الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3
مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاسورة الأحزاب الآية رقم 61
هَذَا تَمَام الْكَلَام عِنْد مُحَمَّد بْن يَزِيد , وَهُوَ مَنْصُوب عَلَى الْحَال . وَقَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : " قَلِيلًا مَلْعُونِينَ " وَقْف حَسَن . النَّحَّاس : وَيَجُوز أَنْ يَكُون التَّمَام " إِلَّا قَلِيلًا " وَتُنْصَب " مَلْعُونِينَ " عَلَى الشَّتْم . كَمَا قَرَأَ عِيسَى بْن عُمَر : " وَامْرَأَته حَمَّالَةَ الْحَطَب " . وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْض النَّحْوِيِّينَ أَنَّهُ قَالَ : يَكُون الْمَعْنَى أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا مَلْعُونِينَ . وَهَذَا خَطَأ لَا يَعْمَل مَا كَانَ مَعَ الْمُجَازَاة فِيمَا قَبْله . وَقِيلَ : مَعْنَى الْآيَة إِنْ أَصَرُّوا عَلَى النِّفَاق لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مُقَام بِالْمَدِينَةِ إِلَّا وَهُمْ مَطْرُودُونَ مَلْعُونُونَ . وَقَدْ فُعِلَ بِهِمْ هَذَا , فَإِنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ سُورَة " التَّوْبَة " جُمِعُوا , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا فُلَان قُمْ فَاخْرُجْ فَإِنَّك مُنَافِق وَيَا فُلَان قُمْ ) فَقَامَ إِخْوَانهمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَتَوَلَّوْا إِخْرَاجهمْ مِنْ الْمَسْجِد .
سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاسورة الأحزاب الآية رقم 62
نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَر ; أَيْ سَنَّ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ فِيمَنْ أَرْجَفَ بِالْأَنْبِيَاءِ وَأَظْهَرَ نِفَاقه أَنْ يُؤْخَذ وَيُقْتَل .

أَيْ تَحْوِيلًا وَتَغْيِيرًا , حَكَاهُ النَّقَّاش . وَقَالَ السُّدِّيّ : يَعْنِي أَنَّ مَنْ قُتِلَ بِحَقٍّ فَلَا دِيَة عَلَى قَاتِله . الْمَهْدَوِيّ : وَفِي الْآيَة دَلِيل عَلَى جَوَاز تَرْك إِنْفَاذ الْوَعِيد , وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ بَقَاء الْمُنَافِقِينَ مَعَهُ حَتَّى مَاتَ . وَالْمَعْرُوف مِنْ أَهْل الْفَضْل إِتْمَام وَعْدهمْ وَتَأْخِير وَعِيدهمْ , وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي " آل عِمْرَان " وَغَيْرهَا .
يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًاسورة الأحزاب الآية رقم 63
هَؤُلَاءِ الْمُؤْذُونَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تُوُعِّدُوا بِالْعَذَابِ سَأَلُوا عَنْ السَّاعَة , اِسْتِبْعَادًا وَتَكْذِيبًا , مُوهِمِينَ أَنَّهَا لَا تَكُون .

أَيْ أَجِبْهُمْ عَنْ سُؤَالهمْ وَقُلْ عِلْمهَا عِنْد اللَّه , وَلَيْسَ فِي إِخْفَاء اللَّه وَقْتَهَا عَنِّي مَا يُبْطِل نُبُوَّتِي , وَلَيْسَ مِنْ شَرْط النَّبِيّ أَنْ يَعْلَم الْغَيْب بِغَيْرِ تَعْلِيم مِنْ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ .

أَيْ مَا يُعْلِمك .

أَيْ فِي زَمَان قَرِيب . وَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بُعِثْت أَنَا وَالسَّاعَة كَهَاتَيْنِ ) وَأَشَارَ إِلَى السَّبَّابَة وَالْوُسْطَى , خَرَّجَهُ أَهْل الصَّحِيح . وَقِيلَ : أَيْ لَيْتَ السَّاعَة تَكُون قَرِيبًا , فَحُذِفَ هَاء التَّأْنِيث ذَهَابًا بِالسَّاعَةِ إِلَى الْيَوْم ; كَقَوْلِهِ : " إِنَّ رَحْمَة اللَّه قَرِيب مِنْ الْمُحْسِنِينَ " [ الْأَعْرَاف : 56 ] وَلَمْ يَقُلْ قَرِيبَة ذَهَابًا بِالرَّحْمَةِ إِلَى الْعَفْو , إِذْ لَيْسَ تَأْنِيثهَا أَصْلِيًّا . وَقَدْ مَضَى هَذَا مُسْتَوْفًى . وَقِيلَ : إِنَّمَا أَخْفَى وَقْت السَّاعَة لِيَكُونَ الْعَبْد مُسْتَعِدًّا لَهَا فِي كُلّ وَقْت .
إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًاسورة الأحزاب الآية رقم 64
أَيْ طَرَدَهُمْ وَأَبْعَدَهُمْ . وَاللَّعْن : الطَّرْد وَالْإِبْعَاد عَنْ الرَّحْمَة . وَقَدْ مَضَى فِي " الْبَقَرَة " بَيَانه .

أَنَّثَ السَّعِير لِأَنَّهَا بِمَعْنَى النَّار .
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لّا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًاسورة الأحزاب الآية رقم 65
خَالِدِينَ فِي السَّعِير لَا يَجِدُونَ مَنْ يُنَجِّيهِمْ مِنْ عَذَاب اللَّه وَالْخُلُود فِيهِ .
يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولاسورة الأحزاب الآية رقم 66
قِرَاءَة الْعَامَّة بِضَمِّ التَّاء وَفَتْح اللَّام , عَلَى الْفِعْل الْمَجْهُول . وَقَرَأَ عِيسَى الْهَمْدَانِيّ وَابْن إِسْحَاق : " نُقَلِّب " بِنُونٍ وَكَسْر اللَّام . " وُجُوهَهُمْ " نَصْبًا . وَقَرَأَ عِيسَى أَيْضًا : " تُقَلِّب " بِضَمِّ التَّاء وَكَسْر اللَّام عَلَى مَعْنَى تُقَلِّب السَّعِير وُجُوههمْ . وَهَذَا التَّقْلِيب تَغْيِير أَلْوَانهمْ بِلَفْحِ النَّار , فَتَسْوَدّ مَرَّة وَتَخْضَرّ أُخْرَى . وَإِذَا بُدِّلَتْ جُلُودهمْ بِجُلُودٍ أُخَر فَحِينَئِذٍ يَتَمَنَّوْنَ أَنَّهُمْ مَا كَفَرُوا

وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمَعْنَى : يَقُولُونَ يَوْم تُقَلَّب وُجُوههمْ فِي النَّار يَا لَيْتَنَا .

أَيْ لَمْ نَكْفُر فَنَنْجُو مِنْ هَذَا الْعَذَاب كَمَا نَجَا الْمُؤْمِنُونَ . وَهَذِهِ الْأَلِف تَقَع فِي الْفَوَاصِل فَيُوقَف عَلَيْهَا وَلَا يُوصَل بِهَا . وَكَذَا " السَّبِيلَا " وَقَدْ مَضَى فِي أَوَّل السُّورَة .
وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاسورة الأحزاب الآية رقم 67
قَرَأَ الْحَسَن : " سَادَاتِنَا " بِكَسْرِ التَّاء , جَمْع سَادَة . وَكَانَ فِي هَذَا زَجْر عَنْ التَّقْلِيد . وَالسَّادَة جَمْع السَّيِّد , وَهُوَ فَعَلَة , مِثْل كَتَبَة وَفَجَرَة . وَسَادَاتنَا جَمْع الْجَمْع . وَالسَّادَة وَالْكُبَرَاء بِمَعْنًى . وَقَالَ قَتَادَة : هُمْ الْمُطْعِمُونَ فِي غَزْوَة بَدْر . وَالْأَظْهَر الْعُمُوم فِي الْقَادَة وَالرُّؤَسَاء فِي الشِّرْك وَالضَّلَالَة , أَيْ أَطَعْنَاهُمْ فِي مَعْصِيَتك وَمَا دَعَوْنَا إِلَيْهِ

أَيْ عَنْ السَّبِيل وَهُوَ التَّوْحِيد , فَلَمَّا حُذِفَ الْجَارّ وُصِلَ الْفِعْلُ فَنُصِبَ . وَالْإِضْلَال لَا يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ مِنْ غَيْر تَوَسُّط حَرْف الْجَرّ , كَقَوْلِهِ : " لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْر " [ الْفُرْقَان : 29 ]
رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًاسورة الأحزاب الآية رقم 68
قَالَ قَتَادَة : عَذَاب الدُّنْيَا وَعَذَاب الْآخِرَة . وَقِيلَ : عَذَاب الْكُفْر وَعَذَاب الْإِضْلَال ; أَيْ عَذِّبْهُمْ مِثْلَيْ مَا تُعَذِّبنَا فَإِنَّهُمْ ضَلُّوا وَأَضَلُّوا .

قَرَأَ اِبْن مَسْعُود وَأَصْحَابه وَيَحْيَى وَعَاصِم بِالْبَاءِ . الْبَاقُونَ بِالثَّاءِ , وَاخْتَارَهُ أَبُو حَاتِم وَأَبُو عُبَيْد وَالنَّحَّاس , لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " أُولَئِكَ يَلْعَنهُمْ اللَّه وَيَلْعَنهُمْ اللَّاعِنُونَ " [ الْبَقَرَة : 159 ] وَهَذَا الْمَعْنَى كَثِير . وَقَالَ مُحَمَّد بْن أَبِي السَّرِيّ : رَأَيْت فِي الْمَنَام كَأَنِّي فِي مَسْجِد عَسْقَلَان وَكَأَنَّ رَجُلًا يُنَاظِرنِي فِيمَنْ يُبْغِض أَصْحَاب مُحَمَّد فَقَالَ : وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَثِيرًا , ثُمَّ كَرَّرَهَا حَتَّى غَابَ عَنِّي , لَا يَقُولهَا إِلَّا بِالثَّاءِ . وَقِرَاءَة الْبَاء تَرْجِع فِي الْمَعْنَى إِلَى الثَّاء ; لِأَنَّ مَا كَبُرَ كَانَ كَثِيرًا عَظِيم الْمِقْدَار .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًاسورة الأحزاب الآية رقم 69
لَمَّا ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى الْمُنَافِقِينَ وَالْكُفَّار الَّذِينَ آذَوْا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ , حَذَّرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ التَّعَرُّض لِلْإِيذَاءِ , وَنَهَاهُمْ عَنْ التَّشَبُّه بِبَنِي إِسْرَائِيل فِي أَذِيَّتهمْ نَبِيَّهُمْ مُوسَى . وَاخْتَلَفَ النَّاس فِيمَا أُوذِيَ بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُوسَى , فَحَكَى النَّقَّاش أَنَّ أَذِيَّتهمْ مُحَمَّدًا عَلَيْهِ السَّلَام قَوْلهمْ : زَيْد بْن مُحَمَّد . وَقَالَ أَبُو وَائِل : أَذِيَّته أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ قَسْمًا فَقَالَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار : إِنَّ هَذِهِ الْقِسْمَة مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْه اللَّه , فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَضِبَ وَقَالَ : ( رَحِمَ اللَّه مُوسَى لَقَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ ) وَأَمَّا أَذِيَّة مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَجَمَاعَة : هِيَ مَا تَضَمَّنَهُ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ : ( كَانَ بَنُو إِسْرَائِيل يَغْتَسِلُونَ عُرَاة وَكَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام يَتَسَتَّر كَثِيرًا وَيُخْفِي بَدَنه فَقَالَ قَوْم هُوَ آدَرُ وَأَبْرَصُ أَوْ بِهِ آفَة , فَانْطَلَقَ ذَات يَوْم يَغْتَسِل فِي عَيْن بِأَرْضِ الشَّام وَجَعَلَ ثِيَابه عَلَى صَخْرَة فَفَرَّ الْحَجَرُ بِثِيَابِهِ وَاتَّبَعَهُ مُوسَى عُرْيَانًا يَقُول ثَوْبِي حَجَرُ ثَوْبِي حَجَرُ حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى مَلَإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل فَنَظَرُوا إِلَيْهِ وَهُوَ مِنْ أَحْسَنِهِمْ خَلْقًا وَأَعْدَلِهِمْ صُورَة وَلَيْسَ بِهِ الَّذِي قَالُوا فَهُوَ قَوْله تَبَارَكَ وَتَعَالَى " فَبَرَّأَهُ اللَّه مِمَّا قَالُوا " أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم بِمَعْنَاهُ . وَلَفْظ مُسْلِم : قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيل يَغْتَسِلُونَ عُرَاة يَنْظُر بَعْضهمْ إِلَى سَوْأَة بَعْض وَكَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام يَغْتَسِل وَحْده فَقَالُوا وَاَللَّه مَا يَمْنَعُ مُوسَى أَنْ يَغْتَسِل مَعَنَا إِلَّا أَنَّهُ آدَر قَالَ فَذَهَبَ يَوْمًا يَغْتَسِل فَوَضَعَ ثَوْبه عَلَى حَجَر فَفَرَّ الْحَجَر بِثَوْبِهِ قَالَ فَجَمَحَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام بِإِثْرِهِ يَقُول ثَوْبِي حَجَر ثَوْبِي حَجَر حَتَّى نَظَرَتْ بَنُو إِسْرَائِيل إِلَى سَوْأَة مُوسَى وَقَالُوا وَاَللَّه مَا بِمُوسَى مِنْ بَأْس فَقَامَ الْحَجَر حَتَّى نَظَر إِلَيْهِ قَالَ فَأَخَذَ ثَوْبه فَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَرْبًا ) قَالَ أَبُو هُرَيْرَة : وَاَللَّه إِنَّهُ بِالْحَجَرِ نَدَبٌ سِتَّة أَوْ سَبْعَة ضَرْبُ مُوسَى بِالْحَجَرِ . فَهَذَا قَوْل . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : آذَوْا مُوسَى بِأَنْ قَالُوا : قَتَلَ هَارُونَ ; وَذَلِكَ أَنَّ مُوسَى وَهَارُون خَرَجَا مِنْ فَحْص التِّيه إِلَى جَبَل فَمَاتَ هَارُون فِيهِ , فَجَاءَ مُوسَى فَقَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيل لِمُوسَى : أَنْتَ قَتَلْته وَكَانَ أَلْيَنَ لَنَا مِنْك وَأَشَدَّ حُبًّا . فَآذَوْهُ بِذَلِكَ فَأَمَرَ اللَّه تَعَالَى الْمَلَائِكَة فَحَمَلَتْهُ حَتَّى طَافُوا بِهِ فِي بَنِي إِسْرَائِيل , وَرَأَوْا آيَة عَظِيمَة دَلَّتْهُمْ عَلَى صِدْق مُوسَى , وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ أَثَر الْقَتْل . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الْمَلَائِكَة تَكَلَّمَتْ بِمَوْتِهِ وَلَمْ يَعْرِف مَوْضِع قَبْره إِلَّا الرَّخَم , وَإِنَّهُ تَعَالَى جَعَلَهُ أَصَمَّ أَبْكَمَ . وَمَاتَ هَارُون قَبْل مُوسَى فِي التِّيه , وَمَاتَ مُوسَى قَبْل اِنْقِضَاء مُدَّة التِّيه بِشَهْرَيْنِ . وَحَكَى الْقُشَيْرِيّ عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ : أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَحْيَا هَارُون فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلهُ , ثُمَّ مَاتَ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ أَذِيَّة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام رَمْيُهُمْ إِيَّاهُ بِالسِّحْرِ وَالْجُنُون . وَالصَّحِيح الْأَوَّل . وَيَحْتَمِل أَنْ فَعَلُوا كُلّ ذَلِكَ فَبَرَّأَهُ اللَّه مِنْ جَمِيع ذَلِكَ . مَسْأَلَة : فِي وَضْع مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ثَوْبَهُ عَلَى الْحَجَر وَدُخُول فِي الْمَاء عُرْيَانًا دَلِيل عَلَى جَوَاز ذَلِكَ , وَهُوَ مَذْهَب الْجُمْهُور . وَمَنَعَهُ اِبْن أَبِي لَيْلَى وَاحْتَجَّ بِحَدِيثٍ لَمْ يَصِحّ ; وَهُوَ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَدْخُلُوا الْمَاء إِلَّا بِمِئْزَرٍ فَإِنَّ لِلْمَاءِ عَامِرًا ) . قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : وَهُوَ ضَعِيف عِنْد أَهْل الْعِلْم .

قُلْت : أَمَّا إِنَّهُ يُسْتَحَبّ التَّسَتُّر لَمَّا رَوَاهُ إِسْرَائِيل عَنْ عَبْد الْأَعْلَى أَنَّ الْحَسَن بْن عَلِيّ دَخَلَ غَدِيرًا وَعَلَيْهِ بُرْدٌ لَهُ مُتَوَشِّحًا بِهِ , فَلَمَّا خَرَجَ قِيلَ لَهُ , قَالَ : إِنَّمَا تَسَتَّرْت مِمَّنْ يَرَانِي وَلَا أَرَاهُ ; يَعْنِي مِنْ رَبِّي وَالْمَلَائِكَة . فَإِنْ قِيلَ : كَيْف نَادَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام الْحَجَر نِدَاء مَنْ يَعْقِل ؟ قِيلَ : لِأَنَّهُ صَدَرَ عَنْ الْحَجَر فِعْل مَنْ يَعْقِل . و " حَجَرُ " مُنَادًى مُفْرَدٌ مَحْذُوف حَرْف النِّدَاء , كَمَا قَالَ تَعَالَى : " يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا " [ يُوسُف : 29 ] . و " ثَوْبِي " مَنْصُوب بِفِعْلٍ مُضْمَر ; التَّقْدِير : أَعْطِنِي ثَوْبِي , أَوْ اُتْرُكْ ثَوْبِي , فَحُذِفَ الْفِعْل لِدَلَالَةِ الْحَال عَلَيْهِ .

أَيْ عَظِيمًا . وَالْوَجِيه عِنْد الْعَرَب : الْعَظِيم الْقَدْر الرَّفِيع الْمَنْزِلَة . وَيُرْوَى أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَأَلَ اللَّه شَيْئًا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ . وَقَرَأَ اِبْن مَسْعُود : " وَكَانَ عَبْدًا لِلَّهِ " . وَقِيلَ : مَعْنَى " وَجِيهًا " أَيْ كَلَّمَهُ تَكْلِيمًا . قَالَ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ فِي ( كِتَاب الرَّدّ ) : زَعَمَ مَنْ طَعَنَ فِي الْقُرْآن أَنَّ الْمُسْلِمِينَ صَحَّفُوا " وَكَانَ عِنْد اللَّه وَجِيهًا " وَأَنَّ الصَّوَاب عِنْده " وَكَانَ عَبْدًا لِلَّهِ وَجِيهًا " وَذَلِكَ يَدُلّ عَلَى ضَعْف مَقْصِده وَنُقْصَان فَهْمه وَقِلَّة عِلْمه , وَذَلِكَ أَنَّ الْآيَة لَوْ حُمِلَتْ عَلَى قَوْله وَقُرِئَتْ : " وَكَانَ عَبْدًا " نَقَصَ الثَّنَاء عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ; وَذَلِكَ أَنَّ " وَجِيهًا " يَكُون عِنْد أَهْل الدُّنْيَا وَعِنْد أَهْل زَمَانه وَعِنْد أَهْل الْآخِرَة , فَلَا يُوقَف عَلَى مَكَان الْمَدْح , لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ وَجِيهًا عِنْد بَنِي الدُّنْيَا كَانَ ذَلِكَ إِنْعَامًا مِنْ اللَّه عَلَيْهِ لَا يَبِين عَلَيْهِ مَعَهُ ثَنَاء مِنْ اللَّه . فَلَمَّا أَوْضَحَ اللَّه تَعَالَى مَوْضِع الْمَدْح بِقَوْلِهِ : " وَكَانَ عِنْد اللَّه وَجِيهًا " اِسْتَحَقَّ الشَّرَف وَأَعْظَمَ الرِّفْعَة بِأَنَّ الْوَجَاهَة عِنْد اللَّه , فَمَنْ غَيَّرَ اللَّفْظَ صَرَفَ عَنْ نَبِيّ اللَّه أَفْخَرَ الثَّنَاء وَأَعْظَمَ الْمَدْح .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًاسورة الأحزاب الآية رقم 70
أَيْ قَصْدًا وَحَقًّا . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : أَيْ صَوَابًا . وَقَالَ قَتَادَة وَمُقَاتِل : يَعْنِي قُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا فِي شَأْن زَيْنَب وَزَيْد , وَلَا تَنْسُبُوا النَّبِيّ إِلَى مَا لَا يَحِلّ . وَقَالَ عِكْرِمَة وَابْن عَبَّاس أَيْضًا : الْقَوْل السَّدَاد لَا إِلَه إِلَّا اللَّه . وَقِيلَ : هُوَ الَّذِي يُوَافِق ظَاهِره بَاطِنه . وَقِيلَ : هُوَ مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْه اللَّه دُون غَيْره . وَقِيلَ : هُوَ الْإِصْلَاح بَيْن الْمُتَشَاجِرِينَ . وَهُوَ مَأْخُوذ مِنْ تَسْدِيد السَّهْم لِيُصَابَ بِهِ الْغَرَضُ . وَالْقَوْل السَّدَاد يَعُمّ الْخَيْرَات , فَهُوَ عَامّ فِي جَمِيع مَا ذُكِرَ وَغَيْر ذَلِكَ . وَظَاهِر الْآيَة يُعْطِي أَنَّهُ إِنَّمَا أَشَارَ إِلَى مَا يَكُون خِلَافًا لِلْأَذَى الَّذِي قِيلَ فِي جِهَة الرَّسُول وَجِهَة الْمُؤْمِنِينَ .
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًاسورة الأحزاب الآية رقم 71
وَعَدَ جَلَّ وَعَزَّ بِأَنَّهُ يُجَازِي عَلَى الْقَوْل السَّدَاد بِإِصْلَاحِ الْأَعْمَال وَغُفْرَان الذُّنُوب ; وَحَسْبُك بِذَلِكَ دَرَجَة وَرِفْعَة وَمَنْزِلَة .

أَيْ فِيمَا أَمَرَ بِهِ وَنَهَى عَنْهُ
إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاسورة الأحزاب الآية رقم 72
لَمَّا بَيَّنَ تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَة مِنْ الْأَحْكَام مَا بَيَّنَ , أَمَرَ بِالْتِزَامِ أَوَامِره . وَالْأَمَانَة تَعُمّ جَمِيع وَظَائِف الدِّين عَلَى الصَّحِيح مِنْ الْأَقْوَال , وَهُوَ قَوْل الْجُمْهُور . رَوَى التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم أَبُو عَبْد اللَّه : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن نَصْر عَنْ صَالِح بْن عَبْد اللَّه عَنْ مُحَمَّد بْن يَزِيد بْن جَوْهَر عَنْ الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قَالَ اللَّه تَعَالَى لِآدَم يَا آدَم إِنِّي عَرَضْت الْأَمَانَة عَلَى السَّمَوَات وَالْأَرْض فَلَمْ تُطِقْهَا فَهَلْ أَنْتَ حَامِلهَا بِمَا فِيهَا فَقَالَ وَمَا فِيهَا يَا رَبّ قَالَ إِنْ حَمَلْتهَا أُجِرْت وَإِنْ ضَيَّعْتهَا عُذِّبْت فَاحْتَمَلَهَا بِمَا فِيهَا فَلَمْ يَلْبَث فِي الْجَنَّة إِلَّا قَدْرَ مَا بَيْن صَلَاة الْأُولَى إِلَى الْعَصْر حَتَّى أَخْرَجَهُ الشَّيْطَان مِنْهَا ) . فَالْأَمَانَة هِيَ الْفَرَائِض الَّتِي اِئْتَمَنَ اللَّه عَلَيْهَا الْعِبَاد . وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَفَاصِيل بَعْضهَا عَلَى أَقْوَال ; فَقَالَ اِبْن مَسْعُود : هِيَ فِي أَمَانَات الْأَمْوَال كَالْوَدَائِعِ وَغَيْرهَا . وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا فِي كُلّ الْفَرَائِض , وَأَشَدُّهَا أَمَانَة الْمَال . وَقَالَ أُبَيّ بْن كَعْب : مِنْ الْأَمَانَة أَنْ اُؤْتُمِنَتْ الْمَرْأَة عَلَى فَرْجهَا . وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء : غُسْل الْجَنَابَة أَمَانَة , وَإِنَّ اللَّه تَعَالَى لَمْ يَأْمَن اِبْن آدَم عَلَى شَيْء مِنْ دِينه غَيْرهَا . وَفِي حَدِيث مَرْفُوع ( الْأَمَانَة الصَّلَاة ) إِنْ شِئْت قُلْت قَدْ صَلَّيْت وَإِنْ شِئْت قُلْت لَمْ أُصَلِّ . وَكَذَلِكَ الصِّيَام وَغُسْل الْجَنَابَة . وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاص : أَوَّل مَا خَلَقَ اللَّه تَعَالَى مِنْ الْإِنْسَان فَرْجه وَقَالَ هَذِهِ أَمَانَة اِسْتَوْدَعْتُكهَا , فَلَا تَلْبَسهَا إِلَّا بِحَقٍّ . فَإِنْ حَفِظْتهَا حَفِظْتك , فَالْفَرْج أَمَانَة , وَالْأُذُن أَمَانَة , وَالْعَيْن أَمَانَة , وَاللِّسَان أَمَانَة , وَالْبَطْن أَمَانَة , وَالْيَد أَمَانَة , وَالرِّجْل أَمَانَة , وَلَا إِيمَان لِمَنْ لَا أَمَانَة لَهُ . وَقَالَ السُّدِّيّ : هِيَ اِئْتِمَان آدَمَ اِبْنَهُ قَابِيلَ عَلَى وَلَدِهِ وَأَهْلِهِ , وَخِيَانَته إِيَّاهُ فِي قَتْل أَخِيهِ . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ لَهُ : ( يَا آدَم , هَلْ تَعْلَم أَنَّ لِي بَيْتًا فِي الْأَرْض ) قَالَ : ( اللَّهُمَّ لَا ) قَالَ : ( فَإِنَّ لِي بَيْتًا بِمَكَّة فَأْتِهِ ) فَقَالَ لِلسَّمَاءِ : اِحْفَظِي وَلَدِي بِالْأَمَانَةِ ؟ فَأَبَتْ , وَقَالَ لِلْأَرْضِ : اِحْفَظِي وَلَدِي بِالْأَمَانَةِ فَأَبَتْ , وَقَالَ لِلْجِبَالِ كَذَلِكَ فَأَبَتْ . فَقَالَ لِقَابِيلَ : اِحْفَظْ وَلَدِي بِالْأَمَانَةِ , فَقَالَ نَعَمْ , تَذْهَب وَتَرْجِع فَتَجِد وَلَدك كَمَا يَسُرّك . فَرَجَعَ فَوَجَدَهُ قَدْ قَتَلَ أَخَاهُ , فَذَلِكَ قَوْله تَبَارَكَ وَتَعَالَى : " إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَة عَلَى السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا " . الْآيَة . وَرَوَى مَعْمَر عَنْ الْحَسَن أَنَّ الْأَمَانَة عُرِضَتْ عَلَى السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال , قَالَتْ : وَمَا فِيهَا ؟ قِيلَ لَهَا : إِنْ أَحْسَنْت جُوزِيت وَإِنْ أَسَأْت عُوقِبْت . فَقَالَتْ لَا . قَالَ مُجَاهِد : فَلَمَّا خَلَقَ اللَّه تَعَالَى آدَم عَرَضَهَا عَلَيْهِ , قَالَ : وَمَا هِيَ ؟ قَالَ : إِنْ أَحْسَنْت أَجَرْتُك وَإِنْ أَسَأْت عَذَّبْتُك . قَالَ : فَقَدْ تَحَمَّلْتهَا يَا رَبّ . قَالَ مُجَاهِد : فَمَا كَانَ بَيْن أَنْ تَحَمَّلَهَا إِلَى أَنْ أُخْرِجَ مِنْ الْجَنَّة إِلَّا قَدْر مَا بَيْن الظُّهْر وَالْعَصْر . وَرَوَى عَلِيّ بْن طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى : " إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَة عَلَى السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال " قَالَ : الْأَمَانَة الْفَرَائِض , عَرَضَهَا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال , إِنْ أَدَّوْهَا أَثَابَهُمْ , وَإِنْ ضَيَّعُوهَا عَذَّبَهُمْ . فَكَرِهُوا ذَلِكَ وَأَشْفَقُوا مِنْ غَيْر مَعْصِيَة , وَلَكِنْ تَعْظِيمًا لِدِينِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَلَّا يَقُومُوا بِهِ . ثُمَّ عَرَضَهَا عَلَى آدَم فَقَبِلَهَا بِمَا فِيهَا . قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا الْقَوْل هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَهْل التَّفْسِير . وَقِيلَ : لَمَّا حَضَرَتْ آدَمَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَفَاة أُمِرَ أَنْ يَعْرِض الْأَمَانَة عَلَى الْخَلْق , فَعَرَضَهَا فَلَمْ يَقْبَلهَا إِلَّا بَنُوهُ . وَقِيلَ : هَذِهِ الْأَمَانَة هِيَ مَا أَوْدَعَهُ اللَّه تَعَالَى فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال وَالْخَلْق , مِنْ الدَّلَائِل عَلَى رُبُوبِيَّته أَنْ يُظْهِرُوهَا فَأَظْهَرُوهَا , إِلَّا الْإِنْسَان فَإِنَّهُ كَتَمَهَا وَجَحَدَهَا ; قَالَهُ بَعْض الْمُتَكَلِّمِينَ . وَمَعْنَى " عَرَضْنَا " أَظْهَرْنَا , كَمَا تَقُول : عَرَضْت الْجَارِيَة عَلَى الْبَيْع . وَالْمَعْنَى إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَة وَتَضْيِيعهَا عَلَى أَهْل السَّمَوَات وَأَهْل الْأَرْض مِنْ الْمَلَائِكَة وَالْإِنْس وَالْجِنّ " فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا " أَيْ أَنْ يَحْمِلْنَ وِزْرهَا , كَمَا قَالَ جَلَّ وَعَزَّ : " وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالهمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالهمْ " [ الْعَنْكَبُوت : 13 ] .

" وَحَمَلَهَا الْإِنْسَان " قَالَ الْحَسَن : الْمُرَاد الْكَافِر وَالْمُنَافِق . " إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا " لِنَفْسِهِ " جَهُولًا " بِرَبِّهِ . فَيَكُون عَلَى هَذَا الْجَوَاب مَجَازًا , مِثْل : " وَاسْأَلْ الْقَرْيَة " [ يُوسُف : 82 ] . وَفِيهِ جَوَاب آخَر عَلَى أَنْ يَكُون حَقِيقَة أَنَّهُ عَرَضَ عَلَى السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال الْأَمَانَة وَتَضْيِيعهَا وَهِيَ الثَّوَاب وَالْعِقَاب , أَيْ أَظْهَرَ . لَهُنَّ ذَلِكَ فَلَمْ يَحْمِلْنَ وِزْرهَا , وَأَشْفَقَتْ وَقَالَتْ : لَا أَبْتَغِي ثَوَابًا وَلَا عِقَابًا , وَكُلّ يَقُول : هَذَا أَمْر لَا نُطِيقهُ , وَنَحْنُ لَك سَامِعُونَ وَمُطِيعُونَ فِيمَا أُمِرْنَ بِهِ وَسُخِّرْنَ لَهُ , قَالَ الْحَسَن وَغَيْره . قَالَ الْعُلَمَاء : مَعْلُوم أَنَّ الْجَمَاد لَا يَفْهَم وَلَا يُجِيب , فَلَا بُدّ مِنْ تَقْدِير الْحَيَاة عَلَى الْقَوْل الْأَخِير . وَهَذَا الْعَرْض عَرْض تَخْيِير لَا إِلْزَام . وَالْعَرْض عَلَى الْإِنْسَان إِلْزَام . وَقَالَ الْقَفَّال وَغَيْره : الْعَرْض فِي هَذِهِ الْآيَة ضَرْب مَثَل , أَيْ أَنَّ السَّمَوَات وَالْأَرْض عَلَى كِبَر أَجْرَامهَا , لَوْ كَانَتْ بِحَيْثُ يَجُوز تَكْلِيفهَا لَثَقُلَ عَلَيْهَا تَقَلُّد الشَّرَائِع , لِمَا فِيهَا مِنْ الثَّوَاب وَالْعِقَاب , أَيْ أَنَّ التَّكْلِيف أَمْر حَقّه أَنْ تَعْجِز عَنْهُ السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال , وَقَدْ كُلِّفَهُ الْإِنْسَان وَهُوَ ظَلُوم جَهُول لَوْ عَقَلَ . وَهَذَا كَقَوْلِهِ : " لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآن عَلَى جَبَل " [ الْحَشْر : 21 ] - ثُمَّ قَالَ : - " وَتِلْكَ الْأَمْثَال نَضْرِبهَا لِلنَّاسِ " [ الْحَشْر : 21 ] . قَالَ الْقَفَّال : فَإِذَا تَقَرَّرَ فِي أَنَّهُ تَعَالَى يَضْرِب الْأَمْثَال , وَوَرَدَ عَلَيْنَا مِنْ الْخَبَر مَا لَا يَخْرُج إِلَّا عَلَى ضَرْب الْمَثَل , وَجَبَ حَمْله عَلَيْهِ . وَقَالَ قَوْم : إِنَّ الْآيَة مِنْ الْمَجَاز , أَيْ إِنَّا إِذَا قَايَسْنَا ثِقَل الْأَمَانَة بِقُوَّةِ السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال , رَأَيْنَا أَنَّهَا لَا تُطِيقهَا , وَأَنَّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ لَأَبَتْ وَأَشْفَقَتْ , فَعَبَّرَ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ . " إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَة " الْآيَة . وَهَذَا كَمَا تَقُول : عَرَضْت الْحِمْل عَلَى الْبَعِير فَأَبَاهُ , وَأَنْتَ تُرِيد قَايَسْت قُوَّته بِثِقَلِ الْحِمْل , فَرَأَيْت أَنَّهَا تَقْصُر عَنْهُ . وَقِيلَ : " عَرَضْنَا " بِمَعْنَى عَارَضْنَا الْأَمَانَة بِالسَّمَوَاتِ وَالْأَرْض وَالْجِبَال فَضَعُفَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاء عَنْ الْأَمَانَة , وَرَجَحَتْ الْأَمَانَة بِثِقَلِهَا عَلَيْهَا . وَقِيلَ : إِنَّ عَرْض الْأَمَانَة عَلَى السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال , إِنَّمَا كَانَ مِنْ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى لَمَّا اِسْتَخْلَفَهُ عَلَى ذُرِّيَّته , وَسَلَّطَهُ عَلَى جَمِيع مَا فِي الْأَرْض مِنْ الْأَنْعَام وَالطَّيْر وَالْوَحْش , وَعَهِدَ إِلَيْهِ عَهْدًا أَمَرَهُ فِيهِ وَنَهَاهُ وَحَرَّمَ وَأَحَلَّ , فَقَبِلَهُ وَلَمْ يَزَلْ عَامِلًا بِهِ . فَلَمَّا أَنْ حَضَرَتْهُ الْوَفَاة سَأَلَ اللَّه أَنْ يُعْلِمهُ مَنْ يَسْتَخْلِف بَعْده , وَيُقَلِّدهُ مِنْ الْأَمَانَة مَا تَقَلَّدَهُ , فَأَمَرَهُ أَنْ يَعْرِض ذَلِكَ عَلَى السَّمَوَات بِالشَّرْطِ الَّذِي أُخِذَ عَلَيْهِ مِنْ الثَّوَاب إِنْ أَطَاعَ وَمِنْ الْعِقَاب إِنْ عَصَى , فَأَبَيْنَ أَنْ يَقْبَلْنَهُ شَفَقًا مِنْ عَذَاب اللَّه . ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَعْرِض ذَلِكَ عَلَى الْأَرْض وَالْجِبَال كُلّهَا فَأَبَيَاهُ . ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَعْرِض ذَلِكَ عَلَى وَلَده فَعَرَضَهُ عَلَيْهِ فَقَبِلَهُ بِالشَّرْطِ , وَلَمْ يَهَبْ مِنْهُ مَا تَهَيَّبَتْ السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال . " إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا " لِنَفْسِهِ " جَهُولًا " بِعَاقِبَةِ مَا تَقَلَّدَ لِرَبِّهِ . قَالَ التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَلِيّ : عَجِبْت مِنْ هَذَا الْقَائِل مِنْ أَيْنَ أَتَى بِهَذِهِ الْقِصَّة ! فَإِنْ نَظَرْنَا إِلَى الْآثَار وَجَدْنَاهَا بِخِلَافِ مَا قَالَ , وَإِنْ نَظَرْنَا إِلَى ظَاهِره وَجَدْنَاهُ بِخِلَافِ مَا قَالَ , وَإِنْ نَظَرْنَا إِلَى بَاطِنه وَجَدْنَاهُ بَعِيدًا مِمَّا قَالَ ! وَذَلِكَ أَنَّهُ رَدَّدَ ذِكْر الْأَمَانَة وَلَمْ يَذْكُر مَا الْأَمَانَة , إِلَّا أَنَّهُ يُومِئ فِي مَقَالَته إِلَى أَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى جَمِيع مَا فِي , الْأَرْض , وَعَهِدَ اللَّه إِلَيْهِ عَهْدًا فِيهِ أَمْره وَنَهْيه وَحِلّه وَحَرَامه , وَزَعَمَ أَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَعْرِض ذَلِكَ عَلَى السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال ; فَمَا تَصْنَع السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال بِالْحَلَالِ وَالْحَرَام ؟ وَمَا التَّسْلِيط عَلَى الْأَنْعَام وَالطَّيْر وَالْوَحْش ! وَكَيْف إِذَا عَرَضَهُ عَلَى وَلَده فَقَبِلَهُ فِي أَعْنَاق ذُرِّيَّته مِنْ بَعْده . وَفِي مُبْتَدَأ الْخَبَر فِي التَّنْزِيل أَنَّهُ عَرَضَ الْأَمَانَة عَلَى السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال حَتَّى ظَهَرَ الْإِبَاء مِنْهُمْ , ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْإِنْسَان حَمَلَهَا , أَيْ مِنْ قِبَلِ نَفْسه لَا أَنَّهُ حُمِّلَ ذَلِكَ , فَسَمَّاهُ " ظَلُومًا " أَيْ لِنَفْسِهِ , " جَهُولًا " بِمَا فِيهَا . وَأَمَّا الْآثَار الَّتِي هِيَ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ , فَحَدَّثَنِي أَبِي رَحِمَهُ اللَّه قَالَ حَدَّثَنَا الْفَيْض بْن الْفَضْل الْكُوفِيّ حَدَّثَنَا السَّرِيّ بْن إِسْمَاعِيل عَنْ عَامِر الشَّعْبِيّ عَنْ مَسْرُوق عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود قَالَ : لَمَّا خَلَقَ اللَّه الْأَمَانَة مَثَّلَهَا صَخْرَة , ثُمَّ وَضَعَهَا حَيْثُ شَاءَ , ثُمَّ دَعَا لَهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال لِيَحْمِلْنَهَا , وَقَالَ لَهُنَّ : إِنَّ هَذِهِ " الْأَمَانَة " , وَلَهَا ثَوَاب وَعَلَيْهَا عِقَاب ; قَالُوا : يَا رَبّ , لَا طَاقَة لَنَا بِهَا ; وَأَقْبَلَ الْإِنْسَان مِنْ قَبْل أَنْ يُدْعَى فَقَالَ لِلسَّمَوَاتِ وَالْأَرْض وَالْجِبَال : مَا وُقُوفكُمْ ؟ قَالُوا : دَعَانَا رَبّنَا أَنْ نَحْمِل هَذِهِ فَأَشْفَقْنَا مِنْهَا وَلَمْ نُطِقْهَا ; قَالَ : فَحَرَّكَهَا بِيَدِهِ وَقَالَ : وَاَللَّه لَوْ شِئْت أَنْ أَحْمِلهَا لَحَمَلْتهَا ; فَحَمَلَهَا حَتَّى بَلَغَ بِهَا إِلَى رُكْبَتَيْهِ , ثُمَّ وَضَعَهَا وَقَالَ : وَاَللَّه لَوْ شِئْت أَنْ أَزْدَاد لَازْدَدْت ; قَالُوا : دُونَك ! فَحَمَلَهَا حَتَّى بَلَغَ بِهَا حَقْوَيْهِ , ثُمَّ وَضَعَهَا وَقَالَ : وَاَللَّه لَوْ شِئْت أَنْ أَزْدَاد لَازْدَدْت ; قَالُوا : دُونك , فَحَمَلَهَا حَتَّى وَضَعَهَا عَلَى عَاتِقه , فَلَمَّا أَهْوَى لِيَضَعهَا , قَالُوا : مَكَانك ! إِنَّ هَذِهِ " الْأَمَانَة " وَلَهَا ثَوَاب وَعَلَيْهَا عِقَاب , وَأَمَرَنَا رَبّنَا أَنْ نَحْمِلهَا فَأَشْفَقْنَا مِنْهَا , وَحَمَلْتهَا أَنْتَ مِنْ غَيْر أَنْ تُدْعَى لَهَا , فَهِيَ فِي عُنُقك وَفِي أَعْنَاق ذُرِّيَّتك إِلَى يَوْم الْقِيَامَة , إِنَّك كُنْت ظَلُومًا جَهُولًا . وَذَكَرَ أَخْبَارًا عَنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ تَقَدَّمَ أَكْثَرُهَا .

" وَحَمَلَهَا الْإِنْسَان " أَيْ اِلْتَزَمَ الْقِيَام بِحَقِّهَا , وَهُوَ فِي ذَلِكَ ظَلُوم لِنَفْسِهِ . وَقَالَ قَتَادَة : لِلْأَمَانَةِ , جَهُول بِقَدْرِ مَا دَخَلَ فِيهِ . وَهَذَا تَأْوِيل اِبْن عَبَّاس وَابْن جُبَيْر . وَقَالَ الْحَسَن : جَهُول بِرَبِّهِ . قَالَ : وَمَعْنَى " حَمَلَهَا " خَانَ فِيهَا . وَقَالَ الزَّجَّاج : وَالْآيَة فِي الْكَافِر وَالْمُنَافِق وَالْعُصَاة عَلَى قَدْرهمْ عَلَى هَذَا التَّأْوِيل . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَأَصْحَابه وَالضَّحَّاك وَغَيْره : " الْإِنْسَان " آدَم , تَحَمَّلَ الْأَمَانَة فَمَا تَمَّ لَهُ يَوْمٌ حَتَّى عَصَى الْمَعْصِيَة الَّتِي أَخْرَجَتْهُ مِنْ الْجَنَّة . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ لَهُ : أَتَحْمِلُ هَذِهِ الْأَمَانَة بِمَا فِيهَا . قَالَ وَمَا فِيهَا ؟ قَالَ : إِنْ أَحْسَنْت جُزِيت وَإِنْ أَسَأْت عُوقِبْت . قَالَ : أَنَا أَحْمِلهَا بِمَا فِيهَا بَيْن أُذُنِي وَعَاتِقِي . فَقَالَ اللَّه تَعَالَى لَهُ : إِنِّي سَأُعِينُك , قَدْ جَعَلْت لِبَصَرِك حِجَابًا فَأَغْلِقْهُ عَمَّا لَا يَحِلّ لَك , وَلِفَرْجِك لِبَاسًا فَلَا تَكْشِفهُ إِلَّا عَلَى مَا أَحْلَلْت لَك . وَقَالَ قَوْم : " الْإِنْسَان " النَّوْع كُلّه . وَهَذَا حَسَن مَعَ عُمُوم الْأَمَانَة كَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا . وَقَالَ السُّدِّيّ : الْإِنْسَان قَابِيل . فَاَللَّه أَعْلَمُ .
لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًاسورة الأحزاب الآية رقم 73
اللَّام فِي " لِيُعَذِّب " مُتَعَلِّقَة ب " حَمَلَ " أَيْ حَمَلَهَا لِيُعَذِّب الْعَاصِيَ وَيُثِيب الْمُطِيع ; فَهِيَ لَام التَّعْلِيل ; لِأَنَّ الْعَذَاب نَتِيجَة حَمْل الْأَمَانَة . وَقِيلَ ب " عَرَضْنَا " ; أَيْ عَرَضْنَا الْأَمَانَة عَلَى الْجَمِيع ثُمَّ قَلَّدْنَاهَا الْإِنْسَان لِيَظْهَر شِرْك الْمُشْرِك وَنِفَاق الْمُنَافِقِينَ لِيُعَذِّبهُمْ اللَّه , وَإِيمَان الْمُؤْمِن لِيُثِيبَهُ اللَّه .

قِرَاءَة الْحَسَن بِالرَّفْعِ , يَقْطَعهُ مِنْ الْأَوَّل ; أَيْ يَتُوبُ اللَّه عَلَيْهِمْ بِكُلِّ حَال .

خَبَر بَعْد خَبَر ل " كَانَ " . وَيَجُوز أَنْ يَكُون نَعْتًا لِغَفُورٍ , وَيَجُوز أَنْ يَكُون حَالًا مِنْ الْمُضْمَر . وَاَللَّه أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ
الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3