الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4
مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَسورة المؤمنون الآية رقم 91
" مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ " كذب يعرف بخبر الله, وخبر رسله, ويعرف بالعقل الصحيح.
ولهذا نبه تعالى على الدليل العقلي, على امتناع إلهين فقال: " إِذًا " أي لو كان معه آلهة كما يقولون, " لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ " أي: لانفرد كل واحد من الإلهين, بمخلوقاته, واستقل بها, ولحرص على ممانعة الآخر ومغالبته.
" وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ " فالغالب, يكون هو الإله.
فمن التمانع, لا يمكن وجود العالم, ولا يتصور أن ينتظم هذا الانتظام المدهش للعقول.
واعتبر ذلك بالشمس والقمر, والكواكب الثابتة, والسيارة.
فإنها منذ خلقت, وهي تجري على نظام واحد, وترتيب واحد, كلها مسخرة بالقدرة, مدبرة بالحكمة لمصالح الخلق كلهم, ليست مقصورة على أحد دون أحد, ولن ترى فيها خللا, ولا تناقضا, ولا معارضة في أدنى تصرف.
فهل يتصور أن يكون ذلك, تقدير إلهين ربين؟!! " سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ " قد نطقت بلسان حالها, وأفهمت ببديع أشكالها, أن المدبر لها, إله واحد, كامل الأسماء والصفات, قد افتقرت إليه جميع المخلوقات, في ربوبيته لها, وفي إلهيته لها.
فكما لا وجود لها ولا دوام, إلا بربوبيته, كذلك, لا صلاح لها ولا قوام إلا بعبادته وإفراده بالطاعة.
ولهذا نبه على عظمة صفاته بأنموذج من ذلك, وهو علمه المحيط فقال:
عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَسورة المؤمنون الآية رقم 92
" عَالِمُ الْغَيْبِ " أي: الذي غاب عن أبصارنا, وعلمنا من الواجبات, والمستحيلات, والممكنات.
" وَالشَّهَادَةِ " وهو ما نشاهد من ذلك " فَتَعَالَى " أي: ارتفع وعظم.
" عَمَّا يُشْرِكُونَ " به, ولا علم عندهم, إلا ما علمه الله.
قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَسورة المؤمنون الآية رقم 93
لما أقام تعالى على المكذبين أدلته العظيمة, فلم يلتفتوا إليها, ولم يذعنوا لها, حق عليهم العذاب, ووعدوا بنزوله, وأرشد الله رسوله أن يقول: " قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ " أي: أي وقت أريتني عذابهم, وأحضرتني ذلك.
رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَسورة المؤمنون الآية رقم 94
" رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ " أي: اعصمني وارحمني, مما ابتليتهم به من الذنوب الموجبة للنعم, واحمني أيضا من العذاب الذي ينزل بهم, لأن العقوبة العامة, تعم - عند نزولها - العاصي وغيره.
وَإِنَّا عَلَى أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَسورة المؤمنون الآية رقم 95
قال الله في تقريب عذابهم: " وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ " ولكن إن أخرناه فلحكمة, وإلا, فقدرتنا صالحة لإيقاعه.
ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَسورة المؤمنون الآية رقم 96
هذا من مكارم الأخلاق, التي أمر الله رسوله بها فقال: " ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ " أي: إذا أساء إليك أعداؤك, بالقول والفعل, فلا تقابلهم بالإساءة, مع أنه يجوز معاقبة المسيء بمثل إساءته.
ولكن ادفع إساءتهم إليك, بالإحسان منك إليهم, فإن ذلك فضل منك على المسيء.
ومن مصالح ذلك, أنه تحف الإساءة عنك, في الحال, وفي المستقبل, وأنه أدعى لجلب المسيء إلى الحق, وأقرب إلى ندمه وأسفه, ورجوعه بالتوبة عما فعل.
ويتصف العافي بصفة الإحسان, ويقهر بذلك عدوه الشيطان, ويستوجب الثواب من الرب قال تعالى " فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ " وقال تعالى " ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا " أي ما يوفق لهذا الخلق الجميل " إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ " .
وقوله " نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ " أي: بما يقولون من الأقوال المتضمنة, للكفر, والتكذيب بالحق.
قد أحاط علمنا بذلك, وقد حلمنا عنهم, وأمهلناهم, وصبرنا عليهم, والحق لنا, وتكذيبهم لنا.
فأنت - يا محمد - ينبغي لك أن تصبر على ما يقولون, وتقابلهم بالإحسان: هذه وظيفة العبد في مقابلة المسيء من البشر.
وأما المسيء من الشياطين, فإنه لا يفيد فيه الإحسان.
ولا يدعو حزبه, إلا ليكونوا من أصحاب السعير.
فالوظيفة في مقابلته, أن يسترشد بما أرشد الله إليه رسوله فقال:
وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِسورة المؤمنون الآية رقم 97
" وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ " .
أي: أعوذ بك من الشر, الذي يصيبني بسبب مباشرتهم, وهمزهم ومسهم.
ومن الشر, الذي بسبب حضورهم, ووسوستهم.
وهذه استعاذة من مادة الشر كله وأصله.
ويدخل فيها, الاستعاذة من جميع نزغات الشيطان, ومن مسه ووسوسته.
فإذا أعاذ الله عبده من هذا الشر, وأجاب دعاءه, سلم من كل شر, ووفق لكل خير.
وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِسورة المؤمنون الآية رقم 98
حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِسورة المؤمنون الآية رقم 99
يخبر تعالى عن حال من حضره الموت, من المفرطين الظالمين, أنه يندم في تلك الحال, إذا رأى مآله, وشاهد قبح أعماله.
فيطلب الرجعة إلى الدنيا, لا للتمتع بلذاتها واقتطاف شهواتها وإنما ذلك ليقول:
لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَسورة المؤمنون الآية رقم 100
" لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ " من العمل, وفرطت في جنب الله.
" كُلًّا " أي: لا رجعة له ولا إمهال, قد قضى الله أنهم إليها لا يرجعون " إِنَّهَا " أي مقالته التي تمنى فيها الرجوع إلى الدنيا " كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا " أي: مجرد قول اللسان, لا يفيد صاحبه إلا الحسرة والندم.
وهو أيضا غير صادق في ذلك, فإنه لو رد لعاد لما نهي عنه.
" وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ " أي: من أمامهم وبين أيديهم, برزخ, وهو الحاجز بين الشيئين, فهو هنا: الحاجز بين الدنيا والآخرة.
وفي هذا البرزخ, يتنعم المطيعون, ويعذب العاصون, من ابتداء موتهم, واستقرارهم في قبورهم, إلى يوم يبعثون.
أي: فليعدوا له عدته, وليأخذوا له أهبته.
فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَسورة المؤمنون الآية رقم 101
يخبر تعالى عن هول يوم القيامة, وما في ذلك, من المزعجات, والمقلقات.
وأنه إذا نفخ في الصور, نفخة البعث, فحشر الناس أجمعون, لميقات يوم معلوم, أنه يصيبهم من الهول, ما ينسيهم أنسابهم, التي هي أقوى الأسباب, فغير الأنساب, من باب أولى.
وأنه لا يسأل أحد أحدا, عن حاله, لاشتغاله بنفسه.
فلا يدري هل ينجو نجاة لا شقاوة بعدها؟ أو يشقى شقاوة لا سعادة بعدها؟ قال تعالى " يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ " .
" فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ " .
فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَسورة المؤمنون الآية رقم 102
وفي القيامة مواضع, يشتد كربها, ويعظم وقعها, كالميزان الذي يميز به أعمال العبد, وينظر فيه بالعدل, ما له, وما عليه, وتبين فيه مثاقيل الذر, من الخير والشر.
" فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ " بأن رجحت حسناته على سيئاته " فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " لنجاتهم من النار, واستحقاقهم الجنة, وفوزهم بالثناء الجميل.
وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَسورة المؤمنون الآية رقم 103
" وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ " بأن رجحت سيئاته على حسناته, وأحاطت بها خطيئاته.
" فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ " كل خسارة, غير هذه الخسارة, فإنها - بالنسبة إليها - سهلة.
ولكن هذه خسارة صعبة, لا يجبر مصابها, ولا يستدرك فائتها.
خسارة أبدية, وشقاوة سرمدية, قد خسر نفسه الشريفة, التي يتمكن بها من السعادة الأبدية, ففوتها هذا النعيم المقيم, في جوار الرب الكريم.
" فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ " لا يخرجون منها أبد الآبدين.
وهذا الوعيد, إنما هو كما ذكرنا, لمن أحاطت خطيئاته بحسناته, ولا يكون ذلك, إلا كافرا.
فعلى هذا, لا يحاسب محاسبة من توزن حسناته وسيئاته, فإنهم لا حسنات لهم.
ولكن تعد أعمالهم, وتحصى, فيوقفون عليها, ويقررون بها, ويخزون بها.
وأما من معه أصل الإيمان, ولكن عظمت سيئاته, فرجحت على حسناته, فإنه, وإن دخل النار, لا يخلد فيها, كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة.
تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَسورة المؤمنون الآية رقم 104
ثم ذكر تعالى, سوء مصير الكافرين فقال: " تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ " أي: تغشاهم جميع جوانبهم, حتى تصيب أعضاءهم الشريفة, ويتقطع لهبها عن وجوههم.
" وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ " قد عبست وجوههم, وقلصت شفاههم, من شدة ما هم فيه, وعظيم ما يلقونه.
أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَسورة المؤمنون الآية رقم 105
فيقال لهم - توبيخا ولوما: - " أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ " تدعون بها, لتؤمنوا, وتعرض عليكم لتنظروا.
" فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ " ظلما منكم, وعنادا, وهي آيات بينات, دالات على الحق والباطل, مبينات للمحق والمبطل.
قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَسورة المؤمنون الآية رقم 106
فحينئذ أقروا بظلمهم, حيث لا ينفع الإقرار و " قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا " أي: غلبت علينا الشقاوة الناشئة عن الظلم والإعراض عن الحق, والإقبال على ما يضر, وترك ما ينفع.
" وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ " في عملهم, وإن كانوا يدرون أنهم ظالمون.
أي فعلنا في الدنيا, فعل التائه, الضال السفيه, كما قالوا في الآية الأخرى.
" وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ " .
رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَسورة المؤمنون الآية رقم 107
" رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ " وهم كاذبون في وعدهم هذا, فإنهم كما قال تعالى " وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ " .
ولم يبق الله لهم حجة, بل قطع أعذارهم, وغرهم في الدنيا, ما يتذكر فيه من تذكر, ويرتدع فيه المجرم, فقال الله جوابا لسؤالهم.
قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِسورة المؤمنون الآية رقم 108
" اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ " وهذا القول - نسأله تعالى العافية - أعظم قول على الإطلاق يسمعه المجرمون في التخييب, والتوبيخ, والذل, والخسار, والتأبيس من كل خير, والبشرى بكل شر.
وهذا الكلام والغضب من الرب الرحيم, أشد عليهم وأبلغ في نكايتهم من عذاب الجحيم.
إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَسورة المؤمنون الآية رقم 109
ثم ذكر الحال التي أوصلتهم إلى العذاب, وقطعت عنهم الرحمة فقال: " إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ " فجمعوا بين الإيمان المقتضي لأعماله الصالحة, والدعاء لربهم بالمغفرة والرحمة, والتوسل إليه بربوبيته ومنته عليهم بالإيمان, والإخبار بسعة رحمته, وعموم إحسانه.
وفي ضمنه, ما يدل على خضوعهم, وخشوعهم, وانكسارهم لربهم, وخوفهم ورجائهم.
فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَسورة المؤمنون الآية رقم 110
فهؤلاء سادات الناس وفضلائهم " فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ " أيها الكفرة الأنذال ناقصو العقول والأحلام " سِخْرِيًّا " تهزءون بهم, وتحتقرونهم, حتى اشتغلتم بذكر السفه.
" حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ " وهذا الذي أوجب لم نسيان الذكر, اشتغالهم بالاستهزاء بهم, كما أن نسيانهم للذكر, يحثهم على الاستهزاء.
فكل من الأمرين يمد الآخر, فهل فوق هذه الجرأة جرأة؟!
إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَسورة المؤمنون الآية رقم 111
" إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا " على طاعتي, وعلى أذاكم حتى وصلوا إلي.
" أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ " بالنعيم المقيم, والنجاة من الجحيم, كما قال في الآية الأخرى " فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ " الآيات.
قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَسورة المؤمنون الآية رقم 112
" قَالَ " لهم على وجه اللوم وأنهم سفهاء الأحلام, حيث اكتسبوا في هذه المدة اليسيرة, كل شر أوصلهم إلى غضبه وعقوبته, ولم يكتسبوا, ما اكتسبه المؤمنون من الخير, الذي يوصلهم إلى السعادة الدائمة, ورضوان ربهم.
قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَسورة المؤمنون الآية رقم 113
" كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ " .
كلامهم هذا, مبني على استقصارهم جدا, لمدة مكثهم في الدنيا وأفاد ذلك, لكنه لا يفيد مقداره, ولا يعينه, فلهذا قالوا: " فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ " أي: الضابطين لعدده.
قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلا لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَسورة المؤمنون الآية رقم 114
وأما هم, ففي شغل شاغل, وعذاب مذهل عن معرفة عدده, فقال لهم " إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا " سواء عينتم عدده, أم لا " لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ "
أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَسورة المؤمنون الآية رقم 115
أي " أَفَحَسِبْتُمْ " أيها الخلق " أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا " أي: سدى وباطلا, تأكلون وتشربون, وتمرحون, وتتمتعون بلذات الدنيا, ونترككم, لا نأمركم, ولا ننهاكم, ولا نثيبكم, ولا نعاقبكم؟ ولهذا قال: " وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ " لا يخطر هذا ببالكم.
فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِسورة المؤمنون الآية رقم 116
" فَتَعَالَى اللَّهُ " أي: تعاظم وانتفع عن هذا الظن الباطل, الذي يرجع إلى القدح في حكمته.
" الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ " فكونه ملكا للخلق كلهم حقا, في صدقه, ووعده, ووعيده, مألوفا معبودا, لما له من الكمال " رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ " فما دونه من باب أولى, يمنع أن يخلقكم عبثا.
وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَسورة المؤمنون الآية رقم 117
أي: ومن دعا مع الله آلهة غيره, بلا بينة من أمره, ولا برهان على ذلك, يدل على ما ذهب إليه, وهذا قيد ملازم.
فكل من دعا غير الله, فليس له برهان على ذلك, بل دلت البراهين على بطلان ما ذهب إليه, فأعرض عنها ظلما وعنادا.
فهذا سيقدم على ربه, فيجازيه بأعماله, ولا ينيله من الفلاح شيئا, لأنه كافر.
" إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ " فكفرهم, منعهم من الفلاح.
وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَسورة المؤمنون الآية رقم 118
" وَقُلْ " داعيا لربك مخلصا له الدين " رَبِّ اغْفِرْ " لنا حتى تنجينا من المكروه, وارحمنا, لتوصلنا برحمتك إلى كل خير.
" وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ " فكل راحم للعبد, فالله خير له منه, أرحم بعبده من الوالدة بولدها, وأرحم به من نفسه.
تم تفسير سورة المؤمنين, بفضل الله وإحسانه
الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4