يَعْنِي الْخَيْل جَمْع جَوَاد لِلْفَرَسِ إِذَا كَانَ شَدِيد الْحَضَر ; كَمَا يُقَال لِلْإِنْسَانِ جَوَاد إِذَا كَانَ كَثِيرَ الْعَطِيَّةِ غَزِيرَهَا ; يُقَال : قَوْم أَجُوَاد وَخَيْل جِيَاد , جَادَ الرَّجُل بِمَالِهِ يَجُودُ جُودًا فَهُوَ جَوَاد , وَقَوْم جُود مِثَال قَذَال وَقُذُل , وَإِنَّمَا سُكِّنَتْ الْوَاو لِأَنَّهَا حَرْف عِلَّة , وَأَجْوَاد وَأَجَاوِد وَجُوَدَاء , وَكَذَلِكَ اِمْرَأَة جَوَاد وَنِسْوَة جُود مِثْل نَوَار وَنُور , قَالَ الشَّاعِر : صَنَاعٌ بِإِشْفَاهَا حَصَانٌ بِشُكْرِهَا جَوَادٌ بِقُوتِ الْبَطْنِ وَالْعِرْقُ زَاخِرُ وَتَقُول : سِرْنَا عُقْبَة جَوَادًا , وَعُقْبَتَيْنِ جَوَادَيْنِ , وَعُقَبًا جِيَادًا . وَجَادَ الْفَرَس أَيْ صَارَ رَائِعًا يَجُود جُودَةً بِالضَّمِّ فَهُوَ جَوَاد لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى , مِنْ خَيْل جِيَاد وَأَجْيَاد وَأَجَاوِيد . وَقِيلَ : إِنَّهَا الطِّوَال الْأَعْنَاق مَأْخُوذ مِنْ الْجِيد وَهُوَ الْعُنُق ; لِأَنَّ طُول الْأَعْنَاق فِي الْخَيْل مِنْ صِفَات فَرَاهَتهَا . وَفِي الصَّافِنَات أَيْضًا وَجْهَانِ : أَحَدهمَا أَنَّ صُفُونَهَا قِيَامهَا . قَالَ الْقُتَبِيّ وَالْفَرَّاء : الصَّافِن فِي كَلَام الْعَرَب الْوَاقِف مِنْ الْخَيْل أَوْ غَيْرهَا . وَمِنْهُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقُوم لَهُ الرِّجَال صُفُونًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّار ) أَيْ يُدِيمُونَ لَهُ الْقِيَام ; حَكَاهُ قُطْرُب أَيْضًا وَأَنْشَدَ قَوْل النَّابِغَة : لَنَا قُبَّةٌ مَضْرُوبَةٌ بِفِنَائِهَا عِتَاقُ الْمَهَارَى وَالْجِيَادُ الصَّوَافِنِ وَهَذَا قَوْل قَتَادَة . الثَّانِي أَنَّ صُفُونَهَا رَفْع إِحْدَى الْيَدَيْنِ عَلَى طَرَف الْحَافِر حَتَّى يَقُوم عَلَى ثَلَاث كَمَا قَالَ الشَّاعِر : أَلِفَ الصُّفُونَ فَمَا يَزَالُ كَأَنَّهُ مِمَّا يَقُومُ عَلَى الثَّلَاثِ كَسِيرَا وَقَالَ عَمْرو بْن كُلْثُوم : تَرَكْنَا الْخَيْلَ عَاكِفَةً عَلَيْهِ مُقَلَّدَةً أَعِنَّتُهَا صُفُونَا وَهَذَا قَوْل مُجَاهِد . قَالَ الْكَلْبِيّ : غَزَا سُلَيْمَان أَهْل دِمَشْق وَنَصِيبِينَ فَأَصَابَ مِنْهُمْ أَلْف فَرَس . وَقَالَ مُقَاتِل : وَرِثَ سُلَيْمَان مِنْ أَبِيهِ دَاوُدَ أَلْف فَرَس , وَكَانَ أَبُوهُ أَصَابَهَا مِنْ الْعَمَالِقَة . وَقَالَ الْحَسَن : بَلَغَنِي أَنَّهَا كَانَتْ خَيْلًا خَرَجَتْ مِنْ الْبَحْر لَهَا أَجْنِحَة . وَقَالَهُ الضَّحَّاك . وَأَنَّهَا كَانَتْ خَيْلًا أُخْرِجَتْ لِسُلَيْمَان مِنْ الْبَحْر مَنْقُوشَة ذَات أَجْنِحَة . اِبْن زَيْد : أَخْرَجَ الشَّيْطَان لِسُلَيْمَان الْخَيْل مِنْ الْبَحْر مِنْ مُرُوج الْبَحْر , وَكَانَتْ لَهَا أَجْنِحَة . وَكَذَلِكَ قَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : كَانَتْ عِشْرِينَ فَرَسًا ذَوَات أَجْنِحَة . وَقِيلَ : كَانَتْ مِائَة فَرَس . وَفِي الْخَبَر عَنْ إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ : أَنَّهَا كَانَتْ عِشْرِينَ أَلْفًا , فَاَللَّه أَعْلَم .
يَعْنِي بِالْخَيْرِ الْخَيْل , وَالْعَرَب تُسَمِّيهَا كَذَلِكَ , وَتُعَاقِب بَيْن الرَّاء وَاللَّام ; فَتَقُول : اِنْهَمَلَتْ الْعَيْن وَانْهَمَرَتْ , وَخَتَلَتْ وَخَتَرَتْ إِذَا خُدِعَتْ . قَالَ الْفَرَّاء : الْخَيْر فِي كَلَام الْعَرَب وَالْخَيْل وَاحِد . النَّحَّاس : فِي الْحَدِيث : ( الْخَيْل مَعْقُود فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ) فَكَأَنَّهَا سُمِّيَتْ خَيْرًا لِهَذَا . وَفِي الْحَدِيث : لَمَّا وَفَدَ زَيْدُ الْخَيْل عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ لَهُ : ( أَنْتَ زَيْدُ الْخَيْرِ ) وَهُوَ زَيْد بْن مُهَلْهِل الشَّاعِر . وَقِيلَ : إِنَّمَا سُمِّيَتْ خَيْرًا لِمَا فِيهَا مِنْ الْمَنَافِع . وَفِي الْخَبَر : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَرَضَ عَلَى آدَم جَمِيع الدَّوَابّ , وَقِيلَ لَهُ : اِخْتَرْ مِنْهَا وَاحِدًا فَاخْتَارَ الْفَرَس ; فَقِيلَ لَهُ : اِخْتَرْت عِزَّك ; فَصَارَ اِسْمه الْخَيْر مِنْ هَذَا الْوَجْه . وَسُمِّيَ خَيْلًا ; لِأَنَّهَا مَوْسُومَة بِالْعِزِّ . وَسُمِّيَ فَرَسًا لِأَنَّهُ يَفْتَرِس مَسَافَات الْجَوّ اِفْتِرَاس الْأَسَد وَثَبَانًا , وَيَقْطَعهَا كَالِالْتِهَامِ بِيَدَيْهِ عَلَى كُلّ شَيْء خَبْطًا وَتَنَاوُلًا . وَسُمِّيَ عَرَبِيًّا لِأَنَّهُ جِيءَ بِهِ مِنْ بَعْد آدَم لِإِسْمَاعِيل جَزَاء عَنْ رَفْع قَوَاعِد الْبَيْت , وَإِسْمَاعِيل عَرَبِيّ فَصَارَتْ لَهُ نِحْلَة مِنْ اللَّه ; فَسُمِّيَ عَرَبِيًّا . وَ " حُبَّ " مَفْعُول فِي قَوْل الْفَرَّاء . وَالْمَعْنَى إِنِّي آثَرْت حُبَّ الْخَيْر . وَغَيْرُهُ يُقَدِّرُهُ مَصْدَرًا أُضِيفَ إِلَى الْمَفْعُول ; أَيْ أَحْبَبْت الْخَيْر حُبًّا فَأَلْهَانِي عَنْ ذِكْر رَبِّي . وَقِيلَ : إِنَّ مَعْنَى " أَحْبَبْت " قَعَدْت وَتَأَخَّرْت مِنْ قَوْلهمْ : أَحَبَّ الْبَعِير إِذَا بَرَكَ وَتَأَخَّرَ . وَأَحَبَّ فُلَان أَيْ طَأْطَأَ رَأْسه . قَالَ أَبُو زَيْد : يُقَال : بَعِير مُحِبٌّ , وَقَدْ أَحَبَّ إِحْبَابًا وَهُوَ أَنْ يُصِيبَهُ مَرَض أَوْ كَسْر فَلَا يَبْرَح مَكَانه حَتَّى يَبْرَأ أَوْ يَمُوت . وَقَالَ ثَعْلَب : يُقَال أَيْضًا لِلْبَعِيرِ الْحَسِير مُحِبّ ; فَالْمَعْنَى قَعَدْت عَنْ ذِكْر رَبِّي . وَ " حُبَّ " عَلَى هَذَا مَفْعُول لَهُ . وَذَكَرَ أَبُو الْفَتْح الْهَمْدَانِيّ فِي كِتَاب التِّبْيَان : أَحْبَبْت بِمَعْنَى لَزِمْت ; مِنْ قَوْله : مِثْلُ بَعِيرِ السُّوءِ إِذْ أَحَبَّا
يَعْنِي الشَّمْس كِنَايَة عَنْ غَيْر مَذْكُور ; مِثْل قَوْله تَعَالَى : " مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّة " [ فَاطِر : 45 ] أَيْ عَلَى ظَهْر الْأَرْض ; وَتَقُول الْعَرَب : هَاجَتْ بَارِدَةً أَيْ هَاجَتْ الرِّيحُ بَارِدَةً . وَقَالَ اللَّه تَعَالَى : " فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُوم " [ الْوَاقِعَة : 83 ] أَيْ بَلَغَتْ النَّفْس الْحُلْقُوم . وَقَالَ تَعَالَى : " إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ " [ الْمُرْسَلَات : 32 ] وَلَمْ يَتَقَدَّم لِلنَّارِ ذِكْر . وَقَالَ الزَّجَّاج : إِنَّمَا يَجُوز الْإِضْمَار إِذَا جَرَى ذِكْر الشَّيْء أَوْ دَلِيل الذِّكْر , وَقَدْ جَرَى هَا هُنَا الدَّلِيل وَهُوَ قَوْله : " بِالْعَشِيِّ " . وَالْعَشِيّ مَا بَعْد الزَّوَال , وَالتَّوَارِي الِاسْتِتَار عَنْ الْأَبْصَار , وَالْحِجَاب جَبَل أَخْضَر مُحِيط بِالْخَلَائِقِ ; قَالَهُ قَتَادَة وَكَعْب . وَقِيلَ : هُوَ جَبَل قَاف . وَقِيلَ : جَبَل دُون قَاف . وَالْحِجَاب اللَّيْل سُمِّيَ حِجَابًا لِأَنَّهُ يَسْتُر مَا فِيهِ . وَقِيلَ : " حَتَّى تَوَارَتْ " أَيْ الْخَيْل فِي الْمُسَابَقَة . وَذَلِكَ أَنَّ سُلَيْمَان كَانَ لَهُ مَيْدَان مُسْتَدِير يُسَابِق فِيهِ بَيْن الْخَيْل , حَتَّى تَوَارَتْ عَنْهُ وَتَغِيب عَنْ عَيْنه فِي الْمُسَابَقَة ; لِأَنَّ الشَّمْس لَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْر . وَذَكَرَ النَّحَّاس أَنَّ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ فِي صَلَاة فَجِيءَ إِلَيْهِ بِخَيْلٍ لِتُعْرَضَ عَلَيْهِ قَدْ غُنِمَتْ فَأَشَارَ بِيَدِهِ لِأَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي حَتَّى تَوَارَتْ الْخَيْل وَسَتَرَتْهَا جُدُر الْإِصْطَبْلَات فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاته قَالَ : " رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا " أَيْ فَأَقْبَلَ يَمْسَحُهَا مَسْحًا . وَفِي مَعْنَاهُ قَوْلَانِ : أَحَدهمَا أَنَّهُ أَقْبَلَ يَمْسَح سُوقهَا وَأَعْنَاقهَا بِيَدِهِ إِكْرَامًا مِنْهُ لَهَا , وَلِيُرِيَ أَنَّ الْجَلِيل لَا يَقْبُح أَنْ يَفْعَل مِثْل هَذَا بِخَيْلِهِ . وَقَالَ قَائِل هَذَا الْقَوْل : كَيْف يَقْتُلُهَا ؟ وَفِي ذَلِكَ إِفْسَاد الْمَال وَمُعَاقَبَة مَنْ لَا ذَنْب لَهُ . وَقِيلَ : الْمَسْح هَا هُنَا هُوَ الْقَطْع أُذِنَ لَهُ فِي قَتْلهَا . قَالَ الْحَسَن وَالْكَلْبِيّ وَمُقَاتِل : صَلَّى سُلَيْمَان الصَّلَاة الْأُولَى وَقَعَدَ عَلَى كُرْسِيِّهِ وَهِيَ تُعْرَض عَلَيْهِ , وَكَانَتْ أَلْف فَرَس ; فَعُرِضَ عَلَيْهِ مِنْهَا تِسْعمِائَة فَتَنَبَّهْ لِصَلَاةِ الْعَصْر , فَإِذَا الشَّمْس قَدْ غَرَبَتْ وَفَاتَتْ الصَّلَاة , وَلَمْ يُعْلَمْ بِذَلِكَ هَيْبَةً لَهُ فَاغْتَمَّ ; فَقَالَ : " رُدُّوهَا عَلَيَّ " فَرُدَّتْ فَعَقَرَهَا بِالسَّيْفِ ; قُرْبَة لِلَّهِ وَبَقِيَ مِنْهَا مِائَة , فَمَا فِي أَيْدِي النَّاس مِنْ الْخَيْل الْعِتَاق الْيَوْم فَهِيَ مِنْ نَسْل تِلْكَ الْخَيْل . قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَقِيلَ : مَا كَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْت صَلَاة الظُّهْر وَلَا صَلَاة الْعَصْر , بَلْ كَانَتْ تِلْكَ الصَّلَاة نَافِلَة فَشُغِلَ عَنْهَا . وَكَانَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام رَجُلًا مَهِيبًا , فَلَمْ يُذَكِّرْهُ أَحَد مَا نَسِيَ مِنْ الْفَرْض أَوْ النَّفْل وَظَنُّوا التَّأَخُّر مُبَاحًا , فَتَذَكَّرَ سُلَيْمَان تِلْكَ الصَّلَاة الْفَائِتَة , وَقَالَ عَلَى سَبِيل التَّلَهُّف : " إِنِّي أَحْبَبْت حُبّ الْخَيْر عَنْ ذِكْر رَبِّي " أَيْ عَنْ الصَّلَاة , وَأَمَرَ بِرَدِّ الْأَفْرَاس إِلَيْهِ , وَأَمَرَ بِضَرْبِ عَرَاقِيبِهَا وَأَعْنَاقهَا , وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُعَاقَبَةً لِلْأَفْرَاسِ ; إِذْ ذَبْح الْبَهَائِم جَائِز إِذَا كَانَتْ مَأْكُولَةً , بَلْ عَاقَبَ نَفْسه حَتَّى لَا تَشْغَلَهُ الْخَيْلُ بَعْد ذَلِكَ عَنْ الصَّلَاة . وَلَعَلَّهُ عَرْقَبَهَا لِيَذْبَحَهَا فَحَبَسَهَا بِالْعَرْقَبَةِ عَنْ النِّفَار , ثُمَّ ذَبَحَهَا فِي الْحَال , لِيَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا ; أَوْ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مُبَاحًا فِي شَرْعه فَأَتْلَفَهَا لَمَّا شَغَلَتْهُ عَنْ ذِكْر اللَّه , حَتَّى يَقْطَع عَنْ نَفْسه مَا يَشْغَلهُ عَنْ اللَّه , فَأَثْنَى اللَّه عَلَيْهِ بِهَذَا , وَبَيَّنَ أَنَّهُ أَثَابَهُ بِأَنْ سَخَّرَ لَهُ الرِّيح , فَكَانَ يَقْطَع عَلَيْهَا مِنْ الْمَسَافَة فِي يَوْم مَا يَقْطَع مِثْله عَلَى الْخَيْل فِي شَهْرَيْنِ غُدُوًّا وَرَوَاحًا . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الْهَاء فِي قَوْله : " رُدُّوهَا عَلَيَّ " لِلشَّمْسِ لَا لِلْخَيْلِ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : سَأَلْت عَلِيًّا عَنْ هَذِهِ الْآيَة فَقَالَ : مَا بَلَغَك فِيهَا ؟ فَقُلْت سَمِعْت كَعْبًا يَقُول : إِنَّ سُلَيْمَان لَمَّا اِشْتَغَلَ بِعَرْضِ الْأَفْرَاس حَتَّى تَوَارَتْ الشَّمْس بِالْحِجَابِ وَفَاتَتْهُ الصَّلَاة , قَالَ : " إِنِّي أَحْبَبْت حُبَّ الْخَيْر عَنْ ذِكْر رَبِّي " أَيْ آثَرْت " حُبّ الْخَيْر عَنْ ذِكْر رَبِّي " الْآيَة " رُدُّوهَا عَلَيَّ " يَعْنِي الْأَفْرَاس وَكَانَتْ أَرْبَع عَشْرَة ; فَضَرَبَ سُوقهَا وَأَعْنَاقهَا بِالسَّيْفِ , وَأَنَّ اللَّه سَلَبَهُ مُلْكَهُ أَرْبَعَة عَشَرَ يَوْمًا ; لِأَنَّهُ ظَلَمَ الْخَيْل . فَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب : كَذَبَ كَعْب لَكِنَّ سُلَيْمَان اِشْتَغَلَ بِعَرْضِ الْأَفْرَاس لِلْجِهَادِ حَتَّى تَوَارَتْ أَيْ غَرَبَتْ الشَّمْس بِالْحِجَابِ فَقَالَ بِأَمْرِ اللَّه لِلْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِالشَّمْسِ : " رُدُّوهَا " يَعْنِي الشَّمْس فَرَدُّوهَا حَتَّى صَلَّى الْعَصْر فِي وَقْتهَا , وَأَنَّ أَنْبِيَاء اللَّه لَا يَظْلِمُونَ لِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ . قُلْت : الْأَكْثَر فِي التَّفْسِير أَنَّ الَّتِي تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ هِيَ الشَّمْس , وَتَرَكَهَا لِدَلَالَةِ السَّامِع عَلَيْهَا بِمَا ذُكِرَ مِمَّا يَرْتَبِط بِهَا وَيَتَعَلَّق بِذِكْرِهَا , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ بَيَانه . وَكَثِيرًا مَا يُضْمِرُونَ الشَّمْس ; قَالَ لَبِيد : حَتَّى إِذَا أَلْقَتْ يَدًا فِي كَافِرٍ وَأَجَنَّ عَوْرَاتِ الثُّغُورِ ظَلَامُهَا
يَعْنِي الشَّمْس كِنَايَة عَنْ غَيْر مَذْكُور ; مِثْل قَوْله تَعَالَى : " مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّة " [ فَاطِر : 45 ] أَيْ عَلَى ظَهْر الْأَرْض ; وَتَقُول الْعَرَب : هَاجَتْ بَارِدَةً أَيْ هَاجَتْ الرِّيحُ بَارِدَةً . وَقَالَ اللَّه تَعَالَى : " فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُوم " [ الْوَاقِعَة : 83 ] أَيْ بَلَغَتْ النَّفْس الْحُلْقُوم . وَقَالَ تَعَالَى : " إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ " [ الْمُرْسَلَات : 32 ] وَلَمْ يَتَقَدَّم لِلنَّارِ ذِكْر . وَقَالَ الزَّجَّاج : إِنَّمَا يَجُوز الْإِضْمَار إِذَا جَرَى ذِكْر الشَّيْء أَوْ دَلِيل الذِّكْر , وَقَدْ جَرَى هَا هُنَا الدَّلِيل وَهُوَ قَوْله : " بِالْعَشِيِّ " . وَالْعَشِيّ مَا بَعْد الزَّوَال , وَالتَّوَارِي الِاسْتِتَار عَنْ الْأَبْصَار , وَالْحِجَاب جَبَل أَخْضَر مُحِيط بِالْخَلَائِقِ ; قَالَهُ قَتَادَة وَكَعْب . وَقِيلَ : هُوَ جَبَل قَاف . وَقِيلَ : جَبَل دُون قَاف . وَالْحِجَاب اللَّيْل سُمِّيَ حِجَابًا لِأَنَّهُ يَسْتُر مَا فِيهِ . وَقِيلَ : " حَتَّى تَوَارَتْ " أَيْ الْخَيْل فِي الْمُسَابَقَة . وَذَلِكَ أَنَّ سُلَيْمَان كَانَ لَهُ مَيْدَان مُسْتَدِير يُسَابِق فِيهِ بَيْن الْخَيْل , حَتَّى تَوَارَتْ عَنْهُ وَتَغِيب عَنْ عَيْنه فِي الْمُسَابَقَة ; لِأَنَّ الشَّمْس لَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْر . وَذَكَرَ النَّحَّاس أَنَّ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ فِي صَلَاة فَجِيءَ إِلَيْهِ بِخَيْلٍ لِتُعْرَضَ عَلَيْهِ قَدْ غُنِمَتْ فَأَشَارَ بِيَدِهِ لِأَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي حَتَّى تَوَارَتْ الْخَيْل وَسَتَرَتْهَا جُدُر الْإِصْطَبْلَات فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاته قَالَ : " رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا " أَيْ فَأَقْبَلَ يَمْسَحُهَا مَسْحًا . وَفِي مَعْنَاهُ قَوْلَانِ : أَحَدهمَا أَنَّهُ أَقْبَلَ يَمْسَح سُوقهَا وَأَعْنَاقهَا بِيَدِهِ إِكْرَامًا مِنْهُ لَهَا , وَلِيُرِيَ أَنَّ الْجَلِيل لَا يَقْبُح أَنْ يَفْعَل مِثْل هَذَا بِخَيْلِهِ . وَقَالَ قَائِل هَذَا الْقَوْل : كَيْف يَقْتُلُهَا ؟ وَفِي ذَلِكَ إِفْسَاد الْمَال وَمُعَاقَبَة مَنْ لَا ذَنْب لَهُ . وَقِيلَ : الْمَسْح هَا هُنَا هُوَ الْقَطْع أُذِنَ لَهُ فِي قَتْلهَا . قَالَ الْحَسَن وَالْكَلْبِيّ وَمُقَاتِل : صَلَّى سُلَيْمَان الصَّلَاة الْأُولَى وَقَعَدَ عَلَى كُرْسِيِّهِ وَهِيَ تُعْرَض عَلَيْهِ , وَكَانَتْ أَلْف فَرَس ; فَعُرِضَ عَلَيْهِ مِنْهَا تِسْعمِائَة فَتَنَبَّهْ لِصَلَاةِ الْعَصْر , فَإِذَا الشَّمْس قَدْ غَرَبَتْ وَفَاتَتْ الصَّلَاة , وَلَمْ يُعْلَمْ بِذَلِكَ هَيْبَةً لَهُ فَاغْتَمَّ ; فَقَالَ : " رُدُّوهَا عَلَيَّ " فَرُدَّتْ فَعَقَرَهَا بِالسَّيْفِ ; قُرْبَة لِلَّهِ وَبَقِيَ مِنْهَا مِائَة , فَمَا فِي أَيْدِي النَّاس مِنْ الْخَيْل الْعِتَاق الْيَوْم فَهِيَ مِنْ نَسْل تِلْكَ الْخَيْل . قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَقِيلَ : مَا كَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْت صَلَاة الظُّهْر وَلَا صَلَاة الْعَصْر , بَلْ كَانَتْ تِلْكَ الصَّلَاة نَافِلَة فَشُغِلَ عَنْهَا . وَكَانَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام رَجُلًا مَهِيبًا , فَلَمْ يُذَكِّرْهُ أَحَد مَا نَسِيَ مِنْ الْفَرْض أَوْ النَّفْل وَظَنُّوا التَّأَخُّر مُبَاحًا , فَتَذَكَّرَ سُلَيْمَان تِلْكَ الصَّلَاة الْفَائِتَة , وَقَالَ عَلَى سَبِيل التَّلَهُّف : " إِنِّي أَحْبَبْت حُبّ الْخَيْر عَنْ ذِكْر رَبِّي " أَيْ عَنْ الصَّلَاة , وَأَمَرَ بِرَدِّ الْأَفْرَاس إِلَيْهِ , وَأَمَرَ بِضَرْبِ عَرَاقِيبِهَا وَأَعْنَاقهَا , وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُعَاقَبَةً لِلْأَفْرَاسِ ; إِذْ ذَبْح الْبَهَائِم جَائِز إِذَا كَانَتْ مَأْكُولَةً , بَلْ عَاقَبَ نَفْسه حَتَّى لَا تَشْغَلَهُ الْخَيْلُ بَعْد ذَلِكَ عَنْ الصَّلَاة . وَلَعَلَّهُ عَرْقَبَهَا لِيَذْبَحَهَا فَحَبَسَهَا بِالْعَرْقَبَةِ عَنْ النِّفَار , ثُمَّ ذَبَحَهَا فِي الْحَال , لِيَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا ; أَوْ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مُبَاحًا فِي شَرْعه فَأَتْلَفَهَا لَمَّا شَغَلَتْهُ عَنْ ذِكْر اللَّه , حَتَّى يَقْطَع عَنْ نَفْسه مَا يَشْغَلهُ عَنْ اللَّه , فَأَثْنَى اللَّه عَلَيْهِ بِهَذَا , وَبَيَّنَ أَنَّهُ أَثَابَهُ بِأَنْ سَخَّرَ لَهُ الرِّيح , فَكَانَ يَقْطَع عَلَيْهَا مِنْ الْمَسَافَة فِي يَوْم مَا يَقْطَع مِثْله عَلَى الْخَيْل فِي شَهْرَيْنِ غُدُوًّا وَرَوَاحًا . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الْهَاء فِي قَوْله : " رُدُّوهَا عَلَيَّ " لِلشَّمْسِ لَا لِلْخَيْلِ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : سَأَلْت عَلِيًّا عَنْ هَذِهِ الْآيَة فَقَالَ : مَا بَلَغَك فِيهَا ؟ فَقُلْت سَمِعْت كَعْبًا يَقُول : إِنَّ سُلَيْمَان لَمَّا اِشْتَغَلَ بِعَرْضِ الْأَفْرَاس حَتَّى تَوَارَتْ الشَّمْس بِالْحِجَابِ وَفَاتَتْهُ الصَّلَاة , قَالَ : " إِنِّي أَحْبَبْت حُبَّ الْخَيْر عَنْ ذِكْر رَبِّي " أَيْ آثَرْت " حُبّ الْخَيْر عَنْ ذِكْر رَبِّي " الْآيَة " رُدُّوهَا عَلَيَّ " يَعْنِي الْأَفْرَاس وَكَانَتْ أَرْبَع عَشْرَة ; فَضَرَبَ سُوقهَا وَأَعْنَاقهَا بِالسَّيْفِ , وَأَنَّ اللَّه سَلَبَهُ مُلْكَهُ أَرْبَعَة عَشَرَ يَوْمًا ; لِأَنَّهُ ظَلَمَ الْخَيْل . فَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب : كَذَبَ كَعْب لَكِنَّ سُلَيْمَان اِشْتَغَلَ بِعَرْضِ الْأَفْرَاس لِلْجِهَادِ حَتَّى تَوَارَتْ أَيْ غَرَبَتْ الشَّمْس بِالْحِجَابِ فَقَالَ بِأَمْرِ اللَّه لِلْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِالشَّمْسِ : " رُدُّوهَا " يَعْنِي الشَّمْس فَرَدُّوهَا حَتَّى صَلَّى الْعَصْر فِي وَقْتهَا , وَأَنَّ أَنْبِيَاء اللَّه لَا يَظْلِمُونَ لِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ . قُلْت : الْأَكْثَر فِي التَّفْسِير أَنَّ الَّتِي تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ هِيَ الشَّمْس , وَتَرَكَهَا لِدَلَالَةِ السَّامِع عَلَيْهَا بِمَا ذُكِرَ مِمَّا يَرْتَبِط بِهَا وَيَتَعَلَّق بِذِكْرِهَا , حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ بَيَانه . وَكَثِيرًا مَا يُضْمِرُونَ الشَّمْس ; قَالَ لَبِيد : حَتَّى إِذَا أَلْقَتْ يَدًا فِي كَافِرٍ وَأَجَنَّ عَوْرَاتِ الثُّغُورِ ظَلَامُهَا
الْهَاء فِي " رُدُّوهَا " لِلْخَيْلِ , وَمَسْحهَا قَالَ الزُّهْرِيّ وَابْن كَيْسَان : كَانَ يَمْسَح سُوقَهَا وَأَعْنَاقَهَا , وَيَكْشِف الْغُبَار عَنْهَا حُبًّا لَهَا . وَقَالَ الْحَسَن وَقَتَادَة وَابْن عَبَّاس . وَفِي الْحَدِيث أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُئِيَ وَهُوَ يَمْسَح فَرَسه بِرِدَائِهِ . وَقَالَ : ( إِنِّي عُوتِبْت اللَّيْلَة فِي الْخَيْل ) خَرَّجَهُ الْمُوَطَّأ عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد مُرْسَلًا . وَهُوَ فِي غَيْر الْمُوَطَّأ مُسْنَد مُتَّصِل عَنْ مَالِك عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ أَنَس . وَقَدْ مَضَى فِي [ الْأَنْفَال ] قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام : ( وَامْسَحُوا بِنَوَاصِيهَا وَأَكْفَالهَا ) وَرَوَى اِبْن وَهْب عَنْ مَالِك أَنَّهُ مَسَحَ أَعْنَاقهَا وَسُوقهَا بِالسُّيُوفِ . قُلْت : وَقَدْ اِسْتَدَلَّ الشِّبْلِيُّ وَغَيْره مِنْ الصُّوفِيَّة فِي تَقْطِيع ثِيَابهمْ وَتَخْرِيقهَا بِفِعْلِ سُلَيْمَان هَذَا . وَهُوَ اِسْتِدْلَال فَاسِد ; لِأَنَّهُ لَا يَجُوز أَنْ يُنْسَب إِلَى نَبِيّ مَعْصُوم أَنَّهُ فَعَلَ الْفَسَاد . وَالْمُفَسِّرُونَ اِخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْآيَة ; فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : مَسَحَ عَلَى أَعْنَاقهَا وَسُوقهَا إِكْرَامًا لَهَا وَقَالَ : أَنْت فِي سَبِيل اللَّه ; فَهَذَا إِصْلَاح . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : عَرْقَبَهَا ثُمَّ ذَبَحَهَا , وَذَبْح الْخَيْل وَأَكْل لَحْمهَا جَائِز . وَقَدْ مَضَى فِي [ النَّحْل ] بَيَانه . وَعَلَى هَذَا فَمَا فَعَلَ شَيْئًا عَلَيْهِ فِيهِ جَنَاح . فَأَمَّا إِفْسَاد ثَوْب صَحِيح لَا لِغَرَضٍ صَحِيح فَإِنَّهُ لَا يَجُوز . وَمِنْ الْجَائِز أَنْ يَكُون فِي شَرِيعَة سُلَيْمَان جَوَاز مَا فَعَلَ , وَلَا يَكُون فِي شَرْعنَا . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّمَا فَعَلَ بِالْخَيْلِ مَا فَعَلَ بِإِبَاحَةِ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ لَهُ ذَلِكَ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ مَسْحَهُ إِيَّاهَا وَسْمُهَا بِالْكَيِّ وَجَعْلُهَا فِي سَبِيل اللَّه ; فَاَللَّه أَعْلَم . وَقَدْ ضُعِّفَ هَذَا الْقَوْل مِنْ حَيْثُ إِنَّ السُّوق لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لِلْوَسْمِ بِحَالٍ . وَقَدْ يُقَال : الْكَيّ عَلَى السَّاق عِلَاطٌ , وَعَلَى الْعُنُق وِثَاق . وَاَلَّذِي فِي الصِّحَاح لِلْجَوْهَرِيِّ : عَلَطَ الْبَعِيرَ عَلْطًا كَوَاهُ فِي عُنُقه بِسِمَةِ الْعِلَاط . وَالْعِلَاطَانِ جَانِبَا الْعُنُق . قُلْت : وَمَنْ قَالَ إِنَّ الْهَاء فِي " رُدُّوهَا " تَرْجِع لِلشَّمْسِ فَذَلِكَ مِنْ مُعْجِزَاته . وَقَدْ اِتَّفَقَ مِثْل ذَلِكَ لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . خَرَّجَ الطَّحَاوِيّ فِي مُشْكِل الْحَدِيث عَنْ أَسْمَاء بِنْت عُمَيْسٍ مِنْ طَرِيقَيْنِ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوحَى إِلَيْهِ وَرَأْسُهُ فِي حِجْر عَلِيّ , فَلَمْ يُصَلِّ الْعَصْر حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْس ; فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَصَلَّيْت يَا عَلِيّ ) قَالَ : لَا . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ فِي طَاعَتك وَطَاعَة رَسُولِك فَارْدُدْ عَلَيْهِ الشَّمْس ) قَالَتْ أَسْمَاء : فَرَأَيْتهَا غَرَبَتْ ثُمَّ رَأَيْتهَا بَعْدَمَا غَرَبَتْ طَلَعَتْ عَلَى الْجِبَال وَالْأَرْض , وَذَلِكَ بِالصَّهْبَاءِ فِي خَيْبَر . قَالَ الطَّحَاوِيّ : وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ ثَابِتَانِ , وَرُوَاتُهُمَا ثِقَات . قُلْت : وَضَعَّفَ أَبُو الْفَرْج اِبْن الْجَوْزِيّ هَذَا الْحَدِيث فَقَالَ : وَغُلُوّ الرَّافِضَة فِي حُبّ عَلِيّ عَلَيْهِ السَّلَام حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ وَضَعُوا أَحَادِيث كَثِيرَة فِي فَضَائِله ; مِنْهَا أَنَّ الشَّمْس غَابَتْ فَفَاتَتْ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَام الْعَصْر فَرُدَّتْ لَهُ الشَّمْس , وَهَذَا مِنْ حَيْثُ النَّقْلُ مُحَال , وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَإِنَّ الْوَقْت قَدْ فَاتَ وَعَوْدُهَا طُلُوعٌ مُتَجَدِّدٌ لَا يَرُدّ الْوَقْت . وَمَنْ قَالَ : إِنَّ الْهَاء تَرْجِع إِلَى الْخَيْل , وَأَنَّهَا كَانَتْ تَبْعُد عَنْ عَيْن سُلَيْمَان فِي السِّبَاق , فَفِيهِ دَلِيل عَلَى الْمُسَابَقَة بِالْخَيْلِ , وَهُوَ أَمْر مَشْرُوع . وَقَدْ مَضَى الْقَوْل فِيهِ فِي [ يُوسُف ] .
قِيلَ : فُتِنَ سُلَيْمَان بَعْد مَا مَلَكَ عِشْرِينَ سَنَة , وَمَلَكَ بَعْد الْفِتْنَة عِشْرِينَ سَنَة ; ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيّ . وَ " فَتَنَّا " أَيْ اِبْتَلَيْنَا وَعَاقَبْنَا . وَسَبَب ذَلِكَ مَا رَوَاهُ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : اِخْتَصَمَ إِلَى سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فَرِيقَانِ أَحَدهمَا مِنْ أَهْل جَرَادَة اِمْرَأَة سُلَيْمَان ; وَكَانَ يُحِبُّهَا فَهَوَى أَنْ يَقَع الْقَضَاء لَهُمْ , ثُمَّ قَضَى بَيْنهمَا بِالْحَقِّ , فَأَصَابَهُ الَّذِي أَصَابَهُ عُقُوبَة لِذَلِكَ الْهَوَى . وَقَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : إِنَّ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام اِحْتَجَبَ عَنْ النَّاس ثَلَاثَة أَيَّام لَا يَقْضِي بَيْن أَحَد , وَلَا يُنْصِف مَظْلُومًا مِنْ ظَالِم , فَأَوْحَى اللَّه تَعَالَى إِلَيْهِ : " إِنِّي لَمْ أَسْتَخْلِفْك لِتَحْتَجِبَ عَنْ عِبَادِي وَلَكِنْ لِتَقْضِيَ بَيْنهمْ وَتُنْصِف مَظْلُومَهُمْ " . وَقَالَ شَهْر بْن حَوْشَب وَوَهْب بْن مُنَبِّه : إِنَّ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام سَبَى بِنْت مَلِكٍ غَزَاهُ فِي الْبَحْر , فِي جَزِيرَة مِنْ جَزَائِر الْبَحْر يُقَال لَهَا صِيدُون . فَأُلْقِيَتْ عَلَيْهِ مَحَبَّتهَا , وَهِيَ تُعْرِضُ عَنْهُ , لَا تَنْظُر إِلَيْهِ إِلَّا شَزْرًا , وَلَا تُكَلِّمُهُ إِلَّا نَزْرًا , وَكَانَ لَا يُرْقَأُ لَهَا دَمْعٌ حُزْنًا عَلَى أَبِيهَا , وَكَانَتْ فِي غَايَة مِنْ الْجَمَال , ثُمَّ إِنَّهَا سَأَلَتْهُ أَنْ يَصْنَع لَهَا تِمْثَالًا عَلَى صُورَة أَبِيهَا حَتَّى تَنْظُرَ إِلَيْهِ , فَأَمَرَ فَصُنِعَ لَهَا فَعَظَّمَتْهُ وَسَجَدَتْ لَهُ , وَسَجَدَتْ مَعَهَا جَوَارِيهَا , وَصَارَ صَنَمًا مَعْبُودًا فِي دَارِهِ وَهُوَ لَا يَعْلَم , حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَة , وَفَشَا خَبَره فِي بَنِي إِسْرَائِيل وَعَلِمَ بِهِ سُلَيْمَان فَكَسَرَهُ , وَحَرَقَهُ ثُمَّ ذَرَّاهُ فِي الْبَحْر . وَقِيلَ : إِنَّ سُلَيْمَان لَمَّا أَصَابَ اِبْنَة مَلِكِ صِيدُون وَاسْمهَا جَرَادَة - فِيمَا ذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيّ - أُعْجِبَ بِهَا , فَعَرَضَ عَلَيْهَا الْإِسْلَام فَأَبَتْ , فَخَوَّفَهَا فَقَالَتْ : اُقْتُلْنِي وَلَا أُسْلِمُ فَتَزَوَّجَهَا وَهِيَ مُشْرِكَة فَكَانَتْ تَعْبُدُ صَنَمًا لَهَا مِنْ يَاقُوت أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي خُفْيَة مِنْ سُلَيْمَان إِلَى أَنْ أَسْلَمَتْ فَعُوقِبَ سُلَيْمَان بِزَوَالِ مُلْكِهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا . وَقَالَ كَعْب الْأَحْبَار : إِنَّهُ لَمَّا ظَلَمَ الْخَيْل بِالْقَتْلِ سُلِبَ مُلْكَهُ . وَقَالَ الْحَسَن : إِنَّهُ قَارَبَ بَعْض نِسَائِهِ فِي شَيْء مِنْ حَيْض أَوَغَيْره . وَقِيلَ : إِنَّهُ أُمِرَ أَلَّا يَتَزَوَّج اِمْرَأَة إِلَّا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , فَتَزَوَّجَ اِمْرَأَة مِنْ غَيْرِهِمْ , فَعُوقِبَ عَلَى ذَلِكَ ; وَاَللَّه أَعْلَم .
قِيلَ : شَيْطَان فِي قَوْل أَكْثَر أَهْل التَّفْسِير ; أَلْقَى اللَّه شَبَهَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام عَلَيْهِ , وَاسْمه صَخْر بْن عُمَيْر صَاحِب الْبَحْر , وَهُوَ الَّذِي دَلَّ سُلَيْمَان عَلَى الْمَاس حِين أَمَرَ سُلَيْمَان بِبِنَاءِ بَيْت الْمَقْدِس , فَصَوَّتَتْ الْحِجَارَة لَمَّا صُنِعَتْ بِالْحَدِيدِ , فَأَخَذُوا الْمَاس فَجَعَلُوا يَقْطَعُونَ بِهِ الْحِجَارَة وَالْفُصُوص وَغَيْرهَا وَلَا تُصَوِّت . قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَ مَارِدًا لَا يَقْوَى عَلَيْهِ جَمِيع الشَّيَاطِين , وَلَمْ يَزَلْ يَحْتَال حَتَّى ظَفِرَ بِخَاتَمِ سُلَيْمَان بْن دَاوُدَ , وَكَانَ سُلَيْمَان لَا يَدْخُل الْكَنِيف بِخَاتَمِهِ , فَجَاءَ صَخْر فِي صُورَة سُلَيْمَان حَتَّى أَخَذَ الْخَاتَم مِنْ اِمْرَأَة مِنْ نِسَاء سُلَيْمَان أُمّ وَلَد لَهُ يُقَال لَهَا الْأَمِينَة ; قَالَ شَهْر وَوَهْب . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَابْن جُبَيْر : اِسْمهَا جَرَادَة . فَقَامَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا عَلَى مُلْك سُلَيْمَان وَسُلَيْمَان هَارِب , حَتَّى رَدَّ اللَّه عَلَيْهِ الْخَاتَم وَالْمُلْك . وَقَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : كَانَ سُلَيْمَان قَدْ وَضَعَ خَاتَمه تَحْت فِرَاشه , فَأَخَذَهُ الشَّيْطَان مِنْ تَحْته . وَقَالَ مُجَاهِد : أَخَذَهُ الشَّيْطَان مِنْ يَد سُلَيْمَان ; لِأَنَّ سُلَيْمَان سَأَلَ الشَّيْطَان وَكَانَ اِسْمه آصف : كَيْف تُضِلُّونَ النَّاس ؟ فَقَالَ لَهُ الشَّيْطَان : أَعْطِنِي خَاتَمَك حَتَّى أُخْبِرَك . فَأَعْطَاهُ خَاتَمه , فَلَمَّا أَخَذَ الشَّيْطَان الْخَاتَم جَلَسَ عَلَى كُرْسِيّ سُلَيْمَان , مُتَشَبِّهًا بِصُورَتِهِ , دَاخِلًا عَلَى نِسَائِهِ , يَقْضِي بِغَيْرِ الْحَقّ , وَيَأْمُر بِغَيْرِ الصَّوَاب . وَاخْتُلِفَ فِي إِصَابَته لِنِسَاءِ سُلَيْمَان , فَحُكِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَوَهْب بْن مُنَبِّه : أَنَّهُ كَانَ يَأْتِيهِنَّ فِي حَيْضِهِنَّ . وَقَالَ مُجَاهِد : مُنِعَ مِنْ إِتْيَانِهِنَّ وَزَالَ عَنْ سُلَيْمَان مُلْكُهُ فَخَرَجَ هَارِبًا إِلَى سَاحِل الْبَحْر يَتَضَيَّفُ النَّاس ; وَيَحْمِلُ سُمُوكَ الصَّيَّادِينَ بِالْأَجْرِ , وَإِذَا أَخْبَرَ النَّاس أَنَّهُ سُلَيْمَان أَكْذَبُوهُ . قَالَ قَتَادَة : ثُمَّ إِنَّ سُلَيْمَان بَعْد أَنْ اِسْتَنْكَرَ بَنُو إِسْرَائِيل حُكْم الشَّيْطَان أَخَذَ حُوتَهُ مِنْ صَيَّاد . قِيلَ : إِنَّهُ اِسْتَطْعَمَهَا . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : أَخَذَهَا أُجْرَة فِي حَمْل حُوت . وَقِيلَ : إِنَّ سُلَيْمَان صَادَهَا فَلَمَّا شَقَّ بَطْنهَا وَجَدَ خَاتَمَهُ فِيهَا , وَذَلِكَ بَعْد أَرْبَعِينَ يَوْمًا مِنْ زَوَال مُلْكه , وَهِيَ عَدَد الْأَيَّام الَّتِي عُبِدَ فِيهَا الصَّنَم فِي دَاره , وَإِنَّمَا وَجَدَ الْخَاتَم فِي بَطْن الْحُوت ; لِأَنَّ الشَّيْطَان الَّذِي أَخَذَهُ أَلْقَاهُ فِي الْبَحْر . وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : بَيْنَمَا سُلَيْمَان عَلَى شَاطِئ الْبَحْر وَهُوَ يَعْبَث بِخَاتَمِهِ , إِذْ سَقَطَ مِنْهُ فِي الْبَحْر وَكَانَ مُلْكه فِي خَاتَمه . وَقَالَ جَابِر بْن عَبْد اللَّه : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَانَ نَقْش خَاتَم سُلَيْمَان بْن دَاوُدَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه مُحَمَّد رَسُول اللَّه ) . وَحَكَى يَحْيَى بْن أَبِي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ أَنَّ سُلَيْمَان وَجَدَ خَاتَمه بِعَسْقَلَان , فَمَشَى مِنْهَا إِلَى بَيْت الْمَقْدِس تَوَاضُعًا لِلَّهِ تَعَالَى . قَالَ ابْن عَبَّاس وَغَيْره : ثُمَّ إِنَّ سُلَيْمَان لَمَّا رَدَّ اللَّه عَلَيْهِ مُلْكَهُ , أَخَذَ صَخْرًا الَّذِي أَخَذَ خَاتَمه , وَنَقَرَ لَهُ صَخْرَة وَأَدْخَلَهُ فِيهَا , وَسَدَّ عَلَيْهِ بِأُخْرَى وَأَوْثَقَهَا بِالْحَدِيدِ وَالرَّصَاص , وَخَتَمَ عَلَيْهَا بِخَاتَمِهِ وَأَلْقَاهَا فِي الْبَحْر , وَقَالَ : هَذَا مَحْبِسُك إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . وَقَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : لَمَّا أَخَذَ سُلَيْمَان الْخَاتَم , أَقْبَلَتْ إِلَيْهِ الشَّيَاطِين وَالْجِنّ وَالْإِنْس وَالطَّيْر وَالْوَحْش وَالرِّيح , وَهَرَبَ الشَّيْطَان الَّذِي خَلَفَ فِي أَهْله , فَأَتَى جَزِيرَة فِي الْبَحْر , فَبَعَثَ إِلَيْهِ الشَّيَاطِين فَقَالُوا : لَا نَقْدِرُ عَلَيْهِ , وَلَكِنَّهُ يَرِدُ عَيْنًا فِي الْجَزِيرَة فِي كُلّ سَبْعَة أَيَّام يَوْمًا , وَلَا نَقْدِر عَلَيْهِ حَتَّى يَسْكَر ! قَالَ : فَنَزَحَ سُلَيْمَان مَاءَهَا وَجَعَلَ فِيهَا خَمْرًا , فَجَاءَ يَوْم وُرُودِهِ فَإِذَا هُوَ بِالْخَمْرِ , فَقَالَ : وَاَللَّه إِنَّك لَشَرَاب طَيِّب إِلَّا أَنَّك تُطِيشِينَ الْحَلِيم , وَتَزِيدِينَ الْجَاهِل جَهْلًا . ثُمَّ عَطِشَ عَطَشًا شَدِيدًا ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ مِثْل مَقَالَته , ثُمَّ شَرِبَهَا فَغَلَبَتْ عَلَى عَقْله ; فَأَرَوْهُ الْخَاتَم فَقَالَ : سَمْعًا وَطَاعَة . فَأَتَوْا بِهِ سُلَيْمَان فَأَوْثَقَهُ وَبَعَثَ بِهِ إِلَى جَبَل , فَذَكَرُوا أَنَّهُ جَبَل الدُّخَان فَقَالُوا : إِنَّ الدُّخَان الَّذِي تَرَوْنَ مِنْ نَفَسِهِ , وَالْمَاء الَّذِي يَخْرُج مِنْ الْجَبَل مِنْ بَوْله . وَقَالَ مُجَاهِد : اِسْم ذَلِكَ الشَّيْطَان آصف . وَقَالَ السُّدِّيّ اِسْمه حبقيق ; فَاَللَّه أَعْلَم . وَقَدْ ضُعِّفَ هَذَا الْقَوْل مِنْ حَيْثُ إِنَّ الشَّيْطَان لَا يَتَصَوَّر بِصُورَةِ الْأَنْبِيَاء , ثُمَّ مِنْ الْمُحَال أَنْ يَلْتَبِسَ عَلَى أَهْل مَمْلَكَة سُلَيْمَان الشَّيْطَان بِسُلَيْمَان حَتَّى يَظُنُّوا أَنَّهُمْ مَعَ نَبِيّهمْ فِي حَقّ , وَهُمْ مَعَ الشَّيْطَان فِي بَاطِل . وَقِيلَ : إِنَّ الْجَسَد وَلَدٌ وُلِدَ لِسُلَيْمَان , وَأَنَّهُ لَمَّا وُلِدَ اِجْتَمَعَتْ الشَّيَاطِين ; وَقَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : إِنْ عَاشَ لَهُ اِبْن لَمْ نَنْفَكَّ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْبَلَاء وَالسُّخْرَة , فَتَعَالَوْا نَقْتُلْ وَلَدَهُ أَوْ نَخْبِلْهُ . فَعَلِمَ سُلَيْمَان بِذَلِكَ فَأَمَرَ الرِّيح حَتَّى حَمَلَتْهُ إِلَى السَّحَاب , وَغَدَا اِبْنه فِي السَّحَاب خَوْفًا مِنْ مَضَرَّة الشَّيَاطِين , فَعَاقَبَهُ اللَّه بِخَوْفِهِ مِنْ الشَّيَاطِين , فَلَمْ يَشْعُر إِلَّا وَقَدْ وَقَعَ عَلَى كُرْسِيّه مَيِّتًا . قَالَ مَعْنَاهُ الشَّعْبِيّ . فَهُوَ الْجَسَد الَّذِي قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَالْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيّه جَسَدًا " . وَحَكَى النَّقَّاش وَغَيْره : إِنَّ أَكْثَر مَا وَطِئَ سُلَيْمَان جَوَارِيَهُ طَلَبًا لِلْوَلَدِ , فَوُلِدَ لَهُ نِصْف إِنْسَان , فَهُوَ كَانَ الْجَسَد الْمُلْقَى عَلَى كُرْسِيِّهِ جَاءَتْ بِهِ الْقَابِلَة فَأَلْقَتْهُ هُنَاكَ . وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قَالَ سُلَيْمَان لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَة عَلَى تِسْعِينَ اِمْرَأَة كُلّهنَّ تَأْتِي بِفَارِسٍ يُجَاهِد فِي سَبِيل اللَّه فَقَالَ لَهُ صَاحِبه قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّه , فَلَمْ يَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّه فَطَافَ عَلَيْهِنَّ جَمِيعًا فَلَمْ تَحْمِلْ مِنْهُنَّ إِلَّا اِمْرَأَة وَاحِدَة جَاءَتْ بِشِقِّ رَجُل , وَاَيْمُ الَّذِي نَفْس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّه لَجَاهَدُوا فِي سَبِيل اللَّه فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ ) وَقِيلَ : إِنَّ الْجَسَد هُوَ آصف بْن برخيا الصِّدِّيق كَاتِب سُلَيْمَان , وَذَلِكَ أَنَّ سُلَيْمَان لَمَّا فُتِنَ سَقَطَ الْخَاتَم مِنْ يَده وَكَانَ فِيهِ مُلْكه , فَأَعَادَهُ إِلَى يَده فَسَقَطَ فَأَيْقَنَ بِالْفِتْنَةِ ; فَقَالَ لَهُ آصف : إِنَّك مَفْتُون وَلِذَلِكَ لَا يَتَمَاسَك فِي يَدك , فَفِرَّ إِلَى اللَّه تَعَالَى تَائِبًا مِنْ ذَلِكَ , وَأَنَا أَقُوم مَقَامَك فِي عَالَمِك إِلَى أَنْ يَتُوب اللَّه عَلَيْك , وَلَك مِنْ حِين فُتِنْت أَرْبَعَة عَشَرَ يَوْمًا . فَفَرَّ سُلَيْمَان هَارِبًا إِلَى رَبّه , وَأَخَذَ آصف الْخَاتَم فَوَضَعَهُ فِي يَده فَثَبَتَ , وَكَانَ عِنْده عِلْم مِنْ الْكِتَاب . وَقَامَ آصف فِي مُلْك سُلَيْمَان وَعِيَاله , يَسِير بِسَيْرِهِ وَيَعْمَل بِعَمَلِهِ , إِلَى أَنْ رَجَعَ سُلَيْمَان إِلَى مَنْزِله تَائِبًا إِلَى اللَّه تَعَالَى , وَرَدَّ اللَّه عَلَيْهِ مُلْكه ; فَأَقَامَ آصف فِي مَجْلِسه , وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيّه وَأَخَذَ الْخَاتَم . وَقِيلَ : إِنَّ الْجَسَد كَانَ سُلَيْمَان نَفْسه ; وَذَلِكَ أَنَّهُ مَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا حَتَّى صَارَ جَسَدًا . وَقَدْ يُوصَف بِهِ الْمَرِيض الْمُضْنَى فَيُقَال : كَالْجَسَدِ الْمُلْقَى . صِفَة كُرْسِيّ سُلَيْمَان وَمُلْكه : رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : كَانَ سُلَيْمَان يُوضَع لَهُ سِتُّمِائَةِ كُرْسِيّ , ثُمَّ يَجِيء أَشْرَاف النَّاس فَيَجْلِسُونَ مِمَّا يَلِيهِ , ثُمَّ يَأْتِي أَشْرَاف الْجِنّ فَيَجْلِسُونَ مِمَّا يَلِي الْإِنْس , ثُمَّ يَدْعُو الطَّيْر فَتُظِلّهُمْ , ثُمَّ يَدْعُو الرِّيح فَتُقِلُّهُمْ , وَتَسِير بِالْغَدَاةِ الْوَاحِدَة مَسِيرَة شَهْر . وَقَالَ وَهْب وَكَعْب وَغَيْرهمَا : إِنَّ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا مَلَكَ بَعْد أَبِيهِ , أَمَرَ بِاِتِّخَاذِ كُرْسِيّ لِيَجْلِس عَلَيْهِ لِلْقَضَاءِ , وَأَمَرَ أَنْ يُعْمَل بَدِيعًا مَهُولًا بِحَيْثُ إِذَا رَأْهُ مُبْطِل أَوْ شَاهِد زُور اِرْتَدَعَ وَتَهَيَّبَ ; فَأَمَرَ أَنْ يُعْمَل مِنْ أَنْيَاب الْفِيَلَةِ مُفَصَّصَة بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوت وَالزَّبَرْجَد , وَأَنْ يُحَفَّ بِنَخِيلِ الذَّهَب ; فَحُفَّ بِأَرْبَعِ نَخَلَات مِنْ ذَهَبٍ , شَمَارِيخُهَا الْيَاقُوت الْأَحْمَر وَالزُّمُرُّد الْأَخْضَر , عَلَى رَأْس نَخْلَتَيْنِ مِنْهُمَا طَاوُوسَانِ مِنْ ذَهَبٍ , وَعَلَى رَأْس نَخْلَتَيْنِ نِسْرَانِ مِنْ ذَهَب بَعْضهَا مُقَابِل لِبَعْضٍ , وَجَعَلُوا مِنْ جَنْبَيْ الْكُرْسِيّ أَسَدَيْنِ مِنْ ذَهَب , عَلَى رَأْس كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا عَمُود مِنْ الزُّمُرُّد الْأَخْضَر . وَقَدْ عَقَدُوا عَلَى النَّخَلَات أَشْجَار كُرُوم مِنْ الذَّهَب الْأَحْمَر , وَاِتَّخَذُوا عَنَاقِيدَهَا مِنْ الْيَاقُوت الْأَحْمَر , بِحَيْثُ أَظَلَّ عَرِيش الْكُرُوم النَّخْل وَالْكُرْسِيّ . وَكَانَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام إِذَا أَرَادَ صُعُوده وَضَعَ قَدَمَيْهِ عَلَى الدَّرَجَة السُّفْلَى , فَيَسْتَدِير الْكُرْسِيّ كُلّه بِمَا فِيهِ دَوَرَان الرَّحَى الْمُسْرِعَة , وَتَنْشُرُ تِلْكَ النُّسُور وَالطَّوَاوِيس أَجْنِحَتَهَا , وَيَبْسُط الْأَسَدَانِ أَيْدِيَهُمَا , وَيَضْرِبَانِ الْأَرْض بِأَذْنَابِهِمَا . وَكَذَلِكَ يَفْعَل فِي كُلّ دَرَجَة يَصْعَدهَا سُلَيْمَان , فَإِذَا اِسْتَوَى بِأَعْلَاهُ أَخَذَ النِّسْرَانِ اللَّذَانِ عَلَى النَّخْلَتَيْنِ تَاج سُلَيْمَان فَوَضَعَاهُ عَلَى رَأْسه , ثُمَّ يَسْتَدِير الْكُرْسِيّ بِمَا فِيهِ , وَيَدُور مَعَهُ النِّسْرَانِ وَالطَّاوُوسَانِ وَالْأَسَدَانِ مَائِلَانِ بِرُءُوسِهِمَا إِلَى سُلَيْمَان , وَيَنْضَحْنَ عَلَيْهِ مِنْ أَجْوَافِهِنَّ الْمِسْك وَالْعَنْبَر , ثُمَّ تُنَاوِلُهُ حَمَامَة مِنْ ذَهَب قَائِمَة عَلَى عَمُود مِنْ أَعْمِدَة الْجَوَاهِر فَوْق الْكُرْسِيّ التَّوْرَاة , فَيَفْتَحهَا سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام وَيَقْرَؤُهَا عَلَى النَّاس وَيَدْعُوهُمْ إِلَى فَصْل الْقَضَاء . قَالُوا : وَيَجْلِس عُظَمَاء بَنِي إِسْرَائِيل عَلَى كَرَاسِيّ الذَّهَب الْمُفَصَّصَة بِالْجَوَاهِرِ , وَهِيَ أَلْف كُرْسِيّ عَنْ يَمِينه , وَيَجْلِس عُظَمَاء الْجِنّ عَلَى كَرَاسِيّ الْفِضَّة عَنْ يَسَاره وَهِيَ أَلْف كُرْسِيّ , ثُمَّ تَحُفّ بِهِمْ الطَّيْر تُظِلّهُمْ , وَيَتَقَدَّم النَّاس لِفَصْلِ الْقَضَاء . فَإِذَا تَقَدَّمَتْ الشُّهُود لِلشَّهَادَاتِ , دَارَ الْكُرْسِيّ بِمَا فِيهِ وَعَلَيْهِ دَوَرَانَ الرَّحَى الْمُسْرِعَة , وَيَبْسُط الْأَسَدَانِ أَيْدِيَهُمَا وَيَضْرِبَانِ الْأَرْض بِأَذْنَابِهِمَا , وَيَنْشُر النِّسْرَانِ وَالطَّاوُوسَانِ أَجْنِحَتَهُمَا , فَتَفْزَعُ الشُّهُود فَلَا يَشْهَدُونَ إِلَّا بِالْحَقِّ . وَقِيلَ : إِنَّ الَّذِي كَانَ يَدُور بِذَلِكَ الْكُرْسِيّ تِنِّينٌ مِنْ ذَهَب ذَلِكَ الْكُرْسِيّ عَلَيْهِ , وَهُوَ عَظْم مِمَّا عَمِلَهُ لَهُ صَخْر الْجِنِّيّ ; فَإِذَا أَحَسَّتْ بِدَوَرَانِهِ تِلْكَ النُّسُورُ وَالْأُسْد وَالطَّوَاوِيس الَّتِي فِي أَسْفَل الْكُرْسِيّ إِلَى أَعْلَاهُ دُرْنَ مَعَهُ , فَإِذَا وَقَفْنَ وَقَفْنَ كُلّهنَّ عَلَى رَأْس سُلَيْمَان , وَهُوَ جَالِس , ثُمَّ يَنْضَحْنَ جَمِيعًا عَلَى رَأْسه مَا فِي أَجْوَافِهِنَّ مِنْ الْمِسْك وَالْعَنْبَر . فَلَمَّا تُوُفِّيَ سُلَيْمَان بَعَثَ بُخْتُنَصَّر فَأَخَذَ الْكُرْسِيّ فَحَمَلَهُ إِلَى أَنْطَاكِيَة , فَأَرَادَ أَنْ يَصْعَد إِلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عِلْم كَيْف يَصْعَد إِلَيْهِ ; فَلَمَّا وَضَعَ رَجُله ضَرَبَ الْأَسَد رِجْلَهُ فَكَسَرَهَا , وَكَانَ سُلَيْمَان إِذَا صَعِدَ وَضَعَ قَدَمَيْهِ جَمِيعًا . وَمَاتَ بُخْتُنَصَّر وَحُمِلَ الْكُرْسِيّ إِلَى بَيْت الْمَقْدِس , فَلَمْ يَسْتَطِعْ قَطُّ مَلِك أَنْ يَجْلِس عَلَيْهِ , وَلَكِنْ لَمْ يَدْرِ أَحَد عَاقِبَة أَمْره وَلَعَلَّهُ رُفِعَ .
أَيْ رَجَعَ إِلَى اللَّه وَتَابَ . وَقَدْ تَقَدَّمَ .
قِيلَ : شَيْطَان فِي قَوْل أَكْثَر أَهْل التَّفْسِير ; أَلْقَى اللَّه شَبَهَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام عَلَيْهِ , وَاسْمه صَخْر بْن عُمَيْر صَاحِب الْبَحْر , وَهُوَ الَّذِي دَلَّ سُلَيْمَان عَلَى الْمَاس حِين أَمَرَ سُلَيْمَان بِبِنَاءِ بَيْت الْمَقْدِس , فَصَوَّتَتْ الْحِجَارَة لَمَّا صُنِعَتْ بِالْحَدِيدِ , فَأَخَذُوا الْمَاس فَجَعَلُوا يَقْطَعُونَ بِهِ الْحِجَارَة وَالْفُصُوص وَغَيْرهَا وَلَا تُصَوِّت . قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَ مَارِدًا لَا يَقْوَى عَلَيْهِ جَمِيع الشَّيَاطِين , وَلَمْ يَزَلْ يَحْتَال حَتَّى ظَفِرَ بِخَاتَمِ سُلَيْمَان بْن دَاوُدَ , وَكَانَ سُلَيْمَان لَا يَدْخُل الْكَنِيف بِخَاتَمِهِ , فَجَاءَ صَخْر فِي صُورَة سُلَيْمَان حَتَّى أَخَذَ الْخَاتَم مِنْ اِمْرَأَة مِنْ نِسَاء سُلَيْمَان أُمّ وَلَد لَهُ يُقَال لَهَا الْأَمِينَة ; قَالَ شَهْر وَوَهْب . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَابْن جُبَيْر : اِسْمهَا جَرَادَة . فَقَامَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا عَلَى مُلْك سُلَيْمَان وَسُلَيْمَان هَارِب , حَتَّى رَدَّ اللَّه عَلَيْهِ الْخَاتَم وَالْمُلْك . وَقَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : كَانَ سُلَيْمَان قَدْ وَضَعَ خَاتَمه تَحْت فِرَاشه , فَأَخَذَهُ الشَّيْطَان مِنْ تَحْته . وَقَالَ مُجَاهِد : أَخَذَهُ الشَّيْطَان مِنْ يَد سُلَيْمَان ; لِأَنَّ سُلَيْمَان سَأَلَ الشَّيْطَان وَكَانَ اِسْمه آصف : كَيْف تُضِلُّونَ النَّاس ؟ فَقَالَ لَهُ الشَّيْطَان : أَعْطِنِي خَاتَمَك حَتَّى أُخْبِرَك . فَأَعْطَاهُ خَاتَمه , فَلَمَّا أَخَذَ الشَّيْطَان الْخَاتَم جَلَسَ عَلَى كُرْسِيّ سُلَيْمَان , مُتَشَبِّهًا بِصُورَتِهِ , دَاخِلًا عَلَى نِسَائِهِ , يَقْضِي بِغَيْرِ الْحَقّ , وَيَأْمُر بِغَيْرِ الصَّوَاب . وَاخْتُلِفَ فِي إِصَابَته لِنِسَاءِ سُلَيْمَان , فَحُكِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَوَهْب بْن مُنَبِّه : أَنَّهُ كَانَ يَأْتِيهِنَّ فِي حَيْضِهِنَّ . وَقَالَ مُجَاهِد : مُنِعَ مِنْ إِتْيَانِهِنَّ وَزَالَ عَنْ سُلَيْمَان مُلْكُهُ فَخَرَجَ هَارِبًا إِلَى سَاحِل الْبَحْر يَتَضَيَّفُ النَّاس ; وَيَحْمِلُ سُمُوكَ الصَّيَّادِينَ بِالْأَجْرِ , وَإِذَا أَخْبَرَ النَّاس أَنَّهُ سُلَيْمَان أَكْذَبُوهُ . قَالَ قَتَادَة : ثُمَّ إِنَّ سُلَيْمَان بَعْد أَنْ اِسْتَنْكَرَ بَنُو إِسْرَائِيل حُكْم الشَّيْطَان أَخَذَ حُوتَهُ مِنْ صَيَّاد . قِيلَ : إِنَّهُ اِسْتَطْعَمَهَا . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : أَخَذَهَا أُجْرَة فِي حَمْل حُوت . وَقِيلَ : إِنَّ سُلَيْمَان صَادَهَا فَلَمَّا شَقَّ بَطْنهَا وَجَدَ خَاتَمَهُ فِيهَا , وَذَلِكَ بَعْد أَرْبَعِينَ يَوْمًا مِنْ زَوَال مُلْكه , وَهِيَ عَدَد الْأَيَّام الَّتِي عُبِدَ فِيهَا الصَّنَم فِي دَاره , وَإِنَّمَا وَجَدَ الْخَاتَم فِي بَطْن الْحُوت ; لِأَنَّ الشَّيْطَان الَّذِي أَخَذَهُ أَلْقَاهُ فِي الْبَحْر . وَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : بَيْنَمَا سُلَيْمَان عَلَى شَاطِئ الْبَحْر وَهُوَ يَعْبَث بِخَاتَمِهِ , إِذْ سَقَطَ مِنْهُ فِي الْبَحْر وَكَانَ مُلْكه فِي خَاتَمه . وَقَالَ جَابِر بْن عَبْد اللَّه : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَانَ نَقْش خَاتَم سُلَيْمَان بْن دَاوُدَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه مُحَمَّد رَسُول اللَّه ) . وَحَكَى يَحْيَى بْن أَبِي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ أَنَّ سُلَيْمَان وَجَدَ خَاتَمه بِعَسْقَلَان , فَمَشَى مِنْهَا إِلَى بَيْت الْمَقْدِس تَوَاضُعًا لِلَّهِ تَعَالَى . قَالَ ابْن عَبَّاس وَغَيْره : ثُمَّ إِنَّ سُلَيْمَان لَمَّا رَدَّ اللَّه عَلَيْهِ مُلْكَهُ , أَخَذَ صَخْرًا الَّذِي أَخَذَ خَاتَمه , وَنَقَرَ لَهُ صَخْرَة وَأَدْخَلَهُ فِيهَا , وَسَدَّ عَلَيْهِ بِأُخْرَى وَأَوْثَقَهَا بِالْحَدِيدِ وَالرَّصَاص , وَخَتَمَ عَلَيْهَا بِخَاتَمِهِ وَأَلْقَاهَا فِي الْبَحْر , وَقَالَ : هَذَا مَحْبِسُك إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . وَقَالَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : لَمَّا أَخَذَ سُلَيْمَان الْخَاتَم , أَقْبَلَتْ إِلَيْهِ الشَّيَاطِين وَالْجِنّ وَالْإِنْس وَالطَّيْر وَالْوَحْش وَالرِّيح , وَهَرَبَ الشَّيْطَان الَّذِي خَلَفَ فِي أَهْله , فَأَتَى جَزِيرَة فِي الْبَحْر , فَبَعَثَ إِلَيْهِ الشَّيَاطِين فَقَالُوا : لَا نَقْدِرُ عَلَيْهِ , وَلَكِنَّهُ يَرِدُ عَيْنًا فِي الْجَزِيرَة فِي كُلّ سَبْعَة أَيَّام يَوْمًا , وَلَا نَقْدِر عَلَيْهِ حَتَّى يَسْكَر ! قَالَ : فَنَزَحَ سُلَيْمَان مَاءَهَا وَجَعَلَ فِيهَا خَمْرًا , فَجَاءَ يَوْم وُرُودِهِ فَإِذَا هُوَ بِالْخَمْرِ , فَقَالَ : وَاَللَّه إِنَّك لَشَرَاب طَيِّب إِلَّا أَنَّك تُطِيشِينَ الْحَلِيم , وَتَزِيدِينَ الْجَاهِل جَهْلًا . ثُمَّ عَطِشَ عَطَشًا شَدِيدًا ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ مِثْل مَقَالَته , ثُمَّ شَرِبَهَا فَغَلَبَتْ عَلَى عَقْله ; فَأَرَوْهُ الْخَاتَم فَقَالَ : سَمْعًا وَطَاعَة . فَأَتَوْا بِهِ سُلَيْمَان فَأَوْثَقَهُ وَبَعَثَ بِهِ إِلَى جَبَل , فَذَكَرُوا أَنَّهُ جَبَل الدُّخَان فَقَالُوا : إِنَّ الدُّخَان الَّذِي تَرَوْنَ مِنْ نَفَسِهِ , وَالْمَاء الَّذِي يَخْرُج مِنْ الْجَبَل مِنْ بَوْله . وَقَالَ مُجَاهِد : اِسْم ذَلِكَ الشَّيْطَان آصف . وَقَالَ السُّدِّيّ اِسْمه حبقيق ; فَاَللَّه أَعْلَم . وَقَدْ ضُعِّفَ هَذَا الْقَوْل مِنْ حَيْثُ إِنَّ الشَّيْطَان لَا يَتَصَوَّر بِصُورَةِ الْأَنْبِيَاء , ثُمَّ مِنْ الْمُحَال أَنْ يَلْتَبِسَ عَلَى أَهْل مَمْلَكَة سُلَيْمَان الشَّيْطَان بِسُلَيْمَان حَتَّى يَظُنُّوا أَنَّهُمْ مَعَ نَبِيّهمْ فِي حَقّ , وَهُمْ مَعَ الشَّيْطَان فِي بَاطِل . وَقِيلَ : إِنَّ الْجَسَد وَلَدٌ وُلِدَ لِسُلَيْمَان , وَأَنَّهُ لَمَّا وُلِدَ اِجْتَمَعَتْ الشَّيَاطِين ; وَقَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : إِنْ عَاشَ لَهُ اِبْن لَمْ نَنْفَكَّ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْبَلَاء وَالسُّخْرَة , فَتَعَالَوْا نَقْتُلْ وَلَدَهُ أَوْ نَخْبِلْهُ . فَعَلِمَ سُلَيْمَان بِذَلِكَ فَأَمَرَ الرِّيح حَتَّى حَمَلَتْهُ إِلَى السَّحَاب , وَغَدَا اِبْنه فِي السَّحَاب خَوْفًا مِنْ مَضَرَّة الشَّيَاطِين , فَعَاقَبَهُ اللَّه بِخَوْفِهِ مِنْ الشَّيَاطِين , فَلَمْ يَشْعُر إِلَّا وَقَدْ وَقَعَ عَلَى كُرْسِيّه مَيِّتًا . قَالَ مَعْنَاهُ الشَّعْبِيّ . فَهُوَ الْجَسَد الَّذِي قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَالْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيّه جَسَدًا " . وَحَكَى النَّقَّاش وَغَيْره : إِنَّ أَكْثَر مَا وَطِئَ سُلَيْمَان جَوَارِيَهُ طَلَبًا لِلْوَلَدِ , فَوُلِدَ لَهُ نِصْف إِنْسَان , فَهُوَ كَانَ الْجَسَد الْمُلْقَى عَلَى كُرْسِيِّهِ جَاءَتْ بِهِ الْقَابِلَة فَأَلْقَتْهُ هُنَاكَ . وَفِي صَحِيح الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قَالَ سُلَيْمَان لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَة عَلَى تِسْعِينَ اِمْرَأَة كُلّهنَّ تَأْتِي بِفَارِسٍ يُجَاهِد فِي سَبِيل اللَّه فَقَالَ لَهُ صَاحِبه قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّه , فَلَمْ يَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّه فَطَافَ عَلَيْهِنَّ جَمِيعًا فَلَمْ تَحْمِلْ مِنْهُنَّ إِلَّا اِمْرَأَة وَاحِدَة جَاءَتْ بِشِقِّ رَجُل , وَاَيْمُ الَّذِي نَفْس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّه لَجَاهَدُوا فِي سَبِيل اللَّه فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ ) وَقِيلَ : إِنَّ الْجَسَد هُوَ آصف بْن برخيا الصِّدِّيق كَاتِب سُلَيْمَان , وَذَلِكَ أَنَّ سُلَيْمَان لَمَّا فُتِنَ سَقَطَ الْخَاتَم مِنْ يَده وَكَانَ فِيهِ مُلْكه , فَأَعَادَهُ إِلَى يَده فَسَقَطَ فَأَيْقَنَ بِالْفِتْنَةِ ; فَقَالَ لَهُ آصف : إِنَّك مَفْتُون وَلِذَلِكَ لَا يَتَمَاسَك فِي يَدك , فَفِرَّ إِلَى اللَّه تَعَالَى تَائِبًا مِنْ ذَلِكَ , وَأَنَا أَقُوم مَقَامَك فِي عَالَمِك إِلَى أَنْ يَتُوب اللَّه عَلَيْك , وَلَك مِنْ حِين فُتِنْت أَرْبَعَة عَشَرَ يَوْمًا . فَفَرَّ سُلَيْمَان هَارِبًا إِلَى رَبّه , وَأَخَذَ آصف الْخَاتَم فَوَضَعَهُ فِي يَده فَثَبَتَ , وَكَانَ عِنْده عِلْم مِنْ الْكِتَاب . وَقَامَ آصف فِي مُلْك سُلَيْمَان وَعِيَاله , يَسِير بِسَيْرِهِ وَيَعْمَل بِعَمَلِهِ , إِلَى أَنْ رَجَعَ سُلَيْمَان إِلَى مَنْزِله تَائِبًا إِلَى اللَّه تَعَالَى , وَرَدَّ اللَّه عَلَيْهِ مُلْكه ; فَأَقَامَ آصف فِي مَجْلِسه , وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيّه وَأَخَذَ الْخَاتَم . وَقِيلَ : إِنَّ الْجَسَد كَانَ سُلَيْمَان نَفْسه ; وَذَلِكَ أَنَّهُ مَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا حَتَّى صَارَ جَسَدًا . وَقَدْ يُوصَف بِهِ الْمَرِيض الْمُضْنَى فَيُقَال : كَالْجَسَدِ الْمُلْقَى . صِفَة كُرْسِيّ سُلَيْمَان وَمُلْكه : رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : كَانَ سُلَيْمَان يُوضَع لَهُ سِتُّمِائَةِ كُرْسِيّ , ثُمَّ يَجِيء أَشْرَاف النَّاس فَيَجْلِسُونَ مِمَّا يَلِيهِ , ثُمَّ يَأْتِي أَشْرَاف الْجِنّ فَيَجْلِسُونَ مِمَّا يَلِي الْإِنْس , ثُمَّ يَدْعُو الطَّيْر فَتُظِلّهُمْ , ثُمَّ يَدْعُو الرِّيح فَتُقِلُّهُمْ , وَتَسِير بِالْغَدَاةِ الْوَاحِدَة مَسِيرَة شَهْر . وَقَالَ وَهْب وَكَعْب وَغَيْرهمَا : إِنَّ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا مَلَكَ بَعْد أَبِيهِ , أَمَرَ بِاِتِّخَاذِ كُرْسِيّ لِيَجْلِس عَلَيْهِ لِلْقَضَاءِ , وَأَمَرَ أَنْ يُعْمَل بَدِيعًا مَهُولًا بِحَيْثُ إِذَا رَأْهُ مُبْطِل أَوْ شَاهِد زُور اِرْتَدَعَ وَتَهَيَّبَ ; فَأَمَرَ أَنْ يُعْمَل مِنْ أَنْيَاب الْفِيَلَةِ مُفَصَّصَة بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوت وَالزَّبَرْجَد , وَأَنْ يُحَفَّ بِنَخِيلِ الذَّهَب ; فَحُفَّ بِأَرْبَعِ نَخَلَات مِنْ ذَهَبٍ , شَمَارِيخُهَا الْيَاقُوت الْأَحْمَر وَالزُّمُرُّد الْأَخْضَر , عَلَى رَأْس نَخْلَتَيْنِ مِنْهُمَا طَاوُوسَانِ مِنْ ذَهَبٍ , وَعَلَى رَأْس نَخْلَتَيْنِ نِسْرَانِ مِنْ ذَهَب بَعْضهَا مُقَابِل لِبَعْضٍ , وَجَعَلُوا مِنْ جَنْبَيْ الْكُرْسِيّ أَسَدَيْنِ مِنْ ذَهَب , عَلَى رَأْس كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا عَمُود مِنْ الزُّمُرُّد الْأَخْضَر . وَقَدْ عَقَدُوا عَلَى النَّخَلَات أَشْجَار كُرُوم مِنْ الذَّهَب الْأَحْمَر , وَاِتَّخَذُوا عَنَاقِيدَهَا مِنْ الْيَاقُوت الْأَحْمَر , بِحَيْثُ أَظَلَّ عَرِيش الْكُرُوم النَّخْل وَالْكُرْسِيّ . وَكَانَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام إِذَا أَرَادَ صُعُوده وَضَعَ قَدَمَيْهِ عَلَى الدَّرَجَة السُّفْلَى , فَيَسْتَدِير الْكُرْسِيّ كُلّه بِمَا فِيهِ دَوَرَان الرَّحَى الْمُسْرِعَة , وَتَنْشُرُ تِلْكَ النُّسُور وَالطَّوَاوِيس أَجْنِحَتَهَا , وَيَبْسُط الْأَسَدَانِ أَيْدِيَهُمَا , وَيَضْرِبَانِ الْأَرْض بِأَذْنَابِهِمَا . وَكَذَلِكَ يَفْعَل فِي كُلّ دَرَجَة يَصْعَدهَا سُلَيْمَان , فَإِذَا اِسْتَوَى بِأَعْلَاهُ أَخَذَ النِّسْرَانِ اللَّذَانِ عَلَى النَّخْلَتَيْنِ تَاج سُلَيْمَان فَوَضَعَاهُ عَلَى رَأْسه , ثُمَّ يَسْتَدِير الْكُرْسِيّ بِمَا فِيهِ , وَيَدُور مَعَهُ النِّسْرَانِ وَالطَّاوُوسَانِ وَالْأَسَدَانِ مَائِلَانِ بِرُءُوسِهِمَا إِلَى سُلَيْمَان , وَيَنْضَحْنَ عَلَيْهِ مِنْ أَجْوَافِهِنَّ الْمِسْك وَالْعَنْبَر , ثُمَّ تُنَاوِلُهُ حَمَامَة مِنْ ذَهَب قَائِمَة عَلَى عَمُود مِنْ أَعْمِدَة الْجَوَاهِر فَوْق الْكُرْسِيّ التَّوْرَاة , فَيَفْتَحهَا سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام وَيَقْرَؤُهَا عَلَى النَّاس وَيَدْعُوهُمْ إِلَى فَصْل الْقَضَاء . قَالُوا : وَيَجْلِس عُظَمَاء بَنِي إِسْرَائِيل عَلَى كَرَاسِيّ الذَّهَب الْمُفَصَّصَة بِالْجَوَاهِرِ , وَهِيَ أَلْف كُرْسِيّ عَنْ يَمِينه , وَيَجْلِس عُظَمَاء الْجِنّ عَلَى كَرَاسِيّ الْفِضَّة عَنْ يَسَاره وَهِيَ أَلْف كُرْسِيّ , ثُمَّ تَحُفّ بِهِمْ الطَّيْر تُظِلّهُمْ , وَيَتَقَدَّم النَّاس لِفَصْلِ الْقَضَاء . فَإِذَا تَقَدَّمَتْ الشُّهُود لِلشَّهَادَاتِ , دَارَ الْكُرْسِيّ بِمَا فِيهِ وَعَلَيْهِ دَوَرَانَ الرَّحَى الْمُسْرِعَة , وَيَبْسُط الْأَسَدَانِ أَيْدِيَهُمَا وَيَضْرِبَانِ الْأَرْض بِأَذْنَابِهِمَا , وَيَنْشُر النِّسْرَانِ وَالطَّاوُوسَانِ أَجْنِحَتَهُمَا , فَتَفْزَعُ الشُّهُود فَلَا يَشْهَدُونَ إِلَّا بِالْحَقِّ . وَقِيلَ : إِنَّ الَّذِي كَانَ يَدُور بِذَلِكَ الْكُرْسِيّ تِنِّينٌ مِنْ ذَهَب ذَلِكَ الْكُرْسِيّ عَلَيْهِ , وَهُوَ عَظْم مِمَّا عَمِلَهُ لَهُ صَخْر الْجِنِّيّ ; فَإِذَا أَحَسَّتْ بِدَوَرَانِهِ تِلْكَ النُّسُورُ وَالْأُسْد وَالطَّوَاوِيس الَّتِي فِي أَسْفَل الْكُرْسِيّ إِلَى أَعْلَاهُ دُرْنَ مَعَهُ , فَإِذَا وَقَفْنَ وَقَفْنَ كُلّهنَّ عَلَى رَأْس سُلَيْمَان , وَهُوَ جَالِس , ثُمَّ يَنْضَحْنَ جَمِيعًا عَلَى رَأْسه مَا فِي أَجْوَافِهِنَّ مِنْ الْمِسْك وَالْعَنْبَر . فَلَمَّا تُوُفِّيَ سُلَيْمَان بَعَثَ بُخْتُنَصَّر فَأَخَذَ الْكُرْسِيّ فَحَمَلَهُ إِلَى أَنْطَاكِيَة , فَأَرَادَ أَنْ يَصْعَد إِلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عِلْم كَيْف يَصْعَد إِلَيْهِ ; فَلَمَّا وَضَعَ رَجُله ضَرَبَ الْأَسَد رِجْلَهُ فَكَسَرَهَا , وَكَانَ سُلَيْمَان إِذَا صَعِدَ وَضَعَ قَدَمَيْهِ جَمِيعًا . وَمَاتَ بُخْتُنَصَّر وَحُمِلَ الْكُرْسِيّ إِلَى بَيْت الْمَقْدِس , فَلَمْ يَسْتَطِعْ قَطُّ مَلِك أَنْ يَجْلِس عَلَيْهِ , وَلَكِنْ لَمْ يَدْرِ أَحَد عَاقِبَة أَمْره وَلَعَلَّهُ رُفِعَ .
أَيْ رَجَعَ إِلَى اللَّه وَتَابَ . وَقَدْ تَقَدَّمَ .
قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ↓
أَيْ اِغْفِرْ لِي ذَنْبِي
يُقَال : كَيْف أَقْدَمَ سُلَيْمَان عَلَى طَلَب الدُّنْيَا , مَعَ ذَمِّهَا مِنْ اللَّه تَعَالَى , وَبُغْضه لَهَا , وَحَقَارَتهَا لَدَيْهِ ؟ . فَالْجَوَاب أَنَّ ذَلِكَ مَحْمُول عِنْد الْعُلَمَاء عَلَى أَدَاء حُقُوق اللَّه تَعَالَى وَسِيَاسَة مُلْكه , وَتَرْتِيب مَنَازِل خَلْقه , وَإِقَامَة حُدُوده , وَالْمُحَافَظَة عَلَى رُسُومه , وَتَعْظِيم شَعَائِره , وَظُهُور عِبَادَته , وَلُزُوم طَاعَته , وَنُظُم قَانُون الْحُكْم النَّافِذ عَلَيْهِمْ مِنْهُ , وَتَحْقِيق الْوُعُود فِي أَنَّهُ يَعْلَم مَا لَا يَعْلَم أَحَد مِنْ خَلْقه حَسَبَ مَا صَرَّحَ بِذَلِكَ لِمَلَائِكَتِهِ فَقَالَ : " إِنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ " [ الْبَقَرَة : 30 ] 183 وَحَاشَا سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام أَنْ يَكُون سُؤَاله طَلَبًا لِنَفْسِ الدُّنْيَا ; لِأَنَّهُ هُوَ وَالْأَنْبِيَاء أَزْهَد خَلْق اللَّه فِيهَا , وَإِنَّمَا سَأَلَ مَمْلَكَتهَا لِلَّهِ , كَمَا سَأَلَ نُوح دَمَارَهَا وَهَلَاكَهَا لِلَّهِ ; فَكَانَا مَحْمُودَيْنِ مُجَابَيْنِ إِلَى ذَلِكَ , فَأُجِيبَ نُوح فَأُهْلِك مَنْ عَلَيْهَا , وَأُعْطِيَ سُلَيْمَان الْمَمْلَكَة . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ كَانَ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ عَلَى الصِّفَة الَّتِي عَلِمَ اللَّه أَنَّهُ لَا يَضْبِطُهُ إِلَّا هُوَ وَحْدَهُ دُون سَائِر عِبَاده , أَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ مُلْكًا عَظِيمًا فَقَالَ : " لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي " وَهَذَا فِيهِ نَظَر . وَالْأَوَّل أَصَحّ . ثُمَّ قَالَ لَهُ : " هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَاب " قَالَ الْحَسَن : مَا مِنْ أَحَد إِلَّا وَلِلَّهِ عَلَيْهِ تَبِعَة فِي نِعَمِهِ غَيْر سُلَيْمَان بْن دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام فَإِنَّهُ قَالَ : " هَذَا عَطَاؤُنَا " الْآيَة . قُلْت : وَهَذَا يَرُدّ مَا رُوِيَ فِي الْخَبَر : إِنَّ آخِر الْأَنْبِيَاء دُخُولًا الْجَنَّة سُلَيْمَان بْن دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام لِمَكَانِ مُلْكه فِي الدُّنْيَا . وَفِي بَعْض الْأَخْبَار : يَدْخُل الْجَنَّة بَعْد الْأَنْبِيَاء بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا ; ذَكَرَهُ صَاحِب الْقُوت وَهُوَ حَدِيث لَا أَصْل لَهُ ; لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ إِذَا كَانَ عَطَاؤُهُ لَا تَبِعَةَ فِيهِ ; لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيق الْمِنَّة , فَكَيْف يَكُون آخِر الْأَنْبِيَاء دُخُولًا الْجَنَّة , وَهُوَ سُبْحَانه يَقُول : " وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْن مَآب " . وَفِي الصَّحِيح : ( لِكُلِّ نَبِيّ دَعْوَة مُسْتَجَابَة فَتَعَجَّلَ كُلّ نَبِيٍّ دَعَوْتَهُ ... ) الْحَدِيث . وَقَدْ تَقَدَّمَ فَجَعَلَ لَهُ مِنْ قَبْل السُّؤَال حَاجَة مَقْضِيَّة , فَلِذَلِكَ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ تَبِعَة . وَمَعْنَى قَوْله : " لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي " أَيْ أَنْ يَسْأَلَهُ . فَكَأَنَّهُ سَأَلَ مَنْع السُّؤَال بَعْده , حَتَّى لَا يَتَعَلَّق بِهِ أَمَل أَحَد , وَلَمْ يَسْأَل مَنْع الْإِجَابَة . وَقِيلَ : إِنَّ سُؤَالَهُ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْده ; لِيَكُونَ مَحَلّه وَكَرَامَته مِنْ اللَّه ظَاهِرًا فِي خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض ; فَإِنَّ الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِمْ السَّلَام لَهُمْ تَنَافُس فِي الْمَحَلّ عِنْده , فَكُلٌّ يُحِبُّ أَنْ تَكُون لَهُ خُصُوصِيَّة يَسْتَدِلّ بِهَا عَلَى مَحَلّه عِنْده , وَلِهَذَا لَمَّا أَخَذَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِفْرِيت الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَقْطَع عَلَيْهِ صَلَاته وَأَمْكَنَهُ اللَّه مِنْهُ , أَرَادَ رَبْطه ثُمَّ تَذَكَّرَ قَوْلَ أَخِيهِ سُلَيْمَان : " رَبّ اِغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي " فَرَدَّهُ خَاسِئًا . فَلَوْ أُعْطِيَ أَحَد بَعْده مِثْله ذَهَبَتْ الْخُصُوصِيَّة , فَكَأَنَّهُ كَرِهَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُزَاحِمَهُ فِي تِلْكَ الْخُصُوصِيَّة , بَعْد أَنْ عَلِمَ أَنَّهُ شَيْء هُوَ الَّذِي خُصَّ بِهِ مِنْ سُخْرَة الشَّيَاطِين , وَأَنَّهُ أُجِيبَ إِلَى أَلَّا يَكُون لِأَحَدٍ بَعْده . وَاَللَّه أَعْلَم .
يُقَال : كَيْف أَقْدَمَ سُلَيْمَان عَلَى طَلَب الدُّنْيَا , مَعَ ذَمِّهَا مِنْ اللَّه تَعَالَى , وَبُغْضه لَهَا , وَحَقَارَتهَا لَدَيْهِ ؟ . فَالْجَوَاب أَنَّ ذَلِكَ مَحْمُول عِنْد الْعُلَمَاء عَلَى أَدَاء حُقُوق اللَّه تَعَالَى وَسِيَاسَة مُلْكه , وَتَرْتِيب مَنَازِل خَلْقه , وَإِقَامَة حُدُوده , وَالْمُحَافَظَة عَلَى رُسُومه , وَتَعْظِيم شَعَائِره , وَظُهُور عِبَادَته , وَلُزُوم طَاعَته , وَنُظُم قَانُون الْحُكْم النَّافِذ عَلَيْهِمْ مِنْهُ , وَتَحْقِيق الْوُعُود فِي أَنَّهُ يَعْلَم مَا لَا يَعْلَم أَحَد مِنْ خَلْقه حَسَبَ مَا صَرَّحَ بِذَلِكَ لِمَلَائِكَتِهِ فَقَالَ : " إِنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ " [ الْبَقَرَة : 30 ] 183 وَحَاشَا سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام أَنْ يَكُون سُؤَاله طَلَبًا لِنَفْسِ الدُّنْيَا ; لِأَنَّهُ هُوَ وَالْأَنْبِيَاء أَزْهَد خَلْق اللَّه فِيهَا , وَإِنَّمَا سَأَلَ مَمْلَكَتهَا لِلَّهِ , كَمَا سَأَلَ نُوح دَمَارَهَا وَهَلَاكَهَا لِلَّهِ ; فَكَانَا مَحْمُودَيْنِ مُجَابَيْنِ إِلَى ذَلِكَ , فَأُجِيبَ نُوح فَأُهْلِك مَنْ عَلَيْهَا , وَأُعْطِيَ سُلَيْمَان الْمَمْلَكَة . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ كَانَ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ عَلَى الصِّفَة الَّتِي عَلِمَ اللَّه أَنَّهُ لَا يَضْبِطُهُ إِلَّا هُوَ وَحْدَهُ دُون سَائِر عِبَاده , أَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ مُلْكًا عَظِيمًا فَقَالَ : " لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي " وَهَذَا فِيهِ نَظَر . وَالْأَوَّل أَصَحّ . ثُمَّ قَالَ لَهُ : " هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَاب " قَالَ الْحَسَن : مَا مِنْ أَحَد إِلَّا وَلِلَّهِ عَلَيْهِ تَبِعَة فِي نِعَمِهِ غَيْر سُلَيْمَان بْن دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام فَإِنَّهُ قَالَ : " هَذَا عَطَاؤُنَا " الْآيَة . قُلْت : وَهَذَا يَرُدّ مَا رُوِيَ فِي الْخَبَر : إِنَّ آخِر الْأَنْبِيَاء دُخُولًا الْجَنَّة سُلَيْمَان بْن دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام لِمَكَانِ مُلْكه فِي الدُّنْيَا . وَفِي بَعْض الْأَخْبَار : يَدْخُل الْجَنَّة بَعْد الْأَنْبِيَاء بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا ; ذَكَرَهُ صَاحِب الْقُوت وَهُوَ حَدِيث لَا أَصْل لَهُ ; لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ إِذَا كَانَ عَطَاؤُهُ لَا تَبِعَةَ فِيهِ ; لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيق الْمِنَّة , فَكَيْف يَكُون آخِر الْأَنْبِيَاء دُخُولًا الْجَنَّة , وَهُوَ سُبْحَانه يَقُول : " وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْن مَآب " . وَفِي الصَّحِيح : ( لِكُلِّ نَبِيّ دَعْوَة مُسْتَجَابَة فَتَعَجَّلَ كُلّ نَبِيٍّ دَعَوْتَهُ ... ) الْحَدِيث . وَقَدْ تَقَدَّمَ فَجَعَلَ لَهُ مِنْ قَبْل السُّؤَال حَاجَة مَقْضِيَّة , فَلِذَلِكَ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ تَبِعَة . وَمَعْنَى قَوْله : " لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي " أَيْ أَنْ يَسْأَلَهُ . فَكَأَنَّهُ سَأَلَ مَنْع السُّؤَال بَعْده , حَتَّى لَا يَتَعَلَّق بِهِ أَمَل أَحَد , وَلَمْ يَسْأَل مَنْع الْإِجَابَة . وَقِيلَ : إِنَّ سُؤَالَهُ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْده ; لِيَكُونَ مَحَلّه وَكَرَامَته مِنْ اللَّه ظَاهِرًا فِي خَلْق السَّمَوَات وَالْأَرْض ; فَإِنَّ الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِمْ السَّلَام لَهُمْ تَنَافُس فِي الْمَحَلّ عِنْده , فَكُلٌّ يُحِبُّ أَنْ تَكُون لَهُ خُصُوصِيَّة يَسْتَدِلّ بِهَا عَلَى مَحَلّه عِنْده , وَلِهَذَا لَمَّا أَخَذَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِفْرِيت الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَقْطَع عَلَيْهِ صَلَاته وَأَمْكَنَهُ اللَّه مِنْهُ , أَرَادَ رَبْطه ثُمَّ تَذَكَّرَ قَوْلَ أَخِيهِ سُلَيْمَان : " رَبّ اِغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي " فَرَدَّهُ خَاسِئًا . فَلَوْ أُعْطِيَ أَحَد بَعْده مِثْله ذَهَبَتْ الْخُصُوصِيَّة , فَكَأَنَّهُ كَرِهَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُزَاحِمَهُ فِي تِلْكَ الْخُصُوصِيَّة , بَعْد أَنْ عَلِمَ أَنَّهُ شَيْء هُوَ الَّذِي خُصَّ بِهِ مِنْ سُخْرَة الشَّيَاطِين , وَأَنَّهُ أُجِيبَ إِلَى أَلَّا يَكُون لِأَحَدٍ بَعْده . وَاَللَّه أَعْلَم .
أَيْ لَيِّنَةً مَعَ قُوَّتِهَا وَشِدَّتِهَا حَتَّى لَا تَضُرَّ بِأَحَدٍ , وَتَحْمِلهُ بِعَسْكَرِهِ وَجُنُوده وَمَوْكِبه . وَكَانَ مَوْكِبه فِيمَا رُوِيَ فَرْسَخًا فِي فَرْسَخ , مِائَة دَرَجَة بَعْضهَا فَوْق بَعْض , كُلّ دَرَجَة صِنْف مِنْ النَّاس , وَهُوَ فِي أَعْلَى دَرَجَة مَعَ جَوَارِيه وَحَشَمِهِ وَخَدَمِهِ ; صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ . وَذَكَرَ أَبُو نُعَيْم الْحَافِظ قَالَ : حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن جَعْفَر , قَالَ حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن حَنْبَل , قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن أَيُّوب , قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن عَيَّاش عَنْ إِدْرِيس بْن وَهْب بْن مُنَبِّه , قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ : كَانَ لِسُلَيْمَان بْن دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام أَلْف بَيْت أَعْلَاهُ قَوَارِير وَأَسْفَله حَدِيد , فَرَكِبَ الرِّيح يَوْمًا فَمَرَّ بِحَرَّاثٍ فَنَظَرَ إِلَيْهِ الْحَرَّاث فَقَالَ : لَقَدْ أُوتِيَ آلُ دَاوُدَ مُلْكًا عَظِيمًا فَحَمَلَتْ الرِّيح كَلَامه فَأَلْقَتْهُ فِي أُذُن سُلَيْمَان , قَالَ فَنَزَلَ حَتَّى أَتَى الْحَرَّاث فَقَالَ : إِنِّي سَمِعْت قَوْلَك , وَإِنَّمَا مَشَيْت إِلَيْك لِئَلَّا تَتَمَنَّى مَا لَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ ; لَتَسْبِيحَةٌ وَاحِدَةٌ يَقْبَلُهَا اللَّه مِنْك لَخَيْرٌ مِمَّا أُوتِيَ آلُ دَاوُدَ . فَقَالَ الْحَرَّاث : أَذْهَبَ اللَّه هَمَّك كَمَا أَذْهَبْتَ هَمِّي .
أَيْ أَرَادَ ; قَالَهُ مُجَاهِد . وَالْعَرَب تَقُول : أَصَابَ الصَّوَاب وَأَخْطَأَ الْجَوَاب . أَيْ أَرَادَ الصَّوَاب وَأَخْطَأَ الْجَوَاب ; قَالَهُ اِبْن الْأَعْرَابِيّ . وَقَالَ الشَّاعِر : أَصَابَ الْكَلَامَ فَلَمْ يَسْتَطِعْ فَأَخْطَا الْجَوَابَ لَدَى الْمَفْصِل وَقِيلَ : أَصَابَ أَرَادَ بِلُغَةِ حِمْيَر . وَقَالَ قَتَادَة : هُوَ بِلِسَانِ هَجَرَ . وَقِيلَ : " حَيْثُ أَصَابَ " حِينَمَا قَصَدَ , وَهُوَ مَأْخُوذ مِنْ إِصَابَة السَّهْم الْغَرَضَ الْمَقْصُودَ .
أَيْ أَرَادَ ; قَالَهُ مُجَاهِد . وَالْعَرَب تَقُول : أَصَابَ الصَّوَاب وَأَخْطَأَ الْجَوَاب . أَيْ أَرَادَ الصَّوَاب وَأَخْطَأَ الْجَوَاب ; قَالَهُ اِبْن الْأَعْرَابِيّ . وَقَالَ الشَّاعِر : أَصَابَ الْكَلَامَ فَلَمْ يَسْتَطِعْ فَأَخْطَا الْجَوَابَ لَدَى الْمَفْصِل وَقِيلَ : أَصَابَ أَرَادَ بِلُغَةِ حِمْيَر . وَقَالَ قَتَادَة : هُوَ بِلِسَانِ هَجَرَ . وَقِيلَ : " حَيْثُ أَصَابَ " حِينَمَا قَصَدَ , وَهُوَ مَأْخُوذ مِنْ إِصَابَة السَّهْم الْغَرَضَ الْمَقْصُودَ .
أَيْ وَسَخَّرْنَا لَهُ الشَّيَاطِين وَمَا سُخِّرَتْ لِأَحَدٍ قَبْلَهُ .
بَدَل مِنْ الشَّيَاطِين أَيْ كُلَّ بَنَّاءٍ مِنْهُمْ , فَهُمْ يَبْنُونَ لَهُ مَا يَشَاء . قَالَ : إِلَّا سُلَيْمَانَ إِذْ قَالَ الْإِلَهُ لَهُ قُمْ فِي الْبَرِيَّةِ فَاحْدُدْهَا عَنْ الْفَنَدِ وَخَيِّسْ الْجِنَّ إِنِّي قَدْ أَذِنْت لَهُمْ يَبْنُونَ تَدْمُرَ بِالصُّفَّاحِ وَالْعُمُدِ
يَعْنِي فِي الْبَحْر يَسْتَخْرِجُونَ لَهُ الدُّرّ . فَسُلَيْمَان أَوَّل مَنْ اُسْتُخْرِجَ لَهُ اللُّؤْلُؤ مِنْ الْبَحْر .
بَدَل مِنْ الشَّيَاطِين أَيْ كُلَّ بَنَّاءٍ مِنْهُمْ , فَهُمْ يَبْنُونَ لَهُ مَا يَشَاء . قَالَ : إِلَّا سُلَيْمَانَ إِذْ قَالَ الْإِلَهُ لَهُ قُمْ فِي الْبَرِيَّةِ فَاحْدُدْهَا عَنْ الْفَنَدِ وَخَيِّسْ الْجِنَّ إِنِّي قَدْ أَذِنْت لَهُمْ يَبْنُونَ تَدْمُرَ بِالصُّفَّاحِ وَالْعُمُدِ
يَعْنِي فِي الْبَحْر يَسْتَخْرِجُونَ لَهُ الدُّرّ . فَسُلَيْمَان أَوَّل مَنْ اُسْتُخْرِجَ لَهُ اللُّؤْلُؤ مِنْ الْبَحْر .
أَيْ وَسَخَّرْنَا لَهُ مَرَدَة الشَّيَاطِين حَتَّى قَرَنَهُمْ فِي سَلَاسِل الْحَدِيد وَقُيُود الْحَدِيد ; قَالَ قَتَادَة . السُّدِّيّ : الْأَغْلَال . اِبْن عَبَّاس : فِي وَثَاق . وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : فَآبَوْا بِالنِّهَابِ وَبِالسَّبَايَا وَأُبْنَا بِالْمُلُوكِ مُصَفَّدِينَا قَالَ يَحْيَى بْن سَلَّام : وَلَمْ يَكُنْ يَفْعَل ذَلِكَ إِلَّا بِكُفَّارِهِمْ , فَإِذَا آمَنُوا أَطْلَقَهُمْ وَلَمْ يُسَخِّرْهُمْ .
الْإِشَارَة بِهَذَا إِلَى الْمُلْك , أَيْ هَذَا الْمُلْك عَطَاؤُنَا فَأَعْطِ مَنْ شِئْت أَوْ اِمْنَعْ مَنْ شِئْت لَا حِسَاب عَلَيْك ; عَنْ الْحَسَن وَالضَّحَّاك وَغَيْرهمَا . قَالَ الْحَسَن : مَا أَنْعَمَ اللَّه عَلَى أَحَد نِعْمَة إِلَّا عَلَيْهِ فِيهَا تَبِعَة إِلَّا سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام ; فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول : " هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَاب " . وَقَالَ قَتَادَة : الْإِشَارَة فِي قَوْله تَعَالَى : " هَذَا عَطَاؤُنَا " إِلَى مَا أُعْطِيَهُ مِنْ الْقُوَّة عَلَى الْجِمَاع , وَكَانَتْ لَهُ ثَلَاثُمِائَةِ اِمْرَأَة وَسَبْعمِائَةِ سُرِّيَّةٍ , وَكَانَ فِي ظَهْرِهِ مَاء مِائَة رَجُل , رَوَاهُ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَمَعْنَاهُ فِي الْبُخَارِيّ .
وَعَلَى هَذَا " فَامْنُنْ " مِنْ الْمَنِيّ ; يُقَال : أَمْنَى يُمْنِي وَمَنَى يَمْنِي لُغَتَانِ , فَإِذَا أَمَرْت مَنْ أَمْنَى قُلْت أَمْنِ ; وَيُقَال : مِنْ مَنَى يَمْنِي فِي الْأَمْر اِمْنِ , فَإِذَا جِئْت بِنُونِ الْفِعْل نُون الْخَفِيفَة قُلْت اُمْنُنْ . وَمَنْ ذَهَبَ بِهِ إِلَى الْمِنَّة قَالَ : مَنَّ عَلَيْهِ ; فَإِذَا أَخْرَجَهُ مُخْرَج الْأَمْر أَبْرَزَ النُّونَيْنِ ; لِأَنَّهُ كَانَ مُضَاعَفًا فَقَالَ اُمْنُنْ . فَيُرْوَى فِي الْخَبَر أَنَّهُ سَخَّرَ لَهُ الشَّيَاطِين , فَمَنْ شَاءَ مَنَّ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ وَالتَّخْلِيَة , وَمَنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ ; قَالَ قَتَادَة وَالسُّدِّيّ . وَعَلَى مَا رَوَى عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَيْ جَامِعْ مَنْ شِئْت مِنْ نِسَائِك , وَاتْرُكْ جِمَاع مَنْ شِئْت مِنْهُنَّ لَا حِسَاب عَلَيْك .
وَعَلَى هَذَا " فَامْنُنْ " مِنْ الْمَنِيّ ; يُقَال : أَمْنَى يُمْنِي وَمَنَى يَمْنِي لُغَتَانِ , فَإِذَا أَمَرْت مَنْ أَمْنَى قُلْت أَمْنِ ; وَيُقَال : مِنْ مَنَى يَمْنِي فِي الْأَمْر اِمْنِ , فَإِذَا جِئْت بِنُونِ الْفِعْل نُون الْخَفِيفَة قُلْت اُمْنُنْ . وَمَنْ ذَهَبَ بِهِ إِلَى الْمِنَّة قَالَ : مَنَّ عَلَيْهِ ; فَإِذَا أَخْرَجَهُ مُخْرَج الْأَمْر أَبْرَزَ النُّونَيْنِ ; لِأَنَّهُ كَانَ مُضَاعَفًا فَقَالَ اُمْنُنْ . فَيُرْوَى فِي الْخَبَر أَنَّهُ سَخَّرَ لَهُ الشَّيَاطِين , فَمَنْ شَاءَ مَنَّ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ وَالتَّخْلِيَة , وَمَنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ ; قَالَ قَتَادَة وَالسُّدِّيّ . وَعَلَى مَا رَوَى عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَيْ جَامِعْ مَنْ شِئْت مِنْ نِسَائِك , وَاتْرُكْ جِمَاع مَنْ شِئْت مِنْهُنَّ لَا حِسَاب عَلَيْك .
أَيْ إِنْ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا فَلَهُ عِنْدنَا فِي الْآخِرَة قُرْبَةٌ وَحُسْنُ مَرْجِعٍ .
أَمْر لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ فِي الصَّبْر عَلَى الْمَكَارِه . " أَيُّوب " بَدَل .
وَقَرَأَ عِيسَى بْن عُمَر " إِنِّي " بِكَسْرِ الْهَمْزَة أَيْ قَالَ . قَالَ الْفَرَّاء : وَأَجْمَعَتْ الْقُرَّاء عَلَى أَنْ قَرَءُوا " بِنُصْبٍ " بِضَمِّ النُّون وَالتَّخْفِيف . النَّحَّاس : وَهَذَا غَلَط وَبَعْده مُنَاقَضَة وَغَلَط أَيْضًا ; لِأَنَّهُ قَالَ : أَجْمَعَتْ الْقُرَّاء عَلَى هَذَا , وَحَكَى بَعْده أَنَّهُمْ ذَكَرُوا عَنْ يَزِيد بْن الْقَعْقَاع أَنَّهُ قَرَأَ : " بِنَصَبٍ " بِفَتْحِ النُّون وَالصَّاد فَغَلِطَ عَلَى أَبِي جَعْفَر , وَإِنَّمَا قَرَأَ أَبُو جَعْفَر : " بِنُصُبٍ " بِضَمِّ النُّون وَالصَّاد ; كَذَا حَكَاهُ أَبُو عُبَيْد وَغَيْره وَهُوَ مَرْوِيّ عَنْ الْحَسَن . فَأَمَّا " بِنَصَبٍ " فَقِرَاءَة عَاصِم الْجَحْدَرِيّ وَيَعْقُوب الْحَضْرَمِيِّ . وَقَدْ رُوِيَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَة عَنْ الْحَسَن وَقَدْ حُكِيَ " بِنَصْبٍ " بِفَتْحِ النُّون وَسُكُون الصَّاد عَنْ أَبِي جَعْفَر . وَهَذَا كُلّه عِنْد أَكْثَر النَّحْوِيِّينَ بِمَعْنَى النَّصَب فَنُصْبٌ وَنَصَبٌ كَحُزْنٍ وَحَزَنٍ . وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون نُصْب جَمْع نَصَب كَوُثْنٍ وَوَثَنٍ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون نُصْب بِمَعْنَى نُصُب حُذِفَتْ مِنْهُ الضَّمَّة , فَأَمَّا " وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب " [ الْمَائِدَة : 3 ] فَقِيلَ : إِنَّهُ جَمْع نِصَاب . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَغَيْره : النُّصُب الشَّرّ وَالْبَلَاء . وَالنَّصَب التَّعَب وَالْإِعْيَاء . وَقَدْ قِيلَ فِي مَعْنَى : " أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَان بِنُصْبٍ وَعَذَاب " أَيْ مَا يَلْحَقُهُ مِنْ وَسْوَسَته لَا غَيْر . وَاَللَّه أَعْلَم . ذَكَرَهُ النَّحَّاس . وَقِيلَ : إِنَّ النُّصْب مَا أَصَابَهُ فِي بَدَنه , وَالْعَذَاب مَا أَصَابَهُ فِي مَاله ; وَفِيهِ بُعْد . وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ : إِنَّ أَيُّوب كَانَ رُومِيًّا مِنْ الْبَثَنِيَّة وَكُنْيَته أَبُو عَبْد اللَّه فِي قَوْل الْوَاقِدِيّ ; اِصْطَفَاهُ اللَّه بِالنُّبُوَّةِ , وَآتَاهُ جُمْلَة عَظِيمَة مِنْ الثَّرْوَة فِي أَنْوَاع الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد . وَكَانَ شَاكِرًا لِأَنْعُمِ اللَّه ; مُوَاسِيًا لِعِبَادِ اللَّه , بَرًّا رَحِيمًا . وَلَمْ يُؤْمِن بِهِ إِلَّا ثَلَاثَة نَفَر . وَكَانَ لِإِبْلِيس مَوْقِف مِنْ السَّمَاء السَّابِعَة فِي يَوْم مِنْ الْأَيَّام , فَوَقَفَ بِهِ إِبْلِيس عَلَى عَادَتِهِ ; فَقَالَ اللَّه لَهُ أَوْ قِيلَ لَهُ عَنْهُ : أَقَدَرْت مِنْ عَبْدِي أَيُّوب عَلَى شَيْء ؟ فَقَالَ : يَا رَبّ وَكَيْف أَقْدِرُ مِنْهُ عَلَى شَيْء , وَقَدْ اِبْتَلَيْته بِالْمَالِ وَالْعَافِيَة , فَلَوْ اِبْتَلَيْته بِالْبَلَاءِ وَالْفَقْر وَنَزَعْت مِنْهُ مَا أَعْطَيْته لَحَالَ عَنْ حَاله , وَلَخَرَجَ عَنْ طَاعَتك , . قَالَ اللَّه : قَدْ سَلَّطْتُك عَلَى أَهْله وَمَاله . فَانْحَطَّ عَدُوُّ اللَّهِ فَجَمَعَ عَفَارِيت الْجِنّ فَأَعْلَمَهُمْ , وَقَالَ قَائِل مِنْهُمْ : أَكُون إِعْصَارًا فِيهِ نَار أُهْلِكُ مَالَهُ فَكَانَ ; فَجَاءَ أَيُّوبَ فِي صُورَة قَيِّمِ مَاله فَأَعْلَمَهُ بِمَا جَرَى ; فَقَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ هُوَ أَعْطَاهُ وَهُوَ مَنَعَهُ . ثُمَّ جَاءَ قَصْرَهُ بِأَهْلِهِ وَوَلَده , فَاحْتَمَلَ الْقَصْر مِنْ نَوَاحِيه حَتَّى أَلْقَاهُ عَلَى أَهْله وَوَلَده , ثُمَّ جَاءَ إِلَيْهِ وَأَعْلَمَهُ فَأَلْقَى التُّرَاب عَلَى رَأْسه , وَصَعِدَ إِبْلِيس إِلَى السَّمَاء فَسَبَقَتْهُ تَوْبَة أَيُّوبَ . قَالَ : يَا رَبّ سَلِّطْنِي عَلَى بَدَنِهِ . قَالَ : قَدْ سَلَّطْتُك عَلَى بَدَنه إِلَّا عَلَى لِسَانه وَقَلْبه وَبَصَرِهِ , فَنَفَخَ فِي جَسَده نَفْخَةً اِشْتَعَلَ مِنْهَا فَصَارَ فِي جَسَده ثَآلِيل فَحَكَّهَا بِأَظْفَارِهِ حَتَّى دَمِيَتْ , ثُمَّ بِالْفَخَّارِ حَتَّى تَسَاقَطَ لَحْمُهُ . وَقَالَ عِنْد ذَلِكَ : " مَسَّنِي الشَّيْطَان " . وَلَمْ يَخْلُصْ إِلَى شَيْء مِنْ حَشْوَة الْبَطْن ; لِأَنَّهُ لَا بَقَاء لِلنَّفَسِ إِلَّا بِهَا فَهُوَ يَأْكُل وَيَشْرَب , فَمَكَثَ كَذَلِكَ ثَلَاث سِنِينَ . فَلَمَّا غَلَبَهُ أَيُّوب اِعْتَرَضَ لِامْرَأَتِهِ فِي هَيْئَة أَعْظَم مِنْ هَيْئَة بَنِي آدَم فِي الْقَدْر وَالْجَمَال , وَقَالَ لَهَا : أَنَا إِلَه الْأَرْض , وَأَنَا الَّذِي صَنَعْت بِصَاحِبِك مَا صَنَعْت , وَلَوْ سَجَدْت لِي سَجْدَة وَاحِدَة لَرَدَدْت عَلَيْهِ أَهْله وَمَاله وَهُمْ عِنْدِي . وَعَرَضَ لَهَا فِي بَطْن الْوَادِي ذَلِكَ كُلّه فِي صُورَته ; أَيْ أَظْهَرَهُ لَهَا , فَأَخْبَرَتْ أَيُّوب فَأَقْسَمَ أَنْ يَضْرِبهَا إِنْ عَافَاهُ اللَّه . وَذَكَرُوا كَلَامًا طَوِيلًا فِي سَبَب بَلَائِهِ وَمُرَاجَعَته لِرَبِّهِ وَتَبَرُّمه مِنْ الْبَلَاء الَّذِي نَزَلَ بِهِ , وَأَنَّ النَّفَر الثَّلَاثَة الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ نَهَوْهُ عَنْ ذَلِكَ وَاعْتَرَضُوا عَلَيْهِ , وَقِيلَ : اِسْتَعَانَ بِهِ مَظْلُوم فَلَمْ يَنْصُرْهُ فَابْتُلِيَ بِسَبَبِ ذَلِكَ . وَقِيلَ : اِسْتَضَافَ يَوْمًا النَّاس فَمَنَعَ فَقِيرًا الدُّخُول فَابْتُلِيَ بِذَلِكَ . وَقِيلَ : كَانَ أَيُّوب يَغْزُو مَلِكًا وَكَانَ لَهُ غَنَم فِي وِلَايَته , فَدَاهَنَهُ لِأَجْلِهَا بِتَرْكِ غَزَوْهُ فَابْتُلِيَ . وَقِيلَ , : كَانَ النَّاس يَتَعَدَّوْنَ اِمْرَأَته وَيَقُولُونَ نَخْشَى الْعَدْوَى وَكَانُوا يَسْتَقْذِرُونَهَا ; فَلِهَذَا قَالَ . " مَسَّنِيَ الشَّيْطَان " . وَامْرَأَته ليا بِنْت يَعْقُوب . وَكَانَ أَيُّوب فِي زَمَن يَعْقُوب وَكَانَتْ أُمّه اِبْنَة لُوط . وَقِيلَ : كَانَتْ زَوْجَة أَيُّوب رَحْمَة بِنْت إفرائيم بْن يُوسُف بْن يَعْقُوب عَلَيْهِمْ السَّلَام . ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ الطَّبَرِيّ رَحِمَهُ اللَّه . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : مَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ مِنْ أَنَّ إِبْلِيس كَانَ لَهُ مَكَان فِي السَّمَاء السَّابِعَة يَوْمًا مِنْ الْعَام فَقَوْل بَاطِل ; لِأَنَّهُ أُهْبِطَ مِنْهَا بِلَعْنَةٍ وَسَخَطٍ إِلَى الْأَرْض , فَكَيْف يَرْقَى إِلَى مَحَلّ الرِّضَا , وَيَجُول فِي مَقَامَات الْأَنْبِيَاء , وَيَخْتَرِق السَّمَوَات الْعُلَى , وَيَعْلُو إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة إِلَى مَنَازِل الْأَنْبِيَاء , فَيَقِف مَوْقِف الْخَلِيل ؟ ! إِنَّ هَذَا لَخَطْبٌ مِنْ الْجَهَالَة عَظِيم . وَأَمَّا قَوْلهمْ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ لَهُ هَلْ قَدَرْت مِنْ عَبْدِي أَيُّوب عَلَى شَيْء فَبَاطِل قَطْعًا ; لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَا يُكَلِّم الْكُفَّار الَّذِينَ هُمْ مِنْ جُنْد إِبْلِيس الْمَلْعُون ; فَكَيْف يُكَلِّم مَنْ تَوَلَّى إِضْلَالَهُمْ ؟ ! وَأَمَّا قَوْلهمْ : إِنَّ اللَّه قَالَ قَدْ سَلَّطْتُك عَلَى مَاله وَوَلَده فَذَلِكَ مُمْكِنٌ فِي الْقُدْرَة , وَلَكِنَّهُ بَعِيد فِي هَذِهِ الْقِصَّة . وَكَذَلِكَ قَوْلهمْ : إِنَّهُ نَفَخَ فِي جَسَده حِين سَلَّطَهُ عَلَيْهِ فَهُوَ أَبْعَدُ , وَالْبَارِي سُبْحَانَهُ قَادِر عَلَى أَنْ يَخْلُق ذَلِكَ كُلّه مِنْ غَيْر أَنْ يَكُون لِلشَّيْطَانِ فِيهِ كَسْب حَتَّى تَقَرَّ لَهُ - لَعْنَةُ اللَّه عَلَيْهِ - عَيْنٌ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الْأَنْبِيَاء فِي أَمْوَالهمْ وَأَهْلِيهِمْ وَأَنْفُسهمْ . وَأَمَّا قَوْلهمْ : إِنَّهُ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنَا إِلَه الْأَرْض , وَلَوْ تَرَكْت ذِكْر اللَّه وَسَجَدْت أَنْتِ لِي لَعَافَيْته , فَاعْلَمُوا وَإِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَوْ عَرَضَ لِأَحَدِكُمْ وَبِهِ أَلَمٌ وَقَالَ هَذَا الْكَلَام مَا جَازَ عِنْده أَنْ يَكُون إِلَهًا فِي الْأَرْض , وَأَنَّهُ يَسْجُد لَهُ , وَأَنَّهُ يُعَافِي مِنْ الْبَلَاء , فَكَيْف أَنْ تَسْتَرِيبَ زَوْجَة نَبِيّ ؟ ! وَلَوْ كَانَتْ زَوْجَة سَوَادِيّ أَوْ فَدْمٍ بَرْبَرِيّ مَا سَاغَ ذَلِكَ عِنْدهَا . وَأَمَّا تَصْوِيره الْأَمْوَال وَالْأَهْل فِي وَادٍ لِلْمَرْأَةِ فَذَلِكَ مَا لَا يَقْدِر عَلَيْهِ إِبْلِيس بِحَالٍ , وَلَا هُوَ فِي طَرِيق السِّحْر فَيُقَال إِنَّهُ مِنْ جِنْسه . وَلَوْ تُصُوِّرَ لَعَلِمَتْ الْمَرْأَة أَنَّهُ سِحْر كَمَا نَعْلَمهُ نَحْنُ وَهِيَ فَوْقَنَا فِي الْمَعْرِفَة بِذَلِكَ ; فَإِنَّهُ لَمْ يَخْلُ زَمَان قَطُّ مِنْ السِّحْر وَحَدِيثه وَجَرْيه بَيْن النَّاس وَتَصْوِيره . قَالَ الْقَاضِي : وَاَلَّذِي جَرَّأَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَتَذَرَّعُوا بِهِ إِلَى ذِكْر هَذَا قَوْله تَعَالَى : " إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَان بِنُصْبٍ وَعَذَاب " فَلَمَّا رَأَوْهُ قَدْ شَكَا مَسَّ الشَّيْطَان أَضَافُوا إِلَيْهِ مِنْ رَأْيهمْ مَا سَبَقَ مِنْ التَّفْسِير فِي هَذِهِ الْأَقْوَال . وَلَيْسَ الْأَمْر كَمَا زَعَمُوا وَالْأَفْعَال كُلّهَا خَيْرهَا وَشَرّهَا . فِي إِيمَانهَا وَكُفْرهَا , طَاعَتهَا وَعِصْيَانهَا , خَالِقهَا هُوَ اللَّه لَا شَرِيك لَهُ فِي خَلْقه , وَلَا فِي خَلْق شَيْء غَيْرهَا , وَلَكِنَّ الشَّرّ لَا يُنْسَب إِلَيْهِ ذِكْرًا , وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا مِنْهُ خَلْقًا ; أَدَبًا أَدَّبَنَا بِهِ , وَتَحْمِيدًا عَلَّمَنَاهُ . وَكَانَ مِنْ ذِكْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَبِّهِ بِهِ قَوْلٌ مِنْ جُمْلَته : ( وَالْخَيْر فِي يَدَيْك وَالشَّرّ لَيْسَ إِلَيْك ) عَلَى هَذَا الْمَعْنَى . وَمِنْهُ قَوْل إِبْرَاهِيم : " وَإِذَا مَرِضْت فَهُوَ يَشْفِينِ " [ الشُّعَرَاء : 80 ] وَقَالَ الْفَتَى لِلْكَلِيمِ : " وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَان " [ الْكَهْف : 63 ] وَأَمَّا قَوْلهمْ : إِنَّهُ اِسْتَعَانَ بِهِ مَظْلُوم فَلَمْ يَنْصُرهُ , فَمَنْ لَنَا بِصِحَّةِ هَذَا الْقَوْل . وَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُون قَادِرًا عَلَى نَصْره , فَلَا يَحِلّ لِأَحَدٍ تَرْكُهُ فَيُلَام عَلَى أَنَّهُ عَصَى وَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ , . أَوْ كَانَ عَاجِزًا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ , وَكَذَلِكَ قَوْلهمْ : إِنَّهُ مَنَعَ فَقِيرًا مِنْ الدُّخُول ; إِنْ كَانَ عَلِمَ بِهِ فَهُوَ بَاطِل عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَم بِهِ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِيهِ . وَأَمَّا قَوْلهمْ : إِنَّهُ دَاهَنَ عَلَى غَنَمِهِ الْمَلِك الْكَافِر فَلَا تَقُلْ دَاهَنَ وَلَكِنْ قُلْ دَارَى . وَدَفْع الْكَافِر وَالظَّالِم عَنْ النَّفْس أَوْ الْمَال بِالْمَالِ جَائِز ; نَعَمْ وَيَحْسُن الْكَلَام . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ الْقَاضِي أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ أَيُّوب فِي أَمْره إِلَّا مَا أَخْبَرَنَا اللَّه عَنْهُ فِي كِتَابه فِي آيَتَيْنِ ; الْأُولَى قَوْله تَعَالَى : " وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبّه أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرّ " [ الْأَنْبِيَاء : 83 ] وَالثَّانِيَة فِي : [ ص ] " أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَان بِنُصْبٍ وَعَذَاب " . وَأَمَّا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ أَنَّهُ ذَكَرَهُ بِحَرْفٍ وَاحِد إِلَّا قَوْله : ( بَيْنَا أَيُّوب يَغْتَسِل إِذْ خَرَّ عَلَيْهِ رِجْلٌ مِنْ جَرَاد مِنْ ذَهَبٍ ... ) الْحَدِيث . وَإِذْ لَمْ يَصِحّ عَنْهُ فِيهِ قُرْآن وَلَا سُنَّة إِلَّا مَا ذَكَرْنَاهُ , فَمَنْ الَّذِي يُوصِل السَّامِع إِلَى أَيُّوب خَبَره , أَمْ عَلَى أَيّ لِسَان سَمِعَهُ ؟ وَالْإِسْرَائِيلِيَّات مَرْفُوضَة عِنْد الْعُلَمَاء عَلَى الْبَتَات ; فَأَعْرِضْ عَنْ سُطُورهَا بَصَرك , وَأَصْمِمْ عَنْ سَمَاعهَا أُذُنَيْك , فَإِنَّهَا لَا تُعْطِي فِكْرَك إِلَّا خَيَالًا , وَلَا تَزِيد فُؤَادَك إِلَّا خَبَالًا وَفِي الصَّحِيح وَاللَّفْظ لِلْبُخَارِيِّ أَنَّ اِبْن عَبَّاس قَالَ : يَا مَعْشَر الْمُسْلِمِينَ تَسْأَلُونَ أَهْل الْكِتَاب وَكِتَابُكُمْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى نَبِيّكُمْ أَحْدَثُ الْأَخْبَار بِاَللَّهِ , تَقْرَءُونَهُ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ , وَقَدْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ أَهْل الْكِتَاب قَدْ بَدَّلُوا مِنْ كُتُب اللَّه وَغَيَّرُوا وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ الْكُتُب ; فَقَالُوا : " هَذَا مِنْ عِنْد اللَّه لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا " [ الْبَقَرَة : 79 ] وَلَا يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنْ الْعِلْم عَنْ مَسْأَلَتهمْ , فَلَا وَاَللَّه مَا رَأَيْنَا رَجُلًا مِنْهُمْ يَسْأَلكُمْ عَنْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ , وَقَدْ أَنْكَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث الْمُوَطَّأ عَلَى عُمَر قِرَاءَته التَّوْرَاة .
وَقَرَأَ عِيسَى بْن عُمَر " إِنِّي " بِكَسْرِ الْهَمْزَة أَيْ قَالَ . قَالَ الْفَرَّاء : وَأَجْمَعَتْ الْقُرَّاء عَلَى أَنْ قَرَءُوا " بِنُصْبٍ " بِضَمِّ النُّون وَالتَّخْفِيف . النَّحَّاس : وَهَذَا غَلَط وَبَعْده مُنَاقَضَة وَغَلَط أَيْضًا ; لِأَنَّهُ قَالَ : أَجْمَعَتْ الْقُرَّاء عَلَى هَذَا , وَحَكَى بَعْده أَنَّهُمْ ذَكَرُوا عَنْ يَزِيد بْن الْقَعْقَاع أَنَّهُ قَرَأَ : " بِنَصَبٍ " بِفَتْحِ النُّون وَالصَّاد فَغَلِطَ عَلَى أَبِي جَعْفَر , وَإِنَّمَا قَرَأَ أَبُو جَعْفَر : " بِنُصُبٍ " بِضَمِّ النُّون وَالصَّاد ; كَذَا حَكَاهُ أَبُو عُبَيْد وَغَيْره وَهُوَ مَرْوِيّ عَنْ الْحَسَن . فَأَمَّا " بِنَصَبٍ " فَقِرَاءَة عَاصِم الْجَحْدَرِيّ وَيَعْقُوب الْحَضْرَمِيِّ . وَقَدْ رُوِيَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَة عَنْ الْحَسَن وَقَدْ حُكِيَ " بِنَصْبٍ " بِفَتْحِ النُّون وَسُكُون الصَّاد عَنْ أَبِي جَعْفَر . وَهَذَا كُلّه عِنْد أَكْثَر النَّحْوِيِّينَ بِمَعْنَى النَّصَب فَنُصْبٌ وَنَصَبٌ كَحُزْنٍ وَحَزَنٍ . وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون نُصْب جَمْع نَصَب كَوُثْنٍ وَوَثَنٍ . وَيَجُوز أَنْ يَكُون نُصْب بِمَعْنَى نُصُب حُذِفَتْ مِنْهُ الضَّمَّة , فَأَمَّا " وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب " [ الْمَائِدَة : 3 ] فَقِيلَ : إِنَّهُ جَمْع نِصَاب . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَغَيْره : النُّصُب الشَّرّ وَالْبَلَاء . وَالنَّصَب التَّعَب وَالْإِعْيَاء . وَقَدْ قِيلَ فِي مَعْنَى : " أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَان بِنُصْبٍ وَعَذَاب " أَيْ مَا يَلْحَقُهُ مِنْ وَسْوَسَته لَا غَيْر . وَاَللَّه أَعْلَم . ذَكَرَهُ النَّحَّاس . وَقِيلَ : إِنَّ النُّصْب مَا أَصَابَهُ فِي بَدَنه , وَالْعَذَاب مَا أَصَابَهُ فِي مَاله ; وَفِيهِ بُعْد . وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ : إِنَّ أَيُّوب كَانَ رُومِيًّا مِنْ الْبَثَنِيَّة وَكُنْيَته أَبُو عَبْد اللَّه فِي قَوْل الْوَاقِدِيّ ; اِصْطَفَاهُ اللَّه بِالنُّبُوَّةِ , وَآتَاهُ جُمْلَة عَظِيمَة مِنْ الثَّرْوَة فِي أَنْوَاع الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد . وَكَانَ شَاكِرًا لِأَنْعُمِ اللَّه ; مُوَاسِيًا لِعِبَادِ اللَّه , بَرًّا رَحِيمًا . وَلَمْ يُؤْمِن بِهِ إِلَّا ثَلَاثَة نَفَر . وَكَانَ لِإِبْلِيس مَوْقِف مِنْ السَّمَاء السَّابِعَة فِي يَوْم مِنْ الْأَيَّام , فَوَقَفَ بِهِ إِبْلِيس عَلَى عَادَتِهِ ; فَقَالَ اللَّه لَهُ أَوْ قِيلَ لَهُ عَنْهُ : أَقَدَرْت مِنْ عَبْدِي أَيُّوب عَلَى شَيْء ؟ فَقَالَ : يَا رَبّ وَكَيْف أَقْدِرُ مِنْهُ عَلَى شَيْء , وَقَدْ اِبْتَلَيْته بِالْمَالِ وَالْعَافِيَة , فَلَوْ اِبْتَلَيْته بِالْبَلَاءِ وَالْفَقْر وَنَزَعْت مِنْهُ مَا أَعْطَيْته لَحَالَ عَنْ حَاله , وَلَخَرَجَ عَنْ طَاعَتك , . قَالَ اللَّه : قَدْ سَلَّطْتُك عَلَى أَهْله وَمَاله . فَانْحَطَّ عَدُوُّ اللَّهِ فَجَمَعَ عَفَارِيت الْجِنّ فَأَعْلَمَهُمْ , وَقَالَ قَائِل مِنْهُمْ : أَكُون إِعْصَارًا فِيهِ نَار أُهْلِكُ مَالَهُ فَكَانَ ; فَجَاءَ أَيُّوبَ فِي صُورَة قَيِّمِ مَاله فَأَعْلَمَهُ بِمَا جَرَى ; فَقَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ هُوَ أَعْطَاهُ وَهُوَ مَنَعَهُ . ثُمَّ جَاءَ قَصْرَهُ بِأَهْلِهِ وَوَلَده , فَاحْتَمَلَ الْقَصْر مِنْ نَوَاحِيه حَتَّى أَلْقَاهُ عَلَى أَهْله وَوَلَده , ثُمَّ جَاءَ إِلَيْهِ وَأَعْلَمَهُ فَأَلْقَى التُّرَاب عَلَى رَأْسه , وَصَعِدَ إِبْلِيس إِلَى السَّمَاء فَسَبَقَتْهُ تَوْبَة أَيُّوبَ . قَالَ : يَا رَبّ سَلِّطْنِي عَلَى بَدَنِهِ . قَالَ : قَدْ سَلَّطْتُك عَلَى بَدَنه إِلَّا عَلَى لِسَانه وَقَلْبه وَبَصَرِهِ , فَنَفَخَ فِي جَسَده نَفْخَةً اِشْتَعَلَ مِنْهَا فَصَارَ فِي جَسَده ثَآلِيل فَحَكَّهَا بِأَظْفَارِهِ حَتَّى دَمِيَتْ , ثُمَّ بِالْفَخَّارِ حَتَّى تَسَاقَطَ لَحْمُهُ . وَقَالَ عِنْد ذَلِكَ : " مَسَّنِي الشَّيْطَان " . وَلَمْ يَخْلُصْ إِلَى شَيْء مِنْ حَشْوَة الْبَطْن ; لِأَنَّهُ لَا بَقَاء لِلنَّفَسِ إِلَّا بِهَا فَهُوَ يَأْكُل وَيَشْرَب , فَمَكَثَ كَذَلِكَ ثَلَاث سِنِينَ . فَلَمَّا غَلَبَهُ أَيُّوب اِعْتَرَضَ لِامْرَأَتِهِ فِي هَيْئَة أَعْظَم مِنْ هَيْئَة بَنِي آدَم فِي الْقَدْر وَالْجَمَال , وَقَالَ لَهَا : أَنَا إِلَه الْأَرْض , وَأَنَا الَّذِي صَنَعْت بِصَاحِبِك مَا صَنَعْت , وَلَوْ سَجَدْت لِي سَجْدَة وَاحِدَة لَرَدَدْت عَلَيْهِ أَهْله وَمَاله وَهُمْ عِنْدِي . وَعَرَضَ لَهَا فِي بَطْن الْوَادِي ذَلِكَ كُلّه فِي صُورَته ; أَيْ أَظْهَرَهُ لَهَا , فَأَخْبَرَتْ أَيُّوب فَأَقْسَمَ أَنْ يَضْرِبهَا إِنْ عَافَاهُ اللَّه . وَذَكَرُوا كَلَامًا طَوِيلًا فِي سَبَب بَلَائِهِ وَمُرَاجَعَته لِرَبِّهِ وَتَبَرُّمه مِنْ الْبَلَاء الَّذِي نَزَلَ بِهِ , وَأَنَّ النَّفَر الثَّلَاثَة الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ نَهَوْهُ عَنْ ذَلِكَ وَاعْتَرَضُوا عَلَيْهِ , وَقِيلَ : اِسْتَعَانَ بِهِ مَظْلُوم فَلَمْ يَنْصُرْهُ فَابْتُلِيَ بِسَبَبِ ذَلِكَ . وَقِيلَ : اِسْتَضَافَ يَوْمًا النَّاس فَمَنَعَ فَقِيرًا الدُّخُول فَابْتُلِيَ بِذَلِكَ . وَقِيلَ : كَانَ أَيُّوب يَغْزُو مَلِكًا وَكَانَ لَهُ غَنَم فِي وِلَايَته , فَدَاهَنَهُ لِأَجْلِهَا بِتَرْكِ غَزَوْهُ فَابْتُلِيَ . وَقِيلَ , : كَانَ النَّاس يَتَعَدَّوْنَ اِمْرَأَته وَيَقُولُونَ نَخْشَى الْعَدْوَى وَكَانُوا يَسْتَقْذِرُونَهَا ; فَلِهَذَا قَالَ . " مَسَّنِيَ الشَّيْطَان " . وَامْرَأَته ليا بِنْت يَعْقُوب . وَكَانَ أَيُّوب فِي زَمَن يَعْقُوب وَكَانَتْ أُمّه اِبْنَة لُوط . وَقِيلَ : كَانَتْ زَوْجَة أَيُّوب رَحْمَة بِنْت إفرائيم بْن يُوسُف بْن يَعْقُوب عَلَيْهِمْ السَّلَام . ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ الطَّبَرِيّ رَحِمَهُ اللَّه . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : مَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ مِنْ أَنَّ إِبْلِيس كَانَ لَهُ مَكَان فِي السَّمَاء السَّابِعَة يَوْمًا مِنْ الْعَام فَقَوْل بَاطِل ; لِأَنَّهُ أُهْبِطَ مِنْهَا بِلَعْنَةٍ وَسَخَطٍ إِلَى الْأَرْض , فَكَيْف يَرْقَى إِلَى مَحَلّ الرِّضَا , وَيَجُول فِي مَقَامَات الْأَنْبِيَاء , وَيَخْتَرِق السَّمَوَات الْعُلَى , وَيَعْلُو إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة إِلَى مَنَازِل الْأَنْبِيَاء , فَيَقِف مَوْقِف الْخَلِيل ؟ ! إِنَّ هَذَا لَخَطْبٌ مِنْ الْجَهَالَة عَظِيم . وَأَمَّا قَوْلهمْ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ لَهُ هَلْ قَدَرْت مِنْ عَبْدِي أَيُّوب عَلَى شَيْء فَبَاطِل قَطْعًا ; لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَا يُكَلِّم الْكُفَّار الَّذِينَ هُمْ مِنْ جُنْد إِبْلِيس الْمَلْعُون ; فَكَيْف يُكَلِّم مَنْ تَوَلَّى إِضْلَالَهُمْ ؟ ! وَأَمَّا قَوْلهمْ : إِنَّ اللَّه قَالَ قَدْ سَلَّطْتُك عَلَى مَاله وَوَلَده فَذَلِكَ مُمْكِنٌ فِي الْقُدْرَة , وَلَكِنَّهُ بَعِيد فِي هَذِهِ الْقِصَّة . وَكَذَلِكَ قَوْلهمْ : إِنَّهُ نَفَخَ فِي جَسَده حِين سَلَّطَهُ عَلَيْهِ فَهُوَ أَبْعَدُ , وَالْبَارِي سُبْحَانَهُ قَادِر عَلَى أَنْ يَخْلُق ذَلِكَ كُلّه مِنْ غَيْر أَنْ يَكُون لِلشَّيْطَانِ فِيهِ كَسْب حَتَّى تَقَرَّ لَهُ - لَعْنَةُ اللَّه عَلَيْهِ - عَيْنٌ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الْأَنْبِيَاء فِي أَمْوَالهمْ وَأَهْلِيهِمْ وَأَنْفُسهمْ . وَأَمَّا قَوْلهمْ : إِنَّهُ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنَا إِلَه الْأَرْض , وَلَوْ تَرَكْت ذِكْر اللَّه وَسَجَدْت أَنْتِ لِي لَعَافَيْته , فَاعْلَمُوا وَإِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَوْ عَرَضَ لِأَحَدِكُمْ وَبِهِ أَلَمٌ وَقَالَ هَذَا الْكَلَام مَا جَازَ عِنْده أَنْ يَكُون إِلَهًا فِي الْأَرْض , وَأَنَّهُ يَسْجُد لَهُ , وَأَنَّهُ يُعَافِي مِنْ الْبَلَاء , فَكَيْف أَنْ تَسْتَرِيبَ زَوْجَة نَبِيّ ؟ ! وَلَوْ كَانَتْ زَوْجَة سَوَادِيّ أَوْ فَدْمٍ بَرْبَرِيّ مَا سَاغَ ذَلِكَ عِنْدهَا . وَأَمَّا تَصْوِيره الْأَمْوَال وَالْأَهْل فِي وَادٍ لِلْمَرْأَةِ فَذَلِكَ مَا لَا يَقْدِر عَلَيْهِ إِبْلِيس بِحَالٍ , وَلَا هُوَ فِي طَرِيق السِّحْر فَيُقَال إِنَّهُ مِنْ جِنْسه . وَلَوْ تُصُوِّرَ لَعَلِمَتْ الْمَرْأَة أَنَّهُ سِحْر كَمَا نَعْلَمهُ نَحْنُ وَهِيَ فَوْقَنَا فِي الْمَعْرِفَة بِذَلِكَ ; فَإِنَّهُ لَمْ يَخْلُ زَمَان قَطُّ مِنْ السِّحْر وَحَدِيثه وَجَرْيه بَيْن النَّاس وَتَصْوِيره . قَالَ الْقَاضِي : وَاَلَّذِي جَرَّأَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَتَذَرَّعُوا بِهِ إِلَى ذِكْر هَذَا قَوْله تَعَالَى : " إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَان بِنُصْبٍ وَعَذَاب " فَلَمَّا رَأَوْهُ قَدْ شَكَا مَسَّ الشَّيْطَان أَضَافُوا إِلَيْهِ مِنْ رَأْيهمْ مَا سَبَقَ مِنْ التَّفْسِير فِي هَذِهِ الْأَقْوَال . وَلَيْسَ الْأَمْر كَمَا زَعَمُوا وَالْأَفْعَال كُلّهَا خَيْرهَا وَشَرّهَا . فِي إِيمَانهَا وَكُفْرهَا , طَاعَتهَا وَعِصْيَانهَا , خَالِقهَا هُوَ اللَّه لَا شَرِيك لَهُ فِي خَلْقه , وَلَا فِي خَلْق شَيْء غَيْرهَا , وَلَكِنَّ الشَّرّ لَا يُنْسَب إِلَيْهِ ذِكْرًا , وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا مِنْهُ خَلْقًا ; أَدَبًا أَدَّبَنَا بِهِ , وَتَحْمِيدًا عَلَّمَنَاهُ . وَكَانَ مِنْ ذِكْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَبِّهِ بِهِ قَوْلٌ مِنْ جُمْلَته : ( وَالْخَيْر فِي يَدَيْك وَالشَّرّ لَيْسَ إِلَيْك ) عَلَى هَذَا الْمَعْنَى . وَمِنْهُ قَوْل إِبْرَاهِيم : " وَإِذَا مَرِضْت فَهُوَ يَشْفِينِ " [ الشُّعَرَاء : 80 ] وَقَالَ الْفَتَى لِلْكَلِيمِ : " وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَان " [ الْكَهْف : 63 ] وَأَمَّا قَوْلهمْ : إِنَّهُ اِسْتَعَانَ بِهِ مَظْلُوم فَلَمْ يَنْصُرهُ , فَمَنْ لَنَا بِصِحَّةِ هَذَا الْقَوْل . وَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُون قَادِرًا عَلَى نَصْره , فَلَا يَحِلّ لِأَحَدٍ تَرْكُهُ فَيُلَام عَلَى أَنَّهُ عَصَى وَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ , . أَوْ كَانَ عَاجِزًا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ , وَكَذَلِكَ قَوْلهمْ : إِنَّهُ مَنَعَ فَقِيرًا مِنْ الدُّخُول ; إِنْ كَانَ عَلِمَ بِهِ فَهُوَ بَاطِل عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَم بِهِ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِيهِ . وَأَمَّا قَوْلهمْ : إِنَّهُ دَاهَنَ عَلَى غَنَمِهِ الْمَلِك الْكَافِر فَلَا تَقُلْ دَاهَنَ وَلَكِنْ قُلْ دَارَى . وَدَفْع الْكَافِر وَالظَّالِم عَنْ النَّفْس أَوْ الْمَال بِالْمَالِ جَائِز ; نَعَمْ وَيَحْسُن الْكَلَام . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ الْقَاضِي أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ أَيُّوب فِي أَمْره إِلَّا مَا أَخْبَرَنَا اللَّه عَنْهُ فِي كِتَابه فِي آيَتَيْنِ ; الْأُولَى قَوْله تَعَالَى : " وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبّه أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرّ " [ الْأَنْبِيَاء : 83 ] وَالثَّانِيَة فِي : [ ص ] " أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَان بِنُصْبٍ وَعَذَاب " . وَأَمَّا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ أَنَّهُ ذَكَرَهُ بِحَرْفٍ وَاحِد إِلَّا قَوْله : ( بَيْنَا أَيُّوب يَغْتَسِل إِذْ خَرَّ عَلَيْهِ رِجْلٌ مِنْ جَرَاد مِنْ ذَهَبٍ ... ) الْحَدِيث . وَإِذْ لَمْ يَصِحّ عَنْهُ فِيهِ قُرْآن وَلَا سُنَّة إِلَّا مَا ذَكَرْنَاهُ , فَمَنْ الَّذِي يُوصِل السَّامِع إِلَى أَيُّوب خَبَره , أَمْ عَلَى أَيّ لِسَان سَمِعَهُ ؟ وَالْإِسْرَائِيلِيَّات مَرْفُوضَة عِنْد الْعُلَمَاء عَلَى الْبَتَات ; فَأَعْرِضْ عَنْ سُطُورهَا بَصَرك , وَأَصْمِمْ عَنْ سَمَاعهَا أُذُنَيْك , فَإِنَّهَا لَا تُعْطِي فِكْرَك إِلَّا خَيَالًا , وَلَا تَزِيد فُؤَادَك إِلَّا خَبَالًا وَفِي الصَّحِيح وَاللَّفْظ لِلْبُخَارِيِّ أَنَّ اِبْن عَبَّاس قَالَ : يَا مَعْشَر الْمُسْلِمِينَ تَسْأَلُونَ أَهْل الْكِتَاب وَكِتَابُكُمْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى نَبِيّكُمْ أَحْدَثُ الْأَخْبَار بِاَللَّهِ , تَقْرَءُونَهُ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ , وَقَدْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ أَهْل الْكِتَاب قَدْ بَدَّلُوا مِنْ كُتُب اللَّه وَغَيَّرُوا وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ الْكُتُب ; فَقَالُوا : " هَذَا مِنْ عِنْد اللَّه لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا " [ الْبَقَرَة : 79 ] وَلَا يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنْ الْعِلْم عَنْ مَسْأَلَتهمْ , فَلَا وَاَللَّه مَا رَأَيْنَا رَجُلًا مِنْهُمْ يَسْأَلكُمْ عَنْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ , وَقَدْ أَنْكَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث الْمُوَطَّأ عَلَى عُمَر قِرَاءَته التَّوْرَاة .
الرَّكْض الدَّفْع بِالرِّجْلِ . يُقَال : رَكَضَ الدَّابَّةَ وَرَكَضَ ثَوْبَهُ بِرِجْلِهِ . وَقَالَ الْمُبَرِّد : الرَّكْض التَّحْرِيك ; وَلِهَذَا قَالَ الْأَصْمَعِيّ : يُقَال رَكَضْت الدَّابَّة وَلَا يُقَال رَكَضَتْ هِيَ ; لِأَنَّ الرَّكْض إِنَّمَا هُوَ تَحْرِيك رَاكِبهَا رِجْلَيْهِ وَلَا فِعْل لَهَا فِي ذَلِكَ . وَحَكَى سِيبَوَيْهِ : رَكَضْت الدَّابَّةَ فَرَكَضَتْ مِثْل جَبَرْت الْعَظْم فَجَبَرَ وَحَزَنْته فَحَزِنَ ; وَفِي الْكَلَام إِضْمَار أَيْ قُلْنَا لَهُ : " اُرْكُضْ " قَالَ الْكِسَائِيّ . وَهَذَا لَمَّا عَافَاهُ اللَّه . اِسْتَدَلَّ بَعْض جُهَّال الْمُتَزَهِّدَة ; وَطَغَام الْمُتَصَوِّفَة بِقَوْلِهِ تَعَالَى لِأَيُّوبَ : " اُرْكُضْ بِرِجْلِك " عَلَى جَوَاز الرَّقْص قَالَ أَبُو الْفَرَج الْجَوْزِيّ : وَهَذَا اِحْتِجَاج بَارِد ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أُمِرَ بِضَرْبِ الرِّجْل فَرَحًا كَانَ لَهُمْ فِيهِ شُبْهَة , وَإِنَّمَا أُمِرَ بِضَرْبِ الرَّجُل لِيَنْبُعَ الْمَاء . قَالَ اِبْن عَقِيل : أَيْنَ الدَّلَالَة فِي مُبْتَلًى أُمِرَ عِنْد كَشْف الْبَلَاء بِأَنْ يَضْرِب بِرِجْلِهِ الْأَرْض لِيَنْبُعَ الْمَاء إِعْجَازًا مِنْ الرَّقْص وَلَئِنْ جَازَ قَوْله سُبْحَانَهُ لِمُوسَى : " اِضْرِبْ بِعَصَاك الْحَجَر " [ الْبَقَرَة : 60 ] دَلَالَة عَلَى ضَرْب المحاد بِالْقُضْبَانِ نَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ التَّلَاعُب بِالشَّرْعِ . وَقَدْ اِحْتَجَّ بَعْض قَاصِرِيهِمْ بِأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَلِيٍّ : ( أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْك ) فَحَجَلَ , . وَقَالَ لِجَعْفَرٍ : ( أَشْبَهْت خَلْقِي وَخُلُقِي ) فَحَجَلَ . وَقَالَ لِزَيْدٍ : ( أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلَانَا ) فَحَجَلَ . وَمِنْهُمْ مَنْ اِحْتَجَّ بِأَنَّ الْحَبَشَة زَفَنَتْ وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُر إِلَيْهِمْ . وَالْجَوَاب : أَمَّا الْحَجَل فَهُوَ نَوْع مِنْ الْمَشْي يُفْعَل عِنْد الْفَرَح فَأَيْنَ هُوَ وَالرَّقْص , وَكَذَلِكَ زَفْن الْحَبَشَة نَوْع مِنْ الْمَشْي يُفْعَل عِنْد اللِّقَاء لِلْحَرْبِ .
أَيْ فَرَكَضَ فَنَبَعَتْ عَيْن مَاء فَاغْتَسَلَ بِهِ , فَذَهَبَ الدَّاء مِنْ ظَاهِره , ثُمَّ شَرِبَ مِنْهُ فَذَهَبَ الدَّاء مِنْ بَاطِنه . وَقَالَ قَتَادَة : هُمَا عَيْنَانِ بِأَرْضِ الشَّام فِي أَرْض يُقَال لَهَا الْجَابِيَة , فَاغْتَسَلَ مِنْ إِحْدَاهُمَا فَأَذْهَبَ اللَّه تَعَالَى ظَاهِر دَائِهِ , وَشَرِبَ مِنْ الْأُخْرَى فَأَذْهَبَ اللَّه تَعَالَى بَاطِن دَائِهِ . وَنَحْوه عَنْ الْحَسَن وَمُقَاتِل ; قَالَ مُقَاتِل : نَبَعَتْ عَيْن حَارَّة وَاغْتَسَلَ فِيهَا فَخَرَجَ صَحِيحًا , ثُمَّ نَبَعَتْ عَيْن أُخْرَى فَشَرِبَ مِنْهَا مَاء عَذْبًا . وَقِيلَ : أُمِرَ بِالرَّكْضِ بِالرِّجْلِ لِيَتَنَاثَرَ عَنْهُ كُلّ دَاء فِي جَسَده . وَالْمُغْتَسَل الْمَاء الَّذِي يُغْتَسَل بِهِ ; قَالَ الْقُتَبِيّ . وَقِيلَ : إِنَّهُ الْمَوْضِع الَّذِي يُغْتَسَل فِيهِ ; قَالَ مُقَاتِل . الْجَوْهَرِيّ : وَاغْتَسَلْت بِالْمَاءِ , وَالْغَسُول الْمَاء الَّذِي يُغْتَسَل بِهِ , وَكَذَلِكَ الْمُغْتَسَل , قَالَ اللَّه تَعَالَى : " هَذَا مُغْتَسَل بَارِد وَشَرَاب " وَالْمُغْتَسَل أَيْضًا الَّذِي يُغْتَسَل فِيهِ , وَالْمَغْسِل وَالْمَغْسَل بِكَسْرِ السِّين وَفَتْحهَا مَغْسَل الْمَوْتَى وَالْجَمْع الْمَغَاسِل . وَاخْتُلِفَ كَمْ بَقِيَ أَيُّوب فِي الْبَلَاء ; فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : سَبْع سِنِينَ وَسَبْعَة أَشْهَر وَسَبْعَة أَيَّام وَسَبْع سَاعَات . وَقَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه : أَصَابَ أَيُّوبَ الْبَلَاءُ سَبْع سِنِينَ , وَتُرِكَ يُوسُف , فِي السِّجْن سَبْع سِنِينَ , وَعُذِّبَ بُخْتُنَصَّر وَحُوِّلَ فِي السِّبَاع سَبْع سِنِينَ . ذَكَرَهُ أَبُو نُعَيْم . وَقِيلَ : عَشْر سِنِينَ . وَقِيلَ : ثَمَان عَشْرَة سَنَة . رَوَاهُ أَنَس مَرْفُوعًا فِيمَا ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيّ : قُلْت : وَذَكَرَهُ اِبْن الْمُبَارَك ; أَخْبَرَنَا يُونُس بْن يَزِيد , عَنْ عُقَيْل عَنْ اِبْن شِهَاب أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ يَوْمًا أَيُّوب , وَمَا أَصَابَهُ مِنْ الْبَلَاء , وَذَكَرَ أَنَّ الْبَلَاء الَّذِي أَصَابَهُ كَانَ بِهِ ثَمَان عَشْرَة سَنَة . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ الْقُشَيْرِيّ . وَقِيلَ : أَرْبَعِينَ سَنَة .
أَيْ فَرَكَضَ فَنَبَعَتْ عَيْن مَاء فَاغْتَسَلَ بِهِ , فَذَهَبَ الدَّاء مِنْ ظَاهِره , ثُمَّ شَرِبَ مِنْهُ فَذَهَبَ الدَّاء مِنْ بَاطِنه . وَقَالَ قَتَادَة : هُمَا عَيْنَانِ بِأَرْضِ الشَّام فِي أَرْض يُقَال لَهَا الْجَابِيَة , فَاغْتَسَلَ مِنْ إِحْدَاهُمَا فَأَذْهَبَ اللَّه تَعَالَى ظَاهِر دَائِهِ , وَشَرِبَ مِنْ الْأُخْرَى فَأَذْهَبَ اللَّه تَعَالَى بَاطِن دَائِهِ . وَنَحْوه عَنْ الْحَسَن وَمُقَاتِل ; قَالَ مُقَاتِل : نَبَعَتْ عَيْن حَارَّة وَاغْتَسَلَ فِيهَا فَخَرَجَ صَحِيحًا , ثُمَّ نَبَعَتْ عَيْن أُخْرَى فَشَرِبَ مِنْهَا مَاء عَذْبًا . وَقِيلَ : أُمِرَ بِالرَّكْضِ بِالرِّجْلِ لِيَتَنَاثَرَ عَنْهُ كُلّ دَاء فِي جَسَده . وَالْمُغْتَسَل الْمَاء الَّذِي يُغْتَسَل بِهِ ; قَالَ الْقُتَبِيّ . وَقِيلَ : إِنَّهُ الْمَوْضِع الَّذِي يُغْتَسَل فِيهِ ; قَالَ مُقَاتِل . الْجَوْهَرِيّ : وَاغْتَسَلْت بِالْمَاءِ , وَالْغَسُول الْمَاء الَّذِي يُغْتَسَل بِهِ , وَكَذَلِكَ الْمُغْتَسَل , قَالَ اللَّه تَعَالَى : " هَذَا مُغْتَسَل بَارِد وَشَرَاب " وَالْمُغْتَسَل أَيْضًا الَّذِي يُغْتَسَل فِيهِ , وَالْمَغْسِل وَالْمَغْسَل بِكَسْرِ السِّين وَفَتْحهَا مَغْسَل الْمَوْتَى وَالْجَمْع الْمَغَاسِل . وَاخْتُلِفَ كَمْ بَقِيَ أَيُّوب فِي الْبَلَاء ; فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : سَبْع سِنِينَ وَسَبْعَة أَشْهَر وَسَبْعَة أَيَّام وَسَبْع سَاعَات . وَقَالَ وَهْب بْن مُنَبِّه : أَصَابَ أَيُّوبَ الْبَلَاءُ سَبْع سِنِينَ , وَتُرِكَ يُوسُف , فِي السِّجْن سَبْع سِنِينَ , وَعُذِّبَ بُخْتُنَصَّر وَحُوِّلَ فِي السِّبَاع سَبْع سِنِينَ . ذَكَرَهُ أَبُو نُعَيْم . وَقِيلَ : عَشْر سِنِينَ . وَقِيلَ : ثَمَان عَشْرَة سَنَة . رَوَاهُ أَنَس مَرْفُوعًا فِيمَا ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيّ : قُلْت : وَذَكَرَهُ اِبْن الْمُبَارَك ; أَخْبَرَنَا يُونُس بْن يَزِيد , عَنْ عُقَيْل عَنْ اِبْن شِهَاب أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ يَوْمًا أَيُّوب , وَمَا أَصَابَهُ مِنْ الْبَلَاء , وَذَكَرَ أَنَّ الْبَلَاء الَّذِي أَصَابَهُ كَانَ بِهِ ثَمَان عَشْرَة سَنَة . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ الْقُشَيْرِيّ . وَقِيلَ : أَرْبَعِينَ سَنَة .
قَالَ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة قِيلَ لِأَيُّوبَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَدْ آتَيْنَاك أَهْلك فِي الْجَنَّة فَإِنْ شِئْت تَرَكْنَاهُمْ لَك فِي الْجَنَّة وَإِنْ شِئْت آتَيْنَاكَهُمْ فِي الدُّنْيَا . قَالَ مُجَاهِد : فَتَرَكَهُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَهُ فِي الْجَنَّة وَأَعْطَاهُ مِثْلَهُمْ فِي الدُّنْيَا . قَالَ النَّحَّاس : وَالْإِسْنَاد عَنْهُمَا بِذَلِكَ صَحِيح . قُلْت : وَحَكَاهُ الْمَهْدَوِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ الضَّحَّاك : قَالَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود كَانَ أَهْل أَيُّوب قَدْ مَاتُوا إِلَّا اِمْرَأَته فَأَحْيَاهُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي أَقَلَّ مِنْ طَرْف الْبَصَر , وَآتَاهُ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : كَانَ بَنُوهُ قَدْ مَاتُوا فَأُحْيُوا لَهُ وَوُلِدَ لَهُ مِثْلهمْ مَعَهُمْ . وَقَالَ قَتَادَة وَكَعْب الْأَحْبَار وَالْكَلْبِيّ وَغَيْرهمْ . قَالَ اِبْن مَسْعُود : مَاتَ أَوْلَاده وَهُمْ سَبْعَة مِنْ الذُّكُور وَسَبْعَة مِنْ الْإِنَاث فَلَمَّا عُوفِيَ نُشِرُوا لَهُ , وَوَلَدَتْ اِمْرَأَته سَبْعَة بَنِينَ وَسَبْع بَنَات . الثَّعْلَبِيّ : وَهَذَا الْقَوْل أَشْبَهُ بِظَاهِرِ الْآيَة . قُلْت : لِأَنَّهُمْ مَاتُوا اِبْتِلَاء قَبْل آجَالهمْ حَسْبَ مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي سُورَة [ الْبَقَرَة ] فِي قِصَّة " الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْت " [ الْبَقَرَة : 243 ] . وَفِي قِصَّة السَّبْعِينَ الَّذِينَ أَخَذَتْهُمْ الصَّاعِقَة فَمَاتُوا ثُمَّ أُحْيُوا ; وَذَلِكَ أَنَّهُمْ مَاتُوا قَبْل آجَالِهِمْ , وَكَذَلِكَ هُنَا وَاَللَّه أَعْلَم . وَعَلَى قَوْل مُجَاهِد وَعِكْرِمَة يَكُون الْمَعْنَى : " وَأَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ " فِي الْآخِرَة " وَمِثْلهمْ مَعَهُمْ " فِي الدُّنْيَا . وَفِي الْخَبَر : إِنَّ اللَّه بَعَثَ إِلَيْهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام حِين رَكَضَ بِرِجْلِهِ عَلَى الْأَرْض رَكْضَة فَظَهَرَتْ عَيْن مَاءٍ حَارٍّ , وَأَخَذَ بِيَدِهِ وَنَفَضَهُ نَفْضَةً فَتَنَاثَرَتْ عَنْهُ الدِّيدَان , وَغَاصَ فِي الْمَاء غَوْصَة فَنَبَتَ لَحْمه وَعَادَ إِلَى مَنْزِله , وَرَدَّ اللَّه عَلَيْهِ أَهْله وَمِثْلهمْ مَعَهُمْ , وَنَشَأَتْ سَحَابَة عَلَى قَدْر قَوَاعِد دَاره فَأَمْطَرَتْ ثَلَاثه أَيَّام بِلَيَالِيِهَا جَرَادًا مِنْ ذَهَبٍ . فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل : أَشَبِعْت ؟ فَقَالَ : وَمَنْ يَشْبَعُ مِنْ فَضْل اللَّه . فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ : قَدْ أَثْنَيْت عَلَيْك بِالصَّبْرِ قَبْل وُقُوعك فِي الْبَلَاء وَبَعْده , وَلَوْلَا أَنِّي وَضَعْت تَحْت كُلّ شَعْرَة مِنْك صَبْرًا مَا صَبَرْت .
أَيْ نِعْمَة مِنَّا . فَعَلْنَا ذَلِكَ بِهِ رَحْمَة مِنْ عِنْدنَا . وَقِيلَ : اِبْتَلَيْنَاهُ لِيَعْظُمَ ثَوَابه غَدًا .
أَيْ عِبْرَة لِذَوِي الْعُقُول وَتَذْكِيرًا لِلْعِبَادِ ; لِأَنَّهُمْ إِذَا ذَكَرُوا بَلَاء أَيُّوب وَصَبْره عَلَيْهِ وَمِحْنَته لَهُ وَهُوَ أَفْضَل أَهْل زَمَانه وَطَّنُوا أَنْفُسهمْ عَلَى الصَّبْر عَلَى شَدَائِد الدُّنْيَا نَحْو مَا فَعَلَ أَيُّوب , فَيَكُون هَذَا تَنْبِيهًا لَهُمْ عَلَى إِدَامَة الْعِبَادَة , وَاحْتِمَال الضَّرَر .
أَيْ نِعْمَة مِنَّا . فَعَلْنَا ذَلِكَ بِهِ رَحْمَة مِنْ عِنْدنَا . وَقِيلَ : اِبْتَلَيْنَاهُ لِيَعْظُمَ ثَوَابه غَدًا .
أَيْ عِبْرَة لِذَوِي الْعُقُول وَتَذْكِيرًا لِلْعِبَادِ ; لِأَنَّهُمْ إِذَا ذَكَرُوا بَلَاء أَيُّوب وَصَبْره عَلَيْهِ وَمِحْنَته لَهُ وَهُوَ أَفْضَل أَهْل زَمَانه وَطَّنُوا أَنْفُسهمْ عَلَى الصَّبْر عَلَى شَدَائِد الدُّنْيَا نَحْو مَا فَعَلَ أَيُّوب , فَيَكُون هَذَا تَنْبِيهًا لَهُمْ عَلَى إِدَامَة الْعِبَادَة , وَاحْتِمَال الضَّرَر .
وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ↓
كَانَ أَيُّوب حَلَفَ فِي مَرَضه أَنْ يَضْرِب اِمْرَأَته مِائَة جَلْدَة ; وَفِي سَبَب ذَلِكَ أَرْبَعَة أَقْوَال : [ أَحَدهَا ] مَا حَكَاهُ اِبْن عَبَّاس أَنَّ إِبْلِيس لَقِيَهَا فِي صُورَة طَبِيب فَدَعَتْهُ لِمُدَاوَاةِ أَيُّوب , فَقَالَ أُدَاوِيه عَلَى أَنَّهُ إِذَا بَرِئَ قَالَ أَنْتَ شَفَيْتنِي , لَا أُرِيد جَزَاء سِوَاهُ . قَالَتْ : نَعَمْ فَأَشَارَتْ عَلَى أَيُّوب بِذَلِكَ فَحَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهَا . وَقَالَ : وَيْحَك ذَلِكَ الشَّيْطَانُ . [ الثَّانِي ] مَا حَكَاهُ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , أَنَّهَا جَاءَتْهُ بِزِيَادَة عَلَى مَا كَانَتْ تَأْتِيه مِنْ الْخُبْز , فَخَافَ خِيَانَتهَا فَحَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهَا . [ الثَّالِث ] مَا حَكَاهُ يَحْيَى بْن سَلَّام وَغَيْره : أَنَّ الشَّيْطَان أَغْوَاهَا أَنْ تَحْمِل أَيُّوب عَلَى أَنْ يَذْبَح سَخْلَة تَقَرُّبًا إِلَيْهِ وَأَنَّهُ يَبْرَأ , فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَحَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهَا إِنْ عُوفِيَ مِائَةً . [ الرَّابِع ] قِيلَ : بَاعَتْ ذَوَائِبَهَا بِرَغِيفَيْنِ إِذْ لَمْ تَجِد شَيْئًا تَحْمِلُهُ إِلَى أَيُّوب , وَكَانَ أَيُّوب يَتَعَلَّق بِهَا إِذَا أَرَادَ الْقِيَام , فَلِهَذَا حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهَا , فَلَمَّا شَفَاهُ اللَّه أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذ ضِغْثًا فَيَضْرِب بِهِ , فَأَخَذَ شَمَارِيخ قَدْر مِائَة فَضَرَبَهَا ضَرْبَة وَاحِدَة . وَقِيلَ : الضِّغْث قَبْضَة حَشِيش مُخْتَلِطَة الرُّطَب بِالْيَابِسِ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : إِنَّهُ إِثْكَال النَّخْل الْجَامِع بِشَمَارِيخِهِ . تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَة جَوَاز ضَرْب الرَّجُل اِمْرَأَتَهُ تَأْدِيبًا . وَذَلِكَ أَنَّ اِمْرَأَة أَيُّوب أَخْطَأَتْ فَحَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهَا مِائَةً , فَأَمَرَهُ اللَّه تَعَالَى أَنْ يَضْرِبَهَا بِعُثْكُولٍ مِنْ عَثَاكِيل النَّخْل , وَهَذَا لَا يَجُوز فِي الْحُدُود . إِنَّمَا أَمَرَهُ اللَّه بِذَلِكَ لِئَلَّا يَضْرِب اِمْرَأَته فَوْق حَدّ الْأَدَب . وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَضْرِب اِمْرَأَته فَوْق حَدّ الْأَدَب ; وَلِهَذَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام : ( وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْر مُبَرِّح ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي [ النِّسَاء ] بَيَانه . وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي هَذَا الْحُكْم هَلْ هُوَ عَامّ أَوَخَاصّ بِأَيُّوبَ وَحْده , فَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ عَامّ لِلنَّاسِ . ذَكَرَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ . وَحُكِيَ عَنْ الْقُشَيْرِيّ أَنَّ ذَلِكَ خَاصّ بِأَيُّوبَ . وَحَكَى الْمَهْدَوِيّ عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ حُكْم بَاقٍ , وَأَنَّهُ إِذَا ضَرَبَ بِمِائَةِ قَضِيب وَنَحْوه ضَرْبَة وَاحِدَة بَرَّ . وَرَوَى نَحْوه الشَّافِعِيّ . وَرَوَى نَحْوه عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُقْعَد الَّذِي حَمَلَتْ مِنْهُ الْوَلِيدَة , وَأَمَرَ أَنْ يُضْرَبَ بِعُثْكُولٍ فِيهِ مِائَة شِمْرَاخ ضَرْبَة وَاحِدَة . وَقَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَقِيلَ لِعَطَاءٍ هَلْ يُعْمَل بِهَذَا الْيَوْم ؟ فَقَالَ : مَا أُنْزِلَ الْقُرْآن إِلَّا لِيُعْمَلَ بِهِ وَيُتَّبَعَ . اِبْن الْعَرَبِيّ : وَرُوِيَ عَنْ عَطَاء أَنَّهَا لِأَيُّوب خَاصَّة . وَكَذَلِكَ رَوَى أَبُو زَيْد عَنْ اِبْن الْقَاسِم عَنْ مَالِك : مَنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْده مِائَة فَجَمَعَهَا فَضَرَبَهُ بِهَا ضَرْبَة وَاحِدَة لَمْ يَبَرَّ . قَالَ بَعْض عُلَمَائِنَا : يُرِيد مَالِك قَوْله تَعَالَى : " لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا " [ الْمَائِدَة : 48 ] أَيْ إِنَّ ذَلِكَ مَنْسُوخ بِشَرِيعَتِنَا . قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَلِيّ أَنَّهُ جَلَدَ الْوَلِيد بْن عُقْبَة بِسَوْطٍ لَهُ طَرَفَانِ أَرْبَعِينَ جَلْدَة . وَأَنْكَرَ مَالِك هَذَا وَتَلَا قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " فَاجْلِدُوا كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا مِائَة جَلْدَة " [ النُّور : 2 ] وَهَذَا مَذْهَب أَصْحَاب الرَّأْي . وَقَدْ اِحْتَجَّ الشَّافِعِيّ لِقَوْلِهِ بِحَدِيثٍ , وَقَدْ تُكُلِّمَ فِي إِسْنَاده ; وَاَللَّه أَعْلَم . قُلْت : الْحَدِيث الَّذِي اِحْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيّ خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنه قَالَ : حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن سَعِيد الْهَمْدَانِيّ , قَالَ حَدَّثَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُس عَنْ اِبْن شِهَاب , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْن سَهْل بْن حُنَيْف أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بَعْض أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْأَنْصَار , أَنَّهُ اِشْتَكَى رَجُل مِنْهُمْ حَتَّى أَضْنَى , فَعَادَ جِلْدَة عَلَى عَظْم , فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ جَارِيَة لِبَعْضِهِمْ فَهَشَّ لَهَا فَوَقَعَ عَلَيْهَا , فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ رِجَال قَوْمه يَعُودُونَهُ أَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ وَقَالَ : اِسْتَفْتُوا لِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَإِنِّي قَدْ وَقَعْت عَلَى جَارِيَة دَخَلَتْ عَلَيَّ . فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَالُوا : مَا رَأَيْنَا بِأَحَدٍ مِنْ النَّاس مِنْ الضُّرّ مِثْل الَّذِي هُوَ بِهِ ; لَوْ حَمَلْنَاهُ إِلَيْك لَتَفَسَّخَتْ عِظَامه , مَا هُوَ إِلَّا جِلْد عَلَى عَظْم ; فَأَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْخُذُوا لَهُ مِائَة شِمْرَاخ فَيَضْرِبُوهُ بِهَا ضَرْبَة وَاحِدَة . قَالَ الشَّافِعِيّ : إِذَا حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ فُلَانًا مِائَة جَلْدَة , أَوْ ضَرْبًا وَلَمْ يَقُلْ ضَرْبًا شَدِيدًا وَلَمْ يَنْوِ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ يَكْفِيهِ مِثْل هَذَا الضَّرْب الْمَذْكُور فِي الْآيَة وَلَا يَحْنَث . قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَإِذَا حَلَفَ الرَّجُل لَيَضْرِبَنَّ عَبْده مِائَة فَضَرَبَهُ ضَرْبًا خَفِيفًا فَهُوَ بَارّ عِنْد الشَّافِعِيّ وَأَبِي ثَوْر وَأَصْحَاب الرَّأْي . وَقَالَ مَالِك : لَيْسَ الضَّرْب إِلَّا الضَّرْب الَّذِي يُؤْلِم .
دَلِيل عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاء فِي الْيَمِين لَا يَرْفَع حُكْمًا إِذَا كَانَ مُتَرَاخِيًا . وَقَدْ مَضَى , الْقَوْل فِيهِ فِي [ الْمَائِدَة ] يُقَال : حَنِثَ فِي يَمِينه يَحْنَث إِذَا لَمْ يَبَرَّ بِهَا . وَعِنْد الْكُوفِيِّينَ الْوَاو مُقْحَمَة أَيْ فَاضْرِبْ لَا تَحْنَثْ . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : قَوْله تَعَالَى : " فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ " يَدُلّ عَلَى أَحَد وَجْهَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَكُون أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي شَرْعِهِمْ كَفَّارَة , وَإِنَّمَا كَانَ الْبِرّ وَالْحِنْث . وَالثَّانِي أَنْ يَكُون صَدَرَ مِنْهُ نَذْر لَا يَمِين وَإِذَا كَانَ النَّذْر مُعَيَّنًا فَلَا كَفَّارَة فِيهِ عِنْد مَالِك وَأَبِي حَنِيفَة . وَقَالَ الشَّافِعِيّ : فِي كُلّ نَذْر كَفَّارَة . قُلْت : قَوْل إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي شَرْعهمْ كَفَّارَة لَيْسَ بِصَحِيحٍ ; فَإِنَّ أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا بَقِيَ فِي الْبَلَاء ثَمَان عَشْرَة سَنَة , كَمَا فِي حَدِيث اِبْن شِهَاب , قَالَ لَهُ صَاحِبَاهُ : لَقَدْ أَذْنَبْت ذَنْبًا مَا أَظُنّ أَحَدًا بَلَغَهُ . فَقَالَ أَيُّوب صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا أَدْرِي مَا تَقُولَانِ , غَيْر أَنَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ يَعْلَم أَنِّي كُنْت أَمُرُّ عَلَى الرَّجُلَيْنِ يَتَزَاعَمَانِ فَكُلٌّ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ , أَوْ عَلَى النَّفَر يَتَزَاعَمُونَ فَأَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِي , فَأُكَفِّر عَنْ أَيْمَانهمْ إِرَادَةَ أَلَّا يَأْثَم أَحَد يَذْكُرهُ وَلَا يَذْكُرهُ إِلَّا بِحَقٍّ فَنَادَى رَبّه " أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرّ وَأَنْتَ أَرْحَم الرَّاحِمِينَ " [ الْأَنْبِيَاء : 83 ] وَذَكَرَ الْحَدِيث . فَقَدْ أَفَادَك هَذَا الْحَدِيث أَنَّ الْكَفَّارَة كَانَتْ مِنْ شَرْع أَيُّوب , وَأَنَّ مَنْ كَفَّرَ عَنْ غَيْره بِغَيْرِ إِذْنه فَقَدْ قَامَ بِالْوَاجِبِ عَنْهُ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْكَفَّارَة .
أَيْ عَلَى الْبَلَاء .
أَيْ تَوَّاب رَجَّاع مُطِيع . وَسُئِلَ سُفْيَان عَنْ عَبْدَيْنِ اُبْتُلِيَ أَحَدهمَا فَصَبَرَ , وَأُنْعِمَ عَلَى الْآخَر فَشَكَرَ ; فَقَالَ : كِلَاهُمَا سَوَاء ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَثْنَى عَلَى عَبْدَيْنِ ; أَحَدُهُمَا صَابِر وَالْآخَر شَاكِر ثَنَاء وَاحِدًا ; فَقَالَ فِي وَصْف أَيُّوب : " نِعْمَ الْعَبْد إِنَّهُ أَوَّاب " وَقَالَ فِي وَصْفِ سُلَيْمَان : " نِعْمَ الْعَبْد إِنَّهُ أَوَّاب " . قُلْت : وَقَدْ رَدَّ هَذَا الْكَلَامَ صَاحِبُ الْقُوت وَاسْتَدَلَّ بِقِصَّةِ أَيُّوب فِي تَفْضِيل الْفَقِير عَلَى الْغَنِيّ وَذَكَرَ كَلَامًا كَثِيرًا شَيَّدَ بِهِ كَلَامه , وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع مِنْ كِتَاب [ مَنْهَج الْعِبَاد وَمَحَجَّة السَّالِكِينَ وَالزُّهَّاد ] . وَخَفِيَ عَلَيْهِ أَنَّ أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ أَحَد الْأَغْنِيَاء مِنْ الْأَنْبِيَاء قَبْل الْبَلَاء وَبَعْده , وَإِنَّمَا اُبْتُلِيَ بِذَهَابِ مَاله وَوَلَده وَعَظِيم الدَّاء فِي جَسَده . وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاء صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ وَسَلَامه صَبَرُوا عَلَى مَا بِهِ اُمْتُحِنُوا وَفُتِنُوا . فَأَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام دَخَلَ فِي الْبَلَاء عَلَى صِفَة , فَخَرَجَ مِنْهُ كَمَا دَخَلَ فِيهِ , وَمَا تَغَيَّرَ مِنْهُ حَال وَلَا مَقَال , فَقَدْ اِجْتَمَعَ مَعَ أَيُّوب فِي الْمَعْنَى الْمَقْصُود , وَهُوَ عَدَم التَّغَيُّر الَّذِي يَفْضُل فِيهِ بَعْض النَّاس بَعْضًا . وَبِهَذَا الِاعْتِبَار يَكُون الْغَنِيّ الشَّاكِر وَالْفَقِير الصَّابِر سَوَاء . وَهُوَ كَمَا قَالَ سُفْيَان . وَاَللَّه أَعْلَم . وَفِي حَدِيث اِبْن شِهَاب عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ أَيُّوب خَرَجَ لِمَا كَانَ يَخْرُج إِلَيْهِ مِنْ حَاجَته فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ : " اُرْكُضْ بِرِجْلِك هَذَا مُغْتَسَل بَارِد وَشَرَاب " فَاغْتَسَلَ فَأَعَادَ اللَّه لَحْمه وَشَعْره وَبَشَرَهُ عَلَى أَحْسَن مَا كَانَ ثُمَّ شَرِبَ فَأَذْهَبَ اللَّه كُلّ مَا كَانَ فِي جَوْفه مِنْ أَلَم أَوْ ضَعْف وَأَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ مِنْ السَّمَاء أَبْيَضَيْنِ فَائْتَزَرَ بِأَحَدِهِمَا وَارْتَدَى بِالْآخَرِ ثُمَّ أَقْبَلَ يَمْشِي إِلَى مَنْزِله وَرَاثَ عَلَى اِمْرَأَته فَأَقْبَلَتْ حَتَّى لَقِيَتْهُ وَهِيَ لَا تَعْرِفهُ فَسَلَّمَتْ عَلَيْهِ وَقَالَتْ أَيْ يَرْحَمك اللَّه هَلْ رَأَيْت هَذَا الرَّجُل الْمُبْتَلَى ؟ قَالَ مَنْ هُوَ ؟ قَالَتْ نَبِيّ اللَّه أَيُّوب , أَمَا وَاَللَّه مَا رَأَيْت أَحَدًا قَطُّ أَشْبَهَ بِهِ مِنْك إِذْ كَانَ صَحِيحًا . قَالَ فَإِنِّي أَيُّوب وَأَخَذَ ضِغْثًا فَضَرَبَهَا بِهِ ) فَزَعَمَ اِبْن شِهَاب أَنَّ ذَلِكَ الضِّغْث كَانَ ثُمَامًا . وَرَدَّ اللَّه إِلَيْهِ أَهْله وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ , فَأَقْبَلَتْ سَحَابَة حَتَّى سَجَلَتْ فِي أَنْدَر قَمْحه ذَهَبًا حَتَّى امْتَلَأَ , وَأَقْبَلَتْ سَحَابَة أُخْرَى إِلَى أَنْدَر شَعِيرِهِ وَقَطَّانِيهِ فَسَجَلَتْ فِيهِ وَرِقًا حَتَّى اِمْتَلَأَ .
دَلِيل عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاء فِي الْيَمِين لَا يَرْفَع حُكْمًا إِذَا كَانَ مُتَرَاخِيًا . وَقَدْ مَضَى , الْقَوْل فِيهِ فِي [ الْمَائِدَة ] يُقَال : حَنِثَ فِي يَمِينه يَحْنَث إِذَا لَمْ يَبَرَّ بِهَا . وَعِنْد الْكُوفِيِّينَ الْوَاو مُقْحَمَة أَيْ فَاضْرِبْ لَا تَحْنَثْ . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : قَوْله تَعَالَى : " فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ " يَدُلّ عَلَى أَحَد وَجْهَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَكُون أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي شَرْعِهِمْ كَفَّارَة , وَإِنَّمَا كَانَ الْبِرّ وَالْحِنْث . وَالثَّانِي أَنْ يَكُون صَدَرَ مِنْهُ نَذْر لَا يَمِين وَإِذَا كَانَ النَّذْر مُعَيَّنًا فَلَا كَفَّارَة فِيهِ عِنْد مَالِك وَأَبِي حَنِيفَة . وَقَالَ الشَّافِعِيّ : فِي كُلّ نَذْر كَفَّارَة . قُلْت : قَوْل إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي شَرْعهمْ كَفَّارَة لَيْسَ بِصَحِيحٍ ; فَإِنَّ أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا بَقِيَ فِي الْبَلَاء ثَمَان عَشْرَة سَنَة , كَمَا فِي حَدِيث اِبْن شِهَاب , قَالَ لَهُ صَاحِبَاهُ : لَقَدْ أَذْنَبْت ذَنْبًا مَا أَظُنّ أَحَدًا بَلَغَهُ . فَقَالَ أَيُّوب صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا أَدْرِي مَا تَقُولَانِ , غَيْر أَنَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ يَعْلَم أَنِّي كُنْت أَمُرُّ عَلَى الرَّجُلَيْنِ يَتَزَاعَمَانِ فَكُلٌّ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ , أَوْ عَلَى النَّفَر يَتَزَاعَمُونَ فَأَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِي , فَأُكَفِّر عَنْ أَيْمَانهمْ إِرَادَةَ أَلَّا يَأْثَم أَحَد يَذْكُرهُ وَلَا يَذْكُرهُ إِلَّا بِحَقٍّ فَنَادَى رَبّه " أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرّ وَأَنْتَ أَرْحَم الرَّاحِمِينَ " [ الْأَنْبِيَاء : 83 ] وَذَكَرَ الْحَدِيث . فَقَدْ أَفَادَك هَذَا الْحَدِيث أَنَّ الْكَفَّارَة كَانَتْ مِنْ شَرْع أَيُّوب , وَأَنَّ مَنْ كَفَّرَ عَنْ غَيْره بِغَيْرِ إِذْنه فَقَدْ قَامَ بِالْوَاجِبِ عَنْهُ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْكَفَّارَة .
أَيْ عَلَى الْبَلَاء .
أَيْ تَوَّاب رَجَّاع مُطِيع . وَسُئِلَ سُفْيَان عَنْ عَبْدَيْنِ اُبْتُلِيَ أَحَدهمَا فَصَبَرَ , وَأُنْعِمَ عَلَى الْآخَر فَشَكَرَ ; فَقَالَ : كِلَاهُمَا سَوَاء ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَثْنَى عَلَى عَبْدَيْنِ ; أَحَدُهُمَا صَابِر وَالْآخَر شَاكِر ثَنَاء وَاحِدًا ; فَقَالَ فِي وَصْف أَيُّوب : " نِعْمَ الْعَبْد إِنَّهُ أَوَّاب " وَقَالَ فِي وَصْفِ سُلَيْمَان : " نِعْمَ الْعَبْد إِنَّهُ أَوَّاب " . قُلْت : وَقَدْ رَدَّ هَذَا الْكَلَامَ صَاحِبُ الْقُوت وَاسْتَدَلَّ بِقِصَّةِ أَيُّوب فِي تَفْضِيل الْفَقِير عَلَى الْغَنِيّ وَذَكَرَ كَلَامًا كَثِيرًا شَيَّدَ بِهِ كَلَامه , وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع مِنْ كِتَاب [ مَنْهَج الْعِبَاد وَمَحَجَّة السَّالِكِينَ وَالزُّهَّاد ] . وَخَفِيَ عَلَيْهِ أَنَّ أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ أَحَد الْأَغْنِيَاء مِنْ الْأَنْبِيَاء قَبْل الْبَلَاء وَبَعْده , وَإِنَّمَا اُبْتُلِيَ بِذَهَابِ مَاله وَوَلَده وَعَظِيم الدَّاء فِي جَسَده . وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاء صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ وَسَلَامه صَبَرُوا عَلَى مَا بِهِ اُمْتُحِنُوا وَفُتِنُوا . فَأَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام دَخَلَ فِي الْبَلَاء عَلَى صِفَة , فَخَرَجَ مِنْهُ كَمَا دَخَلَ فِيهِ , وَمَا تَغَيَّرَ مِنْهُ حَال وَلَا مَقَال , فَقَدْ اِجْتَمَعَ مَعَ أَيُّوب فِي الْمَعْنَى الْمَقْصُود , وَهُوَ عَدَم التَّغَيُّر الَّذِي يَفْضُل فِيهِ بَعْض النَّاس بَعْضًا . وَبِهَذَا الِاعْتِبَار يَكُون الْغَنِيّ الشَّاكِر وَالْفَقِير الصَّابِر سَوَاء . وَهُوَ كَمَا قَالَ سُفْيَان . وَاَللَّه أَعْلَم . وَفِي حَدِيث اِبْن شِهَاب عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ أَيُّوب خَرَجَ لِمَا كَانَ يَخْرُج إِلَيْهِ مِنْ حَاجَته فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ : " اُرْكُضْ بِرِجْلِك هَذَا مُغْتَسَل بَارِد وَشَرَاب " فَاغْتَسَلَ فَأَعَادَ اللَّه لَحْمه وَشَعْره وَبَشَرَهُ عَلَى أَحْسَن مَا كَانَ ثُمَّ شَرِبَ فَأَذْهَبَ اللَّه كُلّ مَا كَانَ فِي جَوْفه مِنْ أَلَم أَوْ ضَعْف وَأَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ مِنْ السَّمَاء أَبْيَضَيْنِ فَائْتَزَرَ بِأَحَدِهِمَا وَارْتَدَى بِالْآخَرِ ثُمَّ أَقْبَلَ يَمْشِي إِلَى مَنْزِله وَرَاثَ عَلَى اِمْرَأَته فَأَقْبَلَتْ حَتَّى لَقِيَتْهُ وَهِيَ لَا تَعْرِفهُ فَسَلَّمَتْ عَلَيْهِ وَقَالَتْ أَيْ يَرْحَمك اللَّه هَلْ رَأَيْت هَذَا الرَّجُل الْمُبْتَلَى ؟ قَالَ مَنْ هُوَ ؟ قَالَتْ نَبِيّ اللَّه أَيُّوب , أَمَا وَاَللَّه مَا رَأَيْت أَحَدًا قَطُّ أَشْبَهَ بِهِ مِنْك إِذْ كَانَ صَحِيحًا . قَالَ فَإِنِّي أَيُّوب وَأَخَذَ ضِغْثًا فَضَرَبَهَا بِهِ ) فَزَعَمَ اِبْن شِهَاب أَنَّ ذَلِكَ الضِّغْث كَانَ ثُمَامًا . وَرَدَّ اللَّه إِلَيْهِ أَهْله وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ , فَأَقْبَلَتْ سَحَابَة حَتَّى سَجَلَتْ فِي أَنْدَر قَمْحه ذَهَبًا حَتَّى امْتَلَأَ , وَأَقْبَلَتْ سَحَابَة أُخْرَى إِلَى أَنْدَر شَعِيرِهِ وَقَطَّانِيهِ فَسَجَلَتْ فِيهِ وَرِقًا حَتَّى اِمْتَلَأَ .
قَرَأَ اِبْن عَبَّاس : " عَبْدَنَا " بِإِسْنَادٍ صَحِيح ; رَوَاهُ اِبْن عُيَيْنَة عَنْ عَمْرو عَنْ عَطَاء عَنْهُ , وَهِيَ قِرَاءَة مُجَاهِد وَحُمَيْد وَابْن مُحَيْصِن وَابْن كَثِير ; فَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة يَكُون " إِبْرَاهِيم " بَدَلًا مِنْ " عَبْدنَا " وَ " إِسْحَاق وَيَعْقُوب " عَطْف . و الْقِرَاءَة بِالْجَمْعِ أَبْيَنُ , وَهِيَ اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْد وَأَبِي حَاتِم , وَيَكُون " إِبْرَاهِيم " وَمَا بَعْده عَلَى الْبَدَل . النَّحَّاس : وَشَرْح هَذَا مِنْ الْعَرَبِيَّة أَنَّك إِذَا قُلْت : رَأَيْت أَصْحَابنَا زَيْدًا وَعُمْرًا وَخَالِدًا , فَزَيْد وَعَمْرو وَخَالِد بَدَل وَهُمْ الْأَصْحَاب , وَإِذَا قُلْت رَأَيْت صَاحِبَنَا زَيْدًا وَعُمْرًا وَخَالِدًا فَزَيْد وَحْده بَدَل وَهُوَ صَاحِبُنَا , وَزَيْد وَعَمْرو عَطْف عَلَى صَاحِبنَا وَلَيْسَا بِدَاخِلَيْنِ فِي الْمُصَاحَبَة إِلَّا بِدَلِيلٍ غَيْر هَذَا , غَيْر أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ أَنَّ قَوْله : " وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب " دَاخِل فِي الْعُبُودِيَّة . وَقَدْ اِسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَة مَنْ قَالَ : إِنَّ الذَّبِيح إِسْحَاق لَا إِسْمَاعِيل , وَهُوَ الصَّحِيح عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَاب [ الْإِعْلَام بِمَوْلِدِ النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام ]
قَالَ النَّحَّاس : أَمَّا " الْأَبْصَار " فَمُتَّفَق عَلَى تَأْوِيلهَا أَنَّهَا الْبَصَائِر فِي الدِّين وَالْعِلْم . وَأَمَّا " الْأَيْدِي " فَمُخْتَلَف فِي تَأْوِيلهَا ; فَأَهْل التَّفْسِير يَقُولُونَ : إِنَّهَا الْقُوَّة فِي الدِّين . وَقَوْم يَقُولُونَ : " الْأَيْدِي " جَمْع يَد وَهِيَ النِّعْمَة ; أَيْ هُمْ أَصْحَاب النِّعَم ; أَيْ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمْ . وَقِيلَ : هُمْ أَصْحَاب النِّعَم وَالْإِحْسَان ; لِأَنَّهُمْ قَدْ أَحْسَنُوا وَقَدَّمُوا خَيْرًا . وَهَذَا اخْتِيَار الطَّبَرِيّ .
قَالَ النَّحَّاس : أَمَّا " الْأَبْصَار " فَمُتَّفَق عَلَى تَأْوِيلهَا أَنَّهَا الْبَصَائِر فِي الدِّين وَالْعِلْم . وَأَمَّا " الْأَيْدِي " فَمُخْتَلَف فِي تَأْوِيلهَا ; فَأَهْل التَّفْسِير يَقُولُونَ : إِنَّهَا الْقُوَّة فِي الدِّين . وَقَوْم يَقُولُونَ : " الْأَيْدِي " جَمْع يَد وَهِيَ النِّعْمَة ; أَيْ هُمْ أَصْحَاب النِّعَم ; أَيْ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمْ . وَقِيلَ : هُمْ أَصْحَاب النِّعَم وَالْإِحْسَان ; لِأَنَّهُمْ قَدْ أَحْسَنُوا وَقَدَّمُوا خَيْرًا . وَهَذَا اخْتِيَار الطَّبَرِيّ .
قِرَاءَة الْعَامَّة " بِخَالِصَةٍ " مُنَوَّنَة وَهِيَ اِخْتِيَار أَبِي عُبَيْد وَأَبِي حَاتِم . وَقَرَأَ نَافِع وَشَيْبَة وَأَبُو جَعْفَر وَهِشَام عَنْ اِبْن عَامِر " بِخَالِصَةِ ذِكْرَى الدَّار " بِالْإِضَافَةِ فَمَنْ نَوَّنَ خَالِصَة فَـ " ذِكْرَى الدَّار " بَدَل مِنْهَا ; التَّقْدِير إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِأَنْ يَذْكُرُوا الدَّار الْآخِرَة وَيَتَأَهَّبُوا لَهَا وَيَرْغَبُوا فِيهَا وَيُرَغِّبُوا النَّاس فِيهَا . وَيَجُوز أَنْ يَكُون " خَالِصَة " مَصْدَرًا لِخَلَصَ وَ " ذِكْرَى " فِي مَوْضِع رَفْع بِأَنَّهَا فَاعِلَة , وَالْمَعْنَى أَخْلَصْنَاهُمْ بِأَنْ خَلَصَتْ لَهُمْ ذِكْرَى الدَّار ; أَيْ تَذْكِير الدَّار الْآخِرَة . وَيَجُوز أَنْ يَكُون " خَالِصَة " مَصْدَرًا لِأَخْلَصْت فَحُذِفَتْ الزِّيَادَة , فَيَكُون " ذِكْرَى " عَلَى هَذَا فِي مَوْضِع نَصْب , التَّقْدِير : بِأَنْ أَخْلَصُوا ذِكْرَى الدَّار . وَالدَّار يَجُوز أَنْ يُرَاد بِهَا الدُّنْيَا ; أَيْ لِيَتَذَكَّرُوا الدُّنْيَا وَيَزْهَدُوا فِيهَا , وَلِتَخْلُصَ لَهُمْ بِالثَّنَاءِ الْحَسَن عَلَيْهِمْ , كَمَا قَالَ تَعَالَى : " وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَان صِدْق عَلِيًّا " [ مَرْيَم : 50 ] وَيَجُوز أَنْ يُرَاد بِهَا الدَّار الْآخِرَة وَتَذْكِير الْخَلْق بِهَا . وَمَنْ أَضَافَ خَالِصَة إِلَى الدَّار فَهِيَ مَصْدَر بِمَعْنَى الْإِخْلَاص , وَالذِّكْرَى مَفْعُول بِهِ أُضِيفَ إِلَيْهِ الْمَصْدَر ; أَيْ بِإِخْلَاصِهِمْ ذِكْرَى الدَّار . وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمَصْدَر مُضَافًا إِلَى الْفَاعِل وَالْخَالِصَة مَصْدَر بِمَعْنَى الْخُلُوص ; أَيْ بِأَنْ خَلَصَتْ لَهُمْ ذِكْرَى الدَّار , وَهِيَ الدَّار الْآخِرَة أَوْ الدُّنْيَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ . وَقَالَ اِبْن زَيْد : مَعْنَى أَخْلَصْنَاهُمْ أَيْ بِذِكْرِ الْآخِرَة ; أَيْ يَذْكُرُونَ الْآخِرَة وَيَرْغَبُونَ فِيهَا وَيَزْهَدُونَ فِي الدُّنْيَا . وَقَالَ مُجَاهِد : الْمَعْنَى إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِأَنْ ذَكَرْنَا الْجَنَّة لَهُمْ .
أَيْ الَّذِينَ اِصْطَفَاهُمْ مِنْ الْأَدْنَاس وَاخْتَارَهُمْ لِرِسَالَتِهِ وَمُصْطَفَيْنَ جَمْع مُصْطَفَى وَالْأَصْل مُصْتَفَى وَقَدْ مَضَى فِي [ الْبَقَرَة ] عِنْد قَوْله : " إِنَّ اللَّه اِصْطَفَى لَكُمْ الدِّين " [ الْبَقَرَة : 132 ] " وَالْأَخْيَار " جَمْع خَيْر . وَقَرَأَ الْأَعْمَش وَعَبْد الْوَارِث وَالْحَسَن وَعِيسَى الثَّقَفِيّ " أُولِي الْأَيْدِ " بِغَيْرِ يَاء فِي الْوَصْل وَالْوَقْف عَلَى مَعْنَى أُولِي الْقُوَّة فِي طَاعَة اللَّه . وَيَجُوز أَنْ يَكُون كَمَعْنَى قِرَاءَة الْجَمَاعَة وَحَذْف الْيَاء تَخْفِيفًا .
وَقَرَأَ أَهْل الْحَرَمَيْنِ وَأَبُو عَمْرو وَعَاصِم " وَاَلْيَسَع " بِلَامٍ مُخَفَّفَةٍ . وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ إِلَّا عَاصِمًا " وَاَلْيَسَع " . وَكَذَا قَرَأَ الْكِسَائِيّ , وَرَدَّ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ " وَاَلْيَسْع " قَالَ : لِأَنَّهُ لَا يُقَال الْيَفْعَل مِثْل الْيَحْيَى . قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا الرَّدّ لَا يَلْزَم , وَالْعَرَب تَقُول : الْيَعْمَل وَالْيَحْمَد , وَلَوْ نَكَّرْت يَحْيَى لَقُلْت الْيَحْيَى . وَرَدَّ أَبُو حَاتِم عَلَى مَنْ قَرَأَ " اللَّيْسَع " وَقَالَ : لَا يُوجَد لَيْسَع . وَقَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا الرَّدّ لَا يَلْزَم , فَقَدْ جَاءَ فِي كَلَام الْعَرَب حَيْدَر وَزَيْنَب , وَالْحَقّ فِي هَذَا أَنَّهُ اِسْم أَعْجَمِيّ , وَالْعُجْمَة لَا تُؤْخَذ بِالْقِيَاسِ إِنَّمَا تُؤْخَذ سَمَاعًا وَالْعَرَب تُغَيِّرُهَا كَثِيرًا , فَلَا يُنْكَر أَنْ يَأْتِي الِاسْم بِلُغَتَيْنِ . قَالَ مَكِّيّ : مَنْ قَرَأَ بِلَامَيْنِ فَأَصْل الِاسْم لَيْسَع , ثُمَّ دَخَلَتْ الْأَلِف وَاللَّام لِلتَّعْرِيفِ . وَلَوْ كَانَ أَصْله يَسَع مَا دَخَلَتْهُ الْأَلِف وَاللَّام ; إِذْ لَا يَدْخُلَانِ عَلَى يَزِيد وَيَشْكُر : اِسْمَيْنِ لِرَجُلَيْنِ ; لِأَنَّهُمَا مَعْرِفَتَانِ عَلَمَانِ . فَأَمَّا " لَيْسَع " نَكِرَةً فَتَدْخُلهُ الْأَلِف وَاللَّام لِلتَّعْرِيفِ , وَالْقِرَاءَة بِلَامٍ وَاحِدَة أَحَبُّ إِلَيَّ ; لِأَنَّ أَكْثَر الْقُرَّاء عَلَيْهِ . وَقَالَ الْمَهْدَوِيّ : مَنْ قَرَأَ " الْيَسَع " بِلَامٍ وَاحِدَة فَالِاسْم يَسَع , وَدَخَلَتْ الْأَلِف وَاللَّام زَائِدَتَيْنِ , كَزِيَادَتِهِمَا فِي نَحْو الْخَمْسَة عَشَرَ , وَفِي نَحْو قَوْل : وَجَدْنَا الْيَزِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ مُبَارَكًا شَدِيدًا بِأَعْبَاءِ الْخِلَافَةِ كَاهِلُهْ وَقَدْ زَادُوهَا فِي الْفِعْل الْمُضَارِع نَحْو قَوْلِه : فَيَسْتَخْرِجُ الْيَرْبُوعَ مِنْ نَافِقَائِهِ وَمِنْ بَيْتِهِ بِالشَّيْخَةِ الْيَتَقَصَّعُ يُرِيد الَّذِي يَتَقَصَّعُ . قَالَ الْقُشَيْرِيّ : قُرِئَ بِتَخْفِيفِ اللَّام وَالتَّشْدِيد . وَالْمَعْنَى وَاحِد فِي أَنَّهُ اِسْم لِنَبِيٍّ مَعْرُوف ; مِثْل إِسْمَاعِيل وَإِبْرَاهِيم , وَلَكِنْ خَرَجَ عَمَّا عَلَيْهِ الْأَسْمَاء الْأَعْجَمِيَّة بِإِدْخَالِ الْأَلِف وَاللَّام . وَتَوَهَّمَ قَوْم أَنَّ الْيَسَعَ هُوَ إِلْيَاس , وَلَيْسَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَفْرَدَ كُلّ وَاحِد بِالذِّكْرِ . وَقَالَ وَهْب : الْيَسَع هُوَ صَاحِب إِلْيَاس , وَكَانَا قَبْل زَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى . وَقِيلَ : إِلْيَاس هُوَ إِدْرِيس وَهَذَا غَيْر صَحِيح لِأَنَّ إِدْرِيس جَدّ نُوح وَإِلْيَاس مِنْ ذُرِّيَّته . وَقِيلَ : إِلْيَاس هُوَ الْخَضِر . وَقِيلَ : لَا , بَلْ الْيَسَع هُوَ الْخَضِر . " وَذَا الْكِفْل " خَرَّجَ التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم فِي نَوَادِر الْأُصُول وَغَيْره مِنْ حَدِيث اِبْن عُمَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيل رَجُل يُقَال لَهُ ذُو الْكِفْل لَا يَتَوَرَّع مِنْ ذَنْب عَمِلَهُ فَاتَّبَعَ اِمْرَأَة فَأَعْطَاهَا سِتِّينَ دِينَارًا عَلَى أَنْ يَطَأَهَا فَلَمَّا قَعَدَ مِنْهَا مَقْعَد الرَّجُل مِنْ اِمْرَأَته اِرْتَعَدَتْ وَبَكَتْ فَقَالَ مَا يُبْكِيك قَالَتْ مِنْ هَذَا الْعَمَل وَاَللَّهِ مَا عَمِلْته قَطُّ قَالَ أَأَكْرَهْتُك قَالَتْ لَا وَلَكِنْ حَمَلَنِي عَلَيْهِ الْحَاجَة قَالَ اِذْهَبِي فَهُوَ لَك وَاَللَّه لَا أَعْصِي اللَّه بَعْدهَا أَبَدًا ثُمَّ مَاتَ مِنْ لَيْلَته فَوَجَدُوا مَكْتُوبًا عَلَى بَاب دَاره إِنَّ اللَّه قَدْ غَفَرَ لِذِي الْكِفْل ) وَخَرَّجَهُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ أَيْضًا وَلَفْظه . اِبْن عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا قَالَ : سَمِعْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّث حَدِيثًا لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ إِلَّا مَرَّة أَوْ مَرَّتَيْنِ - حَتَّى عَدَّ سَبْع مَرَّات - لَمْ أُحَدِّث بِهِ وَلَكِنِّي سَمِعَتْهُ أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ ; سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( كَانَ ذُو الْكِفْل مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل لَا يَتَوَرَّعُ مِنْ ذَنْب عَمِلَهُ فَأَتَتْهُ اِمْرَأَة فَأَعْطَاهَا سِتِّينَ دِينَارًا عَلَى أَنْ يَطَأهَا فَلَمَّا قَعَدَ مِنْهَا مَقْعَد الرَّجُل مِنْ اِمْرَأَته اِرْتَعَدَتْ وَبَكَتْ فَقَالَ مَا يُبْكِيك أَأَكْرَهْتُك قَالَتْ لَا وَلَكِنَّهُ عَمَل مَا عَمِلْته قَطُّ وَمَا حَمَلَنِي عَلَيْهِ إِلَّا الْحَاجَة فَقَالَ تَفْعَلِينَ أَنْتِ هَذَا وَمَا فَعَلْتِهِ اِذْهَبِي فَهِيَ لَكِ وَقَالَ وَاَللَّهِ لَا أَعْصِي اللَّه بَعْدهَا أَبَدًا فَمَاتَ مِنْ لَيْلَته فَأَصْبَحَ مَكْتُوبًا عَلَى بَابه إِنَّ اللَّه قَدْ غَفَرَ لِذِي الْكِفْل ) قَالَ : حَدِيث حَسَن . وَقِيلَ إِنَّ الْيَسَع لَمَّا كَبِرَ قَالَ : لَوْ اِسْتَخْلَفْت رَجُلًا عَلَى النَّاس أَنْظُر كَيْف يَعْمَل . فَقَالَ : مَنْ يَتَكَفَّل لِي بِثَلَاثٍ : بِصِيَامِ النَّهَار وَقِيَام اللَّيْل وَأَلَّا يَغْضَب وَهُوَ يَقْضِي ؟ فَقَالَ رَجُل مِنْ ذُرِّيَّة العيص : أَنَا ; فَرَدَّهُ ثُمَّ قَالَ مِثْلهَا مِنْ الْغَد ; فَقَالَ الرَّجُل : أَنَا ; فَاسْتَخْلَفَهُ فَوَفَّى فَأَثْنَى اللَّه عَلَيْهِ فَسُمِّيَ ذَا الْكِفْل ; لِأَنَّهُ تَكَفَّلَ بِأَمْرٍ ; قَالَ أَبُو مُوسَى وَمُجَاهِد وَقَتَادَة . وَقَالَ عَمْرو بْن الرَّحْمَن بْن الْحَارِث وَقَالَ أَبُو مُوسَى عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ ذَا الْكِفْل لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا , وَلَكِنَّهُ كَانَ عَبْدًا صَالِحًا فَتَكَفَّلَ بِعَمَلِ رَجُل صَالِح عِنْد مَوْته , وَكَانَ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلّ يَوْم مِائَة صَلَاة فَأَحْسَنَ اللَّه الثَّنَاء عَلَيْهِ قَالَ كَعْب : كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيل مَلِك كَافِر فَمَرَّ بِبِلَادِهِ رَجُل صَالِح فَقَالَ : وَاَللَّهِ إِنْ خَرَجْت مِنْ هَذِهِ الْبِلَاد حَتَّى أَعْرِض عَلَى هَذَا الْمَلِك الْإِسْلَام . فَعَرَضَ عَلَيْهِ فَقَالَ : مَا جَزَائِي ؟ قَالَ : الْجَنَّة - وَوَصَفَهَا لَهُ - قَالَ : مَنْ يَتَكَفَّل لِي بِذَلِكَ ؟ قَالَ : أَنَا فَأَسْلَمَ الْمَلِك وَتَخَلَّى عَنْ الْمَمْلَكَة وَأَقْبَلَ عَلَى طَاعَة رَبّه حَتَّى مَاتَ , فَدُفِنَ فَأَصْبَحُوا فَوَجَدُوا يَده خَارِجَة مِنْ الْقَبْر وَفِيهَا رُقْعَة خَضْرَاء مَكْتُوب فِيهَا بِنُور أَبْيَض : إِنَّ اللَّه قَدْ غَفَرَ لِي وَأَدْخَلَنِي الْجَنَّة وَوَفَّى عَنْ كَفَالَة فُلَان فَأَسْرَعَ النَّاس إِلَى ذَلِكَ الرَّجُل بِأَنْ يَأْخُذ عَلَيْهِمْ الْإِيمَان , وَيَتَكَفَّل لَهُمْ بِمَا تَكَفَّلَ بِهِ لِلْمَلِكِ فَفَعَلَ ذَلِكَ فَآمَنُوا كُلّهمْ فَسُمِّيَ ذَا الْكِفْل . وَقِيلَ : كَانَ رَجُلًا عَفِيفًا يَتَكَفَّل بِشَأْنِ كُلّ إِنْسَان وَقَعَ فِي بَلَاء أَوْ تُهْمَة أَوْ مُطَالَبَة فَيُنْجِيهِ اللَّه عَلَى يَدَيْهِ . وَقِيلَ : سُمِّيَ ذَا الْكِفْل لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى تَكَفَّلَ لَهُ فِي سَعْيه وَعَمَله بِضِعْفِ عَمَل غَيْره مِنْ الْأَنْبِيَاء الَّذِينَ كَانُوا فِي زَمَانه . وَالْجُمْهُور عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِنَبِيٍّ . وَقَالَ الْحَسَن : هُوَ نَبِيّ قَبْل إِلْيَاس . وَقِيلَ : هُوَ زَكَرِيَّا بِكَفَالَةِ مَرْيَم .
أَيْ مِمَّنْ اُخْتِيرَ لِلنُّبُوَّةِ .
أَيْ مِمَّنْ اُخْتِيرَ لِلنُّبُوَّةِ .
بِمَعْنَى هَذَا ذِكْر جَمِيل فِي الدُّنْيَا وَشَرَف يَذْكُرُونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا أَبَدًا .
أَيْ لَهُمْ مَعَ هَذَا الذِّكْر الْجَمِيل فِي الدُّنْيَا حُسْن الْمَرْجِع فِي الْقِيَامَة .
أَيْ لَهُمْ مَعَ هَذَا الذِّكْر الْجَمِيل فِي الدُّنْيَا حُسْن الْمَرْجِع فِي الْقِيَامَة .
وَالْعَدْن فِي اللُّغَة الْإِقَامَة ; يُقَال : عَدَنَ بِالْمَكَانِ إِذَا أَقَامَ . وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن عُمَر : إِنَّ فِي الْجَنَّة قَصْرًا يُقَال لَهُ عَدْن حَوْله الْبُرُوج وَالْمُرُوج فِيهِ خَمْسَة آلَاف بَاب عَلَى كُلّ بَاب خَمْسَة آلَاف حَبَرَة لَا يَدْخُلهُ إِلَّا نَبِيّ أَوْ صِدِّيق أَوْ شَهِيد .
" مُفَتَّحَة " حَال " لَهُمْ الْأَبْوَاب " رُفِعَتْ الْأَبْوَاب لِأَنَّهُ اِسْم مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله . قَالَ الزَّجَّاج : أَيْ مُفَتَّحَة لَهُمْ الْأَبْوَاب مِنْهَا . وَقَالَ الْفَرَّاء : مُفَتَّحَة لَهُمْ أَبْوَابهَا . وَأَجَازَ الْفَرَّاء : " مُفَتَّحَةً لَهُمْ الْأَبْوَاب " بِالنَّصْبِ . قَالَ الْفَرَّاء : أَيْ مُفَتَّحَة الْأَبْوَاب ثُمَّ جِئْت بِالتَّنْوِينِ فَنَصَبْت . وَأَنْشَدَ هُوَ وَسِيبَوَيْهِ : وَنَأْخُذُ بَعْدَهُ بِذِنَابِ عَيْشٍ أَجَبَّ الظَّهْرِ لَيْسَ لَهُ سَنَامُ وَإِنَّمَا قَالَ : " مُفَتَّحَة " وَلَمْ يَقُلْ مَفْتُوحَة ; لِأَنَّهَا تُفْتَح لَهُمْ بِالْأَمْرِ لَا بِالْمَسِّ . قَالَ الْحَسَن : تُكَلَّم : اِنْفَتِحِي فَتَنْفَتِح اِنْغَلِقِي فَتَنْغَلِق . وَقِيلَ : تَفْتَح لَهُمْ الْمَلَائِكَة الْأَبْوَاب .
" مُفَتَّحَة " حَال " لَهُمْ الْأَبْوَاب " رُفِعَتْ الْأَبْوَاب لِأَنَّهُ اِسْم مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله . قَالَ الزَّجَّاج : أَيْ مُفَتَّحَة لَهُمْ الْأَبْوَاب مِنْهَا . وَقَالَ الْفَرَّاء : مُفَتَّحَة لَهُمْ أَبْوَابهَا . وَأَجَازَ الْفَرَّاء : " مُفَتَّحَةً لَهُمْ الْأَبْوَاب " بِالنَّصْبِ . قَالَ الْفَرَّاء : أَيْ مُفَتَّحَة الْأَبْوَاب ثُمَّ جِئْت بِالتَّنْوِينِ فَنَصَبْت . وَأَنْشَدَ هُوَ وَسِيبَوَيْهِ : وَنَأْخُذُ بَعْدَهُ بِذِنَابِ عَيْشٍ أَجَبَّ الظَّهْرِ لَيْسَ لَهُ سَنَامُ وَإِنَّمَا قَالَ : " مُفَتَّحَة " وَلَمْ يَقُلْ مَفْتُوحَة ; لِأَنَّهَا تُفْتَح لَهُمْ بِالْأَمْرِ لَا بِالْمَسِّ . قَالَ الْحَسَن : تُكَلَّم : اِنْفَتِحِي فَتَنْفَتِح اِنْغَلِقِي فَتَنْغَلِق . وَقِيلَ : تَفْتَح لَهُمْ الْمَلَائِكَة الْأَبْوَاب .
هُوَ حَال قُدِّمَتْ عَلَى الْعَامِل فِيهَا وَهُوَ قَوْله : " يَدْعُونَ فِيهَا "
أَيْ يَدْعُونَ فِي الْجَنَّات مُتَّكِئِينَ فِيهَا .
أَيْ بِأَلْوَانِ الْفَوَاكِه
أَيْ وَشَرَاب كَثِير فَحُذِفَ لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ .
أَيْ يَدْعُونَ فِي الْجَنَّات مُتَّكِئِينَ فِيهَا .
أَيْ بِأَلْوَانِ الْفَوَاكِه
أَيْ وَشَرَاب كَثِير فَحُذِفَ لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ .
أَيْ عَلَى أَزْوَاجهنَّ لَا يَنْظُرْنَ إِلَى غَيْرهمْ ; وَقَد مَضَى فِي الصَّافَات .
أَيْ عَلَى سِنّ وَاحِد . وَمِيلَاد اِمْرَأَة وَاحِدَة , وَقَدْ تَسَاوَيْنَ فِي الْحُسْن وَالشَّبَاب , بَنَات ثَلَاث وَثَلَاثِينَ سَنَة . قَالَ اِبْن عَبَّاس : يُرِيد الْآدَمِيَّات . وَ " أَتْرَاب " جَمْع تِرْب وَهُوَ نَعْت لِقَاصِرَاتٍ ; لِأَنَّ " قَاصِرَات " نَكِرَة وَإِنْ كَانَ مُضَافًا إِلَى الْمَعْرِفَة . وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْأَلِف وَاللَّام يَدْخُلَانِهِ كَمَا قَالَ : مِنْ الْقَاصِرَاتِ الطَّرْفِ لَوْ دَبَّ مُحْوِلٌ مِنْ الذَّرِّ فَوْق الْإِتْبِ مِنْهَا لَأَثَّرَا
أَيْ عَلَى سِنّ وَاحِد . وَمِيلَاد اِمْرَأَة وَاحِدَة , وَقَدْ تَسَاوَيْنَ فِي الْحُسْن وَالشَّبَاب , بَنَات ثَلَاث وَثَلَاثِينَ سَنَة . قَالَ اِبْن عَبَّاس : يُرِيد الْآدَمِيَّات . وَ " أَتْرَاب " جَمْع تِرْب وَهُوَ نَعْت لِقَاصِرَاتٍ ; لِأَنَّ " قَاصِرَات " نَكِرَة وَإِنْ كَانَ مُضَافًا إِلَى الْمَعْرِفَة . وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْأَلِف وَاللَّام يَدْخُلَانِهِ كَمَا قَالَ : مِنْ الْقَاصِرَاتِ الطَّرْفِ لَوْ دَبَّ مُحْوِلٌ مِنْ الذَّرِّ فَوْق الْإِتْبِ مِنْهَا لَأَثَّرَا
أَيْ هَذَا الْجَزَاء الَّذِي وُعِدْتُمْ بِهِ . وَقِرَاءَة الْعَامَّة بِالتَّاءِ أَيْ مَا تُوعَدُونَ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير وَابْن مُحَيْصِن وَأَبُو عَمْرو وَيَعْقُوب بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَر , وَهِيَ قِرَاءَة السُّلَمِيّ وَاخْتِيَار أَبِي عُبَيْد وَأَبِي حَاتِم ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآب " فَهُوَ خَبَر . " لِيَوْمِ الْحِسَاب " أَيْ فِي يَوْم الْحِسَاب , قَالَ الْأَعْشَى : الْمُهِينِينَ مَا لَهُمْ لِزَمَانِ السُّوءِ حَتَّى إِذَا أَفَاقَ أَفَاقُوا أَيْ فِي زَمَان السُّوء .
دَلِيل عَلَى أَنَّ نَعِيم الْجَنَّة دَائِم لَا يَنْقَطِع ; كَمَا قَالَ : " عَطَاء غَيْر مَجْذُوذ " [ هُود : 108 ] وَقَالَ : " لَهُمْ أَجْر غَيْر مَمْنُون " [ التِّين : 6 ] .
لَمَّا ذَكَرَ مَا لِلْمُتَّقِينَ ذَكَرَ مَا لِلطَّاغِينَ قَالَ الزَّجَّاج : " هَذَا " خَبَر اِبْتِدَاء مَحْذُوف أَيْ الْأَمْر هَذَا فَيُوقَف عَلَى " هَذَا " قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : " هَذَا " وَقْف حَسَن .
ثُمَّ تَبْتَدِئ " وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ " وَهُمْ الَّذِينَ كَذَّبُوا الرُّسُل .
أَيْ مُنْقَلَب يَصِيرُونَ إِلَيْهِ .
ثُمَّ تَبْتَدِئ " وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ " وَهُمْ الَّذِينَ كَذَّبُوا الرُّسُل .
أَيْ مُنْقَلَب يَصِيرُونَ إِلَيْهِ .
أَيْ بِئْسَ مَا مَهَّدُوا لِأَنْفُسِهِمْ , أَوْ بِئْسَ الْفِرَاش لَهُمْ . وَمِنْهُ مَهْد الصَّبِيّ . وَقِيلَ : فِيهِ حَذْف أَيْ بِئْسَ مَوْضِع الْمِهَاد . وَقِيلَ : أَيْ هَذَا الَّذِي وَصَفْت لِهَؤُلَاءِ الْمُتَّقِينَ , ثُمَّ قَالَ : وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَرْجِع فَيُوقَف عَلَى " هَذَا " أَيْضًا .
" هَذَا " فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَره " حَمِيم " عَلَى التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير ; أَيْ هَذَا حَمِيم وَغَسَّاق فَلْيَذُوقُوهُ . وَلَا يُوقَف عَلَى " فَلْيَذُوقُوهُ " وَيَجُوز أَنْ يَكُون " هَذَا " فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ وَ " فَلْيَذُوقُوهُ " فِي مَوْضِع الْخَبَر , وَدَخَلَتْ الْفَاء لِلتَّنْبِيهِ الَّذِي فِي " هَذَا " فَيُوقَف عَلَى " فَلْيَذُوقُوهُ " وَيَرْتَفِع " حَمِيم " عَلَى تَقْدِير هَذَا حَمِيم . قَالَ النَّحَّاس : وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمَعْنَى الْأَمْر هَذَا , وَحَمِيم وَغَسَّاق إِذَا لَمْ تَجْعَلهُمَا خَبَرًا فَرَفْعهمَا عَلَى مَعْنَى هُوَ حَمِيم وَغَسَّاق . وَالْفَرَّاء يَرْفَعُهُمَا بِمَعْنَى مِنْهُ حَمِيم وَمِنْهُ غَسَّاق وَأَنْشَدَ : حَتَّى إِذَا مَا أَضَاءَ الصُّبْحُ فِي غَلَسٍ وَغُودِرَ الْبَقْلُ مَلْوِيٌّ وَمَحْصُودُ وَقَالَ آخَر : لَهَا مَتَاعٌ وَأَعْوَانٌ غَدَوْنَ بِهِ قِتْبٌ وَغَرْبٌ إِذَا مَا أُفْرِغَ اِنْسَحَقَا وَيَجُوز أَنْ يَكُون " هَذَا " فِي مَوْضِع نَصْب بِإِضْمَارِ فِعْل يُفَسِّرهُ " فَلْيَذُوقُوهُ " كَمَا تَقُول زَيْدًا اِضْرِبْهُ . وَالنَّصْب فِي هَذَا أَوْلَى فَيُوقَف عَلَى " فَلْيَذُوقُوهُ " وَتَبْتَدِئ " حَمِيم وَغَسَّاق " عَلَى تَقْدِير الْأَمْر حَمِيم وَغَسَّاق . وَقِرَاءَة أَهْل الْمَدِينَة وَأَهْل الْبَصْرَة وَبَعْض الْكُوفِيِّينَ بِتَخْفِيفِ السِّين فِي " وَغَسَّاق " . وَقَرَأَ يَحْيَى بْن وَثَّاب وَالْأَعْمَش وَحَمْزَة وَالْكِسَائِيّ " وَغَسَّاق " بِالتَّشْدِيدِ , وَهُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِد فِي قَوْل الْأَخْفَش . وَقِيلَ : مَعْنَاهُمَا مُخْتَلِف ; فَمَنْ خَفَّفَ فَهُوَ اِسْم مِثْل عَذَاب وَجَوَاب وَصَوَاب , وَمَنْ شَدَّدَ قَالَ : هُوَ اِسْم فَاعِل نُقِلَ إِلَى فَعَّال لِلْمُبَالَغَةِ , نَحْو ضَرَّاب وَقَتَّال وَهُوَ فَعَّال مِنْ غَسَقَ يَغْسِقُ فَهُوَ غَسَّاق وَغَاسِق . قَالَ اِبْن عَبَّاس : هُوَ الزَّمْهَرِيرُ يُخَوِّفُهُمْ بِبَرْدِهِ . وَقَالَ مُجَاهِد وَمُقَاتِل : هُوَ الثَّلْج الْبَارِد الَّذِي قَدْ اِنْتَهَى بَرْدُهُ . وَقَالَ غَيْرهمَا . إِنَّهُ يُحْرِق بِبَرْدِهِ كَمَا يُحْرِق الْحَمِيم بِحَرِّهِ . وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو : هُوَ قَيْح غَلِيظ لَوْ وَقَعَ مِنْهُ شَيْء بِالْمَشْرِقِ لَأَنْتَنَ مَنْ فِي الْمَغْرِب , وَلَوْ وَقَعَ مِنْهُ شَيْء فِي الْمَغْرِب لَأَنْتَنَ مَنْ فِي الْمَشْرِق . وَقَالَ قَتَادَة : هُوَ مَا يَسِيل مِنْ فُرُوج الزُّنَاة وَمِنْ نَتْنِ لُحُوم الْكَفَرَة وَجُلُودهمْ مِنْ الصَّدِيد وَالْقَيْح وَالنَّتْنِ . وَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب : هُوَ عُصَارَة أَهْل النَّار . وَهَذَا الْقَوْل أَشْبَهُ بِاللُّغَةِ ; يُقَال : غَسَقَ الْجُرْح يَغْسِقُ غَسْقًا إِذَا خَرَجَ مِنْهُ مَاء أَصْفَر ; قَالَ الشَّاعِر : إِذَا مَا تَذَكَّرْت الْحَيَاةَ وَطِيبَهَا إِلَيَّ جَرَى دَمْعٌ مِنْ اللَّيْلِ غَاسِق أَيْ بَارِد . وَيُقَال : لَيْل غَاسِق ; لِأَنَّهُ أَبْرَدُ مِنْ النَّهَار . وَقَالَ السُّدِّيّ : الْغَسَّاق الَّذِي يَسِيل مِنْ أَعْيُنهمْ وَدُمُوعهمْ يُسْقَوْنَهُ مَعَ الْحَمِيم . وَقَالَ اِبْن زَيْد : الْحَمِيم دُمُوع أَعْيُنهمْ , يُجْمَع فِي حِيَاض النَّار فَيُسْقَوْنَهُ , وَالصَّدِيد الَّذِي يَخْرُج مِنْ جُلُودهمْ . وَالِاخْتِيَار عَلَى هَذَا " وَغَسَّاق " حَتَّى يَكُون مِثْل سَيَّال . وَقَالَ كَعْب : الْغَسَّاق عَيْن فِي جَهَنَّم يَسِيل إِلَيْهَا سَمُّ كُلّ ذِي حُمَّة مِنْ عَقْرَب وَحَيَّة . وَقِيلَ : هُوَ مَأْخُوذ مِنْ الظُّلْمَة وَالسَّوَاد . وَالْغَسَق أَوَّل ظُلْمَة اللَّيْل , وَقَدْ غَسَقَ اللَّيْل يَغْسِق إِذَا أَظْلَمَ . وَفِي التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَالَ ( لَوْ أَنَّ دَلْوًا مِنْ غَسَّاق يُهْرَاق فِي الدُّنْيَا لَأَنْتَنَ أَهْل الدُّنْيَا ) . قُلْت : وَهَذَا أَشْبَه عَلَى الِاشْتِقَاق الْأَوَّل كَمَا بَيَّنَّا , إِلَّا أَنَّهُ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْغَسَّاق مَعَ سَيَلَانه أَسْوَد مُظْلِمًا فَيَصِحّ الِاشْتِقَاقَانِ . وَاَللَّه أَعْلَم .
قَرَأَ أَبُو عَمْرو : " وَأُخَر " جَمْع أُخْرَى مِثْل الْكُبْرَى وَالْكُبَر . الْبَاقُونَ : " وَآخَر " مُفْرَد مُذَكَّر . وَأَنْكَرَ أَبُو عَمْرو " وَآخَر " لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " أَزْوَاج " أَيْ لَا يُخْبَرُ بِوَاحِدٍ عَنْ جَمَاعَة . وَأَنْكَرَ عَاصِم الْجَحْدَرِيّ " وَأُخَر " قَالَ : وَلَوْ كَانَتْ " وَأُخَر " لَكَانَ مِنْ شَكْلهَا . وَكِلَا الرَّدَّيْنِ لَا يَلْزَم وَالْقِرَاءَتَانِ صَحِيحَتَانِ . " وَآخَر " أَيْ وَعَذَاب آخَر سِوَى الْحَمِيم وَالْغَسَّاق . " مِنْ شَكْله " قَالَ قَتَادَة : مِنْ نَحْوه . قَالَ اِبْن مَسْعُود : هُوَ الزَّمْهَرِير . وَارْتَفَعَ " وَآخَرُ " بِالِابْتِدَاءِ وَ " أَزْوَاجٌ " مُبْتَدَأ ثَانٍ وَ " مِنْ شَكْله " خَبَره وَالْجُمْلَة خَبَر " آخَر " . وَيَجُوز أَنْ يَكُون " وَآخَر " مُبْتَدَأ وَالْخَبَر مُضْمَر دَلَّ عَلَيْهِ " هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيم وَغَسَّاق " لِأَنَّ فِيهِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ لَهُمْ , فَكَأَنَّهُ قَالَ : وَلَهُمْ آخَر وَيَكُون " مِنْ شَكْله أَزْوَاج " صِفَة لِآخَر فَالْمُبْتَدَأ مُتَخَصِّص بِالصِّفَةِ وَ " أَزْوَاج " مَرْفُوع بِالظَّرْفِ . وَمَنْ قَرَأَ " وَأُخَر " أَرَادَ وَأَنْوَاع مِنْ الْعَذَاب أُخَرُ , وَمَنْ جَمَعَ وَهُوَ يُرِيد الزَّمْهَرِير فَعَلَى أَنَّهُ جَعَلَ الزَّمْهَرِير أَجْنَاسًا فَجُمِعَ لِاخْتِلَافِ الْأَجْنَاس . أَوْ عَلَى أَنَّهُ جَعَلَ لِكُلِّ جُزْء مِنْهُ زَمْهَرِيرًا ثُمَّ جُمِعَ كَمَا قَالُوا : شَابَتْ مَفَارِقُهُ . أَوْ عَلَى أَنَّهُ جَمْع لِمَا فِي الْكَلَام مِنْ الدَّلَالَة عَلَى جَوَاز الْجَمْع ; لِأَنَّهُ جَعَلَ الزَّمْهَرِير الَّذِي هُوَ نِهَايَة الْبَرْد بِإِزَاءِ الْجَمْع فِي قَوْل : " هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيم وَغَسَّاق " وَالضَّمِير فِي " شَكْله " يَجُوز أَنْ يَعُود عَلَى الْحَمِيم أَوْ الْغَسَّاق . أَوْ عَلَى مَعْنَى " وَآخَر مِنْ شَكْله " مَا ذَكَرْنَا , وَرُفِعَ " أُخَر " عَلَى قِرَاءَة الْجَمْع بِالِابْتِدَاءِ وَ " مِنْ شَكْله " صِفَة لَهُ وَفِيهِ ذِكْر يَعُود عَلَى الْمُبْتَدَإِ وَ " أَزْوَاج " خَبَر الْمُبْتَدَإِ . وَلَا يَجُوز أَنْ يُحْمَل عَلَى تَقْدِير وَلَهُمْ أُخَر وَ " مِنْ شَكْله " صِفَة لِأُخَرَ وَ " أَزْوَاج " مُرْتَفِعَة بِالظَّرْفِ كَمَا جَازَ فِي الْإِفْرَاد ; لِأَنَّ الصِّفَة لَا ضَمِير فِيهَا مِنْ حَيْثُ اِرْتَفَعَ " أَزْوَاج " مُفْرَد , قَالَهُ أَبُو عَلِيّ . وَ " أَزْوَاج " أَيْ أَصْنَاف وَأَلْوَان مِنْ الْعَذَاب . وَقَالَ يَعْقُوب : الشَّكْل بِالْفَتْحِ الْمِثْل وَبِالْكَسْرِ الدَّلّ .
قَالَ اِبْن عَبَّاس : هُوَ أَنَّ الْقَادَة إِذَا دَخَلُوا النَّار ثُمَّ دَخَلَ بَعْدهمْ الْأَتْبَاع , قَالَتْ الْخَزَنَة لِلْقَادَةِ : " هَذَا فَوْج " يَعْنِي الْأَتْبَاع وَالْفَوْج الْجَمَاعَة " مُقْتَحِم مَعَكُمْ " أَيْ دَاخِل النَّار مَعَكُمْ ; فَقَالَتْ السَّادَة : " لَا مَرْحَبًا بِهِمْ "
أَيْ لَا اِتَّسَعَتْ مَنَازِلهمْ فِي النَّار . وَالرَّحْب السَّعَة , وَمِنْهُ رَحْبَةُ الْمَسْجِد وَغَيْره . وَهُوَ فِي مَذْهَب الدُّعَاء فَلِذَلِكَ نُصِبَ ; قَالَ النَّابِغَة : لَا مَرْحَبًا بِغَدٍ وَلَا أَهْلًا بِهِ إِنْ كَانَ تَفْرِيقُ الْأَحِبَّةِ فِي غَدٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدَة الْعَرَب تَقُول : لَا مَرْحَبًا بِك ; أَيْ لَا رَحُبَتْ عَلَيْك الْأَرْض وَلَا اِتَّسَعَتْ .
قِيلَ : هُوَ مِنْ قَوْل الْقَادَة , أَيْ إِنَّهُمْ صَالُو النَّار كَمَا صَلَيْنَاهَا . وَقِيلَ : هُوَ مِنْ قَوْل الْمَلَائِكَة مُتَّصِل بِقَوْلِهِمْ : " هَذَا فَوْج مُقْتَحِم مَعَكُمْ "
أَيْ لَا اِتَّسَعَتْ مَنَازِلهمْ فِي النَّار . وَالرَّحْب السَّعَة , وَمِنْهُ رَحْبَةُ الْمَسْجِد وَغَيْره . وَهُوَ فِي مَذْهَب الدُّعَاء فَلِذَلِكَ نُصِبَ ; قَالَ النَّابِغَة : لَا مَرْحَبًا بِغَدٍ وَلَا أَهْلًا بِهِ إِنْ كَانَ تَفْرِيقُ الْأَحِبَّةِ فِي غَدٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدَة الْعَرَب تَقُول : لَا مَرْحَبًا بِك ; أَيْ لَا رَحُبَتْ عَلَيْك الْأَرْض وَلَا اِتَّسَعَتْ .
قِيلَ : هُوَ مِنْ قَوْل الْقَادَة , أَيْ إِنَّهُمْ صَالُو النَّار كَمَا صَلَيْنَاهَا . وَقِيلَ : هُوَ مِنْ قَوْل الْمَلَائِكَة مُتَّصِل بِقَوْلِهِمْ : " هَذَا فَوْج مُقْتَحِم مَعَكُمْ "
هُوَ مِنْ قَوْل الْأَتْبَاع وَحَكَى النَّقَّاش : أَنَّ الْفَوْج الْأَوَّل قَادَة الْمُشْرِكِينَ وَمُطْعِمُوهُمْ يَوْم بَدْر , وَالْفَوْج الثَّانِي أَتْبَاعُهُمْ بِبَدْرٍ وَالظَّاهِر مِنْ الْآيَة أَنَّهَا عَامَّة فِي كُلّ تَابِع وَمَتْبُوع .
أَيْ دَعَوْتُمُونَا إِلَى الْعِصْيَان
لَنَا وَلَكُمْ
أَيْ دَعَوْتُمُونَا إِلَى الْعِصْيَان
لَنَا وَلَكُمْ