سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { سُورَة أَنْزَلْنَاهَا } قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْره : { سُورَة أَنْزَلْنَاهَا } وَهَذِهِ السُّورَة أَنْزَلْنَاهَا , وَإِنَّمَا قُلْنَا مَعْنَى ذَلِكَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ الْعَرَب لَا تَكَاد تَبْتَدِئ بِالنَّكِرَاتِ قَبْل أَخْبَارهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ جَوَابًا ; لِأَنَّهَا تُوصَل كَمَا يُوصَل " الَّذِي " , ثُمَّ يُخْبِر عَنْهَا بِخَبَرٍ سِوَى الصِّلَة , فَيَسْتَقْبِح الِابْتِدَاء بِهَا قَبْل الْخَبَر إِذَا لَمْ تَكُنْ مَوْصُولَة , إِذْ كَانَ يَصِير خَبَرهَا إِذَا ابْتُدِئَ بِهَا كَالصِّلَةِ لَهَا , وَيَصِير السَّامِع خَبَرهَا كَالْمُتَوَقِّعِ خَبَرهَا بَعْد إِذْ كَانَ الْخَبَر عَنْهَا بَعْدهَا كَالصِّلَةِ لَهَا . وَإِذَا ابْتُدِئَ بِالْخَبَرِ عَنْهَا قَبْلهَا , لَمْ يَدْخُل الشَّكّ عَلَى سَامِع الْكَلَام فِي مُرَاد الْمُتَكَلِّم . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى قَبْل أَنَّ السُّورَة وَصْف لِمَا ارْتَفَعَ بِشَوَاهِدِهِ فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .
وَأَمَّا قَوْله : { وَفَرَضْنَاهَا } فَإِنَّ الْقُرَّاء اخْتَلَفَتْ فِي قِرَاءَته , فَقَرَأَهُ بَعْض قُرَّاء الْحِجَاز وَالْبَصْرَة : " وَفَرَّضْنَاهَا " وَيَتَأَوَّلُونَهُ : وَفَصَّلْنَاهَا وَنَزَّلْنَا فِيهَا فَرَائِض مُخْتَلِفَة , وَكَذَلِكَ كَانَ مُجَاهِد يَقْرَؤُهُ وَيَتَأَوَّلهُ . 19455 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن يُوسُف , قَالَ : ثنا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا ابْن مَهْدِيّ , عَنْ عَبْد الْوَارِث بْن سَعِيد , عَنْ حُمَيْد , عَنْ مُجَاهِد , أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا : " وَفَرَّضْنَاهَا " يَعْنِي بِالتَّشْدِيدِ . 19456 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : " وَفَرَّضْنَاهَا " قَالَ : الْأَمْر بِالْحَلَالِ , وَالنَّهْي عَنِ الْحَرَام . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَقَدْ يَحْتَمِل ذَلِكَ إِذَا قُرِئَ بِالتَّشْدِيدِ وَجْهًا غَيْر الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ مُجَاهِد , وَهُوَ أَنْ يُوَجَّه إِلَى أَنَّ مَعْنَاهُ : وَفَرَضْنَاهَا عَلَيْكُمْ وَعَلَى مَنْ بَعْدكُمْ مِنَ النَّاس إِلَى قِيَام السَّاعَة . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْكُوفَة وَالشَّام : { وَفَرَضْنَاهَا } بِتَخْفِيفِ الرَّاء , بِمَعْنَى : أَوْجَبْنَا مَا فِيهَا مِنَ الْأَحْكَام عَلَيْكُمْ وَأَلْزَمْنَاكُمُوهُ وَبَيَّنَّا ذَلِكَ لَكُمْ . وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ : أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا عُلَمَاء مِنَ الْقُرَّاء , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه قَدْ فَصَّلَهَا , وَأَنْزَلَ فِيهَا ضُرُوبًا مِنَ الْأَحْكَام , وَأَمَرَ فِيهَا وَنَهَى , وَفَرَضَ عَلَى عِبَاده فِيهَا فَرَائِض , فَفِيهَا الْمَعْنَيَانِ كِلَاهُمَا : التَّفْرِيض , وَالْفَرْض ; فَلِذَلِكَ قُلْنَا بِأَيَّةِ الْقِرَاءَتَيْنِ قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب الصَّوَاب . ذِكْر مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ بِمَعْنَى الْفَرْض وَالْبَيَان مِنْ أَهْل التَّأْوِيل : 19457 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { وَفَرَضْنَاهَا } يَقُول : بَيَّنَّاهَا . 19458 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { سُورَة أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا } قَالَ : فَرَضْنَاهَا لِهَذَا الَّذِي يَتْلُوهَا مِمَّا فُرِضَ فِيهَا . وَقَرَأَ فِيهَا : { آيَات بَيِّنَات لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } .
وَقَوْله : { وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَات بَيِّنَات } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَنْزَلْنَا فِي هَذِهِ السُّورَة عَلَامَات وَدَلَالَات عَلَى الْحَقّ بَيِّنَات , يَعْنِي وَاضِحَات لِمَنْ تَأَمَّلَهَا وَفَكَّرَ فِيهَا بِعَقْلٍ أَنَّهَا مِنْ عِنْد اللَّه , فَإِنَّهَا الْحَقّ الْمُبِين , وَإِنَّهَا تَهْدِي إِلَى الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم . 19459 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج : { وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَات بَيِّنَات } قَالَ : الْحَلَال وَالْحَرَام وَالْحُدُود.
يَقُول : لِتَتَذَكَّرُوا بِهَذِهِ الْآيَات الْبَيِّنَات الَّتِي أَنْزَلْنَاهَا .
وَأَمَّا قَوْله : { وَفَرَضْنَاهَا } فَإِنَّ الْقُرَّاء اخْتَلَفَتْ فِي قِرَاءَته , فَقَرَأَهُ بَعْض قُرَّاء الْحِجَاز وَالْبَصْرَة : " وَفَرَّضْنَاهَا " وَيَتَأَوَّلُونَهُ : وَفَصَّلْنَاهَا وَنَزَّلْنَا فِيهَا فَرَائِض مُخْتَلِفَة , وَكَذَلِكَ كَانَ مُجَاهِد يَقْرَؤُهُ وَيَتَأَوَّلهُ . 19455 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن يُوسُف , قَالَ : ثنا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا ابْن مَهْدِيّ , عَنْ عَبْد الْوَارِث بْن سَعِيد , عَنْ حُمَيْد , عَنْ مُجَاهِد , أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا : " وَفَرَّضْنَاهَا " يَعْنِي بِالتَّشْدِيدِ . 19456 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : " وَفَرَّضْنَاهَا " قَالَ : الْأَمْر بِالْحَلَالِ , وَالنَّهْي عَنِ الْحَرَام . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . وَقَدْ يَحْتَمِل ذَلِكَ إِذَا قُرِئَ بِالتَّشْدِيدِ وَجْهًا غَيْر الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ مُجَاهِد , وَهُوَ أَنْ يُوَجَّه إِلَى أَنَّ مَعْنَاهُ : وَفَرَضْنَاهَا عَلَيْكُمْ وَعَلَى مَنْ بَعْدكُمْ مِنَ النَّاس إِلَى قِيَام السَّاعَة . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْكُوفَة وَالشَّام : { وَفَرَضْنَاهَا } بِتَخْفِيفِ الرَّاء , بِمَعْنَى : أَوْجَبْنَا مَا فِيهَا مِنَ الْأَحْكَام عَلَيْكُمْ وَأَلْزَمْنَاكُمُوهُ وَبَيَّنَّا ذَلِكَ لَكُمْ . وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ : أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا عُلَمَاء مِنَ الْقُرَّاء , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه قَدْ فَصَّلَهَا , وَأَنْزَلَ فِيهَا ضُرُوبًا مِنَ الْأَحْكَام , وَأَمَرَ فِيهَا وَنَهَى , وَفَرَضَ عَلَى عِبَاده فِيهَا فَرَائِض , فَفِيهَا الْمَعْنَيَانِ كِلَاهُمَا : التَّفْرِيض , وَالْفَرْض ; فَلِذَلِكَ قُلْنَا بِأَيَّةِ الْقِرَاءَتَيْنِ قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب الصَّوَاب . ذِكْر مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ بِمَعْنَى الْفَرْض وَالْبَيَان مِنْ أَهْل التَّأْوِيل : 19457 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { وَفَرَضْنَاهَا } يَقُول : بَيَّنَّاهَا . 19458 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { سُورَة أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا } قَالَ : فَرَضْنَاهَا لِهَذَا الَّذِي يَتْلُوهَا مِمَّا فُرِضَ فِيهَا . وَقَرَأَ فِيهَا : { آيَات بَيِّنَات لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } .
وَقَوْله : { وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَات بَيِّنَات } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَنْزَلْنَا فِي هَذِهِ السُّورَة عَلَامَات وَدَلَالَات عَلَى الْحَقّ بَيِّنَات , يَعْنِي وَاضِحَات لِمَنْ تَأَمَّلَهَا وَفَكَّرَ فِيهَا بِعَقْلٍ أَنَّهَا مِنْ عِنْد اللَّه , فَإِنَّهَا الْحَقّ الْمُبِين , وَإِنَّهَا تَهْدِي إِلَى الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم . 19459 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج : { وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَات بَيِّنَات } قَالَ : الْحَلَال وَالْحَرَام وَالْحُدُود.
يَقُول : لِتَتَذَكَّرُوا بِهَذِهِ الْآيَات الْبَيِّنَات الَّتِي أَنْزَلْنَاهَا .
الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الزَّانِيَة وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا مِائَة جَلْدَة وَلَا تَأْخُذكُمْ بِهِمَا رَأْفَة فِي دِين اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَنْ زَنَى مِنَ الرِّجَال أَوْ زَنَتْ مِنَ النِّسَاء , وَهُوَ حُرّ بِكْر غَيْر مُحْصَن بِزَوْجٍ , فَاجْلِدُوهُ ضَرْبًا مِائَة جَلْدَة عُقُوبَة لِمَا صَنَعَ وَأَتَى مِنْ مَعْصِيَة اللَّه . { وَلَا تَأْخُذكُمْ بِهِمَا رَأْفَة فِي دِين اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَا تَأْخُذكُمْ بِالزَّانِي وَالزَّانِيَة أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ رَأْفَة , وَهِيَ رِقَّة الرَّحْمَة فِي دِين اللَّه , يَعْنِي فِي طَاعَة اللَّه فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ مِنْ إِقَامَة الْحَدّ عَلَيْهِمَا عَلَى مَا أَلْزَمَكُمْ بِهِ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَنْهِيّ عَنْهُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ أَخْذ الرَّأْفَة بِهِمَا , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ تَرْك إِقَامَة حَدّ اللَّه عَلَيْهِمَا , فَأَمَّا إِذَا أُقِيمَ عَلَيْهِمَا الْحَدّ فَلَمْ تَأْخُذهُمْ بِهِمَا رَأْفَة فِي دِين اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19460 - حَدَّثَنَا أَبُو هِشَام , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ نَافِع بْن عُمَر , عَنِ ابْن أَبِي مُلَيْكَة , عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر , قَالَ : جَلَدَ ابْن عُمَر جَارِيَة لَهُ أَحْدَثَتْ , فَجَلَدَ رِجْلَيْهَا - قَالَ نَافِع : وَحَسِبْت أَنَّهُ قَالَ : وَظَهْرهَا - فَقُلْت : { وَلَا تَأْخُذكُمْ بِهِمَا رَأْفَة فِي دِين اللَّه } فَقَالَ : وَأَخَذَتْنِي بِهَا رَأْفَة , إِنَّ اللَّه لَمْ يَأْمُرنِي أَنْ أَقْتُلهَا . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن أَبِي مُلَيْكَة يَقُول : ثني عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر , أَنَّ عَبْد اللَّه بْن عُمَر حَدَّ جَارِيَة لَهُ , فَقَالَ لِلْجَالِدِ , وَأَشَارَ إِلَى رِجْلهَا وَإِلَى أَسْفَلهَا , قُلْت : فَأَيْنَ قَوْل اللَّه : { وَلَا تَأْخُذكُمْ بِهِمَا رَأْفَة فِي دِين اللَّه } قَالَ : أَفَأَقْتُلهَا ؟ . 19461 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَلَا تَأْخُذكُمْ بِهِمَا رَأْفَة فِي دِين اللَّه } فَقَالَ : أَنْ تُقِيم الْحَدّ . 19462 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج : { وَلَا تَأْخُذكُمْ بِهِمَا رَأْفَة فِي دِين اللَّه } قَالَ : لَا تُضَيِّعُوا حُدُود اللَّه . قَالَ ابْن جُرَيْج : وَقَالَ مُجَاهِد : { لَا تَأْخُذكُمْ بِهِمَا رَأْفَة } : لَا تُضَيِّعُوا الْحُدُود فِي أَنْ تُقِيمُوهَا , وَقَالَهَا عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح . 19463 - حَدَّثَنَا أَبُو هِشَام , قَالَ : ثنا عَبْد الْمَلِك وَحَجَّاج , عَنْ عَطَاء : { وَلَا تَأْخُذكُمْ بِهِمَا رَأْفَة فِي دِين اللَّه } قَالَ : يُقَام حَدّ اللَّه وَلَا يُعَطَّل , وَلَيْسَ بِالْقَتْلِ . 19464 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن فُضَيْل , عَنْ دَاوُد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : الْجَلْد . 19465 - حَدَّثَنِي عُبَيْد بْن إِسْمَاعِيل الْهَبَّارِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن فُضَيْل , عَنِ الْمُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , فِي قَوْله : { وَلَا تَأْخُذكُمْ بِهِمَا رَأْفَة فِي دِين اللَّه } قَالَ : الضَّرْب . 19466 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر , قَالَ : سَمِعْت عِمْرَان , قَالَ : قُلْت لِأَبِي مِجْلَز : { الزَّانِيَة وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا } ... إِلَى قَوْله : { وَالْيَوْم الْآخِر } إِنَّا لَنَرْحَمهُمْ أَنْ يُجْلَد الرَّجُل حَدًّا , أَوْ تُقْطَع يَده قَالَ : إِنَّمَا ذَاكَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلسُّلْطَانِ إِذَا رُفِعُوا إِلَيْهِ أَنْ يَدَعهُمْ رَحْمَة لَهُمْ حَتَّى يُقِيم الْحَدّ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَلَا تَأْخُذكُمْ بِهِمَا رَأْفَة فِي دِين اللَّه } قَالَ : لَا تُقَام الْحُدُود . 19467 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَلَا تَأْخُذكُمْ بِهِمَا رَأْفَة } فَتَدَعُوهُمَا مِنْ حُدُود اللَّه الَّتِي أَمَرَ بِهَا وَافْتَرَضَهَا عَلَيْهِمَا . 19468 - قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن لَهِيعَة , عَنْ خَالِد بْن أَبِي عِمْرَان , أَنَّهُ سَأَلَ سُلَيْمَان بْن يَسَار , عَنْ قَوْل اللَّه : { وَلَا تَأْخُذكُمْ بِهِمَا رَأْفَة فِي دِين اللَّه } أَيْ فِي الْحُدُود أَوْ فِي الْعُقُوبَة ؟ قَالَ : ذَلِكَ فِيهِمَا جَمِيعًا . * - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَبْد الْحَمِيد الْآمُلِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا , عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي سُلَيْمَان , عَنْ عَطَاء فِي قَوْله : { وَلَا تَأْخُذكُمْ بِهِمَا رَأْفَة فِي دِين اللَّه } قَالَ : أَنْ يُقَام حَدّ اللَّه وَلَا يُعَطَّل , وَلَيْسَ بِالْقَتْلِ . 19469 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَطَاء , عَنْ عَامِر فِي قَوْله : { وَلَا تَأْخُذكُمْ بِهِمَا رَأْفَة فِي دِين اللَّه } قَالَ : الضَّرْب الشَّدِيد . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : { وَلَا تَأْخُذكُمْ بِهِمَا رَأْفَة } فَتُخَفِّفُوا الضَّرْب عَنْهُمَا , وَلَكِنْ أَوْجِعُوهُمَا ضَرْبًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19470 -حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن أَبِي بَكْر , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ قَتَادَة , عَنِ الْحَسَن وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب : { وَلَا تَأْخُذكُمْ بِهِمَا رَأْفَة فِي دِين اللَّه } قَالَ : الْجَلْد الشَّدِيد . 19471 - قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , عَنْ شُعْبَة , عَنْ حَمَّاد , قَالَ : يُحَدّ الْقَاذِف وَالشَّارِب وَعَلَيْهِمَا ثِيَابهمَا . وَأَمَّا الزَّانِي فَتُخْلَع ثِيَابه . وَتَلَا هَذِهِ الْآيَة : { وَلَا تَأْخُذكُمْ بِهِمَا رَأْفَة فِي دِين اللَّه } فَقُلْت لِحَمَّادٍ : أَهَذَا فِي الْحُكْم ؟ قَالَ : فِي الْحُكْم وَالْجَلْد . 19472 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنِ الزُّهْرِيّ , قَالَ : يُجْتَهَد فِي حَدّ الزَّانِي وَالْفِرْيَة , وَيُخَفَّف فِي حَدّ الشُّرْب . وَقَالَ قَتَادَة : يُخَفَّف فِي الشَّرَاب , وَيُجْتَهَد فِي الزَّانِي . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَا تَأْخُذكُمْ بِهِمَا رَأْفَة فِي إِقَامَة حَدّ اللَّه عَلَيْهِمَا الَّذِي افْتَرَضَ عَلَيْكُمْ إِقَامَته عَلَيْهِمَا . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالصَّوَابِ , لِدَلَالَةِ قَوْل اللَّه بَعْده : " فِي دِين اللَّه " , يَعْنِي فِي طَاعَة اللَّه الَّتِي أَمَرَكُمْ بِهَا . وَمَعْلُوم أَنَّ دِين اللَّه الَّذِي أَمَرَ بِهِ فِي الزَّانِيَيْنِ : إِقَامَة الْحَدّ عَلَيْهِمَا , عَلَى مَا أَمَرَ مِنْ جَلْد كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا مِائَة جَلْدَة , مَعَ أَنَّ الشِّدَّة فِي الضَّرْب لَا حَدّ لَهَا يُوقَف عَلَيْهِ , وَكُلّ ضَرْب أَوْجَعَ فَهُوَ شَدِيد , وَلَيْسَ لِلَّذِي يُوجِع فِي الشِّدَّة حَدّ لَا زِيَادَة فِيهِ فَيُؤْمَر بِهِ ; وَغَيْر جَائِز وَصْفه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِأَنَّهُ أَمَرَ بِمَا لَا سَبِيل لِلْمَأْمُورِ بِهِ إِلَى مَعْرِفَته , وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَالَّذِي لِلْمَأْمُورِينَ إِلَى مَعْرِفَته السَّبِيل هُوَ عَدَد الْجَلْد عَلَى مَا أَمَرَ بِهِ , وَذَلِكَ هُوَ إِقَامَة الْحَدّ عَلَى مَا قُلْنَا . وَلِلْعَرَبِ فِي الرَّأْفَة لُغَتَانِ : الرَّأْفَة بِتَسْكِينِ الْهَمْزَة , وَالرَّآفَة بِمَدِّهَا , كَالسَّأْمَة وَالسَّآمَة , وَالْكَأْبَة وَالْكَآبَة . وَكَأَنَّ الرَّأْفَة الْمَرَّة الْوَاحِدَة , وَالرَّآفَة الْمَصْدَر , كَمَا قِيلَ : ضَؤُلَ ضَآلَة مِثْل فَعُلَ فَعَالَة , وَقَبُحَ قَبَاحَة .
وَقَوْله : { إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر } يَقُول : إِنْ كُنْتُمْ تُصَدِّقُونَ بِاللَّهِ رَبّكُمْ وَبِالْيَوْمِ الْآخِر , وَأَنَّكُمْ فِيهِ مَبْعُوثُونَ لِحَشْرِ الْقِيَامَة وَلِلثَّوَابِ وَالْعِقَاب , فَإِنَّ مَنْ كَانَ بِذَلِكَ مُصَدِّقًا فَإِنَّهُ لَا يُخَالِف اللَّه فِي أَمْره وَنَهْيه خَوْف عِقَابه عَلَى مَعَاصِيه .
وَقَوْله : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابهمَا طَائِفَة مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلْيَحْضُرْ جَلْد الزَّانِيَيْنِ الْبِكْرَيْنِ وَحْدهمَا إِذَا أُقِيمَ عَلَيْهِمَا طَائِفَة مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . وَالْعَرَب تُسَمِّي الْوَاحِد فَمَا زَادَ : طَائِفَة . { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } يَقُول : مِنْ أَهْل الْإِيمَان بِاللَّهِ وَرَسُوله . وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَبْلَغ عَدَد الطَّائِفَة الَّذِي أَمَرَ اللَّه بِشُهُودِ عَذَاب الزَّانِيَيْنِ الْبِكْرَيْنِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : أَقَلّه وَاحِد . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19473 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الطَّائِفَة : رَجُل . * - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَهْل بْن مُوسَى بْن إِسْحَاق الْكِنَانِيّ وَابْن الْقَوَّاس , قَالَا : ثنا يَحْيَى بْن عِيسَى , عَنْ سُفْيَان , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابهمَا طَائِفَة مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ : الطَّائِفَة رَجُل . قَالَ عَلِيّ : فَمَا فَوْق ذَلِكَ ; وَقَالَ ابْن الْقَوَّاس : فَأَكْثَر مِنْ ذَلِكَ . * - حَدَّثَنَا عَلِيّ , قَالَ : ثنا زَيْد , عَنْ سُفْيَان , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الطَّائِفَة : رَجُل . * - حَدَّثَنَا يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , قَالَ : قَالَ ابْن أَبِي نَجِيح : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابهمَا طَائِفَة مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ مُجَاهِد : أَقَلّه رَجُل . * -حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْر , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابهمَا طَائِفَة مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ : الطَّائِفَة : الْوَاحِد إِلَى الْأَلْف . * - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ مُجَاهِد فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابهمَا طَائِفَة مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ : الطَّائِفَة وَاحِد إِلَى الْأَلْف ; { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنهمَا } 49 9 . 19474 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني وَهْب بْن جَرِير , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الطَّائِفَة : الرَّجُل الْوَاحِد إِلَى الْأَلْف , قَالَ : { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنهمَا } 49 9 إِنَّمَا كَانَا رَجُلَيْنِ . 19475 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت عِيسَى بْن يُونُس , يَقُول : ثنا النُّعْمَان بْن ثَابِت , عَنْ حَمَّاد وَإِبْرَاهِيم قَالَا : الطَّائِفَة : رَجُل . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابهمَا طَائِفَة مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ : الطَّائِفَة : رَجُل وَاحِد فَمَا فَوْقه . وَقَالَ آخَرُونَ : أَقَلّه فِي هَذَا الْمَوْضِع رَجُلَانِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19476 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي نَجِيح , فِي قَوْله : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابهمَا طَائِفَة مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ : قَالَ عَطَاء : أَقَلّه رَجُلَانِ . 19477 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي عُمَر بْن عَطَاء عَنْ عِكْرِمَة قَالَ : لِيَحْضُر رَجُلَانِ فَصَاعِدًا . وَقَالَ آخَرُونَ : أَقَلّ ذَلِكَ ثَلَاثَة فَصَاعِدًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19478 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا عِيسَى بْن يُونُس , عَنِ ابْن أَبِي ذِئْب , عَنِ الزُّهْرِيّ , قَالَ : الطَّائِفَة : الثَّلَاثَة فَصَاعِدًا . 19479 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابهمَا طَائِفَة مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ : نَفَر مِنَ الْمُسْلِمِينَ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , مِثْله . 19480 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا حَفْص بْن غِيَاث , قَالَ : ثنا أَشْعَث , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : أَتَيْت أَبَا بَرْزَة الْأَسْلَمِيّ فِي حَاجَة وَقَدْ أَخْرَجَ جَارِيَة إِلَى بَاب الدَّار وَقَدْ زَنَتْ , فَدَعَا رَجُلًا فَقَالَ : اضْرِبْهَا خَمْسِينَ ! فَدَعَا جَمَاعَة , ثُمَّ قَرَأَ : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابهمَا طَائِفَة مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } . 19481 - حَدَّثَنَا أَبُو هِشَام الرِّفَاعِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى , عَنْ أَشْعَث , عَنْ أَبِيهِ , أَنَّ أَبَا بَرْزَة أَمَرَ ابْنه أَنْ يَضْرِب جَارِيَة لَهُ وَلَدَتْ مِنَ الزِّنَا ضَرْبًا غَيْر مُبَرِّح , قَالَ : فَأَلْقَى عَلَيْهَا ثَوْبًا وَعِنْده قَوْم , وَقَرَأَ : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابهمَا } ... الْآيَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ أَقَلّ ذَلِكَ أَرْبَعَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19482 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابهمَا طَائِفَة مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ : فَقَالَ : الطَّائِفَة الَّتِي يَجِب بِهَا الْحَدّ أَرْبَعَة . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : أَقَلّ مَا يَنْبَغِي حُضُور ذَلِكَ مِنْ عَدَد الْمُسْلِمِينَ : الْوَاحِد فَصَاعِدًا ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه عَمَّ بِقَوْلِهِ : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابهمَا طَائِفَة } وَالطَّائِفَة : قَدْ تَقَع عِنْد الْعَرَب عَلَى الْوَاحِد فَصَاعِدًا . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَلَمْ يَكُنَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره وَضَعَ دَلَالَة عَلَى أَنَّ مُرَاده مِنْ ذَلِكَ خَاصّ مِنَ الْعَدَد , كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ حُضُور مَا وَقَعَ عَلَيْهِ أَدْنَى اسْم الطَّائِفَة ذَلِكَ الْمَحْضَر مُخْرِج مُقِيم الْحَدّ مِمَّا أَمَرَهُ اللَّه بِهِ بِقَوْلِهِ : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابهمَا طَائِفَة مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } غَيْر أَنِّي وَإِنْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفْت , أَسْتَحِبّ أَنْ لَا يُقْصَر بِعَدَدِ مَنْ يَحْضُر ذَلِكَ الْمَوْضِع عَنْ أَرْبَعَة أَنْفُس عَدَد مَنْ تُقْبَل شَهَادَته عَلَى الزِّنَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا خِلَاف بَيْن الْجَمِيع أَنَّهُ قَدْ أَدَّى الْمُقِيم الْحَدّ مَا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ , وَهُمْ فِيمَا دُون ذَلِكَ مُخْتَلِفُونَ .
وَقَوْله : { إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر } يَقُول : إِنْ كُنْتُمْ تُصَدِّقُونَ بِاللَّهِ رَبّكُمْ وَبِالْيَوْمِ الْآخِر , وَأَنَّكُمْ فِيهِ مَبْعُوثُونَ لِحَشْرِ الْقِيَامَة وَلِلثَّوَابِ وَالْعِقَاب , فَإِنَّ مَنْ كَانَ بِذَلِكَ مُصَدِّقًا فَإِنَّهُ لَا يُخَالِف اللَّه فِي أَمْره وَنَهْيه خَوْف عِقَابه عَلَى مَعَاصِيه .
وَقَوْله : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابهمَا طَائِفَة مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلْيَحْضُرْ جَلْد الزَّانِيَيْنِ الْبِكْرَيْنِ وَحْدهمَا إِذَا أُقِيمَ عَلَيْهِمَا طَائِفَة مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . وَالْعَرَب تُسَمِّي الْوَاحِد فَمَا زَادَ : طَائِفَة . { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } يَقُول : مِنْ أَهْل الْإِيمَان بِاللَّهِ وَرَسُوله . وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَبْلَغ عَدَد الطَّائِفَة الَّذِي أَمَرَ اللَّه بِشُهُودِ عَذَاب الزَّانِيَيْنِ الْبِكْرَيْنِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : أَقَلّه وَاحِد . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19473 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الطَّائِفَة : رَجُل . * - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَهْل بْن مُوسَى بْن إِسْحَاق الْكِنَانِيّ وَابْن الْقَوَّاس , قَالَا : ثنا يَحْيَى بْن عِيسَى , عَنْ سُفْيَان , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابهمَا طَائِفَة مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ : الطَّائِفَة رَجُل . قَالَ عَلِيّ : فَمَا فَوْق ذَلِكَ ; وَقَالَ ابْن الْقَوَّاس : فَأَكْثَر مِنْ ذَلِكَ . * - حَدَّثَنَا عَلِيّ , قَالَ : ثنا زَيْد , عَنْ سُفْيَان , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الطَّائِفَة : رَجُل . * - حَدَّثَنَا يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , قَالَ : قَالَ ابْن أَبِي نَجِيح : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابهمَا طَائِفَة مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ مُجَاهِد : أَقَلّه رَجُل . * -حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْر , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابهمَا طَائِفَة مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ : الطَّائِفَة : الْوَاحِد إِلَى الْأَلْف . * - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ مُجَاهِد فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابهمَا طَائِفَة مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ : الطَّائِفَة وَاحِد إِلَى الْأَلْف ; { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنهمَا } 49 9 . 19474 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني وَهْب بْن جَرِير , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الطَّائِفَة : الرَّجُل الْوَاحِد إِلَى الْأَلْف , قَالَ : { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنهمَا } 49 9 إِنَّمَا كَانَا رَجُلَيْنِ . 19475 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت عِيسَى بْن يُونُس , يَقُول : ثنا النُّعْمَان بْن ثَابِت , عَنْ حَمَّاد وَإِبْرَاهِيم قَالَا : الطَّائِفَة : رَجُل . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابهمَا طَائِفَة مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ : الطَّائِفَة : رَجُل وَاحِد فَمَا فَوْقه . وَقَالَ آخَرُونَ : أَقَلّه فِي هَذَا الْمَوْضِع رَجُلَانِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19476 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي نَجِيح , فِي قَوْله : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابهمَا طَائِفَة مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ : قَالَ عَطَاء : أَقَلّه رَجُلَانِ . 19477 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي عُمَر بْن عَطَاء عَنْ عِكْرِمَة قَالَ : لِيَحْضُر رَجُلَانِ فَصَاعِدًا . وَقَالَ آخَرُونَ : أَقَلّ ذَلِكَ ثَلَاثَة فَصَاعِدًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19478 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا عِيسَى بْن يُونُس , عَنِ ابْن أَبِي ذِئْب , عَنِ الزُّهْرِيّ , قَالَ : الطَّائِفَة : الثَّلَاثَة فَصَاعِدًا . 19479 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابهمَا طَائِفَة مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ : نَفَر مِنَ الْمُسْلِمِينَ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , مِثْله . 19480 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا حَفْص بْن غِيَاث , قَالَ : ثنا أَشْعَث , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : أَتَيْت أَبَا بَرْزَة الْأَسْلَمِيّ فِي حَاجَة وَقَدْ أَخْرَجَ جَارِيَة إِلَى بَاب الدَّار وَقَدْ زَنَتْ , فَدَعَا رَجُلًا فَقَالَ : اضْرِبْهَا خَمْسِينَ ! فَدَعَا جَمَاعَة , ثُمَّ قَرَأَ : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابهمَا طَائِفَة مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } . 19481 - حَدَّثَنَا أَبُو هِشَام الرِّفَاعِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى , عَنْ أَشْعَث , عَنْ أَبِيهِ , أَنَّ أَبَا بَرْزَة أَمَرَ ابْنه أَنْ يَضْرِب جَارِيَة لَهُ وَلَدَتْ مِنَ الزِّنَا ضَرْبًا غَيْر مُبَرِّح , قَالَ : فَأَلْقَى عَلَيْهَا ثَوْبًا وَعِنْده قَوْم , وَقَرَأَ : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابهمَا } ... الْآيَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ أَقَلّ ذَلِكَ أَرْبَعَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19482 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابهمَا طَائِفَة مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ : فَقَالَ : الطَّائِفَة الَّتِي يَجِب بِهَا الْحَدّ أَرْبَعَة . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : أَقَلّ مَا يَنْبَغِي حُضُور ذَلِكَ مِنْ عَدَد الْمُسْلِمِينَ : الْوَاحِد فَصَاعِدًا ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه عَمَّ بِقَوْلِهِ : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابهمَا طَائِفَة } وَالطَّائِفَة : قَدْ تَقَع عِنْد الْعَرَب عَلَى الْوَاحِد فَصَاعِدًا . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَلَمْ يَكُنَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره وَضَعَ دَلَالَة عَلَى أَنَّ مُرَاده مِنْ ذَلِكَ خَاصّ مِنَ الْعَدَد , كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ حُضُور مَا وَقَعَ عَلَيْهِ أَدْنَى اسْم الطَّائِفَة ذَلِكَ الْمَحْضَر مُخْرِج مُقِيم الْحَدّ مِمَّا أَمَرَهُ اللَّه بِهِ بِقَوْلِهِ : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابهمَا طَائِفَة مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } غَيْر أَنِّي وَإِنْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفْت , أَسْتَحِبّ أَنْ لَا يُقْصَر بِعَدَدِ مَنْ يَحْضُر ذَلِكَ الْمَوْضِع عَنْ أَرْبَعَة أَنْفُس عَدَد مَنْ تُقْبَل شَهَادَته عَلَى الزِّنَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا خِلَاف بَيْن الْجَمِيع أَنَّهُ قَدْ أَدَّى الْمُقِيم الْحَدّ مَا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ , وَهُمْ فِيمَا دُون ذَلِكَ مُخْتَلِفُونَ .
الزَّانِي لا يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة وَالزَّانِيَة وَلَا يَنْكِحهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِك وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } . اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي بَعْض مَنْ اسْتَأْذَنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نِكَاح نِسْوَة كُنَّ مَعْرُوفَات بِالزِّنَا مِنْ أَهْل الشِّرْك , وَكُنَّ أَصْحَاب رَايَات , يُكْرِينَ أَنْفُسهنَّ , فَأَنْزَلَ اللَّه تَحْرِيمهنَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ , فَقَالَ : الزَّانِي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَتَزَوَّج إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة , لِأَنَّهُنَّ كَذَلِكَ ; وَالزَّانِيَة مِنَ أُولَئِكَ الْبَغَايَا لَا يَنْكِحهَا إِلَّا زَانٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ الْمُشْرِكِينَ أَوْ مُشْرِك مِثْلهَا ; لِأَنَّهُنَّ كُنَّ مُشْرِكَات . { وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } فَحَرَّمَ اللَّه نِكَاحهنَّ فِي قَوْل أَهْل هَذِهِ الْمَقَالَة بِهَذِهِ الْآيَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19483 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : ثني الْحَضْرَمِيّ , عَنِ الْقَاسِم بْن مُحَمَّد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو : أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ اسْتَأْذَنَ نَبِيّ اللَّه فِي امْرَأَة يُقَال لَهَا أُمّ مَهْزُول , كَانَتْ تُسَافِح الرَّجُل وَتَشْتَرِط لَهُ أَنْ تُنْفِق عَلَيْهِ , وَأَنَّهُ اسْتَأْذَنَ فِيهَا نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ لَهُ أَمْرهَا , قَالَ : فَقَرَأَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { الزَّانِيَة لَا يَنْكِحهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِك } أَوْ قَالَ : فَأُنْزِلَتْ { الزَّانِيَة } . 19484 -حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثني هُشَيْم , عَنِ التَّيْمِيّ , عَنِ الْقَاسِم بْن مُحَمَّد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو فِي قَوْله : { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة وَالزَّانِيَة لَا يَنْكِحهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِك } قَالَ : كُنَّ نِسَاء مَعْلُومَات , قَالَ : فَكَانَ الرَّجُل مِنْ فُقَرَاء الْمُسْلِمِينَ يَتَزَوَّج الْمَرْأَة مِنْهُنَّ لِتُنْفِق عَلَيْهِ , فَنَهَاهُمْ اللَّه عَنْ ذَلِكَ . 19485 -قَالَ : أَخْبَرَنَا سُلَيْمَان التَّيْمِيّ , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : كُنَّ نِسَاء مَوَارِد بِالْمَدِينَةِ . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الْمِقْدَام , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر , قَالَ : سَمِعْت أَبِي , قَالَ : ثنا قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَالزَّانِيَة لَا يَنْكِحهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِك } قَالَ : نَزَلَتْ فِي نِسَاء مَوَارِد كُنَّ بِالْمَدِينَةِ . * - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَاصِم الْكِلَابِيّ , قَالَ : ثنا مُعْتَمِر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد , بِنَحْوِهِ . 19486 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ رَجُل , عَنْ عَمْرو بْن شُعَيْب , قَالَ : كَانَ لِمَرْثَد صَدِيقَة فِي الْجَاهِلِيَّة يُقَال لَهَا عَنَاق , وَكَانَ رَجُلًا شَدِيدًا , وَكَانَ يُقَال لَهُ دُلْدُل , وَكَانَ يَأْتِي مَكَّة فَيَحْمِل ضَعَفَة الْمُسْلِمِينَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَقِيَ صَدِيقَته , فَدَعَتْهُ إِلَى نَفْسهَا , فَقَالَ : إِنَّ اللَّه قَدْ حَرَّمَ الزِّنَا ! فَقَالَتْ : أَنَّى تَبْرُز ! فَخَشِيَ أَنْ تُشَيِّع عَلَيْهِ , فَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة , فَأَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه كَانَتْ لِي صَدِيقَة فِي الْجَاهِلِيَّة , فَهَلْ تَرَى لِي نِكَاحهَا ؟ قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّه : { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة وَالزَّانِيَة لَا يَنْكِحهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِك } قَالَ : كُنَّ نِسَاء مَعْلُومَات يُدْعَوْنَ القليقيات . 19487 -حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ إِبْرَاهِيم بْن مُهَاجِر , قَالَ : سَمِعْت مُجَاهِدًا يَقُول فِي هَذِهِ الْآيَة : { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة } قَالَ : كُنَّ بَغَايَا فِي الْجَاهِلِيَّة . 19488 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ عَبْد الْمَلِك , عَمَّنْ أَخْبَرَهُ , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوًا مِنْ حَدِيث ابْن الْمُثَنَّى , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : كَانَتْ امْرَأَة مِنْهُنَّ يُقَال لَهَا : أُمّ مَهْزُول ; يَعْنِي فِي قَوْله : { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة } قَالَ : فَكُنَّ نِسَاء مَعْلُومَات , قَالَ : فَكَانَ الرَّجُل مِنْ فُقَرَاء الْمُسْلِمِينَ يَتَزَوَّج الْمَرْأَة مِنْهُنَّ لِتُنْفِق عَلَيْهِ , فَنَهَاهُمْ اللَّه عَنْ ذَلِكَ . هَذَا مِنْ حَدِيث التَّيْمِيّ . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة } قَالَ : رِجَال كَانُوا يُرِيدُونَ الزِّنَا بِنِسَاءٍ زَوَانٍ بَغَايَا مُتَعَالِمَات كُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّة , فَقِيلَ لَهُمْ هَذَا حَرَام , فَأَرَادُوا نِكَاحهنَّ , فَحَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمْ نِكَاحهنَّ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , بِنَحْوِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : بَغَايَا مُعْلِنَات كُنَّ كَذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّة . 19489 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ وَإِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنِ الشَّعْبِيّ وَابْن أَبِي ذِئْب , عَنْ شُعْبَة , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : كُنَّ بَغَايَا فِي الْجَاهِلِيَّة , عَلَى أَبْوَابهنَّ رَايَات مِثْل رَايَات الْبَيْطَار يُعْرَفْنَ بِهَا . 19490 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ قَيْس بْن سَعْد , عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : نِسَاء بَغَايَا مُتَعَالِمَات , حَرَّمَ اللَّه نِكَاحهنَّ , لَا يَنْكِحهُنَّ إِلَّا زَانٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ مُشْرِك مِنَ الْمُشْرِكِينَ . 19491 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة وَالزَّانِيَة لَا يَنْكِحهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِك وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ : كَانَتْ بُيُوت تُسَمَّى الْمَوَاخِير فِي الْجَاهِلِيَّة , وَكَانُوا يُؤَاجِرُونَ فِيهَا فَتَيَاتهنَّ , وَكَانَتْ بُيُوتًا مَعْلُومَة لِلزِّنَا , لَا يَدْخُل عَلَيْهِنَّ وَلَا يَأْتِيهِنَّ إِلَّا زَانٍ مِنْ أَهْل الْقِبْلَة أَوْ مُشْرِك مِنْ أَهْل الْأَوْثَان , فَحَرَّمَ اللَّه ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , فِي قَوْله : { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة وَالزَّانِيَة لَا يَنْكِحهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِك } قَالَ : بَغَايَا مُتَعَالِمَات كُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّة ; بَغْي آل فُلَان وَبَغْي آل فُلَان , فَأَنْزَلَ اللَّه : { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة وَالزَّانِيَة لَا يَنْكِحهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِك وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } فَحَكَمَ اللَّه بِذَلِكَ مِنْ أَمْر الْجَاهِلِيَّة عَلَى الْإِسْلَام . فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَان بْن مُوسَى : أَبَلَغَك ذَلِكَ عَنِ ابْن عَبَّاس ؟ فَقَالَ : نَعَمْ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : سَمِعْت عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح يَقُول فِي ذَلِكَ : كُنَّ بَغَايَا مُتَعَالِمَات ; بَغْي آل فُلَان وَبَغْي آل فُلَان , وَكُنَّ زَوَانٍ مُشْرِكَات , فَقَالَ : { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة وَالزَّانِيَة لَا يَنْكِحهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِك وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ : أَحَكَمَ اللَّه مِنْ أَمْر الْجَاهِلِيَّة بِهَذَا . قِيلَ لَهُ : أَبَلَغَك هَذَا عَنِ ابْن عَبَّاس ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ ابْن جُرَيْج : وَقَالَ عِكْرِمَة : إِنَّهُ كَانَ يُسَمِّي تِسْعًا بَعْد صَوَاحِب الرَّايَات , وَكُنَّ أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ , وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ أَصْحَاب الرَّايَات : أُمّ مَهْزُول جَارِيَة السَّائِب بْن أَبِي السَّائِب الْمَخْزُومِيّ , وَأُمّ عُلَيْط جَارِيَة صَفْوَان بْن أُمَيَّة , وَحَنَّة الْقِبْطِيَّة جَارِيَة الْعَاصِي بْن وَائِل , وَمَرِيَّة جَارِيَة مَالِك بْن عُمَيْلَة بْن السَّبَّاق بْن عَبْد الدَّار , وحلالة جَارِيَة سُهَيْل بْن عَمْرو , وَأُمّ سُوَيْد جَارِيَة عَمْرو بْن عُثْمَان الْمَخْزُومِيّ , وسريفة جَارِيَة زَمْعَة بْن الْأَسْوَد , وفرسة جَارِيَة هِشَام بْن رَبِيعَة بْن حَبِيب بْن حُذَيْفَة بْن جَبَل بْن مَالِك بْن عَامِر بْن لُؤَيّ , وقريبا جَارِيَة هِلَال بْن أَنَس بْن جَابِر بْن نَمِر بْن غَالِب بْن فِهْر . 19492 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , وَقَالَ الزُّهْرِيّ وَقَتَادَة , قَالُوا : كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة بَغَايَا مَعْلُوم ذَلِكَ مِنْهُنَّ , فَأَرَادَ نَاس مِنَ الْمُسْلِمِينَ نِكَاحهنَّ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة وَالزَّانِيَة لَا يَنْكِحهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِك } ... الْآيَة . * -حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , وَقَالَهُ الزُّهْرِيّ وَقَتَادَة , قَالُوا : كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة بَغَايَا , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه . 19493 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنِ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة : كَانَ الرَّجُل يَنْكِح الزَّانِيَة فِي الْجَاهِلِيَّة الَّتِي قَدْ عَلِمَ ذَلِكَ مِنْهَا يَتَّخِذهَا مَأْكَلَة , فَأَرَادَ نَاس مِنَ الْمُسْلِمِينَ نِكَاحهنَّ عَلَى تِلْكَ الْجِهَة , فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , قَالَ : قَالَ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , فَذَكَرَ نَحْوه . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا سُلَيْمَان التَّيْمِيّ , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : كُنَّ نِسَاء مَوَارِد بِالْمَدِينَةِ . 19494 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن إِدْرِيس , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي سُلَيْمَان , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : أَنَّ نِسَاء فِي الْجَاهِلِيَّة كُنَّ يُؤَاجِرْنَ أَنْفُسهنَّ , وَكَانَ الرَّجُل إِنَّمَا يَنْكِح إِحْدَاهُنَّ يُرِيد أَنْ يُصِيب مِنْهَا عَرَضًا , فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ , وَنَزَلَ : { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة وَالزَّانِيَة لَا يَنْكِحهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِك } وَمِنْهُنَّ امْرَأَة يُقَال لَهَا أُمّ مَهْزُول . 19495 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا جَابِر بْن نُوح , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنِ الشَّعْبِيّ , فِي قَوْله : { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة وَالزَّانِيَة لَا يَنْكِحهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِك } قَالَ : كُنَّ نِسَاء يُكْرِينَ أَنْفُسهنَّ فِي الْجَاهِلِيَّة . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : الزَّانِي لَا يَزْنِي إِلَّا بِزَانِيَةٍ أَوْ مُشْرِكَة , وَالزَّانِيَة لَا يَزْنِي بِهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِك . قَالُوا : وَمَعْنَى النِّكَاح فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْجِمَاع . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19496 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ حُصَيْن , عَنْ عِكْرِمَة , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْل اللَّه : { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة } قَالَ : لَا يَزْنِي إِلَّا بِزَانِيَةٍ أَوْ مُشْرِكَة . 19497 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ يَعْلَى بْن مُسْلِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَالزَّانِيَة لَا يَنْكِحهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِك } قَالَ : لَا يَزْنِي الزَّانِي إِلَّا بِزَانِيَةٍ مِثْله أَوْ مُشْرِكَة . 19498 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنِ ابْن شُبْرُمَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر وَعِكْرِمَة فِي قَوْله : { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة } قَالَا : هُوَ الْوَطْء . 19499 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد , عَنْ مَعْمَر , قَالَ : قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَمُجَاهِد : { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة } قَالَا : هُوَ الْوَطْء . * - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي عَنْ سَلَمَة بْن نُبَيْط , عَنِ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم وَشُعْبَة , عَنْ يَعْلَى بْن مُسْلِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَوْله : { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة وَالزَّانِيَة لَا يَنْكِحهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِك } قَالَا : لَا يَزْنِي الزَّانِي حِين يَزْنِي إِلَّا بِزَانِيَةٍ مِثْله أَوْ مُشْرِكَة , وَلَا تَزْنِي مُشْرِكَة إِلَّا بِمِثْلِهَا . 19500 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْل اللَّه : { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة وَالزَّانِيَة لَا يَنْكِحهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِك } قَالَ : هَؤُلَاءِ بَغَايَا كُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّة , وَالنِّكَاح فِي كِتَاب اللَّه الْإِصَابَة , لَا يُصِيبهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِك , لَا يُحَرِّم الزِّنَا , وَلَا تُصِيب هِيَ إِلَّا مِثْلهَا . قَالَ : وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول : بَغَايَا كُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّة . 19501 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ قَيْس بْن سَعْد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : إِذَا زَنَى بِهَا فَهُوَ زَانٍ . 19502 - حَدَّثَنَا عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة } قَالَ : الزَّانِي مِنْ أَهْل الْقِبْلَة لَا يَزْنِي إِلَّا بِزَانِيَةٍ مِثْله أَوْ مُشْرِكَة . قَالَ : وَالزَّانِيَة مِنْ أَهْل الْقِبْلَة لَا تَزْنِي إِلَّا بِزَانٍ مِثْلهَا مِنْ أَهْل الْقِبْلَة أَوْ مُشْرِك مِنْ غَيْر أَهْل الْقِبْلَة , ثُمَّ قَالَ : { وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } . وَقَالَ آخَرُونَ : كَانَ هَذَا حُكْم اللَّه فِي كُلّ زَانٍ وَزَانِيَة , حَتَّى نَسَخَهُ بِقَوْلِهِ : { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ } 24 32 , فَأَحَلَّ نِكَاح كُلّ مُسْلِمَة وَإِنْكَاح كُلّ مُسْلِم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19503 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , فِي قَوْله : { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة وَالزَّانِيَة لَا يَنْكِحهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِك وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } قَالَ : يَرَوْنَ الْآيَة الَّتِي بَعْدهَا نَسَخَتْهَا : { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ } 24 32 قَالَ : فَهُنَّ مِنْ أَيَامَى الْمُسْلِمِينَ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ ثنا الْحُسَيْن قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة وَالزَّانِيَة لَا يَنْكِحهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِك } قَالَ : نَسَخَتْهَا الَّتِي بَعْدهَا : { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ } 24 32 وَقَالَ : إِنَّهُنَّ مِنْ أَيَامَى الْمُسْلِمِينَ . 19504 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , قَالَ : وَذَكَرَ عَنْ يَحْيَى , عَنِ ابْن الْمُسَيِّب , قَالَ : نَسَخَتْهَا : { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ } 24 32 . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : نَسَخَتْهَا قَوْله : { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى } . 24 32 * - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَنَس بْن عِيَاض , عَنْ يَحْيَى , قَالَ : ذُكِرَ عِنْد سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة } قَالَ : فَسَمِعْته يَقُول : إِنَّهَا قَدْ نَسَخَتْهَا الَّتِي بَعْدهَا , ثُمَّ قَرَأَهَا سَعِيد , قَالَ : يَقُول اللَّه : { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة أَوْ مُشْرِكَة } ثُمَّ يَقُول اللَّه : { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ } 24 32 فَهُنَّ مِنْ أَيَامَى الْمُسْلِمِينَ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : عُنِيَ بِالنِّكَاحِ فِي هَذَا الْمَوْضِع الْوَطْء , وَأَنَّ الْآيَة نَزَلَتْ فِي الْبَغَايَا الْمُشْرِكَات ذَوَات الرَّايَات ; وَذَلِكَ لِقِيَامِ الْحُجَّة عَلَى أَنَّ الزَّانِيَة مِنَ الْمُسْلِمَات حَرَام عَلَى كُلّ مُشْرِك , وَأَنَّ الزَّانِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَرَام عَلَيْهِ كُلّ مُشْرِكَة مِنْ عَبَدَة الْأَوْثَان . فَمَعْلُوم إِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُعْنَ بِالْآيَةِ أَنَّ الزَّانِي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَعْقِد عَقْد نِكَاح عَلَى عَفِيفَة مِنَ الْمُسْلِمَات وَلَا يُنْكَح إِلَّا بِزَانِيَةٍ أَوْ مُشْرِكَة . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَبَيَّنَ أَنَّ مَعْنَى الْآيَة : الزَّانِي لَا يَزْنِي إِلَّا بِزَانِيَةٍ لَا تَسْتَحِلّ الزِّنَا أَوْ بِمُشْرِكَةٍ تَسْتَحِلّهُ . وَقَوْله : { وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } يَقُول : وَحُرِّمَ الزِّنَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَرَسُوله , وَذَلِكَ هُوَ النِّكَاح الَّذِي قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { الزَّانِي لَا يَنْكِح إِلَّا زَانِيَة }
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَة وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَة أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَالَّذِينَ يَشْتُمُونَ الْعَفَائِف مِنْ حَرَائِر الْمُسْلِمِينَ , فَيَرْمُونَهُنَّ بِالزِّنَا , ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا عَلَى مَا رَمَوْهُنَّ بِهِ مِنْ ذَلِكَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء عُدُول يَشْهَدُونَ عَلَيْهِنَّ أَنَّهُنَّ رَأَوْهُنَّ يَفْعَلْنَ ذَلِكَ , فَاجْلِدُوا الَّذِينَ رَمَوْهُنَّ بِذَلِكَ ثَمَانِينَ جَلْدَة , وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَة أَبَدًا , وَأُولَئِكَ هُمُ الَّذِينَ خَالَفُوا أَمْر اللَّه وَخَرَجُوا مِنْ طَاعَته فَفَسَقُوا عَنْهَا . وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ رَمَوْا عَائِشَة زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا رَمَوْهَا بِهِ مِنَ الْإِفْك . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19505 -حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب وَإِبْرَاهِيم بْن سَعِيد , قَالَا : ثنا ابْن فُضَيْل , عَنْ خُصَيْف , قَالَ : قُلْت لِسَعِيدِ بْن جُبَيْر : الزِّنَا أَشَدّ , أَوْ قَذْف الْمُحْصَنَة ؟ قَالَ : لَا , بَلْ الزِّنَا . قُلْت : إِنَّ اللَّه يَقُول : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات } قَالَ : إِنَّمَا هَذَا فِي حَدِيث عَائِشَة خَاصَّة . 19506 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء } ... الْآيَة فِي نِسَاء الْمُسْلِمِينَ . 19507 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } قَالَ : الْكَاذِبُونَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْد ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا } . اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِي اسْتُثْنِيَ مِنْهُ قَوْله : { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْد ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا } فَقَالَ بَعْضهمْ : اسْتُثْنِيَ مِنْ قَوْله : { وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَة أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } وَقَالُوا : إِذَا تَابَ الْقَاذِف قُبِلَتْ شَهَادَته وَزَالَ عَنْهُ اسْم الْفِسْق , حُدَّ فِيهِ أَوْ لَمْ يُحَدّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19508 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن حَمَّاد الدُّولَابِيّ , قَالَ : ثني سُفْيَان , عَنِ الزُّهْرِيّ , عَنْ سَعِيد إِنْ شَاءَ اللَّه , أَنَّ عُمَر قَالَ لِأَبِي بَكْرَة : إِنْ تُبْت قَبِلْت شَهَادَتك , أَوْ رَدَّيْت شَهَادَتك . 19509 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , عَنِ الزُّهْرِيّ , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب ضَرَبَ أَبَا بَكْرَة وَشِبْل بْن مَعْبَد وَنَافِع بْن الْحَارِث بْن كَلَدَة حَدّهمْ . وَقَالَ لَهُمْ : مَنْ أَكْذَبَ نَفْسه أَجَزْت شَهَادَته فِيمَا اسْتَقْبَلَ , وَمَنْ لَمْ يَفْعَل لَمْ أُجِزْ شَهَادَته . فَأَكْذَبَ شِبْل نَفْسه وَنَافِع , وَأَبَى أَبُو بَكْرَة أَنْ يَفْعَل . قَالَ الزُّهْرِيّ : هُوَ وَاللَّه سُنَّة فَاحْفَظُوهُ . 19510 - حَدَّثَنَا ابْن أَبِي الشَّوَارِب , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنِ الشَّعْبِيّ , قَالَ : إِذَا تَابَ - يَعْنِي الْقَاذِف - وَلَمْ يُعْلَم مِنْهُ إِلَّا خَيْر , جَازَتْ شَهَادَته . * -حَدَّثَنَا عِمْرَان بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَارِث , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنِ الشَّعْبِيّ , قَالَ : عَلَى الْإِمَام أَنْ يَسْتَتِيب الْقَاذِف بَعْد الْجَلْد , فَإِنْ تَابَ وَأُونِسَ مِنْهُ خَيْر جَازَتْ شَهَادَته , وَإِنْ لَمْ يَتُبْ فَهُوَ خَلِيع لَا تَجُوز شَهَادَته . * - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَارِث , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عَامِر , أَنَّهُ قَالَ فِي الْقَاذِف : إِذَا تَابَ وَعُلِمَ مِنْهُ خَيْر إِنَّ شَهَادَته جَائِزَة , وَإِنْ لَمْ يَتُبْ فَهُوَ خَلِيع لَا تَجُوز شَهَادَته , وَتَوْبَته إِكْذَابه نَفْسه . * - قَالَ : ثنا ابْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ دَاوُد , عَنِ الشَّعْبِيّ , نَحْوه . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَأَبُو السَّائِب , قَالَا : ثنا ابْن إِدْرِيس , قَالَ : أَخْبَرَنَا دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنِ الشَّعْبِيّ , قَالَ فِي الْقَاذِف : إِذَا تَابَ وَأَكْذَبَ نَفْسه قُبِلَتْ شَهَادَته , وَإِلَّا كَانَ خَلِيعًا لَا شَهَادَة لَهُ ; لِأَنَّ اللَّه يَقُول : { لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء } ... إِلَى آخِر الْآيَة . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنِ الشَّعْبِيّ أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي شَهَادَة الْقَاذِف : إِذَا رَجَعَ عَنْ قَوْله حِين يُضْرَب , أَوْ أَكْذَبَ نَفْسه , قُبِلَتْ شَهَادَته . * - قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنِ الشَّعْبِيّ أَنَّهُ كَانَ يَقُول : يَقْبَل اللَّه تَوْبَته , وَتَرُدُّونَ شَهَادَته ؟ وَكَانَ يَقْبَل شَهَادَته إِذَا تَابَ . * - قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيل عَنِ الشَّعْبِيّ أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي الْقَاذِف : إِذَا شَهِدَ قَبْل أَنْ يُضْرَب الْحَدّ , قُبِلَتْ شَهَادَته . 19511 - قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْدَة عَنْ إِبْرَاهِيم , وَإِسْمَاعِيل بْن سَالِم عَنِ الشَّعْبِيّ , أَنَّهُمَا قَالَا فِي الْقَاذِف : إِذَا شَهِدَ قَبْل أَنْ يُجْلَد فَشَهَادَته جَائِزَة . 19512 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : قَالَ أَبُو بِشْر , يَعْنِي ابْن عُلَيَّة , سَمِعْت ابْن أَبِي نَجِيح يَقُول : الْقَاذِف إِذَا تَابَ تَجُوز شَهَادَته . وَقَالَ : كُنَّا نَقُولهُ . فَقِيلَ لَهُ : مَنْ ؟ قَالَ : قَالَ عَطَاء وَطَاوُس وَمُجَاهِد . 19513 -حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , وَابْن الْمُثَنَّى , قَالَا : ثنا مُحَمَّد بْن خَالِد بْن عَثْمَة , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن بَشِير , عَنْ قَتَادَة , عَنْ عُمَر بْن طَلْحَة , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : إِذَا تَابَ الْقَاذِف جُلِدَ وَجَازَتْ شَهَادَته . قَالَ أَبُو مُوسَى : هَكَذَا قَالَ ابْن أَبِي عَثْمَة . 19514 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار وَابْن الْمُثَنَّى , قَالَا : ثنا ابْن أَبِي عَثْمَة , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن بَشِير , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سُلَيْمَان بْن يَسَار وَالشَّعْبِيّ قَالَا : إِذَا تَابَ الْقَاذِف عِنْد الْجَلْد جَازَتْ شَهَادَته . 19515 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : أَنَّ عُمَر بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي طَلْحَة جَلَدَ رَجُلًا فِي قَذْف , فَقَالَ : أَكْذِبْ نَفْسك حَتَّى تَجُوز شَهَادَتك ! 19516 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي الْهَيْثَم , قَالَ : سَمِعْت إِبْرَاهِيم وَالشَّعْبِيّ يَتَذَاكَرَانِ شَهَادَة الْقَاذِف , فَقَالَ الشَّعْبِيّ لِإِبْرَاهِيم : لِمَ لَا تَقْبَل شَهَادَته ؟ فَقَالَ : لِأَنِّي لَا أَدْرِي تَابَ أَمْ لَا . 19517 - قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك , عَنْ مُجَالِد , عَنِ الشَّعْبِيّ , عَنْ مَسْرُوق , قَالَ : تُقْبَل شَهَادَته إِذَا تَابَ . 19518 - قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك , عَنْ يَعْقُوب بْن الْقَعْقَاع , عَنْ مُحَمَّد بْن زَيْد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , مِثْله . 19519 - قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ عِمْرَان بْن مُوسَى , قَالَ : شَهِدْت عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز أَجَازَ شَهَادَة الْقَاذِف وَمَعَهُ رَجُل . * - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنِ الْحَكَم , قَالَ : قَالَ الشَّعْبِيّ : إِذَا تَابَ جَازَتْ شَهَادَته , قَالَ ابْن الْمُثَنَّى . قَالَ : عِنْدِي , يَعْنِي فِي الْقَذْف . 19520 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن إِدْرِيس , قَالَ : أَخْبَرَنَا مِسْعَر , عَنْ عِمْرَان بْن عُمَيْر : أَنَّ عَبْد اللَّه بْن عُتْبَة كَانَ يُجِيز شَهَادَة الْقَاذِف إِذَا تَابَ . 19521 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثني هُشَيْم , عَنْ جُوَيْبِر , عَنِ الضَّحَّاك , قَالَ : إِذَا تَابَ وَأَصْلَحَ قُبِلَتْ شَهَادَته ; يَعْنِي الْقَاذِف . 19522 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , عَنِ ابْن الْمُسَيِّب , قَالَ : تُقْبَل شَهَادَة الْقَاذِف إِذَا تَابَ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , عَنِ ابْن الْمُسَيِّب , مِثْله . 19523 -حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد , عَنْ مَعْمَر , قَالَ : قَالَ الزُّهْرِيّ : إِذَا حُدَّ الْقَاذِف , فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَتِيبهُ , فَإِنْ تَابَ قُبِلَتْ شَهَادَته , وَإِلَّا لَمْ تُقْبَل . قَالَ : كَذَلِكَ فَعَلَ عُمَر بْن الْخَطَّاب بِالَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى الْمُغِيرَة بْن شُعْبَة , فَتَابُوا إِلَّا أَبَا بَكْرَة , فَكَانَ لَا تُقْبَل شَهَادَته . وَقَالَ آخَرُونَ : الِاسْتِثْنَاء فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْله : { وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } . وَأَمَّا قَوْله : { وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَة أَبَدًا } فَقَدْ وَصَلَ بِالْأَبَدِ وَلَا يَجُوز قَبُولهَا أَبَدًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19524 - حَدَّثَنَا ابْن أَبِي الشَّوَارِب , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا أَشْعَث بْن سِوَار , قَالَ : ثني الشَّعْبِيّ , قَالَ : كَانَ شُرَيْح يُجِيز شَهَادَة صَاحِب كُلّ عَمَل إِذَا تَابَ إِلَّا الْقَاذِف , فَإِنَّ تَوْبَته فِيمَا بَيْنه وَبَيْن رَبّه ; وَلَا نُجِيز شَهَادَته . * - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا أَشْعَث بْن سِوَار , قَالَ : ثنا الشَّعْبِيّ , عَنْ شُرَيْح بِنَحْوِهِ , غَيْر أَنَّهُ قَالَ : صَاحِب كُلّ حَدّ إِذَا كَانَ عَدْلًا يَوْم شَهِدَ . 19525 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة عَنِ الْأَعْمَش . عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ شُرَيْح , قَالَ : كَانَ لَا يُجِيز شَهَادَة الْقَاذِف , وَيَقُول : تَوْبَته فِيمَا بَيْنه وَبَيْن رَبّه . 19526 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَأَبُو السَّائِب , قَالَا : ثنا ابْن إِدْرِيس , عَنْ مُطَرِّف , عَنْ أَبِي عُثْمَان , عَنْ شُرَيْح فِي الْقَاذِف : يَقْبَل اللَّه تَوْبَته , وَلَا أَقْبَل شَهَادَته . 19527 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن إِدْرِيس , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَشْعَث , عَنِ الشَّعْبِيّ , قَالَ : أَتَاهُ خَصْمَانِ , فَجَاءَ أَحَدهمَا بِشَاهِدٍ أَقْطَع , فَقَالَ الْخَصْم : أَلَا تَرَى مَا بِهِ ؟ قَالَ : قَدْ أَرَاهُ . قَالَ : فَسَأَلَ الْقَوْم , فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ خَيْرًا , فَقَالَ شُرَيْح : نُجِيز شَهَادَة كُلّ صَاحِب حَدّ , إِذَا كَانَ يَوْم شَهِدَ عَدْلًا إِلَّا الْقَاذِف , فَإِنَّ تَوْبَته فِيمَا بَيْنه وَبَيْن رَبّه . * - حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا ابْن إِدْرِيس , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَشْعَث , عَنِ الشَّعْبِيّ , قَالَ : جَاءَ خَصْمَانِ إِلَى شُرَيْح , فَجَاءَ أَحَدهمَا بِبَيِّنَةٍ , فَجَاءَ بِشَاهِدٍ أَقْطَع , فَقَالَ الْخَصْم : أَلَا تَرَى إِلَى مَا بِهِ ؟ فَقَالَ شُرَيْح : قَدْ رَأَيْنَاهُ , وَقَدْ سَأَلْنَا الْقَوْم فَأَثْنَوْا خَيْرًا . ثُمَّ ذَكَرَ سَائِر الْحَدِيث , نَحْو حَدِيث أَبِي كُرَيْب . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا الشَّيْبَانِيّ , عَنِ الشَّعْبِيّ , عَنْ شُرَيْح أَنَّهُ كَانَ يَقُول : لَا تُقْبَل لَهُ شَهَادَة أَبَدًا , تَوْبَته فِيمَا بَيْنه وَبَيْن رَبّه ; يَعْنِي الْقَاذِف . 19528 - قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْأَشْعَث , عَنِ الشَّعْبِيّ , بِأَنَّ رَبَابًا قَطَعَ رَجُلًا فِي قَطْع الطَّرِيق , قَالَ : فَقَطَعَ يَده وَرِجْله . قَالَ : ثُمَّ تَابَ وَأَصْلَحَ , فَشَهِدَ عِنْد شُرَيْح , فَأَجَازَ شَهَادَته . قَالَ : فَقَالَ الْمَشْهُود عَلَيْهِ : أَتُجِيزُ شَهَادَته عَلَيَّ وَهُوَ أَقْطَع ؟ قَالَ : فَقَالَ شُرَيْح : كُلّ صَاحِب حَدّ إِذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ ثُمَّ تَابَ وَأَصْلَحَ , فَشَهَادَته جَائِزَة إِلَّا الْقَاذِف . * - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو الْوَلِيد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ الْمُغِيرَة : أَخْبَرَنِي , قَالَ : سَمِعْت إِبْرَاهِيم يُحَدِّث عَنْ شُرَيْح , قَالَ : قَضَاء مِنَ اللَّه لَا تُقْبَل شَهَادَته أَبَدًا , تَوْبَته فِيمَا بَيْنه وَبَيْن رَبّه . قَالَ أَبُو مُوسَى : يَعْنِي الْقَاذِف . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : قَالَ شُرَيْح : لَا يَقْبَل اللَّه شَهَادَته أَبَدًا . 19529 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو الْوَلِيد , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : لَا تَجُوز شَهَادَة الْقَاذِف , تَوْبَته فِيمَا بَيْنه وَبَيْن اللَّه . 19530 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنِ الْحَسَن , أَنَّهُ قَالَ : الْقَاذِف تَوْبَته فِيمَا بَيْنه وَبَيْن اللَّه , وَشَهَادَته لَا تُقْبَل . * - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو الْوَلِيد , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : لَا تَجُوز شَهَادَة الْقَاذِف , تَوْبَته فِيمَا بَيْنه وَبَيْن اللَّه . * - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنِ الْحَسَن , أَنَّهُ قَالَ : الْقَاذِف تَوْبَته فِيمَا بَيْنه وَبَيْن اللَّه , وَشَهَادَته لَا تُقْبَل . 19531 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنِ الْحَكَم , عَنْ إِبْرَاهِيم أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّجُل يُجْلَد الْحَدّ , قَالَ : لَا تَجُوز شَهَادَته أَبَدًا . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم : أَنَّهُ كَانَ لَا يَقْبَل لَهُ شَهَادَة أَبَدًا , وَتَوْبَته فِيمَا بَيْنه وَبَيْن اللَّه ; يَعْنِي الْقَاذِف . 19532 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , عَنْ حَجَّاج , عَنْ عَمْرو بْن شُعَيْب , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدّه , عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا تَجُوز شَهَادَة مَحْدُود فِي الْإِسْلَام " . 19533 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنِ الْحَسَن : { وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَة أَبَدًا } قَالَ : كَانَ يَقُول : لَا تُقْبَل شَهَادَة الْقَاذِف أَبَدًا , إِنَّمَا تَوْبَته فِيمَا بَيْنه وَبَيْن اللَّه , وَكَانَ شُرَيْح يَقُول : لَا تُقْبَل شَهَادَته . 19534 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَة أَبَدًا } ثُمَّ قَالَ : { فَمَنْ تَابَ وَأَصْلَحَ } فَشَهَادَته فِي كِتَاب اللَّه تُقْبَل . وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا : أَنَّ الِاسْتِثْنَاء مِنَ الْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا , أَعْنِي مِنْ قَوْله : { وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَة أَبَدًا } وَمِنْ قَوْله : { وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا خِلَاف بَيْن الْجَمِيع أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ إِذَا لَمْ يُحَدّ فِي الْقَذْف حَتَّى تَابَ , إِمَّا بِأَنْ يُرْفَع إِلَى السُّلْطَان بِعَفْوِ الْمَقْذُوفَة عَنْهُ , وَإِمَّا بِأَنْ مَاتَتْ قَبْل الْمُطَالَبَة بِحَدِّهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهَا طَالِب يَطْلُب بِحَدِّهَا . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَحَدَثَتْ مِنْهُ تَوْبَة صَحَّتْ لَهُ بِهَا الْعَدَالَة . فَإِذْ كَانَ مِنَ الْجَمِيع إِجْمَاعًا , وَلَمْ يَكُنَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره شَرَطَ فِي كِتَابه أَنْ لَا تُقْبَل شَهَادَته أَبَدًا بَعْد الْحَدّ فِي رَمْيه , بَلْ نَهَى عَنْ قَبُول شَهَادَته فِي الْحَال الَّتِي أَوْجَبَ عَلَيْهِ فِيهَا الْحَدّ وَسَمَّاهُ فِيهَا فَاسِقًا , كَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ إِقَامَة الْحَدّ عَلَيْهِ فِي رَمْيه , لَا تَحْدُث فِي شَهَادَته مَعَ التَّوْبَة مِنْ ذَنْبه , مَا لَمْ يَكُنْ حَادِثًا فِيهَا قَبْل إِقَامَته عَلَيْهِ , بَلْ تَوْبَته بَعْد إِقَامَة الْحَدّ عَلَيْهِ مِنْ ذَنْبه أَحْرَى أَنْ تَكُون شَهَادَته مَعَهَا أَجْوَز مِنْهَا قَبْل إِقَامَته عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْحَدّ يَزِيد الْمَحْدُود عَلَيْهِ تَطْهِيرًا مِنْ جُرْمه الَّذِي اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ الْحَدّ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَهَلْ يَجُوز أَنْ يَكُون الِاسْتِثْنَاء مِنْ قَوْله : { فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَة } فَتَكُون التَّوْبَة مُسْقِطَة عَنْهُ الْحَدّ , كَمَا كَانَتْ لِشَهَادَتِهِ عِنْدك قَبْل الْحَدّ وَبَعْده مُجِيزَة وَلِاسْمِ الْفِسْق عَنْهُ مُزِيلَة ؟ قِيلَ : ذَلِكَ غَيْر جَائِز عِنْدنَا ; وَذَلِكَ أَنَّ الْحَدّ حَقّ عِنْدنَا لِلْمَقْذُوفَةِ كَالْقِصَاصِ الَّذِي يَجِب لَهَا مِنْ جِنَايَة يَجْنِيهَا عَلَيْهَا مِمَّا فِيهِ الْقِصَاص . وَلَا خِلَاف بَيْن الْجَمِيع أَنَّ تَوْبَته مِنْ ذَلِكَ لَا تَضَع عَنْهُ الْوَاجِب لَهَا مِنَ الْقِصَاص مِنْهُ , فَكَذَلِكَ تَوْبَته مِنَ الْقَذْف لَا تَضَع عَنْهُ الْوَاجِب لَهَا مِنَ الْحَدّ ; لِأَنَّ ذَلِكَ حَقّ لَهَا , إِنْ شَاءَتْ عَفَتْهُ , وَإِنْ شَاءَتْ طَالَبَتْ بِهِ . فَتَوْبَة الْعَبْد مِنْ ذَنْبه إِنَّمَا تَضَع عَنِ الْعَبْد الْأَسْمَاء الذَّمِيمَة وَالصِّفَات الْقَبِيحَة , فَأَمَّا حُقُوق الْآدَمِيِّينَ الَّتِي أَوْجَبَهَا اللَّه لِبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْض فِي كُلّ الْأَحْوَال فَلَا تَزُول بِهَا وَلَا تَبْطُل . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي صِفَة تَوْبَة الْقَاذِف الَّتِي تُقْبَل مَعَهَا شَهَادَته , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ إِكْذَابه نَفْسه فِيهِ . وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْض قَائِلِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْل , وَنَحْنُ نَذْكُر بَعْض مَا حَضَرَنَا ذِكْره مِمَّا لَمْ نَذْكُرهُ قَبْل . 19535 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا حَفْص , عَنْ لَيْث , عَنْ طَاوُس , قَالَ : تَوْبَة الْقَاذِف أَنْ يُكَذِّب نَفْسه . 19536 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُصَيْن , قَالَ : رَأَيْت رَجُلًا ضُرِبَ حَدًّا فِي قَذْف بِالْمَدِينَةِ , فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ ضَرْبه تَنَاوَلَ ثَوْبه , ثُمَّ قَالَ : أَسْتَغْفِر اللَّه وَأَتُوب إِلَيْهِ مِنْ قَذْف الْمُحْصَنَات ! قَالَ : فَلَقِيت أَبَا الزِّنَاد , فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ , قَالَ : فَقَالَ : إِنَّ الْأَمْر عِنْدنَا هَا هُنَا أَنَّهُ إِذَا قَالَ ذَلِكَ حِين يُفْرَغ مِنْ ضَرْبه وَلَمْ نَعْلَم مِنْهُ إِلَّا خَيْرًا قُبِلَتْ شَهَادَته . 19537 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَة أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا } ... الْآيَة , قَالَ : مَنِ اعْتَرَفَ وَأَقَرَّ عَلَى نَفْسه عَلَانِيَة أَنَّهُ قَالَ الْبُهْتَان وَتَابَ إِلَى اللَّه تَوْبَة نَصُوحًا - وَالنَّصُوح : أَنْ لَا يَعُودُوا , وَإِقْرَاره وَاعْتِرَافه عِنْد الْحَدّ حِين يُؤْخَذ بِالْجَلْدِ - فَقَدْ تَابَ وَاللَّه غَفُور رَحِيم . وَقَالَ آخَرُونَ : تَوْبَته مِنْ ذَلِكَ صَلَاح حَاله وَنَدَمه عَلَى مَا فَرَّطَ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ وَالِاسْتِغْفَار مِنْهُ وَتَرْكه الْعَوْد فِي مِثْل ذَلِكَ مِنَ الْجُرْم . وَذَلِكَ قَوْل جَمَاعَة مِنَ التَّابِعِينَ وَغَيْرهمْ , وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْض قَائِلِيهِ فِيمَا مَضَى , وَهُوَ قَوْل مَالِك بْن أَنَس . وَهَذَا الْقَوْل أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره جَعَلَ تَوْبَة كُلّ ذِي ذَنْب مِنْ أَهْل الْإِيمَان تَرْكه الْعَوْد مِنْهُ , وَالنَّدَم عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُ , وَاسْتِغْفَار رَبّه مِنْهُ , فِيمَا كَانَ مِنْ ذَنْب بَيْن الْعَبْد وَبَيْنه دُون مَا كَانَ مِنْ حُقُوق عِبَاده وَمَظَالِمهمْ بَيْنهمْ . وَالْقَاذِف إِذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ فِيهِ الْحَدّ أَوْ عُفِيَ عَنْهُ فَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ إِلَّا تَوْبَته مِنْ جُرْمه بَيْنه وَبَيْن رَبّه , فَسَبِيل تَوْبَته مِنْهُ سَبِيل تَوْبَته مِنْ سَائِر أَجْرَامه . فَإِذْ كَانَ الصَّحِيح فِي ذَلِكَ مِنَ الْقَوْل مَا وَصَفْنَا , فَتَأْوِيل الْكَلَام : وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ , إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ جُرْمهمْ الَّذِي اجْتَرَمُوهُ بِقَذْفِهِمُ الْمُحْصَنَات مِنْ بَعْد اجْتِرَامِهِمُوهُ ,
يَقُول : سَاتِر عَلَى ذُنُوبهمْ بِعَفْوِهِ لَهُمْ عَنْهَا , رَحِيم بِهِمْ بَعْد التَّوْبَة أَنْ يُعَذِّبهُمْ عَلَيْهَا , فَأَقْبَلُوا شَهَادَتهمْ وَلَا تُسَمُّوهُمْ فَسَقَة , بَلْ سَمُّوهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ الَّتِي هِيَ لَهُمْ فِي حَال تَوْبَتهمْ .
يَقُول : سَاتِر عَلَى ذُنُوبهمْ بِعَفْوِهِ لَهُمْ عَنْهَا , رَحِيم بِهِمْ بَعْد التَّوْبَة أَنْ يُعَذِّبهُمْ عَلَيْهَا , فَأَقْبَلُوا شَهَادَتهمْ وَلَا تُسَمُّوهُمْ فَسَقَة , بَلْ سَمُّوهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ الَّتِي هِيَ لَهُمْ فِي حَال تَوْبَتهمْ .
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجهمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنْفُسهمْ فَشَهَادَة أَحَدهمْ أَرْبَع شَهَادَات بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ } مِنَ الرِّجَال { أَزْوَاجهمْ } بِالْفَاحِشَةِ , فَيَقْذِفُونَهُنَّ بِالزِّنَا , { وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاء } يَشْهَدُونَ لَهُمْ بِصِحَّةِ مَا رَمَوْهُنَّ بِهِ مِنَ الْفَاحِشَة , { فَشَهَادَة أَحَدهمْ أَرْبَع شَهَادَات بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ } . وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة : " أَرْبَع شَهَادَات " نَصْبًا , وَلِنَصْبِهِمْ ذَلِكَ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا : أَنْ تَكُون الشَّهَادَة فِي قَوْله : { فَشَهَادَة أَحَدهمْ } مَرْفُوعَة بِمُضْمَرٍ قَبْلهَا , وَتَكُون " الْأَرْبَع " مَنْصُوبًا بِمَعْنَى الشَّهَادَة , فَيَكُون تَأْوِيل الْكَلَام حِينَئِذٍ : فَعَلَى أَحَدهمْ أَنْ يَشْهَد أَرْبَع شَهَادَات بِاللَّهِ . وَالْوَجْه الثَّانِي : أَنْ تَكُون الشَّهَادَة مَرْفُوعَة بِقَوْلِهِ : { إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ } وَ " الْأَرْبَع " مَنْصُوبَة بِوُقُوعِ الشَّهَادَة عَلَيْهَا , كَمَا يُقَال : شَهَادَتِي أَلْف مَرَّة إِنَّك لَرَجُل سُوء ; وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَب تَرْفَع الْأَيْمَان بِأَجْوِبَتِهَا , فَتَقُول : حَلَفَ صَادِق لَأَقُومَنَّ , وَشَهَادَة عَمْرو لَيَقْعُدَنَّ . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : { أَرْبَع شَهَادَات } بِرَفْعِ " الْأَرْبَع " , وَيَجْعَلُونَهَا لِلشَّهَادَةِ مُرَافِعَة , وَكَأَنَّهُمْ وَجَّهُوا تَأْوِيل الْكَلَام : فَالَّذِي يَلْزَم مِنَ الشَّهَادَة , أَرْبَع شَهَادَات بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : " فَشَهَادَة أَحَدهمْ أَرْبَع شَهَادَات بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ " بِنَصْبِ أَرْبَع , بِوُقُوعِ " الشَّهَادَة " عَلَيْهَا , وَ " الشَّهَادَة " مَرْفُوعَة حِينَئِذٍ عَلَى مَا وَصَفْت مِنَ الْوَجْهَيْنِ قَبْل ; وَأَحَبّ وَجْهَيْهِمَا إِلَيَّ أَنْ تَكُون بِهِ مَرْفُوعَة بِالْجَوَابِ , وَذَلِكَ قَوْله : { إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ } وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجهمْ , وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنْفُسهمْ , فَشَهَادَة أَحَدهمْ أَرْبَع شَهَادَات بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ , تَقُوم مَقَام الشُّهَدَاء الْأَرْبَعَة فِي دَفْع الْحَدّ عَنْهُ . فَتَرَكَ ذِكْر تَقُوم مَقَام الشُّهَدَاء الْأَرْبَعَة , اكْتِفَاء بِمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ بِمَا ذُكِرَ مِنَ الْكَلَام , فَصَارَ مُرَافِع " الشَّهَادَة " مَا وَصَفْت . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { فَشَهَادَة أَحَدهمْ أَرْبَع شَهَادَات بِاللَّهِ } : فَحَلَفَ أَحَدهمْ أَرْبَع أَيْمَان بِاللَّهِ , مِنْ قَوْل الْقَائِل : أَشْهَد بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَى زَوْجَته بِهِ مِنَ الْفَاحِشَة , وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ جَاءَتِ الْآثَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَالَتْ بِهِ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر الرِّوَايَة بِذَلِكَ , وَذِكْر السَّبَب الَّذِي فِيهِ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة : 19538 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا أَيُّوب , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَة } قَالَ سَعْد بْن عُبَادَة : اللَّه ! إِنْ أَنَا رَأَيْت لَكَاع مُتَفَخِّذهَا رَجُل فَقُلْت بِمَا رَأَيْت إِنَّ فِي ظَهْرِي لَثَمَانِينَ إِلَى مَا أَجْمَع أَرْبَعَة ؟ قَدْ ذَهَبَ ! فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا مَعْشَر الْأَنْصَار , أَلَا تَسْمَعُونَ إِلَى مَا يَقُول سَيِّدكُمْ ؟ " . قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه لَا تَلُمْهُ - وَذَكَرُوا مِنْ غَيْرَته -فَمَا تَزَوَّجَ امْرَأَة قَطُّ إِلَّا بِكْرًا , وَلَا طَلَّقَ امْرَأَة قَطُّ فَرَجَعَ فِيهَا أَحَد مِنَّا . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَإِنَّ اللَّه يَأْبَى إِلَّا ذَاكَ ! " فَقَالَ : لَا وَاللَّه , لَا يَجْعَل فِي ظَهْرِي ثَمَانِينَ أَبَدًا , لَقَدْ نَظَرْت حَتَّى أَيْقَنْت , وَلَقَدْ اسْتَسْمَعْت حَتَّى اسْتَشْفَيْت ! قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّه الْقُرْآن بِاللِّعَانِ , فَقِيلَ لَهُ : احْلِفْ ! فَحَلَفَ , قَالَ : " قِفُوهُ عِنْد الْخَامِسَة , فَإِنَّهَا مُوجِبَة " . فَقَالَ : لَا يُدْخِلهُ اللَّه النَّار بِهَذَا أَبَدًا , كَمَا دَرَأَ عَنْهُ جَلْد ثَمَانِينَ , لَقَدْ نَظَرْت حَتَّى أَيْقَنْت , وَلَقَدِ اسْتَسْمَعْت حَتَّى اسْتَشْفَيْت ! فَحَلَفَ ; ثُمَّ قِيلَ : احْلِفِي ! فَحَلَفَتْ ; ثُمَّ قَالَ : " قِفُوهَا عِنْد الْخَامِسَة , فَإِنَّهَا مُوجِبَة " . فَقِيلَ لَهَا : إِنَّهَا مُوجِبَة , فَتَلَكَّأَتْ سَاعَة , ثُمَّ قَالَتْ : لَا أُخْزِي قَوْمِي , فَحَلَفَتْ , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لِزَوْجِهَا , وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لِلَّذِي قِيلَ فِيهِ مَا قِيلَ " . قَالَ : فَجَاءَتْ بِهِ غُلَامًا كَأَنَّهُ جَمَل أَوْرَق , فَكَانَ بَعْد أَمِيرًا بِمِصْر , لَا يُعْرَف نَسَبه , أَوْ لَا يُدْرَى مَنْ أَبُوهُ . 19539 - حَدَّثَنَا خَلَّاد بْن أَسْلَمَ , قَالَ : أَخْبَرَنَا النَّضْر بْن شُمَيْل , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبَّاد , قَالَ : سَمِعْت عِكْرِمَة , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَة وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَة أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } قَالَ سَعْد بْن عُبَادَة : لَهَكَذَا أُنْزِلَتْ يَا رَسُول اللَّه ؟ لَوْ أَتَيْت لَكَاع قَدْ تَفَخَّذَهَا رَجُل , لَمْ يَكُنْ لِي أَنْ أُهَيِّجهُ وَلَا أُحَرِّكهُ حَتَّى آتِي بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء ؟ فَوَاللَّهِ مَا كُنْت لَآتِي بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء حَتَّى يَفْرُغ مِنْ حَاجَته ! فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا مَعْشَر الْأَنْصَار , أَمَا تَسْمَعُونَ إِلَى مَا يَقُول سَيِّدكُمْ ؟ " قَالُوا : لَا تَلُمْهُ فَإِنَّهُ رَجُل غَيُور , مَا تَزَوَّجَ فِينَا قَطُّ إِلَّا عَذْرَاء وَلَا طَلَّقَ امْرَأَة لَهُ فَاجْتَرَأَ رَجُل مِنَّا أَنْ يَتَزَوَّجهَا ! قَالَ سَعْد : يَا رَسُول اللَّه , بِأَبِي وَأُمِّي , وَاللَّه إِنِّي لَأَعْرِف أَنَّهَا مِنَ اللَّه وَأَنَّهَا حَقّ , وَلَكِنْ عَجِبْت لَوْ وَجَدْت لَكَاع قَدْ تَفَخَّذَهَا رَجُل لَمْ يَكُنْ لِي أَنْ أُهَيِّجهُ وَلَا أُحَرِّكهُ حَتَّى آتِي بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء ! وَاللَّه لَا آتِي بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء حَتَّى يَفْرُغ مِنْ حَاجَته ! فَوَاللَّهِ مَا لَبِثُوا إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى جَاءَ هِلَال بْن أُمَيَّة مِنْ حَدِيقَة لَهُ , فَرَأَى بِعَيْنَيْهِ , وَسَمِعَ بِأُذُنَيْهِ , فَأَمْسَكَ حَتَّى أَصْبَحَ . فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُوَ جَالِس مَعَ أَصْحَابه , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه إِنِّي جِئْت أَهْلِي عِشَاء , فَوَجَدْت رَجُلًا مَعَ أَهْلِي , رَأَيْت بِعَيْنِي وَسَمِعْت بِأُذُنِي , فَكَرِهَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَتَاهُ بِهِ وَثَقُلَ عَلَيْهِ جِدًّا , حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهه , فَقَالَ هِلَال : وَاللَّه يَا رَسُول اللَّه إِنِّي لَأَرَى الْكَرَاهَة فِي وَجْهك مِمَّا أَتَيْتُك بِهِ , وَاللَّه يَعْلَم أَنِّي صَادِق , وَمَا قُلْت إِلَّا حَقًّا , فَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَجْعَل اللَّه فَرَجًا . قَالَ : وَاجْتَمَعَتِ الْأَنْصَار , فَقَالُوا : ابْتُلِينَا بِمَا قَالَ سَعْد , أَيُجْلَدُ هِلَال بْن أُمَيَّة وَتَبْطُل شَهَادَته فِي الْمُسْلِمِينَ ؟ فَهَمَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضَرْبِهِ , فَإِنَّهُ لِكَذَلِكَ يُرِيد أَنْ يَأْمُر بِضَرْبِهِ , وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِس مَعَ أَصْحَابه , إِذْ نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْي , فَأَمْسَكَ أَصْحَابه عَنْ كَلَامه حِين عَرَفُوا أَنَّ الْوَحْي قَدْ نَزَلَ , حَتَّى فَرَغَ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجهمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنْفُسهمْ } ... إِلَى : { أَنَّ غَضَب اللَّه عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ } فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَبْشِرْ يَا هِلَال , فَإِنَّ اللَّه قَدْ جَعَلَ فَرَجًا ! " فَقَالَ : قَدْ كُنْت أَرْجُو ذَلِكَ مِنَ اللَّه . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَرْسِلُوا إِلَيْهَا ! " فَجَاءَتْ , فَلَمَّا اجْتَمَعَا عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهَا , فَكَذَّبَتْ , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّه يَعْلَم أَنَّ أَحَدكُمَا كَاذِب , فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِب ؟ " فَقَالَ هِلَال : يَا رَسُول اللَّه , بِأَبِي وَأُمِّي لَقَدْ صَدَقْت وَمَا قُلْت إِلَّا حَقًّا ! فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَاعِنُوا بَيْنهمَا ! " قِيلَ لِهِلَالٍ : يَا هِلَال اشْهَدْ ! فَشَهِدَ أَرْبَع شَهَادَات بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ , فَقِيلَ لَهُ عِنْد الْخَامِسَة : يَا هِلَال اتَّقِ اللَّه , فَإِنَّ عَذَاب اللَّه أَشَدّ مِنْ عَذَاب النَّاس , إِنَّهَا الْمُوجِبَة الَّتِي تُوجِب عَلَيْك الْعَذَاب . فَقَالَ هِلَال : وَاللَّه لَا يُعَذِّبنِي اللَّه عَلَيْهَا كَمَا لَمْ يَجْلِدنِي عَلَيْهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ! فَشَهِدَ الْخَامِسَة : { أَنَّ لَعْنَة اللَّه عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ } ثُمَّ قِيلَ لَهَا : اشْهَدِي ! فَشَهِدَتْ أَرْبَع شَهَادَات بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ , فَقِيلَ لَهَا عِنْد الْخَامِسَة : اتَّقِي اللَّه , فَإِنَّ عَذَاب اللَّه أَشَدّ مِنْ عَذَاب النَّاس , وَإِنَّ هَذِهِ الْمُوجِبَة الَّتِي تُوجِب عَلَيْك الْعَذَاب , فَتَلَكَّأَتْ سَاعَة , ثُمَّ قَالَتْ : وَاللَّه لَا أَفْضَح قَوْمِي , فَشَهِدَتْ الْخَامِسَة : { أَنَّ غَضَب اللَّه عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ } فَفَرَّقَ بَيْنهمَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَضَى أَنَّ الْوَلَد لَهَا , وَلَا يُدْعَى لِأَبٍ , وَلَا يُرْمَى وَلَدهَا . 19540 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن مُحَمَّد الطُّوسِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا جَرِير بْن حَازِم , عَنْ أَيُّوب , عَنْ عِكْرِمَة , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : لَمَّا قَذَفَ هِلَال بْن أُمَيَّة امْرَأَته , قِيلَ لَهُ : وَاللَّه لَيَجْلِدَنَّك رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِينَ جَلْدَة ! قَالَ : اللَّه أَعْدَل مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَضْرِبنِي ضَرْبَة وَقَدْ عَلِمَ أَنِّي قَدْ رَأَيْت حَتَّى اسْتَيْقَنْت وَسَمِعْت حَتَّى اسْتَثْبَتّ , لَا وَاللَّه لَا يَضْرِبنِي أَبَدًا ! فَنَزَلَتْ آيَة الْمُلَاعَنَة , فَدَعَا بِهِمَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين نَزَلَتْ الْآيَة , فَقَالَ : " اللَّه يَعْلَم أَنَّ أَحَدكُمَا كَاذِب , فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِب ؟ فَقَالَ هِلَال : وَاللَّه إِنِّي لَصَادِق . فَقَالَ لَهُ : " احْلِفْ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ : إِنِّي لَصَادِق " يَقُول ذَلِكَ أَرْبَع مَرَّات " فَإِنْ كُنْت كَاذِبًا فَعَلَيَّ لَعْنَة اللَّه " . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " قِفُوهُ عِنْد الْخَامِسَة , فَإِنَّهَا مُوجِبَة ! " فَحَلَفَ , ثُمَّ قَالَتْ أَرْبَعًا : وَاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ , فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَعَلَيْهَا غَضَب اللَّه . وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قِفُوهَا عِنْد الْخَامِسَة , فَإِنَّهَا مُوجِبَة ! " فَتَرَدَّدَتْ وَهَمَّتْ بِالِاعْتِرَافِ , ثُمَّ قَالَتْ لَا أَفْضَح قَوْمِي " . 19541 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَأَبُو هِشَام الرِّفَاعِيّ , قَالَا : ثنا عَبْدَة , عَنِ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عَلْقَمَة , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : كُنَّا لَيْلَة الْجُمُعَة فِي الْمَسْجِد , فَدَخَلَ رَجُل فَقَالَ : لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَته رَجُلًا فَقَتَلَهُ قَتَلْتُمُوهُ , وَإِنْ تَكَلَّمَ جَلَدْتُمُوهُ ! فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَنْزَلَ اللَّه آيَة اللِّعَان , ثُمَّ جَاءَ الرَّجُل بَعْد , فَقَذَفَ امْرَأَته , فَلَاعَنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنهمَا , فَقَالَ : " عَسَى أَنْ تَجِيء بِهِ أَسْوَد جَعْدًا " . فَجَاءَتْ بِهِ أَسْوَد جَعْدًا . 19542 -حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير بْن عَبْد الْحَمِيد , عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي سُلَيْمَان , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ : سَأَلْت ابْن عُمَر , فَقُلْت : يَا أَبَا عَبْد الرَّحْمَن , أَيُفَرَّقُ بَيْن الْمُتَلَاعِنَيْنِ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ , سُبْحَان اللَّه ! إِنَّ أَوَّل مَنْ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ فُلَان , أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ , فَقَالَ : أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ أَحَدنَا رَأَى صَاحِبَته عَلَى فَاحِشَة , كَيْف يَصْنَع ؟ فَلَمْ يُجِبْهُ فِي ذَلِكَ شَيْئًا . قَالَ : فَأَتَاهُ بَعْد ذَلِكَ فَقَالَ : إِنَّ الَّذِي سَأَلْت عَنْهُ قَدْ ابْتُلِيت بِهِ . فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة فِي سُورَة النُّور , فَدَعَا الرَّجُل فَوَعَظَهُ وَذَكَّرَهُ , وَأَخْبَرَهُ أَنَّ عَذَاب الدُّنْيَا أَهْوَن مِنْ عَذَاب الْآخِرَة ; قَالَ : وَالَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ , لَقَدْ رَأَيْت وَمَا كَذَبْت عَلَيْهَا ! قَالَ : وَدَعَا الْمَرْأَة فَوَعَظَهَا , وَأَخْبَرَهَا أَنَّ عَذَاب الدُّنْيَا أَهْوَن مِنْ عَذَاب الْآخِرَة , فَقَالَتْ : وَالَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ إِنَّهُ لَكَاذِب , وَمَا رَأَى شَيْئًا ! قَالَ : فَبَدَأَ الرَّجُل , فَشَهِدَ أَرْبَع شَهَادَات بِاللَّهِ : إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ , وَالْخَامِسَة : أَنَّ لَعْنَة اللَّه عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ; ثُمَّ إِنَّ الْمَرْأَة شَهِدَتْ أَرْبَع شَهَادَات بِاللَّهِ أَنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ , وَالْخَامِسَة أَنَّ غَضَب اللَّه عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ . وَفَرَّقَ بَيْنهمَا . 19542 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ دَاوُد , عَنْ عَامِر , قَالَ : لَمَّا أُنْزِلَ : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَة } قَالَ عَاصِم بْن عَدِيّ : إِنْ أَنَا رَأَيْت فَتَكَلَّمْت جُلِدْت ثَمَانِينَ , وَإِنْ أَنَا سَكَتّ سَكَتّ عَلَى الْغَيْظ ! قَالَ : فَكَأَنَّ ذَلِكَ شَقَّ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجهمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنْفُسهمْ } قَالَ : فَمَا لَبِثُوا إِلَّا جُمُعَة , حَتَّى كَانَ بَيْن رَجُل مِنْ قَوْمه وَبَيْن امْرَأَته , فَلَاعَنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنهمَا . 19544 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجهمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنْفُسهمْ } ... الْآيَة , وَالْخَامِسَة : أَنْ يُقَال لَهُ : إِنَّ عَلَيْك لَعْنَة اللَّه إِنْ كُنْت مِنَ الْكَاذِبِينَ . وَإِنْ أَقَرَّتِ الْمَرْأَة بِقَوْلِهِ رُجِمَتْ , وَإِنْ أَنْكَرَتْ شَهِدَتْ أَرْبَع شَهَادَات بِاللَّهِ : إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ , وَالْخَامِسَة أَنْ يُقَال لَهَا : غَضَب اللَّه عَلَيْك إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ! فَيُدْرَأ عَنْهَا الْعَذَاب , وَيُفَرَّق بَيْنهمَا , فَلَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا , وَيَلْحَق الْوَلَد بِأُمِّهِ . 19545 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة , قَوْله : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجهمْ } قَالَ : هِلَال بْن أُمَيَّة , وَالَّذِي رُمِيَتْ بِهِ شَرِيك بْن سَحْمَاء , وَالَّذِي اسْتَفْتَى عَاصِم بْن عَدِيّ . 19546 - قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيّ عَنِ الْمُلَاعَنَة وَالسُّنَّة فِيهَا , عَنْ حَدِيث سَهْل بْن سَعْد : أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَار جَاءَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : أَرَأَيْت رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَته رَجُلًا , أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ ؟ أَمْ كَيْفَ يَفْعَل ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه فِي شَأْنه مَا ذُكِرَ مِنْ أَمْر الْمُتَلَاعِنَيْنِ , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " قَدْ قَضَى اللَّه فِيك وَفِي امْرَأَتك ! " فَتَلَاعَنَا وَأَنَا شَاهِد , ثُمَّ فَارَقَهَا عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَكَانَتْ السُّنَّة بَعْدهَا أَنْ يُفَرَّق بَيْن الْمُتَلَاعِنَيْنِ . وَكَانَتْ حَامِلَة , فَأَنْكَرَهُ , فَكَانَ ابْنهَا يُدْعَى إِلَى أُمّه , ثُمَّ جَرَتِ السُّنَّة أَنَّ ابْنهَا يَرِثهَا وَتَرِث مَا فَرَضَ اللَّه لَهَا . 19547 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجهمْ } ... إِلَى قَوْله : { إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ } قَالَ : إِذَا شَهِدَ الرَّجُل خَمْس شَهَادَات , فَقَدْ بَرِئَ كُلّ وَاحِد مِنَ الْآخَر , وَعِدَّتهَا إِنْ كَانَتْ حَامِلًا أَنْ تَضَع حَمْلهَا , وَلَا يُجْلَد وَاحِد مِنْهُمَا ; وَإِنْ لَمْ تَحْلِف أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدّ وَالرَّجْم .
{ وَالْخَامِسَة } يَقُول : وَالشَّهَادَة الْخَامِسَة , { أَنَّ لَعْنَة اللَّه عَلَيْهِ } يَقُول : إِنَّ لَعْنَة اللَّه لَهُ وَاجِبَة وَعَلَيْهِ حَالَّة , إِنْ كَانَ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ مِنَ الْفَاحِشَة مِنَ الْكَاذِبِينَ .
وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَدْرَأ عَنْهَا الْعَذَاب أَنْ تَشْهَد أَرْبَع شَهَادَات بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ } . يَعْنِي جَلَّ ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَيَدْرَأ عَنْهَا الْعَذَاب } : وَيَدْفَع عَنْهَا الْحَدّ . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي الْعَذَاب الَّذِي عَنَاهُ اللَّه فِي هَذَا الْمَوْضِع أَنَّهُ يَدْرَؤُهُ عَنْهَا شَهَادَاتهَا الْأَرْبَع , فَقَالَ بَعْضهمْ بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , مِنْ أَنَّ الْحَدّ جَلْد مِائَة إِنْ كَانَتْ بِكْرًا أَوْ الرَّجْم إِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا قَدْ أُحْصِنَتْ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ الْحَبْس , وَقَالُوا : الَّذِي يَجِب عَلَيْهَا إِنْ هِيَ لَمْ تَشْهَد الشَّهَادَات الْأَرْبَع بَعْد شَهَادَات الزَّوْج الْأَرْبَع وَالْتِعَانه : الْحَبْس دُون الْحَدّ . وَإِنَّمَا قُلْنَا : الْوَاجِب عَلَيْهَا إِذَا هِيَ امْتَنَعَتْ مِنَ الِالْتِعَان بَعْد الْتِعَان الزَّوْج الْحَدّ الَّذِي وَصَفْنَا , قِيَاسًا عَلَى إِجْمَاع الْجَمِيع عَلَى أَنَّ الْحَدّ إِذَا زَالَ عَنِ الزَّوْج بِالشَّهَادَاتِ الْأَرْبَع عَلَى تَصْدِيقه فِيمَا رَمَاهَا بِهِ , أَنَّ الْحَدّ عَلَيْهَا وَاجِب , فَجَعَلَ اللَّه أَيْمَانه الْأَرْبَع وَالْتِعَانه فِي الْخَامِسَة مُخْرِجًا لَهُ مِنَ الْحَدّ الَّذِي يَجِب لَهَا بِرَمْيِهِ إِيَّاهَا , كَمَا جَعَلَ الشُّهَدَاء الْأَرْبَعَة مُخْرِجًا لَهُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ وَزَائِلًا بِهِ عَنْهُ الْحَدّ ; فَكَذَلِكَ الْوَاجِب أَنْ يَكُون بِزَوَالِ الْحَدّ عَنْهُ بِذَلِكَ وَاجِبًا عَلَيْهَا حَدّهَا كَمَا كَانَ بِزَوَالِهِ عَنْهُ بِالشُّهُودِ وَاجِبًا عَلَيْهَا , لَا فَرْق بَيْن ذَلِكَ . وَقَدْ اسْتَقْصَيْنَا الْعِلَل فِي ذَلِكَ فِي بَاب اللِّعَان مِنْ كِتَابنَا الْمُسَمَّى " لَطِيف الْقَوْل فِي شَرَائِع الْإِسْلَام " , فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَقَوْله : { أَنْ تَشْهَد أَرْبَع شَهَادَات بِاللَّهِ } يَقُول : وَيَدْفَع عَنْهَا الْعَذَاب أَنْ تَحْلِف بِاللَّهِ أَرْبَع أَيْمَان : أَنَّ زَوْجهَا الَّذِي رَمَاهَا بِمَا رَمَاهَا بِهِ مِنْ الْفَاحِشَة , لَمِنَ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَاهَا مِنْ الزِّنَا .
وَقَوْله : { وَالْخَامِسَة أَنَّ غَضَب اللَّه عَلَيْهَا } ... الْآيَة , يَقُول : وَالشَّهَادَة الْخَامِسَة : أَنَّ غَضَب اللَّه عَلَيْهَا إِنْ كَانَ زَوْجهَا فِيمَا رَمَاهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا مِنَ الصَّادِقِينَ . وَرُفِعَ قَوْله : { وَالْخَامِسَة } فِي كِلْتَا الْآيَتَيْنِ , بِ " أَنَّ " الَّتِي تَلِيهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَته وَأَنَّ اللَّه تَوَّاب حَكِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ أَيّهَا النَّاس وَرَحْمَته بِكُمْ , وَأَنَّهُ عَوَّاد عَلَى خَلْقه بِلُطْفِهِ وَطَوْله , حَكِيم فِي تَدْبِيره إِيَّاهُمْ وَسِيَاسَته لَهُمْ ; لَعَاجَلَكُمْ بِالْعُقُوبَةِ عَلَى مَعَاصِيكُمْ وَفَضَحَ أَهْل الذُّنُوب مِنْكُمْ بِذُنُوبِهِمْ , وَلَكِنَّهُ سَتَرَ عَلَيْكُمْ ذُنُوبكُمْ وَتَرَكَ فَضِيحَتكُمْ بِهَا عَاجِلًا , رَحْمَة مِنْهُ بِكُمْ وَتَفَضُّلًا عَلَيْكُمْ , فَاشْكُرُوا نِعَمه وَانْتَهُوا عَنْ التَّقَدُّم عَمَّا عَنْهُ نَهَاكُمْ مِنْ مَعَاصِيه . وَتَرَكَ الْجَوَاب فِي ذَلِكَ , اكْتِفَاء بِمَعْرِفَةِ السَّامِع الْمُرَاد مِنْهُ .
إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَة مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْر لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْم وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْره مِنْهُمْ لَهُمْ عَذَاب عَظِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْكَذِبِ وَالْبُهْتَان { عُصْبَة مِنْكُمْ } يَقُول : جَمَاعَة مِنْكُمْ أَيّهَا النَّاس . { لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْر لَكُمْ } يَقُول : لَا تَظُنُّوا مَا جَاءُوا بِهِ مِنَ الْإِفْك شَرًّا لَكُمْ عِنْد اللَّه وَعِنْد النَّاس , بَلْ ذَلِكَ خَيْر لَكُمْ عِنْده وَعِنْد الْمُؤْمِنِينَ ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه يَجْعَل ذَلِكَ كَفَّارَة لِلْمَرْمِيِّ بِهِ , وَيُظْهِر بَرَاءَته مِمَّا رُمِيَ بِهِ , وَيَجْعَل لَهُ مِنْهُ مَخْرَجًا . وَقِيلَ : إِنَّ الَّذِي عَنَى اللَّه بِقَوْلِهِ : { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَة مِنْكُمْ } : جَمَاعَة , مِنْهُمْ حَسَّان بْن ثَابِت , وَمِسْطَح بْن أُثَاثَة , وَحَمْنَة بِنْت جَحْش . كَمَا : 19548 - حَدَّثَنَا عَبْد الْوَارِث بْن عَبْد الصَّمَد , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثنا أَبَان الْعَطَّار , قَالَ : ثنا هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ عُرْوَة : أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان : كَتَبْت إِلَيَّ تَسْأَلنِي فِي الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ , وَهُمْ كَمَا قَالَ اللَّه : { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَة مِنْكُمْ } وَأَنَّهُ لَمْ يُسَمَّ مِنْهُمْ أَحَد إِلَّا حَسَّان بْن ثَابِت , وَمِسْطَح بْن أُثَاثَة , وَحَمْنَة بِنْت جَحْش , وَهُوَ يُقَال فِي آخَرِينَ لَا عِلْم لِي بِهِمْ ; غَيْر أَنَّهُمْ عُصْبَة كَمَا قَالَ اللَّه . 19549 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَة مِنْكُمْ } هُمْ أَصْحَاب عَائِشَة . قَالَ ابْن جُرَيْج : قَالَ ابْن عَبَّاس : قَوْله : { جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَة مِنْكُمْ } . .. الْآيَة , الَّذِينَ افْتَرَوْا عَلَى عَائِشَة : عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ , وَهُوَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْره , وَحَسَّان بْن ثَابِت , وَمِسْطَح , وَحَمْنَة بِنْت جَحْش . 19550 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَة مِنْكُمْ } الَّذِينَ قَالُوا لِعَائِشَة الْإِفْك وَالْبُهْتَان . 19551 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَة مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْر لَكُمْ } قَالَ : الشَّرّ لَكُمْ بِالْإِفْكِ الَّذِي قَالُوا , الَّذِي تَكَلَّمُوا بِهِ , كَانَ شَرًّا لَهُمْ , وَكَانَ فِيهِمْ مَنْ لَمْ يَقُلْهُ إِنَّمَا سَمِعَهُ , فَعَاتَبَهُمْ اللَّه , فَقَالَ أَوَّل شَيْء : { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَة مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْر لَكُمْ } ثُمَّ قَالَ : { وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْره مِنْهُمْ لَهُ عَذَاب عَظِيم } . وَقَوْله : { لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْم } يَقُول : لِكُلِّ امْرِئٍ مِنَ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ جَزَاء مَا اجْتَرَمَ مِنَ الْإِثْم , بِمَجِيئِهِ بِمَا جَاءَ بِهِ , مِنَ الْأُولَى عَبْد اللَّه . وَقَوْله : { وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْره مِنْهُمْ } يَقُول : وَالَّذِي تَحَمَّلَ مُعْظَم ذَلِكَ الْإِثْم وَالْإِفْك مِنْهُمْ هُوَ الَّذِي بَدَأَ بِالْخَوْضِ فِيهِ . كَمَا : 19552 - حَدَّثَنَا عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْره مِنْهُمْ } يَقُول : الَّذِي بَدَأَ بِذَلِكَ . 19553 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { عُصْبَة مِنْكُمْ } قَالَ : أَصْحَاب عَائِشَة ; عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ ابْن سَلُول , وَمِسْطَح , وَحَسَّان . قَالَ أَبُو جَعْفَر : لَهُ مِنَ اللَّه عَذَاب عَظِيم يَوْم الْقِيَامَة . وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { كِبْره } فَقَرَأَتْ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار : { كِبْره } بِكَسْرِ الْكَاف , سِوَى حُمَيْد الْأَعْرَج فَإِنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ : " كُبْره " بِمَعْنَى : وَالَّذِي تَحَمَّلَ أَكْبَره . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ : الْقِرَاءَة الَّتِي عَلَيْهَا عَوَامّ الْقُرَّاء , وَهِيَ كَسْر الْكَاف ; لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنَ الْقُرَّاء عَلَيْهَا , وَأَنَّ الْكِبْر بِالْكَسْرِ : مَصْدَر الْكَبِير مِنَ الْأُمُور , وَأَنَّ الْكُبْر بِضَمِّ الْكَاف : إِنَّمَا هُوَ مِنَ الْوَلَاء وَالنَّسَب , مِنْ قَوْلهمْ : هُوَ كُبْر قَوْمه ; وَالْكِبْر فِي هَذَا الْمَوْضِع : هُوَ مَا وَصَفْنَاهُ مِنْ مُعْظَم الْإِثْم وَالْإِفْك . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَالْكَسْر فِي كَافه هُوَ الْكَلَام الْفَصِيح دُون ضَمّهَا , وَإِنْ كَانَ لِضَمِّهَا وَجْه مَفْهُوم . وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ : { وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْره مِنْهُمْ } ... الْآيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ حَسَّان بْن ثَابِت . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19544 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن قَزَعَة , قَالَ : ثنا مَسْلَمَة بْن عَلْقَمَة , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عَامِر , أَنَّ عَائِشَة قَالَتْ : مَا سَمِعْت بِشَيْءٍ أَحْسَن مِنْ شِعْر حَسَّان , وَمَا تَمَثَّلْت بِهِ إِلَّا رَجَوْت لَهُ الْجَنَّة , قَوْله لِأَبِي سُفْيَان : هَجَوْت مُحَمَّدًا فَأَجَبْت عَنْهُ وَعِنْد اللَّه فِي ذَاكَ الْجَزَاء فَإِنَّ أَبِي وَوَالِده وَعِرْضِي لِعِرْضِ مُحَمَّد مِنْكُمْ وِقَاء أَتَشْتُمُهُ وَلَسْت لَهُ بِكُفْءٍ فَشَرّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الْفِدَاء لِسَانِي صَارِم لَا عَيْب فِيهِ وَبَحْرِي لَا تُكَدِّرهُ الدِّلَاء فَقِيلَ : يَا أُمّ الْمُؤْمِنِينَ , أَلَيْسَ هَذَا لَغْوًا ؟ قَالَتْ ; لَا , إِنَّمَا اللَّغْو مَا قِيلَ عِنْد النِّسَاء . قِيلَ : أَلَيْسَ اللَّه يَقُول : { وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْره مِنْهُمْ لَهُ عَذَاب عَظِيم } قَالَتْ : أَلَيْسَ قَدْ أَصَابَهُ عَذَاب عَظِيم ؟ أَلَيْسَ قَدْ ذَهَبَ بَصَره وَكُنِّعَ بِالسَّيْفِ ؟ . 19555 - قَالَ : ثنا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمَّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي الضُّحَى , عَنْ مَسْرُوق قَالَ : كُنْت عِنْد عَائِشَة , فَدَخَلَ حَسَّان بْن ثَابِت , فَأَمَرَتْ , فَأُلْقِيَ لَهُ وِسَادَة ; فَلَمَّا خَرَجَ قُلْت لِعَائِشَة : مَا تَصْنَعِينَ بِهَذَا وَقَدْ قَالَ اللَّه مَا قَالَ ؟ فَقَالَتْ : قَالَ اللَّه : { وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْره مِنْهُمْ لَهُ عَذَاب عَظِيم } وَقَدْ ذَهَبَ بَصَره , وَلَعَلَّ اللَّه يَجْعَل ذَلِكَ الْعَذَاب الْعَظِيم ذَهَاب بَصَره . 19556 -حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ شُعْبَة , عَنْ سُلَيْمَان , عَنْ أَبِي الضُّحَى , عَنْ مَسْرُوق , قَالَ : دَخَلَ حَسَّان بْن ثَابِت عَلَى عَائِشَة , فَشَبَّبَ بِأَبْيَاتٍ لَهُ , فَقَالَ : وَتُصْبِح غَرْثَى مِنْ لُحُوم الْغَوَافِل فَقَالَتْ عَائِشَة : أَمَا إِنَّك لَسْت كَذَلِكَ ! فَقُلْت : تَدْعِينَ هَذَا الرَّجُل يَدْخُل عَلَيْك وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّه فِيهِ : { وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْره } ... الْآيَة ؟ فَقَالَتْ : وَأَيّ عَذَاب أَشَدّ مِنْ الْعَمَى ! وَقَالَتْ : إِنَّهُ كَانَ يَدْفَع عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 19557 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُثْمَان الْوَاسِطِيّ , قَالَ : ثنا جَعْفَر بْن عَوْن , عَنِ الْمُعَلَّى بْن عِرْفَان , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن جَحْش , قَالَ : تَفَاخَرَتْ عَائِشَة وَزَيْنَب , قَالَ : فَقَالَتْ زَيْنَب : أَنَا الَّتِي نَزَلَ تَزْوِيجِي مِنَ السَّمَاء . قَالَ : وَقَالَتْ عَائِشَة : أَنَا الَّتِي نَزَلَ عُذْرِي فِي كِتَابه حِين حَمَلَنِي ابْن الْمُعَطَّل عَلَى الرَّاحِلَة . فَقَالَتْ لَهَا زَيْنَب : يَا عَائِشَة , مَا قُلْت حِين رَكِبْتِيهَا ؟ قَالَتْ : قُلْت : حَسْبِي اللَّه وَنِعْمَ الْوَكِيل ! قَالَتْ : قُلْت كَلِمَة الْمُؤْمِنِينَ . وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ ابْن سَلُول . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19558 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَائِشَة , قَالَتْ : كَانَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا فِيهِ : الْمُنَافِق عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ ابْن سَلُول , وَكَانَ يَسْتَوْشِيه وَيَجْمَعهُ , وَهُوَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْره , وَمِسْطَحًا , وَحَسَّان بْن ثَابِت . 19559 - حَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بِشْر , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن حَاطِب , عَنْ عَلْقَمَة بْن وَقَّاص وَغَيْره أَيْضًا , قَالُوا : قَالَتْ عَائِشَة : كَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْره الَّذِي يَجْمَعهُمْ فِي بَيْته , عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ ابْن سَلُول . * - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنِ ابْن شِهَاب , قَالَ : ثني عُرْوَة بْن الزُّبَيْر , وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب , وَعَلْقَمَة بْن وَقَّاص , وَعُبَيْد اللَّه بْن عُتْبَة , عَنْ عَائِشَة , قَالَتْ : كَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْره : عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ . 19560 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا } ... الْآيَة , الَّذِينَ افْتَرَوْا عَلَى عَائِشَة : عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ , وَهُوَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْره , وَحَسَّان , وَمِسْطَح , وَحَمْنَة بِنْت جَحْش . 19561 -حَدَّثَنَا عَبْد الْوَارِث بْن عَبْد الصَّمَد , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثنا أَبَان الْعَطَّار , قَالَ : ثنا هِشَام بْن عُرْوَة فِي الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ : يَزْعُمُونَ أَنَّهُ كَانَ كِبْرُ ذَلِكَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ ابْن سَلُول , أَحَد بَنِي عَوْف بْن الْخَرْزَج ; وَأَخْبَرَتْ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّث بِهِ عَنْهُمْ فَيُقِرّهُ وَيَسْمَعهُ وَيَسْتَوْشِيه . 19562 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : أَمَّا الَّذِي تَوَلَّى كِبْره مِنْهُمْ , فَعَبْد اللَّه بْن أُبَيّ ابْن سَلُول الْخَبِيث , هُوَ الَّذِي ابْتَدَأَ هَذَا الْكَلَام , وَقَالَ : امْرَأَة نَبِيّكُمْ بَاتَتْ مَعَ رَجُل حَتَّى أَصْبَحَتْ , ثُمَّ جَاءَ يَقُود بِهَا . 19563 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْره هُوَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ ابْن سَلُول , وَهُوَ بَدَأَهُ . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ : قَوْل مَنْ قَالَ : الَّذِي تَوَلَّى كِبْره مِنْ عُصْبَة الْإِفْك , كَانَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ , وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا خِلَاف بَيْن أَهْل الْعِلْم بِالسِّيَرِ , أَنَّ الَّذِي بَدَأَ بِذِكْرِ الْإِفْك , وَكَانَ يَجْمَع أَهْله وَيُحَدِّثهُمْ , عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ ابْن سَلُول , وَفِعْله ذَلِكَ عَلَى مَا وَصَفْت كَانَ تَوَلِّيه كِبْر ذَلِكَ الْأَمْر . وَكَانَ سَبَب مَجِيء أَهْل الْإِفْك , مَا : 19564 - حَدَّثَنَا بِهِ ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ مُحَمَّد بْن مُسْلِم بْن عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن شِهَاب , ثني عُرْوَة بْن الزُّبَيْر , وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب , وَعَلْقَمَة بْن وَقَّاص , وَعُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن عُتْبَة بْن مَسْعُود , عَنْ حَدِيث عَائِشَة زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , حِين قَالَ لَهَا أَهْل الْإِفْك مَا قَالُوا , فَبَرَّأَهَا اللَّه , وَكُلّهمْ حَدَّثَنِي طَائِفَة مِنْ حَدِيثهَا , وَبَعْضهمْ كَانَ أَوْعَى لِحَدِيثِهَا مِنْ بَعْض , وَأَثْبَت اقْتِصَاصًا , وَقَدْ وَعَيْت عَنْ كُلّ رَجُل مِنْهُمُ الْحَدِيث الَّذِي حَدَّثَنِي عَنْ عَائِشَة , وَبَعْض حَدِيثهمْ يُصَدِّق بَعْضًا : زَعَمُوا أَنَّ عَائِشَة زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْن نِسَائِهِ , فَأَيَّتهنَّ خَرَجَ سَهْمهَا خَرَجَ بِهَا . قَالَتْ عَائِشَة : فَأَقْرَعَ بَيْننَا فِي غَزَاة غَزَاهَا , فَخَرَجَ سَهْمِي , فَخَرَجْت مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَذَلِكَ بَعْدَمَا أُنْزِلَ الْحِجَاب , وَأَنَا أُحْمَل فِي هَوْدَجِي وَأُنْزَل فِيهِ , فَسِرْنَا , حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوه وَقَفَلَ إِلَى الْمَدِينَة , آذَنَ لَيْلَة بِالرَّحِيلِ , فَقُمْت حِين آذَنُوا بِالرَّحِيلِ , فَمَشَيْت حَتَّى جَاوَزْت الْجَيْش ; فَلَمَّا قَضَيْت شَأْنِي , أَقْبَلْت إِلَى الرَّحْل , فَلَمَسْت صَدْرِي , فَإِذَا عِقْد لِي مِنْ جَزْع ظَفَار قَدْ انْقَطَعَ , فَرَجَعْت فَالْتَمَسْت عِقْدِي , فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ . وَأَقْبَلَ الرَّهْط الَّذِينَ كَانُوا يَرْحَلُونَ لِي , فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي , فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْت أَرْكَب , وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ . قَالَتْ : وَكَانَتْ النِّسَاء إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يُهَبِّلهُنَّ وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْم , إِنَّمَا يَأْكُلْنَ الْعُلْقَة مِنَ الطَّعَام . فَلَمْ يَسْتَنْكِر الْقَوْم ثِقَل الْهَوْدَج حِين رَحَلُوهُ وَرَفَعُوهُ , وَكُنْت جَارِيَة حَدِيثَة السِّنّ , فَبَعَثُوا الْجَمَل وَسَارُوا , فَوَجَدْت عِقْدِي بَعْدَمَا اسْتَمَرَّ الْجَيْش , فَجِئْت مَنَازِلهمْ وَلَيْسَ بِهَا دَاعٍ وَلَا مُجِيب , فَتَيَمَّمْت مَنْزِلِي الَّذِي كُنْت فِيهِ , وَظَنَنْت أَنَّ الْقَوْم سَيَفْقِدُونَنِي وَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ , فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَة فِي مَنْزِلِي , غَلَبَتْنِي عَيْنِي , فَنِمْت حَتَّى أَصْبَحْت , وَكَانَ صَفْوَان بْن الْمُعَطَّل السُّلَمِيّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيّ , قَدْ عَرَّسَ مِنْ وَرَاء الْجَيْش , فَادَّلَجَ فَأَصْبَحَ عِنْد مَنْزِلِي , فَرَأَى سَوَاد إِنْسَان نَائِم , فَأَتَانِي , فَعَرَفَنِي حِين رَآنِي , وَكَانَ يَرَانِي قَبْل أَنْ يُضْرَب الْحِجَاب عَلَيَّ , فَاسْتَيْقَظْت بِاسْتِرْجَاعِهِ حِين عَرَفَنِي , فَخَمَّرْت وَجْهِي بِجِلْبَابِي , وَاللَّه مَا تَكَلَّمْت بِكَلِمَةٍ وَلَا سَمِعْت مِنْهُ كَلِمَة غَيْر اسْتِرْجَاعه ! حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَته , فَوَطِئَ عَلَى يَدَيْهَا فَرَكِبْتهَا , فَانْطَلَقَ يَقُود بِي الرَّاحِلَة , حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْش بَعْدَمَا نَزَلُوا مُوغِرِينَ فِي نَحْر الظَّهِيرَة , فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ فِي شَأْنِي , وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْره عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ ابْن سَلُول , فَقَدِمْنَا الْمَدِينَة , فَاشْتَكَيْت شَهْرًا , وَالنَّاس يُفِيضُونَ فِي قَوْل أَهْل الْإِفْك وَلَا أَشْعُر بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ , وَهُوَ يَرِيبنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لَا أَعْرِف مِنْ رَسُول اللَّه اللَّه اللُّطْف الَّذِي كُنْت أَرَى مِنْهُ حِين أَشْتَكِي , إِنَّمَا يَدْخُل فَيُسَلِّم ثُمَّ يَقُول : " كَيْفَ تِيكُمْ ؟ " فَذَلِكَ يَرِيبنِي , وَلَا أَشْعُر بِالشَّرِّ , حَتَّى خَرَجْت بَعْدَمَا نَقَهْت , فَخَرَجْت مَعَ أُمّ مِسْطَح قِبَل الْمَنَاصِع , وَهُوَ مُتَبَرَّزنَا , وَلَا نَخْرُج إِلَّا لَيْلًا إِلَى لَيْل , وَذَلِكَ قَبْل أَنْ نَتَّخِذ الْكُنُف قَرِيبًا مِنْ بُيُوتنَا , وَأَمْرنَا أَمْر الْعَرَب الْأُوَل فِي التَّنَزُّه , وَكُنَّا نَتَأَذَّى بِالْكُنُفِ أَنْ نَتَّخِذهَا عِنْد بُيُوتنَا , فَانْطَلَقْت أَنَا وَأُمّ مِسْطَح , وَهِيَ ابْنَة أَبِي رُهْم بْن عَبْد الْمُطَّلِب بْن عَبْد مَنَاف , وَأُمّهَا ابْنَة صَخْر بْن عَامِر , خَالَة أَبِي بَكْر الصِّدِّيق , وَابْنهَا مِسْطَح بْن أُثَاثَة بْن عَبَّاد بْن الْمُطَّلِب . فَأَقْبَلْت أَنَا وَابْنَة أَبِي رُهْم قِبَل بَيْتِي حِين فَرَغْنَا مِنْ شَأْننَا , فَعَثَرَتْ أُمّ مِسْطَح فِي مِرْطهَا , فَقَالَتْ : تَعِسَ مِسْطَح ! فَقُلْت لَهَا : بِئْسَ مَا قُلْت ! أَتَسُبِّينَ رَجُلًا قَدْ شَهِدَ بَدْرًا ؟ فَقَالَتْ أَيْ هَنْتَاه , أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ ؟ قُلْت : وَمَا قَالَ ؟ فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْل الْإِفْك , فَازْدَدْت مَرَضًا عَلَى مَرَضِي , فَلَمَّا رَجَعْت إِلَى مَنْزِلِي , وَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ قَالَ : " كَيْف تِيكُمْ ؟ " فَقُلْت : أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِي أَبَوَيَّ ؟ قَالَ : " نَعَمْ " . قَالَتْ : وَأَنَا حِينَئِذٍ أُرِيد أَنْ أَسْتَثْبِت الْخَبَر مِنْ قِبَلهمَا , فَأَذِنَ لِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَجِئْت أَبَوَيَّ , فَقُلْت لِأُمِّي : أَيْ أُمَّتَاهُ , مَاذَا يَتَحَدَّث النَّاس ؟ فَقَالَتْ : أَيْ بُنَيَّة , هَوِّنِي عَلَيْك ! فَوَاللَّهِ لَقَلَّمَا كَانَتْ امْرَأَة قَطُّ وَضِيئَة عِنْد رَجُل يُحِبّهَا وَلَهَا ضَرَائِر , إِلَّا أَكْثَرْنَ عَلَيْهَا . قَالَتْ : قُلْت : سُبْحَان اللَّه , أَوَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاس بِهَذَا وَبَلَغَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ , فَبَكَيْت تِلْكَ اللَّيْلَة حَتَّى أَصْبَحْت لَا يَرْقَأ لِي دَمْع وَلَا أَكْتَحِل بِنَوْمٍ , ثُمَّ أَصْبَحْت , فَدَخَلَ عَلَيَّ أَبُو بَكْر وَأَنَا أَبْكِي , فَقَالَ لِأُمِّي : مَا يُبْكِيهَا ؟ قَالَتْ : لَمْ تَكُنْ عَلِمَتْ مَا قِيلَ لَهَا , فَأَكَبَّ يَبْكِي , فَبَكَى سَاعَة , ثُمَّ قَالَ : اسْكُتِي يَا بُنَيَّة ! فَبَكَيْت يَوْمِي ذَلِكَ لَا يَرْقَأ لِي دَمْع وَلَا أَكْتَحِل بِنَوْمٍ , ثُمَّ بَكَيْت لَيْلِي الْمُقْبِل لَا يَرْقَأ لِي دَمْع وَلَا أَكْتَحِل بِنَوْمٍ , ثُمَّ بَكَيْت لَيْلَتِي الْمُقْبِلَة لَا يَرْقَأ لِي دَمْع وَلَا أَكْتَحِل بِنَوْمٍ , حَتَّى ظَنَّ أَبَوَايَ أَنَّ الْبُكَاء سَيَفْلِقُ كَبِدِي . فَدَعَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَأُسَامَة بْن زَيْد , حِين اسْتَلْبَثَ الْوَحْي , يَسْتَشِيرهُمَا فِي فِرَاق أَهْله ; قَالَتْ : فَأَمَّا أُسَامَة , فَأَشَارَ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالَّذِي يَعْلَم مِنْ بَرَاءَة أَهْله وَبِالَّذِي فِي نَفْسه مِنَ الْوُدّ , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , هُمْ أَهْلك , وَلَا نَعْلَم إِلَّا خَيْرًا . وَأَمَّا عَلِيّ فَقَالَ : لَمْ يُضَيِّق اللَّه عَلَيْك , وَالنِّسَاء سِوَاهَا كَثِير , وَإِنْ تَسْأَل الْجَارِيَة تَصْدُقك , يَعْنِي بَرِيرَة , فَدَعَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِيرَة , فَقَالَ : " هَلْ رَأَيْت مِنْ شَيْء يَرِيبك مِنْ عَائِشَة ؟ " قَالَتْ لَهُ بَرِيرَة : وَالَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ , مَا رَأَيْت عَلَيْهَا أَمْرًا قَطُّ أَغْمِصهُ عَلَيْهَا , أَكْثَر مِنْ أَنَّهَا حَدِيثَة السِّنّ تَنَام عَنْ عَجِين أَهْلهَا فَتَأْتِي الدَّاجِن فَتَأْكُلهُ ! فَقَامَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا , فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْله , ثُمَّ قَالَ : " مَنْ يَعْذِرنِي مِمَّنْ قَدْ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي ؟ " يَعْنِي عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ ابْن سَلُول , وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَر أَيْضًا : " يَا مَعْشَر الْمُسْلِمِينَ , مَنْ يَعْذِرنِي مِنْ رَجُل قَدْ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي ؟ فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْت عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا , وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْت عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا , وَمَا كَانَ يَدْخُل عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي ! " فَقَامَ سَعْد بْن مُعَاذ الْأَنْصَارِيّ , فَقَالَ : أَنَا أَعْذِرك مِنْهُ يَا رَسُول اللَّه , إِنْ كَانَ مِنَ الْأَوْس ضَرَبْنَا عُنُقه , وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَاننَا الْخَزْرَج أَمَرْتنَا فَفَعَلْنَا أَمْرك , فَقَامَ سَعْد بْن عُبَادَة , فَقَالَ , وَهُوَ سَيِّد الْخَزْرَج , وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا , وَلَكِنْ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّة , فَقَالَ : أَيْ سَعْد بْن مُعَاذ , لَعَمْر اللَّه لَا تَقْتُلهُ , وَلَا تَقْدِر عَلَى قَتْله ! فَقَامَ أُسَيْد بْن حُضَيْر , وَهُوَ ابْن عَمَّة سَعْد بْن مُعَاذ , فَقَالَ لِسَعْدِ بْن عُبَادَة : كَذَبْت , لَعَمْر اللَّه لَنَقْتُلَنَّهُ , فَإِنَّك مُنَافِق تُجَادِل عَنْ الْمُنَافِقِينَ ! فَثَارَ الْحَيَّانِ : الْأَوْس وَالْخَزْرَج , حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا , وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِم عَلَى الْمِنْبَر , فَلَمْ يَزَلْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا , ثُمَّ أَتَانِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا فِي بَيْت أَبَوَيَّ , فَبَيْنَا هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي , اسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَة مِنَ الْأَنْصَار , فَأَذِنْت لَهَا , فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي ; قَالَتْ : فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ جَلَسَ عِنْدِي , وَلَمْ يَجْلِس عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ مَا قِيلَ , وَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لَا يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي بِشَيْءٍ ; قَالَتْ : فَتَشَهَّدَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين جَلَسَ , ثُمَّ قَالَ : " أَمَّا بَعْد يَا عَائِشَة فَإِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْك كَذَا وَكَذَا , فَإِنْ كُنْت بَرِيئَة فَسَيُبَرِّئُك اللَّه , وَإِنْ كُنْت أَلْمَمْت بِذَنْبٍ , فَاسْتَغْفِرِي اللَّه , وَتُوبِي إِلَيْهِ , فَإِنَّ الْعَبْد إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّه عَلَيْهِ " . فَلَمَّا قَضَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَته , قَلَصَ دَمْعِي , حَتَّى مَا أُحِسّ مِنْهُ دَمْعَة ; قُلْت لِأَبِي : أَجِبْ عَنِّي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا قَالَ ! قَالَ : وَاللَّه مَا أَدْرِي مَا أَقُول لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت لِأُمِّي : أَجِيبِي عَنِّي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ! قَالَتْ : وَاللَّه مَا أَدْرِي مَا أَقُول لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت وَأَنَا جَارِيَة حَدِيثَة السِّنّ لَا أَقْرَأ كَثِيرًا مِنْ الْقُرْآن : إِنِّي وَاللَّه لَقَدْ عَرَفْت أَنْ قَدْ سَمِعْتُمْ بِهَذَا , حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسكُمْ , حَتَّى كِدْتُمْ أَنْ تُصَدِّقُوا بِهِ , فَإِنْ قُلْت لَكُمْ : إِنِّي بَرِيئَة وَاللَّه يَعْلَم أَنِّي بَرِيئَة , لَا تُصَدِّقُونِي بِذَلِكَ , وَلَئِنْ اعْتَرَفْت لَكُمْ بِأَمْرٍ وَاللَّه يَعْلَم أَنِّي مِنْهُ بَرِيئَة , لَتُصَدِّقنِي , وَإِنِّي وَاللَّه مَا أَجِد لِي وَلَكُمْ مَثَلًا إِلَّا كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُف : { وَاللَّه الْمُسْتَعَان عَلَى مَا تَصِفُونَ } 12 18 ثُمَّ تَوَلَّيْت وَاضْطَجَعْت عَلَى فِرَاشِي , وَأَنَا وَاللَّه أَعْلَم أَنِّي بَرِيئَة وَأَنَّ اللَّه سَيُبَرِّئُنِي بِبَرَاءَتِي , وَلَكِنِّي وَاللَّه مَا كُنْت أَظُنّ أَنْ يَنْزِل فِي شَأْنِي وَحْي يُتْلَى , وَلَشَأْنِي كَانَ أَحْقَر فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يَتَكَلَّم اللَّه فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى , وَلَكِنْ كُنْت أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَام رُؤْيَا يُبَرِّئنِي اللَّه بِهَا . قَالَتْ : وَاللَّه مَا رَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسه وَلَا خَرَجَ مِنَ الْبَيْت أَحَد حَتَّى أَنْزَلَ اللَّه عَلَى نَبِيّه , فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذهُ مِنَ الْبُرَحَاء عِنْد الْوَحْي , حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّر مِنْهُ مِثْل الْجُمَان مِنَ الْعَرَق فِي الْيَوْم الشَّاتِي مِنْ ثِقَل الْقَوْل الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ . قَالَتْ : فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَضْحَك , كَانَ أَوَّل كَلِمَة تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ : " أَبْشِرِي يَا عَائِشَة , إِنَّ اللَّه قَدْ بَرَّأَك ! " فَقَالَتْ لِي أُمِّي , قُومِي إِلَيْهِ ! فَقُلْت : وَاللَّه لَا أَقُوم إِلَيْهِ , وَلَا أَحْمَد إِلَّا اللَّه , هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي . فَأَنْزَلَ اللَّه : { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَة مِنْكُمْ } عَشْر آيَات , فَأَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَات بَرَاءَة لِي . قَالَتْ : فَقَالَ أَبُو بَكْر , وَكَانَ يُنْفِق عَلَى مِسْطَح لِقَرَابَتِهِ وَفَقْره : وَاللَّه لَا أُنْفِق عَلَيْهِ شَيْئًا أَبَدًا بَعْد الَّذِي قَالَ لِعَائِشَة ! قَالَتْ : فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْل مِنْكُمْ وَالسَّعَة } 24 22 . حَتَّى بَلَغَ : { غَفُور رَحِيم } 24 22 فَقَالَ أَبُو بَكْر : إِنِّي لَأُحِبّ أَنْ يَغْفِر اللَّه لِي , فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَح النَّفَقَة الَّتِي كَانَ يُنْفِق عَلَيْهِ , وَقَالَ : لَا أَنْزِعهَا مِنْهُ أَبَدًا . قَالَتْ عَائِشَة : وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَل زَيْنَب بِنْت جَحْش عَنْ أَمْرِي وَمَا رَأَتْ وَمَا سَمِعَتْ , فَقَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه , أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي , وَاللَّه مَا رَأَيْت إِلَّا خَيْرًا . قَالَتْ عَائِشَة : وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي , فَعَصَمَهَا اللَّه بِالْوَرَعِ , وَطَفِقَتْ أُخْتهَا حَمْنَة تُحَارِب فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ . قَالَ الزُّهْرِيّ بْن شِهَاب : هَذَا الَّذِي انْتَهَى إِلَيْنَا مِنْ أَمْر هَؤُلَاءِ الرَّهْط . * - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , عَنِ الزُّهْرِيّ , وَعَنْ عَلْقَمَة بْن وَقَّاص اللَّيْثِيّ , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , وَعَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر , وَعَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عُتْبَة بْن مَسْعُود . قَالَ الزُّهْرِيّ : كُلّ قَدْ حَدَّثَنِي بَعْض هَذَا الْحَدِيث , وَبَعْض الْقَوْم كَانَ لَهُ أَوْعَى مِنْ بَعْض , قَالَ : وَقَدْ جَمَعْت لَك كُلّ الَّذِي قَدْ حَدَّثَنِي . وَحَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة ; قَالَ : وثني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن عَبَّاد بْن عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَائِشَة . قَالَ : ثني عَبْد اللَّه بْن بَكْر بْن مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن حَزْم الْأَنْصَارِيّ , عَنْ عَمْرَة بِنْت عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ عَائِشَة قَالَتْ ; وَكُلّ قَدْ اجْتَمَعَ فِي حَدِيثه قِصَّة خَبَر عَائِشَة عَنْ نَفْسهَا , حِين قَالَ أَهْل الْإِفْك فِيهَا مَا قَالُوا , وَكُلّه قَدْ دَخَلَ فِي حَدِيثهَا عَنْ هَؤُلَاءِ جَمِيعًا , وَيُحَدِّث بَعْضهمْ مَا لَمْ يُحَدِّث بَعْض , وَكُلّ كَانَ عَنْهَا ثِقَة , وَكُلّ قَدْ حَدَّثَ عَنْهَا مَا سَمِعَ . قَالَتْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْن نِسَائِهِ , فَأَيَّتهنَّ خَرَجَ سَهْمهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ . فَلَمَّا كَانَتْ غَزَاة بَنِي الْمُصْطَلِق , أَقْرَعَ بَيْن نِسَائِهِ كَمَا كَانَ يَصْنَع , فَخَرَجَ سَهْمِي عَلَيْهِنَّ , فَخَرَجَ بِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ . قَالَتْ : وَكَانَ النِّسَاء إِذْ ذَاكَ إِنَّمَا يَأْكُلْنَ الْعُلَق لَمْ يُهَيِّجهُنَّ اللَّحْم فَيَثْقُلْنَ . قَالَتْ : وَكُنْت إِذَا رَحَلَ بَعِيرِي جَلَسْت فِي هَوْدَجِي , ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْم الَّذِينَ يَرْحَلُونَ بِي بَعِيرِي وَيَحْمِلُونِي , فَيَأْخُذُونَ بِأَسْفَل الْهَوْدَج يَرْفَعُونَهُ فَيَضَعُونَهُ عَلَى ظَهْر الْبَعِير , فَيَنْطَلِقُونَ بِهِ . قَالَتْ : فَلَمَّا فَرَغَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَفَره ذَلِكَ وَجَّهَ قَافِلًا , حَتَّى إِذَا كَانَ قَرِيبًا مِنَ الْمَدِينَة , نَزَلَ مَنْزِلًا فَبَاتَ بَعْض اللَّيْل , ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاس بِالرَّحِيلِ . فَلَمَّا ارْتَحَلَ النَّاس , خَرَجْت لِبَعْضِ حَاجَتِي وَفِي عُنُقِي عِقْد لِي مِنْ جَزْع ظَفَار , فَلَمَّا فَرَغْت انْسَلَّ مِنْ عُنُقِي وَمَا أَدْرِي ; فَلَمَّا رَجَعْت إِلَى الرَّحْل ذَهَبْت أَلْتَمِسهُ فِي عُنُقِي فَلَمْ أَجِدهُ , وَقَدْ أَخَذَ النَّاس فِي الرَّحِيل . قَالَتْ : فَرَجَعْت عَوْدِي إِلَى بَدْئِي , إِلَى الْمَكَان الَّذِي ذَهَبْت إِلَيْهِ , فَالْتَمَسْته حَتَّى وَجَدْته ; وَجَاءَ الْقَوْم خِلَافِي الَّذِينَ كَانُوا يَرْحَلُونَ بِي الْبَعِير . ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو حَدِيث ابْن عَبْد الْأَعْلَى , عَنْ ابْن ثَوْر . 19565 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا , قَالَتْ : لَمَّا ذُكِرَ مِنْ شَأْنِي الَّذِي ذُكِرَ وَمَا عَلِمْت بِهِ , قَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا وَمَا عَلِمْت , فَتَشَهَّدَ , فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْله , ثُمَّ قَالَ : " أَمَّا بَعْد أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي أُنَاس أَبَنُوا أَهْلِي وَاللَّه مَا عَلِمْت عَلَى أَهْلِي سُوءًا قَطُّ , وَأَبَنُوهُمْ بِمَنْ وَاللَّه مَا عَلِمْت عَلَيْهِ سُوءًا قَطُّ , وَلَا دَخَلَ بَيْتِي قَطُّ إِلَّا وَأَنَا حَاضِر , وَلَا أَغِيب فِي سَفَر إِلَّا غَابَ مَعِي " فَقَامَ سَعْد بْن مُعَاذ فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , نَرَى أَنْ نَضْرِب أَعْنَاقهمْ ! فَقَامَ رَجُل مِنَ الْخَزْرَج , وَكَانَتْ أُمّ حَسَّان بْن ثَابِت مِنْ رَهْط ذَلِكَ الرَّجُل , فَقَالَ : كَذَبْت , أَمَا وَاللَّه لَوْ كَانُوا مِنْ الْأَوْس مَا أَحْبَبْت أَنْ تَضْرِب أَعْنَاقهمْ ! حَتَّى كَادَ أَنْ يَكُون بَيْن الْأَوْس وَالْخَزْرَج فِي الْمَسْجِد شَرّ ; وَمَا عَلِمْت بِهِ . فَلَمَّا كَانَ مَسَاء ذَلِكَ الْيَوْم , خَرَجْت لِبَعْضِ حَاجَتِي وَمَعِي أُمّ مِسْطَح , فَعَثَرَتْ , فَقَالَتْ : تَعِسَ مِسْطَح ! فَقُلْت عَلَامَ تَسُبِّينَ ابْنك ؟ فَسَكَتَتْ , ثُمَّ عَثَرَتْ الثَّانِيَة , فَقَالَتْ : تَعِسَ مِسْطَح ! قُلْت : عَلَامَ تَسُبِّينَ ابْنك ؟ فَسَكَتَتْ الثَّانِيَة , ثُمَّ عَثَرَتْ الثَّالِثَة , فَقَالَتْ : تَعِسَ مِسْطَح ! فَانْتَهَرْتهَا , وَقُلْت : عَلَامَ تَسُبِّينَ ابْنك ؟ قَالَتْ : وَاللَّه مَا أَسُبّهُ إِلَّا فِيك , قُلْت : فِي أَيّ شَأْنِي , فَبَقَرَتْ لِي الْحَدِيث , فَقُلْت : وَقَدْ كَانَ هَذَا ؟ قَالَتْ : نَعَمْ وَاللَّه . قَالَتْ : فَرَجَعْت إِلَى بَيْتِي فَكَأَنَّ الَّذِي خَرَجْت لَهُ لَمْ أَخْرُج لَهُ , وَلَا أَجِد مِنْهُ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا . وَوُعِكْت , فَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه , أَرْسِلْنِي إِلَى بَيْت أَبِي ! فَأَرْسَلَ مَعِي الْغُلَام , فَدَخَلْت الدَّار فَإِذَا أَنَا بِأُمِّي أُمّ رُومَان , قَالَتْ : مَا جَاءَ بِك يَا بُنَيَّة ؟ فَأَخْبَرْتهَا , فَقَالَتْ : خَفِّضِي عَلَيْك الشَّأْن , فَإِنَّهُ وَاللَّه مَا كَانَتْ امْرَأَة جَمِيلَة عِنْد رَجُل يُحِبّهَا وَلَهَا ضَرَائِر إِلَّا حَسَدْنَهَا وَقُلْنَ فِيهَا . قُلْت : وَقَدْ عَلِمَ بِهَا أَبِي ؟ قَالَتْ : نَعَمْ . قُلْت : وَرَسُول اللَّه ؟ قَالَتْ : نَعَمْ . فَاسْتَعْبَرْت وَبَكَيْت , فَسَمِعَ أَبُو بَكْر صَوْتِي وَهُوَ فَوْق الْبَيْت يَقْرَأ , فَنَزَلَ فَقَالَ لِأُمِّي : مَا شَأْنهَا ؟ قَالَتْ : بَلَغَهَا الَّذِي ذُكِرَ مِنْ أَمْرهَا . فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ , فَقَالَ : أَقْسَمْت عَلَيْك إِلَّا رَجَعْت إِلَى بَيْتك ! فَرَجَعْت . فَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي , فَلَمْ يَزَالَا عِنْدِي حَتَّى دَخَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ بَعْد الْعَصْر , وَقَدْ اكْتَنَفَنِي أَبَوَايَ , عَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي , فَتَشَهَّدَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْله , ثُمَّ قَالَ : " أَمَّا بَعْد يَا عَائِشَة , إِنْ كُنْت قَارَفْت سُوءًا أَوْ أَلْمَمْت فَتُوبِي إِلَى اللَّه , فَإِنَّ اللَّه يَقْبَل التَّوْبَة عَنْ عِبَاده " . وَقَدْ جَاءَتْ امْرَأَة مِنَ الْأَنْصَار وَهِيَ جَالِسَة , فَقُلْت : أَلَا تَسْتَحْيِ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَة أَنْ تَقُول شَيْئًا ؟ فَقُلْت لِأَبِي : أَجِبْهُ ! فَقَالَ : أَقُول مَاذَا ؟ قُلْت لِأُمِّي : أَجِيبِيهِ ! فَقَالَتْ : أَقُول مَاذَا ؟ فَلَمَّا لَمْ يُجِيبَاهُ تَشَهَّدْت فَحَمِدْت اللَّه وَأَثْنَيْت عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْله , ثُمَّ قُلْت : أَمَّا بَعْد , فَوَاللَّهِ لَئِنْ قُلْت لَكُمْ إِنِّي لَمْ أَفْعَل , وَاللَّه يَعْلَم أَنِّي لَصَادِقَة مَا ذَا بِنَافِعِي عِنْدكُمْ , لَقَدْ تُكُلِّمَ بِهِ وَأُشْرِبَتْهُ قُلُوبكُمْ ; وَإِنْ قُلْت إِنِّي قَدْ فَعَلْت وَاللَّه يَعْلَم أَنِّي لَمْ أَفْعَل لَتَقُولُنَّ قَدْ بَاءَتْ بِهِ عَلَى نَفْسهَا , وَأَيْم اللَّه مَا أَجِد لِي وَلَكُمْ مَثَلًا إِلَّا كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُف وَمَا أَحْفَظ اسْمه : { فَصَبْر جَمِيل وَاللَّه الْمُسْتَعَان عَلَى مَا تَصِفُونَ } 12 18 . وَأَنْزَلَ اللَّه عَلَى رَسُوله سَاعَتئِذٍ , فَرُفِعَ عَنْهُ , وَإِنِّي لَأَتَبَيَّن السُّرُور فِي وَجْهه وَهُوَ يَمْسَح جَبِينه يَقُول : " أَبْشِرِي يَا عَائِشَة , فَقَدْ أَنْزَلَ اللَّه بَرَاءَتك ! " فَكُنْت أَشَدّ مَا كُنْت غَضَبًا , فَقَالَ لِي أَبَوَايَ : قُومِي إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ! فَقُلْت : وَاللَّه لَا أَقُوم إِلَيْهِ , وَلَا أَحْمَدهُ وَلَا أَحْمَدكُمَا , لَقَدْ سَمِعْتُمُوهُ فَمَا أَنْكَرْتُمُوهُ وَلَا غَيَّرْتُمُوهُ , وَلَكِنِّي أَحْمَد اللَّه الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي . وَلَقَدْ جَاءَ رَسُول اللَّه بَيْتِي , فَسَأَلَ الْجَارِيَة عَنِّي , فَقَالَتْ : وَاللَّه مَا أَعْلَم عَلَيْهَا عَيْبًا إِلَّا أَنَّهَا كَانَتْ تَنَام حَتَّى كَانَتْ تَدْخُل الشَّاة فَتَأْكُل حَصِيرهَا أَوْ عَجِينهَا , فَانْتَهَرَهَا بَعْض أَصْحَابه , وَقَالَ لَهَا : اصْدُقِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ! قَالَ عُرْوَة : فَعَتَبَ عَلَى مَنْ قَالَهُ , فَقَالَ : لَا , وَاللَّه مَا أَعْلَم عَلَيْهَا إِلَّا مَا يَعْلَم الصَّائِغ عَلَى تِبْر الذَّهَب الْأَحْمَر . وَبَلَغَ ذَلِكَ الرَّجُل الَّذِي قِيلَ لَهُ , فَقَالَ : سُبْحَان اللَّه ! مَا كَشَفْت كَنَف أُنْثَى قَطُّ . فَقُتِلَ شَهِيدًا فِي سَبِيل اللَّه . قَالَتْ عَائِشَة : فَأَمَّا زَيْنَب بِنْت جَحْش , فَعَصَمَهَا اللَّه بِدِينِهَا , فَلَمْ تَقُلْ إِلَّا خَيْرًا ; وَأَمَّا حَمْنَة أُخْتهَا , فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ , وَكَانَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا فِيهِ : الْمُنَافِق عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ ابْن سَلُول , وَكَانَ يَسْتَوْشِيه وَيَجْمَعهُ , وَهُوَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْره , وَمِسْطَحًا , وَحَسَّان بْن ثَابِت , فَحَلَفَ أَبُو بَكْر أَنْ لَا يَنْفَع مِسْطَحًا بِنَافِعَةٍ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْل مِنْكُمْ وَالسَّعَة } 24 22 . يَعْنِي أَبَا بَكْر , { أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِين } 24 22 يَعْنِي مِسْطَحًا , { أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِر اللَّه لَكُمْ وَاللَّه غَفُور رَحِيم } 24 22 قَالَ أَبُو بَكْر : بَلَى وَاللَّه , إِنَّا لَنُحِبّ أَنْ يَغْفِر اللَّه لَنَا ! وَعَادَ أَبُو بَكْر لِمِسْطَحٍ بِمَا كَانَ يَصْنَع بِهِ . 19566 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بِشْر , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن حَاطِب , عَنْ عَلْقَمَة بْن وَقَّاص وَغَيْره أَيْضًا , قَالَ : خَرَجَتْ عَائِشَة تُرِيد الْمَذْهَب , وَمَعَهَا أُمّ مِسْطَح , وَكَانَ مِسْطَح بْن أُثَاثَة مِمَّنْ قَالَ مَا قَالَ , وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاس قَبْل ذَلِكَ , فَقَالَ : " كَيْفَ تَرَوْنَ فِيمَنْ يُؤْذِينِي فِي أَهْلِي وَيَجْمَع فِي بَيْته مَنْ يُؤْذِينِي ؟ " فَقَالَ سَعْد بْن مُعَاذ : أَيْ رَسُول اللَّه , إِنْ كَانَ مِنَّا مَعْشَر الْأَوْس جَلَدْنَا رَأْسه , وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَاننَا مِنَ الْخَزْرَج , أَمَرْتنَا فَأَطَعْنَاك . فَقَالَ سَعْد بْن عُبَادَة : يَا ابْن مُعَاذ , وَاللَّه مَا بِك نُصْرَة رَسُول اللَّه , وَلَكِنَّهَا قَدْ كَانَتْ ضَغَائِن فِي الْجَاهِلِيَّة وَإِحَن لَمْ تُحْلَلْ لَنَا مِنْ صُدُوركُمْ بَعْد ! فَقَالَ ابْن مُعَاذ : اللَّه أَعْلَم مَا أَرَدْت , فَقَامَ أُسَيْد بْن حُضَيْر , فَقَالَ : يَا ابْن عُبَادَة , إِنَّ سَعْدًا لَيْسَ شَدِيدًا , وَلَكِنَّك تُجَادِل عَنْ الْمُنَافِقِينَ وَتَدْفَع عَنْهُمْ , وَكَثُرَ اللَّغَط فِي الْحَيَّيْنِ فِي الْمَسْجِد وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِس عَلَى الْمِنْبَر , فَمَا زَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُومِئ بِيَدِهِ إِلَى النَّاس هَا هُنَا وَهَا هُنَا , حَتَّى هَدَأَ الصَّوْت . وَقَالَتْ عَائِشَة : كَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْره , وَالَّذِي يَجْمَعهُمْ فِي بَيْته , عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ ابْن سَلُول . قَالَتْ : فَخَرَجْت إِلَى الْمَذْهَب وَمَعِي أُمّ مِسْطَح , فَعَثَرَتْ , فَقَالَتْ : تَعِسَ مِسْطَح ! فَقُلْت : غَفَرَ اللَّه لَك , أَتَقُولِينَ هَذَا لِابْنِك وَلِصَاحِبِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَتْ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ , وَمَا شَعَرْت بِالَّذِي كَانَ . فَحُدِّثْت , فَذَهَبَ عَنِّي الَّذِي خَرَجْت لَهُ , حَتَّى مَا أَجِد مِنْهُ شَيْئًا . وَرَجَعْت عَلَى أَبَوَيَّ أَبِي بَكْر وَأُمّ رُومَان , فَقُلْت : أَمَا اتَّقَيْتُمَا اللَّه فِيَّ وَمَا وَصَلْتُمَا رَحِمِي ؟ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي قَالَ , وَتَحَدَّثَ النَّاس بِالَّذِي تَحَدَّثُوا بِهِ وَلَمْ تُعْلِمَانِي فَأُخْبِر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ! قَالَتْ : أَيْ بُنَيَّة , وَاللَّه لَقَلَّمَا أَحَبَّ رَجُل قَطُّ امْرَأَته إِلَّا قَالُوا لَهَا نَحْو الَّذِي قَالُوا لَك ! أَيْ بُنَيَّة ارْجِعِي إِلَى بَيْتك حَتَّى نَأْتِيك فِيهِ ! فَرَجَعْت وَارْتَكَبَنِي صَالِب مِنْ حُمَّى , فَجَاءَ أَبَوَايَ فَدَخَلَا , وَجَاءَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَلَسَ عَلَى سَرِيرِي وِجَاهِي , فَقَالَا : أَيْ بُنَيَّة , إِنْ كُنْت صَنَعْت مَا قَالَ النَّاس فَاسْتَغْفِرِي اللَّه , وَإِنْ لَمْ تَكُونِي صَنَعْتِيهِ فَأَخْبِرِي رَسُول اللَّه بِعُذْرِك ! قُلْت : مَا أَجِد لِي وَلَكُمْ إِلَّا كَأَبِي يُوسُف { فَصَبْر جَمِيل وَاللَّه الْمُسْتَعَان عَلَى مَا تَصِفُونَ } 12 18 . قَالَتْ : فَالْتَمَسْت اسْم يَعْقُوب , فَمَا قَدَرْت , أَوْ فَلَمْ أَقْدِر عَلَيْهِ . فَشَخَصَ بَصَر رَسُول اللَّه إِلَى السَّقْف , وَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ وَجَدَ , قَالَ اللَّه : { إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْك قَوْلًا ثَقِيلًا } 73 5 . فَوَالَّذِي هُوَ أَكْرَمَهُ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَاب , مَا زَالَ يَضْحَك حَتَّى إِنِّي لَأَنْظُر إِلَى نَوَاجِذه سُرُورًا , ثُمَّ مَسَحَ عَنْ وَجْهه , فَقَالَ : " يَا عَائِشَة أَبْشِرِي , قَدْ أَنْزَلَ اللَّه عُذْرك ! " قُلْت : بِحَمْدِ اللَّه لَا بِحَمْدِك وَلَا بِحَمْدِ أَصْحَابك . قَالَ اللَّه : { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَة مِنْكُمْ } ... 24 22 حَتَّى بَلَغَ : { وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْل مِنْكُمْ وَالسَّعَة } 24 22 . وَكَانَ أَبُو بَكْر حَلَفَ أَنْ لَا يَنْفَع مِسْطَحًا بِنَافِعَةٍ , وَكَانَ بَيْنهمَا رَحِم , فَلَمَّا أُنْزِلَتْ : { وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْل مِنْكُمْ } . .. 24 22 حَتَّى بَلَغَ : { وَاللَّه غَفُور رَحِيم } 24 22 قَالَ أَبُو بَكْر : بَلَى , أَيْ رَبِّ ! فَعَادَ إِلَى الَّذِي كَانَ لِمِسْطَحٍ { إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات } ... 24 23 حَتَّى بَلَغَ : { أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَة وَرِزْق كَرِيم } 24 26 . قَالَتْ عَائِشَة : وَاللَّه مَا كُنْت أَرْجُو أَنْ يَنْزِل فِيَّ كِتَاب وَلَا أَطْمَع بِهِ , وَلَكِنْ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُؤْيَا تُذْهِب مَا فِي نَفْسه . قَالَتْ : وَسَأَلَ الْجَارِيَة الْحَبَشِيَّة , فَقَالَتْ وَاللَّه لَعَائِشَة أَطْيَب مِنْ طَيِّب الذَّهَب , وَمَا بِهَا عَيْب إِلَّا أَنَّهَا تَرْقُد حَتَّى تَدْخُل الشَّاة فَتَأْكُل عَجِينهَا , وَلَئِنْ كَانَتْ صَنَعَتْ مَا قَالَ النَّاس لَيُخْبِرَنَّك اللَّه ! قَالَ : فَعَجِبَ النَّاس مِنْ فِقْههَا .
لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا } وَهَذَا عِتَاب مِنَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَهْل الْإِيمَان بِهِ فِيمَا وَقَعَ فِي أَنْفُسهمْ مِنْ إِرْجَاف مَنْ أَرْجَفَ فِي أَمْر عَائِشَة بِمَا أَرْجَفَ بِهِ . يَقُول لَهُمْ تَعَالَى ذِكْره : هَلَّا أَيّهَا النَّاس إِذْ سَمِعْتُمْ مَا قَالَ أَهْل الْإِفْك فِي عَائِشَة ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ مِنْكُمْ وَالْمُؤْمِنَات بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا ! يَقُول : ظَنَنْتُمْ بِمَنْ قُرِفَ بِذَلِكَ مِنْكُمْ خَيْرًا , وَلَمْ تَظُنُّوا بِهِ أَنَّهُ أَتَى الْفَاحِشَة , وَقَالَ " بِأَنْفُسِهِمْ " لِأَنَّ أَهْل الْإِسْلَام كُلّهمْ بِمَنْزِلَةِ نَفْس وَاحِدَة ; لِأَنَّهُمْ أَهْل مِلَّة وَاحِدَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19567 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ بَعْض رِجَال بَنِي النَّجَّار , أَنَّ أَبَا أَيُّوب خَالِد بْن زَيْد , قَالَتْ لَهُ امْرَأَته أُمّ أَيُّوب : أَمَا تَسْمَع مَا يَقُول النَّاس فِي عَائِشَة ؟ قَالَ : بَلَى , وَذَلِكَ الْكَذِب , أَكُنْت فَاعِلَة ذَلِكَ يَا أُمّ أَيُّوب ؟ قَالَتْ : لَا وَاللَّه مَا كُنْت لِأَفْعَلهُ . قَالَ : فَعَائِشَة وَاللَّه خَيْر مِنْك . قَالَ : فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآن , ذَكَرَ اللَّه مَنْ قَالَ فِي الْفَاحِشَة مَا قَالَ مِنْ أَهْل الْإِفْك : { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَة مِنْكُمْ } وَذَلِكَ حَسَّان وَأَصْحَابه الَّذِينَ قَالُوا مَا قَالُوا , ثُمَّ قَالَ : { لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ } ... الْآيَة : أَيْ كَمَا قَالَ أَبُو أَيُّوب وَصَاحِبَته . 19568 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا } مَا هَذَا الْخَيْر ؟ ظَنَّ الْمُؤْمِن أَنَّ الْمُؤْمِن لَمْ يَكُنْ لِيَفْجُر بِأُمِّهِ , وَأَنَّ الْأُمّ لَمْ تَكُنْ لِتَفْجُر بِابْنِهَا , إِنْ أَرَادَ أَنْ يَفْجُر فَجَرَ بِغَيْرِ أُمّه . يَقُول : إِنَّمَا كَانَتْ عَائِشَة أُمًّا , وَالْمُؤْمِنُونَ بَنُونَ لَهَا , مُحَرَّمًا عَلَيْهَا , وَقَرَأَ : { لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء } ... الْآيَة . 19569 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا } قَالَ لَهُمْ خَيْرًا , أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُول : { لَا تَقْتُلُوا أَنْفُسكُمْ } 4 29 . يَقُول : بَعْضكُمْ بَعْضًا , وَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسكُمْ , قَالَ : يُسَلِّم بَعْضكُمْ عَلَى بَعْض . 19570 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا هَوْذَة , قَالَ : ثنا عَوْف عَنِ الْحَسَن , فِي قَوْله : { لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا } يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات .
وَقَوْله : { وَقَالُوا هَذَا إِفْك مُبِين } يَقُول : وَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات : هَذَا الَّذِي سَمِعْنَاهُ مِنَ الْقَوْم الَّذِي رُمِيَ بِهِ عَائِشَة مِنَ الْفَاحِشَة : كَذِب وَإِثْم , يَبِين لِمَنْ عَقَلَ وَفَكَّرَ فِيهِ أَنَّهُ كَذِب وَإِثْم وَبُهْتَان . كَمَا : 19571 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا هَوْذَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَوْف عَنِ الْحَسَن : { وَقَالُوا هَذَا إِفْك مُبِين } قَالُوا : إِنَّ هَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَكَلَّم بِهِ إِلَّا مَنْ أَقَامَ عَلَيْهِ أَرْبَعَة مِنَ الشُّهُود وَأُقِيمَ عَلَيْهِ حَدّ الزِّنَا .
وَقَوْله : { وَقَالُوا هَذَا إِفْك مُبِين } يَقُول : وَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات : هَذَا الَّذِي سَمِعْنَاهُ مِنَ الْقَوْم الَّذِي رُمِيَ بِهِ عَائِشَة مِنَ الْفَاحِشَة : كَذِب وَإِثْم , يَبِين لِمَنْ عَقَلَ وَفَكَّرَ فِيهِ أَنَّهُ كَذِب وَإِثْم وَبُهْتَان . كَمَا : 19571 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا هَوْذَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَوْف عَنِ الْحَسَن : { وَقَالُوا هَذَا إِفْك مُبِين } قَالُوا : إِنَّ هَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَكَلَّم بِهِ إِلَّا مَنْ أَقَامَ عَلَيْهِ أَرْبَعَة مِنَ الشُّهُود وَأُقِيمَ عَلَيْهِ حَدّ الزِّنَا .
لَوْلا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُولَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْد اللَّه هُمُ الْكَاذِبُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَلَّا جَاءَ هَؤُلَاءِ الْعُصْبَة الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ , وَرَمَوْا عَائِشَة بِالْبُهْتَانِ , بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء يَشْهَدُونَ عَلَى مَقَالَتهمْ فِيهَا وَمَا رَمَوْهَا بِهِ !
فَإِذَا لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ الْأَرْبَعَة عَلَى حَقِيقَة مَا رَمَوْهَا بِهِ { فَأُولَئِكَ عِنْد اللَّه هُمُ الْكَاذِبُونَ } يَقُول : فَالْعُصْبَة الَّذِينَ رَمَوْهَا بِذَلِكَ عِنْد اللَّه هُمُ الْكَاذِبُونَ فِيمَا جَاءُوا بِهِ مِنَ الْإِفْك .
فَإِذَا لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ الْأَرْبَعَة عَلَى حَقِيقَة مَا رَمَوْهَا بِهِ { فَأُولَئِكَ عِنْد اللَّه هُمُ الْكَاذِبُونَ } يَقُول : فَالْعُصْبَة الَّذِينَ رَمَوْهَا بِذَلِكَ عِنْد اللَّه هُمُ الْكَاذِبُونَ فِيمَا جَاءُوا بِهِ مِنَ الْإِفْك .
وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَاب عَظِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ } أَيّهَا الْخَائِضُونَ فِي أَمْر عَائِشَة , الْمُشِيعُونَ فِيهَا الْكَذِب وَالْإِثْم , بِتَرْكِهِ تَعْجِيل عُقُوبَتكُمْ { وَرَحْمَته } إِيَّاكُمْ , لِعَفْوِهِ عَنْكُمْ { فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة } بِقَبُولِ تَوْبَتكُمْ مِمَّا كَانَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ , { لَمَسَّكُمْ فِيمَا } خُضْتُمْ فِيهِ مِنْ أَمْرهَا عَاجِلًا فِي الدُّنْيَا { عَذَاب عَظِيم } . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19572 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَته } هَذَا لِلَّذِينَ تَكَلَّمُوا فَنَشَرُوا ذَلِكَ الْكَلَام , { لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَاب عَظِيم } .
إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَفَضْتُمْ فِيهِ مِنْ شَأْن عَائِشَة عَذَاب عَظِيم , حِين تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ . وَ " إِذْ " مِنْ صِلَة قَوْله " لَمَسَّكُمْ " . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { تَلَقَّوْنَهُ } تَتَلَقَّوْنَ الْإِفْك الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الْعُصْبَة مِنْ أَهْل الْإِفْك , فَتَقْبَلُونَهُ , وَيَرْوِيه بَعْضكُمْ عَنْ بَعْض ; يُقَال : تَلَقَّيْت هَذَا الْكَلَام عَنْ فُلَان , بِمَعْنَى أَخَذْته مِنْهُ ; وَقِيلَ ذَلِكَ لِأَنَّ الرَّجُل مِنْهُمْ فِيمَا ذُكِرَ يَلْقَى آخَر فَيَقُول : أَوَمَا بَلَغَك كَذَا وَكَذَا عَنْ عَائِشَة ؟ لِيُشِيعَ عَلَيْهَا بِذَلِكَ الْفَاحِشَة . وَذُكِرَ أَنَّهَا فِي قِرَاءَة أُبَيّ : " إِذْ تَتَلَقَّوْنَهُ " بِتَاءَيْنِ , وَعَلَيْهَا قِرَاءَة الْأَمْصَار , غَيْر أَنَّهُمْ قَرَءُوهَا : { تَلَقَّوْنَهُ } بِتَاءٍ وَاحِدَة ; لِأَنَّهَا كَذَلِكَ فِي مَصَاحِفهمْ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَة فِي ذَلِكَ , مَا : 19573 - حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم , قَالَ : ثنا خَالِد بْن نِزَار , عَنْ نَافِع , عَنِ ابْن أَبِي مُلَيْكَة , عَنْ عَائِشَة زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّهَا كَانَتْ تَقْرَأ هَذِهِ الْآيَة : " إِذْ تَلِقُونَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ " تَقُول : إِنَّمَا هُوَ وَلْق الْكَذِب , وَتَقُول : إِنَّمَا كَانُوا يَلِقُونَ الْكَذِب . قَالَ ابْن أَبِي مُلَيْكَة : وَهِيَ أَعْلَم بِمَا فِيهَا أُنْزِلَتْ . قَالَ نَافِع : وَسَمِعْت بَعْض الْعَرَب يَقُول : اللَّيْق : الْكَذِب * -حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا ابْن عُمَر بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مَعْمَر الْجُمَحِيّ , عَنِ ابْن أَبِي مُلَيْكَة , عَنْ عَائِشَة , أَنَّهَا كَانَتْ تَقْرَأ : " إِذْ تَلِقُونَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ " وَهِيَ أَعْلَم بِذَلِكَ وَفِيهَا أُنْزِلَتْ , قَالَ ابْن أَبِي مُلَيْكَة : هُوَ مِنْ وَلْق الْكَذِب . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَكَأَنَّ عَائِشَة وَجَّهَتْ مَعْنَى ذَلِكَ بِقِرَاءَتِهَا " تَلِقُونَهُ " بِكَسْرِ اللَّام وَتَخْفِيف الْقَاف , إِلَى : إِذْ تَسْتَمِرُّونَ فِي كَذِبكُمْ عَلَيْهَا وَإِفْكِكَهَا بِأَلْسِنَتِكُمْ , كَمَا يُقَال : وَلَقَ فُلَان فِي السَّيْر فَهُوَ يَلِق : إِذَا اسْتَمَرَّ فِيهِ ; وَكَمَا قَالَ الرَّاجِز : إِنَّ الْجُلَيْد زَلِق وَزُمَلِق جَاءَتْ بِهِ عَنْس مِنْ الشَّأْم تَلِقْ مُجَوَّع الْبَطْن كِلَابِيّ الْخُلُقْ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْعَرَب فِي الْوَلْق : الْكَذِب : الْأَلْق , وَالْإِلْق : بِفَتْحِ الْأَلِف وَكَسْرهَا , وَيُقَال فِي فَعَلْت مِنْهُ : أَلِقْت , فَأَنَا أَلِق ; وَقَالَ بَعْضهمْ : مَنْ لِي بِالْمُزَرَّرِ الْيَلَامِق صَاحِب أَدْهَان وَأَلْق آلِق وَالْقِرَاءَة الَّتِي لَا أَسْتَجِيز غَيْرهَا : { إِذْ تَلَقَّوْنَهُ } عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ قِرَاءَة الْأَمْصَار ; لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا مِنْ التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19574 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج [ , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ } قَالَ : تَرْوُونَهُ بَعْضكُمْ عَنْ بَعْض . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { إِذْ تَلَقَّوْنَهُ } قَالَ : تَرْوُونَهُ بَعْضكُمْ عَنْ بَعْض .
قَوْله : { وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْم مِنْ الْأَمْر الَّذِي تَرْوُونَهُ , فَتَقُولُونَ : سَمِعْنَا أَنَّ عَائِشَة فَعَلَتْ كَذَا وَكَذَا , وَلَا تَعْلَمُونَ حَقِيقَة ذَلِكَ وَلَا صِحَّته .
وَتَظُنُّونَ أَنَّ قَوْلكُمْ ذَلِكَ وَرِوَايَتَكُمُوهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَلَقِّيكُمُوهُ بَعْضكُمْ عَنْ بَعْض , هَيِّن سَهْل , لَا إِثْم عَلَيْكُمْ فِيهِ وَلَا حَرَج .
يَقُول : وَتَلَقِّيكُمْ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَقَوْلكُمُوهُ بِأَفْوَاهِكُمْ , عِنْد اللَّه عَظِيم مِنَ الْأَمْر ; لِأَنَّكُمْ كُنْتُمْ تُؤْذُونَ بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَلِيلَته.
قَوْله : { وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْم مِنْ الْأَمْر الَّذِي تَرْوُونَهُ , فَتَقُولُونَ : سَمِعْنَا أَنَّ عَائِشَة فَعَلَتْ كَذَا وَكَذَا , وَلَا تَعْلَمُونَ حَقِيقَة ذَلِكَ وَلَا صِحَّته .
وَتَظُنُّونَ أَنَّ قَوْلكُمْ ذَلِكَ وَرِوَايَتَكُمُوهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَلَقِّيكُمُوهُ بَعْضكُمْ عَنْ بَعْض , هَيِّن سَهْل , لَا إِثْم عَلَيْكُمْ فِيهِ وَلَا حَرَج .
يَقُول : وَتَلَقِّيكُمْ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَقَوْلكُمُوهُ بِأَفْوَاهِكُمْ , عِنْد اللَّه عَظِيم مِنَ الْأَمْر ; لِأَنَّكُمْ كُنْتُمْ تُؤْذُونَ بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَلِيلَته.
وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُون لَنَا أَنْ نَتَكَلَّم بِهَذَا سُبْحَانك هَذَا بُهْتَان عَظِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { فَلَوْلَا } أَيّهَا الْخَائِضُونَ فِي الْإِفْك الَّذِي جَاءَتْ بِهِ عُصْبَة مِنْكُمْ , { إِذْ سَمِعْتُمُوهُ } مِمَّنْ جَاءَ بِهِ , { قُلْتُمْ } مَا يَحِلّ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّم بِهَذَا , وَمَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَفَوَّه بِهِ { سُبْحَانك هَذَا بُهْتَان عَظِيم } تَنْزِيهًا لَك يَا رَبّ وَبَرَاءَة إِلَيْك مِمَّا جَاءَ بِهِ هَؤُلَاءِ ; { هَذَا بُهْتَان عَظِيم } يَقُول : هَذَا الْقَوْل بُهْتَان عَظِيم .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَعِظكُمْ اللَّه أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يُذَكِّركُمْ اللَّه وَيَنْهَاكُمْ بِآيِ كِتَابه , لِئَلَّا تَعُودُوا لِمِثْلِ فِعْلكُمْ الَّذِي فَعَلْتُمُوهُ فِي أَمْر عَائِشَة مِنْ تَلَقِّيكُمُ الْإِفْك الَّذِي رُوِيَ عَلَيْهَا بِأَلْسِنَتِكُمْ , وَقَوْلكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْم فِيهَا أَبَدًا .
يَقُول : إِنْ كُنْتُمْ تَتَّعِظُونَ بِعِظَاتِ اللَّه وَتَأْتَمِرُونَ لِأَمْرِهِ وَتَنْتَهُونَ عَمَّا نَهَاكُمْ عَنْهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19575 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَيُبَيِّن اللَّه لَكُمُ الْآيَات وَاللَّه عَلِيم حَكِيم } قَالَ : وَالَّذِي هُوَ خَيْر لَنَا مِنْ هَذَا , إِنَّ اللَّه أَعْلَمنَا هَذَا لِكَيْلَا نَقَع فِيهِ , لَوْلَا أَنَّ اللَّه أَعْلَمَنَا لَهَلَكْنَا كَمَا هَلَكَ الْقَوْم , أَنْ يَقُول الرَّجُل : أَنَا سَمِعْته وَلَمْ أَخْتَرِقهُ وَلَمْ أَتَقَوَّلهُ , فَكَانَ خَيْرًا حِين أَعْلَمَنَاهُ اللَّه , لِئَلَّا نَدْخُل فِي مِثْله أَبَدًا , وَهُوَ عِنْد اللَّه عَظِيم .
يَقُول : إِنْ كُنْتُمْ تَتَّعِظُونَ بِعِظَاتِ اللَّه وَتَأْتَمِرُونَ لِأَمْرِهِ وَتَنْتَهُونَ عَمَّا نَهَاكُمْ عَنْهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19575 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَيُبَيِّن اللَّه لَكُمُ الْآيَات وَاللَّه عَلِيم حَكِيم } قَالَ : وَالَّذِي هُوَ خَيْر لَنَا مِنْ هَذَا , إِنَّ اللَّه أَعْلَمنَا هَذَا لِكَيْلَا نَقَع فِيهِ , لَوْلَا أَنَّ اللَّه أَعْلَمَنَا لَهَلَكْنَا كَمَا هَلَكَ الْقَوْم , أَنْ يَقُول الرَّجُل : أَنَا سَمِعْته وَلَمْ أَخْتَرِقهُ وَلَمْ أَتَقَوَّلهُ , فَكَانَ خَيْرًا حِين أَعْلَمَنَاهُ اللَّه , لِئَلَّا نَدْخُل فِي مِثْله أَبَدًا , وَهُوَ عِنْد اللَّه عَظِيم .
وَقَوْله : { وَيُبَيِّن اللَّه لَكُمُ الْآيَات } وَيُفَصِّل اللَّه لَكُمْ حُجَجه عَلَيْكُمْ بِأَمْرِهِ وَنَهْيه , لِيَتَبَيَّن الْمُطِيع لَهُ مِنْكُمْ مِنْ الْعَاصِي , وَاللَّه عَلِيم بِكُمْ وَبِأَفْعَالِكُمْ , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء , وَهُوَ مُجَاز الْمُحْسِن مِنْكُمْ بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيء بِإِسَاءَتِهِ , حَكِيم فِي تَدْبِير خَلْقه وَتَكْلِيفه مَا كَلَّفَهُمْ مِنْ الْأَعْمَال وَفَرْضه مَا فَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْأَفْعَال .
إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيع الْفَاحِشَة فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَاب أَلِيم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ يَذِيع الزِّنَا فِي الَّذِينَ صَدَّقُوا بِاللَّهِ وَرَسُوله وَيَظْهَر ذَلِكَ فِيهِمْ , { لَهُمْ عَذَاب أَلِيم } يَقُول : لَهُمْ عَذَاب وَجِيع فِي الدُّنْيَا , بِالْحَدِّ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّه حَدًّا لِرَامِي الْمُحْصَنَات وَالْمُحْصَنِينَ إِذَا رَمَوْهُمْ بِذَلِكَ , وَفِي الْآخِرَة عَذَاب جَهَنَّم إِنْ مَاتَ مُصِرًّا عَلَى ذَلِكَ غَيْر تَائِب . كَمَا : 19576 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيع الْفَاحِشَة } قَالَ : تَظْهَر فِي شَأْن عَائِشَة . 19577 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيع الْفَاحِشَة فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَاب أَلِيم } قَالَ : الْخَبِيث عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ ابْن سَلُول , الْمُنَافِق , الَّذِي أَشَاعَ عَلَى عَائِشَة مَا أَشَاعَ عَلَيْهَا مِنْ الْفِرْيَة , { لَهُمْ عَذَاب أَلِيم } . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { أَنْ تَشِيع الْفَاحِشَة } قَالَ : تَظْهَر ; يُتَحَدَّث عَنْ شَأْن عَائِشَة .
وَقَوْله : { وَاللَّه يَعْلَم وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاللَّه يَعْلَم كَذِب الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ مِنْ صِدْقهمْ , وَأَنْتُمْ أَيّهَا النَّاس لَا تَعْلَمُونَ ذَلِكَ ; لِأَنَّكُمْ لَا تَعْلَمُونَ الْغَيْب , وَإِنَّمَا يَعْلَم ذَلِكَ عَلَّام الْغُيُوب . يَقُول : فَلَا تَرْوُوا مَا لَا عِلْم لَكُمْ بِهِ مِنَ الْإِفْك عَلَى أَهْل الْإِيمَان بِاللَّهِ , وَلَا سِيَّمَا عَلَى حَلَائِل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَتَهْلَكُوا .
وَقَوْله : { وَاللَّه يَعْلَم وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاللَّه يَعْلَم كَذِب الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ مِنْ صِدْقهمْ , وَأَنْتُمْ أَيّهَا النَّاس لَا تَعْلَمُونَ ذَلِكَ ; لِأَنَّكُمْ لَا تَعْلَمُونَ الْغَيْب , وَإِنَّمَا يَعْلَم ذَلِكَ عَلَّام الْغُيُوب . يَقُول : فَلَا تَرْوُوا مَا لَا عِلْم لَكُمْ بِهِ مِنَ الْإِفْك عَلَى أَهْل الْإِيمَان بِاللَّهِ , وَلَا سِيَّمَا عَلَى حَلَائِل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَتَهْلَكُوا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَته وَأَنَّ اللَّه رَءُوف رَحِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَوْلَا أَنْ تَفَضَّلَ اللَّه عَلَيْكُمْ أَيّهَا النَّاس وَرَحِمَكُمْ , وَأَنَّ اللَّه ذُو رَأْفَة , ذُو رَحْمَة بِخَلْقِهِ , لَهَلَكْتُمْ فِيمَا أَفَضْتُمْ فِيهِ وَعَاجَلَتْكُمْ مِنَ اللَّه الْعُقُوبَة , وَتَرَكَ ذِكْر الْجَوَاب لِمَعْرِفَةِ السَّامِع بِالْمُرَادِ مِنْ الْكَلَام بَعْده , وَهُوَ قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَات الشَّيْطَان } ... الْآيَة .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَات الشَّيْطَان وَمَنْ يَتَّبِع خُطُوَات الشَّيْطَان فَإِنَّهُ يَأْمُر بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ : يَا أَيّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّه وَرَسُوله , لَا تَسْلُكُوا سَبِيل الشَّيْطَان وَطُرُقه وَلَا تَقْتَفُوا آثَاره , بِإِشَاعَتِكُمُ الْفَاحِشَة فِي الَّذِينَ آمَنُوا وَإِذَاعَتِكُمُوهَ فِيهِمْ وَرِوَايَتكُمْ ذَلِكَ عَمَّنْ جَاءَ بِهِ , فَإِنَّ الشَّيْطَان يَأْمُر بِالْفَحْشَاءِ - وَهِيَ الزِّنَا -وَالْمُنْكَر مِنَ الْقَوْل . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْخُطُوَات وَالْفَحْشَاء فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِد ذَلِكَ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَته مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَد أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّه يُزَكِّي مَنْ يَشَاء } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ أَيّهَا النَّاس وَرَحْمَته لَكُمْ , مَا تَطَهَّرَ مِنْكُمْ مِنْ أَحَد أَبَدًا مِنْ دَنَس ذُنُوبه وَشِرْكه , وَلَكِنَّ اللَّه يُطَهِّر مَنْ يَشَاء مِنْ خَلْقه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19578 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَته مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَد أَبَدًا } يَقُول : مَا اهْتَدَى مِنْكُمْ مِنَ الْخَلَائِق لِشَيْءٍ مِنَ الْخَيْر يَنْفَع بِهِ نَفْسه , وَلَمْ يَتَّقِ شَيْئًا مِنْ الشَّرّ يَدْفَعهُ عَنْ نَفْسه . 19579 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَته مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَد أَبَدًا } قَالَ : مَا زَكَا : مَا أَسْلَمَ . وَقَالَ : كُلّ شَيْء فِي الْقُرْآن مِنْ " زَكَا " أَوْ " تَزَكَّى " فَهُوَ الْإِسْلَام .
وَقَوْله : { وَاللَّه سَمِيع عَلِيم } يَقُول : وَاللَّه سَمِيع لِمَا تَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ وَتَلَقَّونَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ كَلَامكُمْ , عَلِيم بِذَلِكَ كُلّه وَبِغَيْرِهِ مِنْ أُمُوركُمْ , مُحِيط بِهِ مُحْصِيه عَلَيْكُمْ , لِيُجَازِيَكُمْ بِكُلِّ ذَلِكَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَته مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَد أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّه يُزَكِّي مَنْ يَشَاء } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ أَيّهَا النَّاس وَرَحْمَته لَكُمْ , مَا تَطَهَّرَ مِنْكُمْ مِنْ أَحَد أَبَدًا مِنْ دَنَس ذُنُوبه وَشِرْكه , وَلَكِنَّ اللَّه يُطَهِّر مَنْ يَشَاء مِنْ خَلْقه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19578 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَته مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَد أَبَدًا } يَقُول : مَا اهْتَدَى مِنْكُمْ مِنَ الْخَلَائِق لِشَيْءٍ مِنَ الْخَيْر يَنْفَع بِهِ نَفْسه , وَلَمْ يَتَّقِ شَيْئًا مِنْ الشَّرّ يَدْفَعهُ عَنْ نَفْسه . 19579 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَته مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَد أَبَدًا } قَالَ : مَا زَكَا : مَا أَسْلَمَ . وَقَالَ : كُلّ شَيْء فِي الْقُرْآن مِنْ " زَكَا " أَوْ " تَزَكَّى " فَهُوَ الْإِسْلَام .
وَقَوْله : { وَاللَّه سَمِيع عَلِيم } يَقُول : وَاللَّه سَمِيع لِمَا تَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ وَتَلَقَّونَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ كَلَامكُمْ , عَلِيم بِذَلِكَ كُلّه وَبِغَيْرِهِ مِنْ أُمُوركُمْ , مُحِيط بِهِ مُحْصِيه عَلَيْكُمْ , لِيُجَازِيَكُمْ بِكُلِّ ذَلِكَ .
وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْل مِنْكُمْ وَالسَّعَة أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِين وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيل اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَا يَحْلِف بِاللَّهِ ذَوُو الْفَضْل مِنْكُمْ , يَعْنِي ذَوِي التَّفَضُّل وَالسَّعَة ; يَقُول : وَذَوُو الْجِدَّة . وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَلَا يَأْتَلِ } ; فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار . { وَلَا يَأْتَلِ } بِمَعْنَى : يَفْتَعِل مِنْ الْأَلِيَّة , وَهِيَ الْقَسَم بِاللَّهِ ; سِوَى أَبِي جَعْفَر وَزَيْد بْن أَسْلَمَ . فَإِنَّهُ ذُكِرَ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَرَآ ذَلِكَ : " وَلَا يَتَأَلَّ " بِمَعْنَى : يَتَفَعَّل , مِنْ الْأَلِيَّة . وَالصَّوَاب مِنَ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدِي قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { وَلَا يَأْتَلِ } بِمَعْنَى يَفْتَعِل مِنَ الْأَلِيَة ; وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ فِي خَطّ الْمُصْحَف كَذَلِكَ , وَالْقِرَاءَة الْأُخْرَى مُخَالِفَة خَطّ الْمُصْحَف , فَاتِّبَاع الْمُصْحَف مَعَ قِرَاءَة جَمَاعَة الْقُرَّاء وَصِحَّة الْمَقْرُوء بِهِ أَوْلَى مِنْ خِلَاف ذَلِكَ كُلّه . وَإِنَّمَا عُنِيَ بِذَلِكَ أَبُو بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي حَلِفه بِاللَّهِ لَا يُنْفِق عَلَى مِسْطَح , فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَلَا يَحْلِف مَنْ كَانَ ذَا فَضْل مِنْ مَال وَسَعَة مِنْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ أَلَّا يُعْطُوا ذَوِي قَرَابَتهمْ فَيَصِلُوا بِهِ أَرْحَامهمْ , كَمِسْطَحٍ , وَهُوَ ابْن خَالَة أَبِي بَكْر . { وَالْمَسَاكِين } : يَقُول : وَذَوِي خَلَّة الْحَاجَة , وَكَانَ مِسْطَح مِنْهُمْ ; لِأَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا مُحْتَاجًا . { وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيل اللَّه } وَهُمُ الَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ دِيَارهمْ وَأَمْوَالهمْ فِي جِهَاد أَعْدَاء اللَّه , وَكَانَ مِسْطَح مِنْهُمْ ; لِأَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ هَاجَرَ مِنْ مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة , وَشَهِدَ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدْرًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19580 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنِ ابْن إِسْحَاق , عَنِ الزُّهْرِيّ , عَنْ عَلْقَمَة بْن وَقَّاص اللَّيْثِيّ , وَعَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , وَعَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر , وَعَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن عُتْبَة , عَنْ عَائِشَة . قَالَ : وثني ابْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن عَبَّاد بْن عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَائِشَة . قَالَ : وثني ابْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني عَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر بْن مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن حَزْم الْأَنْصَارِيّ , عَنْ عَمْرَة بِنْت عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ عَائِشَة , قَالَتْ : لَمَّا نَزَلَ هَذَا - يَعْنِي قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَة مِنْكُمْ } فِي عَائِشَة , وَفِيمَنْ قَالَ لَهَا مَا قَالَ - قَالَ أَبُو بَكْر , وَكَانَ يُنْفِق عَلَى مِسْطَح لِقَرَابَتِهِ وَحَاجَته : وَاللَّه لَا أُنْفِق عَلَى مِسْطَح شَيْئًا أَبَدًا وَلَا أَنْفَعهُ بِنَفْعٍ أَبَدًا بَعْد الَّذِي قَالَ لِعَائِشَة مَا قَالَ وَأَدْخَلَ عَلَيْهَا مَا أَدْخَلَ ! قَالَتْ : فَأَنْزَلَ اللَّه فِي ذَلِكَ : { وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْل مِنْكُمْ وَالسَّعَة } ... الْآيَة . قَالَتْ : فَقَالَ أَبُو بَكْر : وَاللَّه إِنِّي لَأُحِبّ أَنْ يَغْفِر اللَّه لِي ! فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَح نَفَقَته الَّتِي كَانَ يُنْفِق عَلَيْهِ , وَقَالَ : وَاللَّه لَا أَنْزِعهَا مِنْهُ أَبَدًا ! . 19581 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْل مِنْكُمْ وَالسَّعَة } يَقُول : لَا تُقْسِمُوا أَلَّا تَنْفَعُوا أَحَدًا . 19582 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْل مِنْكُمْ وَالسَّعَة } ... إِلَى آخِر الْآيَة , قَالَ : كَانَ نَاس مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَمَوْا عَائِشَة بِالْقَبِيحِ وَأَفْشَوْا ذَلِكَ وَتَكَلَّمُوا بِهِ , فَأَقْسَمَ نَاس مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فِيهِمْ أَبُو بَكْر , أَلَّا يَتَصَدَّق عَلَى رَجُل تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا وَلَا يَصِلهُ , فَقَالَ : لَا يُقْسِم أُولُوا الْفَضْل مِنْكُمْ وَالسَّعَة أَنْ يَصِلُوا أَرْحَامهمْ وَأَنْ يُعْطُوهُمْ مِنْ أَمْوَالهمْ كَالَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَ قَبْل ذَلِكَ . فَأَمَرَ اللَّه أَنْ يُغْفَر لَهُمْ وَأَنْ يُعْفَى عَنْهُمْ . 19583 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْل مِنْكُمْ وَالسَّعَة } : لَمَّا أَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عُذْر عَائِشَة مِنَ السَّمَاء , قَالَ أَبُو بَكْر وَآخَرُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ : وَاللَّه لَا نَصِل رَجُلًا مِنْهُمْ تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ مِنْ شَأْن عَائِشَة وَلَا نَنْفَعهُ ! فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْل مِنْكُمْ وَالسَّعَة } يَقُول : وَلَا يَحْلِف . * -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْل مِنْكُمْ وَالسَّعَة أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى } قَالَ : كَانَ مِسْطَح ذَا قَرَابَة . { وَالْمَسَاكِين } قَالَ : كَانَ مِسْكِينًا . { وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيل اللَّه } كَانَ بَدْرِيًّا . 19584 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْل مِنْكُمْ وَالسَّعَة } قَالَ : أَبُو بَكْر حَلَفَ أَنْ لَا يَنْفَع يَتِيمًا فِي حِجْره كَانَ أَشَاعَ ذَلِكَ . فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة قَالَ : بَلَى أَنَا أُحِبّ أَنْ يَغْفِر اللَّه لِي , فَلَأَكُونَنَّ لِيَتِيمِي خَيْر مَا كُنْت لَهُ قَطُّ .
يَقُول وَلْيَعْفُوا عَمَّا كَانَ مِنْهُمْ إِلَيْهِمْ مِنْ جُرْم , وَذَلِكَ كَجُرْمِ مِسْطَح إِلَى أَبِي بَكْر فِي إِشَاعَته عَلَى ابْنَته عَائِشَة مَا أَشَاعَ مِنَ الْإِفْك .
يَقُول : وَلْيَتْرُكُوا عُقُوبَتهمْ عَلَى ذَلِكَ , بِحِرْمَانِهِمْ مَا كَانُوا يُؤْتُونَهُمْ قَبْل ذَلِكَ , وَلَكِنْ لِيَعُودُوا لَهُمْ إِلَى مِثْل الَّذِي كَانُوا لَهُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْإِفْضَال عَلَيْهِمْ .
يَقُول : أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَسْتُر اللَّه عَلَيْكُمْ ذُنُوبكُمْ بِإِفْضَالِكُمْ عَلَيْهِمْ , فَيَتْرُك عُقُوبَتكُمْ عَلَيْهَا .
لِذُنُوبِ مَنْ أَطَاعَهُ وَاتَّبَعَ أَمْره , رَحِيم بِهِمْ أَنْ يُعَذِّبهُمْ مَعَ اتِّبَاعهمْ أَمْره وَطَاعَتهمْ إِيَّاهُ , عَلَى مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ زَلَّة وَهَفْوَة قَدْ اسْتَغْفَرُوهُ مِنْهَا وَتَابُوا إِلَيْهِ مِنْ فِعْلهَا .
يَقُول وَلْيَعْفُوا عَمَّا كَانَ مِنْهُمْ إِلَيْهِمْ مِنْ جُرْم , وَذَلِكَ كَجُرْمِ مِسْطَح إِلَى أَبِي بَكْر فِي إِشَاعَته عَلَى ابْنَته عَائِشَة مَا أَشَاعَ مِنَ الْإِفْك .
يَقُول : وَلْيَتْرُكُوا عُقُوبَتهمْ عَلَى ذَلِكَ , بِحِرْمَانِهِمْ مَا كَانُوا يُؤْتُونَهُمْ قَبْل ذَلِكَ , وَلَكِنْ لِيَعُودُوا لَهُمْ إِلَى مِثْل الَّذِي كَانُوا لَهُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْإِفْضَال عَلَيْهِمْ .
يَقُول : أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَسْتُر اللَّه عَلَيْكُمْ ذُنُوبكُمْ بِإِفْضَالِكُمْ عَلَيْهِمْ , فَيَتْرُك عُقُوبَتكُمْ عَلَيْهَا .
لِذُنُوبِ مَنْ أَطَاعَهُ وَاتَّبَعَ أَمْره , رَحِيم بِهِمْ أَنْ يُعَذِّبهُمْ مَعَ اتِّبَاعهمْ أَمْره وَطَاعَتهمْ إِيَّاهُ , عَلَى مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ زَلَّة وَهَفْوَة قَدْ اسْتَغْفَرُوهُ مِنْهَا وَتَابُوا إِلَيْهِ مِنْ فِعْلهَا .
إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات الْغَافِلَات الْمُؤْمِنَات لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَلَهُمْ عَذَاب عَظِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ } بِالْفَاحِشَةِ { الْمُحْصَنَات } يَعْنِي الْعَفِيفَات { الْغَافِلَات } عَنِ الْفَوَاحِش { الْمُؤْمِنَات } بِاللَّهِ وَرَسُوله , وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , { لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة } يَقُول : أُبْعِدُوا مِنْ رَحْمَة اللَّه فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة . { وَلَهُمْ } فِي الْآخِرَة { عَذَاب عَظِيم } وَذَلِكَ عَذَاب جَهَنَّم . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمُحْصَنَات اللَّاتِي هَذَا حُكْمهنَّ , فَقَالَ بَعْضهمْ : إِنَّمَا ذَلِكَ لِعَائِشَة خَاصَّة , وَحُكْم مِنْ اللَّه فِيهَا وَفِيمَنْ رَمَاهَا , دُون سَائِر نِسَاء أُمَّة نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19585 - حَدَّثَنَا ابْن أَبِي الشَّوَارِب , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَاحِد بْن زِيَاد , قَالَ : ثنا خُصَيْف , قَالَ : قُلْت لِسَعِيدِ بْن جُبَيْر : الزِّنَا أَشَدّ أَمْ قَذْف الْمُحْصَنَة ؟ فَقَالَ : الزِّنَا . فَقُلْت : أَلَيْسَ اللَّه يَقُول : { إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات } ... الْآيَة ؟ قَالَ سَعِيد : إِنَّمَا كَانَ هَذَا لِعَائِشَة خَاصَّة . 19586 -حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَبْدَة الضَّبِّيّ , قَالَ : ثنا أَبُو عَوَانَة , عَنْ عُمَر بْن أَبِي سَلَمَة , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : قَالَتْ عَائِشَة : رُمِيت بِمَا رُمِيت بِهِ وَأَنَا غَافِلَة , فَبَلَغَنِي بَعْد ذَلِكَ , قَالَتْ : فَبَيْنَمَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدِي جَالِس , إِذْ أُوحِيَ إِلَيْهِ , وَكَانَ إِذَا أُوحِيَ إِلَيْهِ أَخَذَهُ كَهَيْئَةِ السُّبَات , وَإِنَّهُ أُوحِيَ إِلَيْهِ وَهُوَ جَالِس عِنْدِي , ثُمَّ اسْتَوَى جَالِسًا يَمْسَح عَنْ وَجْهه , وَقَالَ : " يَا عَائِشَة أَبْشِرِي ! " قَالَتْ : فَقُلْت : بِحَمْدِ اللَّه لَا بِحَمْدِك ! فَقَرَأَ : { إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات الْغَافِلَات الْمُؤْمِنَات } ... حَتَّى بَلَغَ : { أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ } . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ لِأَزْوَاجِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّة دُون سَائِر النِّسَاء غَيْرهنَّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19587 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات الْغَافِلَات الْمُؤْمِنَات } ... الْآيَة , أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّة . وَقَالَ آخَرُونَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي شَأْن عَائِشَة , وَعُنِيَ بِهَا كُلّ مَنْ كَانَ بِالصِّفَةِ الَّتِي وَصَفَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة . قَالُوا : فَذَلِكَ حُكْم كُلّ مَنْ رَمَى مُحْصَنَة لَمْ تُقَارِف سُوءًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19588 -حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا زَيْد , عَنْ جَعْفَر بْن بَرْقَان , قَالَ : سَأَلْت مَيْمُونًا , قُلْت : الَّذِي ذَكَرَ اللَّه : { الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء } ... إِلَى قَوْله : { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْد ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } فَجَعَلَ فِي هَذِهِ تَوْبَة , وَقَالَ فِي الْأُخْرَى : { إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات الْغَافِلَات } ... إِلَى قَوْله : { لَهُمْ عَذَاب عَظِيم } ؟ قَالَ مَيْمُون : أَمَّا الْأُولَى فَعَسَى أَنْ تَكُون قَدْ قَارَفَتْ , وَأَمَّا هَذِهِ فَهِيَ الَّتِي لَمْ تُقَارِف شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ . 19589 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْعَوَّام بْن حَوْشَب , عَنْ شَيْخ مِنْ بَنِي أَسَد , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : فَسَّرَ سُورَة النُّور , فَلَمَّا أَتَى عَلَى هَذِهِ الْآيَة : { إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات الْغَافِلَات الْمُؤْمِنَات } ... الْآيَة , قَالَ : هَذَا فِي شَأْن عَائِشَة وَأَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهِيَ مُبْهَمَة , وَلَيْسَتْ لَهُمْ تَوْبَة , ثُمَّ قَرَأَ : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء } ... إِلَى قَوْله : { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْد ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا } ... الْآيَة , قَالَ : فَجَعَلَ لِهَؤُلَاءِ تَوْبَة , وَلَمْ يَجْعَل لِمَنْ قَذَفَ أُولَئِكَ تَوْبَة . قَالَ : فَهَمَّ بَعْض الْقَوْم أَنْ يَقُوم إِلَيْهِ فَيُقَبِّل رَأْسه مِنْ حُسْن مَا فَسَّرَ سُورَة النُّور . 19590 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات الْغَافِلَات الْمُؤْمِنَات لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَلَهُمْ عَذَاب عَظِيم } قَالَ : هَذَا فِي عَائِشَة , وَمَنْ صَنَعَ هَذَا الْيَوْم فِي الْمُسْلِمَات فَلَهُ مَا قَالَ اللَّه , وَلَكِنَّ عَائِشَة كَانَتْ إِمَام ذَلِكَ . وَقَالَ آخَرُونَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَكَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ حَتَّى نَزَلَتِ الْآيَة الَّتِي فِي أَوَّل السُّورَة فَأَوْجَبَ الْجَلْد وَقَبْل التَّوْبَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19591 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات الْغَافِلَات الْمُؤْمِنَات } ... إِلَى : { عَذَاب عَظِيم } يَعْنِي أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , رَمَاهُنَّ أَهْل النِّفَاق , فَأَوْجَبَ اللَّه لَهُمْ اللَّعْنَة وَالْغَضَب وَبَاءُوا بِسَخَطٍ مِنْ اللَّه . وَكَانَ ذَلِكَ فِي أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ نَزَلَ بَعْد ذَلِكَ : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء } ... إِلَى قَوْله : { فَإِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم } فَأَنْزَلَ اللَّه الْجَلْد وَالتَّوْبَة , فَالتَّوْبَة تُقْبَل , وَالشَّهَادَة تُرَدّ . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي شَأْن عَائِشَة , وَالْحُكْم بِهَا عَامّ فِي كُلّ مَنْ كَانَ بِالصِّفَةِ الَّتِي وَصَفَهُ اللَّه بِهَا فِيهَا . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى تَأْوِيلَاته بِالصَّوَابِ ; لِأَنَّ اللَّه عَمَّ بِقَوْلِهِ : { إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَات الْغَافِلَات الْمُؤْمِنَات } كُلّ مُحْصَنَة غَافِلَة مُؤْمِنَة رَمَاهَا رَامٍ بِالْفَاحِشَةِ , مِنْ غَيْر أَنْ يَخُصّ بِذَلِكَ بَعْضًا دُون بَعْض , فَكُلّ رَامٍ مُحْصَنَة بِالصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي هَذِهِ الْآيَة فَمَلْعُون فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَلَهُ عَذَاب عَظِيم , إِلَّا أَنْ يَتُوب مِنْ ذَنْبه ذَلِكَ قَبْل وَفَاته , فَإِنَّ اللَّه دَلَّ بِاسْتِثْنَائِهِ بِقَوْلِهِ : { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْد ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا } عَلَى أَنَّ ذَلِكَ حُكْم رَامِي كُلّ مُحْصَنَة بِأَيِّ صِفَة كَانَتْ الْمُحْصَنَة الْمُؤْمِنَة الْمَرْمِيَّة , وَعَلَى أَنَّ قَوْله : { لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَلَهُمْ عَذَاب عَظِيم } مَعْنَاهُ : لَهُمْ ذَلِكَ إِنْ هَلَكُوا وَلَمْ يَتُوبُوا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَوْم تَشْهَد عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتهمْ وَأَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَهُمْ عَذَاب عَظِيم { يَوْم تَشْهَد عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتهمْ } فَ " الْيَوْم " الَّذِي فِي قَوْله : { يَوْم تَشْهَد عَلَيْهِمْ } مِنْ صِلَة قَوْله : { وَلَهُمْ عَذَاب عَظِيم } . وَعُنِيَ بِقَوْلِهِ : { يَوْم تَشْهَد عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتهمْ } يَوْم الْقِيَامَة ; وَذَلِكَ حِين يَجْحَد أَحَدهمَا مَا اكْتَسَبَ فِي الدُّنْيَا مِنْ الذُّنُوب عِنْد تَقْرِير اللَّه إِيَّاهُ بِهَا , فَيَخْتِم اللَّه عَلَى أَفْوَاههمْ , وَتَشْهَد عَلَيْهِمْ أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ تَشْهَد عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتهمْ حِين يُخْتَم عَلَى أَفْوَاههمْ ؟ قِيلَ : عُنِيَ بِذَلِكَ أَنَّ أَلْسِنَة بَعْضهمْ تَشْهَد إِلَى بَعْض , لَا أَنَّ أَلْسِنَتهمْ تَنْطِق وَقَدْ خُتِمَ عَلَى الْأَفْوَاه . وَقَدْ : 19592 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَمْرو , عَنْ دَرَّاج , عَنْ أَبِي الْهَيْثَم , عَنْ أَبِي سَعِيد , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة عُرِفَ الْكَافِر بِعَمَلِهِ , فَجَحَدَ وَخَاصَمَ , فَيُقَال لَهُ : هَؤُلَاءِ جِيرَانك يَشْهَدُونَ عَلَيْك , فَيَقُول : كَذَبُوا ! فَيَقُول : أَهْلك وَعَشِيرَتك , فَيَقُول : كَذَبُوا ! فَيَقُول : أَتَحْلِفُونَ ؟ فَيَحْلِفُونَ , ثُمَّ يُصْمِتُهُمْ اللَّه , وَتَشْهَد أَلْسِنَتهمْ , ثُمَّ يُدْخِلهُمْ النَّار " .
يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَوْمئِذٍ يُوَفِّيهِمْ اللَّه دِينهمُ الْحَقّ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { يَوْم تَشْهَد عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتهمْ وَأَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } يُوَفِّيهِمْ اللَّه حِسَابهمْ وَجَزَاءَهُمُ الْحَقّ عَلَى أَعْمَالهمْ . وَالدِّين فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْحِسَاب وَالْجَزَاء , كَمَا : 19593 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { يَوْمئِذٍ يُوَفِّيهِمْ اللَّه دِينهمُ الْحَقّ } يَقُول . حِسَابهمْ . وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { الْحَقّ } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار . { دِينهمُ الْحَقّ } نَصْبًا عَلَى النَّعْت لِلدِّينِ , كَأَنَّهُ قَالَ : يُوَفِّيهِمْ اللَّه أَعْمَالهمْ حَقًّا . تَمَّ أَدْخَلَ فِي الْحَقّ الْأَلِف وَاللَّام , فَنَصَبَ بِمَا نَصَبَ بِهِ الدِّين . وَذُكِرَ عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ : " يُوَفِّيهِمْ اللَّه دِينهمُ الْحَقّ " بِرَفْعِ " الْحَقّ " عَلَى أَنَّهُ مِنْ نَعْت اللَّه . 19594 - حَدَّثَنَا بِذَلِكَ أَحْمَد بْن يُوسُف , قَالَ : ثنا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا يَزِيد , عَنْ جَرِير بْن حَازِم , عَنْ حُمَيْد , عَنْ مُجَاهِد , أَنَّهُ قَرَأَهَا " الْحَقّ " بِالرَّفْعِ . قَالَ جَرِير . وَقَرَأْتهَا فِي مُصْحَف أُبَيّ بْن كَعْب { يُوَفِّيهِمْ اللَّه الْحَقّ دِينهمْ } . وَالصَّوَاب مِنَ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدنَا مَا عَلَيْهِ قُرَّاء الْأَمْصَار , وَهُوَ نَصْب " الْحَقّ " عَلَى اتِّبَاعه إِعْرَاب " الدِّين " لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة عَلَيْهِ .
وَقَوْله : { وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّه هُوَ الْحَقّ الْمُبِين } يَقُول : وَيَعْلَمُونَ يَوْمئِذٍ أَنَّ اللَّه هُوَ الْحَقّ الَّذِي يُبَيِّن لَهُمْ حَقَائِق مَا كَانَ يَعِدهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ الْعَذَاب , وَيَزُول حِينَئِذٍ الشَّكّ فِيهِ عَنْ أَهْل النِّفَاق الَّذِينَ كَانُوا فِيمَا كَانَ يَعِدهُمْ فِي الدُّنْيَا يَمْتَرُونَ .
وَقَوْله : { وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّه هُوَ الْحَقّ الْمُبِين } يَقُول : وَيَعْلَمُونَ يَوْمئِذٍ أَنَّ اللَّه هُوَ الْحَقّ الَّذِي يُبَيِّن لَهُمْ حَقَائِق مَا كَانَ يَعِدهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ الْعَذَاب , وَيَزُول حِينَئِذٍ الشَّكّ فِيهِ عَنْ أَهْل النِّفَاق الَّذِينَ كَانُوا فِيمَا كَانَ يَعِدهُمْ فِي الدُّنْيَا يَمْتَرُونَ .
الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ↑
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الْخَبِيثَات لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَات لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ ; فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ الْخَبِيثَات مِنَ الْقَوْل لِلْخَبِيثِينَ مِنَ الرِّجَال , وَالْخَبِيثُونَ مِنَ الرِّجَال لِلْخَبِيثَاتِ مِنَ الْقَوْل , وَالطَّيِّبَات مِنَ الْقَوْل لِلطَّيِّبِينَ مِنْ النَّاس , وَالطَّيِّبُونَ مِنَ النَّاس لِلطَّيِّبَاتِ مِنَ الْقَوْل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19595 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { الْخَبِيثَات لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ } يَقُول : الْخَبِيثَات مِنَ الْقَوْل لِلْخَبِيثِينَ مِنَ الرِّجَال , وَالْخَبِيثُونَ مِنَ الرِّجَال لِلْخَبِيثَاتِ مِنَ الْقَوْل . وَقَوْله : { وَالطَّيِّبَات لِلطَّيِّبِينَ } يَقُول : الطَّيِّبَات مِنْ الْقَوْل لِلطَّيِّبِينَ مِنَ الرِّجَال , وَالطَّيِّبُونَ مِنَ الرِّجَال لِلطَّيِّبَاتِ مِنَ الْقَوْل . نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ قَالُوا فِي زَوْجَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالُوا مِنَ الْبُهْتَان . وَيُقَال : الْخَبِيثَات لِلْخَبِيثِينَ : الْأَعْمَال الْخَبِيثَة تَكُون لِلْخَبِيثِينَ , وَالطَّيِّبَات مِنَ الْأَعْمَال تَكُون لِلطَّيِّبِينَ . 19596 -حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عُثْمَان بْن الْأَسْوَد , عَنْ مُجَاهِد : الْخَبِيثَات مِنَ الْكَلَام لِلْخَبِيثِينَ مِنَ النَّاس , وَالطَّيِّبَات مِنْ الْكَلَام لِلطَّيِّبِينَ مِنَ النَّاس . * -حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 19597 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , فِي قَوْل اللَّه : { الْخَبِيثَات لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَات لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ } قَالَ : الطَّيِّبَات : الْقَوْل الطَّيِّب يَخْرُج مِنْ الْكَافِر وَالْمُؤْمِن فَهُوَ لِلْمُؤْمِنِ ; وَالْخَبِيثَات : الْقَوْل الْخَبِيث يَخْرُج مِنْ الْمُؤْمِن وَالْكَافِر فَهُوَ لِلْكَافِرِ . { أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ } وَذَلِكَ أَنَّهُ بَرَّأَ كِلَيْهِمَا مِمَّا لَيْسَ بِحَقٍّ مِنَ الْكَلَام . 19598 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { الْخَبِيثَات لَلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَات لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ } يَقُول : الْخَبِيثَات وَالطَّيِّبَات : الْقَوْل السَّيِّئ وَالْحَسَن ; لِلْمُؤْمِنِينَ الْحَسَن وَلِلْكَافِرِينَ السَّيِّئ . { أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ } وَذَلِكَ بِأَنَّهُ مَا قَالَ الْكَافِرُونَ مِنْ كَلِمَة طَيِّبَة فَهِيَ لِلْمُؤْمِنِينَ , وَمَا قَالَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ كَلِمَة خَبِيثَة فَهِيَ لِلْكَافِرِينَ , كُلّ بَرِيء مِمَّا لَيْسَ بِحَقٍّ مِنَ الْكَلَام . 19599 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { الْخَبِيثَات لِلْخَبِيثِينَ } قَالَ : الْخَبِيثَات مِنَ الْكَلَام لِلْخَبِيثِينَ مِنَ النَّاس , وَالْخَبِيثُونَ مِنَ النَّاس لِلْخَبِيثَاتِ مِنَ الْكَلَام . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 19600 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { الْخَبِيثَات لِلْخَبِيثِينَ } ... الْآيَة , يَقُول : الْخَبِيثَات مِنَ الْقَوْل لِلْخَبِيثِينَ مِنَ الرِّجَال , وَالْخَبِيثُونَ مِنَ الرِّجَال لِلْخَبِيثَاتِ مِنَ الْقَوْل , وَالطَّيِّبَات مِنَ الْقَوْل لِلطَّيِّبِينَ مِنْ الرِّجَال , وَالطَّيِّبُونَ مِنَ الرِّجَال لِلطَّيِّبَاتِ مِنَ الْقَوْل . فَهَذَا فِي الْكَلَام , وَهُمْ الَّذِينَ قَالُوا لِعَائِشَة مَا قَالُوا , هُمُ الْخَبِيثُونَ . وَالطَّيِّبُونَ هُمُ الْمُبَرَّءُونَ مِمَّا قَالَ الْخَبِيثُونَ . 19601 - حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَة , قَالَ ثنا أَبُو نَعِيم , قَالَ : ثنا سَلَمَة , يَعْنِي ابْن نُبَيْط الْأَشْجَعِيّ , عَنِ الضَّحَّاك : { الْخَبِيثَات لِلْخَبِيثِينَ } قَالَ : الْخَبِيثَات مِنْ الْكَلَام لِلْخَبِيثِينَ مِنَ النَّاس , وَالطَّيِّبَات مِنَ الْكَلَام لِلطَّيِّبِينَ مِنَ النَّاس . 19602 - قَالَ : ثنا قَبِيصَة , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح وَعُثْمَان بْن الْأَسْوَد , عَنْ مُجَاهِد : { الْخَبِيثَات لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَات لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ } قَالَ : الْخَبِيثَات مِنَ الْكَلَام لِلْخَبِيثِينَ مِنَ النَّاس وَالْخَبِيثُونَ مِنْ النَّاس لِلْخَبِيثَاتِ مِنَ الْقَوْل , وَالطَّيِّبَات مِنَ الْقَوْل لِلطَّيِّبِينَ مِنْ النَّاس وَالطَّيِّبُونَ مِنَ النَّاس لِلطَّيِّبَاتِ مِنَ الْقَوْل . 19603 - قَالَ : ثنا سُفْيَان عَنْ خُصَيْف , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : { الْخَبِيثَات لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَات لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ } قَالَ : الْخَبِيثَات مِنْ الْقَوْل لِلْخَبِيثِينَ مِنَ النَّاس , وَالْخَبِيثُونَ مِنَ النَّاس لِلْخَبِيثَاتِ مِنْ الْقَوْل , وَالطَّيِّبَات مِنَ الْقَوْل لِلطَّيِّبِينَ مِنَ النَّاس , وَالطَّيِّبُونَ مِنَ النَّاس لِلطَّيِّبَاتِ مِنَ الْقَوْل . 19604 - قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن بَكْر بْن مُقَدِّم , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ عَبْد الْمَلِك , يَعْنِي ابْن أَبِي سُلَيْمَان , عَنِ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ مُجَاهِد : { وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ } قَالَ : الْخَبِيثَات مِنَ الْقَوْل لِلْخَبِيثِينَ مِنْ النَّاس . 19605 - قَالَ : ثنا عَبَّاس بْن الْوَلِيد النَّرْسِيّ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { الْخَبِيثَات لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَات لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ } يَقُول : الْخَبِيثَات مِنَ الْقَوْل وَالْعَمَل لِلْخَبِيثِينَ مِنَ النَّاس , وَالْخَبِيثُونَ مِنَ النَّاس لِلْخَبِيثَاتِ مِنْ الْقَوْل وَالْعَمَل . 19606 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ طَلْحَة بْن عَمْرو , عَنْ عَطَاء , قَالَ : الطَّيِّبَات لِلطَّيِّبِينَ , وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ , قَالَ : الطَّيِّبَات مِنْ الْقَوْل لِلطَّيِّبِينَ مِنَ النَّاس , وَالطَّيِّبُونَ مِنَ النَّاس لِلطَّيِّبَاتِ مِنْ الْقَوْل , وَالْخَبِيثَات مِنَ الْقَوْل لِلْخَبِيثِينَ مِنَ النَّاس , وَالْخَبِيثُونَ مِنَ النَّاس لِلْخَبِيثَاتِ مِنَ الْقَوْل . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : الْخَبِيثَات مِنَ النِّسَاء لِلْخَبِيثِينَ مِنْ الرِّجَال , وَالْخَبِيثُونَ مِنَ الرِّجَال لِلْخَبِيثَاتِ مِنَ النِّسَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19607 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { الْخَبِيثَات لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَات لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي عَائِشَة حِين رَمَاهَا الْمُنَافِق بِالْبُهْتَانِ وَالْفِرْيَة , فَبَرَّأَهَا اللَّه مِنْ ذَلِكَ . وَكَانَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ هُوَ خَبِيث , وَكَانَ هُوَ أَوْلَى بِأَنْ تَكُون لَهُ الْخَبِيثَة وَيَكُون لَهَا . وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَيِّبًا , وَكَانَ أَوْلَى أَنْ تَكُون لَهُ الطَّيِّبَة . وَكَانَتْ عَائِشَة الطَّيِّبَة , وَكَانَ أَوْلَى أَنْ يَكُون لَهَا الطَّيِّب . { أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ } قَالَ : هَا هُنَا بَرِئَتْ عَائِشَة . { لَهُمْ مَغْفِرَة وَرِزْق كَرِيم } . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال فِي تَأْوِيل الْآيَة قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى بِالْخَبِيثَاتِ : الْخَبِيثَات مِنْ الْقَوْل - وَذَلِكَ قَبِيحه وَسَيِّئُهُ - لِلْخَبِيثِينَ مِنَ الرِّجَال وَالنِّسَاء , وَالْخَبِيثُونَ مِنَ النَّاس لِلْخَبِيثَاتِ مِنْ الْقَوْل ; هُمْ بِهَا أَوْلَى ; لِأَنَّهُمْ أَهْلهَا . وَالطَّيِّبَات مِنَ الْقَوْل - وَذَلِكَ حَسَنه وَجَمِيله - لِلطَّيِّبِينَ مِنْ النَّاس , وَالطَّيِّبُونَ مِنَ النَّاس لِلطَّيِّبَاتِ مِنَ الْقَوْل ; لِأَنَّهُمْ أَهْلهَا وَأَحَقّ بِهَا . وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا الْقَوْل أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَة , لِأَنَّ الْآيَات قَبْل ذَلِكَ إِنَّمَا جَاءَتْ بِتَوْبِيخِ اللَّه لِلْقَائِلِينَ فِي عَائِشَة الْإِفْك , وَالرَّامِينَ الْمُحْصَنَات الْغَافِلَات الْمُؤْمِنَات , وَإِخْبَارهمْ مَا خَصَّهُمْ بِهِ عَلَى إِفْكهمْ , فَكَانَ خَتْم الْخَبَر عَنْ أَوْلَى الْفَرِيقَيْنِ بِالْإِفْكِ مِنْ الرَّامِي وَالْمَرْمِيّ بِهِ أَشْبَه مِنْ الْخَبَر عَنْ غَيْرهمْ . وَقَوْله : { أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ } يَقُول : الطَّيِّبُونَ مِنَ النَّاس مُبَرَّءُونَ مِنْ خَبِيثَات الْقَوْل , إِنْ قَالُوهَا فَإِنَّ اللَّه يَصْفَح لَهُمْ عَنْهَا وَيَغْفِرهَا لَهُمْ , وَإِنْ قِيلَتْ فِيهِمْ ضَرَّتْ قَائِلهَا وَلَمْ تَضُرّهُمْ , كَمَا لَوْ قَالَ الطَّيِّب مِنْ الْقَوْل الْخَبِيث مِنَ النَّاس لَمْ يَنْفَعهُ اللَّه بِهِ لِأَنَّ اللَّه لَا يَتَقَبَّلهُ , وَلَوْ قِيلَتْ لَهُ لَضَرَّتْهُ لِأَنَّهُ يَلْحَقهُ عَارهَا فِي الدُّنْيَا وَذُلّهَا فِي الْآخِرَة . كَمَا : 19608 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ } فَمَنْ كَانَ طَيِّبًا فَهُوَ مُبَرَّأ مِنْ كُلّ قَوْل خَبِيث , يَقُول : يَغْفِرهُ اللَّه ; وَمَنْ كَانَ خَبِيثًا فَهُوَ مُبَرَّأ مِنْ كُلّ قَوْل صَالِح , فَإِنَّهُ يَرُدّهُ اللَّه عَلَيْهِ لَا يَقْبَلهُ مِنْهُ . وَقَدْ قِيلَ : عُنِيَ بِقَوْلِهِ : { أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ } عَائِشَة وَصَفْوَان بْن الْمُعَطَّل الَّذِي رُمِيَتْ بِهِ . فَعَلَى هَذَا الْقَوْل قِيلَ " أُولَئِكَ " فَجَمَعَ , وَالْمُرَاد " ذَانِك " , كَمَا قِيلَ : فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَة , وَالْمُرَاد أَخَوَانِ .
وَقَوْله : { لَهُمْ مَغْفِرَة } يَقُول لِهَؤُلَاءِ الطَّيِّبِينَ مِنَ النَّاس مَغْفِرَة مِنَ اللَّه لِذُنُوبِهِمْ , وَالْخَبِيث مِنَ الْقَوْل إِنْ كَانَ مِنْهُمْ . { وَرِزْق كَرِيم } يَقُول : وَلَهُمْ أَيْضًا مَعَ الْمَغْفِرَة عَطِيَّة مِنَ اللَّه كَرِيمَة , وَذَلِكَ الْجَنَّة , وَمَا أُعِدَّ لَهُمْ فِيهَا مِنَ الْكَرَامَة . كَمَا : 19609 -حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَة , قَالَ : ثنا الْعَبَّاس بْن الْوَلِيد النَّرْسِيّ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { لَهُمْ مَغْفِرَة وَرِزْق كَرِيم } مَغْفِرَة لِذُنُوبِهِمْ وَرِزْق كَرِيم فِي الْجَنَّة .
وَقَوْله : { لَهُمْ مَغْفِرَة } يَقُول لِهَؤُلَاءِ الطَّيِّبِينَ مِنَ النَّاس مَغْفِرَة مِنَ اللَّه لِذُنُوبِهِمْ , وَالْخَبِيث مِنَ الْقَوْل إِنْ كَانَ مِنْهُمْ . { وَرِزْق كَرِيم } يَقُول : وَلَهُمْ أَيْضًا مَعَ الْمَغْفِرَة عَطِيَّة مِنَ اللَّه كَرِيمَة , وَذَلِكَ الْجَنَّة , وَمَا أُعِدَّ لَهُمْ فِيهَا مِنَ الْكَرَامَة . كَمَا : 19609 -حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَة , قَالَ : ثنا الْعَبَّاس بْن الْوَلِيد النَّرْسِيّ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { لَهُمْ مَغْفِرَة وَرِزْق كَرِيم } مَغْفِرَة لِذُنُوبِهِمْ وَرِزْق كَرِيم فِي الْجَنَّة .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر بُيُوتكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلهَا } . اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : تَأْوِيله يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر بُيُوتكُمْ حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19610 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنِ ابْن عَبَّاس , أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : " لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر بُيُوتكُمْ حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلهَا " قَالَ : وَإِنَّمَا " تَسْتَأْنِسُوا " وَهْم مِنَ الْكُتَّاب . * - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنِ ابْن عَبَّاس فِي هَذِهِ الْآيَة : { لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر بُيُوتكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلهَا } وَقَالَ : إِنَّمَا هِيَ خَطَأ مِنَ الْكَاتِب : " حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا " . * - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا وَهْب بْن جَرِير , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , بِمِثْلِهِ , غَيْر أَنَّهُ قَالَ : إِنَّمَا هِيَ حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا , وَلَكِنَّهَا سَقْط مِنَ الْكَاتِب . 19611 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن عَطِيَّة , قَالَ : ثنا مُعَاذ بْن سُلَيْمَان , عَنْ جَعْفَر بْن إِيَاس , عَنْ سَعِيد , عَنْ ابْن عَبَّاس : { حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلهَا } قَالَ : أَخْطَأَ الْكَاتِب . وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقْرَأ : " حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا " وَكَانَ يَقْرَؤُهَا عَلَى قِرَاءَة أُبَيّ بْن كَعْب . 19612 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَامِر , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ الْأَعْمَش أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا : " حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا " قَالَ سُفْيَان : وَبَلَغَنِي أَنَّ ابْن عَبَّاس كَانَ يَقْرَؤُهَا : وَحَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا " وَقَالَ : إِنَّهَا خَطَأ مِنْ الْكَاتِب . 19613 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر بُيُوتكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلهَا } قَالَا : الِاسْتِئْنَاس : الِاسْتِئْذَان . 19614 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : فِي مُصْحَف ابْن مَسْعُود : " حَتَّى تُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلهَا وَتَسْتَأْذِنُوا " . * -قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا جَعْفَر بْن إِيَاس , عَنْ سَعِيد , عَنِ ابْن عَبَّاس أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا : " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر بُيُوتكُمْ حَتَّى تُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلهَا وَتَسْتَأْذِنُوا " قَالَ : وَإِنَّمَا تَسْتَأْنِسُوا وَهْم مِنَ الْكُتَّاب . 19615 - قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ مُغِيرَة , قَالَ مُجَاهِد : جَاءَ ابْن عُمَر مِنْ حَاجَة وَقَدْ آذَاهُ الرَّمْضَاء , فَأَتَى فُسْطَاط امْرَأَة مِنْ قُرَيْش , فَقَالَ : السَّلَام عَلَيْكُمْ , أَدْخُل ؟ فَقَالَ : ادْخُلْ بِسَلَامٍ ! فَأَعَادَ , فَأَعَادَتْ , وَهُوَ يُرَاوِح بَيْن قَدَمَيْهِ , قَالَ : قُولِي ادْخُلْ ! قَالَتْ : ادْخُلْ ! فَدَخَلَ . 19616 - قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَنْصُور , عَنِ ابْن سِيرِينَ , وَأَخْبَرَنَا يُونُس بْن عُبَيْد , عَنْ عَمْرو بْن سَعِيد الثَّقَفِيّ : أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : أَلِج - أَوْ أَنَلِجُ - ؟ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَمَةٍ لَهُ يُقَال لَهَا رَوْضَة : " قُومِي إِلَى هَذَا فَكَلِّمِيهِ , فَإِنَّهُ لَا يُحْسِن يَسْتَأْذِن , فَقُولِي لَهُ يَقُول : السَّلَام عَلَيْكُمْ , أَدْخُل ؟ " فَسَمِعَهَا الرَّجُل , فَقَالَهَا , فَقَالَ : " ادْخُلْ " . 19617 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا } قَالَ : الِاسْتِئْذَان , ثُمَّ نُسِخَ وَاسْتُثْنِيَ : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر مَسْكُونَة } 24 29 . 19618 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا أَبُو حَمْزَة , عَنِ الْمُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَوْله : { لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر بُيُوتكُمْ } قَالَ : حَتَّى تُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلهَا وَتَسْتَأْذِنُوا . 19619 -حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا } قَالَ : حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا . 19620 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَشْعَث بْن سِوَار , عَنْ كُرْدُوس , عَنِ ابْن مَسْعُود , قَالَ : عَلَيْكُمْ أَنْ تَسْتَأْذِنُوا عَلَى أُمَّهَاتكُمْ وَأَخَوَاتكُمْ . قَالَ أَشْعَث عَنْ عَدِيّ بْن ثَابِت : أَنَّ امْرَأَة مِنَ الْأَنْصَار , قَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه , إِنِّي أَكُون فِي مَنْزِلِي عَلَى الْحَال الَّتِي لَا أُحِبّ أَنْ يَرَانِي أَحَد عَلَيْهَا وَالِد وَلَا وَلَد , وَأَنَّهُ لَا يَزَال يَدْخُل عَلَيَّ رَجُل مِنْ أَهْلِي وَأَنَا عَلَى تِلْكَ الْحَال ؟ قَالَ : فَنَزَلَتْ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر بُيُوتكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلهَا } ... الْآيَة . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : حَتَّى تُؤْنِسُوا أَهْل الْبَيْت بِالتَّنَحْنُحِ وَالتَّنَخُّم وَمَا أَشْبَهَهُ , حَتَّى يَعْلَمُوا أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ الدُّخُول عَلَيْهِمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19621 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنِ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر بُيُوتكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلهَا } قَالَ : حَتَّى تَتَنَحْنَحُوا وَتَتَنَخَّمُوا . * - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 19622 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا } قَالَ : حَتَّى تُجَرِّسُوا وَتُسَلِّمُوا . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا } قَالَ : تَنَحْنَحُوا وَتَنَخَّمُوا . 19623 - قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : سَمِعْت عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح يُخْبِر عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : ثَلَاث آيَات قَدْ جَحَدَهُنَّ النَّاس , قَالَ اللَّه : { إِنَّ أَكْرَمكُمْ عِنْد اللَّه أَتْقَاكُمْ } 49 13 . قَالَ : وَيَقُولُونَ : إِنَّ أَكْرَمهمْ عِنْد اللَّه أَعْظَمهمْ شَأْنًا . قَالَ : وَالْإِذْن كُلّه قَدْ جَحَدَهُ النَّاس ; فَقُلْت لَهُ : أَسْتَأْذِن عَلَى أَخَوَاتِي أَيْتَام فِي حِجْرِي مَعِي فِي بَيْت وَاحِد ؟ قَالَ : نَعَمْ , فَرَدَّدْت عَلَى مَنْ حَضَرَنِي , فَأَبَى , قَالَ : أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهَا عُرْيَانَة ؟ قُلْت : لَا . قَالَ : فَاسْتَأْذِنْ ! فَرَاجَعْته أَيْضًا , قَالَ : أَتُحِبُّ أَنْ تُطِيع اللَّه ؟ قُلْت : نَعَمْ , قَالَ : فَاسْتَأْذِنْ ! فَقَالَ لِي سَعِيد بْن جُبَيْر : إِنَّك لَتُرَدِّد عَلَيْهِ ! قُلْت : أَرَدْت أَنْ يُرَخِّص لِي . 19624 - قَالَ ابْن جُرَيْج : وَأَخْبَرَنِي ابْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : مَا مِنْ امْرَأَة أَكْرَه إِلَيَّ أَنْ أَرَى - كَأَنَّهُ يَقُول عُرْيَتهَا أَوْ عُرْيَانَة - مِنْ ذَات مَحْرَم . قَالَ : وَكَانَ يُشَدِّد فِي ذَلِكَ . قَالَ ابْن جُرَيْج , وَقَالَ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح : وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَال مِنْكُمُ الْحُلُم فَلْيَسْتَأْذِنُوا , فَوَاجِب عَلَى النَّاس أَجْمَعِينَ إِذَا احْتَلَمُوا أَنْ يَسْتَأْذِنُوا عَلَى مَنْ كَانَ مِنَ النَّاس . قُلْت لِعَطَاءٍ : أَوَاجِب عَلَى الرَّجُل أَنْ يَسْتَأْذِن عَلَى أُمّه وَمَنْ وَرَاءَهَا مِنْ ذَات قَرَابَته ؟ قَالَ : نَعَمْ . قُلْت : أَبِرّ وَجَبَ ؟ قَالَ قَوْله : { وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَال مِنْكُمُ الْحُلُم فَلْيَسْتَأْذِنُوا } 24 59 . قَالَ ابْن جُرَيْج : وَأَخْبَرَنِي ابْن زِيَاد : أَنَّ صَفْوَان مَوْلًى لِبَنِي زُهْرَة , أَخْبَرَهُ عَنْ عَطَاء بْن يَسَار : أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَسْتَأْذِن عَلَى أُمِّي ؟ قَالَ : " نَعَمْ " . قَالَ : إِنَّهَا لَيْسَ لَهَا خَادِم غَيْرِي , أَفَأَسْتَأْذِن عَلَيْهَا كُلَّمَا دَخَلْت ؟ قَالَ : " أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهَا عُرْيَانَة ؟ " قَالَ الرَّجُل : لَا . قَالَ : " فَاسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا " . قَالَ ابْن جُرَيْج عَنِ الزُّهْرِيّ , قَالَ : سَمِعْت هُزَيْل بْن شُرَحْبِيل الْأَوْدِيّ الْأَعْمَى , أَنَّهُ سَمِعَ ابْن مَسْعُود يَقُول : عَلَيْكُمْ الْإِذْن عَلَى أُمَّهَاتكُمْ . 19625 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ : أَيَسْتَأْذِنُ الرَّجُل عَلَى امْرَأَته ؟ قَالَ : لَا . 19626 - حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن حَازِم , عَنِ الْأَعْمَش , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ يَحْيَى بْن الْجَزَّار , عَنِ ابْن أَخِي زَيْنَب امْرَأَة ابْن مَسْعُود , عَنْ زَيْنَب قَالَتْ : كَانَ عَبْد اللَّه إِذَا جَاءَ مِنْ حَاجَة فَانْتَهَى إِلَى الْبَاب , تَنَحْنَحَ وَبَزَقَ , كَرَاهَة أَنْ يَهْجُم مِنَّا عَلَى أَمْر يَكْرَههُ . 19627 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْل اللَّه : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر بُيُوتكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا } قَالَ : الِاسْتِئْنَاس : التَّنَحْنُح وَالتَّجَرُّس , حَتَّى يَعْرِفُوا أَنْ قَدْ جَاءَهُمْ أَحَد . قَالَ : وَالتَّجَرُّس : كَلَامه وَتَنَحْنُحه . وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَال : إِنَّ الِاسْتِئْنَاس : الِاسْتِفْعَال مِنَ الْأُنْس , وَهُوَ أَنْ يَسْتَأْذِن أَهْل الْبَيْت فِي الدُّخُول عَلَيْهِمْ , مُخْبِرًا بِذَلِكَ مَنْ فِيهِ , وَهَلْ فِيهِ أَحَد ؟ وَلْيُؤْذِنْهُمْ أَنَّهُ دَاخِل عَلَيْهِمْ , فَلْيَأْنَسْ إِلَى إِذْنهمْ لَهُ فِي ذَلِكَ , وَيَأْنَسُوا إِلَى اسْتِئْذَانه إِيَّاهُمْ . وَقَدْ حُكِيَ عَنِ الْعَرَب سَمَاعًا : اذْهَبْ فَاسْتَأْنِسْ , هَلْ تَرَى أَحَدًا فِي الدَّار ؟ بِمَعْنَى : انْظُرْ هَلْ تَرَى فِيهَا أَحَدًا ؟ فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَنْ , إِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر بُيُوتكُمْ حَتَّى تُسَلِّمُوا وَتَسْتَأْذِنُوا , وَذَلِكَ أَنْ يَقُول أَحَدكُمْ : السَّلَام عَلَيْكُمْ , أَدْخُل ؟ وَهُوَ مِنْ الْمُقَدَّم الَّذِي مَعْنَاهُ التَّأْخِير , إِنَّمَا هُوَ : حَتَّى تُسَلِّمُوا وَتَسْتَأْذِنُوا , كَمَا ذَكَرْنَا مِنَ الرِّوَايَة عَنِ ابْن عَبَّاس .
وَقَوْله : { ذَلِكُمْ خَيْر لَكُمْ } يَقُول : اسْتِئْنَاسكُمْ وَتَسْلِيمكُمْ عَلَى أَهْل الْبَيْت الَّذِي تُرِيدُونَ دُخُوله , فَإِنَّ دُخُولكُمُوهُ خَيْر لَكُمْ ; لِأَنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ أَنَّكُمْ إِذَا دَخَلْتُمُوهُ بِغَيْرِ إِذْن , عَلَى مَاذَا تَهْجُمُونَ ؟ عَلَى مَا يَسُوءكُمْ أَوْ يَسُرّكُمْ ؟ وَأَنْتُمْ إِذَا دَخَلْتُمْ بِإِذْنٍ لَمْ تَدْخُلُوا عَلَى مَا تَكْرَهُونَ , وَأَدَّيْتُمْ بِذَلِكَ أَيْضًا حَقّ اللَّه عَلَيْكُمْ فِي الِاسْتِئْذَان وَالسَّلَام .
وَقَوْله : { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } يَقُول : لِتَتَذَكَّرُوا بِفِعْلِكُمْ ذَلِكَ أَوْ اللَّه عَلَيْكُمْ , وَاللَّازِم لَكُمْ مِنْ طَاعَته , فَتُطِيعُوهُ .
وَقَوْله : { ذَلِكُمْ خَيْر لَكُمْ } يَقُول : اسْتِئْنَاسكُمْ وَتَسْلِيمكُمْ عَلَى أَهْل الْبَيْت الَّذِي تُرِيدُونَ دُخُوله , فَإِنَّ دُخُولكُمُوهُ خَيْر لَكُمْ ; لِأَنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ أَنَّكُمْ إِذَا دَخَلْتُمُوهُ بِغَيْرِ إِذْن , عَلَى مَاذَا تَهْجُمُونَ ؟ عَلَى مَا يَسُوءكُمْ أَوْ يَسُرّكُمْ ؟ وَأَنْتُمْ إِذَا دَخَلْتُمْ بِإِذْنٍ لَمْ تَدْخُلُوا عَلَى مَا تَكْرَهُونَ , وَأَدَّيْتُمْ بِذَلِكَ أَيْضًا حَقّ اللَّه عَلَيْكُمْ فِي الِاسْتِئْذَان وَالسَّلَام .
وَقَوْله : { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } يَقُول : لِتَتَذَكَّرُوا بِفِعْلِكُمْ ذَلِكَ أَوْ اللَّه عَلَيْكُمْ , وَاللَّازِم لَكُمْ مِنْ طَاعَته , فَتُطِيعُوهُ .
فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَن لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِي الْبُيُوت الَّتِي تَسْتَأْذِنُونَ فِيهَا أَحَدًا يَأْذَن لَكُمْ بِالدُّخُولِ إِلَيْهَا , فَلَا تَدْخُلُوهَا , لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لَكُمْ , فَلَا يَحِلّ لَكُمْ دُخُولهَا إِلَّا بِإِذْنِ أَرْبَابهَا , فَإِنْ أَذِنَ لَكُمْ أَرْبَابهَا أَنْ تَدْخُلُوهَا فَادْخُلُوهَا . { وَإِنْ قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا } يَقُول : وَإِنْ قَالَ لَكُمْ أَهْل الْبُيُوت الَّتِي تَسْتَأْذِنُونَ فِيهَا ارْجِعُوا فَلَا تَدْخُلُوهَا , فَارْجِعُوا عَنْهَا وَلَا تَدْخُلُوهَا ; { هُوَ أَزْكَى لَكُمْ } يَقُول : رُجُوعكُمْ عَنْهَا إِذَا قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُوا , وَلَمْ يُؤْذَن لَكُمْ بِالدُّخُولِ فِيهَا , أَطْهَر لَكُمْ عِنْد اللَّه . وَقَوْله : { هُوَ } كِنَايَة مِنْ اسْم الْفِعْل , أَعْنِي مِنْ قَوْله : { فَارْجِعُوا } . وَكَأَنَّ مُجَاهِد يَقُول فِي تَأْوِيل ذَلِكَ مَا : 19628 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا } قَالَ : إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ فِيهَا مَتَاع , فَلَا تَدْخُلُوهَا إِلَّا بِإِذْنٍ . { وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا } . * - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 19629 - قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا هَاشِم بْن الْقَاسِم الْمُزَنِيّ , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : قَالَ رَجُل مِنْ الْمُهَاجِرِينَ : لَقَدْ طَلَبْت عُمْرِي كُلّه هَذِهِ الْآيَة فَمَا أَدْرَكْتهَا : أَنْ أَسْتَأْذِن عَلَى بَعْض إِخْوَانِي , فَيَقُول لِي : ارْجِعْ , فَأَرْجِع وَأَنَا مُغْتَبِط , لِقَوْلِهِ : { وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ } . وَهَذَا الْقَوْل الَّذِي قَالَهُ مُجَاهِد فِي تَأْوِيل قَوْله : { فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا } بِمَعْنَى : إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ فِيهَا مَتَاع , قَوْل بَعِيد مِنْ مَفْهُوم كَلَام الْعَرَب ; لِأَنَّ الْعَرَب لَا تَكَاد تَقُول : لَيْسَ بِمَكَانِ كَذَا أَحَد , إِلَّا وَهِيَ تَعْنِي لَيْسَ بِهَا أَحَد مِنْ بَنِي آدَم . وَأَمَّا الْأَمْتِعَة وَسَائِر الْأَشْيَاء غَيْر بَنِي آدَم وَمَنْ كَانَ سَبِيله سَبِيلهمْ فَلَا تَقُول ذَلِكَ فِيهَا .
وَقَوْله : { وَاللَّه بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيم } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَاللَّه بِمَا تَعْمَلُونَ مِنْ رُجُوعكُمْ بَعْد اسْتِئْذَانكُمْ فِي بُيُوت غَيْركُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا وَتَرْك رُجُوعكُمْ عَنْهَا وَطَاعَتكُمْ اللَّه فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ فِي ذَلِكَ وَغَيْره مِنْ أَمْره وَنَهْيه , ذُو عِلْم مُحِيط بِذَلِكَ كُلّه , مُحْصٍ جَمِيعه عَلَيْكُمْ , حَتَّى يُجَازِيكُمْ عَلَى جَمِيع ذَلِكَ.
وَقَوْله : { وَاللَّه بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيم } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَاللَّه بِمَا تَعْمَلُونَ مِنْ رُجُوعكُمْ بَعْد اسْتِئْذَانكُمْ فِي بُيُوت غَيْركُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا وَتَرْك رُجُوعكُمْ عَنْهَا وَطَاعَتكُمْ اللَّه فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ فِي ذَلِكَ وَغَيْره مِنْ أَمْره وَنَهْيه , ذُو عِلْم مُحِيط بِذَلِكَ كُلّه , مُحْصٍ جَمِيعه عَلَيْكُمْ , حَتَّى يُجَازِيكُمْ عَلَى جَمِيع ذَلِكَ.
لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر مَسْكُونَة فِيهَا مَتَاع لَكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَيْسَ عَلَيْكُمْ أَيّهَا النَّاس إِثْم وَحَرَج أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا لَا سَاكِن بِهَا بِغَيْرِ اسْتِئْذَان . ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ أَيّ الْبُيُوت عَنَى , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِهَا الْخَانَات وَالْبُيُوت الْمَبْنِيَّة بِالطُّرُقِ الَّتِي لَيْسَ بِهَا سُكَّان مَعْرُوفُونَ , وَإِنَّمَا بُنِيَتْ لِمَارَّةِ الطَّرِيق وَالسَّابِلَة لِيَأْوُوا إِلَيْهَا وَيُؤْوُوا إِلَيْهَا أَمْتِعَتهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19630 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حَجَّاج , عَنْ سَالِم الْمَكِّيّ , عَنْ مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة , فِي قَوْله : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر مَسْكُونَة } قَالَ : هِيَ الْخَانَات الَّتِي تَكُون فِي الطُّرُق . 19631 -حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا مُسْلِم , قَالَ : ثنا عُمَر بْن فَرُّوخ , قَالَ : سَمِعْت قَتَادَة يَقُول : { بُيُوتًا غَيْر مَسْكُونَة } قَالَ : هِيَ الْخَانَات تَكُون لِأَهْلِ الْأَسْفَار . 19632 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ وَرْقَاء , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر مَسْكُونَة فِيهَا مَتَاع لَكُمْ } قَالَ : كَانُوا يَضَعُونَ فِي بُيُوت فِي طُرُق الْمَدِينَة مَتَاعًا وَأَقْتَابًا , فَرُخِّصَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا . 19633 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { بُيُوتًا غَيْر مَسْكُونَة } قَالَ : هِيَ الْبُيُوت الَّتِي يَنْزِلهَا السُّفَّر , لَا يَسْكُنهَا أَحَد . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { بُيُوتًا غَيْر مَسْكُونَة } قَالَ : كَانُوا يَصْنَعُونَ أَوْ يَضَعُونَ بِطَرِيقِ الْمَدِينَة أَقْتَابًا وَأَمْتِعَة فِي بُيُوت لَيْسَ فِيهَا أَحَد , فَأُحِلَّ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا بِغَيْرِ إِذْن . * - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : كَانُوا يَضَعُونَ بِطَرِيقِ الْمَدِينَة ; بِغَيْرِ شَكّ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله , غَيْر أَنَّهُ قَالَ : كَانُوا يَضَعُونَ بِطَرِيقِ الْمَدِينَة أَقْتَابًا وَأَمْتِعَة . 19634 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول , فِي قَوْله : { أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر مَسْكُونَة } هِيَ الْبُيُوت الَّتِي لَيْسَ لَهَا أَهْل , وَهِيَ الْبُيُوت الَّتِي تَكُون بِالطُّرُقِ وَالْخَرِبَة . { فِيهَا مَتَاع } مَنْفَعَة لِلْمُسَافِرِ فِي الشِّتَاء وَالصَّيْف , يَأْوِي إِلَيْهَا . وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ بُيُوت مَكَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19635 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام بْن سَلْم , عَنْ سَعِيد بْن سَائِق , عَنِ الْحَجَّاج بْن أَرْطَاة , عَنْ سَالِم بْن مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة , فِي : { بُيُوتًا غَيْر مَسْكُونَة } قَالَ : هِيَ بُيُوت مَكَّة . وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ الْبُيُوت الْخَرِبَة , وَالْمَتَاع الَّذِي قَالَ اللَّه فِيهَا لَكُمْ قَضَاء الْحَاجَة مِنْ الْخَلَاء وَالْبَوْل فِيهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19636 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : سَمِعْت عَطَاء يَقُول : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر مَسْكُونَة فِيهَا مَتَاع لَكُمْ } قَالَ : الْخَلَاء وَالْبَوْل . 19637 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا حَسَن بْن عِيسَى بْن زَيْد , عَنْ أَبِيهِ , فِي هَذِهِ الْآيَة : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر مَسْكُونَة فِيهَا مَتَاع لَكُمْ } قَالَ : التَّخَلِّي فِي الْخَرَاب . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ بُيُوت التُّجَّار الَّتِي فِيهَا أَمْتِعَة النَّاس . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19638 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر مَسْكُونَة فِيهَا مَتَاع لَكُمْ } قَالَ : بُيُوت التُّجَّار , لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَدْخُلُوهَا بِغَيْرِ إِذْن , الْحَوَانِيت الَّتِي بِالْقَيْسَارِيَّات وَالْأَسْوَاق . وَقَرَأَ : { فِيهَا مَتَاع لَكُمْ } مَتَاع لِلنَّاسِ , وَلِبَنِي آدَم . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه عَمَّ بِقَوْلِهِ : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر مَسْكُونَة فِيهَا مَتَاع لَكُمْ } كُلّ بَيْت لَا سَاكِن بِهِ لَنَا فِيهِ مَتَاع نَدْخُلهُ بِغَيْرِ إِذْن ; لِأَنَّ الْإِذْن إِنَّمَا يَكُون لِيُؤْنِس الْمَأْذُون عَلَيْهِ قَبْل الدُّخُول , أَوْ لِيَأْذَن لِلدَّاخِلِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالِكًا أَوْ كَانَ فِيهِ سَاكِنًا . فَأَمَّا إِنْ كَانَ لَا مَالِك لَهُ , فَيَحْتَاج إِلَى إِذْنه لِدُخُولِهِ وَلَا سَاكِن فِيهِ , فَيَحْتَاج الدَّاخِل إِلَى إِينَاسه وَالتَّسْلِيم عَلَيْهِ , لِئَلَّا يَهْجُم عَلَى مَا لَا يُحِبّ رُؤْيَته مِنْهُ , فَلَا مَعْنَى لِلِاسْتِئْذَانِ فِيهِ . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ , فَلَا وَجْه لِتَخْصِيصِ بَعْض ذَلِكَ دُون بَعْض , فَكُلّ بَيْت لَا مَالِك لَهُ وَلَا سَاكِن مِنْ بَيْت مَبْنِيّ بِبَعْضِ الطُّرُق لِلْمَارَّةِ وَالسَّابِلَة لِيَأْوُوا إِلَيْهِ , أَوْ بَيْت خَرَاب قَدْ بَادَ أَهْله وَلَا سَاكِن فِيهِ , حَيْثُ كَانَ ذَلِكَ , فَإِنَّ لِمَنْ أَرَادَ دُخُوله أَنْ يَدْخُل بِغَيْرِ اسْتِئْذَان , لِمَتَاعٍ لَهُ يُؤْوِيه إِلَيْهِ أَوْ لِلِاسْتِمْتَاعِ بِهِ لِقَضَاءِ حَقّه مِنْ بَوْل أَوْ غَائِط أَوْ غَيْر ذَلِكَ . وَأَمَّا بُيُوت التُّجَّار , فَإِنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ دُخُولهَا إِلَّا بِإِذْنِ أَرْبَابهَا وَسُكَّانهَا . فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّ التَّاجِر إِذَا فَتَحَ دُكَّانه وَقَعَدَ لِلنَّاسِ فَقَدْ أَذِنَ لِمَنْ أَرَادَ الدُّخُول عَلَيْهِ فِي دُخُوله , فَإِنَّ الْأَمْر فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا ظَنَّ ; وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ دُخُول مِلْك غَيْره بِغَيْرِ ضَرُورَة أَلْجَأَتْهُ إِلَيْهِ أَوْ بِغَيْرِ سَبَب أَبَاحَ لَهُ دُخُوله إِلَّا بِإِذْنِ رَبّه , لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ فِيهِ مَتَاع ; فَإِنْ كَانَ التَّاجِر قَدْ عُرِفَ مِنْهُ أَنَّ فَتْحه حَانُوته إِذْن مِنْهُ لِمَنْ أَرَادَ دُخُوله فِي الدُّخُول , فَذَلِكَ بَعْد رَجْع إِلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلهُ مَنْ دَخَلَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ , وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , لَمْ يَكُنْ مِنْ مَعْنَى قَوْله : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر مَسْكُونَة فِيهَا مَتَاع لَكُمْ } فِي شَيْء , وَذَلِكَ أَنَّ الَّتِي وَضَعَ اللَّه عَنَّا الْجُنَاح فِي دُخُولهَا بِغَيْرِ إِذْن مِنْ الْبُيُوت , هِيَ مَا لَمْ يَكُنْ مَسْكُونًا , إِذْ حَانُوت التَّاجِر لَا سَبِيل إِلَى دُخُوله إِلَّا بِإِذْنِهِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مَسْكُون , فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مِمَّا عَنَى اللَّه مِنْ هَذِهِ الْآيَة بِمَعْزِلٍ . وَقَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل : هَذِهِ الْآيَة مُسْتَثْنَاة مِنْ قَوْله : { لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر بُيُوتكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلهَا } . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19639 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : { لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر بُيُوتكُمْ } ثُمَّ نَسَخَ وَاسْتَثْنَى فَقَالَ : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر مَسْكُونَة فِيهَا مَتَاع لَكُمْ } . 19640 -حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , عَنِ الْحُسَيْن , عَنْ يَزِيد , عَنْ عِكْرِمَة : { حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا } ... الْآيَة , فَنُسِخَ مِنْ ذَلِكَ , وَاسْتُثْنِيَ فَقَالَ : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر مَسْكُونَة فِيهَا مَتَاع لَكُمْ } . وَلَيْسَ فِي قَوْله : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر مَسْكُونَة فِيهَا مَتَاع لَكُمْ } دَلَالَة عَلَى أَنَّهُ اسْتِثْنَاء مِنْ قَوْله : { لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر بُيُوتكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا } ; لِأَنَّ قَوْله : { لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر بُيُوتكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلهَا } حُكْم مِنَ اللَّه فِي الْبُيُوت الَّتِي لَهَا سُكَّان وَأَرْبَاب . وَقَوْله : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاح أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْر مَسْكُونَة فِيهَا مَتَاع لَكُمْ } حُكْم مِنْهُ فِي الْبُيُوت الَّتِي لَا سُكَّان لَهَا وَلَا أَرْبَاب مَعْرُوفُونَ , فَكُلّ وَاحِد مِنَ الْحُكْمَيْنِ حُكْم فِي مَعْنًى غَيْر مَعْنَى الْآخَر , وَإِنَّمَا يُسْتَثْنَى الشَّيْء مِنَ الشَّيْء إِذَا كَانَ مِنْ جِنْسه أَوْ نَوْعه فِي الْفِعْل أَوْ النَّفْس , فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا مَعْنَى لِاسْتِثْنَائِهِ مِنْهُ .
وَقَوْله : { وَاللَّه يَعْلَم مَا تُبْدُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاللَّه يَعْلَم مَا تُظْهِرُونَ أَيّهَا النَّاس بِأَلْسِنَتِكُمْ مِنْ الِاسْتِئْذَان إِذَا اسْتَأْذَنْتُمْ عَلَى أَهْل الْبُيُوت الْمَسْكُونَة , { وَمَا تَكْتُمُونَ } يَقُول : وَمَا تُضْمِرُونَهُ فِي صُدُوركُمْ عِنْد فِعْلكُمْ ذَلِكَ مَا الَّذِي تَقْصِدُونَ بِهِ : إِطَاعَة اللَّه وَالِانْتِهَاء إِلَى أَمْره , أَمْ غَيْر ذَلِكَ ؟ .
وَقَوْله : { وَاللَّه يَعْلَم مَا تُبْدُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاللَّه يَعْلَم مَا تُظْهِرُونَ أَيّهَا النَّاس بِأَلْسِنَتِكُمْ مِنْ الِاسْتِئْذَان إِذَا اسْتَأْذَنْتُمْ عَلَى أَهْل الْبُيُوت الْمَسْكُونَة , { وَمَا تَكْتُمُونَ } يَقُول : وَمَا تُضْمِرُونَهُ فِي صُدُوركُمْ عِنْد فِعْلكُمْ ذَلِكَ مَا الَّذِي تَقْصِدُونَ بِهِ : إِطَاعَة اللَّه وَالِانْتِهَاء إِلَى أَمْره , أَمْ غَيْر ذَلِكَ ؟ .
قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارهمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجهمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ } بِاللَّهِ وَبِك يَا مُحَمَّد { يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارهمْ } يَقُول : يَكُفُّوا مِنْ نَظَرهمْ إِلَى مَا يَشْتَهُونَ النَّظَر إِلَيْهِ مِمَّا قَدْ نَهَاهُمْ اللَّه عَنِ النَّظَر إِلَيْهِ . { وَيَحْفَظُوا فُرُوجهمْ } أَنْ يَرَاهَا مَنْ لَا يَحِلّ لَهُ رُؤْيَتهَا , بِلُبْسِ مَا يَسْتُرهَا عَنْ أَبْصَارهمْ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19641 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل الرَّمْلِيّ , قَالَ : ثنا حَجَّاج , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنِ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارهمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجهمْ } قَالَ : كُلّ فَرْج ذُكِرَ حِفْظه فِي الْقُرْآن فَهُوَ مِنْ الزِّنَا , إِلَّا هَذِهِ : { وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارهنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجهنَّ } فَإِنَّهُ يَعْنِي السَّتْر . 19642 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارهمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجهمْ } { وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارهنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجهنَّ } قَالَ : يَغُضُّوا أَبْصَارهمْ عَمَّا يَكْرَه اللَّه . 19643 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارهمْ } قَالَ : يَغُضّ مِنْ بَصَره : أَنْ يَنْظُر إِلَى مَا لَا يَحِلّ لَهُ , إِذَا رَأَى مَا لَا يَحِلّ لَهُ غَضَّ مِنْ بَصَره , لَا يَنْظُر إِلَيْهِ , وَلَا يَسْتَطِيع أَحَد أَنْ يَغُضّ بَصَره كُلّه , إِنَّمَا قَالَ اللَّه : { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارهمْ } .
يَقُول : فَإِنَّ غَضّهَا مِنَ النَّظَر عَمَّا لَا يَحِلّ النَّظَر إِلَيْهِ وَحِفْظ الْفَرْج عَنْ أَنْ يَظْهَر لِأَبْصَارِ النَّاظِرِينَ , أَطْهَر لَهُمْ عِنْد اللَّه وَأَفْضَل .
يَقُول : إِنَّ اللَّه ذُو خِبْرَة بِمَا تَصْنَعُونَ أَيّهَا النَّاس فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ مِنْ غَضّ أَبْصَاركُمْ عَمَّا أَمَرَكُمْ بِالْغَضِّ عَنْهُ وَحِفْظ فُرُوجكُمْ عَنْ إِظْهَارهَا لِمَنْ نَهَاكُمْ عَنْ إِظْهَارهَا لَهُ .
يَقُول : فَإِنَّ غَضّهَا مِنَ النَّظَر عَمَّا لَا يَحِلّ النَّظَر إِلَيْهِ وَحِفْظ الْفَرْج عَنْ أَنْ يَظْهَر لِأَبْصَارِ النَّاظِرِينَ , أَطْهَر لَهُمْ عِنْد اللَّه وَأَفْضَل .
يَقُول : إِنَّ اللَّه ذُو خِبْرَة بِمَا تَصْنَعُونَ أَيّهَا النَّاس فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ مِنْ غَضّ أَبْصَاركُمْ عَمَّا أَمَرَكُمْ بِالْغَضِّ عَنْهُ وَحِفْظ فُرُوجكُمْ عَنْ إِظْهَارهَا لِمَنْ نَهَاكُمْ عَنْ إِظْهَارهَا لَهُ .