وَقَوْله { وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : وَجَعَلَنِي نَفَّاعًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17865 - حَدَّثَنِي سُلَيْمَان بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن حَمَّاد الطَّلْحِيّ , قَالَ : ثنا الْعَلَاء , عَنْ عَائِشَة اِمْرَأَة لَيْث , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد { وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا } قَالَ : نَفَّاعًا . وَقَالَ آخَرُونَ : كَانَتْ بَرَكَته الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17866 - حَدَّثَنِي سُلَيْمَان بْن عَبْد الْجَبَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن يَزِيد بْن خُنَيْس الْمَخْزُومِيّ , قَالَ : سَمِعْت وُهَيْب بْن أَبِي الْوَرْد مَوْلَى بَنِي مَخْذُوم , قَالَ : لَقِيَ عَالِم عَالِمًا لِمَا هُوَ فَوْقه فِي الْعِلْم , قَالَ لَهُ : يَرْحَمك اللَّه , مَا الَّذِي أَعْلَنَ مِنْ عِلْمِي , قَالَ : الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر , فَإِنَّهُ دِين اللَّه الَّذِي بَعَثَ بِهِ أَنْبِيَاءَهُ إِلَى عِبَاده , وَقَدْ اِجْتَمَعَ الْفُقَهَاء عَلَى قَوْل اللَّه { وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَمَا كُنْت } وَقِيلَ : مَا بَرَكَته ؟ قَالَ : الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر أَيْنَمَا كَانَ . وَقَالَ آخَرُونَ مَعْنَى ذَلِكَ : جَعَلَنِي مُعَلِّم الْخَيْر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17867 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا سُفْيَان فِي قَوْله { وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَمَا كُنْت } قَالَ : مُعَلِّمًا لِلْخَيْرِ . 17868 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَمَا كُنْت } قَالَ : مُعَلِّمًا لِلْخَيْرِ حَيْثُمَا كُنْت .
وَقَوْله : { وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة } يَقُول : وَقَضَى أَنْ يُوصِينِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة , يُعْنَى الْمُحَافَظَة عَلَى حُدُود الصَّلَاة وَإِقَامَتهَا عَلَى مَا فَرَضَهَا عَلَيَّ . وَفِي الزَّكَاة مَعْنَيَانِ : أَحَدهمَا : زَكَاة الْأَمْوَال أَنْ يُؤَدِّيهَا . وَالْآخَر : تَطْهِير الْجَسَد مِنْ دَنَس الذُّنُوب ; فَيَكُون مَعْنَاهُ : وَأَوْصَانِي بِتَرْكِ الذُّنُوب وَاجْتِنَاب الْمَعَاصِي .
وَقَوْله : { مَا دُمْت حَيًّا } يَقُول : مَا كُنْت حَيًّا فِي الدُّنْيَا مَوْجُودًا , وَهَذَا يُبَيِّن عَنْ أَنَّ مَعْنَى الزَّكَاة فِي هَذَا الْمَوْضِع : تَطْهِير الْبَدَن مِنْ الذُّنُوب , لِأَنَّ الَّذِي يُوصَف بِهِ عِيسَى صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَدَّخِر شَيْئًا لِغَدٍ , فَتَجِب عَلَيْهِ زَكَاة الْمَال , إِلَّا أَنْ تَكُون الزَّكَاة الَّتِي كَانَتْ فُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّدَقَة بِكُلِّ مَا فَضَلَ عَنْ قُوته , فَيَكُون ذَلِكَ وَجْهًا صَحِيحًا .
وَقَوْله : { وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة } يَقُول : وَقَضَى أَنْ يُوصِينِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة , يُعْنَى الْمُحَافَظَة عَلَى حُدُود الصَّلَاة وَإِقَامَتهَا عَلَى مَا فَرَضَهَا عَلَيَّ . وَفِي الزَّكَاة مَعْنَيَانِ : أَحَدهمَا : زَكَاة الْأَمْوَال أَنْ يُؤَدِّيهَا . وَالْآخَر : تَطْهِير الْجَسَد مِنْ دَنَس الذُّنُوب ; فَيَكُون مَعْنَاهُ : وَأَوْصَانِي بِتَرْكِ الذُّنُوب وَاجْتِنَاب الْمَعَاصِي .
وَقَوْله : { مَا دُمْت حَيًّا } يَقُول : مَا كُنْت حَيًّا فِي الدُّنْيَا مَوْجُودًا , وَهَذَا يُبَيِّن عَنْ أَنَّ مَعْنَى الزَّكَاة فِي هَذَا الْمَوْضِع : تَطْهِير الْبَدَن مِنْ الذُّنُوب , لِأَنَّ الَّذِي يُوصَف بِهِ عِيسَى صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَدَّخِر شَيْئًا لِغَدٍ , فَتَجِب عَلَيْهِ زَكَاة الْمَال , إِلَّا أَنْ تَكُون الزَّكَاة الَّتِي كَانَتْ فُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّدَقَة بِكُلِّ مَا فَضَلَ عَنْ قُوته , فَيَكُون ذَلِكَ وَجْهًا صَحِيحًا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَبَرًّا بِوَالِدَتِي } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مُخْبِرًا عَنْ قِيل عِيسَى لِلْقَوْمِ : وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا وَبَرًّا : أَيْ جَعَلَنِي بَرًّا بِوَالِدَتِي . وَالْبَرّ هُوَ الْبَارّ , يُقَال : هُوَ بَرّ بِوَالِدِهِ , وَبَارّ بِهِ , وَبِفَتْحِ الْبَاء قَرَأَتْ هَذَا الْحَرْف قُرَّاء الْأَمْصَار . وَرُوِيَ عَنْ أَبِي نُهَيْك مَا : 17869 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا عَبْد الْمُؤْمِن , عَنْ أَبِي نُهَيْك أَنَّهُ قَرَأَ : { وَبَرًّا بِوَالِدَتِي } مِنْ قَوْل عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام , قَالَ أَبُو نُهَيْك : أَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة وَالْبِرّ بِالْوَالِدَيْنِ , كَمَا أَوْصَانِي بِذَلِكَ . فَكَأَنَّ أَبَا نُهَيْك وَجْه تَأْوِيل الْكَلَام إِلَى قَوْله { وَبَرًّا بِوَالِدَتِي } هُوَ مِنْ خَبَر عِيسَى , عَنْ وَصِيَّة اللَّه إِيَّاهُ بِهِ , كَمَا أَنَّ قَوْله : { وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة } مِنْ خَبَره عَنْ وَصِيَّة اللَّه إِيَّاهُ بِذَلِكَ . فَعَلَى هَذَا الْقَوْل يَجِب أَنْ يَكُون نَصْب الْبَرّ بِمَعْنَى عَمَل الْوَصِيَّة فِيهِ , لِأَنَّ الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَإِنْ كَانَتَا مَخْفُوضَتَيْنِ فِي اللَّفْظ , فَإِنَّهُمَا بِمَعْنَى النَّصْب مِنْ أَجْل أَنَّهُ مَفْعُول بِهِمَا .
وَقَوْله : { وَلَمْ يَجْعَلنِي جَبَّارًا شَقِيًّا } يَقُول : وَلَمْ يَجْعَلنِي مُسْتَكْبِرًا عَلَى اللَّه فِيمَا أَمَرَنِي بِهِ , وَنَهَانِي عَنْهُ , شَقِيًّا , وَلَكِنْ ذَلَّلَنِي لِطَاعَتِهِ , وَجَعَلَنِي مُتَوَاضِعًا , كَمَا : 17870 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يَعْنِي عِيسَى , كَانَ يَقُول : سَلُونِي , فَإِنَّ قَلْبِي لَيِّن , وَإِنِّي صَغِير فِي نَفْسِي مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّه مِنْ التَّوَاضُع . 17871 - وَحَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلنِي جَبَّارًا شَقِيًّا } ذُكِرَ لَنَا أَنَّ اِمْرَأَة رَأَتْ اِبْن مَرْيَم يُحْيِي الْمَوْتَى , وَيُبْرِئ الْأَكْمَه وَالْأَبْرَص , فِي آيَات سَلَّطَهُ اللَّه عَلَيْهِنَّ , وَأَذِنَ لَهُ فِيهِنَّ , فَقَالَتْ : طُوبَى لِلْبَطْنِ الَّذِي حَمَلَك , وَالثَّدْي الَّذِي أُرْضِعْت بِهِ , فَقَالَ نَبِيّ اللَّه اِبْن مَرْيَم يُجِيبهَا : طُوبَى لِمَنْ تَلَا كِتَاب اللَّه , وَاتَّبَعَ مَا فِيهِ { وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا شَقِيًّا } 17872 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن كَثِير , عَنْ عَبْد اللَّه بْن وَاقِد أَبِي رَجَاء , عَنْ بَعْض أَهْل الْعِلْم , قَالَ : لَا تَجِد عَاقًّا إِلَّا وَجَدْته جَبَّارًا شَقِيًّا . ثُمَّ قَرَأَ { وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلنِي جَبَّارًا شَقِيًّا } قَالَ : وَلَا تَجِد سَيِّئ الْمَلَكَة إِلَّا وَجَدْته مُخْتَالًا فَخُورًا , ثُمَّ قَرَأَ { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا } 4 36
وَقَوْله : { وَلَمْ يَجْعَلنِي جَبَّارًا شَقِيًّا } يَقُول : وَلَمْ يَجْعَلنِي مُسْتَكْبِرًا عَلَى اللَّه فِيمَا أَمَرَنِي بِهِ , وَنَهَانِي عَنْهُ , شَقِيًّا , وَلَكِنْ ذَلَّلَنِي لِطَاعَتِهِ , وَجَعَلَنِي مُتَوَاضِعًا , كَمَا : 17870 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يَعْنِي عِيسَى , كَانَ يَقُول : سَلُونِي , فَإِنَّ قَلْبِي لَيِّن , وَإِنِّي صَغِير فِي نَفْسِي مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّه مِنْ التَّوَاضُع . 17871 - وَحَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلنِي جَبَّارًا شَقِيًّا } ذُكِرَ لَنَا أَنَّ اِمْرَأَة رَأَتْ اِبْن مَرْيَم يُحْيِي الْمَوْتَى , وَيُبْرِئ الْأَكْمَه وَالْأَبْرَص , فِي آيَات سَلَّطَهُ اللَّه عَلَيْهِنَّ , وَأَذِنَ لَهُ فِيهِنَّ , فَقَالَتْ : طُوبَى لِلْبَطْنِ الَّذِي حَمَلَك , وَالثَّدْي الَّذِي أُرْضِعْت بِهِ , فَقَالَ نَبِيّ اللَّه اِبْن مَرْيَم يُجِيبهَا : طُوبَى لِمَنْ تَلَا كِتَاب اللَّه , وَاتَّبَعَ مَا فِيهِ { وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا شَقِيًّا } 17872 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن كَثِير , عَنْ عَبْد اللَّه بْن وَاقِد أَبِي رَجَاء , عَنْ بَعْض أَهْل الْعِلْم , قَالَ : لَا تَجِد عَاقًّا إِلَّا وَجَدْته جَبَّارًا شَقِيًّا . ثُمَّ قَرَأَ { وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلنِي جَبَّارًا شَقِيًّا } قَالَ : وَلَا تَجِد سَيِّئ الْمَلَكَة إِلَّا وَجَدْته مُخْتَالًا فَخُورًا , ثُمَّ قَرَأَ { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا } 4 36
وَقَوْله : { وَالسَّلَام عَلَيَّ يَوْم وُلِدْت وَيَوْم أَمُوت وَيَوْم أُبْعَث حَيًّا } يَقُول : وَالْأَمَنَة مِنْ اللَّه عَلَيَّ مِنْ الشَّيْطَان وَجُنْده يَوْم وُلِدْت أَنْ يَنَالُوا مِنِّي مَا يَنَالُونَ مِمَّنْ يُولَد عِنْد الْوِلَادَة , مِنْ الطَّعْن فِيهِ , وَيَوْم أَمُوت , مِنْ هَوْل الْمَطْلَع , وَيَوْم أُبْعَث حَيًّا يَوْم الْقِيَامَة أَنْ يَنَالنِي الْفَزَع الَّذِي يَنَال النَّاس بِمُعَايَنَتِهِمْ أَهْوَال ذَلِكَ الْيَوْم , كَمَا : 17873 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَمَّنْ لَا يُتَّهَم , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه { وَالسَّلَام عَلَيَّ يَوْم وُلِدْت وَيَوْم أَمُوت وَيَوْم أُبْعَث حَيًّا } قَالَ : يُخْبِرهُمْ فِي قِصَّة خَبَره عَنْ نَفْسه , أَنَّهُ لَا أَب لَهُ وَأَنَّهُ سَيَمُوتُ ثُمَّ يُبْعَث حَيًّا , يَقُول اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { ذَلِكَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم قَوْل الْحَقّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ }
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم قَوْل الْحَقّ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَذَا الَّذِي بَيَّنْت لَكُمْ صِفَته , وَأَخْبَرْتُكُمْ خَبَره , مِنْ أَمْر الْغُلَام الَّذِي حَمَلَتْهُ مَرْيَم . هُوَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم , وَهَذِهِ الصِّفَة صِفَته , وَهَذَا الْخَبَر خَبَره , وَهُوَ { قَوْل الْحَقّ } يَعْنِي أَنَّ هَذَا الْخَبَر الَّذِي قَصَصْته عَلَيْكُمْ قَوْل الْحَقّ , وَالْكَلَام الَّذِي تَلَوْته عَلَيْكُمْ قَوْل اللَّه وَخَبَره , لَا خَبَر غَيْره , الَّذِي يَقَع فِيهِ الْوَهْم وَالشَّكّ , وَالزِّيَادَة وَالنُّقْصَان , عَلَى مَا كَانَ يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره : فَقُولُوا فِي عِيسَى أَيّهَا النَّاس , هَذَا الْقَوْل الَّذِي أَخْبَرَكُمْ اللَّه بِهِ عَنْهُ , لَا مَا قَالَتْهُ الْيَهُود , الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُ لِغَيْرِ رِشْدَة , وَأَنَّهُ كَانَ سَاحِرًا كَذَّابًا , وَلَا مَا قَالَتْهُ النَّصَارَى , مِنْ أَنَّهُ كَانَ لِلَّهِ وَلَدًا , وَإِنَّ اللَّه لَمْ يَتَّخِذ وَلَدًا , وَلَا يَنْبَغِي ذَلِكَ لَهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17874 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد قَوْله { ذَلِكَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم قَوْل الْحَقّ } قَالَ : اللَّه الْحَقّ . 17875 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن إِبْرَاهِيم الْمَسْعُودِيّ , قَالَ : ثَنْي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدّه , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : كَانُوا يَقُولُونَ فِي هَذَا الْحَرْف فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه , قَالَ : { الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ } , قَالَ : كَلِمَة اللَّه . وَلَوْ وَجْه تَأْوِيل ذَلِكَ إِلَى ذَلِكَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم الْقَوْل الْحَقّ , بِمَعْنَى ذَلِكَ الْقَوْل الْحَقّ , ثُمَّ حُذِفَتْ الْأَلِف وَاللَّام مِنْ الْقَوْل , وَأُضِيفَ إِلَى الْحَقّ . كَمَا قِيلَ : { إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقّ الْيَقِين } 56 95 وَكَمَا قِيلَ : { وَعْد الصِّدْق الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ } 46 16 كَانَ تَأْوِيلًا صَحِيحًا . وَقَدْ اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز وَالْعِرَاق : " قَوْل الْحَقّ " بِرَفْعِ الْقَوْل . عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ الْمَعْنَى . وَجَعَلُوهُ فِي إِعْرَابه تَابِعًا لِعِيسَى , كَالنَّعْتِ لَهُ , وَلَيْسَ الْأَمْر فِي إِعْرَابه عِنْدِي عَلَى مَا قَالَهُ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُ رُفِعَ عَلَى النَّعْت لِعِيسَى , إِلَّا أَنْ يَكُون مَعْنَى الْقَوْل الْكَلِمَة , عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْ إِبْرَاهِيم , مِنْ تَأْوِيله ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَيَصِحّ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُون نَعْتًا لِعِيسَى , وَإِلَّا فَرَفْعه عِنْدِي بِمُضْمَرٍ , وَهُوَ هَذَا قَوْل الْحَقّ عَلَى الِابْتِدَاء , وَذَلِكَ أَنَّ الْخَبَر قَدْ تَنَاهَى عَنْ قِصَّة عِيسَى وَأُمّه عِنْد قَوْله { ذَلِكَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم } ثُمَّ اِبْتَدَأَ الْخَبَر بِأَنَّ الْحَقّ فِيمَا فِيهِ تَمْتَرِي الْأُمَم مِنْ أَمْر عِيسَى , هُوَ هَذَا الْقَوْل , الَّذِي أَخْبَرَ اللَّه بِهِ عَنْهُ عِبَاده , دُون غَيْره . وَقَدْ قَرَأَ ذَلِكَ عَاصِم بْن أَبِي النَّجُود وَعَبْد اللَّه بْن عَامِر بِالنَّصْبِ , وَكَأَنَّهُمَا أَرَادَا بِذَلِكَ الْمَصْدَر : ذَلِكَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم قَوْلًا حَقًّا , ثُمَّ أُدْخِلَتْ فِيهِ الْأَلِف وَاللَّام . وَأَمَّا مَا ذُكِرَ عَنْ اِبْن مَسْعُود مِنْ قِرَاءَته : " ذَلِكَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم قَالَ الْحَقّ " , فَإِنَّهُ بِمَعْنَى قَوْل الْحَقّ , مِثْل الْعَاب وَالْعَيْب , وَالذَّامّ وَالذَّيْم . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدنَا : الرَّفْع , لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهِ .
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى ذِكْره : { الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : الَّذِي فِيهِ يَخْتَصِمُونَ وَيَخْتَلِفُونَ , مِنْ قَوْلهمْ : مَارَيْت فُلَانًا : إِذَا جَادَلْته وَخَاصَمْته : وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17876 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله { ذَلِكَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم قَوْل الْحَقّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ } اِمْتَرَتْ فِيهِ الْيَهُود وَالنَّصَارَى ; فَأَمَّا الْيَهُود فَزَعَمُوا أَنَّهُ سَاحِر كَذَّاب ; وَأَمَّا النَّصَارَى فَزَعَمُوا أَنَّهُ اِبْن اللَّه , وَثَالِث ثَلَاثَة , وَإِلَه , وَكَذَبُوا كُلّهمْ , وَلَكِنَّهُ عَبْد اللَّه وَرَسُوله , وَكَلِمَته وَرُوحه . 17877 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنْي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ } قَالَ : اِخْتَلَفُوا , فَقَالَتْ فِرْقَة : هُوَ عَبْد اللَّه وَنَبِيّه , فَآمَنُوا بِهِ . وَقَالَتْ فِرْقَة : بَلْ هُوَ اللَّه . وَقَالَتْ فِرْقَة : هُوَ اِبْن اللَّه . تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا . قَالَ : فَذَلِكَ قَوْله . { فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَاب مِنْ بَيْنهمْ } 19 37 وَاَلَّتِي فِي الزُّخْرُف . قَالَ دقيوس ونسطور وَمَارِ يَعْقُوب , قَالَ أَحَدهمْ حِين رَفَعَ اللَّه عِيسَى : هُوَ اللَّه , وَقَالَ الْآخَر : اِبْن اللَّه , وَقَالَ الْآخَر : كَلِمَة اللَّه وَعَبْده , فَقَالَ الْمُفْتَرِيَانِ : إِنَّ قَوْلِي هُوَ أَشْبَه بِقَوْلِك , وَقَوْلك بِقَوْلِي مِنْ قَوْل هَذَا , فَهَلُمَّ فَلْنُقَاتِلْهُمْ , فَقَاتَلُوهُمْ وَأَوْطَؤُوهُمْ إِسْرَائِيل , فَأَخْرَجُوا مِنْهُمْ أَرْبَعَة نَفَر , أَخْرَجَ كُلّ قَوْم عَالِمهمْ , فَامْتُرُوا فِي عِيسَى حِين رُفِعَ , فَقَالَ أَحَدهمْ : هُوَ اللَّه هَبَطَ إِلَى الْأَرْض وَأَحْيَا مَنْ أَحْيَا , وَأَمَاتَ مَنْ أَمَاتَ , ثُمَّ صَعِدَ إِلَى السَّمَاء , وَهُمْ الْيَعْقُوبِيَّة , فَقَالَ الثَّلَاثَة : كَذَبْت , ثُمَّ قَالَ اِثْنَانِ مِنْهُمْ لِلثَّالِثِ , قُلْ أَنْتَ فِيهِ , قَالَ : هُوَ اِبْن اللَّه , وَهُمْ النُّسْطُورِيَّة , فَقَالَ الِاثْنَانِ : كَذَبْت , ثُمَّ قَالَ أَحَد الِاثْنَيْنِ لِلْآخَرِ : قُلْ فِيهِ , قَالَ : هُوَ ثَالِث ثَلَاثَة : اللَّه إِلَه , وَهُوَ إِلَه , وَأُمّه إِلَه , وَهُمْ الْإِسْرَائِيلِيَّة مُلُوك النَّصَارَى ; قَالَ الرَّابِع : كَذَبْت , هُوَ عَبْد اللَّه وَرَسُوله وَرُوحه وَكَلِمَته , وَهُمْ الْمُسْلِمُونَ , فَكَانَ لِكُلِّ رَجُل مِنْهُمْ أَتْبَاع عَلَى مَا قَالَ , فَاقْتَتَلُوا , فَظَهَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ , وَذَلِكَ قَوْل اللَّه : { وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاس } 3 21 قَالَ قَتَادَة : هُمْ الَّذِينَ قَالَ اللَّه : { فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَاب } 19 37 اِخْتَلَفُوا فِيهِ فَصَارُوا أَحْزَابًا .
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى ذِكْره : { الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : الَّذِي فِيهِ يَخْتَصِمُونَ وَيَخْتَلِفُونَ , مِنْ قَوْلهمْ : مَارَيْت فُلَانًا : إِذَا جَادَلْته وَخَاصَمْته : وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17876 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله { ذَلِكَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم قَوْل الْحَقّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ } اِمْتَرَتْ فِيهِ الْيَهُود وَالنَّصَارَى ; فَأَمَّا الْيَهُود فَزَعَمُوا أَنَّهُ سَاحِر كَذَّاب ; وَأَمَّا النَّصَارَى فَزَعَمُوا أَنَّهُ اِبْن اللَّه , وَثَالِث ثَلَاثَة , وَإِلَه , وَكَذَبُوا كُلّهمْ , وَلَكِنَّهُ عَبْد اللَّه وَرَسُوله , وَكَلِمَته وَرُوحه . 17877 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنْي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ } قَالَ : اِخْتَلَفُوا , فَقَالَتْ فِرْقَة : هُوَ عَبْد اللَّه وَنَبِيّه , فَآمَنُوا بِهِ . وَقَالَتْ فِرْقَة : بَلْ هُوَ اللَّه . وَقَالَتْ فِرْقَة : هُوَ اِبْن اللَّه . تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا . قَالَ : فَذَلِكَ قَوْله . { فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَاب مِنْ بَيْنهمْ } 19 37 وَاَلَّتِي فِي الزُّخْرُف . قَالَ دقيوس ونسطور وَمَارِ يَعْقُوب , قَالَ أَحَدهمْ حِين رَفَعَ اللَّه عِيسَى : هُوَ اللَّه , وَقَالَ الْآخَر : اِبْن اللَّه , وَقَالَ الْآخَر : كَلِمَة اللَّه وَعَبْده , فَقَالَ الْمُفْتَرِيَانِ : إِنَّ قَوْلِي هُوَ أَشْبَه بِقَوْلِك , وَقَوْلك بِقَوْلِي مِنْ قَوْل هَذَا , فَهَلُمَّ فَلْنُقَاتِلْهُمْ , فَقَاتَلُوهُمْ وَأَوْطَؤُوهُمْ إِسْرَائِيل , فَأَخْرَجُوا مِنْهُمْ أَرْبَعَة نَفَر , أَخْرَجَ كُلّ قَوْم عَالِمهمْ , فَامْتُرُوا فِي عِيسَى حِين رُفِعَ , فَقَالَ أَحَدهمْ : هُوَ اللَّه هَبَطَ إِلَى الْأَرْض وَأَحْيَا مَنْ أَحْيَا , وَأَمَاتَ مَنْ أَمَاتَ , ثُمَّ صَعِدَ إِلَى السَّمَاء , وَهُمْ الْيَعْقُوبِيَّة , فَقَالَ الثَّلَاثَة : كَذَبْت , ثُمَّ قَالَ اِثْنَانِ مِنْهُمْ لِلثَّالِثِ , قُلْ أَنْتَ فِيهِ , قَالَ : هُوَ اِبْن اللَّه , وَهُمْ النُّسْطُورِيَّة , فَقَالَ الِاثْنَانِ : كَذَبْت , ثُمَّ قَالَ أَحَد الِاثْنَيْنِ لِلْآخَرِ : قُلْ فِيهِ , قَالَ : هُوَ ثَالِث ثَلَاثَة : اللَّه إِلَه , وَهُوَ إِلَه , وَأُمّه إِلَه , وَهُمْ الْإِسْرَائِيلِيَّة مُلُوك النَّصَارَى ; قَالَ الرَّابِع : كَذَبْت , هُوَ عَبْد اللَّه وَرَسُوله وَرُوحه وَكَلِمَته , وَهُمْ الْمُسْلِمُونَ , فَكَانَ لِكُلِّ رَجُل مِنْهُمْ أَتْبَاع عَلَى مَا قَالَ , فَاقْتَتَلُوا , فَظَهَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ , وَذَلِكَ قَوْل اللَّه : { وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاس } 3 21 قَالَ قَتَادَة : هُمْ الَّذِينَ قَالَ اللَّه : { فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَاب } 19 37 اِخْتَلَفُوا فِيهِ فَصَارُوا أَحْزَابًا .
مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى . { مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذ مِنْ وَلَد سُبْحَانه إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ كُنْ فَيَكُون } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَقَدْ كَفَّرْت الَّذِينَ قَالُوا : إِنَّ عِيسَى اِبْن اللَّه , وَأَعْظَمُوا الْفِرْيَة عَلَيْهِ , فَمَا يَنْبَغِي لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذ وَلَدًا , وَلَا يَصْلُح ذَلِكَ لَهُ وَلَا يَكُون , بَلْ كُلّ شَيْء دُونه فَخَلْقه , وَذَلِكَ نَظِير قَوْل عَمْرو بْن أَحْمَر : فِي رَأْس خَلْقَاء مِنْ عَنْقَاء مُشْرِفَة لَا يُبْتَغَى دُونهَا سَهْل وَلَا جَبَل وَأَنَّ مِنْ قَوْله { أَنْ يَتَّخِذ } فِي مَوْضِع رَفْع بِكَانَ . وَقَوْله : { سُبْحَانه } يَقُول : تَنْزِيهًا لِلَّهِ وَتَبْرِئَة لَهُ أَنْ يَكُون لَهُ مَا أَضَافَ إِلَيْهِ الْكَافِرُونَ الْقَائِلُونَ : عِيسَى اِبْن اللَّه . وَقَوْله : { إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ كُنْ فَيَكُون } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : إِنَّمَا اِبْتَدَأَ اللَّه خَلْق عِيسَى اِبْتِدَاء , وَأَنْشَأَهُ إِنْشَاء مِنْ غَيْر فَحْل اِفْتَحَلَ أُمّه , وَلَكِنَّهُ قَالَ لَهُ : { كُنْ فَيَكُون } لِأَنَّهُ كَذَلِكَ يَبْتَدِع الْأَشْيَاء وَيَخْتَرِعهَا , إِنَّمَا يَقُول , إِذَا قَضَى خَلْق شَيْء أَوْ إِنْشَاءَهُ : كُنْ فَيَكُون مَوْجُودًا حَادِثًا , لَا يَعْظُم عَلَيْهِ خَلْقه , لِأَنَّهُ لَا يَخْلُقهُ بِمُعَانَاةٍ وَكُلْفَة , وَلَا يُنْشِئهُ بِمُعَالَجَةٍ وَشِدَّة .
وَقَوْله : { وَإِنَّ اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ فَاعْبُدُوهُ } اِخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة : " وَأَنَّ اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ " وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي وَجْه فَتْح " أَنَّ " إِذَا فُتِحَتْ , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : فُتِحَتْ رَدًّا عَلَى عِيسَى وَعَطْفًا عَلَيْهِ , بِمَعْنَى : ذَلِكَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَتْ أَنَّ رَفْعًا , وَتَكُون بِتَأْوِيلِ خَفْض , كَمَا قَالَ : { ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبّك مُهْلِك الْقُرَى بِظُلْمٍ } 6 131 قَالَ : وَلَوْ فُتِحَتْ عَلَى قَوْله : { وَأَوْصَانِي } بِأَنَّ اللَّه , كَانَ وَجْهًا . وَكَانَ بَعْض الْبَصْرِيِّينَ يَقُول : وَذُكِرَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ أَبِي عَمْرو بْن الْعَلَاء , وَكَانَ مِمَّنْ يَقْرَؤُهُ بِالْفَتْحِ إِنَّمَا فَتَحْت أَنَّ بِتَأْوِيلِ { وَقَضَى } أَنَّ اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ . وَكَانَتْ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ يَقْرَءُونَهُ : { وَإِنَّ اللَّه } بِكَسْرِ إِنَّ بِمَعْنَى النَّسَق عَلَى قَوْله : { فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ } . وَذُكِرَ عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ : " فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ كُنْ فَيَكُون إِنَّ اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ " بِغَيْرِ وَاو . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْقِرَاءَة الَّتِي نَخْتَار فِي ذَلِكَ : الْكَسْر عَلَى الِابْتِدَاء . وَإِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَوْضِع , وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون عَطْفًا عَلَى " إِنَّ " الَّتِي مَعَ قَوْله { قَالَ إِنِّي عَبْد اللَّه آتَانِي الْكِتَاب وَإِنَّ اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ } وَلَوْ قَالَ قَائِل , مِمَّنْ قَرَأَ ذَلِكَ نَصْبًا : نُصِبَ عَلَى الْعَطْف عَلَى الْكِتَاب , بِمَعْنَى : أَتَانِي الْكِتَاب , وَأَتَانِي أَنَّ اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ , كَانَ وَجْهًا حَسَنًا . وَمَعْنَى الْكَلَام : وَإِنِّي وَأَنْتُمْ أَيّهَا الْقَوْم جَمِيعًا لِلَّهِ عَبِيد , فَإِيَّاهُ فَاعْبُدُوا دُون غَيْره . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17878 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَمَّنْ لَا يُتَّهَم , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه , قَالَ : عَهِدَ إِلَيْهِمْ حِين أَخْبَرَهُمْ عَنْ نَفْسه وَمَوْلِده وَمَوْته وَبَعْثه { إِنَّ اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاط مُسْتَقِيم } أَيْ إِنِّي وَإِيَّاكُمْ عَبِيد اللَّه , فَاعْبُدُوهُ وَلَا تَعْبُدُوا غَيْره .
وَقَوْله : { هَذَا صِرَاط مُسْتَقِيم } يَقُول : هَذَا الَّذِي أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ , وَأَخْبَرْتُكُمْ أَنْ اللَّه أَمَرَنِي بِهِ هُوَ الطَّرِيق الْمُسْتَقِيم , الَّذِي مَنْ سَلَكَهُ نَجَا , وَمَنْ رَكِبَهُ اِهْتَدَى , لِأَنَّهُ دِين اللَّه الَّذِي أَمَرَ بِهِ أَنْبِيَاءَهُ.
وَقَوْله : { هَذَا صِرَاط مُسْتَقِيم } يَقُول : هَذَا الَّذِي أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ , وَأَخْبَرْتُكُمْ أَنْ اللَّه أَمَرَنِي بِهِ هُوَ الطَّرِيق الْمُسْتَقِيم , الَّذِي مَنْ سَلَكَهُ نَجَا , وَمَنْ رَكِبَهُ اِهْتَدَى , لِأَنَّهُ دِين اللَّه الَّذِي أَمَرَ بِهِ أَنْبِيَاءَهُ.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَاب مِنْ بَيْنهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَاخْتَلَفَ الْمُخْتَلِفُونَ فِي عِيسَى , فَصَارُوا أَحْزَابًا مُتَفَرِّقِينَ مِنْ بَيْن قَوْمه , كَمَا : 17879 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثني الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَاب مِنْ بَيْنهمْ } قَالَ : أَهْل الْكِتَاب . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 17880 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَاب مِنْ بَيْنهمْ } ذُكِرَ لَنَا أَنَّ لَمَّا رُفِعَ اِبْن مَرْيَم , اِنْتَخَبَتْ بَنُو إِسْرَائِيل أَرْبَعَة مِنْ فُقَهَائِهِمْ , فَقَالُوا لِلْأَوَّلِ : مَا تَقُول فِي عِيسَى ؟ قَالَ : هُوَ اللَّه هَبَطَ إِلَى الْأَرْض , فَخَلَقَ مَا خَلَقَ , وَأَحْيَا مَا أَحْيَا , ثُمَّ صَعِدَ إِلَى السَّمَاء , فَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ نَاس مِنْ النَّاس , فَكَانَتْ الْيَعْقُوبِيَّة مِنْ النَّصَارَى ; وَقَالَ الثَّلَاثَة الْآخَرُونَ : نَشْهَد أَنَّك كَاذِب , فَقَالُوا لِلثَّانِي : مَا تَقُول فِي عِيسَى ؟ قَالَ : هُوَ اِبْن اللَّه , فَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ نَاس مِنْ النَّاس , فَكَانَتْ النُّسْطُورِيَّة مِنْ النَّصَارَى ; وَقَالَ الِاثْنَانِ الْآخَرَانِ : نَشْهَد أَنَّك كَاذِب , فَقَالُوا لِلثَّالِثِ : مَا تَقُول فِي عِيسَى ؟ قَالَ : هُوَ إِلَه , وَأُمّه إِلَه , وَاَللَّه إِلَه , فَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ نَاس مِنْ النَّاس , فَكَانَتْ الْإِسْرَائِيلِيَّة مِنْ النَّصَارَى , فَقَالَ الرَّابِع : أَشْهَد أَنَّك كَاذِب , وَلَكِنَّهُ عَبْد اللَّه وَرَسُوله , هُوَ كَلِمَة اللَّه وَرُوحه ; فَاخْتَصَمَ الْقَوْم , فَقَالَ الْمَرْء الْمُسْلِم : أَنْشُدكُمْ اللَّه مَا تَعْلَمُونَ أَنَّ عِيسَى كَانَ يَطْعَم الطَّعَام , وَأَنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : لَا يَطْعَم الطَّعَام قَالُوا : اللَّهُمَّ نَعَمْ , قَالَ : هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ عِيسَى كَانَ يَنَام ؟ قَالُوا : اللَّهُمَّ نَعَمْ , قَالَ فَخَصَمَهُمْ الْمُسْلِم ; قَالَ : فَاقْتَتَلَ الْقَوْم . قَالَ : فَذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْيَعْقُوبِيَّة ظَهَرَتْ يَوْمئِذٍ وَأُصِيبَ الْمُسْلِمُونَ , فَأَنْزَلَ اللَّه فِي ذَلِكَ الْقُرْآن : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّه وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاس فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيم } 3 21 * - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْحَاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَاب مِنْ بَيْنهمْ } اِخْتَلَفُوا فِيهِ فَصَارُوا أَحْزَابًا .
وَقَوْله : { فَوَيْل لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَد يَوْم عَظِيم } يَقُول : فَوَادِي جَهَنَّم الَّذِي يُدْعَى وَيْلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا بِاَللَّهِ , مِنْ الزَّاعِمِينَ أَنَّ عِيسَى لِلَّهِ وَلَد , وَغَيْرهمْ مِنْ أَهْل الْكُفْر بِهِ مِنْ شُهُودهمْ يَوْمًا عَظِيمًا شَأْنه , وَذَلِكَ يَوْم الْقِيَامَة . وَكَانَ قَتَادَة يَقُول فِي تَأْوِيل ذَلِكَ مَا . 17881 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ اللَّه : { فَوَيْل لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَد يَوْم عَظِيم } شَهِدُوا هَوْلًا إِذًا عَظِيمًا .
وَقَوْله : { فَوَيْل لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَد يَوْم عَظِيم } يَقُول : فَوَادِي جَهَنَّم الَّذِي يُدْعَى وَيْلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا بِاَللَّهِ , مِنْ الزَّاعِمِينَ أَنَّ عِيسَى لِلَّهِ وَلَد , وَغَيْرهمْ مِنْ أَهْل الْكُفْر بِهِ مِنْ شُهُودهمْ يَوْمًا عَظِيمًا شَأْنه , وَذَلِكَ يَوْم الْقِيَامَة . وَكَانَ قَتَادَة يَقُول فِي تَأْوِيل ذَلِكَ مَا . 17881 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ اللَّه : { فَوَيْل لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَد يَوْم عَظِيم } شَهِدُوا هَوْلًا إِذًا عَظِيمًا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْم يَأْتُونَنَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ حَال الْكَافِرِينَ بِهِ , الْحَامِلِينَ لَهُ أَنْدَادًا , وَالزَّاعِمِينَ أَنَّ لَهُ وَلَدًا يَوْم وُرُودهمْ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَة : لَئِنْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا عُمْيًا عَنْ إِبْصَار الْحَقّ , وَالنَّظَر إِلَى حُجَج اللَّه الَّتِي تَدُلّ عَلَى وَحْدَانِيّته , صُمًّا عَنْ سَمَاع آي كِتَابه , وَمَا دَعَتْهُمْ إِلَيْهِ رُسُل اللَّه فِيهَا مِنْ الْإِقْرَار بِتَوْحِيدِهِ , وَمَا بَعَثَ بِهِ أَنْبِيَاءَهُ , فَمَا أَسْمَعَهُمْ يَوْم قُدُومهمْ عَلَى رَبّهمْ فِي الْآخِرَة , وَأَبْصَرَهُمْ يَوْمئِذٍ حِين لَا يَنْفَعهُمْ الْإِبْصَار وَالسَّمَاع . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17882 - حَدَّثَنَا بِشْر : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ } ذَاكَ وَاَللَّه يَوْم الْقِيَامَة , سَمِعُوا حِين لَا يَنْفَعهُمْ السَّمْع , وَأَبْصَرُوا حِين لَا يَنْفَعهُمْ الْبَصَر . 17883 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ } قَالَ : أَسْمَعَ قَوْم وَأَبْصَرَهُمْ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْم يَأْتُونَنَا } يَوْم الْقِيَامَة . 17884 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , قَالَ : { أَسْمِعْ } بِحَدِيثِهِمْ الْيَوْم { وَأَبْصِرْ } كَيْف يُصْنَع بِهِمْ { يَوْم يَأْتُونَنَا } 17885 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْم يَأْتُونَنَا } قَالَ : هَذَا يَوْم الْقِيَامَة , فَأَمَّا الدُّنْيَا فَلَا , كَانَتْ عَلَى أَبْصَارهمْ غِشَاوَة , وَفِي آذَانهمْ وَقْر فِي الدُّنْيَا ; فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة أَبْصَرُوا وَسَمِعُوا فَلَمْ يَنْتَفِعُوا , وَقَرَأَ : { رَبّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَل صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ } 32 12
وَقَوْله : { لَكِنْ الظَّالِمُونَ الْيَوْم فِي ضَلَال مُبِين } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَكِنْ الْكَافِرُونَ الَّذِينَ أَضَافُوا إِلَيْهِ مَا لَيْسَ مِنْ صِفَته , وَافْتَرَوْا عَلَيْهِ الْكَذِب الْيَوْم فِي الدُّنْيَا , فِي ضَلَال مُبِين يَقُول : فِي ذَهَاب عَنْ سَبِيل الْحَقّ , وَأَخْذ عَلَى غَيْر اِسْتِقَامَة , مُبِين أَنَّهُ جَائِر عَنْ طَرِيق الرُّشْد وَالْهُدَى , لِمَنْ تَأَمَّلَهُ وَفَكَّرَ فِيهِ , فَهُدِيَ لِرُشْدِهِ .
وَقَوْله : { لَكِنْ الظَّالِمُونَ الْيَوْم فِي ضَلَال مُبِين } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَكِنْ الْكَافِرُونَ الَّذِينَ أَضَافُوا إِلَيْهِ مَا لَيْسَ مِنْ صِفَته , وَافْتَرَوْا عَلَيْهِ الْكَذِب الْيَوْم فِي الدُّنْيَا , فِي ضَلَال مُبِين يَقُول : فِي ذَهَاب عَنْ سَبِيل الْحَقّ , وَأَخْذ عَلَى غَيْر اِسْتِقَامَة , مُبِين أَنَّهُ جَائِر عَنْ طَرِيق الرُّشْد وَالْهُدَى , لِمَنْ تَأَمَّلَهُ وَفَكَّرَ فِيهِ , فَهُدِيَ لِرُشْدِهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْم الْحَسْرَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَأَنْذِرْ يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاَللَّهِ يَوْم حَسْرَتهمْ وَنَدَمهمْ , عَلَى مَا فَرَّطُوا فِي جَنْب اللَّه , وَأَوْرَثْت مَسَاكِنهمْ مِنْ الْجَنَّة أَهْل الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَالطَّاعَة لَهُ , وَأَدْخَلُوهُمْ مَسَاكِن أَهْل الْإِيمَان بِاَللَّهِ مِنْ النَّار , وَأَيْقَنَ الْفَرِيقَانِ بِالْخُلُودِ الدَّائِم , وَالْحَيَاة الَّتِي لَا مَوْت بَعْدهَا , فَيَا لَهَا حَسْرَة وَنَدَامَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17886 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ سَلَمَة بْن كُهَيْلٍ , قَالَ : ثنا أَبُو الزَّعْرَاء , عَنْ عَبْد اللَّه فِي قِصَّة ذَكَرَهَا , قَالَ : مَا مِنْ نَفْس إِلَّا وَهِيَ تَنْظُر إِلَى بَيْت فِي الْجَنَّة , وَبَيْت فِي النَّار , وَهُوَ يَوْم الْحَسْرَة , فَيَرَى أَهْل النَّار الْبَيْت الَّذِي كَانَ قَدْ أَعَدَّهُ اللَّه لَهُمْ لَوْ آمَنُوا , فَيُقَال لَهُمْ : لَوْ آمَنْتُمْ وَعَمِلْتُمْ صَالِحًا كَانَ لَكُمْ هَذَا الَّذِي تَرَوْنَهُ فِي الْجَنَّة , فَتَأْخُذهُمْ الْحَسْرَة , وَيَرَى أَهْل الْجَنَّة الْبَيْت الَّذِي فِي النَّار , فَيُقَال : لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّه عَلَيْكُمْ . 17887 - حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ أَبِي سَعِيد , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يُجَاء بِالْمَوْتِ يَوْم الْقِيَامَة فَيُوقَف بَيْن الْجَنَّة وَالنَّار كَأَنَّهُ كَبْش أَمْلَح " قَالَ : " فَيُقَال : يَا أَهْل الْجَنَّة هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا ؟ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ , فَيَقُولُونَ : نَعَمْ , هَذَا الْمَوْت , فَيُقَال : يَا أَهْل النَّار هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا ؟ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ , فَيَقُولُونَ . نَعَمْ هَذَا الْمَوْت , ثُمَّ يُؤْمَر بِهِ فَيُذْبَح " قَالَ : " فَيَقُول : يَا أَهْل الْجَنَّة خُلُود فَلَا مَوْت , وَيَا أَهْل النَّار خُلُود فَلَا مَوْت " قَالَ : ثُمَّ قَرَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْم الْحَسْرَة إِذْ قُضِيَ الْأَمْر وَهُمْ فِي غَفْلَة وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } وَأَشَارَ بِيَدِهِ فِي الدُّنْيَا . 17888 - حَدَّثَنِي عُبَيْد بْن أَسْبَاط بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْآيَة { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْم الْحَسْرَة } قَالَ : " يُنَادَى : يَا أَهْل الْجَنَّة , فَيَشْرَئِبُّونَ , فَيَنْظُرُونَ , ثُمَّ يُنَادَى : يَا أَهْل النَّار فَيَشْرَئِبُّونَ فَيَنْظُرُونَ , فَيُقَال : هَلْ تَعْرِفُونَ الْمَوْت ؟ قَالَ : فَيَقُولُونَ : لَا , قَالَ : فَيُجَاء بِالْمَوْتِ فِي صُورَة كَبْش أَمْلَح , فَيُقَال : هَذَا الْمَوْت , ثُمَّ يُؤْخَذ فَيُذْبَح , قَالَ : ثُمَّ يُنَادِي يَا أَهْل النَّار خُلُود فَلَا مَوْت , وَيَا أَهْل الْجَنَّة خُلُود فَلَا مَوْت " , قَالَ : ثُمَّ قَرَأَ { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْم الْحَسْرَة إِذْ قُضِيَ الْأَمْر } 17889 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْم الْحَسْرَة } قَالَ : يُصَوِّر اللَّه الْمَوْت فِي صُورَة كَبْش أَمْلَح , فَيُذْبَح , قَالَ : فَيَيْأَس أَهْل النَّار مِنْ الْمَوْت , فَلَا يَرْجُونَهُ , فَتَأْخُذهُمْ الْحَسْرَة مِنْ أَجْل الْخُلُود فِي النَّار , وَفِيهَا أَيْضًا الْفَزَع الْأَكْبَر , وَيَأْمَن أَهْل الْجَنَّة الْمَوْت , فَلَا يَخْشَوْنَهُ , وَأَمِنُوا الْمَوْت , وَهُوَ الْفَزَع الْأَكْبَر , لِأَنَّهُمْ يَخْلُدُونَ فِي الْجَنَّة , قَالَ اِبْن جُرَيْج : يُحْشَر أَهْل النَّار حِين يُذْبَح الْمَوْت وَالْفَرِيقَانِ يَنْظُرُونَ , فَذَلِكَ قَوْله : { إِذْ قُضِيَ الْأَمْر } قَالَ : ذُبِحَ الْمَوْت { وَهُمْ فِي غَفْلَة } 17890 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْد بْن عُمَيْر فِي قَصَصه يَقُول : يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَأَنَّهُ دَابَّة , فَيُذْبَح وَالنَّاس يَنْظُرُونَ . 17891 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْم الْحَسْرَة } قَالَ : يَوْم الْقِيَامَة , وَقَرَأَ { أَنْ تَقُول نَفْس يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْب اللَّه } 39 56 17892 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْم الْحَسْرَة } مِنْ أَسْمَاء يَوْم الْقِيَامَة , عَظَّمَهُ اللَّه , وَحَذَّرَهُ عِبَاده .
وَقَوْله : { إِذْ قُضِيَ الْأَمْر } يَقُول : إِذْ فُرِغَ مِنْ الْحُكْم لِأَهْلِ النَّار بِالْخُلُودِ فِيهَا , وَلِأَهْلِ الْجَنَّة بِمَقَامِ الْأَبَد فِيهَا , بِذَبْحِ الْمَوْت . وَقَوْله : { وَهُمْ فِي غَفْلَة } يَقُول : وَهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ فِي غَفْلَة عَمَّا اللَّه فَاعِل بِهِمْ يَوْم يَأْتُونَهُ خَارِجِينَ إِلَيْهِ مِنْ قُبُورهمْ , مِنْ تَخْلِيده إِيَّاهُمْ فِي جَهَنَّم , وَتَوْرِيثه مَسَاكِنهمْ مِنْ الْجَنَّة غَيْرهمْ { وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَهُمْ لَا يُصَدِّقُونَ بِالْقِيَامَةِ وَالْبَعْث , وَمُجَازَاة اللَّه إِيَّاهُمْ عَلَى سَيِّئ أَعْمَالهمْ , بِمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ مُجَازِيهمْ بِهِ .
وَقَوْله : { إِذْ قُضِيَ الْأَمْر } يَقُول : إِذْ فُرِغَ مِنْ الْحُكْم لِأَهْلِ النَّار بِالْخُلُودِ فِيهَا , وَلِأَهْلِ الْجَنَّة بِمَقَامِ الْأَبَد فِيهَا , بِذَبْحِ الْمَوْت . وَقَوْله : { وَهُمْ فِي غَفْلَة } يَقُول : وَهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ فِي غَفْلَة عَمَّا اللَّه فَاعِل بِهِمْ يَوْم يَأْتُونَهُ خَارِجِينَ إِلَيْهِ مِنْ قُبُورهمْ , مِنْ تَخْلِيده إِيَّاهُمْ فِي جَهَنَّم , وَتَوْرِيثه مَسَاكِنهمْ مِنْ الْجَنَّة غَيْرهمْ { وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَهُمْ لَا يُصَدِّقُونَ بِالْقِيَامَةِ وَالْبَعْث , وَمُجَازَاة اللَّه إِيَّاهُمْ عَلَى سَيِّئ أَعْمَالهمْ , بِمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ مُجَازِيهمْ بِهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّا نَحْنُ نَرِث الْأَرْض وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا يَحْزُنك تَكْذِيب هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ لَك يَا مُحَمَّد فِيمَا أَتَيْتهمْ بِهِ مِنْ الْحَقّ , فَإِنَّ إِلَيْنَا مَرْجِعهمْ وَمَصِيرهمْ وَمَصِير جَمِيع الْخَلْق غَيْرهمْ , وَنَحْنُ وَارِثُو الْأَرْض وَمَنْ عَلَيْهَا مِنْ النَّاس , بِفَنَائِهِمْ مِنْهَا , وَبَقَائِهَا لَا مَالِك لَهَا غَيْرنَا , ثُمَّ عَلَيْنَا جَزَاء كُلّ عَامِل مِنْهُمْ بِعَمَلِهِ , عِنْد مَرْجِعه إِلَيْنَا , الْمُحْسِن مِنْهُمْ بِإِحْسَانِهِ , وَالْمُسِيء بِإِسَاءَتِهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَاب إِبْرَاهِيم إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ : { وَاذْكُرْ } يَا مُحَمَّد فِي كِتَاب اللَّه { إِبْرَاهِيم } خَلِيل الرَّحْمَن , فَاقْصُصْ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ قَصَصه وَقَصَص أَبِيهِ , { إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا } يَقُول : 3 كَانَ مِنْ أَهْل الصِّدْق فِي حَدِيثه وَأَخْبَاره وَمَوَاعِيده لَا يَكْذِب , وَالصِّدِّيق هُوَ الْفِعِّيل مِنْ الصِّدْق . وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . { نَبِيًّا } يَقُول : كَانَ اللَّه قَدْ نَبَأَهُ وَأَوْحَى إِلَيْهِ .
إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا ↓
وَقَوْله : { إِذْ قَالَ أَبِيهِ } يَقُول : اُذْكُرْهُ حِين قَالَ لِأَبِيهِ { يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُد مَا لَا يَسْمَع } يَقُول : مَا تَصْنَع بِعِبَادَةِ الْوَثَن الَّذِي لَا يَسْمَع { وَلَا يُبْصِر } شَيْئًا { وَلَا يُغْنِي عَنْك شَيْئًا } يَقُول : وَلَا يَدْفَع عَنْك ضُرّ شَيْء , إِنَّمَا هُوَ صُورَة مُصَوَّرَة لَا تَضُرّ وَلَا تَنْفَع . يَقُول مَا تَصْنَع بِعِبَادَةِ مَا هَذِهِ صِفَته ؟ اُعْبُدْ الَّذِي إِذَا دَعَوْته سَمِعَ دُعَاءَك , وَإِذَا أُحِيطَ بِك أَبْصَرَك فَنَصَرَك , وَإِذَا نَزَلَ بِك ضُرّ دَفَعَ عَنْك . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي وَجْه دُخُول الْهَاء فِي قَوْله { يَا أَبَتِ } فَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي أَهْل الْبَصْرَة يَقُول : إِذَا وَقَفْت عَلَيْهَا قُلْت : يَا أَبَهْ , وَهِيَ هَاء زِيدَتْ نَحْو قَوْلك : يَا أُمَّهْ , ثُمَّ يُقَال : يَا أُمّ إِذَا وَصَلَ , وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ الْأَب عَلَى حَرْفَيْنِ , كَانَ كَأَنَّهُ قَدْ أَخَلَّ بِهِ , فَصَارَتْ الْهَاء لَازِمَة , وَصَارَتْ الْيَاء كَأَنَّهَا بَعْدهَا , فَلِذَلِكَ قَالُوا : يَا أَبَةِ أَقْبِلْ , وَجَعَلَ التَّاء لِلتَّأْنِيثِ , وَيَجُوز التَّرْخِيم مِنْ يَا أَبَ أَقْبِلْ , لِأَنَّهُ يَجُوز أَنْ تَدْعُو مَا تُضِيفهُ إِلَى نَفْسك فِي الْمَعْنَى مَضْمُومًا , نَحْو قَوْل الْعَرَب : يَا رَبّ اِغْفِرْ لِي , وَتَقِف فِي الْقُرْآن : يَا أَبَهْ فِي الْكِتَاب . وَقَدْ يَقِف بَعْض الْعَرَب عَلَى الْهَاء بِالتَّاءِ . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : الْهَاء مَعَ أَبَةِ وَأُمَّة هَاء وَقْف , كَثُرَتْ فِي كَلَامهمْ حَتَّى صَارَتْ كَهَاءِ التَّأْنِيث , وَأَدْخَلُوا عَلَيْهَا الْإِضَافَة , فَمَنْ طَلَبَ الْإِضَافَة , فَهِيَ بِالتَّاءِ لَا غَيْر , لِأَنَّك تَطْلُب بَعْدهَا الْيَاء , وَلَا تَكُون الْهَاء حِينَئِذٍ إِلَّا تَاء , كَقَوْلِك : يَا أَبَتِ لَا غَيْر , وَمَنْ قَالَ : يَا أَبَهْ , فَهُوَ الَّذِي يَقِف بِالْهَاءِ , لِأَنَّهُ لَا يَطْلُب بَعْدهَا يَاء ; وَمَنْ قَالَ : يَا أَبَتَا , فَإِنَّهُ يَقِف عَلَيْهَا بِالتَّاءِ , وَيَجُوز بِالْهَاءِ ; فَأَمَّا بِالتَّاءِ , فَلِطَلَبِ أَلِف النُّدْبَة , فَصَارَتْ الْهَاء تَاء لِذَلِكَ , وَالْوَقْف بِالْهَاءِ بَعِيد , إِلَّا فِيمَنْ قَالَ : " يَا أُمَيْمَة نَاصِب " فَجَعَلَ هَذِهِ الْفَتْحَة مِنْ فَتْحَة التَّرْخِيم , وَكَأَنَّ هَذَا طَرَف الِاسْم , قَالَ : وَهَذَا بَعِيد .
يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنْ الْعِلْم مَا لَمْ يَأْتِك فَاتَّبِعْنِي أَهْدِك صِرَاطًا سَوِيًّا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ : يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ آتَانِي اللَّه مِنْ الْعِلْم مَا لَمْ يُؤْتِك فَاتَّبِعْنِي : يَقُول : فَاقْبَلْ مِنِّي نَصِيحَتِي { أَهْدِك صِرَاطًا سَوِيًّا } يَقُول : أُبَصِّرك هُدَى الطَّرِيق الْمُسْتَوِي الَّذِي لَا تَضِلّ فِيهِ إِنْ لَزِمْته , وَهُوَ دِين اللَّه الَّذِي لَا اِعْوِجَاج فِيهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَبَتِ لَا تَعْبُد الشَّيْطَان إِنَّ الشَّيْطَان كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَا أَبَتِ لَا تَعْبُد الشَّيْطَان إِنَّ الشَّيْطَان كَانَ لِلَّهِ عَاصِيًا . وَالْعَصِيّ هُوَ ذُو الْعِصْيَان , كَمَا الْعَلِيم ذُو الْعِلْم . وَقَدْ قَالَ قَوْم مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّة : الْعَصِيّ : هُوَ الْعَاصِي , وَالْعَلِيم هُوَ الْعَالِم , وَالْعَرِيف هُوَ الْعَارِف , وَاسْتَشْهَدُوا لِقَوْلِهِمْ ذَلِكَ , بِقَوْلِ طَرِيف بْن تَمِيم الْعَنْبَرِيّ . أَوَكُلَّمَا وَرَدَتْ عُكَاظ قَبِيلَة بَعَثُوا إِلَيَّ عَرِيفهمْ يَتَوَسَّم وَقَالُوا : قَالَ عَرِيفهمْ وَهُوَ يُرِيد : عَارِفهمْ , وَاَللَّه أَعْلَم .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَاف أَنْ يَمَسّك عَذَاب مِنْ الرَّحْمَن فَتَكُون لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا } يَقُول : يَا أَبَتِ إِنِّي أَعْلَم أَنَّك إِنْ مُتّ عَلَى عِبَادَة الشَّيْطَان أَنَّهُ يَمَسّك عَذَاب مِنْ عَذَاب اللَّه { فَتَكُون لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا } يَقُول : تَكُون لَهُ وَلِيًّا دُون اللَّه وَيَتَبَرَّأ اللَّه مِنْك , فَتَهْلَك , وَالْخَوْف فِي هَذَا الْمَوْضِع بِمَعْنَى الْعِلْم , كَمَا الْخَشْيَة بِمَعْنَى الْعِلْم , فِي قَوْله : { فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا } 18 80
قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ أَرَاغِب أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيم لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنك } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ أَبُو إِبْرَاهِيم لِإِبْرَاهِيم , حِين دَعَاهُ إِبْرَاهِيم إِلَى عِبَادَة اللَّه وَتَرْك عِبَادَة الشَّيْطَان , وَالْبَرَاءَة مِنْ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام : { أَرَاغِب أَنْتَ } يَا إِبْرَاهِيم عَنْ عِبَادَة آلِهَتِي ؟ { لَئِنْ } أَنْتَ { لَمْ تَنْتَهِ } عَنْ ذِكْرهَا بِسُوءٍ { لَأَرْجُمَنك } يَقُول : لَأَرْجُمَنك بِالْكَلَامِ , وَذَلِكَ السَّبّ , وَالْقَوْل الْقَبِيح . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17893 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { قَالَ أَرَاغِب أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيم لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنك } بِالشَّتِيمَةِ وَالْقَوْل . 17894 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , فِي قَوْله : { لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنك } قَالَ : بِالْقَوْلِ ; لَأَشْتُمَنك . 17895 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { لَأَرْجُمَنك } يَعْنِي : رَجْم الْقَوْل .
وَأَمَّا قَوْله : { وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل اِخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَاهْجُرْنِي حِينًا طَوِيلًا وَدَهْرًا . وَوَجَّهُوا مَعْنَى الْمَلِيّ إِلَى الْمَلَاوَة مِنْ الزَّمَان , وَهُوَ الطَّوِيل مِنْهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17896 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُدَ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن أَبِي الْوَضَّاح , عَنْ عَبْد الْكَرِيم , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا } قَالَ : دَهْرًا . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله { مَلِيًّا } قَالَ حِينًا . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 17897 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن { وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا } قَالَ : طَوِيلًا . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله { وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا } قَالَ : زَمَانًا طَوِيلًا . 17898 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق { وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا } يَقُول : دَهْرًا , وَالدَّهْر : الْمَلِيّ . 17899 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر { وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا } قَالَ دَهْرًا . 17900 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا } قَالَ : أَبَدًا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : وَاهْجُرْنِي سَوِيًّا سَالِمًا مِنْ عُقُوبَتِي إِيَّاكَ , وَوَجَّهُوا مَعْنَى الْمَلِيّ إِلَى قَوْل النَّاس : فُلَان مَلِيّ بِهَذَا الْأَمْر : إِذَا كَانَ مُضْطَلِعًا بِهِ غَنِيًّا فِيهِ . وَكَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام كَانَ عِنْدهمْ : وَاهْجُرْنِي وَعِرْضك وَافِر مِنْ عُقُوبَتِي , وَجِسْمك مُعَافًى مِنْ أَذَايَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17901 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن دَاوُد , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس { وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا } يَقُول : اِجْتَنِبْنِي سَوِيًّا . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنْي أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا } قَالَ : اِجْتَنِبْنِي سَالِمًا قَبْل أَنْ يُصِيبك مِنِّي عُقُوبَة . 17902 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا } قَالَ : سَالِمًا . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , مِثْله . 17903 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن كَثِير بْن دِرْهَم أَبُو غَسَّان , قَالَ : ثنا قُرَّة بْن خَالِد , عَنْ عَطِيَّة الْجَدَلِيّ { وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا } قَالَ : سَالِمًا . 17904 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله { وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا } : اِجْتَنِبْنِي سَالِمًا لَا يُصِيبك مِنِّي مَعَرَّة . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَة عِنْدِي قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَاهْجُرْنِي سَوِيًّا , سَلْمًا مِنْ عُقُوبَتِي , لِأَنَّهُ عَقِيب قَوْله : { لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنك } وَذَلِكَ وَعِيد مِنْهُ لَهُ إِنْ لَمْ يَنْتَهِ عَنْ ذِكْر آلِهَته بِالسُّوءِ أَنْ يَرْجُمهُ بِالْقَوْلِ السَّيِّئ , وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِأَنْ يُتَّبَع ذَلِكَ التَّقَدُّم إِلَيْهِ بِالِانْتِهَاءِ عَنْهُ قَبْل أَنْ تَنَالهُ الْعُقُوبَة , فَأَمَّا الْأَمْر بِطُولِ هَجْره فَلَا وَجْه لَهُ .
وَأَمَّا قَوْله : { وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل اِخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَاهْجُرْنِي حِينًا طَوِيلًا وَدَهْرًا . وَوَجَّهُوا مَعْنَى الْمَلِيّ إِلَى الْمَلَاوَة مِنْ الزَّمَان , وَهُوَ الطَّوِيل مِنْهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17896 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُدَ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن أَبِي الْوَضَّاح , عَنْ عَبْد الْكَرِيم , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا } قَالَ : دَهْرًا . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله { مَلِيًّا } قَالَ حِينًا . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 17897 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن { وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا } قَالَ : طَوِيلًا . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله { وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا } قَالَ : زَمَانًا طَوِيلًا . 17898 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق { وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا } يَقُول : دَهْرًا , وَالدَّهْر : الْمَلِيّ . 17899 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر { وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا } قَالَ دَهْرًا . 17900 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا } قَالَ : أَبَدًا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : وَاهْجُرْنِي سَوِيًّا سَالِمًا مِنْ عُقُوبَتِي إِيَّاكَ , وَوَجَّهُوا مَعْنَى الْمَلِيّ إِلَى قَوْل النَّاس : فُلَان مَلِيّ بِهَذَا الْأَمْر : إِذَا كَانَ مُضْطَلِعًا بِهِ غَنِيًّا فِيهِ . وَكَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام كَانَ عِنْدهمْ : وَاهْجُرْنِي وَعِرْضك وَافِر مِنْ عُقُوبَتِي , وَجِسْمك مُعَافًى مِنْ أَذَايَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17901 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن دَاوُد , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس { وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا } يَقُول : اِجْتَنِبْنِي سَوِيًّا . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنْي أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا } قَالَ : اِجْتَنِبْنِي سَالِمًا قَبْل أَنْ يُصِيبك مِنِّي عُقُوبَة . 17902 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا } قَالَ : سَالِمًا . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , مِثْله . 17903 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن كَثِير بْن دِرْهَم أَبُو غَسَّان , قَالَ : ثنا قُرَّة بْن خَالِد , عَنْ عَطِيَّة الْجَدَلِيّ { وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا } قَالَ : سَالِمًا . 17904 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله { وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا } : اِجْتَنِبْنِي سَالِمًا لَا يُصِيبك مِنِّي مَعَرَّة . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَة عِنْدِي قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَاهْجُرْنِي سَوِيًّا , سَلْمًا مِنْ عُقُوبَتِي , لِأَنَّهُ عَقِيب قَوْله : { لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنك } وَذَلِكَ وَعِيد مِنْهُ لَهُ إِنْ لَمْ يَنْتَهِ عَنْ ذِكْر آلِهَته بِالسُّوءِ أَنْ يَرْجُمهُ بِالْقَوْلِ السَّيِّئ , وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِأَنْ يُتَّبَع ذَلِكَ التَّقَدُّم إِلَيْهِ بِالِانْتِهَاءِ عَنْهُ قَبْل أَنْ تَنَالهُ الْعُقُوبَة , فَأَمَّا الْأَمْر بِطُولِ هَجْره فَلَا وَجْه لَهُ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ سَلَام عَلَيْك سَأَسْتَغْفِرُ لَك رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ حِين تَوَعَّدَهُ عَلَى نَصِيحَته إِيَّاهُ وَدُعَائِهِ إِلَى اللَّه بِالْقَوْلِ السَّيِّئ وَالْعُقُوبَة : سَلَام عَلَيْك يَا أَبَتِ , يَقُول : أَمَنَة مِنِّي لَك أَنْ أُعَاوِدك فِيمَا كَرِهْت , وَلِدُعَائِك إِلَيَّ مَا تَوَعَّدْتنِي عَلَيْهِ بِالْعُقُوبَةِ , وَلَكِنِّي { سَأَسْتَغْفِرُ لَك رَبِّي } يَقُول : وَلَكِنِّي سَأَسْأَلُ رَبِّي أَنْ يَسْتُر عَلَيْك ذُنُوبك بِعَفْوِهِ إِيَّاكَ عَنْ عُقُوبَتك عَلَيْهَا { إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا } يَقُول : إِنَّ رَبِّي عَهِدْته بِي لَطِيفًا يُجِيب دُعَائِي إِذَا دَعَوْته يُقَال مِنْهُ : تَحْفَى بِي فُلَان . وَقَدْ بَيَّنْت ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى , بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته هَاهُنَا . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17905 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا } يَقُول : لَطِيفًا . 17906 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا } قَالَ : إِنَّهُ كَانَ بِي لَطِيفًا , فَإِنَّ الْحَفِيّ : اللَّطِيف .
وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا ↓
وَقَوْله : { وَأَعْتَزِلكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه } يَقُول : وَأَجْتَنِبكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه مِنْ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام { وَأَدْعُو رَبِّي } يَقُول : وَأَدْعُو رَبِّي , بِإِخْلَاصِ الْعِبَادَة لَهُ , وَإِفْرَاده بِالرُّبُوبِيَّةِ { عَسَى أَنْ لَا أَكُون بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا } يَقُول : عَسَى أَنْ لَا أَشْقَى بِدُعَاءِ رَبِّي , وَلَكِنْ يُجِيب دُعَائِي , وَيُعْطِينِي مَا أَسْأَلهُ .
فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلا جَعَلْنَا نَبِيًّا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَمَّا اِعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاق وَيَعْقُوب وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَلَمَّا اِعْتَزَلَ إِبْرَاهِيم قَوْمه وَعِبَادَة مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه مِنْ الْأَوْثَان آنَسْنَا وَحْشَته مِنْ فِرَاقهمْ , وَأَبْدَلْنَاهُ مِنْهُمْ بِمَنْ هُوَ خَيْر مِنْهُمْ وَأَكْرَم عَلَى اللَّه مِنْهُمْ , فَوَهَبْنَا لَهُ اِبْنه إِسْحَاق , وَابْن اِبْنه يَعْقُوب بْن إِسْحَاق { وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا } يَقُول : وَجَعَلْنَاهُمْ كُلّهمْ , يَعْنِي بِالْكُلِّ إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب أَنْبِيَاء وَقَالَ تَعَالَى ذِكْره : { وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا } فَوَحَّدَ , وَلَمْ يَقُلْ أَنْبِيَاء , لِتَوْحِيدِ لَفْظ كُلّ .
{ وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتنَا } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَرَزَقْنَا جَمِيعهمْ , يَعْنِي إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب مِنْ رَحْمَتنَا , وَكَانَ الَّذِي وَهَبَ لَهُمْ مِنْ رَحْمَته , مَا بُسِطَ لَهُمْ فِي عَاجِل الدُّنْيَا مِنْ سَعَة رِزْقه , وَأَغْنَاهُمْ بِفَضْلِهِ . وَقَوْله { وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَان صِدْق عَلِيًّا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَرَزَقْنَاهُمْ الثَّنَاء الْحَسَن , وَالذِّكْر الْجَمِيل مِنْ النَّاس , كَمَا : 17907 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : لَنَا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَان صِدْق عَلِيًّا } يَقُول : الثَّنَاء الْحَسَن . وَإِنَّمَا وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ اللِّسَان الَّذِي جُعِلَ لَهُمْ بِالْعُلُوِّ , لِأَنَّ جَمِيع أَهْل الْمِلَل تُحْسِن الثَّنَاء عَلَيْهِمْ , وَالْعَرَب تَقُول : قَدْ جَاءَنِي لِسَان فُلَان , تَعْنِي ثَنَاءَهُ أَوْ ذَمّه ; وَمِنْهُ قَوْل عَامِر بْن الْحَارِث : إِنِّي أَتَتْنِي لِسَان لَا أُسَرّ بِهَا مِنْ عَلْوَ لَا عَجَب مِنْهَا وَلَا سَخَر وَيُرْوَى : لَا كَذِب فِيهَا وَلَا سَخَر . جَاءَتْ مُرَجَّمَة قَدْ كُنْت أَحْذَرهَا لَوْ كَانَ يَنْفَعنِي الْإِشْفَاق وَالْحَذَر مُرَجَّمَة : يَظُنّ بِهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَاب مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّد فِي كِتَابنَا الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْك مُوسَى بْن عِمْرَان , وَاقْصُصْ عَلَى قَوْمك أَنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَبَعْض الْكُوفِيِّينَ : " إِنَّهُ كَانَ مُخْلِصًا " بِكَسْرِ اللَّام مِنْ الْمُخْلِص , بِمَعْنَى : إِنَّهُ كَانَ يُخْلِص لِلَّهِ الْعِبَادَة , وَيُفْرِدهُ بِالْأُلُوهَةِ , مِنْ غَيْر أَنْ يَجْعَل لَهُ فِيهَا شَرِيكًا . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْكُوفَة خَلَا عَاصِم : { إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا } بِفَتْحِ اللَّام مِنْ مُخْلَص , بِمَعْنَى : إِنَّ مُوسَى كَانَ اللَّه قَدْ أَخْلَصَهُ وَاصْطَفَاهُ لِرِسَالَتِهِ , وَجَعَلَهُ نَبِيًّا مُرْسَلًا . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي : أَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخْلِصًا عِبَادَة اللَّه , مُخْلَصًا لِلرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّة , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب الصَّوَاب . { وَكَانَ رَسُولًا } يَقُول : وَكَانَ لِلَّهِ رَسُولًا إِلَى قَوْمه بَنِي إِسْرَائِيل , وَمَنْ أَرْسَلَهُ إِلَيْهِ نَبِيًّا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِب الطُّور الْأَيْمَن } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَنَادَيْنَا مُوسَى مِنْ نَاحِيَة الْجَبَل , وَيَعْنِي بِالْأَيْمَنِ : يَمِين مُوسَى , لِأَنَّ الْجَبَل لَا يَمِين لَهُ وَلَا شِمَال , وَإِنَّمَا ذَلِكَ كَمَا يُقَال : قَامَ عَنْ يَمِين الْقِبْلَة وَعَنْ شِمَالهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17908 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { مِنْ جَانِب الطُّور الْأَيْمَن } قَالَ : جَانِب الْجَبَل الْأَيْمَن . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الطُّور وَاخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ فِيهِ , وَدَلَلْنَا عَلَى الصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .
وَقَوْله : { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَدْنَيْنَاهُ مُنَاجِيًا , كَمَا يُقَال : فُلَان نُدِيم فُلَان وَمُنَادِمه , وَجَلِيس فُلَان وَمُجَالِسه . وَذُكِرَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَدْنَاهُ , حَتَّى سَمِعَ صَرِيف الْقَلَم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17909 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا } قَالَ : أُدْنِيَ حَتَّى سَمِعَ صَرِيف الْقَلَم . 17910 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مَنْصُور الطُّوسِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن أَبِي بَكْر , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , قَالَ : أَرَاهُ عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا } قَالَ : بَيْن السَّمَاء الرَّابِعَة , أَوْ قَالَ : السَّابِعَة , وَبَيْن الْعَرْش سَبْعُونَ أَلْف حِجَاب : حِجَاب نُور , وَحِجَاب ظُلْمَة , وَحِجَاب نُور , وَحِجَاب ظُلْمَة ; فَمَا زَالَ يَقْرَب مُوسَى حَتَّى كَانَ بَيْنه وَبَيْنه حِجَاب , وَسَمِعَ صَرِيف الْقَلَم { قَالَ رَبّ أَرِنِي أَنْظُر إِلَيْك } 17911 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , قَالَ : قَرَّبَهُ مِنْهُ حَتَّى سَمِعَ صَرِيف الْقَلَم . 17912 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَطَاء , عَنْ مَيْسَرَة { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا } قَالَ : أُدْنِيَ حَتَّى سَمِعَ صَرِيف الْقَلَم فِي اللَّوْح , وَقَالَ شُعْبَة : أَرْدَفَهُ جَبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام . وَقَالَ قَتَادَة فِي ذَلِكَ , مَا : 17913 - حَدَّثَنَا بِهِ الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا } قَالَ : نَجَا بِصِدْقِهِ .
وَقَوْله : { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَدْنَيْنَاهُ مُنَاجِيًا , كَمَا يُقَال : فُلَان نُدِيم فُلَان وَمُنَادِمه , وَجَلِيس فُلَان وَمُجَالِسه . وَذُكِرَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَدْنَاهُ , حَتَّى سَمِعَ صَرِيف الْقَلَم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17909 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا } قَالَ : أُدْنِيَ حَتَّى سَمِعَ صَرِيف الْقَلَم . 17910 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مَنْصُور الطُّوسِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن أَبِي بَكْر , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , قَالَ : أَرَاهُ عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا } قَالَ : بَيْن السَّمَاء الرَّابِعَة , أَوْ قَالَ : السَّابِعَة , وَبَيْن الْعَرْش سَبْعُونَ أَلْف حِجَاب : حِجَاب نُور , وَحِجَاب ظُلْمَة , وَحِجَاب نُور , وَحِجَاب ظُلْمَة ; فَمَا زَالَ يَقْرَب مُوسَى حَتَّى كَانَ بَيْنه وَبَيْنه حِجَاب , وَسَمِعَ صَرِيف الْقَلَم { قَالَ رَبّ أَرِنِي أَنْظُر إِلَيْك } 17911 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , قَالَ : قَرَّبَهُ مِنْهُ حَتَّى سَمِعَ صَرِيف الْقَلَم . 17912 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَطَاء , عَنْ مَيْسَرَة { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا } قَالَ : أُدْنِيَ حَتَّى سَمِعَ صَرِيف الْقَلَم فِي اللَّوْح , وَقَالَ شُعْبَة : أَرْدَفَهُ جَبْرَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام . وَقَالَ قَتَادَة فِي ذَلِكَ , مَا : 17913 - حَدَّثَنَا بِهِ الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا } قَالَ : نَجَا بِصِدْقِهِ .
وَقَوْله : { وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتنَا أَخَاهُ هَارُون } يَقُول : وَوَهَبْنَا لِمُوسَى رَحْمَة مِنَّا أَخَاهُ هَارُون { نَبِيًّا } يَقُول : أَيَّدْنَاهُ بِنُبُوَّتِهِ , وَأَعَنَّاهُ بِهَا , كَمَا : 17914 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ دَاوُدَ , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : قَوْله : { وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتنَا أَخَاهُ هَارُون نَبِيًّا } قَالَ : كَانَ هَارُون أَكْبَر مِنْ مُوسَى , وَلَكِنْ أَرَادَ وَهْب لَهُ نُبُوَّته .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَاب إِسْمَاعِيل إِنَّهُ كَانَ صَادِق الْوَعْد وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّد فِي الْكِتَاب إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم , فَاقْصُصْ خَبَره إِنَّهُ كَانَ لَا يَكْذِب وَعْده , وَلَا يُخْلِف , وَلَكِنَّهُ كَانَ إِذَا وَعَدَ رَبّه , أَوْ عَبْدًا مِنْ عِبَاده وَعْدًا وَفَّى بِهِ , كَمَا : 17915 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { إِنَّهُ كَانَ صَادِق الْوَعْد } قَالَ : لَمْ يُعِدْ رَبّه عِدَة إِلَّا أَنْجَزَهَا . 17916 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرو بْن الْحَارِث أَنَّ سَهْل بْن عُقَيْل , حَدَّثَهُ أَنَّ إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَعَدَ رَجُلًا مَكَانًا أَنْ يَأْتِيه , فَجَاءَ وَنَسِيَ الرَّجُل , فَظَلَّ بِهِ إِسْمَاعِيل , وَبَاتَ حَتَّى جَاءَ الرَّجُل مِنْ الْغَد , فَقَالَ : مَا بَرِحْت مِنْ هَاهُنَا ؟ قَالَ : لَا , قَالَ : إِنِّي نَسِيت , قَالَ : لَمْ أَكُنْ لِأَبْرَح حَتَّى تَأْتِي , فَبِذَلِكَ كَانَ صَادِقًا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَكَانَ يَأْمُر أَهْله بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة وَكَانَ عِنْد رَبّه مَرْضِيًّا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَكَانَ يَأْمُر أَهْله ب } إِقَامَة { الصَّلَاة و } إِيتَاء { الزَّكَاة وَكَانَ عِنْد رَبّه مَرْضِيًّا } عَمَله , مَحْمُودًا فِيمَا كَلَّفَهُ رَبّه , غَيْر مُقَصِّر فِي طَاعَته .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَاب إِدْرِيس إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّد فِي كِتَابنَا هَذَا إِدْرِيس { إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا } لَا يَقُول الْكَذِب , { نَبِيًّا } نُوحِي إِلَيْهِ مِنْ أَمْرنَا مَا نَشَاء .
{ وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا } ذُكِرَ أَنَّ اللَّه رَفَعَهُ وَهُوَ حَيّ إِلَى السَّمَاء الرَّابِعَة , فَذَلِكَ مَعْنَى قَوْله : { وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا } يَعْنِي بِهِ إِلَى مَكَان ذِي عُلُوّ وَارْتِفَاع . وَقَالَ بَعْضهمْ : رُفِعَ إِلَى السَّمَاء السَّادِسَة . وَقَالَ آخَرُونَ : الرَّابِعَة . ذِكْر الرِّوَايَة بِذَلِكَ . 17917 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي جَرِير بْن حَازِم , عَنْ سُلَيْمَان الْأَعْمَش , عَنْ شِمْر بْن عَطِيَّة , عَنْ هِلَال بْن يَسَاف , قَالَ : سَأَلَ اِبْن عَبَّاس كَعْبًا وَأَنَا حَاضِر , فَقَالَ لَهُ : مَا قَوْل اللَّه تَعَالَى لِإِدْرِيس { وَرَفَعْنَا مَكَانًا عَلِيًّا } قَالَ كَعْب : أَمَّا إِدْرِيس , فَإِنَّ اللَّه أَوْحَى إِلَيْهِ : إِنِّي رَافِع لَك كُلّ يَوْم مِثْل عَمَل جَمِيع بَنِي آدَم , فَأُحِبّ أَنْ تَزْدَاد عَمَلًا , فَأَتَاهُ خَلِيل لَهُ مِنْ الْمَلَائِكَة , فَقَالَ : إِنَّ اللَّه أَوْحَى إِلَيَّ كَذَا وَكَذَا , فَكَلِّمْ لِي مَلَك الْمَوْت , فَلْيُؤَخِّرْنِي حَتَّى أَزْدَاد عَمَلًا , فَحَمَلَهُ بَيْن جَنَاحَيْهِ , ثُمَّ صَعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاء ; فَلَمَّا كَانَ فِي السَّمَاء الرَّابِعَة , تَلَقَّاهُمْ مَلَك الْمَوْت مُنْحَدِرًا , فَكَلَّمَ مَلَك الْمَوْت فِي الَّذِي كَلَّمَهُ فِيهِ إِدْرِيس , فَقَالَ : وَأَيْنَ إِدْرِيس ؟ فَقَالَ : هُوَ ذَا عَلَى ظَهْرِي , قَالَ مَلَك الْمَوْت : فَالْعَجَب بُعِثْت أَقْبِض رُوح إِدْرِيس فِي السَّمَاء الرَّابِعَة , فَجَعَلْت أَقُول : كَيْف أَقْبِض رُوحه فِي السَّمَاء الرَّابِعَة وَهُوَ فِي الْأَرْض ؟ فَقَبَضَ رُوحه هُنَاكَ , فَذَلِكَ قَوْل اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا } 17918 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا } قَالَ : إِدْرِيس رُفِعَ فَلَمْ يَمُتْ , كَمَا رُفِعَ عِيسَى . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : وَلَمْ يَمُتْ . 17919 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس { وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا } قَالَ : رُفِعَ إِلَى السَّمَاء السَّادِسَة , فَمَاتَ فِيهَا . 17920 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا } إِدْرِيس أَدْرَكَهُ الْمَوْت فِي السَّمَاء السَّادِسَة . 17921 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد { وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا } قَالَ : السَّمَاء الرَّابِعَة . 17922 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي هَارُون الْعَبْدِيّ , عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ { وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا } قَالَ : فِي السَّمَاء الرَّابِعَة . 17923 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سُهَيْل , قَالَ : ثنا حَجَّاج , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة الرِّيَاحِيّ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَوْ غَيْره وَشَكَّ أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ " قَالَ : لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَعِدَ بِهِ جِبْرِيل إِلَى السَّمَاء الرَّابِعَة , فَاسْتَفْتَحَ فَقِيلَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : جَبْرَائِيل , قَالُوا : وَمَنْ مَعَهُ ؟ قَالَ : مُحَمَّد , قَالُوا : أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالُوا : حَيَّاهُ اللَّه مِنْ أَخ وَمِنْ خَلِيفَة , فَنِعْمَ الْأَخ وَنِعْمَ الْخَلِيفَة , وَنِعْمَ الْمَجِيء جَاءَ , قَالَ : فَدَخَلَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ , قَالَ : هَذَا إِدْرِيس رَفَعَهُ اللَّه مَكَانًا عَلِيًّا . 17924 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله { وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا } قَالَ : حَدَّثَنَا أَنَس بْن مَالِك أَنَّ نَبِيّ اللَّه حَدَّثَ أَنَّهُ لَمَّا عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاء قَالَ : أَتَيْت عَلَى إِدْرِيس فِي السَّمَاء الرَّابِعَة .
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّة آدَم وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوح وَمِنْ ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم وَإِسْرَائِيل وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اِقْتَصَصْت عَلَيْك أَنْبَاءَهُمْ فِي هَذِهِ السُّورَة يَا مُحَمَّد , الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ بِتَوْفِيقِهِ , فَهَدَاهُمْ لِطَرِيقِ الرَّشَد مِنْ الْأَنْبِيَاء مِنْ ذُرِّيَّة آدَم , وَمِنْ ذُرِّيَّة مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوح فِي الْفُلْك , وَمِنْ ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن , وَمِنْ ذُرِّيَّة إِسْرَائِيل , وَمِمَّنْ هَدَيْنَا لِلْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَالْعَمَل بِطَاعَتِهِ وَاجْتَبَيْنَا : يَقُول : وَمِمَّنْ اِصْطَفَيْنَا وَاخْتَرْنَا لِرِسَالَتِنَا وَوَحْينَا , فَاَلَّذِي عَنَى بِهِ مِنْ ذُرِّيَّة آدَم إِدْرِيس , وَاَلَّذِي عَنَى بِهِ مِنْ ذُرِّيَّة مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوح إِبْرَاهِيم , وَاَلَّذِي عَنَى بِهِ مِنْ ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم إِسْحَاق وَيَعْقُوب وَإِسْمَاعِيل , وَاَلَّذِي عَنَى بِهِ مِنْ ذُرِّيَّة إِسْرَائِيل : مُوسَى وَهَارُون وَزَكَرِيَّا وَعِيسَى وَأُمّه مَرْيَم , وَلِذَلِكَ فَرَّقَ تَعَالَى ذِكْره أَنْسَابهمْ وَإِنْ كَانَ يَجْمَع جَمِيعهمْ آدَم لِأَنَّ فِيهِمْ مَنْ لَيْسَ مِنْ وَلَد مَنْ كَانَ مَعَ نُوح فِي السَّفِينَة , وَهُوَ إِدْرِيس , وَإِدْرِيس جَدّ نُوح .
وَقَوْله تَعَالَى ذِكْره : { إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَات الرَّحْمَن } يَقُول : إِذَا تُتْلَى عَلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ أَدِلَّة اللَّه وَحُجَجه الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَيْهِمْ فِي كُتُبه , خَرُّوا لِلَّهِ سُجَّدًا , اِسْتِكَانَة لَهُ وَتَذَلُّلًا وَخُضُوعًا لِأَمْرِهِ وَانْقِيَادًا , { وَبُكِيًّا } يَقُول : خَرُّوا سُجَّدًا وَهُمْ بَاكُونَ , وَالْبُكِيّ : جَمْع بَاكٍ , كَمَا الْعُتِيّ جَمْع عَاتٍ وَالْجُثِيّ : جَمْع جَاثٍ , فَجُمِعَ وَهُوَ فَاعِل عَلَى فُعُول , كَمَا يُجْمَع الْقَاعِد قُعُودًا , وَالْجَالِس جُلُوسًا , وَكَانَ الْقِيَاس أَنْ يَكُون : وَبُكُوًّا وَعُتُوًّا , وَلَكِنْ كُرِهَتْ الْوَاو بَعْد الضَّمَّة فَقُلِبَتْ يَاء , كَمَا قِيلَ فِي جَمْع دَلْو أَدُلٌّ . وَفِي جَمْع الْبَهْو أَبُّهٌ , وَأَصْل ذَلِكَ أَفْعُل أَدْلُو وَأَبْهُو , فَقُلِبَتْ الْوَاو يَاء لِمَجِيئِهَا بَعْد الضَّمَّة اِسْتِثْقَالًا , وَفِي ذَلِكَ لُغَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ , قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَة عُلَمَاء مِنْ الْقُرَّاء بِالْقُرْآنِ بُكِيًّا وَعُتُوًّا بِالضَّمِّ , وَبِكِيًّا وَعِتِيًّا بِالْكَسْرِ . وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون الْبُكِيّ هُوَ الْبَكَّاء بِعَيْنِهِ . وَقَدْ : 17925 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : قَرَأَ عُمَر بْن الْخَطَّاب سُورَة مَرْيَم فَسَجَدَ وَقَالَ : هَذَا السُّجُود , فَأَيْنَ الْبُكِيّ ؟ يُرِيد : فَأَيْنَ الْبُكَّاء .
وَقَوْله تَعَالَى ذِكْره : { إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَات الرَّحْمَن } يَقُول : إِذَا تُتْلَى عَلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ أَدِلَّة اللَّه وَحُجَجه الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَيْهِمْ فِي كُتُبه , خَرُّوا لِلَّهِ سُجَّدًا , اِسْتِكَانَة لَهُ وَتَذَلُّلًا وَخُضُوعًا لِأَمْرِهِ وَانْقِيَادًا , { وَبُكِيًّا } يَقُول : خَرُّوا سُجَّدًا وَهُمْ بَاكُونَ , وَالْبُكِيّ : جَمْع بَاكٍ , كَمَا الْعُتِيّ جَمْع عَاتٍ وَالْجُثِيّ : جَمْع جَاثٍ , فَجُمِعَ وَهُوَ فَاعِل عَلَى فُعُول , كَمَا يُجْمَع الْقَاعِد قُعُودًا , وَالْجَالِس جُلُوسًا , وَكَانَ الْقِيَاس أَنْ يَكُون : وَبُكُوًّا وَعُتُوًّا , وَلَكِنْ كُرِهَتْ الْوَاو بَعْد الضَّمَّة فَقُلِبَتْ يَاء , كَمَا قِيلَ فِي جَمْع دَلْو أَدُلٌّ . وَفِي جَمْع الْبَهْو أَبُّهٌ , وَأَصْل ذَلِكَ أَفْعُل أَدْلُو وَأَبْهُو , فَقُلِبَتْ الْوَاو يَاء لِمَجِيئِهَا بَعْد الضَّمَّة اِسْتِثْقَالًا , وَفِي ذَلِكَ لُغَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ , قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَة عُلَمَاء مِنْ الْقُرَّاء بِالْقُرْآنِ بُكِيًّا وَعُتُوًّا بِالضَّمِّ , وَبِكِيًّا وَعِتِيًّا بِالْكَسْرِ . وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون الْبُكِيّ هُوَ الْبَكَّاء بِعَيْنِهِ . وَقَدْ : 17925 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : قَرَأَ عُمَر بْن الْخَطَّاب سُورَة مَرْيَم فَسَجَدَ وَقَالَ : هَذَا السُّجُود , فَأَيْنَ الْبُكِيّ ؟ يُرِيد : فَأَيْنَ الْبُكَّاء .
فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدهمْ خَلْف أَضَاعُوا الصَّلَاة وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَات } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَحَدَثَ مِنْ بَعْد هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرْت مِنْ الْأَنْبِيَاء الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ , وَوَصَفْت صِفَتهمْ فِي هَذِهِ السُّورَة , خَلْف سُوء خَلَفُوهُمْ فِي الْأَرْض أَضَاعُوا الصَّلَاة . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي صِفَة إِضَاعَتهمْ الصَّلَاة , فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَتْ إضَاعَتُهُمُوهَا تَأْخِيرهمْ إِيَّاهَا عَنْ مَوَاقِيتهَا , وَتَضْيِيعهمْ أَوْقَاتهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17926 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَعْد الْكِنْدِيّ , قَالَ : ثنا عِيسَى بْن يُونُس , عَنْ الْأَوْزَاعِيّ , عَنْ مُوسَى بْن سُلَيْمَان , عَنْ الْقَاسِم بْن مُخَيْمِرَة , فِي قَوْله : { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدهمْ خَلْف أَضَاعُوا الصَّلَاة } قَالَ : إِنَّمَا أَضَاعُوا الْمَوَاقِيت , وَلَوْ كَانَ تَرْكًا كَانَ كُفْرًا . * - حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن زَيْد الْخَطَابِيّ , قَالَ : ثنا الْفِرْيَابِيّ , عَنْ الْأَوْزَاعِيّ , عَنْ الْقَاسِم بْن مُخَيْمِرَة , نَحْوه . * - حَدَّثَنَا عَبْد الْكَرِيم بْن أَبِي عُمَيْر , قَالَ : ثني الْوَلِيد بْن مُسْلِم , عَنْ أَبِي عَمْرو , عَنْ الْقَاسِم بْن مُخَيْمِرَة , قَالَ : أَضَاعُوا الْمَوَاقِيت , وَلَوْ تَرَكُوهَا لَصَارُوا بِتَرْكِهَا كُفَّارًا . * - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , عَنْ الْأَوْزَاعِيّ , عَنْ الْقَاسِم , نَحْوه . 17927 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ الْأَوْزَاعِيّ , عَنْ إِبْرَاهِيم بْن يَزِيد , أَنَّ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز بَعَثَ رَجُلًا إِلَى مِصْر لِأَمْرٍ أَعْجَلَهُ لِلْمُسْلِمِينَ , فَخَرَجَ إِلَى حَرَسه , وَقَدْ كَانَ تَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ أَنْ لَا يَقُومُوا إِذَا رَأَوْهُ , قَالَ : فَأَوْسَعُوا لَهُ , فَجَلَسَ بَيْنهمْ فَقَالَ : أَيّكُمْ يَعْرِف الرَّجُل الَّذِي بَعَثْنَاهُ إِلَى مِصْر ؟ فَقَالُوا : كُلّنَا نَعْرِفهُ , قَالَ : فَلْيَقُمْ أَحْدَثكُمْ سِنًّا , فَلْيَدْعُهُ , فَأَتَاهُ الرَّسُول فَقَالَ : لَا تُعَجِّلنِي أَشَدّ عَلَيَّ ثِيَابِي , فَأَتَاهُ فَقَالَ : إِنَّ الْيَوْم الْجُمْعَة , فَلَا تَبْرَحَن حَتَّى تُصَلِّي , وَإِنَّا بَعَثْنَاك فِي أَمْر أُعَجِّلهُ لِلْمُسْلِمِينَ , فَلَا يُعَجِّلْنَك مَا بَعَثْنَاك لَهُ أَنْ تُؤَخِّر الصَّلَاة عَنْ مِيقَاتهَا , فَإِنَّك مُصَلِّيهَا لَا مَحَالَة , ثُمَّ قَرَأَ : { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدهمْ خَلْف أَضَاعُوا الصَّلَاة وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَات فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } ثُمَّ قَالَ : لَمْ يَكُنْ إِضَاعَتهمْ تَرْكهَا , وَلَكِنْ أَضَاعُوا الْوَقْت . 17928 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ الْمَسْعُودِيّ , عَنْ الْقَاسِم بْن عَبْد الرَّحْمَن , وَالْحَسَن بْن مَسْعُود , عَنْ اِبْن مَسْعُود , أَنَّهُ قِيلَ لَهُ : إِنَّ اللَّه يُكْثِر ذِكْر الصَّلَاة فِي الْقُرْآن { الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتهمْ سَاهُونَ } 107 5 و { عَلَى صَلَاتهمْ دَائِمُونَ } 70 23 و { عَلَى صَلَاتهمْ يُحَافِظُونَ } 6 92 فَقَالَ اِبْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : عَلَى مَوَاقِيتهَا , قَالُوا : مَا كُنَّا نَرَى ذَلِكَ إِلَّا عَلَى التَّرْك , قَالَ : ذَاكَ الْكُفْر . 17929 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا عُمَر أَبُو حَفْص الْأَبَّار , عَنْ مَنْصُور بْن الْمُعْتَمِر , قَالَ : قَالَ مَسْرُوق : لَا يُحَافِظ أَحَد عَلَى الصَّلَوَات الْخَمْس , فَيُكْتَب مِنْ الْغَافِلِينَ , وَفِي إِفْرَاطهنَّ الْهَلَكَة , وَإِفْرَاطهنَّ : إِضَاعَتهنَّ عَنْ وَقْتهنَّ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَتْ إِضَاعَتُهُمُوهَا : تَرْكهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17930 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو صَخْر , عَنْ الْقُرَظِيّ , أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدهمْ خَلْف أَضَاعُوا الصَّلَاة وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَات } يَقُول : تَرَكُوا الصَّلَاة . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِتَأْوِيلِ الْآيَة , قَوْل مَنْ قَالَ : إِضَاعَتُهُمُوهَا تَرْكهمْ إِيَّاهَا لِدَلَالَةِ قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره بَعْده عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَذَلِكَ قَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا } فَلَوْ كَانَ الَّذِينَ وَصَفَهُمْ بِأَنَّهُمْ ضَيَّعُوهَا مُؤْمِنِينَ لَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهُمْ مَنْ آمَنَ , وَهُمْ مُؤْمِنُونَ وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا كُفَّارًا لَا يَعْمَلُونَ لِلَّهِ , وَلَا يُؤَدُّونَ لَهُ فَرِيضَة فَسَقَة قَدْ آثَرُوا شَهَوَات أَنْفُسهمْ عَلَى طَاعَة اللَّه , وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الَّذِينَ وَصَفَهُمْ اللَّه بِهَذِهِ الصِّفَة قَوْم مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة يَكُونُونَ فِي آخِر الزَّمَان . 17931 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى . وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن . قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدهمْ خَلْف أَضَاعُوا الصَّلَاة وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَات فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } قَالَ : عِنْد قِيَام السَّاعَة , وَذَهَاب صَالِحِي أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْزُو بَعْضهمْ عَلَى بَعْض فِي الْأَزِقَّة . قَالَا مُحَمَّد بْن عَمْرو : زِنًا . وَقَالَ الْحَارِث : زُنَاة . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جَرِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله , وَقَالَ : زِنًا , كَمَا قَالَ اِبْن عَمْرو . 17932 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو تُمَيْلَة , عَنْ أَبِي حَمْزَة , عَنْ جَابِر , عَنْ عِكْرِمَة وَمُجَاهِد وَعَطَاء بْن أَبِي رَبَاح { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدهمْ خَلْف } . ... الْآيَة , قَالَ : هُمْ أُمَّة مُحَمَّد . 17933 - وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْأَشْيَب , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ أَبِي تَمِيم بْن مُهَاجِر فِي قَوْل اللَّه : { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدهمْ خَلْف أَضَاعُوا الصَّلَاة } قَالَ : هُمْ فِي هَذِهِ الْأُمَّة يَتَرَاكَبُونَ تَرَاكُب الْأَنْعَام وَالْحُمُر فِي الطُّرُق , لَا يَخَافُونَ اللَّه فِي السَّمَاء , وَلَا يَسْتَحْيُونَ النَّاس فِي الْأَرْض .
وَأَمَّا قَوْله : { فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } فَإِنَّهُ يَعْنِي أَنَّ هَؤُلَاءِ الْخَلَف الَّذِينَ خَلَفُوا بَعْد أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ سَيَدْخُلُونَ غَيًّا , وَهُوَ اِسْم وَادٍ مِنْ أَوْدِيَة جَهَنَّم , أَوْ اِسْم بِئْر مِنْ آبَارهَا , كَمَا : 17934 - حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن زِيَاد بْن رَزَان , قَالَ : ثنا شَرْقِيّ بْن قَطَامِيّ , عَنْ لُقْمَان بْن عَامِر الْخُزَاعِيّ , قَالَ : جِئْت أَبَا أُمَامَةَ صُدَيّ بْن عَجْلَان الْبَاهِلِيّ , فَقُلْت : حَدَّثَنَا حَدِيثًا سَمِعْته مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : فَدَعَا بِطَعَامٍ , ثُمَّ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَوْ أَنَّ صَخْرَة زِنَة عَشْرَة أَوَاقٍ قُذِفَ بِهَا مِنْ شَفِير جَهَنَّم مَا بَلَغَتْ قَعْرهَا خَمْسِينَ خَرِيفًا , ثُمَّ تَنْتَهِي إِلَى غَيّ وَأَثَام " , قَالَ : قُلْت وَمَا غَيّ وَمَا أَثَام قَالَ : " بِئْرَانِ فِي أَسْفَل جَهَنَّم يَسِيل فِيهِمَا صَدِيد أَهْل النَّار , وَهُمَا اللَّتَانِ ذَكَرَ اللَّه فِي كِتَابه { أَضَاعُوا الصَّلَاة وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَات فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } , وَقَوْله فِي الْفُرْقَان : { وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا } . 25 68 17935 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَاصِم , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَبِي أَيُّوب , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو { فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } قَالَ : وَادِيًا فِي جَهَنَّم . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , عَنْ عَبْد اللَّه { فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } قَالَ : وَادِيًا فِي النَّار . 17936 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , عَنْ عَبْد اللَّه أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة { فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } قَالَ : نَهَر فِي جَهَنَّم خَبِيث الطَّعْم بَعِيد الْقَعْر . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُبَيْد الْمُحَارِبِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , عَنْ أَبِيهِ , فِي قَوْله : { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدهمْ خَلْف أَضَاعُوا الصَّلَاة وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَات فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } قَالَ : الْغَيّ : نَهَر جَهَنَّم فِي النَّار , يُعَذَّب فِيهِ الَّذِينَ اِتَّبَعُوا الشَّهَوَات . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , عَنْ أَبِيهِ , فِي قَوْله { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدهمْ خَلْف أَضَاعُوا الصَّلَاة وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَات فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } قَالَ : الْغَيّ : نَهَر جَهَنَّم فِي النَّار , يُعَذَّب فِيهِ الَّذِينَ اِتَّبَعُوا الشَّهَوَات . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , عَنْ عَبْد اللَّه { أَضَاعُوا الصَّلَاة وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَات فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } قَالَ : نَهَر فِي النَّار يَقْذِفهُ فِيهِ الَّذِينَ اِتَّبَعُوا الشَّهَوَات . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِالْغَيِّ فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْخُسْرَان . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17937 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } يَقُول : خُسْرَانًا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِهِ الشَّرّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17938 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } قَالَ : الْغَيّ : الشَّرّ . وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : فَمِنْ يَلْقَ خَيْرًا يَحْمَد النَّاس أَمْره وَمَنْ يَغْوَ لَا يَعْدَم عَلَى الْغَيّ لَائِمَا قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَكُلّ هَذِهِ الْأَقْوَال مُتَقَارِبَات الْمَعَانِي , وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ وَرَدَ الْبِئْرَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرَهُمَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالْوَادِي الَّذِي ذَكَرَهُ اِبْن مَسْعُود فِي جَهَنَّم , فَدَخَلَ ذَلِكَ , فَقَدْ لَاقَى خُسْرَانًا وَشَرًّا , حَسْبه بِهِ شَرًّا .
وَأَمَّا قَوْله : { فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } فَإِنَّهُ يَعْنِي أَنَّ هَؤُلَاءِ الْخَلَف الَّذِينَ خَلَفُوا بَعْد أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ سَيَدْخُلُونَ غَيًّا , وَهُوَ اِسْم وَادٍ مِنْ أَوْدِيَة جَهَنَّم , أَوْ اِسْم بِئْر مِنْ آبَارهَا , كَمَا : 17934 - حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن زِيَاد بْن رَزَان , قَالَ : ثنا شَرْقِيّ بْن قَطَامِيّ , عَنْ لُقْمَان بْن عَامِر الْخُزَاعِيّ , قَالَ : جِئْت أَبَا أُمَامَةَ صُدَيّ بْن عَجْلَان الْبَاهِلِيّ , فَقُلْت : حَدَّثَنَا حَدِيثًا سَمِعْته مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : فَدَعَا بِطَعَامٍ , ثُمَّ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَوْ أَنَّ صَخْرَة زِنَة عَشْرَة أَوَاقٍ قُذِفَ بِهَا مِنْ شَفِير جَهَنَّم مَا بَلَغَتْ قَعْرهَا خَمْسِينَ خَرِيفًا , ثُمَّ تَنْتَهِي إِلَى غَيّ وَأَثَام " , قَالَ : قُلْت وَمَا غَيّ وَمَا أَثَام قَالَ : " بِئْرَانِ فِي أَسْفَل جَهَنَّم يَسِيل فِيهِمَا صَدِيد أَهْل النَّار , وَهُمَا اللَّتَانِ ذَكَرَ اللَّه فِي كِتَابه { أَضَاعُوا الصَّلَاة وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَات فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } , وَقَوْله فِي الْفُرْقَان : { وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا } . 25 68 17935 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَاصِم , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَبِي أَيُّوب , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو { فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } قَالَ : وَادِيًا فِي جَهَنَّم . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , عَنْ عَبْد اللَّه { فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } قَالَ : وَادِيًا فِي النَّار . 17936 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , عَنْ عَبْد اللَّه أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة { فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } قَالَ : نَهَر فِي جَهَنَّم خَبِيث الطَّعْم بَعِيد الْقَعْر . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُبَيْد الْمُحَارِبِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , عَنْ أَبِيهِ , فِي قَوْله : { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدهمْ خَلْف أَضَاعُوا الصَّلَاة وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَات فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } قَالَ : الْغَيّ : نَهَر جَهَنَّم فِي النَّار , يُعَذَّب فِيهِ الَّذِينَ اِتَّبَعُوا الشَّهَوَات . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , عَنْ أَبِيهِ , فِي قَوْله { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدهمْ خَلْف أَضَاعُوا الصَّلَاة وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَات فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } قَالَ : الْغَيّ : نَهَر جَهَنَّم فِي النَّار , يُعَذَّب فِيهِ الَّذِينَ اِتَّبَعُوا الشَّهَوَات . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , عَنْ عَبْد اللَّه { أَضَاعُوا الصَّلَاة وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَات فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } قَالَ : نَهَر فِي النَّار يَقْذِفهُ فِيهِ الَّذِينَ اِتَّبَعُوا الشَّهَوَات . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِالْغَيِّ فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْخُسْرَان . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17937 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } يَقُول : خُسْرَانًا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِهِ الشَّرّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 17938 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } قَالَ : الْغَيّ : الشَّرّ . وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : فَمِنْ يَلْقَ خَيْرًا يَحْمَد النَّاس أَمْره وَمَنْ يَغْوَ لَا يَعْدَم عَلَى الْغَيّ لَائِمَا قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَكُلّ هَذِهِ الْأَقْوَال مُتَقَارِبَات الْمَعَانِي , وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ وَرَدَ الْبِئْرَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرَهُمَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالْوَادِي الَّذِي ذَكَرَهُ اِبْن مَسْعُود فِي جَهَنَّم , فَدَخَلَ ذَلِكَ , فَقَدْ لَاقَى خُسْرَانًا وَشَرًّا , حَسْبه بِهِ شَرًّا .
إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّة وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَسَوْفَ يَلْقَى هَؤُلَاءِ الْخَلَف السُّوء الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتهمْ غَيًّا , إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا فَرَاجَعُوا أَمْر اللَّه , وَالْإِيمَان بِهِ وَبِرَسُولِهِ { وَعَمِلَ صَالِحًا } يَقُول : وَأَطَاعَ اللَّه فِيمَا أَمَرَهُ وَنَهَاهُ عَنْهُ , وَأَدَّى فَرَائِضه , وَاجْتَنَبَ مَحَارِمه { فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّة } يَقُول : فَإِنَّ أُولَئِكَ مِنْهُمْ خَاصَّة يَدْخُلُونَ الْجَنَّة دُون مَنْ هَلَكَ مِنْهُمْ عَلَى كُفْره , وَإِضَاعَته الصَّلَاة وَاتِّبَاعه الشَّهَوَات . وَقَوْله : { وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا } يَقُول : وَلَا يُبْخَسُونَ مِنْ جَزَاء أَعْمَالهمْ شَيْئًا , وَلَا يُجْمَع بَيْنهمْ وَبَيْن الَّذِينَ هَلَكُوا مِنْ الْخَلَف السُّوء مِنْهُمْ قَبْل تَوْبَتهمْ مِنْ ضَلَالهمْ , وَقَبْل إِنَابَتهمْ إِلَى طَاعَة رَبّهمْ فِي جَهَنَّم , وَلَكِنَّهُمْ يَدْخُلُونَ مَدْخَل أَهْل الْإِيمَان .