الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَسورة غافر الآية رقم 61
" جَعَلَ " هُنَا بِمَعْنَى خَلَقَ ; وَالْعَرَب تُفَرِّقُ بَيْن جَعَلَ إِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى خَلَقَ وَبَيْن جَعَلَ إِذَا لَمْ تَكُنْ بِمَعْنَى خَلَقَ ; فَإِذَا كَانَتْ بِمَعْنَى خَلَقَ فَلَا تُعَدِّيهَا إِلَّا إِلَى مَفْعُول وَاحِد , وَإِذَا لَمْ تَكُنْ بِمَعْنَى خَلَقَ عَدَّتْهَا إِلَى مَفْعُولَيْنِ ; نَحْو قَوْله : إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا " وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي غَيْر مَوْضِع .

أَيْ مُضِيئًا لِتُبْصِرُوا فِيهِ حَوَائِجكُمْ وَتَتَصَرَّفُوا فِي طَلَبِ مَعَايِشكُمْ .

فَضْلَهُ وَإِنْعَامَهُ عَلَيْهِمْ .
ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لّا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَسورة غافر الآية رقم 62
بَيَّنَ الدَّلَالَة عَلَى وَحْدَانِيّته وَقُدْرَته .

أَيْ كَيْف تَنْقَلِبُونَ وَتَنْصَرِفُونَ عَنْ الْإِيمَان بَعْد أَنْ تَبَيَّنَتْ لَكُمْ دَلَائِله كَذَلِكَ ; أَيْ كَمَا صُرِفْتُمْ عَنْ الْحَقّ مَعَ قِيَام الدَّلِيل عَلَيْهِ
كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَسورة غافر الآية رقم 63
" كَذَلِكَ يُؤْفَك " يُصْرَف عَنْ الْحَقّ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّه يَجْحَدُونَ .
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَسورة غافر الآية رقم 64
زَادَ فِي تَأْكِيد التَّعْرِيف وَالدَّلِيل ; أَيْ جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْض مُسْتَقَرًّا لَكُمْ فِي حَيَاتكُمْ وَبَعْد الْمَوْت .

السَّمَاء لِلْأَرْضِ كَالسَّقْفِ لِلْبَيْتِ ; وَلِهَذَا قَالَ وَقَوْله الْحَقّ " وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَحْفُوظًا " [ الْأَنْبِيَاء : 32 ] وَكُلّ مَا عَلَا فَأَظَلَّ قِيلَ لَهُ سَمَاء ; وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْل فِيهِ وَالْوَقْف عَلَى " بِنَاء " أَحْسَنُ , وَيُقَال : بَنَى فُلَان بَيْتًا , وَبَنَى عَلَى أَهْله - بِنَاء فِيهِمَا - أَيْ زَفَّهَا . وَالْعَامَّة تَقُول : بَنَى بِأَهْلِهِ , وَهُوَ خَطَأ , وَكَأَنَّ الْأَصْل فِيهِ أَنَّ الدَّاخِل بِأَهْلِهِ كَانَ يَضْرِبُ عَلَيْهَا قُبَّة لَيْلَةَ دُحُوله بِهَا ; فَقِيلَ لِكُلِّ دَاخِل بِأَهْلِهِ : بَانٍ . وَبَنَى ( مَقْصُورًا ) شُدِّدَ لِلْكَثْرَةِ , وَابْتَنَى دَارًا وَبَنَى بِمَعْنًى ; وَمِنْهُ بُنْيَان الْحَائِط , وَأَصْله وَضَعَ لَبِنَةً عَلَى أُخْرَى حَتَّى تَثْبُتَ .

أَيْ خَلَقَكُمْ فِي أَحْسَن صُورَة . وَقَرَأَ أَبُو رَزِين وَالْأَشْهَب الْعُقَيْلِيّ " صِوَرَكُمْ " بِكَسْرِ الصَّاد ; قَالَ الْجَوْهَرِيّ : وَالصِّوَر بِكَسْرِ الصَّاد لُغَة فِي الصُّوَر جَمْع صُورَة , وَيُنْشَد هَذَا الْبَيْت عَلَى هَذِهِ اللُّغَة يَصِف الْجَوَارِي قَائِلًا : أَشْبَهْنَ مِنْ بَقَرِ الْخَلْصَاءِ أَعْيُنَهَا وَهُنَّ أَحْسَنُ مِنْ صِيرَانِهَا صِوَرَا وَالصِّيرَان جَمْع صِوَار وَهُوَ الْقَطِيع مِنْ الْبَقَر وَالصِّوَار أَيْضًا وِعَاء الْمِسْك وَقَدْ جَمَعَهُمَا الشَّاعِر بِقَوْلِهِ : إِذَا لَاحَ الصِّوَار ذَكَرْت لَيْلَى وَأَذْكُرُهَا إِذَا نُفِخَ الصِّوَار وَالصِّيَار لُغَة فِيهِ .

الثِّمَار وَالْحُبُوب وَالْحَيَوَان

" تَبَارَكَ " تَفَاعَلَ , مِنْ الْبَرَكَة وَهِيَ الْكَثْرَة وَالْاتِّسَاع . يُقَال : بُورِكَ الشَّيْء وَبُورِكَ فِيهِ ; قَالَ اِبْن عَرَفَة . وَقَالَ الْأَزْهَرِيّ : " تَبَارَكَ " تَعَالَى وَتَعَاظَمَ وَارْتَفَعَ . وَقِيلَ : إِنَّ بِاسْمِهِ يُتَبَرَّك وَيُتَيَمَّن . وَقَدْ مَضَى فِي الْفَاتِحَة مَعْنَى " رَبّ الْعَالَمِينَ " [ الْفَاتِحَة : 1 ] .
هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَسورة غافر الآية رقم 65
أَيْ الْبَاقِي الَّذِي لَا يَمُوت

أَيْ مُخْلِصِينَ لَهُ الطَّاعَة وَالْعِبَادَة .

قَالَ الْفَرَّاء : هُوَ خَبَر وَفِيهِ إِضْمَار أَمْر أَيْ اُدْعُوهُ وَاحْمَدُوهُ . وَقَدْ مَضَى هَذَا كُلّه مُسْتَوْفًى فِي " الْبَقَرَة " وَغَيْرهَا . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : مَنْ قَالَ : " لَا إِلَه إِلَّا اللَّه " فَلْيَقُلْ " الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ " .
قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَسورة غافر الآية رقم 66
أَيْ قُلْ يَا مُحَمَّد : نَهَانِي اللَّه الَّذِي هُوَ الْحَيّ الْقَيُّوم وَلَا إِلَه غَيْره " أَنْ أَعْبُد " غَيْره .

أَيْ دَلَائِل تَوْحِيده

أَذِلَّ وَأَخْضَعَ " لِرَبِّ الْعَالَمِينَ " وَكَانُوا دَعَوْهُ إِلَى دِين آبَائِهِ , فَأُمِرَ أَنْ يَقُول هَذَا .
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَسورة غافر الآية رقم 67
" خَلَقَكُمْ " أَيْ خَلَقَ أَبَاكُمْ الَّذِي هُوَ أَصْل الْبَشَر , يَعْنِي آدَم عَلَيْهِ السَّلَام " مِنْ تُرَاب " . " ثُمَّ " خَلَقْنَا ذُرِّيَّتَهُ . " مِنْ نُطْفَة " وَهُوَ الْمَنِيّ ; سُمِّيَ نُطْفَة لِقِلَّتِهِ , وَهُوَ الْقَلِيل مِنْ الْمَاء , وَقَدْ يَقَع عَلَى الْكَثِير مِنْهُ ; وَمِنْهُ الْحَدِيث ( حَتَّى يَسِير الرَّاكِب بَيْن النُّطْفَتَيْنِ لَا يَخْشَى جَوْرًا ) . أَرَادَ بَحْر الْمَشْرِق وَبَحْر الْمَغْرِب . وَالنَّطْف : الْقَطْر . نَطَفَ يَنْطِف وَيَنْطَف . وَلَيْلَة نَطُوفَة دَائِمَة الْقَطْر . " ثُمَّ مِنْ عَلَقَة " وَهُوَ الدَّم الْجَامِد . وَالْعَلَق الدَّم الْعَبِيط ; أَيْ الطَّرِيّ . وَقِيلَ : الشَّدِيد الْحُمْرَة . النُّطْفَة لَيْسَتْ بِشَيْءٍ يَقِينًا , وَلَا يَتَعَلَّق بِهَا حُكْم إِذَا أَلْقَتْهَا الْمَرْأَة إِذَا لَمْ تَجْتَمِع فِي الرَّحِم , فَهِيَ كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي صُلْب الرَّجُل ; فَإِذَا طَرَحَتْهُ عَلَقَة فَقَدْ تَحَقَّقْنَا أَنَّ النُّطْفَة قَدْ اِسْتَقَرَّتْ وَاجْتَمَعَتْ وَاسْتَحَالَتْ إِلَى أَوَّل أَحْوَال يَتَحَقَّق بِهِ أَنَّهُ وَلَد . وَعَلَى هَذَا فَيَكُون وَضْع الْعَلَقَة فَمَا فَوْقهَا مِنْ الْمُضْغَة وَضْع حَمْل تَبْرَأ بِهِ الرَّحِم , وَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّة , وَيَثْبُت بِهِ لَهَا حُكْم أُمّ الْوَلَد . وَهَذَا مَذْهَب مَالِك رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَأَصْحَابه . وَقَالَ الشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : لَا اِعْتِبَار بِإِسْقَاطِ الْعَلَقَة , وَإِنَّمَا الِاعْتِبَار بِظُهُورِ الصُّورَة وَالتَّخْطِيط ; فَإِنْ خَفِيَ التَّخْطِيط , وَكَانَ لَحْمًا فَقَوْلَانِ بِالنَّقْلِ وَالتَّخْرِيج , وَالْمَنْصُوص أَنَّهُ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّة وَلَا تَكُون أُمّ وَلَد . قَالُوا : لِأَنَّ الْعِدَّة تَنْقَضِي بِالدَّمِ الْجَارِي , فَبِغَيْرِهِ أَوْلَى .

أَيْ أَطْفَالًا .

وَهِيَ حَالَة اِجْتِمَاع الْقُوَّة وَتَمَام الْعَقْل . وَقَدْ مَضَى فِي [ الْأَنْعَام ] بَيَانه .

بِضَمِّ الشِّين قِرَاءَة نَافِع وَابْن مُحَيْصِن وَحَفْص وَهِشَام وَيَعْقُوب وَأَبُو عَمْرو عَلَى الْأَصْل ; لِأَنَّهُ جَمْع فَعْل , نَحْو : قَلْب وَقُلُوب وَرَأْس وَرُءُوس . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِكَسْرِ الشِّين لِمُرَاعَاةِ الْيَاء وَكِلَاهُمَا جَمْع كَثْرَة , وَفِي الْعَدَد الْقَلِيل أَشْيَاخ وَالْأَصْل أَشْيُخٌ ; مِثْل فَلْس وَأَفْلُس إِلَّا أَنَّ الْحَرَكَة فِي الْيَاء ثَقِيلَة . وَقُرِئَ " شَيْخًا " عَلَى التَّوْحِيد ; كَقَوْلِهِ : " طِفْلًا " وَالْمَعْنَى كُلّ وَاحِد مِنْكُمْ ; وَاقْتَصَرَ عَلَى الْوَاحِد لِأَنَّ الْغَرَض بَيَان الْجِنْس . وَفِي الصِّحَاح : جَمْع الشَّيْخ شُيُوخ وَأَشْيَاخ وَشَيْخَة وَشِيخَان وَمَشْيَخَة وَمَشَايِخ وَمَشْيُوخَاءُ , وَالْمَرْأَة شَيْخَة . قَالَ عَبِيد : كَأَنَّهَا شَيْخَةٌ رَقُوب وَقَدْ شَاخَ الرَّجُل يَشِيخ شَيَخًا بِالتَّحْرِيكِ عَلَى أَصْله وَشَيْخُوخَة , وَأَصْل الْيَاء مُتَحَرِّكَة فَسَكَنَتْ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكَلَام فَعَلُول . وَشَيَّخَ تَشْيِيخًا أَيْ شَاخَ . وَشَيَّخْتُهُ دَعَوْته شَيْخًا لِلتَّبْجِيلِ . وَتَصْغِير الشَّيْخ شُيَيْخٌ وَشِيَيْخٌ أَيْضًا بِكَسْرِ الشِّين وَلَا تَقُلْ شُوَيْخ النَّحَّاس : وَإِنْ اُضْطُرَّ شَاعِر جَازَ أَنْ يَقُول أَشْيُخٌ مِثْل عَيْن وَأَعْيُن إِلَّا أَنَّهُ حَسَن فِي عَيْن ; لِأَنَّهَا مُؤَنَّثَة . وَالشَّيْخ مَنْ جَاوَزَ أَرْبَعِينَ سَنَة .

قَالَ مُجَاهِد : أَيْ مِنْ قَبْل أَنْ يَكُون شَيْخًا , أَوْ مِنْ قَبْل هَذِهِ الْأَحْوَال إِذَا خَرَجَ سِقْطًا .

قَالَ مُجَاهِد : الْمَوْت لِلْكُلِّ . وَاللَّام لَام الْعَاقِبَة .

تَعْقِلُونَ ذَلِكَ فَتَعْلَمُوا أَنْ لَا إِلَه غَيْره .
هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُسورة غافر الآية رقم 68
زَادَ فِي التَّنْبِيه أَيْ هُوَ الَّذِي يَقْدِر عَلَى الْإِحْيَاء وَالْإِمَاتَة .

أَيْ أَرَادَ فِعْلَهُ

وَنَصَبَ " فَيَكُون " اِبْن عَامِر عَلَى جَوَاب الْأَمْر . وَقَدْ مَضَى فِي [ الْبَقَرَة ] الْقَوْل فِيهِ .
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَسورة غافر الآية رقم 69
قَالَ اِبْن زَيْد : هُمْ الْمُشْرِكُونَ بِدَلِيلِ قَوْله : " الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلنَا " . وَقَالَ أَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ : نَزَلَتْ فِي الْقَدَرِيَّة . قَالَ اِبْن سِيرِينَ : إِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي الْقَدَرِيَّة فَلَا أَدْرِي فِيمَنْ نَزَلَتْ .
الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَسورة غافر الآية رقم 70
قَالَ أَبُو قَبِيل : لَا أَحْسِب الْمُكَذِّبِينَ بِالْقَدَرِ إِلَّا الَّذِينَ يُجَادِلُونَ الَّذِينَ آمَنُوا . وَقَالَ عُقْبَة بْن عَامِر : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي الْقَدَرِيَّة ) ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ .
إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَسورة غافر الآية رقم 71
أَيْ عَنْ قَرِيب يَعْلَمُونَ بُطْلَان مَا هُمْ فِيهِ إِذَا دَخَلُوا النَّار وَغُلَّتْ أَيْدِيهمْ إِلَى أَعْنَاقهمْ . قَالَ التَّيْمِيّ : لَوْ أَنَّ غُلًّا مِنْ أَغْلَال جَهَنَّم وُضِعَ عَلَى جَبَل لَوَهَصَهُ حَتَّى يَبْلُغ الْمَاء الْأَسْوَد .

بِالرَّفْعِ قِرَاءَة الْعَامَّة عَطْفًا عَلَى الْأَغْلَال . قَالَ أَبُو حَاتِم : " يُسْحَبُونَ " مُسْتَأْنَف عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة . وَقَالَ غَيْره : هُوَ فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْحَال , وَالتَّقْدِير : " إِذْ الْأَغْلَال فِي أَعْنَاقهمْ وَالسَّلَاسِل " مَسْحُوبِينَ . وَقَرَأَ اِبْن عَبَّاس وَأَبُو الْجَوْزَاء وَعِكْرِمَة وَابْن مَسْعُود " وَالسَّلَاسِلَ " بِالنَّصْبِ " يَسْحَبُونَ " بِفَتْحِ الْيَاء وَالتَّقْدِير فِي هَذِهِ الْقِرَاءَة وَيَسْحَبُونَ السَّلَاسِلَ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : إِذَا كَانُوا يَجُرُّونَهَا فَهُوَ أَشَدُّ عَلَيْهِمْ وَحُكِيَ عَنْ بَعْضهمْ " وَالسَّلَاسِلِ " بِالْجَرِّ وَوَجْهه أَنَّهُ مَحْمُول عَلَى الْمَعْنَى ; لِأَنَّ الْمَعْنَى أَعْنَاقهمْ فِي الْأَغْلَال وَالسَّلَاسِل ; قَالَهُ الْفَرَّاء . وَقَالَ الزَّجَّاج : وَمَنْ قَرَأَ " وَالسَّلَاسِل يُسْحَبُونَ " بِالْخَفْضِ فَالْمَعْنَى عِنْده وَفِي " السَّلَاسِل يُسْحَبُونَ " . قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : وَالْخَفْض عَلَى هَذَا الْمَعْنَى غَيْر جَائِز ; لِأَنَّك إِذَا قُلْت زَيْد فِي الدَّار لَمْ يَحْسُنْ أَنْ تُضْمِر " فِي " فَتَقُول زَيْد الدَّار , وَلَكِنَّ الْخَفْض جَائِز . عَلَى مَعْنَى إِذْ أَعْنَاقهمْ فِي الْأَغْلَال وَالسَّلَاسِل , فَتَخْفِض السَّلَاسِل عَلَى النَّسَق عَلَى تَأْوِيل الْأَغْلَال ; لِأَنَّ الْأَغْلَال فِي تَأْوِيل الْخَفْض ; كَمَا تَقُول : خَاصَمَ عَبْدُ اللَّه زَيْدًا الْعَاقِلَيْنِ فَتَنْصِبُ الْعَاقِلَيْنِ . وَيَجُوزُ رَفْعُهُمَا ; لِأَنَّ أَحَدهمَا إِذَا خَاصَمَ صَاحِبَهُ فَقَدْ خَاصَمَهُ صَاحِبه ; أَنْشَدَ الْفَرَّاء : قَدْ سَالَمَ الْحَيَّاتِ مِنْهُ الْقَدَمَا الْأُفْعُوَانَ وَالشُّجَاعَ الشَّجْعَمَا فَنَصَبَ الْأُفْعُوَانَ عَلَى الْإِتْبَاع لِلْحَيَّاتِ إِذَا سَالَمَتْ الْقَدَمَ فَقَدْ سَالَمَتْهَا الْقَدَمُ . فَمَنْ نَصَبَ السَّلَاسِل أَوْ خَفَضَهَا لَمْ يَقِف عَلَيْهَا .
فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَسورة غافر الآية رقم 72
الْمُتَنَاهِي فِي الْحَرّ . وَقِيلَ : الصَّدِيد الْمَغْلِيّ .

أَيْ يُطْرَحُونَ فِيهَا فَيَكُونُونَ وَقُودًا لَهَا ; قَالَ مُجَاهِد . يُقَال : سَجَرْت التَّنُّور أَيْ أَوْقَدْته , وَسَجَرْته مَلَأْته ; وَمِنْهُ " وَالْبَحْر الْمَسْجُور " [ الطُّور : 6 ] أَيْ الْمَمْلُوء . فَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا تُمْلَأ بِهِمْ النَّار وَقَالَ الشَّاعِر يَصِف وَعْلًا : إِذَا شَاءَ طَالَعَ مَسْجُورَةً تَرَى حَوْلَهَا النَّبْعَ وَالسِّمْسِمَا أَيْ عَيْنًا مَمْلُوءَة .
ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَسورة غافر الآية رقم 73
وَهَذَا تَقْرِيع وَتَوْبِيخ .
مِن دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَل لَّمْ نَكُن نَّدْعُو مِن قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَسورة غافر الآية رقم 74
مِنْ الْأَصْنَام وَغَيْرهَا

أَيْ هَلَكُوا وَذَهَبُوا عَنَّا وَتَرَكُونَا فِي الْعَذَاب ; مِنْ ضَلَّ الْمَاء فِي اللَّبَن أَيْ خَفِيَ . وَقِيلَ : أَيْ صَارُوا بِحَيْثُ لَا نَجِدهُمْ .

أَيْ شَيْئًا لَا يُبْصِر وَلَا يَسْمَع وَلَا يَضُرّ وَلَا يَنْفَع . وَلَيْسَ هَذَا إِنْكَارًا لِعِبَادَةِ الْأَصْنَام , بَلْ هُوَ اِعْتِرَاف بِأَنَّ عِبَادَتهمْ الْأَصْنَام كَانَتْ بَاطِلَة ;

أَيْ كَمَا فَعَلَ بِهَؤُلَاءِ مِنْ الْإِضْلَال يَفْعَل بِكُلِّ كَافِر .
ذَلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَسورة غافر الآية رقم 75
أَيْ ذَلِكُمْ الْعَذَاب

بِالْمَعَاصِي يُقَال لَهُمْ ذَلِكَ تَوْبِيخًا . أَيْ إِنَّمَا نَالَكُمْ هَذَا بِمَا كُنْتُمْ تُظْهِرُونَ فِي الدُّنْيَا مِنْ السُّرُور بِالْمَعْصِيَةِ وَكَثْرَة الْمَال وَالْأَتْبَاع وَالصِّحَّة . وَقِيلَ إِنَّ فَرَحَهُمْ بِهَا عِنْدهمْ أَنَّهُمْ قَالُوا لِلرُّسُلِ : نَحْنُ نَعْلَم أَنَّا لَا نُبْعَثُ وَلَا نُعَذَّبُ . وَكَذَا قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله جَلَّ وَعَزَّ : " فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلهمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدهمْ مِنْ الْعِلْم " [ غَافِر : 83 ] .

قَالَ مُجَاهِد وَغَيْره : أَيْ تَبْطَرُونَ وَتَأْشَرُونَ . وَقَدْ مَضَى فِي [ سُبْحَان ] بَيَانه . وَقَالَ الضَّحَّاك : الْفَرَح السُّرُور , وَالْمَرِح الْعُدْوَان . وَرَوَى خَالِد عَنْ ثَوْر عَنْ مُعَاذ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّه يُبْغِض الْبَذِخِينَ الْفَرِحِينَ وَيُحِبُّ كُلّ قَلْب حَزِين وَيُبْغِض أَهْل بَيْت لَحِمِينَ وَيُبْغِض كُلّ حَبْر سَمِين ) فَأَمَّا أَهْل بَيْت لَحِمِينَ : فَاَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُوم النَّاس بِالْغِيبَةِ . وَأَمَّا الْحَبْر السَّمِين : فَالْمُتَحَبِّر بِعِلْمِهِ وَلَا يُخْبِر بِعِلْمِهِ النَّاس ; يَعْنِي الْمُسْتَكْثِر مِنْ عِلْمه وَلَا يَنْتَفِع بِهِ النَّاس . ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَقَدْ قِيلَ فِي اللَّحِمِينَ : إِنَّهُمْ الَّذِينَ يُكْثِرُونَ أَكْل اللَّحْم ; وَمِنْهُ قَوْل عُمَر : اِتَّقُوا هَذِهِ الْمَجَازِر فَإِنَّ لَهَا ضَرَاوَةً كَضَرَاوَةِ الْخَمْر ; ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيّ . وَالْأَوَّل قَوْل سُفْيَان الثَّوْرِيّ .
ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَسورة غافر الآية رقم 76
أَيْ يُقَال لَهُمْ ذَلِكَ الْيَوْم , وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى : " لَهَا سَبْعَة أَبْوَاب " [ الْحِجْر : 44 ] .

عَنْ الْإِيمَان . وَقَدْ تَقَدَّمَ
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَسورة غافر الآية رقم 77
هَذَا تَسْلِيَة لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَام , أَيْ فَاصْبِرْ يَا مُحَمَّد عَلَى أَذَى الْمُشْرِكِينَ , كَمَا صَبَرَ مَنْ قَبْلَك

بِنَصْرِك وَإِظْهَارك , كَمَا نَصَرْت مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيل . وَقَالَ الْكَلْبِيّ : نُسِخَ هَذَا بِآيَةِ السَّيْف . أَيْ إِنَّا لَنَنْتَقِمُ لَك مِنْهُمْ إِمَّا فِي حَيَاتك أَوْ فِي الْآخِرَة .

فِي مَوْضِع جَزْم بِالشَّرْطِ وَمَا زَائِدَة لِلتَّوْكِيدِ وَكَذَا النُّون وَزَالَ الْجَزْم وَبُنِيَ الْفِعْل عَلَى الْفَتْح . " أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ " عَطْف عَلَيْهِ " فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ " الْجَوَاب .
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَسورة غافر الآية رقم 78
عَزَّاهُ أَيْضًا بِمَا لَقِيَتْ الرُّسُل مِنْ قَبْله .

أَيْ أَنْبَأْنَاك بِأَخْبَارِهِمْ وَمَا لَقُوا مِنْ قَوْمهمْ .

لَا يَأْتِي بِهَا مِنْ قِبَلِ نَفْسه وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ عِنْد اللَّه

أَيْ إِذَا جَاءَ الْوَقْت الْمُسَمَّى لِعَذَابِهِمْ أَهْلَكَهُمْ اللَّه , وَإِنَّمَا التَّأْخِير لِإِسْلَامِ مَنْ عَلِمَ اللَّه إِسْلَامه مِنْهُمْ , وَلِمَنْ فِي أَصْلَابهمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ . وَقِيلَ : أَشَارَ بِهَذَا إِلَى الْقَتْل بِبَدْرٍ .

أَيْ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الْبَاطِل وَالشِّرْك .
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَسورة غافر الآية رقم 79
قَالَ أَبُو إِسْحَاق الزَّجَّاج : الْأَنْعَام هَا هُنَا الْإِبِل .

فَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ مِنْ أَكْل الْخَيْل وَأَبَاحَ أَكَلَ الْجِمَال بِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَالَ فِي الْأَنْعَام : " وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ " وَقَالَ فِي الْخَيْل : " وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحَمِير لِتَرْكَبُوهَا " [ النَّحْل : 8 ] وَلَمْ يَذْكُر إِبَاحَة أَكْلهَا . وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي [ النَّحْل ] مُسْتَوْفًى .
وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَسورة غافر الآية رقم 80
فِي الْوَبَر وَالصُّوف وَالشَّعْر وَاللَّبَن وَالزُّبْد وَالسَّمْن وَالْجُبْن وَغَيْر ذَلِكَ .

أَيْ تَحْمِل الْأَثْقَال وَالْأَسْفَار . وَقَدْ مَضَى فِي [ النَّحْل ] بَيَان هَذَا كُلّه فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَتِهِ .

يَعْنِي الْأَنْعَام فِي الْبَرّ

فِي الْبَحْر
وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنكِرُونَسورة غافر الآية رقم 81
أَيْ آيَاته الدَّالَّة عَلَى وَحْدَانِيّته وَقُدْرَته فِيمَا ذُكِرَ .

نَصَبَ " أَيًّا " بِـ " تُنْكِرُونَ " , لِأَنَّ الِاسْتِفْهَام لَهُ صَدْر الْكَلَام فَلَا يَعْمَل فِيهِ مَا قَبْله , وَلَوْ كَانَ مَعَ الْفِعْل هَاء لَكَانَ الِاخْتِيَار فِي " أَيّ " الرَّفْع , وَلَوْ كَانَ الِاسْتِفْهَام بِأَلِفٍ أَوْ هَلْ وَكَانَ بَعْدهمَا اِسْم بَعْده فِعْل مَعَهُ هَاء لَكَانَ الِاخْتِيَار النَّصْب , أَيْ إِذَا كُنْتُمْ لَا تُنْكِرُونَ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاء مِنْ اللَّه فَلِمَ تُنْكِرُونَ قُدْرَته عَلَى الْبَعْث وَالنَّشْر .
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَسورة غافر الآية رقم 82
حَتَّى يُشَاهِدُوا آثَار الْأُمَم السَّالِفَة

كَانُوا أَكْثَر مِنْهُمْ عَدَدًا وَقُوَّة

مِنْ الْأَبْنِيَة وَالْأَمْوَال وَمَا أَدَالُوا بِهِ مِنْ الْأَوْلَاد وَالْأَتْبَاع ; يُقَال : دَلَوْت بِفُلَانٍ , إِلَيْك أَيْ اِسْتَشْفَعْت بِهِ إِلَيْك . وَعَلَى هَذَا " مَا " لِلْجَحْدِ أَيْ فَلَمْ يُغْنِ عَنْهُمْ ذَلِكَ شَيْئًا . وَقِيلَ : " مَا " لِلِاسْتِفْهَامِ أَيْ أَيُّ شَيْء أَغْنَى عَنْهُمْ كَسْبهمْ حِين هَلَكُوا وَلَمْ يَنْصَرِف " أَكْثَر " ; لِأَنَّهُ عَلَى وَزْن أَفْعَل . وَزَعَمَ الْكُوفِيُّونَ أَنَّ كُلّ مَا لَا يَنْصَرِف فَإِنَّهُ يَجُوز أَنْ يَنْصَرِف إِلَّا أَفْعَل مِنْ كَذَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوز صَرْفه بِوَجْهٍ فِي شِعْر وَلَا غَيْره إِذَا كَانَتْ مَعَهُ مِنْ . قَالَ أَبُو الْعَبَّاس : وَلَوْ كَانَتْ مِنْ الْمَانِعَة مِنْ صَرْفه لَوَجَبَ أَلَّا يُقَال : مَرَرْت بِخَيْرٍ مِنْك وَشَرّ مِنْك وَمِنْ عَمْرو .
فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَسورة غافر الآية رقم 83
أَيْ بِالْآيَاتِ الْوَاضِحَات .

فِي مَعْنَاهُ ثَلَاثَة أَقْوَال . قَالَ مُجَاهِد : إِنَّ الْكُفَّار الَّذِينَ فَرِحُوا بِمَا عِنْدهمْ مِنْ الْعِلْم قَالُوا : نَحْنُ أَعْلَمُ مِنْهُمْ لَنْ نُعَذَّبَ وَلَنْ نُبْعَثَ . وَقِيلَ : فَرِحَ الْكُفَّار بِمَا عِنْدهمْ مِنْ عِلْم الدُّنْيَا نَحْو " يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنْ الْحَيَاة الدُّنْيَا " [ الرُّوم : 7 ] . وَقِيلَ : الَّذِينَ فَرِحُوا الرُّسُل لَمَّا كَذَّبَهُمْ قَوْمُهُمْ أَعْلَمَهُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ مُهْلِكُ الْكَافِرِينَ وَمُنْجِيهمْ وَالْمُؤْمِنِينَ فَـ " فَرِحُوا بِمَا عِنْدهمْ مِنْ الْعِلْم " بِنَجَاةِ الْمُؤْمِنِينَ

أَيْ بِالْكُفَّارِ

أَيْ عِقَاب اِسْتِهْزَائِهِمْ بِمَا جَاءَ بِهِ الرُّسُل صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ .
فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَسورة غافر الآية رقم 84
أَيْ عَايَنُوا الْعَذَاب .

أَيْ آمَنَّا بِاَللَّهِ وَكَفَرْنَا بِالْأَوْثَانِ الَّتِي أَشْرَكْنَاهُمْ فِي الْعِبَادَة
فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَسورة غافر الآية رقم 85
فَلَمْ يَنْفَعْهُمْ إِيمَانهمْ بِاَللَّهِ عِنْد مُعَايَنَة الْعَذَاب وَحِين رَأَوْا الْبَأْس .

" سُنَّة اللَّه " مَصْدَر ; لِأَنَّ الْعَرَب تَقُول : سَنَّ يَسُنُّ سَنًّا وَسُنَّةً ; أَيْ سَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي الْكُفَّار أَنَّهُ لَا يَنْفَعهُمْ الْإِيمَان إِذَا رَأَوْا الْعَذَاب . وَقَدْ مَضَى هَذَا مُبَيَّنًا فِي [ النِّسَاء ] وَ [ يُونُس ] وَأَنَّ التَّوْبَة لَا تُقْبَل بَعْد رُؤْيَة الْعَذَاب وَحُصُول الْعِلْم الضَّرُورِيّ . وَقِيلَ : أَيْ اِحْذَرُوا يَا أَهْل مَكَّة سُنَّة اللَّه فِي إِهْلَاك الْكَفَرَة فَـ " سُنَّة اللَّه " مَنْصُوب عَلَى التَّحْذِير وَالْإِغْرَاء .

قَالَ الزَّجَّاج : وَقَدْ كَانُوا خَاسِرِينَ مِنْ قَبْل ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ بَيَّنَ لَنَا الْخُسْرَان لَمَّا رَأَوْا الْعَذَاب . وَقِيلَ : فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير ; أَيْ " لَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا " " وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ " كَسُنَّتِنَا فِي جَمِيع الْكَافِرِينَ فَـ " سُنَّة " نُصِبَ بِنَزْعِ الْخَافِض أَيْ كَسُنَّةِ اللَّه فِي الْأُمَم كُلّهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . تَمَّ تَفْسِيرُ سُورَةِ غَافِرٍ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ .
الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3