وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا تَكُون فِي شَأْن وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآن وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَل إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَمَا تَكُون } يَا مُحَمَّد { فِي شَأْن } يَعْنِي فِي عَمَل مِنْ الْأَعْمَال , { وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآن } يَقُول : وَمَا تَقْرَأ مِنْ كِتَاب اللَّه مِنْ قُرْآن , { وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ } يَقُول : وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَل أَيّهَا النَّاس مِنْ خَيْر أَوْ شَرّ ; { إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا } يَقُول : إِلَّا وَنَحْنُ شُهُود لِأَعْمَالِكُمْ وَشُئُونكُمْ ; إِذْ تَعْمَلُونَهَا وَتَأْخُذُونَ فِيهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ رُوِيَ الْقَوْل عَنْ اِبْن عَبَّاس وَجَمَاعَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13717 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنْي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ } يَقُول إِذْ تَفْعَلُونَ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : إِذْ تُشِيعُونَ فِي الْقُرْآن الْكَذِب ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13718 - حُدِّثْت عَنْ الْمُسَيِّب بْن شَرِيك , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك : { إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ } يَقُول : فَتُشِيعُونَ فِي الْقُرْآن مِنْ الْكَذِب . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : إِذْ تُفِيضُونَ فِي الْحَقّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13719 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ } فِي الْحَقّ مَا كَانَ . * - قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَإِنَّمَا اِخْتَرْنَا الْقَوْل الَّذِي اِخْتَرْنَاهُ فِيهِ , لِأَنَّهُ تَعَالَى ذِكْره أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَعْمَل عِبَاده عَمَلًا إِلَّا كَانَ شَاهِدَهُ , ثُمَّ وَصَلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : { إِذْ يُفِيضُونَ فِيهِ } فَكَانَ مَعْلُومًا أَنَّ قَوْلَهُ : { إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ } إِنَّمَا هُوَ خَبَر مِنْهُ عَنْ وَقْت عَمَل الْعَامِلِينَ أَنَّهُ لَهُ شَاهِد لَا عَنْ وَقْت تِلَاوَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ خَبَرًا عَنْ شُهُوده تَعَالَى ذِكْره وَقْتَ إِضَافَة الْقَوْم فِي الْقُرْآن , لَكَانَتْ الْقِرَاءَة بِالْيَاءِ : " إِذْ يُفِيضُونَ فِيهِ " خَبَرًا مِنْهُ عَنْ الْمُكَذِّبِينَ فِيهِ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : لَيْسَ ذَلِكَ خَبَرًا عَنْ الْمُكَذِّبِينَ , وَلَكِنْ خِطَاب لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِد لَا جَمْع , كَمَا قَالَ : { وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآن } فَأَفْرَدَهُ بِالْخِطَابِ , وَلَكِنَّ ذَلِكَ فِي اِبْتِدَائِهِ خِطَابه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِفْرَادِ ثُمَّ عَوْده إِلَى إِخْرَاج الْخِطَاب عَلَى الْجَمْع نَظِير قَوْله : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ } 65 1 وَذَلِكَ أَنَّ فِي قَوْله : { إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ } دَلِيلًا وَاضِحًا عَلَى صَرْفه الْخِطَاب إِلَى جَمَاعَة الْمُسْلِمِينَ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ جَمَاعَة النَّاس غَيْره ; لِأَنَّهُ اِبْتَدَأَ خِطَابه ثُمَّ صَرَفَ الْخِطَاب إِلَى جَمَاعَة النَّاس , وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ , وَخَبَّرَ عَنْ أَنَّهُ لَا يَعْمَل أَحَد مِنْ عِبَاده عَمَلًا إِلَّا وَهُوَ لَهُ شَاهِد يُحْصِي عَلَيْهِ وَيَعْلَمهُ , كَمَا قَالَ : { وَمَا يَعْزُب عَنْ رَبّك } يَا مُحَمَّد عَمَلُ خَلْقِهِ , وَلَا يَذْهَب عَلَيْهِ عِلْم شَيْء حَيْثُ كَانَ مِنْ أَرْض أَوْ سَمَاء .
{ وَمَا يَعْزُب عَنْ رَبّك } يَا مُحَمَّد عَمَلُ خَلْقِهِ , وَلَا يَذْهَب عَلَيْهِ عِلْم شَيْء حَيْثُ كَانَ مِنْ أَرْض أَوْ سَمَاء . وَأَصْله مِنْ عُزُوب الرَّجُل عَنْ أَهْله فِي مَاشِيَته , وَذَلِكَ غِيبَته عَنْهُمْ فِيهَا , يُقَال مِنْهُ : عَزَبَ الرَّجُل عَنْ أَهْله يَعْزُب وَيَعْزِبُ لُغَتَانِ فَصَيْحَتَانِ , قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا جَمَاعَة مِنْ الْقُرَّاء . وَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب , لِاتِّفَاقِ مَعْنَيَيْهِمَا وَاسْتِفَاضَتهمَا فِي مَنْطِق الْعَرَب ; غَيْر أَنِّي أَمِيل إِلَى الضَّمّ فِيهِ لِأَنَّهُ أَغْلَب عَلَى الْمَشْهُورِينَ مِنْ الْقُرَّاء . " مِنْ مِثْقَال ذَرَّة فِي الْأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء " وَقَوْله : { مِنْ مِثْقَال ذَرَّة } يَعْنِي : مِنْ زِنَة نَمْلَة صَغِيرَة , يُحْكَى عَنْ الْعَرَب : خُذْ هَذَا فَإِنَّهُ أَخَفّ مِثْقَالًا مِنْ ذَاكَ ; أَيْ أَخَفّ وَزْنًا . وَالذَّرَّة وَاحِدَة الذَّرّ , وَالذَّرّ : صِغَار النَّمْل . وَذَلِكَ خَبَر عَنْ أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ جَلَّ جَلَاله أَصْغَر الْأَشْيَاء , وَإِنْ خَفَّ فِي الْوَزْن كُلّ الْخِفَّة , وَمَقَادِير ذَلِكَ وَمَبْلَغه , وَلَا أَكْبَرهَا وَإِنْ عَظُمَ وَثَقُلَ وَزْنه , وَكَمْ مَبْلَغ ذَلِكَ . يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِخَلْقِهِ : فَلْيَكُنْ عَمَلكُمْ أَيّهَا النَّاس فِيمَا يُرْضِي رَبّكُمْ عَنْكُمْ , فَإِنَّا شُهُود لِأَعْمَالِكُمْ , لَا يَخْفَى عَلَيْنَا شَيْء مِنْهَا , وَنَحْنُ مُحْصُوهَا وَمُجَازُوكُمْ بِهَا .
وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَلَا أَصْغَر مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَر } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة الْقُرَّاء بِفَتْحِ الرَّاء مِنْ " أَصْغَر " وَ " أَكْبَر " عَلَى أَنَّ مَعْنَاهَا الْخَفْض , عَطْفًا بِالْأَصْغَرِ عَلَى الذَّرَّة وَبِالْأَكْبَرِ عَلَى الْأَصْغَر , ثُمَّ فُتِحَتْ رَاؤُهُمَا لِأَنَّهُمَا لَا يَجْرِيَانِ . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض الْكُوفِيِّينَ : " وَلَا أَصْغَر مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَر " رَفْعًا , عَطْفًا بِذَلِكَ عَلَى مَعْنَى الْمِثْقَال ; لِأَنَّ مَعْنَاهُ الرَّفْع . وَذَلِكَ أَنَّ " مِنْ " لَوْ أُلْقِيَتْ مِنْ الْكَلَام لَرُفِعَ الْمِثْقَال , وَكَانَ الْكَلَام حِينَئِذٍ : وَمَا يَعْزُب عَنْ رَبّك مِثْقَالُ ذَرَّة وَلَا أَصْغَر مِنْ مِثْقَال ذَرَّة وَلَا أَكْبَر , وَذَلِكَ نَحْو قَوْله : { مِنْ خَالِق غَيْر اللَّه } 35 3 وَ " غَيْر اللَّه " وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ بِالْفَتْحِ عَلَى وَجْه الْخَفْض وَالرَّدّ عَلَى الذَّرَّة ; لِأَنَّ ذَلِكَ قِرَاءَة قُرَّاء الْأَمْصَار وَعَلَيْهِ عَوَامّ الْقُرَّاء , وَهُوَ أَصَحّ فِي الْعَرَبِيَّة مَخْرَجًا وَإِنْ كَانَ لِلْأُخْرَى وَجْه مَعْرُوف .
وَقَوْله : { إِلَّا فِي كِتَاب } يَقُول : وَمَا ذَاكَ كُلّه إِلَّا فِي كِتَاب عِنْد اللَّه مُبِين عَنْ حَقِيقَة خَبَر اللَّه لِمَنْ نَظَرَ فِيهِ أَنَّهُ لَا شَيْء كَانَ أَوْ يَكُون إِلَّا وَقَدْ أَحْصَاهُ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِيهِ , وَأَنَّهُ لَا يَعْزُب عَنْ اللَّه عِلْم شَيْء مِنْ خَلْقه حَيْثُ كَانَ مِنْ سَمَائِهِ وَأَرْضه . 13720 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْلُهُ : { وَمَا يَعْزُب } يَقُول : لَا يَغِيب عَنْهُ . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي يَحْيَى , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَمَا يَعْزُب عَنْ رَبّك } قَالَ : مَا يَغِيب عَنْهُ .
{ وَمَا يَعْزُب عَنْ رَبّك } يَا مُحَمَّد عَمَلُ خَلْقِهِ , وَلَا يَذْهَب عَلَيْهِ عِلْم شَيْء حَيْثُ كَانَ مِنْ أَرْض أَوْ سَمَاء . وَأَصْله مِنْ عُزُوب الرَّجُل عَنْ أَهْله فِي مَاشِيَته , وَذَلِكَ غِيبَته عَنْهُمْ فِيهَا , يُقَال مِنْهُ : عَزَبَ الرَّجُل عَنْ أَهْله يَعْزُب وَيَعْزِبُ لُغَتَانِ فَصَيْحَتَانِ , قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا جَمَاعَة مِنْ الْقُرَّاء . وَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب , لِاتِّفَاقِ مَعْنَيَيْهِمَا وَاسْتِفَاضَتهمَا فِي مَنْطِق الْعَرَب ; غَيْر أَنِّي أَمِيل إِلَى الضَّمّ فِيهِ لِأَنَّهُ أَغْلَب عَلَى الْمَشْهُورِينَ مِنْ الْقُرَّاء . " مِنْ مِثْقَال ذَرَّة فِي الْأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء " وَقَوْله : { مِنْ مِثْقَال ذَرَّة } يَعْنِي : مِنْ زِنَة نَمْلَة صَغِيرَة , يُحْكَى عَنْ الْعَرَب : خُذْ هَذَا فَإِنَّهُ أَخَفّ مِثْقَالًا مِنْ ذَاكَ ; أَيْ أَخَفّ وَزْنًا . وَالذَّرَّة وَاحِدَة الذَّرّ , وَالذَّرّ : صِغَار النَّمْل . وَذَلِكَ خَبَر عَنْ أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ جَلَّ جَلَاله أَصْغَر الْأَشْيَاء , وَإِنْ خَفَّ فِي الْوَزْن كُلّ الْخِفَّة , وَمَقَادِير ذَلِكَ وَمَبْلَغه , وَلَا أَكْبَرهَا وَإِنْ عَظُمَ وَثَقُلَ وَزْنه , وَكَمْ مَبْلَغ ذَلِكَ . يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِخَلْقِهِ : فَلْيَكُنْ عَمَلكُمْ أَيّهَا النَّاس فِيمَا يُرْضِي رَبّكُمْ عَنْكُمْ , فَإِنَّا شُهُود لِأَعْمَالِكُمْ , لَا يَخْفَى عَلَيْنَا شَيْء مِنْهَا , وَنَحْنُ مُحْصُوهَا وَمُجَازُوكُمْ بِهَا .
وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَلَا أَصْغَر مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَر } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة الْقُرَّاء بِفَتْحِ الرَّاء مِنْ " أَصْغَر " وَ " أَكْبَر " عَلَى أَنَّ مَعْنَاهَا الْخَفْض , عَطْفًا بِالْأَصْغَرِ عَلَى الذَّرَّة وَبِالْأَكْبَرِ عَلَى الْأَصْغَر , ثُمَّ فُتِحَتْ رَاؤُهُمَا لِأَنَّهُمَا لَا يَجْرِيَانِ . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض الْكُوفِيِّينَ : " وَلَا أَصْغَر مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَر " رَفْعًا , عَطْفًا بِذَلِكَ عَلَى مَعْنَى الْمِثْقَال ; لِأَنَّ مَعْنَاهُ الرَّفْع . وَذَلِكَ أَنَّ " مِنْ " لَوْ أُلْقِيَتْ مِنْ الْكَلَام لَرُفِعَ الْمِثْقَال , وَكَانَ الْكَلَام حِينَئِذٍ : وَمَا يَعْزُب عَنْ رَبّك مِثْقَالُ ذَرَّة وَلَا أَصْغَر مِنْ مِثْقَال ذَرَّة وَلَا أَكْبَر , وَذَلِكَ نَحْو قَوْله : { مِنْ خَالِق غَيْر اللَّه } 35 3 وَ " غَيْر اللَّه " وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ بِالْفَتْحِ عَلَى وَجْه الْخَفْض وَالرَّدّ عَلَى الذَّرَّة ; لِأَنَّ ذَلِكَ قِرَاءَة قُرَّاء الْأَمْصَار وَعَلَيْهِ عَوَامّ الْقُرَّاء , وَهُوَ أَصَحّ فِي الْعَرَبِيَّة مَخْرَجًا وَإِنْ كَانَ لِلْأُخْرَى وَجْه مَعْرُوف .
وَقَوْله : { إِلَّا فِي كِتَاب } يَقُول : وَمَا ذَاكَ كُلّه إِلَّا فِي كِتَاب عِنْد اللَّه مُبِين عَنْ حَقِيقَة خَبَر اللَّه لِمَنْ نَظَرَ فِيهِ أَنَّهُ لَا شَيْء كَانَ أَوْ يَكُون إِلَّا وَقَدْ أَحْصَاهُ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِيهِ , وَأَنَّهُ لَا يَعْزُب عَنْ اللَّه عِلْم شَيْء مِنْ خَلْقه حَيْثُ كَانَ مِنْ سَمَائِهِ وَأَرْضه . 13720 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْلُهُ : { وَمَا يَعْزُب } يَقُول : لَا يَغِيب عَنْهُ . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي يَحْيَى , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَمَا يَعْزُب عَنْ رَبّك } قَالَ : مَا يَغِيب عَنْهُ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّه لَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَلَا إِنَّ أَنْصَارَ اللَّه لَا خَوْف عَلَيْهِمْ فِي الْآخِرَة مِنْ عِقَاب اللَّه ; لِأَنَّ اللَّهَ رَضِيَ عَنْهُمْ فَآمَنَهُمْ مِنْ عِقَابه , وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ عَلَى مَا فَاتَهُمْ مِنْ الدُّنْيَا . وَالْأَوْلِيَاء جَمْع وَلِيّ , وَهُوَ النَّصِير . وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيمَنْ يَسْتَحِقّ هَذَا الِاسْم , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُمْ قَوْم يُذْكَر اللَّه لِرُؤْيَتِهِمْ لِمَا عَلَيْهِمْ مِنْ سِيمَا الْخَيْر وَالْإِخْبَات . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13721 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثَنَا اِبْن يَمَان , قَالَ : ثَنَا اِبْن أَبِي لَيْلَى , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مِقْسَم , وَسَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّه لَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } قَالَ : الَّذِينَ يُذْكَر اللَّه لِرُؤْيَتِهِمْ . 13722 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَأَبُو هِشَام قَالَا : ثَنَا اِبْن يَمَان , عَنْ أَشْعَث بْن إِسْحَاق , عَنْ جَعْفَر بْن أَبِي الْمُغِيرَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِثْله . 13723 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ الْعَلَاء بْن الْمُسَيِّب , عَنْ أَبِي الضُّحَى , مِثْله . 13724 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا جَرِير , عَنْ الْعَلَاء بْن الْمُسَيِّب , عَنْ أَبِيهِ : { أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاء اللَّه لَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } قَالَ : الَّذِينَ يُذْكَر اللَّه لِرُؤْيَتِهِمْ . * - قَالَ : ثَنَا اِبْن مَهْدِيّ وَعُبَيْد اللَّه , عَنْ سُفْيَان , عَنْ الْعَلَاء بْن الْمُسَيِّب , عَنْ أَبِي الضُّحَى , قَالَ : سَمِعْته يَقُول فِي هَذِهِ الْآيَة : { أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّه لَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } قَالَ : مِنْ النَّاس مَفَاتِيح أَذَا رُءُوا ذُكِرَ اللَّه لِرُؤْيَتِهِمْ . * - قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ مِسْعَر , عَنْ سَهْل أَبِي الْأَسَد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : سُئِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَوْلِيَاء اللَّه , فَقَالَ " الَّذِينَ إِذَا رُءُوا ذُكِرَ اللَّه " . 13725 - قَالَ : ثَنَا زَيْد بْن حُبَاب , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت , عَنْ أَبِي وَائِل , عَنْ عَبْد اللَّه : { أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّه لَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } قَالَ : الَّذِينَ إِذَا رُءُوا ذُكِرَ اللَّه لِرُؤْيَتِهِمْ . * - قَالَ : ثَنَا أَبُو يَزِيد الرَّازِيّ , عَنْ يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " هُمْ الَّذِينَ إِذَا رُءُوا ذُكِرَ اللَّه " . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا فُرَات , عَنْ أَبِي سَعْد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : سُئِلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَوْلِيَاء اللَّه , قَالَ : " هُمْ الَّذِينَ إِذَا رُءُوا ذُكِرَ اللَّه " . 13726 - قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْعَوَّام , عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي الْهُذَيْلِ فِي قَوْله : { أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّه لَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } ... الْآيَة , قَالَ : إِنَّ وَلِيّ اللَّه إِذَا رُئِيَ ذُكِرَ اللَّه . وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا : 13727 - حَدَّثَنَا أَبُو هَاشِم الرِّفَاعِيّ , قَالَ : ثَنَا اِبْن فُضَيْل , قَالَ : ثَنَا أَبِي عَنْ عُمَارَة بْن الْقَعْقَاع الضَّبِّيّ , عَنْ أَبِي زُرْعَة بْن عَمْرو بْن جَرِير الْبَجَلِيّ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ عِبَادًا يَغْبِطُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ " . قِيلَ : مَنْ هُمْ يَا رَسُول اللَّه , فَلَعَلَّنَا نُحِبّهُمْ ؟ قَالَ : " هُمْ قَوْم تَحَابُّوا فِي اللَّه مِنْ غَيْر أَمْوَال وَلَا أَنْسَاب , وُجُوههمْ مِنْ نُور , عَلَى مَنَابِر مِنْ نُور , لَا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاس , وَلَا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاس " ; وَقَرَأَ : { أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّه لَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } 13728 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا جَرِير , عَنْ عُمَارَة , عَنْ أَبِي زُرْعَة , عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ مِنْ عِبَاد اللَّه لَأُنَاسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاء , يَغْبِطهُمْ الْأَنْبِيَاء وَالشُّهَدَاء يَوْم الْقِيَامَة بِمَكَانِهِمْ مِنْ اللَّه " . قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه أَخْبِرْنَا مَنْ هُمْ , وَمَا أَعْمَالهمْ , فَإِنَّا نُحِبّهُمْ لِذَلِكَ ؟ قَالَ : " هُمْ قَوْم تَحَابُّوا فِي اللَّه بِرُوحِ اللَّه عَلَى غَيْر أَرْحَام بَيْنهمْ وَلَا أَمْوَال يَتَعَاطَوْنَهَا , فَوَاَللَّهِ إِنَّ وُجُوهَهُمْ لَنُور , وَإِنَّهُمْ لِعَلَى نُور , لَا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاس وَلَا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاس " . وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : { أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّه لَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } 13729 - حَدَّثَنَا بَحْر بْن نَصْر الْخَوْلَانِيّ , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن حَسَّان , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْحَمِيد بْن بَهْرَام , قَالَ : ثَنَا شَهْر بْن حَوْشَب , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن غَنْم , عَنْ أَبِي مَالِك الْأَشْعَرِيّ , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَأْتِي مِنْ أَفْنَاء النَّاس وَنَوَازِع الْقَبَائِل قَوْم لَمْ يَتَّصِل بَيْنهمْ أَرْحَام مُتَقَارِبَة , تَحَابُّوا فِي اللَّه وَتَصَافَوْا فِي اللَّه ; يَضَع اللَّه لَهُمْ يَوْم الْقِيَامَة مَنَابِر مِنْ نُور فَيُجْلِسهُمْ عَلَيْهَا , يَفْزَع النَّاس فَلَا يَفْزَعُونَ , وَهُمْ أَوْلِيَاء اللَّه الَّذِينَ لَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ " . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : الْوَلِيّ , أَعْنِي وَلِيّ اللَّه , هُوَ مَنْ كَانَ بِالصِّفَةِ الَّتِي وَصَفَهُ اللَّه بِهَا , وَهُوَ الَّذِي آمَنَ وَاتَّقَى , كَمَا قَالَ اللَّه { الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ } وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , كَانَ اِبْن زَيْد يَقُول : 13730 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ , أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاء اللَّه لَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } مَنْ هُمْ يَا رَبّ ؟ قَالَ : { الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ } قَالَ : أَبَى أَنْ يَتَقَبَّل الْإِيمَان إِلَّا بِالتَّقْوَى .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : الَّذِينَ صَدَقُوا لِلَّهِ وَرَسُوله , وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , وَكَانُوا يَتَّقُونَ اللَّه بِأَدَاءِ فَرَائِضه وَاجْتِنَاب مَعَاصِيه . وَقَوْله : { الَّذِينَ آمَنُوا } مِنْ نَعْت الْأَوْلِيَاء . وَمَعْنَى الْكَلَام : أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ , لَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَإِذَا كَانَ مَعْنَى الْكَلَام مَا ذَكَرْت عِنْدَك أَفِي مَوْضِع رَفْع " الَّذِينَ آمَنُوا " أَمْ فِي مَوْضِع نَصْب ؟ قِيلَ : فِي مَوْضِع رَفْع , وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِنْ نَعْت الْأَوْلِيَاء لِمَجِيئِهِ بَعْد خَبَر الْأَوْلِيَاء , وَالْعَرَب كَذَلِكَ تَفْعَل خَاصَّة فِي " إِنَّ " , إِذَا جَاءَ نَعْت الِاسْم الَّذِي عَمِلَتْ فِيهِ بَعْد تَمَام خَبَره رَفَعُوهُ , فَقَالُوا . إِنَّ أَخَاك قَائِم الظَّرِيفُ , كَمَا قَالَ اللَّه : { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِف بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوب } 34 48 وَكَمَا قَالَ : { إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْل النَّار } 38 64 وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي الْعِلَّة الَّتِي مِنْ أَجْلهَا قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , مَعَ أَنَّ إِجْمَاع جَمِيعهمْ عَلَى أَنَّ مَا قُلْنَاهُ هُوَ الصَّحِيح مِنْ كَلَام الْعَرَب ; وَلَيْسَ هَذَا مِنْ مَوَاضِع الْإِبَانَة عَنْ الْعِلَل الَّتِي مِنْ أَجْلهَا قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ .
لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : الْبُشْرَى مِنْ اللَّه فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة لِأَوْلِيَاءِ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْبُشْرَى الَّتِي بَشَّرَ اللَّه بِهَا هَؤُلَاءِ الْقَوْم مَا هِيَ , وَمَا صِفَتهَا ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا الرَّجُل الْمُسْلِم أَوْ تُرَى لَهُ , وَفِي الْآخِرَة الْجَنَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13731 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ شُعْبَة , عَنْ سُلَيْمَان , عَنْ ذَكْوَانَ , عَنْ شَيْخ , عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء , قَالَ : سَأَلْت رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَة : { لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة } قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا الْمُؤْمِن أَوْ تُرَى لَهُ " . 13732 - حَدَّثَنَا الْعَبَّاس بْن الْوَلِيد , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبِي , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْأَوْزَاعِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير , قَالَ : ثَنِي أَبُو سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : سَأَلَ عُبَادَة بْن الصَّامِت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عَنْ هَذِهِ الْآيَة : { الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة } فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَقَدْ سَأَلْتنِي عَنْ شَيْء مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَد قَبْلَك " , أَوْ قَالَ : " غَيْرُك " . قَالَ : " هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا الرَّجُل الصَّالِح , أَوْ تُرَى لَهُ . * - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو دَاوُدَ عَمَّنْ ذَكَرَهُ , عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير , عَنْ أَبِي سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ عُبَادَة بْن الصَّامِت , قَالَ : سَأَلْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عَنْ قَوْل اللَّه تَعَالَى : { الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة } فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا الْمُسْلِم أَوْ تُرَى لَهُ " * - حَدَّثَنَا أَبُو قِلَابَة , قَالَ : ثَنَا مُسْلِم , قَالَ : ثَنَا أَبَان , عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير , عَنْ أَبِي سَلَمَة , عَنْ عُبَادَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , نَحْوه . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى وَأَبُو عُثْمَان بْن عُمَر , قَالَا : ثَنَا عَلِيّ بْن يَحْيَى , عَنْ أَبِي سَلَمَة , قَالَ : نُبِّئْت أَنَّ عُبَادَة بْن الصَّامِت سَأَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَة : { لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة } فَقَالَ : " سَأَلْتنِي عَنْ شَيْء مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَد قَبْلَكَ ; هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا الرَّجُل أَوْ تُرَى لَهُ " . * - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ عَطَاء بْن يَسَار , عَنْ رَجُل مِنْ أَهْل مِصْر , عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء : { لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة } قَالَ : سَأَلَ رَجُل أَبَا الدَّرْدَاء عَنْ هَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ : لَقَدْ سَأَلْتنِي عَنْ شَيْء مَا سَمِعْت أَحَدًا سَأَلَ عَنْهُ بَعْد رَجُل سَأَلَ عَنْهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : " هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا الرَّجُل الْمُسْلِم أَوْ تُرَى لَهُ , بُشْرَاهُ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا , وَبُشْرَاهُ فِي الْآخِرَة الْجَنَّة " . * - حَدَّثَنِي سَعِيد بْن عَمْرو السُّكُونِيّ , قَالَ : ثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن الْمُنْكَدِر , عَنْ عَطَاء بْن يَسَار , عَنْ رَجُل مِنْ أَهْل مِصْر , قَالَ : سَأَلْت أَبَا الدَّرْدَاء عَنْ هَذِهِ الْآيَة : { لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة } فَقَالَ : مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَد مُنْذُ سَأَلْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُك , إِلَّا رَجُلًا وَاحِدًا ; سَأَلْت عَنْهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : " مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَد مُنْذُ أَنْزَلَهَا اللَّه غَيْرُك إِلَّا رَجُلًا وَاحِدًا , هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا الْمُسْلِم أَوْ تُرَى لَهُ " . * - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَبْد الْحَمِيد , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ اِبْن الْمُنْكَدِر , سَمِعَ عَطَاء بْن يَسَار , يُخْبِر عَنْ رَجُل مِنْ أَهْل مِصْر , أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا الدَّرْدَاء عَنْ : { لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة } ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو حَدِيث سَعِيد بْن عَمْرو السُّكُونِيّ , عَنْ عُثْمَان بْن سَعِيد . 13733 - حَدَّثَنِي أَبُو حُمَيْد الْحِمَّصِيّ أَحْمَد بْن الْمُغِيرَة , قَالَ : ثَنِي يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ : ثَنَا عُمَر بْن عَمْرو بْن عَبْدٍ الْأُخْمُوشِيّ , عَنْ حُمَيْد بْن عَبْد اللَّه الْمُزَنِيّ , قَالَ : أَتَى رَجُل عُبَادَة بْنَ الصَّامِت , فَقَالَ : آيَة فِي كِتَاب اللَّه أَسْأَلُك عَنْهَا , قَوْل اللَّه تَعَالَى : { لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة } ؟ فَقَالَ عُبَادَة : مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ قَبْلَك , سَأَلْت عَنْهَا رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مِثْل ذَلِكَ : " مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ قَبْلَك ; الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا الْعَبْد الْمُؤْمِن فِي الْمَنَام أَوْ تُرَى لَهُ " . 13734 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا أَبُو بَكْر , قَالَ : ثَنَا هِشَام , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الرُّؤْيَا الْحَسَنَة هِيَ الْبُشْرَى يَرَاهَا الْمُسْلِم , أَوْ تُرَى لَهُ " . 13735 - قَالَ : ثَنَا أَبُو بَكْر , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ أَبِي صَالِح , قَالَ : قَالَ أَبُو هُرَيْرَة : الرُّؤْيَا الْحَسَنَة بُشْرَى مِنْ اللَّه , وَهِيَ الْمُبَشِّرَات . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حَاتِم الْمُؤَدِّب , قَالَ : ثَنَا عَمَّار بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثَنَا الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } " الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا الْعَبْد الصَّالِح أَوْ تُرَى لَهُ , وَهِيَ فِي الْآخِرَة الْجَنَّة " . 13736 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن يَزِيد , قَالَ : ثَنَا رِشْدِين بْن سَعْد , عَنْ عَمْرو بْن الْحَارِث , عَنْ أَبِي الشَّيْخ , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن جُبَيْر , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاص , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } : " الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يُبَشَّر بِهَا الْعَبْد جُزْء مِنْ تِسْعَة وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّة " . 13737 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثَنَا مُوسَى بْن عُبَيْدَة , عَنْ أَيُّوب بْن خَالِد بْن صَفْوَان , عَنْ عُبَادَة بْن الصَّامِت , أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة } فَقَدْ عَرَفْنَا بُشْرَى الْآخِرَة , فَمَا بُشْرَى الدُّنْيَا ؟ قَالَ : الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا الْعَبْد أَوْ تُرَى لَهُ , وَهِيَ جُزْء مِنْ أَرْبَعَة وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا , أَوْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّة " . * - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثَنَا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَمْرو , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير , عَنْ أَبِي سَلَمَة , عَنْ عُبَادَة بْن الصَّامِت , أَنَّهُ سَأَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَة : { لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } فَقَالَ : " لَقَدْ سَأَلْتنِي عَنْ شَيْء مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي قَبْلَك ; هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا الْمُسْلِم أَوْ تُرَى لَهُ , وَفِي الْآخِرَة الْجَنَّة " . 13738 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن حَمَّاد الدُّولَابِيّ , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي يَزِيد , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ سِبَاع بْن ثَابِت , عَنْ أُمّ كُرْز الْكَعْبِيَّة , سَمِعْت رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " ذَهَبَتْ النُّبُوَّة وَبَقِيَتْ الْمُبَشِّرَات " . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عُيَيْنَةَ , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ ذَكْوَانَ , عَنْ رَجُل , عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فِي قَوْله : { لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } قَالَ : " الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا الْمُسْلِم أَوْ تُرَى لَهُ , وَفِي الْآخِرَة الْجَنَّة " . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ عَطَاء بْن يَسَار , عَنْ رَجُل كَانَ بِمِصْرَ , قَالَ : سَأَلْت أَبَا الدَّرْدَاء عَنْ هَذِهِ الْآيَة : { لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة } فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء : مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَد مُنْذُ سَأَلْت عَنْهَا رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ قَبْلَك ; هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا الْمُسْلِم أَوْ تُرَى لَهُ , وَفِي الْآخِرَة الْجَنَّة " . * - قَالَ : ثَنَا أَبُو بَكْر بْن عَيَّاش , عَنْ عَاصِم , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء , قَالَ : سَأَلْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْله : { لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة } قَالَ : " مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ غَيْرُك ; هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا الْمُسْلِم أَوْ تُرَى لَهُ " . * - قَالَ : ثَنَا جَرِير , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ عَطَاء بْن يَسَار , عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء فِي قَوْله : { لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة } قَالَ : سَأَلْت عَنْهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : " مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَد مِنْ قَبْلِك ; هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا الْعَبْد أَوْ تُرَى لَهُ , وَفِي الْآخِرَة الْجَنَّة " . * - قَالَ : ثَنَا اِبْن عُيَيْنَةَ , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن رَفِيع , عَنْ أَبِي صَالِح , قَالَ اِبْن عُيَيْنَةَ ; ثُمَّ سَمِعْته مِنْ عَبْد الْعَزِيز , عَنْ أَبِي صَالِح السَّمَّانِ , عَنْ عَطَاء بْن يَسَار , عَنْ رَجُل مِنْ أَهْل مِصْر , قَالَ : سَأَلْت أَبَا الدَّرْدَاء عَنْ هَذِهِ الْآيَة : { لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } قَالَ : مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَد مُنْذُ سَأَلْت عَنْهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : " مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَد مُنْذُ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ إِلَّا رَجُل وَاحِد ; هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا الرَّجُل أَوْ تُرَى لَهُ " . * - قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن بَكْر السَّهْمِيّ , عَنْ حَاتِم بْن أَبِي صَغِيرَة , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار : أَنَّهُ سَأَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْل مِصْر فَقِيهًا قَدِمَ عَلَيْهِمْ فِي بَعْض تِلْكَ الْمَوَاسِم , قَالَ : قُلْت : أَلَا تُخْبِرنِي عَنْ قَوْل اللَّه تَعَالَى : { لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } ؟ قَالَ : سَأَلْت عَنْهَا أَبَا الدَّرْدَاء , فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ سَأَلَ عَنْهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " هِيَ الرُّؤْيَا الْحَسَنَة يَرَاهَا الْعَبْد أَوْ تُرَى لَهُ " . * - قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ عَلِيّ بْن مُبَارَك , عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير , عَنْ أَبِي سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ عُبَادَة بْن الصَّامِت , قَالَ : سَأَلْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْل اللَّه تَعَالَى : { لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } قَالَ : " هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا الْعَبْد أَوْ تُرَى لَهُ " . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا مُسْلِم بْن إِبْرَاهِيم وَأَبُو الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ , قَالَا : ثَنَا أَبَان , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى , عَنْ أَبِي سَلَمَة , عَنْ عُبَادَة بْن الصَّامِت , قَالَ : قُلْت : يَا رَسُول اللَّه , قَالَ اللَّه تَعَالَى : { لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة } فَقَالَ : " لَقَدْ سَأَلَنِي عَنْ شَيْء مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ قَبْلَك أَوْ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي " قَالَ : " هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا الرَّجُل الصَّالِح أَوْ تُرَى لَهُ " . * - قَالَ : ثَنَا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثَنَا حَمَّاد بْن زَيْد , عَنْ عَاصِم بْن بَهْدَلَة , عَنْ أَبِي صَالِح , قَالَ : سَمِعْت أَبَا الدَّرْدَاء , وَسُئِلَ عَنْ : { الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } قَالَ : مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ قَبْلَك مُنْذُ سَأَلْت رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا , فَقَالَ : " مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ قَبْلَك ; هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا الْعَبْد أَوْ تُرَى لَهُ " . 13739 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي يَزِيد , عَنْ نَافِع بْن جُبَيْر , عَنْ رَجُل مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فِي قَوْله : { لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } قَالَ : " هِيَ الرُّؤْيَا الْحَسَنَة يَرَاهَا الْإِنْسَان أَوْ تُرَى لَهُ " . * - وَقَالَ : اِبْن جُرَيْج عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء , أَوْ اِبْن جُرَيْج عَنْ مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر , عَنْ عَطَاء بْن يَسَار , عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء , قَالَ : سَأَلْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا , فَقَالَ : " هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة " . وَقَالَ اِبْن جُرَيْج , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : هِيَ الرُّؤْيَا يَرَاهَا الرَّجُل . 13740 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير , قَالَ : هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا الْمُسْلِم أَوْ تُرَى لَهُ . 13741 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا عَبْدَة , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ : { لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } قَالَ : هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا الْعَبْد الصَّالِح . 13742 - قَالَ : ثَنَا اِبْن فُضَيْل , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا الْمُسْلِم أَوْ تُرَى لَهُ . 13743 - قَالَ : ثَنَا عَبْدَة بْن سُلَيْمَان , عَنْ طَلْحَة الْقَنَّاد , عَنْ جَعْفَر بْن أَبِي الْمُغِيرَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } قَالَ : هِيَ الرُّؤْيَا الْحَسَنَة يَرَاهَا الْعَبْد الْمُسْلِم لِنَفْسِهِ أَوْ لِبَعْضِ إِخْوَانه . 13744 - قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : كَانُوا يَقُولُونَ : الرُّؤْيَا مِنْ الْمُبَشِّرَات . 13745 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ قَيْس بْن سَعْد أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا , فَقَالَ : " مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَد مِنْ أُمَّتِي مُنْذُ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ قَبْلَك " . قَالَ : " هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا الرَّجُل لِنَفْسِهِ أَوْ تُرَى لَهُ " . 13746 - قَالَ : ثَنَا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ الْعَوَّام , عَنْ إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ , أَنَّ اِبْن مَسْعُود قَالَ : ذَهَبَتْ النُّبُوَّة , وَبَقِيَتْ الْمُبَشِّرَات , قِيلَ : وَمَا الْمُبَشِّرَات ؟ قَالَ : الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا الرَّجُل أَوْ تُرَى لَهُ . 13747 - قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } فَهُوَ قَوْله لِنَبِيِّهِ : { وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنْ اللَّه فَضْلًا كَبِيرًا } قَالَ : هِيَ الرُّؤْيَا الْحَسَنَة يَرَاهَا الْمُؤْمِن أَوْ تُرَى لَهُ . 13748 - قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن حَرْب , قَالَ : ثَنَا اِبْن لَهِيعَة , عَنْ خَالِد بْن يَزِيد , عَنْ عَطَاء , فِي قَوْله : { لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } قَالَ : هِيَ رُؤْيَا الرَّجُل الْمُسْلِم يُبَشَّر بِهَا فِي حَيَاته . * - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرو بْن الْحَارِث , أَنَّ دَرَّاجًا أَبَا السَّمْح حَدَّثَهُ عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن جُبَيْر , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } : " الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يُبَشَّر بِهَا الْمُؤْمِن جُزْء مِنْ سِتَّة وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّة " . * - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَنَس بْن عِيَاض , عَنْ هِشَام , عَنْ أَبِيهِ فِي هَذِهِ الْآيَة : { لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة } قَالَ : هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا الرَّجُل أَوْ تُرَى لَهُ . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَوْف , قَالَ : ثَنَا أَبُو الْمُغِيرَة , قَالَ : ثَنَا صَفْوَان , قَالَ : ثَنَا حُمَيْد بْن عَبْد اللَّه : أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عُبَادَة بْن الصَّامِت عَنْ قَوْل اللَّه تَعَالَى : { لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة } فَقَالَ عُبَادَة : لَقَدْ سَأَلْتنِي عَنْ أَمْر مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَد قَبْلَك , وَلَقَدْ سَأَلْت رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا سَأَلْتنِي فَقَالَ لِي : يَا عُبَادَة لَقَدْ سَأَلْتنِي عَنْ أَمْر مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَد مِنْ أُمَّتِي ; تِلْكَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا الْمُؤْمِن لِنَفْسِهِ أَوْ تُرَى لَهُ " . وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ بِشَارَة يُبَشَّر بِهَا الْمُؤْمِن فِي الدُّنْيَا عِنْد الْمَوْت . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13749 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ وَقَتَادَة : { لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } قَالَ : هِيَ الْبِشَارَة عِنْد الْمَوْت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا . 13750 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا يَعْلَى , عَنْ أَبِي بَسْطَام , عَنْ الضَّحَّاك : { لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } قَالَ : يَعْلَم أَيْنَ هُوَ قَبْلَ الْمَوْتِ . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي تَأْوِيل ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْره أَخْبَرَ أَنَّ لِأَوْلِيَائِهِ الْمُتَّقِينَ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا , وَمِنْ الْبِشَارَة فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا الْمُسْلِم أَوْ تُرَى لَهُ ; مِنْهَا بُشْرَى الْمَلَائِكَة إِيَّاهُ عِنْد خُرُوج نَفْسه بِرَحْمَةِ اللَّه , كَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ الْمَلَائِكَةَ الَّتِي تَحْضُرهُ عِنْدَ خُرُوج نَفْسه , تَقُول لِنَفْسِهِ : اُخْرُجِي إِلَى رَحْمَة اللَّه وَرِضْوَانه " . وَمِنْهَا : بُشْرَى اللَّه إِيَّاهُ مَا وَعَدَهُ فِي كِتَابه وَعَلَى لِسَان رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الثَّوَاب الْجَزِيل , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات أَنَّ لَهُمْ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار } ... 2 25 الْآيَة . وَكُلّ هَذِهِ الْمَعَانِي مِنْ بُشْرَى اللَّه إِيَّاهُ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا بَشَّرَهُ بِهَا , وَلَمْ يُخَصِّص اللَّه مِنْ ذَلِكَ مَعْنًى دُون مَعْنًى , فَذَلِكَ مِمَّا عَمَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ { لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } وَأَمَّا فِي الْآخِرَة فَالْجَنَّة .
وَأَمَّا قَوْله : { لَا تَبْدِيل لِكَلِمَاتِ اللَّه } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : إِنَّ اللَّهَ لَا خُلْف لِوَعْدِهِ وَلَا تَغْيِير لِقَوْلِهِ عَمَّا قَالَ ; وَلَكِنَّهُ يُمْضِي لِخَلْقِهِ مَوَاعِيدَهُ وَيُنْجِزهَا لَهُمْ . وَقَدْ : 13751 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثَنَا اِبْن عُلَيَّة عَنْ أَيُّوب , عَنْ نَافِع , قَالَ : أَطَالَ الْحَجَّاج الْخُطْبَة , فَوَضَعَ اِبْن عُمَر رَأْسَهُ فِي حِجْرِي , فَقَالَ الْحَجَّاج : إِنَّ اِبْن الزُّبَيْر بَدَّلَ كِتَابَ اللَّه ! فَقَعَدَ اِبْن عُمَر فَقَالَ : لَا تَسْتَطِيع أَنْتَ ذَاكَ وَلَا اِبْن الزُّبَيْر { لَا تَبْدِيل لِكَلِمَاتِ اللَّه } فَقَالَ الْحَجَّاج : لَقَدْ أُوتِيت عِلْمًا أَنْ تَفْعَل . قَالَ أَيُّوب : فَلَمَّا أَقْبَلَ عَلَيْهِ فِي خَاصَّة نَفْسه سَكَتَ .
وَقَوْله : { ذَلِكَ هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَذِهِ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة هِيَ الْفَوْز الْعَظِيم , يَعْنِي الظَّفَر بِالْحَاجَةِ وَالطِّلْبَة وَالنَّجَاة مِنْ النَّار .
وَأَمَّا قَوْله : { لَا تَبْدِيل لِكَلِمَاتِ اللَّه } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : إِنَّ اللَّهَ لَا خُلْف لِوَعْدِهِ وَلَا تَغْيِير لِقَوْلِهِ عَمَّا قَالَ ; وَلَكِنَّهُ يُمْضِي لِخَلْقِهِ مَوَاعِيدَهُ وَيُنْجِزهَا لَهُمْ . وَقَدْ : 13751 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثَنَا اِبْن عُلَيَّة عَنْ أَيُّوب , عَنْ نَافِع , قَالَ : أَطَالَ الْحَجَّاج الْخُطْبَة , فَوَضَعَ اِبْن عُمَر رَأْسَهُ فِي حِجْرِي , فَقَالَ الْحَجَّاج : إِنَّ اِبْن الزُّبَيْر بَدَّلَ كِتَابَ اللَّه ! فَقَعَدَ اِبْن عُمَر فَقَالَ : لَا تَسْتَطِيع أَنْتَ ذَاكَ وَلَا اِبْن الزُّبَيْر { لَا تَبْدِيل لِكَلِمَاتِ اللَّه } فَقَالَ الْحَجَّاج : لَقَدْ أُوتِيت عِلْمًا أَنْ تَفْعَل . قَالَ أَيُّوب : فَلَمَّا أَقْبَلَ عَلَيْهِ فِي خَاصَّة نَفْسه سَكَتَ .
وَقَوْله : { ذَلِكَ هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَذِهِ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة هِيَ الْفَوْز الْعَظِيم , يَعْنِي الظَّفَر بِالْحَاجَةِ وَالطِّلْبَة وَالنَّجَاة مِنْ النَّار .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا يَحْزُنك قَوْلهمْ إِنَّ الْعِزَّة لِلَّهِ جَمِيعًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا يَحْزُنك يَا مُحَمَّد قَوْل هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ فِي رَبّهمْ مَا يَقُولُونَ , وَإِشْرَاكهمْ مَعَهُ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام ; فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا , يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُنْفَرِد بِعِزَّةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة لَا شَرِيك لَهُ فِيهَا , وَهُوَ الْمُنْتَقِم مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْقَائِلِينَ فِيهِ مِنْ الْقَوْل الْبَاطِل مَا يَقُولُونَ , فَلَا يَنْصُرهُمْ عِنْد اِنْتِقَامه مِنْهُمْ أَحَد ; لِأَنَّهُ لَا يُعَازّهُ شَيْء . وَكُسِرَتْ " إِنَّ " مِنْ قَوْله : { إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا } لِأَنَّ ذَلِكَ خَبَر مِنْ اللَّه مُبْتَدَأ , وَلَمْ يَعْمَل فِيهَا الْقَوْل ; لِأَنَّ الْقَوْل عُنِيَ بِهِ قَوْل الْمُشْرِكِينَ ; وَقَوْله : { إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا } لَمْ يَكُنْ مِنْ قِيلِ الْمُشْرِكِينَ , وَلَا هُوَ خَبَر عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوهُ .
{ هُوَ السَّمِيع الْعَلِيم } يَقُول : وَهُوَ ذُو السَّمْع لِمَا يَقُولُونَ مِنْ الْفِرْيَة وَالْكَذِب عَلَيْهِ , وَذُو عِلْم بِمَا يُضْمِرُونَهُ فِي أَنْفُسهمْ وَيُعْلِنُونَهُ , مُحْصِي ذَلِكَ عَلَيْهِمْ كُلّه , وَهُوَ لَهُمْ بِالْمِرْصَادِ .
{ هُوَ السَّمِيع الْعَلِيم } يَقُول : وَهُوَ ذُو السَّمْع لِمَا يَقُولُونَ مِنْ الْفِرْيَة وَالْكَذِب عَلَيْهِ , وَذُو عِلْم بِمَا يُضْمِرُونَهُ فِي أَنْفُسهمْ وَيُعْلِنُونَهُ , مُحْصِي ذَلِكَ عَلَيْهِمْ كُلّه , وَهُوَ لَهُمْ بِالْمِرْصَادِ .
أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَن فِي السَّمَاوَات وَمَن فِي الأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ شُرَكَاء إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَات وَمَنْ فِي الْأَرْض } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { أَلَا إِنَّ لِلَّهِ } يَا مُحَمَّد كُلّ مَنْ فِي السَّمَاوَات وَمَنْ فِي الْأَرْض مُلْكًا وَعَبِيدًا لَا مَالِكَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ سِوَاهُ , يَقُول : فَكَيْفَ يَكُون إِلَهًا مَعْبُودًا مَنْ يَعْبُدهُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام , وَهِيَ لِلَّهِ مِلْك , وَ إِنَّمَا الْعِبَادَة لِلْمَالِكِ دُونَ الْمَمْلُوك , وَلِلرَّبِّ دُونَ الْمَرْبُوب .
{ وَمَا يَتَّبِع الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه شُرَكَاءَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَأَيّ شَيْء يَتَّبِع مَنْ يَدْعُو مِنْ دُون اللَّه , يَعْنِي غَيْرَ اللَّه وَسِوَاهُ شُرَكَاءَ . وَمَعْنَى الْكَلَام : أَيّ شَيْء يَتَّبِع مَنْ يَقُول لِلَّهِ شُرَكَاء فِي سُلْطَانه وَمُلْكه كَاذِبًا , وَاَللَّه الْمُنْفَرِد بِمُلْكِ كُلّ شَيْء فِي سَمَاء كَانَ أَوْ أَرْض .
{ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنّ } يَقُول : مَا يَتَّبِعُونَ فِي قِيلهمْ ذَلِكَ وَدَعْوَاهُمْ إِلَّا الظَّنّ , يَقُول : إِلَّا الشَّكّ لَا الْيَقِين .
{ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ } يَقُول : وَإِنْ هُمْ يَتَقَوَّلُونَ الْبَاطِلَ تَظَنُّنًا وَتَخَرُّصًا لِلْإِفْكِ عَنْ غَيْر عِلْم مِنْهُمْ بِمَا يَقُولُونَ .
{ وَمَا يَتَّبِع الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه شُرَكَاءَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَأَيّ شَيْء يَتَّبِع مَنْ يَدْعُو مِنْ دُون اللَّه , يَعْنِي غَيْرَ اللَّه وَسِوَاهُ شُرَكَاءَ . وَمَعْنَى الْكَلَام : أَيّ شَيْء يَتَّبِع مَنْ يَقُول لِلَّهِ شُرَكَاء فِي سُلْطَانه وَمُلْكه كَاذِبًا , وَاَللَّه الْمُنْفَرِد بِمُلْكِ كُلّ شَيْء فِي سَمَاء كَانَ أَوْ أَرْض .
{ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنّ } يَقُول : مَا يَتَّبِعُونَ فِي قِيلهمْ ذَلِكَ وَدَعْوَاهُمْ إِلَّا الظَّنّ , يَقُول : إِلَّا الشَّكّ لَا الْيَقِين .
{ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ } يَقُول : وَإِنْ هُمْ يَتَقَوَّلُونَ الْبَاطِلَ تَظَنُّنًا وَتَخَرُّصًا لِلْإِفْكِ عَنْ غَيْر عِلْم مِنْهُمْ بِمَا يَقُولُونَ .
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْل لِتَسْكُنُوا فِيهِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ رَبّكُمْ أَيّهَا النَّاس الَّذِي اِسْتَوْجَبَ عَلَيْكُمْ الْعِبَادَةَ { هُوَ } الرَّبّ { الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْل } وَفَصَلَهُ مِنْ النَّهَار , { لِتَسْكُنُوا فِيهِ } مِمَّا كُنْتُمْ فِيهِ فِي نَهَاركُمْ مِنْ التَّعَب وَالنَّصَب , وَتَهْدَءُوا فِيهِ مِنْ التَّصَرُّف وَالْحَرَكَة لِلْمَعَاشِ وَالْعَنَاء الَّذِي كُنْتُمْ فِيهِ بِالنَّهَارِ .
{ وَالنَّهَار مُبْصِرًا } يَقُول : وَجَعَلَ النَّهَار مُبْصِرًا , فَأَضَافَ الْإِبْصَار إِلَى النَّهَار , وَإِنَّمَا يُبْصَر فِيهِ , وَلَيْسَ النَّهَار مِمَّا يُبْصِر ; وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ مَفْهُومًا فِي كَلَام الْعَرَب مَعْنَاهُ , خَاطَبَهُمْ بِمَا فِي لُغَتهمْ وَكَلَامهمْ , وَذَلِكَ كَمَا قَالَ جَرِير : لَقَدْ لُمْتنَا يَا أُمَّ غَيْلَان فِي السُّرَى وَنِمْت وَمَا لَيْل الْمَطِيّ بِنَائِمِ فَأَضَافَ النَّوْم إِلَى اللَّيْل وَوَصَفَهُ بِهِ , وَمَعْنَاهُ نَفْسه أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَائِمًا فِيهِ هُوَ وَلَا بَعِيره . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَهَذَا الَّذِي يَفْعَل ذَلِكَ هُوَ رَبّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ , لَا مَا لَا يَنْفَع وَلَا يَضُرّ وَلَا يَفْعَل شَيْئًا .
وَقَوْله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ فِي اِخْتِلَاف حَال اللَّيْل وَالنَّهَار وَحَال أَهْلهمَا فِيهِمَا دَلَالَة وَحُجَجًا عَلَى أَنَّ الَّذِي لَهُ الْعِبَادَة خَالِصًا بِغَيْرِ شَرِيك , هُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَخَالَفَ بَيْنهمَا , بِأَنْ جَعَلَ هَذَا لِلْخَلْقِ سَكَنًا وَهَذَا لَهُمْ مَعَاشًا , دُونَ مَنْ لَا يَخْلُق وَلَا يَفْعَل شَيْئًا وَلَا يَضُرّ وَلَا يَنْفَع . وَقَالَ : { لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } لِأَنَّ الْمُرَاد مِنْهُ : الَّذِينَ يَسْمَعُونَ هَذِهِ الْحُجَج وَيَتَفَكَّرُونَ فِيهَا فَيَعْتَبِرُونَ بِهَا وَيَتَّعِظُونَ , وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ بِآذَانِهِمْ ثُمَّ يُعْرِضُونَ عَنْ عِبَرِهِ وَعِظَاته .
{ وَالنَّهَار مُبْصِرًا } يَقُول : وَجَعَلَ النَّهَار مُبْصِرًا , فَأَضَافَ الْإِبْصَار إِلَى النَّهَار , وَإِنَّمَا يُبْصَر فِيهِ , وَلَيْسَ النَّهَار مِمَّا يُبْصِر ; وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ مَفْهُومًا فِي كَلَام الْعَرَب مَعْنَاهُ , خَاطَبَهُمْ بِمَا فِي لُغَتهمْ وَكَلَامهمْ , وَذَلِكَ كَمَا قَالَ جَرِير : لَقَدْ لُمْتنَا يَا أُمَّ غَيْلَان فِي السُّرَى وَنِمْت وَمَا لَيْل الْمَطِيّ بِنَائِمِ فَأَضَافَ النَّوْم إِلَى اللَّيْل وَوَصَفَهُ بِهِ , وَمَعْنَاهُ نَفْسه أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَائِمًا فِيهِ هُوَ وَلَا بَعِيره . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَهَذَا الَّذِي يَفْعَل ذَلِكَ هُوَ رَبّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ , لَا مَا لَا يَنْفَع وَلَا يَضُرّ وَلَا يَفْعَل شَيْئًا .
وَقَوْله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ فِي اِخْتِلَاف حَال اللَّيْل وَالنَّهَار وَحَال أَهْلهمَا فِيهِمَا دَلَالَة وَحُجَجًا عَلَى أَنَّ الَّذِي لَهُ الْعِبَادَة خَالِصًا بِغَيْرِ شَرِيك , هُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَخَالَفَ بَيْنهمَا , بِأَنْ جَعَلَ هَذَا لِلْخَلْقِ سَكَنًا وَهَذَا لَهُمْ مَعَاشًا , دُونَ مَنْ لَا يَخْلُق وَلَا يَفْعَل شَيْئًا وَلَا يَضُرّ وَلَا يَنْفَع . وَقَالَ : { لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } لِأَنَّ الْمُرَاد مِنْهُ : الَّذِينَ يَسْمَعُونَ هَذِهِ الْحُجَج وَيَتَفَكَّرُونَ فِيهَا فَيَعْتَبِرُونَ بِهَا وَيَتَّعِظُونَ , وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ بِآذَانِهِمْ ثُمَّ يُعْرِضُونَ عَنْ عِبَرِهِ وَعِظَاته .
قَالُواْ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالُوا اِتَّخَذَ اللَّه وَلَدًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ مِنْ قَوْمك يَا مُحَمَّد : اِتَّخَذَ اللَّه وَلَدًا , وَذَلِكَ قَوْلهمْ : الْمَلَائِكَة بَنَات اللَّه .
يَقُول اللَّه مُنَزِّهًا نَفْسه عَمَّا قَالُوا وَافْتَرَوْا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ : سُبْحَان اللَّه , تَنْزِيهًا لِلَّهِ عَمَّا قَالُوا وَادَّعَوْا عَلَى رَبّهمْ .
يَقُول : اللَّه غَنِيّ عَنْ خَلْقه جَمِيعًا , فَلَا حَاجَة بِهِ إِلَى وَلَد ; لِأَنَّ الْوَلَد إِنَّمَا يَطْلُبهُ مَنْ يَطْلُبهُ لِيَكُونَ عَوْنًا لَهُ فِي حَيَاته وَذِكْرًا لَهُ بَعْدَ وَفَاته , وَاَللَّه عَنْ كُلّ ذَلِكَ غَنِيّ , فَلَا حَاجَة بِهِ إِلَى مُعِين يُعِينهُ عَلَى تَدْبِيره وَلَا يَبِيد فَيَكُون بِهِ حَاجَة إِلَى خَلَف بَعْدَهُ .
{ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الْأَرْض } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الْأَرْض مُلْكًا وَالْمَلَائِكَة عِبَادهُ وَمُلْكه , فَكَيْفَ يَكُون عَبْد الرَّجُل وَمُلْكه لَهُ وَلَدًا ؟ يَقُول : أَفَلَا تَعْقِلُونَ أَيّهَا الْقَوْم خَطَأ مَا تَقُولُونَ ؟ { إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَان بِهَذَا } يَقُول : مَا عِنْدَكُمْ أَيّهَا الْقَوْم بِمَا تَقُولُونَ وَتَدَّعُونَ مِنْ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَات اللَّه مِنْ حُجَّة تَحْتَجُّونَ بِهَا , وَهِيَ السُّلْطَان .
{ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّه } قَوْلًا لَا تَعْلَمُونَ حَقِيقَتَهُ وَصِحَّته , وَتُضِيفُونَ إِلَيْهِ مَا لَا يَجُوز إِضَافَتُهُ إِلَيْهِ جَهْلًا مِنْكُمْ بِغَيْرِ حُجَّة وَلَا بُرْهَان .
يَقُول اللَّه مُنَزِّهًا نَفْسه عَمَّا قَالُوا وَافْتَرَوْا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ : سُبْحَان اللَّه , تَنْزِيهًا لِلَّهِ عَمَّا قَالُوا وَادَّعَوْا عَلَى رَبّهمْ .
يَقُول : اللَّه غَنِيّ عَنْ خَلْقه جَمِيعًا , فَلَا حَاجَة بِهِ إِلَى وَلَد ; لِأَنَّ الْوَلَد إِنَّمَا يَطْلُبهُ مَنْ يَطْلُبهُ لِيَكُونَ عَوْنًا لَهُ فِي حَيَاته وَذِكْرًا لَهُ بَعْدَ وَفَاته , وَاَللَّه عَنْ كُلّ ذَلِكَ غَنِيّ , فَلَا حَاجَة بِهِ إِلَى مُعِين يُعِينهُ عَلَى تَدْبِيره وَلَا يَبِيد فَيَكُون بِهِ حَاجَة إِلَى خَلَف بَعْدَهُ .
{ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الْأَرْض } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الْأَرْض مُلْكًا وَالْمَلَائِكَة عِبَادهُ وَمُلْكه , فَكَيْفَ يَكُون عَبْد الرَّجُل وَمُلْكه لَهُ وَلَدًا ؟ يَقُول : أَفَلَا تَعْقِلُونَ أَيّهَا الْقَوْم خَطَأ مَا تَقُولُونَ ؟ { إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَان بِهَذَا } يَقُول : مَا عِنْدَكُمْ أَيّهَا الْقَوْم بِمَا تَقُولُونَ وَتَدَّعُونَ مِنْ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَات اللَّه مِنْ حُجَّة تَحْتَجُّونَ بِهَا , وَهِيَ السُّلْطَان .
{ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّه } قَوْلًا لَا تَعْلَمُونَ حَقِيقَتَهُ وَصِحَّته , وَتُضِيفُونَ إِلَيْهِ مَا لَا يَجُوز إِضَافَتُهُ إِلَيْهِ جَهْلًا مِنْكُمْ بِغَيْرِ حُجَّة وَلَا بُرْهَان .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّه الْكَذِب لَا يُفْلِحُونَ مَتَاع فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعهمْ ثُمَّ نُذِيقهُمْ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { قُلْ } يَا مُحَمَّد لَهُمْ { إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّه الْكَذِب } فَيَقُولُونَ عَلَيْهِ الْبَاطِلَ , وَيَدَّعُونَ لَهُ وَلَدًا ; { لَا يُفْلِحُونَ } يَقُول : لَا يَبْقَوْنَ فِي الدُّنْيَا , وَلَكِنْ لَهُمْ { مَتَاع فِي الدُّنْيَا } يُمَتَّعُونَ بِهِ , وَبَلَاغ يَتَبَلَّغُونَ بِهِ إِلَى الْأَجَل الَّذِي كُتِبَ فَنَاؤُهُمْ فِيهِ . وَرُفِعَ قَوْله : { مَتَاع } بِمُضْمِرٍ قَبْلَهُ إِمَّا " ذَلِكَ " و إِمَّا " هَذَا " .
مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ ↓
يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { قُلْ } يَا مُحَمَّد لَهُمْ { إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّه الْكَذِب } فَيَقُولُونَ عَلَيْهِ الْبَاطِل , وَيَدَّعُونَ لَهُ وَلَدًا ; { لَا يُفْلِحُونَ } يَقُول : لَا يَبْقَوْنَ فِي الدُّنْيَا , وَلَكِنْ لَهُمْ { مَتَاع فِي الدُّنْيَا } يُمَتَّعُونَ بِهِ , وَبَلَاغ يَتَبَلَّغُونَ بِهِ إِلَى الْأَجَل الَّذِي كُتِبَ فِنَاؤُهُمْ فِيهِ . وَرُفِعَ قَوْله : { مَتَاع } بِمُضْمِرٍ قَبْلَهُ إِمَّا " ذَلِكَ " وَ إِمَّا " هَذَا " .
{ ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعهمْ } يَقُول : ثُمَّ إِذَا اِنْقَضَى أَجَلهمْ الَّذِي كُتِبَ لَهُمْ إِلَيْنَا مَصِيرهمْ وَمُنْقَلَبهمْ . { ثُمَّ نُذِيقهُمْ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ } وَذَلِكَ إِصْلَاؤُهُمْ جَهَنَّم ; { بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ } بِاَللَّهِ فِي الدُّنْيَا , فَيُكَذِّبُونَ رُسُلَهُ وَيَجْحَدُونَ آيَاته .
{ ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعهمْ } يَقُول : ثُمَّ إِذَا اِنْقَضَى أَجَلهمْ الَّذِي كُتِبَ لَهُمْ إِلَيْنَا مَصِيرهمْ وَمُنْقَلَبهمْ . { ثُمَّ نُذِيقهُمْ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ } وَذَلِكَ إِصْلَاؤُهُمْ جَهَنَّم ; { بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ } بِاَللَّهِ فِي الدُّنْيَا , فَيُكَذِّبُونَ رُسُلَهُ وَيَجْحَدُونَ آيَاته .
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ نُوح إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْم إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاتْلُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِي قَالُوا : اِتَّخَذَ اللَّه وَلَدًا مِنْ قَوْمك { نَبَأ نُوح } يَقُول : خَبَر نُوح , { إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْم إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي } يَقُول : إِنْ كَانَ عَظُمَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي بَيْن أَظْهُركُمْ وَشَقَّ عَلَيْكُمْ , { وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّه } يَقُول : وَوَعْظِي إِيَّاكُمْ بِحُجَجِ اللَّه , وَتَنْبِيهِي إِيَّاكُمْ عَلَى ذَلِكَ .
يَقُول : إِنْ كَانَ شَقَّ عَلَيْكُمْ مَقَامِي بَيْن أَظْهُركُمْ وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّه فَعَزَمْتُمْ عَلَى قَتْلِي أَوْ طَرْدِي مِنْ بَيْن أَظْهُركُمْ , فَعَلَى اللَّه اِتِّكَالِي وَبِهِ ثِقَتِي , وَهُوَ سَنَدِي وَظَهْرِي .
يَقُول : فَاعْدِلُوا أَمْركُمْ وَاعْزِمُوا عَلَى مَا تُقْدِمُونَ عَلَيْهِ فِي أَمْرِي ; يُقَال مِنْهُ : أَجْمَعْت عَلَى كَذَا , بِمَعْنَى : عَزَمْت عَلَيْهِ , وَمِنْهُ قَوْل النَّبِيّ : " مَنْ لَمْ يُجْمِع عَلَى الصَّوْم مِنْ اللَّيْل فَلَا صَوْمَ لَهُ " بِمَعْنَى : مَنْ لَمْ يَعْزِم , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : يَا لَيْتَ شَعْرِي وَالْمُنَى لَا تَنْفَع هَلْ أَغْدُوَن يَوْمًا وَأَمْرِي مُجْمَع وَرُوِيَ عَنْ الْأَعْرَج فِي ذَلِكَ مَا : 13752 - حَدَّثَنِي بَعْض أَصْحَابنَا عَنْ عَبْد الْوَهَّاب عَنْ هَارُون , عَنْ أُسَيْدٍ , عَنْ الْأَعْرَج : { فَأَجْمِعُوا أَمْركُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ } يَقُول : أَحْكِمُوا أَمْركُمْ وَادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ . وَنَصْب قَوْله : { وَشُرَكَاءَكُمْ } بِفِعْلٍ مُضْمَر لَهُ , وَذَلِكَ : وَادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ , وَعَطَفَ الشُّرَكَاء عَلَى قَوْله : { أَمْركُمْ } عَلَى نَحْو قَوْل الشَّاعِر : وَرَأَيْت زَوْجَك فِي الْوَغَى مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحًا فَالرُّمْح لَا يُتَقَلَّد , وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ فِيمَا أَظْهَرَ مِنْ الْكَلَام دَلِيل عَلَى مَا حَذَفَ , فَاكْتَفَى بِذِكْرِ مَا ذَكَرَ مِنْهُ مِمَّا حُذِفَ , فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْله : { وَشُرَكَاءَكُمْ } وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ قُرَّاء الْأَمْصَار : { وَشُرَكَاءَكُمْ } نَصْبًا , وَقَوْله : { فَأَجْمِعُوا } بِهَمْزِ الْأَلِف وَفَتْحهَا , مِنْ أَجْمَعْت أَمْرِي فَأَنَا أُجْمِعهُ إِجْمَاعًا . وَذُكِرَ عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ : { فَأَجْمِعُوا أَمْركُمْ } بِفَتْحِ الْأَلِف وَهَمْزهَا " وَشُرَكَاؤُكُمْ " بِالرَّفْعِ عَلَى مَعْنَى : وَأَجْمِعُوا أَمْركُمْ , وَلْيُجْمَعْ أَمْرهمْ أَيْضًا مَعَكُمْ شُرَكَاؤُكُمْ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { فَأَجْمِعُوا أَمْركُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ } بِفَتْحِ الْأَلِف مِنْ " أَجْمِعُوا " , وَنَصْب " الشُّرَكَاء " , لِأَنَّهَا فِي الْمُصْحَف بِغَيْرِ وَاو , وَلِإِجْمَاعِ الْحُجَّة عَلَى الْقِرَاءَة بِهَا وَرَفْض مَا خَالَفَهَا , وَلَا يُعْتَرَض عَلَيْهَا بِمَنْ يَجُوز عَلَيْهِ الْخَطَأ وَالسَّهْو . وَعَنَى بِالشُّرَكَاءِ آلِهَتَهُمْ وَأَوْثَانَهُمْ .
وَقَوْله : { ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْركُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّة } يَقُول : ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْركُمْ عَلَيْكُمْ مُلْتَبِسًا مُشْكِلًا مُبْهَمًا ; مِنْ قَوْلهمْ : غُمَّ عَلَى النَّاس الْهِلَال , وَذَلِكَ إِذَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَتَبَيَّنُوهُ , وَمِنْهُ قَوْل الْعَجَّاج : بَلْ لَوْ شَهِدْتِ النَّاس إِذْ تُكُمُّوا بِغُمَّةٍ لَوْ لَمْ تُفَرَّجْ غُمُّوا وَقِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ مِنْ الْغَمّ , لِأَنَّ الصَّدْر يَضِيق بِهِ وَلَا يَتَبَيَّن صَاحِبه لِأَمْرِهِ مَصْدَرًا يَصْدُرهُ يَتَفَرَّج عَنْهُ مَا بِقَلْبِهِ , وَمِنْهُ قَوْل خَنْسَاء : وَذِي كُرْبَة رَاحَنِي اِبْن عَمْرو خِنَاقه وَغَمَّتْهُ عَنْ وَجْهه فَتَجَلَّتِ وَكَانَ قَتَادَة يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 13753 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { أَمْركُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّة } قَالَا : لَا يَكْبُر عَلَيْكُمْ أَمْركُمْ .
وَأَمَّا قَوْله : { ثُمَّ اِقْضُوا إِلَيَّ } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : ثُمَّ اِمْضُوا إِلَيَّ مَا فِي أَنْفُسكُمْ وَافْرُغُوا مِنْهُ . كَمَا : 13754 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { ثُمَّ اِقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ } قَالَ : اِقْضُوا إِلَيَّ مَا كُنْتُمْ قَاضِينَ . 13755 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { ثُمَّ اِقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ } قَالَ : اِقْضُوا إِلَيَّ مَا فِي أَنْفُسكُمْ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْمَعْرِفَة بِكَلَامِ الْعَرَب فِي مَعْنَى قَوْله : { ثُمَّ اِقْضُوا إِلَيَّ } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : اِمْضُوا إِلَيَّ , كَمَا يُقَال : قَدْ قَضَى فُلَان , يُرَاد : قَدْ مَاتَ وَمَضَى . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : بَلْ مَعْنَاهُ : ثُمَّ اُفْرُغُوا إِلَيَّ , وَقَالُوا : الْقَضَاء : الْفَرَاغ , وَالْقَضَاء مِنْ ذَلِكَ . قَالُوا : وَكَأَنَّ قَضَى دَيْنه مِنْ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ فَرَغَ مِنْهُ . وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْض الْقُرَّاء أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ : " ثُمَّ أَفْضُوا إِلَيَّ " بِمَعْنَى : تَوَجَّهُوا إِلَيَّ حَتَّى تَصِلُوا إِلَيَّ , مِنْ قَوْلهمْ : قَدْ أَفْضَى إِلَيَّ الْوَجَع وَشِبْهه . وَقَوْله : { وَلَا تُنْظِرُونِ } يَقُول : وَلَا تُؤَخِّرُونِ , مِنْ قَوْل الْقَائِل : أَنْظَرْت فُلَانًا بِمَا لِي عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْن . وَإِنَّمَا هَذَا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ قَوْل نَبِيّه نُوح عَلَيْهِ السَّلَام لِقَوْمِهِ : إِنَّهُ بِنُصْرَةِ اللَّه لَهُ عَلَيْهِمْ وَاثِق وَمِنْ كَيَدِهِمْ وَتَوَاثُقهمْ غَيْر خَائِف , وَإِعْلَام مِنْهُ لَهُمْ أَنَّ آلِهَتهمْ لَا تَضُرّ وَلَا تَنْفَع , يَقُول لَهُمْ : اِمْضُوا مَا تُحَدِّثُونَ أَنْفُسكُمْ بِهِ فِيَّ عَلَى عَزْم مِنْكُمْ صَحِيح , وَاسْتَعِينُوا مَنْ شَايَعَكُمْ عَلَيَّ بِآلِهَتِكُمْ الَّتِي تَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه , وَلَا تُؤَخِّرُوا ذَلِكَ فَإِنِّي قَدْ تَوَكَّلْت عَلَى اللَّه وَأَنَا بِهِ وَاثِق أَنَّكُمْ لَا تَضُرُّونِي إِلَّا أَنْ يَشَاء رَبِّي . وَهَذَا وَإِنْ كَانَ خَبَرًا مِنْ اللَّه تَعَالَى عَنْ نُوح , فَإِنَّهُ حَثّ مِنْ اللَّه لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى التَّأَسِّي بِهِ وَتَعْرِيف مِنْهُ سَبِيل الرَّشَاد فِيمَا قَلَّدَهُ مِنْ الرِّسَالَة وَالْبَلَاغ عَنْهُ .
يَقُول : إِنْ كَانَ شَقَّ عَلَيْكُمْ مَقَامِي بَيْن أَظْهُركُمْ وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّه فَعَزَمْتُمْ عَلَى قَتْلِي أَوْ طَرْدِي مِنْ بَيْن أَظْهُركُمْ , فَعَلَى اللَّه اِتِّكَالِي وَبِهِ ثِقَتِي , وَهُوَ سَنَدِي وَظَهْرِي .
يَقُول : فَاعْدِلُوا أَمْركُمْ وَاعْزِمُوا عَلَى مَا تُقْدِمُونَ عَلَيْهِ فِي أَمْرِي ; يُقَال مِنْهُ : أَجْمَعْت عَلَى كَذَا , بِمَعْنَى : عَزَمْت عَلَيْهِ , وَمِنْهُ قَوْل النَّبِيّ : " مَنْ لَمْ يُجْمِع عَلَى الصَّوْم مِنْ اللَّيْل فَلَا صَوْمَ لَهُ " بِمَعْنَى : مَنْ لَمْ يَعْزِم , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : يَا لَيْتَ شَعْرِي وَالْمُنَى لَا تَنْفَع هَلْ أَغْدُوَن يَوْمًا وَأَمْرِي مُجْمَع وَرُوِيَ عَنْ الْأَعْرَج فِي ذَلِكَ مَا : 13752 - حَدَّثَنِي بَعْض أَصْحَابنَا عَنْ عَبْد الْوَهَّاب عَنْ هَارُون , عَنْ أُسَيْدٍ , عَنْ الْأَعْرَج : { فَأَجْمِعُوا أَمْركُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ } يَقُول : أَحْكِمُوا أَمْركُمْ وَادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ . وَنَصْب قَوْله : { وَشُرَكَاءَكُمْ } بِفِعْلٍ مُضْمَر لَهُ , وَذَلِكَ : وَادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ , وَعَطَفَ الشُّرَكَاء عَلَى قَوْله : { أَمْركُمْ } عَلَى نَحْو قَوْل الشَّاعِر : وَرَأَيْت زَوْجَك فِي الْوَغَى مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحًا فَالرُّمْح لَا يُتَقَلَّد , وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ فِيمَا أَظْهَرَ مِنْ الْكَلَام دَلِيل عَلَى مَا حَذَفَ , فَاكْتَفَى بِذِكْرِ مَا ذَكَرَ مِنْهُ مِمَّا حُذِفَ , فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْله : { وَشُرَكَاءَكُمْ } وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ قُرَّاء الْأَمْصَار : { وَشُرَكَاءَكُمْ } نَصْبًا , وَقَوْله : { فَأَجْمِعُوا } بِهَمْزِ الْأَلِف وَفَتْحهَا , مِنْ أَجْمَعْت أَمْرِي فَأَنَا أُجْمِعهُ إِجْمَاعًا . وَذُكِرَ عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ : { فَأَجْمِعُوا أَمْركُمْ } بِفَتْحِ الْأَلِف وَهَمْزهَا " وَشُرَكَاؤُكُمْ " بِالرَّفْعِ عَلَى مَعْنَى : وَأَجْمِعُوا أَمْركُمْ , وَلْيُجْمَعْ أَمْرهمْ أَيْضًا مَعَكُمْ شُرَكَاؤُكُمْ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { فَأَجْمِعُوا أَمْركُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ } بِفَتْحِ الْأَلِف مِنْ " أَجْمِعُوا " , وَنَصْب " الشُّرَكَاء " , لِأَنَّهَا فِي الْمُصْحَف بِغَيْرِ وَاو , وَلِإِجْمَاعِ الْحُجَّة عَلَى الْقِرَاءَة بِهَا وَرَفْض مَا خَالَفَهَا , وَلَا يُعْتَرَض عَلَيْهَا بِمَنْ يَجُوز عَلَيْهِ الْخَطَأ وَالسَّهْو . وَعَنَى بِالشُّرَكَاءِ آلِهَتَهُمْ وَأَوْثَانَهُمْ .
وَقَوْله : { ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْركُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّة } يَقُول : ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْركُمْ عَلَيْكُمْ مُلْتَبِسًا مُشْكِلًا مُبْهَمًا ; مِنْ قَوْلهمْ : غُمَّ عَلَى النَّاس الْهِلَال , وَذَلِكَ إِذَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَتَبَيَّنُوهُ , وَمِنْهُ قَوْل الْعَجَّاج : بَلْ لَوْ شَهِدْتِ النَّاس إِذْ تُكُمُّوا بِغُمَّةٍ لَوْ لَمْ تُفَرَّجْ غُمُّوا وَقِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ مِنْ الْغَمّ , لِأَنَّ الصَّدْر يَضِيق بِهِ وَلَا يَتَبَيَّن صَاحِبه لِأَمْرِهِ مَصْدَرًا يَصْدُرهُ يَتَفَرَّج عَنْهُ مَا بِقَلْبِهِ , وَمِنْهُ قَوْل خَنْسَاء : وَذِي كُرْبَة رَاحَنِي اِبْن عَمْرو خِنَاقه وَغَمَّتْهُ عَنْ وَجْهه فَتَجَلَّتِ وَكَانَ قَتَادَة يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 13753 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { أَمْركُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّة } قَالَا : لَا يَكْبُر عَلَيْكُمْ أَمْركُمْ .
وَأَمَّا قَوْله : { ثُمَّ اِقْضُوا إِلَيَّ } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : ثُمَّ اِمْضُوا إِلَيَّ مَا فِي أَنْفُسكُمْ وَافْرُغُوا مِنْهُ . كَمَا : 13754 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { ثُمَّ اِقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ } قَالَ : اِقْضُوا إِلَيَّ مَا كُنْتُمْ قَاضِينَ . 13755 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { ثُمَّ اِقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ } قَالَ : اِقْضُوا إِلَيَّ مَا فِي أَنْفُسكُمْ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْمَعْرِفَة بِكَلَامِ الْعَرَب فِي مَعْنَى قَوْله : { ثُمَّ اِقْضُوا إِلَيَّ } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : اِمْضُوا إِلَيَّ , كَمَا يُقَال : قَدْ قَضَى فُلَان , يُرَاد : قَدْ مَاتَ وَمَضَى . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : بَلْ مَعْنَاهُ : ثُمَّ اُفْرُغُوا إِلَيَّ , وَقَالُوا : الْقَضَاء : الْفَرَاغ , وَالْقَضَاء مِنْ ذَلِكَ . قَالُوا : وَكَأَنَّ قَضَى دَيْنه مِنْ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ فَرَغَ مِنْهُ . وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْض الْقُرَّاء أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ : " ثُمَّ أَفْضُوا إِلَيَّ " بِمَعْنَى : تَوَجَّهُوا إِلَيَّ حَتَّى تَصِلُوا إِلَيَّ , مِنْ قَوْلهمْ : قَدْ أَفْضَى إِلَيَّ الْوَجَع وَشِبْهه . وَقَوْله : { وَلَا تُنْظِرُونِ } يَقُول : وَلَا تُؤَخِّرُونِ , مِنْ قَوْل الْقَائِل : أَنْظَرْت فُلَانًا بِمَا لِي عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْن . وَإِنَّمَا هَذَا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ قَوْل نَبِيّه نُوح عَلَيْهِ السَّلَام لِقَوْمِهِ : إِنَّهُ بِنُصْرَةِ اللَّه لَهُ عَلَيْهِمْ وَاثِق وَمِنْ كَيَدِهِمْ وَتَوَاثُقهمْ غَيْر خَائِف , وَإِعْلَام مِنْهُ لَهُمْ أَنَّ آلِهَتهمْ لَا تَضُرّ وَلَا تَنْفَع , يَقُول لَهُمْ : اِمْضُوا مَا تُحَدِّثُونَ أَنْفُسكُمْ بِهِ فِيَّ عَلَى عَزْم مِنْكُمْ صَحِيح , وَاسْتَعِينُوا مَنْ شَايَعَكُمْ عَلَيَّ بِآلِهَتِكُمْ الَّتِي تَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه , وَلَا تُؤَخِّرُوا ذَلِكَ فَإِنِّي قَدْ تَوَكَّلْت عَلَى اللَّه وَأَنَا بِهِ وَاثِق أَنَّكُمْ لَا تَضُرُّونِي إِلَّا أَنْ يَشَاء رَبِّي . وَهَذَا وَإِنْ كَانَ خَبَرًا مِنْ اللَّه تَعَالَى عَنْ نُوح , فَإِنَّهُ حَثّ مِنْ اللَّه لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى التَّأَسِّي بِهِ وَتَعْرِيف مِنْهُ سَبِيل الرَّشَاد فِيمَا قَلَّدَهُ مِنْ الرِّسَالَة وَالْبَلَاغ عَنْهُ .
فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْر } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيل نَبِيّه نُوح عَلَيْهِ السَّلَام لِقَوْمِهِ : فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَيّهَا الْقَوْم عَنِّي بَعْد دُعَائِي إِيَّاكُمْ وَتَبْلِيغ رِسَالَة رَبِّي إِلَيْكُمْ مُدْبِرِينَ , فَأَعْرَضْتُمْ عَمَّا دَعَوْتُكُمْ إِلَيْهِ مِنْ الْحَقّ وَالْإِقْرَار بِتَوْحِيدِ اللَّه وَإِخْلَاص الْعِبَادَة لَهُ وَتَرْك إِشْرَاك الْآلِهَة فِي عِبَادَته , فَتَضْيِيع مِنْكُمْ وَتَفْرِيط فِي وَاجِب حَقّ اللَّه عَلَيْكُمْ , لَا بِسَبَبِ مَنْ قَبْلِي ; فَإِنِّي لَمْ أَسْأَلكُمْ عَلَى مَا دَعَوْتُكُمْ إِلَيْهِ أَجْرًا وَلَا عِوَضًا أَعْتَاضُهُ مِنْكُمْ بِإِجَابَتِكُمْ إِيَّايَ إِلَى مَا دَعَوْتُكُمْ إِلَيْهِ مِنْ الْحَقّ وَالْهُدَى , وَلَا طَلَبْت مِنْكُمْ عَلَيْهِ ثَوَابًا وَلَا جَزَاء .
{ إِنْ أَجْرِي إِلَّا عَلَى اللَّه } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : إِنْ جَزَائِي وَأَجْر عَمَلِي وَثَوَابه إِلَّا عَلَى رَبِّي لَا عَلَيْكُمْ أَيّهَا الْقَوْم وَلَا عَلَى غَيْركُمْ .
{ وَأُمِرْت أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ } وَأَمَرَنِي رَبِّي أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُذْعِنِينَ لَهُ بِالطَّاعَةِ الْمُنْقَادِينَ لِأَمْرِهِ وَنَهْيه الْمُذَلَّلِينَ لَهُ , وَمِنْ أَجْل ذَلِكَ أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ وَبِأَمْرِهِ آمُركُمْ بِتَرْكِ عِبَادَة الْأَوْثَان .
{ إِنْ أَجْرِي إِلَّا عَلَى اللَّه } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : إِنْ جَزَائِي وَأَجْر عَمَلِي وَثَوَابه إِلَّا عَلَى رَبِّي لَا عَلَيْكُمْ أَيّهَا الْقَوْم وَلَا عَلَى غَيْركُمْ .
{ وَأُمِرْت أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ } وَأَمَرَنِي رَبِّي أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُذْعِنِينَ لَهُ بِالطَّاعَةِ الْمُنْقَادِينَ لِأَمْرِهِ وَنَهْيه الْمُذَلَّلِينَ لَهُ , وَمِنْ أَجْل ذَلِكَ أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ وَبِأَمْرِهِ آمُركُمْ بِتَرْكِ عِبَادَة الْأَوْثَان .
فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْك وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِف وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْف كَانَ عَاقِبَة الْمُنْذَرِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَكَذَّبَ نُوحًا قَوْمه فِيمَا أَخْبَرَهُمْ بِهِ عَنْ اللَّه مِنْ الرِّسَالَة وَالْوَحْي , فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ مِمَّنْ حُمِلَ مَعَهُ فِي الْفُلْك , يَعْنِي فِي السَّفِينَة .
يَقُول : وَجَعَلْنَا الَّذِينَ نَجَّيْنَا مَعَ نُوح فِي السَّفِينَة خَلَائِف فِي الْأَرْض مِنْ قَوْمه الَّذِينَ كَذَّبُوهُ بَعْد أَنْ أَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا , يَعْنِي حُجَجنَا وَأَدِلَّتنَا عَلَى تَوْحِيدنَا , وَرِسَالَة رَسُولنَا نُوح .
يَقُول اللَّه لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَانْظُرْ يَا مُحَمَّد كَيْف كَانَ عَاقِبَة الْمُنْذَرِينَ , وَهُمْ الَّذِينَ أَنْذَرَهُمْ نُوح عِقَاب اللَّه عَلَى تَكْذِيبهمْ إِيَّاهُ وَعِبَادَتهمْ الْأَصْنَام , يَقُول لَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : اُنْظُرْ مَاذَا أَعْقَبَهُمْ تَكْذِيبهمْ رَسُولهمْ , فَإِنَّ عَاقِبَة مَنْ كَذَّبَك مِنْ قَوْمك إِنْ تَمَادَوْا فِي كُفْرهمْ وَطُغْيَانهمْ عَلَى رَبّهمْ نَحْو الَّذِي كَانَ مِنْ عَاقِبَة قَوْم نُوح حِين كَذَّبُوهُ , يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَلْيَحْذَرُوا أَنْ يَحِلَّ بِهِمْ مِثْل الَّذِي حَلَّ بِهِمْ إِنْ لَمْ يَتُوبُوا .
يَقُول : وَجَعَلْنَا الَّذِينَ نَجَّيْنَا مَعَ نُوح فِي السَّفِينَة خَلَائِف فِي الْأَرْض مِنْ قَوْمه الَّذِينَ كَذَّبُوهُ بَعْد أَنْ أَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا , يَعْنِي حُجَجنَا وَأَدِلَّتنَا عَلَى تَوْحِيدنَا , وَرِسَالَة رَسُولنَا نُوح .
يَقُول اللَّه لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَانْظُرْ يَا مُحَمَّد كَيْف كَانَ عَاقِبَة الْمُنْذَرِينَ , وَهُمْ الَّذِينَ أَنْذَرَهُمْ نُوح عِقَاب اللَّه عَلَى تَكْذِيبهمْ إِيَّاهُ وَعِبَادَتهمْ الْأَصْنَام , يَقُول لَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : اُنْظُرْ مَاذَا أَعْقَبَهُمْ تَكْذِيبهمْ رَسُولهمْ , فَإِنَّ عَاقِبَة مَنْ كَذَّبَك مِنْ قَوْمك إِنْ تَمَادَوْا فِي كُفْرهمْ وَطُغْيَانهمْ عَلَى رَبّهمْ نَحْو الَّذِي كَانَ مِنْ عَاقِبَة قَوْم نُوح حِين كَذَّبُوهُ , يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَلْيَحْذَرُوا أَنْ يَحِلَّ بِهِمْ مِثْل الَّذِي حَلَّ بِهِمْ إِنْ لَمْ يَتُوبُوا .
ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْده رُسُلًا إِلَى قَوْمهمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْد نُوح رُسُلًا إِلَى قَوْمهمْ , فَأَتَوْهُمْ بِبَيِّنَاتٍ مِنْ الْحُجَج وَالْأَدِلَّة عَلَى صِدْقهمْ , وَأَنَّهُمْ لِلَّهِ رُسُل , وَأَنَّ مَا يَدْعُونَهُمْ إِلَيْهِ حَقّ .
{ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْل } يَقُول : فَمَا كَانُوا لِيُصَدِّقُوا بِمَا جَاءَتْهُمْ بِهِ رُسُلهمْ بِمَا كَذَّبَ بِهِ قَوْم نُوح وَمَنْ قَبْلَهُمْ مِنْ الْأُمَم الْخَالِيَة مِنْ قَبْلهمْ .
{ كَذَلِكَ نَطْبَع عَلَى قُلُوب الْمُعْتَدِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : كَمَا طَبَعْنَا عَلَى قُلُوب أُولَئِكَ فَخَتَمْنَا عَلَيْهَا فَلَمْ يَكُونُوا يَقْبَلُونَ مِنْ أَنْبِيَاء اللَّه نَصِيحَتَهُمْ وَلَا يَسْتَجِيبُونَ لِدُعَائِهِمْ إِيَّاهُمْ إِلَى رَبّهمْ بِمَا اجْتَرَمُوا مِنْ الذُّنُوب وَاكْتَسَبُوا مِنْ الْآثَام , كَذَلِكَ نَطْبَع عَلَى قُلُوب مَنْ اِعْتَدَى عَلَى رَبّه , فَتَجَاوَزَ مَا أَمَرَهُ بِهِ مِنْ تَوْحِيده , وَخَالَفَ مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ رُسُلهمْ مِنْ طَاعَته , عُقُوبَة لَهُمْ عَلَى مَعْصِيَتهمْ رَبّهمْ مِنْ هَؤُلَاءِ الْآخَرِينَ مِنْ بَعْدهمْ .
{ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْل } يَقُول : فَمَا كَانُوا لِيُصَدِّقُوا بِمَا جَاءَتْهُمْ بِهِ رُسُلهمْ بِمَا كَذَّبَ بِهِ قَوْم نُوح وَمَنْ قَبْلَهُمْ مِنْ الْأُمَم الْخَالِيَة مِنْ قَبْلهمْ .
{ كَذَلِكَ نَطْبَع عَلَى قُلُوب الْمُعْتَدِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : كَمَا طَبَعْنَا عَلَى قُلُوب أُولَئِكَ فَخَتَمْنَا عَلَيْهَا فَلَمْ يَكُونُوا يَقْبَلُونَ مِنْ أَنْبِيَاء اللَّه نَصِيحَتَهُمْ وَلَا يَسْتَجِيبُونَ لِدُعَائِهِمْ إِيَّاهُمْ إِلَى رَبّهمْ بِمَا اجْتَرَمُوا مِنْ الذُّنُوب وَاكْتَسَبُوا مِنْ الْآثَام , كَذَلِكَ نَطْبَع عَلَى قُلُوب مَنْ اِعْتَدَى عَلَى رَبّه , فَتَجَاوَزَ مَا أَمَرَهُ بِهِ مِنْ تَوْحِيده , وَخَالَفَ مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ رُسُلهمْ مِنْ طَاعَته , عُقُوبَة لَهُمْ عَلَى مَعْصِيَتهمْ رَبّهمْ مِنْ هَؤُلَاءِ الْآخَرِينَ مِنْ بَعْدهمْ .
ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدهمْ مُوسَى وَهَارُون إِلَى فِرْعَوْن وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْد هَؤُلَاءِ الرُّسُل الَّذِينَ أَرْسَلْنَاهُمْ مِنْ بَعْد نُوح إِلَى قَوْمهمْ مُوسَى وَهَارُون اِبْنَيْ عِمْرَانَ إِلَى فِرْعَوْن مِصْر { وَمَلَئِهِ } , يَعْنِي : وَأَشْرَاف قَوْمه وَسَادَتهمْ , { بِآيَاتِنَا } يَقُول : بِأَدِلَّتِنَا عَلَى حَقِيقَة مَا دَعَوْهُمْ إِلَيْهِ مِنْ الْإِذْعَان لِلَّهِ بِالْعُبُودَةِ , وَالْإِقْرَار لَهُمَا بِالرِّسَالَةِ .
{ فَاسْتَكْبَرُوا } يَقُول : فَاسْتَكْبَرُوا عَنْ الْإِقْرَار بِمَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ مُوسَى وَهَارُون .
{ وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ } يَعْنِي : آثِمِينَ بِرَبِّهِمْ بِكُفْرِهِمْ بِاَللَّهِ تَعَالَى .
{ فَاسْتَكْبَرُوا } يَقُول : فَاسْتَكْبَرُوا عَنْ الْإِقْرَار بِمَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ مُوسَى وَهَارُون .
{ وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ } يَعْنِي : آثِمِينَ بِرَبِّهِمْ بِكُفْرِهِمْ بِاَللَّهِ تَعَالَى .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَمَّا جَاءَهُمْ الْحَقّ مِنْ عِنْدنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْر مُبِين } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { فَلَمَّا جَاءَهُمْ الْحَقّ مِنْ عِنْدنَا } يَعْنِي : فَلَمَّا جَاءَهُمْ بَيَان مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ مُوسَى وَهَارُون , وَذَلِكَ الْحُجَج الَّتِي جَاءَهُمْ بِهَا , وَهِيَ الْحَقّ الَّذِي جَاءَهُمْ مِنْ عِنْد اللَّه ; { قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْر مُبِين } يَعْنُونَ : أَنَّهُ يُبَيَّن لِمَنْ رَآهُ وَعَايَنَهُ أَنَّهُ سِحْر لَا حَقِيقَة لَهُ .
{ قَالَ مُوسَى } لَهُمْ : { أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ } مِنْ عِنْد اللَّه : { أَسِحْر هَذَا } ؟ . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي سَبَب دُخُول أَلِف الِاسْتِفْهَام فِي قَوْله : { أَسِحْر هَذَا } , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : أُدْخِلَتْ فِيهِ عَلَى الْحِكَايَة لِقَوْلِهِمْ لِأَنَّهُمْ قَالُوا : أَسِحْر هَذَا ؟ فَقَالَ : أَتَقُولُونَ : أَسِحْر هَذَا ؟ وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : إِنَّهُمْ قَالُوا هَذَا سِحْر , وَلَمْ يَقُولُوهُ بِالْأَلِفِ , لِأَنَّ أَكْثَر مَا جَاءَ بِغَيْرِ أَلِف . قَالَ : فَيُقَال : فَلِمَ أُدْخِلَتْ الْأَلِف ؟ فَيُقَال : قَدْ يَجُوز أَنْ تَكُونَ مِنْ قِيلهمْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ سِحْر , كَمَا يَقُول الرَّجُل لِلْجَائِزَةِ إِذَا أَتَتْهُ : أَحَقّ هَذَا ؟ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ حَقّ . قَالَ : قَدْ يَجُوز أَنْ تَكُونَ عَلَى التَّعَجُّب مِنْهُمْ : أَسِحْر هَذَا , مَا أَعْظَمه ! وَأَوْلَى ذَلِكَ فِي هَذَا بِالصَّوَابِ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ الْمَقُول مَحْذُوفًا , وَيَكُون قَوْله : { أَسِحْر هَذَا } مِنْ قِيل مُوسَى مُنْكِرًا عَلَى فِرْعَوْن وَمَلَئِهِ قَوْلهمْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ سِحْر , فَيَكُون تَأْوِيل الْكَلَام حِينَئِذٍ : قَالَ مُوسَى لَهُمْ : { أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ } وَهِيَ الْآيَات الَّتِي أَتَاهُمْ بِهَا مِنْ عِنْد اللَّه حُجَّة لَهُ عَلَى صِدْقه , سِحْر , أَسِحْر هَذَا الْحَقّ الَّذِي تَرَوْنَهُ ؟ فَيَكُون السِّحْر الْأَوَّل مَحْذُوفًا اِكْتِفَاء بِدَلَالَةِ قَوْل مُوسَى { أَسِحْر هَذَا } عَلَى أَنَّهُ مُرَاد فِي الْكَلَام , كَمَا قَالَ ذُو الرُّمَّة . فَلَمَّا لَبِسْنَ اللَّيْل أَوْ حِين نَصَّبَتْ لَهُ مِنْ خَذَا آذَانهَا وَهُوَ جَانِح يُرِيد : " أَوْ حِين أَقْبَلَ " , ثُمَّ حُذِفَ اِكْتِفَاء بِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ , وَكَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَإِذَا جَاءَ وَعْد الْآخِرَة لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ } 17 7 وَالْمَعْنَى : بَعَثْنَاهُمْ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ , فَتَرَكَ ذَلِكَ اِكْتِفَاء بِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ , فِي أَشْبَاه لِمَا ذَكَرْنَا كَثِيرَة يُتْعِب إِحْصَاؤُهَا .
وَقَوْله : { وَلَا يُفْلِح السَّاحِرُونَ } يَقُول : وَلَا يَنْجَح السَّاحِرُونَ وَلَا يَبْقَوْنَ .
وَقَوْله : { وَلَا يُفْلِح السَّاحِرُونَ } يَقُول : وَلَا يَنْجَح السَّاحِرُونَ وَلَا يَبْقَوْنَ .
قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالُوا أَجِئْتنَا لِتَلْفِتنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ فِرْعَوْن وَمَلَؤُهُ لِمُوسَى : { أَجِئْتنَا لِتَلْفِتَنَا } يَقُول : لِتَصْرِفَنَا وَتَلْوِيَنَا , { عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا } مِنْ قَبْل مَجِيئِك مِنْ الدِّين ; يُقَال مِنْهُ : لَفَتَ فُلَان عُنُق فُلَان إِذَا لَوَاهَا , كَمَا قَالَ ذُو الرُّمَّة : لَفْتًا وَتَهْزِيعًا سَوَاء اللَّفْت التَّهْزِيع : الدَّقّ , وَاللَّفْت : اللَّيّ . كَمَا : 13756 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { لِتَلْفِتَنَا } قَالَ : لِتَلْوِيَنَا { عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا }
وَقَوْله : { وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الْأَرْض } يَعْنِي الْعَظَمَة , وَهِيَ الْفِعْلِيَاءُ مِنْ الْكِبْر . وَمِنْهُ قَوْل اِبْن الرَّقَّاع : سُؤْدُدًا غَيْر فَاحِش لَا يُدَا نِيهِ تَجْبَاره وَلَا كِبْرِيَاء 13757 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا اِبْن نُمَيْر , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْض } قَالَ : الْمُلْك . * - قَالَ : ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ مُجَاهِد : { وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الْأَرْض } قَالَ : السُّلْطَان فِي الْأَرْض . * - قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن بَكْر , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : بَلَغَنِي , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الْمُلْك فِي الْأَرْض . 13758 - قَالَ : ثَنَا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الْأَرْض } قَالَ : الطَّاعَة . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الْأَرْض } قَالَ : الْمُلْك . * - قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : السُّلْطَان فِي الْأَرْض . وَهَذِهِ الْأَقْوَال كُلُّهَا مُتَقَارِبَات الْمَعَانِي , وَذَلِكَ أَنَّ الْمُلْك سُلْطَان , وَالطَّاعَة مُلْك ; غَيْر أَنَّ مَعْنَى الْكِبْرِيَاء هُوَ مَا ثَبَتَ فِي كَلَام الْعَرَب , ثُمَّ يَكُون ذَلِكَ عَظَمَة بِمُلْكٍ وَسُلْطَان وَغَيْر ذَلِكَ .
وَقَوْله : { وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ } يَقُول : وَمَا نَحْنُ لَكُمَا يَا مُوسَى وَهَارُون بِمُؤْمِنِينَ , يَعْنِي بِمُقِرِّينَ بِأَنَّكُمَا رَسُولَانِ أُرْسِلْتُمَا إِلَيْنَا .
وَقَوْله : { وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الْأَرْض } يَعْنِي الْعَظَمَة , وَهِيَ الْفِعْلِيَاءُ مِنْ الْكِبْر . وَمِنْهُ قَوْل اِبْن الرَّقَّاع : سُؤْدُدًا غَيْر فَاحِش لَا يُدَا نِيهِ تَجْبَاره وَلَا كِبْرِيَاء 13757 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا اِبْن نُمَيْر , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْض } قَالَ : الْمُلْك . * - قَالَ : ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ مُجَاهِد : { وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الْأَرْض } قَالَ : السُّلْطَان فِي الْأَرْض . * - قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن بَكْر , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : بَلَغَنِي , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الْمُلْك فِي الْأَرْض . 13758 - قَالَ : ثَنَا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الْأَرْض } قَالَ : الطَّاعَة . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الْأَرْض } قَالَ : الْمُلْك . * - قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : السُّلْطَان فِي الْأَرْض . وَهَذِهِ الْأَقْوَال كُلُّهَا مُتَقَارِبَات الْمَعَانِي , وَذَلِكَ أَنَّ الْمُلْك سُلْطَان , وَالطَّاعَة مُلْك ; غَيْر أَنَّ مَعْنَى الْكِبْرِيَاء هُوَ مَا ثَبَتَ فِي كَلَام الْعَرَب , ثُمَّ يَكُون ذَلِكَ عَظَمَة بِمُلْكٍ وَسُلْطَان وَغَيْر ذَلِكَ .
وَقَوْله : { وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ } يَقُول : وَمَا نَحْنُ لَكُمَا يَا مُوسَى وَهَارُون بِمُؤْمِنِينَ , يَعْنِي بِمُقِرِّينَ بِأَنَّكُمَا رَسُولَانِ أُرْسِلْتُمَا إِلَيْنَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَ فِرْعَوْن اِئْتُونِي بِكُلِّ سَاحِر عَلِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَالَ فِرْعَوْن لِقَوْمِهِ : اِئْتُونِي بِكُلِّ مَنْ يَسْحَر مِنْ السَّحَرَة , عَلِيم بِالسِّحْرِ .
فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَة فِرْعَوْنَ , قَالَ مُوسَى : أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ مِنْ حِبَالكُمْ وَعِصِيّكُمْ ! وَفِي الْكَلَام مَحْذُوف قَدْ تُرِك , وَهُوَ : فَأَتَوْهُ بِالسَّحَرَةِ فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَة ; وَلَكِنْ اِكْتَفَى بِدَلَالَةِ قَوْله : { فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَة } عَلَى ذَلِكَ , فَتَرَكَ ذِكْرَهُ . وَكَذَلِكَ بَعْد قَوْله : { أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ } مَحْذُوف أَيْضًا قَدْ تَرَكَ ذِكْرَهُ , وَهُوَ : " فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ , فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى " ; وَلَكِنْ اِكْتَفَى بِدَلَالَةِ مَا ظَهَرَ مِنْ الْكَلَام عَلَيْهِ , فَتَرَكَ ذِكْرَهُ .
فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْر إِنَّ اللَّه سَيُبْطِلُهُ } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : { فَلَمَّا أَلْقَوْا } مَا هُمْ مُلْقُوهُ { قَالَ } لَهُمْ { مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْر } وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز وَالْعِرَاق { مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْر } عَلَى وَجْه الْخَبَر مِنْ مُوسَى عَنْ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ سَحَرَة فِرْعَوْنَ أَنَّهُ سِحْر كَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام عَلَى تَأْوِيلِهِمْ , قَالَ مُوسَى : الَّذِي جِئْتُمْ بِهِ أَيّهَا السَّحَرَة هُوَ السِّحْر . وَقَرَأَ ذَلِكَ مُجَاهِد وَبَعْض الْمَدَنِيِّينَ الْبَصْرِيِّينَ : " مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْر " عَلَى وَجْه الِاسْتِفْهَام مِنْ مُوسَى إِلَى السَّحَرَة عَمَّا جَاءُوا بِهِ , أَسِحْر هُوَ أَمْ غَيْره ؟ وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ عَلَى وَجْه الْخَبَر لَا عَلَى الِاسْتِفْهَام , لِأَنَّ مُوسَى صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ شَاكًّا فِيمَا جَاءَتْ بِهِ السَّحَرَة أَنَّهُ سِحْر لَا حَقِيقَة لَهُ فَيَحْتَاج إِلَى اِسْتِخْبَار السَّحَرَة عَنْهُ أَيْ هُوَ , وَأُخْرَى أَنَّهُ صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ قَدْ كَانَ عَلَى عِلْم مِنْ السَّحَرَة أَنَّمَا جَاءَ بِهِمْ فِرْعَوْن لِيُغَالِبُوهُ عَلَى مَا كَانَ جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ الْحَقّ الَّذِي كَانَ اللَّه آتَاهُ , فَلَمْ يَكُنْ يَذْهَب عَلَيْهِ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يُصَدِّقُونَهُ فِي الْخَبَر عَمَّا جَاءُوا بِهِ مِنْ الْبَاطِل , فَيَسْتَخْبِرهُمْ أَوْ يَسْتَجِيز اِسْتِخْبَارَهُمْ عَنْهُ ; وَلَكِنَّهُ صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ عَالِم بِبُطُولِ مَا جَاءُوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ بِالْحَقِّ الَّذِي أَتَاهُ وَمُبْطِل كَيْدَهُمْ بِجَدِّهِ , وَهَذِهِ أَوْلَى بِصِفَةِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْأُخْرَى . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَمَا وَجْه دُخُول الْأَلِف وَاللَّام فِي السِّحْر إِنْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفْت وَأَنْتَ تَعْلَم أَنَّ كَلَام الْعَرَب فِي نَظِير هَذَا أَنْ يَقُولُوا : مَا جَاءَنِي بِهِ عَمْرو دِرْهَم , وَاَلَّذِي أَعْطَانِي أَخُوك دِينَار , وَلَا يَكَادُونَ أَنْ يَقُولُوا الَّذِي أَعْطَانِي أَخُوك الدِّرْهَم , وَمَا جَاءَنِي بِهِ عَمْرو الدِّينَار ؟ قِيلَ لَهُ : بَلَى كَلَام الْعَرَب إِدْخَال الْأَلِف وَاللَّام فِي خَبَر مَا وَاَلَّذِي إِذَا كَانَ الْخَبَر عَنْ مَعْهُود قَدْ عَرَفَهُ الْمُخَاطَب وَالْمُخَاطَب , بَلْ لَا يَجُوز إِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ إِلَّا بِالْأَلِفِ وَاللَّام , لِأَنَّ الْخَبَرَ حِينَئِذٍ خَبَر عَنْ شَيْء بِعَيْنِهِ مَعْرُوف عِنْد الْفَرِيقَيْنِ ; وَإِنَّمَا يَأْتِي ذَلِكَ بِغَيْرِ الْأَلِف إِذَا كَانَ الْخَبَر عَنْ مَجْهُول غَيْر مَعْهُود وَلَا مَقْصُود قَصْد شَيْء بِعَيْنِهِ , فَحِينَئِذٍ لَا تَدْخُل الْأَلِف وَاللَّام فِي الْخَبَر , وَخَبَر مُوسَى كَانَ خَبَرًا عَنْ مَعْرُوف عِنْده وَعِنْد السَّحَرَة , وَذَلِكَ أَنَّهَا كَانَتْ نَسَبَتْ مَا جَاءَهُمْ بِهِ مُوسَى مِنْ الْآيَات الَّتِي جَعَلَهَا اللَّه عَلَمًا لَهُ عَلَى صِدْقه وَنُبُوَّته إِلَى أَنَّهُ سِحْر , فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى : السِّحْر الَّذِي وَصَفْتُمْ بِهِ مَا جِئْتُكُمْ بِهِ مِنْ الْآيَات أَيّهَا السَّحَرَة , هُوَ الَّذِي جِئْتُمْ بِهِ أَنْتُمْ لَا مَا جِئْتُكُمْ بِهِ أَنَا . ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ اللَّه سَيُبْطِلُهُ . فَقَالَ : { إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ } يَقُول : سَيَذْهَبُ بِهِ , فَذَهَبَ بِهِ تَعَالَى ذِكْره بِأَنْ سَلَّطَ عَلَيْهِ عَصَا مُوسَى قَدْ حَوَّلَهَا ثُعْبَانًا يَتَلَقَّفهُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْء .
{ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِح عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ } يَعْنِي : أَنَّهُ لَا يُصْلِح عَمَلَ مَنْ سَعَى فِي أَرْض اللَّه بِمَا يَكْرَههُ وَعَمِلَ فِيهَا بِمَعَاصِيهِ . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَة أُبَيّ بْن كَعْب : " مَا أَتَيْتُمْ بِهِ سِحْر " , وَفِي قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود : " مَا جِئْتُمْ بِهِ سِحْر " , وَذَلِكَ مِمَّا يُؤَيِّد قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ بِنَحْوِ الَّذِي أَخْتَرْنَا مِنْ الْقِرَاءَة فِيهِ .
{ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِح عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ } يَعْنِي : أَنَّهُ لَا يُصْلِح عَمَلَ مَنْ سَعَى فِي أَرْض اللَّه بِمَا يَكْرَههُ وَعَمِلَ فِيهَا بِمَعَاصِيهِ . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَة أُبَيّ بْن كَعْب : " مَا أَتَيْتُمْ بِهِ سِحْر " , وَفِي قِرَاءَة اِبْن مَسْعُود : " مَا جِئْتُمْ بِهِ سِحْر " , وَذَلِكَ مِمَّا يُؤَيِّد قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ بِنَحْوِ الَّذِي أَخْتَرْنَا مِنْ الْقِرَاءَة فِيهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيُحِقّ اللَّه الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ مُوسَى أَنَّهُ قَالَ لِلسَّحَرَةِ : { وَيُحِقّ اللَّه الْحَقَّ } يَقُول : وَيُثْبِت اللَّه الْحَقَّ الَّذِي جِئْتُكُمْ بِهِ مِنْ عِنْده , فَيُعْلِيه عَلَى بَاطِلكُمْ , وَيُصَحِّحهُ بِكَلِمَاتِهِ , يَعْنِي بِأَمْرِهِ ; { وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ } يَعْنِي الَّذِينَ اِكْتَسَبُوا الْإِثْم بِرَبِّهِمْ بِمَعْصِيَتِهِمْ إِيَّاهُ .
فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّة مِنْ قَوْمه عَلَى خَوْف مِنْ فِرْعَوْن } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَلَمْ يُؤْمِن لِمُوسَى مَعَ مَا أَتَاهُمْ بِهِ مِنْ الْحُجَج وَالْأَدِلَّة إِلَّا ذُرِّيَّة مِنْ قَوْمه خَائِفِينَ مِنْ فِرْعَوْن وَمَلَئِهِمْ . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الذُّرِّيَّة فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ بَعْضهمْ : الذُّرِّيَّة فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْقَلِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13759 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّة مِنْ قَوْمه } قَالَ : كَانَ اِبْن عَبَّاس يَقُول : الذُّرِّيَّة : الْقَلِيل . 13760 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله تَعَالَى : { فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّة مِنْ قَوْمه } الذُّرِّيَّة : الْقَلِيل , كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى : { كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّة قَوْم آخَرِينَ } 6 133 وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّة مَنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ مُوسَى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل لِطُولِ الزَّمَان ; لِأَنَّ الْآبَاء مَاتُوا وَبَقِيَ الْأَبْنَاء , فَقِيلَ لَهُمْ ذُرِّيَّة , لِأَنَّهُمْ كَانُوا ذُرِّيَّة مَنْ هَلَكَ مِمَّنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13761 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله تَعَالَى : { فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّة مِنْ قَوْمه } قَالَ : أَوْلَاد الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ طُول الزَّمَان وَمَاتَ آبَاؤُهُمْ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ; وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّة مِنْ قَوْمه } قَالَ : أَوْلَاد الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ مُوسَى مِنْ طُول الزَّمَان وَمَاتَ آبَاؤُهُمْ . 13762 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش : { فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّة مِنْ قَوْمه عَلَى خَوْف مِنْ فِرْعَوْن وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ } قَالَ : أَبْنَاء أُولَئِكَ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الزَّمَان وَمَاتَتْ آبَاؤُهُمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّة مِنْ قَوْم فِرْعَوْن . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13763 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّة مِنْ قَوْمه عَلَى خَوْف مِنْ فِرْعَوْن وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ } قَالَ : كَانَتْ الذُّرِّيَّة الَّتِي آمَنَتْ لِمُوسَى مِنْ أُنَاس غَيْر بَنِي إِسْرَائِيل مِنْ قَوْم فِرْعَوْن يَسِير , مِنْهُمْ اِمْرَأَة فِرْعَوْن , وَمُؤْمِن آل فِرْعَوْن , وَخَازِن فِرْعَوْن , وَامْرَأَة خَازِنه . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس خَبَر يَدُلّ عَلَى خِلَاف هَذَا الْقَوْل , وَذَلِكَ مَا : 13764 - حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { ذُرِّيَّة مِنْ قَوْمه } يَقُول : بَنِي إِسْرَائِيل . فَهَذَا الْخَبَر يُنْبِئ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ الذُّرِّيَّة فِي هَذَا الْمَوْضِع هُمْ بَنُو إِسْرَائِيل دُونَ غَيْرهمْ مِنْ قَوْم فِرْعَوْن . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال عِنْدِي بِتَأْوِيلِ الْآيَة الْقَوْل الَّذِي ذَكَرْته عَنْ مُجَاهِد , وَهُوَ أَنَّ الذُّرِّيَّة فِي هَذَا الْمَوْضِع أُرِيد بِهَا ذُرِّيَّة مَنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ مُوسَى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , فَهَلَكُوا قَبْل أَنْ يُقِرُّوا بِنُبُوَّتِهِ لِطُولِ الزَّمَان , فَأَدْرَكَتْ ذُرِّيَّتهمْ فَآمَنَ مِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَ اللَّهَ بِمُوسَى . وَإِنَّمَا قُلْت هَذَا الْقَوْل أَوْلَى بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ فِي هَذِهِ الْآيَة ذِكْر لِغَيْرِ مُوسَى , فَلَأَنْ تَكُونَ الْهَاء فِي قَوْله " مِنْ قَوْمه " مِنْ ذِكْر مُوسَى لِقُرْبِهِمْ مِنْ ذِكْره , أَوْلَى مِنْ أَنْ تَكُونَ مِنْ ذِكْر فِرْعَوْن لِبُعْدِ ذِكْره مِنْهَا ; إِذْ لَمْ يَكُنْ بِخِلَافِ ذَلِكَ دَلِيل مِنْ خَبَر وَلَا نَظَر . وَبَعْد , فَإِنَّ فِي قَوْله : { عَلَى خَوْف مِنْ فِرْعَوْن وَمَلَئِهِمْ } الدَّلِيل الْوَاضِح عَلَى أَنَّ الْهَاءَ فِي قَوْله : { إِلَّا ذُرِّيَّة مِنْ قَوْمه } مِنْ ذَكَرَ مُوسَى لَا مِنْ ذِكْر فِرْعَوْنَ ; لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِنْ ذِكْر فِرْعَوْنَ لَكَانَ الْكَلَام : " عَلَى خَوْف مِنْهُ " , وَلَمْ يَكُنْ { عَلَى خَوْف مِنْ فِرْعَوْنَ } . وَأَمَّا قَوْله : { عَلَى خَوْف مِنْ فِرْعَوْنَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي عَلَى حَال خَوْف مِمَّنْ آمَنَ مِنْ ذُرِّيَّة قَوْم مُوسَى بِمُوسَى . فَتَأْوِيل الْكَلَام : فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّة مِنْ قَوْمه مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , وَهُمْ خَائِفُونَ مِنْ فِرْعَوْن وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنُوهُمْ . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة أَنَّهُ إِنَّمَا قِيلَ : فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّة مِنْ قَوْمه ; لِأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ إِنَّمَا كَانَتْ أُمَّهَاتهمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل وَآبَاؤُهُمْ مِنْ الْقِبْط , فَقِيلَ لَهُمْ الذُّرِّيَّة مِنْ أَجْل ذَلِكَ , كَمَا قِيلَ لِأَبْنَاءِ الْفُرْس الَّذِينَ أُمَّهَاتهمْ مِنْ الْعَرَب وَآبَاؤُهُمْ مِنْ الْعَجَم : أَبْنَاء . وَالْمَعْرُوف مِنْ مَعْنَى الذُّرِّيَّة فِي كَلَام الْعَرَب : أَنَّهَا أَعْقَاب مَنْ نُسِبَتْ إِلَيْهِ مِنْ قِبَل الرِّجَال وَالنِّسَاء , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { ذُرِّيَّة مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوح } 17 3 وَكَمَا قَالَ : { وَمِنْ ذُرِّيَّته دَاوُدَ وَسُلَيْمَان وَأَيُّوب وَيُوسُف } ثُمَّ قَالَ بَعْدُ : { وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاس } 6 85 فَجَعَلَ مَنْ كَانَ مِنْ قِبَل الرِّجَال وَالنِّسَاء مِنْ ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيمَ .
وَأَمَّا قَوْله : { وَمَلَئِهِمْ } فَإِنَّ الْمَلَأَ : الْأَشْرَاف . وَتَأْوِيل الْكَلَام : عَلَى خَوْف مِنْ فِرْعَوْنَ وَمِنْ أَشْرَافهمْ . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِيمَنْ عُنِيَ بِالْهَاءِ وَالْمِيم اللَّتَيْنِ فِي قَوْله : { وَمَلَئِهِمْ } فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : عُنِيَ بِهَا الذُّرِّيَّة . وَكَأَنَّهُ وَجَّهَ الْكَلَامَ إِلَى : فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّة مِنْ قَوْمه , عَلَى خَوْف مِنْ فِرْعَوْن , وَمَلَأ الذُّرِّيَّة مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : عُنِيَ بِهِمَا فِرْعَوْن , قَالَ : وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ وَفِرْعَوْن وَاحِد ; لِأَنَّ الْمَلِك إِذَا ذُكِرَ لِخَوْفٍ أَوْ سَفَر وَقُدُوم مِنْ سَفَر ذَهَبَ الْوَهْم إِلَيْهِ وَإِلَى مَنْ مَعَهُ . وَقَالَ : أَلَا تَرَى أَنَّك تَقُول : قَدِمَ الْخَلِيفَة فَكَثُرَ النَّاس , تُرِيد بِمَنْ مَعَهُ , وَقَدِمَ فَغَلَتْ الْأَسْعَار ؟ لِأَنَّا نَنْوِي بِقُدُومِهِ قُدُومَ مَنْ مَعَهُ . قَالَ : وَقَدْ يَكُون يُرِيد أَنْ بِفِرْعَوْن آلَ فِرْعَوْن , وَيَحْذِف آل فِرْعَوْن فَيَجُوز , كَمَا قَالَ : { وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ } 10 82 يُرِيد أَهْل الْقَرْيَةِ , وَاَللَّه أَعْلَم . قَالَ : وَمِثْله قَوْله : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } 65 1 وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : الْهَاء وَالْمِيم عَائِدَتَانِ عَلَى الذُّرِّيَّة . وَوَجْه مَعْنَى الْكَلَام إِلَى أَنَّهُ عَلَى خَوْف مِنْ فِرْعَوْن , وَمَلَأ الذُّرِّيَّة ; لِأَنَّهُ كَانَ فِي ذُرِّيَّة الْقَرْن الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ مُوسَى مَنْ كَانَ أَبُوهُ قِبْطِيًّا وَأُمّه إِسْرَائِيلِيَّة , فَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ مِنْهُمْ كَانَ مَعَ فِرْعَوْن عَلَى مُوسَى .
وَقَوْله : { أَنْ يَفْتِنَهُمْ } يَقُول : كَانَ إِيمَان مَنْ آمَنَ مِنْ ذُرِّيَّة قَوْم مُوسَى عَلَى خَوْف مِنْ فِرْعَوْن أَنْ يَفْتِنَهُمْ بِالْعَذَابِ , فَيَصُدَّهُمْ عَنْ دِينهمْ , وَيَحْمِلَهُمْ عَلَى الرُّجُوع عَنْ إِيمَانهمْ وَالْكُفْر بِاَللَّهِ . وَقَالَ : { أَنْ يَفْتِنَهُمْ } فَوَحَّدَ وَلَمْ يَقُلْ : " أَنْ يَفْتِنُوهُمْ " , لِدَلِيلِ الْخَبَر عَنْ فِرْعَوْن بِذَلِكَ أَنَّ قَوْمَهُ كَانُوا عَلَى مِثْل مَا كَانَ عَلَيْهِ لِمَا قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْله : { عَلَى خَوْف مِنْ فِرْعَوْن وَمَلَئِهِمْ }
وَقَوْله : { وَإِنَّ فِرْعَوْن لَعَالٍ فِي الْأَرْض } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِنَّ فِرْعَوْن لَجَبَّار مُسْتَكْبِر عَلَى اللَّه فِي أَرْضه .
وَإِنَّهُ لَمِنْ الْمُتَجَاوِزِينَ الْحَقّ إِلَى الْبَاطِل , وَذَلِكَ كُفْره بِاَللَّهِ وَتَرْكه الْإِيمَان بِهِ وَجُحُوده وَحْدَانِيَّة اللَّه وَادِّعَاؤُهُ لِنَفْسِهِ الْأُلُوهَة وَسَفْكه الدِّمَاءَ بِغَيْرِ حِلّهَا .
وَأَمَّا قَوْله : { وَمَلَئِهِمْ } فَإِنَّ الْمَلَأَ : الْأَشْرَاف . وَتَأْوِيل الْكَلَام : عَلَى خَوْف مِنْ فِرْعَوْنَ وَمِنْ أَشْرَافهمْ . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِيمَنْ عُنِيَ بِالْهَاءِ وَالْمِيم اللَّتَيْنِ فِي قَوْله : { وَمَلَئِهِمْ } فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : عُنِيَ بِهَا الذُّرِّيَّة . وَكَأَنَّهُ وَجَّهَ الْكَلَامَ إِلَى : فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّة مِنْ قَوْمه , عَلَى خَوْف مِنْ فِرْعَوْن , وَمَلَأ الذُّرِّيَّة مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : عُنِيَ بِهِمَا فِرْعَوْن , قَالَ : وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ وَفِرْعَوْن وَاحِد ; لِأَنَّ الْمَلِك إِذَا ذُكِرَ لِخَوْفٍ أَوْ سَفَر وَقُدُوم مِنْ سَفَر ذَهَبَ الْوَهْم إِلَيْهِ وَإِلَى مَنْ مَعَهُ . وَقَالَ : أَلَا تَرَى أَنَّك تَقُول : قَدِمَ الْخَلِيفَة فَكَثُرَ النَّاس , تُرِيد بِمَنْ مَعَهُ , وَقَدِمَ فَغَلَتْ الْأَسْعَار ؟ لِأَنَّا نَنْوِي بِقُدُومِهِ قُدُومَ مَنْ مَعَهُ . قَالَ : وَقَدْ يَكُون يُرِيد أَنْ بِفِرْعَوْن آلَ فِرْعَوْن , وَيَحْذِف آل فِرْعَوْن فَيَجُوز , كَمَا قَالَ : { وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ } 10 82 يُرِيد أَهْل الْقَرْيَةِ , وَاَللَّه أَعْلَم . قَالَ : وَمِثْله قَوْله : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } 65 1 وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : الْهَاء وَالْمِيم عَائِدَتَانِ عَلَى الذُّرِّيَّة . وَوَجْه مَعْنَى الْكَلَام إِلَى أَنَّهُ عَلَى خَوْف مِنْ فِرْعَوْن , وَمَلَأ الذُّرِّيَّة ; لِأَنَّهُ كَانَ فِي ذُرِّيَّة الْقَرْن الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ مُوسَى مَنْ كَانَ أَبُوهُ قِبْطِيًّا وَأُمّه إِسْرَائِيلِيَّة , فَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ مِنْهُمْ كَانَ مَعَ فِرْعَوْن عَلَى مُوسَى .
وَقَوْله : { أَنْ يَفْتِنَهُمْ } يَقُول : كَانَ إِيمَان مَنْ آمَنَ مِنْ ذُرِّيَّة قَوْم مُوسَى عَلَى خَوْف مِنْ فِرْعَوْن أَنْ يَفْتِنَهُمْ بِالْعَذَابِ , فَيَصُدَّهُمْ عَنْ دِينهمْ , وَيَحْمِلَهُمْ عَلَى الرُّجُوع عَنْ إِيمَانهمْ وَالْكُفْر بِاَللَّهِ . وَقَالَ : { أَنْ يَفْتِنَهُمْ } فَوَحَّدَ وَلَمْ يَقُلْ : " أَنْ يَفْتِنُوهُمْ " , لِدَلِيلِ الْخَبَر عَنْ فِرْعَوْن بِذَلِكَ أَنَّ قَوْمَهُ كَانُوا عَلَى مِثْل مَا كَانَ عَلَيْهِ لِمَا قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْله : { عَلَى خَوْف مِنْ فِرْعَوْن وَمَلَئِهِمْ }
وَقَوْله : { وَإِنَّ فِرْعَوْن لَعَالٍ فِي الْأَرْض } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِنَّ فِرْعَوْن لَجَبَّار مُسْتَكْبِر عَلَى اللَّه فِي أَرْضه .
وَإِنَّهُ لَمِنْ الْمُتَجَاوِزِينَ الْحَقّ إِلَى الْبَاطِل , وَذَلِكَ كُفْره بِاَللَّهِ وَتَرْكه الْإِيمَان بِهِ وَجُحُوده وَحْدَانِيَّة اللَّه وَادِّعَاؤُهُ لِنَفْسِهِ الْأُلُوهَة وَسَفْكه الدِّمَاءَ بِغَيْرِ حِلّهَا .
وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْم إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاَللَّهِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيل مُوسَى نَبِيّه لِقَوْمِهِ : يَا قَوْم إِنْ كُنْتُمْ أَقْرَرْتُمْ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّه وَصَدَّقْتُمْ بِرُبُوبِيَّتِهِ .
{ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا } يَقُول : فَبِهِ فَثِقُوا , وَلِأَمْرِهِ فَسَلِّمُوا , فَإِنَّهُ لَنْ يَخْذُل وَلِيَّهُ وَيُسْلِمَ مَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ .
{ إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ } يَقُول : إِنْ كُنْتُمْ مُذْعِنِينَ لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ , فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا .
{ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا } يَقُول : فَبِهِ فَثِقُوا , وَلِأَمْرِهِ فَسَلِّمُوا , فَإِنَّهُ لَنْ يَخْذُل وَلِيَّهُ وَيُسْلِمَ مَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ .
{ إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ } يَقُول : إِنْ كُنْتُمْ مُذْعِنِينَ لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ , فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَقَالُوا عَلَى اللَّه تَوَكَّلْنَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَقَالَ قَوْم يَا مُوسَى لِمُوسَى : { عَلَى اللَّه تَوَكَّلْنَا } أَيْ بِهِ وَثِقْنَا , وَإِلَيْهِ فَوَّضْنَا أَمْرنَا .
وَقَوْله : { رَبّنَا لَا تَجْعَلنَا فِتْنَة لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ مُخْبِرًا عَنْ قَوْم مُوسَى أَنَّهُمْ دَعَوْا رَبّهمْ فَقَالُوا : يَا رَبّنَا لَا تَخْتَبِر هَؤُلَاءِ الْقَوْم الْكَافِرِينَ , وَلَا تَمْتَحِنهُمْ بِنَا ; يَعْنُونَ قَوْم فِرْعَوْن . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنَى الَّذِي سَأَلُوهُ رَبَّهُمْ مِنْ إِعَادَته اِبْتِلَاءَ قَوْم فِرْعَوْنَ بِهِمْ , فَقَالَ بَعْضهمْ : سَأَلُوهُ أَنْ لَا يُظْهِرَهُمْ عَلَيْهِمْ , فَيَظُنُّوا أَنَّهُمْ خَيْر مِنْهُمْ وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا سُلِّطُوا عَلَيْهِمْ لِكَرَامَتِهِمْ عَلَيْهِ وَهَوَان الْآخَرِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13765 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ عِمْرَان بْن حُدَيْرٍ , عَنْ أَبِي مِجْلَز , فِي قَوْله : { رَبّنَا لَا تَجْعَلنَا فِتْنَة لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } قَالَ : لَا يَظْهَرُوا عَلَيْنَا فَيَرَوْا أَنَّهُمْ خَيْر مِنَّا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا الْحَجَّاج , قَالَ : ثَنَا حَمَّاد , عَنْ عِمْرَان بْن حُدَيْرٍ , عَنْ أَبَى مِجْلَز فِي قَوْله : { رَبّنَا لَا تَجْعَلنَا فِتْنَة لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } قَالَ : قَالُوا : لَا تُظْهِرهُمْ عَلَيْنَا فَيَرَوْا أَنَّهُمْ خَيْر مِنَّا . 13766 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي الضُّحَى : { رَبّنَا لَا تَجْعَلنَا فِتْنَة لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } قَالَ : لَا تُسَلِّطهُمْ عَلَيْنَا فَيَزْدَادُوا فِتْنَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : لَا تُسَلِّطهُمْ عَلَيْنَا فَيَفْتِنُونَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13767 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا اِبْن عُيَيْنَةَ , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { رَبّنَا لَا تَجْعَلنَا فِتْنَة لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } لَا تُسَلِّطهُمْ عَلَيْنَا فَيَفْتِنُونَا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , عَنْ اِبْن عُيَيْنَةَ , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { رَبّنَا لَا تَجْعَلنَا فِتْنَة لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } قَالَ : لَا تُسَلِّطهُمْ عَلَيْنَا فَيُضِلُّونَا . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عُيَيْنَةَ , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . وَقَالَ أَيْضًا فَيَفْتِنُونَا . 13768 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { لَا تَجْعَلنَا فِتْنَة لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } لَا تُعَذِّبنَا بِأَيْدِي قَوْم فِرْعَوْن , وَلَا بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدَك , فَيَقُول قَوْم فِرْعَوْن : لَوْ كَانُوا عَلَى حَقّ مَا سُلِّطْنَا عَلَيْهِمْ وَلَا عُذِّبُوا , فَيُفْتَنُوا بِنَا . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { لَا تَجْعَلنَا فِتْنَة لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } قَالَ : لَا تُعَذِّبنَا بِأَيْدِي قَوْم فِرْعَوْن وَلَا بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِك , فَيَقُول قَوْم فِرْعَوْن : لَوْ كَانُوا عَلَى حَقّ مَا سُلِّطْنَا عَلَيْهِمْ وَلَا عُذِّبُوا , فَيُفْتَتَنُوا بِنَا . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { لَا تَجْعَلنَا فِتْنَة لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } قَالَ : لَا تُصِبْنَا بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدك وَلَا بِأَيْدِيهِمْ فَيُفْتَتَنُوا وَيَقُولُوا : لَوْ كَانُوا عَلَى حَقّ مَا سُلِّطْنَا عَلَيْهِمْ وَمَا عُذِّبُوا . 13769 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله تَعَالَى : { رَبّنَا لَا تَجْعَلنَا فِتْنَة لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } لَا تَبْتَلِنَا رَبّنَا فَتُجْهِدَنَا وَتَجْعَلَهُ فِتْنَة لَهُمْ هَذِهِ الْفِتْنَة . وَقَرَأَ : { فِتْنَة لِلظَّالِمِينَ } 37 63 قَالَ الْمُشْرِكُونَ حِينَ كَانُوا يُؤْذُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ وَيَرْمُونَهُمْ : أَلَيْسَ ذَلِكَ فِتْنَة لَهُمْ , وَسُوءًا لَهُمْ ؟ وَهِيَ بَلِيَّة لِلْمُؤْمِنِينَ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ الْقَوْمَ رَغِبُوا إِلَى اللَّه فِي أَنْ يُجِيرَهُمْ مِنْ أَنْ يَكُونُوا مِحْنَة لِقَوْمِ فِرْعَوْن وَبَلَاء , وَكُلّ مَا كَانَ مِنْ أَمْر كَانَ لَهُمْ مَصَدَّة عَنْ اِتِّبَاع مُوسَى وَالْإِقْرَار بِهِ وَبِمَا جَاءَهُمْ بِهِ , فَإِنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّهُ كَانَ لَهُمْ فِتْنَة , وَكَانَ مِنْ أَعْظَم الْأُمُور لَهُمْ إِبْعَادًا مِنْ الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَرَسُوله . وَكَذَلِكَ كَانَ مِنْ الْمَصَدَّة لَهُمْ عَنْ الْإِيمَان أَنْ لَوْ كَانَ قَوْم مُوسَى عَاجَلَتْهمْ مِنْ اللَّه مِحْنَة فِي أَنْفُسهمْ مِنْ بَلِيَّة تَنْزِل بِهِمْ , فَاسْتَعَاذَ الْقَوْم بِاَللَّهِ مِنْ كُلّ مَعْنًى يَكُون صَادًّا لِقَوْمِ فِرْعَوْنَ عَنْ الْإِيمَان بِاَللَّهِ بِأَسْبَابِهِمْ .
وَقَوْله : { رَبّنَا لَا تَجْعَلنَا فِتْنَة لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ مُخْبِرًا عَنْ قَوْم مُوسَى أَنَّهُمْ دَعَوْا رَبّهمْ فَقَالُوا : يَا رَبّنَا لَا تَخْتَبِر هَؤُلَاءِ الْقَوْم الْكَافِرِينَ , وَلَا تَمْتَحِنهُمْ بِنَا ; يَعْنُونَ قَوْم فِرْعَوْن . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنَى الَّذِي سَأَلُوهُ رَبَّهُمْ مِنْ إِعَادَته اِبْتِلَاءَ قَوْم فِرْعَوْنَ بِهِمْ , فَقَالَ بَعْضهمْ : سَأَلُوهُ أَنْ لَا يُظْهِرَهُمْ عَلَيْهِمْ , فَيَظُنُّوا أَنَّهُمْ خَيْر مِنْهُمْ وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا سُلِّطُوا عَلَيْهِمْ لِكَرَامَتِهِمْ عَلَيْهِ وَهَوَان الْآخَرِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13765 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ عِمْرَان بْن حُدَيْرٍ , عَنْ أَبِي مِجْلَز , فِي قَوْله : { رَبّنَا لَا تَجْعَلنَا فِتْنَة لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } قَالَ : لَا يَظْهَرُوا عَلَيْنَا فَيَرَوْا أَنَّهُمْ خَيْر مِنَّا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا الْحَجَّاج , قَالَ : ثَنَا حَمَّاد , عَنْ عِمْرَان بْن حُدَيْرٍ , عَنْ أَبَى مِجْلَز فِي قَوْله : { رَبّنَا لَا تَجْعَلنَا فِتْنَة لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } قَالَ : قَالُوا : لَا تُظْهِرهُمْ عَلَيْنَا فَيَرَوْا أَنَّهُمْ خَيْر مِنَّا . 13766 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي الضُّحَى : { رَبّنَا لَا تَجْعَلنَا فِتْنَة لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } قَالَ : لَا تُسَلِّطهُمْ عَلَيْنَا فَيَزْدَادُوا فِتْنَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : لَا تُسَلِّطهُمْ عَلَيْنَا فَيَفْتِنُونَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13767 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا اِبْن عُيَيْنَةَ , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { رَبّنَا لَا تَجْعَلنَا فِتْنَة لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } لَا تُسَلِّطهُمْ عَلَيْنَا فَيَفْتِنُونَا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , عَنْ اِبْن عُيَيْنَةَ , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { رَبّنَا لَا تَجْعَلنَا فِتْنَة لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } قَالَ : لَا تُسَلِّطهُمْ عَلَيْنَا فَيُضِلُّونَا . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عُيَيْنَةَ , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . وَقَالَ أَيْضًا فَيَفْتِنُونَا . 13768 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { لَا تَجْعَلنَا فِتْنَة لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } لَا تُعَذِّبنَا بِأَيْدِي قَوْم فِرْعَوْن , وَلَا بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدَك , فَيَقُول قَوْم فِرْعَوْن : لَوْ كَانُوا عَلَى حَقّ مَا سُلِّطْنَا عَلَيْهِمْ وَلَا عُذِّبُوا , فَيُفْتَنُوا بِنَا . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { لَا تَجْعَلنَا فِتْنَة لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } قَالَ : لَا تُعَذِّبنَا بِأَيْدِي قَوْم فِرْعَوْن وَلَا بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِك , فَيَقُول قَوْم فِرْعَوْن : لَوْ كَانُوا عَلَى حَقّ مَا سُلِّطْنَا عَلَيْهِمْ وَلَا عُذِّبُوا , فَيُفْتَتَنُوا بِنَا . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { لَا تَجْعَلنَا فِتْنَة لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } قَالَ : لَا تُصِبْنَا بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدك وَلَا بِأَيْدِيهِمْ فَيُفْتَتَنُوا وَيَقُولُوا : لَوْ كَانُوا عَلَى حَقّ مَا سُلِّطْنَا عَلَيْهِمْ وَمَا عُذِّبُوا . 13769 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله تَعَالَى : { رَبّنَا لَا تَجْعَلنَا فِتْنَة لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } لَا تَبْتَلِنَا رَبّنَا فَتُجْهِدَنَا وَتَجْعَلَهُ فِتْنَة لَهُمْ هَذِهِ الْفِتْنَة . وَقَرَأَ : { فِتْنَة لِلظَّالِمِينَ } 37 63 قَالَ الْمُشْرِكُونَ حِينَ كَانُوا يُؤْذُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ وَيَرْمُونَهُمْ : أَلَيْسَ ذَلِكَ فِتْنَة لَهُمْ , وَسُوءًا لَهُمْ ؟ وَهِيَ بَلِيَّة لِلْمُؤْمِنِينَ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ الْقَوْمَ رَغِبُوا إِلَى اللَّه فِي أَنْ يُجِيرَهُمْ مِنْ أَنْ يَكُونُوا مِحْنَة لِقَوْمِ فِرْعَوْن وَبَلَاء , وَكُلّ مَا كَانَ مِنْ أَمْر كَانَ لَهُمْ مَصَدَّة عَنْ اِتِّبَاع مُوسَى وَالْإِقْرَار بِهِ وَبِمَا جَاءَهُمْ بِهِ , فَإِنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّهُ كَانَ لَهُمْ فِتْنَة , وَكَانَ مِنْ أَعْظَم الْأُمُور لَهُمْ إِبْعَادًا مِنْ الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَرَسُوله . وَكَذَلِكَ كَانَ مِنْ الْمَصَدَّة لَهُمْ عَنْ الْإِيمَان أَنْ لَوْ كَانَ قَوْم مُوسَى عَاجَلَتْهمْ مِنْ اللَّه مِحْنَة فِي أَنْفُسهمْ مِنْ بَلِيَّة تَنْزِل بِهِمْ , فَاسْتَعَاذَ الْقَوْم بِاَللَّهِ مِنْ كُلّ مَعْنًى يَكُون صَادًّا لِقَوْمِ فِرْعَوْنَ عَنْ الْإِيمَان بِاَللَّهِ بِأَسْبَابِهِمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنْ الْقَوْم الْكَافِرِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَنَجِّنَا يَا رَبَّنَا بِرَحْمَتِكَ , فَخَلِّصْنَا مِنْ أَيْدِي الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ قَوْم فِرْعَوْن ; لِأَنَّهُمْ كَانَ يَسْتَعْبِدُونَهُمْ وَيَسْتَعْمِلُونَهُمْ فِي الْأَشْيَاء الْقَذِرَة مِنْ خِدْمَتهمْ .
وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ اِتَّخِذَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا , يُقَال مِنْهُ : تَبَوَّأَ فُلَان لِنَفْسِهِ بَيْتًا : إِذَا اِتَّخَذَهُ . وَكَذَلِكَ تَبَوَّأَ مُصْحَفًا : إِذَا اِتَّخَذَهُ . وَبَوَّأْته أَنَا بَيْتًا : إِذَا اِتَّخَذْته لَهُ .
يَقُول : وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَسَاجِد تُصَلُّونَ فِيهَا . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة } فَقَالَ بَعْضهمْ فِي ذَلِكَ نَحْو الَّذِي قُلْنَا فِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13770 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ سُفْيَان عَنْ حُمَيْد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة } قَالَ : مَسَاجِد . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ خُصَيْف , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة } قَالَ : أُمِرُوا أَنْ يَتَّخِذُوهَا مَسَاجِد . 13771 - قَالَ : ثَنَا أَبُو غَسَّان مَالِك بْن إِسْمَاعِيل , قَالَ : ثَنَا زُهَيْر , قَالَ : ثَنَا خُصَيْف , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة } قَالَ : كَانُوا يَفْرَقُونَ مِنْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمه أَنْ يُصَلُّوا , فَقَالَ لَهُمْ : اِجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة , يَقُول : اِجْعَلُوهَا مَسْجِدًا حَتَّى تُصَلُّوا فِيهَا . 13772 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع وَابْن حُمَيْد , قَالَا : ثَنَا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم : { وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة } قَالَ : خَافُوا فَأُمِرُوا أَنْ يُصَلُّوا فِي بُيُوتهمْ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم : { وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة } قَالَ : كَانُوا خَائِفِينَ , فَأُمِرُوا أَنْ يُصَلُّوا فِي بُيُوتهمْ . 13773 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا الْحِمَّانِيّ , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ خُصَيْف , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة } قَالَ : كَانُوا خَائِفِينَ فَأُمِرُوا أَنْ يُصَلُّوا فِي بُيُوتهمْ . 13774 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا اِبْن عُيَيْنَةَ , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة } قَالَ : كَانُوا لَا يُصَلُّونَ إِلَّا فِي الْبَيْت , وَكَانُوا لَا يُصَلُّونَ إِلَّا خَائِفِينَ , فَأُمِرُوا أَنْ يُصَلُّوا فِي بُيُوتهمْ . * - قَالَ : ثَنَا جَرِير عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : كَانُوا خَائِفِينَ , فَأُمِرُوا أَنْ يُصَلُّوا فِي بُيُوتهمْ . 13775 - قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك : { وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة } قَالَ : كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيل تَخَاف فِرْعَوْن , فَأُمِرُوا أَنْ يَجْعَلُوا بُيُوتَهُمْ مَسَاجِد يُصَلُّونَ فِيهَا . 13776 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن سَعْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس فِي قَوْله : { وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة } يَقُول : مَسَاجِد . * - قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن يُونُس , قَالَ : ثَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم : { وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة } قَالَ : كَانُوا يُصَلُّونَ فِي بُيُوتهمْ يَخَافُونَ . 13777 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا زَيْد بْن الْحُبَاب , عَنْ أَبِي سِنَان , عَنْ الضَّحَّاك : { أَنْ تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا } قَالَ : مَسَاجِد . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم , فِي قَوْله : { وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة } قَالَ : كَانُوا خَائِفِينَ , فَأُمِرُوا أَنْ يُصَلُّوا فِي بُيُوتهمْ . 13778 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة } قَالَ : قَالَ أَبِي زَيْد : اِجْعَلُوا فِي بُيُوتكُمْ مَسَاجِدَكُمْ تُصَلُّونَ فِيهَا ; تِلْكَ الْقِبْلَة . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَاجْعَلُوا مَسَاجِدَكُمْ قِبَل الْكَعْبَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13779 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا حَكَّام , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى , عَنْ الْمِنْهَال , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة } يَعْنِي الْكَعْبَة . 13780 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ : قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيل لِمُوسَى : لَا نَسْتَطِيع أَنْ نُظْهِر صَلَاتَنَا مَعَ الْفَرَاعِنَة . فَأَذِنَ اللَّه لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا فِي بُيُوتهمْ , وَأُمِرُوا أَنْ يَحْمِلُوا بُيُوتَهُمْ قِبَل الْقِبْلَة . 13781 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم . قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : { وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة } يَقُول : وَجِّهُوا بُيُوتَكُمْ مَسَاجِدَكُمْ نَحْو الْقِبْلَة , أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُول : { فِي بُيُوت أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع } ؟ 24 36 13782 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد اللَّه , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي يَحْيَى , عَنْ مُجَاهِد : { وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة } قَالَ : قِبَل الْقِبْلَة . 13783 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { بُيُوتكُمْ قِبْلَة } قَالَ : نَحْو الْكَعْبَة , حِين خَافَ مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ مِنْ فِرْعَوْن أَنْ يُصَلُّوا فِي الْكَنَائِس الْجَامِعَة , فَأُمِرُوا أَنْ يَجْعَلُوا فِي بُيُوتهمْ مَسَاجِد مُسْتَقْبِلَةَ الْكَعْبَةِ يُصَلُّونَ فِيهَا سِرًّا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة } ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ سَوَاء . 13784 - قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا } مَسَاجِد . 13785 - قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : فِي قَوْله : { أَنْ تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا } قَالَ : مِصْر , الْإِسْكَنْدَرِيَّة . 13786 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة } قَالَ : وَذَلِكَ حِينَ مَنَعَهُمْ فِرْعَوْن الصَّلَاةَ , فَأُمِرُوا أَنْ يَجْعَلُوا مَسَاجِدَهُمْ فِي بُيُوتهمْ وَأَنْ يُوَجِّهُوا نَحْو الْقِبْلَة . 13787 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { بُيُوتَكُمْ قِبْلَة } قَالَ : نَحْو الْقِبْلَة . 13788 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , عَنْ أَبِي سِنَان , عَنْ الضَّحَّاك : { وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا } قَالَ : مَسَاجِد . { وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة } قَالَ : قِبَل الْقِبْلَة . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ يُقَابِل بَعْضهَا بَعْضًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13789 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا عِمْرَان بْن عُيَيْنَةَ , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة } قَالَ : يُقَابِل بَعْضُهَا بَعْضًا . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ الْقَوْل الَّذِي قَدَّمْنَا بَيَانَهُ , وَذَلِكَ أَنَّ الْأَغْلَبَ مِنْ مَعَانِي الْبُيُوت وَإِنْ كَانَتْ الْمَسَاجِد بُيُوتًا , الْبُيُوت الْمَسْكُونَة إِذَا ذُكِرَتْ بِاسْمِهَا الْمُطْلَق دُون الْمَسَاجِد ; لِأَنَّ الْمَسَاجِد لَهَا اِسْم هِيَ بِهِ مَعْرُوفَة خَاصّ لَهَا , وَذَلِكَ الْمَسَاجِد . فَأَمَّا الْبُيُوت الْمُطْلَقَة بِغَيْرِ وَصْلهَا بِشَيْءٍ وَلَا إِضَافَتهَا إِلَى شَيْء , فَالْبُيُوت الْمَسْكُونَة , وَكَذَلِكَ الْقِبْلَة الْأَغْلَب مِنْ اِسْتِعْمَال النَّاس إِيَّاهَا فِي قِبَلِ الْمَسَاجِد وَلِلصَّلَوَاتِ . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ غَيْر جَائِز تَوْجِيه مَعَانِي كَلَام اللَّه إِلَّا إِلَى الْأَغْلَب مِنْ وُجُوههَا الْمُسْتَعْمَل بَيْن أَهْل اللِّسَان الَّذِي نَزَلَ بِهِ دُون الْخَفِيّ الْمَجْهُول مَا لَمْ تَأْتِ دَلَالَة تَدُلّ عَلَى غَيْر ذَلِكَ , وَلَمْ يَكُنْ عَلَى قَوْله : { وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة } دَلَالَة تَقْطَع الْعُذْر بِأَنَّ مَعْنَاهُ غَيْر الظَّاهِر الْمُسْتَعْمَل فِي كَلَام الْعَرَب , لَمْ يَجُزْ لَنَا تَوْجِيهه إِلَى غَيْر الظَّاهِر الَّذِي وَصَفْنَا .
وَقَوْله : { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَدُّوا الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَة بِحُدُودِهَا فِي أَوْقَاتهَا .
وَقَوْله : { وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : وَبَشِّرْ مُقِيمِي الصَّلَاة الْمُطِيعِي اللَّه يَا مُحَمَّد الْمُؤْمِنِينَ بِالثَّوَابِ الْجَزِيل مِنْهُ .
يَقُول : وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَسَاجِد تُصَلُّونَ فِيهَا . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة } فَقَالَ بَعْضهمْ فِي ذَلِكَ نَحْو الَّذِي قُلْنَا فِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13770 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ سُفْيَان عَنْ حُمَيْد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة } قَالَ : مَسَاجِد . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ خُصَيْف , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة } قَالَ : أُمِرُوا أَنْ يَتَّخِذُوهَا مَسَاجِد . 13771 - قَالَ : ثَنَا أَبُو غَسَّان مَالِك بْن إِسْمَاعِيل , قَالَ : ثَنَا زُهَيْر , قَالَ : ثَنَا خُصَيْف , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة } قَالَ : كَانُوا يَفْرَقُونَ مِنْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمه أَنْ يُصَلُّوا , فَقَالَ لَهُمْ : اِجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة , يَقُول : اِجْعَلُوهَا مَسْجِدًا حَتَّى تُصَلُّوا فِيهَا . 13772 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع وَابْن حُمَيْد , قَالَا : ثَنَا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم : { وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة } قَالَ : خَافُوا فَأُمِرُوا أَنْ يُصَلُّوا فِي بُيُوتهمْ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم : { وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة } قَالَ : كَانُوا خَائِفِينَ , فَأُمِرُوا أَنْ يُصَلُّوا فِي بُيُوتهمْ . 13773 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا الْحِمَّانِيّ , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ خُصَيْف , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة } قَالَ : كَانُوا خَائِفِينَ فَأُمِرُوا أَنْ يُصَلُّوا فِي بُيُوتهمْ . 13774 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا اِبْن عُيَيْنَةَ , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة } قَالَ : كَانُوا لَا يُصَلُّونَ إِلَّا فِي الْبَيْت , وَكَانُوا لَا يُصَلُّونَ إِلَّا خَائِفِينَ , فَأُمِرُوا أَنْ يُصَلُّوا فِي بُيُوتهمْ . * - قَالَ : ثَنَا جَرِير عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : كَانُوا خَائِفِينَ , فَأُمِرُوا أَنْ يُصَلُّوا فِي بُيُوتهمْ . 13775 - قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك : { وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة } قَالَ : كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيل تَخَاف فِرْعَوْن , فَأُمِرُوا أَنْ يَجْعَلُوا بُيُوتَهُمْ مَسَاجِد يُصَلُّونَ فِيهَا . 13776 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن سَعْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس فِي قَوْله : { وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة } يَقُول : مَسَاجِد . * - قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن يُونُس , قَالَ : ثَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم : { وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة } قَالَ : كَانُوا يُصَلُّونَ فِي بُيُوتهمْ يَخَافُونَ . 13777 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا زَيْد بْن الْحُبَاب , عَنْ أَبِي سِنَان , عَنْ الضَّحَّاك : { أَنْ تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا } قَالَ : مَسَاجِد . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم , فِي قَوْله : { وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة } قَالَ : كَانُوا خَائِفِينَ , فَأُمِرُوا أَنْ يُصَلُّوا فِي بُيُوتهمْ . 13778 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة } قَالَ : قَالَ أَبِي زَيْد : اِجْعَلُوا فِي بُيُوتكُمْ مَسَاجِدَكُمْ تُصَلُّونَ فِيهَا ; تِلْكَ الْقِبْلَة . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَاجْعَلُوا مَسَاجِدَكُمْ قِبَل الْكَعْبَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13779 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا حَكَّام , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى , عَنْ الْمِنْهَال , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة } يَعْنِي الْكَعْبَة . 13780 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ : قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيل لِمُوسَى : لَا نَسْتَطِيع أَنْ نُظْهِر صَلَاتَنَا مَعَ الْفَرَاعِنَة . فَأَذِنَ اللَّه لَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا فِي بُيُوتهمْ , وَأُمِرُوا أَنْ يَحْمِلُوا بُيُوتَهُمْ قِبَل الْقِبْلَة . 13781 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم . قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : { وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة } يَقُول : وَجِّهُوا بُيُوتَكُمْ مَسَاجِدَكُمْ نَحْو الْقِبْلَة , أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُول : { فِي بُيُوت أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع } ؟ 24 36 13782 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد اللَّه , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي يَحْيَى , عَنْ مُجَاهِد : { وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة } قَالَ : قِبَل الْقِبْلَة . 13783 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { بُيُوتكُمْ قِبْلَة } قَالَ : نَحْو الْكَعْبَة , حِين خَافَ مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ مِنْ فِرْعَوْن أَنْ يُصَلُّوا فِي الْكَنَائِس الْجَامِعَة , فَأُمِرُوا أَنْ يَجْعَلُوا فِي بُيُوتهمْ مَسَاجِد مُسْتَقْبِلَةَ الْكَعْبَةِ يُصَلُّونَ فِيهَا سِرًّا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة } ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ سَوَاء . 13784 - قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا } مَسَاجِد . 13785 - قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : فِي قَوْله : { أَنْ تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا } قَالَ : مِصْر , الْإِسْكَنْدَرِيَّة . 13786 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة } قَالَ : وَذَلِكَ حِينَ مَنَعَهُمْ فِرْعَوْن الصَّلَاةَ , فَأُمِرُوا أَنْ يَجْعَلُوا مَسَاجِدَهُمْ فِي بُيُوتهمْ وَأَنْ يُوَجِّهُوا نَحْو الْقِبْلَة . 13787 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { بُيُوتَكُمْ قِبْلَة } قَالَ : نَحْو الْقِبْلَة . 13788 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , عَنْ أَبِي سِنَان , عَنْ الضَّحَّاك : { وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا } قَالَ : مَسَاجِد . { وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة } قَالَ : قِبَل الْقِبْلَة . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ يُقَابِل بَعْضهَا بَعْضًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13789 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا عِمْرَان بْن عُيَيْنَةَ , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة } قَالَ : يُقَابِل بَعْضُهَا بَعْضًا . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ الْقَوْل الَّذِي قَدَّمْنَا بَيَانَهُ , وَذَلِكَ أَنَّ الْأَغْلَبَ مِنْ مَعَانِي الْبُيُوت وَإِنْ كَانَتْ الْمَسَاجِد بُيُوتًا , الْبُيُوت الْمَسْكُونَة إِذَا ذُكِرَتْ بِاسْمِهَا الْمُطْلَق دُون الْمَسَاجِد ; لِأَنَّ الْمَسَاجِد لَهَا اِسْم هِيَ بِهِ مَعْرُوفَة خَاصّ لَهَا , وَذَلِكَ الْمَسَاجِد . فَأَمَّا الْبُيُوت الْمُطْلَقَة بِغَيْرِ وَصْلهَا بِشَيْءٍ وَلَا إِضَافَتهَا إِلَى شَيْء , فَالْبُيُوت الْمَسْكُونَة , وَكَذَلِكَ الْقِبْلَة الْأَغْلَب مِنْ اِسْتِعْمَال النَّاس إِيَّاهَا فِي قِبَلِ الْمَسَاجِد وَلِلصَّلَوَاتِ . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ غَيْر جَائِز تَوْجِيه مَعَانِي كَلَام اللَّه إِلَّا إِلَى الْأَغْلَب مِنْ وُجُوههَا الْمُسْتَعْمَل بَيْن أَهْل اللِّسَان الَّذِي نَزَلَ بِهِ دُون الْخَفِيّ الْمَجْهُول مَا لَمْ تَأْتِ دَلَالَة تَدُلّ عَلَى غَيْر ذَلِكَ , وَلَمْ يَكُنْ عَلَى قَوْله : { وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَة } دَلَالَة تَقْطَع الْعُذْر بِأَنَّ مَعْنَاهُ غَيْر الظَّاهِر الْمُسْتَعْمَل فِي كَلَام الْعَرَب , لَمْ يَجُزْ لَنَا تَوْجِيهه إِلَى غَيْر الظَّاهِر الَّذِي وَصَفْنَا .
وَقَوْله : { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَدُّوا الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَة بِحُدُودِهَا فِي أَوْقَاتهَا .
وَقَوْله : { وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : وَبَشِّرْ مُقِيمِي الصَّلَاة الْمُطِيعِي اللَّه يَا مُحَمَّد الْمُؤْمِنِينَ بِالثَّوَابِ الْجَزِيل مِنْهُ .
وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَ مُوسَى رَبّنَا إِنَّك آتَيْت فِرْعَوْن وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَالَ مُوسَى يَا رَبّنَا إِنَّك أَعْطَيْت فِرْعَوْن وَكُبَرَاء قَوْمه وَأَشْرَافهمْ , وَهُمْ الْمَلَأ , وَزِينَة مِنْ مَتَاع الدُّنْيَا وَأَثَاثهَا , وَأَمْوَالًا مِنْ أَعْيَان الذَّهَب وَالْفِضَّة فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا .
يَقُول مُوسَى لِرَبِّهِ : رَبّنَا أَعْطَيْتهمْ مَا أَعْطَيْتهمْ مِنْ ذَلِكَ لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِك . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ بَعْضهمْ : { لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِك } بِمَعْنَى : لِيُضِلُّوا النَّاس , عَنْ سَبِيلِك وَيَصُدُّوهُمْ عَنْ دِينك . وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ : " لِيَضِلُّوا عَنْ سَبِيلِك " بِمَعْنَى : لِيَضِلُّوا هُمْ عَنْ سَبِيلِك , فَيَجُورُوا عَنْ طَرِيق الْهُدَى . فَإِنْ قَالَ قَائِل : أَفَكَانَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَعْطَى فِرْعَوْن وَقَوْمَهُ مَا أَعْطَاهُمْ مِنْ زِينَة الدُّنْيَا وَأَمْوَالهَا لِيُضِلُّوا النَّاسَ عَنْ دِينه , أَوْ لِيَضِلُّوا هُمْ عَنْهُ ؟ فَإِنْ كَانَ لِذَلِكَ أَعْطَاهُمْ ذَلِكَ , فَقَدْ كَانَ مِنْهُمْ مَا أَعْطَاهُمْ لِأَجْلِهِ , فَلَا عَتْب عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ ؟ قِيلَ : إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا تَوَهَّمْت . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم بِالْعَرَبِيَّةِ فِي مَعْنَى هَذِهِ اللَّام الَّتِي فِي قَوْله : { لِيُضِلُّوا } فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : مَعْنَى ذَلِكَ : رَبّنَا فَضَلُّوا عَنْ سَبِيلِك , كَمَا قَالَ : { فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا } 28 8 أَيْ فَكَانَ لَهُمْ وَهُمْ لَمْ يَلْتَقِطُوهُ لِيَكُونَ عَدُوًّا وَحَزَنًا , وَإِنَّمَا اِلْتَقَطُوهُ فَكَانَ لَهُمْ . قَالَ : فَهَذِهِ اللَّام تَجِيءُ فِي هَذَا الْمَعْنَى . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : هَذِهِ اللَّام لَام كَيْ ; وَمَعْنَى الْكَلَام : رَبّنَا أَعْطَيْتهمْ مَا أَعْطَيْتهمْ كَيْ يُضِلُّوا , ثُمَّ دَعَا عَلَيْهِمْ وَقَالَ آخَر : هَذِهِ اللَّامَّات فِي قَوْله " لِيُضِلُّوا " وَ " لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا " , وَمَا أَشْبَهَهَا بِتَأْوِيلِ الْخَفْض : آتَيْتهمْ مَا أَتَيْتهمْ لِضَلَالِهِمْ , وَالْتَقَطُوهُ لِكَوْنِهِ ; لِأَنَّهُ قَدْ آنَتْ الْحَالَة إِلَى ذَلِكَ . وَالْعَرَب تَجْعَل لَامَ كَيْ فِي مَعْنَى لَام الْخَفْض , وَلَامَ الْخَفْض فِي مَعْنَى لَام كَيْ لِتَقَارُبِ الْمَعْنَى , قَالَ اللَّه تَعَالَى : { سَيَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ لَكُمْ إِذَا اِنْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ } 9 95 أَيْ لِإِعْرَاضِكُمْ , وَلَمْ يَحْلِفُوا لِإِعْرَاضِهِمْ ; وَقَالَ الشَّاعِر : سَمَوْت وَلَمْ تَكُنْ أَهْلًا لِتَسْمُوَ وَلَكِنَّ الْمُضَيَّع قَدْ يُصَاب قَالَ : وَإِنَّمَا يُقَال : وَمَا كُنْت أَهْلًا لِلْفِعْلِ , وَلَا يُقَال لِتَفْعَل إِلَّا قَلِيلًا . قَالَ : وَهَذَا مِنْهُ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي : أَنَّهَا لَام كَيْ , وَمَعْنَى الْكَلَام : رَبّنَا أَعْطَيْتهمْ مَا أَعْطَيْتهمْ مِنْ زِينَة الْحَيَاة الدُّنْيَا وَالْأَمْوَال لِتَفْتِنهُمْ فِيهِ , وَيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِك عِبَادَك , عُقُوبَةً مِنْك . وَهَذَا كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } 72 16 : 17
وَقَوْله : { رَبّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالهمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبهمْ } هَذَا دُعَاء مِنْ مُوسَى , دَعَا اللَّهَ عَلَى فِرْعَوْن وَمَلَئِهِ أَنْ يُغَيِّر أَمْوَالَهُمْ عَنْ هَيْئَتهَا , وَيُبَدِّلَهَا إِلَى غَيْر الْحَال الَّتِي هِيَ بِهَا , وَذَلِكَ نَحْو قَوْله : { مِنْ قَبْل أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارهَا } 4 47 يَعْنِي بِهِ : مِنْ قَبْل أَنْ نُغَيِّرَهَا عَنْ هَيْئَتهَا الَّتِي هِيَ بِهَا , يُقَال مِنْهُ : طَمَسْت عَيْنه أَطْمِسهَا وَأَطْمُسهَا طَمْسًا وَطُمُوسًا , وَقَدْ تَسْتَعْمِل الْعَرَب الطَّمْسَ فِي الْعَفْو وَالدُّثُور وَفِي الِانْدِقَاق وَالدُّرُوس , كَمَا قَالَ كَعْب بْن زُهَيْر : مِنْ كُلّ نَضَّاخَة الذِّفْرَى إِذَا عَرِقَتْ عُرْضَتهَا طَامِس الْأَعْلَام مَجْهُول وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ جَمَاعَة مِنْهُمْ فِيهِ مِثْل قَوْلنَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13790 - حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْن يَحْيَى بْن زَائِدَة , قَالَ : ثَنَا حَجَّاج , قَالَ : ثَنِي اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير , قَالَ : بَلَغَنَا عَنْ الْقُرَظِيّ , فِي قَوْله : { رَبّنَا اِطْمِسْ عَلَى أَمْوَالهمْ } قَالَ : اِجْعَلْ سُكَّرهمْ حِجَارَة . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير , عَنْ مُحَمَّد بْن الْقُرَظِيّ , قَالَ : اِجْعَلْ سُكَّرهمْ حِجَارَة . 13791 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { اِطْمِسْ عَلَى أَمْوَالهمْ } قَالَ : اِجْعَلْهَا حِجَارَة . 13792 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن سَعْد , قَالَ : ثَنَا أَبُو جَعْفَر عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , فِي قَوْله : { اِطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ } قَالَ : صَارَتْ حِجَارَة . 13793 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { رَبّنَا اِطْمِسْ عَلَى أَمْوَالهمْ } قَالَ : بَلَغَنَا أَنَّ زُرُوعهمْ تَحَوَّلَتْ حِجَارَة . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { رَبّنَا اِطْمِسْ عَلَى أَمْوَالهمْ } قَالَ : بَلَغَنَا أَنَّ حُرُوثًا لَهُمْ صَارَتْ حِجَارَةً . 13794 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا قَبِيصَة بْن عُقْبَة , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان : { رَبّنَا اِطْمِسْ عَلَى أَمْوَالهمْ } قَالَ : يَقُولُونَ : صَارَتْ حِجَارَة . 13795 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَا : ثَنَا إِسْحَاق . قَالَ : ثَنَا يَحْيَى الْحِمَّانِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ إِسْمَاعِيل عَنْ أَبِي صَالِح , فِي قَوْله : { رَبّنَا اِطْمِسْ عَلَى أَمْوَالهمْ } قَالَ : صَارَتْ حِجَارَة . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { رَبّنَا اِطْمِسْ عَلَى أَمْوَالهمْ } قَالَ : بَلَغَنَا أَنَّ حُرُوثًا لَهُمْ صَارَتْ حِجَارَة . 13796 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { رَبّنَا اِطْمِسْ عَلَى أَمْوَالهمْ } قَالَ : حَمَّلَهَا اللَّه حِجَارَة مَنْقُوشَة عَلَى هَيْئَة مَا كَانَتْ . 13797 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { رَبّنَا اِطْمِسْ عَلَى أَمْوَالهمْ } قَالَ : قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ , وَقَدْ أَصَابَهُمْ ذَلِكَ ; طَمَسَ عَلَى أَمْوَالهمْ , فَصَارَتْ حِجَارَة ذَهَبهُمْ وَدَرَاهِمهُمْ وَعَدَسهمْ وَكُلّ شَيْء . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أَهْلِكْهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13798 - حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْن يَحْيَى بْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : ثَنَا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { رَبّنَا اِطْمِسْ عَلَى أَمْوَالهمْ } قَالَ : أَهْلِكْهَا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . 13799 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { رَبّنَا اِطْمِسْ عَلَى أَمْوَالهمْ } يَقُول : دَمِّرْ عَلَيْهِمْ وَأَهْلِكْ أَمْوَالَهُمْ .
وَأَمَّا قَوْله : { وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبهمْ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَاطْبَعْ عَلَيْهَا حَتَّى لَا تَلِينَ وَلَا تَنْشَرِح بِالْإِيمَانِ . كَمَا : 13800 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : وَقَالَ مُوسَى قَبْل أَنْ يَأْتِيَ فِرْعَوْن : رَبّنَا { وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبهمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ } فَاسْتَجَابَ اللَّه لَهُ , وَحَالَ بَيْنَ فِرْعَوْن وَبَيْنَ الْإِيمَان حَتَّى أَدْرَكَهُ الْغَرَق , فَلَمْ يَنْفَعْهُ الْإِيمَانُ . 13801 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبهمْ } يَقُول : وَاطْبَعْ عَلَى قُلُوبهمْ , { حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ } وَهُوَ الْغَرَق . 13802 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبهمْ } بِالضَّلَالَةِ . * - قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبهمْ } قَالَ : بِالضَّلَالَةِ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 13803 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبهمْ } يَقُول : أَهْلِكْهُمْ كُفَّارًا .
وَأَمَّا قَوْله : { فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : فَلَا يُصَدِّقُوا بِتَوْحِيدِ اللَّه وَيُقَرِّرُوا بِوَحْدَانِيِّتِهِ حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الْمُوجِعَ . كَمَا : 13804 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَلَا يُؤْمِنُوا } بِاَللَّهِ فِيمَا يَرَوْنَ مِنْ الْآيَات , { حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ } * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - قَالَ ثَنَا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 13805 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : سَمِعْت الْمَنْقَرِيّ يَقُول : { فَلَا يُؤْمِنُوا } يَقُول : دَعَا عَلَيْهِمْ . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي مَوْضِع : { يُؤْمِنُوا } فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : هُوَ نَصْب ; لِأَنَّ جَوَابَ الْأَمْر بِالْفَاءِ أَوْ يَكُون دُعَاء عَلَيْهِمْ إِذَا عَصَوْا . وَقَدْ حُكِيَ عَنْ قَائِل هَذَا الْقَوْل أَنَّهُ كَانَ يَقُول : هُوَ نَصْب عَطْفًا عَلَى قَوْله : { لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِك } وَقَالَ آخَر مِنْهُمْ , وَهُوَ قَوْل نَحْوِيِّي الْكُوفَة : مَوْضِعه جَزْم عَلَى الدُّعَاء مِنْ مُوسَى عَلَيْهِمْ , بِمَعْنَى : فَلَا آمَنُوا . كَمَا قَالَ الشَّاعِر : فَلَا يَنْبَسِط مِنْ بَيْن عَيْنَيْك مَا اِنْزَوَى وَلَا تَلْقَنِي إِلَّا وَأَنْفك رَاغِم بِمَعْنَى : فَلَا اِنْبَسَطَ مِنْ بَيْن عَيْنَيْك مَا اِنْزَوَى , وَلَا لَقِيتنِي عَلَى الدُّعَاء . وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي , الْكُوفَة يَقُول : هُوَ دُعَاء , كَأَنَّهُ قَالَ : اللَّهُمَّ فَلَا يُؤْمِنُوا . قَالَ : وَإِنْ شِئْت جَعَلْتهَا جَوَابًا لِمَسْأَلَتِهِ إِيَّاهُ , لِأَنَّ الْمَسْأَلَة خَرَجَتْ عَلَى لَفْظ الْأَمْر , فَتَجْعَل { فَلَا يُؤْمِنُوا } فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْجَوَاب , وَلَيْسَ بِسَهْلٍ . قَالَ : وَيَكُون كَقَوْلِ الشَّاعِر : يَا نَاق سِيرِي عَنَقًا فَسِيحَا إِلَى سُلَيْمَانَ فَنَسْتَرِيحَا قَالَ : وَلَيْسَ الْجَوَاب بِسَهْلٍ فِي الدُّعَاء لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّهُ فِي مَوْضِع جَزْم عَلَى الدُّعَاء , بِمَعْنَى : فَلَا آمَنُوا . وَإِنَّمَا اِخْتَرْت ذَلِكَ ; لِأَنَّ مَا قَبْله دُعَاء , وَذَلِكَ قَوْله : { رَبّنَا اِطْمِسْ عَلَى أَمْوَالهمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبهمْ } , فَإِلْحَاق قَوْله : { فَلَا يُؤْمِنُوا } إِذْ كَانَ فِي سِيَاق ذَلِكَ بِمَعْنَاهُ أَشْبَه وَأَوْلَى . وَأَمَّا قَوْله : { حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ } فَإِنَّ اِبْنَ عَبَّاس كَانَ يَقُول : مَعْنَاهُ : حَتَّى يَرَوْا الْغَرَق . وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ عَنْهُ بِذَلِكَ مِنْ بَعْض وُجُوههَا فِيمَا مَضَى . 13806 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ اِبْن عَبَّاس : { فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ } قَالَ : الْغَرَق .
يَقُول مُوسَى لِرَبِّهِ : رَبّنَا أَعْطَيْتهمْ مَا أَعْطَيْتهمْ مِنْ ذَلِكَ لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِك . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ بَعْضهمْ : { لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِك } بِمَعْنَى : لِيُضِلُّوا النَّاس , عَنْ سَبِيلِك وَيَصُدُّوهُمْ عَنْ دِينك . وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ : " لِيَضِلُّوا عَنْ سَبِيلِك " بِمَعْنَى : لِيَضِلُّوا هُمْ عَنْ سَبِيلِك , فَيَجُورُوا عَنْ طَرِيق الْهُدَى . فَإِنْ قَالَ قَائِل : أَفَكَانَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَعْطَى فِرْعَوْن وَقَوْمَهُ مَا أَعْطَاهُمْ مِنْ زِينَة الدُّنْيَا وَأَمْوَالهَا لِيُضِلُّوا النَّاسَ عَنْ دِينه , أَوْ لِيَضِلُّوا هُمْ عَنْهُ ؟ فَإِنْ كَانَ لِذَلِكَ أَعْطَاهُمْ ذَلِكَ , فَقَدْ كَانَ مِنْهُمْ مَا أَعْطَاهُمْ لِأَجْلِهِ , فَلَا عَتْب عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ ؟ قِيلَ : إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا تَوَهَّمْت . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم بِالْعَرَبِيَّةِ فِي مَعْنَى هَذِهِ اللَّام الَّتِي فِي قَوْله : { لِيُضِلُّوا } فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : مَعْنَى ذَلِكَ : رَبّنَا فَضَلُّوا عَنْ سَبِيلِك , كَمَا قَالَ : { فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا } 28 8 أَيْ فَكَانَ لَهُمْ وَهُمْ لَمْ يَلْتَقِطُوهُ لِيَكُونَ عَدُوًّا وَحَزَنًا , وَإِنَّمَا اِلْتَقَطُوهُ فَكَانَ لَهُمْ . قَالَ : فَهَذِهِ اللَّام تَجِيءُ فِي هَذَا الْمَعْنَى . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : هَذِهِ اللَّام لَام كَيْ ; وَمَعْنَى الْكَلَام : رَبّنَا أَعْطَيْتهمْ مَا أَعْطَيْتهمْ كَيْ يُضِلُّوا , ثُمَّ دَعَا عَلَيْهِمْ وَقَالَ آخَر : هَذِهِ اللَّامَّات فِي قَوْله " لِيُضِلُّوا " وَ " لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا " , وَمَا أَشْبَهَهَا بِتَأْوِيلِ الْخَفْض : آتَيْتهمْ مَا أَتَيْتهمْ لِضَلَالِهِمْ , وَالْتَقَطُوهُ لِكَوْنِهِ ; لِأَنَّهُ قَدْ آنَتْ الْحَالَة إِلَى ذَلِكَ . وَالْعَرَب تَجْعَل لَامَ كَيْ فِي مَعْنَى لَام الْخَفْض , وَلَامَ الْخَفْض فِي مَعْنَى لَام كَيْ لِتَقَارُبِ الْمَعْنَى , قَالَ اللَّه تَعَالَى : { سَيَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ لَكُمْ إِذَا اِنْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ } 9 95 أَيْ لِإِعْرَاضِكُمْ , وَلَمْ يَحْلِفُوا لِإِعْرَاضِهِمْ ; وَقَالَ الشَّاعِر : سَمَوْت وَلَمْ تَكُنْ أَهْلًا لِتَسْمُوَ وَلَكِنَّ الْمُضَيَّع قَدْ يُصَاب قَالَ : وَإِنَّمَا يُقَال : وَمَا كُنْت أَهْلًا لِلْفِعْلِ , وَلَا يُقَال لِتَفْعَل إِلَّا قَلِيلًا . قَالَ : وَهَذَا مِنْهُ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي : أَنَّهَا لَام كَيْ , وَمَعْنَى الْكَلَام : رَبّنَا أَعْطَيْتهمْ مَا أَعْطَيْتهمْ مِنْ زِينَة الْحَيَاة الدُّنْيَا وَالْأَمْوَال لِتَفْتِنهُمْ فِيهِ , وَيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِك عِبَادَك , عُقُوبَةً مِنْك . وَهَذَا كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } 72 16 : 17
وَقَوْله : { رَبّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالهمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبهمْ } هَذَا دُعَاء مِنْ مُوسَى , دَعَا اللَّهَ عَلَى فِرْعَوْن وَمَلَئِهِ أَنْ يُغَيِّر أَمْوَالَهُمْ عَنْ هَيْئَتهَا , وَيُبَدِّلَهَا إِلَى غَيْر الْحَال الَّتِي هِيَ بِهَا , وَذَلِكَ نَحْو قَوْله : { مِنْ قَبْل أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارهَا } 4 47 يَعْنِي بِهِ : مِنْ قَبْل أَنْ نُغَيِّرَهَا عَنْ هَيْئَتهَا الَّتِي هِيَ بِهَا , يُقَال مِنْهُ : طَمَسْت عَيْنه أَطْمِسهَا وَأَطْمُسهَا طَمْسًا وَطُمُوسًا , وَقَدْ تَسْتَعْمِل الْعَرَب الطَّمْسَ فِي الْعَفْو وَالدُّثُور وَفِي الِانْدِقَاق وَالدُّرُوس , كَمَا قَالَ كَعْب بْن زُهَيْر : مِنْ كُلّ نَضَّاخَة الذِّفْرَى إِذَا عَرِقَتْ عُرْضَتهَا طَامِس الْأَعْلَام مَجْهُول وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ جَمَاعَة مِنْهُمْ فِيهِ مِثْل قَوْلنَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13790 - حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْن يَحْيَى بْن زَائِدَة , قَالَ : ثَنَا حَجَّاج , قَالَ : ثَنِي اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير , قَالَ : بَلَغَنَا عَنْ الْقُرَظِيّ , فِي قَوْله : { رَبّنَا اِطْمِسْ عَلَى أَمْوَالهمْ } قَالَ : اِجْعَلْ سُكَّرهمْ حِجَارَة . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير , عَنْ مُحَمَّد بْن الْقُرَظِيّ , قَالَ : اِجْعَلْ سُكَّرهمْ حِجَارَة . 13791 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { اِطْمِسْ عَلَى أَمْوَالهمْ } قَالَ : اِجْعَلْهَا حِجَارَة . 13792 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن سَعْد , قَالَ : ثَنَا أَبُو جَعْفَر عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , فِي قَوْله : { اِطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ } قَالَ : صَارَتْ حِجَارَة . 13793 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { رَبّنَا اِطْمِسْ عَلَى أَمْوَالهمْ } قَالَ : بَلَغَنَا أَنَّ زُرُوعهمْ تَحَوَّلَتْ حِجَارَة . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { رَبّنَا اِطْمِسْ عَلَى أَمْوَالهمْ } قَالَ : بَلَغَنَا أَنَّ حُرُوثًا لَهُمْ صَارَتْ حِجَارَةً . 13794 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا قَبِيصَة بْن عُقْبَة , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان : { رَبّنَا اِطْمِسْ عَلَى أَمْوَالهمْ } قَالَ : يَقُولُونَ : صَارَتْ حِجَارَة . 13795 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَا : ثَنَا إِسْحَاق . قَالَ : ثَنَا يَحْيَى الْحِمَّانِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ إِسْمَاعِيل عَنْ أَبِي صَالِح , فِي قَوْله : { رَبّنَا اِطْمِسْ عَلَى أَمْوَالهمْ } قَالَ : صَارَتْ حِجَارَة . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { رَبّنَا اِطْمِسْ عَلَى أَمْوَالهمْ } قَالَ : بَلَغَنَا أَنَّ حُرُوثًا لَهُمْ صَارَتْ حِجَارَة . 13796 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { رَبّنَا اِطْمِسْ عَلَى أَمْوَالهمْ } قَالَ : حَمَّلَهَا اللَّه حِجَارَة مَنْقُوشَة عَلَى هَيْئَة مَا كَانَتْ . 13797 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { رَبّنَا اِطْمِسْ عَلَى أَمْوَالهمْ } قَالَ : قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ , وَقَدْ أَصَابَهُمْ ذَلِكَ ; طَمَسَ عَلَى أَمْوَالهمْ , فَصَارَتْ حِجَارَة ذَهَبهُمْ وَدَرَاهِمهُمْ وَعَدَسهمْ وَكُلّ شَيْء . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أَهْلِكْهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13798 - حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْن يَحْيَى بْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : ثَنَا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { رَبّنَا اِطْمِسْ عَلَى أَمْوَالهمْ } قَالَ : أَهْلِكْهَا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . 13799 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { رَبّنَا اِطْمِسْ عَلَى أَمْوَالهمْ } يَقُول : دَمِّرْ عَلَيْهِمْ وَأَهْلِكْ أَمْوَالَهُمْ .
وَأَمَّا قَوْله : { وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبهمْ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَاطْبَعْ عَلَيْهَا حَتَّى لَا تَلِينَ وَلَا تَنْشَرِح بِالْإِيمَانِ . كَمَا : 13800 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : وَقَالَ مُوسَى قَبْل أَنْ يَأْتِيَ فِرْعَوْن : رَبّنَا { وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبهمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ } فَاسْتَجَابَ اللَّه لَهُ , وَحَالَ بَيْنَ فِرْعَوْن وَبَيْنَ الْإِيمَان حَتَّى أَدْرَكَهُ الْغَرَق , فَلَمْ يَنْفَعْهُ الْإِيمَانُ . 13801 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبهمْ } يَقُول : وَاطْبَعْ عَلَى قُلُوبهمْ , { حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ } وَهُوَ الْغَرَق . 13802 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبهمْ } بِالضَّلَالَةِ . * - قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبهمْ } قَالَ : بِالضَّلَالَةِ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 13803 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبهمْ } يَقُول : أَهْلِكْهُمْ كُفَّارًا .
وَأَمَّا قَوْله : { فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : فَلَا يُصَدِّقُوا بِتَوْحِيدِ اللَّه وَيُقَرِّرُوا بِوَحْدَانِيِّتِهِ حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الْمُوجِعَ . كَمَا : 13804 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَلَا يُؤْمِنُوا } بِاَللَّهِ فِيمَا يَرَوْنَ مِنْ الْآيَات , { حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ } * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - قَالَ ثَنَا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 13805 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : سَمِعْت الْمَنْقَرِيّ يَقُول : { فَلَا يُؤْمِنُوا } يَقُول : دَعَا عَلَيْهِمْ . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي مَوْضِع : { يُؤْمِنُوا } فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : هُوَ نَصْب ; لِأَنَّ جَوَابَ الْأَمْر بِالْفَاءِ أَوْ يَكُون دُعَاء عَلَيْهِمْ إِذَا عَصَوْا . وَقَدْ حُكِيَ عَنْ قَائِل هَذَا الْقَوْل أَنَّهُ كَانَ يَقُول : هُوَ نَصْب عَطْفًا عَلَى قَوْله : { لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِك } وَقَالَ آخَر مِنْهُمْ , وَهُوَ قَوْل نَحْوِيِّي الْكُوفَة : مَوْضِعه جَزْم عَلَى الدُّعَاء مِنْ مُوسَى عَلَيْهِمْ , بِمَعْنَى : فَلَا آمَنُوا . كَمَا قَالَ الشَّاعِر : فَلَا يَنْبَسِط مِنْ بَيْن عَيْنَيْك مَا اِنْزَوَى وَلَا تَلْقَنِي إِلَّا وَأَنْفك رَاغِم بِمَعْنَى : فَلَا اِنْبَسَطَ مِنْ بَيْن عَيْنَيْك مَا اِنْزَوَى , وَلَا لَقِيتنِي عَلَى الدُّعَاء . وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي , الْكُوفَة يَقُول : هُوَ دُعَاء , كَأَنَّهُ قَالَ : اللَّهُمَّ فَلَا يُؤْمِنُوا . قَالَ : وَإِنْ شِئْت جَعَلْتهَا جَوَابًا لِمَسْأَلَتِهِ إِيَّاهُ , لِأَنَّ الْمَسْأَلَة خَرَجَتْ عَلَى لَفْظ الْأَمْر , فَتَجْعَل { فَلَا يُؤْمِنُوا } فِي مَوْضِع نَصْب عَلَى الْجَوَاب , وَلَيْسَ بِسَهْلٍ . قَالَ : وَيَكُون كَقَوْلِ الشَّاعِر : يَا نَاق سِيرِي عَنَقًا فَسِيحَا إِلَى سُلَيْمَانَ فَنَسْتَرِيحَا قَالَ : وَلَيْسَ الْجَوَاب بِسَهْلٍ فِي الدُّعَاء لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّهُ فِي مَوْضِع جَزْم عَلَى الدُّعَاء , بِمَعْنَى : فَلَا آمَنُوا . وَإِنَّمَا اِخْتَرْت ذَلِكَ ; لِأَنَّ مَا قَبْله دُعَاء , وَذَلِكَ قَوْله : { رَبّنَا اِطْمِسْ عَلَى أَمْوَالهمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبهمْ } , فَإِلْحَاق قَوْله : { فَلَا يُؤْمِنُوا } إِذْ كَانَ فِي سِيَاق ذَلِكَ بِمَعْنَاهُ أَشْبَه وَأَوْلَى . وَأَمَّا قَوْله : { حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ } فَإِنَّ اِبْنَ عَبَّاس كَانَ يَقُول : مَعْنَاهُ : حَتَّى يَرَوْا الْغَرَق . وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ عَنْهُ بِذَلِكَ مِنْ بَعْض وُجُوههَا فِيمَا مَضَى . 13806 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ اِبْن عَبَّاس : { فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ } قَالَ : الْغَرَق .
قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا } وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه عَنْ إِجَابَته لِمُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَارُون دُعَاءَهُمَا عَلَى فِرْعَوْن وَأَشْرَف قَوْمه وَأَمْوَالهمْ . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { قَالَ } اللَّه لَهُمَا { قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا } فِي فِرْعَوْن وَمَلَئِهِ وَأَمْوَالهمْ . فَإِنْ قَائِل قَائِل : وَكَيْف نُسِبَتْ الْإِجَابَة إِلَى اِثْنَيْنِ وَالدُّعَاء إِنَّمَا كَانَ مِنْ وَاحِد قِيلَ : إِنَّ الدَّاعِيَ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَإِنَّ الثَّانِيَ كَانَ مُؤَمِّنًا وَهُوَ هَارُون , فَلِذَلِكَ نُسِبَتْ الْإِجَابَة إِلَيْهِمَا , لِأَنَّ الْمُؤَمِّن دَاعٍ . وَكَذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13807 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ رَجُل , عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْله : { قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا } قَالَ : كَانَ مُوسَى يَدْعُو وَهَارُونُ يُؤَمِّنُ , فَذَلِكَ قَوْله : { قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا } وَقَدْ زَعَمَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة أَنَّ الْعَرَبَ تُخَاطِب الْوَاحِدَ خِطَاب الِاثْنَيْنِ , وَأَنْشَدَ فِي ذَلِكَ : فَقُلْت لِصَاحِبِي لَا تُعْجِلَانَا بِنَزْعِ أُصُوله وَاجْتَزَّ شِيحَا 13808 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا زَكَرِيَّا بْن عَدِّي , عَنْ اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ أَبِي صَالِح قَالَ : { قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا } قَالَ : دَعَا مُوسَى , وَأَمَّنَ هَارُون . 13809 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي وَزَيْد بْن حُبَاب , عَنْ مُوسَى بْن عُبَيْدَة , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب , قَالَ : دَعَا مُوسَى , وَأَمَّنَ هَارُون . * - قَالَ : ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ شَيْخ لَهُ , عَنْ مُجَاهِد بْن كَعْب , قَالَ : دَعَا مُوسَى , وَأَمَّنَ هَارُون . 13810 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا أَبُو نُعَيْم قَالَ : ثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , قَالَ : { قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا } قَالَ : دَعَا مُوسَى , وَأَمَّنَ هَارُون . 13811 - قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن سَعْد , وَعَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , قَالَ : دَعَا مُوسَى وَأَمَّنَ هَارُون , فَذَلِكَ قَوْله : { قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا } * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ رَجُل , عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْله : { قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتكُمَا } قَالَ : كَانَ مُوسَى يَدْعُو وَهَارُون يُؤَمِّنُ , فَذَلِكَ قَوْله . 13812 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : { قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتكُمَا } لِمُوسَى وَهَارُون . قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَالَ عِكْرِمَة : أَمَّنَ هَارُون عَلَى دُعَاء مُوسَى , فَقَالَ اللَّه : { قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتكُمَا فَاسْتَقِيمَا } 13813 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : كَانَ هَارُون يَقُول : آمِينَ , فَقَالَ اللَّه : { قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتكُمَا } فَصَارَ التَّأْمِين دَعْوَة صَارَ شَرِيكه فِيهَا .
وَأَمَّا قَوْله : { فَاسْتَقِيمَا } فَإِنَّهُ أَمْر مِنْ اللَّه تَعَالَى لِمُوسَى وَهَارُون بِالِاسْتِقَامَةِ وَالثَّبَات عَلَى 209أَمْرِهِمَا مِنْ دُعَاء فِرْعَوْنَ وَقَوْمه إِلَى الْإِجَابَة إِلَى تَوْحِيد اللَّه وَطَاعَته , إِلَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ عِقَاب اللَّه الَّذِي أَخْبَرَهُمَا أَنَّهُ أَجَابَهُمَا فِيهِ . كَمَا : 13814 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَالَ اِبْن عَبَّاس : { فَاسْتَقِيمَا } : فَامْضِيَا لِأَمْرِي , وَهِيَ الِاسْتِقَامَة . قَالَ اِبْن جُرَيْج يَقُولُونَ : إِنَّ فِرْعَوْن مَكَثَ بَعْد هَذِهِ الدَّعْوَة أَرْبَعِينَ سَنَة .
وَقَوْله : { وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } يَقُول : وَلَا تَسْلُكَانِ طَرِيقَ الَّذِينَ يَجْهَلُونَ حَقِيقَة وَعْدِي , فَتَسْتَعْجِلَانِ قَضَائِي , فَإِنَّ وَعْدِي لَا خَالِف لَهُ , وَإِنَّ وَعِيدِي نَازِل بِفِرْعَوْن وَعَذَابِي وَاقِع بِهِ وَبِقَوْمِهِ .
وَأَمَّا قَوْله : { فَاسْتَقِيمَا } فَإِنَّهُ أَمْر مِنْ اللَّه تَعَالَى لِمُوسَى وَهَارُون بِالِاسْتِقَامَةِ وَالثَّبَات عَلَى 209أَمْرِهِمَا مِنْ دُعَاء فِرْعَوْنَ وَقَوْمه إِلَى الْإِجَابَة إِلَى تَوْحِيد اللَّه وَطَاعَته , إِلَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ عِقَاب اللَّه الَّذِي أَخْبَرَهُمَا أَنَّهُ أَجَابَهُمَا فِيهِ . كَمَا : 13814 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَالَ اِبْن عَبَّاس : { فَاسْتَقِيمَا } : فَامْضِيَا لِأَمْرِي , وَهِيَ الِاسْتِقَامَة . قَالَ اِبْن جُرَيْج يَقُولُونَ : إِنَّ فِرْعَوْن مَكَثَ بَعْد هَذِهِ الدَّعْوَة أَرْبَعِينَ سَنَة .
وَقَوْله : { وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } يَقُول : وَلَا تَسْلُكَانِ طَرِيقَ الَّذِينَ يَجْهَلُونَ حَقِيقَة وَعْدِي , فَتَسْتَعْجِلَانِ قَضَائِي , فَإِنَّ وَعْدِي لَا خَالِف لَهُ , وَإِنَّ وَعِيدِي نَازِل بِفِرْعَوْن وَعَذَابِي وَاقِع بِهِ وَبِقَوْمِهِ .
وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعهُمْ فِرْعَوْن وَجُنُوده } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَقَطَعْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ حَتَّى جَاوَزُوهُ . { فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْن } يَقُول : فَتَبِعَهُمْ فِرْعَوْن { وَجُنُوده } يُقَال مِنْهُ : أَتْبَعْته وَتَبِعْته بِمَعْنًى وَاحِد . وَقَدْ كَانَ الْكِسَائِيّ فِيمَا ذَكَرَ أَبُو عُبَيْد عَنْهُ يَقُول : إِذَا أُرِيد أَنَّهُ أَتْبَعهُمْ خَيْرًا أَوْ شَرًّا فَالْكَلَام " أَتْبَعهُمْ " بِهَمْزِ الْأَلِف , وَإِذَا أُرِيد اِتَّبَعَ أَثَرهمْ أَوْ اِقْتَدَى بِهِمْ فَإِنَّهُ مِنْ " اِتَّبَعْت " مُشَدَّدَة التَّاء غَيْر مَهْمُوزَة الْأَلِف .
عَلَى مُوسَى وَهَارُون وَمَنْ مَعَهُمَا مِنْ قَوْمهمَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل .
يَقُول : وَاعْتِدَاء عَلَيْهِمْ , وَهُوَ مَصْدَر مِنْ قَوْلهمْ : عَدَا فُلَان عَلَى فُلَان فِي الظُّلْم يَعْدُو عَلَيْهِ عَدْوًا , مِثْل غَزَا يَغْزُو غَزْوًا . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضهمْ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : " بَغْيًا وَعَدْوًا " وَهُوَ أَيْضًا مَصْدَر مِنْ قَوْلهمْ : عَدَا يَعْدُو عَدْوًا , مِثْل عَلَا يَعْلُو عُلُوًّا .
{ حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَق } يَقُول : حَتَّى إِذَا أَحَاطَ بِهِ الْغَرَق . وَفِي الْكَلَام مَتْرُوك قَدْ تُرِك ذِكْره بِدَلَالَةِ مَا ظَهَرَ مِنْ الْكَلَام عَلَيْهِ وَذَلِكَ : فَأَتْبَعهُمْ فِرْعَوْن وَجُنُوده بَغْيًا وَعَدْوًا فِيهِ , فَغَرَّقْنَاهُ حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَق .
وَقَوْله : { قَالَ آمَنْت أَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيل وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيل فِرْعَوْن حِين أَشْرَفَ عَلَى الْغَرَق وَأَيْقَنَ بِالْهَلَكَةِ : { آمَنْت } يَقُول : أَقْرَرْت , { أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ } وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَ بَعْضهمْ وَهُوَ قِرَاءَة عَامَّة الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة : " أَنَّهُ " بِفَتْحِ الْأَلِف مِنْ " أَنَّهُ " عَلَى إِعْمَال " آمَنْت " فِيهَا وَنَصْبهَا بِهِ . وَقَرَأَ آخَرُونَ : " آمَنْت إِنَّهُ " بِكَسْرِ الْأَلِف مِنْ أَنَّهُ عَلَى اِبْتِدَاء الْخَبَر , وَهِيَ قِرَاءَة عَامَّة الْكُوفِيِّينَ . وَالْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى , وَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيبٌ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13815 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثَنَا مُوسَى بْن عُبَيْدَة , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب , عَنْ عَبْد اللَّه بْن شَدَّاد , قَالَ : اِجْتَمَعَ يَعْقُوب وَبَنُوهُ إِلَى يُوسُف , وَهُمْ اِثْنَانِ وَسَبْعُونَ , وَخَرَجُوا مَعَ مُوسَى مِنْ مِصْرَ حِين خَرَجُوا وَهُمْ سِتّمِائَةِ أَلْف , فَلَمَّا أَدْرَكَهُمْ فِرْعَوْن فَرَأَوْهُ , قَالُوا : يَا مُوسَى أَيْنَ الْمَخْرَج ؟ فَقَدْ أُدْرِكْنَا قَدْ كُنَّا نَلْقَى مِنْ فِرْعَوْن الْبَلَاءَ ؟ فَأَوْحَى اللَّه إِلَى مُوسَى : { أَنْ اِضْرِبْ بِعَصَاك الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلّ فِرْق كَالطَّوْدِ الْعَظِيم } وَيَبِسَ لَهُمْ الْبَحْر , وَكَشَفَ اللَّه عَنْ وَجْه الْأَرْض , وَخَرَجَ فِرْعَوْن عَلَى فَرَس حِصَان أَدْهَم عَلَى لَوْنه مِنْ الدُّهْم ثَمَانمِائَةِ أَلْف سِوَى أَلْوَانهَا مِنْ الدَّوَابّ , وَكَانَتْ تَحْت جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَرَس وَدِيق لَيْسَ فِيهَا أُنْثَى غَيْرهَا . وَمِيكَائِيل يَسُوقهُمْ , لَا يَشِذّ رَجُل مِنْهُمْ إِلَّا ضَمَّهُ إِلَى النَّاس . فَلَمَّا خَرَجَ آخِر بَنِي إِسْرَائِيل دَنَا مِنْهُ جِبْرِيل وَلَصِقَ بِهِ , فَوَجَدَ الْحِصَان رِيح الْأُنْثَى , فَلَمْ يَمْلِك فِرْعَوْن مِنْ أَمْره شَيْئًا , وَقَالَ : أَقْدِمُوا فَلَيْسَ الْقَوْم أَحَقّ بِالْبَحْرِ مِنْكُمْ ! ثُمَّ أَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْن حَتَّى إِذَا هَمَّ أَوَّلهمْ أَنْ يَخْرُجُوا اِرْتَطَمَ وَنَادَى فِيهَا : { آمَنْت أَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ } وَنُودِيَ : { آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْت قَبْل وَكُنْت مِنْ الْمُفْسِدِينَ } 13816 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثَنَا شُعْبَة , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَعَنْ عَدِيّ بْن ثَابِت , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : يَرْفَعهُ أَحَدهمَا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنَّ جِبْرَائِيل كَانَ يَدُسّ فِي فَم فِرْعَوْن الطِّين مَخَافَة أَنْ يَقُول لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه " . * - حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن عَمْرو بْن مُحَمَّد الْعَنْقَزِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبِي , قَالَ : ثَنَا شُعْبَة , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ عَدِيّ بْن ثَابِت , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : " جَعَلَ جِبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام يَدُسّ أَوْ يَحْشُو فِي فَم فِرْعَوْن الطِّينَ مَخَافَة أَنْ تُدْرِكَهُ الرَّحْمَة " . 13817 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ كَثِير بْن زَاذَانَ , عَنْ أَبِي حَازِم , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " قَالَ لِي جِبْرَائِيل : يَا مُحَمَّد لَوْ رَأَيْتنِي وَأَنَا أَغُطّهُ وَأَدُسّ مِنْ حَمْئِهِ فِي فِيهِ مَخَافَة أَنْ تُدْرِكَهُ رَحْمَة اللَّه فَيَغْفِر لَهُ " يَعْنِي فِرْعَوْن . 13818 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا حَجَّاج , قَالَ : ثَنَا حَمَّاد , عَنْ عَلِيّ بْن زَيْد , عَنْ يُوسُف بْن مِهْرَان , عَنْ اِبْن عَبَّاس , أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَمَّا أَغْرَقَ اللَّه فِرْعَوْنَ قَالَ : آمَنْت أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيل , فَقَالَ جِبْرَائِيل : يَا مُحَمَّد لَوْ رَأَيْتنِي وَأَنَا آخُذ مِنْ حَمْأَة الْبَحْر وَأَدُسّهُ فِي فِيهِ مَخَافَة أَنْ تُدْرِكَهُ الرَّحْمَة " . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنِي عَمْرو , عَنْ حَكَّام , قَالَ : ثَنَا شُعْبَة , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَمَّا قَالَ فِرْعَوْن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه , جَعَلَ جِبْرَائِيل يَحْشُو فِي فِيهِ الطِّينَ وَالتُّرَابَ " . 13819 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , قَالَ : أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ مَيْمُون بْن مِهْرَان يَقُول فِي قَوْله : { آمَنْت أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيل } قَالَ : أَخَذَ جِبْرَائِيل مِنْ حَمْأَة الْبَحْر فَضَرَبَ بِهَا فَاهُ - أَوْ قَالَ : مَلَأَ بِهَا فَاهُ - مَخَافَة أَنْ تُدْرِكَهُ رَحْمَة اللَّه . 13820 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن بْن عَلِيّ . عَنْ جَعْفَر بْن بُرْقَان , عَنْ مَيْمُون بْن مِهْرَان , قَالَ : خَطَبَ الضَّحَّاك بْن قَيْس , فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ , ثُمَّ قَالَ : إِنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ عَبْدًا طَاغِيًا نَاسِيًا لِذِكْرِ اللَّه , فَلَمَّا أَدْرَكَهُ الْغَرَق { قَالَ آمَنْت أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيل وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ } قَالَ اللَّه : { آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْت قَبْل وَكُنْت مِنْ الْمُفْسِدِينَ } 13821 - قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ شُعْبَة , عَنْ عَدِيّ بْن ثَابِت , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّ فِرْعَوْن لَمَّا أَدْرَكَهُ الْغَرَق حَمَلَ جِبْرَائِيل يَحْثُو فِي فِيهِ التُّرَاب خَشْيَةَ أَنْ يُغْفَر لَهُ . 13822 - قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن عُبَيْد , عَنْ عِيسَى بْن الْمُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ , أَنَّ جِبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ : مَا خَشِيت عَلَى أَحَد مِنْ بَنِي آدَم الرَّحْمَةَ إِلَّا فِرْعَوْن , فَإِنَّهُ حِين قَالَ مَا قَالَ خَشِيت أَنْ تَصِل إِلَى الرَّبّ فَيَرْحَمهُ , فَأَخَذْت مِنْ حَمْأَة الْبَحْر وَزَبَده فَضَرَبْت بِهِ عَيْنَيْهِ وَوَجْهه . * - قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر , عَنْ عُمَر بْن يَعْلَى , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَ جِبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام : لَقَدْ حَشَوْت فَاهُ الْحَمْأَة مَخَافَة أَنْ تُدْرِكَهُ الرَّحْمَة .
عَلَى مُوسَى وَهَارُون وَمَنْ مَعَهُمَا مِنْ قَوْمهمَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل .
يَقُول : وَاعْتِدَاء عَلَيْهِمْ , وَهُوَ مَصْدَر مِنْ قَوْلهمْ : عَدَا فُلَان عَلَى فُلَان فِي الظُّلْم يَعْدُو عَلَيْهِ عَدْوًا , مِثْل غَزَا يَغْزُو غَزْوًا . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضهمْ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : " بَغْيًا وَعَدْوًا " وَهُوَ أَيْضًا مَصْدَر مِنْ قَوْلهمْ : عَدَا يَعْدُو عَدْوًا , مِثْل عَلَا يَعْلُو عُلُوًّا .
{ حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَق } يَقُول : حَتَّى إِذَا أَحَاطَ بِهِ الْغَرَق . وَفِي الْكَلَام مَتْرُوك قَدْ تُرِك ذِكْره بِدَلَالَةِ مَا ظَهَرَ مِنْ الْكَلَام عَلَيْهِ وَذَلِكَ : فَأَتْبَعهُمْ فِرْعَوْن وَجُنُوده بَغْيًا وَعَدْوًا فِيهِ , فَغَرَّقْنَاهُ حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَق .
وَقَوْله : { قَالَ آمَنْت أَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيل وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيل فِرْعَوْن حِين أَشْرَفَ عَلَى الْغَرَق وَأَيْقَنَ بِالْهَلَكَةِ : { آمَنْت } يَقُول : أَقْرَرْت , { أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ } وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَ بَعْضهمْ وَهُوَ قِرَاءَة عَامَّة الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة : " أَنَّهُ " بِفَتْحِ الْأَلِف مِنْ " أَنَّهُ " عَلَى إِعْمَال " آمَنْت " فِيهَا وَنَصْبهَا بِهِ . وَقَرَأَ آخَرُونَ : " آمَنْت إِنَّهُ " بِكَسْرِ الْأَلِف مِنْ أَنَّهُ عَلَى اِبْتِدَاء الْخَبَر , وَهِيَ قِرَاءَة عَامَّة الْكُوفِيِّينَ . وَالْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى , وَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيبٌ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 13815 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثَنَا مُوسَى بْن عُبَيْدَة , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب , عَنْ عَبْد اللَّه بْن شَدَّاد , قَالَ : اِجْتَمَعَ يَعْقُوب وَبَنُوهُ إِلَى يُوسُف , وَهُمْ اِثْنَانِ وَسَبْعُونَ , وَخَرَجُوا مَعَ مُوسَى مِنْ مِصْرَ حِين خَرَجُوا وَهُمْ سِتّمِائَةِ أَلْف , فَلَمَّا أَدْرَكَهُمْ فِرْعَوْن فَرَأَوْهُ , قَالُوا : يَا مُوسَى أَيْنَ الْمَخْرَج ؟ فَقَدْ أُدْرِكْنَا قَدْ كُنَّا نَلْقَى مِنْ فِرْعَوْن الْبَلَاءَ ؟ فَأَوْحَى اللَّه إِلَى مُوسَى : { أَنْ اِضْرِبْ بِعَصَاك الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلّ فِرْق كَالطَّوْدِ الْعَظِيم } وَيَبِسَ لَهُمْ الْبَحْر , وَكَشَفَ اللَّه عَنْ وَجْه الْأَرْض , وَخَرَجَ فِرْعَوْن عَلَى فَرَس حِصَان أَدْهَم عَلَى لَوْنه مِنْ الدُّهْم ثَمَانمِائَةِ أَلْف سِوَى أَلْوَانهَا مِنْ الدَّوَابّ , وَكَانَتْ تَحْت جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَرَس وَدِيق لَيْسَ فِيهَا أُنْثَى غَيْرهَا . وَمِيكَائِيل يَسُوقهُمْ , لَا يَشِذّ رَجُل مِنْهُمْ إِلَّا ضَمَّهُ إِلَى النَّاس . فَلَمَّا خَرَجَ آخِر بَنِي إِسْرَائِيل دَنَا مِنْهُ جِبْرِيل وَلَصِقَ بِهِ , فَوَجَدَ الْحِصَان رِيح الْأُنْثَى , فَلَمْ يَمْلِك فِرْعَوْن مِنْ أَمْره شَيْئًا , وَقَالَ : أَقْدِمُوا فَلَيْسَ الْقَوْم أَحَقّ بِالْبَحْرِ مِنْكُمْ ! ثُمَّ أَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْن حَتَّى إِذَا هَمَّ أَوَّلهمْ أَنْ يَخْرُجُوا اِرْتَطَمَ وَنَادَى فِيهَا : { آمَنْت أَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ } وَنُودِيَ : { آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْت قَبْل وَكُنْت مِنْ الْمُفْسِدِينَ } 13816 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثَنَا شُعْبَة , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس . وَعَنْ عَدِيّ بْن ثَابِت , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : يَرْفَعهُ أَحَدهمَا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنَّ جِبْرَائِيل كَانَ يَدُسّ فِي فَم فِرْعَوْن الطِّين مَخَافَة أَنْ يَقُول لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه " . * - حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن عَمْرو بْن مُحَمَّد الْعَنْقَزِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبِي , قَالَ : ثَنَا شُعْبَة , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ عَدِيّ بْن ثَابِت , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : " جَعَلَ جِبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام يَدُسّ أَوْ يَحْشُو فِي فَم فِرْعَوْن الطِّينَ مَخَافَة أَنْ تُدْرِكَهُ الرَّحْمَة " . 13817 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ كَثِير بْن زَاذَانَ , عَنْ أَبِي حَازِم , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " قَالَ لِي جِبْرَائِيل : يَا مُحَمَّد لَوْ رَأَيْتنِي وَأَنَا أَغُطّهُ وَأَدُسّ مِنْ حَمْئِهِ فِي فِيهِ مَخَافَة أَنْ تُدْرِكَهُ رَحْمَة اللَّه فَيَغْفِر لَهُ " يَعْنِي فِرْعَوْن . 13818 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا حَجَّاج , قَالَ : ثَنَا حَمَّاد , عَنْ عَلِيّ بْن زَيْد , عَنْ يُوسُف بْن مِهْرَان , عَنْ اِبْن عَبَّاس , أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَمَّا أَغْرَقَ اللَّه فِرْعَوْنَ قَالَ : آمَنْت أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيل , فَقَالَ جِبْرَائِيل : يَا مُحَمَّد لَوْ رَأَيْتنِي وَأَنَا آخُذ مِنْ حَمْأَة الْبَحْر وَأَدُسّهُ فِي فِيهِ مَخَافَة أَنْ تُدْرِكَهُ الرَّحْمَة " . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنِي عَمْرو , عَنْ حَكَّام , قَالَ : ثَنَا شُعْبَة , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَمَّا قَالَ فِرْعَوْن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه , جَعَلَ جِبْرَائِيل يَحْشُو فِي فِيهِ الطِّينَ وَالتُّرَابَ " . 13819 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , قَالَ : أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ مَيْمُون بْن مِهْرَان يَقُول فِي قَوْله : { آمَنْت أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيل } قَالَ : أَخَذَ جِبْرَائِيل مِنْ حَمْأَة الْبَحْر فَضَرَبَ بِهَا فَاهُ - أَوْ قَالَ : مَلَأَ بِهَا فَاهُ - مَخَافَة أَنْ تُدْرِكَهُ رَحْمَة اللَّه . 13820 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن بْن عَلِيّ . عَنْ جَعْفَر بْن بُرْقَان , عَنْ مَيْمُون بْن مِهْرَان , قَالَ : خَطَبَ الضَّحَّاك بْن قَيْس , فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ , ثُمَّ قَالَ : إِنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ عَبْدًا طَاغِيًا نَاسِيًا لِذِكْرِ اللَّه , فَلَمَّا أَدْرَكَهُ الْغَرَق { قَالَ آمَنْت أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيل وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ } قَالَ اللَّه : { آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْت قَبْل وَكُنْت مِنْ الْمُفْسِدِينَ } 13821 - قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ شُعْبَة , عَنْ عَدِيّ بْن ثَابِت , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّ فِرْعَوْن لَمَّا أَدْرَكَهُ الْغَرَق حَمَلَ جِبْرَائِيل يَحْثُو فِي فِيهِ التُّرَاب خَشْيَةَ أَنْ يُغْفَر لَهُ . 13822 - قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن عُبَيْد , عَنْ عِيسَى بْن الْمُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ , أَنَّ جِبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ : مَا خَشِيت عَلَى أَحَد مِنْ بَنِي آدَم الرَّحْمَةَ إِلَّا فِرْعَوْن , فَإِنَّهُ حِين قَالَ مَا قَالَ خَشِيت أَنْ تَصِل إِلَى الرَّبّ فَيَرْحَمهُ , فَأَخَذْت مِنْ حَمْأَة الْبَحْر وَزَبَده فَضَرَبْت بِهِ عَيْنَيْهِ وَوَجْهه . * - قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر , عَنْ عُمَر بْن يَعْلَى , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَ جِبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام : لَقَدْ حَشَوْت فَاهُ الْحَمْأَة مَخَافَة أَنْ تُدْرِكَهُ الرَّحْمَة .