ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ↓
أَيْ ذَلِكَ الَّذِي قَصَصْت عَلَيْك مِنْ نَصْر الْمَظْلُوم هُوَ بِأَنِّي أَنَا الَّذِي أُولِج اللَّيْل فِي النَّهَار فَلَا يَقْدِر أَحَد عَلَى مَا أَقْدِر عَلَيْهِ ; أَيْ مَنْ قَدْر عَلَى هَذَا قَدْر عَلَى أَنْ يَنْصُر عَبْده . وَقَدْ مَضَى فِي " آل عِمْرَان " مَعْنَى يُولِج اللَّيْل فِي النَّهَار .
يَسْمَع الْأَقْوَال وَيُبْصِر الْأَفْعَال , فَلَا يَعْزُب عَنْهُ مِثْقَال ذَرَّة وَلَا دَبِيب نَمْلَة إِلَّا يَعْلَمهَا وَيَسْمَعهَا وَيُبْصِرهَا .
يَسْمَع الْأَقْوَال وَيُبْصِر الْأَفْعَال , فَلَا يَعْزُب عَنْهُ مِثْقَال ذَرَّة وَلَا دَبِيب نَمْلَة إِلَّا يَعْلَمهَا وَيَسْمَعهَا وَيُبْصِرهَا .
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ↓
أَيْ ذُو الْحَقّ ; فَدِينه الْحَقّ وَعِبَادَته حَقّ . وَالْمُؤْمِنُونَ يَسْتَحِقُّونَ مِنْهُ النَّصْر بِحُكْمِ وَعْده الْحَقّ
أَيْ الْأَصْنَام الَّتِي لَا اِسْتِحْقَاق لَهَا فِي الْعِبَادَات . وَقَرَأَ نَافِع وَابْن كَثِير وَابْن عَامِر وَأَبُو بَكْر " وَأَنَّ مَا تَدْعُونَ " بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَاب , وَاخْتَارَهُ أَبُو حَاتِم . الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَر هُنَا وَفِي لُقْمَان , وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد .
أَيْ الْعَالِي عَلَى كُلّ شَيْء بِقُدْرَتِهِ , وَالْعَالِي عَنْ الْأَشْبَاه وَالْأَنْدَاد , الْمُقَدَّس عَمَّا يَقُول الظَّالِمُونَ مِنْ الصِّفَات الَّتِي لَا تَلِيق بِجَلَالِهِ .
أَيْ الْمَوْصُوف بِالْعَظَمَةِ وَالْجَلَال وَكِبَر الشَّأْن . وَقِيلَ : الْكَبِير ذُو الْكِبْرِيَاء . وَالْكِبْرِيَاء عِبَارَة عَنْ كَمَال الذَّات ; أَيْ لَهُ الْوُجُود الْمُطْلَق أَبَدًا وَأَزَلًا , فَهُوَ الْأَوَّل الْقَدِيم , وَالْآخِر الْبَاقِي بَعْد فِنَاء خَلْقه .
أَيْ الْأَصْنَام الَّتِي لَا اِسْتِحْقَاق لَهَا فِي الْعِبَادَات . وَقَرَأَ نَافِع وَابْن كَثِير وَابْن عَامِر وَأَبُو بَكْر " وَأَنَّ مَا تَدْعُونَ " بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَاب , وَاخْتَارَهُ أَبُو حَاتِم . الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَر هُنَا وَفِي لُقْمَان , وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْد .
أَيْ الْعَالِي عَلَى كُلّ شَيْء بِقُدْرَتِهِ , وَالْعَالِي عَنْ الْأَشْبَاه وَالْأَنْدَاد , الْمُقَدَّس عَمَّا يَقُول الظَّالِمُونَ مِنْ الصِّفَات الَّتِي لَا تَلِيق بِجَلَالِهِ .
أَيْ الْمَوْصُوف بِالْعَظَمَةِ وَالْجَلَال وَكِبَر الشَّأْن . وَقِيلَ : الْكَبِير ذُو الْكِبْرِيَاء . وَالْكِبْرِيَاء عِبَارَة عَنْ كَمَال الذَّات ; أَيْ لَهُ الْوُجُود الْمُطْلَق أَبَدًا وَأَزَلًا , فَهُوَ الْأَوَّل الْقَدِيم , وَالْآخِر الْبَاقِي بَعْد فِنَاء خَلْقه .
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ↓
دَلِيل عَلَى كَمَال قُدْرَته ; أَيْ مَنْ قَدَرَ عَلَى هَذَا قَدَرَ عَلَى إِعَادَة الْحَيَاة بَعْد الْمَوْت ; كَمَا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اِهْتَزَّتْ وَرَبَتْ " [ فُصِّلَتْ : 39 ] . وَمِثْله كَثِير . " فَتُصْبِح " لَيْسَ بِجَوَابٍ فَيَكُون مَنْصُوبًا , وَإِنَّمَا هُوَ خَبَر عِنْد الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ . قَالَ الْخَلِيل : الْمَعْنَى اِنْتَبِهْ ! أَنْزَلَ اللَّه مِنْ السَّمَاء مَاء فَكَانَ كَذَا وَكَذَا ; كَمَا قَالَ : أَلَمْ تَسْأَل الرَّبْع الْقَوَاء فَيَنْطِق وَهَلْ تُخْبِرَنْكَ الْيَوْم بَيْدَاء سَمْلَق مَعْنَاهُ قَدْ سَأَلْته فَنَطَقَ . وَقِيلَ اِسْتِفْهَام تَحْقِيق ; أَيْ قَدْ رَأَيْت , فَتَأَمَّلْ كَيْفَ تُصْبِح ! أَوْ عَطْف لِأَنَّ الْمَعْنَى أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّه يُنَزِّل . وَقَالَ الْفَرَّاء : " أَلَمْ تَرَ " خَبَر ; كَمَا تَقُول فِي الْكَلَام : اِعْلَمْ أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يُنَزِّل مِنْ السَّمَاء مَاء . " فَتُصْبِح الْأَرْض مُخْضَرَّة " أَيْ ذَات خُضْرَة ; كَمَا تَقُول : مُبْقِلَة وَمُسْبِعَة ; أَيْ ذَات بَقْل وَسِبَاع . وَهُوَ عِبَارَة عَنْ اِسْتِعْجَالهَا إِثْر نُزُول الْمَاء بِالنَّبَاتِ وَاسْتِمْرَارهَا كَذَلِكَ عَادَة . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَة أَنَّهُ قَالَ : هَذَا لَا يَكُون إِلَّا بِمَكَّةَ وَتِهَامَة . وَمَعْنَى هَذَا : أَنَّهُ أَخَذَ قَوْله " فَتُصْبِح " مَقْصُودًا بِهِ صَبَاح لَيْلَة الْمَطَر وَذَهَبَ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ الِاخْضِرَار يَتَأَخَّر فِي سَائِر الْبِلَاد , وَقَدْ شَاهَدْت هَذَا [ فِي ] السُّوس الْأَقْصَى نَزَلَ الْمَطَر لَيْلًا بَعْد قَحْط أَصْبَحَتْ تِلْكَ الْأَرْض الرَّمِلَة الَّتِي نَسَفَتْهَا الرِّيَاح قَدْ اِخْضَرَّتْ بِنَبَاتٍ ضَعِيف رَقِيق .
قَالَ اِبْن عَبَّاس : ( " خَبِير " بِمَا يَنْطَوِي عَلَيْهِ الْعَبْد مِنْ الْقُنُوط عِنْد تَأْخِير الْمَطَر . " لَطِيف " بِأَرْزَاقِ عِبَاده ) . وَقِيلَ : لَطِيف بِاسْتِخْرَاجِ النَّبَات مِنْ الْأَرْض , خَبِير بِحَاجَتِهِمْ وَفَاقَتهمْ .
قَالَ اِبْن عَبَّاس : ( " خَبِير " بِمَا يَنْطَوِي عَلَيْهِ الْعَبْد مِنْ الْقُنُوط عِنْد تَأْخِير الْمَطَر . " لَطِيف " بِأَرْزَاقِ عِبَاده ) . وَقِيلَ : لَطِيف بِاسْتِخْرَاجِ النَّبَات مِنْ الْأَرْض , خَبِير بِحَاجَتِهِمْ وَفَاقَتهمْ .
خَلْقًا وَمُلْكًا ; وَكُلّ مُحْتَاج إِلَى تَدْبِيره وَإِتْقَانه .
فَلَا يَحْتَاج إِلَى شَيْء , وَهُوَ الْمَحْمُود فِي كُلّ حَال .
فَلَا يَحْتَاج إِلَى شَيْء , وَهُوَ الْمَحْمُود فِي كُلّ حَال .
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ↓
ذَكَرَ نِعْمَة أُخْرَى , فَأَخْبَرَ أَنَّهُ سَخَّرَ لِعِبَادِهِ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْ الدَّوَابّ وَالشَّجَر وَالْأَنْهَار .
أَيْ وَسَخَّرَ لَكُمْ الْفُلْك فِي حَال جَرْيهَا . وَقَرَأَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن الْأَعْرَج " وَالْفُلْك " رَفْعًا عَلَى الِابْتِدَاء وَمَا بَعْده خَبَره . الْبَاقُونَ بِالنَّصْبِ نَسَقًا عَلَى قَوْله " مَا فِي الْأَرْض " .
أَيْ كَرَاهِيَة أَنْ تَقَع . وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ : لِئَلَّا تَقَع . وَإِمْسَاكه لَهَا خَلْق السُّكُون فِيهَا حَالًا بَعْد حَال .
أَيْ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّه لَهَا بِالْوُقُوعِ , فَتَقَع بِإِذْنِهِ , أَيْ بِإِرَادَتِهِ وَبِحِيلَتِهِ .
أَيْ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي سَخَّرَهَا لَهُمْ .
أَيْ وَسَخَّرَ لَكُمْ الْفُلْك فِي حَال جَرْيهَا . وَقَرَأَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن الْأَعْرَج " وَالْفُلْك " رَفْعًا عَلَى الِابْتِدَاء وَمَا بَعْده خَبَره . الْبَاقُونَ بِالنَّصْبِ نَسَقًا عَلَى قَوْله " مَا فِي الْأَرْض " .
أَيْ كَرَاهِيَة أَنْ تَقَع . وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ : لِئَلَّا تَقَع . وَإِمْسَاكه لَهَا خَلْق السُّكُون فِيهَا حَالًا بَعْد حَال .
أَيْ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّه لَهَا بِالْوُقُوعِ , فَتَقَع بِإِذْنِهِ , أَيْ بِإِرَادَتِهِ وَبِحِيلَتِهِ .
أَيْ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي سَخَّرَهَا لَهُمْ .
أَيْ بَعْد أَنْ كُنْتُمْ نُطَفًا .
عِنْد اِنْقِضَاء آجَالكُمْ .
أَيْ لِلْحِسَابِ وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب .
أَيْ لَجَحُود لِمَا ظَهَرَ مِنْ الْآيَات الدَّالَّة عَلَى قُدْرَته وَوَحْدَانِيّته . قَالَ اِبْن عَبَّاس : يُرِيد الْأَسْوَد بْن عَبْد الْأَسَد وَأَبَا جَهْل بْن هِشَام وَالْعَاص بْن هِشَام وَجَمَاعَة مِنْ الْمُشْرِكِينَ . وَقِيلَ : إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْغَالِب عَلَى الْإِنْسَان كُفْر النِّعَم ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : " وَقَلِيل مِنْ عِبَادِي الشَّكُور " [ سَبَأ : 13 ] .
عِنْد اِنْقِضَاء آجَالكُمْ .
أَيْ لِلْحِسَابِ وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب .
أَيْ لَجَحُود لِمَا ظَهَرَ مِنْ الْآيَات الدَّالَّة عَلَى قُدْرَته وَوَحْدَانِيّته . قَالَ اِبْن عَبَّاس : يُرِيد الْأَسْوَد بْن عَبْد الْأَسَد وَأَبَا جَهْل بْن هِشَام وَالْعَاص بْن هِشَام وَجَمَاعَة مِنْ الْمُشْرِكِينَ . وَقِيلَ : إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْغَالِب عَلَى الْإِنْسَان كُفْر النِّعَم ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : " وَقَلِيل مِنْ عِبَادِي الشَّكُور " [ سَبَأ : 13 ] .
لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلا يُنَازِعُنَّكَ فِي الأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ ↓
أَيْ شَرْعًا .
أَيْ عَامِلُونَ بِهِ .
أَيْ لَا يُنَازِعَنَّكَ أَحَد مِنْهُمْ فِيمَا يُشْرَع لِأُمَّتِك ; فَقَدْ كَانَتْ الشَّرَائِع فِي كُلّ عَصْر . وَرَوَتْ فِرْقَة أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ بِسَبَبِ جِدَال الْكُفَّار فِي أَمْر الذَّبَائِح , وَقَوْلهمْ لِلْمُؤْمِنِينَ : تَأْكُلُونَ مَا ذَبَحْتُمْ وَلَا تَأْكُلُونَ مَا ذَبَحَ اللَّه مِنْ الْمَيْتَة , فَكَانَ مَا قَتَلَ اللَّه أَحَقّ أَنْ تَأْكُلُوهُ مِمَّا قَتَلْتُمْ أَنْتُمْ بِسَكَاكِينِكُمْ ; فَنَزَلَتْ الْآيَة بِسَبَبِ هَذِهِ الْمُنَازَعَة . وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي " الْأَنْعَام " وَالْحَمْد لِلَّهِ . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي هَذِهِ السُّورَة مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي قَوْله تَعَالَى " مَنْسَكًا " [ الْحَجّ : 34 ] . وَقَوْله : " هُمْ نَاسِكُوهُ " يُعْطِي أَنَّ الْمَنْسَك الْمَصْدَر , وَلَوْ كَانَ الْمَوْضِع لَقَالَ هُمْ نَاسِكُونَ فِيهِ . وَقَالَ الزَّجَّاج : " فَلَا يُنَازِعُنَّك فِي الْأَمْر " أَيْ فَلَا يُجَادِلُنَّك ; وَدَلَّ عَلَى هَذَا " وَإِنْ جَادَلُوك " . وَيُقَال : قَدْ نَازَعُوهُ فَكَيْفَ قَالَ فَلَا يُنَازِعُنَّك ; فَالْجَوَاب أَنَّ الْمَعْنَى فَلَا تُنَازِعهُمْ أَنْتَ . نَزَلَتْ الْآيَة قَبْل الْأَمْر بِالْقِتَالِ ; تَقُول : لَا يُضَارِبَنَّكَ فُلَان فَلَا تُضَارِبهُ أَنْتَ ; فَيَجْرِي هَذَا فِي بَاب الْمُفَاعَلَة . وَلَا يُقَال : لَا يَضْرِبَنَّك زَيْد وَأَنْتَ تُرِيد لَا تَضْرِب زَيْدًا . وَقَرَأَ أَبُو مِجْلَز " فَلَا يَنْزِعُنَّك فِي الْأَمْر " أَيْ لَا يَسْتَخْلِفُنَّك وَلَا يَغْلِبُنَّك عَنْ دِينك . وَقِرَاءَة الْجَمَاعَة مِنْ الْمُنَازَعَة . وَلَفْظ النَّهْي فِي الْقِرَاءَتَيْنِ لِلْكُفَّارِ , وَالْمُرَاد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
أَيْ إِلَى تَوْحِيده وَدِينه وَالْإِيمَان بِهِ .
أَيْ دِين .
أَيْ قَوِيم لَا اِعْوِجَاج فِيهِ .
أَيْ عَامِلُونَ بِهِ .
أَيْ لَا يُنَازِعَنَّكَ أَحَد مِنْهُمْ فِيمَا يُشْرَع لِأُمَّتِك ; فَقَدْ كَانَتْ الشَّرَائِع فِي كُلّ عَصْر . وَرَوَتْ فِرْقَة أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ بِسَبَبِ جِدَال الْكُفَّار فِي أَمْر الذَّبَائِح , وَقَوْلهمْ لِلْمُؤْمِنِينَ : تَأْكُلُونَ مَا ذَبَحْتُمْ وَلَا تَأْكُلُونَ مَا ذَبَحَ اللَّه مِنْ الْمَيْتَة , فَكَانَ مَا قَتَلَ اللَّه أَحَقّ أَنْ تَأْكُلُوهُ مِمَّا قَتَلْتُمْ أَنْتُمْ بِسَكَاكِينِكُمْ ; فَنَزَلَتْ الْآيَة بِسَبَبِ هَذِهِ الْمُنَازَعَة . وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي " الْأَنْعَام " وَالْحَمْد لِلَّهِ . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي هَذِهِ السُّورَة مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي قَوْله تَعَالَى " مَنْسَكًا " [ الْحَجّ : 34 ] . وَقَوْله : " هُمْ نَاسِكُوهُ " يُعْطِي أَنَّ الْمَنْسَك الْمَصْدَر , وَلَوْ كَانَ الْمَوْضِع لَقَالَ هُمْ نَاسِكُونَ فِيهِ . وَقَالَ الزَّجَّاج : " فَلَا يُنَازِعُنَّك فِي الْأَمْر " أَيْ فَلَا يُجَادِلُنَّك ; وَدَلَّ عَلَى هَذَا " وَإِنْ جَادَلُوك " . وَيُقَال : قَدْ نَازَعُوهُ فَكَيْفَ قَالَ فَلَا يُنَازِعُنَّك ; فَالْجَوَاب أَنَّ الْمَعْنَى فَلَا تُنَازِعهُمْ أَنْتَ . نَزَلَتْ الْآيَة قَبْل الْأَمْر بِالْقِتَالِ ; تَقُول : لَا يُضَارِبَنَّكَ فُلَان فَلَا تُضَارِبهُ أَنْتَ ; فَيَجْرِي هَذَا فِي بَاب الْمُفَاعَلَة . وَلَا يُقَال : لَا يَضْرِبَنَّك زَيْد وَأَنْتَ تُرِيد لَا تَضْرِب زَيْدًا . وَقَرَأَ أَبُو مِجْلَز " فَلَا يَنْزِعُنَّك فِي الْأَمْر " أَيْ لَا يَسْتَخْلِفُنَّك وَلَا يَغْلِبُنَّك عَنْ دِينك . وَقِرَاءَة الْجَمَاعَة مِنْ الْمُنَازَعَة . وَلَفْظ النَّهْي فِي الْقِرَاءَتَيْنِ لِلْكُفَّارِ , وَالْمُرَاد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
أَيْ إِلَى تَوْحِيده وَدِينه وَالْإِيمَان بِهِ .
أَيْ دِين .
أَيْ قَوِيم لَا اِعْوِجَاج فِيهِ .
أَيْ خَاصَمُوك يَا مُحَمَّد ; يُرِيد مُشْرِكِي مَكَّة .
يُرِيد مِنْ تَكْذِيبهمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ مُقَاتِل : ( هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَة الْإِسْرَاء وَهُوَ فِي السَّمَاء السَّابِعَة لَمَّا رَأَى مِنْ آيَات رَبّه الْكُبْرَى ; فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ ) " وَإِنْ جَادَلُوك " بِالْبَاطِلِ فَدَافِعْهُمْ بِقَوْلِك " اللَّه أَعْلَم بِمَا تَعْمَلُونَ " مِنْ الْكُفْر وَالتَّكْذِيب ; فَأَمَرَهُ اللَّه تَعَالَى بِالْإِعْرَاضِ عَنْ مُمَارَاتهمْ صِيَانَة لَهُ عَنْ الِاشْتِغَال بِتَعَنُّتِهِمْ ; وَلَا جَوَاب لِصَاحِبِ الْعِنَاد .
يُرِيد مِنْ تَكْذِيبهمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ مُقَاتِل : ( هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَة الْإِسْرَاء وَهُوَ فِي السَّمَاء السَّابِعَة لَمَّا رَأَى مِنْ آيَات رَبّه الْكُبْرَى ; فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ ) " وَإِنْ جَادَلُوك " بِالْبَاطِلِ فَدَافِعْهُمْ بِقَوْلِك " اللَّه أَعْلَم بِمَا تَعْمَلُونَ " مِنْ الْكُفْر وَالتَّكْذِيب ; فَأَمَرَهُ اللَّه تَعَالَى بِالْإِعْرَاضِ عَنْ مُمَارَاتهمْ صِيَانَة لَهُ عَنْ الِاشْتِغَال بِتَعَنُّتِهِمْ ; وَلَا جَوَاب لِصَاحِبِ الْعِنَاد .
يُرِيد بَيْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْمه .
يُرِيد فِي خِلَافكُمْ آيَاتِي , فَتَعْرِفُونَ حِينَئِذٍ الْحَقّ مِنْ الْبَاطِل . مَسْأَلَة : فِي هَذِهِ الْآيَة أَدَب حَسَن عَلَّمَهُ اللَّه عِبَاده فِي الرَّدّ عَلَى مَنْ جَادَلَ تَعَنُّتًا وَمِرَاء أَلَّا يُجَاب وَلَا يُنَاظَر وَيُدْفَع بِهَذَا الْقَوْل الَّذِي عَلَّمَهُ اللَّه لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَة مَنْسُوخَة بِالسَّيْفِ ; يَعْنِي السُّكُوت عَنْ مُخَالِفه وَالِاكْتِفَاء بِقَوْلِهِ : " اللَّه يَحْكُم بَيْنكُمْ " .
يُرِيد فِي خِلَافكُمْ آيَاتِي , فَتَعْرِفُونَ حِينَئِذٍ الْحَقّ مِنْ الْبَاطِل . مَسْأَلَة : فِي هَذِهِ الْآيَة أَدَب حَسَن عَلَّمَهُ اللَّه عِبَاده فِي الرَّدّ عَلَى مَنْ جَادَلَ تَعَنُّتًا وَمِرَاء أَلَّا يُجَاب وَلَا يُنَاظَر وَيُدْفَع بِهَذَا الْقَوْل الَّذِي عَلَّمَهُ اللَّه لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَة مَنْسُوخَة بِالسَّيْفِ ; يَعْنِي السُّكُوت عَنْ مُخَالِفه وَالِاكْتِفَاء بِقَوْلِهِ : " اللَّه يَحْكُم بَيْنكُمْ " .
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ↓
أَيْ وَإِذْ قَدْ عَلِمْت يَا مُحَمَّد هَذَا وَأَيْقَنْت فَاعْلَمْ أَنَّهُ يَعْلَم أَيْضًا مَا أَنْتُمْ مُخْتَلِفُونَ فِيهِ فَهُوَ يَحْكُم بَيْنكُمْ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّهُ اِسْتِفْهَام تَقْرِير لِلْغَيْرِ .
أَيْ كُلّ مَا يَجْرِي فِي الْعَالَم فَهُوَ مَكْتُوب عِنْد اللَّه فِي أُمّ الْكِتَاب .
أَيْ إِنَّ الْفَصْل بَيْن الْمُخْتَلِفِينَ عَلَى اللَّه يَسِير . وَقِيلَ : الْمَعْنَى إِنَّ كِتَاب الْقَلَم الَّذِي أَمَرَهُ أَنْ يَكْتُب مَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة عَلَى اللَّه يَسِير .
أَيْ كُلّ مَا يَجْرِي فِي الْعَالَم فَهُوَ مَكْتُوب عِنْد اللَّه فِي أُمّ الْكِتَاب .
أَيْ إِنَّ الْفَصْل بَيْن الْمُخْتَلِفِينَ عَلَى اللَّه يَسِير . وَقِيلَ : الْمَعْنَى إِنَّ كِتَاب الْقَلَم الَّذِي أَمَرَهُ أَنْ يَكْتُب مَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة عَلَى اللَّه يَسِير .
وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُم بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ ↓
وَيَعْبُدُونَ " يُرِيد كُفَّار قُرَيْش .
حُجَّة وَبَيَانًا , وَعُذْرًا وَبُرْهَانًا , وَمِنْ هَذَا قِيلَ لِلْوَالِي سُلْطَان , لِأَنَّهُ حُجَّة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي الْأَرْض . وَيُقَال : إِنَّهُ مَأْخُوذ مِنْ السَّلِيط وَهُوَ مَا يُضَاء بِهِ السِّرَاج , وَهُوَ دُهْن السِّمْسِم , قَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس : أَمَالَ السَّلِيط بِالذُّبَالِ الْمُفَتَّل فَالسُّلْطَان يُسْتَضَاء بِهِ فِي إِظْهَار الْحَقّ وَقَمْع الْبَاطِل . وَقِيلَ السَّلِيط الْحَدِيد . وَالسَّلَاطَة الْحِدَة . وَالسَّلَاطَة مِنْ التَّسْلِيط وَهُوَ الْقَهْر , وَالسُّلْطَان مِنْ ذَلِكَ , فَالنُّون زَائِدَة . فَأَصْل السُّلْطَان الْقُوَّة , فَإِنَّهُ يُقْهَر بِهَا كَمَا يُقْهَر بِالسُّلْطَانِ . وَالسَّلِيطَة الْمَرْأَة الصَّخَّابَة . وَالسَّلِيط الرَّجُل الْفَصِيح اللِّسَان . وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ لَمْ تَثْبُت عِبَادَة الْأَوْثَان فِي شَيْء مِنْ الْمِلَل . وَلَمْ يَدُلّ عَقْل عَلَى جَوَاز ذَلِكَ .
حُجَّة وَبَيَانًا , وَعُذْرًا وَبُرْهَانًا , وَمِنْ هَذَا قِيلَ لِلْوَالِي سُلْطَان , لِأَنَّهُ حُجَّة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي الْأَرْض . وَيُقَال : إِنَّهُ مَأْخُوذ مِنْ السَّلِيط وَهُوَ مَا يُضَاء بِهِ السِّرَاج , وَهُوَ دُهْن السِّمْسِم , قَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس : أَمَالَ السَّلِيط بِالذُّبَالِ الْمُفَتَّل فَالسُّلْطَان يُسْتَضَاء بِهِ فِي إِظْهَار الْحَقّ وَقَمْع الْبَاطِل . وَقِيلَ السَّلِيط الْحَدِيد . وَالسَّلَاطَة الْحِدَة . وَالسَّلَاطَة مِنْ التَّسْلِيط وَهُوَ الْقَهْر , وَالسُّلْطَان مِنْ ذَلِكَ , فَالنُّون زَائِدَة . فَأَصْل السُّلْطَان الْقُوَّة , فَإِنَّهُ يُقْهَر بِهَا كَمَا يُقْهَر بِالسُّلْطَانِ . وَالسَّلِيطَة الْمَرْأَة الصَّخَّابَة . وَالسَّلِيط الرَّجُل الْفَصِيح اللِّسَان . وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ لَمْ تَثْبُت عِبَادَة الْأَوْثَان فِي شَيْء مِنْ الْمِلَل . وَلَمْ يَدُلّ عَقْل عَلَى جَوَاز ذَلِكَ .
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ↓
يَعْنِي الْقُرْآن .
أَيْ الْغَضَب وَالْعُبُوس .
أَيْ يَبْطِشُونَ . وَالسَّطْوَة شِدَّة الْبَطْش ; يُقَال : سَطَا بِهِ يَسْطُو إِذَا بَطَشَ بِهِ ; كَانَ ذَلِكَ بِضَرْبٍ أَوْ بِشَتْمٍ , وَسَطَا عَلَيْهِ .
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : ( يَسْطُونَ يَبْسُطُونَ إِلَيْهِمْ أَيْدِيهمْ ) . مُحَمَّد بْن كَعْب : أَيْ يَقَعُونَ بِهِمْ . الضَّحَّاك : أَيْ يَأْخُذُونَهُمْ أَخْذًا بِالْيَدِ , وَالْمَعْنَى وَاحِد . وَأَصْل السَّطْو الْقَهْر . وَاَللَّه ذُو سَطَوَات ; أَيْ أَخَذَات شَدِيدَة .
أَيْ أَكْرَه مِنْ هَذَا الْقُرْآن الَّذِي تَسْمَعُونَ هُوَ النَّار . فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا : مَا الَّذِي هُوَ شَرّ ; فَقِيلَ هُوَ النَّار . وَقِيلَ : أَيْ هَلْ أُنَبِّئكُمْ بِشَرٍّ مِمَّا يَلْحَق تَالِي الْقُرْآن مِنْكُمْ هُوَ النَّار ; فَيَكُون هَذَا وَعِيدًا لَهُمْ عَلَى سَطَوَاتهمْ بِاَلَّذِينَ يَتْلُونَ الْقُرْآن . وَيَجُوز فِي " النَّار " الرَّفْع وَالنَّصْب وَالْخَفْض ; فَالرَّفْع عَلَى هُوَ النَّار , أَوْ هِيَ النَّار . وَالنَّصْب بِمَعْنَى أَعْنِي , أَوْ عَلَى إِضْمَار فِعْل مِثْل الثَّانِي , أَوْ يَكُون مَحْمُولًا عَلَى الْمَعْنَى ; أَيْ أُعَرِّفكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمْ النَّار . وَالْخَفْض عَلَى الْبَدَل .
فِي الْقِيَامَة .
أَيْ الْمَوْضِع الَّذِي يَصِيرُونَ إِلَيْهِ وَهُوَ النَّار .
أَيْ الْغَضَب وَالْعُبُوس .
أَيْ يَبْطِشُونَ . وَالسَّطْوَة شِدَّة الْبَطْش ; يُقَال : سَطَا بِهِ يَسْطُو إِذَا بَطَشَ بِهِ ; كَانَ ذَلِكَ بِضَرْبٍ أَوْ بِشَتْمٍ , وَسَطَا عَلَيْهِ .
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : ( يَسْطُونَ يَبْسُطُونَ إِلَيْهِمْ أَيْدِيهمْ ) . مُحَمَّد بْن كَعْب : أَيْ يَقَعُونَ بِهِمْ . الضَّحَّاك : أَيْ يَأْخُذُونَهُمْ أَخْذًا بِالْيَدِ , وَالْمَعْنَى وَاحِد . وَأَصْل السَّطْو الْقَهْر . وَاَللَّه ذُو سَطَوَات ; أَيْ أَخَذَات شَدِيدَة .
أَيْ أَكْرَه مِنْ هَذَا الْقُرْآن الَّذِي تَسْمَعُونَ هُوَ النَّار . فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا : مَا الَّذِي هُوَ شَرّ ; فَقِيلَ هُوَ النَّار . وَقِيلَ : أَيْ هَلْ أُنَبِّئكُمْ بِشَرٍّ مِمَّا يَلْحَق تَالِي الْقُرْآن مِنْكُمْ هُوَ النَّار ; فَيَكُون هَذَا وَعِيدًا لَهُمْ عَلَى سَطَوَاتهمْ بِاَلَّذِينَ يَتْلُونَ الْقُرْآن . وَيَجُوز فِي " النَّار " الرَّفْع وَالنَّصْب وَالْخَفْض ; فَالرَّفْع عَلَى هُوَ النَّار , أَوْ هِيَ النَّار . وَالنَّصْب بِمَعْنَى أَعْنِي , أَوْ عَلَى إِضْمَار فِعْل مِثْل الثَّانِي , أَوْ يَكُون مَحْمُولًا عَلَى الْمَعْنَى ; أَيْ أُعَرِّفكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمْ النَّار . وَالْخَفْض عَلَى الْبَدَل .
فِي الْقِيَامَة .
أَيْ الْمَوْضِع الَّذِي يَصِيرُونَ إِلَيْهِ وَهُوَ النَّار .
يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ↓
هَذَا مُتَّصِل بِقَوْلِهِ : " وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه مَا لَمْ يُنَزِّل بِهِ سُلْطَانًا " . وَإِنَّمَا قَالَ " ضُرِبَ مَثَل " لِأَنَّ حُجَج اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِمْ بِضَرْبِ الْأَمْثَال أَقْرَب إِلَى أَفْهَامهمْ . فَإِنْ قِيلَ : فَأَيْنَ الْمَثَل الْمَضْرُوب ; فَفِيهِ وَجْهَانِ : الْأَوَّل : قَالَ الْأَخْفَش : لَيْسَ ثَمَّ مَثَل , وَإِنَّمَا الْمَعْنَى ضَرَبُوا لِي مَثَلًا فَاسْتَمِعُوا قَوْلهمْ ; يَعْنِي أَنَّ الْكُفَّار جَعَلُوا لِلَّهِ مَثَلًا بِعِبَادَتِهِمْ غَيْره ; فَكَأَنَّهُ قَالَ جَعَلُوا لِي شَبِيهًا فِي عِبَادَتِي فَاسْتَمِعُوا خَبَر هَذَا الشَّبَه . الثَّانِي : قَوْل الْقُتَبِيّ : وَأَنَّ الْمَعْنَى يَأَيُّهَا النَّاس , مَثَل مَنْ عَبَدَ آلِهَة لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَخْلُق ذُبَابًا وَإِنْ سَلَبَهَا الذُّبَاب شَيْئًا لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَسْتَنْقِذهُ مِنْهُ . وَقَالَ النَّحَّاس : الْمَعْنَى ضَرَبَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مَا يُعْبَد مِنْ دُونه مَثَلًا , قَالَ : وَهَذَا مِنْ أَحْسَن مَا قِيلَ فِيهِ ; أَيْ بَيَّنَ اللَّه لَكُمْ شَبَهًا وَلِمَعْبُودِكُمْ .
قِرَاءَة الْعَامَّة " تَدْعُونَ " بِالتَّاءِ . وَقَرَأَ السُّلَمِيّ وَأَبُو الْعَالِيَة وَيَعْقُوب " يَدْعُونَ " بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَر . وَالْمُرَاد الْأَوْثَان الَّذِينَ عَبَدُوهُمْ مِنْ دُون اللَّه , وَكَانَتْ حَوْل الْكَعْبَة , وَهِيَ ثَلَثمِائَةِ وَسِتُّونَ صَنَمًا . وَقِيلَ : السَّادَة الَّذِينَ صَرَفُوهُمْ عَنْ طَاعَة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . وَقِيلَ : الشَّيَاطِين الَّذِينَ حَمَلُوهُمْ عَلَى مَعْصِيَة اللَّه تَعَالَى ; وَالْأَوَّل أَصْوَب .
الذُّبَاب اِسْم وَاحِد لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى , وَالْجَمْع الْقَلِيل أَذِبَّة وَالْكَثِير ذِبَّان ; عَلَى مِثْل غُرَاب وَأَغْرِبَة وَغِرْبَان ; وَسُمِّيَ بِهِ لِكَثْرَةِ حَرَكَته . الْجَوْهَرِيّ : وَالذُّبَاب مَعْرُوف الْوَاحِدَة ذُبَابَة , وَلَا تَقُلْ ذِبَّانَة . وَالْمِذَبَّة مَا يُذَبّ بِهِ الذُّبَاب . وَذُبَاب أَسْنَان الْإِبِل حَدّهَا . وَذُبَاب السَّيْف طَرَفه الَّذِي يُضْرَب بِهِ . وَذُبَاب الْعَيْن إِنْسَانهَا . وَالذُّبَابَة الْبَقِيَّة مِنْ الدِّين . وَذَبَب النَّهَار إِذَا لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلَّا بَقِيَّة . وَالتَّذَبْذُب التَّحَرُّك . وَالذَّبْذَبَة نَوْس الشَّيْء الْمُعَلَّق فِي الْهَوَاء . وَالذَّبْذَب الذَّكَر لِتَرَدُّدِهِ . وَفِي الْحَدِيث ( مَنْ وُقِيَ شَرّ ذَبْذَبه ) . وَهَذَا مِمَّا لَمْ يَذْكُرهُ - أَعْنِي - قَوْله : وَفِي الْحَدِيث .
الِاسْتِنْقَاذ وَالْإِنْقَاذ التَّخْلِيص . قَالَ اِبْن عَبَّاس : ( كَانُوا يَطْلُونَ أَصْنَامهمْ بِالزَّعْفَرَانِ فَتَجِفّ فَيَأْتِي فَيَخْتَلِسهُ ) . وَقَالَ السُّدِّيّ : كَانُوا يَجْعَلُونَ لِلْأَصْنَامِ طَعَامًا فَيَقَع عَلَيْهِ الذُّبَاب فَيَأْكُلهُ .
قِيلَ : الطَّالِب الْآلِهَة وَالْمَطْلُوب الذُّبَاب . وَقِيلَ بِالْعَكْسِ . وَقِيلَ : الطَّالِب عَابِد الصَّنَم وَالْمَطْلُوب الصَّنَم ; فَالطَّالِب يَطْلُب إِلَى هَذَا الصَّنَم بِالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ , وَالصَّنَم الْمَطْلُوب إِلَيْهِ . وَقَدْ قِيلَ : " وَإِنْ يَسْلُبهُمْ الذُّبَاب شَيْئًا " رَاجِع إِلَى أَلَمه فِي قَرْص أَبْدَانهمْ حَتَّى يَسْلُبهُمْ الصَّبْر لَهَا وَالْوَقَار مَعَهَا . وَخُصَّ الذُّبَاب لِأَرْبَعَةِ أُمُور تَخُصّهُ : لِمَهَانَتِهِ وَضَعْفه وَلِاسْتِقْذَارِهِ وَكَثْرَته ; فَإِذَا كَانَ هَذَا الَّذِي هُوَ أَضْعَف الْحَيَوَان وَأَحْقَره لَا يَقْدِر مَنْ عَبَدُوهُ مِنْ دُون اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى خَلْق مِثْله وَدَفْع أَذِيَّته فَكَيْفَ يَجُوز أَنْ يَكُونُوا آلِهَة مَعْبُودِينَ وَأَرْبَابًا مُطَاعِينَ . وَهَذَا مِنْ أَقْوَى حُجَّة وَأَوْضَح بُرْهَان .
قِرَاءَة الْعَامَّة " تَدْعُونَ " بِالتَّاءِ . وَقَرَأَ السُّلَمِيّ وَأَبُو الْعَالِيَة وَيَعْقُوب " يَدْعُونَ " بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَر . وَالْمُرَاد الْأَوْثَان الَّذِينَ عَبَدُوهُمْ مِنْ دُون اللَّه , وَكَانَتْ حَوْل الْكَعْبَة , وَهِيَ ثَلَثمِائَةِ وَسِتُّونَ صَنَمًا . وَقِيلَ : السَّادَة الَّذِينَ صَرَفُوهُمْ عَنْ طَاعَة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . وَقِيلَ : الشَّيَاطِين الَّذِينَ حَمَلُوهُمْ عَلَى مَعْصِيَة اللَّه تَعَالَى ; وَالْأَوَّل أَصْوَب .
الذُّبَاب اِسْم وَاحِد لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى , وَالْجَمْع الْقَلِيل أَذِبَّة وَالْكَثِير ذِبَّان ; عَلَى مِثْل غُرَاب وَأَغْرِبَة وَغِرْبَان ; وَسُمِّيَ بِهِ لِكَثْرَةِ حَرَكَته . الْجَوْهَرِيّ : وَالذُّبَاب مَعْرُوف الْوَاحِدَة ذُبَابَة , وَلَا تَقُلْ ذِبَّانَة . وَالْمِذَبَّة مَا يُذَبّ بِهِ الذُّبَاب . وَذُبَاب أَسْنَان الْإِبِل حَدّهَا . وَذُبَاب السَّيْف طَرَفه الَّذِي يُضْرَب بِهِ . وَذُبَاب الْعَيْن إِنْسَانهَا . وَالذُّبَابَة الْبَقِيَّة مِنْ الدِّين . وَذَبَب النَّهَار إِذَا لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلَّا بَقِيَّة . وَالتَّذَبْذُب التَّحَرُّك . وَالذَّبْذَبَة نَوْس الشَّيْء الْمُعَلَّق فِي الْهَوَاء . وَالذَّبْذَب الذَّكَر لِتَرَدُّدِهِ . وَفِي الْحَدِيث ( مَنْ وُقِيَ شَرّ ذَبْذَبه ) . وَهَذَا مِمَّا لَمْ يَذْكُرهُ - أَعْنِي - قَوْله : وَفِي الْحَدِيث .
الِاسْتِنْقَاذ وَالْإِنْقَاذ التَّخْلِيص . قَالَ اِبْن عَبَّاس : ( كَانُوا يَطْلُونَ أَصْنَامهمْ بِالزَّعْفَرَانِ فَتَجِفّ فَيَأْتِي فَيَخْتَلِسهُ ) . وَقَالَ السُّدِّيّ : كَانُوا يَجْعَلُونَ لِلْأَصْنَامِ طَعَامًا فَيَقَع عَلَيْهِ الذُّبَاب فَيَأْكُلهُ .
قِيلَ : الطَّالِب الْآلِهَة وَالْمَطْلُوب الذُّبَاب . وَقِيلَ بِالْعَكْسِ . وَقِيلَ : الطَّالِب عَابِد الصَّنَم وَالْمَطْلُوب الصَّنَم ; فَالطَّالِب يَطْلُب إِلَى هَذَا الصَّنَم بِالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ , وَالصَّنَم الْمَطْلُوب إِلَيْهِ . وَقَدْ قِيلَ : " وَإِنْ يَسْلُبهُمْ الذُّبَاب شَيْئًا " رَاجِع إِلَى أَلَمه فِي قَرْص أَبْدَانهمْ حَتَّى يَسْلُبهُمْ الصَّبْر لَهَا وَالْوَقَار مَعَهَا . وَخُصَّ الذُّبَاب لِأَرْبَعَةِ أُمُور تَخُصّهُ : لِمَهَانَتِهِ وَضَعْفه وَلِاسْتِقْذَارِهِ وَكَثْرَته ; فَإِذَا كَانَ هَذَا الَّذِي هُوَ أَضْعَف الْحَيَوَان وَأَحْقَره لَا يَقْدِر مَنْ عَبَدُوهُ مِنْ دُون اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى خَلْق مِثْله وَدَفْع أَذِيَّته فَكَيْفَ يَجُوز أَنْ يَكُونُوا آلِهَة مَعْبُودِينَ وَأَرْبَابًا مُطَاعِينَ . وَهَذَا مِنْ أَقْوَى حُجَّة وَأَوْضَح بُرْهَان .
أَيْ مَا عَظَّمُوهُ حَقّ عَظَمَته ; حَيْثُ جَعَلُوا هَذِهِ الْأَصْنَام شُرَكَاء لَهُ . وَقَدْ مَضَى فِي " الْأَنْعَام " .
أَيْ قَادِر . قَالَ الْخَطَّابِيّ : الْقَوِيّ يَكُون بِمَعْنَى الْقَادِر , وَمَنْ قَوِيَ عَلَى شَيْء فَقَدْ قَدَرَ عَلَيْهِ .
أَيْ جَلِيل شَرِيف , قَالَهُ الزَّجَّاج . وَقِيلَ الْمُمْتَنِع الَّذِي لَا يُرَام , وَقَدْ بَيَّنَّاهُمَا فِي الْكِتَاب الْأَسْنَى فِي شَرْح أَسْمَاء اللَّه الْحُسْنَى .
أَيْ قَادِر . قَالَ الْخَطَّابِيّ : الْقَوِيّ يَكُون بِمَعْنَى الْقَادِر , وَمَنْ قَوِيَ عَلَى شَيْء فَقَدْ قَدَرَ عَلَيْهِ .
أَيْ جَلِيل شَرِيف , قَالَهُ الزَّجَّاج . وَقِيلَ الْمُمْتَنِع الَّذِي لَا يُرَام , وَقَدْ بَيَّنَّاهُمَا فِي الْكِتَاب الْأَسْنَى فِي شَرْح أَسْمَاء اللَّه الْحُسْنَى .
خَتَمَ السُّورَة بِأَنَّ اللَّه اِصْطَفَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتَبْلِيغِ الرِّسَالَة ; أَيْ لَيْسَ بَعْثه مُحَمَّدًا أَمْرًا بِدْعِيًّا . وَقِيلَ : إِنَّ الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة قَالَ : أَوَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْر مِنْ بَيْننَا ; فَنَزَلَتْ الْآيَة . وَأَخْبَرَ أَنَّ الِاخْتِيَار إِلَيْهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى .
لِأَقْوَالِ عِبَاده
بِمَنْ يَخْتَارهُ مِنْ خَلْقه لِرِسَالَتِهِ .
لِأَقْوَالِ عِبَاده
بِمَنْ يَخْتَارهُ مِنْ خَلْقه لِرِسَالَتِهِ .
يُرِيد مَا قَدَّمُوا .
يُرِيد مَا خَلَّفُوا ; مِثْل قَوْله فِي يس : " إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُب مَا قَدَّمُوا " [ يس : 12 ] يُرِيد مَا بَيْن أَيْدِيهمْ " وَأَثَارَهُمْ " يُرِيد مَا خَلَّفُوا .
يُرِيد مَا خَلَّفُوا ; مِثْل قَوْله فِي يس : " إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُب مَا قَدَّمُوا " [ يس : 12 ] يُرِيد مَا بَيْن أَيْدِيهمْ " وَأَثَارَهُمْ " يُرِيد مَا خَلَّفُوا .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ↓
تَقَدَّمَ فِي أَوَّل السُّورَة أَنَّهَا فُضِّلَتْ بِسَجْدَتَيْنِ ; وَهَذِهِ السَّجْدَة الثَّانِيَة لَمْ يَرَهَا مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة مِنْ الْعَزَائِم ; لِأَنَّهُ قَرَنَ الرُّكُوع بِالسُّجُودِ , وَأَنَّ الْمُرَاد بِهَا الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة ; وَخَصَّ الرُّكُوع وَالسُّجُود تَشْرِيفًا لِلصَّلَاةِ . وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود مُبَيَّنًا فِي " الْبَقَرَة " وَالْحَمْد لِلَّهِ وَحْده .
أَيْ اِمْتَثِلُوا أَمْره .
نُدِبَ فِيمَا عَدَا الْوَاجِبَات الَّتِي صَحَّ وُجُوبهَا مِنْ غَيْر هَذَا الْمَوْضِع .
أَيْ اِمْتَثِلُوا أَمْره .
نُدِبَ فِيمَا عَدَا الْوَاجِبَات الَّتِي صَحَّ وُجُوبهَا مِنْ غَيْر هَذَا الْمَوْضِع .
وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ↓
قِيلَ : عَنَى بِهِ جِهَاد الْكُفَّار . وَقِيلَ : هُوَ إِشَارَة إِلَى اِمْتِثَال جَمِيع مَا أَمَرَ اللَّه بِهِ , وَالِانْتِهَاء عَنْ كُلّ مَا نَهَى اللَّه عَنْهُ ; أَيْ جَاهِدُوا أَنْفُسكُمْ فِي طَاعَة اللَّه وَرُدُّوهَا عَنْ الْهَوَى , وَجَاهِدُوا الشَّيْطَان فِي رَدّ وَسْوَسَته , وَالظَّلَمَة فِي رَدّ ظُلْمهمْ , وَالْكَافِرِينَ فِي رَدّ كُفْرهمْ . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَقَالَ مُقَاتِل وَهَذِهِ الْآيَة مَنْسُوخَة بِقَوْلِهِ تَعَالَى : " فَاتَّقُوا اللَّه مَا اِسْتَطَعْتُمْ " [ التَّغَابُن : 16 ] . وَكَذَا قَالَ هِبَة اللَّه : إِنَّ قَوْله " حَقّ جِهَاده " وَقَوْله فِي الْآيَة الْأُخْرَى . " حَقّ تُقَاته " [ آل عِمْرَان : 102 ] مَنْسُوخ بِالتَّخْفِيفِ إِلَى الِاسْتِطَاعَة فِي هَذِهِ الْأَوَامِر . وَلَا حَاجَة إِلَى تَقْدِير النَّسْخ ; فَإِنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَاد مِنْ أَوَّل الْحُكْم ; لِأَنَّ " حَقّ جِهَاده " مَا اِرْتَفَعَ عَنْهُ الْحَرَج . وَقَدْ رَوَى سَعِيد بْن الْمُسَيِّب قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( خَيْر دِينكُمْ أَيْسَره ) . وَقَالَ أَبُو جَعْفَر النَّحَّاس . وَهَذَا مِمَّا لَا يَجُوز أَنْ يَقَع فِيهِ نَسْخ ; لِأَنَّهُ وَاجِب عَلَى الْإِنْسَان , كَمَا رَوَى حَيْوَة بْن شُرَيْح يَرْفَعهُ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الْمُجَاهِد مَنْ جَاهَدَ نَفْسه لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ) . وَكَمَا رَوَى أَبُو غَالِب عَنْ أَبِي أُمَامَة أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيّ الْجِهَاد أَفْضَل ؟ عِنْد الْجَمْرَة الْأُولَى فَلَمْ يُجِبْهُ , ثُمَّ سَأَلَهُ عِنْد الْجَمْرَة الثَّانِيَة فَلَمْ يُجِبْهُ , ثُمَّ سَأَلَهُ عِنْد جَمْرَة الْعَقَبَة ; فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَيْنَ السَّائِل ) ؟ فَقَالَ : أَنَا ذَا ; فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام : ( كَلِمَة عَدْل عِنْد سُلْطَان جَائِر ) .
أَيْ اِخْتَارَكُمْ لِلذَّبِّ عَنْ دِينه وَالْتِزَام أَمْره ; وَهَذَا تَأْكِيد لِلْأَمْرِ بِالْمُجَاهَدَةِ ; أَيْ وَجَبَ عَلَيْكُمْ أَنْ تُجَاهِدُوا لِأَنَّ اللَّه اِخْتَارَكُمْ لَهُ .
فِيهِ ثَلَاث مَسَائِل :
الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى : " مِنْ حَرَج " أَيْ مِنْ ضِيق . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " الْأَنْعَام " . وَهَذِهِ الْآيَة تَدْخُل فِي كَثِير مِنْ الْأَحْكَام ; وَهِيَ مِمَّا خَصَّ اللَّه بِهَا هَذِهِ الْأُمَّة . رَوَى مَعْمَر عَنْ قَتَادَة قَالَ : أُعْطِيَتْ هَذِهِ الْأُمَّة ثَلَاثًا لَمْ يُعْطَهَا إِلَّا نَبِيّ : كَانَ يُقَال لِلنَّبِيِّ اِذْهَبْ فَلَا حَرَج عَلَيْك , وَقِيلَ لِهَذِهِ الْأُمَّة : " وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّين مِنْ حَرَج " . وَالنَّبِيّ شَهِيد عَلَى أُمَّته , وَقِيلَ لِهَذِهِ الْأُمَّة : " لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس " . وَيُقَال لِلنَّبِيِّ : سَلْ تُعْطَهُ , وَقِيلَ لِهَذِهِ الْأُمَّة : " اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ " .
الثَّانِيَة : وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي هَذَا الْحَرَج الَّذِي رَفَعَهُ اللَّه تَعَالَى ; فَقَالَ عِكْرِمَة : هُوَ مَا أَحَلَّ مِنْ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلَاث وَرُبَاع , وَمَا مَلَكَتْ يَمِينك . وَقِيلَ : الْمُرَاد قَصْر الصَّلَاة , وَالْإِفْطَار لِلْمُسَافِرِ , وَصَلَاة الْإِيمَاء لِمَنْ لَا يَقْدِر عَلَى غَيْره , وَحَطّ الْجِهَاد عَنْ الْأَعْمَى وَالْأَعْرَج وَالْمَرِيض وَالْعَدِيم الَّذِي لَا يَجِد مَا يُنْفِق فِي غَزْوه , وَالْغَرِيم وَمَنْ لَهُ وَالِدَانِ , وَحَطّ الْإِصْر الَّذِي كَانَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل . وَقَدْ مَضَى تَفْصِيل أَكْثَر هَذِهِ الْأَشْيَاء . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ ( أَنَّ هَذَا فِي تَقْدِيم الْأَهِلَّة وَتَأْخِيرهَا فِي الْفِطْر وَالْأَضْحَى وَالصَّوْم ; فَإِذَا أَخْطَأَتْ الْجَمَاعَة هِلَال ذِي الْحِجَّة فَوَقَفُوا قَبْل يَوْم عَرَفَة بِيَوْمٍ أَوْ وَقَفُوا يَوْم النَّحْر أَجْزَأَهُمْ ) , عَلَى خِلَاف فِيهِ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَاب الْمُقْتَبَس فِي شَرْح مُوَطَّأ مَالِك بْن أَنَس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . وَمَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ الصَّحِيح فِي الْبَاب . وَكَذَلِكَ الْفِطْر وَالْأَضْحَى ; لِمَا رَوَاهُ حَمَّاد بْن زَيْد عَنْ أَيُّوب عَنْ مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فِطْركُمْ يَوْم تُفْطِرُونَ وَأَضْحَاكُمْ يَوْم تُضَحُّونَ ) . خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ , وَلَفْظه مَا ذَكَرْنَاهُ . وَالْمَعْنَى : بِاجْتِهَادِكُمْ مِنْ غَيْر حَرَج يَلْحَقكُمْ . وَقَدْ رَوَى الْأَئِمَّة أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام سُئِلَ يَوْم النَّحْر عَنْ أَشْيَاء , فَمَا يُسْأَل عَنْ أَمْر مِمَّا يَنْسَى الْمَرْء أَوْ يَجْهَل مِنْ تَقْدِيم الْأُمُور بَعْضهَا قَبْل بَعْض وَأَشْبَاههَا إِلَّا قَالَ فِيهَا : ( اِفْعَلْ وَلَا حَرَج ) .
الثَّالِثَة : قَالَ الْعُلَمَاء : رُفِعَ الْحَرَج إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ اِسْتَقَامَ عَلَى مِنْهَاج الشَّرْع , وَأَمَّا السَّلَّابَة وَالسُّرَّاق وَأَصْحَاب الْحُدُود فَعَلَيْهِمْ الْحَرَج , وَهُمْ جَاعِلُوهُ عَلَى أَنْفُسهمْ بِمُفَارَقَتِهِمْ الدِّين , وَلَيْسَ فِي الشَّرْع أَعْظَم حَرَجًا مِنْ إِلْزَام ثُبُوت رَجُل لِاثْنَيْنِ فِي سَبِيل اللَّه تَعَالَى ; وَمَعَ صِحَّة الْيَقِين وَجَوْدَة الْعَزْم لَيْسَ بِحَرَجٍ .
قَالَ الزَّجَّاج : الْمَعْنَى اِتَّبِعُوا مِلَّة أَبِيكُمْ . الْفَرَّاء : اِنْتَصَبَ عَلَى تَقْدِير حَذْف الْكَاف ; كَأَنَّهُ قَالَ كَمِلَّةِ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى وَافْعَلُوا الْخَيْر فِعْل أَبِيكُمْ , فَأَقَامَ الْفِعْل مَقَام الْمِلَّة . وَإِبْرَاهِيم هُوَ أَبُو الْعَرَب قَاطِبَة . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْكُلّ مِنْ وَلَده ; لِأَنَّ حُرْمَة إِبْرَاهِيم عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَحُرْمَةِ الْوَالِد عَلَى الْوَلَد .
قَالَ اِبْن زَيْد وَالْحَسَن : " هُوَ " رَاجِع إِلَى إِبْرَاهِيم ; وَالْمَعْنَى : هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
أَيْ وَفِي حُكْمه أَنَّ مَنْ اِتَّبَعَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ مُسْلِم . قَالَ اِبْن زَيْد : وَهُوَ مَعْنَى قَوْله : " رَبّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَك وَمِنْ ذُرِّيَّتنَا أُمَّة مُسْلِمَة لَك " [ الْبَقَرَة : 128 ] . قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا الْقَوْل مُخَالِف لِقَوْلِ عُظَمَاء الْأُمَّة . رَوَى عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : ( سَمَّاكُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْل , أَيْ فِي الْكُتُب الْمُتَقَدِّمَة وَفِي هَذَا الْقُرْآن ) ; قَالَ مُجَاهِد وَغَيْره .
أَيْ بِتَبْلِيغِهِ إِيَّاكُمْ .
أَنَّ رُسُلهمْ قَدْ بَلَغَتْهُمْ ; كَمَا تَقَدَّمَ فِي " الْبَقَرَة " .
أَمْر مَعْنَاهُ الْوُجُوب , وَلَا خِلَاف فِيهِ , وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْل فِي مَعْنَى إِقَامَة الصَّلَاة وَاشْتِقَاقهَا وَفِي جُمْلَة مِنْ أَحْكَامهَا , وَالْحَمْد لِلَّهِ .
أَمْر أَيْضًا يَقْتَضِي الْوُجُوب . وَالْإِيتَاء : الْإِعْطَاء . آتَيْته : أَعْطَيْته , قَالَ اللَّه تَعَالَى : " لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْله لَنَصَّدَّقَنَّ " [ التَّوْبَة : 75 ] . وَأَتَيْته - بِالْقَصْرِ مِنْ غَيْر مَدّ - جِئْته , فَإِذَا كَانَ الْمَجِيء بِمَعْنَى الِاسْتِقْبَال مُدَّ , وَمِنْهُ الْحَدِيث : ( وَلَأَتِيَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَأُخْبِرَنَّهُ ) . وَسَيَأْتِي . الزَّكَاة مَأْخُوذَة مِنْ زَكَا الشَّيْء إِذَا نَمَا وَزَادَ , يُقَال : زَكَا الزَّرْع وَالْمَال يَزْكُو , إِذَا كَثُرَ وَزَادَ . وَرَجُل زَكِيّ , أَيْ زَائِد الْخَيْر . وَسُمِّيَ الْإِخْرَاج مِنْ الْمَال زَكَاة وَهُوَ نَقْص مِنْهُ مِنْ حَيْثُ يَنْمُو بِالْبَرَكَةِ أَوْ بِالْأَجْرِ الَّذِي يُثَاب بِهِ الْمُزَكِّي . وَيُقَال : زَرْع زَاكٍ بَيِّن الزَّكَاء . وَزَكَأَتْ النَّاقَة بِوَلَدِهَا تَزْكَأ بِهِ : إِذَا رَمَتْ بِهِ مِنْ بَيْن رِجْلَيْهَا . وَزَكَا الْفَرْد : إِذَا صَارَ زَوْجًا بِزِيَادَةِ الزَّائِد عَلَيْهِ حَتَّى صَارَ شَفْعًا . قَالَ الشَّاعِر : كَانُوا خَسًا أَوْ زَكًا مِنْ دُون أَرْبَعَة لَمْ يَخْلَقُوا وَجُدُود النَّاس تَعْتَلِج جَمْع جَدّ , وَهُوَ الْحَظّ وَالْبَخْت . تَعْتَلِج أَيْ تَرْتَفِع . اِعْتَلَجَتْ الْأَرْض : طَالَ نَبَاتهَا . فَخَسًا : الْفَرْد , وَزَكًا , الزَّوْج . وَقِيلَ : أَصْلهَا الثَّنَاء الْجَمِيل , وَمِنْهُ زَكَّى الْقَاضِي الشَّاهِد . فَكَأَنَّ مَنْ يُخْرِج الزَّكَاة يُحَصِّل لِنَفْسِهِ الثَّنَاء الْجَمِيل . وَقِيلَ : الزَّكَاة مَأْخُوذَة مِنْ التَّطْهِير , كَمَا يُقَال : زَكَا فُلَان , أَيْ طَهُرَ مِنْ دَنَس الْجُرْحَة وَالْإِغْفَال . فَكَأَنَّ الْخَارِج مِنْ الْمَال يُطَهِّرهُ مِنْ تَبِعَة الْحَقّ الَّذِي جَعَلَ اللَّه فِيهِ لِلْمَسَاكِينِ . أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّى مَا يُخْرَج مِنْ الزَّكَاة أَوْسَاخ النَّاس ] وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : " خُذْ مِنْ أَمْوَالهمْ صَدَقَة تُطَهِّرهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا " [ التَّوْبَة : 103 ] . وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَاد بِالزَّكَاةِ هُنَا , فَقِيلَ : الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة , لِمُقَارَنَتِهَا بِالصَّلَاةِ . وَقِيلَ : صَدَقَة الْفِطْر , قَالَهُ مَالِك فِي سَمَاع اِبْن الْقَاسِم . قُلْت : فَعَلَى الْأَوَّل - وَهُوَ أَكْثَر الْعُلَمَاء - فَالزَّكَاة فِي الْكِتَاب مُجْمَلَة بَيَّنَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَرَوَى الْأَئِمَّة عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَيْسَ فِي حَبّ وَلَا تَمْر صَدَقَة حَتَّى تَبْلُغ خَمْسَة أَوْسُق وَلَا فِيمَا دُون خَمْس ذَوْد صَدَقَة وَلَا فِيمَا دُون خَمْس أَوَاقٍ صَدَقَة ) . وَقَالَ الْبُخَارِيّ : ( خَمْس أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِق ) . وَرَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ اِبْن عُمَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( فِيمَا سَقَتْ السَّمَاء وَالْعُيُون أَوْ كَانَ عُشْرِيًّا الْعُشْر وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْف الْعُشْر ) . وَسَيَأْتِي بَيَان هَذَا الْبَاب فِي " الْأَنْعَام " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . وَيَأْتِي فِي " بَرَاءَة " زَكَاة الْعَيْن وَالْمَاشِيَة , وَبَيَان الْمَال الَّذِي لَا يُؤْخَذ مِنْهُ زَكَاة عِنْد قَوْله تَعَالَى : " خُذْ مِنْ أَمْوَالهمْ صَدَقَة " [ التَّوْبَة : 103 ] . وَأَمَّا زَكَاة الْفِطْر فَلَيْسَ لَهَا فِي الْكِتَاب نَصّ عَلَيْهَا إِلَّا مَا تَأَوَّلَهُ مَالِك هُنَا , وَقَوْله تَعَالَى : " قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اِسْم رَبّه فَصَلَّى " [ الْأَعْلَى : 14 ] . وَالْمُفَسِّرُونَ يَذْكُرُونَ الْكَلَام عَلَيْهَا فِي سُورَة " الْأَعْلَى " , وَرَأَيْت الْكَلَام عَلَيْهَا فِي هَذِهِ السُّورَة عِنْد كَلَامنَا عَلَى آي الصِّيَام , لِأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاة الْفِطْر فِي رَمَضَان , الْحَدِيث . وَسَيَأْتِي , فَأَضَافَهَا إِلَى رَمَضَان .
وَيَعْتَصِم بِاَللَّهِ أَيْ يَجْعَلهُ مَلْجَأ وَمَعَاذًا وَيُخْلِص
أَيْ اِخْتَارَكُمْ لِلذَّبِّ عَنْ دِينه وَالْتِزَام أَمْره ; وَهَذَا تَأْكِيد لِلْأَمْرِ بِالْمُجَاهَدَةِ ; أَيْ وَجَبَ عَلَيْكُمْ أَنْ تُجَاهِدُوا لِأَنَّ اللَّه اِخْتَارَكُمْ لَهُ .
فِيهِ ثَلَاث مَسَائِل :
الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى : " مِنْ حَرَج " أَيْ مِنْ ضِيق . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " الْأَنْعَام " . وَهَذِهِ الْآيَة تَدْخُل فِي كَثِير مِنْ الْأَحْكَام ; وَهِيَ مِمَّا خَصَّ اللَّه بِهَا هَذِهِ الْأُمَّة . رَوَى مَعْمَر عَنْ قَتَادَة قَالَ : أُعْطِيَتْ هَذِهِ الْأُمَّة ثَلَاثًا لَمْ يُعْطَهَا إِلَّا نَبِيّ : كَانَ يُقَال لِلنَّبِيِّ اِذْهَبْ فَلَا حَرَج عَلَيْك , وَقِيلَ لِهَذِهِ الْأُمَّة : " وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّين مِنْ حَرَج " . وَالنَّبِيّ شَهِيد عَلَى أُمَّته , وَقِيلَ لِهَذِهِ الْأُمَّة : " لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس " . وَيُقَال لِلنَّبِيِّ : سَلْ تُعْطَهُ , وَقِيلَ لِهَذِهِ الْأُمَّة : " اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ " .
الثَّانِيَة : وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي هَذَا الْحَرَج الَّذِي رَفَعَهُ اللَّه تَعَالَى ; فَقَالَ عِكْرِمَة : هُوَ مَا أَحَلَّ مِنْ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلَاث وَرُبَاع , وَمَا مَلَكَتْ يَمِينك . وَقِيلَ : الْمُرَاد قَصْر الصَّلَاة , وَالْإِفْطَار لِلْمُسَافِرِ , وَصَلَاة الْإِيمَاء لِمَنْ لَا يَقْدِر عَلَى غَيْره , وَحَطّ الْجِهَاد عَنْ الْأَعْمَى وَالْأَعْرَج وَالْمَرِيض وَالْعَدِيم الَّذِي لَا يَجِد مَا يُنْفِق فِي غَزْوه , وَالْغَرِيم وَمَنْ لَهُ وَالِدَانِ , وَحَطّ الْإِصْر الَّذِي كَانَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل . وَقَدْ مَضَى تَفْصِيل أَكْثَر هَذِهِ الْأَشْيَاء . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ ( أَنَّ هَذَا فِي تَقْدِيم الْأَهِلَّة وَتَأْخِيرهَا فِي الْفِطْر وَالْأَضْحَى وَالصَّوْم ; فَإِذَا أَخْطَأَتْ الْجَمَاعَة هِلَال ذِي الْحِجَّة فَوَقَفُوا قَبْل يَوْم عَرَفَة بِيَوْمٍ أَوْ وَقَفُوا يَوْم النَّحْر أَجْزَأَهُمْ ) , عَلَى خِلَاف فِيهِ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَاب الْمُقْتَبَس فِي شَرْح مُوَطَّأ مَالِك بْن أَنَس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . وَمَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ الصَّحِيح فِي الْبَاب . وَكَذَلِكَ الْفِطْر وَالْأَضْحَى ; لِمَا رَوَاهُ حَمَّاد بْن زَيْد عَنْ أَيُّوب عَنْ مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فِطْركُمْ يَوْم تُفْطِرُونَ وَأَضْحَاكُمْ يَوْم تُضَحُّونَ ) . خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ , وَلَفْظه مَا ذَكَرْنَاهُ . وَالْمَعْنَى : بِاجْتِهَادِكُمْ مِنْ غَيْر حَرَج يَلْحَقكُمْ . وَقَدْ رَوَى الْأَئِمَّة أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام سُئِلَ يَوْم النَّحْر عَنْ أَشْيَاء , فَمَا يُسْأَل عَنْ أَمْر مِمَّا يَنْسَى الْمَرْء أَوْ يَجْهَل مِنْ تَقْدِيم الْأُمُور بَعْضهَا قَبْل بَعْض وَأَشْبَاههَا إِلَّا قَالَ فِيهَا : ( اِفْعَلْ وَلَا حَرَج ) .
الثَّالِثَة : قَالَ الْعُلَمَاء : رُفِعَ الْحَرَج إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ اِسْتَقَامَ عَلَى مِنْهَاج الشَّرْع , وَأَمَّا السَّلَّابَة وَالسُّرَّاق وَأَصْحَاب الْحُدُود فَعَلَيْهِمْ الْحَرَج , وَهُمْ جَاعِلُوهُ عَلَى أَنْفُسهمْ بِمُفَارَقَتِهِمْ الدِّين , وَلَيْسَ فِي الشَّرْع أَعْظَم حَرَجًا مِنْ إِلْزَام ثُبُوت رَجُل لِاثْنَيْنِ فِي سَبِيل اللَّه تَعَالَى ; وَمَعَ صِحَّة الْيَقِين وَجَوْدَة الْعَزْم لَيْسَ بِحَرَجٍ .
قَالَ الزَّجَّاج : الْمَعْنَى اِتَّبِعُوا مِلَّة أَبِيكُمْ . الْفَرَّاء : اِنْتَصَبَ عَلَى تَقْدِير حَذْف الْكَاف ; كَأَنَّهُ قَالَ كَمِلَّةِ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى وَافْعَلُوا الْخَيْر فِعْل أَبِيكُمْ , فَأَقَامَ الْفِعْل مَقَام الْمِلَّة . وَإِبْرَاهِيم هُوَ أَبُو الْعَرَب قَاطِبَة . وَقِيلَ : الْخِطَاب لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْكُلّ مِنْ وَلَده ; لِأَنَّ حُرْمَة إِبْرَاهِيم عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَحُرْمَةِ الْوَالِد عَلَى الْوَلَد .
قَالَ اِبْن زَيْد وَالْحَسَن : " هُوَ " رَاجِع إِلَى إِبْرَاهِيم ; وَالْمَعْنَى : هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
أَيْ وَفِي حُكْمه أَنَّ مَنْ اِتَّبَعَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ مُسْلِم . قَالَ اِبْن زَيْد : وَهُوَ مَعْنَى قَوْله : " رَبّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَك وَمِنْ ذُرِّيَّتنَا أُمَّة مُسْلِمَة لَك " [ الْبَقَرَة : 128 ] . قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا الْقَوْل مُخَالِف لِقَوْلِ عُظَمَاء الْأُمَّة . رَوَى عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : ( سَمَّاكُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْل , أَيْ فِي الْكُتُب الْمُتَقَدِّمَة وَفِي هَذَا الْقُرْآن ) ; قَالَ مُجَاهِد وَغَيْره .
أَيْ بِتَبْلِيغِهِ إِيَّاكُمْ .
أَنَّ رُسُلهمْ قَدْ بَلَغَتْهُمْ ; كَمَا تَقَدَّمَ فِي " الْبَقَرَة " .
أَمْر مَعْنَاهُ الْوُجُوب , وَلَا خِلَاف فِيهِ , وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْل فِي مَعْنَى إِقَامَة الصَّلَاة وَاشْتِقَاقهَا وَفِي جُمْلَة مِنْ أَحْكَامهَا , وَالْحَمْد لِلَّهِ .
أَمْر أَيْضًا يَقْتَضِي الْوُجُوب . وَالْإِيتَاء : الْإِعْطَاء . آتَيْته : أَعْطَيْته , قَالَ اللَّه تَعَالَى : " لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْله لَنَصَّدَّقَنَّ " [ التَّوْبَة : 75 ] . وَأَتَيْته - بِالْقَصْرِ مِنْ غَيْر مَدّ - جِئْته , فَإِذَا كَانَ الْمَجِيء بِمَعْنَى الِاسْتِقْبَال مُدَّ , وَمِنْهُ الْحَدِيث : ( وَلَأَتِيَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَأُخْبِرَنَّهُ ) . وَسَيَأْتِي . الزَّكَاة مَأْخُوذَة مِنْ زَكَا الشَّيْء إِذَا نَمَا وَزَادَ , يُقَال : زَكَا الزَّرْع وَالْمَال يَزْكُو , إِذَا كَثُرَ وَزَادَ . وَرَجُل زَكِيّ , أَيْ زَائِد الْخَيْر . وَسُمِّيَ الْإِخْرَاج مِنْ الْمَال زَكَاة وَهُوَ نَقْص مِنْهُ مِنْ حَيْثُ يَنْمُو بِالْبَرَكَةِ أَوْ بِالْأَجْرِ الَّذِي يُثَاب بِهِ الْمُزَكِّي . وَيُقَال : زَرْع زَاكٍ بَيِّن الزَّكَاء . وَزَكَأَتْ النَّاقَة بِوَلَدِهَا تَزْكَأ بِهِ : إِذَا رَمَتْ بِهِ مِنْ بَيْن رِجْلَيْهَا . وَزَكَا الْفَرْد : إِذَا صَارَ زَوْجًا بِزِيَادَةِ الزَّائِد عَلَيْهِ حَتَّى صَارَ شَفْعًا . قَالَ الشَّاعِر : كَانُوا خَسًا أَوْ زَكًا مِنْ دُون أَرْبَعَة لَمْ يَخْلَقُوا وَجُدُود النَّاس تَعْتَلِج جَمْع جَدّ , وَهُوَ الْحَظّ وَالْبَخْت . تَعْتَلِج أَيْ تَرْتَفِع . اِعْتَلَجَتْ الْأَرْض : طَالَ نَبَاتهَا . فَخَسًا : الْفَرْد , وَزَكًا , الزَّوْج . وَقِيلَ : أَصْلهَا الثَّنَاء الْجَمِيل , وَمِنْهُ زَكَّى الْقَاضِي الشَّاهِد . فَكَأَنَّ مَنْ يُخْرِج الزَّكَاة يُحَصِّل لِنَفْسِهِ الثَّنَاء الْجَمِيل . وَقِيلَ : الزَّكَاة مَأْخُوذَة مِنْ التَّطْهِير , كَمَا يُقَال : زَكَا فُلَان , أَيْ طَهُرَ مِنْ دَنَس الْجُرْحَة وَالْإِغْفَال . فَكَأَنَّ الْخَارِج مِنْ الْمَال يُطَهِّرهُ مِنْ تَبِعَة الْحَقّ الَّذِي جَعَلَ اللَّه فِيهِ لِلْمَسَاكِينِ . أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّى مَا يُخْرَج مِنْ الزَّكَاة أَوْسَاخ النَّاس ] وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : " خُذْ مِنْ أَمْوَالهمْ صَدَقَة تُطَهِّرهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا " [ التَّوْبَة : 103 ] . وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَاد بِالزَّكَاةِ هُنَا , فَقِيلَ : الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة , لِمُقَارَنَتِهَا بِالصَّلَاةِ . وَقِيلَ : صَدَقَة الْفِطْر , قَالَهُ مَالِك فِي سَمَاع اِبْن الْقَاسِم . قُلْت : فَعَلَى الْأَوَّل - وَهُوَ أَكْثَر الْعُلَمَاء - فَالزَّكَاة فِي الْكِتَاب مُجْمَلَة بَيَّنَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَرَوَى الْأَئِمَّة عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَيْسَ فِي حَبّ وَلَا تَمْر صَدَقَة حَتَّى تَبْلُغ خَمْسَة أَوْسُق وَلَا فِيمَا دُون خَمْس ذَوْد صَدَقَة وَلَا فِيمَا دُون خَمْس أَوَاقٍ صَدَقَة ) . وَقَالَ الْبُخَارِيّ : ( خَمْس أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِق ) . وَرَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ اِبْن عُمَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( فِيمَا سَقَتْ السَّمَاء وَالْعُيُون أَوْ كَانَ عُشْرِيًّا الْعُشْر وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْف الْعُشْر ) . وَسَيَأْتِي بَيَان هَذَا الْبَاب فِي " الْأَنْعَام " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . وَيَأْتِي فِي " بَرَاءَة " زَكَاة الْعَيْن وَالْمَاشِيَة , وَبَيَان الْمَال الَّذِي لَا يُؤْخَذ مِنْهُ زَكَاة عِنْد قَوْله تَعَالَى : " خُذْ مِنْ أَمْوَالهمْ صَدَقَة " [ التَّوْبَة : 103 ] . وَأَمَّا زَكَاة الْفِطْر فَلَيْسَ لَهَا فِي الْكِتَاب نَصّ عَلَيْهَا إِلَّا مَا تَأَوَّلَهُ مَالِك هُنَا , وَقَوْله تَعَالَى : " قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اِسْم رَبّه فَصَلَّى " [ الْأَعْلَى : 14 ] . وَالْمُفَسِّرُونَ يَذْكُرُونَ الْكَلَام عَلَيْهَا فِي سُورَة " الْأَعْلَى " , وَرَأَيْت الْكَلَام عَلَيْهَا فِي هَذِهِ السُّورَة عِنْد كَلَامنَا عَلَى آي الصِّيَام , لِأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاة الْفِطْر فِي رَمَضَان , الْحَدِيث . وَسَيَأْتِي , فَأَضَافَهَا إِلَى رَمَضَان .
وَيَعْتَصِم بِاَللَّهِ أَيْ يَجْعَلهُ مَلْجَأ وَمَعَاذًا وَيُخْلِص