فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ↓
الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { فَأَكَلَا منْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتهمَا } يَقُول تَعَالَى ذكْره : فَأَكَلَ آدَم وَحَوَّاء منْ الشَّجَرَة الَّتي نُهيَا عَنْ الْأَكْل منْهَا , وَأَطَاعَا أَمْر إبْليس , وَخَالَفَا أَمْر رَبّهمَا { فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتهمَا } يَقُول : فَانْكَشَفَتْ لَهُمَا عَوْرَاتهمَا , وَكَانَتْ مَسْتُورَة عَنْ أَعْيُنهمَا , كَمَا : 18405 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدّيّ , قَالَ : إنَّمَا أَرَادَ , يَعْني إبْليس بقَوْله : { هَلْ أَدُلّك عَلَى شَجَرَة الْخُلْد وَمُلْك لَا يَبْلَى } ليُبْديَ لَهُمَا مَا تَوَارَى عَنْهُمَا منْ سَوْآتهمَا , بهَتْك لبَاسهمَا , وَكَانَ قَدْ عَلمَ أَنَّ لَهُمَا سَوْأَة لَمَّا كَانَ يَقْرَأ منْ كُتُب الْمَلَائكَة , وَلَمْ يَكُنْ آدَم يَعْلَم ذَلكَ , وَكَانَ لبَاسهمَا الظَّفْر , فَأَبَى آدَم أَنْ يَأْكُل منْهَا , فَتَقَدَّمَتْ حَوَّاء , فَأَكَلَتْ ثُمَّ قَالَتْ : يَا آدَم كُلْ , فَإنّي قَدْ أَكَلْت , فَلَمْ يَضُرّني , فَلَمَّا أَكَلَ آدَم بَدَتْ سَوْآتهمَا .
وَقَوْله : { وَطَفقَا يَخْصفَان عَلَيْهمَا منْ وَرَق الْجَنَّة } يَقُول : أَقْبَلَا يَشُدَّان عَلَيْهمَا منْ وَرَق الْجَنَّة , كَمَا : 18406 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدّيّ { وَطَفقَا يَخْصفَان عَلَيْهمَا منْ وَرَق الْجَنَّة } يَقُول : أَقْبَلَا يُغَطّيَان عَلَيْهمَا بوَرَق التّين . 18407 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَطَفقَا يَخْصفَان عَلَيْهمَا منْ وَرَق الْجَنَّة } يَقُول : يُوصلَان عَلَيْهمَا منْ وَرَق الْجَنَّة .
وَقَوْله : { وَعَصَى آدَم رَبّه فَغَوَى } يَقُول : وَخَالَفَ أَمْر رَبّه , فَتَعَدَّى إلَى مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّى إلَيْه , منْ الْأَكْل منْ الشَّجَرَة الَّتي نَهَاهُ عَنْ الْأَكْل منْهَا .
وَقَوْله : { وَطَفقَا يَخْصفَان عَلَيْهمَا منْ وَرَق الْجَنَّة } يَقُول : أَقْبَلَا يَشُدَّان عَلَيْهمَا منْ وَرَق الْجَنَّة , كَمَا : 18406 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدّيّ { وَطَفقَا يَخْصفَان عَلَيْهمَا منْ وَرَق الْجَنَّة } يَقُول : أَقْبَلَا يُغَطّيَان عَلَيْهمَا بوَرَق التّين . 18407 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَطَفقَا يَخْصفَان عَلَيْهمَا منْ وَرَق الْجَنَّة } يَقُول : يُوصلَان عَلَيْهمَا منْ وَرَق الْجَنَّة .
وَقَوْله : { وَعَصَى آدَم رَبّه فَغَوَى } يَقُول : وَخَالَفَ أَمْر رَبّه , فَتَعَدَّى إلَى مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّى إلَيْه , منْ الْأَكْل منْ الشَّجَرَة الَّتي نَهَاهُ عَنْ الْأَكْل منْهَا .
وَقَوْله : { ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبّه فَتَابَ عَلَيْه وَهَدَى } يَقُول : اصْطَفَاهُ رَبّه منْ بَعْد مَعْصيَته إيَّاهُ فَرَزَقَهُ الرُّجُوع إلَى مَا يَرْضَى عَنْهُ , وَالْعَمَل بطَاعَته , وَذَلكَ هُوَ كَانَتْ تَوْبَته الَّتي تَابَهَا عَلَيْه . وَقَوْله : { وَهَدَى } يَقُول : وَهَدَاهُ للتَّوْبَة , فَوَفَّقَهُ لَهَا .
قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى ↓
الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ اهْبطَا منْهَا جَميعًا بَعْضكُمْ لبَعْضٍ عَدُوّ فَإمَّا يَأْتيَنكُمْ منّي هُدًى فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضلّ وَلَا يَشْقَى } . يَقُول تَعَالَى ذكْره : قَالَ اللَّه تَعَالَى لآدَم وَحَوَّاء : { اهْبطَا جَميعًا } إلَى الْأَرْض { بَعْضكُمْ لبَعْضٍ عَدُوّ } يَقُول : أَنْتُمَا عَدُوّ إبْليس وَذُرّيَّته , وَإبْليس عَدُوّكُمَا وَعَدُوّ ذُرّيَّتكُمَا . وَقَوْله : { فَإمَّا يَأْتيَنكُمْ منّي هُدًى } يَقُول : فَإنْ يَأْتكُمْ يَا آدَم وَحَوَّاء وَإبْليس منّي هُدًى : يَقُول : بَيَان لسَبيلي , وَمَا أَخْتَارهُ لخَلْقي منْ دين { فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ } يَقُول : فَمَنْ اتَّبَعَ بَيَاني ذَلكَ وَعَملَ به , وَلَمْ يَزغْ منْهُ { فَلَا يَضلّ } يَقُول : فَلَا يَزُول عَنْ مَحَجَّة الْحَقّ , وَلَكنَّهُ يُرْشد في الدُّنْيَا وَيَهْتَدي { وَلَا يَشْقَى } في الْآخرَة بعقَاب اللَّه , لأَنَّ اللَّه يُدْخلهُ الْجَنَّة , وَيُنَجّيه منْ عَذَابه . وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في تَأْويل ذَلكَ قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18408 - حَدَّثَني الْحُسَيْن بْن يَزيد الطَّحَّان , قَالَ : ثنا أَبُو خَالد الْأَحْمَر , عَنْ عَمْرو بْن قَيْس الْمُلَائيّ , عَنْ عكْرمَة عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : تَضَمَّنَ اللَّه لمَنْ قَرَأَ الْقُرْآن , وَاتَّبَعَ مَا فيه أَنْ لَا يَضلّ في الدُّنْيَا وَلَا يَشْقَى في الْآخرَة , ثُمَّ تَلَا هَذه الْآيَة : { فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضلّ وَلَا يَشْقَى } . * - حَدَّثَني نَصْر بْن عَبْد الرَّحْمَن الْأَوْديّ , قَالَ : ثنا حَكَّام الرَّازيّ , عَنْ أَيُّوب بْن مُوسَى , عَنْ مَرْو , ثنا الْمُلَائيّ عَنْ ابْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ : إنَّ اللَّه قَدْ ضَمنَ . ... فَذَكَرَ نَحْوه . * - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ أَيُّوب بْن يَسَار أَبي عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ عَمْرو بْن قَيْس , عَنْ رَجُل عَنْ ابْن عَبَّاس , بنَحْوه . * - حَدَّثَنَا عَليّ بْن سَهْل الرَّمْليّ , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُحَمَّد النَّسَائيّ , عَنْ أَبي سَلَمَة , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعيد بْن جُبَيْر , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : مَنْ قَرَأَ الْقُرْآن وَاتَّبَعَ مَا فيه عَصَمَهُ اللَّه منْ الضَّلَالَة , وَوَقَاهُ , أَظُنّهُ أَنَّهُ قَالَ : منْ هَوْل يَوْم الْقيَامَة , وَذَلكَ أَنَّهُ قَالَ : { فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضلّ وَلَا يَشْقَى } في الْآخرَة .
وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ↓
الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذكْري فَإنَّ لَهُ مَعيشَة ضَنْكًا } يَقُول تَعَالَى ذكْره : { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذكْري } الَّذي أَذْكُرهُ به فَتَوَلَّى عَنْهُ وَلَمْ يَقْبَلهُ وَلَمْ يَسْتَجبْ لَهُ , وَلَمْ يَتَّعظ به فَيَنْزَجر عَمَّا هُوَ عَلَيْه مُقيم منْ خلَافَة أَمْر رَبّه { فَإنَّ لَهُ مَعيشَة ضَنْكًا } يَقُول : فَإنَّ لَهُ مَعيشَة ضَيّقَة . وَالضَّنْك منْ الْمَنَازل وَالْأَمَاكن وَالْمَعَايش : الشَّديد يُقَال : هَذَا مَنْزل ضَنْك : إذَا كَانَ ضَيّقًا , وَعَيْش ضَنْك : الذَّكَر وَالْأُنْثَى وَالْوَاحد وَالاثْنَان وَالْجَمْع بلَفْظٍ وَاحد ; وَمنْهُ قَوْل عَنْتَرَة : وَإنْ نَزَلُوا بضَنْكٍ أَنْزل وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في ذَلكَ قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18409 - حَدَّثَني عَليّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاويَة , عَنْ عَليّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { فَإنَّ لَهُ مَعيشَة ضَنْكًا } يَقُول : الشَّقَاء . 18410 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى ; وَحَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَميعًا عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد , قَوْله : { ضَنْكًا } قَالَ : ضَيّقَة . 18411 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , في قَوْله : { فَإنَّ لَهُ مَعيشَة ضَنْكًا } قَالَ : الضَّنْك : الضَّيّق . * - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْقَاسم بْن أَبي بَزَّة , عَنْ مُجَاهد , في قَوْله : { فَإنَّ لَهُ مَعيشَة ضَنْكًا } يَقُول : ضَيّقَة . * - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهد , مثْله . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْويل في الْمَوْضع الَّذي جَعَلَ اللَّه لهَؤُلَاء الْمُعْرضينَ عَنْ ذكْره الْعيشَة الضَّنْك , وَالْحَال الَّتي جَعَلَهُمْ فيهَا , فَقَالَ بَعْضهمْ : جَعَلَ ذَلكَ لَهُمْ في الْآخرَة في جَهَنَّم , وَذَلكَ أَنَّهُمْ جَعَلَ طَعَامهمْ فيهَا الضَّريع وَالزَّقُّوم . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18412 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن عَليّ بْن مُقَدَّم , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعيد , عَنْ عَوْف , عَنْ الْحَسَن , في قَوْله : { فَإنَّ لَا مَعيشَة ضَنْكًا } قَالَ : في جَهَنَّم . 18413 - حَدَّثَني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , في قَوْله : { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذكْري فَإنَّ لَهُ مَعيشَة ضَنْكًا } فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { وَلَمْ يُؤْمن بآيَات رَبّه } قَالَ : هَؤُلَاء أَهْل الْكُفْر . قَالَ : وَمَعيشَة ضَنْكًا في النَّار شَوْك منْ نَار وَزَقُّوم وَغسْلين , وَالضَّريع : شَوْك منْ نَار , وَلَيْسَ في الْقَبْر وَلَا في الدُّنْيَا مَعيشَة , مَا الْمَعيشَة وَالْحَيَاة إلَّا في الْآخرَة , وَقَرَأَ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { يَا لَيْتَني قَدَّمْت لحَيَاتي } 89 24 قَالَ : لمَعيشَتي ; قَالَ : وَالْغسْلين وَالزَّقُّوم : شَيْء لَا يَعْرفهُ أَهْل الدُّنْيَا . 18414 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { فَإنَّ لَهُ مَعيشَة ضَنْكًا } قَالَ : في النَّار . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بذَلكَ : فَإنَّ لَهُ مَعيشَة في الدُّنْيَا حَرَامًا . قَالَ : وَوَصَفَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ مَعيشَتهمْ بالضَّنْك , لأَنَّ الْحَرَام وَإنْ اتَّسَعَ فَهُوَ ضَنْك . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18415 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضح , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن بْن وَاقد , عَنْ يَزيد , عَنْ عكْرمَة في قَوْله : { مَعيشَة ضَنْكًا } قَالَ : هيَ الْمَعيشَة الَّتي أَوْسَعَ اللَّه عَلَيْه منْ الْحَرَام . 18416 - حَدَّثَني دَاوُدُ بْن سُلَيْمَان بْن يَزيد الْمُكْتب منْ أَهْل الْبَصْرَة , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن جَرير الْبَجَليّ , عَنْ إسْمَاعيل بْن أَبي خَالد , عَنْ قَيْس بْن أَبي حَازم في قَوْل اللَّه : { مَعيشَة ضَنْكًا } قَالَ : رزْقًا في مَعْصيَته . 18417 - حَدَّثَني عَبْد الْأَعْلَى بْن وَاصل , قَالَ : ثنا يَعْلَى بْن عُبَيْد , قَالَ : ثنا أَبُو بَسْطَام , عَنْ الضَّحَّاك { فَإنَّ لَهُ مَعيشَة ضَنْكًا } قَالَ : الْكَسْب الْخَبيث . * - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن إسْمَاعيل الضّرَاريّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن سَوَّار , قَالَ : ثنا أَبُو الْيَقْظَان عَمَّار بْن مُحَمَّد , عَنْ هَارُون بْن مُحَمَّد التَّيْميّ , عَنْ الضَّحَّاك , في قَوْله : { فَإنَّ لَهُ مَعيشَة ضَنْكًا } قَالَ : الْعَمَل الْخَبيث , وَالرّزْق السَّيّئ . وَقَالَ آخَرُونَ ممَّنْ قَالَ عَنَى أَنَّ لهَؤُلَاء الْقَوْم الْمَعيشَة الضَّنْك في الدُّنْيَا , إنَّمَا قيلَ لَهَا ضَنْك وَإنْ كَانَتْ وَاسعَة , لأَنَّهُمْ يُنْفقُونَ مَا يُنْفقُونَ منْ أَمْوَالهمْ عَلَى تَكْذيب منْهُمْ بالْخَلْف منْ اللَّه , وَإيَاس منْ فَضْل اللَّه , وَسُوء ظَنّ منْهُمْ برَبّهمْ , فَتَشْتَدّ لذَلكَ عَلَيْهمْ مَعيشَتهمْ وَتَضيق . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18418 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنْي أَبي , قَالَ : ثني عَمّي , قَالَ : ثني أَبي , عَنْ أَبيه , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذكْري فَإنَّ لَهُ مَعيشَة ضَنْكًا } يَقُول : كُلّ مَال أَعْطَيْته عَبْدًا منْ عبَادي قَلَّ أَوْ كَثُرَ , لَا يَتَّقيني فيه , لَا خَيْر فيه , وَهُوَ الضَّنْك في الْمَعيشَة . وَيُقَال : إنَّ قَوْمًا ضُلَّالًا أَعْرَضُوا عَنْ الْحَقّ وَكَانُوا أُولي سَعَة منْ الدُّنْيَا مُكْثرينَ , فَكَانَتْ مَعيشَتهمْ ضَنْكًا , وَذَلكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ بمُخْلفٍ لَهُمْ مَعَايشهمْ منْ سُوء ظَنّهمْ باَللَّه , وَالتَّكْذيب به , فَإذَا كَانَ الْعَبْد يَكْذب باَللَّه , وَيُسيء الظَّنّ به , اشْتَدَّتْ عَلَيْه مَعيشَته , فَذَلكَ الضَّنْك . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بذَلكَ : أَنَّ ذَلكَ لَهُمْ في الْبَرْزَخ , وَهُوَ عَذَاب الْقَبْر . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18419 - حَدَّثَني يَزيد بْن مَخْلَد الْوَاسطيّ , قَالَ : ثنا خَالد بْن عَبْد اللَّه , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن إسْحَاق , عَنْ أَبي حَازم عَنْ النُّعْمَان بْن أَبي عَيَّاش , عَنْ أَبي سَعيد الْخُدْريّ , قَالَ في قَوْل اللَّه : { مَعيشَة ضَنْكًا } قَالَ : عَذَاب الْقَبْر . * - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن بَزيع , قَالَ : ثنا بشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن إسْحَاق , عَنْ أَبي حَازم , عَنْ النُّعْمَان بْن أَبي عَيَّاش , عَنْ أَبي سَعيد الْخُدْريّ , قَالَ : إنَّ الْمَعيشَة الضَّنْك , الَّتي قَالَ اللَّه : عَذَاب الْقَبْر . * - حَدَّثَني حَوْثَرَة بْن مُحَمَّد الْمنْقَريّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبي حَازم , عَنْ أَبي سَلَمَة , عَنْ أَبي سَعيد الْخُدْريّ { فَإنَّ لَهُ مَعيشَة ضَنْكًا } قَالَ : يُضَيَّق عَلَيْه قَبْره حَتَّى تَخْتَلف أَضْلَاعه . * - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم , قَالَ : ثنا أَبي وَشُعَيْب بْن اللَّيْث , عَنْ اللَّيْث , قَالَ : ثنا خَالد بْن زَيْد , عَنْ ابْن أَبي هلَال , عَنْ أَبي حَازم , عَنْ أَبي سَعيد , أَنَّهُ كَانَ يَقُول : الْمَعيشَة الضَّنْك : عَذَاب الْقَبْر , إنَّهُ يُسَلَّط عَلَى الْكَافر في قَبْره تسْعَة وَتسْعُونَ تنّينًا تَنْهَشهُ وَتَخْدش لَحْمه حَتَّى يُبْعَث . وَكَانَ يُقَال : لَوْ أَنَّ تنّينًا منْهَا نَفَخَ الْأَرْض لَمْ تَنْبُت زَرْعًا . 18420 - حَدَّثَنَا مُجَاهد بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن عَمْرو , عَنْ أَبي سَلَمَة , عَنْ أَبي هُرَيْرَة , قَالَ : يُطْبَق عَلَى الْكَافر قَبْره حَتَّى تَخْتَلف فيه أَضْلَاعه , وَهيَ الْمَعيشَة الضَّنْك الَّتي قَالَ اللَّه : { مَعيشَة ضَنْكًا وَنَحْشرهُ يَوْم الْقيَامَة أَعْمَى } . 18421 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا جَابر بْن نُوح , عَنْ إسْمَاعيل بْن أَبي خَالد , عَنْ أَبي صَالح وَالسُّدّيّ في قَوْله : { مَعيشَة ضَنْكًا } قَالَ : عَذَاب الْقَبْر . 18422 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إسْمَاعيل الْأَحْمَسيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن عُبَيْد , قَالَ : ثنا سُفْيَان الثَّوْريّ , عَنْ إسْمَاعيل بْن أَبي خَالد , عَنْ أَبي صَالح , في قَوْله : { فَإنَّ لَهُ مَعيشَة ضَنْكًا } قَالَ : عَذَاب الْقَبْر . 18423 - حَدَّثَني عَبْد الرَّحْمَن بْن الْأَسْوَد , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن رَبيعَة , قَالَ : ثنا أَبُو عُمَيْس , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُخَارق عَنْ أَبيه , عَنْ عَبْد اللَّه , في قَوْله : { مَعيشَة ضَنْكًا } قَالَ : عَذَاب الْقَبْر . * - حَدَّثَني عَبْد الرَّحيم الْبَرْقيّ , قَالَ : ثنا ابْن أَبي مَرْيَم , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر وَابْن أَبي حَازم , قَالَا : ثنا أَبُو حَازم , عَنْ النُّعْمَان بْن أَبي عَيَّاش , عَنْ أَبي سَعيد الْخُدْريّ { مَعيشَة ضَنْكًا } قَالَ : عَذَاب الْقَبْر . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْأَقْوَال في ذَلكَ بالصَّوَاب قَوْل مَنْ قَالَ : هُوَ عَذَاب الْقَبْر الَّذي : 18424 - حَدَّثَنَا به أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن وَهْب , قَالَ : ثنا عَمّي عَبْد اللَّه بْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَني عَمْرو بْن الْحَارث , عَنْ دَرَّاج , عَنْ ابْن حُجَيْرَة عَنْ أَبي هُرَيْرَة , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " أَتَدْرُونَ فيمَ أُنْزلَتْ هَذه الْآيَة : { فَإنَّ لَهُ مَعيشَة ضَنْكًا وَنَحْشُرهُ يَوْم الْقيَامَة أَعْمَى } أَتَدْرُونَ مَا الْمَعيشَة الضَّنْك ؟ " قَالُوا : اللَّه وَرَسُوله أَعْلَم , قَالَ : وَعَذَاب الْكَافر في قَبْره , وَاَلَّذي نَفْسي بيَده أَنَّهُ لَيُسَلَّط عَلَيْه تسْعَة وَتسْعُونَ تنّينًا , أَتَدْرُونَ مَا التّنّين : تسْعَة وَتسْعُونَ حَيَّة , لكُلّ حَيَّة سَبْعَة رُءُوس , يَنْفُخُونَ في جسْمه وَيَلْسَعُونَهُ وَيَخْدشُونَهُ إلَى يَوْم الْقيَامَة . وَإنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى اتَّبَعَ ذَلكَ بقَوْله : { وَلَعَذَاب الْآخرَة أَشَدّ وَأَبْقَى } فَكَانَ مَعْلُومًا بذَلكَ أَنَّ الْمَعيشَة الضَّنْك الَّتي جَعَلَهَا اللَّه لَهُمْ قَبْل عَذَاب الْآخرَة , لأَنَّ ذَلكَ لَوْ كَانَ في الْآخرَة لَمْ يَكُنْ لقَوْله { وَلَعَذَاب الْآخرَة أَشَدّ وَأَبْقَى } مَعْنَى مَفْهُوم , لأَنَّ ذَلكَ إنْ لَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَهُ عَذَاب لَهُمْ قَبْل الْآخرَة , حَتَّى يَكُون الَّذي في الْآخرَة أَشَدّ منْهُ , بَطَلَ مَعْنَى قَوْله { وَلَعَذَاب الْآخرَة أَشَدّ وَأَبْقَى } . فَإذْ كَانَ ذَلكَ كَذَلكَ , فَلَا تَخْلُو تلْكَ الْمَعيشَة الضَّنْك الَّتي جَعَلَهَا اللَّه لَهُمْ منْ أَنْ تَكُون لَهُمْ في حَيَاتهمْ الدُّنْيَا , أَوْ في قُبُورهمْ قَبْل الْبَعْث , إذْ كَانَ لَا وَجْه لأَنْ تَكُون في الْآخرَة لمَا قَدْ بَيَّنَّا , فَإنْ كَانَتْ لَهُمْ في حَيَاتهمْ الدُّنْيَا , فَقَدْ يَجب أَنْ يَكُون كُلّ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذكْر اللَّه منْ الْكُفَّار , فَإنَّ مَعيشَته فيهَا ضَنْك , وَفي وُجُودنَا كَثيرًا منْهُمْ أَوْسَع مَعيشَة منْ كَثير منْ الْمُقْبلينَ عَلَى ذكْر اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى , الْقَائلينَ لَهُ الْمُؤْمنينَ في ذَلكَ , مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ ذَلكَ لَيْسَ كَذَلكَ , وَإذْ خَلَا الْقَوْل في ذَلكَ منْ هَذَيْن الْوَجْهَيْن صَحَّ الْوَجْه الثَّالث , وَهُوَ أَنَّ ذَلكَ في الْبَرْزَخ .
وَقَوْله : { وَنَحْشُرهُ يَوْم الْقيَامَة أَعْمَى } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْويل في صفَة الْعَمَى الَّذي ذَكَرَ اللَّه في هَذه الْآيَة , أَنَّهُ يَبْعَث هَؤُلَاء الْكُفَّار يَوْم الْقيَامَة به , فَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلكَ عَمَى عَنْ الْحُجَّة , لَا عَمَى عَنْ الْبَصَر . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18425 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إسْمَاعيل الْأَحْمَسيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن عُبَيْد , قَالَ : ثنا سُفْيَان الثَّوْريّ . عَنْ إسْمَاعيل بْن أَبي خَالد , عَنْ أَبي صَالح , في قَوْله : { وَنَحْشُرهُ يَوْم الْقيَامَة أَعْمَى } قَالَ : لَيْسَ لَهُ حُجَّة . 18426 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى ; وَحَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَميعًا عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد , في قَوْله : { وَنَحْشُرهُ يَوْم الْقيَامَة أَعْمَى } قَالَ : عَنْ الْحُجَّة . 18427 - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهد , مثْله , وَقيلَ : يُحْشَر أَعْمَى الْبَصَر . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب منْ الْقَوْل في ذَلكَ مَا قَالَ اللَّه تَعَالَى ذكْره , وَهُوَ أَنَّهُ يُحْشَر أَعْمَى عَنْ الْحُجَّة وَرُؤْيَة الشَّيْء كَمَا أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ , فَعَمَّ وَلَمْ يُخَصّص .
وَقَوْله : { وَنَحْشُرهُ يَوْم الْقيَامَة أَعْمَى } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْويل في صفَة الْعَمَى الَّذي ذَكَرَ اللَّه في هَذه الْآيَة , أَنَّهُ يَبْعَث هَؤُلَاء الْكُفَّار يَوْم الْقيَامَة به , فَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلكَ عَمَى عَنْ الْحُجَّة , لَا عَمَى عَنْ الْبَصَر . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18425 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إسْمَاعيل الْأَحْمَسيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن عُبَيْد , قَالَ : ثنا سُفْيَان الثَّوْريّ . عَنْ إسْمَاعيل بْن أَبي خَالد , عَنْ أَبي صَالح , في قَوْله : { وَنَحْشُرهُ يَوْم الْقيَامَة أَعْمَى } قَالَ : لَيْسَ لَهُ حُجَّة . 18426 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى ; وَحَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَميعًا عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد , في قَوْله : { وَنَحْشُرهُ يَوْم الْقيَامَة أَعْمَى } قَالَ : عَنْ الْحُجَّة . 18427 - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهد , مثْله , وَقيلَ : يُحْشَر أَعْمَى الْبَصَر . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب منْ الْقَوْل في ذَلكَ مَا قَالَ اللَّه تَعَالَى ذكْره , وَهُوَ أَنَّهُ يُحْشَر أَعْمَى عَنْ الْحُجَّة وَرُؤْيَة الشَّيْء كَمَا أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ , فَعَمَّ وَلَمْ يُخَصّص .
وَقَوْله : { قَالَ رَبّ لمَ حَشَرْتني أَعْمَى وَقَدْ كُنْت بَصيرًا } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْويل في تَأْويل ذَلكَ . فَقَالَ بَعْضهمْ في ذَلكَ , مَا : 18428 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد { قَالَ رَبّ لمَ حَشَرْتني أَعْمَى } لَا حُجَّة لي . وَقَوْله : { وَقَدْ كُنْت بَصيرًا } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْويل ذَلكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : وَقَدْ كُنْت بَصيرًا بحُجَّتي . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18429 - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنْي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهد { وَقَدْ كُنْت بَصيرًا } قَالَ : عَالمًا بحُجَّتي . وَقَالَ آخَرُونَ . بَلْ مَعْنَاهُ : وَقَدْ كُنْت ذَا يُسْر أُيَسّر به الْأَشْيَاء . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18430 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى ; وَحَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَميعًا عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد { وَقَدْ كُنْت بَصيرًا } في الدُّنْيَا . 18431 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { قَالَ رَبّ لمَ حَشَرْتني أَعْمَى وَقَدْ كُنْت بَصيرًا } قَالَ : كَانَ بَعيد الْبَصَر , قَصير النَّظَر , أَعْمَى عَنْ الْحَقّ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب منْ الْقَوْل في ذَلكَ عنْدنَا , أَنَّ اللَّه عَزَّ شَأْنه وَجَلَّ ثَنَاؤُهُ , عَمَّ بالْخَبَر عَنْهُ بوَصْفه نَفْسه بالْبَصَر , وَلَمْ يُخَصّص منْهُ مَعْنًى دُون مَعْنًى , فَذَلكَ عَلَى مَا عَمَّهُ . فَإذَا كَانَ ذَلكَ كَذَلكَ , فَتَأْويل الْآيَة , قَالَ : رَبّ لمَ حَشَرْتني أَعْمَى عَنْ حُجَّتي وَرُؤْيَة الْأَشْيَاء , وَقَدْ كُنْت في الدُّنْيَا ذَا بَصَر بذَلكَ كُلّه . فَإنْ قَالَ قَائل : وَكَيْف قَالَ هَذَا لرَبّه : { لمَ حَشَرْتني أَعْمَى } مَعَ مُعَايَنَته عَظيم سُلْطَانه , أَجْهَل في ذَلكَ الْمَوْقف أَنْ يَكُون للَّه أَنْ يَفْعَل به مَا شَاءَ , أَمْ مَا وَجْه ذَلكَ ؟ قيلَ : إنَّ ذَلكَ منْهُ مَسْأَلَة لرَبّه يُعَرّفهُ الْجُرْم الَّذي اسْتَحَقَّ به ذَلكَ , إذْ كَانَ قَدْ جَهلَهُ , وَظَنَّ أَنْ لَا جُرْم لَهُ , اسْتَحَقَّ ذَلكَ به منْهُ , فَقَالَ : رَبّ لأَيّ ذَنْب وَلأَيّ جُرْم حَشَرْتني أَعْمَى , وَقَدْ كُنْت منْ قَبْل في الدُّنْيَا بَصيرًا وَأَنْتَ لَا تُعَاقب أَحَدًا إلَّا بدُون مَا يَسْتَحقّ منْك منْ الْعقَاب .
وَقَوْله : { قَالَ كَذَلكَ أَتَتْك آيَاتنَا فَنَسيتهَا } يَقُول تَعَالَى ذكْره , قَالَ اللَّه حينَئذٍ للْقَائل لَهُ : { لمَ حَشَرْتني أَعْمَى وَقَدْ كُنْت بَصيرًا } فَعَلْت ذَلكَ بك , فَحَشَرْتُك أَعْمَى كَمَا أَتَتْك آيَاتي , وَهيَ حُجَجه وَأَدلَّته وَبَيَانه الَّذي بَيَّنَهُ في كتَابه , فَنَسيتهَا : يَقُول : فَتَرَكْتهَا وَأَعْرَضْت عَنْهَا , وَلَمْ تُؤْمن بهَا , وَلَمْ تَعْمَل . وَعُنيَ بقَوْله { كَذَلكَ أَتَتْك } هَكَذَا أَتَتْك . وَقَوْله : { وَكَذَلكَ الْيَوْم تُنْسَى } يَقُول : فَكَمَا نَسيت آيَاتنَا في الدُّنْيَا , فَتَرَكْتهَا وَأَعْرَضْت عَنْهَا , فَكَذَلكَ الْيَوْم نَنْسَاك , فَنَتْرُكك في النَّار . وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْويل في مَعْنَى قَوْله { وَكَذَلكَ الْيَوْم تُنْسَى } فَقَالَ بَعْضهمْ بمثْل الَّذي قُلْنَا في ذَلكَ . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18432 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إسْمَاعيل الْأَحْمَسيّ , قَالَ , ثنا مُحَمَّد بْن عُبَيْد , قَالَ : ثنا سُفْيَان الثَّوْريّ , عَنْ إسْمَاعيل بْن أَبي خَالد , عَنْ أَبي صَالح , في قَوْله : { وَكَذَلكَ الْيَوْم تُنْسَى } قَالَ : في النَّار . 18433 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد , في قَوْله : { كَذَلكَ أَتَتْك آيَاتنَا فَنَسيتهَا } قَالَ : فَتَرَكَهَا { وَكَذَلكَ الْيَوْم تُنْسَى } وَكَذَلكَ الْيَوْم تُتْرَك في النَّار . وَرُويَ عَنْ قَتَادَة في ذَلكَ مَا . 18434 - حَدَّثَني بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة { قَالَ كَذَلكَ أَتَتْك آيَاتنَا فَنَسيتهَا وَكَذَلكَ الْيَوْم تُنْسَى } قَالَ : نَسيَ منْ الْخَيْر , وَلَمْ يَنْسَ منْ الشَّرّ . وَهَذَا الْقَوْل الَّذي قَالَهُ قَتَادَة قَريب الْمَعْنَى ممَّا قَالَهُ أَبُو صَالح وَمُجَاهد , لأَنَّ تَرْكه إيَّاهُمْ في النَّار أَعْظَم الشَّرّ لَهُمْ .
وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ↓
الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { وَكَذَلكَ نَجْزي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمن بآيَات رَبّه وَلَعَذَاب الْآخرَة أَشَدّ وَأَبْقَى } . يَقُول تَعَالَى ذكْره : وَهَكَذَا نَجْزي : أَيْ نُثيب مَنْ أَسْرَفَ فَعَصَى رَبّه , وَلَمْ يُؤْمن برُسُله وَكُتُبه , فَنَجْعَل لَهُ مَعيشَة ضَنْكًا في الْبَرْزَخ كَمَا قَدْ بَيَّنَّا قَبْل .
يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَلَعَذَاب في الْآخرَة أَشَدّ لَهُمْ ممَّا وَعَدْتهمْ في الْقَبْر منْ الْمَعيشَة الضَّنْك { وَأَبْقَى } يَقُول : وَأَدْوَم منْهَا , لأَنَّهُ إلَى غَيْر أَمَد وَلَا نهَايَة .
يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَلَعَذَاب في الْآخرَة أَشَدّ لَهُمْ ممَّا وَعَدْتهمْ في الْقَبْر منْ الْمَعيشَة الضَّنْك { وَأَبْقَى } يَقُول : وَأَدْوَم منْهَا , لأَنَّهُ إلَى غَيْر أَمَد وَلَا نهَايَة .
أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُولِي النُّهَى ↓
الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { أَفَلَمْ يَهْد لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلهمْ منْ الْقُرُون يَمْشُونَ في مَسَاكنهمْ } يَقُول تَعَالَى ذكْره لنَبيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ : أَفَلَمْ يَهْد لقَوْمك الْمُشْركينَ باَللَّه , وَمَعْنَى يَهْد : يُبَيّن . يَقُول : أَفَلَمْ يُبَيّن لَهُمْ كَثْرَة مَا أَهْلَكْنَا قَبْلهمْ منْ الْأُمَم الَّتي سَلَكَتْ قَبْلهَا الَّتي يَمْشُونَ في مَسَاكنهمْ وَدُورهمْ , وَيَرَوْنَ آثَار عُقُوبَاتنَا الَّتي أَحْلَلْنَاهَا بهمْ سُوء مَغَبَّة مَا هُمْ عَلَيْه مُقيمُونَ منْ الْكُفْر بآيَاتنَا , وَيَتَّعظُوا بهمْ , وَيَعْتَبرُوا , وَيُنيبُوا إلَى الْإذْعَان , وَيُؤْمنُوا باَللَّه وَرَسُوله , خَوْفًا أَنْ يُصيبهُمْ بكُفْرهمْ باَللَّه مثْل مَا أَصَابَهُمْ . وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في ذَلكَ قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18435 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلهمْ منْ الْقُرُون يَمْشُونَ في مَسَاكنهمْ } لأَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَتَّجر إلَى الشَّأْم , فَتَمُرّ بمَسَاكن عَادٍ وَثَمُود وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ , فَتَرَى آثَار وَقَائع اللَّه تَعَالَى بهمْ , فَلذَلكَ قَالَ لَهُمْ : أَفَلَمْ يُحَذّرهُمْ مَا يَرَوْنَ منْ فعْلنَا بهمْ بكُفْرهمْ بنَا نُزُول مثْله بهمْ , وَهُمْ عَلَى مثْل فعْلهمْ مُقيمُونَ . وَكَانَ الْفَرَّاء يَقُول : لَا يَجُوز في كَمْ في هَذَا الْمَوْضع أَنْ يَكُون إلَّا نَصْبًا بأَهْلَكْنَا ; وَكَانَ يَقُول : وَهُوَ وَإنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا نَصْبًا , فَإنَّ جُمْلَة الْكَلَام رُفعَ بقَوْله : { يَتَعَدَّ لَهُمْ } وَيَقُول : ذَلكَ مثْل قَوْل الْقَائل : قَدْ تَبَيَّنَ لي أَقَامَ عَمْرو أَمْ زَيْد في الاسْتفْهَام , وَكَقَوْله { سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامتُونَ } 7 193 وَيَزْعُم أَنَّ فيه شَيْئًا يُرْفَع سَوَاء لَا يَظْهَر مَعَ الاسْتفْهَام , قَالَ : وَلَوْ قُلْت : سَوَاء عَلَيْكُمْ صَمْتكُمْ وَدُعَاؤُكُمْ تَبَيَّنَ ذَلكَ الرَّفْع الَّذي في الْجُمْلَة وَلَيْسَ الَّذي قَالَ الْفَرَّاء منْ ذَلكَ , كَمَا قَالَ : لأَنَّ كَمْ وَإنْ كَانَتْ منْ حُرُوف الاسْتفْهَام فَإنَّهَا لَمْ تُجْعَل في هَذَا الْمَوْضع للاسْتفْهَام , بَلْ هيَ وَاقعَة مَوْقع الْأَسْمَاء الْمَوْصُوفَة . وَمَعْنَى الْكَلَام مَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْل وَهُوَ : أَفَلَمْ يُبَيّن لَهُمْ كَثْرَة إهْلَاكنَا قَبْلهمْ الْقُرُون الَّتي يَمْشُونَ في مَسَاكنهمْ , أَوْ أَفَلَمْ تَهْدهمْ الْقُرُون الْهَالكَة . وَقَدْ ذُكرَ أَنَّ ذَلكَ في قُرَّاء عَبْد اللَّه : " أَفَلَمْ يَهْد لَهُمْ مَنْ أَهْلَكْنَا " فَكَمْ وَاقعَة مَوْقع مَنْ في قرَاءَة عَبْد اللَّه , هيَ في مَوْضع رَفْع بقَوْله : { يَهْد لَهُمْ } وَهُوَ أَظْهَر وُجُوهه , وَأَصَحّ مَعَانيه , وَإنْ كَانَ الَّذي قَالَهُ وَجْه وَمَذْهَب عَلَى بُعْد .
وَقَوْله : { إنَّ في ذَلكَ لَآيَات لأُولي النُّهَى } يَقُول تَعَالَى ذكْره : إنَّ فيمَا يُعَاين هَؤُلَاء وَيَرَوْنَ منْ آثَار وَقَائعنَا بالْأُمَم الْمُكَذّبَة رُسُلهَا قَبْلهمْ , وَحُلُول مَثُلَاتنَا بهمْ لكُفْرهمْ باَللَّه { لَآيَات } يَقُول : لَدَلَالَات وَعبَرًا وَعظَات { لأُولي النُّهَى } يَعْني : لأَهْل الْحجَى وَالْعُقُول , وَمَنْ يَنْهَاهُ عَقْله وَفَهْمه وَدينه عَنْ مُوَاقَعَة مَا يَضُرّهُ . وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في ذَلكَ قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18436 - حَدَّثَني عَليّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالح , قَالَ : ثني مُعَاويَة , عَنْ عَليّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { لأُولي النُّهَى } يَقُول : الْتَقَى . 18437 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة { إنَّ في ذَلكَ لَآيَات لأُولي النُّهَى } أَهْل الْوَرَع .
وَقَوْله : { إنَّ في ذَلكَ لَآيَات لأُولي النُّهَى } يَقُول تَعَالَى ذكْره : إنَّ فيمَا يُعَاين هَؤُلَاء وَيَرَوْنَ منْ آثَار وَقَائعنَا بالْأُمَم الْمُكَذّبَة رُسُلهَا قَبْلهمْ , وَحُلُول مَثُلَاتنَا بهمْ لكُفْرهمْ باَللَّه { لَآيَات } يَقُول : لَدَلَالَات وَعبَرًا وَعظَات { لأُولي النُّهَى } يَعْني : لأَهْل الْحجَى وَالْعُقُول , وَمَنْ يَنْهَاهُ عَقْله وَفَهْمه وَدينه عَنْ مُوَاقَعَة مَا يَضُرّهُ . وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في ذَلكَ قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18436 - حَدَّثَني عَليّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالح , قَالَ : ثني مُعَاويَة , عَنْ عَليّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { لأُولي النُّهَى } يَقُول : الْتَقَى . 18437 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة { إنَّ في ذَلكَ لَآيَات لأُولي النُّهَى } أَهْل الْوَرَع .
الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْلَا كَلمَة سَبَقَتْ منْ رَبّك لَكَانَ لزَامًا وَأَجَل مُسَمَّى } يَقُول تَعَالَى ذكْرُهُ : { وَلَوْلَا كَلمَة سَبَقَتْ منْ رَبّك } يَا مُحَمَّد أَنَّ كُلّ مَنْ قَضَى لَهُ أَجَلًا فَإنَّهُ لَا يَخْتَرمهُ قَبْل بُلُوغه أَجَله { وَأَجَل مُسَمَّى } يَقُول : وَوَقْت مُسَمَّى عنْد رَبّك سَمَّاهُ لَهُمْ في أُمّ الْكتَاب وَخَطّه فيه , هُمْ بَالغُوهُ وَمُسْتَوْفُوهُ { لَكَانَ لزَامًا } يَقُول : للَازمهمْ الْهَلَاك عَاجلًا , وَهُوَ مَصْدَر منْ قَوْل الْقَائل : لَازَمَ فُلَان فُلَانًا يُلَازمهُ مُلَازَمَة وَلزَامًا : إذَا لَمْ يُفَارقهُ , وَقَدَّمَ قَوْله : { لَكَانَ لزَامًا } قَبْل قَوْله { أَجَل مُسَمَّى } وَمَعْنَى الْكَلَام : وَلَوْلَا كَلمَة سَبَقَتْ منْ رَبّك وَأَجَل مُسَمَّى لَكَانَ لزَامًا , فَاصْبرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ . وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في ذَلكَ , قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18438 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى ; وَحَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَميعًا عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد , قَوْله : { وَلَوْلَا كَلمَة سَبَقَتْ منْ رَبّك لَكَانَ لزَامًا وَأَجَل مُسَمَّى } الْأَجَل الْمُسَمَّى : الدُّنْيَا . 18439 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَلَوْلَا كَلمَة سَبَقَتْ منْ رَبّك لَكَانَ لزَامًا وَأَجَل مُسَمَّى } وَهَذه منْ مَقَاديم الْكَلَام , يَقُول : لَوْلَا كَلمَة سَبَقَتْ منْ رَبّك إلَى أَجَل مُسَمَّى كَانَ لزَامًا , وَالْأَجَل الْمُسَمَّى , السَّاعَة , لأَنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول { بَلْ السَّاعَة مَوْعدهمْ , وَالسَّاعَة أَدْهَى وَأَمَرّ } . 18440 - حَدَّثَني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , في قَوْله : { وَلَوْلَا كَلمَة سَبَقَتْ منْ رَبّك لَكَانَ لزَامًا وَأَجَل مُسَمَّى } قَالَ : هَذَا مُقَدَّم وَمُؤَخَّر , وَلَوْلَا كَلمَة سَبَقَتْ منْ رَبّك وَأَجَل مُسَمَّى لَكَانَ لزَامًا . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْويل في مَعْنَى قَوْله : { لَكَانَ لزَامًا } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : لَكَانَ مَوْتًا . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18441 - حَدَّثَني عَليّ قَالَ : ثني أَبُو صَالح , قَالَ : ثني مُعَاويَة , عَنْ عَليّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { لَكَانَ لزَامًا } يَقُول : مَوْتًا . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ لَكَانَ قَتْلًا . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18442 - حَدَّثَني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد { لَكَانَ لزَامًا } وَاللُّزُوم : الْقَتْل .
فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى ↓
وَقَوْله : { فَاصْبرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لنَبيّه : فَاصْبرْ يَا مُحَمَّد عَلَى مَا يَقُول هَؤُلَاء الْمُكَذّبُونَ بآيَات اللَّه منْ قَوْمك لَك إنَّك سَاحر , وَإنَّك مَجْنُون وَشَاعر وَنَحْو ذَلكَ منْ الْقَوْل { وَسَبّحْ بحَمْد رَبّك } يَقُول : وَصَلّ بثَنَائك عَلَى رَبّك , وَقَالَ : بحَمْد رَبّك . وَالْمَعْنَى : بحَمْدك رَبّك , كَمَا تَقُول : أَعْجَبَني ضَرْب زَيْد , وَالْمَعْنَى : ضَرْبي زَيْدًا . وَقَوْله : { قَبْل طُلُوع الشَّمْس } وَذَلكَ صَلَاة الصُّبْح { وَقَبْل غُرُوبهَا } وَهيَ الْعَصْر { وَمنْ آنَاء اللَّيْل } وَهيَ سَاعَات اللَّيْل , وَاحدهَا : إنْي , عَلَى تَقْدير حَمْل ; وَمنْهُ قَوْل الْمُنَخَّل السَّعْديّ : حُلْو وَمُرّ كَعطْف الْقدْح مُرَّته في كُلّ إنْي قَضَاهُ اللَّيْل يَنْتَعل وَيَعْني بقَوْله : { وَمنْ آنَاء اللَّيْل فَسَبّحْ } صَلَاة الْعشَاء الْآخرَة , لأَنَّهَا تُصَلَّى بَعْد مُضيّ آنَاء منْ اللَّيْل . وَقَوْله : { وَأَطْرَاف النَّهَار } : يَعْني صَلَاة الظُّهْر وَالْمَغْرب ; وَقيلَ : أَطْرَاف النَّهَار , وَالْمُرَاد بذَلكَ الصَّلَاتَان اللَّتَان ذَكَرْنَا , لأَنَّ صَلَاة الظُّهْر في آخر طَرَف النَّهَار الْأَوَّل , وَفي أَوَّل طَرَف النَّهَار الْآخَر , فَهيَ في طَرَفَيْن منْهُ , وَالطَّرَف الثَّالث : غُرُوب الشَّمْس , وَعنْد ذَلكَ تُصَلَّى الْمَغْرب , فَلذَلكَ قيلَ أَطْرَاف , وَقَدْ يُحْمَل أَنْ يُقَال : أُريدَ به طَرَفًا النَّهَار . وَقيلَ : أَطْرَاف , كَمَا قيلَ { صَغَتْ قُلُوبكُمَا } 66 4 فَجَمَعَ , وَالْمُرَاد : قَلْبَان , فَيَكُون ذَلكَ أَوَّل طَرَف النَّهَار الْآخَر , وَآخر طَرَفه الْأَوَّل . وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في ذَلكَ , قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18443 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَاصم , عَنْ ابْن أَبي زَيْد , عَنْ ابْن عَبَّاس { وَسَبّحْ بحَمْد رَبّك قَبْل طُلُوع الشَّمْس وَقَبْل غُرُوبهَا } قَالَ : الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة . 18444 - حَدَّثَنَا تَميم بْن الْمُنْتَصر , قَالَ : ثنا يَزيد بْن هَارُون , قَالَ : أَخْبَرَنَا إسْمَاعيل بْن أَبي خَالد , عَنْ قَيْس بْن أَبي حَازم , عَنْ جَرير بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : كُنَّا جُلُوسًا عنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ , فَرَأَى الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر فَقَالَ : " إنَّكُمْ رَاءُونَ رَبّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا , لَا تُضَامُونَ في رُؤْيَته , فَإنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تَغْلبُوا عَلَى صَلَاة قَبْل طُلُوع الشَّمْس وَقَبْل غُرُوبهَا فَافْعَلُوا " ثُمَّ تَلَا : { وَسَبّحْ بحَمْد رَبّك قَبْل طُلُوع الشَّمْس وَقَبْل غُرُوبهَا } " . 18445 - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج { وَسَبّحْ بحَمْد رَبّك قَبْل طُلُوع الشَّمْس وَقَبْل غُرُوبهَا } قَالَ ابْن جُرَيْج : الْعَصْر , وَأَطْرَاف النَّهَار قَالَ : الْمَكْتُوبَة . 18446 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة في قَوْله : { وَسَبّحْ بحَمْد رَبّك قَبْل طُلُوع الشَّمْس } قَالَ : هيَ صَلَاة الْفَجْر { وَقَبْل غُرُوبهَا } قَالَ : صَلَاة الْعَصْر . { وَمنْ آنَاء اللَّيْل } قَالَ : صَلَاة الْمَغْرب وَالْعشَاء . { وَأَطْرَاف النَّهَار } قَالَ : صَلَاة الظُّهْر . 18447 - حَدَّثَني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , في قَوْله { وَمنْ آنَاء اللَّيْل فَسَبّحْ وَأَطْرَاف النَّهَار } : قَالَ : منْ آنَاء اللَّيْل : الْعَتَمَة . وَأَطْرَاف النَّهَار : الْمَغْرب وَالصُّبْح . وَنَصَبَ قَوْله { وَأَطْرَاف النَّهَار } عَطْفًا عَلَى قَوْله { قَبْل طُلُوع الشَّمْس } , لأَنَّ مَعْنَى ذَلكَ : فَسَبّحْ بحَمْد رَبّك آخر اللَّيْل , وَأَطْرَاف النَّهَار . وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في مَعْنَى { آنَاء اللَّيْل } قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18448 - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس { وَمنْ آنَاء اللَّيْل } قَالَ : الْمُصَلَّى منْ اللَّيْل كُلّه . 18449 - حَدَّثَني يَعْقُوب بْن إبْرَاهيم , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ أَبي رَجَاء , قَالَ : سَمعْت الْحَسَن قَرَأَ : { وَمنْ آنَاء اللَّيْل } قَالَ : منْ أَوَّله , وَأَوْسَطه , وَآخره . 18450 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبي , قَالَ : ثني عَمّي , قَالَ : ثني أَبي , عَنْ أَبيه , عَنْ ابْن عَبَّاس , في قَوْله : { وَمنْ آنَاء اللَّيْل فَسَبّحْ } قَالَ : آنَاء اللَّيْل : جَوْف اللَّيْل .
وَقَوْله : { لَعَلَّك تَرْضَى } يَقُول : كَيْ تَرْضَى . وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء في قرَاءَة ذَلكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدينَة وَالْعرَاق : { لَعَلَّك تَرْضَى } بفَتْح التَّاء . وَكَانَ عَاصم وَالْكسَائيّ يَقْرَآن ذَلكَ : " لَعَلَّك تُرْضَى " بضَمّ التَّاء , وَرُويَ ذَلكَ عَنْ أَبي عَبْد الرَّحْمَن السُّلَميّ , وَكَأَنَّ الَّذينَ قَرَءُوا ذَلكَ بالْفَتْح , ذَهَبُوا إلَى مَعْنَى : إنَّ اللَّه يُعْطيك , حَتَّى تَرْضَى عَطيَّته وَثَوَابه إيَّاكَ , وَكَذَلكَ تَأَوَّلَهُ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18451 - حَدَّثَني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , في قَوْله : { لَعَلَّك تَرْضَى } قَالَ : الثَّوَاب , تَرْضَى بمَا يُثيبك اللَّه عَلَى ذَلكَ . 18452 - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج { لَعَلَّك تَرْضَى } قَالَ : بمَا تُعْطَى . وَكَأَنَّ الَّذينَ قَرَءُوا ذَلكَ بالضَّمّ , وَجَّهُوا مَعْنَى الْكَلَام إلَى لَعَلَّ اللَّه يُرْضيك منْ عبَادَتك إيَّاهُ , وَطَاعَتك لَهُ . وَالصَّوَاب منْ الْقَوْل في ذَلكَ عنْدي : أَنَّهُمَا قرَاءَتَان , قَدْ قَرَأَ بكُلّ وَاحدَة منْهُمَا عُلَمَاء منْ الْقُرَّاء , وَهُمَا قرَاءَتَان مُسْتَفيضَتَان في قرَاءَة الْأَمْصَار , مُتَّفقَتَا الْمَعْنَى , غَيْر مُخْتَلفَتَيْه ; وَذَلكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذكْره إذَا أَرْضَاهُ , فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَرْضَى , وَأَنَّهُ إذَا رَضيَ فَقَدْ أَرْضَاهُ اللَّه , فَكُلّ وَاحدَة منْهُمَا تَدُلّ عَلَى مَعْنَى الْأُخْرَى , فَبأَيَّتهمَا قَرَأَ الْقَارئ فَمُصيب الصَّوَاب .
وَقَوْله : { لَعَلَّك تَرْضَى } يَقُول : كَيْ تَرْضَى . وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء في قرَاءَة ذَلكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدينَة وَالْعرَاق : { لَعَلَّك تَرْضَى } بفَتْح التَّاء . وَكَانَ عَاصم وَالْكسَائيّ يَقْرَآن ذَلكَ : " لَعَلَّك تُرْضَى " بضَمّ التَّاء , وَرُويَ ذَلكَ عَنْ أَبي عَبْد الرَّحْمَن السُّلَميّ , وَكَأَنَّ الَّذينَ قَرَءُوا ذَلكَ بالْفَتْح , ذَهَبُوا إلَى مَعْنَى : إنَّ اللَّه يُعْطيك , حَتَّى تَرْضَى عَطيَّته وَثَوَابه إيَّاكَ , وَكَذَلكَ تَأَوَّلَهُ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18451 - حَدَّثَني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , في قَوْله : { لَعَلَّك تَرْضَى } قَالَ : الثَّوَاب , تَرْضَى بمَا يُثيبك اللَّه عَلَى ذَلكَ . 18452 - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج { لَعَلَّك تَرْضَى } قَالَ : بمَا تُعْطَى . وَكَأَنَّ الَّذينَ قَرَءُوا ذَلكَ بالضَّمّ , وَجَّهُوا مَعْنَى الْكَلَام إلَى لَعَلَّ اللَّه يُرْضيك منْ عبَادَتك إيَّاهُ , وَطَاعَتك لَهُ . وَالصَّوَاب منْ الْقَوْل في ذَلكَ عنْدي : أَنَّهُمَا قرَاءَتَان , قَدْ قَرَأَ بكُلّ وَاحدَة منْهُمَا عُلَمَاء منْ الْقُرَّاء , وَهُمَا قرَاءَتَان مُسْتَفيضَتَان في قرَاءَة الْأَمْصَار , مُتَّفقَتَا الْمَعْنَى , غَيْر مُخْتَلفَتَيْه ; وَذَلكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذكْره إذَا أَرْضَاهُ , فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَرْضَى , وَأَنَّهُ إذَا رَضيَ فَقَدْ أَرْضَاهُ اللَّه , فَكُلّ وَاحدَة منْهُمَا تَدُلّ عَلَى مَعْنَى الْأُخْرَى , فَبأَيَّتهمَا قَرَأَ الْقَارئ فَمُصيب الصَّوَاب .
وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ↓
الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَمُدَّن عَيْنَيْك إلَى مَا مَتَّعْنَا به أَزْوَاجًا منْهُمْ زَهْرَة الْحَيَاة الدُّنْيَا لنَفْتنهُمْ فيه وَرزْق رَبّك خَيْر وَأَبْقَى } . يَقُول تَعَالَى ذكْره لنَبيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ : وَلَا تَنْظُر إلَى مَا جَعَلْنَا لضُرَبَاء هَؤُلَاء الْمُعْرضينَ عَنْ آيَات رَبّهمْ وَأَشْكَالهمْ , مُتْعَة في حَيَاتهمْ الدُّنْيَا , يَتَمَتَّعُونَ بهَا , منْ زَهْرَة عَاجل الدُّنْيَا وَنَضْرَتهَا { لنَفْتنهُمْ فيه } يَقُول : لنَخْتَبرهُمْ فيمَا مَتَّعْنَاهُمْ به منْ ذَلكَ , وَنَبْتَليهمْ , فَإنَّ ذَلكَ فَانٍ زَائل , وَغُرُور وَخُدَع تَضْمَحلّ { وَرزْق رَبّك } الَّذي وَعَدَك أَنْ يَرْزُقكَهُ في الْآخرَة حَتَّى تَرْضَى , وَهُوَ ثَوَابه إيَّاهُ { خَيْر } لَك ممَّا مَتَّعْنَاهُمْ به منْ زَهْرَة الْحَيَاة الدُّنْيَا { وَأَبْقَى } يَقُول : وَأَدْوَم , لأَنَّهُ لَا انْقطَاع لَهُ وَلَا نَفَاذ . وَذُكرَ أَنَّ هَذه الْآيَة نَزَلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ , منْ أَجْل أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ بَعَثَ إلَى يَهُوديّ يَسْتَسْلف منْهُ طَعَامًا , فَأَبَى أَنْ يُسَلّفهُ إلَّا برَهْنٍ . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18453 - حَدَّثَنَا ابْن وَكيع , قَالَ : ثنا أَبي , عَنْ مُوسَى بْن عُبَيْدَة , عَنْ يَزيد بْن عَبْد اللَّه بْن قُسَيْطٍ , عَنْ أَبي رَافع , قَالَ : أَرْسَلَني رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ إلَى يَهُوديّ يَسْتَسْلفهُ , فَأَبَى أَنْ يُعْطيه إلَّا برَهْنٍ , فَحَزَنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَلَا تَمُدَّن عَيْنَيْك إلَى مَا مَتَّعْنَا به أَزْوَاجًا منْهُمْ زَهْرَة الْحَيَاة الدُّنْيَا } . 18454 - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن كَثير , عَنْ عَبْد اللَّه بْن وَاقد , عَنْ يَعْقُوب بْن زَيْد , عَنْ أَبي رَافع , قَالَ : نَزَلَ برَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ ضَيْف : فَأَرْسَلَني إلَى يَهُوديّ بالْمَدينَة يَسْتَسْلفهُ , فَأَتَيْته , فَقَالَ : لَا أُسَلّفهُ إلَّا برَهْنٍ , فَأَخْبَرْته بذَلكَ , فَقَالَ : " إنّي لَأَمين في أَهْل السَّمَاء وَفي أَهْل الْأَرْض , فَاحْملْ درْعي إلَيْه " - فَنَزَلَتْ : { وَلَقَدْ آتَيْنَاك سَبْعًا منْ الْمَثَاني وَالْقُرْآن الْعَظيم } . 15 87 وَقَوْله : { وَلَا تَمُدَّن عَيْنَيْك إلَى مَا مَتَّعْنَا به أَزْوَاجًا منْهُمْ زَهْرَة الْحَيَاة الدُّنْيَا } إلَى قَوْله : { وَالْعَاقبَة للتَّقْوَى } . وَيَعْني بقَوْله : { أَزْوَاجًا منْهُمْ } رجَالًا منْهُمْ أَشْكَالًا , وَبزَهْرَة الْحَيَاة الدُّنْيَا : زينَة الْحَيَاة الدُّنْيَا . كَمَا : 18455 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { زَهْرَة الْحَيَاة الدُّنْيَا } : أَيْ زينَة الْحَيَاة الدُّنْيَا . وَنَصَبَ زَهْرَة الْحَيَاة الدُّنْيَا عَلَى الْخُرُوج منْ الْهَاء الَّتي في قَوْله به منْ { مَتَّعْنَا به } , كَمَا يُقَال : مَرَرْت به الشَّريف الْكَريم , فَنَصَبَ الشَّريف الْكَريم عَلَى فعْل مَرَرْت , وَكَذَلكَ قَوْله : { إلَى مَا مَتَّعْنَا به أَزْوَاجًا منْهُمْ زَهْرَة الْحَيَاة الدُّنْيَا } تُنْصَب عَلَى الْفعْل بمَعْنَى : مَتَّعْنَاهُمْ به زَهْرَة في الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزينَة لَهُمْ فيهَا . وَذَكَرَ الْفَرَّاء أَنَّ بَعْض بَني فَقْعَس أَنْشَدَهُ : أَبَعْد الَّذي بالسَّفْح سَفْح كَوَاكب رَهينَة رَمْس منْ تُرَاب وَجَنْدَل فَنَصَبَ رَهينَة عَلَى الْفعْل منْ قَوْله : " أَبَعْد الَّذي بالسَّفْح " , وَهَذَا لَا شَكَّ أَنَّهُ أَضْعَف في الْعَمَل نَصَبًا منْ قَوْله : { مَتَّعْنَا به أَزْوَاجًا منْهُمْ } لأَنَّ الْعَامل في الاسْم وَهُوَ رَهينَة , حَرْف خَافض لَا نَاصب . وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في ذَلكَ , قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18456 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { لنَفْتنهُمْ فيه } قَالَ : لنَبْتَليَهُمْ فيه { وَرزْق رَبّك خَيْر وَأَبْقَى } ممَّا مَتَّعْنَا به هَؤُلَاء منْ هَذه الدُّنْيَا .
وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ↓
الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { وَأْمُرْ أَهْلك بالصَّلَاة وَاصْطَبرْ عَلَيْهَا } . يَقُول تَعَالَى ذكْره لنَبيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ : { وَأْمُرْ } يَا مُحَمَّد { أَهْلك بالصَّلَاة وَاصْطَبرْ عَلَيْهَا } يَقُول : وَاصْطَبرْ عَلَى الْقيَام بهَا , وَأَدَائهَا بحُدُودهَا أَنْتَ . وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في قَوْله { وَأْمُرْ أَهْلك بالصَّلَاة وَاصْطَبرْ عَلَيْهَا } قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18457 - حَدَّثَني أَبُو السَّائب , قَالَ : ثنا حَفْص بْن غيَاث , عَنْ هشَام بْن عُرْوَة , قَالَ : كَانَ عُرْوَة إذَا رَأَى مَا عنْد السَّلَاطين دَخَلَ دَاره , فَقَالَ : { لَا تَمُدَّن عَيْنك إلَى مَا مَتَّعْنَا به أَزْوَاجًا منْهُمْ زَهْرَة الْحَيَاة الدُّنْيَا لنَفْتنهُمْ فيه وَرزْق رَبّك خَيْر وَأَبْقَى وَأْمُرْ أَهْلك بالصَّلَاة وَاصْطَبرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلك رزْقًا نَحْنُ نَرْزُقك وَالْعَاقبَة للتَّقْوَى } ثُمَّ يُنَادي : الصَّلَاة الصَّلَاة , يَرْحَمكُمْ اللَّه . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب قَالَ , ثنا عَثَّام , عَنْ هشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبيه , أَنَّهُ كَانَ إذَا رَأَى شَيْئًا منْ الدُّنْيَا جَاءَ إلَى أَهْله , فَقَالَ : الصَّلَاة { وَأْمُرْ أَهْلك بالصَّلَاة وَاصْطَبرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلك رزْقًا } . 18458 - حَدَّثَنَا الْعَبَّاس بْن عَبْد الْعَظيم , قَالَ : ثنا جَعْفَر بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هشَام بْن سَعْد , عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ , عَنْ أَبيه , قَالَ : كَانَ يَبيت عنْد عُمَر بْن الْخَطَّاب منْ غلْمَانه أَنَا وَيَرْفَأ , وَكَانَتْ لَهُ منْ اللَّيْل سَاعَة يُصَلّيهَا , فَإذَا قُلْنَا لَا يَقُوم منْ اللَّيْل كَانَ قيَامًا , وَكَانَ إذَا صَلَّى منْ اللَّيْل ثُمَّ فَرَغَ قَرَأَ هَذه الْآيَة : { وَأْمُرْ أَهْلك بالصَّلَاة وَاصْطَبرْ عَلَيْهَا } . ... الْآيَة . * - حَدَّثَني يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَني هشَام بْن سَعْد , عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ , مثْله .
يَقُول : لَا نَسْأَلك مَالًا , بَلْ نُكَلّفك عَمَلًا ببَدَنك , نُؤْتيك عَلَيْه أَجْرًا عَظيمًا وَثَوَابًا جَزيلًا .
يَقُول : نَحْنُ نُعْطيك الْمَال وَنُكْسبكَهُ , وَلَا نَسْأَلكَهُ .
وَقَوْله : { وَالْعَاقبَة للتَّقْوَى } يَقُول : وَالْعَاقبَة الصَّالحَة منْ عَمَل كُلّ عَامل لأَهْل التَّقْوَى وَالْخَشْيَة منْ اللَّه دُون مَنْ لَا يَخَاف لَهُ عقَابًا , وَلَا يَرْجُو لَهُ ثَوَابًا .
يَقُول : لَا نَسْأَلك مَالًا , بَلْ نُكَلّفك عَمَلًا ببَدَنك , نُؤْتيك عَلَيْه أَجْرًا عَظيمًا وَثَوَابًا جَزيلًا .
يَقُول : نَحْنُ نُعْطيك الْمَال وَنُكْسبكَهُ , وَلَا نَسْأَلكَهُ .
وَقَوْله : { وَالْعَاقبَة للتَّقْوَى } يَقُول : وَالْعَاقبَة الصَّالحَة منْ عَمَل كُلّ عَامل لأَهْل التَّقْوَى وَالْخَشْيَة منْ اللَّه دُون مَنْ لَا يَخَاف لَهُ عقَابًا , وَلَا يَرْجُو لَهُ ثَوَابًا .
وَقَالُوا لَوْلا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الأُولَى ↓
الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتينَا بآيَةٍ منْ رَبّه } . يَقُول تَعَالَى ذكْره : قَالَ هَؤُلَاء الْمُشْركُونَ الَّذينَ وَصَفَ صفَتهمْ في الْآيَات قَبْل : هَلَّا يَأْتينَا مُحَمَّد بآيَةٍ منْ رَبّه , كَمَا أَتَى قَوْمه صَالح بالنَّاقَة وَعيسَى بإحْيَاء الْمَوْتَى , وَإبْرَاء الْأَكْمَه وَالْأَبْرَص ,
يَقُول اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : أَوَلَمْ يَأْتهمْ بَيَان مَا في الْكُتُب الَّتي قَبْل هَذَا الْكتَاب منْ أَنْبَاء الْأُمَم منْ قَبْلهمْ الَّتي أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا سَأَلُوا الْآيَات فَكَفَرُوا بهَا لَمَّا أَتَتْهُمْ كَيْف عَجَّلْنَا لَهُمْ الْعَذَاب , وَأَنْزَلْنَا بَأْسنَا بكُفْرهمْ بهَا , يَقُول : فَمَاذَا يُؤْمنهُمْ إنْ أَتَتْهُمْ الْآيَة أَنْ يَكُون حَالهمْ حَال أُولَئكَ . وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في ذَلكَ , قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18459 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى ; وَحَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَميعًا عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد , قَوْله : { أَوَلَمْ تَأْتهمْ بَيّنَة مَا في الصُّحُف الْأُولَى } قَالَ : التَّوْرَاة وَالْإنْجيل . * - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن قَالَ : ثني حَجَّاج عَنْ ابْن جُرَيْج عَنْ مُجَاهد مثْله . 18460 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { أَوَلَمْ تَأْتهمْ بَيّنَة مَا في الصُّحُف الْأُولَى } الْكُتُب الَّتي خَلَتْ منْ الْأُمَم الَّتي يَمْشُونَ في مَسَاكنهمْ .
يَقُول اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : أَوَلَمْ يَأْتهمْ بَيَان مَا في الْكُتُب الَّتي قَبْل هَذَا الْكتَاب منْ أَنْبَاء الْأُمَم منْ قَبْلهمْ الَّتي أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا سَأَلُوا الْآيَات فَكَفَرُوا بهَا لَمَّا أَتَتْهُمْ كَيْف عَجَّلْنَا لَهُمْ الْعَذَاب , وَأَنْزَلْنَا بَأْسنَا بكُفْرهمْ بهَا , يَقُول : فَمَاذَا يُؤْمنهُمْ إنْ أَتَتْهُمْ الْآيَة أَنْ يَكُون حَالهمْ حَال أُولَئكَ . وَبنَحْو الَّذي قُلْنَا في ذَلكَ , قَالَ أَهْل التَّأْويل . ذكْر مَنْ قَالَ ذَلكَ : 18459 - حَدَّثَني مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصم , قَالَ : ثنا عيسَى ; وَحَدَّثَني الْحَارث , قَالَ : ثنا الْحَسَن قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَميعًا عَنْ ابْن أَبي نَجيح , عَنْ مُجَاهد , قَوْله : { أَوَلَمْ تَأْتهمْ بَيّنَة مَا في الصُّحُف الْأُولَى } قَالَ : التَّوْرَاة وَالْإنْجيل . * - حَدَّثَنَا الْقَاسم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن قَالَ : ثني حَجَّاج عَنْ ابْن جُرَيْج عَنْ مُجَاهد مثْله . 18460 - حَدَّثَنَا بشْر , قَالَ : ثنا يَزيد , قَالَ : ثنا سَعيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { أَوَلَمْ تَأْتهمْ بَيّنَة مَا في الصُّحُف الْأُولَى } الْكُتُب الَّتي خَلَتْ منْ الْأُمَم الَّتي يَمْشُونَ في مَسَاكنهمْ .
وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى ↓
الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ أَنْ أَهْلَكْنَاهُمْ بعَذَابٍ منْ قَبْله لَقَالُوا رَبّنَا لَوْلَا أَرْسَلْت إلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبع آيَاتك منْ قَبْل أَنْ نَذلّ وَنَخْزَى } . يَقُول تَعَالَى ذكْره : وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَا هَؤُلَاء الْمُشْركينَ الَّذينَ يُكَذّبُونَ بهَذَا الْقُرْآن منْ قَبْل أَنْ نُنْزلهُ عَلَيْهمْ , وَمنْ قَبْل أَنْ نَبْعَث دَاعيًا يَدْعُوهُمْ إلَى مَا فَرَضْنَا عَلَيْهمْ فيه بعَذَابٍ نُنْزلهُ بهمْ بكُفْرهمْ باَللَّه , لَقَالُوا يَوْم الْقيَامَة , إذْ وَرَدُوا عَلَيْنَا , فَأَرَدْنَا عقَابهمْ : رَبّنَا هَلَّا أَرْسَلْت إلَيْنَا رَسُولًا يَدْعُونَا إلَى طَاعَتك , { فَنَتَّبع آيَاتك } يَقُول : فَنَتَّبع حُجَّتك وَأَدلَّتك وَمَا تُنْزلهُ عَلَيْه منْ أَمْرك وَنَهْيك منْ قَبْل أَنْ نَذلّ بتَعْذيبك إيَّانَا وَنَخْزَى به , كَمَا : 18461 - حَدَّثَني الْفَضْل بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو قُتَيْبَة سَلْم بْن قُتَيْبَة , عَنْ فُضَيْل بْن مَرْزُوق , عَنْ عَطيَّة الْعَوْفيّ , عَنْ أَبي سَعيد الْخُدْريّ , عَنْ النَّبيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ قَالَ : " يَحْتَجّ عَلَى اللَّه يَوْم الْقيَامَة ثَلَاثَة : الْهَالك في الْفَتْرَة , وَالْمَغْلُوب عَلَى عَقْله , وَالصَّبيّ الصَّغير , فَيَقُول الْمَغْلُوب عَلَى عَقْله : لَمْ تَجْعَل لي عَقْلًا أَنْتَفع به , وَيَقُول الْهَالك في الْفَتْرَة : لَمْ يَأْتني رَسُول وَلَا نَبيّ , وَلَوْ أَتَاني لَك رَسُول أَوْ نَبيّ لَكُنْت أَطْوَع خَلْقك لَك . وَقَرَأَ : { لَوْلَا أَرْسَلْت إلَيْنَا رَسُولًا } وَيَقُول الصَّبيّ الصَّغير : كُنْت صَغيرًا لَا أَعْقل " قَالَ : " فَتُرْفَع لَهُمْ نَار وَيُقَال لَهُمْ : ردُوهَا " قَالَ : " فَيَردهَا مَنْ كَانَ في علْم اللَّه أَنَّهُ سَعيد , وَيَتَلَكَّأ عَنْهَا مَنْ كَانَ في علْم اللَّه أَنَّهُ شَقيّ , فَيَقُول : إيَّايَ عَصَيْتُمْ , فَكَيْف برُسُلي لَوْ أَتَتْكُمْ ؟ " .
قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى ↓
الْقَوْل في تَأْويل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ كُلّ مُتَرَبّص فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَاب الصّرَاط السَّويّ وَمَنْ اهْتَدَى } . يَقُول تَعَالَى ذكْره لنَبيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد : كُلّكُمْ أَيّهَا الْمُشْركُونَ باَللَّه مُتَرَبّص يَقُول : مُنْتَظر لمَنْ يَكُون الْفَلَاح , وَإلَى مَا يَئُول أَمْري وَأَمْركُمْ مُتَوَقّف يَنْتَظر دَوَائر الزَّمَان , { فَتَرَبَّصُوا } يَقُول : فَتَرَقَّبُوا وَانْتَظَرُوا , فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَهْل الطَّريق الْمُسْتَقيم الْمُعْتَدل الَّذي لَا اعْوجَاج فيه إذَا جَاءَ أَمْر اللَّه وَقَامَتْ الْقيَامَة , أَنَحْنُ أَمْ أَنْتُمْ ؟ { وَمَنْ اهْتَدَى } يَقُول : وَسَتَعْلَمُونَ حينَئذٍ مَنْ الْمُهْتَدي الَّذي هُوَ عَلَى سُنَن الطَّريق الْقَاصد غَيْر الْجَائر عَنْ قَصْده منَّا وَمنْكُمْ . وَفي " مَنْ " منْ قَوْله : { فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَاب الصّرَاط السَّويّ } , وَالثَّانيَة منْ قَوْله : { وَمَنْ اهْتَدَى } وَجْهَان : الرَّفْع , وَتَرَكَ إعْمَال تَعْلَمُونَ فيهمَا , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { لنَعْلَم أَيّ الْحزْبَيْن أَحْصَى } 18 12 وَالنَّصْب عَلَى إعْمَال تَعْلَمُونَ فيهمَا , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَاَللَّه يَعْلَم الْمُفْسد منْ الْمُصْلح } . 2 220