْب ( يَظْهَر فِي آخِر الزَّمَان قَوْم بِأَيْدِيهِمْ سِيَاط كَأَذْنَابِ الْبَقَر ثُمَّ قَرَأَ " فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا " أَيْ هَلَاكًا وَضَلَالًا فِي جَهَنَّم وَعَنْهُ غَيّ وَادٍ فِي جَهَنَّم أَبْعَدهَا قَعْرًا وَأَشَدّهَا حَرًّا فِيهِ بِئْر يُسَمَّى الْبَهِيم كُلَّمَا خَبَتْ جَهَنَّم فَتَحَ اللَّه تَعَالَى تِلْكَ الْبِئْر فَتُسَعَّر بِهَا جَهَنَّم وَقَالَ اِبْن عَبَّاس غَيّ وَادٍ فِي جَهَنَّم وَأَنَّ أَوْدِيَة جَهَنَّم لَتَسْتَعِيذَ مِنْ حَرّه أَعَدَّ اللَّه تَعَالَى ذَلِكَ الْوَادِي لِلزَّانِي الْمُصِرّ عَلَى الزِّنَا , وَلِشَارِبِ الْخَمْر الْمُدْمِن عَلَيْهِ وَلِآكِلِ الرِّبَا الَّذِي لَا يَنْزِع عَنْهُ وَلِأَهْلِ الْعُقُوق وَلِشَاهِدِ الزُّور وَلِامْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى زَوْجهَا وَلَدًا لَيْسَ مِنْهُ .
وَقَرَأَ عَبْد اللَّه وَالْحَسَن " أَضَاعُوا الصَّلَوَات " عَلَى الْجَمْع . وَهُوَ ذَمّ وَنَصّ فِي أَنَّ إِضَاعَة الصَّلَاة مِنْ الْكَبَائِر الَّتِي يُوبَق بِهَا صَاحِبهَا وَلَا خِلَاف فِي ذَلِكَ , وَقَدْ قَالَ عُمَر : وَمَنْ ضَيَّعَهَا فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَع . وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ الْمُرَاد بِهَذِهِ الْآيَة ; فَقَالَ مُجَاهِد : النَّصَارَى خَلَفُوا بَعْد الْيَهُود . وَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ وَمُجَاهِد أَيْضًا وَعَطَاء : هُمْ قَوْم مِنْ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِر الزَّمَان ; أَيْ يَكُون فِي هَذِهِ الْأُمَّة مَنْ هَذِهِ صِفَته لَا أَنَّهُمْ الْمُرَاد بِهَذِهِ الْآيَة . وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي مَعْنَى إِضَاعَتهَا ; فَقَالَ الْقُرَظِيّ : هِيَ إِضَاعَة كُفْر وَجَحْد بِهَا . وَقَالَ الْقَاسِم بْن مُخَيْمِرَة , وَعَبْد اللَّه بْن مَسْعُود : هِيَ إِضَاعَة أَوْقَاتهَا , وَعَدَم الْقِيَام بِحُقُوقِهَا وَهُوَ الصَّحِيح , وَأَنَّهَا إِذَا صُلِّيَتْ مُخَلًّى بِهَا لَا تَصِحّ وَلَا تُجْزِئ ; لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلرَّجُلِ الَّذِي صَلَّى وَجَاءَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ( اِرْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ ) ثَلَاث مَرَّات خَرَّجَهُ مُسْلِم , وَقَالَ حُذَيْفَة لِرَجُلٍ يُصَلِّي فَطَفَّفَ : مُنْذُ كَمْ تُصَلِّي هَذِهِ الصَّلَاة ؟ قَالَ مُنْذُ أَرْبَعِينَ عَامًا . قَالَ : مَا صَلَّيْت , وَلَوْ مُتّ وَأَنْتَ تُصَلِّي هَذِهِ الصَّلَاة لَمُتّ عَلَى غَيْر فِطْرَة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ثُمَّ قَالَ : إِنَّ الرَّجُل لَيُخَفِّف الصَّلَاة وَيُتِمّ وَيُحْسِن . خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ وَاللَّفْظ لِلنَّسَائِيِّ , وَفِي التِّرْمِذِيّ عَنْ أَبِي مَسْعُود الْأَنْصَارِيّ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تُجْزِئ صَلَاة لَا يُقِيم فِيهَا الرَّجُل ) يَعْنِي صُلْبه فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود ; قَالَ : حَدِيث حَسَن صَحِيح ; وَالْعَمَل عَلَى هَذَا عِنْد أَهْل الْعِلْم مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدهمْ ; يَرَوْنَ أَنْ يُقِيم الرَّجُل صُلْبه فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود ; قَالَ الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَإِسْحَاق : مَنْ لَمْ يُقِمْ صُلْبه فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود فَصَلَاته فَاسِدَة ; قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( تِلْكَ الصَّلَاة صَلَاة الْمُنَافِق يَجْلِس يَرْقُب الشَّمْس حَتَّى أَذَا كَانَتْ بَيْن قَرْنَيْ الشَّيْطَان قَامَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا لَا يَذْكُر اللَّه فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا ) . وَهَذَا ذَمّ لِمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ . وَقَالَ فَرْوَة بْن خَالِد بْن سِنَان : اِسْتَبْطَأَ أَصْحَاب الضَّحَّاك مَرَّة أَمِيرًا فِي صَلَاة الْعَصْر حَتَّى كَادَتْ الشَّمْس تَغْرُب ; فَقَرَأَ الضَّحَّاك هَذِهِ الْآيَة , ثُمَّ قَالَ : وَاَللَّه لِأَنْ أَدَعهَا أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُضَيِّعهَا . وَجُمْلَة الْقَوْل هَذَا الْبَاب أَنَّ مَنْ لَمْ يُحَافِظ عَلَى كَمَالِ وُضُوئِهَا وَرُكُوعهَا وَسُجُودهَا فَلَيْسَ بِمُحَافِظٍ عَلَيْهَا , وَمَنْ لَمْ يُحَافِظ عَلَيْهَا فَقَدْ ضَيَّعَهَا , وَمَنْ ضَيَّعَهَا فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَع , كَمَا أَنَّ مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا حَفِظَ اللَّه عَلَيْهِ دِينه , وَلَا دِين لِمَنْ لَا صَلَاة لَهُ . وَقَالَ الْحَسَن : عَطَّلُوا الْمَسَاجِد , وَاشْتَغَلُوا بِالصَّنَائِعِ وَالْأَسْبَاب . " وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَات " أَيْ اللَّذَّات وَالْمَعَاصِي .
رَوَى التِّرْمِذِيّ وَأَبُو دَاوُد عَنْ أَنَس بْن حَكِيم الضَّبِّيّ أَنَّهُ أَتَى الْمَدِينَة فَلَقِيَ أَبَا هُرَيْرَة فَقَالَ لَهُ : يَا فَتَى أَلَا أُحَدِّثك حَدِيثًا لَعَلَّ اللَّه تَعَالَى أَنْ يَنْفَعك بِهِ ; قُلْت : بَلَى . قَالَ : ( إِنَّ أَوَّل مَا يُحَاسَب بِهِ النَّاس يَوْم الْقِيَامَة مِنْ أَعْمَالهمْ الصَّلَاة فَيَقُول اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِمَلَائِكَتِهِ وَهُوَ أَعْلَم اُنْظُرُوا فِي صَلَاة عَبْدِي أَتَمَّهَا أَوْ نَقَصَهَا فَإِنْ كَانَتْ تَامَّة كُتِبَتْ لَهُ تَامَّة وَإِنْ كَانَ اِنْتَقَصَ مِنْهَا شَيْئًا قَالَ اُنْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّع فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّع قَالَ أَكْمِلُوا لِعَبْدِي فَرِيضَته مِنْ تَطَوُّعه ثُمَّ تُؤْخَذ الْأَعْمَال عَلَى ذَلِكَ ) . قَالَ يُونُس : وَأَحْسِبهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لَفْظ أَبِي دَاوُد . وَقَالَ : حَدَّثَنَا مُوسَى بْن إِسْمَاعِيل حَدَّثَنَا حَمَّاد حَدَّثَنَا دَاوُد بْن أَبِي هِنْد عَنْ زُرَارَة بْن أَوْفَى عَنْ تَمِيم الدَّارِيّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْمَعْنَى . قَالَ : ( ثُمَّ الزَّكَاة مِثْل ذَلِكَ ) ( ثُمَّ تُؤْخَذ الْأَعْمَال عَلَى حَسْب ذَلِكَ ) . وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ عَنْ هَمَّام عَنْ الْحَسَن عَنْ حُرَيْث بْن قَبِيصَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول ( إِنَّ أَوَّل مَا يُحَاسَب بِهِ الْعَبْد يَوْم الْقِيَامَة بِصَلَاتِهِ فَإِنْ صَلَحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ قَالَ هَمَّام : لَا أَدْرِي هَذَا مِنْ كَلَام قَتَادَة أَوْ مِنْ الرِّوَايَة فَإِنْ اِنْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَته شَيْء قَالَ اُنْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّع فَيُكَمَّل بِهِ مَا نَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَة ثُمَّ يَكُون سَائِر عَمَله عَلَى نَحْو ذَلِكَ ) خَالَفَهُ أَبُو الْعَوَّام فَرَوَاهُ عَنْ قَتَادَة عَنْ الْحَسَن عَنْ أَبِي رَافِع عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( إِنَّ أَوَّل مَا يُحَاسَب بِهِ الْعَبْد يَوْم الْقِيَامَة صَلَاته فَإِنْ وُجِدَتْ تَامَّة كُتِبَتْ تَامَّة وَإِنْ كَانَ اِنْتُقِصَ مِنْهَا شَيْء قَالَ اُنْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ لَهُ مِنْ تَطَوُّع يُكَمِّل لَهُ مَا ضَيَّعَ مِنْ فَرِيضَته مِنْ تَطَوُّعه ثُمَّ سَائِر الْأَعْمَال تَجْرِي عَلَى حَسْب ذَلِكَ ) قَالَ النَّسَائِيّ أَخْبَرَنَا إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم قَالَ حَدَّثَنَا النَّضْر بْن شُمَيْل قَالَ أَنْبَأَنَا حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ الْأَزْرَق بْن قَيْس عَنْ يَحْيَى بْن يَعْمَر عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( أَوَّل مَا يُحَاسَب بِهِ الْعَبْد يَوْم الْقِيَامَة صَلَاته فَإِنْ كَانَ أَكْمَلَهَا وَإِلَّا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ اُنْظُرُوا لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّع فَإِنْ وُجِدَ لَهُ تَطَوُّع قَالَ أَكْمِلُوا بِهِ الْفَرِيضَة ) قَالَ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ فِي كِتَاب " التَّمْهِيد " أَمَّا إِكْمَال الْفَرِيضَة مِنْ التَّطَوُّع فَإِنَّمَا يَكُون وَاَللَّه أَعْلَم فِيمَنْ سَهَا عَنْ فَرِيضَة فَلَمْ يَأْتِ بِهَا , أَوْ لَمْ يُحْسِن رُكُوعهَا وَسُجُودهَا وَلَمْ يَدْرِ قَدْر ذَلِكَ وَأَمَّا مَنْ تَرَكَهَا , أَوْ نَسِيَ ثُمَّ ذَكَرَهَا فَلَمْ يَأْتِ بِهَا عَامِدًا وَاشْتَغَلَ بِالتَّطَوُّعِ عَنْ أَدَاء فَرْضهَا وَهُوَ ذَاكِر لَهُ فَلَا تُكْمَل لَهُ فَرِيضَة مِنْ تَطَوُّعه وَاَللَّه أَعْلَم وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيث الشَّامِيِّينَ فِي هَذَا الْبَاب حَدِيث مُنْكَر يَرْوِيه مُحَمَّد بْن حِمْيَر عَنْ عَمْرو بْن قَيْس السَّكُونِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن قُرْط عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( مَنْ صَلَّى صَلَاة لَمْ يُكْمِل فِيهَا رُكُوعه وَسُجُوده زِيدَ فِيهَا مِنْ تَسْبِيحَاته حَتَّى تَتِمّ ) قَالَ أَبُو عُمَر وَهَذَا لَا يُحْفَظ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْه وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَإِنْ كَانَ صَحَّ كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ صَلَاة كَانَ قَدْ أَتَمَّهَا عِنْد نَفْسه وَلَيْسَتْ فِي الْحُكْم بِتَامَّةٍ
قُلْت : فَيَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُحْسِن فَرْضه وَنَفْله حَتَّى يَكُون لَهُ نَفْل يَجِدهُ زَائِدًا عَلَى فَرْضه يُقَرِّبهُ مِنْ رَبّه كَمَا قَالَ سُبْحَانه وَتَعَالَى ( وَمَا يَزَال عَبْدِي يَتَقَرَّب إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبّهُ " الْحَدِيث فَأَمَّا إِذَا كَانَ نَفْل يُكْمَل بِهِ الْفَرْض فَحُكْمه فِي الْمَعْنَى حُكْم الْفَرْض وَمَنْ لَا يُحْسِن أَنْ يُصَلِّي الْفَرْض فَأَحْرَى وَأَوْلَى أَلَّا يُحْسِن التَّنَفُّل لَا جَرَمَ تَنَفُّل النَّاس فِي أَشَدّ مَا يَكُون مِنْ النُّقْصَان وَالْخَلَل لِخِفَّتِهِ عِنْدهمْ وَتَهَاوُنهمْ بِهِ حَتَّى كَأَنَّهُ غَيْر مُعْتَدٍ بِهِ وَلَعَمْر اللَّه لَقَدْ يُشَاهَد فِي الْوُجُود مَنْ يُشَار إِلَيْهِ وَيُظَنّ بِهِ الْعِلْم تَنَفُّله كَذَلِكَ بَلْ فَرْضه إِذْ يَنْقُرهُ نَقْر الدِّيك لِعَدَمِ مَعْرِفَته بِالْحَدِيثِ فَكَيْفَ بِالْجُهَّالِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاء وَلَا يُجْزِئ رُكُوع وَلَا سُجُود وَلَا وُقُوف بَعْد الرُّكُوع وَلَا جُلُوس بَيْن السَّجْدَتَيْنِ حَتَّى يَعْتَدِل رَاكِعًا وَوَاقِفًا وَسَاجِدًا وَجَالِسًا وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي الْأَثَر وَعَلَيْهِ جُمْهُور الْعُلَمَاء وَأَهْل النَّظَر وَهَذِهِ رِوَايَة اِبْن وَهْب وَأَبِي مُصْعَب عَنْ مَالِك وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي " الْبَقَرَة " وَإِذَا كَانَ هَذَا فَكَيْفَ يُكْمَل بِذَلِكَ التَّنَفُّل مَا نَقَصَ مِنْ هَذَا الْفَرْض عَلَى سَبِيل الْجَهْل وَالسَّهْو ؟ ! بَلْ كُلّ ذَلِكَ غَيْر صَحِيح وَلَا مَقْبُول لِأَنَّهُ وَقَعَ عَلَى غَيْر الْمَطْلُوب وَاَللَّه أَعْلَم
وَعَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ فِي قَوْله تَعَالَى : ( وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَات ) هُوَ مَنْ بَنَى [ الْمَشِيد ] وَرَكِبَ الْمَنْظُور وَلَيْسَ الْمَشْهُور .
قُلْت الشَّهَوَات عِبَارَة عَمَّا يُوَافِق الْإِنْسَان وَيَشْتَهِيه وَيُلَائِمهُ وَلَا يَتَّقِيه وَفِي الصَّحِيح ( حُفَّتْ الْجَنَّة بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتْ النَّار بِالشَّهَوَاتِ ) وَمَا ذُكِرَ عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ جُزْء مِنْ هَذَا
قَالَ اِبْن زَيْد شَرًّا أَوْ ضَلَالًا أَوْ خَيْبَة قَالَ فَمَنْ يَلْقَ خَيْرًا يَحْمَد النَّاس أَمْره وَمَنْ يَغْوَ لَا يَعْدَم عَلَى الْغَيّ لَائِمًا وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود : ( هُوَ وَادٍ فِي جَهَنَّم وَالتَّقْدِير عِنْد أَهْل اللُّغَة فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ هَذَا الْغَيّ ) كَمَا قَالَ جَلَّ ذِكْره : " وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا " [ الْفُرْقَان : 68 ] وَالْأَظْهَر أَنَّ الْغَيّ اِسْم لِلْوَادِي سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ الْغَاوِينَ يَصِيرُونَ إِلَيْهِ قَالَ كَعْب ( يَظْهَر فِي آخِر الزَّمَان قَوْم بِأَيْدِيهِمْ سِيَاط كَأَذْنَابِ الْبَقَر ثُمَّ قَرَأَ " فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا " أَيْ هَلَاكًا وَضَلَالًا فِي جَهَنَّم وَعَنْهُ غَيّ وَادٍ فِي جَهَنَّم أَبْعَدهَا قَعْرًا وَأَشَدّهَا حَرًّا فِيهِ بِئْر يُسَمَّى الْبَهِيم كُلَّمَا خَبَتْ جَهَنَّم فَتَحَ اللَّه تَعَالَى تِلْكَ الْبِئْر فَتُسَعَّر بِهَا جَهَنَّم وَقَالَ اِبْن عَبَّاس غَيّ وَادٍ فِي جَهَنَّم وَأَنَّ أَوْدِيَة جَهَنَّم لَتَسْتَعِيذَ مِنْ حَرّه أَعَدَّ اللَّه تَعَالَى ذَلِكَ الْوَادِي لِلزَّانِي الْمُصِرّ عَلَى الزِّنَا , وَلِشَارِبِ الْخَمْر الْمُدْمِن عَلَيْهِ وَلِآكِلِ الرِّبَا الَّذِي لَا يَنْزِع عَنْهُ وَلِأَهْلِ الْعُقُوق وَلِشَاهِدِ الزُّور وَلِامْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى زَوْجهَا وَلَدًا لَيْسَ مِنْهُ .
إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا ↓
أَيْ مِنْ تَضْيِيع الصَّلَاة وَاتِّبَاع الشَّهَوَات فَرَجَعَ إِلَى طَاعَة رَبّه
بِهِ
قَرَأَ أَبُو جَعْفَر وَشَيْبَة وَابْن كَثِير وَابْن مُحَيْصِن وَأَبُو عَمْرو وَيَعْقُوب وَأَبُو بَكْر ( يُدْخَلُونَ ) بِفَتْحِ الْخَاء . وَفَتَحَ الْيَاء الْبَاقُونَ
أَيْ لَا يُنْقَص مِنْ أَعْمَالهمْ الصَّالِحَة شَيْء إِلَّا أَنَّهُمْ يُكْتَب لَهُمْ بِكُلِّ حَسَنَة عَشْر إِلَى سَبْعمِائَةِ
بِهِ
قَرَأَ أَبُو جَعْفَر وَشَيْبَة وَابْن كَثِير وَابْن مُحَيْصِن وَأَبُو عَمْرو وَيَعْقُوب وَأَبُو بَكْر ( يُدْخَلُونَ ) بِفَتْحِ الْخَاء . وَفَتَحَ الْيَاء الْبَاقُونَ
أَيْ لَا يُنْقَص مِنْ أَعْمَالهمْ الصَّالِحَة شَيْء إِلَّا أَنَّهُمْ يُكْتَب لَهُمْ بِكُلِّ حَسَنَة عَشْر إِلَى سَبْعمِائَةِ