اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ , فَقِيلَ : رَاجِعِينَ إِلَيْهِ بِالتَّوْبَةِ وَالْإِخْلَاص . وَقَالَ يَحْيَى بْن سَلَّام وَالْفَرَّاء : مُقْبِلِينَ إِلَيْهِ . وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد : مُطِيعِينَ لَهُ . وَقِيلَ تَائِبِينَ إِلَيْهِ مِنْ الذُّنُوب ; وَمِنْهُ قَوْل أَبِي قَيْس بْن الْأَسْلَت : فَإِنْ تَابُوا فَإِنَّ بَنِي سُلَيْم وَقَوْمهمْ هَوَازِن قَدْ أَنَابُوا وَالْمَعْنَى وَاحِد ; فَإِنْ " نَابَ وَتَابَ وَثَابَ وَآبَ " مَعْنَاهُ الرُّجُوع . قَالَ الْمَاوَرْدِيّ : وَفِي أَصْل الْإِنَابَة قَوْلَانِ : أَحَدهمَا : أَنَّ أَصْله الْقَطْع ; وَمِنْهُ أُخِذَ اِسْم النَّاب لِأَنَّهُ قَاطِع ; فَكَأَنَّ الْإِنَابَة هِيَ الِانْقِطَاع إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِالطَّاعَةِ . الثَّانِي : أَصْله الرُّجُوع ; مَأْخُوذ مِنْ نَابَ يَنُوب إِذَا رَجَعَ مَرَّة بَعْد أُخْرَى ; وَمِنْهُ النَّوْبَة لِأَنَّهَا الرُّجُوع إِلَى عَادَة . الْجَوْهَرِيّ : وَأَنَابَ إِلَى اللَّه أَقْبَلَ وَتَابَ . وَالنَّوْبَة وَاحِدَة النُّوَب , تَقُول : جَاءَتْ نَوْبَتك وَنِيَابَتك , وَهُمْ يَتَنَاوَبُونَ النَّوْبَة فِيمَا بَيْنهمْ فِي الْمَاء وَغَيْره . وَانْتَصَبَ عَلَى الْحَال . قَالَ مُحَمَّد بْن يَزِيد : لِأَنَّ مَعْنَى : " أَقِمْ وَجْهك " فَأَقِيمُوا وُجُوهكُمْ مُنِيبِينَ . وَقَالَ الْفَرَّاء : الْمَعْنَى فَأَقِمْ وَجْهك وَمَنْ مَعَك مُنِيبِينَ . وَقِيلَ : اِنْتَصَبَ عَلَى الْقَطْع ; أَيْ فَأَقِمْ وَجْهك أَنْتَ وَأُمَّتك الْمُنِيبِينَ إِلَيْهِ ; لِأَنَّ الْأَمْر لَهُ , أَمْر لِأُمَّتِهِ ; فَحَسُنَ أَنْ يَقُول مُنِيبِينَ إِلَيْهِ , وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى : " يَا أَيّهَا النَّبِيّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاء " [ الطَّلَاق : 1 ] .
أَيْ خَافُوهُ وَامْتَثِلُوا مَا أَمَرَكُمْ بِهِ .
بَيَّنَ أَنَّ الْعِبَادَة لَا تَنْفَع إِلَّا مَعَ الْإِخْلَاص ; فَلِذَلِكَ قَالَ : " وَلَا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ " وَقَدْ مَضَى هَذَا مُبَيَّنًا " فِي النِّسَاء وَالْكَهْف " وَغَيْرهمَا .
أَيْ خَافُوهُ وَامْتَثِلُوا مَا أَمَرَكُمْ بِهِ .
بَيَّنَ أَنَّ الْعِبَادَة لَا تَنْفَع إِلَّا مَعَ الْإِخْلَاص ; فَلِذَلِكَ قَالَ : " وَلَا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ " وَقَدْ مَضَى هَذَا مُبَيَّنًا " فِي النِّسَاء وَالْكَهْف " وَغَيْرهمَا .
تَأَوَّلَهُ أَبُو هُرَيْرَة وَعَائِشَة وَأَبُو أُمَامَة : أَنَّهُ لِأَهْلِ الْقِبْلَة مِنْ أَهْل الْأَهْوَاء وَالْبِدَع . وَقَدْ مَضَى " فِي الْأَنْعَام " بَيَانه . وَقَالَ الرَّبِيع بْن أَنَس : الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينهمْ أَهْل الْكِتَاب مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى ; وَقَالَهُ قَتَادَة وَمَعْمَر . وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكِسَائِيّ : " فَارَقُوا دِينهمْ " , وَقَدْ قَرَأَ ذَلِكَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب ; أَيْ فَارَقُوا دِينهمْ الَّذِي يَجِب اِتِّبَاعه , وَهُوَ التَّوْحِيد .
أَيْ فِرَقًا ; قَالَهُ الْكَلْبِيّ . وَقِيلَ أَدْيَانًا ; قَالَهُ مُقَاتِل .
أَيْ مَسْرُورُونَ مُعْجَبُونَ , لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَبَيَّنُوا الْحَقّ وَعَلَيْهِمْ أَنْ يَتَبَيَّنُوهُ . وَقِيلَ : كَانَ هَذَا قَبْل أَنْ تَنْزِل الْفَرَائِض . وَقَوْل ثَالِث : أَنَّ الْعَاصِي لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ يَكُون فَرِحًا بِمَعْصِيَتِهِ , فَكَذَلِكَ الشَّيْطَان وَقُطَّاع الطَّرِيق وَغَيْرهمْ , وَاَللَّه أَعْلَم . وَزَعَمَ الْفَرَّاء أَنَّهُ يَجُوز أَنْ يَكُون التَّمَام " وَلَا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ " وَيَكُون الْمَعْنَى : مِنْ الَّذِينَ فَارَقُوا دِينهمْ " وَكَانُوا شِيَعًا " عَلَى الِاسْتِئْنَاف , وَأَنَّهُ يَجُوز أَنْ يَكُون مُتَّصِلًا بِمَا قَبْله . النَّحَّاس : وَإِذَا كَانَ مُتَّصِلًا بِمَا قَبْله فَهُوَ عِنْد الْبَصْرِيِّينَ عَلَى الْبَدَل بِإِعَادَةِ الْحَرْف ; كَمَا قَالَ جَلَّ وَعَزَّ : " قَالَ الْمَلَأ الَّذِينَ اِسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمه لِلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ " [ الْأَعْرَاف : 75 ] وَلَوْ كَانَ بِلَا حَرْف لَجَازَ .
أَيْ فِرَقًا ; قَالَهُ الْكَلْبِيّ . وَقِيلَ أَدْيَانًا ; قَالَهُ مُقَاتِل .
أَيْ مَسْرُورُونَ مُعْجَبُونَ , لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَبَيَّنُوا الْحَقّ وَعَلَيْهِمْ أَنْ يَتَبَيَّنُوهُ . وَقِيلَ : كَانَ هَذَا قَبْل أَنْ تَنْزِل الْفَرَائِض . وَقَوْل ثَالِث : أَنَّ الْعَاصِي لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ يَكُون فَرِحًا بِمَعْصِيَتِهِ , فَكَذَلِكَ الشَّيْطَان وَقُطَّاع الطَّرِيق وَغَيْرهمْ , وَاَللَّه أَعْلَم . وَزَعَمَ الْفَرَّاء أَنَّهُ يَجُوز أَنْ يَكُون التَّمَام " وَلَا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ " وَيَكُون الْمَعْنَى : مِنْ الَّذِينَ فَارَقُوا دِينهمْ " وَكَانُوا شِيَعًا " عَلَى الِاسْتِئْنَاف , وَأَنَّهُ يَجُوز أَنْ يَكُون مُتَّصِلًا بِمَا قَبْله . النَّحَّاس : وَإِذَا كَانَ مُتَّصِلًا بِمَا قَبْله فَهُوَ عِنْد الْبَصْرِيِّينَ عَلَى الْبَدَل بِإِعَادَةِ الْحَرْف ; كَمَا قَالَ جَلَّ وَعَزَّ : " قَالَ الْمَلَأ الَّذِينَ اِسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمه لِلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ " [ الْأَعْرَاف : 75 ] وَلَوْ كَانَ بِلَا حَرْف لَجَازَ .
وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ↓
أَيْ قَحْط وَشِدَّة
أَنْ يَرْفَع ذَلِكَ عَنْهُمْ
قَالَ اِبْن عَبَّاس : مُقْبِلِينَ عَلَيْهِ بِكُلِّ قُلُوبهمْ لَا يُشْرِكُونَ . وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَام التَّعَجُّب , عَجِبَ نَبِيّه مِنْ الْمُشْرِكِينَ فِي تَرْك الْإِنَابَة إِلَى اللَّه تَعَالَى مَعَ تَتَابُع الْحُجَج عَلَيْهِمْ ; أَيْ إِذَا مَسَّ هَؤُلَاءِ الْكُفَّار ضُرّ مِنْ مَرَض وَشِدَّة دَعَوْا رَبّهمْ ; أَيْ اِسْتَغَاثُوا بِهِ فِي كَشْف مَا نَزَلَ بِهِمْ , مُقْبِلِينَ عَلَيْهِ وَحْده دُون الْأَصْنَام , لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّهُ لَا فَرَج عِنْدهَا .
أَيْ عَافِيَة وَنِعْمَة .
أَيْ يُشْرِكُونَ بِهِ فِي الْعِبَادَة .
أَنْ يَرْفَع ذَلِكَ عَنْهُمْ
قَالَ اِبْن عَبَّاس : مُقْبِلِينَ عَلَيْهِ بِكُلِّ قُلُوبهمْ لَا يُشْرِكُونَ . وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَام التَّعَجُّب , عَجِبَ نَبِيّه مِنْ الْمُشْرِكِينَ فِي تَرْك الْإِنَابَة إِلَى اللَّه تَعَالَى مَعَ تَتَابُع الْحُجَج عَلَيْهِمْ ; أَيْ إِذَا مَسَّ هَؤُلَاءِ الْكُفَّار ضُرّ مِنْ مَرَض وَشِدَّة دَعَوْا رَبّهمْ ; أَيْ اِسْتَغَاثُوا بِهِ فِي كَشْف مَا نَزَلَ بِهِمْ , مُقْبِلِينَ عَلَيْهِ وَحْده دُون الْأَصْنَام , لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّهُ لَا فَرَج عِنْدهَا .
أَيْ عَافِيَة وَنِعْمَة .
أَيْ يُشْرِكُونَ بِهِ فِي الْعِبَادَة .
قِيلَ : هِيَ لَام كَيْ . وَقِيلَ : هِيَ لَام أَمْر فِيهِ مَعْنَى التَّهْدِيد ; كَمَا قَالَ جَلَّ وَعَزَّ : " فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ " [ الْكَهْف : 29 ] .
تَهْدِيد وَوَعِيد . وَفِي مُصْحَف عَبْد اللَّه " وَلِيَتَمَتَّعُوا " ; أَيْ مَكَّنَّاهُمْ مِنْ ذَلِكَ لِكَيْ يَتَمَتَّعُوا , فَهُوَ إِخْبَار عَنْ غَائِب ; مِثْل : " لِيَكْفُرُوا " . وَهُوَ عَلَى خَطّ الْمُصْحَف خِطَاب بَعْد الْإِخْبَار عَنْ غَائِب ; أَيْ تَمَتَّعُوا أَيّهَا الْفَاعِلُونَ لِهَذَا .
تَهْدِيد وَوَعِيد . وَفِي مُصْحَف عَبْد اللَّه " وَلِيَتَمَتَّعُوا " ; أَيْ مَكَّنَّاهُمْ مِنْ ذَلِكَ لِكَيْ يَتَمَتَّعُوا , فَهُوَ إِخْبَار عَنْ غَائِب ; مِثْل : " لِيَكْفُرُوا " . وَهُوَ عَلَى خَطّ الْمُصْحَف خِطَاب بَعْد الْإِخْبَار عَنْ غَائِب ; أَيْ تَمَتَّعُوا أَيّهَا الْفَاعِلُونَ لِهَذَا .
حُجَّة وَبَيَانًا , وَعُذْرًا وَبُرْهَانًا ; وَمِنْ هَذَا قِيلَ , لِلْوَالِي سُلْطَان ; لِأَنَّهُ حُجَّة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي الْأَرْض . وَيُقَال : إِنَّهُ مَأْخُوذ مِنْ السَّلِيط وَهُوَ مَا يُضَاء بِهِ السِّرَاج , وَهُوَ دُهْن السِّمْسِم ; قَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس : أَمَالَ السَّلِيط بِالذُّبَالِ الْمُفَتَّل فَالسُّلْطَان يُسْتَضَاء بِهِ فِي إِظْهَار الْحَقّ وَقَمْع الْبَاطِل . وَقِيلَ السَّلِيط الْحَدِيد . وَالسَّلَاطَة الْحِدَة . وَالسَّلَاطَة مِنْ التَّسْلِيط وَهُوَ الْقَهْر ; وَالسُّلْطَان مِنْ ذَلِكَ , فَالنُّون زَائِدَة . فَأَصْل السُّلْطَان الْقُوَّة , فَإِنَّهُ يُقْهَر بِهَا كَمَا يُقْهَر بِالسُّلْطَانِ . وَالسَّلِيطَة الْمَرْأَة الصَّاخِبَة . وَالسَّلِيط الرَّجُل الْفَصِيح اللِّسَان . وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ لَمْ تَثْبُت عِبَادَة الْأَوْثَان فِي شَيْء مِنْ الْمِلَل . وَلَمْ يَدُلّ عَقْل عَلَى جَوَاز ذَلِكَ . وَهُوَ اِسْتِفْهَام فِيهِ مَعْنَى التَّوْقِيف . قَالَ الضَّحَّاك : " سُلْطَانًا " أَيْ كِتَابًا ; وَقَالَهُ قَتَادَة وَالرَّبِيع بْن أَنَس . وَأَضَافَ الْكَلَام إِلَى الْكِتَاب تَوَسُّعًا . وَزَعَمَ الْفَرَّاء أَنَّ الْعَرَب تُؤَنِّث السُّلْطَان ; تَقُول : قَضَتْ بِهِ عَلَيْك السُّلْطَان . فَأَمَّا الْبَصْرِيُّونَ فَالتَّذْكِير عِنْدهمْ أَفْصَح , وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآن , وَالتَّأْنِيث عِنْدهمْ جَائِز لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْحُجَّة ; أَيْ حُجَّة تَنْطِق بِشِرْكِكُمْ ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك أَيْضًا . وَقَالَ عَلِيّ بْن سُلَيْمَان عَنْ أَبِي الْعَبَّاس مُحَمَّد بْن يَزِيد قَالَ : سُلْطَان جَمْع سَلِيط ; مِثْل رَغِيف وَرُغْفَان , فَتَذْكِيره عَلَى مَعْنَى الْجَمْع وَتَأْنِيثه عَلَى مَعْنَى الْجَمَاعَة . وَالسُّلْطَان : مَا يَدْفَع بِهِ الْإِنْسَان عَنْ نَفْسه أَمْرًا يَسْتَوْجِب بِهِ عُقُوبَة ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : " أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِين " [ النَّمْل : 21 ] .
وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ↓
يَعْنِي الْخِصْب وَالسَّعَة وَالْعَافِيَة ; قَالَهُ يَحْيَى بْن سَلَّام . النَّقَّاش : النِّعْمَة وَالْمَطَر . وَقِيلَ : الْأَمْن وَالدَّعَة ; وَالْمَعْنَى مُتَقَارِب . " فَرِحُوا بِهَا " أَيْ بِالرَّحْمَةِ .
أَيْ بَلَاء وَعُقُوبَة ; قَالَهُ مُجَاهِد . السُّدِّيّ : قَحْط الْمَطَر .
أَيْ بِمَا عَمِلُوا مِنْ الْمَعَاصِي .
أَيْ يَيْأَسُونَ مِنْ الرَّحْمَة وَالْفَرَج ; قَالَهُ الْجُمْهُور . وَقَالَ الْحَسَن : إِنَّ الْقُنُوط تَرْك فَرَائِض اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى فِي السِّرّ . قَنِطَ يَقْنَط , وَهِيَ قِرَاءَة الْعَامَّة . وَقَنَطَ يَقْنِط , وَهِيَ قِرَاءَة أَبِي عَمْرو وَالْكِسَائِيّ وَيَعْقُوب . وَقَرَأَ الْأَعْمَش : قَنِطَ " يَقْنِط " [ الْحِجْر : 56 ] بِالْكَسْرِ فِيهِمَا ; مِثْل حَسِبَ يَحْسِب . وَالْآيَة صِفَة لِلْكَافِرِ , يَقْنَط عِنْد الشِّدَّة , وَيَبْطَر عِنْد النِّعْمَة ; كَمَا قِيلَ : كَحِمَارِ السَّوْء إِنْ أَعْلَفْته رَمَحَ النَّاس وَإِنْ جَاعَ نَهَقَ وَكَثِير مِمَّنْ لَمْ يَرْسَخ الْإِيمَان فِي قَلْبه بِهَذِهِ الْمَثَابَة ; وَقَدْ مَضَى فِي غَيْر مَوْضِع . فَأَمَّا الْمُؤْمِن فَيَشْكُر رَبّه عِنْد النِّعْمَة , وَيَرْجُوهُ عِنْد الشِّدَّة .
أَيْ بَلَاء وَعُقُوبَة ; قَالَهُ مُجَاهِد . السُّدِّيّ : قَحْط الْمَطَر .
أَيْ بِمَا عَمِلُوا مِنْ الْمَعَاصِي .
أَيْ يَيْأَسُونَ مِنْ الرَّحْمَة وَالْفَرَج ; قَالَهُ الْجُمْهُور . وَقَالَ الْحَسَن : إِنَّ الْقُنُوط تَرْك فَرَائِض اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى فِي السِّرّ . قَنِطَ يَقْنَط , وَهِيَ قِرَاءَة الْعَامَّة . وَقَنَطَ يَقْنِط , وَهِيَ قِرَاءَة أَبِي عَمْرو وَالْكِسَائِيّ وَيَعْقُوب . وَقَرَأَ الْأَعْمَش : قَنِطَ " يَقْنِط " [ الْحِجْر : 56 ] بِالْكَسْرِ فِيهِمَا ; مِثْل حَسِبَ يَحْسِب . وَالْآيَة صِفَة لِلْكَافِرِ , يَقْنَط عِنْد الشِّدَّة , وَيَبْطَر عِنْد النِّعْمَة ; كَمَا قِيلَ : كَحِمَارِ السَّوْء إِنْ أَعْلَفْته رَمَحَ النَّاس وَإِنْ جَاعَ نَهَقَ وَكَثِير مِمَّنْ لَمْ يَرْسَخ الْإِيمَان فِي قَلْبه بِهَذِهِ الْمَثَابَة ; وَقَدْ مَضَى فِي غَيْر مَوْضِع . فَأَمَّا الْمُؤْمِن فَيَشْكُر رَبّه عِنْد النِّعْمَة , وَيَرْجُوهُ عِنْد الشِّدَّة .
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ↓
أَيْ يُوَسِّع الْخَيْر فِي الدُّنْيَا لِمَنْ يَشَاء أَوْ يُضَيِّق ; فَلَا يَجِب أَنْ يَدْعُوهُمْ الْفَقْر إِلَى الْقُنُوط .
أَيْ عَلَامَات وَعِبَرًا وَدَلَالَات .
بِاَللَّهِ وَبِمَا جَاءَتْ بِهِ رُسُلهمْ .
أَيْ عَلَامَات وَعِبَرًا وَدَلَالَات .
بِاَللَّهِ وَبِمَا جَاءَتْ بِهِ رُسُلهمْ .
فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ↓
لَمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ سُبْحَانه يَبْسُط الرِّزْق لِمَنْ يَشَاء وَيَقْدِر أَمَرَ مَنْ وَسَّعَ عَلَيْهِ الرِّزْق أَنْ يُوَصِّل إِلَى الْفَقِير كِفَايَته لِيَمْتَحِن شُكْر الْغَنِيّ . وَالْخِطَاب لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَام وَالْمُرَاد هُوَ وَأُمَّته ; لِأَنَّهُ قَالَ : " ذَلِكَ خَيْر لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْه اللَّه " . وَأَمَرَ بِإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى لِقُرْبِ رَحِمه ; وَخَيْر الصَّدَقَة مَا كَانَ عَلَى الْقَرِيب , وَفِيهَا صِلَة الرَّحِم . وَقَدْ فَضَّلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّدَقَة عَلَى الْأَقَارِب عَلَى عِتْق الرِّقَاب , فَقَالَ لِمَيْمُونَةَ وَقَدْ أَعْتَقَتْ وَلِيدَة : ( أَمَا إِنَّك لَوْ أَعْطَيْتهَا أَخْوَالك كَانَ أَعْظَم لِأَجْرِك ) .
وَاخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْآيَة ; فَقِيلَ : إِنَّهَا مَنْسُوخَة بِآيَةِ الْمَوَارِيث . وَقِيلَ : لَا نَسْخ , بَلْ لِلْقَرِيبِ حَقّ لَازِم فِي الْبِرّ عَلَى كُلّ حَال ; وَهُوَ الصَّحِيح . قَالَ مُجَاهِد وَقَتَادَة : صِلَة الرَّحِم فَرْض مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , حَتَّى قَالَ مُجَاهِد : لَا تُقْبَل صَدَقَة مِنْ أَحَد وَرَحِمه مُحْتَاجَة . وَقِيلَ : الْمُرَاد بِالْقُرْبَى أَقْرِبَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالْأَوَّل أَصَحّ ; فَإِنَّ حَقّهمْ مُبَيَّن فِي كِتَاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي قَوْله : " فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى " [ الْأَنْفَال : 41 ] . وَقِيلَ : إِنَّ الْأَمْر بِالْإِيتَاءِ لِذِي الْقُرْبَى عَلَى جِهَة النَّدْب . قَالَ الْحَسَن : " حَقّه " الْمُوَاسَاة فِي الْيُسْر , وَقَوْل مَيْسُور فِي الْعُسْر .
قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَيْ أَطْعِمْ السَّائِل الطَّوَّاف ;
الضَّيْف ; فَجَعَلَ الضِّيَافَة فَرْضًا , وَقَدْ مَضَى جَمِيع هَذَا مَبْسُوطًا مُبَيَّنًا فِي مَوَاضِعه وَالْحَمْد لِلَّهِ .
أَيْ إِعْطَاء الْحَقّ أَفْضَل مِنْ الْإِمْسَاك إِذَا أُرِيدَ بِذَلِكَ وَجْه اللَّه وَالتَّقَرُّب إِلَيْهِ .
أَيْ الْفَائِزُونَ بِمَطْلُوبِهِمْ مِنْ الثَّوَاب فِي الْآخِرَة . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " الْبَقَرَة " الْقَوْل فِيهِ .
وَاخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْآيَة ; فَقِيلَ : إِنَّهَا مَنْسُوخَة بِآيَةِ الْمَوَارِيث . وَقِيلَ : لَا نَسْخ , بَلْ لِلْقَرِيبِ حَقّ لَازِم فِي الْبِرّ عَلَى كُلّ حَال ; وَهُوَ الصَّحِيح . قَالَ مُجَاهِد وَقَتَادَة : صِلَة الرَّحِم فَرْض مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , حَتَّى قَالَ مُجَاهِد : لَا تُقْبَل صَدَقَة مِنْ أَحَد وَرَحِمه مُحْتَاجَة . وَقِيلَ : الْمُرَاد بِالْقُرْبَى أَقْرِبَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالْأَوَّل أَصَحّ ; فَإِنَّ حَقّهمْ مُبَيَّن فِي كِتَاب اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي قَوْله : " فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى " [ الْأَنْفَال : 41 ] . وَقِيلَ : إِنَّ الْأَمْر بِالْإِيتَاءِ لِذِي الْقُرْبَى عَلَى جِهَة النَّدْب . قَالَ الْحَسَن : " حَقّه " الْمُوَاسَاة فِي الْيُسْر , وَقَوْل مَيْسُور فِي الْعُسْر .
قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَيْ أَطْعِمْ السَّائِل الطَّوَّاف ;
الضَّيْف ; فَجَعَلَ الضِّيَافَة فَرْضًا , وَقَدْ مَضَى جَمِيع هَذَا مَبْسُوطًا مُبَيَّنًا فِي مَوَاضِعه وَالْحَمْد لِلَّهِ .
أَيْ إِعْطَاء الْحَقّ أَفْضَل مِنْ الْإِمْسَاك إِذَا أُرِيدَ بِذَلِكَ وَجْه اللَّه وَالتَّقَرُّب إِلَيْهِ .
أَيْ الْفَائِزُونَ بِمَطْلُوبِهِمْ مِنْ الثَّوَاب فِي الْآخِرَة . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " الْبَقَرَة " الْقَوْل فِيهِ .
وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ↓
لَمَّا ذَكَرَ مَا يُرَاد بِهِ وَجْهه وَيُثِيب عَلَيْهِ ذَكَرَ غَيْر ذَلِكَ مِنْ الصِّفَة وَمَا يُرَاد بِهِ أَيْضًا وَجْهه . وَقَرَأَ الْجُمْهُور : " آتَيْتُمْ " بِالْمَدِّ بِمَعْنَى أَعْطَيْتُمْ . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَمُجَاهِد وَحُمَيْد بِغَيْرِ مَدّ ; بِمَعْنَى مَا فَعَلْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ ; كَمَا تَقُول : أَتَيْت صَوَابًا وَأَتَيْت خَطَأ . وَأَجْمَعُوا عَلَى الْمَدّ فِي قَوْله : " وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاة " . وَالرِّبَا الزِّيَادَة وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة " مَعْنَاهُ , وَهُوَ هُنَاكَ مُحَرَّم وَهَاهُنَا حَلَال . وَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّهُ قِسْمَانِ : مِنْهُ حَلَال وَمِنْهُ حَرَام . قَالَ عِكْرِمَة فِي قَوْله تَعَالَى : " وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَال النَّاس " قَالَ : الرِّبَا رِبَوَانِ , رِبَا حَلَال وَرِبَا حَرَام ; فَأَمَّا الرِّبَا الْحَلَال فَهُوَ الَّذِي يُهْدَى , يَلْتَمِس مَا هُوَ أَفْضَل مِنْهُ . وَعَنْ الضَّحَّاك فِي هَذِهِ الْآيَة : هُوَ الرِّبَا الْحَلَال الَّذِي يُهْدَى لِيُثَابَ مَا هُوَ أَفْضَل مِنْهُ , لَا لَهُ وَلَا عَلَيْهِ , لَيْسَ لَهُ فِيهِ أَجْر وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ إِثْم . وَكَذَلِكَ قَالَ اِبْن عَبَّاس : " وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا " يُرِيد هَدِيَّة الرَّجُل الشَّيْء يَرْجُو أَنْ يُثَاب أَفْضَل مِنْهُ ; فَذَلِكَ الَّذِي لَا يَرْبُو عِنْد اللَّه وَلَا يُؤْجَر صَاحِبه وَلَكِنْ لَا إِثْم عَلَيْهِ , وَفِي هَذَا الْمَعْنَى نَزَلَتْ الْآيَة . قَالَ اِبْن عَبَّاس وَابْن جُبَيْر وَطَاوُس وَمُجَاهِد : هَذِهِ آيَة نَزَلَتْ فِي هِبَة الثَّوَاب . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَمَا جَرَى مَجْرَاهَا مِمَّا يَصْنَعهُ الْإِنْسَان لِيُجَازَى عَلَيْهِ كَالسَّلَامِ وَغَيْره ; فَهُوَ وَإِنْ كَانَ لَا إِثْم فِيهِ فَلَا أَجْر فِيهِ وَلَا زِيَادَة عِنْد اللَّه تَعَالَى . وَقَالَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ . وَفِي كِتَاب النَّسَائِيّ عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَلْقَمَة قَالَ : قَدِمَ وَفْد ثَقِيف عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُمْ هَدِيَّة فَقَالَ : ( أَهَدِيَّة أَمْ صَدَقَة فَإِنْ كَانَتْ هَدِيَّة فَإِنَّمَا يُبْتَغَى بِهَا وَجْه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَضَاء الْحَاجَة , وَإِنْ كَانَتْ صَدَقَة فَإِنَّمَا يُبْتَغَى بِهَا وَجْه اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ) قَالُوا : لَا بَلْ هَدِيَّة ; فَقَبِلَهَا مِنْهُمْ وَقَعَدَ مَعَهُمْ يُسَائِلهُمْ وَيَسْأَلُونَهُ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَإِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ : نَزَلَتْ فِي قَوْم يُعْطُونَ قَرَابَاتهمْ وَإِخْوَانهمْ عَلَى مَعْنَى نَفْعهمْ وَتَمْوِيلهمْ وَالتَّفَضُّل عَلَيْهِمْ , وَلِيَزِيدُوا فِي أَمْوَالهمْ عَلَى وَجْه النَّفْع لَهُمْ . وَقَالَ الشَّعْبِيّ : مَعْنَى الْآيَة أَنَّ مَا خَدَمَ الْإِنْسَان بِهِ أَحَدًا وَخَفَّ لَهُ لِيَنْتَفِع بِهِ فِي دُنْيَاهُ فَإِنَّ ذَلِكَ النَّفْع الَّذِي يَجْزِي بِهِ الْخِدْمَة لَا يَرْبُو عِنْد اللَّه . وَقِيلَ : كَانَ هَذَا حَرَامًا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخُصُوص ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِر " [ الْمُدَّثِّر : 6 ] فَنَهَى أَنْ يُعْطِي شَيْئًا فَيَأْخُذ أَكْثَر مِنْهُ عِوَضًا . وَقِيلَ : إِنَّهُ الرِّبَا الْمُحَرَّم ; فَمَعْنَى : " لَا يَرْبُو عِنْد اللَّه " عَلَى هَذَا الْقَوْل لَا يُحْكَم بِهِ لِآخُذهُ بَلْ هُوَ لِلْمَأْخُوذِ مِنْهُ . قَالَ السُّدِّيّ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي رِبَا ثَقِيف ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِالرِّبَا وَتَعْمَلهُ فِيهِمْ قُرَيْش .
قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ : صَرِيح الْآيَة فِيمَنْ يَهَب يَطْلُب الزِّيَادَة مِنْ أَمْوَال النَّاس فِي الْمُكَافَأَة . قَالَ الْمُهَلَّب : اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَنْ وَهْب هِبَة يَطْلُب ثَوَابهَا وَقَالَ : إِنَّمَا أَرَدْت الثَّوَاب ; فَقَالَ مَالِك : يَنْظُر فِيهِ ; فَإِنْ كَانَ مِثْله مِمَّنْ يَطْلُب الثَّوَاب مِنْ الْمَوْهُوب لَهُ فَلَهُ ذَلِكَ ; مَثَل هِبَة الْفَقِير لِلْغَنِيِّ , وَهِبَة الْخَادِم لِصَاحِبِهِ , وَهِبَة الرَّجُل لِأَمِيرِهِ وَمَنْ فَوْقه ; وَهُوَ أَحَد قَوْلَيْ الشَّافِعِيّ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : لَا يَكُون لَهُ ثَوَاب إِذَا لَمْ يَشْتَرِط ; وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ الْآخَر . قَالَ : وَالْهِبَة لِلثَّوَابِ بَاطِلَة لَا تَنْفَعهُ ; لِأَنَّهَا بَيْع بِثَمَنٍ مَجْهُول . وَاحْتَجَّ الْكُوفِيّ بِأَنَّ مَوْضُوع الْهِبَة التَّبَرُّع , فَلَوْ أَوْجَبْنَا فِيهَا الْعِوَض لَبَطَلَ مَعْنَى التَّبَرُّع وَصَارَتْ فِي مَعْنَى الْمُعَاوَضَات , وَالْعَرَب قَدْ فَرَّقَتْ بَيْن لَفْظ الْبَيْع وَلَفْظ الْهِبَة , فَجَعَلَتْ لَفْظ الْبَيْع عَلَى مَا يَسْتَحِقّ فِيهِ الْعِوَض , وَالْهِبَة بِخِلَافِ ذَلِكَ . وَدَلِيلنَا مَا رَوَاهُ مَالِك فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ عُمَر اِبْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : أَيّمَا رَجُل وَهَبَ هِبَة يَرَى أَنَّهَا لِلثَّوَابِ فَهُوَ عَلَى هِبَته حَتَّى يَرْضَى مِنْهَا . وَنَحْوه عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : الْمَوَاهِب ثَلَاثَة : مَوْهِبَة يُرَاد بِهَا وَجْه اللَّه , وَمَوْهِبَة يُرَاد بِهَا وُجُوه النَّاس , وَمَوْهِبَة يُرَاد بِهَا الثَّوَاب ; فَمَوْهِبَة الثَّوَاب يَرْجِع فِيهَا صَاحِبهَا إِذَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا . وَتَرْجَمَ الْبُخَارِيّ رَحِمَهُ اللَّه ( بَاب الْمُكَافَأَة فِي الْهِبَة ) وَسَاقَ حَدِيث عَائِشَة قَالَتْ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبَل الْهَدِيَّة وَيُثِيب عَلَيْهَا , وَأَثَابَ عَلَى لِقْحَة وَلَمْ يُنْكِر عَلَى صَاحِبهَا حِين طَلَبَ الثَّوَاب , وَإِنَّمَا أَنْكَرَ سَخَطه لِلثَّوَابِ وَكَانَ زَائِدًا عَلَى الْقِيمَة . خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ .
قَوْله تَعَالَى : " لِيَرْبُوَ " قَرَأَ جُمْهُور الْقُرَّاء السَّبْعَة : " لِيَرْبُوَ " بِالْيَاءِ وَإِسْنَاد الْفِعْل إِلَى الرِّبَا . وَقَرَأَ نَافِع وَحْده : بِضَمِّ التَّاء وَالْوَاو سَاكِنَة عَلَى الْمُخَاطَبَة ; بِمَعْنَى تَكُونُوا ذَوِي زِيَادَات , وَهَذِهِ قِرَاءَة اِبْن عَبَّاس وَالْحَسَن وَقَتَادَة وَالشَّعْبِيّ . قَالَ أَبُو حَاتِم : هِيَ قِرَاءَتنَا . وَقَرَأَ أَبُو مَالِك : " لِتُرَبُّوهَا " بِضَمِيرٍ مُؤَنَّث . " فَلَا يَرْبُو عِنْد اللَّه " أَيْ لَا يَزْكُو وَلَا يُثِيب عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَا يَقْبَل إِلَّا مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهه وَكَانَ خَالِصًا لَهُ ; وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " النِّسَاء " .
قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَيْ مِنْ صَدَقَة . وَمَا ذَكَرَهُ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَفَصَّلَهُ مِنْ الْهِبَة صَحِيح ; وَذَلِكَ أَنَّ الْوَاهِب لَا يَخْلُو فِي هِبَته مِنْ ثَلَاثَة أَحْوَال : أَحَدهَا : أَنْ يُرِيد بِهَا وَجْه اللَّه تَعَالَى وَيَبْتَغِي عَلَيْهَا الثَّوَاب مِنْهُ . وَالثَّانِي : أَنْ يُرِيد بِهَا وُجُوه النَّاس رِيَاء لِيَحْمَدُوهُ عَلَيْهَا وَيُثْنُوا عَلَيْهِ مِنْ أَجْلهَا . وَالثَّالِث : أَنْ يُرِيد بِهَا الثَّوَاب مِنْ الْمَوْهُوب لَهُ ; وَقَدْ مَضَى الْكَلَام فِيهِ . وَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ اِمْرِئٍ مَا نَوَى ) . فَأَمَّا إِذَا أَرَادَ بِهِبَتِهِ وَجْه اللَّه تَعَالَى وَابْتَغَى عَلَيْهِ الثَّوَاب مِنْ عِنْده فَلَهُ ذَلِكَ عِنْد اللَّه بِفَضْلِهِ وَرَحْمَته ; قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاة تُرِيدُونَ وَجْه اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُضْعِفُونَ " وَكَذَلِكَ مَنْ يَصِل قَرَابَته لِيَكُونَ غَنِيًّا حَتَّى لَا يَكُون كَلًّا فَالنِّيَّة فِي ذَلِكَ مَتْبُوعَة ; فَإِنْ كَانَ لِيَتَظَاهَر بِذَلِكَ دُنْيَا فَلَيْسَ لِوَجْهِ اللَّه , وَإِنْ كَانَ لِمَا لَهُ عَلَيْهِ مِنْ حَقّ الْقَرَابَة وَبَيْنهمَا مِنْ وَشِيجَة الرَّحِم فَإِنَّهُ لِوَجْهِ اللَّه . وَأَمَّا مَنْ أَرَادَ بِهِبَتِهِ وُجُوه النَّاس رِيَاء لِيَحْمَدُوهُ عَلَيْهَا وَيُثْنُوا عَلَيْهِ مِنْ أَجْلهَا فَلَا مَنْفَعَة لَهُ فِي هِبَته ; لَا ثَوَاب فِي الدُّنْيَا وَلَا أَجْر فِي الْآخِرَة ; قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَاَلَّذِي يُنْفِق مَاله رِئَاء النَّاس " [ الْبَقَرَة : 264 ] الْآيَة . وَأَمَّا مَنْ أَرَادَ بِهِبَتِهِ الثَّوَاب مِنْ الْمَوْهُوب لَهُ فَلَهُ مَا أَرَادَ بِهِبَتِهِ , وَلَهُ أَنْ يَرْجِع فِيهَا مَا لَمْ يُثَبْ بِقِيمَتِهَا , عَلَى مَذْهَب اِبْن الْقَاسِم , أَوْ مَا لَمْ يَرْضَ مِنْهَا بِأَزْيَدَ مِنْ قِيمَتهَا , عَلَى ظَاهِر قَوْل عُمَر وَعَلِيّ , وَهُوَ قَوْل مُطَرِّف فِي الْوَاضِحَة : أَنَّ الْهِبَة مَا كَانَتْ قَائِمَة الْعَيْن , وَإِنْ زَادَتْ أَوْ نَقَصَتْ فَلِلْوَاهِبِ الرُّجُوع فِيهَا وَإِنْ أَثَابَهُ الْمَوْهُوب فِيهَا أَكْثَر مِنْهَا . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّهَا إِذَا كَانَتْ قَائِمَة الْعَيْن لَمْ تَتَغَيَّر فَإِنَّهُ يَأْخُذ مَا شَاءَ . وَقِيلَ : تَلْزَمهُ الْقِيمَة كَنِكَاحِ التَّفْوِيض , وَأَمَّا إِذَا كَانَ بَعْد فَوْت الْهِبَة فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا الْقِيمَة اِتِّفَاقًا ; قَالَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ .
أَيْ ذَلِكَ الَّذِي يَقْبَلهُ وَيُضَاعِفهُ لَهُ عَشَرَة أَضْعَافه أَوْ أَكْثَر ; كَمَا قَالَ : " مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِض اللَّه قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَة " [ الْبَقَرَة : 245 ] . وَقَالَ : " وَمَثَل الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ اِبْتِغَاء مَرْضَاة اللَّه وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ كَمَثَلِ جَنَّة بِرَبْوَةٍ " [ الْبَقَرَة : 265 ] . وَقَالَ : 0 " فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُضْعِفُونَ " وَلَمْ يَقُلْ فَأَنْتُمْ الْمُضْعِفُونَ لِأَنَّهُ رَجَعَ مِنْ الْمُخَاطَبَة إِلَى الْغَيْبَة ; مِثْل قَوْله : " حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْك وَجَرَيْنَ بِهِمْ " [ يُونُس : 22 ] . وَفِي مَعْنَى الْمُضْعِفِينَ قَوْلَانِ : أَحَدهمَا : أَنَّهُ تُضَاعَف لَهُمْ الْحَسَنَات كَمَا ذَكَرْنَا . وَالْآخَر : أَنَّهُمْ قَدْ أُضْعِفَ لَهُمْ الْخَيْر وَالنَّعِيم ; أَيْ هُمْ أَصْحَاب أَضْعَاف , كَمَا يُقَال : فُلَان مُقْوٍ إِذَا كَانَتْ إِبِله قَوِيَّة , أَوْ لَهُ أَصْحَاب أَقْوِيَاء . وَمُسْمِن إِذَا كَانَتْ إِبِله سِمَانًا . وَمُعْطِش إِذَا كَانَتْ إِبِله عِطَاشًا . وَمُضْعِف إِذَا كَانَ إِبِله ضَعِيفَة ; وَمِنْهُ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذ بِك مِنْ الْخَبِيث الْمُخْبِث الشَّيْطَان الرَّجِيم " . فَالْمُخْبِث : الَّذِي أَصَابَهُ خَبَث , يُقَال : فُلَان رَدِيء أَيْ هُوَ رَدِيء ; فِي نَفْسه . وَمُرْدِئ : أَصْحَابه أَرْدِئَاء .
قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ : صَرِيح الْآيَة فِيمَنْ يَهَب يَطْلُب الزِّيَادَة مِنْ أَمْوَال النَّاس فِي الْمُكَافَأَة . قَالَ الْمُهَلَّب : اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَنْ وَهْب هِبَة يَطْلُب ثَوَابهَا وَقَالَ : إِنَّمَا أَرَدْت الثَّوَاب ; فَقَالَ مَالِك : يَنْظُر فِيهِ ; فَإِنْ كَانَ مِثْله مِمَّنْ يَطْلُب الثَّوَاب مِنْ الْمَوْهُوب لَهُ فَلَهُ ذَلِكَ ; مَثَل هِبَة الْفَقِير لِلْغَنِيِّ , وَهِبَة الْخَادِم لِصَاحِبِهِ , وَهِبَة الرَّجُل لِأَمِيرِهِ وَمَنْ فَوْقه ; وَهُوَ أَحَد قَوْلَيْ الشَّافِعِيّ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : لَا يَكُون لَهُ ثَوَاب إِذَا لَمْ يَشْتَرِط ; وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ الْآخَر . قَالَ : وَالْهِبَة لِلثَّوَابِ بَاطِلَة لَا تَنْفَعهُ ; لِأَنَّهَا بَيْع بِثَمَنٍ مَجْهُول . وَاحْتَجَّ الْكُوفِيّ بِأَنَّ مَوْضُوع الْهِبَة التَّبَرُّع , فَلَوْ أَوْجَبْنَا فِيهَا الْعِوَض لَبَطَلَ مَعْنَى التَّبَرُّع وَصَارَتْ فِي مَعْنَى الْمُعَاوَضَات , وَالْعَرَب قَدْ فَرَّقَتْ بَيْن لَفْظ الْبَيْع وَلَفْظ الْهِبَة , فَجَعَلَتْ لَفْظ الْبَيْع عَلَى مَا يَسْتَحِقّ فِيهِ الْعِوَض , وَالْهِبَة بِخِلَافِ ذَلِكَ . وَدَلِيلنَا مَا رَوَاهُ مَالِك فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ عُمَر اِبْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : أَيّمَا رَجُل وَهَبَ هِبَة يَرَى أَنَّهَا لِلثَّوَابِ فَهُوَ عَلَى هِبَته حَتَّى يَرْضَى مِنْهَا . وَنَحْوه عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : الْمَوَاهِب ثَلَاثَة : مَوْهِبَة يُرَاد بِهَا وَجْه اللَّه , وَمَوْهِبَة يُرَاد بِهَا وُجُوه النَّاس , وَمَوْهِبَة يُرَاد بِهَا الثَّوَاب ; فَمَوْهِبَة الثَّوَاب يَرْجِع فِيهَا صَاحِبهَا إِذَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا . وَتَرْجَمَ الْبُخَارِيّ رَحِمَهُ اللَّه ( بَاب الْمُكَافَأَة فِي الْهِبَة ) وَسَاقَ حَدِيث عَائِشَة قَالَتْ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبَل الْهَدِيَّة وَيُثِيب عَلَيْهَا , وَأَثَابَ عَلَى لِقْحَة وَلَمْ يُنْكِر عَلَى صَاحِبهَا حِين طَلَبَ الثَّوَاب , وَإِنَّمَا أَنْكَرَ سَخَطه لِلثَّوَابِ وَكَانَ زَائِدًا عَلَى الْقِيمَة . خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ .
قَوْله تَعَالَى : " لِيَرْبُوَ " قَرَأَ جُمْهُور الْقُرَّاء السَّبْعَة : " لِيَرْبُوَ " بِالْيَاءِ وَإِسْنَاد الْفِعْل إِلَى الرِّبَا . وَقَرَأَ نَافِع وَحْده : بِضَمِّ التَّاء وَالْوَاو سَاكِنَة عَلَى الْمُخَاطَبَة ; بِمَعْنَى تَكُونُوا ذَوِي زِيَادَات , وَهَذِهِ قِرَاءَة اِبْن عَبَّاس وَالْحَسَن وَقَتَادَة وَالشَّعْبِيّ . قَالَ أَبُو حَاتِم : هِيَ قِرَاءَتنَا . وَقَرَأَ أَبُو مَالِك : " لِتُرَبُّوهَا " بِضَمِيرٍ مُؤَنَّث . " فَلَا يَرْبُو عِنْد اللَّه " أَيْ لَا يَزْكُو وَلَا يُثِيب عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَا يَقْبَل إِلَّا مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهه وَكَانَ خَالِصًا لَهُ ; وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " النِّسَاء " .
قَالَ اِبْن عَبَّاس : أَيْ مِنْ صَدَقَة . وَمَا ذَكَرَهُ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَفَصَّلَهُ مِنْ الْهِبَة صَحِيح ; وَذَلِكَ أَنَّ الْوَاهِب لَا يَخْلُو فِي هِبَته مِنْ ثَلَاثَة أَحْوَال : أَحَدهَا : أَنْ يُرِيد بِهَا وَجْه اللَّه تَعَالَى وَيَبْتَغِي عَلَيْهَا الثَّوَاب مِنْهُ . وَالثَّانِي : أَنْ يُرِيد بِهَا وُجُوه النَّاس رِيَاء لِيَحْمَدُوهُ عَلَيْهَا وَيُثْنُوا عَلَيْهِ مِنْ أَجْلهَا . وَالثَّالِث : أَنْ يُرِيد بِهَا الثَّوَاب مِنْ الْمَوْهُوب لَهُ ; وَقَدْ مَضَى الْكَلَام فِيهِ . وَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ اِمْرِئٍ مَا نَوَى ) . فَأَمَّا إِذَا أَرَادَ بِهِبَتِهِ وَجْه اللَّه تَعَالَى وَابْتَغَى عَلَيْهِ الثَّوَاب مِنْ عِنْده فَلَهُ ذَلِكَ عِنْد اللَّه بِفَضْلِهِ وَرَحْمَته ; قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاة تُرِيدُونَ وَجْه اللَّه فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُضْعِفُونَ " وَكَذَلِكَ مَنْ يَصِل قَرَابَته لِيَكُونَ غَنِيًّا حَتَّى لَا يَكُون كَلًّا فَالنِّيَّة فِي ذَلِكَ مَتْبُوعَة ; فَإِنْ كَانَ لِيَتَظَاهَر بِذَلِكَ دُنْيَا فَلَيْسَ لِوَجْهِ اللَّه , وَإِنْ كَانَ لِمَا لَهُ عَلَيْهِ مِنْ حَقّ الْقَرَابَة وَبَيْنهمَا مِنْ وَشِيجَة الرَّحِم فَإِنَّهُ لِوَجْهِ اللَّه . وَأَمَّا مَنْ أَرَادَ بِهِبَتِهِ وُجُوه النَّاس رِيَاء لِيَحْمَدُوهُ عَلَيْهَا وَيُثْنُوا عَلَيْهِ مِنْ أَجْلهَا فَلَا مَنْفَعَة لَهُ فِي هِبَته ; لَا ثَوَاب فِي الدُّنْيَا وَلَا أَجْر فِي الْآخِرَة ; قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَاَلَّذِي يُنْفِق مَاله رِئَاء النَّاس " [ الْبَقَرَة : 264 ] الْآيَة . وَأَمَّا مَنْ أَرَادَ بِهِبَتِهِ الثَّوَاب مِنْ الْمَوْهُوب لَهُ فَلَهُ مَا أَرَادَ بِهِبَتِهِ , وَلَهُ أَنْ يَرْجِع فِيهَا مَا لَمْ يُثَبْ بِقِيمَتِهَا , عَلَى مَذْهَب اِبْن الْقَاسِم , أَوْ مَا لَمْ يَرْضَ مِنْهَا بِأَزْيَدَ مِنْ قِيمَتهَا , عَلَى ظَاهِر قَوْل عُمَر وَعَلِيّ , وَهُوَ قَوْل مُطَرِّف فِي الْوَاضِحَة : أَنَّ الْهِبَة مَا كَانَتْ قَائِمَة الْعَيْن , وَإِنْ زَادَتْ أَوْ نَقَصَتْ فَلِلْوَاهِبِ الرُّجُوع فِيهَا وَإِنْ أَثَابَهُ الْمَوْهُوب فِيهَا أَكْثَر مِنْهَا . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّهَا إِذَا كَانَتْ قَائِمَة الْعَيْن لَمْ تَتَغَيَّر فَإِنَّهُ يَأْخُذ مَا شَاءَ . وَقِيلَ : تَلْزَمهُ الْقِيمَة كَنِكَاحِ التَّفْوِيض , وَأَمَّا إِذَا كَانَ بَعْد فَوْت الْهِبَة فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا الْقِيمَة اِتِّفَاقًا ; قَالَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ .
أَيْ ذَلِكَ الَّذِي يَقْبَلهُ وَيُضَاعِفهُ لَهُ عَشَرَة أَضْعَافه أَوْ أَكْثَر ; كَمَا قَالَ : " مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِض اللَّه قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَة " [ الْبَقَرَة : 245 ] . وَقَالَ : " وَمَثَل الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ اِبْتِغَاء مَرْضَاة اللَّه وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ كَمَثَلِ جَنَّة بِرَبْوَةٍ " [ الْبَقَرَة : 265 ] . وَقَالَ : 0 " فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُضْعِفُونَ " وَلَمْ يَقُلْ فَأَنْتُمْ الْمُضْعِفُونَ لِأَنَّهُ رَجَعَ مِنْ الْمُخَاطَبَة إِلَى الْغَيْبَة ; مِثْل قَوْله : " حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْك وَجَرَيْنَ بِهِمْ " [ يُونُس : 22 ] . وَفِي مَعْنَى الْمُضْعِفِينَ قَوْلَانِ : أَحَدهمَا : أَنَّهُ تُضَاعَف لَهُمْ الْحَسَنَات كَمَا ذَكَرْنَا . وَالْآخَر : أَنَّهُمْ قَدْ أُضْعِفَ لَهُمْ الْخَيْر وَالنَّعِيم ; أَيْ هُمْ أَصْحَاب أَضْعَاف , كَمَا يُقَال : فُلَان مُقْوٍ إِذَا كَانَتْ إِبِله قَوِيَّة , أَوْ لَهُ أَصْحَاب أَقْوِيَاء . وَمُسْمِن إِذَا كَانَتْ إِبِله سِمَانًا . وَمُعْطِش إِذَا كَانَتْ إِبِله عِطَاشًا . وَمُضْعِف إِذَا كَانَ إِبِله ضَعِيفَة ; وَمِنْهُ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذ بِك مِنْ الْخَبِيث الْمُخْبِث الشَّيْطَان الرَّجِيم " . فَالْمُخْبِث : الَّذِي أَصَابَهُ خَبَث , يُقَال : فُلَان رَدِيء أَيْ هُوَ رَدِيء ; فِي نَفْسه . وَمُرْدِئ : أَصْحَابه أَرْدِئَاء .
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ↓
اِبْتِدَاء وَخَبَر . وَعَادَ الْكَلَام إِلَى الِاحْتِجَاج عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَأَنَّهُ الْخَالِق الرَّازِق الْمُمِيت الْمُحْيِي . ثُمَّ قَالَ عَلَى جِهَة الِاسْتِفْهَام :
لَا يَفْعَل .
ثُمَّ نَزَّهَ نَفْسه عَنْ الْأَنْدَاد وَالْأَضْدَاد وَالصَّاحِبَة وَالْأَوْلَاد وَأَضَافَ الشُّرَكَاء إِلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَهُمْ بِالْآلِهَةِ وَالشُّرَكَاء , وَيَجْعَلُونَ لَهُمْ مِنْ أَمْوَالهمْ .
لَا يَفْعَل .
ثُمَّ نَزَّهَ نَفْسه عَنْ الْأَنْدَاد وَالْأَضْدَاد وَالصَّاحِبَة وَالْأَوْلَاد وَأَضَافَ الشُّرَكَاء إِلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَهُمْ بِالْآلِهَةِ وَالشُّرَكَاء , وَيَجْعَلُونَ لَهُمْ مِنْ أَمْوَالهمْ .
ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ↓
اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي مَعْنَى الْفَسَاد وَالْبَرّ وَالْبَحْر ; فَقَالَ قَتَادَة وَالسُّدِّيّ : الْفَسَاد الشِّرْك , وَهُوَ أَعْظَم الْفَسَاد . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة وَمُجَاهِد : فَسَاد الْبَرّ قَتْل اِبْن آدَم أَخَاهُ ; قَابِيل قَتَلَ هَابِيل . وَفِي الْبَحْر بِالْمَلِكِ الَّذِي كَانَ يَأْخُذ كُلّ سَفِينَة غَصْبًا . وَقِيلَ : الْفَسَاد الْقَحْط وَقِلَّة النَّبَات وَذَهَاب الْبَرَكَة . وَنَحْوه قَالَ اِبْن عَبَّاس قَالَ : هُوَ نُقْصَان الْبَرَكَة بِأَعْمَالِ الْعِبَاد كَيْ يَتُوبُوا . قَالَ النَّحَّاس : وَهُوَ أَحْسَن مَا قِيلَ فِي الْآيَة . وَعَنْهُ أَيْضًا : أَنَّ الْفَسَاد فِي الْبَحْر اِنْقِطَاع صَيْده بِذُنُوبِ بَنِي آدَم . وَقَالَ عَطِيَّة : فَإِذَا قَلَّ الْمَطَر قَلَّ الْغَوْص عِنْده , وَأَخْفَقَ الصَّيَّادُونَ , وَعَمِيَتْ دَوَابّ الْبَحْر . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : إِذَا مُطِرَتْ السَّمَاء تَفَتَّحَتْ الْأَصْدَاف فِي الْبَحْر , فَمَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ السَّمَاء فَهُوَ لُؤْلُؤ . وَقِيلَ : الْفَسَاد كَسَاد الْأَسْعَار وَقِلَّة الْمَعَاش . وَقِيلَ : الْفَسَاد الْمَعَاصِي وَقَطْع السَّبِيل وَالظُّلْم ; أَيْ صَارَ هَذَا الْعَمَل مَانِعًا مِنْ الزَّرْع وَالْعِمَارَات وَالتِّجَارَات ; وَالْمَعْنَى كُلّه مُتَقَارِب . وَالْبَرّ وَالْبَحْر هُمَا الْمَعْرُوفَانِ الْمَشْهُورَانِ فِي اللُّغَة وَعِنْد النَّاس ; لَا مَا قَالَهُ بَعْض الْعِبَاد : أَنَّ الْبَرّ اللِّسَان , وَالْبَحْر الْقَلْب ; لِظُهُورِ مَا عَلَى اللِّسَان وَخَفَاء مَا فِي الْقَلْب . وَقِيلَ : الْبَرّ : الْفَيَافِي , وَالْبَحْر : الْقُرَى ; قَالَهُ عِكْرِمَة . وَالْعَرَب تُسَمِّي الْأَمْصَار الْبِحَار . وَقَالَ قَتَادَة : الْبَرّ أَهْل الْعَمُود , وَالْبَحْر أَهْل الْقُرَى وَالرِّيف . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : إِنَّ الْبَرّ مَا كَانَ مِنْ الْمُدُن وَالْقُرَى عَلَى غَيْر نَهْر , وَالْبَحْر مَا كَانَ عَلَى شَطّ نَهْر ; وَقَالَهُ مُجَاهِد , قَالَ : أَمَا وَاَللَّه مَا هُوَ بَحْركُمْ هَذَا , وَلَكِنْ كُلّ قَرْيَة عَلَى مَاء جَارٍ فَهِيَ بَحْر . وَقَالَ مَعْنَاهُ النَّحَّاس , قَالَ : فِي مَعْنَاهُ قَوْلَانِ : أَحَدهمَا : ظَهَرَ الْجَدْب فِي الْبَرّ ; أَيْ فِي الْبَوَادِي وَقُرَاهَا , وَفِي الْبَحْر أَيْ فِي مُدُن الْبَحْر ; مِثْل : " وَاسْأَلْ الْقَرْيَة " [ يُوسُف : 82 ] . أَيْ ظَهَرَ قِلَّة الْغَيْث وَغَلَاء السِّعْر . " بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاس لِيُذِيقَهُمْ بَعْض " أَيْ عِقَاب بَعْض " الَّذِينَ عَمِلُوا " ثُمَّ حُذِفَ . وَالْقَوْل الْآخَر : أَنَّهُ ظَهَرَتْ الْمَعَاصِي مِنْ قَطْع السَّبِيل وَالظُّلْم , فَهَذَا هُوَ الْفَسَاد عَلَى الْحَقِيقَة , وَالْأَوَّل مَجَاز إِلَّا أَنَّهُ عَلَى الْجَوَاب الثَّانِي , فَيَكُون فِي الْكَلَام حَذْف وَاخْتِصَار دَلَّ عَلَيْهِ مَا بَعْده , وَيَكُون الْمَعْنَى : ظَهَرَتْ الْمَعَاصِي فِي الْبَرّ وَالْبَحْر فَحَبَسَ اللَّه عَنْهُمَا الْغَيْث وَأَغْلَى سِعْرهمْ لِيُذِيقَهُمْ عِقَاب بَعْض الَّذِي عَمِلُوا . " لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ " لَعَلَّهُمْ يَتُوبُونَ . وَقَالَ : " بَعْض الَّذِي عَمِلُوا " لِأَنَّ مُعْظَم الْجَزَاء فِي الْآخِرَة . وَالْقِرَاءَة " لِيُذِيقَهُمْ " بِالْيَاءِ . وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس بِالنُّونِ , وَهِيَ قِرَاءَة السُّلَمِيّ وَابْن مُحَيْصِن وَقُنْبُل وَيَعْقُوب عَلَى التَّعْظِيم ; أَيْ نُذِيقهُمْ عُقُوبَة بَعْض مَا عَمِلُوا .
قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِينَ ↓
أَيْ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد سِيرُوا فِي الْأَرْض لِيَعْتَبِرُوا بِمَنْ قَبْلهمْ , وَيَنْظُرُوا كَيْف كَانَ عَاقِبَة مَنْ كَذَّبَ الرُّسُل
أَيْ كَافِرِينَ فَأُهْلِكُوا .
أَيْ كَافِرِينَ فَأُهْلِكُوا .
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ ↓
قَالَ الزَّجَّاج : أَيْ أَقِمْ قَصْدك , وَاجْعَلْ جِهَتك اِتِّبَاع الدِّين الْقَيِّم ; يَعْنِي الْإِسْلَام . وَقِيلَ : الْمَعْنَى أَوْضِحْ الْحَقّ وَبَالِغْ فِي الْإِعْذَار , وَاشْتَغِلْ بِمَا أَنْتَ فِيهِ وَلَا تَحْزَن عَلَيْهِمْ .
أَيْ لَا يَرُدّهُ اللَّه عَنْهُمْ , فَإِذَا لَمْ يَرُدّهُ لَمْ يَتَهَيَّأ لِأَحَدٍ دَفْعه . وَيَجُوز عِنْد غَيْر سِيبَوَيْهِ " لَا مَرَدّ لَهُ " وَذَلِكَ عِنْد سِيبَوَيْهِ بَعِيد , إِلَّا أَنْ يَكُون فِي الْكَلَام عَطْف . وَالْمُرَاد يَوْم الْقِيَامَة .
قَالَ اِبْن عَبَّاس : مَعْنَاهُ يَتَفَرَّقُونَ . وَقَالَ الشَّاعِر : وَكُنَّا كَنَدْمَانَيْ جَذِيمَة حِقْبَة مِنْ الدَّهْر حَتَّى قِيلَ لَنْ يَتَصَدَّعَا أَيْ لَنْ يَتَفَرَّقَا ; نَظِيره قَوْله تَعَالَى : " يَوْمئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ " [ الرُّوم : 14 ] " فَرِيق فِي الْجَنَّة وَفَرِيق فِي السَّعِير " . وَالْأَصْل يَتَصَدَّعُونَ ; وَيُقَال : تَصَدَّعَ الْقَوْم إِذَا تَفَرَّقُوا ; وَمِنْهُ اُشْتُقَّ الصُّدَاع , لِأَنَّهُ يُفَرِّق شُعَب الرَّأْس .
أَيْ لَا يَرُدّهُ اللَّه عَنْهُمْ , فَإِذَا لَمْ يَرُدّهُ لَمْ يَتَهَيَّأ لِأَحَدٍ دَفْعه . وَيَجُوز عِنْد غَيْر سِيبَوَيْهِ " لَا مَرَدّ لَهُ " وَذَلِكَ عِنْد سِيبَوَيْهِ بَعِيد , إِلَّا أَنْ يَكُون فِي الْكَلَام عَطْف . وَالْمُرَاد يَوْم الْقِيَامَة .
قَالَ اِبْن عَبَّاس : مَعْنَاهُ يَتَفَرَّقُونَ . وَقَالَ الشَّاعِر : وَكُنَّا كَنَدْمَانَيْ جَذِيمَة حِقْبَة مِنْ الدَّهْر حَتَّى قِيلَ لَنْ يَتَصَدَّعَا أَيْ لَنْ يَتَفَرَّقَا ; نَظِيره قَوْله تَعَالَى : " يَوْمئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ " [ الرُّوم : 14 ] " فَرِيق فِي الْجَنَّة وَفَرِيق فِي السَّعِير " . وَالْأَصْل يَتَصَدَّعُونَ ; وَيُقَال : تَصَدَّعَ الْقَوْم إِذَا تَفَرَّقُوا ; وَمِنْهُ اُشْتُقَّ الصُّدَاع , لِأَنَّهُ يُفَرِّق شُعَب الرَّأْس .
أَيْ جَزَاء كُفْره .
أَيْ يُوَطِّئُونَ لِأَنْفُسِهِمْ فِي الْآخِرَة فِرَاشًا وَمَسْكَنًا وَقَرَارًا بِالْعَمَلِ الصَّالِح ; وَمِنْهُ : مَهْد الصَّبِيّ . وَالْمِهَاد الْفِرَاش , وَقَدْ مَهَّدْت الْفِرَاش مَهْدًا : بَسَطْته وَوَطَّأْته . وَتَمْهِيد الْأُمُور : تَسْوِيَتهَا وَإِصْلَاحهَا . وَتَمْهِيد الْعُذْر : بَسْطه وَقَبُوله . وَالتَّمَهُّد : التَّمَكُّن . وَرَوَى اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد " فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ " قَالَ : فِي الْقَبْر .
أَيْ يُوَطِّئُونَ لِأَنْفُسِهِمْ فِي الْآخِرَة فِرَاشًا وَمَسْكَنًا وَقَرَارًا بِالْعَمَلِ الصَّالِح ; وَمِنْهُ : مَهْد الصَّبِيّ . وَالْمِهَاد الْفِرَاش , وَقَدْ مَهَّدْت الْفِرَاش مَهْدًا : بَسَطْته وَوَطَّأْته . وَتَمْهِيد الْأُمُور : تَسْوِيَتهَا وَإِصْلَاحهَا . وَتَمْهِيد الْعُذْر : بَسْطه وَقَبُوله . وَالتَّمَهُّد : التَّمَكُّن . وَرَوَى اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد " فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ " قَالَ : فِي الْقَبْر .
لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ↓
أَيْ يُمَهِّدُونَ لِأَنْفُسِهِمْ لِيَجْزِيَهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله . وَقِيلَ يُصَدَّعُونَ لِيَجْزِيَهُمْ اللَّه ; أَيْ لِيَتَمَيَّز الْكَافِر مِنْ الْمُسْلِم . " إِنَّهُ لَا يُحِبّ الْكَافِرِينَ " .
وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ↓
أَيْ وَمِنْ أَعْلَام كَمَال قُدْرَته إِرْسَال الرِّيَاح مُبَشِّرَات أَيْ بِالْمَطَرِ لِأَنَّهَا تَتَقَدَّمهُ . وَقَدْ مَضَى فِي " الْحِجْر " بَيَانه .
يَعْنِي الْغَيْث وَالْخِصْب .
أَيْ فِي الْبَحْر عِنْد هُبُوبهَا . وَإِنَّمَا زَادَ " بِأَمْرِهِ " لِأَنَّ الرِّيَاح قَدْ تَهُبّ وَلَا تَكُون مُوَاتِيَة , فَلَا بُدّ مِنْ إِرْسَاء السُّفُن وَالِاحْتِيَال بِحَبْسِهَا , وَرُبَّمَا عَصَفَتْ فَأَغْرَقَتْهَا بِأَمْرِهِ .
يَعْنِي الرِّزْق بِالتِّجَارَةِ
هَذِهِ النِّعَم بِالتَّوْحِيدِ وَالطَّاعَة . وَقَدْ مَضَى هَذَا كُلّه مُبَيَّنًا .
يَعْنِي الْغَيْث وَالْخِصْب .
أَيْ فِي الْبَحْر عِنْد هُبُوبهَا . وَإِنَّمَا زَادَ " بِأَمْرِهِ " لِأَنَّ الرِّيَاح قَدْ تَهُبّ وَلَا تَكُون مُوَاتِيَة , فَلَا بُدّ مِنْ إِرْسَاء السُّفُن وَالِاحْتِيَال بِحَبْسِهَا , وَرُبَّمَا عَصَفَتْ فَأَغْرَقَتْهَا بِأَمْرِهِ .
يَعْنِي الرِّزْق بِالتِّجَارَةِ
هَذِهِ النِّعَم بِالتَّوْحِيدِ وَالطَّاعَة . وَقَدْ مَضَى هَذَا كُلّه مُبَيَّنًا .
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ↓
أَيْ الْمُعْجِزَات وَالْحُجَج النَّيِّرَات
أَيْ فَكَفَرُوا فَانْتَقَمْنَا مِمَّنْ كَفَرَ .
" حَقًّا " نُصِبَ عَلَى خَبَر كَانَ , " وَنَصْر " اِسْمهَا . وَكَانَ أَبُو بَكْر يَقِف عَلَى " حَقًّا " أَيْ وَكَانَ عِقَابنَا حَقًّا , ثُمَّ قَالَ : " عَلَيْنَا نَصْر الْمُؤْمِنِينَ " اِبْتِدَاء وَخَبَر ; أَيْ أَخْبَرَ بِأَنَّهُ لَا يُخْلِف الْمِيعَاد , وَلَا خُلْف فِي خَبَرنَا . وَرُوِيَ مِنْ حَدِيث أَبِي الدَّرْدَاء قَالَ سَمِعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( مَا مِنْ مُسْلِم يَذُبّ عَنْ عِرْض أَخِيهِ إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّه تَعَالَى أَنْ يَرُدّ عَنْهُ نَار جَهَنَّم يَوْم الْقِيَامَة - ثُمَّ تَلَا - " وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْر الْمُؤْمِنِينَ " ) . ذَكَرَهُ النَّحَّاس وَالثَّعْلَبِيّ وَالزَّمَخْشَرِيّ وَغَيْرهمْ .
أَيْ فَكَفَرُوا فَانْتَقَمْنَا مِمَّنْ كَفَرَ .
" حَقًّا " نُصِبَ عَلَى خَبَر كَانَ , " وَنَصْر " اِسْمهَا . وَكَانَ أَبُو بَكْر يَقِف عَلَى " حَقًّا " أَيْ وَكَانَ عِقَابنَا حَقًّا , ثُمَّ قَالَ : " عَلَيْنَا نَصْر الْمُؤْمِنِينَ " اِبْتِدَاء وَخَبَر ; أَيْ أَخْبَرَ بِأَنَّهُ لَا يُخْلِف الْمِيعَاد , وَلَا خُلْف فِي خَبَرنَا . وَرُوِيَ مِنْ حَدِيث أَبِي الدَّرْدَاء قَالَ سَمِعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( مَا مِنْ مُسْلِم يَذُبّ عَنْ عِرْض أَخِيهِ إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّه تَعَالَى أَنْ يَرُدّ عَنْهُ نَار جَهَنَّم يَوْم الْقِيَامَة - ثُمَّ تَلَا - " وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْر الْمُؤْمِنِينَ " ) . ذَكَرَهُ النَّحَّاس وَالثَّعْلَبِيّ وَالزَّمَخْشَرِيّ وَغَيْرهمْ .
اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاء وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ↓
" اللَّه الَّذِي يُرْسِل الرِّيَاح " قَرَأَ اِبْن مُحَيْصِن وَابْن كَثِير وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ : " الرِّيح " بِالتَّوْحِيدِ . وَالْبَاقُونَ بِالْجَمْعِ . قَالَ أَبُو عَمْرو : وَكُلّ مَا كَانَ بِمَعْنَى الرَّحْمَة فَهُوَ جَمْع , وَمَا كَانَ بِمَعْنَى الْعَذَاب فَهُوَ مُوَحَّد . وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة " مَعْنَى هَذِهِ الْآيَة وَفِي غَيْرهَا .
" كِسَفًا " جَمْع كِسْفَة وَهِيَ الْقِطْعَة . وَفِي قِرَاءَة الْحَسَن وَأَبِي جَعْفَر وَعَبْد الرَّحْمَن الْأَعْرَج وَابْن عَامِر " كِسْفًا " بِإِسْكَانِ السِّين , وَهِيَ أَيْضًا جَمْع كِسْفَة ; كَمَا يُقَال : سِدْرَة وَسَدَر ; وَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة يَكُون الْمُضْمَر الَّذِي بَعْده عَائِدًا عَلَيْهِ ; أَيْ فَتَرَى الْوَدْق أَيْ الْمَطَر يَخْرُج مِنْ خِلَال الْكِسَف ; لِأَنَّ كُلّ جَمْع بَيْنه وَبَيْن وَاحِده الْهَاء لَا غَيْر فَالتَّذْكِير فِيهِ حَسَن . وَمَنْ قَرَأَ : " كِسَفًا " فَالْمُضْمَر عِنْده عَائِد عَلَى السَّحَاب . وَفِي قِرَاءَة الضَّحَّاك وَأَبِي الْعَالِيَة وَابْن عَبَّاس : " فَتَرَى الْوَدْق يَخْرُج مِنْ خَلَله " وَيَجُوز أَنْ يَكُون خَلَل جَمْع خِلَال .
أَيْ أَصَابَ بِالْمَطَرِ مَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده
يَفْرَحُونَ بِنُزُولِ الْمَطَر عَلَيْهِمْ .
" كِسَفًا " جَمْع كِسْفَة وَهِيَ الْقِطْعَة . وَفِي قِرَاءَة الْحَسَن وَأَبِي جَعْفَر وَعَبْد الرَّحْمَن الْأَعْرَج وَابْن عَامِر " كِسْفًا " بِإِسْكَانِ السِّين , وَهِيَ أَيْضًا جَمْع كِسْفَة ; كَمَا يُقَال : سِدْرَة وَسَدَر ; وَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة يَكُون الْمُضْمَر الَّذِي بَعْده عَائِدًا عَلَيْهِ ; أَيْ فَتَرَى الْوَدْق أَيْ الْمَطَر يَخْرُج مِنْ خِلَال الْكِسَف ; لِأَنَّ كُلّ جَمْع بَيْنه وَبَيْن وَاحِده الْهَاء لَا غَيْر فَالتَّذْكِير فِيهِ حَسَن . وَمَنْ قَرَأَ : " كِسَفًا " فَالْمُضْمَر عِنْده عَائِد عَلَى السَّحَاب . وَفِي قِرَاءَة الضَّحَّاك وَأَبِي الْعَالِيَة وَابْن عَبَّاس : " فَتَرَى الْوَدْق يَخْرُج مِنْ خَلَله " وَيَجُوز أَنْ يَكُون خَلَل جَمْع خِلَال .
أَيْ أَصَابَ بِالْمَطَرِ مَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده
يَفْرَحُونَ بِنُزُولِ الْمَطَر عَلَيْهِمْ .
أَيْ يَائِسِينَ مُكْتَئِبِينَ قَدْ ظَهَرَ الْحُزْن عَلَيْهِمْ لِاحْتِبَاسِ الْمَطَر عَنْهُمْ . وَ " مِنْ قَبْله " تَكْرِير عِنْد الْأَخْفَش مَعْنَاهُ التَّأْكِيد ; وَأَكْثَر النَّحْوِيِّينَ عَلَى هَذَا الْقَوْل ; قَالَهُ النَّحَّاس . وَقَالَ قُطْرُب : إِنَّ " قَبْل " الْأُولَى لِلْإِنْزَالِ وَالثَّانِيَة لِلْمَطَرِ ; أَيْ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْل التَّنْزِيل مِنْ قَبْل الْمَطَر . وَقِيلَ : الْمَعْنَى مِنْ قَبْل تَنْزِيل الْغَيْث عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْل الزَّرْع , وَدَلَّ عَلَى الزَّرْع الْمَطَر إِذْ بِسَبَبِهِ يَكُون . وَدَلَّ عَلَيْهِ أَيْضًا " فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا " عَلَى مَا يَأْتِي . وَقِيلَ : الْمَعْنَى مِنْ قَبْل السَّحَاب مِنْ قَبْل رُؤْيَته ; وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْل النَّحَّاس , أَيْ مِنْ قَبْل رُؤْيَة السَّحَاب " لِمُبْلِسِينَ " أَيْ لِيَائِسِينَ . وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْر السَّحَاب .
فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ↓
يَعْنِي الْمَطَر ; أَيْ اُنْظُرُوا نَظَر اِسْتِبْصَار وَاسْتِدْلَال ; أَيْ اِسْتَدِلُّوا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ قَادِر عَلَى إِحْيَاء الْمَوْتَى . وَقَرَأَ اِبْن عَامِر وَحَفْص وَحَمْزه وَالْكِسَائِيّ : " آثَار " بِالْجَمْعِ . الْبَاقُونَ " بِالتَّوْحِيدِ ; لِأَنَّهُ مُضَاف إِلَى مُفْرَد . وَالْأَثَر فَاعِل " يُحْيِي " وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْفَاعِل اِسْم اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . وَمَنْ قَرَأَ : " آثَار " بِالْجَمْعِ فَلِأَنَّ رَحْمَة اللَّه يَجُوز أَنْ يُرَاد بِهَا الْكَثْرَة ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : " وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَة اللَّه لَا تُحْصُوهَا " [ إِبْرَاهِيم : 34 ] . وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيّ وَأَبُو حَيْوَة وَغَيْرهمَا : " كَيْف تُحْيِي الْأَرْض " بِتَاءٍ ; ذَهَبَ بِالتَّأْنِيثِ إِلَى لَفْظ الرَّحْمَة ; لِأَنَّ أَثَر الرَّحْمَة يَقُوم مَقَامهَا فَكَأَنَّهُ هُوَ الرَّحْمَة ; أَيْ كَيْف تُحْيِي الرَّحْمَة الْأَرْض أَوْ الْآثَار .
" وَيُحْيِي " أَيْ يُحْيِي اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَوْ الْمَطَر أَوْ الْأَثَر فِيمَنْ قَرَأَ بِالْيَاءِ . وَ " كَيْف يُحْيِي الْأَرْض " فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْحَال عَلَى الْحَمْل عَلَى الْمَعْنَى لِأَنَّ اللَّفْظ لَفْظ الِاسْتِفْهَام وَالْحَال خَبَر ; وَالتَّقْدِير : فَانْظُرْ إِلَى أَثَر رَحْمَة اللَّه مُحْيِيَة لِلْأَرْضِ بَعْد مَوْتهَا .
اِسْتِدْلَال بِالشَّاهِدِ عَلَى الْغَائِب .
" وَيُحْيِي " أَيْ يُحْيِي اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَوْ الْمَطَر أَوْ الْأَثَر فِيمَنْ قَرَأَ بِالْيَاءِ . وَ " كَيْف يُحْيِي الْأَرْض " فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْحَال عَلَى الْحَمْل عَلَى الْمَعْنَى لِأَنَّ اللَّفْظ لَفْظ الِاسْتِفْهَام وَالْحَال خَبَر ; وَالتَّقْدِير : فَانْظُرْ إِلَى أَثَر رَحْمَة اللَّه مُحْيِيَة لِلْأَرْضِ بَعْد مَوْتهَا .
اِسْتِدْلَال بِالشَّاهِدِ عَلَى الْغَائِب .
يَعْنِي الرِّيح , وَالرِّيح يَجُوز تَذْكِيره . قَالَ مُحَمَّد بْن يَزِيد : لَا يَمْتَنِع تَذْكِير كُلّ مُؤَنَّث غَيْر حَقِيقِيّ , نَحْو أَعْجَبَنِي الدَّار وَشَبَهه . وَقِيلَ : فَرَأَوْا السَّحَاب . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الزَّرْع , وَهُوَ الْأَثَر ; وَالْمَعْنَى : فَرَأَوْا الْأَثَر مُصْفَرًّا ; وَاصْفِرَار الزَّرْع بَعْد اِخْضِرَاره يَدُلّ عَلَى يُبْسه , وَكَذَا السَّحَاب يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُمْطِر , وَالرِّيح عَلَى أَنَّهَا لَا تُلَقِّح
أَيْ لَيَظَلُّنَّ ; وَحَسُنَ وُقُوع الْمَاضِي فِي مَوْضِع الْمُسْتَقْبَل لِمَا فِي الْكَلَام مِنْ مَعْنَى الْمُجَازَاة , وَالْمُجَازَاة لَا تَكُون إِلَّا بِالْمُسْتَقْبَلِ ; قَالَهُ الْخَلِيل وَغَيْره .
أَيْ لَيَظَلُّنَّ ; وَحَسُنَ وُقُوع الْمَاضِي فِي مَوْضِع الْمُسْتَقْبَل لِمَا فِي الْكَلَام مِنْ مَعْنَى الْمُجَازَاة , وَالْمُجَازَاة لَا تَكُون إِلَّا بِالْمُسْتَقْبَلِ ; قَالَهُ الْخَلِيل وَغَيْره .
أَيْ وَضَحَتْ الْحُجَج يَا مُحَمَّد ; لَكِنَّهُمْ لِإِلْفِهِمْ تَقْلِيد الْأَسْلَاف فِي الْكُفْر مَاتَتْ عُقُولهمْ وَعَمِيَتْ بَصَائِرهمْ , فَلَا يَتَهَيَّأ لَك إِسْمَاعهمْ وَهِدَايَتهمْ . وَهَذَا رَدّ عَلَى الْقَدَرِيَّة .
وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ ↓
أَيْ لَا تُسْمِع مَوَاعِظ اللَّه إِلَّا الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يُصْغُونَ إِلَى أَدِلَّة التَّوْحِيد وَخُلِقَتْ لَهُمْ الْهِدَايَة . وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي " النَّمْل " وَوَقَعَ قَوْله " بِهَادِ الْعُمْي " هُنَا بِغَيْرِ يَاء .
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ↓
ذُكِرَ اِسْتِدْلَالًا آخَر عَلَى قُدْرَته فِي نَفْس الْإِنْسَان لِيَعْتَبِر . وَمَعْنَى : " مِنْ ضَعْف " مِنْ نُطْفَة ضَعِيفَة . وَقِيلَ : " مِنْ ضَعْف " أَيْ فِي حَال ضَعْف ; وَهُوَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الِابْتِدَاء مِنْ الطُّفُولَة وَالصِّغَر . وَأَجَازَ النَّحْوِيُّونَ الْكُوفِيُّونَ " مِنْ ضَعْف " بِفَتْحِ الْعَيْن , وَكَذَا كُلّ مَا كَانَ فِيهِ حَرْف مِنْ حُرُوف الْحَلْق ثَانِيًا أَوْ ثَالِثًا .
يَعْنِي الشَّبِيبَة .
يَعْنِي الْهَرَم . وَقَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة : بِفَتْحِ الضَّاد فِيهِنَّ , الْبَاقُونَ بِالضَّمِّ , لُغَتَانِ , وَالضَّمّ لُغَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيّ : " مِنْ ضَعْف ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْد ضَعَف " بِالْفَتْحِ فِيهِمَا ; " ضُعْفًا " بِالضَّمِّ خَاصَّة . أَرَادَ أَنْ يَجْمَع بَيْن اللُّغَتَيْنِ . قَالَ الْفَرَّاء : الضَّمّ لُغَة قُرَيْش , وَالْفَتْح لُغَة تَمِيم . الْجَوْهَرِيّ : الضَّعْف وَالضُّعْف : خِلَاف الْقُوَّة . وَقِيلَ : الضَّعْف بِالْفَتْحِ فِي الرَّأْي , وَبِالضَّمِّ فِي الْجَسَد ; وَمِنْهُ الْحَدِيث فِي الرَّجُل الَّذِي كَانَ يُخْدَع فِي الْبُيُوع : ( أَنَّهُ يَبْتَاع وَفِي عُقْدَته ضَعْف ) . " وَشَيْبَة " مَصْدَر كَالشَّيْبِ , وَالْمَصْدَر يَصْلُح لِلْجُمْلَةِ , وَكَذَلِكَ الْقَوْل فِي الضَّعْف وَالْقُوَّة .
يَعْنِي مِنْ قُوَّة وَضَعْف .
بِتَدْبِيرِهِ .
عَلَى إِرَادَته .
يَعْنِي الشَّبِيبَة .
يَعْنِي الْهَرَم . وَقَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة : بِفَتْحِ الضَّاد فِيهِنَّ , الْبَاقُونَ بِالضَّمِّ , لُغَتَانِ , وَالضَّمّ لُغَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيّ : " مِنْ ضَعْف ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْد ضَعَف " بِالْفَتْحِ فِيهِمَا ; " ضُعْفًا " بِالضَّمِّ خَاصَّة . أَرَادَ أَنْ يَجْمَع بَيْن اللُّغَتَيْنِ . قَالَ الْفَرَّاء : الضَّمّ لُغَة قُرَيْش , وَالْفَتْح لُغَة تَمِيم . الْجَوْهَرِيّ : الضَّعْف وَالضُّعْف : خِلَاف الْقُوَّة . وَقِيلَ : الضَّعْف بِالْفَتْحِ فِي الرَّأْي , وَبِالضَّمِّ فِي الْجَسَد ; وَمِنْهُ الْحَدِيث فِي الرَّجُل الَّذِي كَانَ يُخْدَع فِي الْبُيُوع : ( أَنَّهُ يَبْتَاع وَفِي عُقْدَته ضَعْف ) . " وَشَيْبَة " مَصْدَر كَالشَّيْبِ , وَالْمَصْدَر يَصْلُح لِلْجُمْلَةِ , وَكَذَلِكَ الْقَوْل فِي الضَّعْف وَالْقُوَّة .
يَعْنِي مِنْ قُوَّة وَضَعْف .
بِتَدْبِيرِهِ .
عَلَى إِرَادَته .
وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ ↓
أَيْ يَحْلِف الْمُشْرِكُونَ .
لَيْسَ فِي هَذَا رَدّ لِعَذَابِ الْقَبْر ; إِذْ كَانَ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْر طَرِيق أَنَّهُ تَعَوَّذَ مِنْهُ , وَأَمَرَ أَنْ يَتَعَوَّذ مِنْهُ ; فَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود قَالَ : سَمِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمّ حَبِيبَة وَهِيَ تَقُول : اللَّهُمَّ أَمْتِعْنِي بِزَوْجِي رَسُول اللَّه , وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَان , وَبِأَخِي مُعَاوِيَة ; فَقَالَ لَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَقَدْ سَأَلْت اللَّه لِآجَالٍ مَضْرُوبَة وَأَرْزَاق مَقْسُومَة وَلَكِنْ سَلِيهِ أَنْ يُعِيذك مِنْ عَذَاب جَهَنَّم وَعَذَاب الْقَبْر ) فِي أَحَادِيث مَشْهُورَة خَرَّجَهَا مُسْلِم وَالْبُخَارِيّ وَغَيْرهمَا . وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْهَا جُمْلَة فِي كِتَاب ( التَّذْكِرَة ) . وَفِي مَعْنَى : " مَا لَبِثُوا غَيْر سَاعَة " قَوْلَانِ : أَحَدهمَا : أَنَّهُ لَا بُدّ مِنْ خَمْدَة قَبْل يَوْم الْقِيَامَة ; فَعَلَى هَذَا قَالُوا : مَا لَبِثْنَا غَيْر سَاعَة . وَالْقَوْل الْآخَر : أَنَّهُمْ يَعْنُونَ فِي الدُّنْيَا لِزَوَالِهَا وَانْقِطَاعهَا , كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى : " كَأَنَّهُمْ يَوْم يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّة أَوْ ضُحَاهَا " [ النَّازِعَات : 46 ] كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَة مِنْ نَهَار , وَإِنْ كَانُوا قَدْ أَقْسَمُوا عَلَى غَيْب وَعَلَى غَيْر مَا يَدْرُونَ .
أَيْ كَانُوا يَكْذِبُونَ فِي الدُّنْيَا ; يُقَال : أُفِكَ الرَّجُل إِذَا صُرِفَ عَنْ الصِّدْق وَالْخَيْر . وَأَرْض مَأْفُوكَة : مَمْنُوعَة مِنْ الْمَطَر . وَقَدْ زَعَمَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل النَّظَر أَنَّ الْقِيَامَة لَا يَجُوز أَنْ يَكُون فِيهَا كَذِب لِمَا هُمْ فِيهِ , وَالْقُرْآن يَدُلّ عَلَى غَيْر ذَلِكَ , قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ " أَيْ كَمَا صُرِفُوا عَنْ الْحَقّ فِي قَسَمهمْ أَنَّهُمْ مَا لَبِثُوا غَيْر سَاعَة كَذَلِكَ كَانُوا يُصْرَفُونَ عَنْ الْحَقّ فِي الدُّنْيَا ; وَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ : " يَوْم يَبْعَثهُمْ اللَّه جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْء أَلَا إِنَّهُمْ هُمْ الْكَاذِبُونَ " [ الْمُجَادَلَة : 18 ] وَقَالَ : " ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتهمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ . اُنْظُرْ كَيْف كَذَبُوا " [ الْأَنْعَام : 23 - 24 ] .
لَيْسَ فِي هَذَا رَدّ لِعَذَابِ الْقَبْر ; إِذْ كَانَ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْر طَرِيق أَنَّهُ تَعَوَّذَ مِنْهُ , وَأَمَرَ أَنْ يَتَعَوَّذ مِنْهُ ; فَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود قَالَ : سَمِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمّ حَبِيبَة وَهِيَ تَقُول : اللَّهُمَّ أَمْتِعْنِي بِزَوْجِي رَسُول اللَّه , وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَان , وَبِأَخِي مُعَاوِيَة ; فَقَالَ لَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَقَدْ سَأَلْت اللَّه لِآجَالٍ مَضْرُوبَة وَأَرْزَاق مَقْسُومَة وَلَكِنْ سَلِيهِ أَنْ يُعِيذك مِنْ عَذَاب جَهَنَّم وَعَذَاب الْقَبْر ) فِي أَحَادِيث مَشْهُورَة خَرَّجَهَا مُسْلِم وَالْبُخَارِيّ وَغَيْرهمَا . وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْهَا جُمْلَة فِي كِتَاب ( التَّذْكِرَة ) . وَفِي مَعْنَى : " مَا لَبِثُوا غَيْر سَاعَة " قَوْلَانِ : أَحَدهمَا : أَنَّهُ لَا بُدّ مِنْ خَمْدَة قَبْل يَوْم الْقِيَامَة ; فَعَلَى هَذَا قَالُوا : مَا لَبِثْنَا غَيْر سَاعَة . وَالْقَوْل الْآخَر : أَنَّهُمْ يَعْنُونَ فِي الدُّنْيَا لِزَوَالِهَا وَانْقِطَاعهَا , كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى : " كَأَنَّهُمْ يَوْم يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّة أَوْ ضُحَاهَا " [ النَّازِعَات : 46 ] كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَة مِنْ نَهَار , وَإِنْ كَانُوا قَدْ أَقْسَمُوا عَلَى غَيْب وَعَلَى غَيْر مَا يَدْرُونَ .
أَيْ كَانُوا يَكْذِبُونَ فِي الدُّنْيَا ; يُقَال : أُفِكَ الرَّجُل إِذَا صُرِفَ عَنْ الصِّدْق وَالْخَيْر . وَأَرْض مَأْفُوكَة : مَمْنُوعَة مِنْ الْمَطَر . وَقَدْ زَعَمَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل النَّظَر أَنَّ الْقِيَامَة لَا يَجُوز أَنْ يَكُون فِيهَا كَذِب لِمَا هُمْ فِيهِ , وَالْقُرْآن يَدُلّ عَلَى غَيْر ذَلِكَ , قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ " أَيْ كَمَا صُرِفُوا عَنْ الْحَقّ فِي قَسَمهمْ أَنَّهُمْ مَا لَبِثُوا غَيْر سَاعَة كَذَلِكَ كَانُوا يُصْرَفُونَ عَنْ الْحَقّ فِي الدُّنْيَا ; وَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ : " يَوْم يَبْعَثهُمْ اللَّه جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْء أَلَا إِنَّهُمْ هُمْ الْكَاذِبُونَ " [ الْمُجَادَلَة : 18 ] وَقَالَ : " ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتهمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ . اُنْظُرْ كَيْف كَذَبُوا " [ الْأَنْعَام : 23 - 24 ] .
وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ ↓
اُخْتُلِفَ فِي الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْم ; فَقِيلَ الْمَلَائِكَة . وَقِيلَ الْأَنْبِيَاء . وَقِيلَ عُلَمَاء الْأُمَم . وَقِيلَ مُؤْمِنُو هَذِهِ الْأُمَّة . وَقِيلَ جَمِيع الْمُؤْمِنِينَ ; أَيْ يَقُول الْمُؤْمِنُونَ لِلْكُفَّارِ رَدًّا عَلَيْهِمْ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي قُبُوركُمْ إِلَى يَوْم الْبَعْث . وَالْفَاء فِي قَوْله :
جَوَاب لِشَرْطٍ مَحْذُوف دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَام ; مَجَازه : إِنْ كُنْتُمْ مُنْكِرِينَ الْبَعْث فَهَذَا يَوْم الْبَعْث . وَحَكَى يَعْقُوب عَنْ بَعْض الْقُرَّاء وَهِيَ قِرَاءَة الْحَسَن : " إِلَى يَوْم الْبَعَث " بِالتَّحْرِيكِ ; وَهَذَا مِمَّا فِيهِ حَرْف مِنْ حُرُوف الْحَلْق . وَقِيلَ : مَعْنَى " فِي كِتَاب اللَّه " فِي حُكْم اللَّه . وَقِيلَ : فِي الْكَلَام تَقْدِيم وَتَأْخِير ; أَيْ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْم فِي كِتَاب اللَّه وَالْإِيمَان لَقَدْ لَبِثْتُمْ إِلَى يَوْم الْبَعْث ; قَالَهُ مُقَاتِل وَقَتَادَة وَالسُّدِّيّ . الْقُشَيْرِيّ : وَعَلَى هَذَا " أُوتُوا الْعِلْم " بِمَعْنَى كِتَاب اللَّه . وَقِيلَ : الَّذِينَ حُكِمَ لَهُمْ فِي الْكِتَاب بِالْعِلْمِ " فَهَذَا يَوْم الْبَعْث " أَيْ الْيَوْم الَّذِي كُنْتُمْ تُنْكِرُونَهُ .
جَوَاب لِشَرْطٍ مَحْذُوف دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَام ; مَجَازه : إِنْ كُنْتُمْ مُنْكِرِينَ الْبَعْث فَهَذَا يَوْم الْبَعْث . وَحَكَى يَعْقُوب عَنْ بَعْض الْقُرَّاء وَهِيَ قِرَاءَة الْحَسَن : " إِلَى يَوْم الْبَعَث " بِالتَّحْرِيكِ ; وَهَذَا مِمَّا فِيهِ حَرْف مِنْ حُرُوف الْحَلْق . وَقِيلَ : مَعْنَى " فِي كِتَاب اللَّه " فِي حُكْم اللَّه . وَقِيلَ : فِي الْكَلَام تَقْدِيم وَتَأْخِير ; أَيْ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْم فِي كِتَاب اللَّه وَالْإِيمَان لَقَدْ لَبِثْتُمْ إِلَى يَوْم الْبَعْث ; قَالَهُ مُقَاتِل وَقَتَادَة وَالسُّدِّيّ . الْقُشَيْرِيّ : وَعَلَى هَذَا " أُوتُوا الْعِلْم " بِمَعْنَى كِتَاب اللَّه . وَقِيلَ : الَّذِينَ حُكِمَ لَهُمْ فِي الْكِتَاب بِالْعِلْمِ " فَهَذَا يَوْم الْبَعْث " أَيْ الْيَوْم الَّذِي كُنْتُمْ تُنْكِرُونَهُ .
أَيْ لَا يَنْفَعهُمْ الْعِلْم بِالْقِيَامَةِ وَلَا الِاعْتِذَار يَوْمئِذٍ . وَقِيلَ : لَمَّا رَدَّ عَلَيْهِمْ الْمُؤْمِنُونَ سَأَلُوا الرُّجُوع إِلَى الدُّنْيَا وَاعْتَذَرُوا فَلَمْ يُعْذَرُوا .
أَيْ وَلَا حَالهمْ حَال مَنْ يُسْتَعْتَب وَيَرْجِع ; يُقَال : اِسْتَعْتَبْته فَأَعْتَبَنِي , أَيْ اِسْتَرْضَيْته فَأَرْضَانِي , وَذَلِكَ إِذَا كُنْت جَانِيًا عَلَيْهِ . وَحَقِيقَة أَعَتَبْته : أَزَلْت عَتْبه . وَسَيَأْتِي فِي " فُصِّلَتْ " بَيَانه . وَقَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ : " فَيَوْمئِذٍ لَا يَنْفَع " بِالْيَاءِ , وَالْبَاقُونَ بِالتَّاءِ .
أَيْ وَلَا حَالهمْ حَال مَنْ يُسْتَعْتَب وَيَرْجِع ; يُقَال : اِسْتَعْتَبْته فَأَعْتَبَنِي , أَيْ اِسْتَرْضَيْته فَأَرْضَانِي , وَذَلِكَ إِذَا كُنْت جَانِيًا عَلَيْهِ . وَحَقِيقَة أَعَتَبْته : أَزَلْت عَتْبه . وَسَيَأْتِي فِي " فُصِّلَتْ " بَيَانه . وَقَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ : " فَيَوْمئِذٍ لَا يَنْفَع " بِالْيَاءِ , وَالْبَاقُونَ بِالتَّاءِ .
وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِن جِئْتَهُم بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ ↓
أَيْ مِنْ كُلّ مَثَل يَدُلّهُمْ عَلَى مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ , وَيُنَبِّههُمْ عَلَى التَّوْحِيد وَصِدْق الرُّسُل .
أَيْ مُعْجِزَة ; كَفَلْقِ الْبَحْر وَالْعَصَا وَغَيْرهمَا
يَقُول الْكُفَّار إِنْ أَنْتُمْ يَا مَعْشَر الْمُؤْمِنِينَ .
أَيْ تَتَّبِعُونَ الْبَاطِل وَالسِّحْر
أَيْ مُعْجِزَة ; كَفَلْقِ الْبَحْر وَالْعَصَا وَغَيْرهمَا
يَقُول الْكُفَّار إِنْ أَنْتُمْ يَا مَعْشَر الْمُؤْمِنِينَ .
أَيْ تَتَّبِعُونَ الْبَاطِل وَالسِّحْر
أَيْ كَمَا طَبَعَ اللَّه عَلَى قُلُوبهمْ حَتَّى لَا يَفْهَمُوا الْآيَات عَنْ اللَّه فَكَذَلِكَ " يَطْبَع اللَّه عَلَى قُلُوب الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ " أَدِلَّة التَّوْحِيد
أَيْ اِصْبِرْ عَلَى أَذَاهُمْ فَإِنَّ اللَّه يَنْصُرك
أَيْ لَا يَسْتَفِزَّنَّكَ عَنْ دِينك
قِيلَ : هُوَ النَّضْر بْن الْحَارِث . وَالْخِطَاب لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَاد أُمَّته ; يُقَال : اِسْتَخَفَّ فُلَان فُلَانًا أَيْ اِسْتَجْهَلَهُ حَتَّى حَمَلَهُ عَلَى اِتِّبَاعه فِي الْغَيّ . وَهُوَ فِي مَوْضِع جَزْم بِالنَّهْيِ , أَكَّدَ بِالنُّونِ الثَّقِيلَة فَبُنِيَ عَلَى الْفَتْح كَمَا يُبْنَى الشَّيْئَانِ إِذَا ضُمَّ أَحَدهمَا إِلَى الْآخَر . " الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ " فِي مَوْضِع رَفْع , وَمِنْ الْعَرَب مَنْ يَقُول : اللَّذُونَ فِي مَوْضِع الرَّفْع . وَقَدْ مَضَى فِي الْفَاتِحَة.
أَيْ لَا يَسْتَفِزَّنَّكَ عَنْ دِينك
قِيلَ : هُوَ النَّضْر بْن الْحَارِث . وَالْخِطَاب لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَاد أُمَّته ; يُقَال : اِسْتَخَفَّ فُلَان فُلَانًا أَيْ اِسْتَجْهَلَهُ حَتَّى حَمَلَهُ عَلَى اِتِّبَاعه فِي الْغَيّ . وَهُوَ فِي مَوْضِع جَزْم بِالنَّهْيِ , أَكَّدَ بِالنُّونِ الثَّقِيلَة فَبُنِيَ عَلَى الْفَتْح كَمَا يُبْنَى الشَّيْئَانِ إِذَا ضُمَّ أَحَدهمَا إِلَى الْآخَر . " الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ " فِي مَوْضِع رَفْع , وَمِنْ الْعَرَب مَنْ يَقُول : اللَّذُونَ فِي مَوْضِع الرَّفْع . وَقَدْ مَضَى فِي الْفَاتِحَة.