القيامة الواقعة حقا التي يتحقق فيها الوعد والوعيد,
ما القيامة الواقعة حقا في صفتها وحالها؟
وأي شيء أدرك- يا محمد- وعرفك حقيقة القيامة, وصور لك هولها وشدتها؟
كذبت ثمود قوم صالح, وعاد قوم هود بالقيامة التي تقرع القلوب بأهوالها.
فأما ثمود فأهلكوا بالصيحة التي جاوزت الحد في شدتها,
وأما عاد فأهلكوا بريح باردة شديدة الهبوب,
سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ↓
سلطها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام متتابعة, لا تفتر ولا تنقطع, فترى القوم في تلك الليالي والأيام موتى كأنهم أصول نخل خربة متآكلة الأجواف.
فهل ترى لهؤلاء القوم من نفس باقية دون هلاك؟
وجاء الطاغية فرعون, ومن سبقه من الأمم التي كفرت برسلها, وأهل قرى قوم لوط الذين انقلبت بهم ديارهم بسبب الفعلة المنكرة من الكفر والشرك والفواحش,
فعصت كل أمة منهم رسول ربهم الذي أرسله إليهم, فأخذهم الله أخذة بالغة في الشدة.
إنا لما جاوز الماء حدة, حتى علا وارتفع فوق كل شيء, حملنا أصولكم مع نوح في السفينة التي تجري في الماء
لنجعل الواقعة التي كان فيها نجاة المؤمنين وإغراق الكافرين عبرة وعظة, وتحفظها كل أذن من شأنها أن تحفظ, وتعقل عن الله ما سمعت.
فإذا نفخ الملك في " القرن " نفخة واحدة, وهي النفخة الأولى التي يكون عندها هلاك العالم,
ورفعت الأرض والجبال عن أماكنها فكسرتا, ودقتا دقة واحدة.
ففي ذلك الحين قامت القيامة,
وانصدعت السماء, فهي يؤمئذ ضعيفة مسترخية, لا تماسك فيها ولا صلابة,
والملائكة على جوانبها وأطرافها, ويحمل عرش ربك فوقهم يوم القيامة ثمانية من الملائكة العظام.
في ذلك اليوم تعرضون على الله- أيها الناس- الحساب والجزاء, لا يخفى عليه شيء من أسراركم.
فأما من أعطي كتاب أعماله بيمينه, فيقول ابتهاجا وسرورا: خذوا اقرؤا كتابي,
إني أيقنت في الدنيا بأني سألقى جزائي يوم القيامة, فأعددت له العدة من الإيمان والعمل الصالح,
فهو في عيشة هنيئة مرضية,
في جنة مرتفعة المكان والدرجات,
ثمارها قريبة يتناولها القائم والقاعد والمضطجع.
يقال لهم: كلوا أكلا, واشربوا شربا بعيدا عن كل أذى, سالمين من كل مكروه بسبب ما قدمتم من الأعمال الصالحة في أيام الدنيا الماضية.
فأما من أعطي كتاب أعماله بشماله, فيقول نادما متحسرا: يا ليتي لم أعط كتابي,
ولم أعلم ما جزائي؟
يا ليت الموتة التي متها في الدنيا كانت القاطعة لأمري, ولم أبعث بعدها,
ما نفعني مالي الذي جمعته في الدنيا,
ذهبت عني حجتي, ولم يعد لي حجة أحتج بها.
يقال لخزنة جهنم: خذوا هذا المجرم الأثيم, فاجمعوا يديه إلى عنقه بالأكل,