أَيْ يَا ذَا الَّذِي قَدْ تَدَثَّرَ بِثِيَابِهِ , أَيْ تَغَشَّى بِهَا وَنَامَ , وَأَصْله الْمُتَدَثِّر فَأُدْغِمَتْ التَّاء فِي الدَّال لِتَجَانُسِهِمَا . وَقَرَأَ أُبَيّ " الْمُتَدَثِّر " عَلَى الْأَصْل .
وَقَالَ مُقَاتِل : مُعْظَم هَذِهِ السُّورَة فِي الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة .
وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه وَكَانَ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحَدِّث - قَالَ . قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُحَدِّث عَنْ فَتْرَة الْوَحْي - قَالَ فِي حَدِيثه : ( فَبَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي سَمِعْت صَوْتًا مِنْ السَّمَاء فَرَفَعْت رَأْسِي , فَإِذَا الْمَلَك الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاء جَالِسًا عَلَى كُرْسِيّ بَيْنَ السَّمَاء وَالْأَرْض ) . قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَجُئِثْتُ مِنْهُ فَرَقًا , فَرَجَعْت فَقُلْت زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي , فَدَثَّرُونِي , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر . قُمْ فَأَنْذِرْ . وَرَبّك فَكَبِّرْ . وَثِيَابك فَطَهِّرْ . وَالرُّجْز فَاهْجُرْ " ) فِي رِوَايَة - قَبْل أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَاة - وَهِيَ الْأَوْثَان قَالَ : ( ثُمَّ تَتَابَعَ الْوَحْي ) . خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضًا وَقَالَ : حَدِيث حَسَن صَحِيح .
قَالَ مُسْلِم : وَحَدَّثَنَا زُهَيْر بْن حَرْب , قَالَ : حَدَّثَنَا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيّ قَالَ : سَمِعْت يَحْيَى يَقُول : سَأَلْت أَبَا سَلَمَة : أَيّ الْقُرْآن أُنْزِلَ قَبْل ؟ قَالَ : " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر " فَقُلْت : أَوْ " اِقْرَأْ " . فَقَالَ : سَأَلْت جَابِرَ بْن عَبْد اللَّه أَيّ الْقُرْآن أُنْزِلَ قَبْل ؟ قَالَ : " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر " فَقُلْت : أَوْ " اِقْرَأْ " فَقَالَ جَابِر : أُحَدِّثكُمْ مَا حَدَّثَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : ( جَاوَرْت بِحِرَاء شَهْرًا , فَلَمَّا قَضَيْت جِوَارِي نَزَلْت فَاسْتَبْطَنْتُ بَطْنَ الْوَادِي , فَنُودِيت فَنَظَرْت أَمَامِي وَخَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي فَلَمْ أَرَ أَحَدًا , ثُمَّ نُودِيت فَنَظَرْت فَلَمْ أَرَ أَحَدًا , ثُمَّ نُودِيت فَرَفَعْت رَأْسِي فَإِذَا هُوَ عَلَى الْعَرْش فِي الْهَوَاء - يَعْنِي جِبْرِيل صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَتْنِي رَجْفَة شَدِيدَة , فَأَتَيْت خَدِيجَةَ فَقُلْت دَثِّرُونِي , فَدَثَّرُونِي فَصَبُّوا عَلَيَّ مَاء , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر . قُمْ فَأَنْذِرْ . وَرَبّك فَكَبِّرْ وَثِيَابك فَطَهِّرْ " ) خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ وَقَالَ فِيهِ : ( فَأَتَيْت خَدِيجَةَ فَقُلْت دَثِّرُونِي وَصُبُّوا عَلَيَّ مَاء بَارِدًا , فَدَثَّرُونِي وَصَبُّوا عَلَيَّ مَاء بَارِدًا فَنَزَلَتْ : " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر . قُمْ فَأَنْذِرْ . وَرَبّك فَكَبِّرْ . وَثِيَابَك فَطَهِّرْ . وَالرُّجْز فَاهْجُرْ . وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِر " ) .
اِبْن الْعَرَبِيّ : وَقَدْ قَالَ بَعْض الْمُفَسِّرِينَ إِنَّهُ جَرَى عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عُقْبَة [ بْن رَبِيعَة ] أَمْر , فَرَجَعَ إِلَى مَنْزِله مَغْمُومًا , فَقَلِقَ وَاضْطَجَعَ , فَنَزَلَتْ : " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر " وَهَذَا بَاطِل .
وَقَالَ الْقُشَيْرِيّ أَبُو نَصْر : وَقِيلَ بَلَغَهُ قَوْل كُفَّار مَكَّة أَنْتَ سَاحِر , فَوَجَدَ مِنْ ذَلِكَ غَمًّا وَحُمَّ , فَتَدَثَّرَ بِثِيَابِهِ , فَقَالَ اللَّه تَعَالَى : " قُمْ فَأَنْذِرْ " أَيْ لَا تُفَكِّر فِي قَوْلهمْ , وَبَلِّغْهُمْ الرِّسَالَةَ .
وَقِيلَ : اِجْتَمَعَ أَبُو لَهَب وَأَبُو سُفْيَان وَالْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة وَالنَّضْر بْن الْحَارِث وَأُمَيَّة بْن خَلَف وَالْعَاص بْن وَائِل وَمُطْعِم بْن عَدِيّ وَقَالُوا : قَدْ اِجْتَمَعَتْ وُفُود الْعَرَب فِي أَيَّام الْحَجّ , وَهُمْ يَتَسَاءَلُونَ عَنْ أَمْر مُحَمَّد , وَقَدْ اِخْتَلَفْتُمْ فِي الْإِخْبَار عَنْهُ ; فَمِنْ قَائِل يَقُول مَجْنُون , وَآخَر يَقُول كَاهِن , وَآخَر يَقُول شَاعِر , وَتَعْلَم الْعَرَب أَنَّ هَذَا كُلّه لَا يَجْتَمِع فِي رَجُل وَاحِد , فَسَمُّوا مُحَمَّدًا بِاسْمٍ وَاحِد يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ , وَتُسَمِّيه الْعَرَب بِهِ , فَقَامَ مِنْهُمْ رَجُل فَقَالَ : شَاعِر ; فَقَالَ الْوَلِيد : سَمِعْت كَلَام اِبْن الْأَبْرَص , وَأُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت , وَمَا يُشْبِه كَلَام مُحَمَّد كَلَام وَاحِد مِنْهُمَا ; فَقَالُوا : كَاهِن . فَقَالَ : الْكَاهِن يَصْدُق وَيَكْذِب وَمَا كَذَبَ مُحَمَّد قَطُّ ; فَقَامَ آخَر فَقَالَ : مَجْنُون ; فَقَالَ الْوَلِيد : الْمَجْنُون يَخْنُق النَّاس وَمَا خَنَقَ مُحَمَّد قَطُّ . وَانْصَرَفَ الْوَلِيد إِلَى بَيْته , فَقَالُوا : صَبَأَ الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة ; فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو جَهْل وَقَالَ : مَا لَك يَا أَبَا عَبْد شَمْس ! هَذِهِ قُرَيْش تَجْمَع لَك شَيْئًا يُعْطُونَكَهُ , زَعَمُوا أَنَّك قَدْ اِحْتَجْت وَصَبَأْت . فَقَالَ الْوَلِيد : مَا لِي إِلَى ذَلِكَ حَاجَة , وَلَكِنِّي فَكَّرْت فِي مُحَمَّد , فَقُلْت : مَا يَكُون مِنْ السَّاحِر ؟ فَقِيلَ : يُفَرِّق بَيْنَ الْأَب وَابْنه , وَبَيْنَ الْأَخ وَأَخِيهِ , وَبَيْنَ الْمَرْأَة وَزَوْجهَا , فَقُلْت : إِنَّهُ سَاحِر . شَاعَ هَذَا فِي النَّاس وَصَاحُوا يَقُولُونَ : إِنَّ مُحَمَّدًا سَاحِر . وَرَجَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَيْته مَحْزُونًا فَتَدَثَّرَ بِقَطِيفَةٍ , وَنَزَلَتْ : " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر " .
وَقَالَ عِكْرِمَة : مَعْنَى " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر " أَيْ الْمُدَّثِّر بِالنُّبُوَّةِ وَأَثْقَالهَا . اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا مَجَاز بَعِيد ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ تَنَبَّأَ بَعْد . وَعَلَى أَنَّهَا أَوَّل الْقُرْآن لَمْ يَكُنْ تَمَكَّنَ مِنْهَا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ ثَانِيَ مَا نَزَلَ .
قَوْله تَعَالَى : " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر " : مُلَاطَفَة فِي الْخِطَاب مِنْ الْكَرِيم إِلَى الْحَبِيب إِذْ نَادَاهُ بِحَالِهِ , وَعَبَّرَ عَنْهُ بِصِفَتِهِ , وَلَمْ يَقُلْ يَا مُحَمَّد وَيَا فُلَان , لِيَسْتَشْعِر اللِّين وَالْمُلَاطَفَة مِنْ رَبّه كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَة " الْمُزَّمِّل " . وَمِثْله قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ إِذْ نَامَ فِي الْمَسْجِد : ( قُمْ أَبَا تُرَاب ) وَكَانَ خَرَجَ مُغَاضِبًا لِفَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّه عَنْهَا فَسَقَطَ رِدَاؤُهُ وَأَصَابَهُ تُرَابه ; خَرَّجَهُ مُسْلِم . وَمِثْله قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لِحُذَيْفَة لَيْلَة الْخَنْدَق : ( قُمْ يَا نَوْمَان ) وَقَدْ تَقَدَّمَ .
وَقَالَ مُقَاتِل : مُعْظَم هَذِهِ السُّورَة فِي الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة .
وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه وَكَانَ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحَدِّث - قَالَ . قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُحَدِّث عَنْ فَتْرَة الْوَحْي - قَالَ فِي حَدِيثه : ( فَبَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي سَمِعْت صَوْتًا مِنْ السَّمَاء فَرَفَعْت رَأْسِي , فَإِذَا الْمَلَك الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاء جَالِسًا عَلَى كُرْسِيّ بَيْنَ السَّمَاء وَالْأَرْض ) . قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَجُئِثْتُ مِنْهُ فَرَقًا , فَرَجَعْت فَقُلْت زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي , فَدَثَّرُونِي , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر . قُمْ فَأَنْذِرْ . وَرَبّك فَكَبِّرْ . وَثِيَابك فَطَهِّرْ . وَالرُّجْز فَاهْجُرْ " ) فِي رِوَايَة - قَبْل أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَاة - وَهِيَ الْأَوْثَان قَالَ : ( ثُمَّ تَتَابَعَ الْوَحْي ) . خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضًا وَقَالَ : حَدِيث حَسَن صَحِيح .
قَالَ مُسْلِم : وَحَدَّثَنَا زُهَيْر بْن حَرْب , قَالَ : حَدَّثَنَا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيّ قَالَ : سَمِعْت يَحْيَى يَقُول : سَأَلْت أَبَا سَلَمَة : أَيّ الْقُرْآن أُنْزِلَ قَبْل ؟ قَالَ : " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر " فَقُلْت : أَوْ " اِقْرَأْ " . فَقَالَ : سَأَلْت جَابِرَ بْن عَبْد اللَّه أَيّ الْقُرْآن أُنْزِلَ قَبْل ؟ قَالَ : " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر " فَقُلْت : أَوْ " اِقْرَأْ " فَقَالَ جَابِر : أُحَدِّثكُمْ مَا حَدَّثَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : ( جَاوَرْت بِحِرَاء شَهْرًا , فَلَمَّا قَضَيْت جِوَارِي نَزَلْت فَاسْتَبْطَنْتُ بَطْنَ الْوَادِي , فَنُودِيت فَنَظَرْت أَمَامِي وَخَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي فَلَمْ أَرَ أَحَدًا , ثُمَّ نُودِيت فَنَظَرْت فَلَمْ أَرَ أَحَدًا , ثُمَّ نُودِيت فَرَفَعْت رَأْسِي فَإِذَا هُوَ عَلَى الْعَرْش فِي الْهَوَاء - يَعْنِي جِبْرِيل صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَتْنِي رَجْفَة شَدِيدَة , فَأَتَيْت خَدِيجَةَ فَقُلْت دَثِّرُونِي , فَدَثَّرُونِي فَصَبُّوا عَلَيَّ مَاء , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر . قُمْ فَأَنْذِرْ . وَرَبّك فَكَبِّرْ وَثِيَابك فَطَهِّرْ " ) خَرَّجَهُ الْبُخَارِيّ وَقَالَ فِيهِ : ( فَأَتَيْت خَدِيجَةَ فَقُلْت دَثِّرُونِي وَصُبُّوا عَلَيَّ مَاء بَارِدًا , فَدَثَّرُونِي وَصَبُّوا عَلَيَّ مَاء بَارِدًا فَنَزَلَتْ : " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر . قُمْ فَأَنْذِرْ . وَرَبّك فَكَبِّرْ . وَثِيَابَك فَطَهِّرْ . وَالرُّجْز فَاهْجُرْ . وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِر " ) .
اِبْن الْعَرَبِيّ : وَقَدْ قَالَ بَعْض الْمُفَسِّرِينَ إِنَّهُ جَرَى عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عُقْبَة [ بْن رَبِيعَة ] أَمْر , فَرَجَعَ إِلَى مَنْزِله مَغْمُومًا , فَقَلِقَ وَاضْطَجَعَ , فَنَزَلَتْ : " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر " وَهَذَا بَاطِل .
وَقَالَ الْقُشَيْرِيّ أَبُو نَصْر : وَقِيلَ بَلَغَهُ قَوْل كُفَّار مَكَّة أَنْتَ سَاحِر , فَوَجَدَ مِنْ ذَلِكَ غَمًّا وَحُمَّ , فَتَدَثَّرَ بِثِيَابِهِ , فَقَالَ اللَّه تَعَالَى : " قُمْ فَأَنْذِرْ " أَيْ لَا تُفَكِّر فِي قَوْلهمْ , وَبَلِّغْهُمْ الرِّسَالَةَ .
وَقِيلَ : اِجْتَمَعَ أَبُو لَهَب وَأَبُو سُفْيَان وَالْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة وَالنَّضْر بْن الْحَارِث وَأُمَيَّة بْن خَلَف وَالْعَاص بْن وَائِل وَمُطْعِم بْن عَدِيّ وَقَالُوا : قَدْ اِجْتَمَعَتْ وُفُود الْعَرَب فِي أَيَّام الْحَجّ , وَهُمْ يَتَسَاءَلُونَ عَنْ أَمْر مُحَمَّد , وَقَدْ اِخْتَلَفْتُمْ فِي الْإِخْبَار عَنْهُ ; فَمِنْ قَائِل يَقُول مَجْنُون , وَآخَر يَقُول كَاهِن , وَآخَر يَقُول شَاعِر , وَتَعْلَم الْعَرَب أَنَّ هَذَا كُلّه لَا يَجْتَمِع فِي رَجُل وَاحِد , فَسَمُّوا مُحَمَّدًا بِاسْمٍ وَاحِد يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ , وَتُسَمِّيه الْعَرَب بِهِ , فَقَامَ مِنْهُمْ رَجُل فَقَالَ : شَاعِر ; فَقَالَ الْوَلِيد : سَمِعْت كَلَام اِبْن الْأَبْرَص , وَأُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت , وَمَا يُشْبِه كَلَام مُحَمَّد كَلَام وَاحِد مِنْهُمَا ; فَقَالُوا : كَاهِن . فَقَالَ : الْكَاهِن يَصْدُق وَيَكْذِب وَمَا كَذَبَ مُحَمَّد قَطُّ ; فَقَامَ آخَر فَقَالَ : مَجْنُون ; فَقَالَ الْوَلِيد : الْمَجْنُون يَخْنُق النَّاس وَمَا خَنَقَ مُحَمَّد قَطُّ . وَانْصَرَفَ الْوَلِيد إِلَى بَيْته , فَقَالُوا : صَبَأَ الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة ; فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو جَهْل وَقَالَ : مَا لَك يَا أَبَا عَبْد شَمْس ! هَذِهِ قُرَيْش تَجْمَع لَك شَيْئًا يُعْطُونَكَهُ , زَعَمُوا أَنَّك قَدْ اِحْتَجْت وَصَبَأْت . فَقَالَ الْوَلِيد : مَا لِي إِلَى ذَلِكَ حَاجَة , وَلَكِنِّي فَكَّرْت فِي مُحَمَّد , فَقُلْت : مَا يَكُون مِنْ السَّاحِر ؟ فَقِيلَ : يُفَرِّق بَيْنَ الْأَب وَابْنه , وَبَيْنَ الْأَخ وَأَخِيهِ , وَبَيْنَ الْمَرْأَة وَزَوْجهَا , فَقُلْت : إِنَّهُ سَاحِر . شَاعَ هَذَا فِي النَّاس وَصَاحُوا يَقُولُونَ : إِنَّ مُحَمَّدًا سَاحِر . وَرَجَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَيْته مَحْزُونًا فَتَدَثَّرَ بِقَطِيفَةٍ , وَنَزَلَتْ : " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر " .
وَقَالَ عِكْرِمَة : مَعْنَى " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر " أَيْ الْمُدَّثِّر بِالنُّبُوَّةِ وَأَثْقَالهَا . اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا مَجَاز بَعِيد ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ تَنَبَّأَ بَعْد . وَعَلَى أَنَّهَا أَوَّل الْقُرْآن لَمْ يَكُنْ تَمَكَّنَ مِنْهَا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ ثَانِيَ مَا نَزَلَ .
قَوْله تَعَالَى : " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر " : مُلَاطَفَة فِي الْخِطَاب مِنْ الْكَرِيم إِلَى الْحَبِيب إِذْ نَادَاهُ بِحَالِهِ , وَعَبَّرَ عَنْهُ بِصِفَتِهِ , وَلَمْ يَقُلْ يَا مُحَمَّد وَيَا فُلَان , لِيَسْتَشْعِر اللِّين وَالْمُلَاطَفَة مِنْ رَبّه كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَة " الْمُزَّمِّل " . وَمِثْله قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ إِذْ نَامَ فِي الْمَسْجِد : ( قُمْ أَبَا تُرَاب ) وَكَانَ خَرَجَ مُغَاضِبًا لِفَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّه عَنْهَا فَسَقَطَ رِدَاؤُهُ وَأَصَابَهُ تُرَابه ; خَرَّجَهُ مُسْلِم . وَمِثْله قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لِحُذَيْفَة لَيْلَة الْخَنْدَق : ( قُمْ يَا نَوْمَان ) وَقَدْ تَقَدَّمَ .
أَيْ خَوِّفْ أَهْل مَكَّة وَحَذِّرْهُمْ الْعَذَابَ إِنْ لَمْ يُسْلِمُوا .
وَقِيلَ : الْإِنْذَار هُنَا إِعْلَامهمْ بِنُبُوَّتِهِ ; لِأَنَّهُ مُقَدِّمَة الرِّسَالَة .
وَقِيلَ : هُوَ دُعَاؤُهُمْ إِلَى التَّوْحِيد ; لِأَنَّهُ الْمَقْصُود بِهَا .
وَقَالَ الْفَرَّاء : قُمْ فَصَلِّ وَأْمُرْ بِالصَّلَاةِ .
وَقِيلَ : الْإِنْذَار هُنَا إِعْلَامهمْ بِنُبُوَّتِهِ ; لِأَنَّهُ مُقَدِّمَة الرِّسَالَة .
وَقِيلَ : هُوَ دُعَاؤُهُمْ إِلَى التَّوْحِيد ; لِأَنَّهُ الْمَقْصُود بِهَا .
وَقَالَ الْفَرَّاء : قُمْ فَصَلِّ وَأْمُرْ بِالصَّلَاةِ .
أَيْ سَيِّدك وَمَالِكك وَمُصْلِح أَمْرك فَعَظِّمْ , وَصِفْهُ بِأَنَّهُ أَكْبَر مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ صَاحِبَة أَوْ وَلَد .
وَفِي حَدِيث أَنَّهُمْ قَالُوا : بِمَ تَفْتَتِح الصَّلَاةَ ؟ فَنَزَلَتْ : " وَرَبّك فَكَبِّرْ " أَيْ وَصِفْهُ بِأَنَّهُ أَكْبَر . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا الْقَوْل وَإِنْ كَانَ يَقْتَضِي بِعُمُومِهِ تَكْبِير الصَّلَاة , فَإِنَّهُ مُرَاد بِهِ التَّكْبِير وَالتَّقْدِيس وَالتَّنْزِيه , لِخَلْعِ الْأَنْدَاد وَالْأَصْنَام دُونَهُ , وَلَا تَتَّخِذ وَلِيًّا غَيْرَهُ , وَلَا تَعْبُد سِوَاهُ , وَلَا تَرَى لِغَيْرِهِ فِعْلًا إِلَّا لَهُ , وَلَا نِعْمَة إِلَّا مِنْهُ .
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَبَا سُفْيَان قَالَ يَوْم أُحُد : اُعْلُ هُبَل ; فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قُولُوا اللَّه أَعْلَى وَأَجَلّ ) وَقَدْ صَارَ هَذَا اللَّفْظ بِعُرْفِ الشَّرْع فِي تَكْبِير الْعِبَادَات كُلّهَا أَذَانًا وَصَلَاة وَذِكْرًا بِقَوْلِهِ : " اللَّه أَكْبَر " وَحُمِلَ عَلَيْهِ لَفْظ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَارِد عَلَى الْإِطْلَاق فِي مَوَارِد ; مِنْهَا قَوْله : ( تَحْرِيمهَا التَّكْبِير , وَتَحْلِيلهَا التَّسْلِيم ) وَالشَّرْع يَقْتَضِي بِعُرْفِهِ مَا يَقْتَضِي بِعُمُومِهِ , وَمِنْ مَوَارِده أَوْقَات الْإِهْلَال بِالذَّبَائِحِ لِلَّهِ تَخْلِيصًا لَهُ مِنْ الشِّرْك , وَإِعْلَانًا بِاسْمِهِ فِي النُّسُك , وَإِفْرَادًا لِمَا شَرَعَ مِنْهُ لِأَمْرِهِ بِالسَّفْكِ . قُلْت : قَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّل سُورَة " الْبَقَرَة " أَنَّ هَذَا اللَّفْظ " اللَّه أَكْبَر " هُوَ الْمُتَعَبَّد بِهِ فِي الصَّلَاة , الْمَنْقُول عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَفِي التَّفْسِير أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى : " وَرَبّك فَكَبِّرْ " قَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : ( اللَّه أَكْبَر ) فَكَبَّرَتْ خَدِيجَة , وَعَلِمَتْ أَنَّهُ الْوَحْي مِنْ اللَّه تَعَالَى ; ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيّ .
الْفَاء فِي قَوْله تَعَالَى : " وَرَبّك فَكَبِّرْ " دَخَلَتْ عَلَى مَعْنَى جَوَاب الْجَزَاء كَمَا دَخَلَتْ فِي ( فَأَنْذِرْ ) أَيْ قُمْ فَأَنْذِرْ وَقُمْ فَكَبِّرْ رَبّك ; قَالَهُ الزَّجَّاج . وَقَالَ اِبْن جِنِّي : هُوَ كَقَوْلِك زَيْدًا فَاضْرِبْ ; أَيْ زَيْدًا اِضْرِبْ , فَالْفَاء زَائِدَة .
وَفِي حَدِيث أَنَّهُمْ قَالُوا : بِمَ تَفْتَتِح الصَّلَاةَ ؟ فَنَزَلَتْ : " وَرَبّك فَكَبِّرْ " أَيْ وَصِفْهُ بِأَنَّهُ أَكْبَر . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَهَذَا الْقَوْل وَإِنْ كَانَ يَقْتَضِي بِعُمُومِهِ تَكْبِير الصَّلَاة , فَإِنَّهُ مُرَاد بِهِ التَّكْبِير وَالتَّقْدِيس وَالتَّنْزِيه , لِخَلْعِ الْأَنْدَاد وَالْأَصْنَام دُونَهُ , وَلَا تَتَّخِذ وَلِيًّا غَيْرَهُ , وَلَا تَعْبُد سِوَاهُ , وَلَا تَرَى لِغَيْرِهِ فِعْلًا إِلَّا لَهُ , وَلَا نِعْمَة إِلَّا مِنْهُ .
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَبَا سُفْيَان قَالَ يَوْم أُحُد : اُعْلُ هُبَل ; فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قُولُوا اللَّه أَعْلَى وَأَجَلّ ) وَقَدْ صَارَ هَذَا اللَّفْظ بِعُرْفِ الشَّرْع فِي تَكْبِير الْعِبَادَات كُلّهَا أَذَانًا وَصَلَاة وَذِكْرًا بِقَوْلِهِ : " اللَّه أَكْبَر " وَحُمِلَ عَلَيْهِ لَفْظ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَارِد عَلَى الْإِطْلَاق فِي مَوَارِد ; مِنْهَا قَوْله : ( تَحْرِيمهَا التَّكْبِير , وَتَحْلِيلهَا التَّسْلِيم ) وَالشَّرْع يَقْتَضِي بِعُرْفِهِ مَا يَقْتَضِي بِعُمُومِهِ , وَمِنْ مَوَارِده أَوْقَات الْإِهْلَال بِالذَّبَائِحِ لِلَّهِ تَخْلِيصًا لَهُ مِنْ الشِّرْك , وَإِعْلَانًا بِاسْمِهِ فِي النُّسُك , وَإِفْرَادًا لِمَا شَرَعَ مِنْهُ لِأَمْرِهِ بِالسَّفْكِ . قُلْت : قَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّل سُورَة " الْبَقَرَة " أَنَّ هَذَا اللَّفْظ " اللَّه أَكْبَر " هُوَ الْمُتَعَبَّد بِهِ فِي الصَّلَاة , الْمَنْقُول عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَفِي التَّفْسِير أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى : " وَرَبّك فَكَبِّرْ " قَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : ( اللَّه أَكْبَر ) فَكَبَّرَتْ خَدِيجَة , وَعَلِمَتْ أَنَّهُ الْوَحْي مِنْ اللَّه تَعَالَى ; ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيّ .
الْفَاء فِي قَوْله تَعَالَى : " وَرَبّك فَكَبِّرْ " دَخَلَتْ عَلَى مَعْنَى جَوَاب الْجَزَاء كَمَا دَخَلَتْ فِي ( فَأَنْذِرْ ) أَيْ قُمْ فَأَنْذِرْ وَقُمْ فَكَبِّرْ رَبّك ; قَالَهُ الزَّجَّاج . وَقَالَ اِبْن جِنِّي : هُوَ كَقَوْلِك زَيْدًا فَاضْرِبْ ; أَيْ زَيْدًا اِضْرِبْ , فَالْفَاء زَائِدَة .
فِيهِ ثَمَانِيَة أَقْوَال : أَحَدهمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالثِّيَابِ الْعَمَل . الثَّانِي الْقَلْب . الثَّالِث النَّفْس . الرَّابِع الْجِسْم . الْخَامِس الْأَهْل . السَّادِس الْخُلُق . السَّابِع الدِّين . الثَّامِن الثِّيَاب الْمَلْبُوسَات عَلَى الظَّاهِر . فَمَنْ ذَهَبَ إِلَى الْقَوْل الْأَوَّل قَالَ : تَأْوِيل الْآيَة وَعَمَلَك فَأَصْلِحْ ; قَالَهُ مُجَاهِد وَابْن زَيْد . وَرَوَى مَنْصُور عَنْ أَبِي رَزِين قَالَ : يَقُول وَعَمَلَك فَأَصْلِحْ ; قَالَ : وَإِذَا كَانَ الرَّجُل خَبِيث الْعَمَلِ قَالُوا إِنَّ فُلَانًا خَبِيث الثِّيَاب , وَإِذَا كَانَ حَسَن الْعَمَل قَالُوا إِنَّ فُلَانًا طَاهِر الثِّيَاب ; وَنَحْوه عَنْ السُّدِّيّ . وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : لَاهُمَّ إِنَّ عَامِرَ بْن جَهْم أَوْذَمَ حَجًّا فِي ثِيَاب دُسْم وَمِنْهُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( يُحْشَر الْمَرْء فِي ثَوْبَيْهِ اللَّذَيْنِ مَاتَ عَلَيْهِمَا ) يَعْنِي عَمَله الصَّالِح وَالطَّالِح ; ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى الْقَوْل الثَّانِي قَالَ : إِنَّ تَأْوِيل الْآيَة وَقَلْبك فَطَهِّرْ ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَسَعِيد بْن جُبَيْر ; دَلِيله قَوْل اِمْرِئِ الْقَيْس : فَسُلِّي ثِيَابِي مِنْ ثِيَابك تَنْسُل أَيْ قَلْبِي مِنْ قَلْبك . قَالَ الْمَاوَرْدِيّ : وَلَهُمْ فِي تَأْوِيل الْآيَة وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : مَعْنَاهُ وَقَلْبك فَطَهِّرْ مِنْ الْإِثْم وَالْمَعَاصِي ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة . الثَّانِي : وَقَلْبك فَطَهِّرْ مِنْ الْغَدْر ; أَيْ لَا تَغْدِر فَتَكُون دَنِس الثِّيَاب . وَهَذَا مَرْوِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس , وَاسْتُشْهِدَ بِقَوْلِ غَيْلَان بْن سَلَمَة الثَّقَفِيّ : فَإِنِّي بِحَمْدِ اللَّه لَا ثَوْب فَاجِر لَبِسْت وَلَا مِنْ غَدْرَة أَتَقَنَّع وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى الْقَوْل الثَّالِث قَالَ : تَأْوِيل الْآيَة وَنَفْسَك فَطَهِّرْ ; أَيْ مِنْ الذُّنُوب . وَالْعَرَب تَكُنِّي عَنْ النَّفْس بِالثِّيَابِ ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس . وَمِنْهُ قَوْل عَنْتَرَة : فَشَكَكْت بِالرُّمْحِ الطَّوِيل ثِيَابَهُ لَيْسَ الْكَرِيم عَلَى اِلْقَنَا بِمُحَرَّمِ وَقَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس : فَسُلِّي ثِيَابِي مِنْ ثِيَابك تَنْسُل وَقَالَ : ثِيَاب بَنِي عَوْف طَهَارَى نَقِيَّة وَأَوْجُههمْ بِيض الْمَسَافِر غُرَّانُ أَيْ أَنْفُس بَنِي عَوْف .
وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى الْقَوْل الرَّابِع قَالَ : تَأْوِيل الْآيَة وَجِسْمك فَطَهِّرْ ; أَيْ عَنْ الْمَعَاصِي الظَّاهِرَة . وَمِمَّا جَاءَ عَنْ الْعَرَب فِي الْكِنَايَة عَنْ الْجِسْم بِالثِّيَابِ قَوْل لَيْلَى , وَذَكَرَتْ إِبِلًا : رَمَوْهَا بِأَثْيَابٍ خِفَاف فَلَا تَرَى لَهَا شَبَهًا إِلَّا النَّعَام الْمُنَفَّرَا أَيْ رَكِبُوهَا فَرَمَوْهَا بِأَنْفُسِهِمْ .
وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى الْقَوْل الْخَامِس قَالَ : تَأْوِيل الْآيَة وَأَهْلَك فَطَهِّرْهُمْ مِنْ الْخَطَايَا بِالْوَعْظِ وَالتَّأْدِيب ; وَالْعَرَب تُسَمِّي الْأَهْلَ ثَوْبًا وَلِبَاسًا وَإِزَارًا ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " هُنَّ لِبَاس لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاس لَهُنَّ " [ الْبَقَرَة : 187 ] . الْمَاوَرْدِيّ : وَلَهُمْ فِي تَأْوِيل الْآيَة وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : مَعْنَاهُ وَنِسَاءَك فَطَهِّرْ , بِاخْتِيَارِ الْمُؤْمِنَات الْعَفَائِف . الثَّانِي : الِاسْتِمْتَاع بِهِنَّ فِي الْقُبُل دُونَ الدُّبُر , فِي الطُّهْر لَا فِي الْحَيْض . حَكَاهُ اِبْن بَحْر .
وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى الْقَوْل السَّادِس قَالَ : تَأْوِيل الْآيَة وَخُلُقَك فَحَسِّنْ قَالَهُ الْحَسَن وَالْقُرَظِيّ ; لِأَنَّ خَلْقَ الْإِنْسَان مُشْتَمِل عَلَى أَحْوَاله اِشْتِمَال ثِيَابه عَلَى نَفْسه . وَقَالَ الشَّاعِر : وَيَحْيَى لَا يُلَام بِسُوءِ خُلُق وَيَحْيَى طَاهِر الْأَثْوَاب حُرّ أَيْ حَسَن الْأَخْلَاق .
وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى الْقَوْل السَّابِع قَالَ : تَأْوِيل الْآيَة وَدِينك فَطَهِّرْ . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ : ( وَرَأَيْت النَّاسَ وَعَلَيْهِمْ ثِيَاب , مِنْهَا مَا يَبْلُغ الثَّدْيَ , وَمِنْهَا مَا دُونَ ذَلِكَ , وَرَأَيْت عُمَرَ بْن الْخَطَّاب وَعَلَيْهِ إِزَار يَجُرّهُ ) . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّه فَمَا أَوَّلْت ذَلِكَ ؟ قَالَ : الدِّين .
وَرَوَى اِبْن وَهْب عَنْ مَالِك أَنَّهُ قَالَ : مَا يُعْجِبنِي أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ إِلَّا فِي الصَّلَاة وَالْمَسَاجِد لَا فِي الطَّرِيق , قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَثِيَابَك فَطَهِّرْ " يُرِيد مَالِك أَنَّهُ كَنَّى عَنْ الثِّيَاب بِالدِّينِ .
وَقَدْ رَوَى عَبْد اللَّه بْن نَافِع عَنْ أَبِي بَكْر بْن عَبْد الْعَزِيز بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن الْخَطَّاب عَنْ مَالِك بْن أَنَس فِي قَوْله تَعَالَى : " وَثِيَابَك فَطَهِّرْ " أَيْ لَا تَلْبَسهَا عَلَى غَدْرَة ; وَمِنْهُ قَوْل أَبِي كَبْشَة : ثِيَاب بَنِي عَوْف طَهَارَى نَقِيَّة وَأَوْجُههمْ بِيض الْمَسَافِر غُرَّانُ يَعْنِي بِطَهَارَةِ ثِيَابهمْ : سَلَامَتهمْ مِنْ الدَّنَاءَات , وَيَعْنِي بِغُرَّةِ وُجُوههمْ تَنْزِيههمْ عَنْ الْمُحَرَّمَات , أَوْ جَمَالهمْ فِي الْخِلْقَة أَوْ كِلَيْهِمَا ; قَالَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ . وَقَالَ سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ : لَا تَلْبَس ثِيَابَك عَلَى كَذِب وَلَا جَوْر وَلَا غَدْر وَلَا إِثْم ; قَالَهُ عِكْرِمَة . وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : أَوْذَمَ حَجًّا فِي ثِيَاب دُسْم أَيْ قَدْ دَنَّسَهَا بِالْمَعَاصِي . وَقَالَ النَّابِغَة : رِقَاق النِّعَال طَيِّب حُجُزَاتهمْ يُحَيَّوْنَ بِالرَّيْحَانِ يَوْمَ السَّبَاسِب
وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى الْقَوْل الثَّامِن قَالَ : إِنَّ الْمُرَادَ بِهَا الثِّيَاب الْمَلْبُوسَات , فَلَهُمْ فِي تَأْوِيله أَرْبَعَة أَوْجُه :
أَحَدهمَا : مَعْنَاهُ وَثِيَابك فَأَنْقِ ; وَمِنْهُ قَوْل اِمْرِئِ الْقَيْس : ثِيَاب بَنِي عَوْف طَهَارَى نَقِيَّة
الثَّانِي : وَثِيَابك فَشَمِّرْ وَقَصِّرْ , فَإِنَّ تَقْصِير الثِّيَاب أَبْعَد مِنْ النَّجَاسَة , فَإِذَا اِنْجَرَّتْ عَلَى الْأَرْض لَمْ يُؤْمَن أَنْ يُصِيبهَا مَا يُنَجِّسهَا , قَالَهُ الزَّجَّاج وَطَاوُس .
الثَّالِث : " وَثِيَابَك فَطَهِّرْ " مِنْ النَّجَاسَة بِالْمَاءِ ; قَالَهُ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ وَابْن زَيْد وَالْفُقَهَاء .
الرَّابِع : لَا تَلْبَس ثِيَابَك إِلَّا مِنْ كَسْب حَلَال لِتَكُونَ مُطَهَّرَة مِنْ الْحَرَام . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس : لَا تَكُنْ ثِيَابَك الَّتِي تَلْبَس مِنْ مَكْسَب غَيْر طَاهِر .
اِبْن الْعَرَبِيّ وَذَكَرَ بَعْض مَا ذَكَرْنَاهُ : لَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ أَنْ تُحْمَل الْآيَة عَلَى عُمُوم الْمُرَاد فِيهَا بِالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَاز , وَإِذَا حَمَلْنَاهَا عَلَى الثِّيَاب الْمَعْلُومَة الطَّاهِرَة فَهِيَ تَتَنَاوَل مَعْنَيَيْنِ : أَحَدهمَا : تَقْصِير الْأَذْيَال ; لِأَنَّهَا إِذَا أُرْسِلَتْ تَدَنَّسَتْ , وَلِهَذَا قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لِغُلَامٍ مِنْ الْأَنْصَار وَقَدْ رَأَى ذَيْلَهُ مُسْتَرْخِيًا : اِرْفَعْ إِزَارَك فَإِنَّهُ أَتْقَى وَأَنْقَى وَأَبْقَى . وَقَدْ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِزْرَة الْمُؤْمِن إِلَى أَنْصَاف سَاقَيْهِ , لَا جُنَاح عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ , مَا كَانَ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي النَّار ) فَقَدْ جَعَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَايَةَ فِي لِبَاس الْإِزَار الْكَعْب وَتَوَعَّدَ مَا تَحْتَهُ بِالنَّارِ , فَمَا بَال رِجَال يُرْسِلُونَ أَذْيَالَهُمْ , وَيُطِيلُونَ ثِيَابَهُمْ , ثُمَّ يَتَكَلَّفُونَ رَفْعهَا بِأَيْدِيهِمْ , وَهَذِهِ حَالَة الْكِبْر , وَقَائِدَة الْعُجْب , ( وَأَشَدّ مَا فِي الْأَمْر أَنَّهُمْ يَعْصُونَ وَيَنْجُسُونَ وَيُلْحِقُونَ أَنْفُسَهُمْ ) بِمَنْ لَمْ يَجْعَل اللَّه مَعَهُ غَيْره وَلَا أَلْحَقَ بِهِ سِوَاهُ . قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَنْظُر اللَّه إِلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاء ) وَلَفْظ الصَّحِيح : ( مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ خُيَلَاء لَمْ يَنْظُر اللَّه إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَة ) . قَالَ أَبُو بَكْر : يَا رَسُولَ اللَّه ! إِنَّ أَحَد شِقَّيْ إِزَارِي يَسْتَرْخِي إِلَّا أَنْ أَتَعَاهَدَ ذَلِكَ مِنْهُ ؟ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَسْت مِمَّنْ يَصْنَعهُ خُيَلَاء ) فَعَمَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّهْيِ , وَاسْتَثْنَى الصِّدِّيق , فَأَرَادَ الْأَدْنِيَاء إِلْحَاقَ أَنْفُسهمْ بِالرُّفَعَاء , وَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُمْ .
وَالْمَعْنَى الثَّانِي : غَسْلهَا مِنْ النَّجَاسَة وَهُوَ ظَاهِر مِنْهَا , صَحِيح فِيهَا . الْمَهْدَوِيّ : وَبِهِ اِسْتَدَلَّ بَعْض الْعُلَمَاء عَلَى وُجُوب طَهَارَة الثَّوْب ; قَالَ اِبْن سِيرِينَ وَابْن زَيْد : لَا تُصَلِّ إِلَّا فِي ثَوْب طَاهِر . وَاحْتَجَّ بِهَا الشَّافِعِيّ عَلَى وُجُوب طَهَارَة الثَّوْب . وَلَيْسَتْ عِنْدَ مَالِك وَأَهْل الْمَدِينَة بِفَرْضٍ , وَكَذَلِكَ طَهَارَة الْبَدَن , وَيَدُلّ عَلَى ذَلِكَ الْإِجْمَاع عَلَى جَوَاز الصَّلَاة بِالِاسْتِجْمَارِ مِنْ غَيْر غَسْل . وَقَدْ مَضَى هَذَا الْقَوْل فِي سُورَة " التَّوْبَة " مُسْتَوْفًى .
وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى الْقَوْل الرَّابِع قَالَ : تَأْوِيل الْآيَة وَجِسْمك فَطَهِّرْ ; أَيْ عَنْ الْمَعَاصِي الظَّاهِرَة . وَمِمَّا جَاءَ عَنْ الْعَرَب فِي الْكِنَايَة عَنْ الْجِسْم بِالثِّيَابِ قَوْل لَيْلَى , وَذَكَرَتْ إِبِلًا : رَمَوْهَا بِأَثْيَابٍ خِفَاف فَلَا تَرَى لَهَا شَبَهًا إِلَّا النَّعَام الْمُنَفَّرَا أَيْ رَكِبُوهَا فَرَمَوْهَا بِأَنْفُسِهِمْ .
وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى الْقَوْل الْخَامِس قَالَ : تَأْوِيل الْآيَة وَأَهْلَك فَطَهِّرْهُمْ مِنْ الْخَطَايَا بِالْوَعْظِ وَالتَّأْدِيب ; وَالْعَرَب تُسَمِّي الْأَهْلَ ثَوْبًا وَلِبَاسًا وَإِزَارًا ; قَالَ اللَّه تَعَالَى : " هُنَّ لِبَاس لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاس لَهُنَّ " [ الْبَقَرَة : 187 ] . الْمَاوَرْدِيّ : وَلَهُمْ فِي تَأْوِيل الْآيَة وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : مَعْنَاهُ وَنِسَاءَك فَطَهِّرْ , بِاخْتِيَارِ الْمُؤْمِنَات الْعَفَائِف . الثَّانِي : الِاسْتِمْتَاع بِهِنَّ فِي الْقُبُل دُونَ الدُّبُر , فِي الطُّهْر لَا فِي الْحَيْض . حَكَاهُ اِبْن بَحْر .
وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى الْقَوْل السَّادِس قَالَ : تَأْوِيل الْآيَة وَخُلُقَك فَحَسِّنْ قَالَهُ الْحَسَن وَالْقُرَظِيّ ; لِأَنَّ خَلْقَ الْإِنْسَان مُشْتَمِل عَلَى أَحْوَاله اِشْتِمَال ثِيَابه عَلَى نَفْسه . وَقَالَ الشَّاعِر : وَيَحْيَى لَا يُلَام بِسُوءِ خُلُق وَيَحْيَى طَاهِر الْأَثْوَاب حُرّ أَيْ حَسَن الْأَخْلَاق .
وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى الْقَوْل السَّابِع قَالَ : تَأْوِيل الْآيَة وَدِينك فَطَهِّرْ . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ : ( وَرَأَيْت النَّاسَ وَعَلَيْهِمْ ثِيَاب , مِنْهَا مَا يَبْلُغ الثَّدْيَ , وَمِنْهَا مَا دُونَ ذَلِكَ , وَرَأَيْت عُمَرَ بْن الْخَطَّاب وَعَلَيْهِ إِزَار يَجُرّهُ ) . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّه فَمَا أَوَّلْت ذَلِكَ ؟ قَالَ : الدِّين .
وَرَوَى اِبْن وَهْب عَنْ مَالِك أَنَّهُ قَالَ : مَا يُعْجِبنِي أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ إِلَّا فِي الصَّلَاة وَالْمَسَاجِد لَا فِي الطَّرِيق , قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَثِيَابَك فَطَهِّرْ " يُرِيد مَالِك أَنَّهُ كَنَّى عَنْ الثِّيَاب بِالدِّينِ .
وَقَدْ رَوَى عَبْد اللَّه بْن نَافِع عَنْ أَبِي بَكْر بْن عَبْد الْعَزِيز بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن الْخَطَّاب عَنْ مَالِك بْن أَنَس فِي قَوْله تَعَالَى : " وَثِيَابَك فَطَهِّرْ " أَيْ لَا تَلْبَسهَا عَلَى غَدْرَة ; وَمِنْهُ قَوْل أَبِي كَبْشَة : ثِيَاب بَنِي عَوْف طَهَارَى نَقِيَّة وَأَوْجُههمْ بِيض الْمَسَافِر غُرَّانُ يَعْنِي بِطَهَارَةِ ثِيَابهمْ : سَلَامَتهمْ مِنْ الدَّنَاءَات , وَيَعْنِي بِغُرَّةِ وُجُوههمْ تَنْزِيههمْ عَنْ الْمُحَرَّمَات , أَوْ جَمَالهمْ فِي الْخِلْقَة أَوْ كِلَيْهِمَا ; قَالَهُ اِبْن الْعَرَبِيّ . وَقَالَ سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ : لَا تَلْبَس ثِيَابَك عَلَى كَذِب وَلَا جَوْر وَلَا غَدْر وَلَا إِثْم ; قَالَهُ عِكْرِمَة . وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : أَوْذَمَ حَجًّا فِي ثِيَاب دُسْم أَيْ قَدْ دَنَّسَهَا بِالْمَعَاصِي . وَقَالَ النَّابِغَة : رِقَاق النِّعَال طَيِّب حُجُزَاتهمْ يُحَيَّوْنَ بِالرَّيْحَانِ يَوْمَ السَّبَاسِب
وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى الْقَوْل الثَّامِن قَالَ : إِنَّ الْمُرَادَ بِهَا الثِّيَاب الْمَلْبُوسَات , فَلَهُمْ فِي تَأْوِيله أَرْبَعَة أَوْجُه :
أَحَدهمَا : مَعْنَاهُ وَثِيَابك فَأَنْقِ ; وَمِنْهُ قَوْل اِمْرِئِ الْقَيْس : ثِيَاب بَنِي عَوْف طَهَارَى نَقِيَّة
الثَّانِي : وَثِيَابك فَشَمِّرْ وَقَصِّرْ , فَإِنَّ تَقْصِير الثِّيَاب أَبْعَد مِنْ النَّجَاسَة , فَإِذَا اِنْجَرَّتْ عَلَى الْأَرْض لَمْ يُؤْمَن أَنْ يُصِيبهَا مَا يُنَجِّسهَا , قَالَهُ الزَّجَّاج وَطَاوُس .
الثَّالِث : " وَثِيَابَك فَطَهِّرْ " مِنْ النَّجَاسَة بِالْمَاءِ ; قَالَهُ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ وَابْن زَيْد وَالْفُقَهَاء .
الرَّابِع : لَا تَلْبَس ثِيَابَك إِلَّا مِنْ كَسْب حَلَال لِتَكُونَ مُطَهَّرَة مِنْ الْحَرَام . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس : لَا تَكُنْ ثِيَابَك الَّتِي تَلْبَس مِنْ مَكْسَب غَيْر طَاهِر .
اِبْن الْعَرَبِيّ وَذَكَرَ بَعْض مَا ذَكَرْنَاهُ : لَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ أَنْ تُحْمَل الْآيَة عَلَى عُمُوم الْمُرَاد فِيهَا بِالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَاز , وَإِذَا حَمَلْنَاهَا عَلَى الثِّيَاب الْمَعْلُومَة الطَّاهِرَة فَهِيَ تَتَنَاوَل مَعْنَيَيْنِ : أَحَدهمَا : تَقْصِير الْأَذْيَال ; لِأَنَّهَا إِذَا أُرْسِلَتْ تَدَنَّسَتْ , وَلِهَذَا قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لِغُلَامٍ مِنْ الْأَنْصَار وَقَدْ رَأَى ذَيْلَهُ مُسْتَرْخِيًا : اِرْفَعْ إِزَارَك فَإِنَّهُ أَتْقَى وَأَنْقَى وَأَبْقَى . وَقَدْ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِزْرَة الْمُؤْمِن إِلَى أَنْصَاف سَاقَيْهِ , لَا جُنَاح عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ , مَا كَانَ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي النَّار ) فَقَدْ جَعَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَايَةَ فِي لِبَاس الْإِزَار الْكَعْب وَتَوَعَّدَ مَا تَحْتَهُ بِالنَّارِ , فَمَا بَال رِجَال يُرْسِلُونَ أَذْيَالَهُمْ , وَيُطِيلُونَ ثِيَابَهُمْ , ثُمَّ يَتَكَلَّفُونَ رَفْعهَا بِأَيْدِيهِمْ , وَهَذِهِ حَالَة الْكِبْر , وَقَائِدَة الْعُجْب , ( وَأَشَدّ مَا فِي الْأَمْر أَنَّهُمْ يَعْصُونَ وَيَنْجُسُونَ وَيُلْحِقُونَ أَنْفُسَهُمْ ) بِمَنْ لَمْ يَجْعَل اللَّه مَعَهُ غَيْره وَلَا أَلْحَقَ بِهِ سِوَاهُ . قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَنْظُر اللَّه إِلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاء ) وَلَفْظ الصَّحِيح : ( مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ خُيَلَاء لَمْ يَنْظُر اللَّه إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَة ) . قَالَ أَبُو بَكْر : يَا رَسُولَ اللَّه ! إِنَّ أَحَد شِقَّيْ إِزَارِي يَسْتَرْخِي إِلَّا أَنْ أَتَعَاهَدَ ذَلِكَ مِنْهُ ؟ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَسْت مِمَّنْ يَصْنَعهُ خُيَلَاء ) فَعَمَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّهْيِ , وَاسْتَثْنَى الصِّدِّيق , فَأَرَادَ الْأَدْنِيَاء إِلْحَاقَ أَنْفُسهمْ بِالرُّفَعَاء , وَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُمْ .
وَالْمَعْنَى الثَّانِي : غَسْلهَا مِنْ النَّجَاسَة وَهُوَ ظَاهِر مِنْهَا , صَحِيح فِيهَا . الْمَهْدَوِيّ : وَبِهِ اِسْتَدَلَّ بَعْض الْعُلَمَاء عَلَى وُجُوب طَهَارَة الثَّوْب ; قَالَ اِبْن سِيرِينَ وَابْن زَيْد : لَا تُصَلِّ إِلَّا فِي ثَوْب طَاهِر . وَاحْتَجَّ بِهَا الشَّافِعِيّ عَلَى وُجُوب طَهَارَة الثَّوْب . وَلَيْسَتْ عِنْدَ مَالِك وَأَهْل الْمَدِينَة بِفَرْضٍ , وَكَذَلِكَ طَهَارَة الْبَدَن , وَيَدُلّ عَلَى ذَلِكَ الْإِجْمَاع عَلَى جَوَاز الصَّلَاة بِالِاسْتِجْمَارِ مِنْ غَيْر غَسْل . وَقَدْ مَضَى هَذَا الْقَوْل فِي سُورَة " التَّوْبَة " مُسْتَوْفًى .
قَالَ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة : يَعْنِي الْأَوْثَان ; دَلِيله قَوْله تَعَالَى : " فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الْأَوْثَان " [ الْحَجّ : 30 ] .
قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَابْن زَيْد . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : وَالْمَأْثَم فَاهْجُرْ ; أَيْ فَاتْرُكْ . وَكَذَا رَوَى مُغِيرَة عَنْ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ قَالَ : الرُّجْز الْإِثْم .
وَقَالَ قَتَادَة : الرُّجْز : إِسَاف وَنَائِلَة , صَنَمَانِ كَانَا عِنْدَ الْبَيْت .
وَقِيلَ : الرُّجْز الْعَذَاب , عَلَى تَقْدِير حَذْف الْمُضَاف ; الْمَعْنَى : وَعَمَل الرُّجْز فَاهْجُرْ , أَوْ الْعَمَل الْمُؤَدِّي إِلَى الْعَذَاب . وَأَصْل الرُّجْز الْعَذَاب , قَالَ اللَّه تَعَالَى : " لَئِنْ كَشَفْت عَنَّا الرِّجْز لَنُؤْمِنَنَّ لَك " [ الْأَعْرَاف : 134 ] . وَقَالَ تَعَالَى : " فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنْ السَّمَاء " [ الْأَعْرَاف : 162 ] . فَسُمِّيَتْ الْأَوْثَان رِجْزًا ; لِأَنَّهَا تُؤَدِّي إِلَى الْعَذَاب .
وَقِرَاءَة الْعَامَّة " الرِّجْز " بِكَسْرِ الرَّاء . وَقَرَأَ الْحَسَن وَعِكْرِمَة وَمُجَاهِد وَابْن مُحَيْصِن وَحَفْص عَنْ عَاصِم " وَالرُّجْز " بِضَمِّ الرَّاء وَهُمَا لُغَتَانِ مِثْل الذِّكْر وَالذُّكْر .
وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة وَالرَّبِيع وَالْكِسَائِيّ : الرُّجْز بِالضَّمِّ : الصَّنَم , وَبِالْكَسْرِ : النَّجَاسَة وَالْمَعْصِيَة . وَقَالَ الْكِسَائِيّ أَيْضًا : بِالضَّمِّ : الْوَثَن , وَبِالْكَسْرِ : الْعَذَاب . وَقَالَ السُّدِّيّ : الرَّجْز بِنَصْبِ الرَّاء : الْوَعِيد .
قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَابْن زَيْد . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا : وَالْمَأْثَم فَاهْجُرْ ; أَيْ فَاتْرُكْ . وَكَذَا رَوَى مُغِيرَة عَنْ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ قَالَ : الرُّجْز الْإِثْم .
وَقَالَ قَتَادَة : الرُّجْز : إِسَاف وَنَائِلَة , صَنَمَانِ كَانَا عِنْدَ الْبَيْت .
وَقِيلَ : الرُّجْز الْعَذَاب , عَلَى تَقْدِير حَذْف الْمُضَاف ; الْمَعْنَى : وَعَمَل الرُّجْز فَاهْجُرْ , أَوْ الْعَمَل الْمُؤَدِّي إِلَى الْعَذَاب . وَأَصْل الرُّجْز الْعَذَاب , قَالَ اللَّه تَعَالَى : " لَئِنْ كَشَفْت عَنَّا الرِّجْز لَنُؤْمِنَنَّ لَك " [ الْأَعْرَاف : 134 ] . وَقَالَ تَعَالَى : " فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنْ السَّمَاء " [ الْأَعْرَاف : 162 ] . فَسُمِّيَتْ الْأَوْثَان رِجْزًا ; لِأَنَّهَا تُؤَدِّي إِلَى الْعَذَاب .
وَقِرَاءَة الْعَامَّة " الرِّجْز " بِكَسْرِ الرَّاء . وَقَرَأَ الْحَسَن وَعِكْرِمَة وَمُجَاهِد وَابْن مُحَيْصِن وَحَفْص عَنْ عَاصِم " وَالرُّجْز " بِضَمِّ الرَّاء وَهُمَا لُغَتَانِ مِثْل الذِّكْر وَالذُّكْر .
وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة وَالرَّبِيع وَالْكِسَائِيّ : الرُّجْز بِالضَّمِّ : الصَّنَم , وَبِالْكَسْرِ : النَّجَاسَة وَالْمَعْصِيَة . وَقَالَ الْكِسَائِيّ أَيْضًا : بِالضَّمِّ : الْوَثَن , وَبِالْكَسْرِ : الْعَذَاب . وَقَالَ السُّدِّيّ : الرَّجْز بِنَصْبِ الرَّاء : الْوَعِيد .
فِيهِ ثَلَاث مَسَائِل : الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى : " وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرْ " فِيهِ أَحَدَ عَشَرَ تَأْوِيلًا ;
الْأَوَّل : لَا تَمْنُنْ عَلَى رَبّك بِمَا تَتَحَمَّلهُ مِنْ أَثْقَال النُّبُوَّة , كَاَلَّذِي يَسْتَكْثِر مَا يَتَحَمَّلهُ بِسَبَبِ الْغَيْر .
الثَّانِي : لَا تُعْطِ عَطِيَّة تَلْتَمِس بِهَا أَفْضَل مِنْهَا ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة وَقَتَادَة . قَالَ الضَّحَّاك : هَذَا حَرَّمَهُ اللَّه عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّهُ مَأْمُور بِأَشْرَف الْآدَاب وَأَجَلّ الْأَخْلَاق , وَأَبَاحَهُ لِأُمَّتِهِ ; وَقَالَهُ مُجَاهِد .
الثَّالِث : عَنْ مُجَاهِد أَيْضًا لَا تَضْعُف أَنْ تَسْتَكْثِرَ مِنْ الْخَيْر ; مِنْ قَوْلِك حَبْل مَنِين إِذَا كَانَ ضَعِيفًا ; وَدَلِيله قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود " وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرْ مِنْ الْخَيْر " .
الرَّابِع : عَنْ مُجَاهِد أَيْضًا وَالرَّبِيع : لَا تُعْظِم عَمَلَك فِي عَيْنِك أَنْ تَسْتَكْثِرَ مِنْ الْخَيْر , فَإِنَّهُ مِمَّا أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْك . قَالَ اِبْن كَيْسَان : لَا تَسْتَكْثِر عَمَلَك فَتَرَاهُ مِنْ نَفْسِك , إِنَّمَا عَمَلُك مِنَّة مِنْ اللَّه عَلَيْك ; إِذْ جَعَلَ اللَّه لَك سَبِيلًا إِلَى عِبَادَته .
الْخَامِس : قَالَ الْحَسَن : لَا تَمْنُنْ عَلَى اللَّه بِعَمَلِك فَتَسْتَكْثِرهُ .
السَّادِس : لَا تَمْنُنْ بِالنُّبُوَّةِ وَالْقُرْآن عَلَى النَّاس فَتَأْخُذ مِنْهُمْ أَجْرًا تَسْتَكْثِر بِهِ .
السَّابِع : قَالَ الْقُرَظِيّ : لَا تُعْطِ مَالَك مُصَانَعَةً.
الثَّامِن : قَالَ زَيْد بْن أَسْلَمَ : إِذَا أَعْطَيْت عَطِيَّة فَأَعْطِهَا لِرَبِّك .
التَّاسِع : لَا تَقُلْ دَعَوْت فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي .
الْعَاشِر : لَا تَعْمَل طَاعَة وَتَطْلُب ثَوَابَهَا , وَلَكِنْ اِصْبِرْ حَتَّى يَكُونَ اللَّه هُوَ الَّذِي يُثِيبك عَلَيْهَا .
الْحَادِي عَشَرَ : لَا تَفْعَل الْخَيْرَ لِتُرَائِيَ بِهِ النَّاسَ .
الثَّانِيَة : هَذِهِ الْأَقْوَال وَإِنْ كَانَتْ مُرَادَة فَأَظْهَرهَا قَوْل اِبْن عَبَّاس : لَا تُعْطِ لِتَأْخُذَ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَيْت مِنْ الْمَال ; يُقَال : مَنَنْت فُلَانًا كَذَا أَيْ أَعْطَيْته . وَيُقَال لِلْعَطِيَّةِ الْمِنَّة ; فَكَأَنَّهُ أَمَرَ بِأَنْ تَكُونَ عَطَايَاهُ لِلَّهِ , لَا لِارْتِقَابِ ثَوَاب مِنْ الْخَلْق عَلَيْهَا ; لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام مَا كَانَ يَجْمَع الدُّنْيَا , وَلِهَذَا قَالَ : ( مَا لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّه عَلَيْكُمْ إِلَّا الْخُمُس وَالْخُمُس مَرْدُود عَلَيْكُمْ ) . وَكَانَ مَا يَفْضُل مِنْ نَفَقَة عِيَاله مَصْرُوفًا إِلَى مَصَالِح الْمُسْلِمِينَ ; وَلِهَذَا لَمْ يُوَرَّث ; لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَمْلِك لِنَفْسِهِ الِادِّخَارَ وَالِاقْتِنَاءَ , وَقَدْ عَصَمَهُ اللَّه تَعَالَى عَنْ الرَّغْبَة فِي شَيْء مِنْ الدُّنْيَا ; وَلِذَلِكَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ الصَّدَقَة وَأُبِيحَتْ لَهُ الْهَدِيَّة , فَكَانَ يَقْبَلهَا وَيُثِيب عَلَيْهَا . وَقَالَ : ( لَوْ دُعِيت إِلَى كُرَاع لَأَجَبْت وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاع لَقَبِلْت ) اِبْن الْعَرَبِيّ : وَكَانَ يَقْبَلهَا سُنَّة وَلَا يَسْتَكْثِرهَا شِرْعَةً , وَإِذَا كَانَ لَا يُعْطِي عَطِيَّة يَسْتَكْثِر بِهَا فَالْأَغْنِيَاء أَوْلَى بِالِاجْتِنَابِ ; لِأَنَّهَا بَاب مِنْ أَبْوَاب الْمَذَلَّة , وَكَذَلِكَ قَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّ مَعْنَاهَا لَا تُعْطِي عَطِيَّةً تَنْتَظِر ثَوَابَهَا , فَإِنَّ الِانْتِظَارَ تَعَلُّق بِالْأَطْمَاعِ , وَذَلِكَ فِي حَيِّزه بِحُكْمِ الِامْتِنَاع , وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى لَهُ : " وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْك إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاة الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْق رَبّك خَيْر وَأَبْقَى " [ طَه : 131 ] . وَذَلِكَ جَائِز لِسَائِرِ الْخَلْق ; لِأَنَّهُ مِنْ مَتَاع الدُّنْيَا , وَطَلَب الْكَسْب وَالتَّكَاثُر بِهَا . وَأَمَّا مَنْ قَالَ أَرَادَ بِهِ الْعَمَل أَيْ لَا تَمْنُنْ بِعَمَلِك عَلَى اللَّه فَتَسْتَكْثِرهُ فَهُوَ صَحِيح ; فَإِنَّ اِبْن آدَم لَوْ أَطَاعَ اللَّهَ عُمُره مِنْ غَيْر فُتُور لَمَا بَلَغَ لِنِعَمِ اللَّه بَعْض الشُّكْر الثَّالِثَة : قَوْله تَعَالَى : " وَلَا تَمْنُنْ " قِرَاءَة الْعَامَّة بِإِظْهَارِ التَّضْعِيف . وَقَرَأَ أَبُو السَّمَّال الْعَدَوِيّ وَأَشْهَب الْعُقَيْلِيّ وَالْحَسَن " وَلَا تَمُنّ " مُدْغَمَة مَفْتُوحَة .
" تَسْتَكْثِرُ " : قِرَاءَة الْعَامَّة بِالرَّفْعِ وَهُوَ فِي مَعْنَى الْحَال , تَقُول : جَاءَ زَيْد يَرْكُض أَيْ رَاكِضًا ; أَيْ لَا تُعْطِ شَيْئًا مُقَدَّرًا أَنْ تَأْخُذَ بَدَله مَا هُوَ أَكْثَر مِنْهُ . وَقَرَأَ الْحَسَن بِالْجَزْمِ عَلَى جَوَاب النَّهْي وَهُوَ رَدِيء ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجَوَابٍ . وَيَجُوز أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ " تَمْنُنْ " كَأَنَّهُ قَالَ : لَا تَسْتَكْثِر . وَأَنْكَرَهُ أَبُو حَاتِم وَقَالَ : لِأَنَّ الْمَنّ لَيْسَ بِالِاسْتِكْثَارِ فَيُبْدَل مِنْهُ . وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُونَ سَكَّنَ تَخْفِيفًا كَعَضْد . أَوْ أَنْ يَعْتَبِر حَال الْوَقْف . وَقَرَأَ الْأَعْمَش وَيَحْيَى " تَسْتَكْثِرَ " بِالنَّصْبِ , تَوَهَّمَ لَامَ كَيْ , كَأَنَّهُ قَالَ : وَلَا تَمْنُنْ لِتَسْتَكْثِرَ . وَقِيلَ : هُوَ بِإِضْمَارِ " أَنْ " كَقَوْلِهِ : ( أَلَا أَيُّهَذَا الزَّاجِرِيّ أَحْضُرَ الْوَغَى ) وَيُؤَيِّدهُ قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود " وَلَا تَمْنُنْ أَنْ تَسْتَكْثِرَ " . قَالَ الْكِسَائِيّ : فَإِذَا حُذِفَ " أَنْ " رَفَعَ وَكَانَ الْمَعْنَى وَاحِدًا . وَقَدْ يَكُون الْمَنّ بِمَعْنَى التَّعْدَاد عَلَى الْمُنْعِم عَلَيْهِ بِالنِّعَمِ , فَيَرْجِع إِلَى الْقَوْل [ الثَّانِي ] , وَيُعَضِّدهُ قَوْله تَعَالَى : " لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى " [ الْبَقَرَة : 264 ] وَقَدْ يَكُون مُرَادًا فِي هَذِهِ الْآيَة . وَاَللَّه أَعْلَم .
الْأَوَّل : لَا تَمْنُنْ عَلَى رَبّك بِمَا تَتَحَمَّلهُ مِنْ أَثْقَال النُّبُوَّة , كَاَلَّذِي يَسْتَكْثِر مَا يَتَحَمَّلهُ بِسَبَبِ الْغَيْر .
الثَّانِي : لَا تُعْطِ عَطِيَّة تَلْتَمِس بِهَا أَفْضَل مِنْهَا ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة وَقَتَادَة . قَالَ الضَّحَّاك : هَذَا حَرَّمَهُ اللَّه عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّهُ مَأْمُور بِأَشْرَف الْآدَاب وَأَجَلّ الْأَخْلَاق , وَأَبَاحَهُ لِأُمَّتِهِ ; وَقَالَهُ مُجَاهِد .
الثَّالِث : عَنْ مُجَاهِد أَيْضًا لَا تَضْعُف أَنْ تَسْتَكْثِرَ مِنْ الْخَيْر ; مِنْ قَوْلِك حَبْل مَنِين إِذَا كَانَ ضَعِيفًا ; وَدَلِيله قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود " وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرْ مِنْ الْخَيْر " .
الرَّابِع : عَنْ مُجَاهِد أَيْضًا وَالرَّبِيع : لَا تُعْظِم عَمَلَك فِي عَيْنِك أَنْ تَسْتَكْثِرَ مِنْ الْخَيْر , فَإِنَّهُ مِمَّا أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْك . قَالَ اِبْن كَيْسَان : لَا تَسْتَكْثِر عَمَلَك فَتَرَاهُ مِنْ نَفْسِك , إِنَّمَا عَمَلُك مِنَّة مِنْ اللَّه عَلَيْك ; إِذْ جَعَلَ اللَّه لَك سَبِيلًا إِلَى عِبَادَته .
الْخَامِس : قَالَ الْحَسَن : لَا تَمْنُنْ عَلَى اللَّه بِعَمَلِك فَتَسْتَكْثِرهُ .
السَّادِس : لَا تَمْنُنْ بِالنُّبُوَّةِ وَالْقُرْآن عَلَى النَّاس فَتَأْخُذ مِنْهُمْ أَجْرًا تَسْتَكْثِر بِهِ .
السَّابِع : قَالَ الْقُرَظِيّ : لَا تُعْطِ مَالَك مُصَانَعَةً.
الثَّامِن : قَالَ زَيْد بْن أَسْلَمَ : إِذَا أَعْطَيْت عَطِيَّة فَأَعْطِهَا لِرَبِّك .
التَّاسِع : لَا تَقُلْ دَعَوْت فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي .
الْعَاشِر : لَا تَعْمَل طَاعَة وَتَطْلُب ثَوَابَهَا , وَلَكِنْ اِصْبِرْ حَتَّى يَكُونَ اللَّه هُوَ الَّذِي يُثِيبك عَلَيْهَا .
الْحَادِي عَشَرَ : لَا تَفْعَل الْخَيْرَ لِتُرَائِيَ بِهِ النَّاسَ .
الثَّانِيَة : هَذِهِ الْأَقْوَال وَإِنْ كَانَتْ مُرَادَة فَأَظْهَرهَا قَوْل اِبْن عَبَّاس : لَا تُعْطِ لِتَأْخُذَ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَيْت مِنْ الْمَال ; يُقَال : مَنَنْت فُلَانًا كَذَا أَيْ أَعْطَيْته . وَيُقَال لِلْعَطِيَّةِ الْمِنَّة ; فَكَأَنَّهُ أَمَرَ بِأَنْ تَكُونَ عَطَايَاهُ لِلَّهِ , لَا لِارْتِقَابِ ثَوَاب مِنْ الْخَلْق عَلَيْهَا ; لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام مَا كَانَ يَجْمَع الدُّنْيَا , وَلِهَذَا قَالَ : ( مَا لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّه عَلَيْكُمْ إِلَّا الْخُمُس وَالْخُمُس مَرْدُود عَلَيْكُمْ ) . وَكَانَ مَا يَفْضُل مِنْ نَفَقَة عِيَاله مَصْرُوفًا إِلَى مَصَالِح الْمُسْلِمِينَ ; وَلِهَذَا لَمْ يُوَرَّث ; لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَمْلِك لِنَفْسِهِ الِادِّخَارَ وَالِاقْتِنَاءَ , وَقَدْ عَصَمَهُ اللَّه تَعَالَى عَنْ الرَّغْبَة فِي شَيْء مِنْ الدُّنْيَا ; وَلِذَلِكَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ الصَّدَقَة وَأُبِيحَتْ لَهُ الْهَدِيَّة , فَكَانَ يَقْبَلهَا وَيُثِيب عَلَيْهَا . وَقَالَ : ( لَوْ دُعِيت إِلَى كُرَاع لَأَجَبْت وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاع لَقَبِلْت ) اِبْن الْعَرَبِيّ : وَكَانَ يَقْبَلهَا سُنَّة وَلَا يَسْتَكْثِرهَا شِرْعَةً , وَإِذَا كَانَ لَا يُعْطِي عَطِيَّة يَسْتَكْثِر بِهَا فَالْأَغْنِيَاء أَوْلَى بِالِاجْتِنَابِ ; لِأَنَّهَا بَاب مِنْ أَبْوَاب الْمَذَلَّة , وَكَذَلِكَ قَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّ مَعْنَاهَا لَا تُعْطِي عَطِيَّةً تَنْتَظِر ثَوَابَهَا , فَإِنَّ الِانْتِظَارَ تَعَلُّق بِالْأَطْمَاعِ , وَذَلِكَ فِي حَيِّزه بِحُكْمِ الِامْتِنَاع , وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى لَهُ : " وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْك إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاة الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْق رَبّك خَيْر وَأَبْقَى " [ طَه : 131 ] . وَذَلِكَ جَائِز لِسَائِرِ الْخَلْق ; لِأَنَّهُ مِنْ مَتَاع الدُّنْيَا , وَطَلَب الْكَسْب وَالتَّكَاثُر بِهَا . وَأَمَّا مَنْ قَالَ أَرَادَ بِهِ الْعَمَل أَيْ لَا تَمْنُنْ بِعَمَلِك عَلَى اللَّه فَتَسْتَكْثِرهُ فَهُوَ صَحِيح ; فَإِنَّ اِبْن آدَم لَوْ أَطَاعَ اللَّهَ عُمُره مِنْ غَيْر فُتُور لَمَا بَلَغَ لِنِعَمِ اللَّه بَعْض الشُّكْر الثَّالِثَة : قَوْله تَعَالَى : " وَلَا تَمْنُنْ " قِرَاءَة الْعَامَّة بِإِظْهَارِ التَّضْعِيف . وَقَرَأَ أَبُو السَّمَّال الْعَدَوِيّ وَأَشْهَب الْعُقَيْلِيّ وَالْحَسَن " وَلَا تَمُنّ " مُدْغَمَة مَفْتُوحَة .
" تَسْتَكْثِرُ " : قِرَاءَة الْعَامَّة بِالرَّفْعِ وَهُوَ فِي مَعْنَى الْحَال , تَقُول : جَاءَ زَيْد يَرْكُض أَيْ رَاكِضًا ; أَيْ لَا تُعْطِ شَيْئًا مُقَدَّرًا أَنْ تَأْخُذَ بَدَله مَا هُوَ أَكْثَر مِنْهُ . وَقَرَأَ الْحَسَن بِالْجَزْمِ عَلَى جَوَاب النَّهْي وَهُوَ رَدِيء ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجَوَابٍ . وَيَجُوز أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ " تَمْنُنْ " كَأَنَّهُ قَالَ : لَا تَسْتَكْثِر . وَأَنْكَرَهُ أَبُو حَاتِم وَقَالَ : لِأَنَّ الْمَنّ لَيْسَ بِالِاسْتِكْثَارِ فَيُبْدَل مِنْهُ . وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُونَ سَكَّنَ تَخْفِيفًا كَعَضْد . أَوْ أَنْ يَعْتَبِر حَال الْوَقْف . وَقَرَأَ الْأَعْمَش وَيَحْيَى " تَسْتَكْثِرَ " بِالنَّصْبِ , تَوَهَّمَ لَامَ كَيْ , كَأَنَّهُ قَالَ : وَلَا تَمْنُنْ لِتَسْتَكْثِرَ . وَقِيلَ : هُوَ بِإِضْمَارِ " أَنْ " كَقَوْلِهِ : ( أَلَا أَيُّهَذَا الزَّاجِرِيّ أَحْضُرَ الْوَغَى ) وَيُؤَيِّدهُ قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود " وَلَا تَمْنُنْ أَنْ تَسْتَكْثِرَ " . قَالَ الْكِسَائِيّ : فَإِذَا حُذِفَ " أَنْ " رَفَعَ وَكَانَ الْمَعْنَى وَاحِدًا . وَقَدْ يَكُون الْمَنّ بِمَعْنَى التَّعْدَاد عَلَى الْمُنْعِم عَلَيْهِ بِالنِّعَمِ , فَيَرْجِع إِلَى الْقَوْل [ الثَّانِي ] , وَيُعَضِّدهُ قَوْله تَعَالَى : " لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى " [ الْبَقَرَة : 264 ] وَقَدْ يَكُون مُرَادًا فِي هَذِهِ الْآيَة . وَاَللَّه أَعْلَم .
أَيْ وَلِسَيِّدِك وَمَالِكك فَاصْبِرْ عَلَى أَدَاء فَرَائِضه وَعِبَادَته .
وَقَالَ مُجَاهِد : عَلَى مَا أُوذِيت . وَقَالَ اِبْن زَيْد : حُمِّلْت أَمْرًا عَظِيمًا ; مُحَارَبَة الْعَرَب وَالْعَجَم , فَاصْبِرْ عَلَيْهِ لِلَّهِ .
وَقِيلَ : فَاصْبِرْ تَحْت مَوَارِد الْقَضَاء لِأَجْلِ اللَّه تَعَالَى .
وَقِيلَ : فَاصْبِرْ عَلَى الْبَلْوَى ; لِأَنَّهُ يَمْتَحِن أَوْلِيَاءَهُ وَأَصْفِيَاءَهُ . وَقِيلَ : عَلَى أَوَامِره وَنَوَاهِيه . وَقِيلَ : عَلَى فِرَاق الْأَهْل وَالْأَوْطَان .
وَقَالَ مُجَاهِد : عَلَى مَا أُوذِيت . وَقَالَ اِبْن زَيْد : حُمِّلْت أَمْرًا عَظِيمًا ; مُحَارَبَة الْعَرَب وَالْعَجَم , فَاصْبِرْ عَلَيْهِ لِلَّهِ .
وَقِيلَ : فَاصْبِرْ تَحْت مَوَارِد الْقَضَاء لِأَجْلِ اللَّه تَعَالَى .
وَقِيلَ : فَاصْبِرْ عَلَى الْبَلْوَى ; لِأَنَّهُ يَمْتَحِن أَوْلِيَاءَهُ وَأَصْفِيَاءَهُ . وَقِيلَ : عَلَى أَوَامِره وَنَوَاهِيه . وَقِيلَ : عَلَى فِرَاق الْأَهْل وَالْأَوْطَان .
إِذَا نُفِخَ فِي الصُّور . وَالنَّاقُور : فَاعُول مِنْ النَّقْر , كَأَنَّهُ الَّذِي مِنْ شَأْنه أَنْ يُنْقَر فِيهِ لِلتَّصْوِيتِ , وَالنَّقْر فِي كَلَام الْعَرَب : الصَّوْت ; وَمِنْهُ قَوْل اِمْرِئِ الْقَيْس أُخَفِّضهُ بِالنَّقْرِ لَمَّا عَلَوْته وَيَرْفَع طَرْفًا غَيْر خَافٍ غَضِيض وَهُمْ يَقُولُونَ : نَقَّرَ بِاسْمِ الرَّجُل إِذْ دَعَاهُ مُخْتَصًّا لَهُ بِدُعَائِهِ . وَقَالَ مُجَاهِد وَغَيْره : هُوَ كَهَيْئَةِ الْبُوق , وَيَعْنِي بِهِ النَّفْخَة الثَّانِيَة . وَقِيلَ : الْأُولَى ; لِأَنَّهَا أَوَّل الشِّدَّة الْهَائِلَة الْعَامَّة . وَقَدْ مَضَى الْكَلَام فِي هَذَا مُسْتَوْفًى فِي " النَّمْل " وَ " الْأَنْعَام " وَفِي كِتَاب " التَّذْكِرَة " , وَالْحَمْد لِلَّهِ .
وَعَنْ أَبِي حِبَّان قَالَ : أَمَّنَا زُرَارَةُ بْن أَوْفَى فَلَمَّا بَلَغَ " فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُور " خَرَّ مَيِّتًا .
وَعَنْ أَبِي حِبَّان قَالَ : أَمَّنَا زُرَارَةُ بْن أَوْفَى فَلَمَّا بَلَغَ " فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُور " خَرَّ مَيِّتًا .
أَيْ فَذَلِكَ الْيَوْم يَوْم شَدِيد وَ " يَوْمئِذٍ " نُصِبَ عَلَى تَقْدِير فَذَلِكَ يَوْم عَسِير يَوْمَئِذٍ . وَقِيلَ : جُرَّ بِتَقْدِيرِ حَرْف جَرّ , مَجَازه : فَذَلِكَ فِي يَوْمئِذٍ . وَقِيلَ : يَجُوز أَنْ يَكُونَ رَفْعًا إِلَّا أَنَّهُ بُنِيَ عَلَى الْفَتْح لِإِضَافَتِهِ إِلَى غَيْر مُتَمَكِّن .
أَيْ عَلَى مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ وَبِأَنْبِيَائِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِمْ
أَيْ غَيْر سَهْل وَلَا هَيِّن ; وَذَلِكَ أَنَّ عُقَدَهُمْ لَا تَنْحَلّ إِلَّا إِلَى عُقْدَة أَشَدّ مِنْهَا , بِخِلَافِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُوَحِّدِينَ الْمُذْنِبِينَ فَإِنَّهَا تَنْحَلّ إِلَى مَا هُوَ أَخَفّ مِنْهَا حَتَّى يَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِرَحْمَةِ اللَّه تَعَالَى .
أَيْ غَيْر سَهْل وَلَا هَيِّن ; وَذَلِكَ أَنَّ عُقَدَهُمْ لَا تَنْحَلّ إِلَّا إِلَى عُقْدَة أَشَدّ مِنْهَا , بِخِلَافِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُوَحِّدِينَ الْمُذْنِبِينَ فَإِنَّهَا تَنْحَلّ إِلَى مَا هُوَ أَخَفّ مِنْهَا حَتَّى يَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِرَحْمَةِ اللَّه تَعَالَى .
( ذَرْنِي ) أَيْ دَعْنِي ; وَهِيَ كَلِمَة وَعِيد وَتَهْدِيد .
" وَمَنْ خَلَقْت " أَيْ دَعْنِي وَاَلَّذِي خَلَقْته وَحِيدًا ; فَ " وَحِيدًا " عَلَى هَذَا حَال مِنْ ضَمِير الْمَفْعُول الْمَحْذُوف , أَيْ خَلَقْته وَحْدَهُ , لَا مَالَ لَهُ وَلَا وَلَدَ , ثُمَّ أَعْطَيْته بَعْدَ ذَلِكَ مَا أَعْطَيْته .
وَالْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّهُ الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة الْمَخْزُومِيّ , وَإِنْ كَانَ النَّاس خُلِقُوا مِثْل خَلْقه . وَإِنَّمَا خُصَّ بِالذِّكْرِ لِاخْتِصَاصِهِ بِكُفْرِ النِّعْمَة وَإِيذَاء الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام , وَكَانَ يُسَمَّى الْوَحِيد فِي قَوْمه .
قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَ الْوَلِيد يَقُول : أَنَا الْوَحِيد بْن الْوَحِيد , لَيْسَ لِي فِي الْعَرَب نَظِير , وَلَا لِأَبِي الْمُغِيرَة نَظِير , وَكَانَ يُسَمَّى الْوَحِيد ; فَقَالَ اللَّه تَعَالَى : " ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْت " بِزَعْمِهِ " وَحِيدًا " لَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى صَدَّقَهُ بِأَنَّهُ وَحِيد .
وَقَالَ قَوْم : إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : " وَحِيدًا " يَرْجِع إِلَى الرَّبّ تَعَالَى عَلَى مَعْنَيَيْنِ : أَحَدهمَا : ذَرْنِي وَحْدِي مَعَهُ فَأَنَا أَجْزِيك فِي الِانْتِقَام مِنْهُ عَنْ كُلّ مُنْتَقِم . وَالثَّانِي أَنِّي اِنْفَرَدْت بِخَلْقِهِ وَلَمْ يَشْرَكنِي فِيهِ أَحَد , فَأَنَا أُهْلِكهُ وَلَا أَحْتَاج إِلَى نَاصِر فِي إِهْلَاكه ; فَ " وَحِيدًا " عَلَى هَذَا حَال مِنْ ضَمِير الْفَاعِل , وَهُوَ التَّاء فِي " خَلَقْت " وَالْأَوَّل قَوْل مُجَاهِد , أَيْ خَلَقْته وَحِيدًا فِي بَطْن أُمّه لَا مَالَ لَهُ وَلَا وَلَدَ , فَأَنْعَمْت عَلَيْهِ فَكَفَرَ ; فَقَوْله : " وَحِيدًا " عَلَى هَذَا يَرْجِع إِلَى الْوَلِيد , أَيْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْء فَمَلَّكْته . وَقِيلَ : أَرَادَ بِذَلِكَ لِيَدُلَّهُ عَلَى أَنَّهُ يُبْعَث وَحِيدًا كَمَا خُلِقَ وَحِيدًا . وَقِيلَ : الْوَحِيد الَّذِي لَا يُعْرَف أَبُوهُ , وَكَانَ الْوَلِيد مَعْرُوفًا بِأَنَّهُ دَعِيّ , كَمَا ذَكَرْنَا فِي قَوْله تَعَالَى : " عُتُلّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيم " [ الْقَلَم : 13 ] وَهُوَ فِي صِفَة الْوَلِيد أَيْضًا .
" وَمَنْ خَلَقْت " أَيْ دَعْنِي وَاَلَّذِي خَلَقْته وَحِيدًا ; فَ " وَحِيدًا " عَلَى هَذَا حَال مِنْ ضَمِير الْمَفْعُول الْمَحْذُوف , أَيْ خَلَقْته وَحْدَهُ , لَا مَالَ لَهُ وَلَا وَلَدَ , ثُمَّ أَعْطَيْته بَعْدَ ذَلِكَ مَا أَعْطَيْته .
وَالْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّهُ الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة الْمَخْزُومِيّ , وَإِنْ كَانَ النَّاس خُلِقُوا مِثْل خَلْقه . وَإِنَّمَا خُصَّ بِالذِّكْرِ لِاخْتِصَاصِهِ بِكُفْرِ النِّعْمَة وَإِيذَاء الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام , وَكَانَ يُسَمَّى الْوَحِيد فِي قَوْمه .
قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَ الْوَلِيد يَقُول : أَنَا الْوَحِيد بْن الْوَحِيد , لَيْسَ لِي فِي الْعَرَب نَظِير , وَلَا لِأَبِي الْمُغِيرَة نَظِير , وَكَانَ يُسَمَّى الْوَحِيد ; فَقَالَ اللَّه تَعَالَى : " ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْت " بِزَعْمِهِ " وَحِيدًا " لَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى صَدَّقَهُ بِأَنَّهُ وَحِيد .
وَقَالَ قَوْم : إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : " وَحِيدًا " يَرْجِع إِلَى الرَّبّ تَعَالَى عَلَى مَعْنَيَيْنِ : أَحَدهمَا : ذَرْنِي وَحْدِي مَعَهُ فَأَنَا أَجْزِيك فِي الِانْتِقَام مِنْهُ عَنْ كُلّ مُنْتَقِم . وَالثَّانِي أَنِّي اِنْفَرَدْت بِخَلْقِهِ وَلَمْ يَشْرَكنِي فِيهِ أَحَد , فَأَنَا أُهْلِكهُ وَلَا أَحْتَاج إِلَى نَاصِر فِي إِهْلَاكه ; فَ " وَحِيدًا " عَلَى هَذَا حَال مِنْ ضَمِير الْفَاعِل , وَهُوَ التَّاء فِي " خَلَقْت " وَالْأَوَّل قَوْل مُجَاهِد , أَيْ خَلَقْته وَحِيدًا فِي بَطْن أُمّه لَا مَالَ لَهُ وَلَا وَلَدَ , فَأَنْعَمْت عَلَيْهِ فَكَفَرَ ; فَقَوْله : " وَحِيدًا " عَلَى هَذَا يَرْجِع إِلَى الْوَلِيد , أَيْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْء فَمَلَّكْته . وَقِيلَ : أَرَادَ بِذَلِكَ لِيَدُلَّهُ عَلَى أَنَّهُ يُبْعَث وَحِيدًا كَمَا خُلِقَ وَحِيدًا . وَقِيلَ : الْوَحِيد الَّذِي لَا يُعْرَف أَبُوهُ , وَكَانَ الْوَلِيد مَعْرُوفًا بِأَنَّهُ دَعِيّ , كَمَا ذَكَرْنَا فِي قَوْله تَعَالَى : " عُتُلّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيم " [ الْقَلَم : 13 ] وَهُوَ فِي صِفَة الْوَلِيد أَيْضًا .
أَيْ خَوَّلْته وَأَعْطَيْته مَالًا مَمْدُودًا , وَهُوَ مَا كَانَ لِلْوَلِيدِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِف مِنْ الْإِبِل وَالْحُجُور وَالنَّعَم وَالْجِنَان وَالْعَبِيد وَالْجَوَارِي , كَذَا كَانَ اِبْن عَبَّاس يَقُول : وَقَالَ مُجَاهِد : غَلَّة أَلْف دِينَار , قَالَهُ سَعِيد بْن جُبَيْر وَابْن عَبَّاس أَيْضًا . وَقَالَ قَتَادَة : سِتَّة آلَاف دِينَار .
وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ وَقَتَادَة : أَرْبَعَة آلَاف دِينَار . الثَّوْرِيّ أَيْضًا : أَلْف أَلْف دِينَار . مُقَاتِل : كَانَ لَهُ بُسْتَان لَا يَنْقَطِع خَيْره شِتَاء وَلَا صَيْفًا .
وَقَالَ عُمَر رِضَى اللَّه عَنْهُ : " وَجَعَلْت لَهُ مَالًا مَمْدُودًا " غَلَّة شَهْر بِشَهْرٍ .
النُّعْمَان بْن سَالِم : أَرْضًا يَزْرَع فِيهَا . الْقُشَيْرِيّ : وَالْأَظْهَر أَنَّهُ إِشَارَة إِلَى مَا لَا يَنْقَطِع رِزْقه , بَلْ يَتَوَالَى كَالزَّرْعِ وَالضَّرْع وَالتِّجَارَة .
وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ وَقَتَادَة : أَرْبَعَة آلَاف دِينَار . الثَّوْرِيّ أَيْضًا : أَلْف أَلْف دِينَار . مُقَاتِل : كَانَ لَهُ بُسْتَان لَا يَنْقَطِع خَيْره شِتَاء وَلَا صَيْفًا .
وَقَالَ عُمَر رِضَى اللَّه عَنْهُ : " وَجَعَلْت لَهُ مَالًا مَمْدُودًا " غَلَّة شَهْر بِشَهْرٍ .
النُّعْمَان بْن سَالِم : أَرْضًا يَزْرَع فِيهَا . الْقُشَيْرِيّ : وَالْأَظْهَر أَنَّهُ إِشَارَة إِلَى مَا لَا يَنْقَطِع رِزْقه , بَلْ يَتَوَالَى كَالزَّرْعِ وَالضَّرْع وَالتِّجَارَة .
أَيْ حُضُورًا لَا يَغِيبُونَ عَنْهُ فِي تَصَرُّف . قَالَ مُجَاهِد وَقَتَادَة : كَانُوا عَشَرَة . وَقِيلَ : اِثْنَا عَشَرَ ; قَالَهُ السُّدِّيّ وَالضَّحَّاك . قَالَ الضَّحَّاك : سَبْعَة وُلِدُوا بِمَكَّةَ وَخَمْسَةٌ وُلِدُوا بِالطَّائِفِ . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : كَانُوا ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَلَدًا . مُقَاتِل : كَانُوا سَبْعَة كُلّهمْ رِجَال , أَسْلَمَ مِنْهُمْ ثَلَاثَة : خَالِد وَهِشَام وَالْوَلِيد بْن الْوَلِيد . قَالَ : فَمَا زَالَ الْوَلِيد بَعْدَ نُزُول هَذِهِ الْآيَة فِي نُقْصَان مِنْ مَالِهِ وَوَلَدِهِ حَتَّى هَلَكَ . وَقِيلَ : شُهُودًا , أَيْ إِذَا ذُكِرَ ذُكِرُوا مَعَهُ ; قَالَهُ اِبْن عَبَّاس .
وَقِيلَ : شُهُودًا , أَيْ قَدْ صَارُوا مِثْلَهُ فِي شُهُود مَا كَانَ يَشْهَدهُ , وَالْقِيَام بِمَا كَانَ يُبَاشِرهُ . وَالْأَوَّل قَوْل السُّدِّيّ , أَيْ حَاضِرِينَ مَكَّة لَا يَظْعَنُونَ عَنْهُ فِي تِجَارَة وَلَا يَغِيبُونَ .
وَقِيلَ : شُهُودًا , أَيْ قَدْ صَارُوا مِثْلَهُ فِي شُهُود مَا كَانَ يَشْهَدهُ , وَالْقِيَام بِمَا كَانَ يُبَاشِرهُ . وَالْأَوَّل قَوْل السُّدِّيّ , أَيْ حَاضِرِينَ مَكَّة لَا يَظْعَنُونَ عَنْهُ فِي تِجَارَة وَلَا يَغِيبُونَ .
أَيْ بَسَطْت لَهُ فِي الْعَيْش بَسْطًا , حَتَّى أَقَامَ بِبَلْدَتِهِ مُطَمْئِنًّا مُتَرَفِّهًا يُرْجَع إِلَى رَأْيه .
وَالتَّمْهِيد عِنْدَ الْعَرَب : التَّوْطِئَة وَالتَّهْيِئَة ; وَمِنْهُ مَهْد الصَّبِيّ .
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : " وَمَهَّدْت لَهُ تَمْهِيدًا " أَيْ وَسَّعْت لَهُ مَا بَيْنَ الْيَمَن وَالشَّام وَقَالَهُ مُجَاهِد .
وَعَنْ مُجَاهِد أَيْضًا فِي " وَمَهَّدْت لَهُ تَمْهِيدًا " أَنَّهُ الْمَال بَعْضه فَوْقَ بَعْض كَمَا يُمَهَّد الْفِرَاش .
وَالتَّمْهِيد عِنْدَ الْعَرَب : التَّوْطِئَة وَالتَّهْيِئَة ; وَمِنْهُ مَهْد الصَّبِيّ .
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : " وَمَهَّدْت لَهُ تَمْهِيدًا " أَيْ وَسَّعْت لَهُ مَا بَيْنَ الْيَمَن وَالشَّام وَقَالَهُ مُجَاهِد .
وَعَنْ مُجَاهِد أَيْضًا فِي " وَمَهَّدْت لَهُ تَمْهِيدًا " أَنَّهُ الْمَال بَعْضه فَوْقَ بَعْض كَمَا يُمَهَّد الْفِرَاش .
أَيْ ثُمَّ إِنَّ الْوَلِيدَ يَطْمَع بَعْدَ هَذَا كُلّه أَنْ أَزِيدَهُ فِي الْمَال وَالْوَلَد . وَقَالَ الْحَسَن وَغَيْره : أَيْ ثُمَّ يَطْمَع أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ , وَكَانَ الْوَلِيد يَقُول : إِنْ كَانَ مُحَمَّد صَادِقًا فَمَا خُلِقَتْ الْجَنَّة إِلَّا لِي ; فَقَالَ اللَّه تَعَالَى رَدًّا عَلَيْهِ وَتَكْذِيبًا لَهُ : " كَلَّا " أَيْ لَسْت أَزِيدهُ , فَلَمْ يَزَلْ يَرَى النُّقْصَان فِي مَاله وَوَلَده حَتَّى هَلَكَ .
وَ " ثُمَّ " فِي قَوْله تَعَالَى : " ثُمَّ يَطْمَع " لَيْسَتْ بِثُمَّ الَّتِي لِلنَّسَقِ وَلَكِنَّهَا تَعْجِيب , وَهِيَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَجَعَلَ الظُّلُمَات وَالنُّور ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ) [ الْأَنْعَام : 1 ] وَذَلِكَ كَمَا تَقُول : أَعْطَيْتُك ثُمَّ أَنْتَ تَجْفُونِي ; كَالْمُتَعَجِّبِ مِنْ ذَلِكَ . وَقِيلَ يَطْمَع أَنْ أَتْرُكَ ذَلِكَ فِي عَقِبه ; وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَقُول : إِنَّ مُحَمَّدًا مَبْتُور ; أَيْ أَبْتَر وَيَنْقَطِع ذِكْره بِمَوْتِهِ . وَكَانَ يَظُنّ أَنَّ مَا رُزِقَ لَا يَنْقَطِع بِمَوْتِهِ . وَقِيلَ : أَيْ ثُمَّ يَطْمَع أَنْ أَنْصُرَهُ عَلَى كُفْره .
وَ " ثُمَّ " فِي قَوْله تَعَالَى : " ثُمَّ يَطْمَع " لَيْسَتْ بِثُمَّ الَّتِي لِلنَّسَقِ وَلَكِنَّهَا تَعْجِيب , وَهِيَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَجَعَلَ الظُّلُمَات وَالنُّور ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ) [ الْأَنْعَام : 1 ] وَذَلِكَ كَمَا تَقُول : أَعْطَيْتُك ثُمَّ أَنْتَ تَجْفُونِي ; كَالْمُتَعَجِّبِ مِنْ ذَلِكَ . وَقِيلَ يَطْمَع أَنْ أَتْرُكَ ذَلِكَ فِي عَقِبه ; وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَقُول : إِنَّ مُحَمَّدًا مَبْتُور ; أَيْ أَبْتَر وَيَنْقَطِع ذِكْره بِمَوْتِهِ . وَكَانَ يَظُنّ أَنَّ مَا رُزِقَ لَا يَنْقَطِع بِمَوْتِهِ . وَقِيلَ : أَيْ ثُمَّ يَطْمَع أَنْ أَنْصُرَهُ عَلَى كُفْره .
" كَلَّا " أَيْ لَيْسَ يَكُون ذَلِكَ مَعَ كُفْره بِالنِّعَمِ .
وَ " كَلَّا " قَطْع لِلرَّجَاءِ عَمَّا كَانَ يَطْمَع فِيهِ مِنْ الزِّيَادَة ; فَيَكُون مُتَّصِلًا بِالْكَلَامِ الْأَوَّل .
وَقِيلَ : " كَلَّا " بِمَعْنَى حَقًّا وَيَكُون اِبْتِدَاء " إِنَّهُ " يَعْنِي الْوَلِيد " كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا " أَيْ مُعَانِدًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا جَاءَ بِهِ ; يُقَال : عَانَدَ فَهُوَ عَنِيد مِثْل جَالِس فَهُوَ جَلِيس ; قَالَهُ مُجَاهِد .
وَعَنَدَ يَعْنِد بِالْكَسْرِ أَيْ خَالَفَ وَرَدَّ الْحَقَّ وَهُوَ يَعْرِفهُ فَهُوَ عَنِيد وَعَانِد . وَالْعَانِد : الْبَعِير الَّذِي يَحُور عَنْ الطَّرِيق وَيَعْدِل عَنْ الْقَصْد وَالْجَمْع عُنَّد مِثْل رَاكِع وَرُكَّع ; وَأَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدَة قَوْل الْحَارِثِيّ : إِذَا رَكِبْت فَاجْعَلَانِي وَسَطًا إِنِّي كَبِير لَا أُطِيق الْعُنَّدَا
وَقَالَ أَبُو صَالِح : " عَنِيدًا " مَعْنَاهُ مُبَاعِدًا ; قَالَ الشَّاعِر : أَرَانَا عَلَى حَال تُفَرِّق بَيْنَنَا نَوًى غُرْبَة إِنَّ الْفِرَاقَ عَنُود قَتَادَة : جَاحِدًا . مُقَاتِل : مُعْرِضًا .
اِبْن عَبَّاس : جَحُودًا . وَقِيلَ : إِنَّهُ الْمُجَاهِر بِعُدْوَانِهِ .
وَعَنْ مُجَاهِد أَيْضًا قَالَ : مُجَانِبًا لِلْحَقِّ مُعَانِدًا لَهُ مُعْرِضًا عَنْهُ . وَالْمَعْنَى كُلّه مُتَقَارِب . وَالْعَرَب تَقُول : عَنَدَ الرَّجُل إِذَا عَتَا وَجَاوَزَ قَدْرَهُ . وَالْعَنُود مِنْ الْإِبِل : الَّذِي لَا يُخَالِط الْإِبِلَ , إِنَّمَا هُوَ فِي نَاحِيَة . وَرَجُل عَنُود إِذَا كَانَ يَحِلّ وَحْدَهُ لَا يُخَالِط النَّاسَ وَالْعَنِيد مِنْ التَّجَبُّر . وَعِرْق عَانِد : إِذَا لَمْ يَرْقَأ دَمه . كُلّ هَذَا قِيَاس وَاحِد وَقَدْ مَضَى فِي سُورَة " إِبْرَاهِيم " .
وَجَمْع الْعَنِيد عُنُد , مِثْل رَغِيف وَرُغُف .
وَ " كَلَّا " قَطْع لِلرَّجَاءِ عَمَّا كَانَ يَطْمَع فِيهِ مِنْ الزِّيَادَة ; فَيَكُون مُتَّصِلًا بِالْكَلَامِ الْأَوَّل .
وَقِيلَ : " كَلَّا " بِمَعْنَى حَقًّا وَيَكُون اِبْتِدَاء " إِنَّهُ " يَعْنِي الْوَلِيد " كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا " أَيْ مُعَانِدًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا جَاءَ بِهِ ; يُقَال : عَانَدَ فَهُوَ عَنِيد مِثْل جَالِس فَهُوَ جَلِيس ; قَالَهُ مُجَاهِد .
وَعَنَدَ يَعْنِد بِالْكَسْرِ أَيْ خَالَفَ وَرَدَّ الْحَقَّ وَهُوَ يَعْرِفهُ فَهُوَ عَنِيد وَعَانِد . وَالْعَانِد : الْبَعِير الَّذِي يَحُور عَنْ الطَّرِيق وَيَعْدِل عَنْ الْقَصْد وَالْجَمْع عُنَّد مِثْل رَاكِع وَرُكَّع ; وَأَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدَة قَوْل الْحَارِثِيّ : إِذَا رَكِبْت فَاجْعَلَانِي وَسَطًا إِنِّي كَبِير لَا أُطِيق الْعُنَّدَا
وَقَالَ أَبُو صَالِح : " عَنِيدًا " مَعْنَاهُ مُبَاعِدًا ; قَالَ الشَّاعِر : أَرَانَا عَلَى حَال تُفَرِّق بَيْنَنَا نَوًى غُرْبَة إِنَّ الْفِرَاقَ عَنُود قَتَادَة : جَاحِدًا . مُقَاتِل : مُعْرِضًا .
اِبْن عَبَّاس : جَحُودًا . وَقِيلَ : إِنَّهُ الْمُجَاهِر بِعُدْوَانِهِ .
وَعَنْ مُجَاهِد أَيْضًا قَالَ : مُجَانِبًا لِلْحَقِّ مُعَانِدًا لَهُ مُعْرِضًا عَنْهُ . وَالْمَعْنَى كُلّه مُتَقَارِب . وَالْعَرَب تَقُول : عَنَدَ الرَّجُل إِذَا عَتَا وَجَاوَزَ قَدْرَهُ . وَالْعَنُود مِنْ الْإِبِل : الَّذِي لَا يُخَالِط الْإِبِلَ , إِنَّمَا هُوَ فِي نَاحِيَة . وَرَجُل عَنُود إِذَا كَانَ يَحِلّ وَحْدَهُ لَا يُخَالِط النَّاسَ وَالْعَنِيد مِنْ التَّجَبُّر . وَعِرْق عَانِد : إِذَا لَمْ يَرْقَأ دَمه . كُلّ هَذَا قِيَاس وَاحِد وَقَدْ مَضَى فِي سُورَة " إِبْرَاهِيم " .
وَجَمْع الْعَنِيد عُنُد , مِثْل رَغِيف وَرُغُف .
" سَأُرْهِقُهُ " أَيْ سَأُكَلِّفُهُ . وَكَانَ اِبْن عَبَّاس يَقُول : سَأُلْجِئُهُ ; وَالْإِرْهَاق فِي كَلَام الْعَرَب : أَنْ يُحْمَلَ الْإِنْسَان عَلَى الشَّيْء .
" صَعُودًا " ( الصَّعُود : جَبَل مِنْ نَار يَتَصَعَّد فِيهِ سَبْعِينَ خَرِيفًا ثُمَّ يَهْوِي كَذَلِكَ فِيهِ أَبَدًا ) رَوَاهُ أَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ فِيهِ حَدِيث غَرِيب . وَرَوَى عَطِيَّة عَنْ أَبِي سَعِيد قَالَ : صَخْرَة فِي جَهَنَّم إِذَا وَضَعُوا عَلَيْهَا أَيْدِيَهُمْ ذَابَتْ فَإِذَا رَفَعُوهَا عَادَتْ , قَالَ : فَيَبْلُغ أَعْلَاهَا فِي أَرْبَعِينَ سَنَة يَجْذِب مَنْ أَمَامَهُ بِسَلَاسِل وَيَضْرِب مَنْ خَلْفَهُ بِمَقَامِع , حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَعْلَاهَا رَمَى بِهِ إِلَى أَسْفَلهَا , فَذَلِكَ دَأْبه أَبَدًا . وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي سُورَة " قُلْ أُوحِيَ " [ الْجِنّ : 1 ] وَفِي التَّفْسِير أَنَّهُ صَخْرَة مَلْسَاء يُكَلَّف صُعُودهَا فَإِذَا صَارَ فِي أَعْلَاهَا حُدِرَ فِي جَهَنَّمَ , فَيَقُوم يَهْوِي أَلْف عَامٍ مِنْ قَبْل أَنْ يَبْلُغَ قَرَار جَهَنَّمَ , يَحْتَرِق فِي كُلّ يَوْم سَبْعِينَ مَرَّة ثُمَّ يُعَاد خَلْقًا جَدِيدًا . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْمَعْنَى سَأُكَلِّفُهُ مَشَقَّةً مِنْ الْعَذَاب لَا رَاحَةَ لَهُ فِيهِ وَنَحْوه عَنْ الْحَسَن وَقَتَادَة .
وَقِيلَ : إِنَّهُ تَصَاعَد نَفْسه لِلنَّزْعِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَقَّبهُ مَوْت , لِيُعَذَّب مِنْ دَاخِل جَسَده كَمَا يُعَذَّب مِنْ خَارِجِهِ .
" صَعُودًا " ( الصَّعُود : جَبَل مِنْ نَار يَتَصَعَّد فِيهِ سَبْعِينَ خَرِيفًا ثُمَّ يَهْوِي كَذَلِكَ فِيهِ أَبَدًا ) رَوَاهُ أَبُو سَعِيد الْخُدْرِيّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ فِيهِ حَدِيث غَرِيب . وَرَوَى عَطِيَّة عَنْ أَبِي سَعِيد قَالَ : صَخْرَة فِي جَهَنَّم إِذَا وَضَعُوا عَلَيْهَا أَيْدِيَهُمْ ذَابَتْ فَإِذَا رَفَعُوهَا عَادَتْ , قَالَ : فَيَبْلُغ أَعْلَاهَا فِي أَرْبَعِينَ سَنَة يَجْذِب مَنْ أَمَامَهُ بِسَلَاسِل وَيَضْرِب مَنْ خَلْفَهُ بِمَقَامِع , حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَعْلَاهَا رَمَى بِهِ إِلَى أَسْفَلهَا , فَذَلِكَ دَأْبه أَبَدًا . وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي سُورَة " قُلْ أُوحِيَ " [ الْجِنّ : 1 ] وَفِي التَّفْسِير أَنَّهُ صَخْرَة مَلْسَاء يُكَلَّف صُعُودهَا فَإِذَا صَارَ فِي أَعْلَاهَا حُدِرَ فِي جَهَنَّمَ , فَيَقُوم يَهْوِي أَلْف عَامٍ مِنْ قَبْل أَنْ يَبْلُغَ قَرَار جَهَنَّمَ , يَحْتَرِق فِي كُلّ يَوْم سَبْعِينَ مَرَّة ثُمَّ يُعَاد خَلْقًا جَدِيدًا . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : الْمَعْنَى سَأُكَلِّفُهُ مَشَقَّةً مِنْ الْعَذَاب لَا رَاحَةَ لَهُ فِيهِ وَنَحْوه عَنْ الْحَسَن وَقَتَادَة .
وَقِيلَ : إِنَّهُ تَصَاعَد نَفْسه لِلنَّزْعِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَقَّبهُ مَوْت , لِيُعَذَّب مِنْ دَاخِل جَسَده كَمَا يُعَذَّب مِنْ خَارِجِهِ .
يَعْنِي الْوَلِيد فَكَّرَ فِي شَأْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآن
وَ " قَدَّرَ " أَيْ هَيَّأَ الْكَلَامَ فِي نَفْسه , وَالْعَرَب تَقُول : قَدَّرْت الشَّيْءَ إِذَا هَيَّأْته , وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ : " حم . تَنْزِيل الْكِتَاب مِنْ اللَّه الْعَزِيز الْعَلِيم " [ غَافِر : 1 ] إِلَى قَوْله : " إِلَيْهِ الْمَصِير " سَمِعَهُ الْوَلِيد يَقْرَؤُهَا فَقَالَ : وَاَللَّه لَقَدْ سَمِعْت مِنْهُ كَلَامًا مَا هُوَ مِنْ كَلَام الْإِنْس وَلَا مِنْ كَلَام الْجِنّ , وَإِنَّ لَهُ لَحَلَاوَة , وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلَاوَة , وَإِنَّ أَعْلَاهُ لَمُثْمِر , وَإِنَّ أَسْفَلَهُ لَمُغْدِق , وَإِنَّهُ لَيَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ , وَمَا يَقُول هَذَا بَشَر . فَقَالَتْ قُرَيْش : صَبَا الْوَلِيد لَتَصْبُوَنَّ قُرَيْش كُلّهَا . وَكَانَ يُقَال لِلْوَلِيدِ رَيْحَانَة قُرَيْش ; فَقَالَ أَبُو جَهْل : أَنَا أَكْفِيكُمُوهُ . فَمَضَى إِلَيْهِ حَزِينًا ؟ فَقَالَ لَهُ : مَا لِي أَرَاك حَزِينًا . فَقَالَ لَهُ : وَمَا لِي لَا أَحْزَن وَهَذِهِ قُرَيْش يَجْمَعُونَ لَك نَفَقَة يُعِينُونَك بِهَا عَلَى كِبَر سِنّك وَيَزْعُمُونَ أَنَّك زَيَّنْت كَلَام مُحَمَّد , وَتَدْخُل عَلَى اِبْن أَبِي كَبْشَة وَابْن أَبِي قُحَافَة لِتَنَالَ مِنْ فَضْل طَعَامهمَا ; فَغَضِبَ الْوَلِيد وَتَكَبَّرَ , وَقَالَ : أَنَا أَحْتَاج إِلَى كِسَر مُحَمَّد وَصَاحِبه , فَأَنْتُمْ تَعْرِفُونَ قَدْرَ مَالِي , وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى مَا بِي حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , وَإِنَّمَا أَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ مُحَمَّدًا مَجْنُون , فَهَلْ رَأَيْتُمُوهُ قَطُّ يَخْنُق ؟ قَالُوا : لَا وَاَللَّهِ , قَالَ : وَتَزْعُمُونَ أَنَّهُ شَاعِر , فَهَلْ رَأَيْتُمُوهُ نَطَقَ بِشِعْرٍ قَطُّ ؟ قَالُوا : لَا وَاَللَّه . قَالَ : فَتَزْعُمُونَ أَنَّهُ كَذَّاب فَهَلْ جَرَّبْتُمْ عَلَيْهِ كَذِبًا قَطُّ ؟ قَالُوا : لَا وَاَللَّه . قَالَ : فَتَزْعُمُونَ أَنَّهُ كَاهِن فَهَلْ رَأَيْتُمُوهُ تَكَهَّنَ قَطُّ , وَلَقَدْ رَأَيْنَا لِلْكَهَنَةِ أَسْجَاعًا وَتَخَالُجًا فَهَلْ رَأَيْتُمُوهُ كَذَلِكَ ؟ قَالُوا : لَا وَاَللَّهِ . وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَمَّى الصَّادِق الْأَمِين مِنْ كَثْرَة صِدْقه . فَقَالَتْ قُرَيْش لِلْوَلِيدِ : فَمَا هُوَ ؟ فَفَكَّرَ فِي نَفْسه , ثُمَّ نَظَرَ , ثُمَّ عَبَسَ , فَقَالَ مَا هُوَ إِلَّا سَاحِر ! أَمَا رَأَيْتُمُوهُ يُفَرِّق بَيْنَ الرَّجُل وَأَهْله وَوَلَده وَمَوَالِيه ؟ فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : " إِنَّهُ فَكَّرَ " أَيْ فِي أَمْر مُحَمَّد وَالْقُرْآن " وَقَدَّرَ " فِي نَفْسه مَاذَا يُمْكِنهُ أَنْ يَقُولَ فِيهِمَا .
وَ " قَدَّرَ " أَيْ هَيَّأَ الْكَلَامَ فِي نَفْسه , وَالْعَرَب تَقُول : قَدَّرْت الشَّيْءَ إِذَا هَيَّأْته , وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ : " حم . تَنْزِيل الْكِتَاب مِنْ اللَّه الْعَزِيز الْعَلِيم " [ غَافِر : 1 ] إِلَى قَوْله : " إِلَيْهِ الْمَصِير " سَمِعَهُ الْوَلِيد يَقْرَؤُهَا فَقَالَ : وَاَللَّه لَقَدْ سَمِعْت مِنْهُ كَلَامًا مَا هُوَ مِنْ كَلَام الْإِنْس وَلَا مِنْ كَلَام الْجِنّ , وَإِنَّ لَهُ لَحَلَاوَة , وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلَاوَة , وَإِنَّ أَعْلَاهُ لَمُثْمِر , وَإِنَّ أَسْفَلَهُ لَمُغْدِق , وَإِنَّهُ لَيَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ , وَمَا يَقُول هَذَا بَشَر . فَقَالَتْ قُرَيْش : صَبَا الْوَلِيد لَتَصْبُوَنَّ قُرَيْش كُلّهَا . وَكَانَ يُقَال لِلْوَلِيدِ رَيْحَانَة قُرَيْش ; فَقَالَ أَبُو جَهْل : أَنَا أَكْفِيكُمُوهُ . فَمَضَى إِلَيْهِ حَزِينًا ؟ فَقَالَ لَهُ : مَا لِي أَرَاك حَزِينًا . فَقَالَ لَهُ : وَمَا لِي لَا أَحْزَن وَهَذِهِ قُرَيْش يَجْمَعُونَ لَك نَفَقَة يُعِينُونَك بِهَا عَلَى كِبَر سِنّك وَيَزْعُمُونَ أَنَّك زَيَّنْت كَلَام مُحَمَّد , وَتَدْخُل عَلَى اِبْن أَبِي كَبْشَة وَابْن أَبِي قُحَافَة لِتَنَالَ مِنْ فَضْل طَعَامهمَا ; فَغَضِبَ الْوَلِيد وَتَكَبَّرَ , وَقَالَ : أَنَا أَحْتَاج إِلَى كِسَر مُحَمَّد وَصَاحِبه , فَأَنْتُمْ تَعْرِفُونَ قَدْرَ مَالِي , وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى مَا بِي حَاجَة إِلَى ذَلِكَ , وَإِنَّمَا أَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ مُحَمَّدًا مَجْنُون , فَهَلْ رَأَيْتُمُوهُ قَطُّ يَخْنُق ؟ قَالُوا : لَا وَاَللَّهِ , قَالَ : وَتَزْعُمُونَ أَنَّهُ شَاعِر , فَهَلْ رَأَيْتُمُوهُ نَطَقَ بِشِعْرٍ قَطُّ ؟ قَالُوا : لَا وَاَللَّه . قَالَ : فَتَزْعُمُونَ أَنَّهُ كَذَّاب فَهَلْ جَرَّبْتُمْ عَلَيْهِ كَذِبًا قَطُّ ؟ قَالُوا : لَا وَاَللَّه . قَالَ : فَتَزْعُمُونَ أَنَّهُ كَاهِن فَهَلْ رَأَيْتُمُوهُ تَكَهَّنَ قَطُّ , وَلَقَدْ رَأَيْنَا لِلْكَهَنَةِ أَسْجَاعًا وَتَخَالُجًا فَهَلْ رَأَيْتُمُوهُ كَذَلِكَ ؟ قَالُوا : لَا وَاَللَّهِ . وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَمَّى الصَّادِق الْأَمِين مِنْ كَثْرَة صِدْقه . فَقَالَتْ قُرَيْش لِلْوَلِيدِ : فَمَا هُوَ ؟ فَفَكَّرَ فِي نَفْسه , ثُمَّ نَظَرَ , ثُمَّ عَبَسَ , فَقَالَ مَا هُوَ إِلَّا سَاحِر ! أَمَا رَأَيْتُمُوهُ يُفَرِّق بَيْنَ الرَّجُل وَأَهْله وَوَلَده وَمَوَالِيه ؟ فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : " إِنَّهُ فَكَّرَ " أَيْ فِي أَمْر مُحَمَّد وَالْقُرْآن " وَقَدَّرَ " فِي نَفْسه مَاذَا يُمْكِنهُ أَنْ يَقُولَ فِيهِمَا .
" فَقُتِلَ " أَيْ لُعِنَ . وَكَانَ بَعْض أَهْل التَّأْوِيل يَقُول : مَعْنَاهَا فَقُهِرَ وَغُلِبَ , وَكُلّ مُذَلَّل مُقَتَّل ; قَالَ الشَّاعِر : وَمَا ذَرَفَتْ عَيْنَاك إِلَّا لِتَقْدَحِي بِسَهْمَيْك فِي أَعْشَار قَلْب مُقَتَّل
وَقَالَ الزُّهْرِيّ : عُذِّبَ ; وَهُوَ مِنْ بَاب الدُّعَاء
" كَيْفَ قَدَّرَ " قَالَ نَاس : " كَيْفَ " تَعْجِيب ; كَمَا يُقَال لِلرَّجُلِ تَتَعَجَّب مِنْ صَنِيعه : كَيْفَ فَعَلْت هَذَا ؟ وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ : " اُنْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَك الْأَمْثَالَ " [ الْإِسْرَاء : 48 ] .
وَقَالَ الزُّهْرِيّ : عُذِّبَ ; وَهُوَ مِنْ بَاب الدُّعَاء
" كَيْفَ قَدَّرَ " قَالَ نَاس : " كَيْفَ " تَعْجِيب ; كَمَا يُقَال لِلرَّجُلِ تَتَعَجَّب مِنْ صَنِيعه : كَيْفَ فَعَلْت هَذَا ؟ وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ : " اُنْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَك الْأَمْثَالَ " [ الْإِسْرَاء : 48 ] .
" ثُمَّ قُتِلَ " أَيْ لُعِنَ لَعْنًا بَعْدَ لَعْن . وَقِيلَ : فَقُتِلَ بِضَرْبٍ مِنْ الْعُقُوبَة , ثُمَّ قُتِلَ بِضَرْبٍ آخَر مِنْ الْعُقُوبَة
" كَيْفَ قَدَّرَ " أَيْ عَلَى أَيّ حَال قَدَّرَ .
" كَيْفَ قَدَّرَ " أَيْ عَلَى أَيّ حَال قَدَّرَ .
بِأَيِّ شَيْء يَرُدّ الْحَقَّ وَيَدْفَعهُ .
أَيْ قَطَّبَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ فِي وُجُوه الْمُؤْمِنِينَ ; وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا حَمَلَ قُرَيْشًا عَلَى مَا حَمَلَهُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْقَوْل فِي مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ سَاحِر , مَرَّ عَلَى جَمَاعَة مِنْ الْمُسْلِمِينَ , فَدَعَوْهُ إِلَى الْإِسْلَام , فَعَبَسَ فِي وُجُوههمْ . . قِيلَ : عَبَسَ وَبَسَرَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ دَعَاهُ . وَالْعَبْس مُخَفَّفًا مَصْدَر عَبَسَ يَعْبِس عَبْسًا وَعُبُوسًا : إِذَا قَطَّبَ . وَالْعَبَس مَا يَتَعَلَّق بِأَذْنَابِ الْإِبِل مِنْ أَبْعَارِهَا وَأَبْوَالهَا ; قَالَ أَبُو النَّجْم : كَأَنَّ فِي أَذْنَابهنَّ الشُّوَّل مِنْ عَبَس الصَّيْف قُرُونَ الْأُيَّلِ
أَيْ كَلَحَ وَجْهه وَتَغَيَّرَ لَوْنه ; قَالَهُ قَتَادَة وَالسُّدِّيّ ; وَمِنْهُ قَوْل بِشْر بْن أَبِي خَازِم : صَبَحْنَا تَمِيمًا غَدَاة الْجِفَار بِشَهْبَاء مَلْمُومَة بَاسِره وَقَالَ آخَر : وَقَدْ رَابَنِي مِنْهَا صُدُود رَأَيْته وَإِعْرَاضهَا عَنْ حَاجَتِي وَبُسُورهَا
وَقِيلَ : إِنَّ ظُهُورَ الْعُبُوس فِي الْوَجْه بَعْدَ الْمُحَاوَرَة , وَظُهُور الْبُسُور فِي الْوَجْه قَبْلَ الْمُحَاوَرَة . وَقَالَ قَوْم : " بَسَرَ " وَقَفَ لَا يَتَقَدَّم وَلَا يَتَأَخَّر . قَالُوا : وَكَذَلِكَ يَقُول أَهْل الْيَمَن إِذَا وَقَفَ الْمَرْكَب , فَلَمْ يَجِئْ وَلَمْ يَذْهَب : قَدْ بَسَرَ الْمَرْكَب , وَأَبْسَرَ أَيْ وَقَفَ وَقَدْ أَبْسَرْنَا . وَالْعَرَب تَقُول : وَجْه بَاسِر بَيِّن الْبُسُور : إِذَا تَغَيَّرَ وَاسْوَدَّ .
أَيْ كَلَحَ وَجْهه وَتَغَيَّرَ لَوْنه ; قَالَهُ قَتَادَة وَالسُّدِّيّ ; وَمِنْهُ قَوْل بِشْر بْن أَبِي خَازِم : صَبَحْنَا تَمِيمًا غَدَاة الْجِفَار بِشَهْبَاء مَلْمُومَة بَاسِره وَقَالَ آخَر : وَقَدْ رَابَنِي مِنْهَا صُدُود رَأَيْته وَإِعْرَاضهَا عَنْ حَاجَتِي وَبُسُورهَا
وَقِيلَ : إِنَّ ظُهُورَ الْعُبُوس فِي الْوَجْه بَعْدَ الْمُحَاوَرَة , وَظُهُور الْبُسُور فِي الْوَجْه قَبْلَ الْمُحَاوَرَة . وَقَالَ قَوْم : " بَسَرَ " وَقَفَ لَا يَتَقَدَّم وَلَا يَتَأَخَّر . قَالُوا : وَكَذَلِكَ يَقُول أَهْل الْيَمَن إِذَا وَقَفَ الْمَرْكَب , فَلَمْ يَجِئْ وَلَمْ يَذْهَب : قَدْ بَسَرَ الْمَرْكَب , وَأَبْسَرَ أَيْ وَقَفَ وَقَدْ أَبْسَرْنَا . وَالْعَرَب تَقُول : وَجْه بَاسِر بَيِّن الْبُسُور : إِذَا تَغَيَّرَ وَاسْوَدَّ .
" ثُمَّ أَدْبَرَ " أَيْ وَلَّى وَأَعْرَض ذَاهِبًا إِلَى أَهْله .
" وَاسْتَكْبَرَ " أَيْ تَعَظَّمَ عَنْ أَنْ يُؤْمِنَ . وَقِيلَ : أَدْبَرَ عَنْ الْإِيمَان وَاسْتَكْبَرَ حِينَ دُعِيَ إِلَيْهِ .
" وَاسْتَكْبَرَ " أَيْ تَعَظَّمَ عَنْ أَنْ يُؤْمِنَ . وَقِيلَ : أَدْبَرَ عَنْ الْإِيمَان وَاسْتَكْبَرَ حِينَ دُعِيَ إِلَيْهِ .
" فَقَالَ إِنْ هَذَا " أَيْ مَا هَذَا الَّذِي أَتَى بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِلَّا سِحْر يُؤْثَر " أَيْ يَأْثُرهُ عَنْ غَيْره .
وَالسِّحْر : الْخَدِيعَة . وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانه فِي سُورَة ( الْبَقَرَة ) .
وَقَالَ قَوْم : السِّحْر : إِظْهَار الْبَاطِل فِي صُورَة الْحَقّ . وَالْأَثَرَة : مَصْدَر قَوْلِك : أَثَرْت الْحَدِيثَ آثُرهُ إِذَا ذَكَرْته عَنْ غَيْرك ; وَمِنْهُ قِيلَ : حَدِيث مَأْثُور : أَيْ يَنْقُلهُ خَلَف عَنْ سَلَف ; قَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس : وَلَوْ عَنْ نَثَا غَيْره جَاءَنِي وَجُرْح اللِّسَان كَجُرْحِ الْيَد لَقُلْت مِنْ الْقَوْل مَا لَا يَزَا لُ يُؤْثَر عَنِّي يَدَ الْمُسْنَد يُرِيد : آخِر الدَّهْر , وَقَالَ الْأَعْشَى : إِنَّ الَّذِي فِيهِ تَمَارَيْتُمَا بُيِّنَ لِلسَّامِعِ وَالْآثِر وَيُرْوَى : بَيِّن .
وَالسِّحْر : الْخَدِيعَة . وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانه فِي سُورَة ( الْبَقَرَة ) .
وَقَالَ قَوْم : السِّحْر : إِظْهَار الْبَاطِل فِي صُورَة الْحَقّ . وَالْأَثَرَة : مَصْدَر قَوْلِك : أَثَرْت الْحَدِيثَ آثُرهُ إِذَا ذَكَرْته عَنْ غَيْرك ; وَمِنْهُ قِيلَ : حَدِيث مَأْثُور : أَيْ يَنْقُلهُ خَلَف عَنْ سَلَف ; قَالَ اِمْرُؤُ الْقَيْس : وَلَوْ عَنْ نَثَا غَيْره جَاءَنِي وَجُرْح اللِّسَان كَجُرْحِ الْيَد لَقُلْت مِنْ الْقَوْل مَا لَا يَزَا لُ يُؤْثَر عَنِّي يَدَ الْمُسْنَد يُرِيد : آخِر الدَّهْر , وَقَالَ الْأَعْشَى : إِنَّ الَّذِي فِيهِ تَمَارَيْتُمَا بُيِّنَ لِلسَّامِعِ وَالْآثِر وَيُرْوَى : بَيِّن .
أَيْ مَا هَذَا إِلَّا كَلَام الْمَخْلُوقِينَ , يَخْتَدِع بِهِ الْقُلُوب كَمَا تُخْتَدَع بِالسِّحْرِ , قَالَ السُّدِّيّ : يَعْنُونَ أَنَّهُ مِنْ قَوْل سَيَّارٍ عَبْدٍ لِبَنِي الْحَضْرَمِيّ , كَانَ يُجَالِس النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَنَسَبُوهُ إِلَى أَنَّهُ تَعَلَّمَ مِنْهُ ذَلِكَ .
وَقِيلَ : أَرَادَ أَنَّهُ تَلَقَّنَهُ مِنْ أَهْل بَابِل . وَقِيلَ : عَنْ مُسَيْلِمَة .
وَقِيلَ : عَنْ عَدِيّ الْحَضْرَمِيّ الْكَاهِن . وَقِيلَ : إِنَّمَا تَلَقَّنَهُ مِمَّنْ اِدَّعَى النُّبُوَّةَ قَبْلَهُ , فَنَسَجَ عَلَى مِنْوَالهمْ .
قَالَ أَبُو سَعِيد الضَّرِير : إِنْ هَذَا إِلَّا أَمْر سِحْر يُؤْثَر ; أَيْ يُورَث .
وَقِيلَ : أَرَادَ أَنَّهُ تَلَقَّنَهُ مِنْ أَهْل بَابِل . وَقِيلَ : عَنْ مُسَيْلِمَة .
وَقِيلَ : عَنْ عَدِيّ الْحَضْرَمِيّ الْكَاهِن . وَقِيلَ : إِنَّمَا تَلَقَّنَهُ مِمَّنْ اِدَّعَى النُّبُوَّةَ قَبْلَهُ , فَنَسَجَ عَلَى مِنْوَالهمْ .
قَالَ أَبُو سَعِيد الضَّرِير : إِنْ هَذَا إِلَّا أَمْر سِحْر يُؤْثَر ; أَيْ يُورَث .
أَيْ سَأُدْخِلُهُ سَقَر كَيْ يَصْلَى حَرّهَا . وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ سَقَر مِنْ سَقَرَتْهُ الشَّمْس : إِذَا أَذَابَتْهُ وَلَوَّحَتْهُ , وَأَحْرَقَتْ جِلْدَة وَجْهه . وَلَا يَنْصَرِف لِلتَّعْرِيفِ وَالتَّأْنِيث .
قَالَ اِبْن عَبَّاس : هِيَ الطَّبَق السَّادِس مِنْ جَهَنَّم . وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَة أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( سَأَلَ مُوسَى رَبّه فَقَالَ : أَيْ رَبّ , أَيّ عِبَادك أَفْقَر ؟ قَالَ صَاحِب سَقَر ) ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ
.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : هِيَ الطَّبَق السَّادِس مِنْ جَهَنَّم . وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَة أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( سَأَلَ مُوسَى رَبّه فَقَالَ : أَيْ رَبّ , أَيّ عِبَادك أَفْقَر ؟ قَالَ صَاحِب سَقَر ) ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيّ
.
هَذِهِ مُبَالَغَة فِي وَصْفهَا ; أَيْ وَمَا أَعْلَمَك أَيّ شَيْء هِيَ ؟ وَهِيَ كَلِمَة تَعْظِيم
وَكَرَّرَ اللَّفْظَ تَأْكِيدًا .
وَكَرَّرَ اللَّفْظَ تَأْكِيدًا .
ثُمَّ فَسَّرَ حَالَهَا فَقَالَ : " لَا تُبْقِي وَلَا تَذَر " أَيْ لَا تَتْرُك لَهُمْ عَظْمًا وَلَا لَحْمًا وَلَا دَمًا إِلَّا أَحْرَقَتْهُ . وَكَرَّرَ اللَّفْظ تَأْكِيدًا . وَقِيلَ : لَا تُبْقِي مِنْهُمْ شَيْئًا ثُمَّ يُعَادُونَ خَلْقًا جَدِيدًا , فَلَا تَذَر أَنْ تُعَاوِد إِحْرَاقَهُمْ هَكَذَا أَبَدًا .
وَقَالَ مُجَاهِد : لَا تُبْقِي مَنْ فِيهَا حَيًّا وَلَا تَذَرهُ مَيِّتًا , تُحْرِقهُمْ كُلَّمَا جُدِّدُوا .
وَقَالَ السُّدِّيّ : لَا تُبْقِي لَهُمْ لَحْمًا وَلَا تَذَر لَهُمْ عَظْمًا
وَقَالَ مُجَاهِد : لَا تُبْقِي مَنْ فِيهَا حَيًّا وَلَا تَذَرهُ مَيِّتًا , تُحْرِقهُمْ كُلَّمَا جُدِّدُوا .
وَقَالَ السُّدِّيّ : لَا تُبْقِي لَهُمْ لَحْمًا وَلَا تَذَر لَهُمْ عَظْمًا
أَيْ مُغَيِّرَة مِنْ لَاحَهُ إِذَا غَيَّرَهُ . وَقِرَاءَة الْعَامَّة " لَوَّاحَة " بِالرَّفْعِ نَعْت لِ " سَقَر " فِي قَوْله تَعَالَى : " وَمَا أَدْرَاك مَا سَقَر " . وَقَرَأَ عَطِيَّة الْعَوْفِيّ وَنَصْر بْن عَاصِم وَعِيسَى بْن عُمَر " لَوَّاحَةً " بِالنَّصْبِ عَلَى الِاخْتِصَاص , لِلتَّهْوِيلِ .
وَقَالَ أَبُو رَزِين : تَلْفَح وُجُوهَهُمْ لَفْحَة تَدَعهَا أَشَدَّ سَوَادًا مِنْ اللَّيْل ; وَقَالَهُ مُجَاهِد . وَالْعَرَب تَقُول : لَاحَهُ الْبَرْد وَالْحَرّ وَالسَّقْم وَالْحُزْن : إِذَا غَيَّرَهُ , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : تَقُول مَا لَاحَك يَا مُسَافِر يَا ابْنَةَ عَمِّي لَاحِنِي الْهَوَاجِر وَقَالَ آخَر : وَتَعْجَب هِنْد أَنْ رَأَتْنِي شَاحِبًا تَقُول لِشَيْءٍ لَوَّحَتْهُ السَّمَائِم وَقَالَ رُؤْبَة بْن الْعَجَّاج : لَوَّحَ مِنْهُ بَعْد بُدْن وَسَنَق تَلْوِيحَك الضَّامِر يُطْوَى لِلسَّبَقْ
وَقِيلَ : إِنَّ اللَّوْحَ شِدَّة الْعَطَش ; يُقَال : لَاحَهُ الْعَطَش وَلَوَّحَهُ أَيْ غَيَّرَهُ . وَالْمَعْنَى أَنَّهَا مُعَطِّشَة لِلْبَشَرِ أَيْ لِأَهْلِهَا ; قَالَهُ الْأَخْفَش ; وَأَنْشَدَ : سَقَتْنِي عَلَى لَوْح مِنْ الْمَاء شَرْبَة سَقَاهَا بِهَا اللَّه الرِّهَام الْغَوَادِيَا يَعْنِي بِاللَّوْحِ شِدَّة الْعَطَش , وَالْتَاحَ أَيْ عَطِشَ , وَالرِّهَام جَمْع رِهْمَة بِالْكَسْرِ وَهِيَ الْمَطَر الضَّعِيف وَأَرْهَمَتْ السَّحَابَة أَتَتْ بِالرِّهَامِ .
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : " لَوَّاحَة " أَيْ تَلُوح لِلْبَشَرِ مِنْ مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ عَام . الْحَسَن وَابْن كَيْسَان : تَلُوح لَهُمْ جَهَنَّم حَتَّى يَرَوْهَا عِيَانًا . نَظِيره : " وَبُرِّزَتْ الْجَحِيم لِلْغَاوِينَ " [ الشُّعَرَاء : 91 ]
وَفِي الْبَشَر وَجْهَانِ : أَحَدهمَا أَنَّهُ الْإِنْس مِنْ أَهْل النَّار ; قَالَهُ الْأَخْفَش وَالْأَكْثَرُونَ . الثَّانِي أَنَّهُ جَمْع بَشَرَة , وَهِيَ جَلْدَة الْإِنْسَان الظَّاهِرَة ; قَالَهُ مُجَاهِد وَقَتَادَة , وَجَمْع الْبَشَر أَبْشَار , وَهَذَا عَلَى التَّفْسِير الْأَوَّل , وَأَمَّا عَلَى تَفْسِير اِبْن عَبَّاس فَلَا يَسْتَقِيم فِيهِ إِلَّا النَّاس لَا الْجُلُود ; لِأَنَّهُ مِنْ لَاحَ الشَّيْء يَلُوح , إِذَا لَمَعَ .
وَقَالَ أَبُو رَزِين : تَلْفَح وُجُوهَهُمْ لَفْحَة تَدَعهَا أَشَدَّ سَوَادًا مِنْ اللَّيْل ; وَقَالَهُ مُجَاهِد . وَالْعَرَب تَقُول : لَاحَهُ الْبَرْد وَالْحَرّ وَالسَّقْم وَالْحُزْن : إِذَا غَيَّرَهُ , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : تَقُول مَا لَاحَك يَا مُسَافِر يَا ابْنَةَ عَمِّي لَاحِنِي الْهَوَاجِر وَقَالَ آخَر : وَتَعْجَب هِنْد أَنْ رَأَتْنِي شَاحِبًا تَقُول لِشَيْءٍ لَوَّحَتْهُ السَّمَائِم وَقَالَ رُؤْبَة بْن الْعَجَّاج : لَوَّحَ مِنْهُ بَعْد بُدْن وَسَنَق تَلْوِيحَك الضَّامِر يُطْوَى لِلسَّبَقْ
وَقِيلَ : إِنَّ اللَّوْحَ شِدَّة الْعَطَش ; يُقَال : لَاحَهُ الْعَطَش وَلَوَّحَهُ أَيْ غَيَّرَهُ . وَالْمَعْنَى أَنَّهَا مُعَطِّشَة لِلْبَشَرِ أَيْ لِأَهْلِهَا ; قَالَهُ الْأَخْفَش ; وَأَنْشَدَ : سَقَتْنِي عَلَى لَوْح مِنْ الْمَاء شَرْبَة سَقَاهَا بِهَا اللَّه الرِّهَام الْغَوَادِيَا يَعْنِي بِاللَّوْحِ شِدَّة الْعَطَش , وَالْتَاحَ أَيْ عَطِشَ , وَالرِّهَام جَمْع رِهْمَة بِالْكَسْرِ وَهِيَ الْمَطَر الضَّعِيف وَأَرْهَمَتْ السَّحَابَة أَتَتْ بِالرِّهَامِ .
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : " لَوَّاحَة " أَيْ تَلُوح لِلْبَشَرِ مِنْ مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ عَام . الْحَسَن وَابْن كَيْسَان : تَلُوح لَهُمْ جَهَنَّم حَتَّى يَرَوْهَا عِيَانًا . نَظِيره : " وَبُرِّزَتْ الْجَحِيم لِلْغَاوِينَ " [ الشُّعَرَاء : 91 ]
وَفِي الْبَشَر وَجْهَانِ : أَحَدهمَا أَنَّهُ الْإِنْس مِنْ أَهْل النَّار ; قَالَهُ الْأَخْفَش وَالْأَكْثَرُونَ . الثَّانِي أَنَّهُ جَمْع بَشَرَة , وَهِيَ جَلْدَة الْإِنْسَان الظَّاهِرَة ; قَالَهُ مُجَاهِد وَقَتَادَة , وَجَمْع الْبَشَر أَبْشَار , وَهَذَا عَلَى التَّفْسِير الْأَوَّل , وَأَمَّا عَلَى تَفْسِير اِبْن عَبَّاس فَلَا يَسْتَقِيم فِيهِ إِلَّا النَّاس لَا الْجُلُود ; لِأَنَّهُ مِنْ لَاحَ الشَّيْء يَلُوح , إِذَا لَمَعَ .
أَيْ عَلَى سَقَر تِسْعَةَ عَشَرَ مِنْ الْمَلَائِكَة يَلْقَوْنَ فِيهَا أَهْلَهَا .
ثُمَّ قِيلَ : عَلَى جُمْلَة النَّار تِسْعَةَ عَشَرَ مِنْ الْمَلَائِكَة هُمْ خَزَنَتهَا ; مَالِك وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَلَكًا . وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُونَ التِّسْعَةَ عَشَرَ نَقِيبًا , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُونَ تِسْعَةَ عَشَرَ مَلَكًا بِأَعْيَانِهِمْ . وَعَلَى هَذَا أَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ . الثَّعْلَبِيّ : وَلَا يُنْكَر هَذَا , فَإِذَا كَانَ مَلَك وَاحِد يَقْبِض أَرْوَاحَ جَمِيع الْخَلَائِق كَانَ أَحْرَى أَنْ يَكُونَ تِسْعَةَ عَشَرَ عَلَى عَذَاب بَعْض الْخَلَائِق .
وَقَالَ اِبْن جُرَيْج : نَعَتَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَزَنَة جَهَنَّم فَقَالَ : ( فَكَأَنَّ أَعْيُنَهُمْ الْبَرْق , وَكَأَنَّ أَفْوَاهَهُمْ الصَّيَاصِي , يَجُرُّونَ أَشْعَارَهُمْ , لِأَحَدِهِمْ مِنْ الْقُوَّة مِثْل قُوَّة الثَّقَلَيْنِ , يَسُوق أَحَدُهُمْ الْأُمَّةَ وَعَلَى رَقَبَته جَبَل , فَيَرْمِيهِمْ فِي النَّار , وَيَرْمِي فَوْقَهُمْ الْجَبَلَ ) . قُلْت : وَذَكَرَ اِبْن الْمُبَارَك قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ الْأَزْرَق بْن قَيْس , عَنْ رَجُل مِنْ بَنِي تَمِيم قَالَ : كُنَّا عِنْد أَبِي الْعَوَّام , فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : " وَمَا أَدْرَاك مَا سَقَر . لَا تُبْقِي وَلَا تَذَر . لَوَّاحَة لِلْبَشَرِ . عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ " فَقَالَ مَا تِسْعَةَ عَشَرَ ؟ تِسْعَةَ عَشَرَ أَلْف مَلَك , أَوْ تِسْعَةَ عَشَرَ مَلَكًا ؟ قَالَ : قُلْت : لَا بَلْ تِسْعَةَ عَشَرَ مَلَكًا . فَقَالَ : وَأَنَّى تَعْلَم ذَلِكَ ؟ فَقُلْت : لِقَوْلِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتهمْ إِلَّا فِتْنَة لِلَّذِينَ كَفَرُوا " قَالَ : صَدَقْت هُمْ تِسْعَةَ عَشَرَ مَلَكًا , بِيَدِ كُلّ مَلَك مِنْهُمْ مِرْزَبَّة لَهَا شُعْبَتَانِ , فَيَضْرِب الضَّرْبَة فَيَهْوِي بِهَا فِي النَّار سَبْعِينَ أَلْفًا . وَعَنْ عَمْرو بْن دِينَار : كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ يَدْفَع بِالدَّفْعَةِ الْوَاحِدَة فِي جَهَنَّم أَكْثَر مِنْ رَبِيعَة وَمُضَر . خَرَّجَ التِّرْمِذِيّ عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه . قَالَ : قَالَ نَاس مِنْ الْيَهُود لِأُنَاسٍ مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَلْ يَعْلَم نَبِيّكُمْ عَدَدَ خَزَنَة جَهَنَّم ؟ قَالُوا : لَا نَدْرِي حَتَّى نَسْأَلَ نَبِيّنَا . فَجَاءَ رَجُل إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا مُحَمَّد غُلِبَ أَصْحَابك الْيَوْم ; فَقَالَ : ( وَمَاذَا غُلِبُوا ) ؟ قَالَ : سَأَلَهُمْ يَهُود : هَلْ يَعْلَم نَبِيّكُمْ عَدَد خَزَنَة جَهَنَّم ؟ قَالَ : ( فَمَاذَا قَالُوا ) قَالَ : قَالُوا لَا نَدْرِي حَتَّى نَسْأَلَ نَبِيّنَا . قَالَ : ( أَفَغُلِبَ قَوْم سُئِلُوا عَمَّا لَا يَعْلَمُونَ , فَقَالُوا لَا نَعْلَم حَتَّى نَسْأَل نَبِيّنَا ؟ لَكِنَّهُمْ قَدْ سَأَلُوا نَبِيَّهُمْ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَة , عَلَيَّ بِأَعْدَاءِ اللَّه ! إِنِّي سَائِلهمْ عَنْ تُرْبَة الْجَنَّة وَهِيَ الدَّرْمَك ) . فَلَمَّا جَاءُوا قَالُوا : يَا أَبَا الْقَاسِم كَمْ عَدَد خَزَنَة جَهَنَّم ؟ قَالَ : ( هَكَذَا وَهَكَذَا ) فِي مَرَّة عَشَرَة وَفِي مَرَّة تِسْعَة . قَالُوا : نَعَمْ . قَالَ لَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا تُرْبَة الْجَنَّة ) قَالَ : فَسَكَتُوا هُنَيْهَة ثُمَّ قَالُوا : أَخُبْزَة يَا أَبَا الْقَاسِم ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْخُبْز مِنْ الدَّرْمَك ) . قَالَ أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيث غَرِيب , إِنَّمَا نَعْرِفهُ مِنْ هَذَا الْوَجْه مِنْ حَدِيث مُجَالِد عَنْ الشَّعْبِيّ عَنْ جَابِر . وَذَكَرَ اِبْن وَهْب قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَزَنَة جَهَنَّم : ( مَا بَيْنَ مَنْكِبَيْ أَحَدهمْ كَمَا بَيْنَ الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب ) .
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : مَا بَيْنَ مَنْكِبَيْ الْوَاحِد مِنْهُمْ مَسِيرَة سَنَة , وَقُوَّة الْوَاحِد مِنْهُمْ أَنْ يَضْرِبَ بِالْمِقْمَعِ فَيَدْفَع بِتِلْكَ الضَّرْبَة سَبْعِينَ أَلْف إِنْسَان فِي قَعْر جَهَنَّم . قُلْت : وَالصَّحِيح إِنْ شَاءَ اللَّه أَنَّ هَؤُلَاءِ التِّسْعَةَ عَشَرَ , هُمْ الرُّؤَسَاء وَالنُّقَبَاء , وَأَمَّا جُمْلَتهمْ فَالْعِبَارَة تَعْجِز عَنْهَا ; كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَمَا يَعْلَم جُنُودَ رَبّك إِلَّا هُوَ " وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيح عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْف زِمَام مَعَ كُلّ زِمَام سَبْعُونَ أَلْف مَلَك يَجُرُّونَهَا ) . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك : لَمَّا نَزَلَ : " عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ " قَالَ أَبُو جَهْل لِقُرَيْشٍ : ثَكِلَتْكُمْ أُمَّهَاتكُمْ ! أَسْمَع ابْن أَبِي كَبْشَة يُخْبِركُمْ أَنَّ خَزَنَة جَهَنَّم تِسْعَةَ عَشَرَ , وَأَنْتُمْ الدُّهْم - أَيْ الْعَدَد - وَالشُّجْعَان , فَيَعْجِز كُلّ عَشَرَة مِنْكُمْ أَنْ يَبْطِشُوا بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ ! قَالَ السُّدِّيّ : فَقَالَ أَبُو الْأَسْوَد بْن كِلْدَة الْجُمَحِيّ : لَا يَهُولَنَّكُمْ التِّسْعَةَ عَشَرَ , أَنَا أَدْفَع بِمَنْكِبِي الْأَيْمَن عَشَرَة مِنْ الْمَلَائِكَة , وَبِمَنْكِبِي الْأَيْسَر التِّسْعَة , ثُمَّ تَمُرُّونَ إِلَى الْجَنَّة ; يَقُولهَا مُسْتَهْزِئًا . فِي رِوَايَة أَنَّ الْحَارِثَ بْن كِلْدَة قَالَ أَنَا أَكْفِيكُمْ سَبْعَةَ عَشَرَ , وَاكْفُونِي أَنْتُمْ اِثْنَيْنِ .
وَفِي " تِسْعَةَ عَشَرَ " سَبْع قِرَاءَات : قِرَاءَة الْعَامَّة " تِسْعَةَ عَشَرَ " . وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَر بْن الْقَعْقَاع وَطَلْحَة بْن سُلَيْمَان " تِسْعَةَ عْشَرَ " بِإِسْكَانِ الْعَيْن . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس " تِسْعَةُ عَشَرَ " بِضَمِّ الْهَاء .
وَعَنْ أَنَس بْن مَالِك " تِسْعَةُ وَعَشَرْ " وَعَنْهُ أَيْضًا " تِسْعَةُ وَعَشْرُ " . وَعَنْهُ أَيْضًا " تِسْعَةُ أَعْشُر " ذَكَرَهَا الْمَهْدَوِيّ وَقَالَ : مَنْ قَرَأَ " تِسْعَةَ عْشَرَ " أَسْكَنَ الْعَيْنَ لِتَوَالِي الْحَرَكَات . وَمَنْ قَرَأَ " تِسْعَةُ وَعَشَرْ " جَاءَ بِهِ عَلَى الْأَصْل قَبْلَ التَّرْكِيب , وَعَطَفَ عَشْرًا عَلَى تِسْعَة , وَحَذَفَ التَّنْوِينَ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَال , وَأَسْكَنَ الرَّاءَ مِنْ عَشَر عَلَى نِيَّة السُّكُوت عَلَيْهَا . وَمَنْ قَرَأَ " تِسْعَةُ عَشَر " فَكَأَنَّهُ مِنْ التَّدَاخُل ; كَأَنَّهُ أَرَادَ الْعَطْف وَتَرْك التَّرْكِيب , فَرَفَعَ هَاء التَّأْنِيث , ثُمَّ رَاجَعَ الْبِنَاءَ وَأَسْكَنَ . وَأَمَّا " تِسْعَة أَعْشُر " : فَغَيْر مَعْرُوف , وَقَدْ أَنْكَرَهَا أَبُو حَاتِم . وَكَذَلِكَ " تِسْعَةُ وَعَشْر " لِأَنَّهَا مَحْمُولَة عَلَى " تِسْعَة أَعْشُر " وَالْوَاو بَدَل مِنْ الْهَمْزَة , وَلَيْسَ لِذَلِكَ وَجْه عِنْد النَّحْوِيِّينَ . الزَّمَخْشَرِيُّ : وَقُرِئَ : " تِسْعَة أَعْشُر " جَمْع عَشِير , مِثْل يَمِين وَأَيْمُن .
ثُمَّ قِيلَ : عَلَى جُمْلَة النَّار تِسْعَةَ عَشَرَ مِنْ الْمَلَائِكَة هُمْ خَزَنَتهَا ; مَالِك وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَلَكًا . وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُونَ التِّسْعَةَ عَشَرَ نَقِيبًا , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُونَ تِسْعَةَ عَشَرَ مَلَكًا بِأَعْيَانِهِمْ . وَعَلَى هَذَا أَكْثَر الْمُفَسِّرِينَ . الثَّعْلَبِيّ : وَلَا يُنْكَر هَذَا , فَإِذَا كَانَ مَلَك وَاحِد يَقْبِض أَرْوَاحَ جَمِيع الْخَلَائِق كَانَ أَحْرَى أَنْ يَكُونَ تِسْعَةَ عَشَرَ عَلَى عَذَاب بَعْض الْخَلَائِق .
وَقَالَ اِبْن جُرَيْج : نَعَتَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَزَنَة جَهَنَّم فَقَالَ : ( فَكَأَنَّ أَعْيُنَهُمْ الْبَرْق , وَكَأَنَّ أَفْوَاهَهُمْ الصَّيَاصِي , يَجُرُّونَ أَشْعَارَهُمْ , لِأَحَدِهِمْ مِنْ الْقُوَّة مِثْل قُوَّة الثَّقَلَيْنِ , يَسُوق أَحَدُهُمْ الْأُمَّةَ وَعَلَى رَقَبَته جَبَل , فَيَرْمِيهِمْ فِي النَّار , وَيَرْمِي فَوْقَهُمْ الْجَبَلَ ) . قُلْت : وَذَكَرَ اِبْن الْمُبَارَك قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ الْأَزْرَق بْن قَيْس , عَنْ رَجُل مِنْ بَنِي تَمِيم قَالَ : كُنَّا عِنْد أَبِي الْعَوَّام , فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : " وَمَا أَدْرَاك مَا سَقَر . لَا تُبْقِي وَلَا تَذَر . لَوَّاحَة لِلْبَشَرِ . عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ " فَقَالَ مَا تِسْعَةَ عَشَرَ ؟ تِسْعَةَ عَشَرَ أَلْف مَلَك , أَوْ تِسْعَةَ عَشَرَ مَلَكًا ؟ قَالَ : قُلْت : لَا بَلْ تِسْعَةَ عَشَرَ مَلَكًا . فَقَالَ : وَأَنَّى تَعْلَم ذَلِكَ ؟ فَقُلْت : لِقَوْلِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتهمْ إِلَّا فِتْنَة لِلَّذِينَ كَفَرُوا " قَالَ : صَدَقْت هُمْ تِسْعَةَ عَشَرَ مَلَكًا , بِيَدِ كُلّ مَلَك مِنْهُمْ مِرْزَبَّة لَهَا شُعْبَتَانِ , فَيَضْرِب الضَّرْبَة فَيَهْوِي بِهَا فِي النَّار سَبْعِينَ أَلْفًا . وَعَنْ عَمْرو بْن دِينَار : كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ يَدْفَع بِالدَّفْعَةِ الْوَاحِدَة فِي جَهَنَّم أَكْثَر مِنْ رَبِيعَة وَمُضَر . خَرَّجَ التِّرْمِذِيّ عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه . قَالَ : قَالَ نَاس مِنْ الْيَهُود لِأُنَاسٍ مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَلْ يَعْلَم نَبِيّكُمْ عَدَدَ خَزَنَة جَهَنَّم ؟ قَالُوا : لَا نَدْرِي حَتَّى نَسْأَلَ نَبِيّنَا . فَجَاءَ رَجُل إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا مُحَمَّد غُلِبَ أَصْحَابك الْيَوْم ; فَقَالَ : ( وَمَاذَا غُلِبُوا ) ؟ قَالَ : سَأَلَهُمْ يَهُود : هَلْ يَعْلَم نَبِيّكُمْ عَدَد خَزَنَة جَهَنَّم ؟ قَالَ : ( فَمَاذَا قَالُوا ) قَالَ : قَالُوا لَا نَدْرِي حَتَّى نَسْأَلَ نَبِيّنَا . قَالَ : ( أَفَغُلِبَ قَوْم سُئِلُوا عَمَّا لَا يَعْلَمُونَ , فَقَالُوا لَا نَعْلَم حَتَّى نَسْأَل نَبِيّنَا ؟ لَكِنَّهُمْ قَدْ سَأَلُوا نَبِيَّهُمْ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَة , عَلَيَّ بِأَعْدَاءِ اللَّه ! إِنِّي سَائِلهمْ عَنْ تُرْبَة الْجَنَّة وَهِيَ الدَّرْمَك ) . فَلَمَّا جَاءُوا قَالُوا : يَا أَبَا الْقَاسِم كَمْ عَدَد خَزَنَة جَهَنَّم ؟ قَالَ : ( هَكَذَا وَهَكَذَا ) فِي مَرَّة عَشَرَة وَفِي مَرَّة تِسْعَة . قَالُوا : نَعَمْ . قَالَ لَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا تُرْبَة الْجَنَّة ) قَالَ : فَسَكَتُوا هُنَيْهَة ثُمَّ قَالُوا : أَخُبْزَة يَا أَبَا الْقَاسِم ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْخُبْز مِنْ الدَّرْمَك ) . قَالَ أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيث غَرِيب , إِنَّمَا نَعْرِفهُ مِنْ هَذَا الْوَجْه مِنْ حَدِيث مُجَالِد عَنْ الشَّعْبِيّ عَنْ جَابِر . وَذَكَرَ اِبْن وَهْب قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَزَنَة جَهَنَّم : ( مَا بَيْنَ مَنْكِبَيْ أَحَدهمْ كَمَا بَيْنَ الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب ) .
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : مَا بَيْنَ مَنْكِبَيْ الْوَاحِد مِنْهُمْ مَسِيرَة سَنَة , وَقُوَّة الْوَاحِد مِنْهُمْ أَنْ يَضْرِبَ بِالْمِقْمَعِ فَيَدْفَع بِتِلْكَ الضَّرْبَة سَبْعِينَ أَلْف إِنْسَان فِي قَعْر جَهَنَّم . قُلْت : وَالصَّحِيح إِنْ شَاءَ اللَّه أَنَّ هَؤُلَاءِ التِّسْعَةَ عَشَرَ , هُمْ الرُّؤَسَاء وَالنُّقَبَاء , وَأَمَّا جُمْلَتهمْ فَالْعِبَارَة تَعْجِز عَنْهَا ; كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى : " وَمَا يَعْلَم جُنُودَ رَبّك إِلَّا هُوَ " وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيح عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْف زِمَام مَعَ كُلّ زِمَام سَبْعُونَ أَلْف مَلَك يَجُرُّونَهَا ) . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك : لَمَّا نَزَلَ : " عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ " قَالَ أَبُو جَهْل لِقُرَيْشٍ : ثَكِلَتْكُمْ أُمَّهَاتكُمْ ! أَسْمَع ابْن أَبِي كَبْشَة يُخْبِركُمْ أَنَّ خَزَنَة جَهَنَّم تِسْعَةَ عَشَرَ , وَأَنْتُمْ الدُّهْم - أَيْ الْعَدَد - وَالشُّجْعَان , فَيَعْجِز كُلّ عَشَرَة مِنْكُمْ أَنْ يَبْطِشُوا بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ ! قَالَ السُّدِّيّ : فَقَالَ أَبُو الْأَسْوَد بْن كِلْدَة الْجُمَحِيّ : لَا يَهُولَنَّكُمْ التِّسْعَةَ عَشَرَ , أَنَا أَدْفَع بِمَنْكِبِي الْأَيْمَن عَشَرَة مِنْ الْمَلَائِكَة , وَبِمَنْكِبِي الْأَيْسَر التِّسْعَة , ثُمَّ تَمُرُّونَ إِلَى الْجَنَّة ; يَقُولهَا مُسْتَهْزِئًا . فِي رِوَايَة أَنَّ الْحَارِثَ بْن كِلْدَة قَالَ أَنَا أَكْفِيكُمْ سَبْعَةَ عَشَرَ , وَاكْفُونِي أَنْتُمْ اِثْنَيْنِ .
وَفِي " تِسْعَةَ عَشَرَ " سَبْع قِرَاءَات : قِرَاءَة الْعَامَّة " تِسْعَةَ عَشَرَ " . وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَر بْن الْقَعْقَاع وَطَلْحَة بْن سُلَيْمَان " تِسْعَةَ عْشَرَ " بِإِسْكَانِ الْعَيْن . وَعَنْ اِبْن عَبَّاس " تِسْعَةُ عَشَرَ " بِضَمِّ الْهَاء .
وَعَنْ أَنَس بْن مَالِك " تِسْعَةُ وَعَشَرْ " وَعَنْهُ أَيْضًا " تِسْعَةُ وَعَشْرُ " . وَعَنْهُ أَيْضًا " تِسْعَةُ أَعْشُر " ذَكَرَهَا الْمَهْدَوِيّ وَقَالَ : مَنْ قَرَأَ " تِسْعَةَ عْشَرَ " أَسْكَنَ الْعَيْنَ لِتَوَالِي الْحَرَكَات . وَمَنْ قَرَأَ " تِسْعَةُ وَعَشَرْ " جَاءَ بِهِ عَلَى الْأَصْل قَبْلَ التَّرْكِيب , وَعَطَفَ عَشْرًا عَلَى تِسْعَة , وَحَذَفَ التَّنْوِينَ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَال , وَأَسْكَنَ الرَّاءَ مِنْ عَشَر عَلَى نِيَّة السُّكُوت عَلَيْهَا . وَمَنْ قَرَأَ " تِسْعَةُ عَشَر " فَكَأَنَّهُ مِنْ التَّدَاخُل ; كَأَنَّهُ أَرَادَ الْعَطْف وَتَرْك التَّرْكِيب , فَرَفَعَ هَاء التَّأْنِيث , ثُمَّ رَاجَعَ الْبِنَاءَ وَأَسْكَنَ . وَأَمَّا " تِسْعَة أَعْشُر " : فَغَيْر مَعْرُوف , وَقَدْ أَنْكَرَهَا أَبُو حَاتِم . وَكَذَلِكَ " تِسْعَةُ وَعَشْر " لِأَنَّهَا مَحْمُولَة عَلَى " تِسْعَة أَعْشُر " وَالْوَاو بَدَل مِنْ الْهَمْزَة , وَلَيْسَ لِذَلِكَ وَجْه عِنْد النَّحْوِيِّينَ . الزَّمَخْشَرِيُّ : وَقُرِئَ : " تِسْعَة أَعْشُر " جَمْع عَشِير , مِثْل يَمِين وَأَيْمُن .