الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3
وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَسورة النور الآية رقم 31
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارهنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجهنَّ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَقُلْ } يَا مُحَمَّد { لِلْمُؤْمِنَاتِ } مِنْ أُمَّتك { يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارهنَّ } عَمَّا يَكْرَه اللَّه النَّظَر إِلَيْهِ مِمَّا نَهَاكُمْ عَنْ النَّظَر إِلَيْهِ ;

يَقُول : وَيَحْفَظْنَ فُرُوجهنَّ عَنْ أَنْ يَرَاهَا مَنْ لَا يَحِلّ لَهُ رُؤْيَتهَا , بِلُبْسِ مَا يَسْتُرهَا عَنْ أَبْصَارهمْ .


وَقَوْله : { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَا يُظْهِرْنَ لِلنَّاسِ الَّذِينَ لَيْسُوا لَهُنَّ بِمَحْرَمٍ زِينَتهنَّ , وَهُمَا زِينَتَانِ : إِحْدَاهُمَا : مَا خَفِيَ , وَذَلِكَ كَالْخَلْخَالِ وَالسِّوَارَيْنِ وَالْقُرْطَيْنِ وَالْقَلَائِد . وَالْأُخْرَى : مَا ظَهَرَ مِنْهَا , وَذَلِكَ مُخْتَلَف فِي الْمَعْنَى مِنْهُ بِهَذِهِ الْآيَة , فَكَانَ بَعْضهمْ يَقُول : زِينَة الثِّيَاب الظَّاهِرَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19644 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون بْن الْمُغِيرَة , عَنْ الْحَجَّاج , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي الْأَحْوَص , عَنِ ابْن مَسْعُود , قَالَ : الزِّينَة زِينَتَانِ : فَالظَّاهِرَة مِنْهَا الثِّيَاب , وَمَا خَفِيَ : الْخَلْخَالَانِ وَالْقُرْطَانِ وَالسِّوَارَانِ . 19645 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي الثَّوْرِيّ , عَنْ أَبِي إِسْحَاق الْهَمْدَانِيّ , عَنْ أَبِي الْأَحْوَص , عَنْ عَبْد اللَّه , أَنَّهُ قَالَ : { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } : قَالَ : هِيَ الثِّيَاب . * - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي الْأَحْوَص , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } قَالَ : الثِّيَاب . * - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي الْأَحْوَص , عَنْ عَبْد اللَّه , مِثْله . * - قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ الْأَعْمَش , عَنْ مَالِك بْن الْحَارِث , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد , عَنْ عَبْد اللَّه , مِثْله . 19646 - قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَلْقَمَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , فِي قَوْله : { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } : قَالَ : الثِّيَاب . 19647 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , قَالَ : أَخْبَرَنَا بَعْض أَصْحَابنَا - إِمَّا يُونُس , وَإِمَّا غَيْره - عَنِ الْحَسَن , فِي قَوْله : { إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } قَالَ : الثِّيَاب . * -حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي الْأَحْوَص , عَنْ عَبْد اللَّه : { إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } قَالَ : الثِّيَاب . قَالَ أَبُو إِسْحَاق : أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ : { خُذُوا زِينَتكُمْ عِنْد كُلّ مَسْجِد } 7 31 ؟ . 19648 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن الْفَضْل , عَنِ الْأَعْمَش , عَنْ مَالِك بْن الْحَارِث , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد , عَنِ ابْن مَسْعُود : { إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } قَالَ : هُوَ الرِّدَاء . وَقَالَ آخَرُونَ : الظَّاهِر مِنْ الزِّينَة الَّتِي أُبِيحَ لَهَا أَنْ تُبْدِيه : الْكُحْل , وَالْخَاتَم , وَالسِّوَارَانِ , وَالْوَجْه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19649 -حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مَرْوَان , قَالَ : ثنا مُسْلِم الْمَلَائِيّ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } قَالَ : الْكُحْل وَالْخَاتَم . 19650 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَبْد الْحَمِيد الْآمُلِيّ , قَالَ : ثنا مَرْوَان , عَنْ مُسْلِم الْمَلَائِيّ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , مِثْله , وَلَمْ يَذْكُر ابْن عَبَّاس . 19651 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون , عَنْ أَبِي عَبْد اللَّه نَهْشَل , عَنِ الضَّحَّاك , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : الظَّاهِر مِنْهَا : الْكُحْل وَالْخَدَّانِ . 19652 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُسْلِم بْن هُرْمُز , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } قَالَ : الْوَجْه وَالْكَفّ . * - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَبْد الْحَمِيد , قَالَ : ثنا مَرْوَان بْن مُعَاوِيَة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُسْلِم بْن هُرْمُز الْمَكِّيّ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , مِثْله . 19653 -حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , قَالَ : ثنا أَبُو عَمْرو , عَنْ عَطَاء فِي قَوْل اللَّه : { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } قَالَ : الْكَفَّانِ وَالْوَجْه . 19654 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي عَدِيّ عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَالَ : الْكُحْل , وَالسِّوَارَانِ وَالْخَاتَم . 19655 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } قَالَ : وَالزِّينَة الظَّاهِرَة : الْوَجْه , وَكُحْل الْعَيْن , وَخِضَاب الْكَفّ , وَالْخَاتَم ; فَهَذِهِ تَظْهَر فِي بَيْتهَا لِمَنْ دَخَلَ مِنْ النَّاس عَلَيْهَا . 19656 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } قَالَ : الْمَسَكَتَانِ وَالْخَاتَم وَالْكُحْل . قَالَ قَتَادَة : وَبَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا يَحِلّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِن بِاللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر أَنْ تُخْرِج يَدهَا إِلَّا إِلَى هَا هُنَا " . وَقَبَضَ نِصْف الذِّرَاع . 19657 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنِ الزُّهْرِيّ , عَنْ رَجُل , عَنِ الْمِسْوَر بْن مَخْرَمَة , فِي قَوْله : { إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } قَالَ : الْقُلْبَيْنِ , وَالْخَاتَم , وَالْكُحْل : يَعْنِي السِّوَار . 19658 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } قَالَ : الْخَاتَم وَالْمَسَكَة . قَالَ ابْن جُرَيْج , وَقَالَتْ عَائِشَة : الْقُلْب وَالْفَتْخَة , قَالَتْ عَائِشَة : دَخَلَتْ عَلَيَّ ابْنَة أَخِي لِأُمِّي عَبْد اللَّه بْن الطُّفَيْل مُزَيَّنَة , فَدَخَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَعْرَضَ , فَقَالَتْ عَائِشَة : يَا رَسُول اللَّه إِنَّهَا ابْنَة أَخِي وَجَارِيَة . فَقَالَ : " إِذَا عَرَكَتِ الْمَرْأَة لَمْ يَحِلّ لَهَا أَنْ تُظْهِر إِلَّا وَجْههَا , وَإِلَّا مَا دُون هَذَا " , وَقَبَضَ عَلَى ذِرَاع نَفْسه , فَتَرَكَ بَيْن قَبْضَته وَبَيْن الْكَفّ مِثْل قَبْضَة أُخْرَى . وَأَشَارَ بِهِ أَبُو عَلِيّ قَالَ ابْن جُرَيْج , وَقَالَ مُجَاهِد : قَوْله : { إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } قَالَ : الْكُحْل وَالْخِضَاب وَالْخَاتَم . 19659 -حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ ثنا حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَاصِم , عَنْ عَامِر : { إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } قَالَ الْكُحْل , وَالْخِضَاب , وَالثِّيَاب . 19660 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } مِنْ الزِّينَة الْكُحْل , وَالْخِضَاب وَالْخَاتَم ; هَكَذَا كَانُوا يَقُولُونَ وَهَذَا يَرَاهُ النَّاس . 19661 -حَدَّثَنِي ابْن عَبْد الرَّحِيم الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثنا عُمَر بْن أَبِي سَلَمَة , قَالَ : سُئِلَ الْأَوْزَاعِيّ عَنْ : { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } قَالَ : الْكَفَّيْنِ وَالْوَجْه . 19662 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن بُنْدُق , قَالَ ثنا مَرْوَان , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْل : { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ } قَالَ الْكَفّ وَالْوَجْه . وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِهِ الْوَجْه وَالثِّيَاب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19663 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر , قَالَ : قَالَ يُونُس { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } قَالَ الْحَسَن : الْوَجْه وَالثِّيَاب . * - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ ثنا ابْن أَبِي عَدِيّ , وَعَبْد الْأَعْلَى , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنِ الْحَسَن , فِي قَوْله : { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } قَالَ : الْوَجْه وَالثِّيَاب . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ : قَوْل مَنْ قَالَ : عُنِيَ بِذَلِكَ الْوَجْه وَالْكَفَّانِ , يَدْخُل فِي ذَلِكَ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ الْكُحْل , وَالْخَاتَم , وَالسِّوَار , وَالْخِضَاب . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالتَّأْوِيلِ ; لِإِجْمَاعِ الْجَمِيع عَلَى أَنَّ عَلَى كُلّ مُصَلٍّ أَنْ يَسْتُر عَوْرَته فِي صَلَاته , وَأَنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَكْشِف وَجْههَا وَكَفَّيْهَا فِي صَلَاتهَا , وَأَنَّ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتُر مَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ بَدَنهَا إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَبَاحَ لَهَا أَنْ تُبْدِيه مِنْ ذِرَاعهَا إِلَى قَدْر النِّصْف . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعهمْ إِجْمَاعًا , كَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ لَهَا أَنْ تُبْدِي مِنْ بَدَنهَا مَا لَمْ يَكُنْ عَوْرَة كَمَا ذَلِكَ لِلرِّجَالِ ; لِأَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ عَوْرَة فَغَيْر حَرَام إِظْهَاره . وَإِذَا كَانَ لَهَا إِظْهَار ذَلِكَ , كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ مِمَّا اسْتَثْنَاهُ اللَّه تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } لِأَنَّ كُلّ ذَلِكَ ظَاهِر مِنْهَا.

وَقَوْله : { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبهنَّ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلْيُلْقِينَ خُمُرهنَّ , وَهِيَ جَمْع خِمَار , عَلَى جُيُوبهنَّ , لِيَسْتُرْنَ بِذَلِكَ شُعُورهنَّ وَأَعْنَاقهنَّ وَقُرْطهنَّ . 19664 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ ثنا زَيْد بْن حُبَاب , عَنْ إِبْرَاهِيم بْن نَافِع , قَالَ : ثنا الْحَسَن بْن مُسْلِم بْن يَنَاق , عَنْ صَفِيَّة بِنْت شَيْبَة , عَنْ عَائِشَة , قَالَتْ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبهنَّ } قَالَ شَقَقْنَ الْبُرْد مِمَّا يَلِي الْحَوَاشِي , فَاخْتَمَرْنَ بِهِ . 19665 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , أَنَّ قُرَّة بْن عَبْد الرَّحْمَن , أَخْبَرَهُ , عَنِ ابْن شِهَاب , عَنْ عُرْوَة , عَنْ عَائِشَة زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ : يَرْحَم اللَّه النِّسَاء الْمُهَاجِرَات الْأُوَل ! لَمَّا أَنْزَلَ اللَّه : { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبهنَّ } شَقَقْنَ أَكْثَف مُرُوطهنَّ , فَاخْتَمَرْنَ بِهِ .


وَقَوْله : { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ } الَّتِي هِيَ غَيْر ظَاهِرَة بَلْ الْخَفِيَّة مِنْهَا , وَذَلِكَ الْخَلْخَال وَالْقُرْط وَالدُّمْلُج , وَمَا أُمِرَتْ بِتَغْطِيَتِهِ بِخِمَارِهَا مِنْ فَوْق الْجَيْب , وَمَا وَرَاء مَا أُبِيحَ لَهَا كَشْفه وَإِبْرَازه فِي الصَّلَاة وَلِلْأَجْنَبِيِّينَ مِنَ النَّاس , وَالذِّرَاعَيْنِ إِلَى فَوْق ذَلِكَ , إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19666 - ابْن بَشَّار , قَالَ ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ طَلْحَة بْن مُصَرِّف , عَنْ إِبْرَاهِيم : { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ } قَالَ : هَذِهِ مَا فَوْق الذِّرَاع . 19667 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور , قَالَ : سَمِعْت رَجُلًا يُحَدِّث عَنْ طَلْحَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتهنَّ } قَالَ : مَا فَوْق الْجَيْب . قَالَ شُعْبَة : كَتَبَ بِهِ مَنْصُور إِلَيَّ , وَقَرَأْته عَلَيْهِ . 19668 -حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ } قَالَ تُبْدِي لِهَؤُلَاءِ الرَّأْس . 19669 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ } ... إِلَى قَوْله : { عَوْرَات النِّسَاء } قَالَ : الزِّينَة الَّتِي يُبْدِينَهَا لِهَؤُلَاءِ : قُرْطَاهَا وَقِلَادَتهَا وَسِوَارهَا , فَأَمَّا خَلْخَالَاهَا وَمِعْضَدَاهَا وَنَحْرهَا وَشَعْرهَا فَإِنَّهُ لَا تُبْدِيه إِلَّا لِزَوْجِهَا . 19670 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْج , قَالَ : ابْن مَسْعُود , فِي قَوْله : { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ } قَالَ : الطَّوْق وَالْقُرْطَيْنِ , يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره : قُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ الْحَرَائِر لَا يُظْهِرْنَ هَذِهِ الزِّينَة الْخَفِيَّة الَّتِي لَيْسَتْ بِالظَّاهِرَةِ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ , وَهُمْ أَزْوَاجهنَّ , وَاحِدهمْ : بَعْل , أَوْ لِآبَائِهِنَّ , أَوْ لِأَبْنَاءِ بُعُولَتهنَّ , أَوْ لِإِخْوَانِهِنَّ , أَوْ لِبَنِي إِخْوَانهنَّ . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { أَوْ لِإِخْوَانِهِنَّ } أَوْ لِإِخْوَانِهِنَّ , أَوْ لِبَنِي إِخْوَانهنَّ , أَوْ بَنِي أَخَوَاتهنَّ , أَوْ نِسَائِهِمْ . قِيلَ : عُنِيَ بِذَلِكَ نِسَاء الْمُسْلِمِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19671 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَوْله : { أَوْ نِسَائِهِنَّ } قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّهُنَّ نِسَاء الْمُسْلِمِينَ , لَا يَحِلّ لِمُسْلِمَةٍ أَنْ تَرَى مُشْرِكَة عُرْيَتهَا إِلَّا أَنْ تَكُون أَمَة لَهَا , فَذَلِكَ قَوْله : { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانهنَّ } . 19672 - قَالَ : ثني الْحُسَيْن , قَالَ : ثني عِيسَى بْن يُونُس , عَنْ هِشَام بْن الْغَازِيّ , عَنْ عُبَادَة بْن نُسَيّ : أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ تُقَبِّل النَّصْرَانِيَّة الْمُسْلِمَة , أَوْ تَرَى عَوْرَتهَا , وَيَتَأَوَّل : أَوْ نِسَائِهِنَّ . 19673 - قَالَ : ثنا عِيسَى بْن يُونُس , عَنْ هِشَام , عَنْ عُبَادَة , قَالَ : كَتَبَ عُمَر بْن الْخَطَّاب إِلَى أَبِي عُبَيْدَة بْن الْجَرَّاح رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِمَا : أَمَّا بَعْد , فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ نِسَاء يَدْخُلْنَ الْحَمَّامَات وَمَعَهُنَّ نِسَاء أَهْل الْكِتَاب , فَامْنَعْ ذَلِكَ وَحُلْ دُونه ! قَالَ : ثُمَّ إِنَّ أَبَا عُبَيْدَة قَامَ فِي ذَلِكَ الْمَقَام مُبْتَهِلًا : اللَّهُمَّ أَيّمَا امْرَأَة تَدْخُل الْحَمَّام مِنْ غَيْر عِلَّة وَلَا سَقَم تُرِيد الْبَيَاض لِوَجْهِهَا , فَسَوِّدْ وَجْههَا يَوْم تَبْيَضّ الْوُجُوه . وَقَوْله : { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانهنَّ } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ : بَعْضهمْ : أَوْ مَمَالِيكهنَّ , فَإِنَّهُ لَا بَأْس عَلَيْهَا أَنْ تُظْهِر لَهُمْ مِنْ زِينَتهَا مَا تُظْهِرهُ لِهَؤُلَاءِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19674 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ مَخْلَد التَّمِيمِيّ , أَنَّهُ قَالَ , فِي قَوْله : { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانهنَّ } قَالَ : فِي الْقِرَاءَة الْأُولَى : " أَيْمَانكُمْ " . وَقَالَ : آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانهنَّ مِنْ إِمَاء الْمُشْرِكِينَ , كَمَا قَدْ ذَكَرْنَا عَنِ ابْن جُرَيْج قَبْل مِنْ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ : { أَوْ نِسَائِهِنَّ } عَنَى بِهِنَّ النِّسَاء الْمُسْلِمَات دُون الْمُشْرِكَات , ثُمَّ قَالَ : أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانهنَّ مِنَ الْإِمَاء الْمُشْرِكَات .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوِ التَّابِعِينَ غَيْر أُولِي الْإِرْبَة مِنَ الرِّجَال } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَالَّذِينَ يَتَّبِعُونَكُمْ لِطَعَامٍ يَأْكُلُونَهُ عِنْدكُمْ , مِمَّنْ لَا أَرَب لَهُ فِي النِّسَاء مِنَ الرِّجَال , وَلَا حَاجَة إِلَيْهِنَّ , وَلَا يُرِيدهُنَّ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19675 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { أَوِ التَّابِعِينَ غَيْر أُولِي الْإِرْبَة مِنَ الرِّجَال } قَالَ : كَانَ الرَّجُل يَتَّبِع الرَّجُل فِي الزَّمَان الْأَوَّل لَا يَغَار عَلَيْهِ وَلَا تَرْهَب الْمَرْأَة أَنْ تَضَع خِمَارهَا عِنْده , وَهُوَ الْأَحْمَق الَّذِي لَا حَاجَة لَهُ فِي النِّسَاء . 19676 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { أَوِ التَّابِعِينَ غَيْر أُولِي الْإِرْبَة مِنَ الرِّجَال } فَهَذَا الرَّجُل يَتَّبِع الْقَوْم , وَهُوَ مُغَفَّل فِي عَقْله , لَا يَكْتَرِث لِلنِّسَاءِ وَلَا يَشْتَهِيهِنَّ , فَالزِّينَة الَّتِي تُبْدِيهَا لِهَؤُلَاءِ : قُرْطَاهَا وَقِلَادَتهَا وَسِوَارَاهَا ; وَأَمَّا خَلْخَالَاهَا وَمِعْضَدَاهَا وَنَحْرهَا وَشَعْرهَا , فَإِنَّهَا لَا تُبْدِيه إِلَّا لِزَوْجِهَا . 19677 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { أَوِ التَّابِعِينَ } قَالَ : هُوَ التَّابِع يَتْبَعك يُصِيب مِنْ طَعَامك . 19678 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن عُلَيَّة , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { أَوِ التَّابِعِينَ غَيْر أُولِي الْإِرْبَة مِنَ الرِّجَال } قَالَ : الَّذِي يُرِيد الطَّعَام وَلَا يُرِيد النِّسَاء . * - قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { أَوِ التَّابِعِينَ غَيْر أُولِي الْإِرْبَة مِنَ الرِّجَال } الَّذِينَ لَا يَهُمّهُمْ إِلَّا بُطُونهمْ , وَلَا يَخَافُونَ عَلَى النِّسَاء . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 19679 -حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن مُوسَى السُّدِّيّ , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { غَيْر أُولِي الْإِرْبَة } قَالَ : الْأَبْلَه . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن إِدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت لَيْثًا , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { غَيْر أُولِي الْإِرْبَة } قَالَ : هُوَ الْأَبْلَه , الَّذِي لَا يَعْرِف شَيْئًا مِنَ النِّسَاء . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { غَيْر أُولِي الْإِرْبَة مِنَ الرِّجَال } الَّذِي لَا أَرَب لَهُ بِالنِّسَاءِ مِثْل فُلَان . 19680 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن عَطِيَّة , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَمَّنْ حَدَّثَهُ , عَنِ ابْن عَبَّاس : { غَيْر أُولِي الْإِرْبَة } قَالَ : هُوَ الَّذِي لَا تَسْتَحْيِي مِنْهُ النِّسَاء . 19681 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنِ الشَّعْبِيّ : { غَيْر أُولِي الْإِرْبَة } قَالَ : مِنْ تَبَع الرَّجُل وَحَشَمه ; الَّذِي لَمْ يَبْلُغ أَرَبه أَنْ يَطَّلِع عَلَى عَوْرَة النِّسَاء . 19682 -حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ شُعْبَة , عَنِ الْمُغِيرَة , عَنِ الشَّعْبِيّ { غَيْر أُولِي الْإِرْبَة } قَالَ : الَّذِي لَا أَرَب لَهُ فِي النِّسَاء . 19683 - قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : الْمَعْتُوه . 19684 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ مَعْمَر , عَنِ الزُّهْرِيّ فِي قَوْله : { أَوِ التَّابِعِينَ غَيْر أُولِي الْإِرْبَة مِنَ الرِّجَال } قَالَ : هُوَ الْأَحْمَق , الَّذِي لَا هِمَّة لَهُ بِالنِّسَاءِ وَلَا أَرَب . 19685 - وَبِهِ عَنْ مَعْمَر , عَنِ ابْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ , فِي قَوْله : { غَيْر أُولِي الْإِرْبَة مِنَ الرِّجَال } يَقُول : الْأَحْمَق , الَّذِي لَيْسَتْ لَهُ هِمَّة فِي النِّسَاء . 19686 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : الَّذِي لَا حَاجَة لَهُ فِي النِّسَاء . 19687 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ : ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { أَوِ التَّابِعِينَ غَيْر أُولِي الْإِرْبَة مِنَ الرِّجَال } قَالَ : هُوَ الَّذِي يَتْبَع الْقَوْم , حَتَّى كَأَنَّهُ كَانَ مِنْهُمْ وَنَشَأَ فِيهِمْ , وَلَيْسَ يَتْبَعهُمْ لِإِرْبَةِ نِسَائِهِمْ , وَلَيْسَ لَهُ فِي نِسَائِهِمْ إِرْبَة , وَإِنَّمَا يَتْبَعهُمْ لِإِرْفَاقِهِمْ إِيَّاهُ . 19688 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنِ الزُّهْرِيّ , عَنْ عُرْوَة , عَنْ عَائِشَة قَالَتْ : كَانَ رَجُل يَدْخُل عَلَى أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَنَّث , فَكَانُوا يَعُدُّونَهُ مِنْ غَيْر أُولِي الْإِرْبَة , فَدَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا وَهُوَ عِنْد بَعْض نِسَائِهِ وَهُوَ يَنْعَت امْرَأَة , فَقَالَ : إِنَّهَا إِذَا أَقْبَلَتْ أَقْبَلَتْ بِأَرْبَعٍ , وَإِذَا أَدْبَرَتْ أَدْبَرَتْ بِثَمَانٍ . فَقَالَ : النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا أَرَى هَذَا يَعْلَم مَا هَا هُنَا , لَا يَدْخُلَنَّ هَذَا عَلَيْكُمْ ! " فَحَجَبُوهُ . 19689 - حَدَّثَنِي سَعْد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم الْمِصْرِيّ , قَالَ : ثنا حَفْص بْن عُمَر الْعَدَنِيّ , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن أَبَان , عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْله : { أَوِ التَّابِعِينَ غَيْر أُولِي الْإِرْبَة } قَالَ : هُوَ الْمُخَنَّث الَّذِي لَا يَقُوم زُبّه . وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قَوْله : { غَيْر أُولِي الْإِرْبَة } فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض أَهْل الشَّام وَبَعْض أَهْل الْمَدِينَة وَالْكُوفَة : " غَيْر أُولِي الْإِرْبَة " بِنَصْبِ " غَيْر " ; وَلِنَصْبِ " غَيْر " هَا هُنَا وَجْهَانِ : أَحَدهمَا عَلَى الْقَطْع مِنْ " التَّابِعِينَ " , لِأَنَّ " التَّابِعِينَ " مَعْرِفَة وَغَيْر نَكِرَة , وَالْآخَر عَلَى الِاسْتِثْنَاء , وَتَوْجِيه " غَيْر " إِلَى مَعْنَى " إِلَّا " , فَكَأَنَّهُ قِيلَ : إِلَّا . وَقَرَأَ غَيْر مَنْ ذَكَرْت بِخَفْضِ { غَيْر } عَلَى أَنَّهَا نَعْت لِلتَّابِعِينَ , وَجَازَ نَعْت " التَّابِعِينَ " بِ " غَيْر " وَ " التَّابِعُونَ " مَعْرِفَة وَغَيْر نَكِرَة ; لِأَنَّ " التَّابِعِينَ " مَعْرِفَة غَيْر مُؤَقَّتَة . فَتَأْوِيل الْكَلَام عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة : أَوْ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتهمْ . وَالْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى مُسْتَفِيضَة الْقِرَاءَة بِهِمَا فِي الْأَمْصَار , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب , غَيْر أَنَّ الْخَفْض فِي " غَيْر " أَقْوَى فِي الْعَرَبِيَّة , فَالْقِرَاءَة بِهِ أَعْجَب إِلَيَّ , وَالْإِرْبَة : الْفِعْلَة مِنَ الْأَرَب , الْمِثْل الْجِلْسَة مِنَ الْجُلُوس , وَالْمِشْيَة مِنَ الْمَشْي , وَهِيَ الْحَاجَة ; يُقَال : لَا أَرَب لِي فِيك : لَا حَاجَة لِي فِيك ; وَكَذَا أَرِبْت لِكَذَا وَكَذَا إِذَا احْتَجْت إِلَيْهِ , فَأَنَا آرِب لَهُ أَرَبًا. فَأَمَّا الْأُرْبَة , بِضَمِّ الْأَلِف : فَالْعُقْدَة .

وَقَوْله : { أَوِ الطِّفْل الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَات النِّسَاء } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَوِ الطِّفْل الَّذِينَ لَمْ يَكْشِفُوا عَنْ عَوْرَات النِّسَاء بِجِمَاعِهِنَّ فَيَظْهَرُوا عَلَيْهِنَّ لِصِغَرِهِنَّ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19690 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { عَلَى عَوْرَات النِّسَاء } قَالَ : لَمْ يَدْرُوا مَا ثَمَّ , مِنْ الصِّغَر قَبْل الْحُلُم . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله .


وَقَوْله : { وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَم مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتهنَّ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَا يَجْعَلْنَ فِي أَرْجُلهنَّ مِنَ الْحُلِيّ مَا إِذَا مَشَيْنَ أَوْ حَرَكْنَهُنَّ عَلِمَ النَّاس الَّذِينَ مَشَيْنَ بَيْنهمْ مَا يُخْفِينَ مِنْ ذَلِكَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ : أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19691 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : زَعَمَ حَضْرَمِيّ أَنَّ امْرَأَة اتَّخَذَتْ بُرَتَيْنِ مِنْ فِضَّة , وَاتَّخَذَتْ جَزْعًا , فَمَرَّتْ عَلَى قَوْم , فَضَرَبَتْ بِرِجْلِهَا , فَوَقَعَ الْخَلْخَال عَلَى الْجَزْع , فَصَوَّتَ ; فَأَنْزَلَ اللَّه { وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَم مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتهنَّ } . 19692 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك : { وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَم مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتهنَّ } قَالَ : كَانَ فِي أَرْجُلهمْ خَرَز , فَكُنَّ إِذَا مَرَرْنَ بِالْمَجَالِسِ حَرَّكْنَ أَرْجُلهنَّ لِيُعْلَم مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتهنَّ . 19693 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس : { وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ } فَهُوَ أَنْ تَقْرَع الْخَلْخَال بِالْآخَرِ عِنْد الرِّجَال , وَيَكُون فِي رِجْلَيْهَا خَلَاخِل فَتُحَرِّكهُنَّ عِنْد الرِّجَال , فَنَهَى اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ عَمَل الشَّيْطَان . 19694 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَم مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتهنَّ } قَالَ : هُوَ الْخَلْخَال , لَا تَضْرِب امْرَأَة بِرِجْلِهَا لِيُسْمَع صَوْت خَلْخَالهَا . 19695 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَم مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتهنَّ } قَالَ : الْأَجْرَاس مِنْ حُلِيّهنَّ يَجْعَلْنَهَا فِي أَرْجُلهنَّ فِي مَكَان الْخَلَاخِل , فَنَهَاهُنَّ اللَّه أَنْ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِتُسْمَع تِلْكَ الْأَجْرَاس .


وَقَوْله : { وَتُوبُوا إِلَى اللَّه جَمِيعًا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَارْجِعُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ إِلَى طَاعَة اللَّه فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ , مِنْ غَضّ الْبَصَر وَحِفْظ الْفَرْج وَتَرْك دُخُول بُيُوت غَيْر بُيُوتكُمْ مِنْ غَيْر اسْتِئْذَان وَلَا تَسْلِيم , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَمْره وَنَهْيه .


يَقُول : لِتُفْلِحُوا وَتُدْرِكُوا طَلَبَاتكُمْ لَدَيْهِ , إِذَا أَنْتُمْ أَطَعْتُمُوهُ فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ.
وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌسورة النور الآية رقم 32
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادكُمْ وَإِمَائِكُمْ }. يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَزَوِّجُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مَنْ لَا زَوْج لَهُ مِنْ أَحْرَار رِجَالكُمْ وَنِسَائِكُمْ , وَمِنْ أَهْل الصَّلَاح مِنْ عَبِيدكُمْ وَمَمَالِيككُمْ . وَالْأَيَامَى : جَمْع أَيِّم , إِنَّمَا جَمَعَ أَيَامَى لِأَنَّهَا فَعِيلَة فِي الْمَعْنَى , فَجُمِعَتْ كَذَلِكَ كَمَا جُمِعَتِ الْيَتِيمَة : يَتَامَى ; وَمِنْهُ قَوْل جَمِيل . أُحِبّ الْأَيَامَى إِذْ بُثَيْنَة أَيِّم وَأَحْبَبْت لَمَّا أَنْ غَنِيَتِ الْغَوَانِيَا وَلَوْ جُمِعَتْ أَيَائِم كَانَ صَوَابًا . وَالْأَيِّم يُوصَف بِهِ الذَّكَر وَالْأُنْثَى , يُقَال : رَجُل أَيِّم , وَامْرَأَة أَيِّم وَأَيِّمَة : إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْج ; وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : فَإِنْ تَنْكِحِي أَنْكِح وَإِنْ تَتَأَيَّمِي وَإِنْ كُنْت أَفْتَى مِنْكُمْ أَتَأَيَّم

يَقُول : إِنْ يَكُنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَنْكِحُونَهُمْ مِنْ أَيَامَى رِجَالكُمْ وَنِسَائِكُمْ وَعَبِيدكُمْ وَإِمَائِكُمْ أَهْل فَاقَة وَفَقْر , فَإِنَّ اللَّه يُغْنِيهِمْ مِنْ فَضْله , فَلَا يَمْنَعَنَّكُمْ فَقْرهمْ مِنْ إِنْكَاحهمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19696 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادكُمْ وَإِمَائِكُمْ } قَالَ : أَمَرَ اللَّه سُبْحَانه بِالنِّكَاحِ , وَرَغَّبَهُمْ فِيهِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُزَوِّجُوا أَحْرَارهمْ وَعَبِيدهمْ , وَوَعَدَهُمْ فِي ذَلِكَ الْغِنَى , فَقَالَ : { إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّه مِنْ فَضْله } . 19697 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا حَسَن أَبُو الْحَسَن - وَكَانَ إِسْمَاعِيل بْن صُبَيْح مَوْلَى هَذَا - قَالَ : سَمِعْت الْقَاسِم بْن الْوَلِيد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , قَالَ : الْتَمِسُوا الْغِنَى فِي النِّكَاح , يَقُول اللَّه : { إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّه مِنْ فَضْله } . 19698 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن , وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ } قَالَ : أَيَامَى النِّسَاء : اللَّاتِي لَيْسَ لَهُنَّ أَزْوَاج .


وَقَوْله : { وَاللَّه وَاسِع } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَاللَّه وَاسِع الْفَضْل جَوَاد بِعَطَايَاهُ , فَزَوِّجُوا إِمَاءَكُمْ , فَإِنَّ اللَّه وَاسِع يُوَسِّع عَلَيْهِمْ مِنْ فَضْله إِنْ كَانُوا فُقَرَاء .

يَقُول : هُوَ ذُو عِلْم بِالْفَقِيرِ مِنْهُمْ وَالْغَنِيّ , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ حَال خَلْقه فِي شَيْء وَتَدْبِيرهمْ .
وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌسورة النور الآية رقم 33
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيهِمْ اللَّه مِنْ فَضْله } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ } مَا يَنْكِحُونَ بِهِ النِّسَاء عَنْ إِتْيَان مَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنَ الْفَوَاحِش , { حَتَّى يُغْنِيهِمُ اللَّه مِنْ } سَعَة { فَضْله } وَيُوَسِّع عَلَيْهِمْ مِنْ رِزْقه .

وَقَوْله : { وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَاب مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَالَّذِينَ يَلْتَمِسُونَ الْمُكَاتَبَة مِنْكُمْ مِنْ مَمَالِيككُمْ , { فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا }. وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي وَجْه مُكَاتَبَة الرَّجُل عَبْده الَّذِي قَدْ عَلِمَ فِيهِ خَيْرًا , وَهَلْ قَوْله : { فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } عَلَى وَجْه الْفَرْض أَمْ هُوَ عَلَى وَجْه النَّدْب ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : فَرْض عَلَى الرَّجُل أَنْ يُكَاتِب عَبْده الَّذِي قَدْ عَلِمَ فِيهِ خَيْرًا إِذَا سَأَلَهُ الْعَبْد ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19699 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن جُرَيْج , قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ : أَوَاجِب عَلَيَّ إِذَا عَلِمْت مَالًا أَنْ أُكَاتِبهُ ؟ قَالَ : مَا أَرَاهُ إِلَّا وَاجِبًا , وَقَالَهَا عَمْرو بْن دِينَار , قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ : أَتَأْثُرُهُ عَنْ أَحَد ؟ قَالَ : لَا . 19700 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بَكْر , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , أَنَّ سِيرِينَ , أَرَادَ أَنْ يُكَاتِبهُ فَتَلَكَّأَ عَلَيْهِ , فَقَالَ لَهُ عُمَر : لَتُكَاتِبَنَّهُ ! 19701 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : لَا يَنْبَغِي لِرَجُلٍ إِذَا كَانَ عِنْده الْمَمْلُوك الصَّالِح الَّذِي لَهُ الْمَال يُرِيد أَنْ يُكَاتِب أَلَّا يُكَاتِبهُ . وَقَالَ آخَرُونَ : ذَلِكَ غَيْر وَاجِب عَلَى السَّيِّد , وَإِنَّمَا قَوْله : { فَكَاتِبُوهُمْ } : نَدْب مِنَ اللَّه سَادَة الْعَبِيد إِلَى كِتَابَة مَنْ عُلِمَ فِيهِ مِنْهُمْ خَيْر , لَا إِيجَاب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19702 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ مَالِك بْن أَنَس : الْأَمْر عِنْدنَا أَنْ لَيْسَ عَلَى سَيِّد الْعَبْد أَنْ يُكَاتِبهُ إِذَا سَأَلَهُ ذَلِكَ , وَلَمْ أَسْمَع بِأَحَدٍ مِنَ الْأَئِمَّة أَكْرَهَ أَحَدًا عَلَى أَنْ يُكَاتِب عَبْده , وَقَدْ سَمِعْت بَعْض أَهْل الْعِلْم إِذَا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ : إِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُول فِي كِتَابه : { فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } يَتْلُو هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا } 5 2 { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاة فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْض وَابْتَغُوا مِنْ فَضْل اللَّه } 62 10 قَالَ مَالِك : فَإِنَّمَا ذَلِكَ أَمْر أَذِنَ اللَّه فِيهِ لِلنَّاسِ , وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى النَّاس وَلَا يَلْزَم أَحَدًا . وَقَالَ الثَّوْرِيّ : إِذَا أَرَادَ الْعَبْد مِنْ سَيِّده أَنْ يُكَاتِبهُ , فَإِنْ شَاءَ السَّيِّد أَنْ يُكَاتِبهُ كَاتَبَهُ , وَلَا يُجْبَر السَّيِّد عَلَى ذَلِكَ . 19703 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ عَلِيّ عَنْ زَيْد عَنْهُ ; وَحَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } قَالَ : لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ أَنْ يُكَاتِبهُ , إِنَّمَا هَذَا أَمْر أَذِنَ اللَّه فِيهِ وَدَلِيل . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : وَاجِب عَلَى سَيِّد الْعَبْد أَنْ يُكَاتِبهُ إِذَا عَلِمَ فِيهِ خَيْرًا وَسَأَلَهُ الْعَبْد الْكِتَابَة ; وَذَلِكَ أَنَّ ظَاهِر قَوْله : { فَكَاتِبُوهُمْ } ظَاهِر أَمْر , وَأَمْر اللَّه فَرْض الِانْتِهَاء إِلَيْهِ , مَا لَمْ يَكُنْ دَلِيل مِنْ كِتَاب أَوْ سُنَّة عَلَى أَنَّهُ نَدْب , لِمَا قَدْ بَيَّنَّا مِنَ الْعِلَّة فِي كِتَابنَا الْمُسَمَّى " الْبَيَان عَنْ أُصُول الْأَحْكَام " . وَأَمَّا الْخَيْر الَّذِي أَمَرَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عِبَاده بِكِتَابَةِ عَبِيدهمْ إِذَا عَلِمُوهُ فِيهِمْ , فَهُوَ الْقُدْرَة عَلَى الِاحْتِرَاف وَالْكَسْب لِأَدَاءِ مَا كُوتِبُوا عَلَيْهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19704 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَبْد الْكَرِيم الْجَزَرِيّ , عَنْ نَافِع , عَنِ ابْن عُمَر : أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُكَاتِب مَمْلُوكه إِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ حِرْفَة , قَالَ : تُطْعِمنِي أَوْسَاخ النَّاس . 19705 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } يَقُول : إِنْ عَلِمْتُمْ لَهُمْ حِيلَة , وَلَا تُلْقُوا مُؤْنَتهمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ . 19706 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَشْهَب , قَالَ : سُئِلَ مَالِك بْن أَنَس , عَنْ قَوْله : { فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِ خَيْرًا } فَقَالَ : إِنَّهُ لَيُقَال : الْخَيْر الْقُوَّة عَلَى الْأَدَاء . 19707 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : ثني ابْن زَيْد , عَنْ أَبِيهِ , قَوْل اللَّه : { فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } قَالَ : الْخَيْر : الْقُوَّة عَلَى ذَلِكَ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ صِدْقًا وَوَفَاء وَأَدَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19708 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , قَالَ : أَخْبَرَنَا يُونُس , عَنِ الْحَسَن , فِي قَوْله : { فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } قَالَ : صِدْقًا وَوَفَاء وَأَدَاء وَأَمَانَة . 19709 - قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد وَطَاوُس , أَنَّهُمَا قَالَا فِي قَوْله : { فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } قَالَا : مَالًا وَأَمَانَة . 19710 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا جَابِر بْن نُوح , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ أَبِي صَالِح : { فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } قَالَ : أَدَاء وَأَمَانَة . 19711 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنِ الْمُغِيرَة , قَالَ : كَانَ إِبْرَاهِيم يَقُول فِي هَذِهِ الْآيَة : { فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } قَالَ : صِدْقًا وَوَفَاء , أَوْ أَحَدهمَا . 19712 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر , قَالَ : ثنا ابْن إِدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي سُلَيْمَان , عَنْ عَطَاء , فِي قَوْله : { فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } قَالَ : أَدَاء وَمَالًا . 19713 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ : عَمْرو بْن دِينَار : أَحْسِبهُ كُلّ ذَلِكَ الْمَال وَالصَّلَاح . 19714 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا زَيْد , قَالَ : ثنا سُفْيَان : { إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } يَعْنِي : صِدْقًا وَوَفَاء وَأَمَانَة . 19715 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } قَالَ : إِنْ عَلِمْت فِيهِ خَيْرًا لِنَفْسِك , يُؤَدِّي إِلَيْك وَيَصْدُقك مَا حَدَّثَك , فَكَاتِبْهُ . وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : إِنْ عَلِمْتُمْ لَهُمْ مَالًا . 19716 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } يَقُول : إِنْ عَلِمْتُمْ لَهُمْ مَالًا . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : { إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } قَالَ : مَالًا . 19717 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار وَابْن الْمُثَنَّى , قَالَا : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنِ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد : { فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } قَالَ : مَالًا . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنِ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } قَالَ : لَهُمْ مَالًا , فَكَاتِبُوهُمْ . * - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 19718 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِ خَيْرًا } قَالَ : إِنْ عَلِمْتُمْ لَهُمْ مَالًا , كَائِنَة أَخْلَاقهمْ وَأَدْيَانهمْ مَا كَانَتْ . 19719 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور , عَنْ زَاذَان , عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح : { فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } قَالَ : مَالًا . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْر , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : إِنْ عَلِمْتُمْ عِنْدهمْ مَالًا . 19720 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو الْيَافِعِيّ , عَنِ ابْن جُرَيْج , أَنَّ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح , كَانَ يَقُول : مَا نَرَاهُ إِلَّا الْمَال , يَعْنِي قَوْله : { إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا } قَالَ : ثُمَّ تَلَا : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا } . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال فِي مَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ قُوَّة عَلَى الِاحْتِرَاف وَالِاكْتِسَاب وَوَفَاء بِمَا أَوْجَبَ عَلَى نَفْسه وَأَلْزَمَهَا وَصَدَقَ لَهْجَة . وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْمَعَانِي هِيَ الْأَسْبَاب الَّتِي بِمَوْلَى الْعَبْد الْحَاجَة إِلَيْهَا إِذَا كَاتَبَ عَبْده مِمَّا يَكُون فِي الْعَبْد ; فَأَمَّا الْمَال وَإِنْ كَانَ مِنَ الْخَيْر , فَإِنَّهُ لَا يَكُون فِي الْعَبْد وَإِنَّمَا يَكُون عِنْده أَوْ لَهُ لَا فِيهِ , وَاللَّه إِنَّمَا أَوْجَبَ عَلَيْنَا مُكَاتَبَة الْعَبْد إِذَا عَلِمْنَا فِيهِ خَيْرًا لَا إِذَا عَلِمْنَا عِنْده أَوْ لَهُ , فَلِذَلِكَ لَمْ نَقُلْ : إِنَّ الْخَيْر فِي هَذَا الْمَوْضِع مَعْنِيّ بِهِ الْمَال .
وَقَوْله : { وَآتُوهُمْ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي آتَاكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَعْطُوهُمْ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي أَعْطَاكُمْ . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَأْمُور بِإِعْطَائِهِ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي أَعْطَاهُ مَنْ هُوَ ؟ وَفِي الْمَال أَيّ الْأَمْوَال هُوَ ؟ فَقَالَ : بَعْضهمْ : الَّذِي أَمَرَ اللَّه بِإِعْطَاءِ الْمُكَاتَب مِنْ مَال اللَّه هُوَ مَوْلَى الْعَبْد الْمُكَاتَب , وَمَال اللَّه الَّذِي أَمَرَ بِإِعْطَائِهِ مِنْهُ هُوَ مَال الْكِتَابَة , وَالْقَدْر الَّذِي أَمَرَ أَنْ يُعْطِيه مِنْهُ الرُّبُع . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَا شَاءَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْلَى . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19721 - حَدَّثَنِي عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا عِمْرَان بْن عُيَيْنَة , قَالَ : ثنا عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ , عَنْ عَلِيّ فِي قَوْل اللَّه : { وَآتُوهُمْ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي آتَاكُمْ } قَالَ : رُبُع الْمُكَاتَبَة . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عَرَفَة , قَالَ ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد الْمُحَارِبِيّ , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ , عَنْ عَلِيّ , فِي قَوْل اللَّه : { وَآتُوهُمْ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي آتَاكُمْ } قَالَ : رُبُع الْكِتَابَة يَحُطّهَا عَنْهُ . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , , عَنْ لَيْث , عَنْ عَبْد الْأَعْلَى , عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , فِي قَوْل اللَّه : { وَآتُوهُمْ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي آتَاكُمْ } قَالَ : الرُّبُع مِنْ أَوَّل نُجُومه . * - قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ , عَنْ عَلِيّ , فِي قَوْله : { وَآتُوهُمْ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي آتَاكُمْ } قَالَ : الرُّبُع مِنْ مُكَاتَبَته . 19722 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل الْأَحْمَسِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن عُبَيْد , قَالَ : ثني عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي سُلَيْمَان , عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَعْيَن , قَالَ : كَاتَبَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن غُلَامًا فِي أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم , ثُمَّ وَضَعَ لَهُ الرُّبُع , ثُمَّ قَالَ : لَوْلَا أَنِّي رَأَيْت عَلِيًّا رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِ كَاتَبَ غُلَامًا لَهُ ثُمَّ وَضَعَ لَهُ الرُّبُع , مَا وَضَعْت لَك شَيْئًا . 19723 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ عَبْد الْأَعْلَى , عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ : أَنَّهُ كَاتَبَ غُلَامًا لَهُ عَلَى أَلْف وَمِائَتَيْنِ , فَتَرَكَ الرُّبُع وَأَشْهَدَنِي , فَقَالَ لِي : كَانَ صَدِيقك يَفْعَل هَذَا , يَعْنِي عَلِيًّا رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِ , يَتَأَوَّل : { وَآتُوهُمْ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي آتَاكُمْ } . 19724 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَبْد الْمَلِك , قَالَ : ثني فَضَالَة بْن أَبِي أُمَيَّة , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : كَاتَبَنِي عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , فَاسْتَقْرَضَ لِي مِنْ حَفْصَة مِائَتَيْ دِرْهَم . قُلْت : أَلَا تَجْعَلهَا فِي مُكَاتَبَتِي ؟ قَالَ : إِنِّي لَا أَدْرِي أُدْرِك ذَاكَ أَمْ لَا . 19725 - قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , بَلَغَنِي أَنَّهُ كَاتَبَهُ عَلَى مِائَة أُوقِيَّة : قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَبْد الْمَلِك , قَالَ : ذَكَرْت ذَلِكَ لِعِكْرِمَة , فَقَالَ : هُوَ قَوْل اللَّه : { وَآتُوهُمْ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي آتَاكُمْ } . 19726 -حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْل اللَّه { وَآتُوهُمْ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي آتَاكُمْ } يَقُول : ضَعُوا عَنْهُمْ مِنْ مُكَاتَبَتهمْ . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس : { وَآتُوهُمْ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي آتَاكُمْ } يَقُول : ضَعُوا عَنْهُمْ مِمَّا قَاطَعْتُمُوهُمْ عَلَيْهِ . 19727 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن إِدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي سُلَيْمَان , عَنْ عَطَاء , فِي قَوْله : { وَآتُوهُمْ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي آتَاكُمْ } قَالَ : مِمَّا أَخْرَجَ اللَّه لَكُمْ مِنْهُمْ . 19728 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا ابْن إِدْرِيس , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد : { وَآتُوهُمْ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي آتَاكُمْ } قَالَ : آتِهِمْ مِمَّا فِي يَدَيْك . 19729 - حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن عَمْرو الْعَنْقَزِيّ , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : كَاتَبَتْنِي زَيْنَب بِنْت قَيْس بْن مَخْرَمَة مِنْ بَنِي الْمُطَّلِب بْن عَبْد مَنَاف عَلَى عَشْرَة آلَاف , فَتَرَكَتْ لِي أَلْفًا ; وَكَانَتْ زَيْنَب قَدْ صَلَّتْ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَتَيْنِ جَمِيعًا . 19730 - حَدَّثَنَا مُجَاهِد بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن مَسْعُود الْجُرَيْرِيّ , عَنْ أَبِي نَضْرَة , عَنْ أَبِي سَعِيد , مَوْلَى أَبِي أَسِيد , قَالَ : كَاتَبَنِي أَبُو أَسِيد , عَلَى ثِنْتَيْ عَشْرَة مِائَة , فَجِئْته بِهَا , فَأَخَذَ مِنْهَا أَلْفًا وَرَدَّ عَلَيَّ مِائَتَيْنِ . 19731 -حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون بْن الْمُغِيرَة , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ سَالِم الْأَفْطَس , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : كَانَ ابْن عُمَر إِذَا كَاتَبَ مُكَاتَبه لَمْ يَضَع عَنْهُ شَيْئًا مِنْ أَوَّل نُجُومه مَخَافَة أَنْ يَعْجَز فَتَرْجِع إِلَيْهِ صَدَقَته , وَلَكِنَّهُ إِذَا كَانَ فِي آخِر مُكَاتَبَته وَضَعَ عَنْهُ مَا أَحَبَّ . 19732 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي مَخْرَمَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ نَافِع , قَالَ : كَاتَبَ عَبْد اللَّه بْن عُمَر غُلَامًا لَهُ يُقَال لَهُ شَرَف عَلَى خَمْسَة وَثَلَاثِينَ أَلْف دِرْهَم , فَوَضَعَ مِنْ آخِر كِتَابَته خَمْسَة آلَاف , وَلَمْ يَذْكُر نَافِع أَنَّهُ أَعْطَاهُ شَيْئًا غَيْر الَّذِي وَضَعَ لَهُ . 19733 - قَالَ أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ مَالِك : سَمِعْت بَعْض أَهْل الْعِلْم يَقُول : إِنَّ ذَلِكَ أَنْ يُكَاتِب الرَّجُل غُلَامه , ثُمَّ يَضَع عَنْهُ مِنْ آخِر كِتَابَته شَيْئًا مُسَمًّى . قَالَ مَالِك : وَذَلِكَ أَحْسَن مَا سَمِعْت , وَعَلَى ذَلِكَ أَهْل الْعِلْم وَعَمَل النَّاس عِنْدنَا . 19734 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا زَيْد , قَالَ : ثنا سُفْيَان : أَحَبّ إِلَيَّ أَنْ يُعْطِيه الرُّبُع أَوْ أَقَلّ مِنْهُ شَيْئًا , وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ ; وَأَنْ يَفْعَل ذَلِكَ حَسَن . * - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَطَاء , عَنْ عَبْد اللَّه بْن حَبِيب أَبِي عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ , عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : { وَآتُوهُمْ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي آتَاكُمْ } قَالَ : هُوَ رُبُع الْمُكَاتَبَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ حَضّ مِنْ اللَّه أَهْل الْأَمْوَال عَلَى أَنْ يُعْطُوهُمْ سَهْمهمْ الَّذِي جَعَلَهُ لَهُمْ مِنَ الصَّدَقَات الْمَفْرُوضَة لَهُمْ فِي أَمْوَالهمْ بِقَوْلِهِ : { إِنَّمَا الصَّدَقَات لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِين وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ وَفِي الرِّقَاب } 9 60 قَالَ : فَالرِّقَاب الَّتِي جُعِلَ فِيهَا أَحَد سُهْمَان الصَّدَقَة الثَّمَانِيَة هُمْ الْمُكَاتَبُونَ , قَالَ : وَإِيَّاهُ عَنَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَآتُوهُمْ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي آتَاكُمْ } : أَيْ سَهْمهمْ مِنَ الصَّدَقَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19735 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثني يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , عَنِ ابْن زَيْد , عَنْ أَبِيهِ , قَوْله : { وَآتُوهُمْ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي آتَاكُمْ } قَالَ : يَحُثّ اللَّه عَلَيْهِ , يُعْطَوْنَهُ . 19736 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثني ابْن عُلَيَّة , قَالَ : أَخْبَرَنَا يُونُس , عَنِ الْحَسَن : { وَآتُوهُمْ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي آتَاكُمْ } قَالَ : حَثَّ النَّاس عَلَيْهِ ; مَوْلَاهُ وَغَيْره . 19737 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم , فِي قَوْله : { وَآتُوهُمْ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي آتَاكُمْ } قَالَ : يُعْطِي مُكَاتَبه وَغَيْره , حَثَّ النَّاس عَلَيْهِ . 19738 -حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْله : { وَآتُوهُمْ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي آتَاكُمْ } قَالَ : أَمَرَ مَوْلَاهُ وَالنَّاس جَمِيعًا أَنْ يُعِينُوهُ . * - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم : { وَآتُوهُمْ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي آتَاكُمْ } قَالَ : أَمَرَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعْطُوهُمْ مِمَّا آتَاهُمْ اللَّه . 19739 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : ثني ابْن زَيْد , عَنْ أَبِيهِ : { وَآتُوهُمْ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي آتَاكُمْ } قَالَ : ذَلِكَ فِي الزَّكَاة عَلَى الْوُلَاة يُعْطُونَهُمْ مِنْ الزَّكَاة , يَقُول اللَّه { وَفِي الرِّقَاب } 9 60 . 19740 - قَالَ : ثني ابْن زَيْد , عَنْ أَبِيهِ : { وَآتُوهُمْ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي آتَاكُمْ } قَالَ : الْفَيْء وَالصَّدَقَات . وَقَرَأَ قَوْل اللَّه : { إِنَّمَا الصَّدَقَات لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِين } 9 60 , وَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { وَفِي الرِّقَاب } 9 60 فَأَمَرَ اللَّه أَنْ يُوَفُّوهَا مِنْهُ , فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ الْكِتَابَة . قَالَ : وَكَانَ أَبِي يَقُول : مَاله وَلِلْكِتَابَةِ هُوَ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي فَرَضَ لَهُ فِيهِ نَصِيبًا . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي الْقَوْل الثَّانِي , وَهُوَ قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى بِهِ إِيتَاءَهُمْ سَهْمهمْ مِنَ الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ ; لِأَنَّ قَوْله : { وَآتُوهُمْ مِنْ مَال اللَّه الَّذِي آتَاكُمْ } أَمْر مِنَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره بِإِيتَاءِ الْمُكَاتَبِينَ مِنْ مَاله الَّذِي آتَى أَهْل الْأَمْوَال , وَأَمْر اللَّه فَرْض عَلَى عِبَاده الِانْتِهَاء إِلَيْهِ , مَا لَمْ يُخْبِرهُمْ أَنَّ مُرَاده النَّدْب , لِمَا قَدْ بَيَّنَّا فِي غَيْر مَوْضِع مِنْ كِتَابنَا . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَلَمْ يَكُنْ أَخْبَرَنَا فِي كِتَابه وَلَا عَلَى لِسَان رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَدْب , فَفَرْض وَاجِب . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَتِ الْحُجَّة قَدْ قَامَتْ أَنْ لَا حَقّ لِأَحَدٍ فِي مَال أَحَد غَيْره مِنْ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا مَا أَوْجَبَهُ اللَّه لِأَهْلِ سُهْمَان الصَّدَقَة فِي أَمْوَال الْأَغْنِيَاء مِنْهُمْ , وَكَانَتِ الْكِتَابَة الَّتِي يَقْتَضِيهَا سَيِّد الْمُكَاتَب مِنْ مُكَاتَبه مَالًا مِنْ مَال سَيِّد الْمُكَاتَب ; فَيُفَاد أَنَّ الْحَقّ الَّذِي أَوْجَبَ اللَّه لَهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُؤْتُوهُ مِنْ أَمْوَالهمْ هُوَ مَا فَرَضَ عَلَى الْأَغْنِيَاء فِي أَمْوَالهمْ لَهُ مِنْ الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة , إِذْ كَانَ لَا حَقّ فِي أَمْوَالهمْ لِأَحَدٍ سِوَاهَا.


الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَض الْحَيَاة الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِههُنَّ فَإِنَّ اللَّه مِنْ بَعْد إِكْرَاههنَّ غَفُور رَحِيم } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : زَوِّجُوا الصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادكُمْ وَإِمَائِكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا إِمَاءَكُمْ عَلَى الْبِغَاء , وَهُوَ الزِّنَا ; { إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا } يَقُول : إِنْ أَرَدْنَ تَعَفُّفًا عَنْ الزِّنَا . { لِتَبْتَغُوا عَرَض الْحَيَاة الدُّنْيَا } يَقُول : لِتَلْتَمِسُوا بِإِكْرَاهِكُمْ إِيَّاهُنَّ عَلَى الزِّنَا عَرَض الْحَيَاة , وَذَلِكَ مَا تَعْرِض لَهُمْ إِلَيْهِ الْحَاجَة مِنْ رِيَاشهَا وَزِينَتهَا وَأَمْوَالهَا . { وَمَنْ يُكْرِههُنَّ } يَقُول : وَمَنْ يُكْرِه فَتَيَاته عَلَى الْبِغَاء , فَإِنَّ اللَّه مِنْ بَعْد إِكْرَاهه إِيَّاهُنَّ عَلَى ذَلِكَ , لَهُمْ { غَفُور رَحِيم } وَوِزْر مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ دُونهنَّ . وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة أُنْزِلَتْ فِي عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ ابْن سَلُول حِين أَكْرَهَ أَمَته مُسَيْكَة عَلَى الزِّنَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19741 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن الصَّبَّاح , قَالَ : ثنا حَجَّاج بْن مُحَمَّد , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْر , أَنَّهُ سَمِعَ جَابِر بْن عَبْد اللَّه يَقُول : جَاءَتْ مُسَيْكَة لِبَعْضِ الْأَنْصَار فَقَالَتْ : إِنَّ سَيِّدِي يُكْرِهنِي عَلَى الزِّنَا ! فَنَزَلَتْ فِي ذَلِكَ : { وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتكُمْ عَلَى الْبِغَاء } . 19742 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن إِبْرَاهِيم الْمَسْعُودِيّ , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدّه , عَنِ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي سُفْيَان عَنْ جَابِر , قَالَ : كَانَتْ جَارِيَة لِعَبْدِ اللَّه بْن أُبَيّ ابْن سَلُول يُقَال لَهَا مُسَيْكَة , فَآجَرَهَا أَوْ أَكْرَهَهَا -الطَّبَرِيّ شَكَّ - فَأَتَتْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَكَتْ ذَلِكَ إِلَيْهِ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَض الْحَيَاة الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِههُنَّ فَإِنَّ اللَّه مِنْ بَعْد إِكْرَاههنَّ غَفُور رَحِيم } يَعْنِي بِهِنَّ . 19743 - حَدَّثَنَا أَبُو حُصَيْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن يُونُس , قَالَ : ثنا عَبْثَر , قَالَ : ثنا حُصَيْن , عَنِ الشَّعْبِيّ , فِي قَوْله : { وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتكُمْ عَلَى الْبِغَاء } قَالَ : رَجُل كَانَتْ لَهُ جَارِيَة تَفْجُر , فَلَمَّا أَسْلَمَتْ نَزَلَتْ هَذِهِ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْر , عَنْ جَابِر , قَالَ : جَاءَتْ جَارِيَة لِبَعْضِ الْأَنْصَار , فَقَالَ : إِنَّ سَيِّدِي أَكْرَهَنِي عَلَى الْبِغَاء ! فَأَنْزَلَ اللَّه فِي ذَلِكَ : { وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتكُمْ عَلَى الْبِغَاء } . 19744 -قَالَ ابْن جُرَيْج : وَأَخْبَرَنِي عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : أَمَة لِعَبْدِ اللَّه بْن أُبَيّ , أَمَرَهَا فَزَنَتْ , فَجَاءَتْ بِبُرْدٍ , فَقَالَ لَهَا : ارْجِعِي فَازْنِي ! قَالَتْ : وَاللَّه لَا أَفْعَل , إِنْ يَكُ هَذَا خَيْرًا فَقَدْ اسْتَكْثَرْت مِنْهُ , وَإِنْ يَكُ شَرًّا فَقَدْ آنَ لِي أَنْ أَدَعهُ . قَالَ ابْن جُرَيْج , وَقَالَ مُجَاهِد نَحْو ذَلِكَ , وَزَادَ قَالَ : الْبِغَاء الزِّنَا . { وَاللَّه غَفُور رَحِيم } قَالَ : لِلْمُكْرَهَاتِ عَلَى الزِّنَا , وَفِيهَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة . 19745 -حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنِ الزُّهْرِيّ : أَنَّ رَجُلًا مِنْ قُرَيْش أُسِرَ يَوْم بَدْر . وَكَانَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ أَسَرَهُ , وَكَانَ لِعَبْدِ اللَّه جَارِيَة يُقَال : لَهَا مُعَاذَة , فَكَانَ الْقُرَشِيّ الْأَسِير يُرِيدهَا عَلَى نَفْسهَا , وَكَانَتْ مُسْلِمَة , فَكَانَتْ تَمْتَنِع مِنْهُ لِإِسْلَامِهَا , وَكَانَ ابْن أُبَيّ يُكْرِههَا عَلَى ذَلِكَ وَيَضْرِبهَا رَجَاء أَنْ تَحْمِل لِلْقُرَشِيِّ فَيَطْلُب فِدَاء وَلَده , فَقَالَ اللَّه : { وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا } قَالَ الزُّهْرِيّ : { وَمَنْ يُكْرِههُنَّ فَإِنَّ اللَّه مِنْ بَعْد إِكْرَاههنَّ غَفُور رَحِيم } يَقُول : غَفُور لَهُنَّ مَا أُكْرِهْنَ عَلَيْهِ . 19746 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن يَمَان , عَنْ أَشْعَث , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : " فَإِنَّ اللَّه مِنْ بَعْد إِكْرَاههنَّ لَهُنَّ غَفُور رَحِيم " . 19747 - حَدَّثَنَا عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا } يَقُول : وَلَا تُكْرِهُوا إِمَاءَكُمْ عَلَى الزِّنَا , فَإِنْ فَعَلْتُمْ فَإِنَّ اللَّه سُبْحَانه لَهُنَّ غَفُور رَحِيم وَإِثْمهنَّ عَلَى مَنْ أَكْرَهَهُنَّ . 19748 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتكُمْ عَلَى الْبِغَاء } ... إِلَى آخِر الْآيَة , قَالَ : كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة يُكْرِهُونَ إِمَاءَهُمْ عَلَى الزِّنَا , يَأْخُذُونَ أُجُورهنَّ , فَقَالَ اللَّه : لَا تُكْرِهُوهُنَّ عَلَى الزِّنَا مِنْ أَجْل الْمَنَالَة فِي الدُّنْيَا , وَمَنْ يُكْرِههُنَّ فَإِنَّ اللَّه مِنْ بَعْد إِكْرَاههنَّ غَفُور رَحِيم لَهُنَّ ; يَعْنِي إِذَا أُكْرِهْنَ . 19749 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتكُمْ عَلَى الْبِغَاء } عَلَى الزِّنَا . قَالَ : عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ ابْن سَلُول أَمَرَ أَمَة لَهُ بِالزِّنَا , فَجَاءَتْهُ بِدِينَارٍ أَوْ بِبُرْدٍ - شَكَّ أَبُو عَاصِم - فَأَعْطَتْهُ , فَقَالَ : ارْجِعِي فَازْنِي بِآخَر ! فَقَالَتْ : وَاللَّه مَا أَنَا بِرَاجِعَةٍ , فَاللَّه غَفُور رَحِيم لِلْمُكْرَهَاتِ عَلَى الزِّنَا ! فَفِي هَذَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة . * - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوه , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثه : أَمَرَ أَمَة لَهُ بِالزِّنَا , فَزَنَتْ , فَجَاءَتْهُ بِبُرْدٍ فَأَعْطَتْهُ . فَلَمْ يَشُكّ . 19750 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله { وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتكُمْ عَلَى الْبِغَاء } يَقُول : عَلَى الزِّنَا . { فَإِنَّ اللَّه مِنْ بَعْد إِكْرَاههنَّ غَفُور رَحِيم } يَقُول : غَفُور لَهُنَّ , لِلْمُكْرَهَاتِ عَلَى الزِّنَا . 19751 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ : ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَمَنْ يُكْرِههُنَّ فَإِنَّ اللَّه مِنْ بَعْد إِكْرَاههنَّ غَفُور } قَالَ : غَفُور رَحِيم لَهُنَّ حِين أُكْرِهْنَ وَقُسِرْنَ عَلَى ذَلِكَ . 19752 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : كَانُوا يَأْمُرُونَ وَلَائِدهمْ يُبَاغِينَ , يَفْعَلْنَ ذَلِكَ , فَيُصِبْنَ , فَيَأْتِينَهُمْ بِكَسْبِهِنَّ , فَكَانَتْ لِعَبْدِ اللَّه بْن أُبَيّ ابْن سَلُول جَارِيَة , فَكَانَتْ تُبَاغِي , فَكَرِهَتْ وَحَلَفَتْ أَنْ لَا تَفْعَلهُ , فَأَكْرَهَهَا أَهْلهَا , فَانْطَلَقَتْ فَبَاغَتَ بِبُرْدٍ أَخْضَر , فَأَتَتْهُمْ بِهِ , فَأَنْزَلَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتكُمْ عَلَى الْبِغَاء } ... الْآيَة .
وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلا مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَسورة النور الآية رقم 34
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَات مُبَيِّنَات } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ أَيّهَا النَّاس دَلَالَات وَعَلَامَات مُبَيِّنَات ; يَقُول : مُفَصِّلَات الْحَقّ مِنَ الْبَاطِل , وَمُوَضِّحَات ذَلِكَ . وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَبَعْض الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ " مُبَيَّنَات " بِفَتْحِ الْيَاء : بِمَعْنَى مُفَصَّلَات , وَأَنَّ اللَّه فَصَّلَهُنَّ وَبَيَّنَهُنَّ لِعِبَادِهِ , فَهُنَّ مُفَصَّلَات مُبَيَّنَات . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة : { مُبَيِّنَات } بِكَسْرِ الْيَاء , بِمَعْنَى أَنَّ الْآيَات هُنَّ تُبَيِّن الْحَقّ وَالصَّوَاب لِلنَّاسِ وَتَهْدِيهِمْ إِلَى الْحَقّ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ , وَقَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا عُلَمَاء مِنْ الْقُرَّاء , مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه إِذْ فَصَّلَهَا وَبَيَّنَهَا صَارَتْ مُبَيِّنَة بِنَفْسِهَا الْحَقّ لِمَنِ الْتَمَسَهُ مِنْ قِبَلهَا , وَإِذَا بَيَّنَتْ ذَلِكَ لِمَنِ الْتَمَسَهُ مِنْ قِبَلهَا فَيُبَيِّن اللَّه ذَلِكَ فِيهَا . فَبِأَيِّ الْقِرَاءَتَيْنِ قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب فِي قِرَاءَته الصَّوَاب .

وَقَوْله : { وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلكُمْ } مِنْ الْأُمَم , وَمَوْعِظَة لِمَنِ اتَّقَى اللَّه , فَخَافَ عِقَابه وَخَشِيَ عَذَابه .
اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لّا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌسورة النور الآية رقم 35
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اللَّه نُور السَّمَاوَات وَالْأَرْض } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { اللَّه نُور السَّمَاوَات وَالْأَرْض } هَادِي مَنْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض , فَهُمْ بِنُورِهِ إِلَى الْحَقّ يَهْتَدُونَ وَبِهُدَاهُ مِنْ حِيرَة الضَّلَالَة يَعْتَصِمُونَ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ فِيهِ نَحْو الَّذِي قُلْنَا . ذِكْر مَنْ قَالَ : ذَلِكَ : 19753 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { اللَّه نُور السَّمَاوَات وَالْأَرْض } يَقُول اللَّه سُبْحَانه هَادِي أَهْل السَّمَاوَات وَالْأَرْض . 19754 - حَدَّثَنِي سُلَيْمَان بْن عُمَر بْن خَلْدَة الرَّقِّيّ , قَالَ : ثنا وَهْب بْن رَاشِد , عَنْ فَرْقَد , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , قَالَ : إِنَّ إِلَهِي يَقُول : نُورِي هُدَايَ . وَقَالَ : آخَرُونَ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : اللَّه مُدَبِّر السَّمَاوَات وَالْأَرْض . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19755 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد وَابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { اللَّه نُور السَّمَاوَات وَالْأَرْض } يُدَبِّر الْأَمْر فِيهِمَا : نُجُومهمَا وَشَمْسهمَا وَقَمَرهمَا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ النُّور الضِّيَاء . وَقَالُوا : مَعْنَى ذَلِكَ : ضِيَاء السَّمَاوَات وَالْأَرْض . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19756 - حَدَّثَنِي عَبْد الْأَعْلَى بْن وَاصِل , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنِ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب , فِي قَوْل اللَّه : { اللَّه نُور السَّمَاوَات وَالْأَرْض } قَالَ : فَبَدَأَ بِنُورِ نَفْسه , فَذَكَرَهُ , ثُمَّ ذَكَرَ نُور الْمُؤْمِن . وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْقَوْل الَّذِي اخْتَرْنَاهُ فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ عَقِيب قَوْله : { وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَات مُبَيِّنَات وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلكُمْ وَمَوْعِظَة لِلْمُتَّقِينَ } فَكَانَ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُون خَبَرًا عَنْ مَوْقِع يَقَع تَنْزِيله مِنْ خَلْقه وَمِنْ مَدْح مَا ابْتَدَأَ بِذِكْرِ مَدْحه , أَوْلَى وَأَشْبَه , مَا لَمْ يَأْتِ مَا يَدُلّ عَلَى انْقِضَاء الْخَبَر عَنْهُ مِنْ غَيْره . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَتَأْوِيل الْكَلَام : وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ أَيّهَا النَّاس آيَات مُبَيِّنَات الْحَقّ مِنَ الْبَاطِل { وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلكُمْ وَمَوْعِظَة لِلْمُتَّقِينَ } فَهَدَيْنَاكُمْ بِهَا , وَبَيَّنَّا لَكُمْ مَعَالِم دِينكُمْ بِهَا ; لِأَنِّي هَادِي أَهْل السَّمَاوَات وَأَهْل الْأَرْض . وَتَرَكَ وَصْل الْكَلَام بِاللَّامِ , وَابْتَدَأَ الْخَبَر عَنْ هِدَايَة خَلْقه ابْتِدَاء , وَفِيهِ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْت , اسْتِغْنَاء بِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ مِنْ ذِكْره .

ثُمَّ ابْتَدَأَ فِي الْخَبَر عَنْ مَثَل هِدَايَته خَلْقه بِالْآيَاتِ الْمُبَيِّنَات الَّتِي أَنْزَلَهَا إِلَيْهِمْ , فَقَالَ : { مَثَل نُوره كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاح } يَقُول : مِثْل مَا أَنَارَ مِنَ الْحَقّ بِهَذَا التَّنْزِيل فِي بَيَانه كَمِشْكَاةٍ . وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِالْهَاءِ فِي قَوْله : { مَثَل نُوره } عَلَامَ هِيَ عَائِدَة ؟ وَمِنْ ذِكْر مَا هِيَ ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ مِنْ ذِكْر الْمُؤْمِن . وَقَالُوا : مَعْنَى الْكَلَام : مَثَل نُور الْمُؤْمِن الَّذِي فِي قَلْبه مِنَ الْإِيمَان وَالْقُرْآن مَثَل مِشْكَاة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19757 -حَدَّثَنَا عَبْد الْأَعْلَى بْن وَاصِل , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنِ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب , فِي قَوْل اللَّه : { مَثَل نُوره } قَالَ : ذَكَرَ نُور الْمُؤْمِن فَقَالَ : مَثَل نُوره , يَقُول مَثَل نُور الْمُؤْمِن . قَالَ : وَكَانَ أُبَيّ يَقْرَؤُهَا كَذَلِكَ : " مَثَل الْمُؤْمِن " . قَالَ : هُوَ الْمُؤْمِن قَدْ جُعِلَ الْإِيمَان وَالْقُرْآن فِي صَدْره . * -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب : { اللَّه نُور السَّمَاوَات وَالْأَرْض مَثَل نُوره } قَالَ : بَدَأَ بِنُورِ نَفْسه فَذَكَرَهُ , ثُمَّ قَالَ : { مَثَل نُوره } يَقُول : مَثَل نُور مَنْ آمَنَ بِهِ . قَالَ : وَكَذَلِكَ كَانَ يَقْرَأ أُبَيّ , قَالَ : هُوَ عَبْد جَعَلَ اللَّه الْقُرْآن وَالْإِيمَان فِي صَدْره . 19758 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { مَثَل نُوره } قَالَ : مَثَل نُور الْمُؤْمِن . 19759 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن الْحَسَن الْأَزْدِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن الْيَمَان , عَنْ أَبِي سِنَان , عَنْ ثَابِت , عَنِ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { مَثَل نُوره } قَالَ : نُور الْمُؤْمِن . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِالنُّورِ : مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَالُوا : الْهَاء الَّتِي قَوْله : { مَثَل نُوره } عَائِدَة عَلَى اسْم اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19760 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب الْقُمِّيّ , عَنْ حَفْص , عَنْ شَمِر , قَالَ : جَاءَ ابْن عَبَّاس إِلَى كَعْب الْأَحْبَار , فَقَالَ لَهُ : حَدِّثْنِي عَنْ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { اللَّه نُور السَّمَاوَات وَالْأَرْض } ... الْآيَة ؟ فَقَالَ كَعْب : اللَّه نُور السَّمَاوَات وَالْأَرْض , مَثَل نُوره ; مَثَل مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , كَمِشْكَاةٍ . 19761 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن الْحَسَن الْأَزْدِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن الْيَمَان , عَنْ أَشْعَث , عَنْ جَعْفَر بْن أَبِي الْمُغِيرَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر فِي قَوْله : { مَثَل نُوره } قَالَ : مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ : هَدْي اللَّه وَبَيَانه , وَهُوَ الْقُرْآن . قَالُوا : وَالْهَاء مِنْ ذِكْر اللَّه , قَالُوا : وَمَعْنَى الْكَلَام : اللَّه هَادِي أَهْل السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِآيَاتِهِ الْمُبَيِّنَات , وَهِيَ النُّور الَّذِي اسْتَنَارَ بِهِ السَّمَاوَات وَالْأَرْض , مِثْل هُدَاهُ وَآيَاته الَّتِي هَدَى بِهَا خَلْقه وَوَعَظَهُمْ بِهَا فِي قُلُوب الْمُؤْمِنِينَ كَمِشْكَاةٍ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19762 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس { مَثَل نُوره } مَثَل هُدَاهُ فِي قَلْب الْمُؤْمِن . 19763 -حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنِ الْحَسَن , فِي قَوْله : { مَثَل نُوره } قَالَ : مَثَل هَذَا الْقُرْآن فِي الْقَلْب كَمِشْكَاةٍ . 19764 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { مَثَل نُوره } : نُور الْقُرْآن الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى رَسُوله وَعِبَاده , هَذَا مَثَل الْقُرْآن { كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاح } . 19765 -قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن عَيَّاش , قَالَ : قَالَ زَيْد بْن أَسْلَمَ , فِي قَوْل اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى { اللَّه نُور السَّمَاوَات وَالْأَرْض مَثَل نُوره } وَنُوره الَّذِي ذُكِرَ الْقُرْآن , وَمَثَله الَّذِي ضَرَبَ لَهُ . وَقَالَ : آخَرُونَ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ مَثَل نُور اللَّه . وَقَالُوا : يَعْنِي بِالنُّورِ الطَّاعَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19766 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { اللَّه نُور السَّمَاوَات وَالْأَرْض مَثَل نُوره كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاح } وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُود قَالُوا لِمُحَمَّدٍ : كَيْفَ يَخْلُص نُور اللَّه مِنْ دُون السَّمَاء ؟ فَضَرَبَ اللَّه مَثَل ذَلِكَ لِنُورِهِ , فَقَالَ : { اللَّه نُور السَّمَاوَات وَالْأَرْض مَثَل نُوره كَمِشْكَاةٍ } قَالَ : وَهُوَ مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِطَاعَتِهِ , فَسَمَّى طَاعَته نُورًا , ثُمَّ سَمَّاهَا أَنْوَارًا شَتَّى . وَقَوْله : { كَمِشْكَاةٍ } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْمِشْكَاة وَالْمِصْبَاح وَمَا الْمُرَاد بِذَلِكَ , وَبِالزُّجَاجَةِ , فَقَالَ : بَعْضهمُ الْمِشْكَاة كُلّ كُوَّة لَا مَنْفَذ لَهَا , وَقَالُوا : هَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِقَلْبِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19767 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ حَفْص , عَنْ شَمِر , قَالَ : جَاءَ ابْن عَبَّاس إِلَى كَعْب الْأَحْبَار , فَقَالَ : لَهُ حَدِّثْنِي عَنْ قَوْل اللَّه : { مَثَل نُوره كَمِشْكَاةٍ } ! قَالَ : الْمِشْكَاة وَهِيَ الْكُوَّة , ضَرَبَهَا اللَّه مَثَلًا لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , الْمِشْكَاة { فِيهَا مِصْبَاح الْمِصْبَاح } قَلْبه { فِي زُجَاجَة الزُّجَاجَة } صَدْره الزُّجَاجَة { كَأَنَّهَا كَوْكَب دُرِّيّ } شَبَّهَ صَدْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْكَوْكَبِ الدُّرِّيّ , ثُمَّ رَجَعَ الْمِصْبَاح إِلَى قَلْبه فَقَالَ : { تُوقَد مِنْ شَجَرَة مُبَارَكَة زَيْتُونَة لَا شَرْقِيَّة وَلَا غَرْبِيَّة } لَمْ تَمَسّهَا شَمْس الْمَشْرِق وَلَا شَمْس الْمَغْرِب , { يَكَاد زَيْتهَا يُضِيء } يَكَاد مُحَمَّد يُبَيِّن لِلنَّاسِ وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّم أَنَّهُ نَبِيّ , كَمَا يَكَاد ذَلِكَ الزَّيْت يُضِيء { وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَار نُور عَلَى نُور } . 19768 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { كَمِشْكَاةٍ } يَقُول : مَوْضِع الْفَتِيلَة . 19769 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { اللَّه نُور السَّمَاوَات وَالْأَرْض } ... إِلَى { كَمِشْكَاةٍ } قَالَ : الْمِشْكَاة : كُوَّة الْبَيْت . وَقَالَ : آخَرُونَ عَنَى بِالْمِشْكَاةِ : صَدْر الْمُؤْمِن , وَبِالْمِصْبَاحِ : الْقُرْآن وَالْإِيمَان , وَبِالزُّجَاجَةِ قَلْبه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19770 - حَدَّثَنِي عَبْد الْأَعْلَى بْن وَاصِل , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنِ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب : { مَثَل نُوره كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاح } قَالَ : مَثَل الْمُؤْمِن قَدْ جَعَلَ الْإِيمَان وَالْقُرْآن فِي صَدْره كَمِشْكَاةٍ , قَالَ : الْمِشْكَاة صَدْره . { فِيهَا مِصْبَاح } قَالَ : وَالْمِصْبَاح الْقُرْآن وَالْإِيمَان الَّذِي جُعِلَ فِي صَدْره . { الْمِصْبَاح فِي زُجَاجَة } قَالَ : وَالزُّجَاجَة : قَلْبه . { الزُّجَاجَة كَأَنَّهَا كَوْكَب دُرِّيّ تُوقَد } قَالَ : فَمَثَله مِمَّا اسْتَنَارَ فِيهِ الْقُرْآن وَالْإِيمَان كَأَنَّهُ كَوْكَب دُرِّيّ , يَقُول مُضِيء . { يُوقَد مِنْ شَجَرَة مُبَارَكَة } وَالشَّجَرَة الْمُبَارَكَة , أَصْله الْمُبَارَكَة الْإِخْلَاص لِلَّهِ وَحْده وَعِبَادَته , لَا شَرِيك لَهُ . { لَا شَرْقِيَّة وَلَا غَرْبِيَّة } قَالَ : فَمَثَله مَثَل شَجَرَة الْتَفَّ بِهَا الشَّجَر , فَهِيَ خَضْرَاء نَاعِمَة , لَا تُصِيبهَا الشَّمْس عَلَى أَيّ حَال كَانَتْ , لَا إِذَا طَلَعَتْ وَلَا إِذَا غَرَبَتْ , وَكَذَلِكَ هَذَا الْمُؤْمِن قَدْ أُجِيرَ مِنْ أَنْ يُصِيبهُ شَيْء مِنَ الْغَيْر وَقَدْ ابْتُلِيَ بِهَا فَثَبَّتَهُ اللَّه فِيهَا , فَهُوَ بَيْن أَرْبَع خِلَال إِنْ أُعْطِيَ شَكَرَ , وَإِنْ ابْتُلِيَ صَبَرَ , وَإِنْ حَكَمَ عَدَلَ , وَإِنْ قَالَ : صَدَقَ ; فَهُوَ فِي سَائِر النَّاس كَالرَّجُلِ الْحَيّ يَمْشِي فِي قُبُور الْأَمْوَات . قَالَ : { نُور عَلَى نُور } فَهُوَ يَتَقَلَّب فِي خَمْسَة مِنْ النُّور فَكَلَامه نُور , وَعَمَله نُور , وَمَدْخَله نُور , وَمَخْرَجه نُور , وَمَصِيره إِلَى النُّور يَوْم الْقِيَامَة فِي الْجَنَّة . 19771 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني يَحْيَى بْن الْيَمَان , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنِ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب , قَالَ : الْمِشْكَاة : صَدْر الْمُؤْمِن . { فِيهَا مِصْبَاح } قَالَ : الْقُرْآن . * - قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أُمّ جَعْفَر , عَنِ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب , نَحْو حَدِيث عَبْد الْأَعْلَى , عَنْ عُبَيْد اللَّه . 19772 -حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس : { مَثَل نُوره كَمِشْكَاةٍ } قَالَ : مَثَل هُدَاهُ فِي قَلْب الْمُؤْمِن كَمَا يَكَاد الزَّيْت الصَّافِي يُضِيء قَبْل أَنْ تَمَسّهُ النَّار , فَإِذَا مَسَّتْهُ النَّار ازْدَادَ ضَوْءًا عَلَى ضَوْء , كَذَلِكَ يَكُون قَلْب الْمُؤْمِن يَعْمَل بِالْهُدَى قَبْل أَنْ يَأْتِيه الْعِلْم , فَإِذَا جَاءَهُ الْعِلْم ازْدَادَ هُدًى عَلَى هُدًى وَنُورًا عَلَى نُور , كَمَا قَالَ : إِبْرَاهِيم صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ قَبْل أَنْ تَجِيئهُ الْمَعْرِفَة : { قَالَ هَذَا رَبِّي } 6 76 حِين رَأَى الْكَوْكَب مِنْ غَيْر أَنْ يُخْبِرهُ أَحَد أَنَّ لَهُ رَبًّا , فَلَمَّا أَخْبَرَهُ اللَّه أَنَّهُ رَبّه ازْدَادَ هُدًى عَلَى هُدًى . 19773 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { اللَّه نُور السَّمَاوَات وَالْأَرْض مَثَل نُوره كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاح } وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُود قَالُوا لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ يَخْلُص نُور اللَّه مِنْ دُون السَّمَاء ؟ فَضَرَبَ اللَّه مَثَل ذَلِكَ لِنُورِهِ , فَقَالَ : { اللَّه نُور السَّمَاوَات وَالْأَرْض مَثَل نُوره كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاح } وَالْمِشْكَاة كُوَّة الْبَيْت فِيهَا مِصْبَاح , { الْمِصْبَاح فِي زُجَاجَة الزُّجَاجَة كَأَنَّهَا كَوْكَب دُرِّيّ } وَالْمِصْبَاح : السِّرَاج يَكُون فِي الزُّجَاجَة , وَهُوَ مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِطَاعَتِهِ , فَسَمَّى طَاعَته نُورًا وَسَمَّاهَا أَنْوَاعًا شَتَّى . قَوْله : { تُوقَد مِنْ شَجَرَة مُبَارَكَة زَيْتُونَة لَا شَرْقِيَّة وَلَا غَرْبِيَّة } قَالَ : هِيَ شَجَرَة لَا يَفِيء عَلَيْهِمَا ظِلّ شَرْق وَلَا ظِلّ غَرْب , ضَاحِيَة , ذَلِكَ أَصْفَى لِلزَّيْتِ . { يَكَاد زَيْتهَا يُضِيء وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَار } . قَالَ : مَعْمَر , وَقَالَ : الْحَسَن : لَيْسَتْ مِنْ شَجَر الدُّنْيَا , لَيْسَتْ شَرْقِيَّة وَلَا غَرْبِيَّة . وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ مَثَل لِلْمُؤْمِنِ ; غَيْر أَنَّ الْمِصْبَاح وَمَا فِيهِ مَثَل لِفُؤَادِهِ , وَالْمِشْكَاة مَثَل لِجَوْفِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19774 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد وَابْن عَبَّاس جَمِيعًا : الْمِصْبَاح وَمَا فِيهِ مَثَل فُؤَاد الْمُؤْمِن وَجَوْفه , الْمِصْبَاح مَثَل الْفُؤَاد , وَالْكُوَّة مَثَل الْجَوْف . قَالَ ابْن جُرَيْج { كَمِشْكَاةٍ } : كُوَّة غَيْر نَافِذَة . قَالَ ابْن جُرَيْج , وَقَالَ : ابْن عَبَّاس : قَوْله : { نُور عَلَى نُور } يَعْنِي : إِيمَان الْمُؤْمِن وَعَمَله . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ مَثَل لِلْقُرْآنِ فِي قَلْب الْمُؤْمِن . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19775 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنِ الْحَسَن , فِي قَوْله : { اللَّه نُور السَّمَاوَات وَالْأَرْض مَثَل نُوره كَمِشْكَاةٍ } قَالَ : كَكُوَّةٍ { فِيهَا مِصْبَاح الْمِصْبَاح فِي زُجَاجَة الزُّجَاجَة كَأَنَّهَا كَوْكَب دُرِّيّ } . 19776 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْل اللَّه : { اللَّه نُور السَّمَاوَات وَالْأَرْض مَثَل نُوره } نُور الْقُرْآن الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى رَسُوله وَعِبَاده , فَهَذَا مَثَل الْقُرْآن ; { مِشْكَاة فِيهَا مِصْبَاح الْمِصْبَاح فِي زُجَاجَة } فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { مُبَارَكَة } فَهَذَا مَثَل الْقُرْآن يُسْتَضَاء بِهِ فِي نُوره وَيَعْلَمُونَهُ وَيَأْخُذُونَ بِهِ , وَهُوَ كَمَا هُوَ لَا يَنْقُص , فَهَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِنُورِهِ , وَفِي قَوْله : { يَكَاد زَيْتهَا يُضِيء } قَالَ : الضَّوْء إِشْرَاق ذَلِكَ الزَّيْت , وَالْمِشْكَاة الَّتِي فِي الْفَتِيلَة الَّتِي فِي الْمِصْبَاح , وَالْقَنَادِيل تِلْكَ الْمَصَابِيح . 19777 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ سَعِيد بْن عِيَاض فِي قَوْله : { كَمِشْكَاةٍ } قَالَ الْكُوَّة . 19778 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَامِر , قَالَ : ثنا قُرَّة , عَنْ عَطِيَّة , فِي قَوْله : { كَمِشْكَاةٍ } قَالَ : ابْن عُمَر الْمِشْكَاة الْكُوَّة . وَقَالَ : آخَرُونَ : الْمِشْكَاة الْقِنْدِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ : ذَلِكَ : 19779 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { الْمِشْكَاة } قَالَ : الْقِنْدِيل , ثُمَّ الْعَمُود الَّذِي فِيهِ الْقِنْدِيل . 19780 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { كَمِشْكَاةٍ } : الصُّفْر الَّذِي فِي جَوْف الْقِنْدِيل . 19781 -حَدَّثَنِي إِسْحَاق بْن شَاهِين , قَالَ : ثنا خَالِد بْن عَبْد اللَّه عَنْ دَاوُد , عَنْ رَجُل , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الْمِشْكَاة الْقِنْدِيل . وَقَالَ آخَرُونَ : الْمِشْكَاة الْحَدِيد الَّذِي يُعَلَّق بِهِ الْقِنْدِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19782 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : ثنا دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الْمِشْكَاة الْحَدَائِد الَّتِي يُعَلَّق بِهَا الْقِنْدِيل . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ الصَّوَاب قَوْل مَنْ قَالَ : ذَلِكَ مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِلْقُرْآنِ فِي قَلْب أَهْل الْإِيمَان بِهِ , فَقَالَ : مَثَل نُور اللَّه الَّذِي أَنَارَ بِهِ لِعِبَادِهِ سَبِيل الرَّشَاد , الَّذِي أَنْزَلَهُ إِلَيْهِمْ فَآمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوا بِمَا فِيهِ , فِي قُلُوب الْمُؤْمِنِينَ , مَثَل مِشْكَاة , وَهِيَ عَمُود الْقِنْدِيل الَّذِي فِيهِ الْفَتِيلَة ; وَذَلِكَ هُوَ نَظِير الْكُوَّة الَّتِي تَكُون فِي الْحِيطَان الَّتِي لَا مَنْفَذ لَهَا . إِنَّمَا جُعِلَ ذَلِكَ الْعَمُود مِشْكَاة ; لِأَنَّهُ غَيْر نَافِذ , وَهُوَ أَجْوَف مَفْتُوح الْأَعْلَى , فَهُوَ كَالْكُوَّةِ الَّتِي فِي الْحَائِط الَّتِي لَا تَنْفُذ , ثُمَّ قَالَ : { فِيهَا مِصْبَاح } وَهُوَ السِّرَاج , وَجُعِلَ السِّرَاج وَهُوَ الْمِصْبَاح مَثَلًا لِمَا فِي قَلْب الْمُؤْمِن مِنَ الْقُرْآن وَالْآيَات الْمُبَيِّنَات , ثُمَّ قَالَ : { الْمِصْبَاح فِي زُجَاجَة } يَعْنِي أَنَّ السِّرَاج الَّذِي فِي الْمِشْكَاة فِي الْقِنْدِيل , وَهُوَ الزُّجَاجَة , وَذَلِكَ مَثَل لِلْقُرْآنِ , يَقُول : الْقُرْآن الَّذِي فِي قَلْب الْمُؤْمِن الَّذِي أَنَارَ اللَّه قَلْبه فِي صَدْره , ثُمَّ مَثَل الصَّدْر فِي خُلُوصه مِنَ الْكُفْر بِاللَّهِ وَالشَّكّ فِيهِ وَاسْتِنَارَته بِنُورِ الْقُرْآن وَاسْتِضَاءَته بِآيَاتِ رَبّه الْمُبَيِّنَات وَمَوَاعِظه فِيهَا , بِالْكَوْكَبِ الدُّرِّيّ , فَقَالَ : { الزُّجَاجَة } وَذَلِكَ صَدْر الْمُؤْمِن الَّذِي فِيهِ قَلْبه { كَأَنَّهَا كَوْكَب دُرِّيّ } . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { دُرِّيّ } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز : { دُرِّيّ } بِضَمِّ الدَّال , وَتَرْك الْهَمْز . وَقَرَأَ بَعْض قُرَّاء الْبَصْرَة وَالْكُوفَة : " دِرِّيء " بِكَسْرِ الدَّال وَهَمْزَة . وَقَرَأَ بَعْض قُرَّاء الْكُوفَة " دُرِّيء " بِضَمِّ الدَّال وَهَمْزَة . وَكَأَنَّ الَّذِينَ ضَمُّوا دَاله وَتَرَكُوا الْهَمْرَة , وَجَّهُوا مَعْنَاهُ إِلَى مَا قَالَهُ أَهْل التَّفْسِير الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْهُمْ , مِنْ أَنَّ الزُّجَاجَة فِي صَفَائِهَا وَحُسْنهَا كَالدُّرِّ , وَأَنَّهَا مَنْسُوبَة إِلَيْهِ لِذَلِكَ مِنْ نَعْتهَا وَصِفَتهَا . وَوَجَّهَ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ بِكَسْرِ دَاله وَهَمْزه , إِلَى أَنَّهُ فِعِّيل مِنْ دُرِّئَ الْكَوْكَب : أَيْ دُفِعَ وَرُجِمَ بِهِ الشَّيْطَان , مِنْ قَوْله : { وَيَدْرَأ عَنْهَا الْعَذَاب } أَيْ يُدْفَع , وَالْعَرَب تُسَمِّي الْكَوَاكِب الْعِظَام الَّتِي لَا تَعْرِف أَسْمَاءَهَا الدَّرَارِيّ بِغَيْرِ هَمْز . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب مِنْ أَهْل الْبَصْرَة يَقُول : هِيَ الدَّرَارِيء بِالْهَمْزِ , مِنْ يَدْرَأْنَ . وَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوهُ بِضَمِّ دَاله وَهَمْزه , فَإِنْ كَانُوا أَرَادُوا بِهِ دُرُّوء مِثْل سُبُّوح وَقُدُّوس مِنْ دَرَأْت , ثُمَّ اسْتَثْقَلُوا كَثْرَة الضَّمَّات فِيهِ , فَصَرَفُوا بَعْضهَا إِلَى الْكَسْرَة , فَقَالُوا دِرِّيء , كَمَا قِيلَ : { وَقَدْ بَلَغْت مِنَ الْكِبَر عِتِيًّا } 19 8 . وَهُوَ فُعُول , مِنْ عَتَوْت عُتُوًّا , ثُمَّ حُوِّلَتْ بَعْض ضَمَّاتهَا إِلَى الْكَسْر , فَقِيلَ : عِتِيًّا , فَهُوَ مَذْهَب , وَإِلَّا فَلَا أَعْرِف لِصِحَّةِ قِرَاءَتهمْ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَجْهًا , وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُعْرَف فِي كَلَام الْعَرَب فِعِّيل . وَقَدْ كَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة يَقُول : هُوَ لَحْن . وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى الْقِرَاءَات عِنْدِي فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ { دُرِّيّ } بِضَمِّ دَاله وَتَرْك هَمْزه , عَلَى النِّسْبَة إِلَى الدُّرّ ; لِأَنَّ أَهْل التَّأْوِيل بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ جَاءُوا . وَقَدْ ذَكَرْنَا أَقْوَالهمْ فِي ذَلِكَ قَبْل , فَفِي ذَلِكَ مُكْتَفًى عَنْ الِاسْتِشْهَاد عَلَى صِحَّتهَا بِغَيْرِهِ . فَتَأْوِيل الْكَلَام : الزُّجَاجَة : وَهِيَ صَدْر الْمُؤْمِن , { كَأَنَّهَا } يَعْنِي كَأَنَّ الزُّجَاجَة , وَذَلِكَ مَثَل لِصَدْرِ الْمُؤْمِن , { كَوْكَب } يَقُول فِي صَفَائِهَا وَضِيَائِهَا وَحُسْنهَا , وَإِنَّمَا يَصِف صَدْره بِالنَّقَاءِ مِنْ كُلّ رَيْب , وَشَكّ فِي أَسْبَاب الْإِيمَان بِاللَّهِ وَبُعْده مِنْ دَنَس الْمَعَاصِي , كَالْكَوْكَبِ الَّذِي يُشْبِه الدُّرّ فِي الصَّفَاء وَالضِّيَاء وَالْحُسْن . وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي قِرَاءَة قَوْله : " تُوقَد مِنْ شَجَرَة مُبَارَكَة " فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض الْمَكِّيِّينَ وَالْمَدَنِيِّينَ وَبَعْض الْبَصْرِيِّينَ : " تَوَقَّدَ مِنْ شَجَرَة " بِالتَّاءِ وَفَتْحهَا , وَتَشْدِيد الْقَاف , وَفَتْح الدَّال , وَكَأَنَّهُمْ وَجَّهُوا مَعْنَى ذَلِكَ إِلَى تَوَقُّد الْمِصْبَاح مِنْ شَجَرَة مُبَارَكَة , وَقَرَأَهُ بَعْض عَامَّة قُرَّاء الْمَدَنِيِّينَ { يُوقَد } بِالْيَاءِ , وَتَخْفِيف الْقَاف , وَرَفْع الدَّال ; بِمَعْنَى : يُوقِد الْمِصْبَاح مُوقِده مِنْ شَجَرَة , ثُمَّ لَمْ يُسَمَّ فَاعِله , وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة : " تُوقَد " بِضَمِّ التَّاء وَتَخْفِيف الْقَاف وَرَفْع الدَّال , بِمَعْنَى : يُوقِد الزُّجَاجَة مُوقِدهَا مِنْ شَجَرَة مُبَارَكَة لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله , فَقِيلَ : تُوقَد , وَقَرَأَهُ بَعْض أَهْل مَكَّة : " تَوَقَّد " بِفَتْحِ التَّاء , وَتَشْدِيد الْقَاف , وَضَمّ الدَّال ; بِمَعْنَى : تَتَوَقَّد الزُّجَاجَة مِنْ شَجَرَة , ثُمَّ أُسْقِطَتْ إِحْدَى التَّاءَيْنِ اكْتِفَاء بِالْبَاقِيَةِ مِنْ الذَّاهِبَة . وَهَذِهِ الْقِرَاءَات مُتَقَارِبَات الْمَعَانِي إِنِ اخْتَلَفَتْ الْأَلْفَاظ بِهَا ; وَذَلِكَ أَنَّ الزُّجَاجَة إِذَا وُصِفَتْ بِالتَّوَقُّدِ أَوْ بِأَنَّهَا تَوَقَّد , فَمَعْلُوم مَعْنَى ذَلِكَ , فَإِنَّ الْمُرَاد بِهِ تَوَقَّدَ فِيهَا الْمِصْبَاح أَوْ يُوقَد فِيهَا الْمِصْبَاح , وَلَكِنْ وَجَّهُوا الْخَبَر إِلَى أَنَّ وَصْفهَا بِذَلِكَ أَقْرَب فِي الْكَلَام مِنْهَا وَفَهْم السَّامِعِينَ مَعْنَاهُ وَالْمُرَاد مِنْهُ , فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَبِأَيِّ الْقِرَاءَات قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب , غَيْر أَنَّ أَعْجَب الْقِرَاءَات إِلَيَّ أَنْ أَقْرَأ بِهَا فِي ذَلِكَ : " تَوَقَّدَ " بِفَتْحِ التَّاء , وَتَشْدِيد الْقَاف , وَفَتْح الدَّال , بِمَعْنَى وَصْف الْمِصْبَاح بِالتَّوَقُّدِ ; لِأَنَّ التَّوَقُّد وَالِاتِّقَاد لَا شَكَّ أَنَّهُمَا مِنْ صِفَته دُون الزُّجَاجَة . فَمَعْنَى الْكَلَام إِذَنْ : كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاح , الْمِصْبَاح مِنْ دُهْن شَجَرَة مُبَارَكَة , زَيْتُونَة , لَا شَرْقِيَّة وَلَا غَرْبِيَّة . وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْض مَا رُوِيَ عَنْ بَعْضهمْ مِنَ الِاخْتِلَاف فِي ذَلِكَ فِيمَا قَدْ مَضَى , وَنَذْكُر بَاقِي مَا حَضَرَنَا مِمَّا لَمْ نَذْكُرهُ قَبْل , فَقَالَ بَعْضهمْ : إِنَّمَا قِيلَ : لِهَذِهِ الشَّجَرَة لَا شَرْقِيَّة وَلَا غَرْبِيَّة أَيْ لَيْسَتْ شَرْقِيَّة وَحْدهَا حَتَّى لَا تُصِيبهَا الشَّمْس إِذَا غَرَبَتْ , وَإِنَّمَا لَهَا نَصِيبهَا مِنَ الشَّمْس بِالْغَدَاةِ مَا دَامَتْ بِالْجَنْبِ الَّذِي يَلِي الشَّرْق , ثُمَّ لَا يَكُون لَهَا نَصِيب مِنْهَا إِذَا مَالَتْ إِلَى جَانِب الْغَرْب , وَلَا هِيَ غَرْبِيَّة وَحْدهَا , فَتُصِيبهَا الشَّمْس بِالْعَشِيِّ إِذَا مَالَتْ إِلَى جَانِب الْغَرْب , وَلَا تُصِيبهَا بِالْغَدَاةِ ; وَلَكِنَّهَا شَرْقِيَّة غَرْبِيَّة , تَطْلُع عَلَيْهِ الشَّمْس بِالْغَدَاةِ وَتَغْرُب عَلَيْهَا , فَيُصِيبهَا حَرّ الشَّمْس بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ . قَالُوا : إِذَا كَانَتْ كَذَلِكَ , كَانَ أَجْوَد لِزَيْتِهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19783 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , فِي قَوْله : { زَيْتُونَة لَا شَرْقِيَّة وَلَا غَرْبِيَّة } قَالَ : لَا يَسْتُرهَا مِنَ الشَّمْس جَبَل وَلَا وَادٍ , إِذَا طَلَعَتْ وَإِذَا غَرَبَتْ . * - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا حَرَمِيّ بْن عُمَارَة , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : أَخْبَرَنِي عُمَارَة , عَنْ عِكْرِمَة , فِي قَوْله : { لَا شَرْقِيَّة وَلَا غَرْبِيَّة } قَالَ : الشَّجَرَة تَكُون فِي مَكَان لَا يَسْتُرهَا مِنَ الشَّمْس شَيْء , تَطْلُع عَلَيْهَا وَتَغْرُب عَلَيْهَا . 19784 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد وَابْن عَبَّاس { لَا شَرْقِيَّة وَلَا غَرْبِيَّة } قَالَ : هِيَ الَّتِي بِشِقِّ الْجَبَل , الَّتِي يُصِيبهَا شُرُوق الشَّمْس وَغُرُوبهَا , إِذَا طَلَعَتْ أَصَابَتْهَا وَإِذَا غَرَبَتْ أَصَابَتْهَا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ لَيْسَتْ شَرْقِيَّة وَلَا غَرْبِيَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19785 - حَدَّثَنِي سُلَيْمَان بْن عَبْد الْجَبَّار , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن الصَّلْت , قَالَ : ثنا أَبُو كُدَيْنَة , عَنْ قَابُوس , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس : { لَا شَرْقِيَّة وَلَا غَرْبِيَّة } قَالَ : هِيَ شَجَرَة وَسَط الشَّجَر , لَيْسَتْ مِنَ الشَّرْق وَلَا مِنْ الْغَرْب . 19786 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { زَيْتُونَة لَا شَرْقِيَّة وَلَا غَرْبِيَّة } مُتَيَامِنَة الشَّأْم , لَا شَرْقِيّ وَلَا غَرْبِيّ . وَقَالَ آخَرُونَ : لَيْسَتْ هَذِهِ الشَّجَرَة مِنْ شَجَر الدُّنْيَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19787 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن بَزِيع , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْل اللَّه : { لَا شَرْقِيَّة وَلَا غَرْبِيَّة } قَالَ : وَاللَّه لَوْ كَانَتْ فِي الْأَرْض لَكَانَتْ شَرْقِيَّة أَوْ غَرْبِيَّة , وَلَكِنَّمَا هُوَ مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِنُورِهِ . * - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عُثْمَان , يَعْنِي ابْن الْهَيْثَم , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنِ الْحَسَن , فِي قَوْل اللَّه : { زَيْتُونَة لَا شَرْقِيَّة وَلَا غَرْبِيَّة } قَالَ لَوْ كَانَتْ فِي الْأَرْض هَذِهِ الزَّيْتُونَة كَانَ شَرْقِيَّة أَوْ غَرْبِيَّة , وَلَكِنْ وَاللَّه مَا هِيَ فِي الْأَرْض , وَإِنَّمَا هُوَ مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِنُورِهِ . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَوْف , عَنِ الْحَسَن , فِي قَوْله : { لَا شَرْقِيَّة وَلَا غَرْبِيَّة } قَالَ : هَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه , وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الشَّجَرَة فِي الدُّنْيَا لَكَانَتْ إِمَّا شَرْقِيَّة وَإِمَّا غَرْبِيَّة . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ قَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّهَا شَرْقِيَّة غَرْبِيَّة ; وَقَالَ : وَمَعْنَى الْكَلَام : لَيْسَتْ شَرْقِيَّة تَطْلُع عَلَيْهَا الشَّمْس بِالْعَشِيِّ , دُون الْغَدَاة , وَلَكِنَّ الشَّمْس تُشْرِق عَلَيْهَا وَتَغْرُب , فَهِيَ شَرْقِيَّة غَرْبِيَّة . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِمَعْنَى الْكَلَام ; لِأَنَّ اللَّه إِنَّمَا وَصَفَ الزَّيْت الَّذِي يُوقَد عَلَى هَذَا الْمِصْبَاح بِالصَّفَاءِ وَالْجَوْدَة , فَإِذَا كَانَ شَجَره شَرْقِيًّا غَرْبِيًّا كَانَ زَيْته لَا شَكَّ أَجْوَد وَأَصْفَى وَأَضْوَأ . وَقَوْله : { يَكَاد زَيْتهَا يُضِيء } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَكَاد زَيْت هَذِهِ الزَّيْتُونَة يُضِيء مِنْ صَفَائِهِ وَحُسْن ضِيَائِهِ . { وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَار } يَقُول : فَكَيْفَ إِذَا مَسَّتْهُ النَّار . وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِقَوْلِهِ : { تُوقَد مِنْ شَجَرَة مُبَارَكَة } أَنَّ هَذَا الْقُرْآن مِنْ عِنْد اللَّه وَأَنَّهُ كَلَامه , جَعَلَ مَثَله وَمَثَل كَوْنه مِنْ عِنْده مَثَل الْمِصْبَاح الَّذِي يُوقَد مِنَ الشَّجَرَة الْمُبَارَكَة الَّتِي وَصَفَهَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي هَذِهِ الْآيَة . وَعُنِيَ بِقَوْلِهِ : { يَكَاد زَيْتهَا يُضِيء } : أَنَّ حُجَج اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَلَى خَلْقه تَكَاد مِنْ بَيَانهَا وَوُضُوحهَا تُضِيء لِمَنْ فَكَّرَ فِيهَا وَنَظَرَ أَوْ أَعْرَضَ عَنْهَا وَلَهَا . { وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَار } يَقُول : وَلَوْ لَمْ يَزِدْهَا اللَّه بَيَانًا وَوُضُوحًا بِإِنْزَالِهِ هَذَا الْقُرْآن إِلَيْهِمْ , مُنَبِّهًا لَهُمْ عَلَى تَوْحِيده , فَكَيْفَ إِذَا نَبَّهَهُمْ بِهِ وَذَكَّرَهُمْ بِآيَاتِهِ فَزَادَهُمْ بِهِ حُجَّة إِلَى حُجَجه عَلَيْهِمْ قَبْل ذَلِكَ ؟ فَذَلِكَ بَيَان مِنْ اللَّه وَنُور عَلَى الْبَيَان , وَالنُّور الَّذِي كَانَ قَدْ وَضَعَهُ لَهُمْ وَنَصَبَهُ قَبْل نُزُوله . وَقَوْله : { نُور عَلَى نُور } يَعْنِي النَّار عَلَى هَذَا الزَّيْت الَّذِي كَادَ يُضِيء وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ النَّار . كَمَا : 19788 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { نُور عَلَى نُور } قَالَ : النَّار عَلَى الزَّيْت . قَالَ : أَبُو جَعْفَر وَهُوَ عِنْدِي كَمَا ذَكَرْت مَثَل الْقُرْآن . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { نُور عَلَى نُور } هَذَا الْقُرْآن نُور مِنْ عِنْد اللَّه , أَنْزَلَهُ إِلَى خَلْقه يَسْتَضِيئُونَ بِهِ . { عَلَى نُور } عَلَى الْحُجَج وَالْبَيَان الَّذِي قَدْ نَصَبَهُ لَهُمْ قَبْل مَجِيء الْقُرْآن وَإِنْزَاله إِيَّاهُ , مِمَّا يَدُلّ عَلَى حَقِيقَة وَحْدَانِيّته . فَذَلِكَ بَيَان مِنَ اللَّه , وَنُور عَلَى الْبَيَان , وَالنُّور الَّذِي كَانَ وَضَعَهُ لَهُمْ وَنَصَبَهُ قَبْل نُزُوله . وَذُكِرَ عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ فِي ذَلِكَ , مَا : 19789 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن عَيَّاش , قَالَ : قَالَ زَيْد بْن أَسْلَمَ , فِي قَوْله : { نُور عَلَى نُور } يُضِيء بَعْضه بَعْضًا , يَعْنِي الْقُرْآن .


وَقَوْله : { يَهْدِي اللَّه لِنُورِهِ مَنْ يَشَاء } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يُوَفِّق اللَّه لِاتِّبَاعِ نُوره , وَهُوَ هَذَا الْقُرْآن , مَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده . وَقَوْله : { يَهْدِي اللَّه لِنُورِهِ مَنْ يَشَاء } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يُوَفِّق اللَّه لِاتِّبَاعِ نُوره , وَهُوَ هَذَا الْقُرْآن , مَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده.


وَقَوْله : { وَيَضْرِب اللَّه الْأَمْثَال لِلنَّاسِ } يَقُول وَيُمَثِّل اللَّه الْأَمْثَال وَالْأَشْبَاه لِلنَّاسِ كَمَا مَثَّلَ لَهُمْ مَثَل هَذَا الْقُرْآن فِي قَلْب الْمُؤْمِن بِالْمِصْبَاحِ فِي الْمِشْكَاة وَسَائِر مَا فِي هَذِهِ الْآيَة مِنَ الْأَمْثَال .


يَقُول وَاللَّه يَضْرِب الْأَمْثَال وَغَيْرهَا مِنَ الْأَشْيَاء كُلّهَا , ذُو عِلْم .
فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِسورة النور الآية رقم 36
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فِي بُيُوت أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { فِي بُيُوت أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع } اللَّه نُور السَّمَاوَات وَالْأَرْض , مَثَل نُوره كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاح , فِي بُيُوت أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع . كَمَا : 19790 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ : ابْن زَيْد : الْمِشْكَاة : الَّتِي فِيهَا الْفَتِيلَة الَّتِي فِيهَا الْمِصْبَاح . قَالَ : الْمَصَابِيح فِي بُيُوت أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع . قَالَ : أَبُو جَعْفَر قَدْ يَحْتَمِل أَنْ تَكُون " مِنْ " فِي صِلَة " تُوقَد " , فَيَكُون الْمَعْنَى : تُوقَد مِنْ شَجَرَة مُبَارَكَة ذَلِكَ الْمِصْبَاح فِي بُيُوت أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع . وَعَنَى بِالْبُيُوتِ الْمَسَاجِد . وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ , فَقَالَ : بَعْضهمْ بِالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19791 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , وَنَصْر بْن عَبْد الرَّحْمَن الْأَوْدِيّ , قَالَا : ثنا حَكَّام , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ أَبِي صَالِح فِي قَوْل اللَّه : { فِي بُيُوت أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع } قَالَ : الْمَسَاجِد . 19792 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { فِي بُيُوت أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع } وَهِيَ الْمَسَاجِد تُكْرَم , وَنُهِيَ عَنِ اللَّغْو فِيهَا . 19793 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { فِي بُيُوت أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع } يَعْنِي كُلّ مَسْجِد يُصَلَّى فِيهِ , جَامِع أَوْ غَيْره . 19794 - حَدَّثَنِي بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { فِي بُيُوت أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع } قَالَ : مَسَاجِد تُبْنَى . * - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 19795 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنِ الْحَسَن , فِي قَوْله : { فِي بُيُوت أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع } قَالَ فِي الْمَسَاجِد . 19796 - قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ عَمْرو بْن مَيْمُون , قَالَ : أَدْرَكْت أَصْحَاب رَسُول اللَّه وَهُمْ يَقُولُونَ : الْمَسَاجِد بُيُوت اللَّه , وَإِنَّهُ حَقّ عَلَى اللَّه أَنْ يُكْرِم مَنْ زَارَهُ فِيهَا . 19797 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ سَالِم بْن عُمَر , فِي قَوْله : { فِي بُيُوت أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع } قَالَ : هِيَ الْمَسَاجِد . 19798 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { فِي بُيُوت أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع } قَالَ : الْمَسَاجِد . وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِذَلِكَ الْبُيُوت كُلّهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19799 -حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , وَنَصْر بْن عَبْد الرَّحْمَن الْأَوْدِيّ , قَالَا : حَدَّثَنَا حَكَّام بْن سَلْم , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ عِكْرِمَة : { فِي بُيُوت أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع } قَالَ : هِيَ الْبُيُوت كُلّهَا . إِنَّمَا اخْتَرْنَا الْقَوْل الَّذِي اخْتَرْنَاهُ فِي ذَلِكَ ; لِدَلَالَةِ قَوْله : { يُسَبِّح لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال رِجَال لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بَيْع عَنْ ذِكْر اللَّه } عَلَى أَنَّهَا بُيُوت بُنِيَتْ لِلصَّلَاةِ ; فَلِذَلِكَ قُلْنَا هِيَ الْمَسَاجِد . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع } فَقَالَ : بَعْضهمْ مَعْنَاهُ : أَذِنَ اللَّه أَنْ تُبْنَى . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19800 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عِصَام , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع } قَالَ : تُبْنَى . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ : أَذِنَ اللَّه أَنْ تُعَظَّم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19801 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنِ الْحَسَن , فِي قَوْله : { أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع } يَقُول : أَنْ تُعَظَّم لِذِكْرِهِ . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ الْقَوْل الَّذِي قَالَهُ مُجَاهِد , وَهُوَ أَنَّ مَعْنَاهُ : أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع بِنَاء , كَمَا قَالَ : جَلَّ ثَنَاؤُهُ { وَإِذْ يَرْفَع إِبْرَاهِيم الْقَوَاعِد مِنَ الْبَيْت } 2 127 . وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَغْلَب مِنْ مَعْنَى الرَّفْع فِي الْبُيُوت وَالْأَبْنِيَة .

وَقَوْله : { وَيُذْكَر فِيهَا اسْمه } يَقُول : وَأَذِنَ لِعِبَادِهِ أَنْ يَذْكُرُوا اسْمه فِيهَا . وَقَدْ قِيلَ : عُنِيَ بِهِ أَنَّهُ أَذِنَ لَهُمْ بِتِلَاوَةِ الْقُرْآن فِيهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19802 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : ثُمَّ قَالَ : { وَيُذْكَر فِيهَا اسْمه } يَقُول : يُتْلَى فِيهَا كِتَابه . وَهَذَا الْقَوْل قَرِيب الْمَعْنَى مِمَّا قُلْنَاهُ فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّ تِلَاوَة كِتَاب اللَّه مِنْ مَعَانِي ذِكْر اللَّه . غَيْر أَنَّ الَّذِي قُلْنَا بِهِ أَظْهَر مَعْنَيَيْهِ , فَلِذَلِكَ اخْتَرْنَا الْقَوْل بِهِ .


وَقَوْله : { يُسَبِّح لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال رِجَال لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بَيْع عَنْ ذِكْر اللَّه } اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { يُسَبِّح لَهُ } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار : { يُسَبِّح لَهُ } بِضَمِّ الْيَاء وَكَسْر الْبَاء , بِمَعْنَى يُصَلِّي لَهُ فِيهَا رِجَال , وَبِجَعْلِ " يُسَبِّح " فِعْلًا لِ " الرِّجَال " وَخَبَرًا عَنْهُمْ , وَتُرْفَع بِهِ " الرِّجَال " . سِوَى عَاصِم وَابْن عَامِر , فَإِنَّهُمَا قَرَآ ذَلِكَ : " يُسَبَّح لَهُ " بِضَمِّ الْيَاء وَفَتْح الْبَاء , عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله , ثُمَّ يَرْفَعَانِ " الرِّجَال " بِخَبَرٍ ثَانٍ مُضْمَر , كَأَنَّهُمَا أَرَادَا : يُسَبِّح اللَّه فِي الْبُيُوت الَّتِي أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع , فَسَبَّحَ لَهُ رِجَال ; فَرَفَعَا " الرِّجَال " بِفِعْلٍ مُضْمَر . وَالْقِرَاءَة الَّتِي هِيَ أُولَاهُمَا بِالصَّوَابِ : قِرَاءَة مَنْ كَسَرَ الْبَاء , وَجَعَلَهُ خَبَرًا لِ " الرِّجَال " وَفِعْلًا لَهُمْ , وَإِنَّمَا كَانَ الِاخْتِيَار رَفْع الرِّجَال بِمُضْمَرٍ مِنَ الْفِعْل لَوْ كَانَ الْخَبَر عَنِ الْبُيُوت لَا يَتِمّ إِلَّا بِقَوْلِ : { يُسَبِّح لَهُ فِيهَا } فَأَمَّا وَالْخَبَر عَنْهَا دُون ذَلِكَ تَامّ , فَلَا وَجْه لِتَوْجِيهِ قَوْله : { يُسَبِّح لَهُ } إِلَى غَيْره , أَيْ غَيْر الْخَبَر عَنِ الرِّجَال , وَعُنِيَ بِقَوْلِهِ : { يُسَبِّح لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال } يُصَلِّي لَهُ فِي هَذِهِ الْبُيُوت بِالْغَدَوَاتِ وَالْعَشِيَّات رِجَال . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ : أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19803 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن الْحَسَن الْأَزْدِيّ , قَالَ : ثنا الْمُعَافَى بْن عِمْرَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَمَّار الدُّهْنِيّ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : كُلّ تَسْبِيح فِي الْقُرْآن فَهُوَ صَلَاة . 19804 -حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : ثُمَّ قَالَ : { يُسَبِّح لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال } يَقُول : يُصَلِّي لَهُ فِيهَا بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ . يَعْنِي بِالْغُدُوِّ : صَلَاة الْغَدَاة , وَيَعْنِي بِالْآصَالِ صَلَاة الْعَصْر , وَهُمَا أَوَّل مَا افْتَرَضَ اللَّه مِنَ الصَّلَاة , فَأَحَبَّ أَنْ يَذْكُرهُمَا وَيَذْكُر بِهِمَا عِبَادَته . 19805 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن : { يُسَبِّح لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال رِجَال } أَذِنَ اللَّه أَنْ تُبْنَى , فَيُصَلَّى فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال . 19806 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : فِي قَوْله : { يُسَبِّح لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال } يَعْنِي الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة .
رِجَالٌ لّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُسورة النور الآية رقم 37
وَقَوْله : { رِجَال لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بَيْع عَنْ ذِكْر اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَا يَشْغَل هَؤُلَاءِ الرِّجَال الَّذِينَ يُصَلُّونَ فِي هَذِهِ الْمَسَاجِد الَّتِي أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع عَنْ ذِكْر اللَّه فِيهَا وَإِقَام الصَّلَاة , تِجَارَة وَلَا بَيْع . كَمَا : 19807 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي الْحَسَن , عَنْ رَجُل نَسِيَ اسْمه فِي هَذِهِ الْآيَة : { فِي بُيُوت أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع وَيُذْكَر فِيهَا اسْمه يُسَبِّح لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال رِجَال لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بَيْع عَنْ ذِكْر اللَّه } ... إِلَى قَوْله : { وَالْأَبْصَار } قَالَ : هُمْ قَوْم فِي تِجَارَاتهمْ وَبُيُوعهمْ , لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَاتهمْ وَلَا بُيُوعهمْ عَنْ ذِكْر اللَّه . 19808 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا جَعْفَر بْن سُلَيْمَان , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ سَالِم بْن عَبْد اللَّه : أَنَّهُ نَظَرَ إِلَى قَوْم مِنْ السُّوق قَامُوا وَتَرَكُوا بَيَاعَاتِهِمْ إِلَى الصَّلَاة , فَقَالَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّه فِي كِتَابه : { لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بَيْع عَنْ ذِكْر اللَّه } ... الْآيَة . 19809 - قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ سَيَّار , عَمَّنْ حَدَّثَهُ , عَنِ ابْن مَسْعُود , نَحْو ذَلِكَ . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ سَيَّار , قَالَ : حُدِّثْت عَنِ ابْن مَسْعُود : أَنَّهُ رَأَى قَوْمًا مِنْ أَهْل السُّوق حَيْثُ نُودِيَ بِالصَّلَاةِ تَرَكُوا بَيَاعَاتِهِمْ وَنَهَضُوا إِلَى الصَّلَاة , فَقَالَ عَبْد اللَّه : هَؤُلَاءِ مِنْ الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّه فِي كِتَابه { لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بَيْع عَنْ ذِكْر اللَّه } . وَقَالَ : بَعْضهمْ مَعْنَى ذَلِكَ { لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بَيْع } عَنْ صَلَاتهمُ الْمَفْرُوضَة عَلَيْهِمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19810 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : ثُمَّ قَالَ : { رِجَال لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بَيْع عَنْ ذِكْر اللَّه } يَقُول : عَنْ الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة .


قَوْله : { وَإِقَام الصَّلَاة } يَقُول : وَلَا يَشْغَلهُمْ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ إِقَام الصَّلَاة بِحُدُودِهَا فِي أَوْقَاتهَا . وَبِنَحْوِ قَوْلنَا فِي ذَلِكَ قَالَ : أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19811 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي الْحَسَن , عَنْ رَجُل نَسِيَ عَوْف اسْمه فِي : { إِقَام الصَّلَاة } قَالَ : يَقُومُونَ لِلصَّلَاةِ عِنْد مَوَاقِيت الصَّلَاة . فَإِنْ قَالَ قَائِل : أَوَلَيْسَ قَوْله : { إِقَام الصَّلَاة } مَصْدَرًا مِنْ قَوْله أَقَمْت ؟ قِيلَ : بَلَى . فَإِنْ قَالَ : أَوَلَيْسَ الْمَصْدَر مِنْهُ إِقَامَة , كَالْمَصْدَرِ مِنْ آجَرْت إِجَارَة ؟ قِيلَ : بَلَى . فَإِنْ قَالَ : وَكَيْفَ قَالَ : { إِقَام الصَّلَاة } أَوَتُجِيزُ أَنْ نَقُول : أَقَمْت إِقَامًا ؟ قِيلَ : وَلَكِنِّي أُجِيز أَعْجَبَنِي إِقَام الصَّلَاة . فَإِنْ قِيلَ : وَمَا وَجْه جَوَاز ذَلِكَ ؟ قِيلَ : إِنَّ الْحُكْم فِي أَقَمْت إِذَا جُعِلَ مِنْهُ مَصْدَر أَنْ يُقَال إِقْوَامًا , كَمَا يُقَال : أَقْعَدْت فُلَانًا إِقْعَادًا وَأَعْطَيْته إِعْطَاء ; وَلَكِنَّ الْعَرَب لَمَّا سَكَّنَتِ الْوَاو مِنْ " أَقَمْت " فَسَقَطَتْ لِاجْتِمَاعِهَا وَهِيَ سَاكِنَة وَالْمِيم وَهِيَ سَاكِنَة , بَنَوْا الْمَصْدَر عَلَى ذَلِكَ ; إِذْ جَاءَتِ الْوَاو سَاكِنَة قَبْل أَلِف الْإِفْعَال وَهِيَ سَاكِنَة , فَسَقَطَتِ الْأُولَى مِنْهُمَا , فَأَبْدَلُوا مِنْهَا هَاء فِي آخِر الْحَرْف , كَالتَّكْثِيرِ لِلْحَرْفِ , كَمَا فَعَلُوا ذَلِكَ فِي قَوْلهمْ : وَعَدْته عِدَة , وَوَزَنْته زِنَة ; إِذْ ذَهَبَتِ الْوَاو مِنْ أَوَّله , كَثَّرُوهُ مِنْ آخِره بِالْهَاءِ ; فَلَمَّا أُضِيفَتْ الْإِقَامَة إِلَى الصَّلَاة , حَذَفُوا الزِّيَادَة الَّتِي كَانُوا زَادُوهَا لِلتَّكْثِيرِ , وَهِيَ الْهَاء فِي آخِرهَا ; لِأَنَّ الْخَافِض وَمَا خَفَضَ عِنْدهمْ كَالْحَرْفِ الْوَاحِد , فَاسْتَغْنَوْا بِالْمُضَافِ إِلَيْهِ مِنَ الْحَرْف الزَّائِد . وَقَدْ قَالَ بَعْضهمْ فِي نَظِير ذَلِكَ : إِنَّ الْخَلِيط أَجَدُّوا الْبَيْن فَانْجَرَدُوا وَأَخْلَفُوك عِد الْأَمْر الَّذِي وَعَدُوا يُرِيد : عِدَة الْأَمْر . فَأَسْقَطَ الْهَاء مِنَ الْعِدَة لَمَّا أَضَافَهَا , فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي إِقَام الصَّلَاة .


وَقَوْله : { وَإِيتَاء الزَّكَاة } قِيلَ : مَعْنَاهُ وَإِخْلَاص الطَّاعَة لِلَّهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19812 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَأَقِيمُوا الصَّلَاة وَآتُوا الزَّكَاة } 2 43 . { وَكَانَ يَأْمُر أَهْله بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة } 19 55 . وَقَوْله : { وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة } 19 31 . وَقَوْله : { وَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَته مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَد أَبَدًا } 24 21 . وَقَوْله : { وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاة } 19 13 . وَنَحْو هَذَا فِي الْقُرْآن , قَالَ : يَعْنِي بِالزَّكَاةِ : طَاعَة اللَّه وَالْإِخْلَاص .


وَقَوْله : { يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّب فِيهِ الْقُلُوب وَالْأَبْصَار } يَقُول : يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّب فِيهِ الْقُلُوب مِنْ هَوْله , بَيْن طَمَع بِالنَّجَاةِ وَحَذَر بِالْهَلَاكِ . { وَالْأَبْصَار } أَيّ نَاحِيَة يُؤْخَذ بِهِمْ : أَذَات الْيَمِين أَمْ ذَات الشِّمَال ؟ وَمِنْ أَيْنَ يُؤْتَوْنَ كُتُبهمْ : أَمِنْ قِبَل الْأَيْمَان أَوْ مِنْ قِبَل الشَّمَائِل ؟ وَذَلِكَ يَوْم الْقِيَامَة . كَمَا : 19813 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه بْن عَيَّاش , قَالَ : زَيْد بْن أَسْلَمَ , فِي قَوْل اللَّه : { فِي بُيُوت أَذِنَ اللَّه أَنْ تُرْفَع } ... إِلَى قَوْله : { تَتَقَلَّب فِيهِ الْقُلُوب وَالْأَبْصَار } يَوْم الْقِيَامَة .
لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍسورة النور الآية رقم 38
وَقَوْله : { لِيَجْزِيَهُمْ اللَّه أَحْسَن مَا عَمِلُوا } يَقُول : فَعَلُوا ذَلِكَ , يَعْنِي أَنَّهُمْ لَمْ تُلْهِهِمْ تِجَارَة وَلَا بَيْع عَنْ ذِكْر اللَّه , وَأَقَامُوا الصَّلَاة وَآتَوْا الزَّكَاة وَأَطَاعُوا رَبّهمْ , مَخَافَة عَذَابه يَوْم الْقِيَامَة ; كَيْ يُثِيبهُمْ اللَّه يَوْم الْقِيَامَة بِأَحْسَن أَعْمَالهمْ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي الدُّنْيَا , وَيَزِيدهُمْ عَلَى ثَوَابه إِيَّاهُمْ عَلَى أَحْسَن أَعْمَالهمْ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي الدُّنْيَا , مِنْ فَضْله , فَيَفْضُل عَلَيْهِمْ عَنْ عِنْده بِمَا أَحَبَّ مِنْ كَرَامَته لَهُمْ .


وَقَوْله : { وَاللَّه يَرْزُق مَنْ يَشَاء بِغَيْرِ حِسَاب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَتَفَضَّل عَلَى مَنْ شَاءَ وَأَرَادَ مِنْ طَوْله وَكَرَامَته , مِمَّا لَمْ يَسْتَحِقّهُ بِعَمَلِهِ وَلَمْ يَبْلُغهُ بِطَاعَتِهِ ; { بِغَيْرِ حِسَاب } يَقُول : بِغَيْرِ مُحَاسَبَة عَلَى مَا بَذَلَ لَهُ وَأَعْطَاهُ.
وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِسورة النور الآية رقم 39
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالهمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبهُ الظَّمْآن مَاء حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّه عِنْده فَوَفَّاهُ حِسَابه } وَهَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِأَعْمَالِ أَهْل الْكُفْر بِهِ , فَقَالَ : وَالَّذِينَ جَحَدُوا تَوْحِيد رَبّهمْ وَكَذَّبُوا بِهَذَا الْقُرْآن وَبِمَنْ جَاءَ بِهِ , مَثَل أَعْمَالهمْ الَّتِي عَمِلُوهَا { كَسَرَابٍ } يَقُول : مِثْل سَرَاب , وَالسَّرَاب مَا لَصِقَ بِالْأَرْضِ , وَذَلِكَ يَكُون نِصْف النَّهَار وَحِين يَشْتَدّ الْحَرّ . وَالْآل مَا كَانَ كَالْمَاءِ بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض , وَذَلِكَ يَكُون أَوَّل النَّهَار , يَرْفَع كُلّ شَيْء ضُحًى . وَقَوْله : { بِقِيعَةٍ } وَهِيَ جَمْع قَاع , كَالْجِيرَةِ جَمْع جَار , وَالْقَاع مَا انْبَسَطَ مِنْ الْأَرْض وَاتَّسَعَ , وَفِيهِ يَكُون السَّرَاب . وَقَوْله : { يَحْسَبهُ الظَّمْآن مَاء } يَقُول : يَظُنّ الْعَطْشَان مِنَ النَّاس السَّرَاب , مَاء . { حَتَّى إِذَا جَاءَهُ } وَالْهَاء مِنْ ذِكْر الشَّرَاب , وَالْمَعْنَى : حَتَّى إِذَا جَاءَ الظَّمْآن السَّرَاب مُلْتَمِسًا مَاء يَسْتَغِيث بِهِ مِنْ عَطَشه { لَمْ يَجِد شَيْئًا } يَقُول : لَمْ يَجِد السَّرَاب شَيْئًا , فَكَذَلِكَ الْكَافِرُونَ بِاللَّهِ مِنْ أَعْمَالهمْ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي غُرُور يَحْسَبُونَ أَنَّهَا مُنْجِيَتهمْ عِنْد اللَّه مِنْ عَذَابه , كَمَا حَسِبَ الظَّمْآن الَّذِي رَأَى السَّرَاب فَظَنَّهُ مَاء يَرْوِيه مِنْ ظَمَئِهِ ; حَتَّى إِذَا هَلَكَ وَصَارَ إِلَى الْحَاجَة إِلَى عَمَله الَّذِي كَانَ يَرَى أَنَّهُ نَافِعه عِنْد اللَّه , لَمْ يَجِدهُ يَنْفَعهُ شَيْئًا ; لِأَنَّهُ كَانَ عَمَله عَلَى كُفْر بِاللَّهِ , وَوَجَدَ اللَّه هَذَا الْكَافِر عِنْد هَلَاكه بِالْمِرْصَادِ , فَوَفَّاهُ يَوْم الْقِيَامَة حِسَاب أَعْمَاله الَّتِي عَمِلَهَا فِي الدُّنْيَا وَجَازَاهُ بِهَا جَزَاءَهُ الَّذِي يَسْتَحِقّهُ عَلَيْهِ مِنْهُ . فَإِنْ قَالَ : قَائِل وَكَيْف قِيلَ : { حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدهُ شَيْئًا } فَإِنْ لَمْ يَكُنْ السَّرَاب شَيْئًا , فَعَلَامَ أُدْخِلَتِ الْهَاء فِي قَوْله : { حَتَّى إِذَا جَاءَهُ } ؟ قِيلَ : إِنَّهُ شَيْء يُرَى مِنْ بَعِيد كَالضَّبَابِ الَّذِي يُرَى كَثِيفًا مِنْ بَعِيد وَالْهَبَاء , فَإِذَا قَرُبَ مِنْهُ الْمَرْء رَقَّ وَصَارَ كَالْهَوَاءِ , وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ حَتَّى إِذَا جَاءَ مَوْضِع السَّرَاب لَمْ يَجِد السَّرَاب شَيْئًا , فَاكْتَفَى بِذِكْرِ السَّرَاب مِنْ ذِكْر مَوْضِعه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ قَالَ : أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19814 - حَدَّثَنِي عَبْد الْأَعْلَى بْن وَاصِل , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنِ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب , قَالَ : ثُمَّ ضَرَبَ مَثَلًا آخَر , فَقَالَ : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالهمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ } قَالَ : وَكَذَلِكَ الْكَافِر يَجِيء يَوْم الْقِيَامَة وَهُوَ يَحْسِب أَنَّ عِنْد اللَّه خَيْرًا , فَلَا يَجِد , فَيُدْخِلهُ النَّار . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب بِنَحْوِهِ . 19815 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { أَعْمَالهمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ } يَقُول : الْأَرْض الْمُسْتَوِيَة . 19816 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالهمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ } ... إِلَى قَوْله : { وَاللَّه سَرِيع الْحِسَاب } قَالَ : هُوَ مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِرَجُلٍ عَطِشَ فَاشْتَدَّ عَطَشه , فَرَأَى سَرَابًا فَحَسِبَهُ مَاء , فَطَلَبه وَظَنَّ أَنَّهُ قَدْ قَدَرَ عَلَيْهِ , حَتَّى أَتَاهُ , فَلَمَّا أَتَاهُ لَمْ يَجِدهُ شَيْئًا , وَقُبِضَ عِنْد ذَلِكَ . يَقُول الْكَافِر كَذَلِكَ , يَحْسِب أَنَّ عَمَله مُغْنٍ عَنْهُ أَوْ نَافِعه شَيْئًا , وَلَا يَكُون آتِيًا عَلَى شَيْء حَتَّى يَأْتِيه الْمَوْت , فَإِذَا أَتَاهُ الْمَوْت لَمْ يَجِد عَمَله أَغْنَى عَنْهُ شَيْئًا وَلَمْ يَنْفَعهُ إِلَّا كَمَا نَفَعَ الْعَطْشَان الْمُشْتَدّ إِلَى السَّرَاب . 19817 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ } قَالَ : بِقَاعٍ مِنَ الْأَرْض , وَالسَّرَاب عَمَله . زَادَ الْحَارِث فِي حَدِيثه عَنْ الْحَسَن وَالسَّرَاب عَمَل الْكَافِر . { إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدهُ شَيْئًا } . إِتْيَانه إِيَّاهُ : مَوْته وَفِرَاقه الدُّنْيَا . { وَوَجَدَ اللَّه } عِنْد فِرَاقه الدُّنْيَا , { فَوَفَّاهُ حِسَابه } . 19818 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ } قَالَ : بِقِيعَةٍ مِنْ الْأَرْض . { يَحْسَبهُ الظَّمْآن مَاء } هُوَ مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِعَمَلِ الْكَافِر , يَقُول : يَحْسَب أَنَّهُ فِي شَيْء كَمَا يَحْسَب هَذَا السَّرَاب مَاء . { حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدهُ شَيْئًا } وَكَذَلِكَ الْكَافِر إِذَا مَاتَ لَمْ يَجِد عَمَله شَيْئًا { وَوَجَدَ اللَّه عِنْده فَوَفَّاهُ حِسَابه } . 19819 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا } ... إِلَى قَوْله : { وَوَجَدَ اللَّه عِنْده } قَالَ : هَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِلَّذِينَ كَفَرُوا ; { أَعْمَالهمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ } قَدْ رَأَى السَّرَاب , وَوَثِقَ بِنَفْسِهِ أَنَّهُ مَاء , فَلَمَّا جَاءَهُ لَمْ يَجِدهُ شَيْئًا . قَالَ : وَهَؤُلَاءِ ظَنُّوا أَنَّ أَعْمَالهمْ صَالِحَة , وَأَنَّهُمْ سَيَرْجِعُونَ مِنْهَا إِلَى خَيْر , فَلَمْ يَرْجِعُوا مِنْهَا إِلَّا كَمَا رَجَعَ صَاحِب السَّرَاب ; فَهَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ .

يَقُول وَاللَّه سَرِيع حِسَابه ; لِأَنَّهُ تَعَالَى ذِكْره لَا يَحْتَاج إِلَى عَقْد أَصَابِع وَلَا حِفْظ بِقَلْبٍ , وَلَكِنَّهُ عَالِم بِذَلِكَ كُلّه قَبْل أَنْ يَعْمَلهُ الْعَبْد وَمِنْ بَعْد مَا عَمِلَهُ .
أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍسورة النور الآية رقم 40
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْر لُجِّيّ يَغْشَاهُ مَوْج مِنْ فَوْقه مَوْج مِنْ فَوْقه سَحَاب ظُلُمَات بَعْضهَا فَوْق بَعْض } وَهَذَا مَثَل آخَر ضَرَبَهُ اللَّه لِأَعْمَالِ الْكُفَّار , يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَثَل أَعْمَال هَؤُلَاءِ الْكُفَّار فِي أَنَّهَا عُمِلَتْ عَلَى خَطَأ وَفَسَاد وَضَلَالَة وَحِيرَة مِنْ عُمَّالهَا فِيهَا وَعَلَى غَيْر هُدًى , مَثَل ظُلُمَات فِي بَحْر لُجِّيّ . وَنَسَبَ الْبَحْر إِلَى اللُّجَّة , وَصْفًا لَهُ بِأَنَّهُ عَمِيق كَثِير الْمَاء . وَلُجَّة الْبَحْر : مُعْظَمه . { يَغْشَاهُ مَوْج } يَقُول يَغْشَى الْبَحْر مَوْج , { مِنْ فَوْقه مَوْج } يَقُول : مِنْ فَوْق الْمَوْج مَوْج آخَر يَغْشَاهُ , { مِنْ فَوْقه سَحَاب } يَقُول : مِنْ فَوْق الْمَوْج الثَّانِي الَّذِي يَغْشَى الْمَوْج الْأَوَّل سَحَاب . فَجَعَلَ الظُّلُمَات مَثَلًا لِأَعْمَالِهِمْ , وَالْبَحْر اللُّجِّيّ مَثَلًا لِقَلْبِ الْكَافِر , يَقُول : عَمِلَ بِنِيَّةِ قَلْب قَدْ غَمَرَهُ الْجَهْل وَتَغَشَّتْهُ الضَّلَال وَالْحِيرَة كَمَا يَغْشَى هَذَا الْبَحْر اللُّجِّيّ مَوْج مِنْ فَوْقه مَوْج مِنْ فَوْقه سَحَاب , فَكَذَلِكَ قَلْب هَذَا الْكَافِر الَّذِي مَثَل عَمَله مَثَل هَذِهِ الظُّلُمَات , يَغْشَاهُ الْجَهْل بِاللَّهِ , بِأَنَّ اللَّه خَتَمَ عَلَيْهِ فَلَا يَعْقِل عَنِ اللَّه , وَعَلَى سَمْعه فَلَا يَسْمَع مَوَاعِظ اللَّه , وَجَعَلَ عَلَى بَصَره غِشَاوَة فَلَا يُبْصِر بِهِ حُجَج اللَّه , فَتِلْكَ ظُلُمَات بَعْضهَا فَوْق بَعْض . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19820 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْر لُجِّيّ يَغْشَاهُ مَوْج مِنْ فَوْقه مَوْج مِنْ فَوْقه سَحَاب } ... إِلَى قَوْله : { مِنْ نُور } قَالَ : يَعْنِي بِالظُّلُمَاتِ الْأَعْمَال , وَبِالْبَحْرِ اللُّجِّيّ قَلْب الْإِنْسَان . قَالَ : يَغْشَاهُ مَوْج مِنْ فَوْقه مَوْج مِنْ فَوْقه سَحَاب , قَالَ : ظُلُمَات بَعْضهَا فَوْق بَعْض ; يَعْنِي بِذَلِكَ الْغَشَاوَة الَّتِي عَلَى الْقَلْب وَالسَّمْع وَالْبَصَر . وَهُوَ كَقَوْلِهِ : { خَتَمَ اللَّه عَلَى قُلُوبهمْ } ... 2 7 الْآيَة , وَكَقَوْلِهِ : { أَفَرَأَيْت مَنِ اتَّخَذَ إِلَهه هَوَاهُ } ... إِلَى قَوْله : { أَفَلَا تَذَكَّرُونَ } 45 23 . 19821 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْر لُجِّيّ } عَمِيق , وَهُوَ مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِلْكَافِرِ يَعْمَل فِي ضَلَالَة وَحِيرَة , قَالَ : { ظُلُمَات بَعْضهَا فَوْق بَعْض } . وَرُوِيَ عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب , مَا : 19822 - حَدَّثَنِي عَبْد الْأَعْلَى بْن وَاصِل , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنِ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب , فِي قَوْله : { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْر لُجِّيّ يَغْشَاهُ مَوْج } ... الْآيَة , قَالَ : ضَرَبَ مَثَلًا آخَر لِلْكَافِرِ , فَقَالَ : { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْر لُجِّيّ } ... الْآيَة , قَالَ : فَهُوَ يَتَقَلَّب فِي خَمْس مِنَ الظُّلَم فَكَلَامه ظُلْمَة , وَعَمَله ظُلْمَة , وَمَدْخَله ظُلْمَة , وَمَخْرَجه ظُلْمَة , وَمَصِيره إِلَى الظُّلُمَات يَوْم الْقِيَامَة إِلَى النَّار . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ أَبِي الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب , بِنَحْوِهِ . 19823 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْر لُجِّيّ يَغْشَاهُ مَوْج مِنْ فَوْقه مَوْج } . .. إِلَى قَوْله : { ظُلُمَات بَعْضهَا فَوْق بَعْض } قَالَ : شَرّ بَعْضه فَوْق بَعْض .

وَقَوْله : { إِذَا أَخْرَجَ يَده لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا } يَقُول : إِذَا أَخْرَجَ النَّاظِر يَده فِي هَذِهِ الظُّلُمَات , لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا . فَإِنْ قَالَ : لَنَا قَائِل وَكَيْفَ قِيلَ : لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا , مَعَ شِدَّة هَذِهِ الظُّلْمَة الَّتِي وَصَفَ , وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ قَوْل الْقَائِل : لَمْ أَكَدْ أَرَى فُلَانًا , إِنَّمَا هُوَ إِثْبَات مِنْهُ لِنَفْسِهِ رُؤْيَته بَعْد جَهْد وَشِدَّة , وَمِنْ دُون الظُّلُمَات الَّتِي وَصَفَ فِي هَذِهِ الْآيَة مَا لَا يَرَى النَّاظِر يَده إِذَا أَخْرَجَهَا فِيهِ , فَكَيْفَ فِيهَا ؟ قِيلَ : فِي ذَلِكَ أَقْوَال نَذْكُرهَا , ثُمَّ نُخْبِر بِالصَّوَابِ مِنْ ذَلِكَ . أَحَدهَا : أَنْ يَكُون مَعْنَى الْكَلَام إِذَا أَخْرَجَ يَده رَائِيًا لَهَا لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ; أَيْ لَمْ يَعْرِف مِنْ أَيْنَ يَرَاهَا . وَالثَّانِي أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ إِذَا أَخْرَجَ يَده لَمْ يَرَهَا , وَيَكُون قَوْله : { لَمْ يَكَدْ } فِي دُخُوله فِي الْكَلَام , نَظِير دُخُول الظَّنّ فِيمَا هُوَ يَقِين مِنَ الْكَلَام , كَقَوْلِهِ : { وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيص } وَنَحْو ذَلِكَ . وَالثَّالِث : أَنْ يَكُون قَدْ رَآهَا بَعْد بُطْء وَجَهْد , كَمَا يَقُول الْقَائِل لِآخَر : مَا كِدْت أَرَاك مِنْ الظُّلْمَة , وَقَدْ رَآهُ , وَلَكِنْ بَعْد إِيَاس وَشِدَّة . وَهَذَا الْقَوْل الثَّالِث أَظْهَر مَعَانِي الْكَلِمَة مِنْ جِهَة مَا تَسْتَعْمِل الْعَرَب " أَكَاد " فِي كَلَامهَا . وَالْقَوْل الْآخَر الَّذِي قُلْنَا إِنَّهُ يَتَوَجَّه إِلَى أَنَّهُ مَعْنَى لَمْ يَرَهَا , قَوْل أَوْضَح مِنْ جِهَة التَّفْسِير , وَهُوَ أَخْفَى مَعَانِيه . وَإِنَّمَا حَسُنَ ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِع , أَعْنِي أَنْ يَقُول : لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا مَعَ شِدَّة الظُّلْمَة الَّتِي ذَكَرَ ; لِأَنَّ ذَلِكَ مَثَل لَا خَبَر عَنْ كَائِن كَانَ.


يَقُول : مَنْ لَمْ يَرْزُقهُ اللَّه إِيمَانًا وَهُدًى مِنْ الضَّلَالَة وَمَعْرِفَة بِكِتَابِهِ ,


يَقُول : فَمَا لَهُ مِنْ إِيمَان وَهُدًى وَمَعْرِفَة بِكِتَابِهِ .
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَسورة النور الآية رقم 41
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّه يُسَبِّح لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَالطَّيْر صَافَّات كُلّ قَدْ عَلِمَ صَلَاته وَتَسْبِيحه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَلَمْ تَنْظُر يَا مُحَمَّد بِعَيْنِ قَلْبك فَتَعْلَم أَنَّ اللَّه يُصَلِّي لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض مِنْ مَلَك وَإِنْس وَجِنّ . { وَالطَّيْر صَافَّات } فِي الْهَوَاء أَيْضًا تُسَبِّح لَهُ . { كُلّ قَدْ عَلِمَ صَلَاته وَتَسْبِيحه } وَالتَّسْبِيح عِنْدك صَلَاة , فَيُقَال : قِيلَ : إِنَّ الصَّلَاة لِبَنِي آدَم وَالتَّسْبِيح لِغَيْرِهِمْ مِنَ الْخَلْق , وَلِذَلِكَ فَصَّلَ فِيمَا بَيْن ذَلِكَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ : أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19824 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثني عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { يُسَبِّح لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَالطَّيْر صَافَّات كُلّ قَدْ عَلِمَ صَلَاته وَتَسْبِيحه } قَالَ : وَالصَّلَاة لِلْإِنْسَانِ , وَالتَّسْبِيح لِمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْخَلْق . 19825 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد قَوْله : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّه يُسَبِّح لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَالطَّيْر صَافَّات كُلّ قَدْ عَلِمَ صَلَاته وَتَسْبِيحه } قَالَ : صَلَاته لِلنَّاسِ , وَتَسْبِيحه : عَامَّة لِكُلِّ شَيْء . وَيَتَوَجَّه قَوْله : { كُلّ قَدْ عَلِمَ صَلَاته وَتَسْبِيحه } لِوُجُوهٍ : أَحَدهَا أَنْ تَكُون الْهَاء الَّتِي فِي قَوْله : { صَلَاته وَتَسْبِيحه } مِنْ ذِكْر " كُلّ " , فَيَكُون تَأْوِيل الْكَلَام : كُلّ مُصَلٍّ وَمُسَبِّح مِنْهُمْ قَدْ عَلِمَ اللَّه صَلَاته وَتَسْبِيحه , وَيَكُون " الْكُلّ " حِينَئِذٍ مُرْتَفِعًا بِالْعَائِدِ مِنْ ذِكْره فِي قَوْله : { كُلّ قَدْ عَلِمَ صَلَاته وَتَسْبِيحه } وَهُوَ الْهَاء الَّتِي فِي الصَّلَاة . وَالْوَجْه الْآخَر : أَنْ تَكُون الْهَاء فِي الصَّلَاة وَالتَّسْبِيح أَيْضًا لِ " الْكُلّ " , وَيَكُون " الْكُلّ " مُرْتَفِعًا بِالْعَائِدِ مِنْ ذِكْره عَلَيْهِ فِي { عَلِمَ } وَيَكُون { عَلِمَ } فِعْلًا لِ " الْكُلّ " , فَيَكُون تَأْوِيل الْكَلَام حِينَئِذٍ قَدْ عَلِمَ كُلّ مُصَلٍّ وَمُسَبِّح مِنْهُمْ صَلَاة نَفْسه وَتَسْبِيحه الَّذِي كَلَّفَهُ وَأَلْزَمَهُ . وَالْوَجْه الْآخَر أَنْ تَكُون الْهَاء فِي الصَّلَاة وَالتَّسْبِيح مِنْ ذِكْر اللَّه , وَالْعِلْم لِ " الْكُلّ " , فَيَكُون تَأْوِيل الْكَلَام حِينَئِذٍ قَدْ عَلِمَ كُلّ مُسَبِّح وَمُصَلٍّ صَلَاة اللَّه الَّتِي كَلَّفَهُ إِيَّاهَا , وَتَسْبِيحه . وَأَظْهَر هَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَة عَلَى هَذَا الْكَلَام الْمَعْنَى الْأَوَّل , وَهُوَ أَنْ يَكُون الْمَعْنَى : كُلّ مُصَلٍّ مِنْهُمْ وَمُسَبِّح , قَدْ عَلِمَ اللَّه صَلَاته وَتَسْبِيحه.

وَقَوْله : { وَاللَّه عَلِيم بِمَا يَفْعَلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاللَّه ذُو عِلْم بِمَا يَفْعَل كُلّ مُصَلٍّ وَمُسَبِّح مِنْهُمْ , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ أَفْعَالهمْ , طَاعَتهَا وَمَعْصِيَتهَا , مُحِيط بِذَلِكَ كُلّه , وَهُوَ مُجَازِيهمْ عَلَى ذَلِكَ كُلّه .
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُسورة النور الآية رقم 42
وَقَوْله : { وَلِلَّهِ مُلْك السَّمَاوَات وَالْأَرْض } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَلِلَّهِ سُلْطَان السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمُلْكهَا , دُون كُلّ مَنْ هُوَ دُونه مِنْ سُلْطَان وَمُلْك , فَإِيَّاهُ فَارْهَبُوا أَيّهَا النَّاس , وَإِلَيْهِ فَارْغَبُوا لَا إِلَى غَيْره , فَإِنَّ بِيَدِهِ خَزَائِن السَّمَاوَات وَالْأَرْض , لَا يَخْشَى بِعَطَايَاكُمْ مِنْهَا فَقْرًا.


يَقُول وَأَنْتُمْ إِلَيْهِ بَعْد وَفَاتكُمْ , مَصِيركُمْ وَمَعَادكُمْ , فَيُوَفِّيكُمْ أُجُور أَعْمَالكُمْ الَّتِي عَمِلْتُمُوهَا فِي الدُّنْيَا , فَأَحْسِنُوا عِبَادَته , وَاجْتَهِدُوا فِي طَاعَته , وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ الصَّالِحَات مِنْ الْأَعْمَال.
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِسورة النور الآية رقم 43
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّه يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّف بَيْنه ثُمَّ يَجْعَلهُ رُكَامًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَلَمْ تَرَ } يَا مُحَمَّد { أَنَّ اللَّه يُزْجِي } يَعْنِي يَسُوق { سَحَابًا } حَيْثُ يُرِيد . { ثُمَّ يُؤَلِّف بَيْنه } يَقُول ثُمَّ يُؤَلِّف بَيْن السَّحَاب . وَأَضَافَ " بَيْن " إِلَى السَّحَاب , وَلَمْ يَذْكُر مَعَ غَيْره , وَ " بَيْن " لَا تَكُون مُضَافَة إِلَّا إِلَى جَمَاعَة أَوْ اثْنَيْنِ ; لِأَنَّ السَّحَاب فِي مَعْنَى جَمْع , وَاحِده سَحَابَة , كَمَا يُجْمَع النَّخْلَة : نَخْل , وَالتَّمْرَة تَمْر , فَهُوَ نَظِير قَوْل قَائِل : جَلَسَ فُلَان بَيْن النَّخْل . وَتَأْلِيف اللَّه السَّحَاب جَمْعه بَيْن مُتَفَرِّقهَا . وَقَوْله : { ثُمَّ يَجْعَلهُ رُكَامًا } يَقُول : ثُمَّ يَجْعَل السَّحَاب الَّذِي يُزْجِيه وَيُؤَلِّف بَعْضه إِلَى بَعْض { رُكَامًا } يَعْنِي مُتَرَاكِمًا بَعْضه عَلَى بَعْض . وَقَدْ : 19826 - حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد بْن بَيَان , قَالَ : أَخْبَرَنَا خَالِد , قَالَ : ثنا مَطَر , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت , عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر اللَّيْثِيّ , قَالَ : الرِّيَاح أَرْبَع : يَبْعَث اللَّه الرِّيح الْأُولَى فَتَقُمّ الْأَرْض قَمًّا , ثُمَّ يَبْعَث الثَّانِيَة فَتُنْشِئ سَحَابًا , ثُمَّ يَبْعَث الثَّالِثَة فَتُؤَلِّف بَيْنه فَتَجْعَلهُ رُكَامًا , ثُمَّ يَبْعَث الرَّابِعَة فَتُمْطِرهُ.

وَقَوْله : { فَتَرَى الْوَدْق يَخْرُج مِنْ خِلَاله } يَقُول : فَتَرَى الْمَطَر يَخْرُج مِنْ بَيْن السَّحَاب , وَهُوَ الْوَدْق , قَالَ : الشَّاعِر : فَلَا مُزْنَة وَدَقَتْ وَدْقهَا وَلَا أَرْض أَبْقَلَ إِبْقَالهَا وَالْهَاء فِي قَوْله : { مِنْ خِلَاله } مِنْ ذِكْر السَّحَاب , وَالْخِلَال : جَمْع خَلَل . وَذُكِرَ عَنْ ابْن عَبَّاس وَجَمَاعَة أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْرَءُونَ ذَلِكَ : " مِنْ خَلَله " . 19827 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا حَرَمِيّ بْن عُمَارَة , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : ثنا قَتَادَة , عَنِ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم : أَنَّهُ قَرَأَ هَذَا الْحَرْف : { فَتَرَى الْوَدْق يَخْرُج مِنْ خِلَاله } : " مِنْ خَلَلِهِ " . 19828 - قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : أَخْبَرَنِي عُمَارَة , عَنْ رَجُل , عَنِ ابْن عَبَّاس , أَنَّهُ قَرَأَ هَذَا الْحَرْف : { فَتَرَى الْوَدْق يَخْرُج مِنْ خِلَاله } : " مِنْ خَلَله " . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن يُوسُف , قَالَ : ثنا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ هَارُون , قَالَ : أَخْبَرَنِي عُمَارَة بْن أَبِي حَفْصَة , عَنْ رَجُل , عَنِ ابْن عَبَّاس , أَنَّهُ قَرَأَهَا : " مِنْ خَلَلِهِ " بِفَتْحِ الْخَاء , مِنْ غَيْر أَلِف . قَالَ هَارُون : فَذَكَرْت ذَلِكَ لِأَبِي عَمْرو , فَقَالَ : إِنَّهَا لَحَسَنَة , وَلَكِنَّ خِلَاله أَعَمّ . وَأَمَّا قُرَّاء الْأَمْصَار , فَإِنَّهُمْ عَلَى الْقِرَاءَة الْأُخْرَى : { مِنْ خِلَاله } وَهِيَ الَّتِي نَخْتَار ; لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنَ الْقُرَّاء عَلَيْهَا . 19829 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { فَتَرَى الْوَدْق يَخْرُج مِنْ خِلَاله } قَالَ : الْوَدْق الْقَطْر , وَالْخِلَال : السَّحَاب .


وَقَوْله : { وَيُنَزِّل مِنَ السَّمَاء مِنْ جِبَال فِيهَا مِنْ بَرَد } : قِيلَ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ : أَحَدهمَا : أَنَّ مَعْنَاهُ : وَأَنَّ اللَّه يُنَزِّل مِنَ السَّمَاء مِنْ جِبَال فِي السَّمَاء مِنْ بَرَد , مَخْلُوقَة هُنَالِكَ خَلْقه . كَأَنَّ الْجِبَال عَلَى هَذَا الْقَوْل , هِيَ مِنْ بَرَد , كَمَا يُقَال : جِبَال مِنْ طِين . وَالْقَوْل الْآخَر أَنَّ اللَّه يُنَزِّل مِنْ السَّمَاء قَدْر جِبَال وَأَمْثَال جِبَال مِنْ بَرَد إِلَى الْأَرْض , كَمَا يُقَال : عِنْدِي بَيْتَانِ تِبْنًا . وَالْمَعْنَى قَدْر بَيْتَيْنِ مِنْ التِّبْن , وَالْبَيْتَانِ لَيْسَا مِنْ التِّبْن .


وَقَوْله : { فَيُصِيب بِهِ مَنْ يَشَاء وَيَصْرِفهُ عَمَّنْ يَشَاء } يَقُول : فَيُعَذِّب بِذَلِكَ الَّذِي يُنَزِّل مِنْ السَّمَاء مِنْ جِبَال فِيهَا مِنْ بَرَد مَنْ يَشَاء فَيُهْلِكهُ , أَوْ يُهْلِك بِهِ زُرُوعه وَمَاله .


مِنْ خَلْقه , يَعْنِي عَنْ زُرُوعهمْ وَأَمْوَالهمْ.


وَقَوْله : { يَكَاد سَنَا بَرْقه يَذْهَب بِالْأَبْصَارِ } يَقُول : يَكَاد شِدَّة ضَوْء بَرْق هَذَا السَّحَاب يَذْهَب بِأَبْصَارِ مَنْ لَاقَى بَصَره . وَالسَّنَا : مَقْصُور , وَهُوَ ضَوْء الْبَرْق . كَمَا : 19830 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { يَكَاد سَنَا بَرْقه } قَالَ : ضَوْء بَرْقه . 19831 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { يَكَاد سَنَا بَرْقه } يَقُول : لَمَعَان الْبَرْق يَذْهَب بِالْأَبْصَارِ . 19832 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { يَكَاد سَنَا بَرْقه يَذْهَب بِالْأَبْصَارِ } قَالَ : سَنَاهُ : ضَوْء يَذْهَب بِالْأَبْصَارِ . وَقَرَأَتْ قُرَّاء الْأَمْصَار { يَكَاد سَنَا بَرْقه يَذْهَب } بِفَتْحِ الْيَاء مِنْ " يَذْهَب " , سِوَى أَبِي جَعْفَر الْقَارِي فَإِنَّهُ قَرَأَهُ بِضَمِّ الْيَاء : " يُذْهِب بِالْأَبْصَارِ " . وَالْقِرَاءَة الَّتِي لَا أَخْتَار غَيْرهَا هِيَ فَتْحهَا ; لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنَ الْقُرَّاء عَلَيْهَا , وَأَنَّ الْعَرَب إِذَا أَدْخَلَتْ الْبَاء فِي مَفْعُول " ذَهَبَتْ " , لَمْ يَقُولُوا إِلَّا ذَهَبَ بِهِ , دُون أَذْهَبْت بِهِ . وَإِذَا أَدْخَلُوا الْأَلِف فِي " أَذْهَبْت " , لَمْ يَكَادُوا أَنْ يُدْخِلُوا الْبَاء فِي مَفْعُوله , فَيَقُولُونَ أَذْهَبْته , وَذَهَبْت بِهِ .
يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الأَبْصَارِسورة النور الآية رقم 44
وَقَوْله : { يُقَلِّب اللَّه اللَّيْل وَالنَّهَار } يَقُول يُعَقِّب اللَّه بَيْن اللَّيْل وَالنَّهَار وَيُصَرِّفهُمَا , إِذَا أَذْهَبَ هَذَا جَاءَ هَذَا , وَإِذَا أَذْهَبَ هَذَا جَاءَ هَذَا .


يَقُول : إِنَّ فِي إِنْشَاء اللَّه السَّحَاب وَإِنْزَاله مِنْهُ الْوَدْق وَمِنَ السَّمَاء الْبَرَد وَفِي تَقْلِيبه اللَّيْل وَالنَّهَار , لَعِبْرَة لِمَنْ اعْتَبَرَ بِهِ وَعِظَة لِمَنِ اتَّعَظَ بِهِ مِمَّنْ لَهُ فَهْم وَعَقْل ; لِأَنَّ ذَلِكَ يُنْبِئ وَيَدُلّ عَلَى أَنَّ لَهُ مُدَبِّرًا وَمُصَرِّفًا وَمُقَلِّبًا , لَا يُشْبِههُ شَيْء .
وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌسورة النور الآية رقم 45
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاللَّه خَلَقَ كُلّ دَابَّة مِنْ مَاء فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنه وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رَجُلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَع } اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَاللَّه خَلَقَ كُلّ دَابَّة مِنْ مَاء } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة غَيْر عَاصِم : " وَاللَّه خَالِق كُلّ دَابَّة " . وَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَعَاصِم : { وَاللَّه خَلَقَ كُلّ دَابَّة } بِنَصْبِ " كُلّ " , وَ " خَلَقَ " عَلَى مِثَال " فَعَلَ " . وَهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى , وَذَلِكَ أَنَّ الْإِضَافَة فِي قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ " خَالِق " تَدُلّ عَلَى أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ الْمُضِيّ , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب . وَقَوْله : { خَلَقَ كُلّ دَابَّة مِنْ مَاء } يَعْنِي مِنْ نُطْفَة . { فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنه } كَالْحَيَّاتِ وَمَا أَشْبَهَهَا . وَقِيلَ : إِنَّمَا قِيلَ : { مِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنه } وَالْمَشْي لَا يَكُون عَلَى الْبَطْن ; لِأَنَّ الْمَشْي إِنَّمَا يَكُون لِمَا لَهُ قَوَائِم , عَلَى التَّشْبِيه , أَنَّهُ لَمَّا خَالَطَ مَا لَهُ قَوَائِم مَا لَا قَوَائِم لَهُ , جَازَ , كَمَا قَالَ : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ } كَالطَّيْرِ , { وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَع } كَالْبَهَائِمِ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَكَيْفَ قِيلَ : فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي , وَ " مَنْ " لِلنَّاسِ , وَكُلّ هَذِهِ الْأَجْنَاس أَوْ أَكْثَرهَا لِغَيْرِهِمْ ؟ قِيلَ : لِأَنَّهُ تَفْرِيق مَا هُوَ دَاخِل فِي قَوْله : { وَاللَّه خَلَقَ كُلّ دَابَّة } وَكَانَ دَاخِلًا فِي ذَلِكَ النَّاس وَغَيْرهمْ , ثُمَّ قَالَ : { فَمِنْهُمْ } لِاجْتِمَاعِ النَّاس وَالْبَهَائِم وَغَيْرهمْ فِي ذَلِكَ وَاخْتِلَاطهمْ , فَكَنَّى عَنْ جَمِيعهمْ كِنَايَته عَنْ بَنِي آدَم , ثُمَّ فَسَّرَهُمْ بِ " مَنْ " , إِذْ كَانَ قَدْ كَنَّى عَنْهُمْ كِنَايَة بَنِي آدَم خَاصَّة .

يَقُول : يُحْدِث اللَّه مَا يَشَاء مِنَ الْخَلْق .

يَقُول : إِنَّ اللَّه عَلَى إِحْدَاث ذَلِكَ وَخَلْقه وَخَلْق مَا يَشَاء مِنْ الْأَشْيَاء غَيْره , ذُو قُدْرَة لَا يَتَعَذَّر عَلَيْهِ شَيْء أَرَادَ .
لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍسورة النور الآية رقم 46
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَات مُبَيِّنَات } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَقَدْ أَنْزَلْنَا أَيّهَا النَّاس عَلَامَات وَاضِحَات , دَالَّات عَلَى طَرِيق الْحَقّ , وَسَبِيل الرَّشَاد .


يَقُول : وَاللَّه يُرْشِد مَنْ يَشَاء مِنْ خَلْقه بِتَوْفِيقِهِ , فَيَهْدِيه إِلَى دِين الْإِسْلَام , وَهُوَ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم وَالطَّرِيق الْقَاصِد الَّذِي لَا اعْوِجَاج فِيهِ .
وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَسورة النور الآية رقم 47
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَيَقُول الْمُنَافِقُونَ : صَدَّقْنَا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا اللَّه وَأَطَعْنَا الرَّسُول .

يَقُول : ثُمَّ تُدْبِر كُلّ طَائِفَة مِنْهُمْ مِنْ بَعْد مَا قَالُوا هَذَا الْقَوْل عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَتَدْعُو إِلَى الْمُحَاكَمَة إِلَى غَيْره خَصْمهَا .


يَقُول : وَلَيْسَ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة , يَعْنِي قَوْله : { آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا } بِالْمُؤْمِنِينَ ; لِتَرْكِهِمُ الْأَحْكَام إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِعْرَاضهمْ عَنْهُ إِذَا دُعُوا إِلَيْهِ .
وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَسورة النور الآية رقم 48
وَقَوْله : { وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّه وَرَسُوله } يَقُول : وَإِذَا دُعِيَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ إِلَى كِتَاب اللَّه وَإِلَى رَسُوله { لِيَحْكُم بَيْنهمْ } فِيمَا اخْتَصَمُوا فِيهِ بِحُكْمِ اللَّه , { إِذَا فَرِيق مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ } عَنْ قَبُول الْحَقّ وَالرِّضَا بِحُكْمِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَسورة النور الآية رقم 49
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِنْ يَكُنَ الْحَقّ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُدْعَوْنَ إِلَى اللَّه وَرَسُوله لِيَحْكُم بَيْنهمْ , فَيَأْبَوْنَ وَيُعْرِضُونَ عَنِ الْإِجَابَة إِلَى ذَلِكَ , قِبَل الَّذِينَ يَدْعُونَهُمْ إِلَى اللَّه وَرَسُوله , يَأْتُوا إِلَى رَسُول اللَّه مُذْعِنِينَ , يَقُول { مُذْعِنِينَ } مُنْقَادِينَ لِحُكْمِهِ , مُقِرِّينَ بِهِ طَائِعِينَ غَيْر مُكْرَهِينَ ; يُقَال : مِنْهُ قَدْ أَذْعَنَ فُلَان بِحَقِّهِ إِذَا أَقَرَّ بِهِ طَائِعًا غَيْر مُسْتَكْرَه وَانْقَادَ لَهُ وَسَلَّمَ . وَكَانَ مُجَاهِد فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ يَقُول فِي ذَلِكَ , مَا : 19833 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ } قَالَ : سِرَعًا .
أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَسورة النور الآية رقم 50
وَقَوْله : { أَفِي قُلُوبهمْ مَرَض } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَفِي قُلُوب هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُعْرِضُونَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّه وَرَسُوله لِيَحْكُم بَيْنهمْ شَكّ فِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَهُ رَسُول فَهُمْ يَمْتَنِعُونَ مِنَ الْإِجَابَة إِلَى حُكْمه وَالرِّضَا بِهِ .


{ أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيف اللَّه عَلَيْهِمْ وَرَسُوله } إِذَا احْتَكَمُوا إِلَى حُكْم كِتَاب اللَّه وَحُكْم رَسُوله . وَقَوْله : { أَنْ يَحِيف اللَّه عَلَيْهِمْ وَرَسُوله } وَالْمَعْنَى : أَنْ يَحِيف رَسُول اللَّه عَلَيْهِمْ , فَبَدَأَ بِاللَّهِ تَعَالَى ذِكْره تَعْظِيمًا لِلَّهِ , كَمَا يُقَال : مَا شَاءَ اللَّه ثُمَّ شِئْت , بِمَعْنَى شِئْت . وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ كَذَلِكَ قَوْله : { وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّه وَرَسُوله لِيَحْكُم بَيْنهمْ } فَأَفْرَدَ الرَّسُول بِالْحُكْمِ , وَلَمْ يَقُلْ : لِيَحْكُمَا .

وَقَوْله : { بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } يَقُول : مَا خَافَ هَؤُلَاءِ الْمُعْرِضُونَ عَنْ حُكْم اللَّه وَحُكْم رَسُوله , إِذْ أَعْرَضُوا عَنِ الْإِجَابَة إِلَى ذَلِكَ , مِمَّا دُعُوا إِلَيْهِ , أَنْ يَحِيف عَلَيْهِمْ رَسُول اللَّه , فَيَجُور فِي حُكْمه عَلَيْهِمْ ; وَلَكِنَّهُمْ قَوْم أَهْل ظُلْم لِأَنْفُسِهِمْ بِخِلَافِهِمْ أَمْر رَبّهمْ وَمَعْصِيَتهمْ اللَّه فِيمَا أَمَرَهُمْ مِنْ الرِّضَا بِحُكْمِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أَحَبُّوا وَكَرِهُوا , وَالتَّسْلِيم لَهُ .
إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَسورة النور الآية رقم 51
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّمَا كَانَ قَوْل الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّه وَرَسُوله لِيَحْكُم بَيْنهمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُون قَوْل الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى حُكْم اللَّه وَإِلَى حُكْم رَسُوله , { لِيَحْكُم بَيْنهمْ } وَبَيْن خُصُومهمْ , { أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا } مَا قِيلَ لَنَا , { وَأَطَعْنَا } مَنْ دَعَانَا إِلَى ذَلِكَ . وَلَمْ يُعْنَ بِكَانَ فِي هَذَا الْمَوْضِع الْخَبَر عَنْ أَمْر قَدْ مَضَى فَيُقْضَى , وَلَكِنَّهُ تَأْنِيب مِنَ اللَّه الَّذِي أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة بِسَبَبِهِمْ وَتَأْدِيب مِنْهُ آخَرِينَ غَيْرهمْ .

وَقَوْله : { وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَالَّذِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّه وَرَسُوله لِيَحْكُم بَيْنهمْ وَبَيْن خُصُومهمْ , أَنْ يَقُولُوا : سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا . { الْمُفْلِحُونَ } يَقُول : هُمُ الْمُنَجَّحُونَ الْمُدْرِكُونَ طِلْبَاتِهِمْ , بِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ , الْمُخَلَّدُونَ فِي جَنَّات اللَّه .
وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَسورة النور الآية رقم 52
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ يُطِعِ اللَّه وَرَسُوله وَيَخْشَى اللَّه وَيَتَّقِهِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَنْ يُطِعِ اللَّه وَرَسُوله فِيمَا أَمَرَهُ وَنَهَاهُ , وَيُسَلِّم لِحُكْمِهِمَا لَهُ وَعَلَيْهِ , وَيَخَفْ عَاقِبَة مَعْصِيَة اللَّه وَيَحْذَرهُ , وَيَتَّقِ عَذَاب اللَّه بِطَاعَتِهِ إِيَّاهُ فِي أَمْره وَنَهْيه ;

يَقُول : فَالَّذِينَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ بِرِضَا اللَّه عَنْهُمْ يَوْم الْقِيَامَة وَأَمْنهمْ مِنْ عَذَابه .
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُل لّا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَسورة النور الآية رقم 53
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْد أَيْمَانهمْ لَئِنْ أَمَرْتهمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَة مَعْرُوفَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره وَحَلَفَ هَؤُلَاءِ الْمُعْرِضُونَ عَنْ حُكْم اللَّه وَحُكْم رَسُوله إِذْ دُعُوا إِلَيْهِ { بِاللَّهِ جَهْد أَيْمَانهمْ } يَقُول : أَغْلَظ أَيْمَانهمْ وَأَشَدّهَا : { لَئِنْ أَمَرْتهمْ } يَا مُحَمَّد بِالْخُرُوجِ إِلَى جِهَاد عَدُوّك وَعَدُوّ الْمُؤْمِنِينَ { لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا } ; لَا تَحْلِفُوا , فَإِنَّ هَذِهِ { طَاعَة مَعْرُوفَة } مِنْكُمْ , فِيهَا التَّكْذِيب . كَمَا : 19834 -حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَة مَعْرُوفَة } قَالَ : قَدْ عُرِفَتْ طَاعَتكُمْ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تَكْذِبُونَ .

يَقُول : إِنَّ اللَّه ذُو خِبْرَة بِمَا تَعْمَلُونَ مِنْ طَاعَتكُمْ اللَّه وَرَسُوله , أَوْ خِلَافكُمْ أَمْرهمَا أَوْ غَيْر ذَلِكَ مِنْ أُمُوركُمْ , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْء , وَهُوَ مُجَازِيكُمْ بِكُلِّ ذَلِكَ .
قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُسورة النور الآية رقم 54
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ أَطِيعُوا اللَّه وَأَطِيعُوا الرَّسُول } يَقُول تَعَالَى ذِكْره { قُلْ } يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْمُقْسِمِينَ بِاللَّهِ جَهْد أَيْمَانهمْ لَئِنْ أَمَرْتهمْ لَيَخْرُجُنَّ وَغَيْرهمْ مِنْ أُمَّتك { أَطِيعُوا اللَّه } أَيّهَا الْقَوْم فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَنَهَاكُمْ عَنْهُ . { وَأَطِيعُوا الرَّسُول } فَإِنَّ طَاعَته لِلَّهِ طَاعَة .

{ فَإِنْ تَوَلَّوْا } يَقُول فَإِنْ تُعْرِضُوا وَتُدْبِرُوا عَمَّا أَمَرَكُمْ بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ نَهَاكُمْ عَنْهُ , وَتَأْبَوْا أَنْ تُذْعِنُوا لِحُكْمِهِ لَكُمْ وَعَلَيْكُمْ . { فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ } يَقُول : فَإِنَّمَا عَلَيْهِ فِعْل مَا أُمِرَ بِفِعْلِهِ مِنْ تَبْلِيغ رِسَالَة اللَّه إِلَيْكُمْ , عَلَى مَا كَلَّفَهُ مِنْ التَّبْلِيغ . { وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ } يَقُول وَعَلَيْكُمْ أَيّهَا النَّاس أَنْ تَفْعَلُوا مَا أَلْزَمَكُمْ وَأَوْجَبَ عَلَيْكُمْ مِنْ اتِّبَاع رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالِانْتِهَاء إِلَى طَاعَته فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ . وَقُلْنَا إِنَّ قَوْله : { فَإِنْ تَوَلَّوْا } بِمَعْنَى فَإِنْ تَتَوَلَّوْا , فَإِنَّهُ فِي مَوْضِع جَزْم ; لِأَنَّهُ خِطَاب لِلَّذِينَ أُمِرَ رَسُول اللَّه بِأَنْ يَقُول لَهُمْ { أَطِيعُوا اللَّه وَأَطِيعُوا الرَّسُول } يَدُلّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ قَوْله : { وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ } وَلَوْ كَانَ قَوْله : { تَوَلَّوْا } فِعْلًا مَاضِيًا عَلَى وَجْه الْخَبَر عَنْ غَيْب , لَكَانَ فِي مَوْضِع قَوْله : { وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَعَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا } .

وَقَوْله : { وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِنْ تُطِيعُوا أَيّهَا النَّاس رَسُول اللَّه فِيمَا يَأْمُركُمْ وَيَنْهَاكُمْ , تَرْشُدُوا وَتُصِيبُوا الْحَقّ فِي أُمُوركُمْ .


يَقُول : وَغَيْر وَاجِب عَلَى مَنْ أَرْسَلَهُ اللَّه إِلَى قَوْم بِرِسَالَةٍ إِلَّا أَنْ يُبَلِّغهُمْ رِسَالَته بَلَاغًا يُبَيِّن لَهُمْ ذَلِكَ الْبَلَاغ عَمَّا أَرَادَ اللَّه بِهِ , يَقُول فَلَيْسَ عَلَى مُحَمَّد أَيّهَا النَّاس إِلَّا أَدَاء رِسَالَة اللَّه إِلَيْكُمْ وَعَلَيْكُمْ الطَّاعَة ; وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُ لِحُظُوظِ أَنْفُسكُمْ تُصِيبُونَ , وَإِنْ عَصَيْتُمُوهُ بِأَنْفُسِكُمْ فَتُوبِقُونَ.
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَسورة النور الآية رقم 55
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَعَدَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَات لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْض كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينهمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْد خَوْفهمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْد ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَعَدَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا } بِاللَّهِ وَرَسُوله { مِنْكُمْ } أَيّهَا النَّاس , { وَعَمِلُوا الصَّالِحَات } يَقُول : وَأَطَاعُوا اللَّه وَرَسُوله فِيمَا أَمَرَاهُ وَنَهَيَاهُ ; { لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْض } يَقُول : لَيُوَرِّثَنَّهُمْ اللَّه أَرْض الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْعَرَب وَالْعَجَم , فَيَجْعَلهُمْ مُلُوكهَا وَسَاسَتهَا . { كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ } يَقُول : كَمَا فَعَلَ مِنْ قَبْلهمْ ذَلِكَ بِبَنِي إِسْرَائِيل , إِذْ أَهْلَكَ الْجَبَابِرَة بِالشَّأْمِ وَجَعَلَهُمْ مُلُوكهَا وَسُكَّانهَا . { وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينهمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ } يَقُول : وَلَيُوَطِّئَنَّ لَهُمْ دِينهمْ , يَعْنِي مِلَّتهمْ الَّتِي ارْتَضَاهَا لَهُمْ فَأَمَرَهُمْ بِهَا . وَقِيلَ : وَعَدَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا , ثُمَّ تَلَقَّى ذَلِكَ بِجَوَابِ الْيَمِين بِقَوْلِهِ : { لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ } لِأَنَّ الْوَعْد قَوْل يَصْلُح فِيهِ " أَنْ " , وَجَوَاب الْيَمِين كَقَوْلِهِ : وَعَدْتُك أَنْ أُكْرِمك , وَوَعَدْتُك لَأُكْرِمَنَّك . وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { كَمَا اسْتَخْلَفَ } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة الْقُرَّاء : { كَمَا اسْتَخْلَفَ } بِفَتْحِ التَّاء وَاللَّام , بِمَعْنَى : كَمَا اسْتَخْلَفَ اللَّه الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ مِنْ الْأُمَم . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَاصِم : " كَمَا اسْتُخْلِفَ " بِضَمِّ التَّاء وَكَسْر اللَّام , عَلَى مَذْهَب مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله . وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار سِوَى عَاصِم : { وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ } بِتَشْدِيدِ الدَّال , بِمَعْنَى : وَلَيُغَيِّرَنَّ حَالهمْ عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْخَوْف إِلَى الْأَمْن , وَالْعَرَب تَقُول : قَدْ بُدِّلَ فُلَان : إِذَا غُيِّرَتْ حَاله وَلَمْ يَأْتِ مَكَان غَيْره , وَكَذَلِكَ كُلّ مُغَيَّر عَنْ حَاله فَهُوَ عِنْدهمْ مُبَدَّل بِالتَّشْدِيدِ . وَرُبَّمَا قِيلَ بِالتَّخْفِيفِ , وَلَيْسَ بِالْفَصِيحِ . فَأَمَّا إِذَا جُعِلَ مَكَان الشَّيْء الْمُبَدَّل غَيْره , فَذَلِكَ بِالتَّخْفِيفِ : أَبْدَلْته فَهُوَ مُبْدَل . وَذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ : أَبْدَلَ هَذَا الثَّوْب : أَيْ جَعَلَ مَكَانه آخَر غَيْره , وَقَدْ يُقَال بِالتَّشْدِيدِ ; غَيْر أَنَّ الْفَصِيح مِنَ الْكَلَام مَا وَصَفْت . وَكَانَ عَاصِم يَقْرَؤُهُ : " وَلَيُبْدِلَنَّهُم " بِتَخْفِيفِ الدَّال . وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ : التَّشْدِيد , عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْت قَبْل ; لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ قُرَّاء الْأَمْصَار عَلَيْهِ , وَأَنَّ ذَاكَ تَغْيِير حَال الْخَوْف إِلَى الْأَمْن . وَأَرَى عَاصِمًا ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْأَمْن لَمَّا كَانَ خِلَاف الْخَوْف وَجَّهَ الْمَعْنَى إِلَى أَنَّهُ ذَهَبَ بِحَالِ الْخَوْف وَجَاءَ بِحَالِ الْأَمْن , فَخَفَّفَ ذَلِكَ . وَمِنَ الدَّلِيل عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ التَّخْفِيف إِنَّمَا هُوَ مَا كَانَ فِي إِبْدَال شَيْء مَكَان آخَر , قَوْل أَبِي النَّجْم : عَزْل الْأَمِير لِلْأَمِيرِ الْمُبْدَل وَقَوْله : { يَعْبُدُونَنِي } يَقُول : يَخْضَعُونَ لِي بِالطَّاعَةِ وَيَتَذَلَّلُونَ لِأَمْرِي وَنَهْيِي . { لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا } يَقُول : لَا يُشْرِكُونَ فِي عِبَادَتهمْ إِيَّايَ الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام وَلَا شَيْئًا غَيْرهَا , بَلْ يُخْلِصُونَ لِي الْعِبَادَة فَيُفْرِدُونَهَا إِلَيَّ دُون كُلّ مَا عُبِدَ مِنْ شَيْء غَيْرِي . وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْل شِكَايَة بَعْض أَصْحَابه إِلَيْهِ فِي بَعْض الْأَوْقَات الَّتِي كَانُوا فِيهَا مِنَ الْعَدُوّ فِي خَوْف شَدِيد مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنْ الرُّعْب وَالْخَوْف وَمَا يَلْقَوْنَ بِسَبَبِ ذَلِكَ مِنْ الْأَذَى وَالْمَكْرُوه . ذِكْر الرِّوَايَة بِذَلِكَ : 19835 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنِ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , قَوْله : { وَعَدَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَات } ... الْآيَة , قَالَ : مَكَثَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْر سِنِينَ خَائِفًا يَدْعُو إِلَى اللَّه سِرًّا وَعَلَانِيَة , قَالَ : ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَة . قَالَ : فَمَكَثَ بِهَا هُوَ وَأَصْحَابه خَائِفُونَ , يُصْبِحُونَ فِي السِّلَاح وَيُمْسُونَ فِيهِ , فَقَالَ رَجُل : مَا يَأْتِي عَلَيْنَا يَوْم نَأْمَن فِيهِ وَنَضَع عَنَّا السِّلَاح ! فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَغْبُرُونَ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى يَجْلِس الرَّجُل مِنْكُمْ فِي الْمَلَإِ الْعَظِيم مُحْتَبِيًا فِيهِ لَيْسَ فِيهِ حَدِيدَة " . فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة : { وَعَدَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ } ... إِلَى قَوْله : { فَمَنْ كَفَرَ بَعْد ذَلِكَ } " قَالَ : يَقُول : مَنْ كَفَرَ بِهَذِهِ النِّعْمَة { فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } وَلَيْسَ يَعْنِي الْكُفْر بِاللَّهِ . قَالَ : فَأَظْهَرَهُ اللَّه عَلَى جَزِيرَة الْعَرَب , فَآمَنُوا , ثُمَّ تَجَبَّرُوا , فَغَيَّرَ اللَّه مَا بِهِمْ . وَكَفَرُوا بِهَذِهِ النِّعْمَة , فَأَدْخَلَ اللَّه عَلَيْهِمُ الْخَوْف الَّذِي كَانَ رَفَعَهُ عَنْهُمْ ; قَالَ الْقَاسِم : قَالَ أَبُو عَلِيّ : بِقَتْلِهِمْ عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْكُفْر الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه فِي قَوْله : { فَمَنْ كَفَرَ بَعْد ذَلِكَ } فَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة مَا ذَكَرْنَا عَنْهُ مِنْ أَنَّهُ كُفْر بِالنِّعْمَةِ لَا كُفْر بِاللَّهِ . وَرُوِيَ عَنْ حُذَيْفَة فِي ذَلِكَ مَا : 19836 - حَدَّثَنَا بِهِ ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي الشَّعْثَاء , قَالَ : كُنْت جَالِسًا مَعَ حُذَيْفَة وَعَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , فَقَالَ حُذَيْفَة : ذَهَبَ النِّفَاق , وَإِنَّمَا كَانَ النِّفَاق عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَإِنَّمَا هُوَ الْكُفْر بَعْد الْإِيمَان ! قَالَ : فَضَحِكَ عَبْد اللَّه , فَقَالَ : لِمَ تَقُول ذَلِكَ ؟ قَالَ : عَلِمْت ذَلِكَ , قَالَ : { وَعَدَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْض } ... حَتَّى بَلَغَ آخِرهَا . 19837 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي عَدِيّ , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي الشَّعْثَاء , قَالَ : قَعَدْت إِلَى ابْن مَسْعُود وَحُذَيْفَة , فَقَالَ حُذَيْفَة : ذَهَبَ النِّفَاق فَلَا نِفَاق , وَإِنَّمَا هُوَ الْكُفْر بَعْد الْإِيمَان ! فَقَالَ عَبْد اللَّه : تَعْلَم مَا تَقُول ؟ قَالَ : فَتَلَا هَذِهِ الْآيَة : { إِنَّمَا كَانَ قَوْل الْمُؤْمِنِينَ } ... حَتَّى بَلَغَ : { فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } قَالَ : فَضَحِكَ عَبْد اللَّه . قَالَ : فَلَقِيت أَبَا الشَّعْثَاء بَعْد ذَلِكَ بِأَيَّامٍ , فَقُلْت : مِنْ أَيّ شَيْء ضَحِكَ عَبْد اللَّه ؟ قَالَ : لَا أَدْرِي , إِنَّ الرَّجُل رُبَّمَا ضَحِكَ مِنْ الشَّيْء الَّذِي يُعْجِبهُ وَرُبَّمَا ضَحِكَ مِنْ الشَّيْء الَّذِي لَا يُعْجِبهُ , فَمِنْ أَيّ شَيْء ضَحِكَ ؟ لَا أَدْرِي . وَالَّذِي قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَة مِنْ التَّأْوِيل أَشْبَه بِتَأْوِيلِ الْآيَة , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه وَعَدَ الْإِنْعَام عَلَى هَذِهِ الْأُمَّة بِمَا أَخْبَرَ فِي هَذِهِ الْآيَة أَنَّهُ مُنْعِم بِهِ عَلَيْهِمْ ; ثُمَّ قَالَ عَقِيب ذَلِكَ : فَمَنْ كَفَرَ هَذِهِ النِّعْمَة بَعْد ذَلِكَ { فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } . 19838 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْل اللَّه : { يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا } قَالَ : تِلْكَ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 19839 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد : { أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا } قَالَ : لَا يَخَافُونَ غَيْرِي .
وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَسورة النور الآية رقم 56
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَقِيمُوا الصَّلَاة وَآتُوا الزَّكَاة وَأَطِيعُوا الرَّسُول } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَأَقِيمُوا } أَيّهَا النَّاس { الصَّلَاة } بِحُدُودِهَا فَلَا تُضَيِّعُوهَا . { وَآتُوا الزَّكَاة } الَّتِي فَرَضَهَا اللَّه عَلَيْكُمْ أَهْلهَا , وَأَطِيعُوا رَسُول رَبّكُمْ فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ.

يَقُول : كَيْ يَرْحَمكُمْ رَبّكُمْ فَيُنَجِّيكُمْ مِنْ عَذَابه ,
لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُسورة النور الآية رقم 57
وَقَوْله : { لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْض } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَا تَحْسَبَنَّ يَا مُحَمَّد الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ مُعْجِزِيهِ فِي الْأَرْض إِذَا أَرَادَ إِهْلَاكهمْ . وَقَدْ كَانَ بَعْضهمْ يَقُول : " لَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا " بِالْيَاءِ . وَهُوَ مَذْهَب ضَعِيف عِنْد أَهْل الْعَرَبِيَّة ; وَذَلِكَ أَنَّ " تَحْسِب " مُحْتَاج إِلَى مَنْصُوبَيْنِ . وَإِذَا قُرِئَ " يَحْسَبَنَّ " لَمْ يَكُنْ وَاقِعًا إِلَّا عَلَى مَنْصُوب وَاحِد , غَيْر أَنِّي أَحْسِب أَنَّ قَائِله بِالْيَاءِ ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ عَمِلَ فِي " مُعْجِزِينَ " , وَأَنَّ مَنْصُوبه الثَّانِي فِي " الْأَرْض " , وَذَلِكَ لَا مَعْنَى لَهُ إِنْ كَانَ ذَلِكَ قَصَدَ .


{ وَمَأْوَاهُمْ } بَعْد هَلَاكهمْ { النَّار وَلَبِئْسَ الْمَصِير } الَّذِي يَصِيرُونَ إِلَيْهِ ذَلِكَ الْمَأْوَى .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاء ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌسورة النور الآية رقم 58
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُم مِنْكُمْ ثَلَاث مَرَّات مِنْ قَبْل صَلَاة الْفَجْر وَحِين تَضَعُونَ ثِيَابكُمْ مِنَ الظَّهِيرَة وَمِنْ بَعْد صَلَاة الْعِشَاء } . اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ : { لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ الرِّجَال دُون النِّسَاء , وَنُهُوا عَنْ أَنْ يَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ فِي هَذِهِ الْأَوْقَات الثَّلَاثَة هَؤُلَاءِ الَّذِينَ سُمُّوا فِي هَذِهِ الْآيَة إِلَّا بِإِذْنٍ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19840 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ لَيْث , عَنْ نَافِع , عَنِ ابْن عُمَر , قَوْله : { لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ } قَالَ : هِيَ عَلَى الذُّكُور دُون الْإِنَاث . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِهِ الرِّجَال وَالنِّسَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19841 -حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن , فِي قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ } قَالَ : هِيَ فِي الرِّجَال وَالنِّسَاء , يَسْتَأْذِنُونَ عَلَى كُلّ حَال , بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : عُنِيَ بِهِ الذُّكُور وَالْإِنَاث ; لِأَنَّ اللَّه عَمَّ بِقَوْلِهِ : { الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ } جَمِيع أَمْلَاك أَيْمَاننَا , وَلَمْ يُخَصِّص مِنْهُمْ ذَكَرًا وَلَا أُنْثَى ; فَذَلِكَ عَلَى جَمِيع مَنْ عَمَّهُ ظَاهِر التَّنْزِيل . فَتَأْوِيل الْكَلَام : يَا أَيّهَا الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّه وَرَسُوله , لِيَسْتَأْذِنكُمْ فِي الدُّخُول عَلَيْكُمْ عَبِيدكُمْ وَإِمَاؤُكُمْ , فَلَا يَدْخُلُوا عَلَيْكُمْ إِلَّا بِإِذْنٍ مِنْكُمْ لَهُمْ . { وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُم مِنْكُمْ } يَقُول : وَالَّذِينَ لَمْ يَحْتَلِمُوا مِنْ أَحْرَاركُمْ ثَلَاث مَرَّات , يَعْنِي ثَلَاث مَرَّات فِي ثَلَاثَة أَوْقَات مِنْ سَاعَات لَيْلكُمْ وَنَهَاركُمْ . كَمَا : 19842 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ } قَالَ : عَبِيدكُمْ الْمَمْلُوكُونَ . { وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُم مِنْكُمْ } قَالَ : لَمْ يَحْتَلِمُوا مِنْ أَحْرَاركُمْ . قَالَ ابْن جُرَيْج : قَالَ لِي عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح : فَذَلِكَ عَلَى كُلّ صَغِير وَصَغِيرَة أَنْ يَسْتَأْذِن , كَمَا قَالَ : { ثَلَاث مَرَّات مِنْ قَبْل صَلَاة الْفَجْر وَحِين تَضَعُونَ ثِيَابكُمْ مِنَ الظَّهِيرَة وَمِنْ بَعْد صَلَاة الْعِشَاء } قَالُوا : هِيَ الْعَتَمَة . قُلْت : فَإِذَا وَضَعُوا ثِيَابهمْ بَعْد الْعَتَمَة اسْتَأْذَنُوا عَلَيْهِمْ حَتَّى يُصْبِحُوا ؟ قَالَ نَعَمْ . قُلْت لِعَطَاءٍ : هَلْ اسْتِئْذَانهمْ إِلَّا عِنْد وَضْع النَّاس ثِيَابهمْ ؟ قَالَ : لَا . 19843 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , عَنْ صَالِح بْن كَيْسَان وَيَعْقُوب بْن عُتْبَة وَإِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد , قَالُوا : لَا اسْتِئْذَان عَلَى خَدَم الرَّجُل عَلَيْهِ إِلَّا فِي الْعَوْرَات الثَّلَاث . 19844 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ } يَقُول : إِذَا خَلَا الرَّجُل بِأَهْلِهِ بَعْد صَلَاة الْعِشَاء , فَلَا يَدْخُل عَلَيْهِ خَادِم وَلَا صَبِيّ إِلَّا بِإِذْنٍ حَتَّى يُصَلِّي الْغَدَاة , فَإِذَا خَلَا بِأَهْلِهِ عِنْد صَلَاة الظُّهْر فَمِثْل ذَلِكَ . 19845 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي قُرَّة بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنِ ابْن شِهَاب , عَنْ ثَعْلَبَة , عَنْ أَبِي مَالِك الْقُرَظِيّ : أَنَّهُ سَأَلَ عَبْد اللَّه بْن سُوَيْد الْحَارِثِيّ , وَكَانَ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عَنِ الْإِذْن فِي الْعَوْرَات الثَّلَاث , فَقَالَ : إِذَا وَضَعْت ثِيَابِي مِنْ الظَّهِيرَة , لَمْ يَلِج عَلَيَّ أَحَد مِنْ الْخَدَم الَّذِي بَلَغَ الْحُلُم وَلَا أَحَد مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغ الْحُلُم مِنَ الْأَحْرَار , إِلَّا بِإِذْنٍ . 19846 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ ابْن جُرَيْج , قَالَ : سَمِعْت عَطَاء يَقُول : قَالَ ابْن عَبَّاس : ثَلَاث آيَات جَحَدَهُنَّ النَّاس : الْإِذْن كُلّه , وَقَالَ : { إِنَّ أَكْرَمكُمْ عِنْد اللَّه أَتْقَاكُمْ } 49 13 وَقَالَ النَّاس : أَكْرَمكُمْ أَعْظَمكُمْ بَيْتًا , وَنَسِيت الثَّالِثَة . 19847 - حَدَّثَنِي ابْن أَبِي الشَّوَارِب , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا يُونُس , عَنِ الْحَسَن , فِي هَذِهِ الْآيَة : { لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ } قَالَ : كَانَ الْحَسَن يَقُول : إِذَا أَبَاتَ الرَّجُل خَادِمه مَعَهُ فَهُوَ إِذْنه , وَإِنْ لَمْ يُبِتْهُ مَعَهُ اسْتَأْذَنَ فِي هَذِهِ السَّاعَات . 19848 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : ثني مُوسَى بْن أَبِي عَائِشَة , عَنِ الشَّعْبِيّ فِي قَوْله : { لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ } قَالَ : لَمْ تُنْسَخ . قُلْت : إِنَّ النَّاس لَا يَعْمَلُونَ بِهِ ! قَالَ : اللَّه الْمُسْتَعَان . * - قَالَ ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مُوسَى بْن أَبِي عَائِشَة , عَنِ الشَّعْبِيّ , وَسَأَلْته عَنْ هَذِهِ الْآيَة : { لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ } قُلْت : مَنْسُوخَة هِيَ ؟ قَالَ : لَا وَاللَّه مَا نُسِخَتْ , قُلْت : إِنَّ النَّاس لَا يَعْمَلُونَ بِهَا ! قَالَ : اللَّه الْمُسْتَعَان . 19849 - قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا أَبُو عَوَانَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ نُسِخَتْ , وَلَكِنَّهَا مِمَّا يَتَهَاوَن النَّاس بِهِ . 19850 - قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر فِي هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ } ... إِلَى آخِر الْآيَة , قَالَ : لَا يُعْمَل بِهَا الْيَوْم . 19851 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : ثنا حَنْظَلَة , أَنَّهُ سَمِعَ الْقَاسِم بْن مُحَمَّد يُسْأَل عَنِ الْإِذْن , فَقَالَ : يُسْتَأْذَن عِنْد كُلّ عَوْرَة , ثُمَّ هُوَ طَوَّاف ; يَعْنِي الرَّجُل عَلَى أُمّه . 19852 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن عُمَر , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الْعَزِيز بْن أَبِي رَوَّاد , قَالَ : أَخْبَرَنِي رَجُل مِنْ أَهْل الطَّائِف , عَنْ غَيْلَان بْن شُرَحْبِيل , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا يَغْلِبَنَّكُمْ الْأَعْرَاب عَلَى اسْم صَلَاتكُمْ , قَالَ اللَّه { وَمِنْ بَعْد صَلَاة الْعِشَاء ثَلَاث عَوْرَات لَكُمْ } وَإِنَّمَا الْعَتَمَة عَتَمَة الْإِبِل " .

وَقَوْله : { ثَلَاث عَوْرَات لَكُمْ } اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة : { ثَلَاث عَوْرَات لَكُمْ } بِرَفْعِ " الثَّلَاث " , بِمَعْنَى الْخَبَر عَنْ هَذِهِ الْأَوْقَات الَّتِي ذُكِرَتْ . كَأَنَّهُ عِنْدهمْ قِيلَ : هَذِهِ الْأَوْقَات الثَّلَاثَة الَّتِي أَمَرْنَاكُمْ بِأَنْ لَا يَدْخُل عَلَيْكُمْ فِيهَا مَنْ ذَكَرْنَا إِلَّا بِإِذْنٍ , ثَلَاث عَوْرَات لَكُمْ ; لِأَنَّكُمْ تَضَعُونَ فِيهَا ثِيَابكُمْ وَتَخْلُونَ بِأَهْلِيكُمْ . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة : " ثَلَاث عَوْرَات " بِنَصْبِ " الثَّلَاث " عَلَى الرَّدّ عَلَى " الثَّلَاث " الْأُولَى . وَكَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام عِنْدهمْ : لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُم مِنْكُمْ ثَلَاث مَرَّات , ثَلَاث عَوْرَات لَكُمْ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى , وَقَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا عُلَمَاء مِنَ الْقُرَّاء , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب .


وَقَوْله : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاح بَعْدهنَّ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَيْسَ عَلَيْكُمْ مَعْشَر أَرْبَاب الْبُيُوت وَالْمَسَاكِن , { وَلَا عَلَيْهِمْ } يَعْنِي : وَلَا عَلَى الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانكُمْ مِنَ الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُم مِنْ أَوْلَادكُمْ الصِّغَار حَرَج وَلَا إِثْم بَعْدهنَّ , يَعْنِي بَعْد الْعَوْرَات الثَّلَاث . وَالْهَاء وَالنُّون فِي قَوْله : { بَعْدهنَّ } عَائِدَتَانِ عَلَى " الثَّلَاث " مِنْ قَوْله : { ثَلَاث عَوْرَات لَكُمْ } . وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا حَرَج وَلَا جُنَاح عَلَى النَّاس أَنْ يَدْخُل عَلَيْهِمْ مَمَالِيكهمُ الْبَالِغُونَ وَصِبْيَانهمْ الصِّغَار بِغَيْرِ إِذْن بَعْد هَذِهِ الْأَوْقَات الثَّلَاث اللَّاتِي ذَكَرَهُنَّ فِي قَوْله : { مِنْ قَبْل صَلَاة الْفَجْر وَحِين تَضَعُونَ ثِيَابكُمْ مِنْ الظَّهِيرَة وَمِنْ بَعْد صَلَاة الْعِشَاء } . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19853 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : ثُمَّ رَخَّصَ لَهُمْ فِي الدُّخُول فِيمَا بَيْن ذَلِكَ بِغَيْرِ إِذْن , يَعْنِي فِيمَا بَيْن صَلَاة الْغَدَاة إِلَى الظُّهْر , وَبَعْد الظُّهْر إِلَى صَلَاة الْعِشَاء ; أَنَّهُ رَخَّصَ لِخَادِمِ الرَّجُل وَالصَّبِيّ أَنْ يَدْخُل عَلَيْهِ مَنْزِله بِغَيْرِ إِذْن . قَالَ : وَهُوَ قَوْله : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاح بَعْدهنَّ } فَأَمَّا مَنْ بَلَغَ الْحُلُم فَإِنَّهُ لَا يَدْخُل عَلَى الرَّجُل وَأَهْله إِلَّا بِإِذْنٍ عَلَى كُلّ حَال .


وَقَوْله : { طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ } رُفِعَ " الطَّوَّافُونَ " بِمُضْمَرٍ , وَذَلِكَ " هُمْ " . يَقُول لِهَؤُلَاءِ الْمَمَالِيك وَالصِّبْيَان الصِّغَار هُمْ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ أَيّهَا النَّاس , وَيَعْنِي بِالطَّوَّافِينَ : أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ وَيَخْرُجُونَ عَلَى مَوَالِيهمْ وَأَقْرِبَائِهِمْ فِي مَنَازِلهمْ غَدْوَة وَعَشِيَّة بِغَيْرِ إِذْن , يَطُوفُونَ عَلَيْهِمْ بَعْضكُمْ عَلَى بَعْض فِي غَيْر الْأَوْقَات الثَّلَاث الَّتِي أَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَدْخُلُوا عَلَى سَادَاتهمْ وَأَقْرِبَائِهِمْ فِيهَا إِلَّا بِإِذْنٍ .


يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : كَمَا بَيَّنْت لَكُمْ أَيّهَا النَّاس أَحْكَام الِاسْتِئْذَان فِي هَذِهِ الْآيَة , كَذَلِكَ يُبَيِّن اللَّه لَكُمْ جَمِيع أَعْلَامه وَأَدِلَّته وَشَرَائِع دِينه .


يَقُول : وَاللَّه ذُو عِلْم بِمَا يُصْلِح عِبَاده , حَكِيم فِي تَدْبِيره إِيَّاهُمْ وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أُمُوره.
وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌسورة النور الآية رقم 59
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَال مِنْكُمُ الْحُلُم فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِذَا بَلَغَ الصِّغَار مِنْ أَوْلَادكُمْ وَأَقْرِبَائِكُمْ - وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { مِنْكُمْ } مِنْ أَحْرَاركُمْ - { الْحُلُم } يَعْنِي الِاحْتِلَام وَاحْتَلَمُوا . { فَلْيَسْتَأْذِنُوا } يَقُول : فَلَا يَدْخُلُوا عَلَيْكُمْ فِي وَقْت مِنَ الْأَوْقَات إِلَّا بِإِذْنٍ , لَا فِي أَوْقَات الْعَوْرَات الثَّلَاث وَلَا فِي غَيْرهَا . وَقَوْله : { كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ } يَقُول : كَمَا اسْتَأْذَنَ الْكِبَار مِنْ وَلَد الرَّجُل وَأَقْرِبَائِهِ الْأَحْرَار . وَخَصَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره فِي هَذِهِ الْآيَة الْأَطْفَال بِالذِّكْرِ وَتَعْرِيف حُكْمهمْ عِبَاده فِي الِاسْتِئْذَان دُون ذِكْر مَا مَلَكَتْ أَيْمَاننَا , وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْآيَة الَّتِي قَبْلهَا بِتَعْرِيفِهِمْ حُكْم الْأَطْفَال الْأَحْرَار وَالْمَمَالِيك ; لِأَنَّ حُكْم مَا مَلَكَتْ أَيْمَاننَا مِنْ ذَلِكَ حُكْم وَاحِد , سَوَاء فِيهِ حُكْم كِبَارهمْ وَصِغَارهمْ فِي أَنَّ الْإِذْن عَلَيْهِمْ فِي السَّاعَات الثَّلَاث الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه فِي الْآيَة الَّتِي قَبْل . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19854 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَالَ : أَمَّا مَنْ بَلَغَ الْحُلُم , فَإِنَّهُ لَا يَدْخُل عَلَى الرَّجُل وَأَهْله - يَعْنِي مِنْ الصِّبْيَان الْأَحْرَار - إِلَّا بِإِذْنٍ عَلَى كُلّ حَال ; وَهُوَ قَوْله : { وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَال مِنْكُمُ الْحُلُم فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ } . 19855 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنِ ابْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ عَطَاء : { وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَال مِنْكُمُ الْحُلُم فَلْيَسْتَأْذِنُوا } قَالَ : وَاجِب عَلَى النَّاس أَنْ يَسْتَأْذِنُوا إِذَا احْتَلَمُوا , عَلَى مَنْ كَانَ مِنَ النَّاس . 19856 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُس , عَنِ ابْن شِهَاب , عَنِ ابْن الْمُسَيِّب , قَالَ : يَسْتَأْذِن الرَّجُل عَلَى أُمّه . قَالَ : إِنَّمَا نَزَلَتْ : { وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَال مِنْكُمُ الْحُلُم } فِي ذَلِكَ .

يَقُول : هَكَذَا يُبَيِّن اللَّه لَكُمْ آيَاته , أَحْكَامه وَشَرَائِع دِينه , كَمَا بَيَّنَ لَكُمْ أَمْر هَؤُلَاءِ الْأَطْفَال فِي الِاسْتِئْذَان بَعْد الْبُلُوغ.


يَقُول : وَاللَّه عَلِيم بِمَا يُصْلِح خَلْقه وَغَيْر ذَلِكَ مِنَ الْأَشْيَاء , حَكِيم فِي تَدْبِيره خَلْقه .
وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء الَّلاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌسورة النور الآية رقم 60
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالْقَوَاعِد مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاح أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابهنَّ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاللَّوَاتِي قَدْ قَعَدْنَ عَنِ الْوَلَد مِنَ الْكِبَر مِنْ النِّسَاء , فَلَا يَحِضْنَ وَلَا يَلِدْنَ ; وَاحِدَتهنَّ قَاعِد . { اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا } يَقُول : اللَّاتِي قَدْ يَئِسْنَ مِنَ الْبُعُولَة , فَلَا يَطْمَعْنَ فِي الْأَزْوَاج . { فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاح أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابهنَّ } يَقُول : فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ حَرَج وَلَا إِثْم أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابهنَّ , يَعْنِي جَلَابِيبهنَّ , وَهِيَ الْقِنَاع الَّذِي يَكُون فَوْق الْخِمَار وَالرِّدَاء الَّذِي يَكُون فَوْق الثِّيَاب , لَا حَرَج عَلَيْهِنَّ أَنْ يَضَعْنَ ذَلِكَ عِنْد الْمَحَارِم مِنَ الرِّجَال وَغَيْر الْمَحَارِم مِنَ الْغُرَبَاء غَيْر مُتَبَرِّجَات بِزِينَةٍ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19857 -حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { وَالْقَوَاعِد مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا } وَهِيَ الْمَرْأَة , لَا جُنَاح عَلَيْهَا أَنْ تَجْلِس فِي بَيْتهَا بِدِرْعٍ وَخِمَار وَتَضَع عَنْهَا الْجِلْبَاب مَا لَمْ تَتَبَرَّج لِمَا يَكْرَه اللَّه , وَهُوَ قَوْله : { فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاح أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابهنَّ غَيْر مُتَبَرِّجَات بِزِينَةٍ } ثُمَّ قَالَ : { وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْر لَهُنَّ } . 19858 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { يَضَعْنَ ثِيَابهنَّ } يَعْنِي : الْجِلْبَاب , وَهُوَ الْقِنَاع ; وَهَذَا لِلْكَبِيرَةِ الَّتِي قَدْ قَعَدَتْ عَنِ الْوَلَد , فَلَا يَضُرّهَا أَنْ لَا تُجَلْبِب فَوْق الْخِمَار . وَأَمَّا كُلّ امْرَأَة مُسْلِمَة حُرَّة , فَعَلَيْهَا إِذَا بَلَغَتِ الْمَحِيض أَنْ تُدْنِي الْجِلْبَاب عَلَى الْخِمَار . وَقَالَ اللَّه فِي سُورَة الْأَحْزَاب : { يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبهنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ } 33 59 وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ رِجَال مِنْ الْمُنَافِقِينَ إِذَا مَرَّتْ بِهِمْ امْرَأَة سَيِّئَة الْهَيْئَة وَالزِّيّ , حَسِبَ الْمُنَافِقُونَ أَنَّهَا مَزْنِيَّة وَأَنَّهَا مِنْ بُغْيَتهمْ , فَكَانُوا يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنَات بِالرَّفَثِ , وَلَا يَعْلَمُونَ الْحُرَّة مِنَ الْأَمَة ; فَأَنْزَلَ اللَّه فِي ذَلِكَ : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك وَبَنَاتك وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبهنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ } 33 59 يَقُول : إِذَا كَانَ زِيّهنَّ حَسَنًا لَمْ يَطْمَع فِيهِنَّ الْمُنَافِقُونَ . 19859 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْج , فِي قَوْله : { وَالْقَوَاعِد مِنَ النِّسَاء } الَّتِي قَعَدَتْ مِنَ الْوَلَد وَكَبِرَتْ . قَالَ ابْن جُرَيْج : قَالَ مُجَاهِد : { اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا } قَالَ : لَا يُرِدْنَهُ . { فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاح أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابهنَّ } قَالَ : جَلَابِيبهنَّ . 19860 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَالْقَوَاعِد مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاح أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابهنَّ غَيْر مُتَبَرِّجَات بِزِينَةٍ } قَالَ : وَضْع الْخِمَار , قَالَ : الَّتِي لَا تَرْجُو نِكَاحًا , الَّتِي قَدْ بَلَغَتْ أَنْ لَا يَكُون لَهَا فِي الرِّجَال حَاجَة وَلَا لِلرِّجَالِ فِيهَا حَاجَة ; فَإِذَا بَلَغْنَ ذَلِكَ وَضَعْنَ الْخِمَار غَيْر مُتَبَرِّجَات بِزِينَةٍ , ثُمَّ قَالَ : { وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْر لَهُنَّ } كَانَ أَبِي يَقُول هَذَا كُلّه . 19861 -حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى وَعَبْد الرَّحْمَن , قَالَا : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَلْقَمَة بْن مَرْثَد , عَنْ ذَرّ , عَنْ أَبِي وَائِل , عَنْ عَبْد اللَّه , فِي قَوْله : { فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاح أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابهنَّ } قَالَ : الْجِلْبَاب أَوْ الرِّدَاء . شَكَّ سُفْيَان . 19862 - قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنِ الْأَعْمَش , عَنْ مَالِك بْن الْحَارِث , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن يَزِيد , عَنْ عَبْد اللَّه : { لَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاح أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابهنَّ } قَالَ : الرِّدَاء . 19863 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن إِبْرَاهِيم الْمَسْعُودِيّ , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدّه , عَنِ الْأَعْمَش , عَنْ مَالِك بْن الْحَارِث , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن يَزِيد , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه فِي هَذِهِ الْآيَة : { فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاح أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابهنَّ } قَالَ : هِيَ الْمِلْحَفَة . 19864 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنِ الْحَكَم , قَالَ : سَمِعْت أَبَا وَائِل قَالَ : سَمِعْت عَبْد اللَّه يَقُول فِي هَذِهِ الْآيَة : { فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاح أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابهنَّ } قَالَ : الْجِلْبَاب . * -حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ شُعْبَة , قَالَ : أَخْبَرَنِي الْحَكَم , عَنْ أَبِي وَائِل , عَنْ عَبْد اللَّه , مِثْله . * -حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , عَنِ الثَّوْرِيّ , عَنِ الْأَعْمَش , عَنْ مَالِك بْن الْحَارِث , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن يَزِيد , عَنِ ابْن مَسْعُود , فِي قَوْله : { أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابهنَّ غَيْر مُتَبَرِّجَات بِزِينَةٍ } قَالَ : هُوَ الرِّدَاء . 19865 - قَالَ الْحَسَن , قَالَ : عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ الثَّوْرِيّ : وَأَخْبَرَنِي أَبُو حُصَيْن وَسَالِم الْأَفْطَس , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : هُوَ الرِّدَاء . 19866 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنِ الشَّعْبِيّ : { أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابهنَّ غَيْر مُتَبَرِّجَات بِزِينَةٍ } قَالَ : تَضَع الْجِلْبَاب الْمَرْأَة الَّتِي قَدْ عَجُزَتْ وَلَمْ تُزَوَّج . قَالَ الشَّعْبِيّ : فَإِنَّ أُبَيّ بْن كَعْب يَقْرَأ : " أَنْ يَضَعْنَ مِنْ ثِيَابهنَّ " . 19867 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , قَالَ : قُلْت لِابْنِ أَبِي نَجِيح , قَوْله : { فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاح أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابهنَّ غَيْر مُتَبَرِّجَات بِزِينَةٍ } قَالَ : الْجِلْبَاب . قَالَ يَعْقُوب , قَالَ أَبُو يُونُس : قُلْت لَهُ : عَنْ مُجَاهِد ؟ قَالَ : نَعَمْ , فِي الدَّار وَالْحُجْرَة . 19868 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاح أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابهنَّ } قَالَ : جَلَابِيبهنَّ .

وَقَوْله : { غَيْر مُتَبَرِّجَات بِزِينَةٍ } يَقُول : لَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاح فِي وَضْع أَرْدِيَتهنَّ إِذَا لَمْ يُرِدْنَ بِوَضْعِ ذَلِكَ عَنْهُنَّ أَنْ يُبْدِينَ مَا عَلَيْهِنَّ مِنْ الزِّينَة لِلرِّجَالِ . وَالتَّبَرُّج : هُوَ أَنْ تُظْهِر الْمَرْأَة مِنْ مَحَاسِنهَا مَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَسْتُرهُ .


وَقَوْله : { وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْر لَهُنَّ } يَقُول : وَإِنْ تَعَفَّفْنَ عَنْ وَضْع جَلَابِيبهنَّ وَأَرْدِيَتهنَّ , فَيَلْبَسْنَهَا , خَيْر لَهُنَّ مِنْ أَنْ يَضَعَنهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 19869 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { أَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْر لَهُنَّ } قَالَ : أَنْ يَلْبَسْنَ جَلَابِيبهنَّ . 19870 -حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنِ الشَّعْبِيّ : { وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْر لَهُنَّ } قَالَ : تَرْك ذَلِكَ , يَعْنِي تَرْك وَضْع الثِّيَاب . 19871 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْر لَهُنَّ } وَالِاسْتِعْفَاف : لُبْس الْخِمَار عَلَى رَأْسهَا , كَانَ أَبِي يَقُول هَذَا كُلّه .


{ وَاللَّه سَمِيع } مَا تَنْطِقُونَ بِأَلْسِنَتِكُمْ . { عَلِيم } بِمَا تُضْمِرهُ صُدُوركُمْ , فَاتَّقُوهُ أَنْ تَنْطِقُوا بِأَلْسِنَتِكُمْ مَا قَدْ نَهَاكُمْ عَنْ أَنْ تَنْطِقُوا بِهَا , أَوْ تُضْمِرُوا فِي صُدُوركُمْ مَا قَدْ كَرِهَهُ لَكُمْ , فَتَسْتَوْجِبُوا بِذَلِكَ مِنْهُ عُقُوبَة .
الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3