يخبر تعالى, أن آيات القرآن هي " آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ " أي: البين الواضحة ألفاظه, ومعانيه.
ومن بيانه وإيضاحه, أنه أنزله باللسان العربي, أشرف الألسنة, وأبينها.
المبين, لكل ما يحتاجه الناس, من الحقائق النافعة.
وكل هذا الإيضاح والتبيين " لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ " أي: لتعقلوا حدوده, وأصوله, وفروعه, وأوامره, ونواهيه.
فإذا عقلتم ذلك بإيقانكم, واتصفت قلوبكم بمعرفتها, أثمر ذلك, عمل الجوارح, والانقياد إليه.
و " لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ " أي: تزداد عقولكم, بتكرر المعاني الشريفة العالية, على أذهانكم.
فتنتقلون من حال إلى أحوال, أعلى منها وأكمل.
المبين, لكل ما يحتاجه الناس, من الحقائق النافعة.
وكل هذا الإيضاح والتبيين " لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ " أي: لتعقلوا حدوده, وأصوله, وفروعه, وأوامره, ونواهيه.
فإذا عقلتم ذلك بإيقانكم, واتصفت قلوبكم بمعرفتها, أثمر ذلك, عمل الجوارح, والانقياد إليه.
و " لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ " أي: تزداد عقولكم, بتكرر المعاني الشريفة العالية, على أذهانكم.
فتنتقلون من حال إلى أحوال, أعلى منها وأكمل.
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ↓
" نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ " وذلك لصدقه, وسلاسة عبارته, ورونق معانيه.
" بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ " أي: بما اشتمل عليه هذا القرآن, الذي أوحيناه إليك, وفضلناك به على سائر الأنبياء, وذاك محض منة, من الله وإحسان.
" وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ " أي: ما كنت تدري, ما الكتاب, ولا الإيمان, قبل أن يوحي الله إليك, ولكن جعلناه نورا, نهدي به من نشاء, من عبادنا.
" بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ " أي: بما اشتمل عليه هذا القرآن, الذي أوحيناه إليك, وفضلناك به على سائر الأنبياء, وذاك محض منة, من الله وإحسان.
" وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ " أي: ما كنت تدري, ما الكتاب, ولا الإيمان, قبل أن يوحي الله إليك, ولكن جعلناه نورا, نهدي به من نشاء, من عبادنا.
إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ↓
ولما مدح ما اشتمل عليه هذا القرآن, من القصص, وأنه أحسن القصص على الإطلاق, فلا يوجد من القصص, في شيء من الكتب, مثل هذا القرآن, ذكر قصه يوسف, وأبيه, وإخوته, القصة العجيبة الحسنة.
فقال: " إِذْ قَالَ يُوسُفُ " إلى " إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " .
واعلم أن الله ذكر أنه يقص على رسوله, أحسن القصص في هذا الكتاب.
ثم ذكر هذه القصة, وبسطها, وذكر ما جرى فيها, فعلم بذلك, أنها قصة تامة, كاملة حسنة.
فمن أراد أن يكملها أو يحسنها, بما يذكر في الإسرائيليات, التي لا يعرف لها سند, ولا ناقل, وأغلبها كذب, فهو مستدرك على الله, ومكمل لشيء, يزعم أنه ناقص.
وحسبك بأمر ينتهي إلى هذا الحد قبحا, فإن تضاعيف هذه السورة, قد ملئت في كثير من التفاسير, من الأكاذيب, والأمور الشنيعة المناقضة, لما قصه الله تعالى بشيء كثير.
فعلى العبد أن يفهم عن الله, ما قصه, ويدع, ما سوى ذلك, مما ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم, ينقل.
فقوله تعالى: " إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ " يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل, عليهم الصلاة والسلام: " يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ " .
فكانت هذه الرؤيا, مقدمة لما وصل إليه يوسف عليه السلام, من الارتفاع في الدينا والآخرة.
وهكذا إذا أراد الله أمرا من الأصول العظام, قدم بين يديه مقدمة, توطئة له, وتسهيلا لأمره, واستعدادا لما يرد على العبد من المشاق, ولطفا بعبده, وإحسانا إليه.
فأولها يعقوب, بأن الشمس: أمه, والقمر أبوه, والكواكب, إخوته.
وأنه ستنتقل به الأحول إلى أن يصير إلى حال يخضعون له, ويسجدون له, إكراما وإعظاما.
وأن ذلك لا يكون, إلا بأسباب تتقدمه من اجتباء الله له, واصطفائه إياه, وإتمام نعمته عليه, بالعلم والعمل, والتمكين في الأرض.
وأن هذه النعمة ستشمل آل يعقوب, الذين سجدوا له, وصاروا تبعا له فيها ولهذا قال: " وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ "
فقال: " إِذْ قَالَ يُوسُفُ " إلى " إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " .
واعلم أن الله ذكر أنه يقص على رسوله, أحسن القصص في هذا الكتاب.
ثم ذكر هذه القصة, وبسطها, وذكر ما جرى فيها, فعلم بذلك, أنها قصة تامة, كاملة حسنة.
فمن أراد أن يكملها أو يحسنها, بما يذكر في الإسرائيليات, التي لا يعرف لها سند, ولا ناقل, وأغلبها كذب, فهو مستدرك على الله, ومكمل لشيء, يزعم أنه ناقص.
وحسبك بأمر ينتهي إلى هذا الحد قبحا, فإن تضاعيف هذه السورة, قد ملئت في كثير من التفاسير, من الأكاذيب, والأمور الشنيعة المناقضة, لما قصه الله تعالى بشيء كثير.
فعلى العبد أن يفهم عن الله, ما قصه, ويدع, ما سوى ذلك, مما ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم, ينقل.
فقوله تعالى: " إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ " يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل, عليهم الصلاة والسلام: " يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ " .
فكانت هذه الرؤيا, مقدمة لما وصل إليه يوسف عليه السلام, من الارتفاع في الدينا والآخرة.
وهكذا إذا أراد الله أمرا من الأصول العظام, قدم بين يديه مقدمة, توطئة له, وتسهيلا لأمره, واستعدادا لما يرد على العبد من المشاق, ولطفا بعبده, وإحسانا إليه.
فأولها يعقوب, بأن الشمس: أمه, والقمر أبوه, والكواكب, إخوته.
وأنه ستنتقل به الأحول إلى أن يصير إلى حال يخضعون له, ويسجدون له, إكراما وإعظاما.
وأن ذلك لا يكون, إلا بأسباب تتقدمه من اجتباء الله له, واصطفائه إياه, وإتمام نعمته عليه, بالعلم والعمل, والتمكين في الأرض.
وأن هذه النعمة ستشمل آل يعقوب, الذين سجدوا له, وصاروا تبعا له فيها ولهذا قال: " وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ "
قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ↓
ولما تم تعبيرها ليوسف, قال له أبوه: " يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا " أي: حسدا من عند أنفسهم, بأن تكون أنت الرئيس الشريف عليهم.
" إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ " لا يفتر عنه, ليلا ولا نهارا, ولا سرا, ولا جهارا.
فالبعد عن الأسباب, التي يتسلط بها على العبد, أولى.
فامتثل يوسف أمر أبيه, ولم يخبر إخوته بذلك, بل كتمها عنهم.
" إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ " لا يفتر عنه, ليلا ولا نهارا, ولا سرا, ولا جهارا.
فالبعد عن الأسباب, التي يتسلط بها على العبد, أولى.
فامتثل يوسف أمر أبيه, ولم يخبر إخوته بذلك, بل كتمها عنهم.
وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ↓
" وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ " أي: يصطفيك ويختارك بما من به عليك من الأوصاف الجليلة, والمناقب الجميلة.
" وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ " أي: من تعبير الرؤيا, وبيان ما تئول إليه الأحاديث الصادقة, كالكتب السماوية ونحوها.
" وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ " في الدنيا والآخرة, بأن يؤتيك في الدنيا حسنة, وفي الآخرة حسنة.
" كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ " حيث أنعم الله عليهما, بنعم عظيمة واسعة, دينية, ودنيوية.
" إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " أي: علمه محيط بالأشياء, وبما احتوت عليه, ضمائر العباد, من البر وغيره.
فيعطي كلا, ما تقتضيه حكمته وحمده, فإنه حكيم, يضع الأشياء مواضعها, وينزلها منازلها.
" وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ " أي: من تعبير الرؤيا, وبيان ما تئول إليه الأحاديث الصادقة, كالكتب السماوية ونحوها.
" وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ " في الدنيا والآخرة, بأن يؤتيك في الدنيا حسنة, وفي الآخرة حسنة.
" كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ " حيث أنعم الله عليهما, بنعم عظيمة واسعة, دينية, ودنيوية.
" إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " أي: علمه محيط بالأشياء, وبما احتوت عليه, ضمائر العباد, من البر وغيره.
فيعطي كلا, ما تقتضيه حكمته وحمده, فإنه حكيم, يضع الأشياء مواضعها, وينزلها منازلها.
يقول تعالى: " لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ " أي عبر وأدلة, على كثير من المطالب الحسنة.
" لِلسَّائِلِينَ " أي: لكل من سأل عنها, بلسان الحال, أو بلسان المقال.
فإن السائلين, هم الذين ينتفعون بالآيات والعبر.
وأما المعرضون, فلا ينتفعون بالآيات, ولا بالقصص, والبينات.
" لِلسَّائِلِينَ " أي: لكل من سأل عنها, بلسان الحال, أو بلسان المقال.
فإن السائلين, هم الذين ينتفعون بالآيات والعبر.
وأما المعرضون, فلا ينتفعون بالآيات, ولا بالقصص, والبينات.
إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ↓
" إِذْ قَالُوا " فيما بينهم: " لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ " بنيامين, أي: شقيقه, وإلا, فكلهم إخوة.
" أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ " أي: جماعة, فكيف يفضلهما بالمحبة والشفقة.
" إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ " أي: لفي خطأ بين, حيث فضلهما علينا, من غير موجب نراه, ولا أمر نشاهده.
" أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ " أي: جماعة, فكيف يفضلهما بالمحبة والشفقة.
" إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ " أي: لفي خطأ بين, حيث فضلهما علينا, من غير موجب نراه, ولا أمر نشاهده.
اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ ↓
" اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا " أي: غيبوه عن أبيه, في أرض بعيدة, لا يتمكن من رؤيته فيها.
فإنكم إذا فعلتم أحد هذين الأمرين " يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ " .
أي: يتقرغ لكم, ويقبل عليكم بالشفقة والمحبة, فإنه قد اشتغل قلبه بيوسف, شغلا, لا يتفرغ لكم.
" وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ " أي: من بعد هذا الصنيع " قَوْمًا صَالِحِينَ " أي: تتوبون إلى الله, وتستغفرونه من بعد ذنبكم.
فقدموا العزم على التوبة, قبل صدور الذنب منهم تسهيلا لفعله, وإزالة لشناعته, وتنشيطا من بعضهم لبعض.
فإنكم إذا فعلتم أحد هذين الأمرين " يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ " .
أي: يتقرغ لكم, ويقبل عليكم بالشفقة والمحبة, فإنه قد اشتغل قلبه بيوسف, شغلا, لا يتفرغ لكم.
" وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ " أي: من بعد هذا الصنيع " قَوْمًا صَالِحِينَ " أي: تتوبون إلى الله, وتستغفرونه من بعد ذنبكم.
فقدموا العزم على التوبة, قبل صدور الذنب منهم تسهيلا لفعله, وإزالة لشناعته, وتنشيطا من بعضهم لبعض.
قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ ↓
أي: " قَالَ قَائِلٌ " من إخوة يوسف, الذين أرادوا قتله, أو تبعيده: " لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ " فإن قتله أعظم إثما, وأشنع.
والمقصود يحصل بتبعيده عن أبيه, من غير قتل, ولكن توصلوا إلى تبعيده بأن تلقوه " فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ " وتتوعدوه, على أنه لا يخبر بشأنكم, بل على أنه عبد مملوك آبق, لأجل أن " يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ " الذين يريدون مكانا بعيدا, فيحتفظوا فيه.
وهذا القائل أحسنهم رأيا في يوسف, وأبرهم, وأتقاهم في هذه القضية.
فإن بعض الشر, أهون من بعض, والضرر الخفيف, يدفع به الضرر الثقيل.
فلما اتفقوا على هذا الرأي " قَالُوا يَا أَبَانَا " إلى قوله " إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ " .
والمقصود يحصل بتبعيده عن أبيه, من غير قتل, ولكن توصلوا إلى تبعيده بأن تلقوه " فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ " وتتوعدوه, على أنه لا يخبر بشأنكم, بل على أنه عبد مملوك آبق, لأجل أن " يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ " الذين يريدون مكانا بعيدا, فيحتفظوا فيه.
وهذا القائل أحسنهم رأيا في يوسف, وأبرهم, وأتقاهم في هذه القضية.
فإن بعض الشر, أهون من بعض, والضرر الخفيف, يدفع به الضرر الثقيل.
فلما اتفقوا على هذا الرأي " قَالُوا يَا أَبَانَا " إلى قوله " إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ " .
أي: قال إخوة يوسف, متوصلين إلى مقصدهم لأبيهم: " يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ " أي: لأي شيء يدخلك الخوف منا, على يوسف, من غير سبب, ولا موجب؟ والحال " وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ " أي: مشفقون عليه, نود له ما نود لأنفسنا.
وهذا يدل على أن يعقوب عليه السلام, لا يترك يوسف يذهب مع إخوته للبرية ونحوها.
فلما نفوا عن أنفسهم التهمة المانعة, لعدم إرساله معهم, ذكروا له من مصلحة يوسف وأنسه, الذي يحبه أبوه له, ما يقتضي أن يسمح لإرساله معهم, فقالوا:
وهذا يدل على أن يعقوب عليه السلام, لا يترك يوسف يذهب مع إخوته للبرية ونحوها.
فلما نفوا عن أنفسهم التهمة المانعة, لعدم إرساله معهم, ذكروا له من مصلحة يوسف وأنسه, الذي يحبه أبوه له, ما يقتضي أن يسمح لإرساله معهم, فقالوا:
" أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ " أي: يتنزه في البرية ويستأنس.
" وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ " أي سنراعيه, ونحفظه من كل أذى يريده.
" وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ " أي سنراعيه, ونحفظه من كل أذى يريده.
قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ ↓
فأجابهم بقوله: " إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ " أي مجرد ذهابكم به, يحزنني, ويشق علي, لأنني لا أقدر على فراقه, ولو مدة يسيرة.
فهذا مانع من إرساله ومانع ثان, وهو: أني " وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ " أي: في حال غفلتكم عنه, لأنه صغير, لا يمتنع من الذئب.
فهذا مانع من إرساله ومانع ثان, وهو: أني " وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ " أي: في حال غفلتكم عنه, لأنه صغير, لا يمتنع من الذئب.
" قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ " أي: جماعة, حريصون على حفظه.
" إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ " أي: لا خير فينا, ولا نفع يرجى منا, إن أكله الذئب, وغلبنا عليه.
فلما مهدوا لأبيهم الأسباب الداعية لإرساله, وعدم الموانع, سمح حينئذ بإرساله معهم, لأجل أنسه.
" إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ " أي: لا خير فينا, ولا نفع يرجى منا, إن أكله الذئب, وغلبنا عليه.
فلما مهدوا لأبيهم الأسباب الداعية لإرساله, وعدم الموانع, سمح حينئذ بإرساله معهم, لأجل أنسه.
فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ↓
أي: لما ذهب إخوة يوسف, بعد ما أذن له أبوة, وعزموا أن يجعلوه في غيابة الجب, كما قال قائلهم, السابق ذكره, وكانوا قادرين على ما أجمعوا عليه, فنفذوا فيه قدرتهم, وألقوه في الجب.
ثم إن الله, لطف به, بان أوحى إليه وهو بتلك الحال الحرجة.
" لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ " أي: سيكون منك معاتبة لهم, وإخبار عن أمرهم هذا, وهم لا يشعرون بذلك الأمر.
ففيه بشارة له, بأنه سينجو مما وقع فيه, وأن الله سيجمعه بأهله وإخوته, على وجه العز والتمكين له, في الأرض.
ثم إن الله, لطف به, بان أوحى إليه وهو بتلك الحال الحرجة.
" لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ " أي: سيكون منك معاتبة لهم, وإخبار عن أمرهم هذا, وهم لا يشعرون بذلك الأمر.
ففيه بشارة له, بأنه سينجو مما وقع فيه, وأن الله سيجمعه بأهله وإخوته, على وجه العز والتمكين له, في الأرض.
" وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ " ليكون إتيانهم, متأخرا عن عادتهم, وبكاؤهم دليلا لهم, وقرينة على صدقهم.
قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ↓
فقالوا - معتذرين بعذر كاذب - " يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ " إما على الأقدام, أو بالرمي والنضال.
" وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا " توفيرا له وراحة.
" فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ " في حال غيابنا عنه واستباقنا.
" وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ " أي: اعتذرنا بهذا العذر, والظاهر أنك لا تصدقنا, لما في قلبك من الحزن على يوسف, والرقة الشديدة عليه.
" وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا " توفيرا له وراحة.
" فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ " في حال غيابنا عنه واستباقنا.
" وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ " أي: اعتذرنا بهذا العذر, والظاهر أنك لا تصدقنا, لما في قلبك من الحزن على يوسف, والرقة الشديدة عليه.
وَجَاؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ↓
ولكن عدم تصديقك إيانا, لا يمنعنا أن نعتذر بالعذر الحقيقي, وكل هذا, تأكيد لعذرهم.
ومما أكدوا به قولهم, أنهم " وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ " زعموا, أنه دم يوسف, حين أكله الذئب, فلم يصدقهم أبوهم بذلك.
و " قَالَ " : " بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا " أي: زينت لكم أنفسكم أمرا قبيحا في التفريق بيني وبينه, لأنه رأى من القرائن والأحوال, ومن رؤيا يوسف, التي قصها عليه, ما دله على ما قال.
" فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ " أي: أما أنا, فوظيفتي سأحرص على القيام بها, وهي أني أصبر على هذه المحنة, صبرا جميلا, سالما من السخط والتشكي إلى الخلق, وأستعين الله على ذلك, لا على حولي وقوتي.
فوعد من نفسه هذا الأمر وشكى إلى خالقه في قوله: " إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ " لأن الشكوى إلى الخالق, لا تنافي الصبر الجميل, لأن النبي, إذا وعد, وفى.
ومما أكدوا به قولهم, أنهم " وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ " زعموا, أنه دم يوسف, حين أكله الذئب, فلم يصدقهم أبوهم بذلك.
و " قَالَ " : " بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا " أي: زينت لكم أنفسكم أمرا قبيحا في التفريق بيني وبينه, لأنه رأى من القرائن والأحوال, ومن رؤيا يوسف, التي قصها عليه, ما دله على ما قال.
" فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ " أي: أما أنا, فوظيفتي سأحرص على القيام بها, وهي أني أصبر على هذه المحنة, صبرا جميلا, سالما من السخط والتشكي إلى الخلق, وأستعين الله على ذلك, لا على حولي وقوتي.
فوعد من نفسه هذا الأمر وشكى إلى خالقه في قوله: " إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ " لأن الشكوى إلى الخالق, لا تنافي الصبر الجميل, لأن النبي, إذا وعد, وفى.
وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ↓
أي: مكث يوسف في الجب, ما مكث, حتى " وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ " أي: قافلة تريد مصر.
" فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ " أي.
فرطهم ومقدمهم, الذي يعس لهم المياه, ويسبرها ويستعد لهم بتهيئة الحياض ونحو ذلك.
" فَأَدْلَى " ذلك الوارد " دَلْوَهُ " فتعلق فيه يوسف عليه السلام, وخرج.
" قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ " أي: استبشر وقال: هذا غلام نفيس.
" وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً " وكان إخوته قريبا منه, فاشتراه السيارة منهم.
" فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ " أي.
فرطهم ومقدمهم, الذي يعس لهم المياه, ويسبرها ويستعد لهم بتهيئة الحياض ونحو ذلك.
" فَأَدْلَى " ذلك الوارد " دَلْوَهُ " فتعلق فيه يوسف عليه السلام, وخرج.
" قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ " أي: استبشر وقال: هذا غلام نفيس.
" وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً " وكان إخوته قريبا منه, فاشتراه السيارة منهم.
" بِثَمَنٍ بَخْسٍ " أي قليل جدا, فسره بقوله: " دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ " .
لأنه لم يكن لهم قصد, إلا تغييبه, وإبعاده عن أبيه, ولم يكن لهم قصد في أحذ ثمنه.
والمعنى في هذا: أن السيارة, لما وجدوه, عزموا أن يسروا أمره, ويجعلوه من جملة بضائعهم, التي معهم, حتى جاء إخوته, فزعموا أنه عبد أبق منهم.
فاشتروه منهم, بذلك الثمن, واستوثقوا منهم فيه, لئلا يهرب, والله أعلم.
لأنه لم يكن لهم قصد, إلا تغييبه, وإبعاده عن أبيه, ولم يكن لهم قصد في أحذ ثمنه.
والمعنى في هذا: أن السيارة, لما وجدوه, عزموا أن يسروا أمره, ويجعلوه من جملة بضائعهم, التي معهم, حتى جاء إخوته, فزعموا أنه عبد أبق منهم.
فاشتروه منهم, بذلك الثمن, واستوثقوا منهم فيه, لئلا يهرب, والله أعلم.
وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ↓
أي لما ذهب به السيارة إلى مصر, وباعوه بها, فاشتراه عزيز مصر.
فلما اشتراه, أعجب به, ووصى عليه امرأته وقال: " أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا " أي: إما أن ينفعنا كنفع العبيد, بأنواع الخدم.
وإما أن نستمتع فيه, استمتاعنا بأولادنا, ولعل ذات أنه لم يكن لهما, ولد.
" وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ " أي: كما يسرنا له أن يشتريه عزيز مصر, ويكرمه هذا الإكرام, جعلنا هذا, مقدمة لتمكينه في الأرض, من هذا الطريق.
" وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ " إذا بقي لا شغل له ولا هم سوى العلم صار ذلك من أسباب تعلمه علما كثيرا, من علم الأحكام, وعلم التعبير, وغير ذلك.
" وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ " أي: أمره تعالى نافذ, لا يبطله مبطل, ولا يغلبه مغالب.
" وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ " .
فلذلك يجري منهم, ويصدر, في مغالبة أحكام الله القدرية, وهم أعجز, وأضعف من ذلك.
فلما اشتراه, أعجب به, ووصى عليه امرأته وقال: " أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا " أي: إما أن ينفعنا كنفع العبيد, بأنواع الخدم.
وإما أن نستمتع فيه, استمتاعنا بأولادنا, ولعل ذات أنه لم يكن لهما, ولد.
" وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ " أي: كما يسرنا له أن يشتريه عزيز مصر, ويكرمه هذا الإكرام, جعلنا هذا, مقدمة لتمكينه في الأرض, من هذا الطريق.
" وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ " إذا بقي لا شغل له ولا هم سوى العلم صار ذلك من أسباب تعلمه علما كثيرا, من علم الأحكام, وعلم التعبير, وغير ذلك.
" وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ " أي: أمره تعالى نافذ, لا يبطله مبطل, ولا يغلبه مغالب.
" وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ " .
فلذلك يجري منهم, ويصدر, في مغالبة أحكام الله القدرية, وهم أعجز, وأضعف من ذلك.
أي: " وَلَمَّا بَلَغَ " يوسف " أَشُدَّهُ " أي: كمال قوته المعنوية والحسية, وصلح لأن يتحمل الأحمال الثقيلة, من النبوة, والرسالة.
" آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا " أي: جعلناه نبيا رسولا, وعالما ربانيا.
" وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ " في عبادة الخالق, ببذل الجهد والنصح فيها, وإلى عباد الله, ببذل النفع والإحسان إليهم, نؤتيهم من جملة الجزاء على إحسانهم, علما نافعا.
ودل هذا, على أن يوسف في مقام الإحسان, فأعطاه الله الحكم بين الناس, والعلم الكثير والنبوة.
" آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا " أي: جعلناه نبيا رسولا, وعالما ربانيا.
" وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ " في عبادة الخالق, ببذل الجهد والنصح فيها, وإلى عباد الله, ببذل النفع والإحسان إليهم, نؤتيهم من جملة الجزاء على إحسانهم, علما نافعا.
ودل هذا, على أن يوسف في مقام الإحسان, فأعطاه الله الحكم بين الناس, والعلم الكثير والنبوة.
وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ↓
هذه المحنة العظيمة, أعظم على يوسف, من محنة إخوته, وصبره عليها, أعظم أجرا, لأنه صبر اختيار, مع وجود الدواعي الكثيرة, لوقوع الفعل, فقدم محبة الله عليها.
وأما محنته بإخوته, فصبره صبر اضطرار, بمنزلة الأمراض والمكاره التي تصيب العبد بغير اختياره وليس له ملجأ إلا الصبر عليها, طائعا أو كارها.
وذلك أن يوسف عليه الصلاة والسلام, بقي مكرما في بيت العزيز.
وكان له من الجمال, والكمال, والبهاء, ما أوجب ذلك, أن " وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ " أي: هو غلامها, وتدبيرها, والمسكن واحد, يتيسر فيه إيقاع الأمر المكروه, من غير شعور أحد, ولا إحساس بشر.
وزادت المصيبة, بأن " وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ " وصار المحل خاليا, وهما آمنان من دخول أحد عليهما, بسبب تغليق الأبواب.
وقد دعته إلى نفسها " وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ " أي: افعل الأمر المكروه وأقبل إلي.
ومع هذا, فهو غريب, لا يحتشم مثله, ما يحتشمه إذا كان في وطنه, وبين معارفه.
وهو أسير تحت يدها, وهي سيدته, وفيها من الجمال, ما يدعو إلى ما هنالك.
وهو شاب عزب, وقد توعدته, إن لم يفعل ما تأمرة به, بالسجن, أو العذاب الأليم.
فصبر عن معصية الله, مع وجود الداعي القوي فيه, لأنه قد هم فيها, هما, تركه لله, وقدم مراد الله على مراد النفس الأمارة بالسوء.
ورأى من برهان ربه - وهو ما معه من العلم والإيمان, الموجب, لترك كل ما حرم الله - ما أوجب له البعد والانكفاف, عن هذه المعصية الكبيرة.
" قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ " أي.
أعوذ بالله, أن أفعل هذا الفعل القبيح, لأنه مما يسخط الله, ويبعد عنه, ولأنه خيانة في حق سيدي, الذي أكرم مثواي.
فلا يليق بي, أن أقابله في أهله, بأقبح مقابلة, وهذا من أعظم الظلم والظالم لا يفلح.
والحاصل أنه جعل الموانع له من هذا الفعل, تقوى الله, ومراعاة حق سيده, الذي أكرمه, وصيانة نفسه عن الظلم, الذي لا يفلح من تعاطاه.
وكذلك ما من الله عليه, من برهان الإيمان, الذي في قلبه, يقتضي منه, امتثال الأوامر, واجتناب الزواجر.
والجامع لذلك كله.
أن الله صرف عنه السوء والفحشاء, لأنه من عباده المخلصين له, في عباداتهم, الذين أخلصهم الله, واختارهم, واختصهم لنفسه, وأسدى عليهم من النعم, وصرف عنهم المكاره, ما كانوا به من خيار خلقه.
وأما محنته بإخوته, فصبره صبر اضطرار, بمنزلة الأمراض والمكاره التي تصيب العبد بغير اختياره وليس له ملجأ إلا الصبر عليها, طائعا أو كارها.
وذلك أن يوسف عليه الصلاة والسلام, بقي مكرما في بيت العزيز.
وكان له من الجمال, والكمال, والبهاء, ما أوجب ذلك, أن " وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ " أي: هو غلامها, وتدبيرها, والمسكن واحد, يتيسر فيه إيقاع الأمر المكروه, من غير شعور أحد, ولا إحساس بشر.
وزادت المصيبة, بأن " وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ " وصار المحل خاليا, وهما آمنان من دخول أحد عليهما, بسبب تغليق الأبواب.
وقد دعته إلى نفسها " وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ " أي: افعل الأمر المكروه وأقبل إلي.
ومع هذا, فهو غريب, لا يحتشم مثله, ما يحتشمه إذا كان في وطنه, وبين معارفه.
وهو أسير تحت يدها, وهي سيدته, وفيها من الجمال, ما يدعو إلى ما هنالك.
وهو شاب عزب, وقد توعدته, إن لم يفعل ما تأمرة به, بالسجن, أو العذاب الأليم.
فصبر عن معصية الله, مع وجود الداعي القوي فيه, لأنه قد هم فيها, هما, تركه لله, وقدم مراد الله على مراد النفس الأمارة بالسوء.
ورأى من برهان ربه - وهو ما معه من العلم والإيمان, الموجب, لترك كل ما حرم الله - ما أوجب له البعد والانكفاف, عن هذه المعصية الكبيرة.
" قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ " أي.
أعوذ بالله, أن أفعل هذا الفعل القبيح, لأنه مما يسخط الله, ويبعد عنه, ولأنه خيانة في حق سيدي, الذي أكرم مثواي.
فلا يليق بي, أن أقابله في أهله, بأقبح مقابلة, وهذا من أعظم الظلم والظالم لا يفلح.
والحاصل أنه جعل الموانع له من هذا الفعل, تقوى الله, ومراعاة حق سيده, الذي أكرمه, وصيانة نفسه عن الظلم, الذي لا يفلح من تعاطاه.
وكذلك ما من الله عليه, من برهان الإيمان, الذي في قلبه, يقتضي منه, امتثال الأوامر, واجتناب الزواجر.
والجامع لذلك كله.
أن الله صرف عنه السوء والفحشاء, لأنه من عباده المخلصين له, في عباداتهم, الذين أخلصهم الله, واختارهم, واختصهم لنفسه, وأسدى عليهم من النعم, وصرف عنهم المكاره, ما كانوا به من خيار خلقه.
وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ↓
وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ↑
ولما امتنع من إجابة طلبها, بعد المراودة الشديدة, وذهب ليهرب عنها, ويبادر إلى الخروج من الباب, ليتخلص, ويهرب من الفتنة.
فبادرت إليه, وتعلقت بثوبه, فشقت قميصه.
فلما وصلا إلى الباب, في تلك الحال, ألفيا سيدها, أي.
زوجها لدى الباب, فرأي أمرا شق عليه.
فبادرت إلى الكذب, وادعت أن المراودة, قد كانت من يوسف, وقالت: " مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا " ولم تقل " من فعل بأهلك سوءا " تبرئة لها, وتبرئة له أيضا, من الفعل.
وإنما النزاع عن الإرادة, والمراوده.
" إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " أي: أو يعذب عذابا أليما.
فبادرت إليه, وتعلقت بثوبه, فشقت قميصه.
فلما وصلا إلى الباب, في تلك الحال, ألفيا سيدها, أي.
زوجها لدى الباب, فرأي أمرا شق عليه.
فبادرت إلى الكذب, وادعت أن المراودة, قد كانت من يوسف, وقالت: " مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا " ولم تقل " من فعل بأهلك سوءا " تبرئة لها, وتبرئة له أيضا, من الفعل.
وإنما النزاع عن الإرادة, والمراوده.
" إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " أي: أو يعذب عذابا أليما.
قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ↓
فبرأ نفسه, مما رمته به, وقال: " هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي " فحينئذ احتملت الحال, صدق كل واحد منهما, ولك يعلم أيهما.
ولكن الله تعالى, جعل للحق والصدق, علامات, وأمارات تدل عليه, قد يعلمها العباد, وقد لا يعلمونها.
فمن الله في هذه القضية, بمعرفة الصادق منهما, تبرئة لنبيه وصفيه, يوسف عليه السلام.
فبعث شاهدا من أهل بيتها, يشهد بقرينة من وجدت معه, فهو الصادق, فقال: " إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ " لأن ذلك يدل على أنه هو المقبل عليها, المراود لها, المعالج, وأنها أرادت أن تدفعه عنها, فشقت قميصه من هذا الجانب.
ولكن الله تعالى, جعل للحق والصدق, علامات, وأمارات تدل عليه, قد يعلمها العباد, وقد لا يعلمونها.
فمن الله في هذه القضية, بمعرفة الصادق منهما, تبرئة لنبيه وصفيه, يوسف عليه السلام.
فبعث شاهدا من أهل بيتها, يشهد بقرينة من وجدت معه, فهو الصادق, فقال: " إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ " لأن ذلك يدل على أنه هو المقبل عليها, المراود لها, المعالج, وأنها أرادت أن تدفعه عنها, فشقت قميصه من هذا الجانب.
" وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ " .
لأن ذلك, يدل على هروبه منها, وأنها هي التي طلبته, فشقت قميصه من هذا الجانب.
لأن ذلك, يدل على هروبه منها, وأنها هي التي طلبته, فشقت قميصه من هذا الجانب.
" فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ " عرف بذلك صدق يوسف وبراءته, وأنها هي الكاذبة.
فقال لها سيدها: " إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ " وهل أعظم من هذا الكيد, الذي برأت به نفسها, لما أرادت وفعلت, ورمت به نبي الله, يوسف عليه السلام.
فقال لها سيدها: " إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ " وهل أعظم من هذا الكيد, الذي برأت به نفسها, لما أرادت وفعلت, ورمت به نبي الله, يوسف عليه السلام.
ثم إن سيدها لما تحقق الأمر, قال ليوسف: " يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا " .
أي: اترك الكلام فيه, وتناسه, ولا تذكره لأحد, طلبا للستر على أهله.
" وَاسْتَغْفِرِي " أيتها المرأة " لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ " فأمر يوسف بالإعراض, وأمرها بالاستغفار والتوبة.
أي: اترك الكلام فيه, وتناسه, ولا تذكره لأحد, طلبا للستر على أهله.
" وَاسْتَغْفِرِي " أيتها المرأة " لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ " فأمر يوسف بالإعراض, وأمرها بالاستغفار والتوبة.
وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ↓
يعني: أن الخبر اشتهر وشاع في البلد, وتحدث به النسوة, فجعلن يلمنها, ويقلن: " امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا " أي: هذا أمر مستقبح, هي امرأة كبيرة القدر, وزوجها كبير القدر, ومع هذا, لم تزل تراود فتاها, الذي تحت يدها, وفي خدمتها - عن نفسه.
ومع هذا فإن حبه, قد بلغ من قلبها, مبلغا عظيما.
" قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا " , أي: وصل حبه إلى شغاف قلبها, وهو: باطنه وسويداؤه.
وهذا أعظم ما يكون من الحب.
" إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ " حيث وجدت منها هذه الحالة, التي لا ينبغي منها, وهي حالة تحط قدرها, وتضعه عند الناس.
وكان هذا القول منهن مكرا, ليس المقصود به, مجرد اللوم لها, والقدح فيها.
وإنما أردن أن يتوصلن بهذا الكلام, إلى رؤية يوسف, الذي فتنت به امرأة العزيز, لتحنق امرأة العزيز, وتريهن إياه, ليعذرنها ولهذا سماه: مكرا, فقال:
ومع هذا فإن حبه, قد بلغ من قلبها, مبلغا عظيما.
" قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا " , أي: وصل حبه إلى شغاف قلبها, وهو: باطنه وسويداؤه.
وهذا أعظم ما يكون من الحب.
" إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ " حيث وجدت منها هذه الحالة, التي لا ينبغي منها, وهي حالة تحط قدرها, وتضعه عند الناس.
وكان هذا القول منهن مكرا, ليس المقصود به, مجرد اللوم لها, والقدح فيها.
وإنما أردن أن يتوصلن بهذا الكلام, إلى رؤية يوسف, الذي فتنت به امرأة العزيز, لتحنق امرأة العزيز, وتريهن إياه, ليعذرنها ولهذا سماه: مكرا, فقال: