الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4
قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَسورة يونس الآية رقم 31
الْغَيْث يَقُول : أَمْ مَنْ ذَا الَّذِي يَمْلِك أَسْمَاعكُمْ وَأَبْصَاركُمْ الَّتِي تَسْمَعُونَ بِهَا أَنْ يَزِيد فِي قُوَاهَا أَوْ يَسْلُبكُمُوهَا فَيَجْعَلكُمْ صُمًّا , وَأَبْصَاركُمْ الَّتِي تُبْصِرُونَ بِهَا أَنْ يُضِيئهَا لَكُمْ وَيُنِيرهَا , أَوْ يَذْهَب بِنُورِهَا فَيَجْعَلكُمْ عُمْيًا لَا تُبْصِرُونَ .

يَقُول : وَمَنْ يُخْرِج الشَّيْءَ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّت .

يَقُول : وَيُخْرِج الشَّيْءَ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيّ . وَقَدْ ذَكَرْنَا اِخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ مِنْ أَهْل التَّأْوِيل وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل عِنْدنَا فِي ذَلِكَ بِالْأَدِلَّةِ الدَّالَّة عَلَى صِحَّته فِي سُورَة آلِ عِمْرَان بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .

وَقُلْ لَهُمْ : مَنْ يُدَبِّر أَمْرَ السَّمَاء وَالْأَرْض وَمَا فِيهِنَّ وَأَمْركُمْ وَأَمْر الْخَلْق .

يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَسَوْفَ يُجِيبُونَك بِأَنْ يَقُولُوا الَّذِي يَفْعَل ذَلِكَ كُلّه اللَّه .

يَقُول : أَفَلَا تَخَافُونَ عِقَاب اللَّه عَلَى شِرْككُمْ وَادِّعَائِكُمْ رَبًّا غَيْر مَنْ هَذِهِ الصِّفَة صِفَته , وَعِبَادَتكُمْ مَعَهُ مَنْ لَا يَرْزُقكُمْ شَيْئًا وَلَا يَمْلِك لَكُمْ ضُرًّا وَلَا نَفْعًا .
فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَسورة يونس الآية رقم 32
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَذَلِكُمْ اللَّه رَبّكُمْ الْحَقّ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِخَلْقِهِ : أَيّهَا النَّاس , فَهَذَا الَّذِي يَفْعَل هَذِهِ الْأَفْعَال , فَيَرْزُقكُمْ مِنْ السَّمَاء وَالْأَرْض وَيَمْلِك السَّمْع وَالْأَبْصَار , وَيُخْرِج الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّت وَالْمَيِّتَ مِنْ الْحَيّ , وَيُدَبِّر الْأَمْرَ ; { اللَّه رَبّكُمْ الْحَقّ } لَا شَكَّ فِيهِ .

يَقُول : فَأَيّ شَيْء سِوَى الْحَقّ إِلَّا الضَّلَال وَهُوَ الْجَوْر عَنْ قَصْد السَّبِيل . يَقُول : فَإِذَا كَانَ الْحَقّ هُوَ ذَا , فَادِّعَاؤُكُمْ غَيْره إِلَهًا وَرَبًّا هُوَ الضَّلَال وَالذَّهَاب عَنْ الْحَقّ لَا شَكَّ فِيهِ .

يَقُول : فَأَيّ وَجْه عَنْ الْهُدَى وَالْحَقّ تُصْرَفُونَ وَسِوَاهُمَا تَسْلُكُونَ وَأَنْتُمْ مُقِرُّونَ بِأَنَّ الَّذِي تُصْرَفُونَ عَنْهُ هُوَ الْحَقّ .
كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُواْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَسورة يونس الآية رقم 33
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبّك عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : كَمَا قَدْ صُرِفَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ عَنْ الْحَقّ إِلَى الضَّلَال , { كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَة رَبّك } يَقُول : وَجَبَ عَلَيْهِمْ قَضَاؤُهُ وَحُكْمه فِي السَّابِق مِنْ عِلْمه , { عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا } فَخَرَجُوا مِنْ طَاعَة رَبّهمْ إِلَى مَعْصِيَته وَكَفَرُوا بِهِ ; { أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } يَقُول : لَا يُصَدِّقُونَ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّه وَلَا بِنُبُوَّةِ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَسورة يونس الآية رقم 34
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدهُ قُلْ اللَّه يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدهُ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { قُلْ } يَا مُحَمَّد { هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ } يَعْنِي مِنْ الْآلِهَة وَالْأَوْثَان { مَنْ يَبْدَأ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدهُ } ؟ يَقُول : مَنْ يُنْشِئ خَلْق شَيْء مِنْ غَيْر أَصْل , فَيُحْدِث خَلْقَهُ اِبْتِدَاء ثُمَّ يُعِيدهُ , يَقُول : ثُمَّ يُفْنِيه بَعْد إِنْشَائِهِ , ثُمَّ يُعِيدهُ كَهَيْئَتِهِ قَبْل أَنْ يُفْنِيَهُ ؟ فَإِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى دَعْوَى ذَلِكَ لَهَا . وَفِي ذَلِكَ الْحُجَّة الْقَاطِعَة وَالدَّلَالَة الْوَاضِحَة عَلَى أَنَّهُمْ فِي دَعْوَاهُمْ أَنَّهَا أَرْبَاب وَهِيَ لِلَّهِ فِي الْعِبَادَة شُرَكَاء كَاذِبُونَ مُفْتَرُونَ . فَـ { قُلْ } لَهُمْ حِينَئِذٍ يَا مُحَمَّد : { اللَّه يَبْدَأ الْخَلْقَ } فَيُنْشِئُهُ مِنْ غَيْر شَيْء وَيُحْدِثهُ مِنْ غَيْر أَصْل ثُمَّ يُفْنِيه إِذَا شَاءَ , { ثُمَّ يُعِيدهُ } إِذَا أَرَادَ كَهَيْئَتِهِ قَبْل الْفَنَاء .

{ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ } يَقُول : فَأَيّ وَجْه عَنْ قَصْد السَّبِيل وَطَرِيق الرُّشْد تُصْرَفُونَ وَتُقْلَبُونَ . كَمَا : 13689 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن : { فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ } قَالَ : أَنَّى تُصْرَفُونَ . وَقَدْ بَيَّنَّا اِخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ فِي تَأْوِيل قَوْله : { أَنَّى تُؤْفَكُونَ } وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا بِشَوَاهِدِهِ فِي سُورَة الْأَنْعَام .
قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّي إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَسورة يونس الآية رقم 35
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقّ قُلْ اللَّه يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقّ أَحَقّ أَنْ يُتَّبَع أَمْ مَنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { قُلْ } يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ { هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ } الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه , وَذَلِكَ آلِهَتهمْ وَأَوْثَانهمْ , { مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقّ } يَقُول : مَنْ يُرْشِد ضَالًّا مِنْ ضَلَالَته إِلَى قَصْد السَّبِيل , وَيُسَدِّد جَائِرًا عَنْ الْهُدَى إِلَى وَاضِح الطَّرِيق الْمُسْتَقِيم ; فَإِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يَدَّعُوا أَنَّ آلِهَتَهُمْ وَأَوْثَانَهُمْ تُرْشِد ضَالًّا أَوْ تَهْدِي حَائِرًا . وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إِنْ اِدَّعَوْا ذَلِكَ لَهَا أَكَذَبَتْهُمْ الْمُشَاهَدَة وَأَبَانَ عَجْزهَا عَنْ ذَلِكَ الِاخْتِبَار بِالْمُعَايَنَةِ , فَإِذَا قَالُوا لَا وَأَقَرُّوا بِذَلِكَ , فَقُلْ لَهُمْ . فَاَللَّه يَهْدِي الضَّالَّ عَنْ الْهُدَى إِلَى الْحَقّ . { أَفَمَنْ يَهْدِي } أَيّهَا الْقَوْم ضَالًّا { إِلَى الْحَقّ } وَجَائِرًا عَنْ الرُّشْد إِلَى الرُّشْد , { أَحَقّ أَنْ يُتَّبَع } إِلَى مَا يَدْعُو إِلَيْهِ { أَمْ مَنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى } ؟ وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ . فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة : " أَمْ مَنْ لَا يَهْدِّي " بِتَسْكِينِ الْهَاء وَتَشْدِيد الدَّال , فَجَمَعُوا بَيْن سَاكِنَيْنِ . وَكَأَنَّ الَّذِي دَعَاهُمْ إِلَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ وَجَّهُوا أَصْل الْكَلِمَة إِلَى أَنَّهُ : أَمْ مَنْ لَا يَهْتَدِي , وَوَجَدُوهُ فِي خَطّ الْمُصْحَف بِغَيْرِ مَا قَرَّرُوا وَأَنَّ التَّاء حُذِفَتْ لَمَّا أُدْغِمَتْ فِي الدَّال , فَأَقَرُّوا الْهَاء سَاكِنَة عَلَى أَصْلِهَا الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ , وَشَدَّدُوا الدَّالَ طَلَبًا لِإِدْغَامِ التَّاء فِيهَا , فَاجْتَمَعَ بِذَلِكَ سُكُون الْهَاء وَالدَّال . وَكَذَلِكَ فَعَلُوا فِي قَوْلِهِ : { وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُّوا فِي السَّبْت } 4 154 وَفِي قَوْله : { يَخِصّمُون } 36 49 وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء أَهْل مَكَّة وَالشَّام وَالْبَصْرَة : " يَهَدِّي " بِفَتْحِ الْهَاء وَتَشْدِيد الدَّال . وَأَمُّوا مَا أَمَّهُ الْمَدَنِيُّونَ مِنْ الْكَلِمَة , غَيْر أَنَّهُمْ نَقَلُوا حَرَكَة التَّاء مِنْ " يَهْتَدِي " إِلَى الْهَاء السَّاكِنَة , فَحَرَّكُوا بِحَرَكَتِهَا , وَأَدْغَمُوا التَّاء فِي الدَّال فَشَدَّدُوهَا . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء الْكُوفَة : " يَهِدِّي " بِفَتْحِ الْيَاء وَكَسْر الْهَاء وَتَشْدِيد الدَّال , بِنَحْوِ مَا قَصَدَهُ قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة ; غَيْر أَنَّهُ كَسَرَ الْهَاء لِكِسْرَةِ الدَّال مِنْ " يَهْتَدِي " اِسْتِثْقَالًا لِلْفَتْحَةِ بَعْدهَا كَسْرَة فِي حَرْف وَاحِد . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : " أَمْ مَنْ لَا يَهْدِي " بِتَسْكِينِ الْهَاء وَتَخْفِيف الدَّال , وَقَالُوا : إِنَّ الْعَرَب تَقُول : هَدَيْت بِمَعْنَى اِهْتَدَيْت , قَالُوا : فَمَعْنَى قَوْله : { أَمْ مَنْ لَا يَهِدِّي } : أَمْ مَنْ لَا يَهْتَدِي { إِلَّا أَنْ يُهْدَى } . وَأَوْلَى الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : " أَمْ مَنْ لَا يَهَدِّي " بِفَتْحِ الْهَاء وَتَشْدِيد الدَّال , لِمَا وَصَفْنَا مِنْ الْعِلَّة لِقَارِئِ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَدْفَع صِحَّته ذُو عِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب وَفِيهِمْ الْمُنْكَر غَيْره , وَأَحَقّ الْكَلَام أَنْ يُقْرَأ بِأَفْصَحِ اللُّغَات الَّتِي نَزَلَ بِهَا كَلَام اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذًا : أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقّ أَحَقّ أَنْ يُتَّبَع أَمْ مَنْ لَا يَهْتَدِي إِلَى شَيْء إِلَّا أَنْ يُهْدَى . وَكَانَ بَعْض أَهْل التَّأْوِيل يَزْعُم أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : أَمْ مَنْ لَا يَقْدِر أَنْ يَنْتَقِل عَنْ مَكَانه إِلَّا أَنْ يُنْقَل . وَكَانَ مُجَاهِد يَقُول فِي تَأْوِيل ذَلِكَ مَا : 13690 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقّ أَحَقّ أَنْ يُتَّبَع أَمْ مَنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى } قَالَ : الْأَوْثَان , اللَّه يَهْدِي مِنْهَا , وَمِنْ غَيْرهَا مَنْ شَاءَ لِمَنْ شَاءَ . 13691 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى } قَالَ : قَالَ : الْوَثَن .

وَقَوْله : { فَمَا لَكُمْ كَيْف تَحْكُمُونَ } أَلَا تَعْلَمُونَ أَنَّ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقّ أَحَقّ أَنْ يُتَّبَع مِنْ الَّذِي لَا يَهْتَدِي إِلَى شَيْء إِلَّا أَنْ يَهْدِيَهُ إِلَيْهِ هَادٍ غَيْره , فَتَتْرُكُوا اِتِّبَاع مَنْ لَا يَهْتَدِي إِلَى شَيْء وَعِبَادَته وَتَتَّبِعُوا مَنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَات الْبَرّ وَالْبَحْر وَتُخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَة فَتُفْرِدُوهُ بِهَا وَحْده دُون مَا تُشْرِكُونَهُ فِيهَا مِنْ آلِهَتكُمْ وَأَوْثَانكُمْ ؟
وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَسورة يونس الآية رقم 36
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { وَمَا يَتَّبِع أَكْثَرهمْ إِلَّا ظَنًّا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَا يَتَّبِع أَكْثَر هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ إِلَّا ظَنًّا , يَقُول : إِلَّا مَا لَا عِلْم لَهُمْ بِحَقِيقَتِهِ وَصِحَّته , بَلْ هُمْ مِنْهُ فِي شَكّ وَرِيبَة .

يَقُول : إِنَّ الشَّكّ لَا يُغْنِي مِنْ الْيَقِين شَيْئًا , وَلَا يَقُوم فِي شَيْء مَقَامه , وَلَا يُنْتَفَع بِهِ حَيْثُ يُحْتَاج إِلَى الْيَقِين .

يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ اللَّه ذُو عِلْم بِمَا يَفْعَل هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ اِتِّبَاعهمْ الظَّنّ وَتَكْذِيبهمْ الْحَقّ الْيَقِين , وَهُوَ لَهُمْ بِالْمِرْصَادِ , حَيْثُ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ ظَنّهمْ مِنْ اللَّه شَيْئًا .
وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللَّهِ وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَسورة يونس الآية رقم 37
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُون اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَا يَنْبَغِي لِهَذَا الْقُرْآن أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُون اللَّه , يَقُول : مَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَخَرَّصهُ أَحَد مِنْ عِنْد غَيْر اللَّه , وَذَلِكَ نَظِير قَوْله : { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُغَلَّ } 3 161 بِمَعْنَى : مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّهُ أَصْحَابه . وَإِنَّمَا هَذَا خَبَر مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ هَذَا الْقُرْآن مِنْ عِنْده أَنْزَلَهُ إِلَى مُحَمَّد عَبْده , وَتَكْذِيب مِنْهُ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا : هُوَ شِعْر وَكِهَانَة . وَاَلَّذِينَ قَالُوا : إِنَّمَا يَتَعَلَّمهُ مُحَمَّد مِنْ يَعِيش الرُّومِيّ . يَقُول لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : مَا كَانَ هَذَا الْقُرْآن لِيَخْتَلِقَهُ أَحَد مِنْ عِنْد غَيْر اللَّه , لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْدِر عَلَيْهِ أَحَد مِنْ الْخَلْق .

يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَكِنَّهُ مِنْ عِنْد اللَّه أَنْزَلَهُ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ; أَيْ لِمَا قَبْلَهُ مِنْ الْكُتُب الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى أَنْبِيَاء اللَّه كَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيل وَغَيْرهمَا مِنْ كُتُب اللَّه الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى أَنْبِيَائِهِ .

يَقُول : وَتِبْيَان الْكِتَاب الَّذِي كَتَبَهُ اللَّه عَلَى أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَفَرَائِضه الَّتِي فَرَضَهَا عَلَيْهِمْ فِي السَّابِق مِنْ عِلْمه .

يَقُول : لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ تَصْدِيق الَّذِي بَيْن يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَاب وَتَفْصِيل الْكِتَاب مِنْ عِنْد رَبّ الْعَالَمِينَ , لَا اِفْتِرَاء مِنْ عِنْد غَيْره وَلَا اِخْتِلَاق .
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَسورة يونس الآية رقم 38
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَمْ يَقُولُونَ اِفْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْله } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَمْ يَقُول هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ : اِفْتَرَى مُحَمَّد هَذَا الْقُرْآن مِنْ نَفْسه , فَاخْتَلَقَهُ وَافْتَعَلَهُ . قُلْ يَا مُحَمَّد لَهُمْ : إِنْ كَانَ كَمَا تَقُولُونَ إِنِّي اِخْتَلَقْته وَافْتَرَيْته , فَإِنَّكُمْ مِثْلِي مِنْ الْعَرَب , وَلِسَانِي وَكَلَامِي مِثْل لِسَانكُمْ , فَجِيئُوا بِسُورَةٍ مِثْل هَذَا الْقُرْآن . وَالْهَاء فِي قَوْله " مِثْله " كِنَايَة عَنْ الْقُرْآن . وَقَدْ كَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة يَقُول : مَعْنَى ذَلِكَ : قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْل سُورَته , ثُمَّ أُلْقِيَتْ " سُورَة " وَأُضِيف الْمِثْل إِلَى مَا كَانَ مُضَافًا إِلَيْهِ السُّورَة , كَمَا قِيلَ : { وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ } 12 82 يُرَاد بِهِ : وَاسْأَلْ أَهْلَ الْقَرْيَة . وَكَانَ بَعْضهمْ يُنْكِر ذَلِكَ مِنْ قَوْله وَيَزْعُم أَنَّ مَعْنَاهُ : فَأْتُوا بِقُرْآنٍ مِثْل هَذَا الْقُرْآن . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ السُّورَةَ إِنَّمَا هِيَ سُورَة مِنْ الْقُرْآن , وَهِيَ قُرْآن , وَإِنْ لَمْ تَكُنْ جَمِيع الْقُرْآن , فَقِيلَ لَهُمْ : { فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْله } وَلَمْ يَقُلْ : " مِثْلهَا " , لِأَنَّ الْكِنَايَة أُخْرِجَتْ عَلَى الْمَعْنَى , أَعْنِي مَعْنَى السُّورَة , لَا عَلَى لَفْظهَا , لِأَنَّهَا لَوْ أُخْرِجَتْ عَلَى لَفْظهَا لَقِيلَ : فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلهَا .

يَقُول : وَادْعُوا أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلهَا مَنْ قَدَرْتُمْ أَنْ تَدْعُوا عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَوْلِيَائِكُمْ وَشُرَكَائِكُمْ

يَقُول : مِنْ عِنْد غَيْر اللَّه , فَأَجْمِعُوا عَلَى ذَلِكَ وَاجْتَهِدُوا , فَإِنَّكُمْ لَا تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْله أَبَدًا .
وَقَوْله : { إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } يَقُول : إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِي أَنَّ مُحَمَّدًا اِفْتَرَاهُ , فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْله مِنْ جَمِيع مَنْ يُعِينكُمْ عَلَى الْإِتْيَان بِهَا , فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا ذَلِكَ فَلَا شَكَّ أَنَّكُمْ كَذَبَة فِي زَعْمكُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا اِفْتَرَاهُ ; لِأَنَّ مُحَمَّدًا لَنْ يَعْدُوَ أَنْ يَكُونَ بَشَرًا مِثْلَكُمْ , فَإِذَا عَجَزَ الْجَمِيع مِنْ الْخَلْق أَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْله , فَالْوَاحِد مِنْهُمْ عَنْ أَنْ يَأْتِيَ بِجَمِيعِهِ أَعْجَز .
بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَسورة يونس الآية رقم 39
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيله } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَا بِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَا مُحَمَّد تَكْذِيبك , وَلَكِنْ بِهِمْ التَّكْذِيب { بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ } مِمَّا أَنْزَلَ اللَّه عَلَيْك فِي هَذَا الْقُرْآن مِنْ وَعِيدهمْ عَلَى كُفْرهمْ بِرَبِّهِمْ , { وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيله } يَقُول : وَلَمَّا يَأْتِهِمْ بَعْد بَيَان مَا يَئُول إِلَيْهِ ذَلِكَ الْوَعِيد الَّذِي تَوَعَّدَهُمْ اللَّه فِي هَذَا الْقُرْآن .

يَقُول تَعَالَى ذِكْره : كَمَا كَذَّبَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ يَا مُحَمَّد بِوَعِيدِ اللَّه , كَذَلِكَ كَذَّبَ الْأُمَم الَّتِي خَلَتْ قَبْلَهُمْ بِوَعِيدِ اللَّه إِيَّاهُمْ عَلَى تَكْذِيبهمْ رُسُلهمْ وَكُفْرهمْ بِرَبِّهِمْ .

يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَانْظُرْ يَا مُحَمَّد كَيْف كَانَ عُقْبَى كُفْر مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ , أَلَمْ نُهْلِكْ بَعْضَهُمْ بِالرَّجْفَةِ وَبَعْضهمْ بِالْخَسْفِ وَبَعْضَهُمْ بِالْغَرَقِ ؟ يَقُول : فَإِنَّ عَاقِبَة هَؤُلَاءِ الَّذِين يُكَذِّبُونَك وَيَجْحَدُونَ بِآيَاتِي مِنْ كُفَّار قَوْمك , كَاَلَّتِي كَانَتْ عَاقِبَة . مَنْ قَبْلَهُمْ مِنْ كَفَرَة الْأُمَم , إِنْ لَمْ يُنِيبُوا مِنْ كُفْرهمْ وَيُسَارِعُوا إِلَى التَّوْبَة .
وَمِنْهُم مَّن يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُم مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَسورة يونس الآية رقم 40
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِن بِهِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمِنْ قَوْمك يَا مُحَمَّد مِنْ قُرَيْش مَنْ سَوْفَ يُؤْمِن بِهِ , يَقُول : مَنْ سَوْفَ يُصَدِّق بِالْقُرْآنِ , وَيُقِرّ أَنَّهُ مِنْ عِنْد اللَّه .

{ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِن بِهِ } يَقُول : وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُصَدِّق بِهِ , وَلَا يُقِرّ أَبَدًا .

{ وَرَبّك أَعْلَم بِالْمُفْسِدِينَ } يَقُول : وَاَللَّه أَعْلَم بِالْمُكَذِّبِينَ بِهِ مِنْهُمْ , الَّذِينَ لَا يُصَدِّقُونَ بِهِ أَبَدًا مِنْ كُلّ أَحَد لَا يَخْفَى عَلَيْهِ , وَهُوَ مِنْ وَرَاءِ عِقَابه . فَأَمَّا مَنْ كَتَبْت لَهُ أَنْ يُؤْمِنَ بِهِ مِنْهُمْ فَإِنِّي سَأَتُوبُ عَلَيْهِ .
وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَسورة يونس الآية رقم 41
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ كَذَّبُوك فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَإِنْ كَذَّبُوك يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ وَرَدُّوا عَلَيْك مَا جِئْتهمْ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّك , فَقُلْ لَهُمْ : أَيّهَا الْقَوْم لِي دِينِي وَعَمَلِي وَلَكُمْ دِينكُمْ وَعَمَلكُمْ , لَا يَضُرّنِي عَمَلكُمْ وَلَا يَضُرّكُمْ عَمَلِي , وَإِنَّمَا يُجَازِي كُلّ عَامِل عَمَله .

{ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَل } لَا تُؤَاخَذُونَ بِجَرِيرَتِهِ , { وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ } لَا أُؤَاخَذ بِجَرِيرَةِ عَمَلكُمْ . وَهَذَا كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { قُلْ يَا أَيّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُد مَا تَعْبُدُونَ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُد } . 109 1 : 3 وَقِيلَ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَة مَنْسُوخَة , نَسَخَهَا الْجِهَاد وَالْأَمْر بِالْقِتَالِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13692 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَإِنْ كَذَّبُوك فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ } . . . الْآيَة , قَالَ : أَمَرَهُ بِهَذَا ثُمَّ نَسَخَهُ , وَأَمَرَهُ بِجِهَادِهِمْ .
وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَسورة يونس الآية رقم 42
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْك } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَمِنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَى قَوْلِك .

يَقُول : أَفَأَنْت تَخْلُق لَهُمْ السَّمْع وَلَوْ كَانُوا لَا سَمْعَ لَهُمْ يَعْقِلُونَ بِهِ , أَمْ أَنَا ؟ وَإِنَّمَا هَذَا إِعْلَام مِنْ اللَّه عِبَاده أَنَّ التَّوْفِيقَ لِلْإِيمَانِ بِهِ بِيَدِهِ لَا إِلَى أَحَد سِوَاهُ , يَقُول لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَمَا أَنَّك لَا تَقْدِر أَنْ تُسْمِعَ يَا مُحَمَّد مَنْ سَلَبْته السَّمْع , فَكَذَلِكَ لَا تَقْدِر أَنْ تُفْهِم أَمْرِي وَنَهْيِي قَلْبًا سَلَبْته فَهْمَ ذَلِكَ , لِأَنِّي خَتَمْت عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُؤْمِن .
وَمِنْهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَسورة يونس الآية رقم 43
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُر } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمِنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ , مُشْرِكِي قَوْمك , مَنْ يَنْظُر إِلَيْك يَا مُحَمَّد وَيَرَى إِعْلَامَك وَحُجَجَك عَلَى نُبُوَّتِك , وَلَكِنَّ اللَّه قَدْ سَلَبَهُ التَّوْفِيقَ فَلَا يَهْتَدِي , وَلَا تَقْدِر أَنْ تَهْدِيَهُ , كَمَا لَا تَقْدِر أَنْ تُحْدِث لِلْأَعْمَى بَصَرًا يَهْتَدِي بِهِ .

يَقُول : أَفَأَنْت يَا مُحَمَّد تُحْدِث لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَنْظُرُونَ إِلَيْك وَإِلَى أَدِلَّتك وَحُجَجك فَلَا يُوَفَّقُونَ لِلتَّصْدِيقِ بِك أَبْصَارًا لَوْ كَانُوا عُمْيًا يَهْتَدُونَ بِهَا وَيُبْصِرُونَ ؟ فَكَمَا أَنَّك لَا تُطِيق ذَلِكَ , وَلَا تَقْدِر عَلَيْهِ وَلَا غَيْرك , وَلَا يَقْدِر عَلَيْهِ أَحَد سِوَايَ , فَكَذَلِكَ لَا تَقْدِر عَلَى أَنْ تُبَصِّرَهُمْ سَبِيل الرَّشَاد , أَنْتَ وَلَا أَحَد غَيْرِي , لِأَنَّ ذَلِكَ بِيَدَيَّ وَإِلَيَّ . وَهَذَا مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره تَسْلِيَة لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ جَمَاعَة مِمَّنْ كَفَرَ بِهِ مِنْ قَوْمه وَأَدْبَرَ عَنْهُ فَكَذَّبَ , وَتَعْزِيَة لَهُ عَنْهُمْ , وَأَمْر بِرَفْعِ طَمَعه مِنْ إِنَابَتهمْ إِلَى الْإِيمَان بِاَللَّهِ .
إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَسورة يونس الآية رقم 44
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِم النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ اللَّه لَا يَفْعَل بِخَلْقِهِ مَا لَا يَسْتَحِقُّونَ مِنْهُ , لَا يُعَاقِبهُمْ إِلَّا بِمَعْصِيَتِهِمْ إِيَّاهُ , وَلَا يُعَذِّبهُمْ إِلَّا بِكُفْرِهِمْ بِهِ ; { وَلَكِنَّ النَّاسَ } يَقُول : وَلَكِنَّ النَّاسَ هُمْ الَّذِينَ يَظْلِمُونَ أَنْفُسَهُمْ بِاحْتِرَامِهِمْ مَا يُورِثهَا غَضَبَ اللَّه وَسَخَطه . وَإِنَّمَا هَذَا إِعْلَام مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ , أَنَّهُ لَمْ يَسْلُب هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ الْإِيمَان اِبْتِدَاء مِنْهُ بِغَيْرِ جُرْم سَلَفَ مِنْهُمْ , وَإِخْبَار أَنَّهُ إِنَّمَا سَلَبَهُمْ ذَلِكَ بِاسْتِحْقَاقٍ مِنْهُمْ سَلْبه لِذُنُوبٍ اِكْتَسَبُوهَا , فَحَقَّ عَلَيْهِمْ قَوْل رَبّهمْ , { وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبهمْ }
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللَّهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَسورة يونس الآية رقم 45
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَوْمَ يَحْشُرهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَة مِنْ النَّهَار يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَيَوْم نَحْشُر هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ فَنَجْمَعهُمْ فِي مَوْقِف الْحِسَاب , كَأَنَّهُمْ كَانُوا قَبْل ذَلِكَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَة مِنْ نَهَار يَتَعَارَفُونَ فِيمَا بَيْنهمْ , ثُمَّ اِنْقَطَعَتْ الْمَعْرِفَة وَانْقَضَتْ تِلْكَ السَّاعَة .

يَقُول اللَّه : { قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّه وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ } , قَدْ غُبِنَ الَّذِينَ جَحَدُوا ثَوَابَ اللَّه وَعِقَابه وَحُظُوظهمْ مِنْ الْخَيْر وَهَلَكُوا .

يَقُول : وَمَا كَانُوا مُوَفَّقِينَ لِإِصَابَةِ الرُّشْد مِمَّا فَعَلُوا مِنْ تَكْذِيبهمْ بِلِقَاءِ اللَّه لِأَنَّهُ أَكْسَبَهُمْ ذَلِكَ مَا لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهِ مِنْ عَذَاب اللَّه .
وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَسورة يونس الآية رقم 46
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ يَا مُحَمَّد فِي حَيَاتِك بَعْضَ الَّذِي نَعِد هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمك مِنْ الْعَذَاب , أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ قَبْل أَنْ نُرِيَك ذَلِكَ فِيهِمْ . كَمَا : 13693 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدهُمْ } مِنْ الْعَذَاب فِي حَيَاتك , { أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ } قَبْلُ , { فَإِلَيْنَا مَرْجِعهمْ } * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوه . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله .

يَقُول : فَصَيْرهمْ بِكُلِّ حَال إِلَيْنَا وَمُنْقَلَبهمْ .

يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ ثُمَّ أَنَا شَاهِد عَلَى أَفْعَالهمْ الَّتِي كَانُوا يَفْعَلُونَهَا فِي الدُّنْيَا , وَأَنَا عَالِم بِهَا لَا يَخْفَى عَلَيَّ شَيْء مِنْهَا , وَأَنَا مُجَازِيهمْ بِهَا عِنْد مَصِيرهمْ إِلَيَّ وَمَرْجِعهمْ جَزَاءَهُمْ الَّذِي يَسْتَحِقُّونَهُ .
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَسورة يونس الآية رقم 47
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلِكُلِّ أُمَّة رَسُول } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلِكُلِّ أُمَّة خَلَتْ قَبْلكُمْ أَيّهَا النَّاس رَسُول أَرْسَلْته إِلَيْهِمْ , كَمَا أَرْسَلْت مُحَمَّدًا إِلَيْكُمْ يَدْعُونَ مَنْ أَرْسَلْتهمْ إِلَيْهِمْ إِلَى دِين اللَّه وَطَاعَته .

يَعْنِي , فِي الْآخِرَة ; كَمَا 13694 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن حَجَّاج , عَنْ مُجَاهِد : { وَلِكُلِّ أُمَّة رَسُول فَإِذَا جَاءَ رَسُولهمْ } قَالَ : يَوْم الْقِيَامَة .

وَقَوْله : { قُضِيَ بَيْنهمْ بِالْقِسْطِ } يَقُول قُضِيَ حِينَئِذٍ بَيْنهمْ بِالْعَدْلِ { وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } مِنْ جَزَاء أَعْمَالهمْ شَيْئًا , وَلَكِنْ يُجَازِي الْمُحْسِنَ بِإِحْسَانِهِ , وَالْمُسِيء مِنْ أَهْل الْإِيمَان إِمَّا أَنْ يُعَاقِبَهُ اللَّه , وَإِمَّا أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ , وَالْكَافِر يَخْلُد فِي النَّار ; فَذَلِكَ قَضَاء اللَّه بَيْنهمْ بِالْعَدْلِ , وَذَلِكَ لَا شَكَّ عَدْل لَا ظُلْم . 13695 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { قَضَى بَيْنهمْ بِالْقِسْطِ } قَالَ : بِالْعَدْلِ .
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَسورة يونس الآية رقم 48
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْد إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَيَقُول هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قَوْمك يَا مُحَمَّد { مَتَى هَذَا الْوَعْد } الَّذِي تَعِدنَا أَنَّهُ يَأْتِينَا مِنْ عِنْد اللَّه ؟ وَذَلِكَ قِيَام السَّاعَة ; { إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أَنْتَ وَمَنْ تَبِعَك فِيمَا تَعِدُونَنَا بِهِ مِنْ ذَلِكَ .
قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا إِلاَّ مَا شَاء اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَسورة يونس الآية رقم 49
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ لَا أَمْلِك لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قُلْ يَا مُحَمَّد لِمُسْتَعْجِلِيك وَعِيدَ اللَّه , الْقَائِلِينَ لَك : مَتَى يَأْتِينَا الْوَعْد الَّذِي تَعِدنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ : { لَا أَمْلِك لِنَفْسِي } أَيّهَا الْقَوْم ; أَيْ لَا أَقْدِر لَهَا عَلَى ضَرّ وَلَا نَفْع فِي دُنْيَا وَلَا دِين إِلَّا مَا شَاءَ اللَّه أَنْ أَمْلِكهُ فَأَجْلِبهُ إِلَيْهَا بِإِذْنِهِ . يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لَهُمْ : فَإِذَا كُنْت لَا أَقْدِر عَلَى ذَلِكَ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَأَنَا عَنْ الْقُدْرَة عَلَى الْوُصُول إِلَى عِلْم الْغَيْب وَمَعْرِفَة قِيَام السَّاعَة أَعْجَز وَأَعْجَز , إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ وَإِذْنه لِي فِي ذَلِكَ .

يَقُول : لِكُلِّ قَوْم مِيقَات لِانْقِضَاءِ مُدَّتهمْ وَأَجَلهمْ , فَإِذَا جَاءَ وَقْت اِنْقِضَاء أَجَلهمْ وَفَنَاء أَعْمَارهمْ , لَا يَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَة فَيُمْهِلُونَ وَيُؤَخِّرُونَ , وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ قَبْل ذَلِكَ ; لِأَنَّ اللَّه قَضَى أَنْ لَا يَتَقَدَّم ذَلِكَ قَبْل الْحِين الَّذِي قَدَّرَهُ وَقَضَاهُ .
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَسورة يونس الآية رقم 50
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابه بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِل مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمك : أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَاب اللَّه بَيَاتًا , يَقُول : لَيْلًا أَوْ نَهَارًا , وَجَاءَتْ السَّاعَة , وَقَامَتْ الْقِيَامَة أَتَقْدِرُونَ عَلَى دَفْع ذَلِكَ عَنْ أَنْفُسكُمْ ؟ يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره : مَاذَا يَسْتَعْجِل مِنْ نُزُول الْعَذَاب الْمُجْرِمُونَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاَللَّهِ , وَهُمْ الصَّالُون بِحَرِّهِ دُونَ غَيْرهمْ , ثُمَّ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى دَفْعه عَنْ أَنْفُسهمْ .
أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنتُم بِهِ آلآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَسورة يونس الآية رقم 51
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْلِهِ تَعَالَى : { أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَهُنَالِكَ إِذَا وَقَعَ عَذَاب اللَّه بِكُمْ أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ آمَنْتُمْ بِهِ , يَقُول : صَدَّقْتُمْ بِهِ فِي حَال لَا يَنْفَعكُمْ فِيهَا التَّصْدِيق , وَقِيلَ لَكُمْ حِينَئِذٍ : آلْآنَ تُصَدِّقُونَ بِهِ , وَقَدْ كُنْتُمْ قَبْل الْآن بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ , وَأَنْتُمْ بِنُزُولِهِ مُكَذِّبُونَ ! فَذُوقُوا الْآن مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ . وَمَعْنَى قَوْله : { أَثُمَّ } فِي هَذَا الْمَوْضِع : أَهُنَالِكَ وَلَيْسَتْ " ثُمَّ " هَذِهِ هَاهُنَا الَّتِي تَأْتِي بِمَعْنَى الْعَطْف .
ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَسورة يونس الآية رقم 52
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَاب الْخُلْد هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا } أَنْفُسهمْ بِكُفْرِهِمْ بِاَللَّهِ : { ذُوقُوا عَذَاب الْخُلْد } تَجَرَّعُوا عَذَاب اللَّه الدَّائِم لَكُمْ أَبَدًا , الَّذِي لَا فَنَاء لَهُ وَلَا زَوَال . { هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ } يَقُول : يُقَال لَهُمْ : فَانْظُرُوا { هَلْ تُجْزَوْنَ } أَيْ هَلْ تُثَابُونَ { إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ } ؟ يَقُول : إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فِي حَيَاتكُمْ قَبْل مَمَاتكُمْ مِنْ مَعَاصِي اللَّه .
وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَسورة يونس الآية رقم 53
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَسْتَنْبِئُونَك أَحَقّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَيَسْتَخْبِرك هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قَوْمك يَا مُحَمَّد فَيَقُولُونَ لَك . أَحَقّ مَا تَقُول وَمَا تَعِدنَا بِهِ مِنْ عَذَاب اللَّه فِي الدَّار الْآخِرَة جَزَاء عَلَى مَا كُنَّا نَكْسِب مِنْ مَعَاصِي اللَّه فِي الدُّنْيَا ؟ قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّد إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقّ لَا شَكَّ فِيهِ , وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِي اللَّه إِذَا أَرَادَ ذَلِكَ بِكُمْ بِهَرَبٍ أَوْ اِمْتِنَاع , بَلْ أَنْتُمْ فِي قَبْضَته وَسُلْطَانه وَمُلْكه , إِذَا أَرَادَ فِعْل ذَلِكَ بِكُمْ , فَاتَّقُوا اللَّه فِي أَنْفُسكُمْ !
وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّواْ النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَسورة يونس الآية رقم 54
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْس ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْض لَافْتَدَتْ بِهِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْس كَفَرَتْ بِاَللَّهِ . وَظُلْمهَا فِي هَذَا الْمَوْضِع : عِبَادَتهَا غَيْر مَنْ يَسْتَحِقّ عِبَادَة وَتَرْكهَا طَاعَة مَنْ يَجِب عَلَيْهَا طَاعَته . { مَا فِي الْأَرْض } مِنْ قَلِيل أَوْ كَثِير , { لَافْتَدَتْ بِهِ } يَقُول : لَافْتَدَتْ بِذَلِكَ كُلّه مِنْ عَذَاب اللَّه إِذَا عَايَنَتْهُ .

وَقَوْله : { وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوْا الْعَذَابَ } يَقُول : وَأَخْفَتْ رُؤَسَاء هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ وُضَعَائِهِمْ وَسَفَلَتهمْ النَّدَامَة حِين أَبْصَرُوا عَذَابَ اللَّه قَدْ أَحَاطَ بِهِمْ , وَأَيْقَنُوا أَنَّهُ وَاقِع بِهِمْ .

يَقُول : وَقَضَى اللَّه يَوْمَئِذٍ بَيْنَ الْأَتْبَاع وَالرُّؤَسَاء مِنْهُمْ بِالْعَدْلِ .

وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُعَاقِب أَحَدًا مِنْهُمْ إِلَّا بِجَرِيرَتِهِ وَلَا يَأْخُذهُ بِذَنْبِ أَحَد وَلَا يُعَذِّب إِلَّا مَنْ قَدْ أَعْذَرَ إِلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَأَنْذَرَ وَتَابَعَ عَلَيْهِ الْحُجَج .
أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَلاَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَسورة يونس الآية رقم 55
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض } يَقُول جَلَّ ذِكْره : أَلَا إِنَّ كُلّ مَا فِي السَّمَاوَات وَكُلّ مَا فِي الْأَرْض مِنْ شَيْء لِلَّهِ مِلْك , لَا شَيْءَ فِيهِ لِأَحَدٍ سِوَاهُ . يَقُول : فَلَيْسَ لِهَذَا الْكَافِر بِاَللَّهِ يَوْمَئِذٍ شَيْء يَمْلِكهُ فَيَفْتَدِي بِهِ مِنْ عَذَاب رَبّه , وَإِنَّمَا الْأَشْيَاء كُلّهَا لِلَّذِي إِلَيْهِ عِقَابه , وَلَوْ كَانَتْ لَهُ الْأَشْيَاء الَّتِي هِيَ فِي الْأَرْض ثُمَّ اِفْتَدَى بِمَا لَمْ يَقْبَل مِنْهُ بَدَلًا مِنْ عَذَابه فَيَصْرِف بِهَا عَنْهُ الْعَذَاب , فَكَيْف , وَهُوَ لَا شَيْءَ لَهُ يُفْتَدَى بِهِ مِنْهُ , وَقَدْ حَقَّ عَلَيْهِ عَذَاب اللَّه .

يَقُول اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { أَلَا إِنَّ وَعْد اللَّه حَقّ } يَعْنِي : إِنَّ عَذَابَهُ الَّذِي أَوْعَدَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى كُفْرهمْ حَقّ , فَلَا عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَسْتَعْجِلُوا بِهِ فَإِنَّهُ بِهِمْ وَاقِع لَا شَكَّ .

{ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } يَقُول : وَلَكِنَّ أَكْثَرَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ لَا يَعْلَمُونَ حَقِيقَة وُقُوع ذَلِكَ بِهِمْ , فَهُمْ مِنْ أَجْل جَهْلهمْ بِهِ مُكَذِّبُونَ .
هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَسورة يونس الآية رقم 56
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { هُوَ يُحْيِي وَيُمِيت وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ اللَّه هُوَ الْمُحْيِي الْمُمِيت لَا يَتَعَذَّر عَلَيْهِ فِعْل مَا أَرَادَ فِعْله مِنْ إِحْيَاء هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ إِذَا أَرَادَ إِحْيَاءَهُمْ بَعْدَ مَمَاتهمْ وَلَا إِمَاتَتهمْ إِذَا أَرَادَ ذَلِكَ , وَهُمْ إِلَيْهِ يَصِيرُونَ بَعْدَ مَمَاتهمْ فَيُعَايِنُونَ مَا كَانُوا بِهِ مُكَذِّبِينَ مِنْ وَعِيد اللَّه وَعِقَابه .
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَسورة يونس الآية رقم 57
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا النَّاس قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَة مِنْ رَبّكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِخَلْقِهِ : { يَا أَيّهَا النَّاس قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَة مِنْ رَبّكُمْ } يَعْنِي ذِكْرَى تُذَكِّركُمْ عَذَابَ اللَّه وَتُخَوِّفكُمْ وَعِيدَهُ مِنْ رَبّكُمْ . يَقُول : مِنْ عِنْد رَبّكُمْ لَمْ يَخْتَلِقهَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَفْتَعِلهَا أَحَد , فَتَقُولُوا : لَا نَأْمَن أَنْ تَكُونَ لَا صِحَّةَ لَهَا . وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْقُرْآنَ , وَهُوَ الْمَوْعِظَة مِنْ اللَّه .

وَقَوْله : { وَشِفَاء لِمَا فِي الصُّدُور } يَقُول : وَدَوَاء لِمَا فِي الصُّدُور مِنْ الْجَهْل , يَشْفِي بِهِ اللَّه جَهْل الْجُهَّال , فَيُبَرِّئ بِهِ دَاءَهُمْ وَيَهْدِي بِهِ مِنْ خَلْقه مَنْ أَرَادَ هِدَايَتَهُ بِهِ .
{ وَهُدًى } يَقُول : وَهُوَ بَيَان لِحَلَالِ اللَّه وَحَرَامه , وَدَلِيل عَلَى طَاعَته وَمَعْصِيَته .

{ وَرَحْمَة } يَرْحَم بِهَا مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقه , فَيُنْقِذهُ بِهِ مِنْ الضَّلَالَة إِلَى الْهُدَى , وَيُنْجِيه بِهِ مِنْ الْهَلَاك وَالرَّدَى . وَجَعَلَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَحْمَة لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ دُون الْكَافِرِينَ بِهِ ; لِأَنَّ مَنْ كَفَرَ بِهِ فَهُوَ عَلَيْهِ عَمًى , وَفِي الْآخِرَة جَزَاؤُهُ عَلَى الْكُفْر بِهِ الْخُلُود فِي لَظًى .
قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَسورة يونس الآية رقم 58
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ بِفَضْلِ اللَّه وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْر مِمَّا يَجْمَعُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { قُلْ } يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِك وَبِمَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ عِنْد رَبّك : { بِفَضْلِ اللَّه } أَيّهَا النَّاس الَّذِي تَفَضَّلَ بِهِ عَلَيْكُمْ , وَهُوَ الْإِسْلَام , فَبَيَّنَهُ لَكُمْ وَدَعَاكُمْ إِلَيْهِ , { وَبِرَحْمَتِهِ } الَّتِي رَحِمَكُمْ بِهَا , فَأَنْزَلَهَا إِلَيْكُمْ , فَعَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ مِنْ كِتَابه , وَبَصَّرَكُمْ بِهَا مَعَالِم دِينكُمْ ; وَذَلِكَ الْقُرْآن . { فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْر مِمَّا يَجْمَعُونَ } يَقُول : فَإِنَّ الْإِسْلَامَ الَّذِي دَعَاهُمْ إِلَيْهِ وَالْقُرْآن الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَيْهِمْ خَيْر مِمَّا يَجْمَعُونَ مِنْ حُطَام الدُّنْيَا وَأَمْوَالهَا وَكُنُوزهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13696 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن الْحَسَن الْأَزْدِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْحَجَّاج , عَنْ عَطِيَّة , عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ , فِي قَوْله : { قُلْ بِفَضْلِ اللَّه وَرَحْمَته فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا } قَالَ : بِفَضْلِ اللَّه الْقُرْآن وَبِرَحْمَتِهِ أَنْ جَعَلَكُمْ مِنْ أَهْله . 13697 - حَدَّثَنِي , يَحْيَى بْن طَلْحَة الْيَرْبُوعِيّ , قَالَ : ثَنَا فُضَيْل , عَنْ مَنْصُور , عَنْ هِلَال بْن يَسَاف : { قُلْ بِفَضْلِ اللَّه وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا } قَالَ : بِالْإِسْلَامِ الَّذِي هَدَاكُمْ , وَبِالْقُرْآنِ الَّذِي عَلَّمَكُمْ . 13698 - حَدَّثَنَا أَبُو هِشَام الرِّفَاعِيّ , قَالَ : ثَنَا اِبْن يَمَان , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ هِلَال بْن يَسَاف : { قُلْ بِفَضْلِ اللَّه وَبِرَحْمَتِهِ } قَالَ : بِالْإِسْلَامِ وَالْقُرْآن : { فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْر مِمَّا يَجْمَعُونَ } مِنْ الذَّهَب وَالْفِضَّة . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ هِلَال بْن يَسَاف , فِي قَوْله : { قُلْ بِفَضْلِ اللَّه وَبِرَحْمَتِهِ } قَالَ : فَضْل اللَّه : الْإِسْلَام , وَرَحْمَته : الْقُرْآن . * - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثَنَا زَيْد , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ هِلَال بْن يَسَاف , فِي قَوْله : { قُلْ بِفَضْلِ اللَّه وَبِرَحْمَتِهِ } قَالَ : الْإِسْلَام وَالْقُرْآن . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو نُعَيْم وَقَبِيصَة , قَالَا : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ هِلَال بْن يَسَاف مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ هِلَال , مِثْله . 13699 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { قُلْ بِفَضْلِ اللَّه وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا } أَمَّا فَضْله : فَالْإِسْلَام , وَأَمَّا رَحْمَته : فَالْقُرْآن . 13700 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن : { قُلْ بِفَضْلِ اللَّه وَبِرَحْمَتِهِ } قَالَ : فَضْله : الْإِسْلَام , وَرَحْمَته : الْقُرْآن . 13701 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { قُلْ بِفَضْلِ اللَّه وَبِرَحْمَتِهِ } قَالَ : الْقُرْآن . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { وَبِرَحْمَتِهِ } قَالَ : الْقُرْآن . 13702 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { هُوَ خَيْر مِمَّا يَجْمَعُونَ } قَالَ : الْأَمْوَال وَغَيْرهَا . 13703 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن دَاوُدَ , قَالَ : ثَنِي أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { قُلْ بِفَضْلِ اللَّه وَبِرَحْمَتِهِ } يَقُول : فَضْله : الْإِسْلَام , وَرَحْمَته : الْقُرْآن . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ هِلَال : { قُلْ بِفَضْلِ اللَّه وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا } قَالَ : بِكِتَابِ اللَّه وَبِالْإِسْلَامِ . { هُوَ خَيْر مِمَّا يَجْمَعُونَ } وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ الْفَضْل : الْقُرْآن , وَالرَّحْمَة : الْإِسْلَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13704 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { قُلْ بِفَضْلِ اللَّه وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْر مِمَّا يَجْمَعُونَ } قَالَ : بِفَضْلِ اللَّه : الْقُرْآن , وَبِرَحْمَتِهِ : حِين جَعَلَهُمْ مِنْ أَهْل الْقُرْآن . 13705 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا جَعْفَر بْن عَوْن , قَالَ : ثَنَا هِشَام بْن سَعْد , عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ , قَالَ : فَضْل اللَّه : الْقُرْآن , وَرَحْمَته : الْإِسْلَام . 13706 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَوْله : { قُلْ بِفَضْلِ اللَّه وَبِرَحْمَتِهِ } قَالَ : بِفَضْلِ اللَّه : الْقُرْآن , وَبِرَحْمَتِهِ , الْإِسْلَام . 13707 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { قُلْ بِفَضْلِ اللَّه وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا } قَالَ : كَانَ أَبِي يَقُول : فَضْله : الْقُرْآن , وَرَحْمَته : الْإِسْلَام . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار : { فَلْيَفْرَحُوا } بِالْيَاءِ , { هُوَ خَيْر مِمَّا يَجْمَعُونَ } بِالْيَاءِ أَيْضًا عَلَى التَّأْوِيل الَّذِي تَأَوَّلْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ خَبَر عَنْ أَهْل الشِّرْك بِاَللَّهِ . يَقُول : فَبِالْإِسْلَامِ وَالْقُرْآن الَّذِي دَعَاهُمْ إِلَيْهِ فَلْيَفْرَحْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ , لَا بِالْمَالِ الَّذِي يَجْمَعُونَ , فَإِنَّ الْإِسْلَامَ وَالْقُرْآنَ خَيْر مِنْ الْمَال الَّذِي يَجْمَعُونَ . وَكَذَلِكَ : 13708 - حُدِّثْت عَنْ عَبْد الْوَهَّاب بْن عَطَاء , عَنْ هَارُون , عَنْ أَبِي التَّيَّاح : { فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْر مِمَّا يَجْمَعُونَ } يَعْنِي الْكُفَّار . وَرُوِيَ عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب فِي ذَلِكَ مَا : 13709 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَسْلَمَ الْمَنْقَرِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبْزَى , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : " فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا هُوَ خَيْر مِمَّا يَجْمَعُونَ " بِالتَّاءِ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم عَنْ الْأَجْلَح , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبْزَى , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب مِثْل ذَلِكَ . وَكَذَلِكَ كَانَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ يَقُول ; غَيْر أَنَّهُ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ كَانَ يَقْرَأ قَوْله : { هُوَ خَيْر مِمَّا يَجْمَعُونَ } بِالْيَاءِ ; الْأَوَّل عَلَى وَجْه الْخِطَاب , وَالثَّانِي عَلَى وَجْه الْخَبَر عَنْ غَائِب . وَكَانَ أَبُو جَعْفَر الْقَارِي فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ يَقْرَأ ذَلِكَ نَحْو قِرَاءَة أُبَيّ بِالتَّاءِ جَمِيعًا قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ مَا عَلَيْهِ قُرَّاء الْأَمْصَار مِنْ قِرَاءَة الْحَرْفَيْنِ جَمِيعًا بِالْيَاءِ : { فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْر مِمَّا يَجْمَعُونَ } لِمَعْنَيَيْنِ : أَحَدهمَا : إِجْمَاع الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهِ , وَالثَّانِي : صِحَّته فِي الْعَرَبِيَّة . وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ لَا تَكَاد تَأْمُر الْمُخَاطَب بِاللَّامِ وَالتَّاء , وَإِنَّمَا تَأْمُرهُ فَتَقُول اِفْعَلْ , وَلَا تَفْعَل . وَبَعْد : فَإِنِّي لَا أَعْلَم أَحَدًا مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّة إِلَّا وَهُوَ يَسْتَرْدِئُ أَمْر الْمُخَاطَب بِاللَّامِ , وَيَرَى أَنَّهَا لُغَة مَرْغُوب عَنْهَا غَيْر الْفَرَّاء , فَإِنَّهُ كَانَ يَزْعُم أَنَّ اللَّام فِي ذِي التَّاء الَّذِي خُلِقَ لَهُ وَاجَهْت بِهِ أَمْ لَمْ تُوَاجِهْ , إِلَّا أَنَّ الْعَرَب حَذَفَتْ اللَّامَ مِنْ فِعْل الْمَأْمُور الْمُوَاجِه لِكَثْرَةِ الْأَمْر خَاصَّة فِي كَلَامهمْ , كَمَا حَذَفُوا التَّاء مِنْ الْفِعْل . قَالَ : وَأَنْتَ تَعْلَم أَنَّ الْجَازِم وَالنَّاصِب لَا يَقَعَانِ إِلَّا عَلَى الْفِعْل الَّذِي أَوَّله الْيَاء وَالتَّاء وَالنُّون وَالْأَلِف , فَلَمَّا حُذِفَتْ التَّاء ذَهَبَتْ اللَّام وَأُحْدِثَتْ الْأَلِف فِي قَوْلِك : اِضْرِبْ وَافْرَحْ , لِأَنَّ الْفَاءَ سَاكِنَة , فَلَمْ يَسْتَقِمْ أَنْ يُسْتَأْنَفَ بِحَرْفٍ سَاكِنٍ , فَأَدْخَلُوا أَلِفًا خَفِيفَة يَقَع بِهَا الِابْتِدَاء , كَمَا قَالَ : { ادَّارَكُوا } 7 38 وَ { اِثَّاقَلْتُمْ } 9 38 وَهَذَا الَّذِي اِعْتَلَّ بِهِ الْفَرَّاء عَلَيْهِ لَا لَهُ ; وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ إِنْ كَانَتْ قَدْ حَذَفَتْ اللَّامَ فِي الْمُوَاجِه وَتَرَكَتْهَا , فَلَيْسَ لِغَيْرِهَا إِذَا نَطَقَ بِكَلَامِهَا أَنْ يُدْخِل فِيهَا مَا لَيْسَ مِنْهُ مَا دَامَ مُتَكَلِّمًا بِلُغَتِهَا , فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ خَارِجًا عَنْ لُغَتهَا , وَكَلَام اللَّه الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى مُحَمَّد بِلِسَانِهَا , فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتْلُوَهُ إِلَّا بِالْأَفْصَحِ مِنْ كَلَامِهَا , وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بَعْض ذَلِكَ مِنْ لُغَة بَعْضهَا , فَكَيْف بِمَا لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ مِنْ لُغَة حَيّ وَلَا قَبِيلَة مِنْهَا ؟ وَإِنَّمَا هُوَ دَعْوَى لَا ثَبْتَ بِهَا وَلَا حُجَّة .
قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَسورة يونس الآية رقم 59
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّه لَكُمْ مِنْ رِزْق فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّه أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّه تَفْتَرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { قُلْ } يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ : { أَرَأَيْتُمْ } أَيّهَا النَّاس { مَا أَنْزَلَ اللَّه لَكُمْ مِنْ رِزْق } يَقُول : مَا خَلَقَ اللَّه لَكُمْ مِنْ الرِّزْق فَخَوَّلَكُمُوهُ , وَذَلِكَ مَا تَتَغَذَّوْنَ بِهِ مِنْ الْأَطْعِمَة ; { فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا } يَقُول : فَحَلَّلْتُمْ بَعْض ذَلِكَ لِأَنْفُسِكُمْ , وَحَرَّمْتُمْ بَعْضه عَلَيْهَا ; وَذَلِكَ كَتَحْرِيمِهِمْ مَا كَانُوا يُحَرِّمُونَهُ مِنْ حُرُوثِهِمْ الَّتِي كَانُوا يَجْعَلُونَهَا لِأَوْثَانِهِمْ , كَمَا وَصَفَهُمْ اللَّه بِهِ فَقَالَ : { وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنْ الْحَرْث وَالْأَنْعَام نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا } 6 136 وَمِنْ الْأَنْعَام مَا كَانُوا يُحَرِّمُونَهُ بِالتَّبْحِيرِ وَالتَّسْيِيبِ وَنَحْو ذَلِكَ , مِمَّا قَدَّمْنَاهُ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا . يَقُول اللَّه لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد { آللَّه أَذِنَ لَكُمْ } بِأَنْ تُحَرِّمُوا مَا حَرَّمْتُمْ مِنْهُ { أَمْ عَلَى اللَّه تَفْتَرُونَ } : أَيْ تَقُولُونَ الْبَاطِل وَتَكْذِبُونَ ؟ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13710 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : إِنَّ أَهْل الْجَاهِلِيَّة كَانُوا يُحَرِّمُونَ أَشْيَاء أَحَلَّهَا اللَّه مِنْ الثِّيَاب وَغَيْرهَا , وَهُوَ قَوْل اللَّه : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّه لَكُمْ مِنْ رِزْق فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا } وَهُوَ هَذَا , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّه الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ } ... 7 32 الْآيَة . 13711 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبَى , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّه لَكُمْ مِنْ رِزْق فَجَعَلْتُمْ } ... إِلَى قَوْله : { أَمْ عَلَى اللَّه تَفْتَرُونَ } قَالَ : هُمْ أَهْل الشِّرْك . 13712 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا } قَالَ : الْحَرْث وَالْأَنْعَام . قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَالَ مُجَاهِد : الْبَحَائِر وَالسُّيَّب . 13713 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا } قَالَ : فِي الْبَحِيرَة وَالسَّائِبَة . 13714 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّه لَكُمْ مِنْ رِزْق فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا } ... الْآيَة , يَقُول : كُلّ رِزْق لَمْ أُحَرِّم حَرَّمْتُمُوهُ عَلَى أَنْفُسكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ وَأَمْوَالكُمْ وَأَوْلَادكُمْ { آللَّه أَذِنَ لَكُمْ } فِيمَا حَرَّمْتُمْ مِنْ ذَلِكَ { أَمْ عَلَى اللَّه تَفْتَرُونَ } ؟ 13715 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّه لَكُمْ مِنْ رِزْق فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا } فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { أَمْ عَلَى اللَّه تَفْتَرُونَ } وَقَرَأَ { وَقَالُوا مَا فِي بُطُون هَذِهِ الْأَنْعَام خَالِصَة لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّم عَلَى أَزْوَاجنَا } 6 139 وَقَرَأَ : { وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَام وَحَرْث حِجْر } حَتَّى بَلَغَ : { لَا يَذْكُرُونَ اِسْم اللَّه عَلَيْهَا } 6 138 فَقَالَ : هَذَا قَوْله : جَعَلَ لَهُمْ رِزْقًا , فَجَعَلُوا مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا , وَحَرَّمُوا بَعْضَهُ وَأَحَلُّوا بَعْضَهُ . وَقَرَأَ : { ثَمَانِيَةَ أَزْوَاج مِنْ الضَّأْن اِثْنَيْنِ وَمِنْ الْمَعْز اِثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمْ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ مَا اِشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَام الْأُنْثَيَيْنِ } أَيّ هَذَيْنِ حَرَّمَ عَلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَقُولُونَ وَأَحَلَّ لِهَؤُلَاءِ ؟ { نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } 6 143 { أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاء إِذْ وَصَّاكُمْ اللَّه بِهَذَا } ... 6 144 إِلَى آخِر الْآيَات . 13716 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّه لَكُمْ مِنْ رِزْق فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا } هُوَ الَّذِي قَالَ اللَّه : { وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنْ الْحَرْث وَالْأَنْعَام نَصِيبًا } ... إِلَى قَوْله : { سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } . 6 136
وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَسورة يونس الآية رقم 60
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّه الْكَذِب يَوْم الْقِيَامَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَا ظَنّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَتَخَرَّصُونَ عَلَى اللَّه الْكَذِبَ فَيُضِيفُونَ إِلَيْهِ تَحْرِيم مَا لَمْ يُحَرِّمهُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْأَرْزَاق وَالْأَقْوَات الَّتِي جَعَلَهَا اللَّه لَهُمْ غِذَاء , أَنَّ اللَّه فَاعِل بِهِمْ يَوْم الْقِيَامَة بِكَذِبِهِمْ وَفِرْيَتهمْ عَلَيْهِ , أَيَحْسَبُونَ أَنَّهُ يَصْفَح عَنْهُمْ وَيَغْفِر ؟ كَلَّا بَلْ يُصْلِيهِمْ سَعِيرًا خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا .

{ إِنَّ اللَّه لَذُو فَضْل عَلَى النَّاس } يَقُول : إِنَّ اللَّهَ لَذُو تَفَضُّل عَلَى خَلْقه بِتَرْكِهِ مُعَاجَلَة مَنْ اِفْتَرَى عَلَيْهِ الْكَذِب بِالْعُقُوبَةِ فِي الدُّنْيَا وَإِمْهَاله إِيَّاهُ إِلَى وُرُوده عَلَيْهِ فِي الْقِيَامَة .

{ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ } يَقُول : وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاس لَا يَشْكُرُونَهُ عَلَى تَفَضُّله عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ وَبِغَيْرِهِ مِنْ سَائِر نِعَمه .
الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4