يُرِيد صَيْحَة جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام , وَقَدْ مَضَى فِي " هُود " .
وَقَرَأَ الْحَسَن وَقَتَادَة وَأَبُو الْعَالِيَة " الْمُحْتَظَر " بِفَتْحِ الظَّاء أَرَادُوا الْحَظِيرَة . الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ أَرَادُوا صَاحِب الْحَظِيرَة . وَفِي الصِّحَاح : وَالْمُحْتَظِر الَّذِي يَعْمَل الْحَظِيرَة . وَقُرِئَ " كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِر " فَمَنْ كَسَرَهُ جَعَلَهُ الْفَاعِل وَمَنْ فَتَحَهُ جَعَلَهُ الْمَفْعُول بِهِ . وَيُقَال لِلرَّجُلِ الْقَلِيل الْخَيْر : إِنَّهُ لَنَكِد الْحَظِيرَة . قَالَ أَبُو عُبَيْد : أَرَاهُ سَمَّى أَمْوَاله حَظِيرَة لِأَنَّهُ حَظَرَهَا عِنْده وَمَنَعَهَا , وَهِيَ فَعِيلَة بِمَعْنَى مَفْعُولَة . الْمَهْدَوِيّ : مَنْ فَتَحَ الظَّاء مِنْ " الْمُحْتَظِر " فَهُوَ مَصْدَر , وَالْمَعْنَى كَهَشِيمِ الِاحْتِظَار . وَيَجُوز أَنْ يَكُون " الْمُحْتَظِر " هُوَ الشَّجَر الْمُتَّخَذ مِنْهُ الْحَظِيرَة . قَالَ اِبْن عَبَّاس : " الْمُحْتَظِر " هُوَ الرَّجُل يَجْعَل لِغَنَمِهِ حَظِيرَة بِالشَّجَرِ وَالشَّوْك ; فَمَا سَقَطَ مِنْ ذَلِكَ وَدَاسَتْهُ الْغَنَم فَهُوَ الْهَشِيم . قَالَ : أَثَرْنَ عَجَاجَةً كَدُخَانِ نَار تَشِبّ بِغَرْقَدٍ بَالٍ هَشِيمِ وَعَنْهُ : كَحَشِيشٍ تَأْكُلهُ الْغَنَم . وَعَنْهُ أَيْضًا : كَالْعِظَامِ النَّخِرَة الْمُحْتَرِقَة , وَهُوَ قَوْل قَتَادَة . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : هُوَ التُّرَاب الْمُتَنَاثِر مِنْ الْحِيطَان فِي يَوْم رِيح . وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ : هُوَ مَا تَنَاثَرَ مِنْ الْحَظِيرَة إِذَا ضَرَبْتهَا بِالْعَصَا , وَهُوَ فَعِيل بِمَعْنَى مَفْعُول وَقَالَ اِبْن زَيْد : الْعَرَب تُسَمِّي كُلّ شَيْء كَانَ رَطْبًا فَيَبِسَ هَشِيمًا . وَالْحَظْر الْمَنْع , وَالْمُحْتَظِر الْمُفْتَعِل يُقَال مِنْهُ : اِحْتَظَرَ عَلَى إِبِله وَحَظَرَ أَيْ جَمَعَ الشَّجَر وَوَضَعَ بَعْضه فَوْق بَعْض لِيَمْنَع بَرْد الرِّيح وَالسِّبَاع عَنْ إِبِله ; قَالَ الشَّاعِر : تَرَى جِيَف الْمَطِيّ بِجَانِبَيْهِ كَأَنَّ عِظَامهَا خَشَب الْهَشِيم وَعَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّهُمْ كَانُوا مِثْل الْقَمْح الَّذِي دِيسَ وَهُشِّمَ ; فَالْمُحْتَظِر عَلَى هَذَا الَّذِي يَتَّخِذ حَظِيرَة عَلَى زَرْعه , وَالْهَشِيم فُتَات السُّنْبُلَة وَالتِّبْن .
وَقَرَأَ الْحَسَن وَقَتَادَة وَأَبُو الْعَالِيَة " الْمُحْتَظَر " بِفَتْحِ الظَّاء أَرَادُوا الْحَظِيرَة . الْبَاقُونَ بِالْكَسْرِ أَرَادُوا صَاحِب الْحَظِيرَة . وَفِي الصِّحَاح : وَالْمُحْتَظِر الَّذِي يَعْمَل الْحَظِيرَة . وَقُرِئَ " كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِر " فَمَنْ كَسَرَهُ جَعَلَهُ الْفَاعِل وَمَنْ فَتَحَهُ جَعَلَهُ الْمَفْعُول بِهِ . وَيُقَال لِلرَّجُلِ الْقَلِيل الْخَيْر : إِنَّهُ لَنَكِد الْحَظِيرَة . قَالَ أَبُو عُبَيْد : أَرَاهُ سَمَّى أَمْوَاله حَظِيرَة لِأَنَّهُ حَظَرَهَا عِنْده وَمَنَعَهَا , وَهِيَ فَعِيلَة بِمَعْنَى مَفْعُولَة . الْمَهْدَوِيّ : مَنْ فَتَحَ الظَّاء مِنْ " الْمُحْتَظِر " فَهُوَ مَصْدَر , وَالْمَعْنَى كَهَشِيمِ الِاحْتِظَار . وَيَجُوز أَنْ يَكُون " الْمُحْتَظِر " هُوَ الشَّجَر الْمُتَّخَذ مِنْهُ الْحَظِيرَة . قَالَ اِبْن عَبَّاس : " الْمُحْتَظِر " هُوَ الرَّجُل يَجْعَل لِغَنَمِهِ حَظِيرَة بِالشَّجَرِ وَالشَّوْك ; فَمَا سَقَطَ مِنْ ذَلِكَ وَدَاسَتْهُ الْغَنَم فَهُوَ الْهَشِيم . قَالَ : أَثَرْنَ عَجَاجَةً كَدُخَانِ نَار تَشِبّ بِغَرْقَدٍ بَالٍ هَشِيمِ وَعَنْهُ : كَحَشِيشٍ تَأْكُلهُ الْغَنَم . وَعَنْهُ أَيْضًا : كَالْعِظَامِ النَّخِرَة الْمُحْتَرِقَة , وَهُوَ قَوْل قَتَادَة . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : هُوَ التُّرَاب الْمُتَنَاثِر مِنْ الْحِيطَان فِي يَوْم رِيح . وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ : هُوَ مَا تَنَاثَرَ مِنْ الْحَظِيرَة إِذَا ضَرَبْتهَا بِالْعَصَا , وَهُوَ فَعِيل بِمَعْنَى مَفْعُول وَقَالَ اِبْن زَيْد : الْعَرَب تُسَمِّي كُلّ شَيْء كَانَ رَطْبًا فَيَبِسَ هَشِيمًا . وَالْحَظْر الْمَنْع , وَالْمُحْتَظِر الْمُفْتَعِل يُقَال مِنْهُ : اِحْتَظَرَ عَلَى إِبِله وَحَظَرَ أَيْ جَمَعَ الشَّجَر وَوَضَعَ بَعْضه فَوْق بَعْض لِيَمْنَع بَرْد الرِّيح وَالسِّبَاع عَنْ إِبِله ; قَالَ الشَّاعِر : تَرَى جِيَف الْمَطِيّ بِجَانِبَيْهِ كَأَنَّ عِظَامهَا خَشَب الْهَشِيم وَعَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّهُمْ كَانُوا مِثْل الْقَمْح الَّذِي دِيسَ وَهُشِّمَ ; فَالْمُحْتَظِر عَلَى هَذَا الَّذِي يَتَّخِذ حَظِيرَة عَلَى زَرْعه , وَالْهَشِيم فُتَات السُّنْبُلَة وَالتِّبْن .
أَيْ سَهَّلْنَاهُ لِلْحِفْظِ وَأَعَنَّا عَلَيْهِ مَنْ أَرَادَ حِفْظه ; فَهَلْ مِنْ طَالِب لِحِفْظِهِ فَيُعَان عَلَيْهِ ؟ وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمَعْنَى : وَلَقَدْ هَيَّأْنَاهُ لِلذِّكْرِ مَأْخُوذ مِنْ يَسَّرَ نَاقَته لِلسَّفَرِ : إِذَا رَحَلَهَا وَيَسَّرَ فَرَسه لِلْغَزْوِ إِذَا أَسْرَجَهُ وَأَلْجَمَهُ ; قَالَ : وَقُمْت إِلَيْهِ بِاللِّجَامِ مُيَسِّرًا هُنَالِكَ يَجْزِينِي الَّذِي كُنْت أَصْنَعُ وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : لَيْسَ مِنْ كُتُب اللَّه كِتَاب يُقْرَأ كُلّه ظَاهِرًا إِلَّا الْقُرْآن ; وَقَالَ غَيْره : وَلَمْ يَكُنْ هَذَا لِبَنِي إِسْرَائِيل , وَلَمْ يَكُونُوا يَقْرَءُونَ التَّوْرَاة إِلَّا نَظَرًا , غَيْر مُوسَى وَهَارُون وَيُوشَع بْن نُون وَعُزَيْر صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ , وَمِنْ أَجْل ذَلِكَ اُفْتُتِنُوا بِعُزَيْرٍ لَمَّا كَتَبَ لَهُمْ التَّوْرَاة عَنْ ظَهْر قَلْبه حِين أُحْرِقَتْ ; عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي سُورَة " التَّوْبَة " فَيَسَّرَ اللَّه تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة حِفْظ كِتَابه لِيَذَّكَّرُوا مَا فِيهِ ; أَيْ يَفْتَعِلُوا الذِّكْر , وَالِافْتِعَال هُوَ أَنْ يَنْجَع فِيهِمْ ذَلِكَ حَتَّى يَصِير كَالذَّاتِ وَكَالتَّرْكِيبِ . فِيهِمْ .
قَارِئ يَقْرَؤُهُ . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق وَابْن شَوْذَب : فَهَلْ مِنْ طَالِب خَيْر وَعِلْم فَيُعَان عَلَيْهِ , وَكَرَّرَ فِي هَذِهِ السُّورَة لِلتَّنْبِيهِ وَالْإِفْهَام . وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى اِقْتَصَّ فِي هَذِهِ السُّورَة عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة أَنْبَاء الْأُمَم وَقَصَص الْمُرْسَلِينَ , وَمَا عَامَلَتْهُمْ بِهِ الْأُمَم , وَمَا كَانَ مِنْ عُقْبَى أُمُورهمْ وَأُمُور الْمُرْسَلِينَ ; فَكَانَ فِي كُلّ قِصَّة وَنَبَأ ذِكْر لِلْمُسْتَمِعِ أَنْ لَوْ اِدَّكَرَ , وَإِنَّمَا كَرَّرَ هَذِهِ الْآيَة عِنْد ذِكْر كُلّ قِصَّة بِقَوْلِهِ : " فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر " لِأَنَّ " هَلْ " كَلِمَة اِسْتِفْهَام تَسْتَدْعِي أَفْهَامهمْ الَّتِي رُكِّبَتْ فِي أَجْوَافهمْ وَجَعَلَهَا حُجَّة عَلَيْهِمْ ; فَاللَّام مِنْ " هَلْ " لِلِاسْتِعْرَاضِ وَالْهَاء لِلِاسْتِخْرَاجِ .
قَارِئ يَقْرَؤُهُ . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق وَابْن شَوْذَب : فَهَلْ مِنْ طَالِب خَيْر وَعِلْم فَيُعَان عَلَيْهِ , وَكَرَّرَ فِي هَذِهِ السُّورَة لِلتَّنْبِيهِ وَالْإِفْهَام . وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى اِقْتَصَّ فِي هَذِهِ السُّورَة عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة أَنْبَاء الْأُمَم وَقَصَص الْمُرْسَلِينَ , وَمَا عَامَلَتْهُمْ بِهِ الْأُمَم , وَمَا كَانَ مِنْ عُقْبَى أُمُورهمْ وَأُمُور الْمُرْسَلِينَ ; فَكَانَ فِي كُلّ قِصَّة وَنَبَأ ذِكْر لِلْمُسْتَمِعِ أَنْ لَوْ اِدَّكَرَ , وَإِنَّمَا كَرَّرَ هَذِهِ الْآيَة عِنْد ذِكْر كُلّ قِصَّة بِقَوْلِهِ : " فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر " لِأَنَّ " هَلْ " كَلِمَة اِسْتِفْهَام تَسْتَدْعِي أَفْهَامهمْ الَّتِي رُكِّبَتْ فِي أَجْوَافهمْ وَجَعَلَهَا حُجَّة عَلَيْهِمْ ; فَاللَّام مِنْ " هَلْ " لِلِاسْتِعْرَاضِ وَالْهَاء لِلِاسْتِخْرَاجِ .
أَخْبَرَ عَنْ قَوْم لُوط أَيْضًا لَمَّا كَذَّبُوا لُوطًا .
أَيْ رِيحًا تَرْمِيهِمْ بِالْحَصْبَاءِ وَهِيَ الْحَصَى ; قَالَ النَّضْر : الْحَاصِب الْحَصْبَاء فِي الرِّيح . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : الْحَاصِب الْحِجَارَة . وَفِي الصِّحَاح : وَالْحَاصِب الرِّيح الشَّدِيدَة الَّتِي تُثِير الْحَصْبَاء وَكَذَلِكَ الْحَصِبَة ; قَالَ لَبِيد : جَرَّتْ عَلَيْهَا أَنْ خَوَتْ مِنْ أَهْلهَا أَذْيَالَهَا كُلُّ عَصُوفٍ حَصِبَهْ عَصَفَتْ الرِّيح أَيْ اِشْتَدَّتْ فَهِيَ رِيح عَاصِف وَعَصُوف . وَقَالَ الْفَرَزْدَق : مُسْتَقْبِلِينَ شَمَال الشَّام تَضْرِبنَا بِحَاصِبٍ كَنَدِيفِ الْقُطْن مَنْثُور
يَعْنِي مَنْ تَبِعَهُ عَلَى دِينه وَلَمْ يَكُنْ إِلَّا بِنْتَاهُ
قَالَ الْأَخْفَش : إِنَّمَا أَجْرَاهُ لِأَنَّهُ نَكِرَة , وَلَوْ أَرَادَ سَحَر يَوْم بِعَيْنِهِ لَمَا أَجْرَاهُ , وَنَظِيره : " اِهْبِطُوا مِصْرًا " [ الْبَقَرَة : 61 ] لَمَّا نَكَّرَهُ , فَلَمَّا عَرَّفَهُ فِي قَوْله : " اُدْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّه " [ يُوسُف : 99 ] لَمْ يُجْرِهِ , وَكَذَا قَالَ الزَّجَّاج : " سَحَر " إِذَا كَانَ نَكِرَة يُرَاد بِهِ سَحَر مِنْ الْأَسْحَار يُصْرَف , تَقُول أَتَيْته سَحَرًا , فَإِذَا أَرَدْت سَحَر يَوْمك لَمْ تَصْرِفهُ , تَقُول : أَتَيْته سَحَرَ يَا هَذَا , وَأَتَيْته بِسَحَرَ . وَالسَّحَر : هُوَ مَا بَيْن آخِر اللَّيْل وَطُلُوع الْفَجْر , وَهُوَ فِي كَلَام الْعَرَب اِخْتِلَاط سَوَاد اللَّيْل بِبَيَاضِ أَوَّل النَّهَار ; لِأَنَّ فِي هَذَا الْوَقْت يَكُون مَخَايِيل اللَّيْل وَمَخَايِيل النَّهَار .
يَعْنِي مَنْ تَبِعَهُ عَلَى دِينه وَلَمْ يَكُنْ إِلَّا بِنْتَاهُ
قَالَ الْأَخْفَش : إِنَّمَا أَجْرَاهُ لِأَنَّهُ نَكِرَة , وَلَوْ أَرَادَ سَحَر يَوْم بِعَيْنِهِ لَمَا أَجْرَاهُ , وَنَظِيره : " اِهْبِطُوا مِصْرًا " [ الْبَقَرَة : 61 ] لَمَّا نَكَّرَهُ , فَلَمَّا عَرَّفَهُ فِي قَوْله : " اُدْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّه " [ يُوسُف : 99 ] لَمْ يُجْرِهِ , وَكَذَا قَالَ الزَّجَّاج : " سَحَر " إِذَا كَانَ نَكِرَة يُرَاد بِهِ سَحَر مِنْ الْأَسْحَار يُصْرَف , تَقُول أَتَيْته سَحَرًا , فَإِذَا أَرَدْت سَحَر يَوْمك لَمْ تَصْرِفهُ , تَقُول : أَتَيْته سَحَرَ يَا هَذَا , وَأَتَيْته بِسَحَرَ . وَالسَّحَر : هُوَ مَا بَيْن آخِر اللَّيْل وَطُلُوع الْفَجْر , وَهُوَ فِي كَلَام الْعَرَب اِخْتِلَاط سَوَاد اللَّيْل بِبَيَاضِ أَوَّل النَّهَار ; لِأَنَّ فِي هَذَا الْوَقْت يَكُون مَخَايِيل اللَّيْل وَمَخَايِيل النَّهَار .
إِنْعَامًا مِنَّا عَلَى لُوط وَابْنَتَيْهِ ; فَهُوَ نُصِبَ لِأَنَّهُ مَفْعُول بِهِ .
أَيْ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَأَطَاعَهُ .
أَيْ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَأَطَاعَهُ .
"يَعْنِي لُوطًا خَوَّفَهُمْ
عُقُوبَتنَا وَأَخْذنَا إِيَّاهُمْ بِالْعَذَابِ
أَيْ شَكُّوا فِيمَا أَنْذَرَهُمْ بِهِ الرَّسُول وَلَمْ يُصَدِّقُوهُ , وَهُوَ تَفَاعُل مِنْ الْمِرْيَة .
عُقُوبَتنَا وَأَخْذنَا إِيَّاهُمْ بِالْعَذَابِ
أَيْ شَكُّوا فِيمَا أَنْذَرَهُمْ بِهِ الرَّسُول وَلَمْ يُصَدِّقُوهُ , وَهُوَ تَفَاعُل مِنْ الْمِرْيَة .
أَيْ أَرَادُوا مِنْهُ تَمْكِينهمْ مِمَّنْ كَانَ أَتَاهُ مِنْ الْمَلَائِكَة فِي هَيْئَة الْأَضْيَاف طَلَبًا لِلْفَاحِشَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ . يُقَال : رَاوَدْته عَلَى كَذَا مُرَاوَدَة وَرِوَادًا أَيْ أَرَدْته . وَرَادَ الْكَلَأ يَرُودهُ رَوْدًا وَرِيَادًا , وَارْتَادَهُ اِرْتِيَادًا بِمَعْنًى أَيْ طَلَبَهُ ; وَفِي الْحَدِيث : ( إِذَا بَالَ أَحَدكُمْ فَلْيَرْتَدْ لِبَوْلِهِ ) أَيْ يَطْلُب مَكَانًا لَيِّنًا أَوْ مُنْحَدِرًا .
يُرْوَى أَنَّ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام ضَرَبَهُمْ بِجَنَاحِهِ فَعَمُوا . وَقِيلَ : صَارَتْ أَعْيُنهمْ كَسَائِرِ الْوَجْه لَا يُرَى لَهَا شَقّ , كَمَا تَطْمِس الرِّيح الْأَعْلَام بِمَا تُسْفِي عَلَيْهَا مِنْ التُّرَاب . وَقِيلَ : لَا , بَلْ أَعْمَاهُمْ اللَّه مَعَ صِحَّة أَبْصَارهمْ فَلَمْ يَرَوْهُمْ . قَالَ الضَّحَّاك : طَمَسَ اللَّه عَلَى أَبْصَارهمْ فَلَمْ يَرَوْا الرُّسُل ; فَقَالُوا : لَقَدْ رَأَيْنَاهُمْ حِين دَخَلُوا الْبَيْت فَأَيْنَ ذَهَبُوا ؟ فَرَجَعُوا وَلَمْ يَرَوْهُمْ .
أَيْ فَقُلْنَا لَهُمْ ذُوقُوا , وَالْمُرَاد مِنْ هَذَا الْأَمْر الْخَبَر ; أَيْ فَأَذَقْتهمْ عَذَابِي الَّذِي أَنْذَرَهُمْ بِهِ لُوط .
يُرْوَى أَنَّ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام ضَرَبَهُمْ بِجَنَاحِهِ فَعَمُوا . وَقِيلَ : صَارَتْ أَعْيُنهمْ كَسَائِرِ الْوَجْه لَا يُرَى لَهَا شَقّ , كَمَا تَطْمِس الرِّيح الْأَعْلَام بِمَا تُسْفِي عَلَيْهَا مِنْ التُّرَاب . وَقِيلَ : لَا , بَلْ أَعْمَاهُمْ اللَّه مَعَ صِحَّة أَبْصَارهمْ فَلَمْ يَرَوْهُمْ . قَالَ الضَّحَّاك : طَمَسَ اللَّه عَلَى أَبْصَارهمْ فَلَمْ يَرَوْا الرُّسُل ; فَقَالُوا : لَقَدْ رَأَيْنَاهُمْ حِين دَخَلُوا الْبَيْت فَأَيْنَ ذَهَبُوا ؟ فَرَجَعُوا وَلَمْ يَرَوْهُمْ .
أَيْ فَقُلْنَا لَهُمْ ذُوقُوا , وَالْمُرَاد مِنْ هَذَا الْأَمْر الْخَبَر ; أَيْ فَأَذَقْتهمْ عَذَابِي الَّذِي أَنْذَرَهُمْ بِهِ لُوط .
أَيْ دَائِم عَامّ اِسْتَقَرَّ فِيهِمْ حَتَّى يُفْضِي بِهِمْ إِلَى عَذَاب الْآخِرَة . وَذَلِكَ الْعَذَاب قَلْب قَرْيَتهمْ عَلَيْهِمْ وَجَعْل أَعْلَاهَا أَسْفَلهَا . و " بُكْرَة " هُنَا نَكِرَة فَلِذَلِكَ صُرِفَتْ .
الْعَذَاب الَّذِي نَزَلَ , بِهِمْ مِنْ طَمْس الْأَعْيُن غَيْر الْعَذَاب الَّذِي أُهْلِكُوا بِهِ فَلِذَلِكَ حَسُنَ التَّكْرِير .
أَيْ سَهَّلْنَاهُ لِلْحِفْظِ وَأَعَنَّا عَلَيْهِ مَنْ أَرَادَ حِفْظه ; فَهَلْ مِنْ طَالِب لِحِفْظِهِ فَيُعَان عَلَيْهِ ؟ وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمَعْنَى : وَلَقَدْ هَيَّأْنَاهُ لِلذِّكْرِ مَأْخُوذ مِنْ يَسَّرَ نَاقَته لِلسَّفَرِ : إِذَا رَحَلَهَا وَيَسَّرَ فَرَسه لِلْغَزْوِ إِذَا أَسْرَجَهُ وَأَلْجَمَهُ ; قَالَ : وَقُمْت إِلَيْهِ بِاللِّجَامِ مُيَسِّرًا هُنَالِكَ يَجْزِينِي الَّذِي كُنْت أَصْنَع وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : لَيْسَ مِنْ كُتُب اللَّه كِتَاب يُقْرَأ كُلّه ظَاهِرًا إِلَّا الْقُرْآن ; وَقَالَ غَيْره : وَلَمْ يَكُنْ هَذَا لِبَنِي إِسْرَائِيل , وَلَمْ يَكُونُوا يَقْرَءُونَ التَّوْرَاة إِلَّا نَظَرًا , غَيْر مُوسَى وَهَارُون وَيُوشَع بْن نُون وَعُزَيْر صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِمْ , وَمِنْ أَجْل ذَلِكَ اُفْتُتِنُوا بِعُزَيْرٍ لَمَّا كَتَبَ لَهُمْ التَّوْرَاة عَنْ ظَهْر قَلْبه حِين أُحْرِقَتْ ; عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي سُورَة " التَّوْبَة " فَيَسَّرَ اللَّه تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة حِفْظ كِتَابه لِيَذَّكَّرُوا مَا فِيهِ ; أَيْ يَفْتَعِلُوا الذِّكْر , وَالِافْتِعَال هُوَ أَنْ يَنْجَع فِيهِمْ ذَلِكَ حَتَّى يَصِير كَالذَّاتِ وَكَالتَّرْكِيبِ فِيهِمْ .
قَارِئ يَقْرَؤُهُ . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق وَابْن شَوْذَب : فَهَلْ مِنْ طَالِب خَيْر وَعِلْم فَيُعَان عَلَيْهِ , وَكَرَّرَ فِي هَذِهِ السُّورَة لِلتَّنْبِيهِ وَالْإِفْهَام . وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى اِقْتَصَّ فِي هَذِهِ السُّورَة عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة أَنْبَاء الْأُمَم وَقَصَص الْمُرْسَلِينَ , وَمَا عَامَلَتْهُمْ بِهِ الْأُمَم , وَمَا كَانَ مِنْ عُقْبَى أُمُورهمْ وَأُمُور الْمُرْسَلِينَ ; فَكَانَ فِي كُلّ قِصَّة وَنَبَأ ذِكْر لِلْمُسْتَمِعِ أَنْ لَوْ اِدَّكَرَ , وَإِنَّمَا كَرَّرَ هَذِهِ الْآيَة عِنْد ذِكْر كُلّ قِصَّة بِقَوْلِهِ : " فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر " لِأَنَّ " هَلْ " كَلِمَة اِسْتِفْهَام تَسْتَدْعِي أَفْهَامهمْ الَّتِي رُكِّبَتْ فِي أَجْوَافهمْ وَجَعَلَهَا حُجَّة عَلَيْهِمْ ; فَاللَّام مِنْ " هَلْ " لِلِاسْتِعْرَاضِ وَالْهَاء لِلِاسْتِخْرَاجِ .
قَارِئ يَقْرَؤُهُ . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق وَابْن شَوْذَب : فَهَلْ مِنْ طَالِب خَيْر وَعِلْم فَيُعَان عَلَيْهِ , وَكَرَّرَ فِي هَذِهِ السُّورَة لِلتَّنْبِيهِ وَالْإِفْهَام . وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى اِقْتَصَّ فِي هَذِهِ السُّورَة عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة أَنْبَاء الْأُمَم وَقَصَص الْمُرْسَلِينَ , وَمَا عَامَلَتْهُمْ بِهِ الْأُمَم , وَمَا كَانَ مِنْ عُقْبَى أُمُورهمْ وَأُمُور الْمُرْسَلِينَ ; فَكَانَ فِي كُلّ قِصَّة وَنَبَأ ذِكْر لِلْمُسْتَمِعِ أَنْ لَوْ اِدَّكَرَ , وَإِنَّمَا كَرَّرَ هَذِهِ الْآيَة عِنْد ذِكْر كُلّ قِصَّة بِقَوْلِهِ : " فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر " لِأَنَّ " هَلْ " كَلِمَة اِسْتِفْهَام تَسْتَدْعِي أَفْهَامهمْ الَّتِي رُكِّبَتْ فِي أَجْوَافهمْ وَجَعَلَهَا حُجَّة عَلَيْهِمْ ; فَاللَّام مِنْ " هَلْ " لِلِاسْتِعْرَاضِ وَالْهَاء لِلِاسْتِخْرَاجِ .
" آل فِرْعَوْن " يَعْنِي الْقِبْط و " النُّذُر " مُوسَى وَهَارُون . وَقَدْ يُطْلَق لَفْظ الْجَمْع عَلَى الِاثْنَيْنِ .
مُعْجِزَاتنَا الدَّالَّة عَلَى تَوْحِيدنَا وَنُبُوَّة أَنْبِيَائِنَا ; وَهِيَ الْعَصَا , وَالْيَد , وَالسُّنُونَ , وَالطَّمْسَة , وَالطُّوفَان , وَالْجَرَاد , وَالْقُمَّل , وَالضَّفَادِع , وَالدَّم . وَقِيلَ : " النُّذُر " الرُّسُل ; فَقَدْ جَاءَهُمْ يُوسُف وَبَنُوهُ إِلَى أَنْ جَاءَهُمْ مُوسَى . وَقِيلَ : " النُّذُر " الْإِنْذَار .
أَيْ غَالِب فِي اِنْتِقَامه
أَيْ قَادِر عَلَى مَا أَرَادَ .
أَيْ غَالِب فِي اِنْتِقَامه
أَيْ قَادِر عَلَى مَا أَرَادَ .
خَاطَبَ الْعَرَب . وَقِيلَ : أَرَادَ كُفَّار أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقِيلَ : اِسْتِفْهَام , وَهُوَ اِسْتِفْهَام إِنْكَار وَمَعْنَاهُ النَّفْي ; أَيْ لَيْسَ كُفَّاركُمْ خَيْرًا مِنْ كُفَّار مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ الْأُمَم الَّذِينَ أُهْلِكُوا بِكُفْرِهِمْ .
أَيْ فِي الْكُتُب الْمُنَزَّلَة عَلَى الْأَنْبِيَاء بِالسَّلَامَةِ مِنْ الْعُقُوبَة . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : أَمْ لَكُمْ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ بَرَاءَة مِنْ الْعَذَاب .
أَيْ فِي الْكُتُب الْمُنَزَّلَة عَلَى الْأَنْبِيَاء بِالسَّلَامَةِ مِنْ الْعُقُوبَة . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : أَمْ لَكُمْ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ بَرَاءَة مِنْ الْعَذَاب .
أَيْ جَمَاعَة لَا تُطَاق لِكَثْرَةِ عَدَدهمْ وَقُوَّتهمْ , وَلَمْ يَقُلْ مُنْتَصِرِينَ اِتِّبَاعًا لِرُءُوسِ الْآي ; فَرَدَّ اللَّه عَلَيْهِمْ فَقَالَ :
أَيْ جَمْع كُفَّار مَكَّة , وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ يَوْم بَدْر وَغَيْره . وَقِرَاءَة الْعَامَّة " سَيُهْزَمُ " بِالْيَاءِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله " الْجَمْع " بِالرَّفْعِ . وَقَرَأَ رُوَيْس عَنْ يَعْقُوب " سَنُهْزَمُ " بِالنُّونِ وَكَسْر الزَّاي " الْجَمْع " نَصْبًا .
قِرَاءَة الْعَامَّة بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَر عَنْهُمْ . وَقَرَأَ عِيسَى وَابْن إِسْحَاق وَرُوَيْس عَنْ يَعْقُوب " وَتُوَلُّونَ " بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَاب . و " الدُّبُر " اِسْم جِنْس كَالدِّرْهَمِ وَالدِّينَار فَوُحِّدَ وَالْمُرَاد الْجَمْع لِأَجْلِ رُءُوس الْآي . وَقَالَ مُقَاتِل : ضَرَبَ أَبُو جَهْل فَرَسه يَوْم بَدْر فَتَقَدَّمَ مِنْ الصَّفّ وَقَالَ : نَحْنُ نَنْتَصِر الْيَوْم مِنْ مُحَمَّد وَأَصْحَابه ; فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : " نَحْنُ جَمِيع مُنْتَصِر . سَيُهْزَمُ الْجَمْع وَيُوَلُّونَ الدُّبُر " . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص : لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى : " سَيُهْزَمُ الْجَمْع وَيُوَلُّونَ الدُّبُر " كُنْت لَا أَدْرِي أَيّ الْجَمْع يَنْهَزِم , فَلَمَّا كَانَ يَوْم بَدْر رَأَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَثِب فِي الدِّرْع وَيَقُول : اللَّهُمَّ إِنَّ قُرَيْشًا جَاءَتْك تُحَادُّك وَتُحَادُّ رَسُولك بِفَخْرِهَا وَخُيَلَائِهَا فَأَخْنِهِمْ الْغَدَاة - ثُمَّ قَالَ - " سَيُهْزَمُ الْجَمْع وَيُوَلُّونَ الدُّبُر " فَعَرَفْت تَأْوِيلهَا . وَهَذَا مِنْ مُعْجِزَات النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ غَيْب فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ . أَخْنَى عَلَيْهِ الدَّهْر : أَيْ أَتَى عَلَيْهِ وَأَهْلَكَهُ , وَمِنْهُ قَوْل النَّابِغَة : أَخْنَى عَلَيْهِ الَّذِي أَخْنَى عَلَى لُبَدِ وَأَخْنَيْت عَلَيْهِ : أَفْسَدْت . قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَ بَيْن نُزُول هَذِهِ الْآيَة وَبَيْن بَدْر سَبْع سِنِينَ ; فَالْآيَة عَلَى هَذَا مَكِّيَّة . وَفِي الْبُخَارِيّ عَنْ عَائِشَة أُمّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : لَقَدْ أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّة وَإِنِّي لَجَارِيَة أَلْعَب : " بَلْ السَّاعَة مَوْعِدهمْ وَالسَّاعَة أَدْهَى وَأَمَرّ " . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَهُوَ فِي قُبَّة لَهُ يَوْم بَدْر : ( أَنْشُدُك عَهْدك وَوَعْدك اللَّهُمَّ إِنْ شِئْت لَمْ تُعْبَد بَعْد الْيَوْم أَبَدًا ) فَأَخَذَ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بِيَدِهِ وَقَالَ : حَسْبك يَا رَسُول اللَّه فَقَدْ أَلْحَحْت عَلَى رَبّك ; وَهُوَ فِي الدِّرْع فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُول : " سَيُهْزَمُ الْجَمْع وَيُوَلُّونَ الدُّبُر " .
قِرَاءَة الْعَامَّة بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَر عَنْهُمْ . وَقَرَأَ عِيسَى وَابْن إِسْحَاق وَرُوَيْس عَنْ يَعْقُوب " وَتُوَلُّونَ " بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَاب . و " الدُّبُر " اِسْم جِنْس كَالدِّرْهَمِ وَالدِّينَار فَوُحِّدَ وَالْمُرَاد الْجَمْع لِأَجْلِ رُءُوس الْآي . وَقَالَ مُقَاتِل : ضَرَبَ أَبُو جَهْل فَرَسه يَوْم بَدْر فَتَقَدَّمَ مِنْ الصَّفّ وَقَالَ : نَحْنُ نَنْتَصِر الْيَوْم مِنْ مُحَمَّد وَأَصْحَابه ; فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : " نَحْنُ جَمِيع مُنْتَصِر . سَيُهْزَمُ الْجَمْع وَيُوَلُّونَ الدُّبُر " . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص : لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى : " سَيُهْزَمُ الْجَمْع وَيُوَلُّونَ الدُّبُر " كُنْت لَا أَدْرِي أَيّ الْجَمْع يَنْهَزِم , فَلَمَّا كَانَ يَوْم بَدْر رَأَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَثِب فِي الدِّرْع وَيَقُول : اللَّهُمَّ إِنَّ قُرَيْشًا جَاءَتْك تُحَادُّك وَتُحَادُّ رَسُولك بِفَخْرِهَا وَخُيَلَائِهَا فَأَخْنِهِمْ الْغَدَاة - ثُمَّ قَالَ - " سَيُهْزَمُ الْجَمْع وَيُوَلُّونَ الدُّبُر " فَعَرَفْت تَأْوِيلهَا . وَهَذَا مِنْ مُعْجِزَات النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ غَيْب فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ . أَخْنَى عَلَيْهِ الدَّهْر : أَيْ أَتَى عَلَيْهِ وَأَهْلَكَهُ , وَمِنْهُ قَوْل النَّابِغَة : أَخْنَى عَلَيْهِ الَّذِي أَخْنَى عَلَى لُبَدِ وَأَخْنَيْت عَلَيْهِ : أَفْسَدْت . قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَ بَيْن نُزُول هَذِهِ الْآيَة وَبَيْن بَدْر سَبْع سِنِينَ ; فَالْآيَة عَلَى هَذَا مَكِّيَّة . وَفِي الْبُخَارِيّ عَنْ عَائِشَة أُمّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّه عَنْهَا قَالَتْ : لَقَدْ أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّة وَإِنِّي لَجَارِيَة أَلْعَب : " بَلْ السَّاعَة مَوْعِدهمْ وَالسَّاعَة أَدْهَى وَأَمَرّ " . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَهُوَ فِي قُبَّة لَهُ يَوْم بَدْر : ( أَنْشُدُك عَهْدك وَوَعْدك اللَّهُمَّ إِنْ شِئْت لَمْ تُعْبَد بَعْد الْيَوْم أَبَدًا ) فَأَخَذَ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بِيَدِهِ وَقَالَ : حَسْبك يَا رَسُول اللَّه فَقَدْ أَلْحَحْت عَلَى رَبّك ; وَهُوَ فِي الدِّرْع فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُول : " سَيُهْزَمُ الْجَمْع وَيُوَلُّونَ الدُّبُر " .
يُرِيد الْقِيَامَة .
أَيْ أَدْهَى وَأَمَرّ مِمَّا لَحِقَهُمْ يَوْم بَدْر . و " أَدْهَى " مِنْ الدَّاهِيَة وَهِيَ الْأَمْر الْعَظِيم ; يُقَال : دَهَاهُ أَمْر كَذَا - أَيْ أَصَابَهُ - دَهْوًا وَدَهْيًا . وَقَالَ اِبْن السِّكِّيت : دَهَتْهُ دَاهِيَة دَهْوَاء وَدَهْيَاء وَهِيَ تَوْكِيد لَهَا .
أَيْ أَدْهَى وَأَمَرّ مِمَّا لَحِقَهُمْ يَوْم بَدْر . و " أَدْهَى " مِنْ الدَّاهِيَة وَهِيَ الْأَمْر الْعَظِيم ; يُقَال : دَهَاهُ أَمْر كَذَا - أَيْ أَصَابَهُ - دَهْوًا وَدَهْيًا . وَقَالَ اِبْن السِّكِّيت : دَهَتْهُ دَاهِيَة دَهْوَاء وَدَهْيَاء وَهِيَ تَوْكِيد لَهَا .
أَيْ فِي حَيْدَة عَنْ الْحَقّ و " سُعُر " أَيْ اِحْتِرَاق . وَقِيلَ : جُنُون عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي هَذِهِ السُّورَة .
فِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : جَاءَ مُشْرِكُو قُرَيْش يُخَاصِمُونَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقَدَر فَنَزَلَتْ : " يَوْم يُسْحَبُونَ فِي النَّار عَلَى وُجُوههمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ . إِنَّا كُلّ شَيْء خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ " خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضًا وَقَالَ : حَدِيث حَسَن صَحِيح . وَرَوَى مُسْلِم عَنْ طَاوُس قَالَ : أَدْرَكْت نَاسًا مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ : كُلّ شَيْء بِقَدَرٍ . قَالَ : وَسَمِعْت عَبْد اللَّه بْن عُمَر يَقُول : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كُلّ شَيْء بِقَدَرٍ حَتَّى الْعَجْز وَالْكَيْس - أَوْ الْكَيْس وَالْعَجْز ) وَهَذَا إِبْطَال لِمَذْهَبِ الْقَدَرِيَّة . " ذُوقُوا " أَيْ يُقَال لَهُمْ ذُوقُوا , وَمَسُّهَا مَا يَجِدُونَ مِنْ الْأَلَم عِنْد الْوُقُوع فِيهَا . و " سَقَرَ " اِسْم مِنْ أَسْمَاء جَهَنَّم لَا يَنْصَرِف ; لِأَنَّهُ اِسْم مُؤَنَّث مَعْرِفَة , وَكَذَا لَظَى وَجَهَنَّم . وَقَالَ عَطَاء : " سَقَر " الطَّبَق السَّادِس مِنْ جَهَنَّم . وَقَالَ قُطْرُب : " سَقَر " مِنْ سَقَرَتْهُ الشَّمْس وَصَقَرَتْهُ لَوَّحَتْهُ . وَيَوْم مُسَمْقِر وَمُصَمْقِر : شَدِيد الْحَرّ .
قِرَاءَة الْعَامَّة " كُلَّ " بِالنَّصْبِ . وَقَرَأَ أَبُو السَّمَّال " كُلُّ " بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاء . وَمَنْ نَصَبَ فَبِإِضْمَارِ فِعْل وَهُوَ اِخْتِيَار الْكُوفِيِّينَ ; لِأَنَّ إِنَّ تَطْلُب الْفِعْل فَهِيَ بِهِ أَوْلَى , وَالنَّصْب أَدَلّ عَلَى الْعُمُوم فِي الْمَخْلُوقَات لِلَّهِ تَعَالَى ; لِأَنَّك لَوْ حَذَفْت " خَلَقْنَاهُ " الْمُفَسِّر وَأَظْهَرْت الْأَوَّل لَصَارَ إِنَّا خَلَقْنَا كُلّ شَيْء بِقَدَرٍ . وَلَا يَصِحّ كَوْن خَلَقْنَاهُ صِفَة لِشَيْءٍ ; لِأَنَّ الصِّفَة لَا تَعْمَل فِيمَا قَبْل الْمَوْصُوف , وَلَا تَكُون تَفْسِيرًا لِمَا يَعْمَل فِيمَا قَبْله . " إِنَّا كُلّ شَيْء خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ "
الَّذِي عَلَيْهِ أَهْل السُّنَّة أَنَّ اللَّه سُبْحَانه قَدَّرَ الْأَشْيَاء ; أَيْ عَلِمَ مَقَادِيرهَا وَأَحْوَالهَا وَأَزْمَانهَا قَبْل إِيجَادهَا , ثُمَّ أَوْجَدَ مِنْهَا مَا سَبَقَ فِي عِلْمه أَنَّهُ يُوجِدهُ عَلَى نَحْو مَا سَبَقَ فِي عِلْمه , فَلَا يَحْدُث حَدَث فِي الْعَالَم الْعُلْوِيّ وَالسُّفْلِيّ إِلَّا وَهُوَ صَادِر عَنْ عِلْمه تَعَالَى وَقُدْرَته وَإِرَادَته دُون خَلْقه , وَأَنَّ الْخَلْق لَيْسَ لَهُمْ فِيهَا إِلَّا نَوْع اِكْتِسَاب وَمُحَاوَلَة وَنِسْبَة وَإِضَافَة , وَأَنَّ ذَلِكَ كُلّه إِنَّمَا حَصَلَ لَهُمْ بِتَيْسِيرِ اللَّه تَعَالَى وَبِقُدْرَتِهِ وَتَوْفِيقه وَإِلْهَامه , سُبْحَانه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ , وَلَا خَالِق غَيْره ; كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْقُرْآن وَالسُّنَّة , لَا كَمَا قَالَتْ الْقَدَرِيَّة وَغَيْرهمْ مِنْ أَنَّ الْأَعْمَال إِلَيْنَا وَالْآجَال بِيَدِ غَيْرنَا . قَالَ أَبُو ذَرّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : قَدِمَ وَفْد نَجْرَان عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : الْأَعْمَال إِلَيْنَا وَالْآجَال بِيَدِ غَيْرنَا ; فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَات إِلَى قَوْله : " إِنَّا كُلّ شَيْء خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ " فَقَالُوا : يَا مُحَمَّد يَكْتُب عَلَيْنَا الذَّنْب وَيُعَذِّبنَا ؟ فَقَالَ : ( أَنْتُمْ خُصَمَاء اللَّه يَوْم الْقِيَامَة ) .
رَوَى أَبُو الزُّبَيْر عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ مَجُوس هَذِهِ الْأُمَّة الْمُكَذِّبُونَ بِأَقْدَارِ اللَّه إِنْ مَرِضُوا فَلَا تَعُودُوهُمْ وَإِنْ مَاتُوا فَلَا تَشْهَدُوهُمْ وَإِنْ لَقِيتُمُوهُمْ فَلَا تُسَلِّمُوا عَلَيْهِمْ ) . خَرَّجَهُ اِبْن مَاجَهْ فِي سُنَنه . وَخَرَّجَ أَيْضًا عَنْ اِبْن عَبَّاس وَجَابِر قَالَا : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي لَيْسَ لَهُمْ فِي الْإِسْلَام نَصِيب أَهْل الْإِرْجَاء وَالْقَدَر ) . وَأَسْنَدَ النَّحَّاس : وَحَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن شَرِيك الْكُوفِيّ قَالَ حَدَّثَنَا عُقْبَة بْن مُكْرَم الضَّبِّيّ قَالَ حَدَّثَنَا يُونُس بْن بُكَيْر عَنْ سَعِيد بْن مَيْسَرَة عَنْ أَنَس قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْقَدَرِيَّة الَّذِينَ يَقُولُونَ الْخَيْر وَالشَّرّ بِأَيْدِينَا لَيْسَ لَهُمْ فِي شَفَاعَتِي نَصِيب وَلَا أَنَا مِنْهُمْ وَلَا هُمْ مِنِّي ) وَفِي صَحِيح مُسْلِم أَنَّ اِبْن عُمَر تَبَرَّأَ مِنْهُمْ وَلَا يَتَبَرَّأُ إِلَّا مِنْ كَافِر , ثُمَّ أَكَّدَ هَذَا بِقَوْلِهِ : وَاَلَّذِي يَحْلِف بِهِ عَبْد اللَّه بْن عُمَر لَوْ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ مِثْل أُحُد ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَ اللَّه مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِن بِالْقَدَرِ . وَهَذَا مِثْل قَوْله تَعَالَى فِي الْمُنَافِقِينَ : " وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَل مِنْهُمْ نَفَقَاتهمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ " [ التَّوْبَة : 54 ] وَهَذَا وَاضِح . وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْإِيمَان بِالْقَدَرِ يُذْهِب الْهَمّ وَالْحَزَن ) .
الَّذِي عَلَيْهِ أَهْل السُّنَّة أَنَّ اللَّه سُبْحَانه قَدَّرَ الْأَشْيَاء ; أَيْ عَلِمَ مَقَادِيرهَا وَأَحْوَالهَا وَأَزْمَانهَا قَبْل إِيجَادهَا , ثُمَّ أَوْجَدَ مِنْهَا مَا سَبَقَ فِي عِلْمه أَنَّهُ يُوجِدهُ عَلَى نَحْو مَا سَبَقَ فِي عِلْمه , فَلَا يَحْدُث حَدَث فِي الْعَالَم الْعُلْوِيّ وَالسُّفْلِيّ إِلَّا وَهُوَ صَادِر عَنْ عِلْمه تَعَالَى وَقُدْرَته وَإِرَادَته دُون خَلْقه , وَأَنَّ الْخَلْق لَيْسَ لَهُمْ فِيهَا إِلَّا نَوْع اِكْتِسَاب وَمُحَاوَلَة وَنِسْبَة وَإِضَافَة , وَأَنَّ ذَلِكَ كُلّه إِنَّمَا حَصَلَ لَهُمْ بِتَيْسِيرِ اللَّه تَعَالَى وَبِقُدْرَتِهِ وَتَوْفِيقه وَإِلْهَامه , سُبْحَانه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ , وَلَا خَالِق غَيْره ; كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْقُرْآن وَالسُّنَّة , لَا كَمَا قَالَتْ الْقَدَرِيَّة وَغَيْرهمْ مِنْ أَنَّ الْأَعْمَال إِلَيْنَا وَالْآجَال بِيَدِ غَيْرنَا . قَالَ أَبُو ذَرّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : قَدِمَ وَفْد نَجْرَان عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : الْأَعْمَال إِلَيْنَا وَالْآجَال بِيَدِ غَيْرنَا ; فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَات إِلَى قَوْله : " إِنَّا كُلّ شَيْء خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ " فَقَالُوا : يَا مُحَمَّد يَكْتُب عَلَيْنَا الذَّنْب وَيُعَذِّبنَا ؟ فَقَالَ : ( أَنْتُمْ خُصَمَاء اللَّه يَوْم الْقِيَامَة ) .
رَوَى أَبُو الزُّبَيْر عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ مَجُوس هَذِهِ الْأُمَّة الْمُكَذِّبُونَ بِأَقْدَارِ اللَّه إِنْ مَرِضُوا فَلَا تَعُودُوهُمْ وَإِنْ مَاتُوا فَلَا تَشْهَدُوهُمْ وَإِنْ لَقِيتُمُوهُمْ فَلَا تُسَلِّمُوا عَلَيْهِمْ ) . خَرَّجَهُ اِبْن مَاجَهْ فِي سُنَنه . وَخَرَّجَ أَيْضًا عَنْ اِبْن عَبَّاس وَجَابِر قَالَا : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي لَيْسَ لَهُمْ فِي الْإِسْلَام نَصِيب أَهْل الْإِرْجَاء وَالْقَدَر ) . وَأَسْنَدَ النَّحَّاس : وَحَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن شَرِيك الْكُوفِيّ قَالَ حَدَّثَنَا عُقْبَة بْن مُكْرَم الضَّبِّيّ قَالَ حَدَّثَنَا يُونُس بْن بُكَيْر عَنْ سَعِيد بْن مَيْسَرَة عَنْ أَنَس قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْقَدَرِيَّة الَّذِينَ يَقُولُونَ الْخَيْر وَالشَّرّ بِأَيْدِينَا لَيْسَ لَهُمْ فِي شَفَاعَتِي نَصِيب وَلَا أَنَا مِنْهُمْ وَلَا هُمْ مِنِّي ) وَفِي صَحِيح مُسْلِم أَنَّ اِبْن عُمَر تَبَرَّأَ مِنْهُمْ وَلَا يَتَبَرَّأُ إِلَّا مِنْ كَافِر , ثُمَّ أَكَّدَ هَذَا بِقَوْلِهِ : وَاَلَّذِي يَحْلِف بِهِ عَبْد اللَّه بْن عُمَر لَوْ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ مِثْل أُحُد ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَ اللَّه مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِن بِالْقَدَرِ . وَهَذَا مِثْل قَوْله تَعَالَى فِي الْمُنَافِقِينَ : " وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَل مِنْهُمْ نَفَقَاتهمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ " [ التَّوْبَة : 54 ] وَهَذَا وَاضِح . وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْإِيمَان بِالْقَدَرِ يُذْهِب الْهَمّ وَالْحَزَن ) .
أَيْ إِلَّا مَرَّة وَاحِدَة .
أَيْ قَضَائِي فِي خَلْقِي أَسْرَعُ مِنْ لَمْح الْبَصَر . وَاللَّمْح النَّظَر بِالْعَجَلَةِ ; يُقَال : لَمَحَ الْبَرْق بِبَصَرِهِ . وَفِي الصِّحَاح : لَمَحَهُ وَأَلْمَحَهُ إِذَا أَبْصَرَهُ بِنَظَرٍ خَفِيف , وَالِاسْم اللَّمْحَة , وَلَمَحَ الْبَرْق وَالنَّجْم لَمْحًا أَيْ لَمَعَ .
أَيْ قَضَائِي فِي خَلْقِي أَسْرَعُ مِنْ لَمْح الْبَصَر . وَاللَّمْح النَّظَر بِالْعَجَلَةِ ; يُقَال : لَمَحَ الْبَرْق بِبَصَرِهِ . وَفِي الصِّحَاح : لَمَحَهُ وَأَلْمَحَهُ إِذَا أَبْصَرَهُ بِنَظَرٍ خَفِيف , وَالِاسْم اللَّمْحَة , وَلَمَحَ الْبَرْق وَالنَّجْم لَمْحًا أَيْ لَمَعَ .
أَيْ أَشْبَاهكُمْ فِي الْكُفْر مِنْ الْأُمَم الْخَالِيَة . وَقِيلَ : أَتْبَاعكُمْ وَأَعْوَانكُمْ .
أَيْ مَنْ يَتَذَكَّر . وَقِيلَ فَهَلْ مِنْ قَارِئ يَقْرَؤُهُ . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق وَابْن شَوْذَب : فَهَلْ مِنْ طَالِب خَيْر وَعِلْم فَيُعَان عَلَيْهِ , وَكَرَّرَ فِي هَذِهِ السُّورَة لِلتَّنْبِيهِ وَالْإِفْهَام . وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى اِقْتَصَّ فِي هَذِهِ السُّورَة عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة أَنْبَاء الْأُمَم وَقَصَص الْمُرْسَلِينَ , وَمَا عَامَلَتْهُمْ بِهِ الْأُمَم , وَمَا كَانَ مِنْ عُقْبَى أُمُورهمْ وَأُمُور الْمُرْسَلِينَ ; فَكَانَ فِي كُلّ قِصَّة وَنَبَأ ذِكْر لِلْمُسْتَمِعِ أَنْ لَوْ ادَّكَرَ , وَإِنَّمَا كَرَّرَ هَذِهِ الْآيَة عِنْد ذِكْر كُلّ قِصَّة بِقَوْلِهِ : " فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر " لِأَنَّ " هَلْ " كَلِمَة اِسْتِفْهَام تَسْتَدْعِي أَفْهَامهمْ الَّتِي رُكِّبَتْ فِي أَجْوَافهمْ وَجَعَلَهَا حُجَّة عَلَيْهِمْ ; فَاللَّام مِنْ " هَلْ " لِلِاسْتِعْرَاضِ وَالْهَاء لِلِاسْتِخْرَاجِ .
أَيْ مَنْ يَتَذَكَّر . وَقِيلَ فَهَلْ مِنْ قَارِئ يَقْرَؤُهُ . وَقَالَ أَبُو بَكْر الْوَرَّاق وَابْن شَوْذَب : فَهَلْ مِنْ طَالِب خَيْر وَعِلْم فَيُعَان عَلَيْهِ , وَكَرَّرَ فِي هَذِهِ السُّورَة لِلتَّنْبِيهِ وَالْإِفْهَام . وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى اِقْتَصَّ فِي هَذِهِ السُّورَة عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة أَنْبَاء الْأُمَم وَقَصَص الْمُرْسَلِينَ , وَمَا عَامَلَتْهُمْ بِهِ الْأُمَم , وَمَا كَانَ مِنْ عُقْبَى أُمُورهمْ وَأُمُور الْمُرْسَلِينَ ; فَكَانَ فِي كُلّ قِصَّة وَنَبَأ ذِكْر لِلْمُسْتَمِعِ أَنْ لَوْ ادَّكَرَ , وَإِنَّمَا كَرَّرَ هَذِهِ الْآيَة عِنْد ذِكْر كُلّ قِصَّة بِقَوْلِهِ : " فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر " لِأَنَّ " هَلْ " كَلِمَة اِسْتِفْهَام تَسْتَدْعِي أَفْهَامهمْ الَّتِي رُكِّبَتْ فِي أَجْوَافهمْ وَجَعَلَهَا حُجَّة عَلَيْهِمْ ; فَاللَّام مِنْ " هَلْ " لِلِاسْتِعْرَاضِ وَالْهَاء لِلِاسْتِخْرَاجِ .
أَيْ جَمِيع مَا فَعَلَتْهُ الْأُمَم قَبْلهمْ مِنْ خَيْر أَوْ شَرّ كَانَ مَكْتُوبًا عَلَيْهِمْ ; وَهَذَا بَيَان قَوْله : " إِنَّا كُلّ شَيْء خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ " . " فِي الزُّبُر " أَيْ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ . وَقِيلَ : فِي كُتُب الْحَفَظَة . وَقِيلَ : فِي أُمّ الْكِتَاب .
أَيْ كُلّ ذَنْب كَبِير وَصَغِير مَكْتُوب عَلَى عَامِله قَبْل أَنْ يَفْعَلهُ لِيُجَازَى بِهِ , وَمَكْتُوب إِذَا فَعَلَهُ ; سَطَرَ يَسْطُر سَطْرًا كَتَبَ ; وَاسْتَطَرَ مِثْله .
لَمَّا وَصَفَ الْكُفَّار وَصَفَ الْمُؤْمِنِينَ أَيْضًا . " وَنَهَر " يَعْنِي أَنْهَار الْمَاء وَالْخَمْر وَالْعَسَل وَاللَّبَن ; قَالَهُ اِبْن جُرَيْج . وَوُحِّدَ لِأَنَّهُ رَأْس الْآيَة , ثُمَّ الْوَاحِد قَدْ يُنْبِئ عَنْ الْجَمِيع . وَقِيلَ : فِي " نَهَر " فِي ضِيَاء وَسَعَة ; وَمِنْهُ النَّهَار لِضِيَائِهِ , وَمِنْهُ أَنْهَرْت الْجُرْح ; قَالَ الشَّاعِر : مَلَكْت بِهَا كَفِّي فَأَنْهَرْت فَتْقَهَا يَرَى قَائِم مِنْ دُونهَا مَا وَرَاءَهَا وَقَرَأَ أَبُو مِجْلَزٍ وَأَبُو نَهِيك وَالْأَعْرَج وَطَلْحَة بْن مُصَرِّف وَقَتَادَة " وَنُهُر " بِضَمَّتَيْنِ كَأَنَّهُ جَمْع نَهَار لَا لَيْل لَهُمْ ; كَسَحَابٍ وَسُحُب . قَالَ الْفَرَّاء : أَنْشَدَنِي بَعْض الْعَرَب : إِنْ تَكُ لَيْلِيًّا فَإِنِّي نَهِرُ مَتَى أَرَى الصُّبْح فَلَا أَنْتَظِرُ أَيْ صَاحِب النَّهَار . وَقَالَ آخَر : لَوْلَا الثَّرِيدَانِ هَلَكْنَا بِالضُّمُرْ ثَرِيد لَيْل وَثَرِيد بِالنُّهُرْ
أَيْ مَجْلِس حَقّ لَا لَغْو فِيهِ وَلَا تَأْثِيم وَهُوَ الْجَنَّة
أَيْ يُقَدِّر عَلَى مَا يَشَاء . و " عِنْد " هَاهُنَا عِنْدِيَّة الْقُرْبَة وَالزُّلْفَة وَالْمَكَانَة وَالرُّتْبَة وَالْكَرَامَة وَالْمَنْزِلَة . قَالَ الصَّادِق : مَدَحَ اللَّه الْمَكَان الصِّدْق فَلَا يَقْعُد فِيهِ إِلَّا أَهْل الصِّدْق . وَقَرَأَ عُثْمَان الْبَتِّيّ " فِي مَقَاعِد صِدْق " بِالْجَمْعِ ; وَالْمَقَاعِد مَوَاضِع قُعُود النَّاس فِي الْأَسْوَاق وَغَيْرهَا . قَالَ عَبْد اللَّه بْن بُرَيْدَة : إِنَّ أَهْل الْجَنَّة يَدْخُلُونَ كُلّ يَوْم عَلَى الْجَبَّار تَبَارَكَ وَتَعَالَى , فَيَقْرَءُونَ الْقُرْآن عَلَى رَبّهمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى , وَقَدْ جَلَسَ كُلّ إِنْسَان مَجْلِسه الَّذِي هُوَ مَجْلِسه , عَلَى مَنَابِر مِنْ الدُّرّ وَالْيَاقُوت وَالزَّبَرْجَد وَالذَّهَب وَالْفِضَّة بِقَدْرِ أَعْمَالهمْ , فَلَا تَقَرّ أَعْيُنهمْ بِشَيْءٍ قَطُّ كَمَا تَقَرّ بِذَلِكَ , وَلَمْ يَسْمَعُوا شَيْئًا أَعْظَمَ وَلَا أَحْسَنَ مِنْهُ , ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ إِلَى مَنَازِلهمْ , قَرِيرَة أَعْيُنهمْ إِلَى مِثْلهَا مِنْ الْغَد . وَقَالَ ثَوْر بْن يَزِيد عَنْ خَالِد بْن مَعْدَان : بَلَغَنَا أَنَّ الْمَلَائِكَة يَأْتُونَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْم الْقِيَامَة فَيَقُولُونَ : يَا أَوْلِيَاء اللَّه اِنْطَلِقُوا ; فَيَقُولُونَ : إِلَى أَيْنَ ؟ فَيَقُولُونَ : إِلَى الْجَنَّة ; فَيَقُول الْمُؤْمِنُونَ : إِنَّكُمْ تَذْهَبُونَ بِنَا إِلَى غَيْر بُغْيَتنَا . فَيَقُولُونَ : فَمَا بُغْيَتكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : مَقْعَد صِدْق عِنْد مَلِيك مُقْتَدِر . وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْخَبَر عَلَى الْخُصُوص بِهَذَا الْمَعْنَى ; فَفِي الْخَبَر : أَنَّ طَائِفَة مِنْ الْعُقَلَاء بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تَزُفّهَا الْمَلَائِكَة إِلَى الْجَنَّة وَالنَّاس فِي الْحِسَاب , فَيَقُولُونَ لِلْمَلَائِكَةِ : إِلَى أَيْنَ تَحْمِلُونَنَا ؟ فَيَقُولُونَ إِلَى الْجَنَّة . فَيَقُولُونَ : إِنَّكُمْ لَتَحْمِلُونَنَا إِلَى غَيْر بُغْيَتنَا ; فَيَقُولُونَ : وَمَا بُغْيَتكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : الْمَقْعَد الصِّدْق مَعَ الْحَبِيب كَمَا أَخْبَرَ " فِي مَقْعَد صِدْق عِنْد مَلِيك مُقْتَدِر " وَاَللَّه أَعْلَمُ . تَمَّ تَفْسِير سُورَة " الْقَمَر " وَالْحَمْد لِلَّهِ .
أَيْ يُقَدِّر عَلَى مَا يَشَاء . و " عِنْد " هَاهُنَا عِنْدِيَّة الْقُرْبَة وَالزُّلْفَة وَالْمَكَانَة وَالرُّتْبَة وَالْكَرَامَة وَالْمَنْزِلَة . قَالَ الصَّادِق : مَدَحَ اللَّه الْمَكَان الصِّدْق فَلَا يَقْعُد فِيهِ إِلَّا أَهْل الصِّدْق . وَقَرَأَ عُثْمَان الْبَتِّيّ " فِي مَقَاعِد صِدْق " بِالْجَمْعِ ; وَالْمَقَاعِد مَوَاضِع قُعُود النَّاس فِي الْأَسْوَاق وَغَيْرهَا . قَالَ عَبْد اللَّه بْن بُرَيْدَة : إِنَّ أَهْل الْجَنَّة يَدْخُلُونَ كُلّ يَوْم عَلَى الْجَبَّار تَبَارَكَ وَتَعَالَى , فَيَقْرَءُونَ الْقُرْآن عَلَى رَبّهمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى , وَقَدْ جَلَسَ كُلّ إِنْسَان مَجْلِسه الَّذِي هُوَ مَجْلِسه , عَلَى مَنَابِر مِنْ الدُّرّ وَالْيَاقُوت وَالزَّبَرْجَد وَالذَّهَب وَالْفِضَّة بِقَدْرِ أَعْمَالهمْ , فَلَا تَقَرّ أَعْيُنهمْ بِشَيْءٍ قَطُّ كَمَا تَقَرّ بِذَلِكَ , وَلَمْ يَسْمَعُوا شَيْئًا أَعْظَمَ وَلَا أَحْسَنَ مِنْهُ , ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ إِلَى مَنَازِلهمْ , قَرِيرَة أَعْيُنهمْ إِلَى مِثْلهَا مِنْ الْغَد . وَقَالَ ثَوْر بْن يَزِيد عَنْ خَالِد بْن مَعْدَان : بَلَغَنَا أَنَّ الْمَلَائِكَة يَأْتُونَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْم الْقِيَامَة فَيَقُولُونَ : يَا أَوْلِيَاء اللَّه اِنْطَلِقُوا ; فَيَقُولُونَ : إِلَى أَيْنَ ؟ فَيَقُولُونَ : إِلَى الْجَنَّة ; فَيَقُول الْمُؤْمِنُونَ : إِنَّكُمْ تَذْهَبُونَ بِنَا إِلَى غَيْر بُغْيَتنَا . فَيَقُولُونَ : فَمَا بُغْيَتكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : مَقْعَد صِدْق عِنْد مَلِيك مُقْتَدِر . وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْخَبَر عَلَى الْخُصُوص بِهَذَا الْمَعْنَى ; فَفِي الْخَبَر : أَنَّ طَائِفَة مِنْ الْعُقَلَاء بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تَزُفّهَا الْمَلَائِكَة إِلَى الْجَنَّة وَالنَّاس فِي الْحِسَاب , فَيَقُولُونَ لِلْمَلَائِكَةِ : إِلَى أَيْنَ تَحْمِلُونَنَا ؟ فَيَقُولُونَ إِلَى الْجَنَّة . فَيَقُولُونَ : إِنَّكُمْ لَتَحْمِلُونَنَا إِلَى غَيْر بُغْيَتنَا ; فَيَقُولُونَ : وَمَا بُغْيَتكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : الْمَقْعَد الصِّدْق مَعَ الْحَبِيب كَمَا أَخْبَرَ " فِي مَقْعَد صِدْق عِنْد مَلِيك مُقْتَدِر " وَاَللَّه أَعْلَمُ . تَمَّ تَفْسِير سُورَة " الْقَمَر " وَالْحَمْد لِلَّهِ .