أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ↑
أَيْ السُّفُن " تَجْرِي " فِي مَوْضِع الْخَبَر . " فِي الْبَحْر بِنِعْمَةِ اللَّه " أَيْ بِلُطْفِهِ بِكُمْ وَبِرَحْمَتِهِ لَكُمْ فِي خَلَاصكُمْ مِنْهُ . وَقَرَأَ اِبْن هُرْمُز : " بِنِعْمَات اللَّه " جَمْع نِعْمَة وَهُوَ جَمْع السَّلَامَة , وَكَانَ الْأَصْل تَحْرِيك الْعَيْن فَأُسْكِنَتْ . " لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاته " " مِنْ " لِلتَّبْعِيضِ , أَيْ لِيُرِيَكُمْ جَرْي السُّفُن ; قَالَهُ يَحْيَى بْن سَلَّام . وَقَالَ اِبْن شَجَرَة : " مِنْ آيَاته " مَا تُشَاهِدُونَ مِنْ قُدْرَة اللَّه تَعَالَى فِيهِ . النَّقَّاش : مَا يَرْزُقهُمْ اللَّه مِنْهُ . وَقَالَ الْحَسَن : مِفْتَاح الْبِحَار السُّفُن , وَمِفْتَاح الْأَرْض الطُّرُق , وَمِفْتَاح السَّمَاء الدُّعَاء .
أَيْ صَبَّار لِقَضَائِهِ شَكُور عَلَى نَعْمَائِهِ . وَقَالَ أَهْل الْمَعَانِي : أَرَادَ لِكُلِّ مُؤْمِن بِهَذِهِ الصِّفَة ; لِأَنَّ الصَّبْر وَالشُّكْر مِنْ أَفْضَلِ خِصَال الْإِيمَان . وَالْآيَة : الْعَلَامَة , وَالْعَلَامَة لَا تَسْتَبِين فِي صَدْر كُلّ مُؤْمِن إِنَّمَا تَسْتَبِين لِمَنْ صَبَرَ عَلَى الْبَلَاء وَشَكَرَ عَلَى الرَّخَاء . قَالَ الشَّعْبِيّ : الصَّبْر نِصْف الْإِيمَان , وَالشُّكْر نِصْف الْإِيمَان , وَالْيَقِين الْإِيمَان كُلّه ; أَلَمْ تَرَ إِلَى قَوْله تَعَالَى : " إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات لِكُلِّ صَبَّار شَكُور " وَقَوْله : " وَفِي الْأَرْض آيَات لِلْمُوقِنِينَ " [ الذَّارِيَات : 20 ] وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام : ( الْإِيمَان نِصْفَانِ نِصْف صَبْر وَنِصْف شُكْر ) .
أَيْ صَبَّار لِقَضَائِهِ شَكُور عَلَى نَعْمَائِهِ . وَقَالَ أَهْل الْمَعَانِي : أَرَادَ لِكُلِّ مُؤْمِن بِهَذِهِ الصِّفَة ; لِأَنَّ الصَّبْر وَالشُّكْر مِنْ أَفْضَلِ خِصَال الْإِيمَان . وَالْآيَة : الْعَلَامَة , وَالْعَلَامَة لَا تَسْتَبِين فِي صَدْر كُلّ مُؤْمِن إِنَّمَا تَسْتَبِين لِمَنْ صَبَرَ عَلَى الْبَلَاء وَشَكَرَ عَلَى الرَّخَاء . قَالَ الشَّعْبِيّ : الصَّبْر نِصْف الْإِيمَان , وَالشُّكْر نِصْف الْإِيمَان , وَالْيَقِين الْإِيمَان كُلّه ; أَلَمْ تَرَ إِلَى قَوْله تَعَالَى : " إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات لِكُلِّ صَبَّار شَكُور " وَقَوْله : " وَفِي الْأَرْض آيَات لِلْمُوقِنِينَ " [ الذَّارِيَات : 20 ] وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام : ( الْإِيمَان نِصْفَانِ نِصْف صَبْر وَنِصْف شُكْر ) .
وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ↓
قَالَ مُقَاتِل : كَالْجِبَالِ . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : كَالسَّحَابِ ; وَقَالَهُ قَتَادَة : جَمْع ظُلَّة ; شُبِّهَ الْمَوْج بِهَا لِكِبَرِهَا وَارْتِفَاعهَا . قَالَ النَّابِغَة فِي وَصْف بَحْر : يُمَاشِيهِنَّ أَخْضَرُ ذُو ظِلَال عَلَى حَافَّاته فِلَق الدِّنَان وَإِنَّمَا شُبِّهَ الْمَوْج وَهُوَ وَاحِد بِالظِّلِّ وَهُوَ جَمْع ; لِأَنَّ الْمَوْج يَأْتِي شَيْئًا بَعْد شَيْء وَيَرْكَب بَعْضه بَعْضًا كَالظُّلَلِ . وَقِيلَ : هُوَ بِمَعْنَى الْجَمْع , وَإِنَّمَا لَمْ يُجْمَع لِأَنَّهُ مَصْدَر . وَأَصْله مِنْ الْحَرَكَة وَالِازْدِحَام ; وَمِنْهُ : مَاجَ الْبَحْر , وَالنَّاس يَمُوجُونَ . قَالَ كَعْب : فَجِئْنَا إِلَى مَوْج مِنْ الْبَحْر وَسْطه أَحَابِيش مِنْهُمْ حَاسِر وَمُقَنَّع وَقَرَأَ مُحَمَّد بْن الْحَنَفِيَّة : " مَوْج كَالظِّلَالِ " جَمْع ظِلّ .
مُوَحِّدِينَ لَهُ لَا يَدْعُونَ لِخَلَاصِهِمْ سِوَاهُ ; وَقَدْ تَقَدَّمَ .
يَعْنِي مِنْ الْبَحْر .
قَالَ اِبْن عَبَّاس : مُوفٍ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ اللَّه فِي الْبَحْر . النَّقَّاش : يَعْنِي عَدَلَ فِي الْعَهْد , وَفَى فِي الْبَرّ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ اللَّه فِي الْبَحْر . وَقَالَ الْحَسَن : " مُقْتَصِد " مُؤْمِن مُتَمَسِّك بِالتَّوْحِيدِ وَالطَّاعَة . وَقَالَ مُجَاهِد : " مُقْتَصِد " فِي الْقَوْل مُضْمِر لِلْكُفْرِ . وَقِيلَ : فِي الْكَلَام حَذْف ; وَالْمَعْنَى : فَمِنْهُمْ مُقْتَصِد وَمِنْهُمْ كَافِر . وَدَلَّ عَلَى الْمَحْذُوف قَوْله تَعَالَى :
الْخَتَّار : الْغَدَّار . وَالْخَتْر : أَسْوَأ الْغَدْر . قَالَ عَمْرو بْن مَعْد يَكْرِب : فَإِنَّك لَوْ رَأَيْت أَبَا عُمَيْر مَلَأْت يَدَيْك مِنْ غَدْر وَخَتْر وَقَالَ الْأَعْشَى : بِالْأَبْلَقِ الْفَرْد مِنْ تَيْمَاء مَنْزِله حِصْن حَصِين وَجَار غَيْر خَتَّار قَالَ الْجَوْهَرِيّ : الْخَتْر الْغَدْر ; يُقَال : خَتَرَهُ فَهُوَ خَتَّار . الْمَاوَرْدِيّ : وَهُوَ قَوْل الْجُمْهُور . وَقَالَ عَطِيَّة : إِنَّهُ الْجَاحِد . وَيُقَال : خَتَرَ يَخْتُر وَيَخْتِر ( بِالضَّمِّ وَالْكَسْر ) خَتْرًا ; ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيّ , وَجَحْد الْآيَات إِنْكَار أَعْيَانهَا . وَالْجَحْد بِالْآيَاتِ إِنْكَار دَلَائِلهَا .
مُوَحِّدِينَ لَهُ لَا يَدْعُونَ لِخَلَاصِهِمْ سِوَاهُ ; وَقَدْ تَقَدَّمَ .
يَعْنِي مِنْ الْبَحْر .
قَالَ اِبْن عَبَّاس : مُوفٍ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ اللَّه فِي الْبَحْر . النَّقَّاش : يَعْنِي عَدَلَ فِي الْعَهْد , وَفَى فِي الْبَرّ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ اللَّه فِي الْبَحْر . وَقَالَ الْحَسَن : " مُقْتَصِد " مُؤْمِن مُتَمَسِّك بِالتَّوْحِيدِ وَالطَّاعَة . وَقَالَ مُجَاهِد : " مُقْتَصِد " فِي الْقَوْل مُضْمِر لِلْكُفْرِ . وَقِيلَ : فِي الْكَلَام حَذْف ; وَالْمَعْنَى : فَمِنْهُمْ مُقْتَصِد وَمِنْهُمْ كَافِر . وَدَلَّ عَلَى الْمَحْذُوف قَوْله تَعَالَى :
الْخَتَّار : الْغَدَّار . وَالْخَتْر : أَسْوَأ الْغَدْر . قَالَ عَمْرو بْن مَعْد يَكْرِب : فَإِنَّك لَوْ رَأَيْت أَبَا عُمَيْر مَلَأْت يَدَيْك مِنْ غَدْر وَخَتْر وَقَالَ الْأَعْشَى : بِالْأَبْلَقِ الْفَرْد مِنْ تَيْمَاء مَنْزِله حِصْن حَصِين وَجَار غَيْر خَتَّار قَالَ الْجَوْهَرِيّ : الْخَتْر الْغَدْر ; يُقَال : خَتَرَهُ فَهُوَ خَتَّار . الْمَاوَرْدِيّ : وَهُوَ قَوْل الْجُمْهُور . وَقَالَ عَطِيَّة : إِنَّهُ الْجَاحِد . وَيُقَال : خَتَرَ يَخْتُر وَيَخْتِر ( بِالضَّمِّ وَالْكَسْر ) خَتْرًا ; ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيّ , وَجَحْد الْآيَات إِنْكَار أَعْيَانهَا . وَالْجَحْد بِالْآيَاتِ إِنْكَار دَلَائِلهَا .
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ↓
يَعْنِي الْكَافِر وَالْمُؤْمِن ; أَيْ خَافُوهُ وَوَحَّدُوهُ .
تَقَدَّمَ مَعْنَى " يَجْزِي " فِي الْبَقَرَة وَغَيْرهَا . فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثَة مِنْ الْوَلَد لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْث لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ إِلَّا تَحِلَّة الْقَسَم ) . وَقَالَ : ( مَنْ اُبْتُلِيَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْبَنَات فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنْ النَّار ) . قِيلَ لَهُ : الْمَعْنِيّ بِهَذِهِ الْآيَة أَنَّهُ لَا يَحْمِل وَالِد ذَنْب وَلَده , وَلَا مَوْلُود ذَنْب وَالِده , وَلَا يُؤَاخَذ أَحَدهمَا عَنْ الْآخَر . وَالْمَعْنِيّ بِالْأَخْبَارِ أَنَّ ثَوَاب الصَّبْر عَلَى الْمَوْت وَالْإِحْسَان إِلَى الْبَنَات يَحْجُب الْعَبْد عَنْ النَّار , وَيَكُون الْوَلَد سَابِقًا لَهُ إِلَى الْجَنَّة .
أَيْ الْبَعْث
أَيْ تَخْدَعَنَّكُمْ
بِزِينَتِهَا وَمَا تَدْعُو إِلَيْهِ فَتَتَّكِلُوا عَلَيْهَا وَتَرْكَنُوا إِلَيْهَا وَتَتْرُكُوا الْعَمَل لِلْآخِرَةِ
قِرَاءَة الْعَامَّة هُنَا وَفِي سُورَة الْمَلَائِكَة وَالْحَدِيد بِفَتْحِ الْغَيْن , وَهُوَ الشَّيْطَان فِي قَوْل مُجَاهِد وَغَيْره , وَهُوَ الَّذِي يَغُرّ الْخَلْق وَيُمَنِّيهِمْ الدُّنْيَا وَيُلْهِيهِمْ عَنْ الْآخِرَة ; وَفِي سُورَة " النِّسَاء " : " يَعِدهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ " . وَقَرَأَ سِمَاك بْن حَرْب وَأَبُو حَيْوَة وَابْن السَّمَيْقَع بِضَمِّ الْغَيْن ; أَيْ لَا تَغْتَرُّوا . كَأَنَّهُ مَصْدَر غَرَّ يَغُرّ غُرُورًا . قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : هُوَ أَنْ يَعْمَل بِالْمَعْصِيَةِ وَيَتَمَنَّى الْمَغْفِرَة .
تَقَدَّمَ مَعْنَى " يَجْزِي " فِي الْبَقَرَة وَغَيْرهَا . فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثَة مِنْ الْوَلَد لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْث لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ إِلَّا تَحِلَّة الْقَسَم ) . وَقَالَ : ( مَنْ اُبْتُلِيَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْبَنَات فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنْ النَّار ) . قِيلَ لَهُ : الْمَعْنِيّ بِهَذِهِ الْآيَة أَنَّهُ لَا يَحْمِل وَالِد ذَنْب وَلَده , وَلَا مَوْلُود ذَنْب وَالِده , وَلَا يُؤَاخَذ أَحَدهمَا عَنْ الْآخَر . وَالْمَعْنِيّ بِالْأَخْبَارِ أَنَّ ثَوَاب الصَّبْر عَلَى الْمَوْت وَالْإِحْسَان إِلَى الْبَنَات يَحْجُب الْعَبْد عَنْ النَّار , وَيَكُون الْوَلَد سَابِقًا لَهُ إِلَى الْجَنَّة .
أَيْ الْبَعْث
أَيْ تَخْدَعَنَّكُمْ
بِزِينَتِهَا وَمَا تَدْعُو إِلَيْهِ فَتَتَّكِلُوا عَلَيْهَا وَتَرْكَنُوا إِلَيْهَا وَتَتْرُكُوا الْعَمَل لِلْآخِرَةِ
قِرَاءَة الْعَامَّة هُنَا وَفِي سُورَة الْمَلَائِكَة وَالْحَدِيد بِفَتْحِ الْغَيْن , وَهُوَ الشَّيْطَان فِي قَوْل مُجَاهِد وَغَيْره , وَهُوَ الَّذِي يَغُرّ الْخَلْق وَيُمَنِّيهِمْ الدُّنْيَا وَيُلْهِيهِمْ عَنْ الْآخِرَة ; وَفِي سُورَة " النِّسَاء " : " يَعِدهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ " . وَقَرَأَ سِمَاك بْن حَرْب وَأَبُو حَيْوَة وَابْن السَّمَيْقَع بِضَمِّ الْغَيْن ; أَيْ لَا تَغْتَرُّوا . كَأَنَّهُ مَصْدَر غَرَّ يَغُرّ غُرُورًا . قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : هُوَ أَنْ يَعْمَل بِالْمَعْصِيَةِ وَيَتَمَنَّى الْمَغْفِرَة .
إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ↓
زَعَمَ الْفَرَّاء أَنَّ هَذَا مَعْنَى النَّفْي ; أَيْ مَا يَعْلَمهُ أَحَد إِلَّا اللَّه تَعَالَى . قَالَ أَبُو جَعْفَر النَّحَّاس : وَإِنَّمَا صَارَ فِيهِ مَعْنَى النَّفْي وَالْإِيجَاب بِتَوْقِيفِ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي قَوْله اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " وَعِنْده مَفَاتِح الْغَيْب لَا يَعْلَمهَا إِلَّا هُوَ " [ الْأَنْعَام : 59 ] : ( إِنَّهَا هَذِهِ ) : قُلْت : قَدْ ذَكَرْنَا فِي سُورَة " الْأَنْعَام " حَدِيث اِبْن عُمَر فِي هَذَا , خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ . وَفِي حَدِيث جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ : ( أَخْبِرْنِي عَنْ السَّاعَة ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا الْمَسْئُول عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنْ السَّائِل , هُنَّ خَمْس لَا يَعْلَمهُنَّ إِلَّا اللَّه تَعَالَى : إِنَّ اللَّه عِنْده عِلْم السَّاعَة وَيُنَزِّل الْغَيْث وَيَعْلَم مَا فِي الْأَرْحَام وَمَا تَدْرِي نَفْس مَا تَكْسِب غَدًا ) قَالَ : ( صَدَقْت ) . لَفْظ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ . وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود : كُلّ شَيْء أُوتِيَ نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْر خَمْس : " إِنَّ اللَّه عِنْده عِلْم السَّاعَة , الْآيَة إِلَى آخِرهَا . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : هَذِهِ الْخَمْسَة لَا يَعْلَمهَا إِلَّا اللَّه تَعَالَى , وَلَا يَعْلَمهَا مَلَك مُقَرَّب وَلَا نَبِيّ مُرْسَل ; فَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ يَعْلَم شَيْئًا مِنْ هَذِهِ فَقَدْ كَفَرَ بِالْقُرْآنِ ; لِأَنَّهُ خَالَفَهُ . ثُمَّ إِنَّ الْأَنْبِيَاء يَعْلَمُونَ كَثِيرًا مِنْ الْغَيْب بِتَعْرِيفِ اللَّه تَعَالَى إِيَّاهُمْ . وَالْمُرَاد إِبْطَال كَوْن الْكَهَنَة وَالْمُنَجِّمِينَ وَمَنْ يَسْتَسْقِي بِالْأَنْوَاءِ وَقَدْ يَعْرِف بِطُولِ التَّجَارِب أَشْيَاء مِنْ ذُكُورَة الْحَمْل وَأُنُوثَته إِلَى غَيْر ذَلِكَ ; حَسْبَمَا تَقَدَّمَ ذِكْره فِي الْأَنْعَام . وَقَدْ تَخْتَلِف التَّجْرِبَة وَتَنْكَسِر الْعَادَة وَيَبْقَى الْعِلْم لِلَّهِ تَعَالَى وَحْده . وَرُوِيَ أَنَّ يَهُودِيًّا كَانَ يَحْسُب حِسَاب النُّجُوم , فَقَالَ لِابْنِ عَبَّاس : إِنْ شِئْت نَبَّأْتُك نَجْم اِبْنك , وَأَنَّهُ يَمُوت بَعْد عَشَرَة أَيَّام , وَأَنْتَ لَا تَمُوت حَتَّى تَعْمَى , وَأَنَا لَا يَحُول عَلَيَّ الْحَوْل حَتَّى أَمُوت . قَالَ : فَأَيْنَ مَوْتك يَا يَهُودِيّ ؟ فَقَالَ : لَا أَدْرِي . فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : صَدَقَ اللَّه . " وَمَا تَدْرِي نَفْس بِأَيِّ أَرْض تَمُوت " فَرَجَعَ اِبْن عَبَّاس فَوَجَدَ اِبْنه مَحْمُومًا , وَمَاتَ بَعْد عَشَرَة أَيَّام . وَمَاتَ الْيَهُودِيّ قَبْل الْحَوْل , وَمَاتَ اِبْن عَبَّاس أَعْمَى . قَالَ عَلِيّ بْن الْحُسَيْن رَاوِي هَذَا الْحَدِيث : هَذَا أَعْجَبُ الْأَحَادِيث . وَقَالَ مُقَاتِل : إِنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي رَجُل مِنْ أَهْل الْبَادِيَة اِسْمه الْوَارِث بْن عَمْرو بْن حَارِثَة , أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنَّ اِمْرَأَتِي حُبْلَى فَأَخْبِرْنِي مَاذَا تَلِد , وَبِلَادنَا جَدْبَة فَأَخْبِرْنِي مَتَى يَنْزِل الْغَيْث , وَقَدْ عَلِمْت مَتَى وُلِدْت فَأَخْبِرْنِي مَتَى أَمُوت , وَقَدْ عَلِمْت مَا عَمِلْت الْيَوْم فَأَخْبِرْنِي مَاذَا أَعْمَل غَدًا , وَأَخْبِرْنِي مَتَى تَقُوم السَّاعَة ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى هَذِهِ الْآيَة ; ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيّ وَالْمَاوَرْدِيّ . وَرَوَى أَبُو الْمَلِيح عَنْ أَبِي عَزَّة الْهُذَلِيّ قَالَ قَالَ رَسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا أَرَادَ اللَّه تَعَالَى قَبْض رُوح عَبْد بِأَرْضٍ جَعَلَ لَهُ إِلَيْهَا حَاجَة فَلَمْ يَنْتَهِ حَتَّى يَقْدَمهَا - ثُمَّ قَرَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " إِنَّ اللَّه عِنْده عِلْم السَّاعَة - إِلَى قَوْله - بِأَيِّ أَرْض تَمُوت " ) ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ , وَخَرَّجَهُ اِبْن مَاجَهْ مِنْ حَدِيث اِبْن مَسْعُود بِمَعْنَاهُ . وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَاب { التَّذْكِرَة } مُسْتَوْفًى . وَقِرَاءَة الْعَامَّة : " وَيُنَزِّل " مُشَدَّدًا . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَأَبُو عَمْرو وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ مُخَفَّفًا . وَقَرَأَ أُبَيّ بْن كَعْب : " بِأَيَّةِ أَرْض " الْبَاقُونَ " بِأَيِّ أَرْض " . قَالَ الْفَرَّاء : اِكْتَفَى بِتَأْنِيثِ الْأَرْض مِنْ تَأْنِيث أَيّ . وَقِيلَ : أَرَادَ بِالْأَرْضِ الْمَكَان فَذَكَّرَ . قَالَ الشَّاعِر : فَلَا مُزْنَة وَدَقَتْ وَدَقَهَا وَلَا أَرْض أَبْقَلَ إِبْقَالهَا وَقَالَ الْأَخْفَ : يَجُوز مَرَرْت بِجَارِيَةٍ أَيّ جَارِيَة , وَأَيَّة جَارِيَة . وَشَبَّهَ سِيبَوَيْهِ تَأْنِيث " أَيّ " بِتَأْنِيثِ كُلٍّ فِي قَوْلِهِمْ : كُلَّتُهُنَّ .
"خَبِير " نَعْت ل " عَلِيم " أَوْ خَبَر بَعْد خَبَر . وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَمُ .
"خَبِير " نَعْت ل " عَلِيم " أَوْ خَبَر بَعْد خَبَر . وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَمُ .