أَيْ قُرِّبَتْ مِنْهُمْ . وَقِيلَ : هَذَا قَبْل الدُّخُول فِي الدُّنْيَا ; أَيْ قُرِّبَتْ مِنْ قُلُوبهمْ حِين قِيلَ لَهُمْ اِجْتَنِبُوا الْمَعَاصِي . وَقِيلَ : بَعْد الدُّخُول قُرِّبَتْ لَهُمْ مَوَاضِعهمْ فِيهَا فَلَا تَبْعُد . " غَيْر بَعِيد " أَيْ مِنْهُمْ وَهَذَا تَأْكِيد .
أَيْ وَيُقَال لَهُمْ هَذَا الْجَزَاء الَّذِي وُعِدْتُمْ فِي الدُّنْيَا عَلَى أَلْسِنَة الرُّسُل . وَقِرَاءَة الْعَامَّة " تُوعَدُونَ " بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَاب . وَقَرَأَ اِبْن كَثِير بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَر ; لِأَنَّهُ أَتَى بَعْد ذِكْر الْمُتَّقِينَ .
أَوَّاب أَيْ رَجَّاع إِلَى اللَّه عَنْ الْمَعَاصِي , ثُمَّ يَرْجِع يُذْنِب ثُمَّ يَرْجِع , هَكَذَا قَالَهُ الضَّحَّاك وَغَيْره . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَعَطَاء : الْأَوَّاب الْمُسَبِّح مِنْ قَوْله : " يَا جِبَال أَوِّبِي مَعَهُ " [ سَبَأ : 10 ] . وَقَالَ الْحَكَم بْن عُتَيْبَة : هُوَ الذَّاكِر لِلَّهِ تَعَالَى فِي الْخَلْوَة . وَقَالَ الشَّعْبِيّ وَمُجَاهِد : هُوَ الَّذِي يَذْكُر ذُنُوبه فِي الْخَلْوَة فَيَسْتَغْفِر اللَّه مِنْهَا . وَهُوَ قَوْل اِبْن مَسْعُود . وَقَالَ عُبَيْد بْن عُمَيْر : هُوَ الَّذِي لَا يَجْلِس مَجْلِسًا حَتَّى يَسْتَغْفِر اللَّه تَعَالَى فِيهِ . وَعَنْهُ قَالَ : كُنَّا نُحَدَّث أَنَّ الْأَوَّاب الْحَفِيظ الَّذِي إِذَا قَامَ مِنْ مَجْلِسه قَالَ سُبْحَان اللَّه وَبِحَمْدِهِ , اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَغْفِرك مِمَّا أَصَبْت فِي مَجْلِسِي هَذَا . وَفِي الْحَدِيث : ( مَنْ قَالَ إِذَا قَامَ مِنْ مَجْلِسه سُبْحَانك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرك وَأَتُوب إِلَيْك غَفَرَ اللَّه لَهُ مَا كَانَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِس ) . وَهَكَذَا كَانَ النَّبِيّ صَلَّى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول . وَقَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : أَنَا أُحِبّ أَنْ أَقُول أَسْتَغْفِرك وَأَسْأَلك التَّوْبَة , وَلَا أُحِبّ أَنْ أَقُول وَأَتُوب إِلَيْك إِلَّا عَلَى حَقِيقَته . قُلْت : هَذَا اِسْتِحْسَان وَاتِّبَاع الْحَدِيث أَوْلَى . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق : هُوَ الْمُتَوَكِّل عَلَى اللَّه فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء . وَقَالَ الْقَاسِم : هُوَ الَّذِي لَا يَشْتَغِل إِلَّا بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . " حَفِيظ " قَالَ اِبْن عَبَّاس : هُوَ الَّذِي حَفِظَ ذُنُوبه حَتَّى يَرْجِع عَنْهَا . وَقَالَ قَتَادَة : حَفِيظ لِمَا اِسْتَوْدَعَهُ اللَّه مِنْ حَقّه وَنِعْمَته وَائْتَمَنَهُ عَلَيْهِ . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : هُوَ الْحَافِظ لِأَمْرِ اللَّه . مُجَاهِد : هُوَ الْحَافِظ لِحَقِّ اللَّه تَعَالَى بِالِاعْتِرَافِ وَلِنِعَمِهِ بِالشُّكْرِ . قَالَ الضَّحَّاك : هُوَ الْحَافِظ لِوَصِيَّةِ اللَّه تَعَالَى بِالْقَبُولِ . وَرَوَى مَكْحُول عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَع رَكَعَات مِنْ أَوَّل النَّهَار كَانَ أَوَّابًا حَفِيظًا ) ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ .
أَوَّاب أَيْ رَجَّاع إِلَى اللَّه عَنْ الْمَعَاصِي , ثُمَّ يَرْجِع يُذْنِب ثُمَّ يَرْجِع , هَكَذَا قَالَهُ الضَّحَّاك وَغَيْره . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَعَطَاء : الْأَوَّاب الْمُسَبِّح مِنْ قَوْله : " يَا جِبَال أَوِّبِي مَعَهُ " [ سَبَأ : 10 ] . وَقَالَ الْحَكَم بْن عُتَيْبَة : هُوَ الذَّاكِر لِلَّهِ تَعَالَى فِي الْخَلْوَة . وَقَالَ الشَّعْبِيّ وَمُجَاهِد : هُوَ الَّذِي يَذْكُر ذُنُوبه فِي الْخَلْوَة فَيَسْتَغْفِر اللَّه مِنْهَا . وَهُوَ قَوْل اِبْن مَسْعُود . وَقَالَ عُبَيْد بْن عُمَيْر : هُوَ الَّذِي لَا يَجْلِس مَجْلِسًا حَتَّى يَسْتَغْفِر اللَّه تَعَالَى فِيهِ . وَعَنْهُ قَالَ : كُنَّا نُحَدَّث أَنَّ الْأَوَّاب الْحَفِيظ الَّذِي إِذَا قَامَ مِنْ مَجْلِسه قَالَ سُبْحَان اللَّه وَبِحَمْدِهِ , اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَغْفِرك مِمَّا أَصَبْت فِي مَجْلِسِي هَذَا . وَفِي الْحَدِيث : ( مَنْ قَالَ إِذَا قَامَ مِنْ مَجْلِسه سُبْحَانك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرك وَأَتُوب إِلَيْك غَفَرَ اللَّه لَهُ مَا كَانَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِس ) . وَهَكَذَا كَانَ النَّبِيّ صَلَّى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول . وَقَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : أَنَا أُحِبّ أَنْ أَقُول أَسْتَغْفِرك وَأَسْأَلك التَّوْبَة , وَلَا أُحِبّ أَنْ أَقُول وَأَتُوب إِلَيْك إِلَّا عَلَى حَقِيقَته . قُلْت : هَذَا اِسْتِحْسَان وَاتِّبَاع الْحَدِيث أَوْلَى . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق : هُوَ الْمُتَوَكِّل عَلَى اللَّه فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء . وَقَالَ الْقَاسِم : هُوَ الَّذِي لَا يَشْتَغِل إِلَّا بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . " حَفِيظ " قَالَ اِبْن عَبَّاس : هُوَ الَّذِي حَفِظَ ذُنُوبه حَتَّى يَرْجِع عَنْهَا . وَقَالَ قَتَادَة : حَفِيظ لِمَا اِسْتَوْدَعَهُ اللَّه مِنْ حَقّه وَنِعْمَته وَائْتَمَنَهُ عَلَيْهِ . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : هُوَ الْحَافِظ لِأَمْرِ اللَّه . مُجَاهِد : هُوَ الْحَافِظ لِحَقِّ اللَّه تَعَالَى بِالِاعْتِرَافِ وَلِنِعَمِهِ بِالشُّكْرِ . قَالَ الضَّحَّاك : هُوَ الْحَافِظ لِوَصِيَّةِ اللَّه تَعَالَى بِالْقَبُولِ . وَرَوَى مَكْحُول عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَع رَكَعَات مِنْ أَوَّل النَّهَار كَانَ أَوَّابًا حَفِيظًا ) ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ .
" مَنْ " فِي مَحَلّ خَفْض عَلَى الْبَدَل مِنْ قَوْله : " لِكُلِّ أَوَّاب حَفِيظ " أَوْ فِي مَوْضِع الصِّفَة لِ " أَوَّاب " . وَيَجُوز الرَّفْع عَلَى الِاسْتِئْنَاف , وَالْخَبَر " اُدْخُلُوهَا " عَلَى تَقْدِير حَذْف جَوَاب الشَّرْط وَالتَّقْدِير فَيُقَال لَهُمْ : " اُدْخُلُوهَا " . وَالْخَشْيَة بِالْغَيْبِ أَنْ تَخَافهُ وَلَمْ تَرَهُ . وَقَالَ الضَّحَّاك وَالسُّدِّيّ : يَعْنِي فِي الْخَلْوَة حِين يَرَاهُ أَحَد . وَقَالَ الْحَسَن : إِذَا أَرْخَى السِّتْر وَأَغْلَقَ الْبَاب .
مُقْبِل عَلَى الطَّاعَة . وَقِيلَ : مُخْلِص . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق : عَلَامَة الْمُنِيب أَنْ يَكُون عَارِفًا لِحُرْمَتِهِ وَمُوَالِيًا لَهُ , مُتَوَاضِعًا لِجَلَالِهِ تَارِكًا لِهَوَى نَفْسه . قُلْت : وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْقَلْب الْمُنِيب الْقَلْب السَّلِيم ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : " إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّه بِقَلْبٍ سَلِيم " [ الشُّعَرَاء : 89 ] عَلَى مَا تَقَدَّمَ ; وَاَللَّه أَعْلَم .
مُقْبِل عَلَى الطَّاعَة . وَقِيلَ : مُخْلِص . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق : عَلَامَة الْمُنِيب أَنْ يَكُون عَارِفًا لِحُرْمَتِهِ وَمُوَالِيًا لَهُ , مُتَوَاضِعًا لِجَلَالِهِ تَارِكًا لِهَوَى نَفْسه . قُلْت : وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْقَلْب الْمُنِيب الْقَلْب السَّلِيم ; كَمَا قَالَ تَعَالَى : " إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّه بِقَلْبٍ سَلِيم " [ الشُّعَرَاء : 89 ] عَلَى مَا تَقَدَّمَ ; وَاَللَّه أَعْلَم .
أَيْ يُقَال لِأَهْلِ هَذِهِ الصِّفَات : " اُدْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْم الْخُلُود " أَيْ بِسَلَامَةٍ مِنْ الْعَذَاب . وَقِيلَ : بِسَلَامٍ مِنْ اللَّه وَمَلَائِكَته عَلَيْهِمْ . وَقِيلَ : بِسَلَامَةٍ مِنْ زَوَال النِّعَم . وَقَالَ : " اُدْخُلُوهَا " وَفِي أَوَّل الْكَلَام " مَنْ خَشِيَ " ; لِأَنَّ " مَنْ " تَكُون بِمَعْنَى الْجَمْع .
يَعْنِي مَا تَشْتَهِيه أَنْفُسهمْ وَتَلَذّ أَعْيُنهمْ .
مِنْ النِّعَم مِمَّا لَمْ يَخْطِر عَلَى بَالهمْ . وَقَالَ أَنَس وَجَابِر : الْمَزِيد النَّظَر إِلَى وَجْه اللَّه تَعَالَى بِلَا كَيْف . وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ فِي أَخْبَار مَرْفُوعَة إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله تَعَالَى : " لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَة " [ يُونُس : 26 ] قَالَ : الزِّيَادَة النَّظَر إِلَى وَجْه اللَّه الْكَرِيم . وَذَكَرَ اِبْن الْمُبَارَك وَيَحْيَى بْن سَلَّام , قَالَا : أَخْبَرَنَا الْمَسْعُودِيّ عَنْ الْمِنْهَال بْن عَمْرو عَنْ أَبِي عُبَيْدَة بْن عَبْد اللَّه بْن عُتْبَة عَنْ اِبْن مَسْعُود قَالَ : تَسَارَعُوا إِلَى الْجُمُعَة فَإِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَبْرُز لِأَهْلِ الْجَنَّة كُلّ يَوْم جُمُعَة فِي كَثِيب مِنْ كَافُور أَبْيَض فَيَكُونُونَ مِنْهُ فِي الْقُرْب . قَالَ اِبْن الْمُبَارَك : عَلَى قَدْر تَسَارُعهمْ إِلَى الْجُمُعَة فِي الدُّنْيَا . وَقَالَ يَحْيَى بْن سَلَّام : لِمُسَارَعَتِهِمْ إِلَى الْجُمَع فِي الدُّنْيَا , وَزَادَ ( فَيُحْدِث اللَّه لَهُمْ مِنْ الْكَرَامَة شَيْئًا لَمْ يَكُونُوا رَأَوْهُ قَبْل ذَلِكَ ) . قَالَ يَحْيَى : وَسَمِعْت غَيْر الْمَسْعُودِيّ يَزِيد فِيهِ قَوْله تَعَالَى : " وَلَدَيْنَا مَزِيد " . قُلْت : قَوْله ( فِي كَثِيب ) يُرِيد أَهْل الْجَنَّة , أَيْ وَهُمْ عَلَى كُثُب ; كَمَا فِي مُرْسَل الْحَسَن , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ أَهْل الْجَنَّة يَنْظُرُونَ رَبّهمْ فِي كُلّ يَوْم جُمُعَة عَلَى كَثِيب مِنْ كَافُور ) الْحَدِيث وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَاب " التَّذْكِرَة " . وَقِيلَ : إِنَّ الْمَزِيد مَا يُزَوَّجُونَ بِهِ مِنْ الْحُور الْعِين ; رَوَاهُ أَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ مَرْفُوعًا .
مِنْ النِّعَم مِمَّا لَمْ يَخْطِر عَلَى بَالهمْ . وَقَالَ أَنَس وَجَابِر : الْمَزِيد النَّظَر إِلَى وَجْه اللَّه تَعَالَى بِلَا كَيْف . وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ فِي أَخْبَار مَرْفُوعَة إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله تَعَالَى : " لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَة " [ يُونُس : 26 ] قَالَ : الزِّيَادَة النَّظَر إِلَى وَجْه اللَّه الْكَرِيم . وَذَكَرَ اِبْن الْمُبَارَك وَيَحْيَى بْن سَلَّام , قَالَا : أَخْبَرَنَا الْمَسْعُودِيّ عَنْ الْمِنْهَال بْن عَمْرو عَنْ أَبِي عُبَيْدَة بْن عَبْد اللَّه بْن عُتْبَة عَنْ اِبْن مَسْعُود قَالَ : تَسَارَعُوا إِلَى الْجُمُعَة فَإِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَبْرُز لِأَهْلِ الْجَنَّة كُلّ يَوْم جُمُعَة فِي كَثِيب مِنْ كَافُور أَبْيَض فَيَكُونُونَ مِنْهُ فِي الْقُرْب . قَالَ اِبْن الْمُبَارَك : عَلَى قَدْر تَسَارُعهمْ إِلَى الْجُمُعَة فِي الدُّنْيَا . وَقَالَ يَحْيَى بْن سَلَّام : لِمُسَارَعَتِهِمْ إِلَى الْجُمَع فِي الدُّنْيَا , وَزَادَ ( فَيُحْدِث اللَّه لَهُمْ مِنْ الْكَرَامَة شَيْئًا لَمْ يَكُونُوا رَأَوْهُ قَبْل ذَلِكَ ) . قَالَ يَحْيَى : وَسَمِعْت غَيْر الْمَسْعُودِيّ يَزِيد فِيهِ قَوْله تَعَالَى : " وَلَدَيْنَا مَزِيد " . قُلْت : قَوْله ( فِي كَثِيب ) يُرِيد أَهْل الْجَنَّة , أَيْ وَهُمْ عَلَى كُثُب ; كَمَا فِي مُرْسَل الْحَسَن , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ أَهْل الْجَنَّة يَنْظُرُونَ رَبّهمْ فِي كُلّ يَوْم جُمُعَة عَلَى كَثِيب مِنْ كَافُور ) الْحَدِيث وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَاب " التَّذْكِرَة " . وَقِيلَ : إِنَّ الْمَزِيد مَا يُزَوَّجُونَ بِهِ مِنْ الْحُور الْعِين ; رَوَاهُ أَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ مَرْفُوعًا .
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ ↓
أَيْ كَمْ أَهْلَكْنَا يَا مُحَمَّد قَبْل قَوْمك مِنْ أُمَّة هُمْ أَشَدّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَقُوَّة .
أَيْ سَارُوا فِيهَا طَلَبًا لِلْمَهْرَبِ . وَقِيلَ : أَثَّرُوا فِي الْبِلَاد ; قَالَ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ مُجَاهِد : ضَرَبُوا وَطَافُوا . وَقَالَ النَّضْر بْن شُمَيْل : دَوَّرُوا . وَقَالَ قَتَادَة : طَوَّفُوا . وَقَالَ الْمُؤَرِّخ تَبَاعَدُوا ; وَمِنْهُ قَوْل اِمْرِئِ الْقَيْس : وَقَدْ نَقَّبْت فِي الْآفَاق حَتَّى رَضِيت مِنْ الْغَنِيمَة بِالْإِيَابِ ثُمَّ قِيلَ : طَافُوا فِي أَقَاصِي الْبِلَاد طَلَبًا لِلتِّجَارَاتِ , وَهَلْ وَجَدُوا مِنْ الْمَوْت مَحِيصًا ؟ . وَقِيلَ : طَوَّفُوا فِي الْبِلَاد يَلْتَمِسُونَ مَحِيصًا مِنْ الْمَوْت . قَالَ الْحَارِث بْن حِلِّزَة : نَقَّبُوا فِي الْبِلَاد مِنْ حَذَر الْمَوْ ت وَجَالُوا فِي الْأَرْض كُلّ مَجَال وَقَرَأَ الْحَسَن وَأَبُو الْعَالِيَة " فَنَقَبُوا " بِفَتْحِ الْقَاف وَتَخْفِيفهَا . وَالنَّقْب هُوَ الْخَرْق وَالدُّخُول فِي الشَّيْء . وَقِيلَ : النَّقْب الطَّرِيق فِي الْجَبَل , وَكَذَلِكَ الْمَنْقَب وَالْمَنْقَبَة ; عَنْ اِبْن السِّكِّيت . وَنَقَبَ الْجِدَار نَقْبًا , وَاسْم تِلْكَ النَّقْبَة نَقْب أَيْضًا , وَجَمْع النَّقْب النُّقُوب ; أَيْ خَرَقُوا الْبِلَاد وَسَارُوا فِي نُقُوبهَا . وَقِيلَ : أَثَّرُوا فِيهَا كَتَأْثِيرِ الْحَدِيد فِيمَا يَنْقُب . وَقَرَأَ السُّلَمِيّ يَحْيَى بْن يَعْمَر " فَنَقِّبُوا " بِكَسْرِ الْقَاف وَالتَّشْدِيد عَلَى الْأَمْر بِالتَّهْدِيدِ وَالْوَعِيد ; أَيْ طُوفُوا الْبِلَاد وَسِيرُوا فِيهَا فَانْظُرُوا " هَلْ مِنْ " الْمَوْت " مَحِيص " وَمَهْرَب ; ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ . وَحَكَى الْقُشَيْرِيّ " فَنَقِبُوا " بِكَسْرِ الْقَاف مَعَ التَّخْفِيف ; أَيْ أَكْثَرُوا السَّيْر فِيهَا حَتَّى نَقِبَتْ دَوَابّهمْ . الْجَوْهَرِيّ : وَنَقِبَ الْبَعِير بِالْكَسْرِ إِذَا رَقَّتْ أَخْفَافه , وَأَنْقَبَ الرَّجُل , إِذَا نَقِبَ بَعِيره , وَنَقِبَ الْخُفّ الْمَلْبُوس أَيْ تَخَرَّقَ . وَالْمَحِيص مَصْدَر حَاصَ عَنْهُ يَحِيص حَيْصًا وَحُيُوصًا وَمَحِيصًا وَمَحَاصًا وَحَيَصَانًا ; أَيْ عَدَلَ وَحَادَ . يُقَال : مَا عَنْهُ مَحِيص أَيْ مَحِيد وَمَهْرَب . وَالِانْحِيَاص مِثْله ; يُقَال لِلْأَوْلِيَاءِ : حَاصُوا عَنْ الْعَدُوّ وَلِلْأَعْدَاءِ اِنْهَزَمُوا .
أَيْ سَارُوا فِيهَا طَلَبًا لِلْمَهْرَبِ . وَقِيلَ : أَثَّرُوا فِي الْبِلَاد ; قَالَ اِبْن عَبَّاس . وَقَالَ مُجَاهِد : ضَرَبُوا وَطَافُوا . وَقَالَ النَّضْر بْن شُمَيْل : دَوَّرُوا . وَقَالَ قَتَادَة : طَوَّفُوا . وَقَالَ الْمُؤَرِّخ تَبَاعَدُوا ; وَمِنْهُ قَوْل اِمْرِئِ الْقَيْس : وَقَدْ نَقَّبْت فِي الْآفَاق حَتَّى رَضِيت مِنْ الْغَنِيمَة بِالْإِيَابِ ثُمَّ قِيلَ : طَافُوا فِي أَقَاصِي الْبِلَاد طَلَبًا لِلتِّجَارَاتِ , وَهَلْ وَجَدُوا مِنْ الْمَوْت مَحِيصًا ؟ . وَقِيلَ : طَوَّفُوا فِي الْبِلَاد يَلْتَمِسُونَ مَحِيصًا مِنْ الْمَوْت . قَالَ الْحَارِث بْن حِلِّزَة : نَقَّبُوا فِي الْبِلَاد مِنْ حَذَر الْمَوْ ت وَجَالُوا فِي الْأَرْض كُلّ مَجَال وَقَرَأَ الْحَسَن وَأَبُو الْعَالِيَة " فَنَقَبُوا " بِفَتْحِ الْقَاف وَتَخْفِيفهَا . وَالنَّقْب هُوَ الْخَرْق وَالدُّخُول فِي الشَّيْء . وَقِيلَ : النَّقْب الطَّرِيق فِي الْجَبَل , وَكَذَلِكَ الْمَنْقَب وَالْمَنْقَبَة ; عَنْ اِبْن السِّكِّيت . وَنَقَبَ الْجِدَار نَقْبًا , وَاسْم تِلْكَ النَّقْبَة نَقْب أَيْضًا , وَجَمْع النَّقْب النُّقُوب ; أَيْ خَرَقُوا الْبِلَاد وَسَارُوا فِي نُقُوبهَا . وَقِيلَ : أَثَّرُوا فِيهَا كَتَأْثِيرِ الْحَدِيد فِيمَا يَنْقُب . وَقَرَأَ السُّلَمِيّ يَحْيَى بْن يَعْمَر " فَنَقِّبُوا " بِكَسْرِ الْقَاف وَالتَّشْدِيد عَلَى الْأَمْر بِالتَّهْدِيدِ وَالْوَعِيد ; أَيْ طُوفُوا الْبِلَاد وَسِيرُوا فِيهَا فَانْظُرُوا " هَلْ مِنْ " الْمَوْت " مَحِيص " وَمَهْرَب ; ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ . وَحَكَى الْقُشَيْرِيّ " فَنَقِبُوا " بِكَسْرِ الْقَاف مَعَ التَّخْفِيف ; أَيْ أَكْثَرُوا السَّيْر فِيهَا حَتَّى نَقِبَتْ دَوَابّهمْ . الْجَوْهَرِيّ : وَنَقِبَ الْبَعِير بِالْكَسْرِ إِذَا رَقَّتْ أَخْفَافه , وَأَنْقَبَ الرَّجُل , إِذَا نَقِبَ بَعِيره , وَنَقِبَ الْخُفّ الْمَلْبُوس أَيْ تَخَرَّقَ . وَالْمَحِيص مَصْدَر حَاصَ عَنْهُ يَحِيص حَيْصًا وَحُيُوصًا وَمَحِيصًا وَمَحَاصًا وَحَيَصَانًا ; أَيْ عَدَلَ وَحَادَ . يُقَال : مَا عَنْهُ مَحِيص أَيْ مَحِيد وَمَهْرَب . وَالِانْحِيَاص مِثْله ; يُقَال لِلْأَوْلِيَاءِ : حَاصُوا عَنْ الْعَدُوّ وَلِلْأَعْدَاءِ اِنْهَزَمُوا .
أَيْ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ فِي هَذِهِ السُّورَة تَذْكِرَة وَمَوْعِظَة
أَيْ عَقْل يَتَدَبَّر بِهِ ; فَكَنَّى بِالْقَلْبِ عَنْ الْعَقْل لِأَنَّهُ مَوْضِعه ; قَالَ مَعْنَاهُ مُجَاهِد وَغَيْره . وَقِيلَ : لِمَنْ كَانَ لَهُ حَيَاة وَنَفْس مُمَيِّزَة , فَعَبَّرَ عَنْ النَّفْس الْحَيَّة بِالْقَلْبِ ; لِأَنَّهُ وَطَنهَا وَمَعْدِن حَيَاتهَا ; كَمَا قَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس : أَغَرَّك مِنِّي أَنَّ حُبّك قَاتِلِي وَأَنَّك مَهْمَا تَأْمُرِي الْقَلْب يَفْعَل وَفِي التَّنْزِيل : : " لِيُنْذِر مَنْ كَانَ حَيًّا " [ يس : 70 ] . وَقَالَ يَحْيَى بْن مُعَاذ : الْقَلْب قَلْبَانِ ; قَلْب مُحْتَشٍ بِأَشْغَالِ الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَمْر مِنْ الْأُمُور الْآخِرَة لَمْ يَدْرِ مَا يَصْنَع , وَقَلْب قَدْ اِحْتَشَى بِأَهْوَالِ الْآخِرَة حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَمْر مِنْ أُمُور الدُّنْيَا لَمْ يَدْرِ مَا يَصْنَع لِذَهَابِ قَلْبه فِي الْآخِرَة .
أَيْ اِسْتَمَعَ الْقُرْآن . تَقُول الْعَرَب : أَلْقِ إِلَيَّ سَمْعك أَيْ اِسْتَمِعْ . وَقَدْ مَضَى فِي " طه " كَيْفِيَّة الِاسْتِمَاع وَثَمَرَته .
أَيْ شَاهِد الْقَلْب ; قَالَ الزَّجَّاج : أَيْ قَلْبه حَاضِر فِيمَا يَسْمَع . وَقَالَ سُفْيَان : أَيْ لَا يَكُون حَاضِرًا وَقَلْبه غَائِب . ثُمَّ قِيلَ : الْآيَة لِأَهْلِ الْكِتَاب ; قَالَهُ مُجَاهِد وَقَتَادَة . وَقَالَ الْحَسَن : إِنَّهَا فِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى خَاصَّة . وَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب وَأَبُو صَالِح : إِنَّهَا فِي أَهْل الْقُرْآن خَاصَّة .
أَيْ عَقْل يَتَدَبَّر بِهِ ; فَكَنَّى بِالْقَلْبِ عَنْ الْعَقْل لِأَنَّهُ مَوْضِعه ; قَالَ مَعْنَاهُ مُجَاهِد وَغَيْره . وَقِيلَ : لِمَنْ كَانَ لَهُ حَيَاة وَنَفْس مُمَيِّزَة , فَعَبَّرَ عَنْ النَّفْس الْحَيَّة بِالْقَلْبِ ; لِأَنَّهُ وَطَنهَا وَمَعْدِن حَيَاتهَا ; كَمَا قَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس : أَغَرَّك مِنِّي أَنَّ حُبّك قَاتِلِي وَأَنَّك مَهْمَا تَأْمُرِي الْقَلْب يَفْعَل وَفِي التَّنْزِيل : : " لِيُنْذِر مَنْ كَانَ حَيًّا " [ يس : 70 ] . وَقَالَ يَحْيَى بْن مُعَاذ : الْقَلْب قَلْبَانِ ; قَلْب مُحْتَشٍ بِأَشْغَالِ الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَمْر مِنْ الْأُمُور الْآخِرَة لَمْ يَدْرِ مَا يَصْنَع , وَقَلْب قَدْ اِحْتَشَى بِأَهْوَالِ الْآخِرَة حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَمْر مِنْ أُمُور الدُّنْيَا لَمْ يَدْرِ مَا يَصْنَع لِذَهَابِ قَلْبه فِي الْآخِرَة .
أَيْ اِسْتَمَعَ الْقُرْآن . تَقُول الْعَرَب : أَلْقِ إِلَيَّ سَمْعك أَيْ اِسْتَمِعْ . وَقَدْ مَضَى فِي " طه " كَيْفِيَّة الِاسْتِمَاع وَثَمَرَته .
أَيْ شَاهِد الْقَلْب ; قَالَ الزَّجَّاج : أَيْ قَلْبه حَاضِر فِيمَا يَسْمَع . وَقَالَ سُفْيَان : أَيْ لَا يَكُون حَاضِرًا وَقَلْبه غَائِب . ثُمَّ قِيلَ : الْآيَة لِأَهْلِ الْكِتَاب ; قَالَهُ مُجَاهِد وَقَتَادَة . وَقَالَ الْحَسَن : إِنَّهَا فِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى خَاصَّة . وَقَالَ مُحَمَّد بْن كَعْب وَأَبُو صَالِح : إِنَّهَا فِي أَهْل الْقُرْآن خَاصَّة .
وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ ↓
أَصْل " سِتَّة " سِدْسَة , فَأَرَادُوا إِدْغَام الدَّال فِي السِّين فَالْتَقَيَا عِنْد مَخْرَج التَّاء فَغَلَبَتْ عَلَيْهِمَا . وَإِنْ شِئْت قُلْت : أُبْدِلَ مِنْ إِحْدَى السِّينَيْنِ تَاء وَأُدْغِمَ فِي الدَّال ; لِأَنَّك تَقُول فِي تَصْغِيرهَا : سُدَيْسَة , وَفِي الْجَمْع أَسْدَاس , وَالْجَمْع وَالتَّصْغِير يَرُدَّانِ الْأَسْمَاء إِلَى أُصُولهَا . وَيَقُولُونَ : جَاءَ فُلَان سَادِسًا وَسَادِتًا وَسَاتًّا ; فَمَنْ قَالَ : سَادِتًا أَبْدَلَ مِنْ السِّين تَاء . وَالْيَوْم : مِنْ طُلُوع الشَّمْس إِلَى غُرُوبهَا . فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَمْس فَلَا يَوْم ; قَالَهُ الْقُشَيْرِيّ . وَقَالَ : وَمَعْنَى ( فِي سِتَّة أَيَّام ) أَيْ مِنْ أَيَّام الْآخِرَة , كُلّ يَوْم أَلْف سَنَة ; لِتَفْخِيمِ خَلْق السَّمَاوَات وَالْأَرْض . وَقِيلَ : مِنْ أَيَّام الدُّنْيَا . قَالَ مُجَاهِد وَغَيْره : أَوَّلهَا الْأَحَد وَآخِرهَا الْجُمُعَة . وَذَكَرَ هَذِهِ الْمُدَّة وَلَوْ أَرَادَ خَلْقهَا فِي لَحْظَة لَفَعَلَ ; إِذْ هُوَ الْقَادِر عَلَى أَنْ يَقُول لَهَا كُونِي فَتَكُون ; وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُعَلِّم الْعِبَاد الرِّفْق وَالتَّثَبُّت فِي الْأُمُور , وَلِتَظْهَر قُدْرَته لِلْمَلَائِكَةِ شَيْئًا بَعْد شَيْء . وَهَذَا عِنْد مَنْ يَقُول : خَلْق الْمَلَائِكَة قَبْل خَلْق السَّمَاوَات وَالْأَرْض . وَحِكْمَة أُخْرَى خَلَقَهَا فِي سِتَّة أَيَّام لِأَنَّ لِكُلِّ شَيْء عِنْده أَجَلًا . وَبَيَّنَ بِهَذَا تَرْك مُعَاجَلَة الْعُصَاة بِالْعِقَابِ ; لِأَنَّ لِكُلِّ شَيْء عِنْده أَجَلًا .
وَاللُّغُوب التَّعَب وَالْإِعْيَاء , تَقُول مِنْهُ : لَغَبَ يَلْغُب بِالضَّمِّ لُغُوبًا , وَلَغِبَ بِالْكَسْرِ يَلْغَب لُغُوبًا لُغَة ضَعِيفَة فِيهِ . وَأَلْغَبْته أَنَا أَيْ أَنْصَبْته . قَالَ قَتَادَة وَالْكَلْبِيّ : هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي يَهُود الْمَدِينَة زَعَمُوا أَنَّ اللَّه تَعَالَى خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام , أَوَّلهَا يَوْم الْأَحَد وَآخِرهَا يَوْم الْجُمُعَة , وَاسْتَرَاحَ يَوْم السَّبْت ; فَجَعَلُوهُ رَاحَة , فَأَكْذَبَهُمْ اللَّه تَعَالَى فِي ذَلِكَ .
وَاللُّغُوب التَّعَب وَالْإِعْيَاء , تَقُول مِنْهُ : لَغَبَ يَلْغُب بِالضَّمِّ لُغُوبًا , وَلَغِبَ بِالْكَسْرِ يَلْغَب لُغُوبًا لُغَة ضَعِيفَة فِيهِ . وَأَلْغَبْته أَنَا أَيْ أَنْصَبْته . قَالَ قَتَادَة وَالْكَلْبِيّ : هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي يَهُود الْمَدِينَة زَعَمُوا أَنَّ اللَّه تَعَالَى خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام , أَوَّلهَا يَوْم الْأَحَد وَآخِرهَا يَوْم الْجُمُعَة , وَاسْتَرَاحَ يَوْم السَّبْت ; فَجَعَلُوهُ رَاحَة , فَأَكْذَبَهُمْ اللَّه تَعَالَى فِي ذَلِكَ .
فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ↓
خِطَاب لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; أَمَرَهُ بِالصَّبْرِ عَلَى مَا يَقُولهُ الْمُشْرِكُونَ ; أَيْ هَوِّنْ أَمْرهمْ عَلَيْك . وَنَزَلَتْ قَبْل الْأَمْر بِالْقِتَالِ فَهِيَ مَنْسُوخَة . وَقِيلَ : هُوَ ثَابِت لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّته . وَقِيلَ مَعْنَاهُ : فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولهُ الْيَهُود مِنْ قَوْلهمْ : إِنَّ اللَّه اِسْتَرَاحَ يَوْم السَّبْت .
قِيلَ : إِنَّهُ أَرَادَ بِهِ الصَّلَوَات الْخَمْس . قَالَ أَبُو صَالِح : قَبْل طُلُوع الشَّمْس صَلَاة الصُّبْح , وَقَبْل الْغُرُوب صَلَاة الْعَصْر . وَرَوَاهُ جَرِير بْن عَبْد اللَّه مَرْفُوعًا قَالَ : كُنَّا جُلُوسًا عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ نَظَرَ إِلَى الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر , فَقَالَ : ( أَمَا إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَر لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَته فَإِنْ اِسْتَطَعْتُمْ أَلَّا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاة قَبْل طُلُوع الشَّمْس وَقَبْل غُرُوبهَا - يَعْنِي الْعَصْر وَالْفَجْر ثُمَّ قَرَأَ جَرِير - " وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبّك قَبْل طُلُوع الشَّمْس وَقَبْل غُرُوبهَا " [ طَه : 130 ] مُتَّفَق عَلَيْهِ وَاللَّفْظ لِمُسْلِمٍ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : " قَبْل الْغُرُوب " الظُّهْر وَالْعَصْر .
قِيلَ : إِنَّهُ أَرَادَ بِهِ الصَّلَوَات الْخَمْس . قَالَ أَبُو صَالِح : قَبْل طُلُوع الشَّمْس صَلَاة الصُّبْح , وَقَبْل الْغُرُوب صَلَاة الْعَصْر . وَرَوَاهُ جَرِير بْن عَبْد اللَّه مَرْفُوعًا قَالَ : كُنَّا جُلُوسًا عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ نَظَرَ إِلَى الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر , فَقَالَ : ( أَمَا إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَر لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَته فَإِنْ اِسْتَطَعْتُمْ أَلَّا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاة قَبْل طُلُوع الشَّمْس وَقَبْل غُرُوبهَا - يَعْنِي الْعَصْر وَالْفَجْر ثُمَّ قَرَأَ جَرِير - " وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبّك قَبْل طُلُوع الشَّمْس وَقَبْل غُرُوبهَا " [ طَه : 130 ] مُتَّفَق عَلَيْهِ وَاللَّفْظ لِمُسْلِمٍ . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : " قَبْل الْغُرُوب " الظُّهْر وَالْعَصْر .
يَعْنِي صَلَاة الْعِشَاءَيْنِ . وَقِيلَ : الْمُرَاد تَسْبِيحه بِالْقَوْلِ تَنْزِيهًا قَبْل طُلُوع الشَّمْس وَقَبْل الْغُرُوب ; قَالَهُ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ وَأَبُو الْأَحْوَص . وَقَالَ بَعْض الْعُلَمَاء فِي قَوْله : " قَبْل طُلُوع الشَّمْس " قَالَ رَكْعَتَيْ الْفَجْر " وَقَبْل الْغُرُوب " الرَّكْعَتَيْنِ قَبْل الْمَغْرِب ; وَقَالَ ثُمَامَة بْن عَبْد اللَّه بْن أَنَس : كَانَ ذَوُو الْأَلْبَاب مِنْ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلُّونَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْل الْمَغْرِب . وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَنَس بْن مَالِك قَالَ : كُنَّا بِالْمَدِينَةِ فَإِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّن لِصَلَاةِ الْمَغْرِب اِبْتَدَرُوا السَّوَارِي فَرَكَعُوا رَكْعَتَيْنِ , حَتَّى إِنَّ الرَّجُل الْغَرِيب لَيَدْخُل الْمَسْجِد فَيَحْسِب أَنَّ الصَّلَاة قَدْ صُلِّيَتْ مِنْ كَثْرَة مَنْ يُصَلِّيهِمَا . وَقَالَ قَتَادَة : مَا أَدْرَكْت أَحَدًا يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ إِلَّا أَنَسًا وَأَبَا بَرْزَة الْأَسْلَمِيّ .
قَوْله تَعَالَى : " وَمِنْ اللَّيْل فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَار السُّجُود " فِيهِ أَرْبَعَة أَقْوَال : الْأَوَّل : هُوَ تَسْبِيح اللَّه تَعَالَى فِي اللَّيْل , قَالَهُ أَبُو الْأَحْوَص . الثَّانِي : أَنَّهَا صَلَاة اللَّيْل كُلّه , قَالَهُ مُجَاهِد . الثَّالِث : أَنَّهَا رَكْعَتَا الْفَجْر , قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . الرَّابِع : أَنَّهَا صَلَاة الْعِشَاء الْآخِرَة , قَالَهُ اِبْن زَيْد . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : مَنْ قَالَ إِنَّهُ التَّسْبِيح فِي اللَّيْل فَيَعْضُدهُ الصَّحِيح ( مَنْ تَعَارَّ مِنْ اللَّيْل فَقَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ لَهُ الْمُلْك وَلَهُ الْحَمْد وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير سُبْحَان اللَّه وَالْحَمْد لِلَّهِ وَلَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَاَللَّه أَكْبَر وَلَا حَوْل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيّ الْعَظِيم ) . وَأَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّهَا الصَّلَاة بِاللَّيْلِ فَإِنَّ الصَّلَاة تُسَمَّى تَسْبِيحًا لِمَا فِيهَا مِنْ تَسْبِيح اللَّه , وَمِنْهُ سُبْحَة الضُّحَى . وَأَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّهَا صَلَاة الْفَجْر أَوْ الْعِشَاء فَلِأَنَّهُمَا مِنْ صَلَاة اللَّيْل , وَالْعِشَاء أَوْضَحَهُ .
قَالَ عُمَر وَعَلِيّ وَأَبُو هُرَيْرَة وَالْحَسَن بْن عَلِيّ وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ وَالنَّخَعِيّ وَالشَّعْبِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَالزُّهْرِيّ : أَدْبَار السُّجُود الرَّكْعَتَانِ بَعْد الْمَغْرِب , وَأَدْبَار النُّجُوم الرَّكْعَتَانِ قَبْل الْفَجْر , وَرَوَاهُ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَقَدْ رَفَعَهُ اِبْن عَبَّاس قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( رَكْعَتَانِ بَعْد الْمَغْرِب أَدْبَار السُّجُود ) ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ . وَلَفْظ الْمَاوَرْدِيّ : وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : بِتّ لَيْلَة عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْل الْفَجْر , ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاة فَقَالَ : ( يَا بْن عَبَّاس رَكْعَتَانِ قَبْل الْفَجْر أَدْبَار النُّجُوم وَرَكْعَتَانِ بَعْد الْمَغْرِب أَدْبَار السُّجُود ) . وَقَالَ أَنَس : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَعْد الْمَغْرِب قَبْل أَنْ يَتَكَلَّم كُتِبَتْ صَلَاته فِي عِلِّيِّينَ " . قَالَ أَنَس فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَة الْأُولَى " قُلْ يَا أَيّهَا الْكَافِرُونَ " [ الْكَافِرُونَ : 1 ] وَفِي الثَّانِيَة " قُلْ هُوَ اللَّه أَحَد " [ الْإِخْلَاص : 1 ] قَالَ مُقَاتِل : وَوَقْتهَا مَا لَمْ يَغْرُب الشَّفَق الْأَحْمَر . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : هُوَ الْوَتْر . قَالَ اِبْن زَيْد : هُوَ النَّوَافِل بَعْد الصَّلَوَات , رَكْعَتَانِ بَعْد كُلّ صَلَاة مَكْتُوبَة , قَالَ النَّحَّاس : وَالظَّاهِر يَدُلّ عَلَى هَذَا إِلَّا أَنَّ الْأَوْلَى اِتِّبَاع الْأَكْثَر وَهُوَ صَحِيح عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . وَقَالَ أَبُو الْأَحْوَص : هُوَ التَّسْبِيح فِي أَدْبَار السُّجُود . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ وَهُوَ الْأَقْوَى فِي النَّظَر . وَفِي صَحِيح الْحَدِيث : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول فِي دُبُر الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة ( لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ لَهُ الْمُلْك وَلَهُ الْحَمْد وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير اللَّهُمَّ لَا مَانِع لِمَا أَعْطَيْت وَلَا مُعْطِي لِمَا مَنَعْت وَلَا يَنْفَع ذَا الْجَدّ مِنْك الْجَدّ ) وَقِيلَ : إِنَّهُ مَنْسُوخ بِالْفَرَائِضِ فَلَا يَجِب عَلَى أَحَد إِلَّا خَمْس صَلَوَات , نَقَلَ ذَلِكَ الْجَمَاعَة .
قَرَأَ نَافِع وَابْن كَثِير وَحَمْزَة " وَإِدْبَار السُّجُود " بِكَسْرِ الْهَمْزَة عَلَى الْمَصْدَر مِنْ أَدْبَرَ الشَّيْء إِدْبَارًا إِذَا وَلَّى . الْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا جَمْع دُبُر . وَهِيَ قِرَاءَة عَلِيّ وَابْن عَبَّاس , وَمِثَالهَا طُنُب وَأَطْنَاب , أَوْ دُبْر كَقُفْلٍ وَأَقْفَال . وَقَدْ اِسْتَعْمَلُوهُ ظَرْفًا نَحْو جِئْتُك فِي دُبُر الصَّلَاة وَفِي أَدْبَار الصَّلَاة . وَلَا خِلَاف فِي آخِر " وَالطُّور " . " وَإِدْبَار النُّجُوم " [ الطُّور : 49 ] أَنَّهُ بِالْكَسْرِ مَصْدَر , وَهُوَ ذَهَاب ضَوْئِهَا إِذَا طَلَعَ الْفَجْر الثَّانِي , وَهُوَ الْبَيَاض الْمُنْشَقّ مِنْ سَوَاد اللَّيْل .
قَوْله تَعَالَى : " وَمِنْ اللَّيْل فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَار السُّجُود " فِيهِ أَرْبَعَة أَقْوَال : الْأَوَّل : هُوَ تَسْبِيح اللَّه تَعَالَى فِي اللَّيْل , قَالَهُ أَبُو الْأَحْوَص . الثَّانِي : أَنَّهَا صَلَاة اللَّيْل كُلّه , قَالَهُ مُجَاهِد . الثَّالِث : أَنَّهَا رَكْعَتَا الْفَجْر , قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . الرَّابِع : أَنَّهَا صَلَاة الْعِشَاء الْآخِرَة , قَالَهُ اِبْن زَيْد . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : مَنْ قَالَ إِنَّهُ التَّسْبِيح فِي اللَّيْل فَيَعْضُدهُ الصَّحِيح ( مَنْ تَعَارَّ مِنْ اللَّيْل فَقَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ لَهُ الْمُلْك وَلَهُ الْحَمْد وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير سُبْحَان اللَّه وَالْحَمْد لِلَّهِ وَلَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَاَللَّه أَكْبَر وَلَا حَوْل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيّ الْعَظِيم ) . وَأَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّهَا الصَّلَاة بِاللَّيْلِ فَإِنَّ الصَّلَاة تُسَمَّى تَسْبِيحًا لِمَا فِيهَا مِنْ تَسْبِيح اللَّه , وَمِنْهُ سُبْحَة الضُّحَى . وَأَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّهَا صَلَاة الْفَجْر أَوْ الْعِشَاء فَلِأَنَّهُمَا مِنْ صَلَاة اللَّيْل , وَالْعِشَاء أَوْضَحَهُ .
قَالَ عُمَر وَعَلِيّ وَأَبُو هُرَيْرَة وَالْحَسَن بْن عَلِيّ وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ وَالنَّخَعِيّ وَالشَّعْبِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَالزُّهْرِيّ : أَدْبَار السُّجُود الرَّكْعَتَانِ بَعْد الْمَغْرِب , وَأَدْبَار النُّجُوم الرَّكْعَتَانِ قَبْل الْفَجْر , وَرَوَاهُ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَقَدْ رَفَعَهُ اِبْن عَبَّاس قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( رَكْعَتَانِ بَعْد الْمَغْرِب أَدْبَار السُّجُود ) ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ . وَلَفْظ الْمَاوَرْدِيّ : وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : بِتّ لَيْلَة عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْل الْفَجْر , ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاة فَقَالَ : ( يَا بْن عَبَّاس رَكْعَتَانِ قَبْل الْفَجْر أَدْبَار النُّجُوم وَرَكْعَتَانِ بَعْد الْمَغْرِب أَدْبَار السُّجُود ) . وَقَالَ أَنَس : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَعْد الْمَغْرِب قَبْل أَنْ يَتَكَلَّم كُتِبَتْ صَلَاته فِي عِلِّيِّينَ " . قَالَ أَنَس فَقَرَأَ فِي الرَّكْعَة الْأُولَى " قُلْ يَا أَيّهَا الْكَافِرُونَ " [ الْكَافِرُونَ : 1 ] وَفِي الثَّانِيَة " قُلْ هُوَ اللَّه أَحَد " [ الْإِخْلَاص : 1 ] قَالَ مُقَاتِل : وَوَقْتهَا مَا لَمْ يَغْرُب الشَّفَق الْأَحْمَر . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : هُوَ الْوَتْر . قَالَ اِبْن زَيْد : هُوَ النَّوَافِل بَعْد الصَّلَوَات , رَكْعَتَانِ بَعْد كُلّ صَلَاة مَكْتُوبَة , قَالَ النَّحَّاس : وَالظَّاهِر يَدُلّ عَلَى هَذَا إِلَّا أَنَّ الْأَوْلَى اِتِّبَاع الْأَكْثَر وَهُوَ صَحِيح عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . وَقَالَ أَبُو الْأَحْوَص : هُوَ التَّسْبِيح فِي أَدْبَار السُّجُود . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ وَهُوَ الْأَقْوَى فِي النَّظَر . وَفِي صَحِيح الْحَدِيث : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول فِي دُبُر الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة ( لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ لَهُ الْمُلْك وَلَهُ الْحَمْد وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير اللَّهُمَّ لَا مَانِع لِمَا أَعْطَيْت وَلَا مُعْطِي لِمَا مَنَعْت وَلَا يَنْفَع ذَا الْجَدّ مِنْك الْجَدّ ) وَقِيلَ : إِنَّهُ مَنْسُوخ بِالْفَرَائِضِ فَلَا يَجِب عَلَى أَحَد إِلَّا خَمْس صَلَوَات , نَقَلَ ذَلِكَ الْجَمَاعَة .
قَرَأَ نَافِع وَابْن كَثِير وَحَمْزَة " وَإِدْبَار السُّجُود " بِكَسْرِ الْهَمْزَة عَلَى الْمَصْدَر مِنْ أَدْبَرَ الشَّيْء إِدْبَارًا إِذَا وَلَّى . الْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا جَمْع دُبُر . وَهِيَ قِرَاءَة عَلِيّ وَابْن عَبَّاس , وَمِثَالهَا طُنُب وَأَطْنَاب , أَوْ دُبْر كَقُفْلٍ وَأَقْفَال . وَقَدْ اِسْتَعْمَلُوهُ ظَرْفًا نَحْو جِئْتُك فِي دُبُر الصَّلَاة وَفِي أَدْبَار الصَّلَاة . وَلَا خِلَاف فِي آخِر " وَالطُّور " . " وَإِدْبَار النُّجُوم " [ الطُّور : 49 ] أَنَّهُ بِالْكَسْرِ مَصْدَر , وَهُوَ ذَهَاب ضَوْئِهَا إِذَا طَلَعَ الْفَجْر الثَّانِي , وَهُوَ الْبَيَاض الْمُنْشَقّ مِنْ سَوَاد اللَّيْل .
مَفْعُول الِاسْتِمَاع مَحْذُوف ; أَيْ اِسْتَمِعْ النِّدَاء وَالصَّوْت أَوْ الصَّيْحَة وَهِيَ صَيْحَة الْقِيَامَة , وَهِيَ النَّفْخَة الثَّانِيَة , وَالْمُنَادِي جِبْرِيل . وَقِيلَ : إِسْرَافِيل . الزَّمَخْشَرِيّ : وَقِيلَ إِسْرَافِيل يَنْفُخ وَجِبْرِيل يُنَادِي , فَيُنَادِي بِالْحَشْرِ وَيَقُول : هَلُمُّوا إِلَى الْحِسَاب فَالنِّدَاء عَلَى هَذَا فِي الْمَحْشَر . وَقِيلَ : وَاسْتَمِعْ نِدَاء الْكُفَّار بِالْوَيْلِ وَالثُّبُور مِنْ مَكَان قَرِيب , أَيْ يَسْمَع الْجَمِيع فَلَا يَبْعُد أَحَد عَنْ ذَلِكَ النِّدَاء . قَالَ عِكْرِمَة : يُنَادِي مُنَادِي الرَّحْمَن فَكَأَنَّمَا يُنَادِي فِي آذَانهمْ . وَقِيلَ : الْمَكَان الْقَرِيب صَخْرَة بَيْت الْمَقْدِس . وَيُقَال : إِنَّهَا وَسَط الْأَرْض وَأَقْرَب الْأَرْض مِنْ السَّمَاء بِاثْنَيْ عَشَر مِيلًا . وَقَالَ كَعْب : بِثَمَانِيَة عَشَر مِيلًا , ذَكَرَ الْأَوَّل الْقُشَيْرِيّ والزَّمَخْشَرِيّ , وَالثَّانِي الْمَاوَرْدِيّ . فَيَقِف جِبْرِيل أَوْ إِسْرَافِيل عَلَى الصَّخْرَة فَيُنَادِي بِالْحَشْرِ : أَيَّتهَا الْعِظَام الْبَالِيَة , وَالْأَوْصَال الْمُتَقَطِّعَة , وَيَا عِظَامًا نَخِرَة , وَيَا أَكْفَانًا فَانِيَة , وَيَا قُلُوبًا خَاوِيَة , وَيَا أَبْدَانًا فَاسِدَة , وَيَا عُيُونًا سَائِلَة , قُومُوا لِعَرْضِ رَبّ الْعَالَمِينَ . قَالَ قَتَادَة : هُوَ إِسْرَافِيل صَاحِب الصُّور .
يَعْنِي صَيْحَة الْبَعْث . وَمَعْنَى " الْخُرُوج " الِاجْتِمَاع إِلَى الْحِسَاب .
أَيْ يَوْم الْخُرُوج مِنْ الْقُبُور .
أَيْ يَوْم الْخُرُوج مِنْ الْقُبُور .
نُمِيت الْأَحْيَاء وَنُحْيِي الْمَوْتَى , أَثْبَتَ هُنَا الْحَقِيقَة
إِلَى الْمُنَادِي صَاحِب الصُّور إِلَى بَيْت الْمَقْدِس .
أَيْ هَيِّن سَهْل . وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ " تَشَقَّق " بِتَخْفِيفِ الشِّين عَلَى حَذْف التَّاء الْأُولَى . الْبَاقُونَ بِإِدْغَامِ التَّاء فِي الشِّين . وَأَثْبَتَ اِبْن مُحَيْصِن وَابْن كَثِير وَيَعْقُوب يَاء " الْمُنَادِي " فِي الْحَالَيْنِ عَلَى الْأَصْل , وَأَثْبَتَهَا نَافِع وَأَبُو عَمْرو فِي الْوَصْل لَا غَيْر , وَحَذَفَ الْبَاقُونَ فِي الْحَالَيْنِ . قُلْت : وَقَدْ زَادَتْ السُّنَّة هَذِهِ الْآيَة بَيَانًا ; فَرَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ مُعَاوِيَة بْن حَيْدَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث ذَكَرَهُ قَالَ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الشَّام فَقَالَ : ( مِنْ هَاهُنَا إِلَى هَاهُنَا تُحْشَرُونَ رُكْبَانًا وَمُشَاة وَتُجَرُّونَ عَلَى وُجُوهكُمْ يَوْم الْقِيَامَة عَلَى أَفْوَاهكُمْ الْفِدَام تُوفُونَ سَبْعِينَ أُمَّة أَنْتُمْ خَيْرهمْ وَأَكْرَمهُمْ عَلَى اللَّه وَإِنَّ أَوَّل مَا يُعْرِب عَنْ أَحَدكُمْ فَخِذه ) فِي رِوَايَة أُخْرَى ( فَخِذه وَكَفّه ) وَخَرَّجَ عَلِيّ بْن مَعْبَد عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث ذَكَرَهُ : ثُمَّ يَقُول - يَعْنِي اللَّه تَعَالَى - لِإِسْرَافِيل : ( اُنْفُخْ نَفْخَة الْبَعْث فَيَنْفُخ فَتَخْرُج الْأَرْوَاح كَأَمْثَالِ النَّحْل قَدْ مَلَأَتْ مَا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض فَيَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَيَرْجِعَنَّ كُلّ رُوح إِلَى جَسَده فَتَدْخُل الْأَرْوَاح فِي الْأَرْض إِلَى الْأَجْسَاد ثُمَّ تَدْخُل فِي الْخَيَاشِيم فَتَمْشِي فِي الْأَجْسَاد مَشْي السُّمّ فِي اللَّدِيغ ثُمَّ تَنْشَقّ الْأَرْض عَنْكُمْ وَأَنَا أَوَّل مَنْ تَنْشَقّ عَنْهُ الْأَرْض فَتَخْرُجُونَ مِنْهَا شَبَابًا كُلّكُمْ أَبْنَاء ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَاللِّسَان يَوْمئِذٍ بِالسُّرْيَانِيَّةِ ) وَذَكَرَ الْحَدِيث , وَقَدْ ذَكَرْنَا جَمِيع هَذَا وَغَيْره فِي " التَّذْكِرَة " مُسْتَوْفًى وَالْحَمْد لِلَّهِ .
أَيْ هَيِّن سَهْل . وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ " تَشَقَّق " بِتَخْفِيفِ الشِّين عَلَى حَذْف التَّاء الْأُولَى . الْبَاقُونَ بِإِدْغَامِ التَّاء فِي الشِّين . وَأَثْبَتَ اِبْن مُحَيْصِن وَابْن كَثِير وَيَعْقُوب يَاء " الْمُنَادِي " فِي الْحَالَيْنِ عَلَى الْأَصْل , وَأَثْبَتَهَا نَافِع وَأَبُو عَمْرو فِي الْوَصْل لَا غَيْر , وَحَذَفَ الْبَاقُونَ فِي الْحَالَيْنِ . قُلْت : وَقَدْ زَادَتْ السُّنَّة هَذِهِ الْآيَة بَيَانًا ; فَرَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ مُعَاوِيَة بْن حَيْدَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث ذَكَرَهُ قَالَ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الشَّام فَقَالَ : ( مِنْ هَاهُنَا إِلَى هَاهُنَا تُحْشَرُونَ رُكْبَانًا وَمُشَاة وَتُجَرُّونَ عَلَى وُجُوهكُمْ يَوْم الْقِيَامَة عَلَى أَفْوَاهكُمْ الْفِدَام تُوفُونَ سَبْعِينَ أُمَّة أَنْتُمْ خَيْرهمْ وَأَكْرَمهُمْ عَلَى اللَّه وَإِنَّ أَوَّل مَا يُعْرِب عَنْ أَحَدكُمْ فَخِذه ) فِي رِوَايَة أُخْرَى ( فَخِذه وَكَفّه ) وَخَرَّجَ عَلِيّ بْن مَعْبَد عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث ذَكَرَهُ : ثُمَّ يَقُول - يَعْنِي اللَّه تَعَالَى - لِإِسْرَافِيل : ( اُنْفُخْ نَفْخَة الْبَعْث فَيَنْفُخ فَتَخْرُج الْأَرْوَاح كَأَمْثَالِ النَّحْل قَدْ مَلَأَتْ مَا بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض فَيَقُول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَيَرْجِعَنَّ كُلّ رُوح إِلَى جَسَده فَتَدْخُل الْأَرْوَاح فِي الْأَرْض إِلَى الْأَجْسَاد ثُمَّ تَدْخُل فِي الْخَيَاشِيم فَتَمْشِي فِي الْأَجْسَاد مَشْي السُّمّ فِي اللَّدِيغ ثُمَّ تَنْشَقّ الْأَرْض عَنْكُمْ وَأَنَا أَوَّل مَنْ تَنْشَقّ عَنْهُ الْأَرْض فَتَخْرُجُونَ مِنْهَا شَبَابًا كُلّكُمْ أَبْنَاء ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَاللِّسَان يَوْمئِذٍ بِالسُّرْيَانِيَّةِ ) وَذَكَرَ الْحَدِيث , وَقَدْ ذَكَرْنَا جَمِيع هَذَا وَغَيْره فِي " التَّذْكِرَة " مُسْتَوْفًى وَالْحَمْد لِلَّهِ .
نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ ↓
أَيْ مِنْ تَكْذِيبك وَشَتْمك .
أَيْ بِمُسَلَّطٍ تُجْبِرهُمْ عَلَى الْإِسْلَام ; فَتَكُون الْآيَة مَنْسُوخَة بِالْأَمْرِ بِالْقِتَالِ . وَالْجَبَّار مِنْ الْجَبْرِيَّة وَالتَّسَلُّط إِذْ لَا يُقَال جَبَّار بِمَعْنَى مُجْبِر , كَمَا لَا يُقَال خَرَّاج بِمَعْنَى مُخْرِج ; حَكَاهُ الْقُشَيْرِيّ . النَّحَّاس : وَقِيلَ مَعْنَى جَبَّار لَسْت تُجْبِرهُمْ , وَهُوَ خَطَأ لِأَنَّهُ لَا يَكُون فَعَّال مِنْ أَفَعَلَ . وَحَكَى , الثَّعْلَبِيّ : وَقَالَ ثَعْلَب قَدْ جَاءَتْ أَحْرُف فَعَّال بِمَعْنَى مُفْعِل وَهِيَ شَاذَّة , جَبَّار بِمَعْنَى مُجْبِر , وَدَرَّاك بِمَعْنَى مُدْرِك , وَسَرَّاع بِمَعْنَى مُسْرِع , وَبَكَّاء بِمَعْنَى مُبْكٍ , وَعَدَّاء بِمَعْنَى مُعْدٍ . وَقَدْ قُرِئَ " وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيل الرَّشَّاد " [ غَافِر : 29 ] بِتَشْدِيدِ الشِّين بِمَعْنَى الْمُرْشِد وَهُوَ مُوسَى . وَقِيلَ : هُوَ اللَّه . وَكَذَلِكَ قُرِئَ " أَمَّا السَّفِينَة فَكَانَتْ لِمَسَّاكِينَ " [ الْكَهْف : 79 ] يَعْنِي مُمْسِكِينَ . وَقَالَ أَبُو حَامِد الْخَارْزَنْجِيّ : تَقُول الْعَرَب : سَيْف سَقَّاط بِمَعْنَى مُسْقِط . وَقِيلَ : " بِجَبَّارٍ " بِمُسَيْطِرٍ كَمَا فِي الْغَاشِيَة " لَسْت عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ " [ الْغَاشِيَة : 21 ] . وَقَالَ الْفَرَّاء : سَمِعْت مِنْ الْعَرَب مَنْ يَقُول جَبَرَهُ عَلَى الْأَمْر أَيْ قَهَرَهُ , فَالْجَبَّار مِنْ هَذِهِ اللُّغَة بِمَعْنَى الْقَهْر صَحِيح . قِيلَ : الْجَبَّار مِنْ قَوْلهمْ جَبَرْته عَلَى الْأَمْر أَيْ أَجْبَرْته وَهِيَ لُغَة كِنَانِيَّة وَهُمَا لُغَتَانِ . الْجَوْهَرِيّ : وَأَجْبَرْته عَلَى الْأَمْر أَكْرَهْته عَلَيْهِ , وَأَجْبَرْته أَيْضًا نَسَبْته إِلَى الْجَبْر , كَمَا تَقُول أَكَفَرْته إِذَا نَسَبْته إِلَى الْكُفْر .
قَالَ اِبْن عَبَّاس : قَالُوا يَا رَسُول اللَّه لَوْ خَوَّفْتنَا فَنَزَلَتْ : " فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَاف وَعِيد " أَيْ مَا أَعْدَدْته لِمَنْ عَصَانِي مِنْ الْعَذَاب ; فَالْوَعِيد الْعَذَاب وَالْوَعْد الثَّوَاب , قَالَ الشَّاعِر : وَإِنِّي وَإِنْ أَوْعَدْته أَوْ وَعَدْته لَمُخْلِف إِيعَادِي وَمُنْجِز مَوْعِدِي وَكَانَ قَتَادَة يَقُول : اللَّهُمَّ اِجْعَلْنَا مِمَّنْ يَخَاف وَعِيدك وَيَرْجُو مَوْعِدك . وَأَثْبَتَ الْيَاء فِي " وَعِيدِي " يَعْقُوب فِي الْحَالَيْنِ , وَأَثْبَتَهَا وَرْش فِي الْوَصْل دُون الْوَقْف , وَحَذَفَ الْبَاقُونَ فِي الْحَالَيْنِ . وَاَللَّه أَعْلَم . تَمَّ تَفْسِير سُورَة " ق " وَالْحَمْد لِلَّهِ .
أَيْ بِمُسَلَّطٍ تُجْبِرهُمْ عَلَى الْإِسْلَام ; فَتَكُون الْآيَة مَنْسُوخَة بِالْأَمْرِ بِالْقِتَالِ . وَالْجَبَّار مِنْ الْجَبْرِيَّة وَالتَّسَلُّط إِذْ لَا يُقَال جَبَّار بِمَعْنَى مُجْبِر , كَمَا لَا يُقَال خَرَّاج بِمَعْنَى مُخْرِج ; حَكَاهُ الْقُشَيْرِيّ . النَّحَّاس : وَقِيلَ مَعْنَى جَبَّار لَسْت تُجْبِرهُمْ , وَهُوَ خَطَأ لِأَنَّهُ لَا يَكُون فَعَّال مِنْ أَفَعَلَ . وَحَكَى , الثَّعْلَبِيّ : وَقَالَ ثَعْلَب قَدْ جَاءَتْ أَحْرُف فَعَّال بِمَعْنَى مُفْعِل وَهِيَ شَاذَّة , جَبَّار بِمَعْنَى مُجْبِر , وَدَرَّاك بِمَعْنَى مُدْرِك , وَسَرَّاع بِمَعْنَى مُسْرِع , وَبَكَّاء بِمَعْنَى مُبْكٍ , وَعَدَّاء بِمَعْنَى مُعْدٍ . وَقَدْ قُرِئَ " وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيل الرَّشَّاد " [ غَافِر : 29 ] بِتَشْدِيدِ الشِّين بِمَعْنَى الْمُرْشِد وَهُوَ مُوسَى . وَقِيلَ : هُوَ اللَّه . وَكَذَلِكَ قُرِئَ " أَمَّا السَّفِينَة فَكَانَتْ لِمَسَّاكِينَ " [ الْكَهْف : 79 ] يَعْنِي مُمْسِكِينَ . وَقَالَ أَبُو حَامِد الْخَارْزَنْجِيّ : تَقُول الْعَرَب : سَيْف سَقَّاط بِمَعْنَى مُسْقِط . وَقِيلَ : " بِجَبَّارٍ " بِمُسَيْطِرٍ كَمَا فِي الْغَاشِيَة " لَسْت عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ " [ الْغَاشِيَة : 21 ] . وَقَالَ الْفَرَّاء : سَمِعْت مِنْ الْعَرَب مَنْ يَقُول جَبَرَهُ عَلَى الْأَمْر أَيْ قَهَرَهُ , فَالْجَبَّار مِنْ هَذِهِ اللُّغَة بِمَعْنَى الْقَهْر صَحِيح . قِيلَ : الْجَبَّار مِنْ قَوْلهمْ جَبَرْته عَلَى الْأَمْر أَيْ أَجْبَرْته وَهِيَ لُغَة كِنَانِيَّة وَهُمَا لُغَتَانِ . الْجَوْهَرِيّ : وَأَجْبَرْته عَلَى الْأَمْر أَكْرَهْته عَلَيْهِ , وَأَجْبَرْته أَيْضًا نَسَبْته إِلَى الْجَبْر , كَمَا تَقُول أَكَفَرْته إِذَا نَسَبْته إِلَى الْكُفْر .
قَالَ اِبْن عَبَّاس : قَالُوا يَا رَسُول اللَّه لَوْ خَوَّفْتنَا فَنَزَلَتْ : " فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَاف وَعِيد " أَيْ مَا أَعْدَدْته لِمَنْ عَصَانِي مِنْ الْعَذَاب ; فَالْوَعِيد الْعَذَاب وَالْوَعْد الثَّوَاب , قَالَ الشَّاعِر : وَإِنِّي وَإِنْ أَوْعَدْته أَوْ وَعَدْته لَمُخْلِف إِيعَادِي وَمُنْجِز مَوْعِدِي وَكَانَ قَتَادَة يَقُول : اللَّهُمَّ اِجْعَلْنَا مِمَّنْ يَخَاف وَعِيدك وَيَرْجُو مَوْعِدك . وَأَثْبَتَ الْيَاء فِي " وَعِيدِي " يَعْقُوب فِي الْحَالَيْنِ , وَأَثْبَتَهَا وَرْش فِي الْوَصْل دُون الْوَقْف , وَحَذَفَ الْبَاقُونَ فِي الْحَالَيْنِ . وَاَللَّه أَعْلَم . تَمَّ تَفْسِير سُورَة " ق " وَالْحَمْد لِلَّهِ .