وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاؤُواْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِر عَلَى طَعَام وَاحِد } قَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى قَبْل عَلَى مَعْنَى الصَّبْر , وَأَنَّهُ كَفّ النَّفْس وَحَبْسهَا عَنْ الشَّيْء . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَمَعْنَى الْآيَة إذًا : وَاذْكُرُوا إذَا قُلْتُمْ يَا مَعْشَر بَنِي إسْرَائِيل لَنْ نُطِيق حَبْس أَنْفُسنَا عَلَى طَعَام وَاحِد - وَذَلِكَ الطَّعَام الْوَاحِد هُوَ مَا أَخْبَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ أَطْعَمَهُمُوهُ فِي تِيههمْ وَهُوَ السَّلْوَى فِي قَوْل بَعْض أَهْل التَّأْوِيل , وَفِي قَوْل وَهْب بْن مُنَبَّه هُوَ الْخُبْز النَّقِيّ مَعَ اللَّحْم - فَاسْأَلْ لَنَا رَبّك يُخْرِج لَنَا مِمَّا تُنْبِت الْأَرْض مِنْ الْبَقْل وَالْقِثَّاء . وَمَا سَمَّى اللَّه مَعَ ذَلِكَ وَذَكَرَ أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ مُوسَى . وَكَانَ سَبَب مَسْأَلَتهمْ مُوسَى ذَلِكَ فِيمَا بَلَغَنَا , مَا : 885 - حَدَّثَنَا بِهِ بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِر عَلَى طَعَام وَاحِد } قَالَ : كَانَ الْقَوْم فِي الْبَرِيَّة قَدْ ظَلَّلَ عَلَيْهِمْ الْغَمَام , وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى , فَمَلُّوا ذَلِكَ , وَذَكَرُوا عَيْشًا كَانَ لَهُمْ بِمِصْرَ , فَسَأَلُوهُ مُوسَى , فَقَالَ اللَّه تَعَالَى : { اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ } . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { لَنْ نَصْبِر عَلَى طَعَام وَاحِد } قَالَ : مَلُّوا طَعَامهمْ , وَذَكَرُوا عَيْشهمْ الَّذِي كَانُوا فِيهِ قَبْل ذَلِكَ , { قَالُوا اُدْعُ لَنَا رَبّك يُخْرِج لَنَا مِمَّا تُنْبِت الْأَرْض مِنْ بَقْلهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا } . . . الْآيَة . 886 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِر عَلَى طَعَام وَاحِد } قَالَ : كَانَ طَعَامهمْ السَّلْوَى , وَشَرَابهمْ الْمَنّ , فَسَأَلُوا مَا ذَكَرَ , فَقِيلَ لَهُمْ : { اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ } . قَالَ أَبُو جَعْفَر , وَقَالَ قَتَادَةَ : إنَّهُمْ لَمَّا قَدِمُوا الشَّأْم فَقَدُوا أَطْعِمَتهمْ الَّتِي كَانُوا يَأْكُلُونَهَا , فَقَالُوا : { اُدْعُ لَنَا رَبّك يُخْرِج لَنَا مِمَّا تُنْبِت الْأَرْض مِنْ بَقْلهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسهَا وَبَصَلهَا } وَكَانُوا قَدْ ظَلَّلَ عَلَيْهِمْ الْغَمَام وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى , فَمَلُّوا ذَلِكَ , وَذَكَرُوا عَيْشًا كَانُوا فِيهِ بِمِصْرَ . 887 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنَا عِيسَى , قَالَ : سَمِعْت ابْن أَبِي نَجِيح فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ : { لَنْ نَصْبِر عَلَى طَعَام وَاحِد } الْمَنّ وَالسَّلْوَى , فَاسْتَبْدَلُوا بِهِ الْبَقْل وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ . 888 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد بِمِثْلِهِ سَوَاء . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد بِمِثْلِهِ . 889 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : أُعْطُوا فِي التِّيه مَا أُعْطُوا , فَمَلُّوا ذَلِكَ وَقَالُوا : { يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِر عَلَى طَعَام وَاحِد فَادْعُ لَنَا رَبّك يُخْرِج لَنَا مِمَّا تُنْبِت الْأَرْض مِنْ بَقْلهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومهَا وَعَدَسهَا وَبَصَلهَا } . 890 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَنْبَأَنَا ابْن زَيْد , قَالَ : كَانَ طَعَام بَنِي إسْرَائِيل فِي التِّيه وَاحِدًا , وَشَرَابهمْ وَاحِدًا , كَانَ شَرَابهمْ عَسَلًا يَنْزِل لَهُمْ مِنْ السَّمَاء يُقَال لَهُ الْمَنّ , وَطَعَامهمْ طَيْر يُقَال لَهُ السَّلْوَى , يَأْكُلُونَ الطَّيْر وَيَشْرَبُونَ الْعَسَل , لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ خُبْزًا وَلَا غَيْره . فَقَالُوا : يَا مُوسَى إنَّا لَنْ نَصْبِر عَلَى طَعَام وَاحِد , فَادْعُ لَنَا رَبّك يُخْرِج لَنَا مِمَّا تُنْبِت الْأَرْض مِنْ بَقْلهَا ! فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ } . وَإِنَّمَا قَالَ جَلَّ ذِكْره : { يُخْرِج لَنَا مِمَّا تُنْبِت الْأَرْض } وَلَمْ يَذْكُر الَّذِي سَأَلُوهُ أَنْ يَدْعُو رَبّه لِيُخْرِج لَهُمْ مِنْ الْأَرْض , فَيَقُول : قَالُوا اُدْعُ لَنَا رَبّك يُخْرِج لَنَا كَذَا وَكَذَا مِمَّا تُنْبِتهُ الْأَرْض مِنْ بَقْلهَا وَقِثَّائِهَا , لِأَنَّ " مِنْ " تَأْتِي بِمَعْنَى التَّبْعِيض لِمَا بَعْدهَا , فَاكْتَفَى بِهَا عَنْ ذِكْر التَّبْعِيض , إذْ كَانَ مَعْلُومًا بِدُخُولِهَا مَعْنَى مَا أُرِيدَ بِالْكَلَامِ الَّذِي هِيَ فِيهِ كَقَوْلِ الْقَائِل : أَصْبَحَ الْيَوْم عِنْد فُلَان مِنْ الطَّعَام يُرِيد شَيْئًا مِنْهُ . وَقَدْ قَالَ بَعْضهمْ : " مِنْ " هَهُنَا بِمَعْنَى الْإِلْغَاء وَالْإِسْقَاط , كَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام عِنْده : يُخْرِج لَنَا مَا تُنْبِت الْأَرْض مِنْ بَقْلهَا . وَاسْتَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ الْعَرَب : مَا رَأَيْت مِنْ أَحَد , بِمَعْنَى : مَا رَأَيْت أَحَدًا , وَبِقَوْلِ اللَّه : { وَيُكَفِّر عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتكُمْ } 2 271 وَبِقَوْلِهِمْ : قَدْ كَانَ مِنْ حَدِيث , فَخَلّ عَنِّي حَتَّى أَذَهَبَ , يُرِيدُونَ : قَدْ كَانَ حَدِيث . وَقَدْ أَنْكَرَ مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّة جَمَاعَة أَنْ تَكُون " مِنْ " بِمَعْنَى الْإِلْغَاء فِي شَيْء مِنْ الْكَلَام , وَادْعُوا أَنَّ دُخُولهَا فِي كُلّ مَوْضِع دَخَلَتْ فِيهِ مُؤَذِّن أَنَّ الْمُتَكَلِّم مُرِيد لِبَعْضِ مَا أُدْخِلَتْ فِيهِ لَا جَمِيعه , وَأَنَّهَا لَا تَدْخُل فِي مَوْضِع إلَّا لِمَعْنَى مَفْهُوم . فَتَأْوِيل الْكَلَام إذَا عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ أَمْر مِنْ ذِكْرنَا : فَادْعُ لَنَا رَبّك يُخْرِج لَنَا بَعْض مَا تُنْبِت الْأَرْض مِنْ بَقْلهَا وَقِثَّائِهَا . وَالْبَقْل وَالْقِثَّاء وَالْعَدَس وَالْبَصَل , هُوَ مَا قَدْ عَرَفَهُ النَّاس بَيْنهمْ مِنْ نَبَات الْأَرْض وَحُبّهَا . وَأَمَّا الْفُوم , فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل اخْتَلَفُوا فِيهِ . فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ الْحِنْطَة وَالْخُبْز . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 891 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد وَمُؤَمَّل , قَالَا : ثنا سُفْيَان , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ عَطَاء , قَالَ : الْفُوم : الْخُبْز . * حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد , ثنا سُفْيَان , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عَطَاء وَمُجَاهِد قَوْله : { وَفُومهَا } قَالَا : خُبْزهَا . * حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْن يَحْيَى بْن أَبِي زَائِدَة وَمُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَا : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى بْن مَيْمُون , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَفُومهَا } قَالَ : الْخَبَز . 892 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ وَالْحَسَن : الْفُوم : هُوَ الْحُبّ الَّذِي يَخْتَبِزهُ النَّاس . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ وَالْحَسَن بِمِثْلِهِ . 893 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : اُخْبُرْنَا حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك فِي قَوْله : { وَفُومهَا } قَالَ : الْحِنْطَة . 894 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط بْن نَصْر عَنْ السُّدِّيّ : { وَفُومهَا } الْحِنْطَة . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ يُونُس , عَنْ الْحَسَن وَحُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك فِي قَوْله : { وَفُومهَا } : الْحِنْطَة . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيُّ , عَنْ قَتَادَةَ قَالَ : الْفُوم : الْحَبّ الَّذِي يَخْتَبِز النَّاس مِنْهُ . * حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ لِي عَطَاء بْن أَبِي رِيَاح قَوْله : { وَفُومهَا } قَالَ : خُبْزهَا . قَالَهَا مُجَاهِد . 895 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ لِي ابْن زَيْد : الْفُوم : الْخُبْز . 896 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن عُثْمَان السَّهْمِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { وَفُومهَا } يَقُول : الْحِنْطَة وَالْخُبْز . * حُدِّثْت عَنْ المنجاب , قَالَ : ثنا بِشْر , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { وَفُومهَا } قَالَ : هُوَ الْبُرّ بِعَيْنِهِ الْحِنْطَة . * حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا مُسْلِم الْجَرْمِيّ , قَالَ : ثنا عِيسَى بْن يُونُس , عَنْ رِشْدِينَ بْن كُرَيْبٍ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَفُومهَا } قَالَ : الْفُوم : الْحِنْطَة بِلِسَانِ بَنِي هَاشِم . 897 - حَدَّثَنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز بْن مَنْصُور , عَنْ نَافِع بْن أَبِي نُعَيْم أَنَّ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس سُئِلَ عَنْ قَوْل اللَّه : { وَفُومهَا } قَالَ : الْحِنْطَة أَمَا سَمِعْت قَوْل أُحَيْحَة بْن الْجُلَاح وَهُوَ يَقُول : قَدْ كُنْت أَغْنَى النَّاس شَخْصًا وَاحِدًا وَرَدَ الْمَدِينَة عَنْ زِرَاعَة فُوم وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ الثُّوم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 898 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن إسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : هُوَ هَذَا الثُّوم . 899 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ . ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : الْفُوم : الثُّوم . وَهُوَ فِي بَعْض الْقِرَاءَات " وَثُومهَا " . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ تَسْمِيَة الْحِنْطَة وَالْخُبْز جَمِيعًا فُومًا مِنْ اللُّغَة الْقَدِيمَة , حُكِيَ سَمَاعًا مِنْ أَهْل هَذِهِ اللُّغَة : فُومُوا لَنَا , بِمَعْنَى اخْتَبِزُوا لَنَا ; وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ قِرَاءَة عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود " وَثُومهَا " بِالثَّاءِ . فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا فَإِنَّهُ مِنْ الْحُرُوف الْمُبَدَّلَة , كَقَوْلِهِمْ : وَقَعُوا فِي عَاثُور شَرّ وعافور شَرّ , وَكَقَوْلِهِمْ لِلْأَثَافِيِّ أَثَاثِي , وَلِلْمَغَافِيرِ مَغَاثِير , وَمَا أَشَبَه ذَلِكَ مِمَّا تُقْلَب الثَّاء فَاء وَالْفَاء ثَاء لِتَقَارُبِ مَخْرَج الْفَاء مِنْ مَخْرَج الثَّاء . وَالْمَغَافِير شَبِيه بِالشَّيْءِ الْحُلْو يُشْبِه بِالْعَسَلِ يَنْزِل مِنْ السَّمَاء حُلْوًا يَقَع عَلَى الشَّجَر وَنَحْوهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ } وَتَأْوِيل ذَلِكَ : فَدَعَا مُوسَى فَاسْتَجَبْنَا لَهُ , فَقُلْنَا لَهُمْ : اهْبِطُوا مِصْر . وَهُوَ مِنْ الْمَحْذُوف الَّذِي اُجْتُزِئَ بِدَلَالَةِ ظَاهِره عَلَى ذِكْر مَا حُذِفَ وَتُرِكَ مِنْهُ . وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْهُبُوط إلَى الْمَكَان إنَّمَا هُوَ النُّزُول إلَيْهِ وَالْحُلُول بِهِ . فَتَأْوِيل الْآيَة إذًا : { وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِر عَلَى طَعَام وَاحِد فَادْعُ لَنَا رَبّك يُخْرِج لَنَا مِمَّا تُنْبِت الْأَرْض مِنْ بَقْلهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومهَا وَعَدَسهَا وَبَصَلهَا } قَالَ لَهُمْ مُوسَى : أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَخَسّ وَأَرْدَأ مِنْ الْعَيْش بِاَلَّذِي هُوَ خَيْر مِنْهُ ؟ فَدَعَا لَهُمْ مُوسَى رَبّه أَنْ يُعْطِيهِمْ مَا سَأَلُوهُ , فَاسْتَجَابَ اللَّه لَهُ دُعَاءَهُ , فَأَعْطَاهُمْ مَا طَلَبُوا , وَقَالَ اللَّه لَهُمْ : { اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ } . ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { مِصْرًا } فَقَرَأَهُ عَامَّة الْقُرَّاء : " مِصْرًا " بِتَنْوِينِ الْمِصْر وَإِجْرَائِهِ ; وَقَرَأَهُ بَعْضهمْ بِتَرْكِ التَّنْوِين وَحَذْف الْأَلِف مِنْهُ . فَأَمَّا الَّذِينَ نَوَّنُوهُ وَأَجْرَوْهُ , فَإِنَّهُمْ عَنَوْا بِهِ مِصْرًا مِنْ الْأَمْصَار لَا مِصْرًا بِعَيْنِهِ , فَتَأْوِيله عَلَى قِرَاءَتهمْ : اهْبِطُوا مِصْرًا مِنْ الْأَمْصَار , لِأَنَّكُمْ فِي الْبَدْو , وَاَلَّذِي طَلَبْتُمْ لَا يَكُون فِي الْبَوَادِي وَالْفَيَافِي , وَإِنَّمَا يَكُون فِي الْقُرَى وَالْأَمْصَار , فَإِنَّ لَكُمْ إذَا هَبَطْتُمُوهُ مَا سَأَلْتُمْ مِنْ الْعَيْش . وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون بَعْض مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِالْإِجْرَاءِ وَالتَّنْوِين , كَانَ تَأْوِيل الْكَلَام عِنْده : اهْبِطُوا مِصْرًا الْبَلْدَة الَّتِي تُعْرَف بِهَذَا الِاسْم وَهِيَ " مِصْر " الَّتِي خَرَجُوا عَنْهَا , غَيْر أنه أَجْرَاهَا وَنَوَّنَهَا اتِّبَاعًا منه خَطّ الْمُصْحَف , لِأَنَّ فِي الْمُصْحَف أَلِفًا ثَابِتَة فِي مِصْر , فَيَكُون سَبِيل قِرَاءتِهِ ذَلِكَ بِالْإِجْرَاء وَالتَّنْوِين سَبِيل مَنْ قَرَأَ : { قَوَارِيرًا قَوَارِيرًا مِنْ فِضَّة } 76 15 : 16 مُنَوَّنَة اتِّبَاعًا مِنْهُ خَطّ الْمُصْحَف . وَأَمَّا الَّذِي لَمْ يُنَوِّن مِصْر فَإِنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّهُ عَنَى مِصْر الَّتِي تَعْرِف بِهَذَا الِاسْم بِعَيْنِهَا دُون سَائِر الْبَلَدَانِ غَيْرهَا . وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ نَظِير اخْتِلَاف الْقُرَّاء فِي قِرَاءَته . 902 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { اهْبِطُوا مِصْرًا } أَيْ مِصْرًا مِنْ الْأَمْصَار { فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ } . 903 - وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { اهْبِطُوا مِصْرًا } مِنْ الْأَمْصَار , { فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ } فَلَمَّا خَرَجُوا مِنْ التِّيه رُفِعَ الْمَنّ وَالسَّلْوَى وَأَكَلُوا الْبُقُول . * وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنِي آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { اهْبِطُوا مِصْرًا } قَالَ : يَعْنِي مِصْرًا مِنْ الْأَمْصَار . 904 - وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد : { اهْبِطُوا مِصْرًا } قَالَ : مِصْرًا مِنْ الْأَمْصَار , زَعَمُوا أَنَّهُمْ لَمْ يَرْجِعُوا إلَى مِصْر . 905 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { اهْبِطُوا مِصْرًا } قَالَ : مِصْرًا مِنْ الْأَمْصَار . وَمِصْر لَا تَجْرِي فِي الْكَلَام , فَقِيلَ : أَيْ مِصْر ؟ فَقَالَ : الْأَرْض الْمُقَدَّسَة الَّتِي كَتَبَ اللَّه لَهُمْ . وَقَرَأَ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { اُدْخُلُوا الْأَرْض الْمُقَدَّسَة الَّتِي كَتَبَ اللَّه لَكُمْ } 5 21 وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ مِصْر الَّتِي كَانَ فِيهَا فِرْعَوْن . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 906 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , ثنا آدَم , ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { اهْبِطُوا مِصْرًا } قَالَ : يَعْنِي بِهِ مِصْر فِرْعَوْن . 907 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , عَنْ ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله . وَمِنْ حُجَّة مَنْ قَالَ : إنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ : { اهْبِطُوا مِصْرًا } مِصْرًا مِنْ الْأَمْصَار دُون مِصْر فِرْعَوْن بِعَيْنِهَا , أَنَّ اللَّه حَمَلَ أَرْض الشَّام لِبَنِي إسْرَائِيل مَسَاكِن بَعْد أَنْ أَخَرَجَهُمْ مِنْ مِصْر , وَإِنَّمَا ابْتَلَاهُمْ بِالتِّيهِ بِامْتِنَاعِهِمْ عَلَى مُوسَى فِي حَرْب الْجَبَابِرَة إذْ قَالَ لَهُمْ : { يَا قَوْم اُدْخُلُوا الْأَرْض الْمُقَدَّسَة الَّتِي كَتَبَ اللَّه لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَاركُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ قَالُوا يَا مُوسَى إنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ } إلَى قَوْله : { إنَّا لَنْ نَدْخُلهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } 5 21 : 24 فَحَرَّمَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ عَلَى قَائِل ذَلِكَ فِيمَا ذُكِرَ لَنَا دُخُولهَا حَتَّى هَلَكُوا فِي التِّيه وَابْتَلَاهُمْ بِالتَّيْهَانِ فِي الْأَرْض أَرْبَعِينَ سَنَة , ثُمَّ أَهَبَطَ ذُرِّيَّتهَا الشَّام , فَأَسْكَنَهُمْ الْأَرْض الْمُقَدَّسَة , وَجَعَلَ هَلَاك الْجَبَابِرَة عَلَى أَيْدِيهمْ مَعَ يُوشَع بْن نُون بَعْد وَفَاة مُوسَى بْن عِمْرَان . فَرَأَيْنَا اللَّه جَلَّ وَعَزَّ قَدْ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُ كَتَبَ لَهُمْ الْأَرْض الْمُقَدَّسَة وَلَمْ يُخْبِرنَا عَنْهُمْ أَنَّهُ رَدَّهُمْ إلَى مِصْر بَعْد إخْرَاجه إيَّاهُمْ مِنْهَا , فَيَجُوز لَنَا أَنْ نَقْرَأ اهْبِطُوا مِصْر , وَنَتَأَوَّلهُ أَنَّهُ رَدَّهُمْ إلَيْهَا . قَالُوا : فَإِنْ احْتَجَّ مُحْتَجّ بِقَوْلِ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّات وَعُيُون وَكُنُوز وَمَقَام كَرِيم كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إسْرَائِيل } 26 57 : 59 قِيلَ لَهُمْ : فَإِنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إنَّمَا أَوْرَثَهُمْ ذَلِكَ فَمَلَّكَهُمْ إيَّاهَا وَلَمْ يَرُدّهُمْ إلَيْهَا , وَجَعَلَ مَسَاكِنهمْ الشَّأْم . وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا : إنَّ اللَّه إنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ : { اهْبِطُوا مِصْرًا } مِصْر , فَإِنَّ مِنْ حُجَّتهمْ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا الْآيَة الَّتِي قَالَ فِيهَا : { فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّات وَعُيُون وَكُنُوز وَمَقَام كَرِيم كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهُمْ بَنِي إسْرَائِيل } 26 57 : 59 وَقَوْله : { كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّات وَعُيُون وَزُرُوع وَمَقَام كَرِيم وَنَعْمَة كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ } 44 25 : 28 قَالُوا : فَأَخْبَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ قَدْ وَرَّثَهُمْ ذَلِكَ وَجَعَلَهَا لَهُمْ , فَلَمْ يَكُونُوا يَرِثُونَهَا ثُمَّ لَا يَنْتَفِعُونَ بِهَا . قَالُوا : وَلَا يَكُونُونَ مُنْتَفَعِينَ بِهَا إلَّا بِمُصِيرِ بَعْضهمْ إلَيْهَا , وَإِلَّا فَلَا وَجْه لِلِانْتِفَاعِ بِهَا إنْ لَمْ يَصِيرُوا أَوْ يَصِرْ بَعْضهمْ إلَيْهَا . قَالُوا : وَأُخْرَى أَنَّهَا فِي قِرَاءَة أُبَيّ بْن كَعْب وَعَبْد اللَّه بْن مَسْعُود : " اهْبِطُوا مِصْر " بِغَيْرِ أَلِف , قَالُوا : فَفِي ذَلِكَ الدَّلَالَة الْبَيِّنَة أَنَّهَا مِصْر بِعَيْنِهَا . وَاَلَّذِي نَقُول بِهِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا دَلَالَة فِي كِتَاب اللَّه عَلَى الصَّوَاب مِنْ هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ , وَلَا خَبَر بِهِ عَنْ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَقْطَع مَجِيئَهُ الْعُذْر , وَأَهْل التَّأْوِيل مُتَنَازِعُونَ تَأْوِيله . فَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدنَا بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إنَّ مُوسَى سَأَلَ رَبّه أَنْ يُعْطِيَ قَوْمه مَا سَأَلُوهُ مِنْ نَبَات الْأَرْض عَلَى مَا بَيَّنَهُ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ فِي كِتَابه وَهُمْ فِي الْأَرْض تَائِهُونَ , فَاسْتَجَابَ اللَّه لِمُوسَى دُعَاءَهُ , وَأَمَرَهُ أَنْ يَهْبِط بِمَنْ مَعَهُ مِنْ قَوْمه قَرَارًا مِنْ الْأَرْض الَّتِي تُنْبِت لَهُمْ مَا سَأَلَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ , إذْ كَانَ الَّذِي سَأَلُوهُ لَا تُنْبِتهُ إلَّا الْقُرَى وَالْأَمْصَار وَأَنَّهُ قَدْ أَعْطَاهُمْ ذَلِكَ إذْ صَارُوا إلَيْهِ , وَجَائِز أَنْ يَكُون ذَلِكَ الْقَرَار مِصْر , وَجَائِز أَنْ يَكُون الشَّأْم . فَأَمَّا الْقِرَاءَة فَإِنَّهَا بِالْأَلِفِ وَالتَّنْوِين : { اهْبِطُوا مِصْرًا } وَهِيَ الْقِرَاءَة الَّتِي لَا يَجُوز عِنْدِي غَيْرهَا لِاجْتِمَاعِ خُطُوط مَصَاحِف الْمُسْلِمِينَ , وَاتِّفَاق قِرَاءَة الْقُرَّاء عَلَى ذَلِكَ . وَلَمْ يُقْرَأ بِتَرْكِ التَّنْوِين فِيهِ وَإِسْقَاط الْأَلِف مِنْهُ إلَّا مَنْ لَا يَجُوز الِاعْتِرَاض بِهِ عَلَى الْحُجَّة فِيمَا جَاءَتْ بِهِ مِنْ الْقِرَاءَة مُسْتَفِيضًا بَيْنهمَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّة وَالْمَسْكَنَة } قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَضُرِبَتْ } أَيْ فُرِضَتْ . وَوُضِعَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّة وَأُلْزِمُوهَا ; مِنْ قَوْل الْقَائِل : ضَرَبَ الْإِمَام الْجِزْيَة عَلَى أَهْل الذِّمَّة . وَضَرَبَ الرَّجُل عَلَى عَبْده الْخَرَاج ; يَعْنِي بِذَلِكَ وَضَعَهُ فَأَلْزَمهُ إيَّاهُ , وَمِنْ قَوْلهمْ : ضَرَبَ الْأَمِير عَلَى الْجَيْش الْبَعْث , يُرَاد بِهِ أَلْزَمَهُمُوهُ . وَأَمَّا الذِّلَّة , فَهِيَ الْفِعْلَة مِنْ قَوْل الْقَائِل : ذَلَّ فُلَان يَذِلّ ذُلًّا وذلة . كَالصِّغْرَةِ من صَغُرَ الْأَمْر , وَالْقِعْدَة من قَعَدَ , وَالذِّلَّة : هي الصَّغَار الَّذِي أَمَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ أَنْ لَا يُعْطُوهُمْ أَمَانًا عَلَى الْقَرَار عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ كُفْرهمْ بِهِ وَبِرَسُولِهِ إلَّا أَنْ يَبْذُلُوا الْجِزْيَة عَلَيْهِ لَهُمْ , فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّه وَرَسُوله وَلَا يَدِينُونَ دِين الْحَقّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَة عَنْ يَد وَهُمْ صَاغِرُونَ } 9 29 كَمَا : 908 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق . قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن وَقَتَادَةُ فِي قَوْله : { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّة } قَالَا : يُعْطُونَ الْجِزْيَة عَنْ يَد وَهُمْ صَاغِرُونَ . وَأَمَّا الْمَسْكَنَة , فَإِنَّهَا مَصْدَر الْمِسْكِين , يُقَال : مَا فِيهِمْ أَسْكَن مِنْ فُلَان وَمَا كَانَ مِسْكِينًا وَلَقَدْ تُمْسَكْنَ مَسْكَنَة . وَمِنْ الْعَرَب مَنْ يَقُول تُمْسَكْنَ تَمَسْكُنًا . وَالْمَسْكَنَة فِي هَذَا الْمَوْضِع مَسْكَنَة الْفَاقَة وَالْحَاجَة , وَهِيَ خُشُوعهَا وَذُلّهَا . كَمَا : 909 - حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم . قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { وَالْمَسْكَنَة } قَالَ : الْفَاقَة 910 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد . قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّة وَالْمَسْكَنَة } قَالَ : الْفَقْر . 911 - وَحَدَّثَنِي يُونُس , قَالَة : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب . قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّة وَالْمَسْكَنَة } قَالَ هَؤُلَاءِ يَهُود بَنِي إسْرَائِيل . قُلْت لَهُ : هُمْ قِبْط مِصْر ؟ قَالَ : وَمَا لِقِبْطِ مِصْر وَهَذَا ؟ لَا وَاَللَّه مَا هُمْ هُمْ , وَلَكِنَّهُمْ الْيَهُود يَهُود بَنِي إسْرَائِيل . فَأَخْبَرَهُمْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ يُبَدِّلهُمْ بِالْعِزِّ ذُلًّا , وَبِالنِّعْمَةِ بُؤْسًا , وَبِالرِّضَا عَنْهُمْ غَضَبًا , جَزَاء مِنْهُ لَهُمْ عَلَى كُفْرهمْ بِآيَاتِهِ وَقَتْلهمْ أَنْبِيَاءَهُ وَرُسُله اعْتِدَاء وَظُلْمًا مِنْهُمْ بِغَيْرِ حَقّ , وَعِصْيَانهمْ لَهُ , وَخِلَافًا عَلَيْهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّه } قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّه } انْصَرَفُوا وَرَجَعُوا , وَلَا يُقَال بَاءُوا إلَّا مَوْصُولًا إمَّا بِخَيْرٍ وَإِمَّا بِشَرٍّ , يُقَال مِنْهُ : بَاءَ فُلَان بِذَنْبِهِ يَبُوء بِهِ بَوْءًا وَبَوَاء . وَمِنْهُ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ { إنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوء بِإِثْمِي وَإِثْمك } يَعْنِي : تَنْصَرِف مُتَحَمِّلهمَا وَتَرْجِع بِهِمَا قَدْ صَارَا عَلَيْك دُونِي . فَمَعْنَى الْكَلَام إذًا : وَرَجَعُوا مُنْصَرَفِينَ مُتَحَمِّلِينَ غَضَب اللَّه , قَدْ صَارَ عَلَيْهِمْ مِنْ اللَّه غَضَب , وَوَجَبَ عَلَيْهِمْ مِنْهُ سَخَط . كَمَا : 912 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّه } فَحَدَثَ عَلَيْهِمْ غَضَب مِنْ اللَّه . 913 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّه } قَالَ : اسْتَحَقُّوا الْغَضَب مِنْ اللَّه . وَقَدَّمْنَا مَعْنَى غَضَب اللَّه عَلَى عَبْده فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا , فَأَغْنَى عَنْ إعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّه } قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : " ذَلِكَ " ضَرَبَ الذِّلَّة وَالْمَسْكَنَة عَلَيْهِمْ , وَإِحْلَاله غَضَبه بِهِمْ . فَدَلَّ بِقَوْلِهِ : " ذَلِكَ " - وَهِيَ يَعْنِي بِهِ مَا وَصَفْنَا عَلَى أَنْ قَوْل الْقَائِل ذَلِكَ يَشْمَل الْمَعَانِيَ الْكَثِيرَة إذَا أُشِيرَ بِهِ إلَيْهَا . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ } : مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ , يَقُول : فَعَلْنَا بِهِمْ مِنْ إحْلَال الذُّلّ وَالْمَسْكَنَة وَالسَّخَط بِهِمْ مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّه , وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقّ , كَمَا قَالَ أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَة : مَلِيكِيَّةٌ جَاوَرَتْ بِالْحِجَا ز قَوْمًا عُدَاة وَأَرْضًا شَطِيرَا بِمَا قَدْ تَرَبَّع رَوْض الْقَطَا وَرَوْض التَّنَاضِب حَتَّى تَصِيرَا يَعْنِي بِذَلِكَ : جَاوَرَتْ بِهَذَا الْمَكَان هَذِهِ الْمَرْأَة قَوْمًا عُدَاة وَأَرْضًا بَعِيدَة مِنْ أَهْله - لِمَكَانِ قُرْبهَا كَانَ مِنْهُ وَمِنْ قَوْمه وَبَلَده - مِنْ تَرَبُّعهَا رَوْض الْقَطَا وَرَوْض التَّنَاضِب . فَكَذَلِكَ قَوْله : { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّة وَالْمَسْكَنَة وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّه ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّه } يَقُول : كَانَ ذَلِكَ مِنَّا بِكُفْرِهِمْ بِآيَاتِنَا , وَجَزَاء لَهُمْ بِقَتْلِهِمْ أَنْبِيَاءَنَا . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا أَنَّ مَعْنَى الْكُفْر : تَغْطِيَة الشَّيْء وَسِتْره , وَأَنَّ آيَات اللَّه : حُجَجه وَأَعْلَامه وَأَدِلَّته عَلَى تَوْحِيده وَصِدْق رُسُله . فَمَعْنَى الْكَلَام إذًا : فَعَلْنَا بِهِمْ ذَلِكَ مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْحَدُونَ حُجَج اللَّه عَلَى تَوْحِيده , وَتَصْدِيق رُسُله وَيَدْفَعُونَ حَقِيَتهَا , وَيَكْذِبُونَ بِهَا .
وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقّ } : وَيَقْتُلُونَ رُسُل اللَّه الَّذِينَ ابْتَعَثَهُمْ لِإِنْبَاءِ مَا أَرْسَلَهُمْ بِهِ عَنْهُ لِمَنْ أُرْسِلُوا إلَيْهِ . وَهُمْ جِمَاع وَأَحَدهمْ نَبِيّ , غَيْر مَهْمُوز , وَأَصْله الْهَمْز , لِأَنَّهُ مِنْ أَنْبَأَ عَنْ اللَّه , فَهُوَ يُنْبِئ عَنْهُ إنْبَاء , وَإِنَّمَا الِاسْم مِنْهُ مُنْبِئ وَلَكِنَّهُ صُرِفَ وَهُوَ " مُفْعِل " إلَى " فَعِيل " , كَمَا صُرِفَ سَمِيع إلَى فَعِيل مِنْ مُفْعِل , وَبَصِير مِنْ مُبْصِر , وَأَشْبَاه ذَلِكَ , وَأَبْدَلَ مَكَان الْهَمْزَة مِنْ النَّبِيء الْيَاء , فَقِيلَ نَبِيّ . هَذَا وَمَجْمَع النَّبِيّ أَيْضًا عَلَى أَنْبِيَاء , وَإِنَّمَا جَمَعُوهُ كَذَلِكَ لِإِلْحَاقِهِمْ النَّبِيء بِإِبْدَالِ الْهَمْزَة مِنْهُ يَاء بِالْمَنْعُوتِ الَّتِي تَأْتِي عَلَى تَقْدِير فَعِيل مِنْ ذَوَات الْيَاء وَالْوَاو . وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إذَا أَجَمَعُوا مَا كَانَ مِنْ الْمَنْعُوت عَلَى تَقْدِير فَعِيل مِنْ ذَوَات الْيَاء وَالْوَاو جَمَعُوهُ عَلَى أَفَعِلَاء , كَقَوْلِهِمْ وَلِيّ وَأَوْلِيَاء . وَوَصِيّ وَأَوْصِيَاء . وَدَعِيّ وَأَدْعِيَاء . وَلَوْ جَمَعُوهُ عَلَى أَصْله الَّذِي هُوَ أَصْله . وَعَلَى أَنَّ الْوَاحِد " نَبِيء " مَهْمُوز لَجَمَعُوهُ عَلَى فَعِلَاء , فَقِيلَ لَهُمْ النُّبَآء , عَلَى مِثَال النُّبَغَاء , لِأَنَّ ذَلِكَ جَمْع مَا كَانَ عَلَى فَعِيل مِنْ غَيْر ذَوَات الْيَاء وَالْوَاو مِنْ الْمَنْعُوت كَجَمْعِهِمْ الشَّرِيك شُرَكَاء , وَالْعَلِيم عُلَمَاء . وَالْحَكِيم حُكَمَاء , وَمَا أَشَبَه ذَلِكَ . وَقَدْ حُكِيَ سَمَاعًا مِنْ الْعَرَب فِي جَمْع النَّبِيّ النُّبَآء , وَذَلِكَ مِنْ لُغَة الَّذِينَ يَهْمِزُونَ النَّبِيء , ثُمَّ يَجْمَعُونَهُ عَلَى النُّبَآء عَلَى مَا قَدْ بَيَّنْت , وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل عَبَّاس بْن مِرْدَاس فِي مَدْح النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ . يَا خَاتَم النُّبَآء إنَّك مُرْسَل بِالْخَبَرِ كُلّ هُدًى السَّبِيل هُدَاكَا فَقَالَ . يَا خَاتَم النُّبَآء , عَلَى أَنَّ وَاحِدهمْ نَبِيء مَهْمُوز . وَقَدْ قَالَ بَعْضهمْ : النَّبِيّ وَالنُّبُوَّة غَيْر مَهْمُوز . لِأَنَّهُمَا مَأْخُوذَانِ مِنْ النُّبُوَّة , وَهِيَ مِثْل النَّجْوَة , وَهُوَ الْمَكَان الْمُرْتَفِع . وَكَانَ يَقُول أَنَّ أَصْل النَّبِيّ الطَّرِيق , وَيَسْتَشْهِد عَلَى ذَلِكَ بِبَيْتِ القطامي : لَمَّا وَرَدْنَ نَبِيًّا وَاسْتَتَبَّ بِهَا مُسْحَنْفِرٌ كَخُطُوطِ السَّيْح مُنْسَحِل يَقُول : إنَّمَا سَمَّى الطَّرِيق نَبِيًّا , لِأَنَّهُ ظَاهِر مُسْتَبِين مِنْ النُّبُوَّة . وَيَقُول . لَمْ أَسْمَع أَحَدًا يَهْمِز النَّبِيّ . قَالَ . وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا فِي ذَلِكَ وَبَيَّنَّا مَا فِيهِ الْكِفَايَة إنْ شَاءَ اللَّه . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقّ } : أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتُلُونَ رُسُل اللَّه بِغَيْرِ إذْن اللَّه لَهُمْ بِقَتْلِهِمْ مُنْكَرِينَ رِسَالَتهمْ جَاحِدِينَ نُبُوَّتهمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ } وَقَوْله : { ذَلِكَ } رَدّ عَلَى " ذَلِكَ " الْأُولَى . وَمَعْنَى الْكَلَام : وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّة وَالْمَسْكَنَة , وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّه , مِنْ أَجْل كُفْرهمْ بِآيَاتِ اللَّه , وَقَتْلهمْ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقّ , مِنْ أَجْل عِصْيَانهمْ رَبّهمْ , وَاعْتِدَائِهِمْ حُدُوده ; فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا } وَالْمَعْنَى : ذَلِكَ بِعِصْيَانِهِمْ وَكُفْرهمْ مُعْتَدِينَ . وَالِاعْتِدَاء : تَجَاوُز الْحَدّ الَّذِي حَدَّهُ اللَّه لِعِبَادِهِ إلَى غَيْره , وَكُلّ مُتَجَاوِز حَدّ شَيْء إلَى غَيْره فَقَدْ تَعَدَّاهُ إلَى مَا جَاوَزَ إلَيْهِ . وَمَعْنَى الْكَلَام : فَعَلْت بِهِمْ مَا فَعَلْت مِنْ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا أَمْرِي , وَتَجَاوَزُوا حَدِّي إلَى مَا نَهَيْتهمْ عَنْهُ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ } وَتَأْوِيل ذَلِكَ : فَدَعَا مُوسَى فَاسْتَجَبْنَا لَهُ , فَقُلْنَا لَهُمْ : اهْبِطُوا مِصْر . وَهُوَ مِنْ الْمَحْذُوف الَّذِي اُجْتُزِئَ بِدَلَالَةِ ظَاهِره عَلَى ذِكْر مَا حُذِفَ وَتُرِكَ مِنْهُ . وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْهُبُوط إلَى الْمَكَان إنَّمَا هُوَ النُّزُول إلَيْهِ وَالْحُلُول بِهِ . فَتَأْوِيل الْآيَة إذًا : { وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِر عَلَى طَعَام وَاحِد فَادْعُ لَنَا رَبّك يُخْرِج لَنَا مِمَّا تُنْبِت الْأَرْض مِنْ بَقْلهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومهَا وَعَدَسهَا وَبَصَلهَا } قَالَ لَهُمْ مُوسَى : أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَخَسّ وَأَرْدَأ مِنْ الْعَيْش بِاَلَّذِي هُوَ خَيْر مِنْهُ ؟ فَدَعَا لَهُمْ مُوسَى رَبّه أَنْ يُعْطِيهِمْ مَا سَأَلُوهُ , فَاسْتَجَابَ اللَّه لَهُ دُعَاءَهُ , فَأَعْطَاهُمْ مَا طَلَبُوا , وَقَالَ اللَّه لَهُمْ : { اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ } . ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { مِصْرًا } فَقَرَأَهُ عَامَّة الْقُرَّاء : " مِصْرًا " بِتَنْوِينِ الْمِصْر وَإِجْرَائِهِ ; وَقَرَأَهُ بَعْضهمْ بِتَرْكِ التَّنْوِين وَحَذْف الْأَلِف مِنْهُ . فَأَمَّا الَّذِينَ نَوَّنُوهُ وَأَجْرَوْهُ , فَإِنَّهُمْ عَنَوْا بِهِ مِصْرًا مِنْ الْأَمْصَار لَا مِصْرًا بِعَيْنِهِ , فَتَأْوِيله عَلَى قِرَاءَتهمْ : اهْبِطُوا مِصْرًا مِنْ الْأَمْصَار , لِأَنَّكُمْ فِي الْبَدْو , وَاَلَّذِي طَلَبْتُمْ لَا يَكُون فِي الْبَوَادِي وَالْفَيَافِي , وَإِنَّمَا يَكُون فِي الْقُرَى وَالْأَمْصَار , فَإِنَّ لَكُمْ إذَا هَبَطْتُمُوهُ مَا سَأَلْتُمْ مِنْ الْعَيْش . وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون بَعْض مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِالْإِجْرَاءِ وَالتَّنْوِين , كَانَ تَأْوِيل الْكَلَام عِنْده : اهْبِطُوا مِصْرًا الْبَلْدَة الَّتِي تُعْرَف بِهَذَا الِاسْم وَهِيَ " مِصْر " الَّتِي خَرَجُوا عَنْهَا , غَيْر أنه أَجْرَاهَا وَنَوَّنَهَا اتِّبَاعًا منه خَطّ الْمُصْحَف , لِأَنَّ فِي الْمُصْحَف أَلِفًا ثَابِتَة فِي مِصْر , فَيَكُون سَبِيل قِرَاءتِهِ ذَلِكَ بِالْإِجْرَاء وَالتَّنْوِين سَبِيل مَنْ قَرَأَ : { قَوَارِيرًا قَوَارِيرًا مِنْ فِضَّة } 76 15 : 16 مُنَوَّنَة اتِّبَاعًا مِنْهُ خَطّ الْمُصْحَف . وَأَمَّا الَّذِي لَمْ يُنَوِّن مِصْر فَإِنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّهُ عَنَى مِصْر الَّتِي تَعْرِف بِهَذَا الِاسْم بِعَيْنِهَا دُون سَائِر الْبَلَدَانِ غَيْرهَا . وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ نَظِير اخْتِلَاف الْقُرَّاء فِي قِرَاءَته . 902 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { اهْبِطُوا مِصْرًا } أَيْ مِصْرًا مِنْ الْأَمْصَار { فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ } . 903 - وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { اهْبِطُوا مِصْرًا } مِنْ الْأَمْصَار , { فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ } فَلَمَّا خَرَجُوا مِنْ التِّيه رُفِعَ الْمَنّ وَالسَّلْوَى وَأَكَلُوا الْبُقُول . * وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنِي آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { اهْبِطُوا مِصْرًا } قَالَ : يَعْنِي مِصْرًا مِنْ الْأَمْصَار . 904 - وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد : { اهْبِطُوا مِصْرًا } قَالَ : مِصْرًا مِنْ الْأَمْصَار , زَعَمُوا أَنَّهُمْ لَمْ يَرْجِعُوا إلَى مِصْر . 905 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { اهْبِطُوا مِصْرًا } قَالَ : مِصْرًا مِنْ الْأَمْصَار . وَمِصْر لَا تَجْرِي فِي الْكَلَام , فَقِيلَ : أَيْ مِصْر ؟ فَقَالَ : الْأَرْض الْمُقَدَّسَة الَّتِي كَتَبَ اللَّه لَهُمْ . وَقَرَأَ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { اُدْخُلُوا الْأَرْض الْمُقَدَّسَة الَّتِي كَتَبَ اللَّه لَكُمْ } 5 21 وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ مِصْر الَّتِي كَانَ فِيهَا فِرْعَوْن . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 906 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , ثنا آدَم , ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { اهْبِطُوا مِصْرًا } قَالَ : يَعْنِي بِهِ مِصْر فِرْعَوْن . 907 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , عَنْ ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله . وَمِنْ حُجَّة مَنْ قَالَ : إنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ : { اهْبِطُوا مِصْرًا } مِصْرًا مِنْ الْأَمْصَار دُون مِصْر فِرْعَوْن بِعَيْنِهَا , أَنَّ اللَّه حَمَلَ أَرْض الشَّام لِبَنِي إسْرَائِيل مَسَاكِن بَعْد أَنْ أَخَرَجَهُمْ مِنْ مِصْر , وَإِنَّمَا ابْتَلَاهُمْ بِالتِّيهِ بِامْتِنَاعِهِمْ عَلَى مُوسَى فِي حَرْب الْجَبَابِرَة إذْ قَالَ لَهُمْ : { يَا قَوْم اُدْخُلُوا الْأَرْض الْمُقَدَّسَة الَّتِي كَتَبَ اللَّه لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَاركُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ قَالُوا يَا مُوسَى إنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ } إلَى قَوْله : { إنَّا لَنْ نَدْخُلهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } 5 21 : 24 فَحَرَّمَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ عَلَى قَائِل ذَلِكَ فِيمَا ذُكِرَ لَنَا دُخُولهَا حَتَّى هَلَكُوا فِي التِّيه وَابْتَلَاهُمْ بِالتَّيْهَانِ فِي الْأَرْض أَرْبَعِينَ سَنَة , ثُمَّ أَهَبَطَ ذُرِّيَّتهَا الشَّام , فَأَسْكَنَهُمْ الْأَرْض الْمُقَدَّسَة , وَجَعَلَ هَلَاك الْجَبَابِرَة عَلَى أَيْدِيهمْ مَعَ يُوشَع بْن نُون بَعْد وَفَاة مُوسَى بْن عِمْرَان . فَرَأَيْنَا اللَّه جَلَّ وَعَزَّ قَدْ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُ كَتَبَ لَهُمْ الْأَرْض الْمُقَدَّسَة وَلَمْ يُخْبِرنَا عَنْهُمْ أَنَّهُ رَدَّهُمْ إلَى مِصْر بَعْد إخْرَاجه إيَّاهُمْ مِنْهَا , فَيَجُوز لَنَا أَنْ نَقْرَأ اهْبِطُوا مِصْر , وَنَتَأَوَّلهُ أَنَّهُ رَدَّهُمْ إلَيْهَا . قَالُوا : فَإِنْ احْتَجَّ مُحْتَجّ بِقَوْلِ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّات وَعُيُون وَكُنُوز وَمَقَام كَرِيم كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إسْرَائِيل } 26 57 : 59 قِيلَ لَهُمْ : فَإِنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إنَّمَا أَوْرَثَهُمْ ذَلِكَ فَمَلَّكَهُمْ إيَّاهَا وَلَمْ يَرُدّهُمْ إلَيْهَا , وَجَعَلَ مَسَاكِنهمْ الشَّأْم . وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا : إنَّ اللَّه إنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ : { اهْبِطُوا مِصْرًا } مِصْر , فَإِنَّ مِنْ حُجَّتهمْ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا الْآيَة الَّتِي قَالَ فِيهَا : { فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّات وَعُيُون وَكُنُوز وَمَقَام كَرِيم كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهُمْ بَنِي إسْرَائِيل } 26 57 : 59 وَقَوْله : { كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّات وَعُيُون وَزُرُوع وَمَقَام كَرِيم وَنَعْمَة كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ } 44 25 : 28 قَالُوا : فَأَخْبَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ قَدْ وَرَّثَهُمْ ذَلِكَ وَجَعَلَهَا لَهُمْ , فَلَمْ يَكُونُوا يَرِثُونَهَا ثُمَّ لَا يَنْتَفِعُونَ بِهَا . قَالُوا : وَلَا يَكُونُونَ مُنْتَفَعِينَ بِهَا إلَّا بِمُصِيرِ بَعْضهمْ إلَيْهَا , وَإِلَّا فَلَا وَجْه لِلِانْتِفَاعِ بِهَا إنْ لَمْ يَصِيرُوا أَوْ يَصِرْ بَعْضهمْ إلَيْهَا . قَالُوا : وَأُخْرَى أَنَّهَا فِي قِرَاءَة أُبَيّ بْن كَعْب وَعَبْد اللَّه بْن مَسْعُود : " اهْبِطُوا مِصْر " بِغَيْرِ أَلِف , قَالُوا : فَفِي ذَلِكَ الدَّلَالَة الْبَيِّنَة أَنَّهَا مِصْر بِعَيْنِهَا . وَاَلَّذِي نَقُول بِهِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا دَلَالَة فِي كِتَاب اللَّه عَلَى الصَّوَاب مِنْ هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ , وَلَا خَبَر بِهِ عَنْ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَقْطَع مَجِيئَهُ الْعُذْر , وَأَهْل التَّأْوِيل مُتَنَازِعُونَ تَأْوِيله . فَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدنَا بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إنَّ مُوسَى سَأَلَ رَبّه أَنْ يُعْطِيَ قَوْمه مَا سَأَلُوهُ مِنْ نَبَات الْأَرْض عَلَى مَا بَيَّنَهُ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ فِي كِتَابه وَهُمْ فِي الْأَرْض تَائِهُونَ , فَاسْتَجَابَ اللَّه لِمُوسَى دُعَاءَهُ , وَأَمَرَهُ أَنْ يَهْبِط بِمَنْ مَعَهُ مِنْ قَوْمه قَرَارًا مِنْ الْأَرْض الَّتِي تُنْبِت لَهُمْ مَا سَأَلَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ , إذْ كَانَ الَّذِي سَأَلُوهُ لَا تُنْبِتهُ إلَّا الْقُرَى وَالْأَمْصَار وَأَنَّهُ قَدْ أَعْطَاهُمْ ذَلِكَ إذْ صَارُوا إلَيْهِ , وَجَائِز أَنْ يَكُون ذَلِكَ الْقَرَار مِصْر , وَجَائِز أَنْ يَكُون الشَّأْم . فَأَمَّا الْقِرَاءَة فَإِنَّهَا بِالْأَلِفِ وَالتَّنْوِين : { اهْبِطُوا مِصْرًا } وَهِيَ الْقِرَاءَة الَّتِي لَا يَجُوز عِنْدِي غَيْرهَا لِاجْتِمَاعِ خُطُوط مَصَاحِف الْمُسْلِمِينَ , وَاتِّفَاق قِرَاءَة الْقُرَّاء عَلَى ذَلِكَ . وَلَمْ يُقْرَأ بِتَرْكِ التَّنْوِين فِيهِ وَإِسْقَاط الْأَلِف مِنْهُ إلَّا مَنْ لَا يَجُوز الِاعْتِرَاض بِهِ عَلَى الْحُجَّة فِيمَا جَاءَتْ بِهِ مِنْ الْقِرَاءَة مُسْتَفِيضًا بَيْنهمَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّة وَالْمَسْكَنَة } قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَضُرِبَتْ } أَيْ فُرِضَتْ . وَوُضِعَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّة وَأُلْزِمُوهَا ; مِنْ قَوْل الْقَائِل : ضَرَبَ الْإِمَام الْجِزْيَة عَلَى أَهْل الذِّمَّة . وَضَرَبَ الرَّجُل عَلَى عَبْده الْخَرَاج ; يَعْنِي بِذَلِكَ وَضَعَهُ فَأَلْزَمهُ إيَّاهُ , وَمِنْ قَوْلهمْ : ضَرَبَ الْأَمِير عَلَى الْجَيْش الْبَعْث , يُرَاد بِهِ أَلْزَمَهُمُوهُ . وَأَمَّا الذِّلَّة , فَهِيَ الْفِعْلَة مِنْ قَوْل الْقَائِل : ذَلَّ فُلَان يَذِلّ ذُلًّا وذلة . كَالصِّغْرَةِ من صَغُرَ الْأَمْر , وَالْقِعْدَة من قَعَدَ , وَالذِّلَّة : هي الصَّغَار الَّذِي أَمَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ أَنْ لَا يُعْطُوهُمْ أَمَانًا عَلَى الْقَرَار عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ كُفْرهمْ بِهِ وَبِرَسُولِهِ إلَّا أَنْ يَبْذُلُوا الْجِزْيَة عَلَيْهِ لَهُمْ , فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّه وَرَسُوله وَلَا يَدِينُونَ دِين الْحَقّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَة عَنْ يَد وَهُمْ صَاغِرُونَ } 9 29 كَمَا : 908 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق . قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن وَقَتَادَةُ فِي قَوْله : { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّة } قَالَا : يُعْطُونَ الْجِزْيَة عَنْ يَد وَهُمْ صَاغِرُونَ . وَأَمَّا الْمَسْكَنَة , فَإِنَّهَا مَصْدَر الْمِسْكِين , يُقَال : مَا فِيهِمْ أَسْكَن مِنْ فُلَان وَمَا كَانَ مِسْكِينًا وَلَقَدْ تُمْسَكْنَ مَسْكَنَة . وَمِنْ الْعَرَب مَنْ يَقُول تُمْسَكْنَ تَمَسْكُنًا . وَالْمَسْكَنَة فِي هَذَا الْمَوْضِع مَسْكَنَة الْفَاقَة وَالْحَاجَة , وَهِيَ خُشُوعهَا وَذُلّهَا . كَمَا : 909 - حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم . قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { وَالْمَسْكَنَة } قَالَ : الْفَاقَة 910 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد . قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّة وَالْمَسْكَنَة } قَالَ : الْفَقْر . 911 - وَحَدَّثَنِي يُونُس , قَالَة : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب . قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّة وَالْمَسْكَنَة } قَالَ هَؤُلَاءِ يَهُود بَنِي إسْرَائِيل . قُلْت لَهُ : هُمْ قِبْط مِصْر ؟ قَالَ : وَمَا لِقِبْطِ مِصْر وَهَذَا ؟ لَا وَاَللَّه مَا هُمْ هُمْ , وَلَكِنَّهُمْ الْيَهُود يَهُود بَنِي إسْرَائِيل . فَأَخْبَرَهُمْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ يُبَدِّلهُمْ بِالْعِزِّ ذُلًّا , وَبِالنِّعْمَةِ بُؤْسًا , وَبِالرِّضَا عَنْهُمْ غَضَبًا , جَزَاء مِنْهُ لَهُمْ عَلَى كُفْرهمْ بِآيَاتِهِ وَقَتْلهمْ أَنْبِيَاءَهُ وَرُسُله اعْتِدَاء وَظُلْمًا مِنْهُمْ بِغَيْرِ حَقّ , وَعِصْيَانهمْ لَهُ , وَخِلَافًا عَلَيْهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّه } قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّه } انْصَرَفُوا وَرَجَعُوا , وَلَا يُقَال بَاءُوا إلَّا مَوْصُولًا إمَّا بِخَيْرٍ وَإِمَّا بِشَرٍّ , يُقَال مِنْهُ : بَاءَ فُلَان بِذَنْبِهِ يَبُوء بِهِ بَوْءًا وَبَوَاء . وَمِنْهُ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ { إنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوء بِإِثْمِي وَإِثْمك } يَعْنِي : تَنْصَرِف مُتَحَمِّلهمَا وَتَرْجِع بِهِمَا قَدْ صَارَا عَلَيْك دُونِي . فَمَعْنَى الْكَلَام إذًا : وَرَجَعُوا مُنْصَرَفِينَ مُتَحَمِّلِينَ غَضَب اللَّه , قَدْ صَارَ عَلَيْهِمْ مِنْ اللَّه غَضَب , وَوَجَبَ عَلَيْهِمْ مِنْهُ سَخَط . كَمَا : 912 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّه } فَحَدَثَ عَلَيْهِمْ غَضَب مِنْ اللَّه . 913 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّه } قَالَ : اسْتَحَقُّوا الْغَضَب مِنْ اللَّه . وَقَدَّمْنَا مَعْنَى غَضَب اللَّه عَلَى عَبْده فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا , فَأَغْنَى عَنْ إعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّه } قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : " ذَلِكَ " ضَرَبَ الذِّلَّة وَالْمَسْكَنَة عَلَيْهِمْ , وَإِحْلَاله غَضَبه بِهِمْ . فَدَلَّ بِقَوْلِهِ : " ذَلِكَ " - وَهِيَ يَعْنِي بِهِ مَا وَصَفْنَا عَلَى أَنْ قَوْل الْقَائِل ذَلِكَ يَشْمَل الْمَعَانِيَ الْكَثِيرَة إذَا أُشِيرَ بِهِ إلَيْهَا . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ } : مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ , يَقُول : فَعَلْنَا بِهِمْ مِنْ إحْلَال الذُّلّ وَالْمَسْكَنَة وَالسَّخَط بِهِمْ مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّه , وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقّ , كَمَا قَالَ أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَة : مَلِيكِيَّةٌ جَاوَرَتْ بِالْحِجَا ز قَوْمًا عُدَاة وَأَرْضًا شَطِيرَا بِمَا قَدْ تَرَبَّع رَوْض الْقَطَا وَرَوْض التَّنَاضِب حَتَّى تَصِيرَا يَعْنِي بِذَلِكَ : جَاوَرَتْ بِهَذَا الْمَكَان هَذِهِ الْمَرْأَة قَوْمًا عُدَاة وَأَرْضًا بَعِيدَة مِنْ أَهْله - لِمَكَانِ قُرْبهَا كَانَ مِنْهُ وَمِنْ قَوْمه وَبَلَده - مِنْ تَرَبُّعهَا رَوْض الْقَطَا وَرَوْض التَّنَاضِب . فَكَذَلِكَ قَوْله : { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّة وَالْمَسْكَنَة وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّه ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّه } يَقُول : كَانَ ذَلِكَ مِنَّا بِكُفْرِهِمْ بِآيَاتِنَا , وَجَزَاء لَهُمْ بِقَتْلِهِمْ أَنْبِيَاءَنَا . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا أَنَّ مَعْنَى الْكُفْر : تَغْطِيَة الشَّيْء وَسِتْره , وَأَنَّ آيَات اللَّه : حُجَجه وَأَعْلَامه وَأَدِلَّته عَلَى تَوْحِيده وَصِدْق رُسُله . فَمَعْنَى الْكَلَام إذًا : فَعَلْنَا بِهِمْ ذَلِكَ مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْحَدُونَ حُجَج اللَّه عَلَى تَوْحِيده , وَتَصْدِيق رُسُله وَيَدْفَعُونَ حَقِيَتهَا , وَيَكْذِبُونَ بِهَا .
وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقّ } : وَيَقْتُلُونَ رُسُل اللَّه الَّذِينَ ابْتَعَثَهُمْ لِإِنْبَاءِ مَا أَرْسَلَهُمْ بِهِ عَنْهُ لِمَنْ أُرْسِلُوا إلَيْهِ . وَهُمْ جِمَاع وَأَحَدهمْ نَبِيّ , غَيْر مَهْمُوز , وَأَصْله الْهَمْز , لِأَنَّهُ مِنْ أَنْبَأَ عَنْ اللَّه , فَهُوَ يُنْبِئ عَنْهُ إنْبَاء , وَإِنَّمَا الِاسْم مِنْهُ مُنْبِئ وَلَكِنَّهُ صُرِفَ وَهُوَ " مُفْعِل " إلَى " فَعِيل " , كَمَا صُرِفَ سَمِيع إلَى فَعِيل مِنْ مُفْعِل , وَبَصِير مِنْ مُبْصِر , وَأَشْبَاه ذَلِكَ , وَأَبْدَلَ مَكَان الْهَمْزَة مِنْ النَّبِيء الْيَاء , فَقِيلَ نَبِيّ . هَذَا وَمَجْمَع النَّبِيّ أَيْضًا عَلَى أَنْبِيَاء , وَإِنَّمَا جَمَعُوهُ كَذَلِكَ لِإِلْحَاقِهِمْ النَّبِيء بِإِبْدَالِ الْهَمْزَة مِنْهُ يَاء بِالْمَنْعُوتِ الَّتِي تَأْتِي عَلَى تَقْدِير فَعِيل مِنْ ذَوَات الْيَاء وَالْوَاو . وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إذَا أَجَمَعُوا مَا كَانَ مِنْ الْمَنْعُوت عَلَى تَقْدِير فَعِيل مِنْ ذَوَات الْيَاء وَالْوَاو جَمَعُوهُ عَلَى أَفَعِلَاء , كَقَوْلِهِمْ وَلِيّ وَأَوْلِيَاء . وَوَصِيّ وَأَوْصِيَاء . وَدَعِيّ وَأَدْعِيَاء . وَلَوْ جَمَعُوهُ عَلَى أَصْله الَّذِي هُوَ أَصْله . وَعَلَى أَنَّ الْوَاحِد " نَبِيء " مَهْمُوز لَجَمَعُوهُ عَلَى فَعِلَاء , فَقِيلَ لَهُمْ النُّبَآء , عَلَى مِثَال النُّبَغَاء , لِأَنَّ ذَلِكَ جَمْع مَا كَانَ عَلَى فَعِيل مِنْ غَيْر ذَوَات الْيَاء وَالْوَاو مِنْ الْمَنْعُوت كَجَمْعِهِمْ الشَّرِيك شُرَكَاء , وَالْعَلِيم عُلَمَاء . وَالْحَكِيم حُكَمَاء , وَمَا أَشَبَه ذَلِكَ . وَقَدْ حُكِيَ سَمَاعًا مِنْ الْعَرَب فِي جَمْع النَّبِيّ النُّبَآء , وَذَلِكَ مِنْ لُغَة الَّذِينَ يَهْمِزُونَ النَّبِيء , ثُمَّ يَجْمَعُونَهُ عَلَى النُّبَآء عَلَى مَا قَدْ بَيَّنْت , وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل عَبَّاس بْن مِرْدَاس فِي مَدْح النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ . يَا خَاتَم النُّبَآء إنَّك مُرْسَل بِالْخَبَرِ كُلّ هُدًى السَّبِيل هُدَاكَا فَقَالَ . يَا خَاتَم النُّبَآء , عَلَى أَنَّ وَاحِدهمْ نَبِيء مَهْمُوز . وَقَدْ قَالَ بَعْضهمْ : النَّبِيّ وَالنُّبُوَّة غَيْر مَهْمُوز . لِأَنَّهُمَا مَأْخُوذَانِ مِنْ النُّبُوَّة , وَهِيَ مِثْل النَّجْوَة , وَهُوَ الْمَكَان الْمُرْتَفِع . وَكَانَ يَقُول أَنَّ أَصْل النَّبِيّ الطَّرِيق , وَيَسْتَشْهِد عَلَى ذَلِكَ بِبَيْتِ القطامي : لَمَّا وَرَدْنَ نَبِيًّا وَاسْتَتَبَّ بِهَا مُسْحَنْفِرٌ كَخُطُوطِ السَّيْح مُنْسَحِل يَقُول : إنَّمَا سَمَّى الطَّرِيق نَبِيًّا , لِأَنَّهُ ظَاهِر مُسْتَبِين مِنْ النُّبُوَّة . وَيَقُول . لَمْ أَسْمَع أَحَدًا يَهْمِز النَّبِيّ . قَالَ . وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا فِي ذَلِكَ وَبَيَّنَّا مَا فِيهِ الْكِفَايَة إنْ شَاءَ اللَّه . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقّ } : أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتُلُونَ رُسُل اللَّه بِغَيْرِ إذْن اللَّه لَهُمْ بِقَتْلِهِمْ مُنْكَرِينَ رِسَالَتهمْ جَاحِدِينَ نُبُوَّتهمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ } وَقَوْله : { ذَلِكَ } رَدّ عَلَى " ذَلِكَ " الْأُولَى . وَمَعْنَى الْكَلَام : وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّة وَالْمَسْكَنَة , وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّه , مِنْ أَجْل كُفْرهمْ بِآيَاتِ اللَّه , وَقَتْلهمْ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقّ , مِنْ أَجْل عِصْيَانهمْ رَبّهمْ , وَاعْتِدَائِهِمْ حُدُوده ; فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا } وَالْمَعْنَى : ذَلِكَ بِعِصْيَانِهِمْ وَكُفْرهمْ مُعْتَدِينَ . وَالِاعْتِدَاء : تَجَاوُز الْحَدّ الَّذِي حَدَّهُ اللَّه لِعِبَادِهِ إلَى غَيْره , وَكُلّ مُتَجَاوِز حَدّ شَيْء إلَى غَيْره فَقَدْ تَعَدَّاهُ إلَى مَا جَاوَزَ إلَيْهِ . وَمَعْنَى الْكَلَام : فَعَلْت بِهِمْ مَا فَعَلْت مِنْ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا أَمْرِي , وَتَجَاوَزُوا حَدِّي إلَى مَا نَهَيْتهمْ عَنْهُ .
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَاَلَّذِينَ هَادُوا } قَالَ أَبُو جَعْفَر : أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَهُمْ الْمُصَدِّقُونَ رَسُول اللَّه فِيمَا أَتَاهُمْ بِهِ مِنْ الْحَقّ مِنْ عِنْد اللَّه , وَإِيمَانهمْ بِذَلِكَ : تَصْدِيقهمْ بِهِ عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّاهُ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا . وَأَمَّا الَّذِينَ هَادُوا , فَهُمْ الْيَهُود , وَمَعْنَى هَادُوا : تَابُوا , يُقَال مِنْهُ : هَادَ الْقَوْم يَهُودُونَ هَوْدًا وَهَادَة . وَقِيلَ : إنَّمَا سُمِّيَتْ الْيَهُود يَهُود مِنْ أَجْل قَوْلهمْ : { إنَّا هُدْنَا إلَيْك } . 7 156 914 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : إنَّمَا سَمَّيْت الْيَهُود مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ قَالُوا : { إنَّا هُدْنَا إلَيْك } . 7 156
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالنَّصَارَى } . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالنَّصَارَى جَمْع , وَاحِدهمْ نَصْرَان , كَمَا وَاحِد سُكَارَى سَكْرَان , وَوَاحِد النَّشَاوَى نَشْوَان . وَكَذَلِكَ جَمْع كُلّ نَعْت كَانَ وَاحِده عَلَى فِعْلَان , فَإِنَّ جَمَعَهُ عَلَى فَعَالَى ; إلَّا أَنَّ الْمُسْتَفِيض مِنْ كَلَام الْعَرَب فِي وَاحِد النَّصَارَى نَصْرَانِيّ . وَقَدْ حُكِيَ عَنْهُمْ سَمَاعًا " نَصْرَان " بِطَرْحِ الْيَاء , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : تَرَاهُ إذَا زَارَ الْعَشِيّ مُحَنِّفًا وَيُضْحِي لَدَيْهِ وَهُوَ نَصْرَان شَامِس وَسُمِعَ مِنْهُمْ فِي الْأُنْثَى نَصْرَانَة , قَالَ الشَّاعِر : فَكِلْتَاهُمَا خَرَّتْ وَأَسْجَد رَأَسَهَا كَمَا سَجَدَتْ نَصْرَانَة لَمْ تَحَنَّف يُقَال : أَسْجُد : إذَا مَال . وَقَدْ سُمِعَ فِي جَمْعهمْ أَنْصَار بِمَعْنَى النَّصَارَى , قَالَ الشَّاعِر : لَمَا رَأَيْت نَبَطًا أَنْصَارَا شَمَّرْت عَنْ رُكْبَتَيْ الْإِزَارَا كُنْت لَهُمْ مِنْ النَّصَارَى جَارَا وهذه الأبيات الَّتِي ذَكَرْتهَا تَدُلّ عَلَى أَنَّهُمْ سُمُّوا نَصَارَى لِنُصْرَةِ بَعْضهمْ بَعْضًا وَتَنَاصُرهمْ بَيْنهمْ . وَقَدْ قِيلَ إنَّهُمْ سُمُّوا نَصَارَى مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ نَزَلُوا أَرْضًا يُقَال لَهَا " نَاصِرَة " . 915 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ : النَّصَارَى إنَّمَا سُمُّوا نَصَارَى مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ نَزَلُوا أَرْضًا يُقَال لَهَا نَاصِرَة . وَيَقُول آخَرُونَ : لِقَوْلِهِ : { مَنْ أَنْصَارِي إلَى اللَّه } . 61 14 وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ ابْن عَبَّاس مِنْ طَرِيق غَيْر مُرْتَضَى أَنَّهُ كَانَ يَقُول : إنَّمَا سُمِّيَتْ النَّصَارَى نَصَارَى , لِأَنَّ قَرْيَة عِيسَى ابْن مَرْيَم كَانَتْ تُسَمَّى نَاصِرَة , وَكَانَ أَصْحَابه يُسَمَّوْنَ النَّاصِرِيِّينَ , وَكَانَ يُقَال لِعِيسَى : النَّاصِرِيّ . 916 - حُدِّثْت بِذَلِكَ عَنْ هِشَام بْن مُحَمَّد , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ ابْن عَبَّاس . 917 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَالَ : إنَّمَا سُمُّوا نَصَارَى لِأَنَّهُمْ كَانُوا بَقَرِيَّة يُقَال لَهَا نَاصِرَة يَنْزِلهَا عِيسَى ابْن مَرْيَم , فَهُوَ اسْم تَسَمَّوْا بِهِ وَلَمْ يُؤْمَرُوا بِهِ . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { الَّذِينَ قَالُوا إنَّا نَصَارَى } قَالَ : تَسَمَّوْا بَقَرِيَّة يُقَال لَهَا نَاصِرَة , كَانَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَم يَنْزِلهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالصَّابِئِينَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّابِئُونَ جَمْع صَابِئ , وَهُوَ الْمُسْتَحْدِث سِوَى دِينه دِينًا , كَالْمُرْتَدِّ مِنْ أَهْل الْإِسْلَام عَنْ دِينه . وَكُلّ خَارِج مِنْ دِين كَانَ عَلَيْهِ إلَى آخَر غَيْره تُسَمِّيه الْعَرَب صَابِئًا , يُقَال مِنْهُ : صَبَأَ فُلَان يَصْبَأ صَبْأً , وَيُقَال : صَبَأَتْ النُّجُوم : إذَا طَلَعَتْ , وَصَبَأَ عَلَيْنَا فُلَان مَوْضِع كَذَا وَكَذَا , يَعْنِي بِهِ طَلَعَ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيمَنْ يَلْزَمهُ هَذَا الِاسْم مِنْ أَهْل الْمِلَل . فَقَالَ بَعْضهمْ : يَلْزَم ذَلِكَ كُلّ مَنْ خَرَجَ مِنْ دِين إلَى غَيْر دِين . وَقَالُوا : الَّذِينَ عَنَى اللَّه بِهَذَا الِاسْم قَوْم لَا دِين لَهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 918 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق جَمِيعًا , عَنْ سُفْيَان , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : { الصَّابِئُونَ } لَيْسُوا بِيَهُودَ وَلَا نَصَارَى وَلَا دِين لَهُمْ . * - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْحَجَّاج بْن أَرَطْأَة , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بزة , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 919 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حِكَام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ الْحَجَّاج , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الصَّابِئُونَ بَيْن الْمَجُوس وَالْيَهُود لَا تُؤْكَل ذَبَائِحهمْ وَلَا تُنْكَح نِسَاؤُهُمْ . 920 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حِكَام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ حَجَّاج , عَنْ قَتَادَةَ , عَنْ الْحَسَن مِثْل ذَلِكَ . 921 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح : الصَّابِئِينَ بَيْن الْيَهُود وَالْمَجُوس لَا دِين لَهُمْ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم ; قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ مُجَاهِد : الصَّابِئِينَ بَيْن الْمَجُوس وَالْيَهُود , لَا دِين لَهُمْ . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : قُلْت لِعَطَاءٍ : " الصَّابِئِينَ " زَعَمُوا أَنَّهَا قَبِيلَة مِنْ نَحْو السَّوَاد لَيْسُوا بِمَجُوسٍ وَلَا يَهُود وَلَا نَصَارَى . قَالَ : قَدْ سَمِعْنَا ذَلِكَ , وَقَدْ قَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلنَّبِيِّ : قَدْ صَبَأَ . 922 - وَحَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { الصَّابِئُونَ } قَالَ : الصَّابِئُونَ : دِين مِنْ الْأَدْيَان , كَانُوا بِجَزِيرَةِ الْمُوصِل يَقُولُونَ : " لَا إلَه إلَّا اللَّه " , وَلَيْسَ لَهُمْ عَمَل وَلَا كِتَاب وَلَا نَبِيّ إلَّا قَوْل لَا إلَه إلَّا اللَّه . قَالَ : وَلَمْ يُؤْمِنُوا بِرَسُولِ اللَّه , فَمِنْ أَجْل ذَلِكَ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَقُولُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه : هَؤُلَاءِ الصَّابِئُونَ . يُشْبِهُونَهُمْ بِهِمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : هُمْ قَوْم يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَة , وَيُصَلُّونَ إلَى الْقِبْلَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 923 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنِي زِيَاد : أَنَّ الصَّابِئِينَ يُصَلُّونَ إلَى الْقِبْلَة وَيُصَلُّونَ الْخَمْس . قَالَ : فَأَرَادَ أَنْ يَضَع عَنْهُمْ الْجِزْيَة . قَالَ : فَخَبَر بَعْد أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَة . 924 - وَحَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { وَالصَّابِئِينَ } قَالَ : الصَّابِئُونَ قَوْم يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَة , وَيُصَلُّونَ إلَى الْقِبْلَة , وَيَقْرَءُونَ الزَّبُور . 925 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة قَالَ : الصَّابِئُونَ فِرْقَة مِنْ أَهْل الْكِتَاب يَقْرَءُونَ الزَّبُور . قَالَ أَبُو جَعْفَر الرَّازِيُّ : وَبَلَغَنِي أَيْضًا أَنَّ الصَّابِئِينَ قَوْم يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَة , وَيَقْرَءُونَ الزَّبُور , وَيُصَلُّونَ إلَى الْقِبْلَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُمْ طَائِفَة مِنْ أَهْل الْكِتَاب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 926 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ سُفْيَان , قَالَ : سُئِلَ السُّدِّيّ عَنْ الصَّابِئِينَ فَقَالَ : طَائِفَة مِنْ أَهْل الْكِتَاب .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر وَعَمَل صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرهمْ عِنْد رَبّهمْ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر } مَنْ صَدَّقَ وَأَقَرَّ بِالْبَعْثِ بَعْد الْمَمَات يَوْم الْقِيَامَة وَعَمَل صَالِحًا فَأَطَاعَ اللَّه , فَلَهُمْ أَجْرهمْ عِنْد رَبّهمْ , يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { فَلَهُمْ أَجْرهمْ عِنْد رَبّهمْ } فَلَهُمْ ثَوَاب عَمَلهمْ الصَّالِح عِنْد رَبّهمْ . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : فَأَيْنَ تَمَام قَوْله : { إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَاَلَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ } ؟ قِيلَ : تَمَامه جُمْلَة قَوْله : { مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر } لِأَنَّ مَعْنَاهُ : مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر فَتَرَكَ ذِكْر مِنْهُمْ لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ اسْتِغْنَاء بِمَا ذَكَرَ عَمَّا تَرَكَ ذِكْره . فَإِنْ قَالَ : وَمَا مَعْنَى هَذَا الْكَلَام ؟ قِيلَ : إنَّ مَعْنَاهُ : إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَاَلَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر فَلَهُمْ أَجْرهمْ عِنْد رَبّهمْ . فَإِنْ قَالَ : وَكَيْفَ يُؤْمِن الْمُؤْمِن ؟ قِيلَ : لَيْسَ الْمَعْنَى فِي الْمُؤْمِن الْمَعْنَى الَّذِي ظَنَنْته مِنْ انْتِقَال مِنْ دِين إلَى دِين كَانْتِقَالِ الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ إلَى الْإِيمَان , وَإِنْ كَانَ قَدْ قِيلَ إنَّ الَّذِينَ عَنَوْا بِذَلِكَ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْل الْكِتَاب عَلَى إيمَانه بِعِيسَى , وَبِمَا جَاءَ بِهِ , حَتَّى أَدْرَكَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ , فَقِيلَ لِأُولَئِكَ الَّذِينَ كَانُوا مُؤْمِنِينَ بِعِيسَى وَبِمَا جَاءَ بِهِ إذْ أَدْرَكُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : آمَنُوا بِمُحَمَّدٍ وَبِمَا جَاءَ بِهِ , وَلَكِنْ مَعْنَى إيمَان الْمُؤْمِن فِي هَذَا الْمَوْضِع ثَبَاته عَلَى إيمَانه وَتَرْكه تَبْدِيله . وَأَمَّا إيمَان الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ , فَالتَّصْدِيق بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَبِمَا جَاءَ بِهِ , فَمَنْ يُؤْمِن مِنْهُمْ بِمُحَمَّدٍ , وَبِمَا جَاءَ بِهِ وَالْيَوْم الْآخِر , وَيَعْمَل صَالِحًا , فَلَمْ يُبَدِّل وَلَمْ يُغَيِّر , حَتَّى تُوُفِّيَ عَلَى ذَلِكَ , فَلَهُ ثَوَاب عَمَله وَأَجْره عِنْد رَبّه , كَمَا وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ قَالَ : فَلَهُمْ أَجْرهمْ عِنْد رَبّهمْ , وَإِنَّمَا لَفْظه مِنْ لَفْظ وَاحِد , وَالْفِعْل مَعَهُ مُوَحَّد ؟ قِيلَ : " مَنْ " وَإِنْ كَانَ الَّذِي يَلِيه مِنْ الْفِعْل مُوَحَّدًا , فَإِنَّ مَعْنَى الْوَاحِد وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْع وَالتَّذْكِير وَالتَّأْنِيث , لِأَنَّهُ فِي كُلّ هَذِهِ الْأَحْوَال عَلَى هَيْئَة وَاحِدَة وَصُورَة وَاحِدَة لَا يَتَغَيَّر , فَالْعَرَب تُوَحِّد مَعَهُ الْفِعْل وَإِنْ كَانَ فِي مَعْنَى جَمْع لِلَفْظِهِ , وَتَجْمَع أُخْرَى مَعَهُ الْفِعْل لِمَعْنَاهُ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إلَيْك أَفَأَنْت تُسْمِع الصُّمّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُر إلَيْك أَفَأَنْت تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ } 10 42 : 43 فَجَمَعَ مُرَّة مَعَ مَنْ الْفِعْل لِمَعْنَاهُ , وَوَحَّدَ أُخْرَى مَعَهُ الْفِعْل ; لِأَنَّهُ فِي لَفْظ الْوَاحِد , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : أَلِمَّا بِسَلْمَى عَنْكُمَا إنْ عَرَضْتُمَا وَقُولَا لَهَا عُوجِي عَلَى مَنْ تَخَلَّفُوا فَقَالَ : تَخَلَّفُوا , وَجَعَلَ " مَنْ " بِمَنْزِلَةِ الَّذِينَ . وَقَالَ الْفَرَزْدَق : تَعَالَ فَإِنْ عَاهَدْتنِي لَا تَخُوننِي نَكُنْ مِثْل مَنْ يَا ذِئْب يَصْطَحِبَانِ فَثَنَّى يَصْطَحِبَانِ لِمَعْنَى " مَنْ " . فَكَذَلِكَ قَوْله : { مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر فَلَهُمْ أَجْرهمْ عِنْد رَبّهمْ } وَحَّدَ آمَنَ وَعَمَل صَالِحًا لِلَّفْظِ مِنْ , وَجَمَعَ ذِكْرهمْ فِي قَوْله : { فَلَهُمْ أَجْرهمْ } لِمَعْنَاهُ , لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى جَمْع . وَأَمَّا قَوْله : { وَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ جَلَّ ذِكْره : وَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ فِيمَا قَدِمُوا عَلَيْهِ مِنْ أَهْوَال الْقِيَامَة , وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ عَلَى مَا خَلَّفُوا وَرَاءَهُمْ مِنْ الدُّنْيَا وَعَيْشهَا عِنْد مُعَايَنَتهمْ مَا أَعَدَّ اللَّه لَهُمْ مِنْ الثَّوَاب وَالنَّعِيم الْمُقِيم عِنْده . ذِكْر مَنْ قَالَ عَنَى بِقَوْلِهِ : { مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ } مُؤْمِنُو أَهْل الْكِتَاب الَّذِينَ أَدْرَكُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : 927 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط بْن نَصْر , عَنْ السُّدِّيّ : { إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَاَلَّذِينَ هَادُوا } الْآيَة , قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي أَصْحَاب سَلْمَان الْفَارِسِيّ , وَكَانَ سَلْمَان مِنْ جندسابور , وَكَانَ مِنْ أَشْرَافهمْ , وَكَانَ ابْن الْمَلِك صَدِيقًا لَهُ مُوَاخِيًا , لَا يَقْضِي وَاحِد مِنْهُمْ أَمْرًا دُون صَاحِبه , وَكَانَا يَرْكَبَانِ إلَى الصَّيْد جَمِيعًا . فَبَيْنَمَا هُمَا فِي الصَّيْد إذْ رَفَعَ لَهُمَا بَيْت مِنْ عَبَاء , فَأَتَيَاهُ فَإِذَا هُمَا فِيهِ بِرَجُلٍ بَيْن يَدَيْهِ مُصْحَف يَقْرَأ فِيهِ وَهُوَ يَبْكِي , فَسَأَلَاهُ مَا هَذَا , فَقَالَ : الَّذِي يُرِيد أَنْ يَعْلَم هَذَا لَا يَقِف مَوْقِفكُمَا , فَإِنْ كُنْتُمَا تُرِيدَانِ أَنْ تَعْلَمَا مَا فِيهِ فَانْزِلَا حَتَّى أَعِلْمكُمَا , فَنَزَلَا إلَيْهِ , فَقَالَ لَهُمَا : هَذَا كِتَاب جَاءَ مِنْ عِنْد اللَّه , أَمَرَ فِيهِ بِطَاعَتِهِ , وَنَهَى عَنْ مَعْصِيَته , فِيهِ : أَنْ لَا تَزْنِيَ , وَلَا تَسْرِق , وَلَا تَأْخُذ أَمْوَال النَّاس بِالْبَاطِلِ . فَقَصَّ عَلَيْهِمَا مَا فِيهِ , وَهُوَ الْإِنْجِيل الَّذِي أَنَزَلَهُ اللَّه عَلَى عِيسَى . فَوَقَعَ فِي قُلُوبهمَا وَتَابَعَاهُ فَأَسْلَمَا , وَقَالَ لَهُمَا : إنَّ ذَبِيحَة قَوْمكُمَا عَلَيْكُمَا حَرَام , فَلَمْ يَزَالَا مَعَهُ كَذَلِكَ يَتَعَلَّمَانِ مِنْهُ , حَتَّى كَانَ عِيد لِلْمَلِكِ , فَجَعَلَ طَعَامًا , ثُمَّ جَمَعَ النَّاس وَالْأَشْرَاف , وَأَرْسَلَ إلَى ابْن الْمَلِك فَدَعَاهُ إلَى صَنِيعه لِيَأْكُل مَعَ النَّاس , فَأَبَى الْفَتَى وَقَالَ : إنِّي عَنْك مَشْغُول , فَكُلْ أَنْتَ وَأَصْحَابك , فَلَمَّا أَكْثَر عَلَيْهِ مِنْ الرُّسُل , أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَا يَأْكُل مِنْ طَعَامهمْ , فَبَعَثَ الْمَلِك إلَى ابْنه , فَدَعَاهُ وَقَالَ : مَا أَمَرَك هَذَا ؟ قَالَ : إنَّا لَا نَأْكُل مِنْ ذَبَائِحكُمْ , إنَّكُمْ كُفَّار لَيْسَ تَحِلّ ذَبَائِحكُمْ , فَقَالَ لَهُ الْمَلِك : مَنْ أَمَرَك بِهَذَا ؟ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ الرَّاهِب أَمَرَهُ بِذَلِكَ , فَدَعَا الرَّاهِب فَقَالَ : مَاذَا يَقُول ابْنِي ؟ قَالَ : صَدْق ابْنك , قَالَ لَهُ : لَوْلَا أَنَّ الدَّم فِينَا عَظِيم لَقَتَلَتْك , وَلَكِنْ اُخْرُجْ مِنْ أَرْضنَا ! فَأَجَّلَهُ أَجَلًا . فَقَالَ سَلْمَان : فَقُمْنَا نَبْكِي عَلَيْهِ , فَقَالَ لَهُمَا : إنْ كُنْتُمَا صَادِقِينَ , فَإِنَّا فِي بَيْعَة بِالْمَوْصِلِ مَعَ سِتِّينَ رَجُلًا نَعْبُد اللَّه فِيهَا , فَأْتُونَا فِيهَا . فَخَرَجَ الرَّاهِب , وَبَقِيَ سَلْمَان وَابْن الْمَلِك ; فَجَعَلَ يَقُول لَابْن الْمَلِك : انْطَلَقَ بِنَا , وَابْن الْمَلِك يَقُول : نَعَمْ , وَجَعَلَ ابْن الْمَلِك يَبِيع مَتَاعه يُرِيد الْجَهَاز . فَلَمَّا أَبْطَأَ عَلَى سَلْمَان , خَرَجَ سَلْمَان حَتَّى أَتَاهُمْ , فَنَزَلَ عَلَى صَاحِبه وَهُوَ رَبّ الْبَيْعَة , وَكَانَ أَهْل تِلْكَ الْبَيْعَة مِنْ أَفَضْل الرُّهْبَان , فَكَانَ سَلْمَان : مَعَهُمْ يَجْتَهِد فِي الْعِبَادَة , وَيُتْعِب نَفْسه , فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ : إنَّك غُلَام حَدَث تَتَكَلَّف مِنْ الْعِبَادَة مَا لَا تُطِيق , وَأَنَا خَائِف أَنَّ تَفْتُر وَتَعْجِز , فَارْفُقْ بِنَفْسِك وَخَفِّفْ عَلَيْهَا ! فَقَالَ لَهُ سَلْمَان : أَرَأَيْت الَّذِي تَأْمُرنِي بِهِ أَهُوَ أَفَضْل , أَوْ الَّذِي أَصْنَع ؟ قَالَ : بَلْ الَّذِي تَصْنَع ؟ قَالَ : فَخَلّ عَنِّي . ثُمَّ إنَّ صَاحِب الْبَيْعَة دَعَاهُ فَقَالَ : أَتَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْبَيْعَة لِي , وَأَنَا أَحَقّ النَّاس بِهَا , وَلَوْ شِئْت أَنْ أُخْرِج هَؤُلَاءِ مِنْهَا لَفَعَلْت ؟ وَلَكِنِّي رَجُل أَضْعَف عَنْ عِبَادَة هَؤُلَاءِ , وَأَنَا أُرِيد أَنْ أَتَحُولُ مِنْ هَذِهِ الْبَيْعَة إلَى بَيْعَة أُخْرَى هُمْ أَهْوَن عِبَادَة مِنْ هَؤُلَاءِ , فَإِنْ شِئْت أَنْ تُقِيم هَهُنَا فَأَقِمْ , وَإِنْ شِئْت أَنْ تَنْطَلِق مَعِي فَانْطَلِقْ . قَالَ لَهُ سَلْمَان : أَيْ الْبَيْعَتَيْنِ أَفَضْل أَهْلًا ؟ قَالَ : هَذِهِ . قَالَ سَلْمَان : فَأَنَا أَكُون فِي هَذِهِ . فَأَقَامَ سَلْمَان بِهَا وَأَوْصَى صَاحِب الْبَيْعَة عَالِم الْبَيْعَة بِسَلْمَان , فَكَانَ سَلْمَان يَتَعَبَّد مَعَهُمْ . ثُمَّ إنَّ الشَّيْخ الْعَالِم أَرَادَ أَنْ يَأْتِي بَيْت الْمَقْدِس , فَقَالَ لِسَلْمَان : إنْ أَرَدْت أَنْ تَنْطَلِق مَعِي فَانْطَلِقْ , وَإِنْ شِئْت أَنْ تُقِيم فَأَقِمْ . فَقَالَ لَهُ سَلْمَان : أَيّهمَا أَفَضْل أَنَطْلِقُ مَعَك أَمْ أُقِيم ؟ قَالَ : لَا بَلْ تَنْطَلِق مَعِي . فَانْطَلَقَ مَعَهُ فَمَرُّوا بِمَقْعَدٍ عَلَى ظَهْر الطَّرِيق مُلْقَى , فَلَمَّا رَآهُمَا نَادَى : يَا سَيِّد الرُّهْبَان ارْحَمْنِي يَرْحَمك اللَّه , فَلَمْ يُكَلِّمهُ , وَلَمْ يَنْظُر إلَيْهِ , وَانْطَلَقَا حَتَّى أَتَيَا بَيْت الْمَقْدِس , فَقَالَ الشَّيْخ لِسَلْمَان : اُخْرُجْ فَاطْلُبْ الْعِلْم فَإِنَّهُ يَحْضُر هَذَا الْمَسْجِد عُلَمَاء أَهْل الْأَرْض . فَخَرَجَ سَلْمَان يَسْمَع مِنْهُمْ , فَرَجَعَ يَوْمًا حَزِينًا , فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ : مَا لَك يَا سَلْمَان ؟ قَالَ : أَرَى الْخَيْر كُلّه قَدْ ذَهَبَ بِهِ مَنْ كَانَ قَبْلنَا مِنْ الْأَنْبِيَاء وَأَتْبَاعهمْ , فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ : يَا سَلْمَان لَا تَحْزَن , فَإِنَّهُ قَدْ بَقِيَ نَبِيّ لَيْسَ مِنْ نَبِيّ بِأَفْضَل تَبَعًا مِنْهُ وَهَذَا زَمَانه الَّذِي يَخْرَج فِيهِ , وَلَا أَرَانِي أُدْرِكهُ , وَأَمَّا أَنْتَ فَشَابّ لَعَلَّك أَنْ تُدْرِكهُ , وَهُوَ يَخْرُج فِي أَرْض الْعَرَب , فَإِنْ أَدْرَكْته فَآمِنْ بِهِ وَاتَّبِعْهُ ! فَقَالَ لَهُ سَلْمَان : فَأَخْبِرْنِي عَنْ عَلَامَته بِشَيْءٍ . قَالَ : نَعَمْ , هُوَ مَخْتُومٌ فِي ظَهْره بِخَاتَمِ النُّبُوَّة , وَهُوَ يَأْكُل الْهَدِيَّة وَلَا يَأْكُل الصَّدَقَة . ثُمَّ رَجَعَا حَتَّى بَلَغَا مَكَان الْمَقْعَد , فَنَادَاهُمَا فَقَالَ : يَا سَيِّد الرُّهْبَان ارْحَمْنِي يَرْحَمك اللَّه , فَعَطَفَ إلَيْهِ حِمَاره , فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَرَفَعَهُ , فَضَرَبَ بِهِ الْأَرْض وَدَعَا لَهُ , وَقَالَ : قُمْ بِإِذْنِ اللَّه , فَقَامَ صَحِيحًا يَشْتَدّ , فَجَعَلَ سَلْمَان يَتَعَجَّب وَهُوَ يَنْظُر إلَيْهِ يَشْتَدّ . وَسَارَ الرَّاهِب فَتَغَيَّبَ عَنْ سَلْمَان وَلَا يَعْلَم سَلْمَان . ثُمَّ إنَّ سَلْمَان فَزِعَ فَطَلَبَ الرَّاهِب , فَلَقِيَهُ رَجُلَانِ مِنْ الْعَرَب مِنْ كَلْب فَسَأَلَهُمَا : هَلْ رَأَيْتُمَا الرَّاهِب ؟ فَأَنَاخَ أَحَدهمَا رَاحِلَته , قَالَ : نَعَمْ رَاعِي الصِّرْمَة هَذَا , فَحَمَلَهُ فَانْطَلَقَ بِهِ إلَى الْمَدِينَة . قَالَ سَلْمَان : فَأَصَابَنِي مِنْ الْحُزْن شَيْء لَمْ يُصِبْنِي مِثْله قَطّ . فَاشْتَرَتْهُ امْرَأَة مِنْ جُهَيْنَة فَكَانَ يَرْعَى عَلَيْهَا هُوَ وَغُلَام لَهَا يَتَرَاوَحَانِ الْغَنَم هَذَا يَوْمًا وَهَذَا يَوْمًا , فَكَانَ سَلْمَان يَجْمَع الدَّرَاهِم يَنْتَظِر خُرُوج مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَبَيْنَا هُوَ يَوْمًا يَرْعَى , إذْ أَتَاهُ صَاحِبه الَّذِي يَعْقُبهُ , فَقَالَ : أَشَعَرْت أَنَّهُ قَدْ قَدِمَ الْيَوْم الْمَدِينَة رَجُل يَزْعُم أَنَّهُ نَبِيّ ؟ فَقَالَ لَهُ سَلْمَان : أَقِمْ فِي الْغَنَم حَتَّى آتِيك لَهُ . فَهَبَطَ سَلْمَان إلَى الْمَدِينَة , فَنَظَرَ إلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَار حَوْله . فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَفَ مَا يُرِيد , فَأَرْسَلَ ثَوْبه . حَتَّى خَرَجَ خَاتَمه , فَلَمَّا رَآهُ أَتَاهُ وَكَلَّمَهُ , ثُمَّ انْطَلَقَ , فَاشْتَرَى بِدِينَارٍ بِبَعْضِهِ شَاة وَبِبَعْضِهِ خُبْزًا , ثُمَّ أَتَاهُ بِهِ , فَقَالَ : " مَا هَذَا " ؟ قَالَ سَلْمَان : هَذِهِ صَدَقَة قَالَ : " لَا حَاجَة لِي بِهَا فَأَخْرَجَهَا فَيَأْكُلهَا الْمُسْلِمُونَ " . ثُمَّ انْطَلَقَ فَاشْتَرَى بِدِينَارٍ آخَر خُبْزًا وَلَحْمًا , فَأَتَى بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : " مَا هَذَا " ؟ قَالَ : هَذِهِ هَدِيَّة , قَالَ : " فَاقْعُدْ " , فَقَعَدَ فَأَكَلَا جَمِيعًا مِنْهَا . فَبَيْنَا هُوَ يُحَدِّثهُ إذْ ذَكَرَ أَصْحَابه , فَأَخْبَرَهُ خَبَرهمْ , فَقَالَ : كَانُوا يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيُؤْمِنُونَ بِك , وَيَشْهَدُونَ أَنَّك سَتُبْعَثُ نَبِيًّا ; فَلَمَّا فَرَغَ سَلْمَان مِنْ ثَنَائِهِ عَلَيْهِمْ قَالَ لَهُ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا سَلْمَان هُمْ مِنْ أَهْل النَّار " . فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى سَلْمَان , وَقَدْ كَانَ قَالَ لَهُ سَلْمَان : لَوْ أَدْرَكُوك صَدَّقُوك وَاتَّبَعُوك , فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة : { إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَاَلَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر } . فَكَانَ إيمَان الْيَهُود أَنَّهُ مَنْ تَمَسّك بِالتَّوْرَاةِ وَسُنَّة مُوسَى حَتَّى جَاءَ عِيسَى , فَلَمَّا جَاءَ عِيسَى كَانَ مَنْ تَمَسَّكَ بِالتَّوْرَاةِ وَأَخَذَ بِسُنَّةِ مُوسَى فَلَمْ يَدَعهَا وَلَمْ يَتْبَع عِيسَى كَانَ هَالِكًا . وَإِيمَان النَّصَارَى أَنَّهُ مَنْ تَمَسَّكَ بِالْإِنْجِيلِ مِنْهُمْ وَشَرَائِع عِيسَى كَانَ مُؤْمِنًا مَقْبُولًا مِنْهُ , حَتَّى جَاءَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَمَنْ لَمْ يَتْبَع مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ وَيَدَع مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ سُنَّة عِيسَى وَالْإِنْجِيل كَانَ هَالِكًا . 928 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنِي الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد قَوْله : { إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَاَلَّذِينَ هَادُوا } الْآيَة . قَالَ سَلْمَان الْفَارِسِيّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أُولَئِكَ النَّصَارَى وَمَا رَأَى مِنْ أَعْمَالهمْ , قَالَ : لَمْ يَمُوتُوا عَلَى الْإِسْلَام . قَالَ سَلْمَان : فَأَظْلَمَتْ عَلَيَّ الْأَرْض . وَذَكَر اجْتِهَادهمْ , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة , فَدَعَا سَلْمَان فَقَالَ : " نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي أَصْحَابك " . ثُمَّ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ مَاتَ عَلَى دِين عِيسَى وَمَاتَ عَلَى الْإِسْلَام قَبْل أَنْ يَسْمَع بِي فَهُوَ عَلَى خَيْر وَمَنْ سَمِعَ بِي الْيَوْم وَلَمْ يُؤْمِن بِي فَقَدْ هَلَكَ " . وَقَالَ ابْن عَبَّاس بِمَا : 929 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَاَلَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ } إلَى قَوْله : { وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } . فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى بَعْد هَذَا : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْر الْإِسْلَام دِينًا فَلَنْ يُقْبَل مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَة مِنْ الْخَاسِرِينَ } . 3 85 وَهَذَا الْخَبَر يَدُلّ عَلَى أَنَّ ابْن عَبَّاس كَانَ يَرَى أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ كَانَ قَدْ وَعَدَ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ عَلَى عَمَله فِي الْآخِرَة الْجَنَّة , ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْر الْإِسْلَام دِينًا فَلَنْ يُقْبَل مِنْهُ } . 3 85 فَتَأْوِيل الْآيَة إذًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْ مُجَاهِد وَالسُّدِّيّ : إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة , وَاَلَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر , { فَلَهُمْ أَجْرهمْ عِنْد رَبّهمْ وَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } . وَاَلَّذِي قُلْنَا مِنْ التَّأْوِيل الْأَوَّل أَشَبَه بِظَاهِرِ التَّنْزِيل , لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يُخَصِّص بِالْأَجْرِ عَلَى الْعَمَل الصَّالِح مَعَ الْإِيمَان بَعْض خَلْقه دُون بَعْض مِنْهُمْ , وَالْخَبَر بِقَوْلِهِ : { مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر } عَنْ جَمِيع مَا ذَكَرَ فِي أَوَّل الْآيَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالنَّصَارَى } . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالنَّصَارَى جَمْع , وَاحِدهمْ نَصْرَان , كَمَا وَاحِد سُكَارَى سَكْرَان , وَوَاحِد النَّشَاوَى نَشْوَان . وَكَذَلِكَ جَمْع كُلّ نَعْت كَانَ وَاحِده عَلَى فِعْلَان , فَإِنَّ جَمَعَهُ عَلَى فَعَالَى ; إلَّا أَنَّ الْمُسْتَفِيض مِنْ كَلَام الْعَرَب فِي وَاحِد النَّصَارَى نَصْرَانِيّ . وَقَدْ حُكِيَ عَنْهُمْ سَمَاعًا " نَصْرَان " بِطَرْحِ الْيَاء , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : تَرَاهُ إذَا زَارَ الْعَشِيّ مُحَنِّفًا وَيُضْحِي لَدَيْهِ وَهُوَ نَصْرَان شَامِس وَسُمِعَ مِنْهُمْ فِي الْأُنْثَى نَصْرَانَة , قَالَ الشَّاعِر : فَكِلْتَاهُمَا خَرَّتْ وَأَسْجَد رَأَسَهَا كَمَا سَجَدَتْ نَصْرَانَة لَمْ تَحَنَّف يُقَال : أَسْجُد : إذَا مَال . وَقَدْ سُمِعَ فِي جَمْعهمْ أَنْصَار بِمَعْنَى النَّصَارَى , قَالَ الشَّاعِر : لَمَا رَأَيْت نَبَطًا أَنْصَارَا شَمَّرْت عَنْ رُكْبَتَيْ الْإِزَارَا كُنْت لَهُمْ مِنْ النَّصَارَى جَارَا وهذه الأبيات الَّتِي ذَكَرْتهَا تَدُلّ عَلَى أَنَّهُمْ سُمُّوا نَصَارَى لِنُصْرَةِ بَعْضهمْ بَعْضًا وَتَنَاصُرهمْ بَيْنهمْ . وَقَدْ قِيلَ إنَّهُمْ سُمُّوا نَصَارَى مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ نَزَلُوا أَرْضًا يُقَال لَهَا " نَاصِرَة " . 915 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ : النَّصَارَى إنَّمَا سُمُّوا نَصَارَى مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ نَزَلُوا أَرْضًا يُقَال لَهَا نَاصِرَة . وَيَقُول آخَرُونَ : لِقَوْلِهِ : { مَنْ أَنْصَارِي إلَى اللَّه } . 61 14 وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ ابْن عَبَّاس مِنْ طَرِيق غَيْر مُرْتَضَى أَنَّهُ كَانَ يَقُول : إنَّمَا سُمِّيَتْ النَّصَارَى نَصَارَى , لِأَنَّ قَرْيَة عِيسَى ابْن مَرْيَم كَانَتْ تُسَمَّى نَاصِرَة , وَكَانَ أَصْحَابه يُسَمَّوْنَ النَّاصِرِيِّينَ , وَكَانَ يُقَال لِعِيسَى : النَّاصِرِيّ . 916 - حُدِّثْت بِذَلِكَ عَنْ هِشَام بْن مُحَمَّد , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ ابْن عَبَّاس . 917 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَالَ : إنَّمَا سُمُّوا نَصَارَى لِأَنَّهُمْ كَانُوا بَقَرِيَّة يُقَال لَهَا نَاصِرَة يَنْزِلهَا عِيسَى ابْن مَرْيَم , فَهُوَ اسْم تَسَمَّوْا بِهِ وَلَمْ يُؤْمَرُوا بِهِ . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { الَّذِينَ قَالُوا إنَّا نَصَارَى } قَالَ : تَسَمَّوْا بَقَرِيَّة يُقَال لَهَا نَاصِرَة , كَانَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَم يَنْزِلهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَالصَّابِئِينَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّابِئُونَ جَمْع صَابِئ , وَهُوَ الْمُسْتَحْدِث سِوَى دِينه دِينًا , كَالْمُرْتَدِّ مِنْ أَهْل الْإِسْلَام عَنْ دِينه . وَكُلّ خَارِج مِنْ دِين كَانَ عَلَيْهِ إلَى آخَر غَيْره تُسَمِّيه الْعَرَب صَابِئًا , يُقَال مِنْهُ : صَبَأَ فُلَان يَصْبَأ صَبْأً , وَيُقَال : صَبَأَتْ النُّجُوم : إذَا طَلَعَتْ , وَصَبَأَ عَلَيْنَا فُلَان مَوْضِع كَذَا وَكَذَا , يَعْنِي بِهِ طَلَعَ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيمَنْ يَلْزَمهُ هَذَا الِاسْم مِنْ أَهْل الْمِلَل . فَقَالَ بَعْضهمْ : يَلْزَم ذَلِكَ كُلّ مَنْ خَرَجَ مِنْ دِين إلَى غَيْر دِين . وَقَالُوا : الَّذِينَ عَنَى اللَّه بِهَذَا الِاسْم قَوْم لَا دِين لَهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 918 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق جَمِيعًا , عَنْ سُفْيَان , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : { الصَّابِئُونَ } لَيْسُوا بِيَهُودَ وَلَا نَصَارَى وَلَا دِين لَهُمْ . * - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْحَجَّاج بْن أَرَطْأَة , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بزة , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 919 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حِكَام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ الْحَجَّاج , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الصَّابِئُونَ بَيْن الْمَجُوس وَالْيَهُود لَا تُؤْكَل ذَبَائِحهمْ وَلَا تُنْكَح نِسَاؤُهُمْ . 920 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حِكَام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ حَجَّاج , عَنْ قَتَادَةَ , عَنْ الْحَسَن مِثْل ذَلِكَ . 921 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح : الصَّابِئِينَ بَيْن الْيَهُود وَالْمَجُوس لَا دِين لَهُمْ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم ; قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ مُجَاهِد : الصَّابِئِينَ بَيْن الْمَجُوس وَالْيَهُود , لَا دِين لَهُمْ . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : قُلْت لِعَطَاءٍ : " الصَّابِئِينَ " زَعَمُوا أَنَّهَا قَبِيلَة مِنْ نَحْو السَّوَاد لَيْسُوا بِمَجُوسٍ وَلَا يَهُود وَلَا نَصَارَى . قَالَ : قَدْ سَمِعْنَا ذَلِكَ , وَقَدْ قَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلنَّبِيِّ : قَدْ صَبَأَ . 922 - وَحَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { الصَّابِئُونَ } قَالَ : الصَّابِئُونَ : دِين مِنْ الْأَدْيَان , كَانُوا بِجَزِيرَةِ الْمُوصِل يَقُولُونَ : " لَا إلَه إلَّا اللَّه " , وَلَيْسَ لَهُمْ عَمَل وَلَا كِتَاب وَلَا نَبِيّ إلَّا قَوْل لَا إلَه إلَّا اللَّه . قَالَ : وَلَمْ يُؤْمِنُوا بِرَسُولِ اللَّه , فَمِنْ أَجْل ذَلِكَ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَقُولُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه : هَؤُلَاءِ الصَّابِئُونَ . يُشْبِهُونَهُمْ بِهِمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : هُمْ قَوْم يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَة , وَيُصَلُّونَ إلَى الْقِبْلَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 923 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنِي زِيَاد : أَنَّ الصَّابِئِينَ يُصَلُّونَ إلَى الْقِبْلَة وَيُصَلُّونَ الْخَمْس . قَالَ : فَأَرَادَ أَنْ يَضَع عَنْهُمْ الْجِزْيَة . قَالَ : فَخَبَر بَعْد أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَة . 924 - وَحَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { وَالصَّابِئِينَ } قَالَ : الصَّابِئُونَ قَوْم يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَة , وَيُصَلُّونَ إلَى الْقِبْلَة , وَيَقْرَءُونَ الزَّبُور . 925 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة قَالَ : الصَّابِئُونَ فِرْقَة مِنْ أَهْل الْكِتَاب يَقْرَءُونَ الزَّبُور . قَالَ أَبُو جَعْفَر الرَّازِيُّ : وَبَلَغَنِي أَيْضًا أَنَّ الصَّابِئِينَ قَوْم يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَة , وَيَقْرَءُونَ الزَّبُور , وَيُصَلُّونَ إلَى الْقِبْلَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُمْ طَائِفَة مِنْ أَهْل الْكِتَاب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 926 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ سُفْيَان , قَالَ : سُئِلَ السُّدِّيّ عَنْ الصَّابِئِينَ فَقَالَ : طَائِفَة مِنْ أَهْل الْكِتَاب .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر وَعَمَل صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرهمْ عِنْد رَبّهمْ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر } مَنْ صَدَّقَ وَأَقَرَّ بِالْبَعْثِ بَعْد الْمَمَات يَوْم الْقِيَامَة وَعَمَل صَالِحًا فَأَطَاعَ اللَّه , فَلَهُمْ أَجْرهمْ عِنْد رَبّهمْ , يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { فَلَهُمْ أَجْرهمْ عِنْد رَبّهمْ } فَلَهُمْ ثَوَاب عَمَلهمْ الصَّالِح عِنْد رَبّهمْ . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : فَأَيْنَ تَمَام قَوْله : { إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَاَلَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ } ؟ قِيلَ : تَمَامه جُمْلَة قَوْله : { مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر } لِأَنَّ مَعْنَاهُ : مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر فَتَرَكَ ذِكْر مِنْهُمْ لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ اسْتِغْنَاء بِمَا ذَكَرَ عَمَّا تَرَكَ ذِكْره . فَإِنْ قَالَ : وَمَا مَعْنَى هَذَا الْكَلَام ؟ قِيلَ : إنَّ مَعْنَاهُ : إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَاَلَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر فَلَهُمْ أَجْرهمْ عِنْد رَبّهمْ . فَإِنْ قَالَ : وَكَيْفَ يُؤْمِن الْمُؤْمِن ؟ قِيلَ : لَيْسَ الْمَعْنَى فِي الْمُؤْمِن الْمَعْنَى الَّذِي ظَنَنْته مِنْ انْتِقَال مِنْ دِين إلَى دِين كَانْتِقَالِ الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ إلَى الْإِيمَان , وَإِنْ كَانَ قَدْ قِيلَ إنَّ الَّذِينَ عَنَوْا بِذَلِكَ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْل الْكِتَاب عَلَى إيمَانه بِعِيسَى , وَبِمَا جَاءَ بِهِ , حَتَّى أَدْرَكَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ , فَقِيلَ لِأُولَئِكَ الَّذِينَ كَانُوا مُؤْمِنِينَ بِعِيسَى وَبِمَا جَاءَ بِهِ إذْ أَدْرَكُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : آمَنُوا بِمُحَمَّدٍ وَبِمَا جَاءَ بِهِ , وَلَكِنْ مَعْنَى إيمَان الْمُؤْمِن فِي هَذَا الْمَوْضِع ثَبَاته عَلَى إيمَانه وَتَرْكه تَبْدِيله . وَأَمَّا إيمَان الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ , فَالتَّصْدِيق بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَبِمَا جَاءَ بِهِ , فَمَنْ يُؤْمِن مِنْهُمْ بِمُحَمَّدٍ , وَبِمَا جَاءَ بِهِ وَالْيَوْم الْآخِر , وَيَعْمَل صَالِحًا , فَلَمْ يُبَدِّل وَلَمْ يُغَيِّر , حَتَّى تُوُفِّيَ عَلَى ذَلِكَ , فَلَهُ ثَوَاب عَمَله وَأَجْره عِنْد رَبّه , كَمَا وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ قَالَ : فَلَهُمْ أَجْرهمْ عِنْد رَبّهمْ , وَإِنَّمَا لَفْظه مِنْ لَفْظ وَاحِد , وَالْفِعْل مَعَهُ مُوَحَّد ؟ قِيلَ : " مَنْ " وَإِنْ كَانَ الَّذِي يَلِيه مِنْ الْفِعْل مُوَحَّدًا , فَإِنَّ مَعْنَى الْوَاحِد وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْع وَالتَّذْكِير وَالتَّأْنِيث , لِأَنَّهُ فِي كُلّ هَذِهِ الْأَحْوَال عَلَى هَيْئَة وَاحِدَة وَصُورَة وَاحِدَة لَا يَتَغَيَّر , فَالْعَرَب تُوَحِّد مَعَهُ الْفِعْل وَإِنْ كَانَ فِي مَعْنَى جَمْع لِلَفْظِهِ , وَتَجْمَع أُخْرَى مَعَهُ الْفِعْل لِمَعْنَاهُ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إلَيْك أَفَأَنْت تُسْمِع الصُّمّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُر إلَيْك أَفَأَنْت تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ } 10 42 : 43 فَجَمَعَ مُرَّة مَعَ مَنْ الْفِعْل لِمَعْنَاهُ , وَوَحَّدَ أُخْرَى مَعَهُ الْفِعْل ; لِأَنَّهُ فِي لَفْظ الْوَاحِد , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : أَلِمَّا بِسَلْمَى عَنْكُمَا إنْ عَرَضْتُمَا وَقُولَا لَهَا عُوجِي عَلَى مَنْ تَخَلَّفُوا فَقَالَ : تَخَلَّفُوا , وَجَعَلَ " مَنْ " بِمَنْزِلَةِ الَّذِينَ . وَقَالَ الْفَرَزْدَق : تَعَالَ فَإِنْ عَاهَدْتنِي لَا تَخُوننِي نَكُنْ مِثْل مَنْ يَا ذِئْب يَصْطَحِبَانِ فَثَنَّى يَصْطَحِبَانِ لِمَعْنَى " مَنْ " . فَكَذَلِكَ قَوْله : { مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر فَلَهُمْ أَجْرهمْ عِنْد رَبّهمْ } وَحَّدَ آمَنَ وَعَمَل صَالِحًا لِلَّفْظِ مِنْ , وَجَمَعَ ذِكْرهمْ فِي قَوْله : { فَلَهُمْ أَجْرهمْ } لِمَعْنَاهُ , لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى جَمْع . وَأَمَّا قَوْله : { وَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ جَلَّ ذِكْره : وَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ فِيمَا قَدِمُوا عَلَيْهِ مِنْ أَهْوَال الْقِيَامَة , وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ عَلَى مَا خَلَّفُوا وَرَاءَهُمْ مِنْ الدُّنْيَا وَعَيْشهَا عِنْد مُعَايَنَتهمْ مَا أَعَدَّ اللَّه لَهُمْ مِنْ الثَّوَاب وَالنَّعِيم الْمُقِيم عِنْده . ذِكْر مَنْ قَالَ عَنَى بِقَوْلِهِ : { مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ } مُؤْمِنُو أَهْل الْكِتَاب الَّذِينَ أَدْرَكُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : 927 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط بْن نَصْر , عَنْ السُّدِّيّ : { إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَاَلَّذِينَ هَادُوا } الْآيَة , قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي أَصْحَاب سَلْمَان الْفَارِسِيّ , وَكَانَ سَلْمَان مِنْ جندسابور , وَكَانَ مِنْ أَشْرَافهمْ , وَكَانَ ابْن الْمَلِك صَدِيقًا لَهُ مُوَاخِيًا , لَا يَقْضِي وَاحِد مِنْهُمْ أَمْرًا دُون صَاحِبه , وَكَانَا يَرْكَبَانِ إلَى الصَّيْد جَمِيعًا . فَبَيْنَمَا هُمَا فِي الصَّيْد إذْ رَفَعَ لَهُمَا بَيْت مِنْ عَبَاء , فَأَتَيَاهُ فَإِذَا هُمَا فِيهِ بِرَجُلٍ بَيْن يَدَيْهِ مُصْحَف يَقْرَأ فِيهِ وَهُوَ يَبْكِي , فَسَأَلَاهُ مَا هَذَا , فَقَالَ : الَّذِي يُرِيد أَنْ يَعْلَم هَذَا لَا يَقِف مَوْقِفكُمَا , فَإِنْ كُنْتُمَا تُرِيدَانِ أَنْ تَعْلَمَا مَا فِيهِ فَانْزِلَا حَتَّى أَعِلْمكُمَا , فَنَزَلَا إلَيْهِ , فَقَالَ لَهُمَا : هَذَا كِتَاب جَاءَ مِنْ عِنْد اللَّه , أَمَرَ فِيهِ بِطَاعَتِهِ , وَنَهَى عَنْ مَعْصِيَته , فِيهِ : أَنْ لَا تَزْنِيَ , وَلَا تَسْرِق , وَلَا تَأْخُذ أَمْوَال النَّاس بِالْبَاطِلِ . فَقَصَّ عَلَيْهِمَا مَا فِيهِ , وَهُوَ الْإِنْجِيل الَّذِي أَنَزَلَهُ اللَّه عَلَى عِيسَى . فَوَقَعَ فِي قُلُوبهمَا وَتَابَعَاهُ فَأَسْلَمَا , وَقَالَ لَهُمَا : إنَّ ذَبِيحَة قَوْمكُمَا عَلَيْكُمَا حَرَام , فَلَمْ يَزَالَا مَعَهُ كَذَلِكَ يَتَعَلَّمَانِ مِنْهُ , حَتَّى كَانَ عِيد لِلْمَلِكِ , فَجَعَلَ طَعَامًا , ثُمَّ جَمَعَ النَّاس وَالْأَشْرَاف , وَأَرْسَلَ إلَى ابْن الْمَلِك فَدَعَاهُ إلَى صَنِيعه لِيَأْكُل مَعَ النَّاس , فَأَبَى الْفَتَى وَقَالَ : إنِّي عَنْك مَشْغُول , فَكُلْ أَنْتَ وَأَصْحَابك , فَلَمَّا أَكْثَر عَلَيْهِ مِنْ الرُّسُل , أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَا يَأْكُل مِنْ طَعَامهمْ , فَبَعَثَ الْمَلِك إلَى ابْنه , فَدَعَاهُ وَقَالَ : مَا أَمَرَك هَذَا ؟ قَالَ : إنَّا لَا نَأْكُل مِنْ ذَبَائِحكُمْ , إنَّكُمْ كُفَّار لَيْسَ تَحِلّ ذَبَائِحكُمْ , فَقَالَ لَهُ الْمَلِك : مَنْ أَمَرَك بِهَذَا ؟ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ الرَّاهِب أَمَرَهُ بِذَلِكَ , فَدَعَا الرَّاهِب فَقَالَ : مَاذَا يَقُول ابْنِي ؟ قَالَ : صَدْق ابْنك , قَالَ لَهُ : لَوْلَا أَنَّ الدَّم فِينَا عَظِيم لَقَتَلَتْك , وَلَكِنْ اُخْرُجْ مِنْ أَرْضنَا ! فَأَجَّلَهُ أَجَلًا . فَقَالَ سَلْمَان : فَقُمْنَا نَبْكِي عَلَيْهِ , فَقَالَ لَهُمَا : إنْ كُنْتُمَا صَادِقِينَ , فَإِنَّا فِي بَيْعَة بِالْمَوْصِلِ مَعَ سِتِّينَ رَجُلًا نَعْبُد اللَّه فِيهَا , فَأْتُونَا فِيهَا . فَخَرَجَ الرَّاهِب , وَبَقِيَ سَلْمَان وَابْن الْمَلِك ; فَجَعَلَ يَقُول لَابْن الْمَلِك : انْطَلَقَ بِنَا , وَابْن الْمَلِك يَقُول : نَعَمْ , وَجَعَلَ ابْن الْمَلِك يَبِيع مَتَاعه يُرِيد الْجَهَاز . فَلَمَّا أَبْطَأَ عَلَى سَلْمَان , خَرَجَ سَلْمَان حَتَّى أَتَاهُمْ , فَنَزَلَ عَلَى صَاحِبه وَهُوَ رَبّ الْبَيْعَة , وَكَانَ أَهْل تِلْكَ الْبَيْعَة مِنْ أَفَضْل الرُّهْبَان , فَكَانَ سَلْمَان : مَعَهُمْ يَجْتَهِد فِي الْعِبَادَة , وَيُتْعِب نَفْسه , فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ : إنَّك غُلَام حَدَث تَتَكَلَّف مِنْ الْعِبَادَة مَا لَا تُطِيق , وَأَنَا خَائِف أَنَّ تَفْتُر وَتَعْجِز , فَارْفُقْ بِنَفْسِك وَخَفِّفْ عَلَيْهَا ! فَقَالَ لَهُ سَلْمَان : أَرَأَيْت الَّذِي تَأْمُرنِي بِهِ أَهُوَ أَفَضْل , أَوْ الَّذِي أَصْنَع ؟ قَالَ : بَلْ الَّذِي تَصْنَع ؟ قَالَ : فَخَلّ عَنِّي . ثُمَّ إنَّ صَاحِب الْبَيْعَة دَعَاهُ فَقَالَ : أَتَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْبَيْعَة لِي , وَأَنَا أَحَقّ النَّاس بِهَا , وَلَوْ شِئْت أَنْ أُخْرِج هَؤُلَاءِ مِنْهَا لَفَعَلْت ؟ وَلَكِنِّي رَجُل أَضْعَف عَنْ عِبَادَة هَؤُلَاءِ , وَأَنَا أُرِيد أَنْ أَتَحُولُ مِنْ هَذِهِ الْبَيْعَة إلَى بَيْعَة أُخْرَى هُمْ أَهْوَن عِبَادَة مِنْ هَؤُلَاءِ , فَإِنْ شِئْت أَنْ تُقِيم هَهُنَا فَأَقِمْ , وَإِنْ شِئْت أَنْ تَنْطَلِق مَعِي فَانْطَلِقْ . قَالَ لَهُ سَلْمَان : أَيْ الْبَيْعَتَيْنِ أَفَضْل أَهْلًا ؟ قَالَ : هَذِهِ . قَالَ سَلْمَان : فَأَنَا أَكُون فِي هَذِهِ . فَأَقَامَ سَلْمَان بِهَا وَأَوْصَى صَاحِب الْبَيْعَة عَالِم الْبَيْعَة بِسَلْمَان , فَكَانَ سَلْمَان يَتَعَبَّد مَعَهُمْ . ثُمَّ إنَّ الشَّيْخ الْعَالِم أَرَادَ أَنْ يَأْتِي بَيْت الْمَقْدِس , فَقَالَ لِسَلْمَان : إنْ أَرَدْت أَنْ تَنْطَلِق مَعِي فَانْطَلِقْ , وَإِنْ شِئْت أَنْ تُقِيم فَأَقِمْ . فَقَالَ لَهُ سَلْمَان : أَيّهمَا أَفَضْل أَنَطْلِقُ مَعَك أَمْ أُقِيم ؟ قَالَ : لَا بَلْ تَنْطَلِق مَعِي . فَانْطَلَقَ مَعَهُ فَمَرُّوا بِمَقْعَدٍ عَلَى ظَهْر الطَّرِيق مُلْقَى , فَلَمَّا رَآهُمَا نَادَى : يَا سَيِّد الرُّهْبَان ارْحَمْنِي يَرْحَمك اللَّه , فَلَمْ يُكَلِّمهُ , وَلَمْ يَنْظُر إلَيْهِ , وَانْطَلَقَا حَتَّى أَتَيَا بَيْت الْمَقْدِس , فَقَالَ الشَّيْخ لِسَلْمَان : اُخْرُجْ فَاطْلُبْ الْعِلْم فَإِنَّهُ يَحْضُر هَذَا الْمَسْجِد عُلَمَاء أَهْل الْأَرْض . فَخَرَجَ سَلْمَان يَسْمَع مِنْهُمْ , فَرَجَعَ يَوْمًا حَزِينًا , فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ : مَا لَك يَا سَلْمَان ؟ قَالَ : أَرَى الْخَيْر كُلّه قَدْ ذَهَبَ بِهِ مَنْ كَانَ قَبْلنَا مِنْ الْأَنْبِيَاء وَأَتْبَاعهمْ , فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ : يَا سَلْمَان لَا تَحْزَن , فَإِنَّهُ قَدْ بَقِيَ نَبِيّ لَيْسَ مِنْ نَبِيّ بِأَفْضَل تَبَعًا مِنْهُ وَهَذَا زَمَانه الَّذِي يَخْرَج فِيهِ , وَلَا أَرَانِي أُدْرِكهُ , وَأَمَّا أَنْتَ فَشَابّ لَعَلَّك أَنْ تُدْرِكهُ , وَهُوَ يَخْرُج فِي أَرْض الْعَرَب , فَإِنْ أَدْرَكْته فَآمِنْ بِهِ وَاتَّبِعْهُ ! فَقَالَ لَهُ سَلْمَان : فَأَخْبِرْنِي عَنْ عَلَامَته بِشَيْءٍ . قَالَ : نَعَمْ , هُوَ مَخْتُومٌ فِي ظَهْره بِخَاتَمِ النُّبُوَّة , وَهُوَ يَأْكُل الْهَدِيَّة وَلَا يَأْكُل الصَّدَقَة . ثُمَّ رَجَعَا حَتَّى بَلَغَا مَكَان الْمَقْعَد , فَنَادَاهُمَا فَقَالَ : يَا سَيِّد الرُّهْبَان ارْحَمْنِي يَرْحَمك اللَّه , فَعَطَفَ إلَيْهِ حِمَاره , فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَرَفَعَهُ , فَضَرَبَ بِهِ الْأَرْض وَدَعَا لَهُ , وَقَالَ : قُمْ بِإِذْنِ اللَّه , فَقَامَ صَحِيحًا يَشْتَدّ , فَجَعَلَ سَلْمَان يَتَعَجَّب وَهُوَ يَنْظُر إلَيْهِ يَشْتَدّ . وَسَارَ الرَّاهِب فَتَغَيَّبَ عَنْ سَلْمَان وَلَا يَعْلَم سَلْمَان . ثُمَّ إنَّ سَلْمَان فَزِعَ فَطَلَبَ الرَّاهِب , فَلَقِيَهُ رَجُلَانِ مِنْ الْعَرَب مِنْ كَلْب فَسَأَلَهُمَا : هَلْ رَأَيْتُمَا الرَّاهِب ؟ فَأَنَاخَ أَحَدهمَا رَاحِلَته , قَالَ : نَعَمْ رَاعِي الصِّرْمَة هَذَا , فَحَمَلَهُ فَانْطَلَقَ بِهِ إلَى الْمَدِينَة . قَالَ سَلْمَان : فَأَصَابَنِي مِنْ الْحُزْن شَيْء لَمْ يُصِبْنِي مِثْله قَطّ . فَاشْتَرَتْهُ امْرَأَة مِنْ جُهَيْنَة فَكَانَ يَرْعَى عَلَيْهَا هُوَ وَغُلَام لَهَا يَتَرَاوَحَانِ الْغَنَم هَذَا يَوْمًا وَهَذَا يَوْمًا , فَكَانَ سَلْمَان يَجْمَع الدَّرَاهِم يَنْتَظِر خُرُوج مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَبَيْنَا هُوَ يَوْمًا يَرْعَى , إذْ أَتَاهُ صَاحِبه الَّذِي يَعْقُبهُ , فَقَالَ : أَشَعَرْت أَنَّهُ قَدْ قَدِمَ الْيَوْم الْمَدِينَة رَجُل يَزْعُم أَنَّهُ نَبِيّ ؟ فَقَالَ لَهُ سَلْمَان : أَقِمْ فِي الْغَنَم حَتَّى آتِيك لَهُ . فَهَبَطَ سَلْمَان إلَى الْمَدِينَة , فَنَظَرَ إلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَار حَوْله . فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَفَ مَا يُرِيد , فَأَرْسَلَ ثَوْبه . حَتَّى خَرَجَ خَاتَمه , فَلَمَّا رَآهُ أَتَاهُ وَكَلَّمَهُ , ثُمَّ انْطَلَقَ , فَاشْتَرَى بِدِينَارٍ بِبَعْضِهِ شَاة وَبِبَعْضِهِ خُبْزًا , ثُمَّ أَتَاهُ بِهِ , فَقَالَ : " مَا هَذَا " ؟ قَالَ سَلْمَان : هَذِهِ صَدَقَة قَالَ : " لَا حَاجَة لِي بِهَا فَأَخْرَجَهَا فَيَأْكُلهَا الْمُسْلِمُونَ " . ثُمَّ انْطَلَقَ فَاشْتَرَى بِدِينَارٍ آخَر خُبْزًا وَلَحْمًا , فَأَتَى بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : " مَا هَذَا " ؟ قَالَ : هَذِهِ هَدِيَّة , قَالَ : " فَاقْعُدْ " , فَقَعَدَ فَأَكَلَا جَمِيعًا مِنْهَا . فَبَيْنَا هُوَ يُحَدِّثهُ إذْ ذَكَرَ أَصْحَابه , فَأَخْبَرَهُ خَبَرهمْ , فَقَالَ : كَانُوا يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيُؤْمِنُونَ بِك , وَيَشْهَدُونَ أَنَّك سَتُبْعَثُ نَبِيًّا ; فَلَمَّا فَرَغَ سَلْمَان مِنْ ثَنَائِهِ عَلَيْهِمْ قَالَ لَهُ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا سَلْمَان هُمْ مِنْ أَهْل النَّار " . فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى سَلْمَان , وَقَدْ كَانَ قَالَ لَهُ سَلْمَان : لَوْ أَدْرَكُوك صَدَّقُوك وَاتَّبَعُوك , فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة : { إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَاَلَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر } . فَكَانَ إيمَان الْيَهُود أَنَّهُ مَنْ تَمَسّك بِالتَّوْرَاةِ وَسُنَّة مُوسَى حَتَّى جَاءَ عِيسَى , فَلَمَّا جَاءَ عِيسَى كَانَ مَنْ تَمَسَّكَ بِالتَّوْرَاةِ وَأَخَذَ بِسُنَّةِ مُوسَى فَلَمْ يَدَعهَا وَلَمْ يَتْبَع عِيسَى كَانَ هَالِكًا . وَإِيمَان النَّصَارَى أَنَّهُ مَنْ تَمَسَّكَ بِالْإِنْجِيلِ مِنْهُمْ وَشَرَائِع عِيسَى كَانَ مُؤْمِنًا مَقْبُولًا مِنْهُ , حَتَّى جَاءَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَمَنْ لَمْ يَتْبَع مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ وَيَدَع مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ سُنَّة عِيسَى وَالْإِنْجِيل كَانَ هَالِكًا . 928 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنِي الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد قَوْله : { إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَاَلَّذِينَ هَادُوا } الْآيَة . قَالَ سَلْمَان الْفَارِسِيّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أُولَئِكَ النَّصَارَى وَمَا رَأَى مِنْ أَعْمَالهمْ , قَالَ : لَمْ يَمُوتُوا عَلَى الْإِسْلَام . قَالَ سَلْمَان : فَأَظْلَمَتْ عَلَيَّ الْأَرْض . وَذَكَر اجْتِهَادهمْ , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة , فَدَعَا سَلْمَان فَقَالَ : " نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي أَصْحَابك " . ثُمَّ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ مَاتَ عَلَى دِين عِيسَى وَمَاتَ عَلَى الْإِسْلَام قَبْل أَنْ يَسْمَع بِي فَهُوَ عَلَى خَيْر وَمَنْ سَمِعَ بِي الْيَوْم وَلَمْ يُؤْمِن بِي فَقَدْ هَلَكَ " . وَقَالَ ابْن عَبَّاس بِمَا : 929 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَاَلَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ } إلَى قَوْله : { وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } . فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى بَعْد هَذَا : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْر الْإِسْلَام دِينًا فَلَنْ يُقْبَل مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَة مِنْ الْخَاسِرِينَ } . 3 85 وَهَذَا الْخَبَر يَدُلّ عَلَى أَنَّ ابْن عَبَّاس كَانَ يَرَى أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ كَانَ قَدْ وَعَدَ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ عَلَى عَمَله فِي الْآخِرَة الْجَنَّة , ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْر الْإِسْلَام دِينًا فَلَنْ يُقْبَل مِنْهُ } . 3 85 فَتَأْوِيل الْآيَة إذًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْ مُجَاهِد وَالسُّدِّيّ : إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة , وَاَلَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر , { فَلَهُمْ أَجْرهمْ عِنْد رَبّهمْ وَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } . وَاَلَّذِي قُلْنَا مِنْ التَّأْوِيل الْأَوَّل أَشَبَه بِظَاهِرِ التَّنْزِيل , لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يُخَصِّص بِالْأَجْرِ عَلَى الْعَمَل الصَّالِح مَعَ الْإِيمَان بَعْض خَلْقه دُون بَعْض مِنْهُمْ , وَالْخَبَر بِقَوْلِهِ : { مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر } عَنْ جَمِيع مَا ذَكَرَ فِي أَوَّل الْآيَة .
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقكُمْ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : الْمِيثَاق : الْمِفْعَال مِنْ الْوَثِيقَة إمَّا بِيَمِينٍ , وَإِمَّا بِعَهْدٍ أَوْ غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْوَثَائِق . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقكُمْ } الْمِيثَاق الَّذِي أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُمْ فِي قَوْله : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاق بَنِي إسْرَائِيل لَا تَعْبُدُونَ إلَّا اللَّه وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا } 2 83 الْآيَات الَّذِي ذَكَرَ مَعَهَا . وَكَانَ سَبَب أَخْذ الْمِيثَاق عَلَيْهِمْ فِيمَا ذَكَرَهُ ابْن زَيْد مَا : 930 - حَدَّثَنِي بِهِ يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : لَمَّا رَجَعَ مُوسَى مِنْ عِنْد رَبّه بِالْأَلْوَاحِ قَالَ لِقَوْمِهِ بَنِي إسْرَائِيل : إنَّ هَذِهِ الْأَلْوَاح فِيهَا كِتَاب اللَّه , وَأَمْره الَّذِي أَمَرَكُمْ بِهِ , وَنَهْيه الَّذِي نَهَاكُمْ عَنْهُ , فَقَالُوا : وَمَنْ يَأْخُذهُ بِقَوْلِك أَنْتَ ؟ لَا وَاَللَّه حَتَّى نَرَى اللَّه جَهْرَة حَتَّى يَطَّلِع اللَّه عَلَيْنَا فَيَقُول : هَذَا كِتَابِي فَخُذُوهُ ! فَمَا لَهُ لَا يُكَلِّمنَا كَمَا كَلَّمَك أَنْتَ يَا مُوسَى فَيَقُول : هَذَا كِتَابِي فَخُذُوهُ ؟ قَالَ : فَجَاءَتْ غَضْبَة مِنْ اللَّه فَجَاءَتْهُمْ صَاعِقَة فَصَعَقَتْهُمْ , فَمَاتُوا أَجْمَعُونَ . قَالَ : ثُمَّ أَحْيَاهُمْ اللَّه بَعْد مَوْتهمْ , فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى : خُذُوا كِتَاب اللَّه ! فَقَالُوا : لَا , قَالَ : أَيّ شَيْء أَصَابَكُمْ ؟ قَالُوا : مُتْنَا ثُمَّ حَيِينَا , قَالَ : خُذُوا كِتَاب اللَّه ! قَالُوا : لَا . فَبَعَثَ مَلَائِكَته فنتقت الْجَبَل فَوْقهمْ , فَقِيلَ لَهُمْ : أَتَعْرِفُونَ هَذَا ؟ قَالُوا : نَعَمْ , هَذَا الطُّور , قَالَ : خُذُوا الْكِتَاب وَإِلَّا طَرَحْنَاهُ عَلَيْكُمْ ! قَالَ : فَأَخَذُوهُ بِالْمِيثَاقِ . وَقَرَأَ قَوْل اللَّه : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاق بَنِي إسْرَائِيل لَا تَعْبُدُونَ إلَّا اللَّه وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا } حَتَّى بَلَغَ : { وَمَا اللَّه بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } 2 83 : 85 قَالَ : وَلَوْ كَانُوا أَخَذُوهُ أَوَّل مَرَّة لَأَخَذُوهُ بِغَيْرِ مِيثَاق .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَرَفَعْنَا فَوْقكُمْ الطُّور } . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَمَّا الطُّور فَإِنَّهُ الْجَبَل فِي كَلَام الْعَرَب , وَمِنْهُ قَوْل الْعَجَّاج : دَانِي جَنَاحَيْهِ مِنْ الطُّور فَمَرَّ تَقَضِّي الْبَازِي إذَا الْبَازِي كَسَرْ وَقِيلَ إنَّهُ اسْم جَبَل بِعَيْنِهِ . وَذُكِرَ أَنَّهُ الْجَبَل الَّذِي نَاجَى اللَّه عَلَيْهِ مُوسَى . وَقِيلَ : أَنَّهُ مِنْ الْجِبَال مَا أَنْبَتَ دُون مَا لَمْ يُنْبِت . ذِكْر مَنْ قَالَ : هُوَ الْجَبَل كَائِنًا مَا كَانَ 931 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : أَمَرَ مُوسَى قَوْمه أَنْ يَدْخُلُوا الْبَاب سُجَّدًا وَيَقُولُوا حِطَّة وَطُؤْطِئَ لَهُمْ الْبَاب لِيَسْجُدُوا , فَلَمْ يَسْجُدُوا وَدَخَلُوا عَلَى أَدْبَارهمْ , وَقَالُوا حِنْطَة . فَنَتَقَ فَوْقهمْ الْجَبَل - يَقُول : أَخَرَجَ أَصْل الْجَبَل مِنْ الْأَرْض فَرَفَعَهُ فَوْقهمْ كَالظُّلَّةِ , وَالطُّور بالسريانية : الْجَبَل - تَخْوِيفًا - أَوْ خَوْفًا , شَكَّ أَبُو عَاصِم - فَدَخَلُوا سُجَّدًا عَلَى خَوْف وَأَعْيُنهمْ إلَى الْجَبَل , وَهُوَ الْجَبَل الَّذِي تَجَلَّى لَهُ رَبّه . 932 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : رَفَعَ الْجَبَل فَوْقهمْ كَالسَّحَابَةِ , فَقِيلَ لَهُمْ : لَتُؤْمِنُنَّ أَوْ لَيَقَعَنَّ عَلَيْكُمْ , فَآمَنُوا . وَالْجَبَل بالسريانية : الطُّور . 933 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقكُمْ الطُّور } قَالَ : الطُّور : الْجَبَل , كَانُوا بِأَصْلِهِ فَرُفِعَ عَلَيْهِمْ فَوْق رُءُوسهمْ , فَقَالَ : لَتَأْخُذُنَّ أَمْرِي أَوْ لَأَرْمِيَنَّكُمْ بِهِ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ : { وَرَفَعْنَا فَوْقكُمْ الطُّور } قَالَ : الطُّور : الْجَبَل اقْتَلَعَهُ اللَّه فَرَفَعَهُ فَوْقهمْ , فَقَالَ : { خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ } فَأَقَرُّوا بِذَلِكَ . 934 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { وَرَفَعْنَا فَوْقكُمْ الطُّور } قَالَ : رَفَعَ فَوْقهمْ الْجَبَل يُخَوِّفهُمْ بِهِ . 935 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي , عَنْ النَّضْر , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : الطُّور : الْجَبَل . 936 - وَحَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : لَمَّا قَالَ اللَّه لَهُمْ : { اُدْخُلُوا الْبَاب سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّة } فَأَبَوْا أَنْ يَسْجُدُوا أَمَرَ اللَّه الْجَبَل أَنْ يَقَع عَلَيْهِمْ , فَنَظَرُوا إلَيْهِ وَقَدْ غَشِيَهُمْ , فَسَقَطُوا سُجَّدًا عَلَى شِقّ , وَنَظَرُوا بِالشِّقِّ الْآخَر . فَرَحِمهمْ اللَّه , فَكَشَفَهُ عَنْهُمْ . فَذَلِكَ قَوْله : { وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَل فَوْقهمْ كَأَنَّهُ ظُلَّة } 7 171 وَقَوْله : { وَرَفَعْنَا فَوْقكُمْ الطُّور } . 937 - وَحَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : الْجَبَل بالسريانية : الطُّور . وَقَالَ آخَرُونَ : الطُّور : اسْم لِلْجَبَلِ الَّذِي نَاجَى اللَّه مُوسَى عَلَيْهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 938 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : الطُّور : الْجَبَل الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ التَّوْرَاة , يَعْنِي عَلَى مُوسَى , وَكَانَتْ بَنُو إسْرَائِيل أَسْفَل مِنْهُ . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : وَقَالَ لِي عَطَاء : رُفِعَ الْجَبَل عَلَى بَنِي إسْرَائِيل فَقَالَ : لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ أَوْ لَيَقَعَنَّ عَلَيْكُمْ , فَذَلِكَ قَوْله : { كَأَنَّهُ ظُلَّة } . وَقَالَ آخَرُونَ : الطُّور مِنْ الْجِبَال : مَا أَنْبَتَ خَاصَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 939 - حُدِّثْت عَنْ المنجاب , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { الطُّور } قَالَ : الطُّور مِنْ الْجِبَال : مَا أَنْبَتَ , وَمَا لَمْ يُنْبِت فَلَيْسَ بِطُورٍ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : اخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي أَهْل الْبَصْرَة : هُوَ مِمَّا اُسْتُغْنِيَ بِدَلَالَةِ الظَّاهِر الْمَذْكُور عَمَّا تَرَكَ ذِكْره لَهُ , وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : وَرَفَعْنَا فَوْقكُمْ الطُّور وَقُلْنَا لَكُمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ , وَإِلَّا فَقَذَفْنَاهُ عَلَيْكُمْ . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي أَهْل الْكُوفَة : أَخْذ الْمِيثَاق قَوْل فَلَا حَاجَة بِالْكَلَامِ إلَى إضْمَار قَوْل فِيهِ , فَيَكُون مِنْ كَلَامَيْنِ غَيْر أَنَّهُ يَنْبَغِي لِكُلِّ مَا خَالَفَ الْقَوْل مِنْ الْكَلَام الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْقَوْل أَنْ يَكُون مَعَهُ أَنَّ كَمَا قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إلَى قَوْمه أَنْ أَنْذِرْ قَوْمك } 71 1 قَالَ : وَيَجُوز أَنْ تُحْذَف أَنْ . وَالصَّوَاب فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنَّ كُلّ كَلَام نُطِقَ بِهِ مَفْهُوم بِهِ مَعْنًى مَا أُرِيدَ فَفِيهِ الْكِفَايَة مِنْ غَيْره , وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ { خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ } مَا أَمَرْنَاكُمْ بِهِ فِي التَّوْرَاة , وَأَصْل الْإِيتَاء : الْإِعْطَاء . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { بِقُوَّةٍ } بِجِدٍّ تَأْدِيَة مَا أَمَرَك فِيهِ وَافْتَرَضَ عَلَيْكُمْ . كَمَا : 940 - حُدِّثْت عَنْ إبْرَاهِيم بْن بَشَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن عُيَيْنَةَ , قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنَا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ } قَالَ : تَعَلَّمُوا بِمَا فِيهِ . * - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 941 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ } قَالَ : طَاعَة . 942 - وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّازِق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ : { خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ } قَالَ : الْقُوَّة : الْجِدّ , وَإِلَّا قَذَفْته عَلَيْكُمْ . قَالَ : فَأَقَرُّوا بِذَلِكَ أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ مَا أُوتُوا بِقُوَّةٍ . 943 - وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { بِقُوَّةٍ } يَعْنِي بِجِدٍّ وَاجْتِهَاد . 944 - وَحَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد وَسَأَلْته عَنْ قَوْل اللَّه : { خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ } قَالَ : خُذُوا الْكِتَاب الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى يُصَدِّق وَيُحِقّ . فَتَأْوِيل الْآيَة إذًا : خُذُوا مَا اقْتَرَضْنَاهُ عَلَيْكُمْ فِي كِتَابنَا مِنْ الْفَرَائِض فَاقْبَلُوهُ وَاعْمَلُوا بِاجْتِهَادٍ مِنْكُمْ فِي أَدَائِهِ مِنْ غَيْر تَقْصِير وَلَا تَوَانٍ . وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى أَخْذهمْ إيَّاهُ بِقُوَّةٍ بِجِدٍّ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } . قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي : وَاذْكُرُوا مَا فِيمَا آتَيْنَاكُمْ مِنْ كِتَابنَا مِنْ وَعْد وَوَعِيد شَدِيد وَتَرْغِيب وَتَرْهِيب , فَاتْلُوهُ وَاعْتَبِرُوا بِهِ وَتَدَبَّرُوهُ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ كَيْ تَتَّقُوا وَتَخَافُوا عِقَابِي بِإِصْرَارِكُمْ عَلَى ضَلَالكُمْ فَتَنْتَهُوا إلَى طَاعَتِي وَتَنْزِعُوا عَمَّا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ مَعْصِيَتِي . كَمَا : 945 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن إسْحَاق , عَنْ دَاوُد بْن الْحُصَيْن , عَنْ عِكْرِمَة عَنْ ابْن عَبَّاس : { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } قَالَ : تَنْزِعُونَ عَمَّا أَنْتُمْ عَلَيْهِ . وَاَلَّذِي آتَاهُمْ اللَّه هُوَ التَّوْرَاة . كَمَا : 946 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { اُذْكُرُوا مَا فِيهِ } يَقُول : اُذْكُرُوا مَا فِي التَّوْرَاة . 947 - كَمَا حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { اُذْكُرُوا مَا فِيهِ } يَقُول : أُمِرُوا بِمَا فِي التَّوْرَاة . * - وَحَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ سَأَلْت ابْن زَيْد عَنْ قَوْل اللَّه : { وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ } قَالَ : اعْمَلُوا بِمَا فِيهِ طَاعَة لِلَّهِ وَصِدْق , قَالَ : وَقَالَ اُذْكُرُوا مَا فِيهِ لَا تَنْسَوْهُ وَلَا تُغْفِلُوهُ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَرَفَعْنَا فَوْقكُمْ الطُّور } . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَمَّا الطُّور فَإِنَّهُ الْجَبَل فِي كَلَام الْعَرَب , وَمِنْهُ قَوْل الْعَجَّاج : دَانِي جَنَاحَيْهِ مِنْ الطُّور فَمَرَّ تَقَضِّي الْبَازِي إذَا الْبَازِي كَسَرْ وَقِيلَ إنَّهُ اسْم جَبَل بِعَيْنِهِ . وَذُكِرَ أَنَّهُ الْجَبَل الَّذِي نَاجَى اللَّه عَلَيْهِ مُوسَى . وَقِيلَ : أَنَّهُ مِنْ الْجِبَال مَا أَنْبَتَ دُون مَا لَمْ يُنْبِت . ذِكْر مَنْ قَالَ : هُوَ الْجَبَل كَائِنًا مَا كَانَ 931 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : أَمَرَ مُوسَى قَوْمه أَنْ يَدْخُلُوا الْبَاب سُجَّدًا وَيَقُولُوا حِطَّة وَطُؤْطِئَ لَهُمْ الْبَاب لِيَسْجُدُوا , فَلَمْ يَسْجُدُوا وَدَخَلُوا عَلَى أَدْبَارهمْ , وَقَالُوا حِنْطَة . فَنَتَقَ فَوْقهمْ الْجَبَل - يَقُول : أَخَرَجَ أَصْل الْجَبَل مِنْ الْأَرْض فَرَفَعَهُ فَوْقهمْ كَالظُّلَّةِ , وَالطُّور بالسريانية : الْجَبَل - تَخْوِيفًا - أَوْ خَوْفًا , شَكَّ أَبُو عَاصِم - فَدَخَلُوا سُجَّدًا عَلَى خَوْف وَأَعْيُنهمْ إلَى الْجَبَل , وَهُوَ الْجَبَل الَّذِي تَجَلَّى لَهُ رَبّه . 932 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : رَفَعَ الْجَبَل فَوْقهمْ كَالسَّحَابَةِ , فَقِيلَ لَهُمْ : لَتُؤْمِنُنَّ أَوْ لَيَقَعَنَّ عَلَيْكُمْ , فَآمَنُوا . وَالْجَبَل بالسريانية : الطُّور . 933 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقكُمْ الطُّور } قَالَ : الطُّور : الْجَبَل , كَانُوا بِأَصْلِهِ فَرُفِعَ عَلَيْهِمْ فَوْق رُءُوسهمْ , فَقَالَ : لَتَأْخُذُنَّ أَمْرِي أَوْ لَأَرْمِيَنَّكُمْ بِهِ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ : { وَرَفَعْنَا فَوْقكُمْ الطُّور } قَالَ : الطُّور : الْجَبَل اقْتَلَعَهُ اللَّه فَرَفَعَهُ فَوْقهمْ , فَقَالَ : { خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ } فَأَقَرُّوا بِذَلِكَ . 934 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { وَرَفَعْنَا فَوْقكُمْ الطُّور } قَالَ : رَفَعَ فَوْقهمْ الْجَبَل يُخَوِّفهُمْ بِهِ . 935 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي , عَنْ النَّضْر , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : الطُّور : الْجَبَل . 936 - وَحَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : لَمَّا قَالَ اللَّه لَهُمْ : { اُدْخُلُوا الْبَاب سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّة } فَأَبَوْا أَنْ يَسْجُدُوا أَمَرَ اللَّه الْجَبَل أَنْ يَقَع عَلَيْهِمْ , فَنَظَرُوا إلَيْهِ وَقَدْ غَشِيَهُمْ , فَسَقَطُوا سُجَّدًا عَلَى شِقّ , وَنَظَرُوا بِالشِّقِّ الْآخَر . فَرَحِمهمْ اللَّه , فَكَشَفَهُ عَنْهُمْ . فَذَلِكَ قَوْله : { وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَل فَوْقهمْ كَأَنَّهُ ظُلَّة } 7 171 وَقَوْله : { وَرَفَعْنَا فَوْقكُمْ الطُّور } . 937 - وَحَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : الْجَبَل بالسريانية : الطُّور . وَقَالَ آخَرُونَ : الطُّور : اسْم لِلْجَبَلِ الَّذِي نَاجَى اللَّه مُوسَى عَلَيْهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 938 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : الطُّور : الْجَبَل الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ التَّوْرَاة , يَعْنِي عَلَى مُوسَى , وَكَانَتْ بَنُو إسْرَائِيل أَسْفَل مِنْهُ . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : وَقَالَ لِي عَطَاء : رُفِعَ الْجَبَل عَلَى بَنِي إسْرَائِيل فَقَالَ : لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ أَوْ لَيَقَعَنَّ عَلَيْكُمْ , فَذَلِكَ قَوْله : { كَأَنَّهُ ظُلَّة } . وَقَالَ آخَرُونَ : الطُّور مِنْ الْجِبَال : مَا أَنْبَتَ خَاصَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 939 - حُدِّثْت عَنْ المنجاب , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { الطُّور } قَالَ : الطُّور مِنْ الْجِبَال : مَا أَنْبَتَ , وَمَا لَمْ يُنْبِت فَلَيْسَ بِطُورٍ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : اخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي أَهْل الْبَصْرَة : هُوَ مِمَّا اُسْتُغْنِيَ بِدَلَالَةِ الظَّاهِر الْمَذْكُور عَمَّا تَرَكَ ذِكْره لَهُ , وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : وَرَفَعْنَا فَوْقكُمْ الطُّور وَقُلْنَا لَكُمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ , وَإِلَّا فَقَذَفْنَاهُ عَلَيْكُمْ . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي أَهْل الْكُوفَة : أَخْذ الْمِيثَاق قَوْل فَلَا حَاجَة بِالْكَلَامِ إلَى إضْمَار قَوْل فِيهِ , فَيَكُون مِنْ كَلَامَيْنِ غَيْر أَنَّهُ يَنْبَغِي لِكُلِّ مَا خَالَفَ الْقَوْل مِنْ الْكَلَام الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْقَوْل أَنْ يَكُون مَعَهُ أَنَّ كَمَا قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إلَى قَوْمه أَنْ أَنْذِرْ قَوْمك } 71 1 قَالَ : وَيَجُوز أَنْ تُحْذَف أَنْ . وَالصَّوَاب فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنَّ كُلّ كَلَام نُطِقَ بِهِ مَفْهُوم بِهِ مَعْنًى مَا أُرِيدَ فَفِيهِ الْكِفَايَة مِنْ غَيْره , وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ { خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ } مَا أَمَرْنَاكُمْ بِهِ فِي التَّوْرَاة , وَأَصْل الْإِيتَاء : الْإِعْطَاء . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { بِقُوَّةٍ } بِجِدٍّ تَأْدِيَة مَا أَمَرَك فِيهِ وَافْتَرَضَ عَلَيْكُمْ . كَمَا : 940 - حُدِّثْت عَنْ إبْرَاهِيم بْن بَشَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن عُيَيْنَةَ , قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنَا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ } قَالَ : تَعَلَّمُوا بِمَا فِيهِ . * - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 941 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ } قَالَ : طَاعَة . 942 - وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّازِق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ : { خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ } قَالَ : الْقُوَّة : الْجِدّ , وَإِلَّا قَذَفْته عَلَيْكُمْ . قَالَ : فَأَقَرُّوا بِذَلِكَ أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ مَا أُوتُوا بِقُوَّةٍ . 943 - وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { بِقُوَّةٍ } يَعْنِي بِجِدٍّ وَاجْتِهَاد . 944 - وَحَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد وَسَأَلْته عَنْ قَوْل اللَّه : { خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ } قَالَ : خُذُوا الْكِتَاب الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى يُصَدِّق وَيُحِقّ . فَتَأْوِيل الْآيَة إذًا : خُذُوا مَا اقْتَرَضْنَاهُ عَلَيْكُمْ فِي كِتَابنَا مِنْ الْفَرَائِض فَاقْبَلُوهُ وَاعْمَلُوا بِاجْتِهَادٍ مِنْكُمْ فِي أَدَائِهِ مِنْ غَيْر تَقْصِير وَلَا تَوَانٍ . وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى أَخْذهمْ إيَّاهُ بِقُوَّةٍ بِجِدٍّ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } . قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي : وَاذْكُرُوا مَا فِيمَا آتَيْنَاكُمْ مِنْ كِتَابنَا مِنْ وَعْد وَوَعِيد شَدِيد وَتَرْغِيب وَتَرْهِيب , فَاتْلُوهُ وَاعْتَبِرُوا بِهِ وَتَدَبَّرُوهُ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ كَيْ تَتَّقُوا وَتَخَافُوا عِقَابِي بِإِصْرَارِكُمْ عَلَى ضَلَالكُمْ فَتَنْتَهُوا إلَى طَاعَتِي وَتَنْزِعُوا عَمَّا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ مَعْصِيَتِي . كَمَا : 945 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن إسْحَاق , عَنْ دَاوُد بْن الْحُصَيْن , عَنْ عِكْرِمَة عَنْ ابْن عَبَّاس : { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } قَالَ : تَنْزِعُونَ عَمَّا أَنْتُمْ عَلَيْهِ . وَاَلَّذِي آتَاهُمْ اللَّه هُوَ التَّوْرَاة . كَمَا : 946 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { اُذْكُرُوا مَا فِيهِ } يَقُول : اُذْكُرُوا مَا فِي التَّوْرَاة . 947 - كَمَا حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { اُذْكُرُوا مَا فِيهِ } يَقُول : أُمِرُوا بِمَا فِي التَّوْرَاة . * - وَحَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ سَأَلْت ابْن زَيْد عَنْ قَوْل اللَّه : { وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ } قَالَ : اعْمَلُوا بِمَا فِيهِ طَاعَة لِلَّهِ وَصِدْق , قَالَ : وَقَالَ اُذْكُرُوا مَا فِيهِ لَا تَنْسَوْهُ وَلَا تُغْفِلُوهُ .
ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْد ذَلِكَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ } ثُمَّ أَعَرَضْتُمْ . وَإِنَّمَا هُوَ " تفعلتم " مِنْ قَوْلهمْ : وَلَّانِي فُلَان دُبُره : إذَا اسْتَدْبَرَ عَنْهُ وَخَلَّفَهُ خَلْف ظَهْره , ثُمَّ يُسْتَعْمَل ذَلِكَ فِي كُلّ تَارِك طَاعَة أَمَرَ بِهَا عَزَّ وَجَلَّ مُعْرِض بِوَجْهِهِ , يُقَال : قَدْ تَوَلَّى فُلَان عَنْ طَاعَة فُلَان , وَتَوَلَّى عَنْ مُوَاصَلَته , وَمِنْهُ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْله بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ } 9 76 يَعْنِي بِذَلِكَ : خَالَفُوا مَا كَانُوا وَعَدُوا اللَّه مِنْ قَوْلهمْ : { لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْله لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ } 9 75 وَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورهمْ , وَمِنْ شَأْن الْعَرَب اسْتِعَارَة الْكَلِمَة وَوَضْعهَا مَكَان نَظِيرهَا , كَمَا قَالَ أَبُو ذُؤَيْب الْهُذَلِيّ : فَلَيْسَ كَعَهْدِ الدَّار يَا أُمّ مَالِك وَلَكِنْ أَحَاطَتْ بِالرِّقَابِ السَّلَاسِل وَعَادَ الْفَتَى كَالْكَهْلِ لَيْسَ بِقَائِلٍ سِوَى الْحَقّ شَيْئًا وَاسْتَرَاحَ الْعَوَاذِل يَعْنِي بِقَوْلِهِ : " أَحَاطَتْ بِالرِّقَابِ السَّلَاسِل " ; أَنَّ الْإِسْلَام صَارَ فِي مَنْعه إيَّانَا مَا كُنَّا نَأْتِيه فِي الْجَاهِلِيَّة مِمَّا حَرَّمَهُ اللَّه عَلَيْنَا فِي الْإِسْلَام بِمَنْزِلَةِ السَّلَاسِل الْمُحِيطَة بِرِقَابِنَا الَّتِي تَحُول بَيْن مَنْ كَانَتْ فِي رَقَبَته مَعَ الْغُلّ الَّذِي فِي يَده وَبَيْن مَا حَاوَلَ أَنَّ يَتَنَاوَلهُ . وَنَظَائِر ذَلِكَ فِي كَلَام الْعَرَب أَكْثَر مِنْ أَنْ تُحْصَى , فَكَذَلِكَ قَوْله : { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْد ذَلِكَ } يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّكُمْ تَرَكْتُمْ الْعَمَل بِمَا أَخَذْنَا مِيثَاقكُمْ وَعُهُودكُمْ عَلَى الْعَمَل بِهِ بِجِدٍّ وَاجْتِهَاد بَعْد إعْطَائِكُمْ رَبّكُمْ الْمَوَاثِيق عَلَى الْعَمَل بِهِ وَالْقِيَام بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ فِي كِتَابكُمْ فَنَبَذْتُمُوهُ وَرَاء ظُهُوركُمْ . وَكَنَّى بِقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْره : " ذَلِكَ " عَنْ جَمِيع مَا قَبْله فِي الْآيَة الْمُتَقَدِّمَة , أَعْنِي قَوْله : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقكُمْ الطُّور } .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَته } . قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْره : { فَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ } فَلَوْلَا أَنَّ اللَّه تَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ بِالتَّوْبَةِ بَعْد نَكْثكُمْ الْمِيثَاق الَّذِي وَاثَقْتُمُوهُ , إذْ رُفِعَ فَوْقكُمْ الطُّور , بِأَنَّكُمْ تَجْتَهِدُونَ فِي طَاعَته , وَأَدَاء فَرَائِضه , وَالْقِيَام بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ , وَالِانْتِهَاء عَمَّا نَهَاكُمْ عَنْهُ فِي الْكِتَاب الَّذِي آتَاكُمْ , فَأَنْعَمَ عَلَيْكُمْ بِالْإِسْلَامِ وَرَحْمَته الَّتِي رَحِمَكُمْ بِهَا , وَتَجَاوَزَ عَنْكُمْ خَطِيئَتكُمْ الَّتِي رَكِبْتُمُوهَا بِمُرَاجَعَتِكُمْ طَاعَة رَبّكُمْ ; لَكُنْتُمْ مِنْ الْخَاسِرِينَ . وَهَذَا وَإِنْ كَانَ خِطَابًا لِمَنْ كَانَ بَيْن ظَهْرَانَيْ مُهَاجِر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْل الْكِتَاب أَيَّام رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِنَّمَا هُوَ خَبَر عَنْ أَسْلَافهمْ , فَأُخْرِجَ الْخَبَر مَخْرَج الْمُخْبِر عَنْهُمْ عَلَى نَحْو مَا قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مِنْ أَنَّ الْقَبِيلَة مِنْ الْعَرَب تُخَاطِب الْقَبِيلَة عِنْد الْفَخَار أَوْ غَيْره بِمَا مَضَى مِنْ فَعَلَ أَسْلَاف الْمُخَاطِب بِأَسْلَافِ الْمُخَاطَب , فَتُضِيف فِعْل أَسْلَاف الْمُخَاطَب إلَى نَفْسهَا , فَتَقُول : فَعَلْنَا بِكُمْ , وَفَعَلْنَا بِكُمْ . وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْض الشَّوَاهِد فِي ذَلِكَ مِنْ شَعْرهمْ فِيمَا مَضَى . وَقَدْ زَعَمَ بَعْضهمْ أَنَّ الْخِطَاب فِي هَذِهِ الْآيَات إنَّمَا أَخَرَجَ بِإِضَافَةِ الْفِعْل إلَى الْمُخَاطَبِينَ بِهِ وَالْفِعْل لِغَيْرِهِمْ ; لِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ كَانُوا يَتَوَلَّوْنَ مَنْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ أَوَائِل بَنِي إسْرَائِيل , فَصَيَّرَهُمْ اللَّه مِنْهُمْ مِنْ أَجْل وِلَايَتهمْ لَهُمْ . وَقَالَ بَعْضهمْ : إنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , لِأَنَّ سَامِعِيهِ كَانُوا عَالِمِينَ , وَإِنْ كَانَ الْخِطَاب خَرَّجَ خِطَابًا لِلْأَحْيَاءِ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل وَأَهْل الْكِتَاب ; إذْ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ خَبَر عَمَّا قَصَّ اللَّه مِنْ أَنْبَاء أَسْلَافهمْ , فَاسْتَغْنَى بِعِلْمِ السَّامِعِينَ بِذَلِكَ عَنْ ذِكْر أَسْلَافهمْ بِأَعْيَانِهِمْ . وَمِنْ ذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِر : إذَا مَا انْتَسَبْنَا لَمْ تَلِدنِي لَئِيمَة وَلَمْ تَجِدِي مِنْ أَنْ تُقِرِّي بِهِ بُدَّا فَقَالَ : " إذَا مَا انْتَسَبْنَا " , و " إذَا " تَقْتَضِي مُسْتَقْبَلًا . ثُمَّ قَالَ : " لَمْ تَلِدنِي لَئِيمَة " , فَأَخْبَرَ عَنْ مَاضٍ مِنْ الْفِعْل . وَذَلِكَ أَنَّ الْوِلَادَة قَدْ مَضَتْ وَتَقَدَّمَتْ . وَإِنَّمَا فِعْل ذَلِكَ عِنْد الْمُحْتَجّ بِهِ لِأَنَّ السَّامِع قَدْ فَهِمَ مَعْنَاهُ , فَجَعَلَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ خِطَاب اللَّه أَهْل الْكِتَاب الَّذِينَ كَانُوا بَيْن ظَهْرَانَيْ مُهَاجِر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّام رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدّ - بِإِضَافَةِ أَفْعَال أَسْلَافهمْ إلَيْهِمْ نَظِير ذَلِكَ . وَالْأَوَّل الَّذِي قُلْنَا هُوَ الْمُسْتَفِيض مِنْ كَلَام الْعَرَب وَخِطَابهَا . وَكَانَ أَبُو الْعَالِيَة يَقُول فِي قَوْله : { فَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَته } فِيمَا ذُكِرَ لَنَا نَحْو الْقَوْل الَّذِي قُلْنَاهُ . 948 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ ثنا أَبُو النَّضْر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { فَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَته } قَالَ : فَضْل اللَّه : الْإِسْلَام , وَرَحْمَته : الْقُرْآن . 949 - وَحُدِّثْت عَنْ عُمَارَة ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بِمِثْلِهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَكُنْتُمْ مِنْ الْخَاسِرِينَ } . قَالَ أَبُو جَعْفَر : { فَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَته } إيَّاكُمْ بِإِنْقَاذِهِ إيَّاكُمْ بِالتَّوْبَةِ عَلَيْكُمْ مِنْ خَطِيئَتكُمْ وَجُرْمكُمْ , لَكُنْتُمْ الْبَاخِسِينَ أَنْفُسكُمْ حُظُوظهَا دَائِمًا , الْهَالِكِينَ بِمَا اجْتَرَمْتُمْ مِنْ نَقْضِ مِيثَاقكُمْ وَخِلَافكُمْ أَمْره وَطَاعَته . وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَاننَا قَبْل بِالشَّوَاهِدِ عَنْ مَعْنَى الْخَسَار بِمَا أَغْنَى عَنْ إعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَته } . قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْره : { فَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ } فَلَوْلَا أَنَّ اللَّه تَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ بِالتَّوْبَةِ بَعْد نَكْثكُمْ الْمِيثَاق الَّذِي وَاثَقْتُمُوهُ , إذْ رُفِعَ فَوْقكُمْ الطُّور , بِأَنَّكُمْ تَجْتَهِدُونَ فِي طَاعَته , وَأَدَاء فَرَائِضه , وَالْقِيَام بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ , وَالِانْتِهَاء عَمَّا نَهَاكُمْ عَنْهُ فِي الْكِتَاب الَّذِي آتَاكُمْ , فَأَنْعَمَ عَلَيْكُمْ بِالْإِسْلَامِ وَرَحْمَته الَّتِي رَحِمَكُمْ بِهَا , وَتَجَاوَزَ عَنْكُمْ خَطِيئَتكُمْ الَّتِي رَكِبْتُمُوهَا بِمُرَاجَعَتِكُمْ طَاعَة رَبّكُمْ ; لَكُنْتُمْ مِنْ الْخَاسِرِينَ . وَهَذَا وَإِنْ كَانَ خِطَابًا لِمَنْ كَانَ بَيْن ظَهْرَانَيْ مُهَاجِر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْل الْكِتَاب أَيَّام رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِنَّمَا هُوَ خَبَر عَنْ أَسْلَافهمْ , فَأُخْرِجَ الْخَبَر مَخْرَج الْمُخْبِر عَنْهُمْ عَلَى نَحْو مَا قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مِنْ أَنَّ الْقَبِيلَة مِنْ الْعَرَب تُخَاطِب الْقَبِيلَة عِنْد الْفَخَار أَوْ غَيْره بِمَا مَضَى مِنْ فَعَلَ أَسْلَاف الْمُخَاطِب بِأَسْلَافِ الْمُخَاطَب , فَتُضِيف فِعْل أَسْلَاف الْمُخَاطَب إلَى نَفْسهَا , فَتَقُول : فَعَلْنَا بِكُمْ , وَفَعَلْنَا بِكُمْ . وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْض الشَّوَاهِد فِي ذَلِكَ مِنْ شَعْرهمْ فِيمَا مَضَى . وَقَدْ زَعَمَ بَعْضهمْ أَنَّ الْخِطَاب فِي هَذِهِ الْآيَات إنَّمَا أَخَرَجَ بِإِضَافَةِ الْفِعْل إلَى الْمُخَاطَبِينَ بِهِ وَالْفِعْل لِغَيْرِهِمْ ; لِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ كَانُوا يَتَوَلَّوْنَ مَنْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ أَوَائِل بَنِي إسْرَائِيل , فَصَيَّرَهُمْ اللَّه مِنْهُمْ مِنْ أَجْل وِلَايَتهمْ لَهُمْ . وَقَالَ بَعْضهمْ : إنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , لِأَنَّ سَامِعِيهِ كَانُوا عَالِمِينَ , وَإِنْ كَانَ الْخِطَاب خَرَّجَ خِطَابًا لِلْأَحْيَاءِ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل وَأَهْل الْكِتَاب ; إذْ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ خَبَر عَمَّا قَصَّ اللَّه مِنْ أَنْبَاء أَسْلَافهمْ , فَاسْتَغْنَى بِعِلْمِ السَّامِعِينَ بِذَلِكَ عَنْ ذِكْر أَسْلَافهمْ بِأَعْيَانِهِمْ . وَمِنْ ذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِر : إذَا مَا انْتَسَبْنَا لَمْ تَلِدنِي لَئِيمَة وَلَمْ تَجِدِي مِنْ أَنْ تُقِرِّي بِهِ بُدَّا فَقَالَ : " إذَا مَا انْتَسَبْنَا " , و " إذَا " تَقْتَضِي مُسْتَقْبَلًا . ثُمَّ قَالَ : " لَمْ تَلِدنِي لَئِيمَة " , فَأَخْبَرَ عَنْ مَاضٍ مِنْ الْفِعْل . وَذَلِكَ أَنَّ الْوِلَادَة قَدْ مَضَتْ وَتَقَدَّمَتْ . وَإِنَّمَا فِعْل ذَلِكَ عِنْد الْمُحْتَجّ بِهِ لِأَنَّ السَّامِع قَدْ فَهِمَ مَعْنَاهُ , فَجَعَلَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ خِطَاب اللَّه أَهْل الْكِتَاب الَّذِينَ كَانُوا بَيْن ظَهْرَانَيْ مُهَاجِر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّام رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدّ - بِإِضَافَةِ أَفْعَال أَسْلَافهمْ إلَيْهِمْ نَظِير ذَلِكَ . وَالْأَوَّل الَّذِي قُلْنَا هُوَ الْمُسْتَفِيض مِنْ كَلَام الْعَرَب وَخِطَابهَا . وَكَانَ أَبُو الْعَالِيَة يَقُول فِي قَوْله : { فَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَته } فِيمَا ذُكِرَ لَنَا نَحْو الْقَوْل الَّذِي قُلْنَاهُ . 948 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ ثنا أَبُو النَّضْر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { فَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَته } قَالَ : فَضْل اللَّه : الْإِسْلَام , وَرَحْمَته : الْقُرْآن . 949 - وَحُدِّثْت عَنْ عُمَارَة ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بِمِثْلِهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَكُنْتُمْ مِنْ الْخَاسِرِينَ } . قَالَ أَبُو جَعْفَر : { فَلَوْلَا فَضْل اللَّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَته } إيَّاكُمْ بِإِنْقَاذِهِ إيَّاكُمْ بِالتَّوْبَةِ عَلَيْكُمْ مِنْ خَطِيئَتكُمْ وَجُرْمكُمْ , لَكُنْتُمْ الْبَاخِسِينَ أَنْفُسكُمْ حُظُوظهَا دَائِمًا , الْهَالِكِينَ بِمَا اجْتَرَمْتُمْ مِنْ نَقْضِ مِيثَاقكُمْ وَخِلَافكُمْ أَمْره وَطَاعَته . وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَاننَا قَبْل بِالشَّوَاهِدِ عَنْ مَعْنَى الْخَسَار بِمَا أَغْنَى عَنْ إعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْت } يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ } وَلَقَدْ عَرَفْتُمْ , كَقَوْلِك : قَدْ عَلِمْت أَخَاك وَلَمْ أَكُنْ أَعْلَمهُ , يَعْنِي عَرَفْته وَلَمْ أَكُنْ أَعْرِفهُ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَآخَرِينَ مِنْ دُونهمْ لَا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّه يَعْلَمهُمْ } 8 60 يَعْنِي : لَا تَعْرِفُونَهُمْ اللَّه يَعْرِفهُمْ . وَقَوْله : { الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْت } أَيْ الَّذِينَ تَجَاوَزُوا حَدِّي وَرَكِبُوا مَا نَهَيْتهمْ عَنْهُ فِي يَوْم السَّبْت وَعَصَوْا أَمْرِي . وَقَدْ دَلَّلْت فِيمَا مَضَى عَلَى أَنَّ الِاعْتِدَاء أَصْله تَجَاوُز الْحَدّ فِي كُلّ شَيْء بِمَا أَغْنَى عَنْ إعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . قَالَ : وَهَذِهِ الْآيَة وَآيَات بَعْدهَا تَتْلُوهَا , مِمَّا عَدَّ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِيهَا عَلَى بَنِي إسْرَائِيل الَّذِينَ كَانُوا بَيْن خِلَال دُور الْأَنْصَار زَمَان النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ ابْتَدَأَ بِذِكْرِهِمْ فِي أَوَّل هَذِهِ السُّورَة مِنْ نَكْث أَسْلَافهمْ عَهْد اللَّه وَمِيثَاقه مَا كَانُوا يُبْرِمُونَ مِنْ الْعُقُود , وَحَذَّرَ الْمُخَاطَبِينَ بِهَا أَنْ يَحِلّ بِهِمْ بِإِصْرَارِهِمْ عَلَى كُفْرهمْ وَمَقَامهمْ عَلَى جُحُود نُبُوَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرْكهمْ اتِّبَاعه وَالتَّصْدِيق بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد رَبّه مِثْل الَّذِي حَلَّ بِأَوَائِلِهِمْ مِنْ الْمَسْخ وَالرَّجْف وَالصَّعْق , وَمَا لَا قِبَل لَهُمْ بِهِ مِنْ غَضَب اللَّه وَسَخَطه . كَاَلَّذِي : 950 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْت } يَقُول : وَلَقَدْ عَرَفْتُمْ وَهَذَا تَحْذِير لَهُمْ مِنْ الْمَعْصِيَة , يَقُول : احْذَرُوا أَنْ يُصِيبكُمْ مَا أَصَابَ أَصْحَاب السَّبْت إذْ عَصَوْنِي , { اعْتَدَوْا } يَقُول اجْتَرَءُوا فِي السَّبْت . قَالَ : لَمْ يَبْعَث اللَّه نَبِيًّا إلَّا أَمَرَهُ بِالْجُمُعَةِ وَأَخْبَرَهُ بِفَضْلِهَا وَعِظَمهَا فِي السَّمَوَات وَعِنْد الْمَلَائِكَة , وَأَنَّ السَّاعَة تَقُوم فِيهَا , فَمَنْ اتَّبَعَ الْأَنْبِيَاء فِيمَا مَضَى كَمَا اتَّبَعَتْ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدًا قَبْل الْجُمُعَة وَسَمِعَ وَأَطَاعَ وَعَرَفَ فَضْلهَا وَثَبَتَ عَلَيْهَا بِمَا أَمَرَهُ اللَّه تَعَالَى بِهِ وَنَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمَنْ لَمْ يَفْعَل ذَلِكَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّه فِي كِتَابه , فَقَالَ : { وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْت فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَة خَاسِئِينَ } . وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُود قَالَتْ لِمُوسَى حِين أَمَرَهُمْ بِالْجُمُعَةِ وَأَخْبَرَهُمْ بِفَضْلِهَا : يَا مُوسَى كَيْفَ تَأْمُرنَا بِالْجُمُعَةِ وَتُفَضِّلهَا عَلَى الْأَيَّام كُلّهَا , وَالسَّبْت أَفَضْل الْأَيَّام كُلّهَا لِأَنَّ اللَّه خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْأَقْوَات فِي سِتَّة أَيَّام وَسَبَّتْ لَهُ كُلّ شَيْء مُطِيعًا يَوْم السَّبْت , وَكَانَ آخِر السِّتَّة ؟ قَالَ : وَكَذَلِكَ قَالَتْ النَّصَارَى لِعِيسَى ابْن مَرْيَم حِين أَمَرَهُمْ بِالْجُمُعَةِ , قَالُوا لَهُ : كَيْفَ تَأْمُرنَا بِالْجُمُعَةِ , وَأَفْضَل الْأَيَّام أَفْضَلهَا وَسَيِّدهَا , وَالْأَوَّل أَفْضَل , وَاَللَّه وَاحِد , وَالْوَاحِد الْأَوَّل أَفْضَل ؟ فَأَوْحَى اللَّه إلَى عِيسَى أَنْ دَعْهُمْ وَالْأَحَد , وَلَكِنْ لِيَفْعَلُوا فِيهِ كَذَا وَكَذَا مِمَّا أَمَرَهُمْ بِهِ . فَلَمْ يَفْعَلُوا , فَقَصَّ اللَّه تَعَالَى قَصَصهمْ فِي الْكِتَاب بِمَعْصِيَتِهِمْ . قَالَ : وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّه لِمُوسَى حِين قَالَتْ لَهُ الْيَهُود مَا قَالُوا فِي أَمْر السَّبْت : أَنْ دَعْهُمْ وَالسَّبْت فَلَا يَصِيدُوا فِيهِ سَمَكًا وَلَا غَيْره , وَلَا يَعْمَلُونَ شَيْئًا كَمَا قَالُوا . قَالَ : فَكَانَ إذَا كَانَ السَّبْت ظَهَرَتْ الْحِيتَان عَلَى الْمَاء فَهُوَ قَوْله : { إذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانهمْ يَوْم سَبْتهمْ شُرَّعًا } 7 163 يَقُول : ظَاهِرَة عَلَى الْمَاء , ذَلِكَ لِمَعْصِيَتِهِمْ مُوسَى . وَإِذَا كَانَ غَيْر يَوْم السَّبْت صَارَتْ صَيْدًا كَسَائِرِ الْأَيَّام , فَهُوَ قَوْله : { وَيَوْم لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ } . 7 163 فَفَعَلَتْ الْحِيتَان ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّه ; فَلَمَّا رَأَوْهَا كَذَلِكَ طَمِعُوا فِي أَخْذهَا وَخَافُوا الْعُقُوبَة , فَتَنَاوَلَ بَعْضهمْ مِنْهَا فَلَمْ تَمْتَنِع عَلَيْهِ , وَحَذِرَ الْعُقُوبَة الَّتِي حَذَّرَهُمْ مُوسَى مِنْ اللَّه تَعَالَى . فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّ الْعُقُوبَة لَا تَحِلّ بِهِمْ عَادُوا وَأَخْبَرَ بَعْضهمْ بَعْضًا بِأَنَّهُمْ قَدْ أَخَذُوا السَّمَك وَلَمْ يُصِبْهُمْ شَيْء , فَكَثُرُوا فِي ذَلِكَ وَظَنُّوا أَنَّ مَا قَالَ لَهُمْ مُوسَى كَانَ بَاطِلًا , وَهُوَ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْت فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَة خَاسِئِينَ } يَقُول لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ صَادُوا السَّمَك , فَمَسَخَهُمْ اللَّه قِرَدَة بِمَعْصِيَتِهِمْ , يَقُول : إذَا لَمْ يَحْيَوْا فِي الْأَرْض إلَّا ثَلَاثَة أَيَّام , وَلَمْ تَأْكُل , وَلَمْ تَشْرَب , وَلَمْ تَنْسَلّ , وَقَدْ خَلَقَ اللَّه الْقِرَدَة وَالْخَنَازِير وَسَائِر الْخَلْق فِي السِّتَّة الْأَيَّام الَّتِي ذَكَرَ اللَّه فِي كِتَابه , فَمُسِخَ هَؤُلَاءِ الْقَوْم فِي صُورَة الْقِرَدَة , وَكَذَلِكَ يَفْعَل بِمَنْ شَاءَ كَمَا يَشَاء , وَيُحَوِّلهُ كَمَا يَشَاء . 951 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة بْن الْفَضْل , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إسْحَاق , عَنْ دَاوُد بْن الْحُصَيْن , عَنْ عِكْرِمَة مَوْلَى ابْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : إنَّ اللَّه إنَّمَا افْتَرَضَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيل الْيَوْم الَّذِي افْتَرَضَ عَلَيْكُمْ فِي عِيدكُمْ يَوْم الْجُمُعَة , فَخَالَفُوا إلَى السَّبْت فَعَظَّمُوهُ وَتَرَكُوا مَا أُمِرُوا بِهِ , فَلَمَّا أَبَوْا إلَّا لُزُوم السَّبْت ابْتَلَاهُمْ اللَّه فِيهِ , فَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ مَا أَحَلَّ لَهُمْ فِي غَيْره . وَكَانُوا فِي قَرْيَة بَيْن أَيْلَةَ وَالطُّور يُقَال لَهَا " مَدْيَن " , فَحَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمْ فِي السَّبْت الْحِيتَان صَيْدهَا وَأَكْلهَا , وَكَانُوا إذَا كَانَ يَوْم السَّبْت أَقْبَلَتْ إلَيْهِمْ شُرَّعًا إلَى سَاحِل بَحْرهمْ , حَتَّى إذَا ذَهَبَ السَّبْت ذَهَبْنَ , فَلَمْ يَرَوْا حُوتًا صَغِيرًا وَلَا كَبِيرًا . حَتَّى إذَا كَانَ يَوْم السَّبْت أَتَيْنَ إلَيْهِمْ شُرَّعًا , حَتَّى إذَا ذَهَبَ السَّبْت ذَهَبْنَ . فَكَانُوا كَذَلِكَ , حَتَّى إذَا طَالَ عَلَيْهِمْ الْأَمَد وَقَرِمُوا إلَى الْحِيتَان , عَمِدَ رَجُل مِنْهُمْ فَأَخَذَ حُوتًا سِرًّا يَوْم السَّبْت فَخَزَمَهُ بِخَيْطٍ , ثُمَّ أَرْسَلَهُ فِي الْمَاء , وَأَوْتَدَ لَهُ وَتِدًا فِي السَّاحِل , فَأَوْثَقه ثُمَّ تَرَكَهُ . حَتَّى إذَا كَانَ الْغَد جَاءَ فَأَخَذَهُ ; أَيْ إنِّي لَمْ آخُذهُ فِي يَوْم السَّبْت , ثُمَّ انْطَلَقَ بِهِ فَأَكَلَهُ . حَتَّى إذَا كَانَ يَوْم السَّبْت الْآخَر عَادَ لِمِثْلِ ذَلِكَ . وَوَجَدَ النَّاس رِيح الْحِيتَان . فَقَالَ أَهْل الْقَرْيَة : وَاَللَّه لَقَدْ وَجَدْنَا رِيح الْحِيتَان . ثُمَّ عَثَرُوا عَلَى مَا صَنَعَ ذَلِكَ الرَّجُل . قَالَ : فَفَعَلُوا كَمَا فَعَلَ , وَأَكَلُوا سِرًّا زَمَانًا طَوِيلًا لَمْ يُعَجِّل اللَّه عَلَيْهِمْ بِعُقُوبَةٍ حَتَّى صَادُوهَا عَلَانِيَة وَبَاعُوهَا بِالْأَسْوَاقِ , وَقَالَتْ طَائِفَة مِنْهُمْ مِنْ أَهْل الْبَقِيَّة : وَيْحكُمْ اتَّقُوا اللَّه ! وَنَهَوْهُمْ عَمَّا كَانُوا يَصْنَعُونَ . وَقَالَتْ طَائِفَة أُخْرَى لِمَ تَأْكُل الْحِيتَان وَلَمْ تَنْهَ الْقَوْم عَمَّا صَنَعُوا : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّه مُهْلِكهمْ أَوْ مُعَذِّبهمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَة إلَى رَبّكُمْ } لَسَخَطنَا أَعْمَالهمْ { وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } . 7 164 قَالَ ابْن عَبَّاس : فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ أَصْبَحَتْ تلك الْبَقِيَّة في أَنْدِيَتهمْ وَمَسَاجِدهمْ , وَفَقَدُوا النَّاس فَلَا يَرَوْنَهُمْ , فَقَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : إنَّ لِلنَّاسِ لَشَأْنًا فَانْظُرُوا مَا هُوَ ! فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ فِي دُورهمْ , فَوَجَدُوهَا مُغْلَقَة عَلَيْهِمْ , قَدْ دَخَلُوا لَيْلًا فَغَلَقُوهَا عَلَى أَنْفُسهمْ كَمَا تَغْلِق النَّاس عَلَى أَنْفُسهمْ , فَأَصْبَحُوا فِيهَا قِرَدَة , إنَّهُمْ لَيَعْرِفُونَ الرَّجُل بِعَيْنِهِ وَإِنَّهُ لَقِرْد , وَالْمَرْأَة بِعَيْنِهَا وَإِنَّهَا لَقِرْدَة , وَالصَّبِيّ بِعَيْنِهِ وَإِنَّهُ لَقِرْد . قَالَ : يَقُول ابْن عَبَّاس : فَلَوْلَا مَا ذَكَرَ اللَّه أَنَّهُ أَنْجَى الَّذِينَ نُهُوا عَنْ السُّوء لَقُلْنَا أَهَلَكَ الْجَمِيع مِنْهُمْ . قَالُوا : وَهِيَ الْقَرْيَة الَّتِي قَالَ اللَّه لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَة الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَة الْبَحْر } الْآيَة 7 163 . 952 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْت فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَة خَاسِئِينَ } أُحِلَّتْ لَهُمْ الْحِيتَان وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ يَوْم السَّبْت بَلَاء مِنْ اللَّه لِيَعْلَم مَنْ يُطِيعهُ مِمَّنْ يَعْصِيه . فَصَارَ الْقَوْم ثَلَاثَة أَصْنَاف : فَإِمَّا صِنْف فَأَمْسَكَ وَنَهَى عَنْ الْمَعْصِيَة , وَإِمَّا صِنْف فَأَمْسَكَ عَنْ حُرْمَة اللَّه . وَإِمَّا صِنْف فَانْتَهَكَ حُرْمَة اللَّه وَمُرْد عَلَى الْمَعْصِيَة , فَلَمَّا أَبَوْا إلَّا الِاعْتِدَاء إلَى مَا نُهُوا عَنْهُ , قَالَ اللَّه لَهُمْ : { كُونُوا قِرَدَة خَاسِئِينَ } فَصَارُوا قِرَدَة لَهَا أَذْنَاب , تَعَاوِي بَعْد مَا كَانُوا رِجَالًا وَنِسَاء . 953 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْت } قَالَ : نُهُوا عَنْ صَيْد الْحِيتَان يَوْم السَّبْت , فَكَانَتْ تُشْرِع إلَيْهِمْ يَوْم السَّبْت , وَبُلُوا بِذَلِكَ فَاعْتَدَوْا فَاصْطَادُوهَا , فَجَعَلَهُمْ اللَّه قِرَدَة خَاسِئِينَ . 954 - حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْت فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَة خَاسِئِينَ } قَالَ : فَهُمْ أَهْل أَيْلَةَ , وَهِيَ الْقَرْيَة الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَة الْبَحْر . فَكَانَتْ الْحِيتَان إذَا كَانَ يَوْم السَّبْت - وَقَدْ حَرَّمَ اللَّه عَلَى الْيَهُود أَنْ يَعْمَلُوا فِي السَّبْت شَيْئًا - لَمْ يَبْقَ فِي الْبَحْر حُوت إلَّا خَرَجَ حَتَّى يُخْرِجْنَ خَرَاطِيمهنَّ مِنْ الْمَاء , فَإِذَا كَانَ يَوْم الْأَحَد لِزَمَنِ سُفْل الْبَحْر فَلَمْ يُرَ مِنْهُنَّ شَيْء حَتَّى يَكُون يَوْم السَّبْت . فَذَلِكَ قَوْله : { وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَة الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَة الْبَحْر إذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْت إذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانهمْ يَوْم سَبْتهمْ شُرَّعًا وَيَوْم لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ } 7 163 فَاشْتَهَى بَعْضهمْ السَّمَك , فَجَعَلَ الرَّجُل يَحْفِر الْحَفِيرَة وَيَجْعَل لَهَا نَهَرًا إلَى الْبَحْر , فَإِذَا كَانَ يَوْم السَّبْت فَتْح النَّهَر , فَأَقْبَلَ الْمَوْج بِالْحِيتَانِ يَضْرِبهَا حَتَّى يُلْقِيهَا فِي الْحَفِيرَة , وَيُرِيد الْحُوت أَنْ يَخْرَج فَلَا يُطِيق مِنْ أَجْل قِلَّة مَاء النَّهَر , فَيَمْكُث , فَإِذَا كَانَ يَوْم الْأَحَد جَاءَ فَأَخَذَهُ . فَجَعَلَ الرَّجُل يَشْوِي السَّمَك , فَيَجِد جَاره رِيحه , فَيَسْأَلهُ فَيُخْبِرهُ فَيَصْنَع مِثْل مَا صَنَعَ جَاره . حَتَّى إذَا فَشَا فِيهِمْ أَكْل السَّمَك قَالَ لَهُمْ عُلَمَاؤُهُمْ : وَيْحكُمْ إنَّمَا تَصْطَادُونَ السَّمَك يَوْم السَّبْت , وَهُوَ لَا يَحِلّ لَكُمْ ! فَقَالُوا : إنَّمَا صِدْنَاهُ يَوْم الْأَحَد حِين أَخَذْنَاهُ , فَقَالَ الْفُقَهَاء : لَا , وَلَكِنَّكُمْ صِدْتُمُوهُ يَوْم فَتَحْتُمْ لَهُ الْمَاء فَدَخَلَ ; فَقَالُوا : لَا . وَعَتَوْا أَنْ يَنْتَهُوا , فَقَالَ بَعْض الَّذِينَ نَهَوْهُمْ لِبَعْضٍ : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّه مُهْلِكهمْ أَوْ مُعَذِّبهمْ عَذَابًا شَدِيدًا } 7 164 يَقُول : لِمَ تَعِظُونَهُمْ وَقَدْ وَعَظْتُمُوهُمْ فَلَمْ يُطِيعُوكُمْ ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : { مَعْذِرَة إلَى رَبّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } . 7 164 فَلَمَّا أَبَوْا قَالَ الْمُسْلِمُونَ : وَاَللَّه لَا نُسَاكِنكُمْ فِي قَرْيَة وَاحِدَة ! فَقَسَّمُوا الْقَرْيَة بِجِدَارٍ , فَفَتَحَ الْمُسْلِمُونَ بَابًا وَالْمُعْتَدُونَ فِي السَّبْت بَابًا , وَلَعَنَهُمْ دَاوُد . فَحَمَلَ الْمُسْلِمُونَ يَخْرُجُونَ مِنْ بَابهمْ وَالْكُفَّار مِنْ بَابهمْ ; فَخَرَجَ الْمُسْلِمُونَ ذَات يَوْم وَلَمْ يَفْتَح الْكُفَّار بَابهمْ , فَلَمَّا أَبْطَئُوا عَلَيْهِمْ تَسَوَّرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ الْحَائِط , فَإِذَا هُمْ قِرَدَة يَثِب بَعْضهمْ عَلَى بَعْض , فَفَتَحُوا عَنْهُمْ فَذَهَبُوا فِي الْأَرْض . فَذَلِكَ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَة خَاسِئِينَ } 7 166 فَذَلِكَ حِين يَقُول : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إسْرَائِيل عَلَى لِسَان دَاوُد وَعِيسَى ابْن مَرْيَم } 5 78 فَهُمْ الْقِرَدَة . 955 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْت فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَة خَاسِئِينَ } قال : لم يُمْسَخُوا إنَّمَا هو مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لَهُمْ مِثْل مَا ضَرَبَ مَثَل الْحِمَار يَحْمِل أَسْفَارًا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْت فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَة خَاسِئِينَ } قَالَ : مُسِخَتْ قُلُوبهمْ , وَلَمْ يُمْسَخُوا قِرَدَة , وَإِنَّمَا هُوَ مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لَهُمْ كَمَثَلِ الْحِمَار يَحْمِل أَسْفَارًا . وَهَذَا الْقَوْل الَّذِي قَالَهُ مُجَاهِد قَوْل لِظَاهِرِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كِتَاب اللَّه مَخَالِف , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه أَخْبَرَ فِي كِتَابه أَنَّهُ جَعَلَ مِنْهُمْ الْقِرَدَة وَالْخَنَازِير وَعَبْد الطَّاغُوت , كَمَا أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا لِنَبِيِّهِمْ : { أَرِنَا اللَّه جَهْرَة } 4 153 وَأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَصْعَقهُمْ عِنْد مَسْأَلَتهمْ ذَلِكَ رَبّهمْ وَأَنَّهُمْ عَبَدُوا الْعِجْل , فَجَعَلَ تَوْبَتهمْ قَتْل أَنْفُسهمْ , وَأَنَّهُمْ أُمِرُوا بِدُخُولِ الْأَرْض الْمُقَدَّسَة , فَقَالُوا لِنَبِيِّهِمْ : { اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } 5 24 فَابْتَلَاهُمْ بِالتِّيهِ . فَسَوَاء قَالَ قَائِل : هُمْ لَمْ يَمْسَخهُمْ قِرَدَة , وَقَدْ أَخْبَرَ جَلَّ ذِكْره أَنَّهُ جَعَلَ مِنْهُمْ قِرَدَة وَخَنَازِير , وَآخَر قَالَ : لَمْ يَكُنْ شَيْء مِمَّا أَخْبَرَ اللَّه عَنْ بَنِي إسْرَائِيل أَنَّهُ كَانَ مِنْهُمْ مِنْ الْخِلَاف عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ وَالْعُقُوبَات وَالْأَنْكَال الَّتِي أَحَلَّهَا اللَّه بِهِمْ . وَمَنْ أَنْكَرَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَأَقَرَّ بِآخَر مِنْهُ , سُئِلَ الْبُرْهَان عَلَى قَوْله وَعُورِضَ فِيمَا أَنْكَرَ مِنْ ذَلِكَ بِمَا أَقَرَّ بِهِ , ثُمَّ يَسْأَل الْفَرْق مِنْ خَبَر مُسْتَفِيض أَوْ أَثَر صَحِيح . هَذَا مَعَ خِلَاف قَوْل مُجَاهِد قَوْل جَمِيع الْحُجَّة الَّتِي لَا يَجُوز عَلَيْهَا الْخَطَأ وَالْكَذِب فِيمَا نَقَلْته مُجْمَعَة عَلَيْهِ , وَكَفَى دَلِيلًا عَلَى فَسَاد قَوْل إجْمَاعهَا عَلَى تَخْطِئَته .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَة خَاسِئِينَ } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { فَقُلْنَا لَهُمْ } أَيْ فَقُلْنَا لِلَّذِينَ اعْتَدَوْا فِي السَّبْت ; يَعْنِي فِي يَوْم السَّبْت . وَأَصْل السَّبْت الْهُدُوء السُّكُون فِي رَاحَة وَدَعَة , وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلنَّائِمِ مَسْبُوت لِهُدُوئِهِ وَسُكُون جَسَده وَاسْتِرَاحَته , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَجَعَلْنَا نَوْمكُمْ سُبَاتًا } 78 9 أَيْ رَاحَة لِأَجْسَادِكُمْ . وَهُوَ مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : سَبَتَ فُلَان يَسْبِت سَبْتًا . وَقَدْ قِيلَ أَنَّهُ سُمِّيَ سَبْتًا لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ فَرَغَ يَوْم الْجُمُعَة , وَهُوَ الْيَوْم الَّذِي قَبْله , مِنْ خَلْق جَمِيع خَلْقه . وَقَوْله : { كُونُوا قِرَدَة خَاسِئِينَ } أَيْ صِيرُوا كَذَلِكَ . وَالْخَاسِئ : الْمُعَبَّد الْمَطْرُود كَمَا يَخْسَأ الْكَلْب , يُقَال مِنْهُ : خَسَأْتُهُ أَخْسَؤُهُ خَسْأً وَخُسُوءًا , وَهُوَ يَخْسَأ خُسُوءًا , قَالَ : وَيُقَال خَسَأْتُهُ فَخَسَأَ وَانْخَسَأَ , وَمِنْهُ قَوْل الرَّاجِز : كَالْكَلْبِ إنْ قُلْت لَهُ اخْسَأْ انْخَسَأَ يَعْنِي إنْ طَرَدْته انْطَرَدَ ذَلِيلًا صَاغِرًا . فَكَذَلِكَ مَعْنَى قَوْله : { كُونُوا قِرَدَة خَاسِئِينَ } أَيْ مُبْعَدِينَ مِنْ الْخَيْر أَذِلَّاء صُغَرَاء . كَمَا : 956 - حَدَّثَنَا بَشَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ , حَدَّثَنَا سُفْيَان , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { كُونُوا قِرَدَة خَاسِئِينَ } قَالَ : صَاغِرِينَ . * حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان , عَنْ رَجُل , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 957 - حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ : { خَاسِئِينَ } قَالَ : صَاغِرِينَ . 958 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { كُونُوا قِرَدَة خَاسِئِينَ } أَيْ أَذِلَّة صَاغِرِينَ . 959 - وَحُدِّثْت عَنْ المنجاب , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : خَاسِئًا : يَعْنِي ذَلِيلًا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَة خَاسِئِينَ } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { فَقُلْنَا لَهُمْ } أَيْ فَقُلْنَا لِلَّذِينَ اعْتَدَوْا فِي السَّبْت ; يَعْنِي فِي يَوْم السَّبْت . وَأَصْل السَّبْت الْهُدُوء السُّكُون فِي رَاحَة وَدَعَة , وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلنَّائِمِ مَسْبُوت لِهُدُوئِهِ وَسُكُون جَسَده وَاسْتِرَاحَته , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَجَعَلْنَا نَوْمكُمْ سُبَاتًا } 78 9 أَيْ رَاحَة لِأَجْسَادِكُمْ . وَهُوَ مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : سَبَتَ فُلَان يَسْبِت سَبْتًا . وَقَدْ قِيلَ أَنَّهُ سُمِّيَ سَبْتًا لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ فَرَغَ يَوْم الْجُمُعَة , وَهُوَ الْيَوْم الَّذِي قَبْله , مِنْ خَلْق جَمِيع خَلْقه . وَقَوْله : { كُونُوا قِرَدَة خَاسِئِينَ } أَيْ صِيرُوا كَذَلِكَ . وَالْخَاسِئ : الْمُعَبَّد الْمَطْرُود كَمَا يَخْسَأ الْكَلْب , يُقَال مِنْهُ : خَسَأْتُهُ أَخْسَؤُهُ خَسْأً وَخُسُوءًا , وَهُوَ يَخْسَأ خُسُوءًا , قَالَ : وَيُقَال خَسَأْتُهُ فَخَسَأَ وَانْخَسَأَ , وَمِنْهُ قَوْل الرَّاجِز : كَالْكَلْبِ إنْ قُلْت لَهُ اخْسَأْ انْخَسَأَ يَعْنِي إنْ طَرَدْته انْطَرَدَ ذَلِيلًا صَاغِرًا . فَكَذَلِكَ مَعْنَى قَوْله : { كُونُوا قِرَدَة خَاسِئِينَ } أَيْ مُبْعَدِينَ مِنْ الْخَيْر أَذِلَّاء صُغَرَاء . كَمَا : 956 - حَدَّثَنَا بَشَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ , حَدَّثَنَا سُفْيَان , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { كُونُوا قِرَدَة خَاسِئِينَ } قَالَ : صَاغِرِينَ . * حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان , عَنْ رَجُل , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 957 - حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ : { خَاسِئِينَ } قَالَ : صَاغِرِينَ . 958 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { كُونُوا قِرَدَة خَاسِئِينَ } أَيْ أَذِلَّة صَاغِرِينَ . 959 - وَحُدِّثْت عَنْ المنجاب , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : خَاسِئًا : يَعْنِي ذَلِيلًا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل الْهَاء وَالْأَلِف فِي قَوْله : { فَجَعَلْنَاهَا } وعلام هِيَ عَائِدَة , فَرُوِيَ عَنْ ابْن عَبَّاس فِيهَا قَوْلَانِ : أَحَدهمَا مَا : 960 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو رَوْق عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { فَجَعَلْنَاهَا } فَجَعَلْنَا تِلْكَ الْعُقُوبَة وَهِيَ الْمِسْخَة نَكَالًا . فَالْهَاء وَالْأَلِف مِنْ قَوْله : { فَجَعَلْنَاهَا } عَلَى قَوْل ابْن عَبَّاس هَذَا كِنَايَة عَنْ الْمِسْخَة , وَهِيَ " فِعْلَة " مَسَخَهُمْ اللَّه مِسْخَة . فَمَعْنَى الْكَلَام عَلَى هَذَا التَّأْوِيل : { فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَة خَاسِئِينَ } فَصَارُوا قِرَدَة مَمْسُوخِينَ { فَجَعَلْنَاهَا } فَجَعَلْنَا عُقُوبَتنَا وَمَسْخنَا إيَّاهُمْ { نَكَالًا لِمَا بَيْن يَدَيْهَا وَمَا خَلْفهَا وَمَوْعِظَة لِلْمُتَّقِينَ } . وَالْقَوْل الْآخَر مِنْ قَوْلِي ابْن عَبَّاس مَا : 961 - حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { فَجَعَلْنَاهَا } يَعْنِي الْحِيتَان . وَالْهَاء وَالْأَلِف عَلَى هَذَا الْقَوْل مِنْ ذِكْر الْحِيتَان , وَلَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْر . وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ فِي الْخَبَر دَلَالَة كُنِيَ عَنْ ذِكْرهَا , وَالدَّلَالَة عَلَى ذَلِكَ قَوْله : { وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْت } . وَقَالَ آخَرُونَ : فَجَعَلْنَا الْقَرْيَة الَّتِي اعْتَدَى أَهْلهَا فِي السَّبْت . فَالْهَاء وَالْأَلِف فِي قَوْل هَؤُلَاءِ كِنَايَة عَنْ قَرْيَة الْقَوْم الَّذِينَ مُسِخُوا . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : فَجَعَلْنَا الْقِرَدَة الَّذِينَ مُسِخُوا نَكَالًا لِمَا بَيْن يَدَيْهَا وَمَا خَلْفهَا , فَجَعَلُوا الْهَاء وَالْأَلِف كِنَايَة عَنْ الْقِرَدَة . وَقَالَ آخَرُونَ : { فَجُلْنَاهَا } يَعْنِي بِهِ : فَجَعَلْنَا الْأُمَّة الَّتِي اعْتَدَتْ فِي السَّبْت نَكَالًا . الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { نَكَالًا } . وَالنَّكَال مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : نَكَلَ فُلَان بِفُلَانٍ تَنْكِيلًا وَنَكَالًا , وَأَصْل النَّكَال : الْعُقُوبَة , كَمَا قَالَ عَدِيّ بْن زَيْد الْعَبَّادِيّ : لَا يَحُطّ الضِّلِّيل مَا صَنَعَ الْعَبْد وَلَا فِي نَكَاله تَنْكِير وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ رُوِيَ الْخَبَر عَنْ ابْن عَبَّاس : 962 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { نَكَالًا } يَقُول : عُقُوبَة . 963 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنِي إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنِي ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا } أَيْ عُقُوبَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لِمَا بَيْن يَدَيْهَا وَمَا خَلْفهَا } . اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ . فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 964 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { لِمَا بَيْن يَدَيْهَا } يَقُول : لِيَحْذَر مِنْ بَعْدهمْ عُقُوبَتِي , { وَمَا خَلْفهَا } يَقُول : الَّذِينَ كَانُوا بَقُوا مَعَهُمْ . 965 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { لِمَا بَيْن يَدَيْهَا وَمَا خَلْفهَا } لِمَا خَلَا لَهُمْ مِنْ الذُّنُوب , { وَمَا خَلْفهَا } أَيْ عِبْرَة لِمَنْ بَقِيَ مِنْ النَّاس . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 966 - حَدَّثَنِي ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنِي ابْن إسْحَاق , عَنْ دَاوُد بْن الْحُصَيْن , عَنْ عِكْرِمَة مَوْلَى ابْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : { فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْن يَدَيْهَا وَمَا خَلْفهَا } أَيْ مِنْ الْقُرَى . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 967 - حَدَّثَنَا بِهِ بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ , قَالَ اللَّه { فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْن يَدَيْهَا } مِنْ ذُنُوب الْقَوْم , { وَمَا خَلْفهَا } أَيْ لِلْحِيتَانِ الَّتِي أَصَابُوا . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { لِمَا بَيْن يَدَيْهَا } مِنْ ذُنُوبهَا { وَمَا خَلْفهَا } مِنْ الْحِيتَان . 968 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنِي عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح . عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { لِمَا بَيْن يَدَيْهَا } مَا مَضَى مِنْ خَطَايَاهُمْ إلَى أَنْ هَلَكُوا بِهِ . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى . قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { نَكَالًا لِمَا بَيْن يَدَيْهَا وَمَا خَلْفهَا } يَقُول : بَيْن يَدَيْهَا مَا مَضَى مِنْ خَطَايَاهُمْ , { وَمَا خَلْفهَا } خَطَايَاهُمْ الَّتِي هَلَكُوا بِهَا . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله ; إلَّا أَنَّهُ قَالَ , { وَمَا خَلْفهَا } خَطِيئَتهمْ الَّتِي هَلَكُوا بِهَا . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 969 - حَدَّثَنِي بِهِ مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْن يَدَيْهَا وَمَا خَلْفهَا } قَالَ : أَمَّا مَا بَيْن يَدَيْهَا : فَمَا سَلَفَ مِنْ عَمَلهمْ , { وَمَا خَلْفهَا } فَمَنْ كَانَ بَعْدهمْ مِنْ الْأُمَم أَنْ يَعْصُوا فَيَصْنَع اللَّه بِهِمْ مِثْل ذَلِكَ . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا . 970 - حَدَّثَنِي بِهِ ابْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله , { فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْن يَدَيْهَا وَمَا خَلْفهَا } يَعْنِي الْحِيتَان جَعَلَهَا نَكَالًا لِمَا بَيْن يَدَيْهَا { وَمَا خَلْفهَا } مِنْ الذُّنُوب الَّتِي عَمِلُوا قَبْل الْحِيتَان , وَمَا عَمِلُوا بَعْد الْحِيتَان , فَذَلِكَ قَوْله { مَا بَيْن يَدَيْهَا وَمَا خَلْفهَا } . وَأَوْلَى هَذِهِ التَّأْوِيلَات بِتَأْوِيلِ الْآيَة مَا رَوَاهُ الضَّحَّاك عَنْ ابْن عَبَّاس ; وَذَلِكَ لَمَّا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّ الْهَاء وَالْأَلِف فِي قَوْله : { فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا } بِأَنْ تَكُون مِنْ ذِكْر الْعُقُوبَة وَالْمِسْخَة الَّتِي مَسَخَهَا الْقَوْم أَوْلَى مِنْهَا بِأَنْ تَكُون مِنْ ذِكْر غَيْرهَا , مِنْ أَجْل أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إنَّمَا يُحَذِّر خَلْقه بَأْسه وَسَطْوَته . وَبِذَلِك يُخَوِّفهُمْ . وَفِي إبَانَته عَزَّ ذِكْره بِقَوْلِهِ : { نَكَالًا } أَنَّهُ عَنَى بِهِ الْعُقُوبَة الَّتِي أَحَلَّهَا بِالْقَوْمِ مَا يَعْلَم أَنَّهُ عَنَى بِقَوْلِهِ : { فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْن يَدَيْهَا وَمَا خَلْفهَا } فَجَعَلْنَا عُقُوبَتنَا الَّتِي أَحَلَلْنَاهَا بِهِمْ عُقُوبَة لِمَا بَيْن يَدَيْهَا وَمَا خَلْفهَا , دُون غَيْره مِنْ الْمَعَانِي . وَإِذَا كَانَتْ الْهَاء وَالْأَلِف بِأَنْ تَكُون مِنْ ذِكْر الْمِسْخَة وَالْعُقُوبَة أَوْلَى مِنْهَا بِأَنْ تَكُون مِنْ ذِكْر غَيْرهَا , فَكَذَلِكَ الْعَائِد فِي قَوْله : { لِمَا بَيْن يَدَيْهَا وَمَا خَلْفهَا } مِنْ الْهَاء وَالْأَلِف أَنْ يَكُون مِنْ ذِكْر الْهَاء وَالْأَلِف اللَّتَيْنِ فِي قَوْله : { فَجَعَلْنَاهَا } أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُون مِنْ غَيْره . فَتَأْوِيل الْكَلَام إذَا كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفْنَا : فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَة خَاسِئِينَ , فَجَعَلْنَا عُقُوبَتنَا لَهُمْ عُقُوبَة لِمَا بَيْن يَدَيْهَا مِنْ ذُنُوبهمْ السَّالِفَة مِنْهُمْ مَسَخْنَا إيَّاهُمْ وَعُقُوبَتنَا لَهُمْ , وَلِمَا خَلَف عُقُوبَتنَا لَهُمْ مِنْ أَمْثَال ذُنُوبهمْ , أَنْ يَعْمَل بِهَا عَامِل , فَيَمْسَخُوا مِثْل مَا مُسِخُوا , وَأَنْ يَحِلّ بِهِمْ مِثْل الَّذِي حَلَّ بِهِمْ ; تَحْذِيرًا مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عِبَاده أَنْ يَأْتُوا مِنْ مَعَاصِيه مِثْل الَّذِي أَتَى الْمَمْسُوخُونَ فَيُعَاقِبُوا عُقُوبَتهمْ . وَأَمَّا الَّذِي قَالَ فِي تَأْوِيل ذَلِكَ : { فَجَعَلْنَاهَا } يَعْنِي الْحِيتَان عُقُوبَة لِمَا بَيْن يَدَيْ الْحِيتَان مِنْ ذُنُوب الْقَوْم وَمَا بَعْدهَا مِنْ ذُنُوبهمْ , فَإِنَّهُ أَبْعَد فِي الِانْتِزَاع ; وَذَلِكَ أَنَّ الْحِيتَان لَمْ يَجُرّ لَهَا ذِكْر فَيُقَال : { فَجَعَلْنَاهَا } فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّ ذَلِكَ جَائِز وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَرَى لِلْحِيتَانِ ذِكْر , لِأَنَّ الْعَرَب قَدْ تَكُنِّي عَنْ الِاسْم وَلَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْر , فَإِنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ , فَغَيْر جَائِز أَنْ يَتْرُك الْمَفْهُوم مِنْ ظَاهِر الْكِتَاب وَالْمَعْقُول بِهِ ظَاهِر فِي الْخِطَاب وَالتَّنْزِيل إلَى بَاطِن لَا دَلَالَة عَلَيْهِ مِنْ ظَاهِر التَّنْزِيل وَلَا خَبَر عَنْ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْقُول وَلَا فِيهِ مِنْ الْحُجَّة إجْمَاع مُسْتَفِيض . وَأَمَّا تَأْوِيل مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ : لِمَا بَيْن يَدَيْهَا مِنْ الْقُرَى وَمَا خَلْفهَا , فَيَنْظُر إلَى تَأْوِيل مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ بِمَا بَيْن يَدَيْ الْحِيتَان وَمَا خَلْفهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَوْعِظَة } . وَالْمَوْعِظَة مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : وَعَظْت الرَّجُل أَعِظهُ وَعْظًا وَمَوْعِظَة : إذَا ذَكَرْته . فَتَأْوِيل الْآيَة : فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْن يَدَيْهَا وَمَا خَلْفهَا , وَتَذْكِرَة لِلْمُتَّقِينَ , لِيَتَّعِظُوا بِهَا , وَيَعْتَبِرُوا , وَيَتَذَكَّرُوا بِهَا , كَمَا : 971 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَمَوْعِظَة } يَقُول : وَتَذْكِرَة وَعِبْرَة لِلْمُتَّقِينَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { لِلْمُتَّقِينَ } . وَأَمَّا الْمُتَّقُونَ فَهُمْ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِأَدَاءِ فَرَائِضه وَاجْتِنَاب مَعَاصِيه كَمَا : 972 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا بِشْر بْن عُمَارَة , قَالَ : ثنا أَبُو رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَمَوْعِظَة لِلْمُتَّقِينَ } يَقُول : لِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَتَّقُونَ الشِّرْك . وَيَعْمَلُونَ بِطَاعَتِي . فَجَعَلَ تَعَالَى ذِكْره مَا أَحَلَّ بِاَلَّذِينَ اعْتَدَوْا فِي السَّبْت مِنْ عُقُوبَته مَوْعِظَة لِلْمُتَّقِينَ خَاصَّة وَعِبْرَة لِلْمُؤْمِنِينَ دُون الْكَافِرِينَ بِهِ إلَى يَوْم الْقِيَامَة . 973 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنِي ابْن إسْحَاق , عَنْ دَاوُد بْن الْحُصَيْن , عَنْ عِكْرِمَة مَوْلَى ابْن عَبَّاس , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس فِي قَوْله : { وَمَوْعِظَة لِلْمُتَّقِينَ } إلَى يَوْم الْقِيَامَة . 974 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { وَمَوْعِظَة لِلْمُتَّقِينَ } . أَيْ بَعْدهمْ . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ , مِثْله . 975 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : أَمَّا مَوْعِظَة لِلْمُتَّقِينَ , فَهُمْ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 976 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ , ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { وَمَوْعِظَة لِلْمُتَّقِينَ } قَالَ : فَكَانَتْ مَوْعِظَة لِلْمُتَّقِينَ خَاصَّة . 977 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ فِي قَوْله : { وَمَوْعِظَة لِلْمُتَّقِينَ } أَيْ لِمَنْ بَعْدهمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لِمَا بَيْن يَدَيْهَا وَمَا خَلْفهَا } . اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ . فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 964 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { لِمَا بَيْن يَدَيْهَا } يَقُول : لِيَحْذَر مِنْ بَعْدهمْ عُقُوبَتِي , { وَمَا خَلْفهَا } يَقُول : الَّذِينَ كَانُوا بَقُوا مَعَهُمْ . 965 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { لِمَا بَيْن يَدَيْهَا وَمَا خَلْفهَا } لِمَا خَلَا لَهُمْ مِنْ الذُّنُوب , { وَمَا خَلْفهَا } أَيْ عِبْرَة لِمَنْ بَقِيَ مِنْ النَّاس . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 966 - حَدَّثَنِي ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنِي ابْن إسْحَاق , عَنْ دَاوُد بْن الْحُصَيْن , عَنْ عِكْرِمَة مَوْلَى ابْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : { فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْن يَدَيْهَا وَمَا خَلْفهَا } أَيْ مِنْ الْقُرَى . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 967 - حَدَّثَنَا بِهِ بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ , قَالَ اللَّه { فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْن يَدَيْهَا } مِنْ ذُنُوب الْقَوْم , { وَمَا خَلْفهَا } أَيْ لِلْحِيتَانِ الَّتِي أَصَابُوا . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { لِمَا بَيْن يَدَيْهَا } مِنْ ذُنُوبهَا { وَمَا خَلْفهَا } مِنْ الْحِيتَان . 968 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنِي عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح . عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { لِمَا بَيْن يَدَيْهَا } مَا مَضَى مِنْ خَطَايَاهُمْ إلَى أَنْ هَلَكُوا بِهِ . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى . قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { نَكَالًا لِمَا بَيْن يَدَيْهَا وَمَا خَلْفهَا } يَقُول : بَيْن يَدَيْهَا مَا مَضَى مِنْ خَطَايَاهُمْ , { وَمَا خَلْفهَا } خَطَايَاهُمْ الَّتِي هَلَكُوا بِهَا . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله ; إلَّا أَنَّهُ قَالَ , { وَمَا خَلْفهَا } خَطِيئَتهمْ الَّتِي هَلَكُوا بِهَا . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 969 - حَدَّثَنِي بِهِ مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْن يَدَيْهَا وَمَا خَلْفهَا } قَالَ : أَمَّا مَا بَيْن يَدَيْهَا : فَمَا سَلَفَ مِنْ عَمَلهمْ , { وَمَا خَلْفهَا } فَمَنْ كَانَ بَعْدهمْ مِنْ الْأُمَم أَنْ يَعْصُوا فَيَصْنَع اللَّه بِهِمْ مِثْل ذَلِكَ . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا . 970 - حَدَّثَنِي بِهِ ابْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله , { فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْن يَدَيْهَا وَمَا خَلْفهَا } يَعْنِي الْحِيتَان جَعَلَهَا نَكَالًا لِمَا بَيْن يَدَيْهَا { وَمَا خَلْفهَا } مِنْ الذُّنُوب الَّتِي عَمِلُوا قَبْل الْحِيتَان , وَمَا عَمِلُوا بَعْد الْحِيتَان , فَذَلِكَ قَوْله { مَا بَيْن يَدَيْهَا وَمَا خَلْفهَا } . وَأَوْلَى هَذِهِ التَّأْوِيلَات بِتَأْوِيلِ الْآيَة مَا رَوَاهُ الضَّحَّاك عَنْ ابْن عَبَّاس ; وَذَلِكَ لَمَّا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّ الْهَاء وَالْأَلِف فِي قَوْله : { فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا } بِأَنْ تَكُون مِنْ ذِكْر الْعُقُوبَة وَالْمِسْخَة الَّتِي مَسَخَهَا الْقَوْم أَوْلَى مِنْهَا بِأَنْ تَكُون مِنْ ذِكْر غَيْرهَا , مِنْ أَجْل أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إنَّمَا يُحَذِّر خَلْقه بَأْسه وَسَطْوَته . وَبِذَلِك يُخَوِّفهُمْ . وَفِي إبَانَته عَزَّ ذِكْره بِقَوْلِهِ : { نَكَالًا } أَنَّهُ عَنَى بِهِ الْعُقُوبَة الَّتِي أَحَلَّهَا بِالْقَوْمِ مَا يَعْلَم أَنَّهُ عَنَى بِقَوْلِهِ : { فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْن يَدَيْهَا وَمَا خَلْفهَا } فَجَعَلْنَا عُقُوبَتنَا الَّتِي أَحَلَلْنَاهَا بِهِمْ عُقُوبَة لِمَا بَيْن يَدَيْهَا وَمَا خَلْفهَا , دُون غَيْره مِنْ الْمَعَانِي . وَإِذَا كَانَتْ الْهَاء وَالْأَلِف بِأَنْ تَكُون مِنْ ذِكْر الْمِسْخَة وَالْعُقُوبَة أَوْلَى مِنْهَا بِأَنْ تَكُون مِنْ ذِكْر غَيْرهَا , فَكَذَلِكَ الْعَائِد فِي قَوْله : { لِمَا بَيْن يَدَيْهَا وَمَا خَلْفهَا } مِنْ الْهَاء وَالْأَلِف أَنْ يَكُون مِنْ ذِكْر الْهَاء وَالْأَلِف اللَّتَيْنِ فِي قَوْله : { فَجَعَلْنَاهَا } أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُون مِنْ غَيْره . فَتَأْوِيل الْكَلَام إذَا كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفْنَا : فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَة خَاسِئِينَ , فَجَعَلْنَا عُقُوبَتنَا لَهُمْ عُقُوبَة لِمَا بَيْن يَدَيْهَا مِنْ ذُنُوبهمْ السَّالِفَة مِنْهُمْ مَسَخْنَا إيَّاهُمْ وَعُقُوبَتنَا لَهُمْ , وَلِمَا خَلَف عُقُوبَتنَا لَهُمْ مِنْ أَمْثَال ذُنُوبهمْ , أَنْ يَعْمَل بِهَا عَامِل , فَيَمْسَخُوا مِثْل مَا مُسِخُوا , وَأَنْ يَحِلّ بِهِمْ مِثْل الَّذِي حَلَّ بِهِمْ ; تَحْذِيرًا مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عِبَاده أَنْ يَأْتُوا مِنْ مَعَاصِيه مِثْل الَّذِي أَتَى الْمَمْسُوخُونَ فَيُعَاقِبُوا عُقُوبَتهمْ . وَأَمَّا الَّذِي قَالَ فِي تَأْوِيل ذَلِكَ : { فَجَعَلْنَاهَا } يَعْنِي الْحِيتَان عُقُوبَة لِمَا بَيْن يَدَيْ الْحِيتَان مِنْ ذُنُوب الْقَوْم وَمَا بَعْدهَا مِنْ ذُنُوبهمْ , فَإِنَّهُ أَبْعَد فِي الِانْتِزَاع ; وَذَلِكَ أَنَّ الْحِيتَان لَمْ يَجُرّ لَهَا ذِكْر فَيُقَال : { فَجَعَلْنَاهَا } فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّ ذَلِكَ جَائِز وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَرَى لِلْحِيتَانِ ذِكْر , لِأَنَّ الْعَرَب قَدْ تَكُنِّي عَنْ الِاسْم وَلَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْر , فَإِنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ , فَغَيْر جَائِز أَنْ يَتْرُك الْمَفْهُوم مِنْ ظَاهِر الْكِتَاب وَالْمَعْقُول بِهِ ظَاهِر فِي الْخِطَاب وَالتَّنْزِيل إلَى بَاطِن لَا دَلَالَة عَلَيْهِ مِنْ ظَاهِر التَّنْزِيل وَلَا خَبَر عَنْ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْقُول وَلَا فِيهِ مِنْ الْحُجَّة إجْمَاع مُسْتَفِيض . وَأَمَّا تَأْوِيل مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ : لِمَا بَيْن يَدَيْهَا مِنْ الْقُرَى وَمَا خَلْفهَا , فَيَنْظُر إلَى تَأْوِيل مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ بِمَا بَيْن يَدَيْ الْحِيتَان وَمَا خَلْفهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَوْعِظَة } . وَالْمَوْعِظَة مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : وَعَظْت الرَّجُل أَعِظهُ وَعْظًا وَمَوْعِظَة : إذَا ذَكَرْته . فَتَأْوِيل الْآيَة : فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْن يَدَيْهَا وَمَا خَلْفهَا , وَتَذْكِرَة لِلْمُتَّقِينَ , لِيَتَّعِظُوا بِهَا , وَيَعْتَبِرُوا , وَيَتَذَكَّرُوا بِهَا , كَمَا : 971 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَمَوْعِظَة } يَقُول : وَتَذْكِرَة وَعِبْرَة لِلْمُتَّقِينَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى { لِلْمُتَّقِينَ } . وَأَمَّا الْمُتَّقُونَ فَهُمْ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِأَدَاءِ فَرَائِضه وَاجْتِنَاب مَعَاصِيه كَمَا : 972 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا بِشْر بْن عُمَارَة , قَالَ : ثنا أَبُو رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَمَوْعِظَة لِلْمُتَّقِينَ } يَقُول : لِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَتَّقُونَ الشِّرْك . وَيَعْمَلُونَ بِطَاعَتِي . فَجَعَلَ تَعَالَى ذِكْره مَا أَحَلَّ بِاَلَّذِينَ اعْتَدَوْا فِي السَّبْت مِنْ عُقُوبَته مَوْعِظَة لِلْمُتَّقِينَ خَاصَّة وَعِبْرَة لِلْمُؤْمِنِينَ دُون الْكَافِرِينَ بِهِ إلَى يَوْم الْقِيَامَة . 973 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنِي ابْن إسْحَاق , عَنْ دَاوُد بْن الْحُصَيْن , عَنْ عِكْرِمَة مَوْلَى ابْن عَبَّاس , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس فِي قَوْله : { وَمَوْعِظَة لِلْمُتَّقِينَ } إلَى يَوْم الْقِيَامَة . 974 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { وَمَوْعِظَة لِلْمُتَّقِينَ } . أَيْ بَعْدهمْ . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ , مِثْله . 975 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : أَمَّا مَوْعِظَة لِلْمُتَّقِينَ , فَهُمْ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 976 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ , ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { وَمَوْعِظَة لِلْمُتَّقِينَ } قَالَ : فَكَانَتْ مَوْعِظَة لِلْمُتَّقِينَ خَاصَّة . 977 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ فِي قَوْله : { وَمَوْعِظَة لِلْمُتَّقِينَ } أَيْ لِمَنْ بَعْدهمْ .
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إنَّ اللَّه يَأْمُركُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَة قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذ بِاَللَّهِ أَنْ أَكُون مِنْ الْجَاهِلِينَ } وَهَذِهِ الْآيَة مِمَّا وَبَّخَ اللَّه بِهَا الْمُخَاطَبِينَ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل فِي نَقْضِ أَوَائِلهمْ الْمِيثَاق الَّذِي أَخَذَهُ اللَّه عَلَيْهِمْ بِالطَّاعَةِ لِأَنْبِيَائِهِ , فَقَالَ لَهُمْ : وَاذْكُرُوا أَيْضًا مِنْ نَكْثكُمْ مِيثَاقِي , إذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ , وَقَوْمه بَنُو إسْرَائِيل , إذْ ادَّارَءُوا فِي الْقَتِيل الَّذِي قُتِلَ فِيهِمْ إلَيْهِ : { إنَّ اللَّه يَأْمُركُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَة قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا } وَالْهُزُو : اللَّعِب وَالسُّخْرِيَة , كَمَا قَالَ الرَّاجِز : قَدْ هَزِئَتْ مِنِّي أُمّ طَيْسَلَهْ قَالَتْ أَرَاهُ مُعْدِمًا لَا شَيْء لَهُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ : قَدْ هَزِئَتْ : قَدْ سَخِرَتْ وَلَعِبَتْ . وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُون مِنْ أَنْبِيَاء اللَّه فِيمَا أَخْبَرَتْ عَنْ اللَّه مِنْ أَمْر أَوْ نَهْي هُزُو أَوْ لَعِب . فَظَنُّوا بِمُوسَى أَنَّهُ فِي أَمْره إيَّاهُمْ عَنْ أَمْر اللَّه تَعَالَى ذِكْره بِذَبْحِ الْبَقَرَة عِنْد تَدَارُئِهِمْ فِي الْقَتِيل إلَيْهِ أَنَّهُ هَازِئ لَاعِب , وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَظُنُّوا ذَلِكَ بِنَبِيِّ اللَّه , وَهُوَ يُخْبِرهُمْ أَنَّ اللَّه هُوَ الَّذِي أَمَرَهُمْ بِذَبْحِ الْبَقَرَة . وَحُذِفَتْ الْفَاء مِنْ قَوْله : { أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا } وَهُوَ جَوَاب , لِاسْتِغْنَاءِ مَا قَبْله مِنْ الْكَلَام عَنْهُ , وَحُسْن السُّكُوت عَلَى قَوْله : { إنَّ اللَّه يَأْمُركُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَة } فَجَازَ لِذَلِكَ إسْقَاط الْفَاء مِنْ قَوْله : { أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا } كَمَا جَازَ وَحَسُنَ إسْقَاط مِنْ قَوْله تَعَالَى : { قَالَ فَمَا خَطْبكُمْ أَيّهَا الْمُرْسَلُونَ قَالُوا إنَّا أُرْسِلْنَا } 15 57 : 58 وَلَمْ يَقُلْ : فَقَالُوا إنَّا أَرْسَلْنَا , وَلَوْ قِيلَ : " فَقَالُوا " كَانَ حَسَنًا أَيْضًا جَائِزًا , وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى كَلِمَة وَاحِدَة لَمْ تَسْقُط مِنْهُ الْفَاء ; وَذَلِكَ أَنَّك إذَا قُلْت قُمْت وَفَعَلْت كَذَا وَكَذَا وَلَمْ تَقُلْ : قُمْت فَعَلْت كَذَا وَكَذَا , لِأَنَّهَا عَطْف لَا اسْتِفْهَام يُوقَف عَلَيْهِ , فَأَخْبَرَهُمْ مُوسَى إذْ قَالُوا لَهُ مَا قَالُوا إنَّ الْمُخْبِر عَنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالْهُزْءِ وَالسُّخْرِيَة مِنْ الْجَاهِلِينَ وَبَرَّأَ نَفْسه مِمَّا ظَنُّوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ , فَقَالَ : { أَعُوذ بِاَللَّهِ أَنْ أَكُون مِنْ الْجَاهِلِينَ } يَعْنِي مِنْ السُّفَهَاء الَّذِينَ يَرْوُونَ عَنْ اللَّه الْكَذِب وَالْبَاطِل . وَكَانَ سَبَب قِيلَ مُوسَى لَهُمْ : { إنَّ اللَّه يَأْمُركُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَة } مَا : 978 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت أَيُّوب , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ , عَنْ عُبَيْدَة , قَالَ : كَانَ فِي بَنِي إسْرَائِيل رَجُل عَقِيم أَوْ عَاقِر , قَالَ : فَقَتَلَهُ وَلِيّه , ثُمَّ احْتَمَلَهُ , فَأَلْقَاهُ فِي سِبْط غَيْر سَبْطه . قَالَ : فَوَقَعَ بَيْنهمْ فِيهِ الشَّرّ , حَتَّى أَخَذُوا السِّلَاح . قَالَ : فَقَالَ أُولُو النُّهَى : أَتَقْتَتِلُونَ وَفِيكُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : فَأَتَوْا نَبِيّ اللَّه , فَقَالَ : اذْبَحُوا بَقَرَة ! فَقَالُوا : { أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذ ! بِاَللَّهِ أَنْ أَكُون مِنْ الْجَاهِلِينَ قَالُوا اُدْعُ لَنَا رَبّك يُبَيِّن لَنَا مَا هِيَ قَالَ إنَّهُ يَقُول إنَّهَا بَقَرَة } إلَى قَوْله : { فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ } قَالَ : فَضُرِبَ فَأَخْبَرَهُمْ بِقَاتِلِهِ . قَالَ : وَلَمْ تُؤْخَذ الْبَقَرَة إلَّا بِوَزْنِهَا ذَهَبًا . قَالَ : وَلَوْ أَنَّهُمْ أَخَذُوا أَدْنَى بَقَرَة لَأَجْزَأَتْ عَنْهُمْ , فَلَمْ يُورَث قَاتِل بَعْد ذَلِكَ . 979 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْل اللَّه { إنَّ اللَّه يَأْمُركُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَة } قَالَ : كَانَ رَجُل مِنْ بَنِي إسْرَائِيل , وَكَانَ غَنِيًّا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَد , وَكَانَ لَهُ قَرِيب وَكَانَ وَارِثه , فَقَتَلَهُ لِيَرِثهُ , ثُمَّ أَلْقَاهُ عَلَى مَجْمَع الطَّرِيق , وَأَتَى مُوسَى , فَقَالَ لَهُ : إنَّ قَرِيبِي قُتِلَ , وَأَتَى إلَيَّ أَمْر عَظِيم , وَإِنِّي لَا أَجِد أَحَدًا يُبَيِّن لِي مَنْ قَتَلَهُ غَيْرك يَا نَبِيّ اللَّه . قَالَ : فَنَادَى مُوسَى فِي النَّاس : أَنْشُد اللَّه مَنْ كَانَ عِنْده مِنْ هَذَا عِلْم إلَّا بَيَّنَهُ لَنَا ! فَلَمْ يَكُنْ عِنْدهمْ عِلْمه , فَأَقْبَلَ الْقَاتِل عَلَى مُوسَى فَقَالَ : أَنْتَ نَبِيّ اللَّه , فَاسْأَلْ لَنَا رَبّك أَنْ يُبَيِّن لَنَا ! فَسَأَلَ رَبّه فَأَوْحَى اللَّه إلَيْهِ : { إنَّ اللَّه يَأْمُركُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَة } فَعَجِبُوا وَقَالُوا : { أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذ بِاَللَّهِ أَنْ أَكُون مِنْ الْجَاهِلِينَ قَالُوا اُدْعُ لَنَا رَبّك يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إنَّهُ يَقُول إنَّهَا بَقَرَة لَا فَارِض } يَعْنِي هَرِمَة { وَلَا بِكْر } يَعْنِي وَلَا صَغِيرَة { عَوَان بَيْن ذَلِكَ } أَيْ نِصْف بَيْن الْبِكْر وَالْهَرِمَة , { قَالُوا اُدْعُ لَنَا رَبّك يُبَيِّن لَنَا مَا لَوْنهَا قَالَ إنَّهُ يَقُول إنَّهَا بَقَرَة صَفْرَاء فَاقِع لَوْنهَا } أَيْ صَافٍ لَوْنهَا { تَسُرّ النَّاظِرِينَ } أَيْ تُعْجِب النَّاظِرِينَ . { قَالُوا اُدْعُ لَنَا رَبّك يُبَيِّن لَنَا مَا هِيَ إنْ الْبَقَر تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّه لَمُهْتَدُونَ قَالَ إنَّهُ يَقُول إنَّهَا بَقَرَة لَا ذَلُول } أَيْ لَمْ يُذَلِّلهَا لِلْعَمَلِ { تُثِير الْأَرْض } يَعْنِي لَيْسَتْ بِذَلُولٍ فَتُثِير الْأَرْض { وَلَا تَسْقِي الْحَرْث } يَقُول وَلَا تَعْمَل فِي الْحَرْث { مُسَلَّمَة } يَعْنِي مُسَلَّمَة مِنْ الْعُيُوب { لَا شِيَة فِيهَا } يَقُول لَا بَيَاض فِيهَا . { قَالُوا الْآن جِئْت بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ } . قَالَ : وَلَوْ أَنَّ الْقَوْم حِين أُمِرُوا أَنْ يَذْبَحُوا بَقَرَة اسْتَعْرَضُوا بَقَرَة مِنْ الْبَقَر فَذَبَحُوهَا لَكَانَتْ إيَّاهَا , وَلَكِنَّهُمْ شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسهمْ , فَشَدَّدَ اللَّه عَلَيْهِمْ . وَلَوْلَا أَنَّ الْقَوْم اسْتَثْنَوْا فَقَالُوا : { وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّه لَمُهْتَدُونَ } لَمَا هُدُوا إلَيْهَا أَبَدًا . فَبَلَغَنَا أَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا الْبَقَر الَّتِي نُعِتَتْ لَهُمْ إلَّا عِنْد عَجُوز عِنْدهَا يَتَامَى , وَهِيَ الْقِيمَة عَلَيْهِمْ , فَلَمَّا عَلِمْت أَنَّهُمْ لَا يُزَكُّوا لَهُمْ غَيْرهَا أَضْعَفَتْ عَلَيْهِمْ الثَّمَن , فَأَتَوْا مُوسَى , فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا هَذَا النَّعْت إلَّا عِنْد فُلَانَة , وَأَنَّهَا سَأَلَتْهُمْ أَضْعَاف ثَمَنهَا , فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى : إنَّ اللَّه قَدْ كَانَ خَفَّفَ عَلَيْكُمْ , فَشَدَّدْتُمْ عَلَى أَنْفُسكُمْ , فَأَعْطَوْهَا رِضَاهَا وَحُكْمهَا ! فَفَعَلُوا وَاشْتَرَوْهَا , فَذَبَحُوهَا . فَأَمَرَهُمْ مُوسَى أَنْ يَأْخُذُوا عَظْمًا مِنْهَا فَيَضْرِبُوا بِهِ الْقَتِيل , فَفَعَلُوا , فَرَجَعَ إلَيْهِ رُوحه , فَسَمَّى لَهُمْ قَاتِله , ثُمَّ عَادَ مَيِّتًا كَمَا كَانَ . فَأَخَذُوا قَاتِله وَهُوَ الَّذِي كَانَ أَتَى مُوسَى فَشَكَا إلَيْهِ , فَقَتَلَهُ اللَّه عَلَى أَسُوء عَمَله . 980 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إنَّ اللَّه يَأْمُركُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَة } قَالَ : كَانَ رَجُل مِنْ بَنِي إسْرَائِيل مُكْثَرًا مِنْ الْمَال , وَكَانَتْ لَهُ ابْنَة وَكَانَ لَهُ ابْن أَخ مُحْتَاج . فَخَطَبَ إلَيْهِ ابْن أَخِيهِ ابْنَته فَأَبِي أَنْ يُزَوِّجهُ إيَّاهَا , فَغَضِبَ الْفَتَى وَقَالَ : وَاَللَّه لَأَقْتُلَنَّ عَمِّي وَلَآخُذَنَّ مَاله وَلَأَنْكِحَنَّ ابْنَته وَلَآكُلَنَّ دِيَته ! فَأَتَاهُ الْفَتَى وَقَدْ قَدِمَ تُجَّار فِي بَعْض أَسْبَاط بَنِي إسْرَائِيل , فَقَالَ : يَا عَمّ انْطَلِقْ مَعِي فَخُذْ لِي مِنْ تِجَارَة هَؤُلَاءِ الْقَوْم لَعَلِّي أُصِيب مِنْهَا , فَإِنَّهُمْ إذَا رَأَوْك مَعِي أَعْطَوْنِي . فَخَرَجَ الْعَمّ مَعَ الْفَتَى لَيْلًا , فَلَمَّا بَلَغَ الشَّيْخ ذَلِكَ السَّبْط قَتَلَهُ الْفَتَى ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَهْله . فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ كَأَنَّهُ يَطْلُب عَمّه , كَأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ هُوَ فَلَمْ يَجِدهُ , فَانْطَلَقَ نَحْوه فَإِذَا هُوَ بِذَلِكَ السَّبْط مُجْتَمِعِينَ عَلَيْهِ , فَأَخَذَهُمْ وَقَالَ : قَتَلْتُمْ عَمِّي فَأَدُّوا إلَيَّ دِيَته . وَجَعَلَ يَبْكِي وَيَحْثُو التُّرَاب عَلَى رَأْسه وَيَتَأَدَّى وَأَعْمَاهُ . فَرَفَعَهُمْ إلَى مُوسَى , فَقَضَى عَلَيْهِمْ بِالدِّيَةِ , فَقَالُوا لَهُ : يَا رَسُول اللَّه : اُدْعُ لَنَا حَتَّى يَتَبَيَّن لَهُ مَنْ صَاحِبه فَيُؤْخَذ صَاحِب الْجَرِيمَة , فَوَاَللَّهِ إنَّ دِيَته عَلَيْنَا لِهَيِّنَةٍ , وَلَكِنَّا نَسْتَحِي أَنْ نُعَيَّر بِهِ . فَذَلِكَ حِين يَقُول اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاَللَّه مُخْرِج مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } 2 72 فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى : { إنَّ اللَّه يَأْمُركُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَة } قَالُوا : نَسْأَلك عَنْ الْقَتِيل وَعَمَّنْ قَتَلَهُ وَتَقُول اذْبَحُوا بَقَرَة , أَتَهْزَأُ بِنَا ؟ قَالَ مُوسَى : { أَعُوذ بِاَللَّهِ أَنْ أَكُون مِنْ الْجَاهِلِينَ } . قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : فَلَوْ اعْتَرَضُوا بَقَرَة فَذَبَحُوهَا لَأَجْزَأَتْ عَنْهُمْ , وَلَكِنَّهُمْ شَدَّدُوا وَتَعَنَّتُوا مُوسَى , فَشَدَّدَ اللَّه عَلَيْهِمْ ; فَقَالُوا : { اُدْعُ لَنَا رَبّك يُبَيِّن لَنَا مَا هِيَ قَالَ إنَّهُ يَقُول إنَّهَا بَقَرَة لَا فَارِض وَلَا بِكْر عَوَان بَيْن ذَلِكَ } 2 68 وَالْفَارِض : الْهَرِمَة الَّتِي لَا تَلِد , وَالْبِكْر : الَّتِي لَمْ تَلِد إلَّا وَلَدًا وَاحِدًا , وَالْعَوَان : النِّصْف الَّتِي بَيْن ذَلِكَ الَّتِي قَدْ وَلَدَتْ وَوَلَدَ وَلَدهَا - فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ . { قَالُوا اُدْعُ لَنَا رَبّك يُبَيِّن لَنَا مَا لَوْنهَا قَالَ إنَّهُ يَقُول إنَّهَا بَقَرَة صَفْرَاء فَاقِع لَوْنهَا تَسُرّ النَّاظِرِينَ } 2 69 قَالَ : تُعْجِب النَّاظِرِينَ : { قَالُوا اُدْعُ لَنَا رَبّك يُبَيِّن لَنَا مَا هِيَ إنَّ الْبَقَر تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّه لَمُهْتَدُونَ قَالَ إنَّهُ يَقُول إنَّهَا بَقَرَة لَا ذَلُول تُثِير الْأَرْض وَلَا تَسْقِي الْحَرْث مُسَلَّمَة لَا شِيَة فِيهَا } 2 70 : 71 مِنْ بَيَاض وَلَا سَوَاد وَلَا حُمْرَة . { قَالُوا الْآن جِئْت بِالْحَقِّ } 2 71 فَطَلَبُوهَا فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهَا . وَكَانَ رَجُل مِنْ بَنِي إسْرَائِيل مِنْ أَبَرّ النَّاس بِأَبِيهِ وَإِنَّ رَجُلًا مَرَّ بِهِ مَعَهُ لُؤْلُؤ يَبِيعهُ , فَكَانَ أَبُوهُ نَائِمًا تَحْت رَأْسه الْمِفْتَاح , فَقَالَ لَهُ الرَّجُل : تَشْتَرِي مِنِّي هَذَا اللُّؤْلُؤ بِسَبْعِينَ أَلْفًا ؟ فَقَالَ لَهُ الْفَتَى : كَمَا أَنْتَ حَتَّى يَسْتَيْقِظ أَبِي فَآخُذهُ بِثَمَانِينَ أَلْفًا . فَقَالَ لَهُ الْآخَر : أَيْقِظْ أَبَاك وَهُوَ لَك بِسِتِّينَ أَلْفًا . فَجَعَلَ التَّاجِر يَحُطّ لَهُ حَتَّى بَلَغَ ثَلَاثِينَ أَلْفًا , وَزَادَ الْآخَر عَلَى أَنْ يَنْتَظِر حَتَّى يَسْتَيْقِظ أَبُوهُ حَتَّى بَلَغَ مِائَة أَلْف . فَلَمَّا أَكْثَر عَلَيْهِ قَالَ : لَا وَاَللَّه لَا أَشْتَرِيه مِنْك بِشَيْءٍ أَبَدًا , وَأَبَى أَنْ يُوقِظ أَبَاهُ . فَعَوَّضَهُ اللَّه مِنْ ذَلِكَ اللُّؤْلُؤ أَنْ جَعَلَ لَهُ تِلْكَ الْبَقَرَة , فَمَرَّتْ بِهِ بَنُو إسْرَائِيل يَطْلُبُونَ الْبَقَرَة , فَأَبْصَرُوا الْبَقَرَة عِنْده , فَسَأَلُوهُ أَنْ يَبِيعهُمْ إيَّاهَا بَقَرَة بِبَقَرَةٍ فَأَبَى , فَأَعْطَوْهُ ثِنْتَيْنِ فَأَبَى , فَزَادُوهُ حَتَّى بَلَغُوا عَشْرًا فَأَبَى , فَقَالُوا : وَاَللَّه لَا نَتْرُكك حَتَّى نَأْخُذهَا مِنْك . فَانْطَلَقُوا بِهِ إلَى مُوسَى , فَقَالُوا : يَا نَبِيّ اللَّه إنَّا وَجَدْنَا الْبَقَرَة عِنْد هَذَا فَأَبَى أَنْ يُعْطِينَاهَا , وَقَدْ أَعْطَيْنَاهُ ثَمَنًا . فَقَالَ لَهُ مُوسَى : أَعْطِهِمْ بَقَرَتك ! فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه أَنَا أَحَقّ بِمَالِي . فَقَالَ : صَدَقْت , وَقَالَ لِلْقَوْمِ : اُرْضُوا صَاحِبكُمْ ! فَأَعْطَوْهُ وَزْنهَا ذَهَبًا فَأَبَى , فَأَضْعَفُوا لَهُ مِثْل مَا أَعْطَوْهُ وَزْنهَا حَتَّى أَعْطَوْهُ وَزْنهَا عَشْر مَرَّات , فَبَاعَهُمْ إيَّاهَا وَأَخَذَ ثَمَنهَا . فَقَالَ : اذْبَحُوهَا ! فَذَبَحُوهَا , فَقَالَ : اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا ! فَضَرَبُوهُ بِالْبِضْعَةِ الَّتِي بَيْن الْكَتِفَيْنِ فَعَاشَ , فَسَأَلُوهُ : مَنْ قَتَلَك ؟ فَقَالَ لَهُمْ : ابْن أَخِي قَالَ : أَقْتُلهُ وَآخُذ مَاله وَأَنْكِح ابْنَته . فَأَخَذُوا الْغُلَام فَقَتَلُوهُ . 981 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ . وَحَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , عَنْ ابْن زَيْد , عَنْ مُجَاهِد . وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , قَالَ : حَدَّثَنِي خَالِد بْن يَزِيد , عَنْ مُجَاهِد . وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْحَاق , قَالَ : ثنا إسْمَاعِيل , عَنْ عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبًا يَذْكُر . وَحَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد , وَحَجَّاجٌ , عَنْ أَبِي مَعْشَر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ وَمُحَمَّد بْن قَيْس . وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس . فَذَكَر جَمِيعهمْ : أَنَّ السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله قَالَ لَهُمْ مُوسَى : { إنَّ اللَّه يَأْمُركُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَة } نَحْو السَّبَب الَّذِي ذَكَرَهُ عُبَيْدَة وَأَبُو الْعَالِيَة وَالسُّدِّيّ . غَيْر أَنَّ بَعْضهمْ ذَكَرَ أَنَّ الَّذِي قَتَلَ الْقَتِيل الَّذِي اخْتَصَمَ فِي أَمْره إلَى مُوسَى كَانَ أَخَا الْمَقْتُول . وَذَكَرَ بَعْضهمْ أَنَّهُ كَانَ ابْن أَخِيهِ . وَقَالَ بَعْضهمْ : بَلْ كَانُوا جَمَاعَة وَرَثَة اسْتَبْطَئُوا حَيَاته . إلَّا أَنَّهُمْ جَمِيعًا مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ مُوسَى إنَّمَا أَمَرَهُمْ بِذَبْحِ الْبَقَرَة مِنْ أَجْل الْقَتِيل إذْ احْتَكَمُوا إلَيْهِ . عَنْ أَمْر اللَّه إيَّاهُمْ بِذَلِكَ , فَقَالُوا لَهُ : وَمَا ذَبْح الْبَقَرَة يُبَيِّن لَنَا خُصُومَتنَا الَّتِي اخْتَصَمْنَا فِيهَا إلَيْك فِي قَتْل مَنْ قُتِلَ فَادَّعَى عَلَى بَعْضنَا أَنَّهُ الْقَاتِل أَتَهْزَأُ بِنَا ؟ كَمَا : 982 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : قُتِلَ قَتِيل مِنْ بَنِي إسْرَائِيل , فَطُرِحَ فِي سِبْط مِنْ الْأَسْبَاط . فَأَتَى أَهْل ذَلِكَ الْقَتِيل إلَى ذَلِكَ السِّبْط , فَقَالُوا : أَنْتُمْ وَاَللَّه قَتَلْتُمْ صَاحِبنَا ! قَالُوا : لَا وَاَللَّه . فَأَتَوْا مُوسَى , فَقَالُوا : هَذَا قَتِيلنَا بَيْن أَظْهُرهمْ وَهُمْ وَاَللَّه قَتَلُوهُ . فَقَالُوا : لَا وَاَللَّه يَا نَبِيّ اللَّه طُرِحَ عَلَيْنَا . فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى : { إنَّ اللَّه يَأْمُركُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَة } فَقَالُوا : أَتَسْتَهْزِئُ بِنَا ؟ وَقَرَأَ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا } قَالُوا : نَأْتِيك فَنَذْكُر قَتِيلنَا وَاَلَّذِي نَحْنُ فِيهِ فَتَسْتَهْزِئ بِنَا ؟ فَقَالَ مُوسَى : { أَعُوذ بِاَللَّهِ أَنْ أَكُون مِنْ الْجَاهِلِينَ } .
قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرُونَ ↓
983 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد , وَحَجَّاجٌ عَنْ أَبِي مَعْشَر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , وَمُحَمَّد بْن قَيْس : لَمَّا أَتَى أَوْلِيَاء الْقَتِيل وَاَلَّذِينَ ادَّعَوْا عَلَيْهِمْ قَتْل صَاحِبهمْ مُوسَى وَقَصُّوا قِصَّتهمْ عَلَيْهِ , أَوْحَى اللَّه إلَيْهِ أَنْ يَذْبَحُوا بَقَرَة , فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى : { إنَّ اللَّه يَأْمُركُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَة قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذ بِاَللَّهِ أَنْ أَكُون مِنْ الظَّالِمِينَ } قَالُوا : وَمَا الْبَقَرَة وَالْقَتِيل ؟ قَالَ : أَقُول لَكُمْ إنَّ اللَّه يَأْمُركُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَة , وَتَقُولُونَ : أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ! قَالَ أَبُو جَعْفَر : فَقَالَ الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ : { إنَّ اللَّه يَأْمُركُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَة } بَعْد أَنْ عَلِمُوا وَاسْتَقَرَّ عِنْدهمْ أَنَّ الَّذِي أَمَرَهُمْ بِهِ مُوسَى مِنْ ذَلِكَ عَنْ أَمْر اللَّه مِنْ ذَبْح بَقَرَة جَدّ وَحَقّ : { اُدْعُ لَنَا رَبّك يُبَيِّن لَنَا مَا هِيَ } فَسَأَلُوا مُوسَى أَنْ يَسْأَل رَبّه لَهُمْ مَا كَانَ اللَّه قَدْ كَفَاهُمْ بِقَوْلِهِ لَهُمْ : " وَاذْبَحُوا بَقَرَة " لِأَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إنَّمَا أَمَرَهُمْ بِذَبْحِ بَقَرَة مِنْ الْبَقَر أَيّ بَقَرَة شَاءُوا ذَبَحَهَا مِنْ غَيْر أَنْ يَحْصُر لَهُمْ ذَلِكَ عَلَى نَوْع مِنْهَا دُون نَوْع أَوْ صِنْف دُون صِنْف , فَقَالُوا بِجَفَاءِ أَخْلَاقهمْ وَغِلَظ طَبَائِعهمْ وَسُوء أَفَهَامهمْ , وَتَكَلُّف مَا قَدْ وَضَعَ اللَّه عَنْهُمْ مُؤْنَته , تَعَنُّتًا مِنْهُمْ رَسُول اللَّه . كَمَا : 984 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي , أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : لَمَّا قَالَ لَهُمْ مُوسَى : { أَعُوذ بِاَللَّهِ أَنْ أَكُون مِنْ الْجَاهِلِينَ } قَالُوا لَهُ يَتَعَنَّتُونَهُ : { اُدْعُ لَنَا رَبّك يُبَيِّن لَنَا مَا هِيَ } فَلَمَّا تُكَلَّفُوا جَهْلًا مِنْهُمْ مَا تَكَلَّفُوا مِنْ الْبَحْث عَمَّا كَانُوا قَدْ كَفَوْهُ مِنْ صِفَة الْبَقَرَة الَّتِي أُمِرُوا بِذَبْحِهَا تَعَنُّتًا مِنْهُمْ بِنَبِيِّهِمْ مُوسَى صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ بَعْد الَّذِي كَانُوا أَظَهَرُوا لَهُ مِنْ سُوء الظَّنّ بِهِ فِيمَا أَخْبَرَهُمْ عَنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِمْ : { أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا } عَاقَبَهُمْ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنْ خَصَّ بِذَبْحِ مَا كَانَ أَمَرَهُمْ بِذَبْحِهِ مِنْ الْبَقَر عَلَى نَوْع مِنْهَا دُون نَوْع , فَقَالَ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إذْ سَأَلُوهُ فَقَالُوا : مَا هِيَ صِفَتهَا وَمَا حِلْيَتهَا ؟ حَلِّهَا لَنَا لِنَعْرِفهَا ! { قَالَ إنَّهَا بَقَرَة لَا فَارِض وَلَا بِكْر } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { لَا فَارِض } لَا مُسِنَّة هَرِمَة , يُقَال مِنْهُ : فَرَضَتْ الْبَقَرَة تَفْرِض فُرُوضًا , يَعْنِي بِذَلِكَ أَسَنَّتْ , وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل الشَّاعِر : يَا رُبّ ذِي ضِغْن عَلَيَّ فَارِض لَهُ قُرُوء كَقُرُوءِ كَقُرُوءِ الْحَائِض يَعْنِي بِقَوْلِهِ فَارِض : قَدِيم يَصِف ضِغْنًا قَدِيمًا . وَمِنْهُ قَوْل الْآخَر : لَهُ زِجَاج وَلَهَاة فَارِض هَدْلَاء كَالْوَطْبِ نَحَاهُ الْمَاخِض وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل فَارِض قَالَ الْمُتَأَوِّلُونَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 985 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَعِيد الْكِنْدِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد السَّلَام بْن حَرْب , عَنْ خَصِيف , عَنْ مُجَاهِد { لَا فَارِض } قَالَ : لَا كَبِيرَة . 986 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : ثنا ابْن عَطِيَّة , قَالَ ثنا شَرِيك , عَنْ خَصِيفَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس , أَوْ عَنْ عِكْرِمَة , شَكَّ شَرِيك { لَا فَارِض } قَالَ : الْكَبِيرَة . 987 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ . عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { لَا فَارِض } الْفَارِض : الْهَرِمَة . * - حُدِّثْت عَنْ المنجاب , قَالَ : ثنا بِشْر , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { لَا فَارِض } يَقُول : لَيْسَتْ بِكَبِيرَةٍ هَرِمَة . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ عَنْ ابْن عَبَّاس : { لَا فَارِض } الْهَرِمَة . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : الْفَارِض : الْكَبِيرَة . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ خَصِيف , عَنْ مُجَاهِد قَوْله : { لَا فَارِض } قَالَ : الْكَبِيرَة . 988 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { لَا فَارِض } يَعْنِي لَا هَرِمَة . 989 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله . 990 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : الْفَارِض : الْهَرِمَة . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : قَالَ مَعْمَر , قَالَ قَتَادَةَ : الْفَارِض : الْهَرِمَة ; يَقُول : لَيْسَتْ بِالْهَرِمَةِ وَلَا الْبِكْر عَوَان بَيْن ذَلِكَ . 991 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : الْفَارِض : الْهَرِمَة الَّتِي لَا تَلِد . 992 - وَحَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : الْفَارِض : الْكَبِيرَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا بِكْر } . وَالْبِكْر مِنْ إنَاث الْبَهَائِم وَبَنِي آدَم مَا لَمْ يَفْتَحِلهُ الْفَحْل , وَهِيَ مَكْسُورَة الْبَاء لَمْ يُسْمَع مِنْهُ " فَعَلَ " وَلَا " يَفْعَل " . وَأَمَّا " الْبَكْر " بِفَتْحِ الْبَاء فَهُوَ الْفَتَى مِنْ الْإِبِل . وَإِنَّمَا عَنَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ { وَلَا بِكْر } وَلَا صَغِيرَة لَمْ تَلِد . كَمَا : 993 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَعِيد الْكِنْدِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد السَّلَام بْن حَرْب , عَنْ خَصِيف , عَنْ مُجَاهِد : { وَلَا بِكْر } صَغِيرَة . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : الْبِكْر : الصَّغِيرَة . 994 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ : ثنا الْحَسَن بْن عَطِيَّة , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ خَصِيف , عَنْ سَعِيد , عَنْ ابْن عَبَّاس أَوْ عِكْرِمَة شَكَّ : { وَلَا بِكْر } قَالَ : الصَّغِيرَة . 995 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَلَا بِكْر } الصَّغِيرَة . 996 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ : { وَلَا بِكْر } وَلَا صَغِيرَة . * - حَدَّثَنَا عَنْ المنجاب , قَالَ : ثنا بِشْر , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَلَا بِكْر } وَلَا صَغِيرَة ضَعِيفَة . 997 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع : عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { وَلَا بِكْر } يَعْنِي وَلَا صَغِيرَة . 998 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله . 999 - وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : فِي " الْبِكْر " لَمْ تَلِد إلَّا وَلَدًا وَاحِدًا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { عَوَان } . قَالَ أَبُو جَعْفَر : الْعَوَان : النَّصَف الَّتِي قَدْ وَلَدَتْ بَطْنًا بَعْد بَطْن , وَلَيْسَتْ بِنَعْتٍ لِلْبِكْرِ , يُقَال مِنْهُ : قَدْ عَوَّنَتْ إذَا صَارَتْ كَذَلِكَ . وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام أَنَّهُ يَقُول : إنَّهَا بَقَرَة لَا فَارِض وَلَا بِكْر بَلْ عَوَان بَيْن ذَلِكَ . وَلَا يَجُوز أَنْ يَكُون عَوَان إلَّا مُبْتَدَأ , لِأَنَّ قَوْله : { بَيْن ذَلِكَ } كِنَايَة عَنْ الْفَارِض وَالْبِكْر , فَلَا يَجُوز أَنْ يَكُون مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِمَا . وَمِنْهُ قَوْل الْأَخْطَل : وَمَا بِمَكَّة مِنْ شُمْط مُحَفِّلَة وَمَا بِيَثْرِب مِنْ عُون وَأَبْكَار وَجَمْعهَا عُون يُقَال : امْرَأَة عَوَان مِنْ نِسْوَة عُون . وَمِنْهُ قَوْل تَمِيم بْن مُقْبِل : وَمَأْتَم كَالدُّمَى حُور مَدَامِعهَا لَمْ تَبْأَس الْعَيْش أَبْكَارًا وَلَا عُونًا وَبَقَرَة عَوَان وَبَقَر عُون . قَالَ : وَرُبَّمَا قَالَتْ الْعَرَب : بَقَر عُون , مِثْل رُسُل يَطْلُبُونَ بِذَلِكَ الْفَرْق بَيْن جَمَعَ عَوَان مِنْ الْبَقَر , وَجَمْع عَانَة مِنْ الْحُمُر . وَيُقَال : هَذِهِ حَرْب عَوَان : إذَا كَانَتْ حَرْبًا قَدْ قُوتِلَ فِيهَا مَرَّة بَعْد مَرَّة , يُمَثِّل ذَلِكَ بِالْمَرْأَةِ الَّتِي وَلَدَتْ بَطْنًا بَعْد بَطْن . وَكَذَلِكَ يُقَال : حَالَة عَوَان إذَا كَانَتْ قَدْ قُضِيَتْ مُرَّة بَعْد مُرَّة . 1000 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب أَنَّ ابْن زَيْد أَنْشَدَهُ : قُعُود لَدَى الْأَبْوَاب طُلَّاب حَاجَة عَوَان مِنْ الْحَاجَات أَوْ حَاجَة بِكْرًا قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْبَيْت لِلْفَرَزْدَقِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ تَأَوَّلَهُ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 1001 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَعْد الْكِنْدِيّ , ثنا عَبْد السَّلَام بْن حَرْب , عَنْ خَصِيف , عَنْ مُجَاهِد : { عَوَان بَيْن ذَلِكَ } وَسَط قَدْ وَلَدْنَ بَطْنًا أَوْ بَطْنَيْنِ . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { عَوَان } قَالَ : الْعَوَان : الْعَانِس النَّصَف . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : الْعَوَان : النَّصَف . 1002 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : ثنا ابْن عَطِيَّة , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ خَصِيف , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس أَوْ عِكْرِمَة , شَكَّ شَرِيك : { عَوَان } قَالَ : بَيْن ذَلِكَ . 1003 - حَدَّثَنَا عَنْ المنجاب , قَالَ : ثنا بِشْر , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { عَوَان } قَالَ بَيْن الصَّغِيرَة وَالْكَبِيرَة , وَهِيَ أَقْوَى مَا تَكُون مِنْ الْبَقَر وَالدَّوَابّ وَأَحْسَن مَا تَكُون . 1004 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ عَنْ ابْن عَبَّاس : { عَوَان } قَالَ : النَّصَف . 1005 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { عَوَان } نَصَف . 1006 - وَحَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , عَنْ ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله . 1007 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : الْعَوَان : نَصَف بَيْن ذَلِكَ . * حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ خَصِيف , عَنْ مُجَاهِد : { عَوَان } الَّتِي تُنْتَج شَيْئًا بِشَرْطِ أَنْ تَكُون الَّتِي قَدْ نُتِجَتْ بِكْرَة أَوْ بِكْرَتَيْنِ . 1008 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : الْعَوَان : النَّصَف الَّتِي بَيْن ذَلِكَ , الَّتِي قَدْ وَلَدَتْ وَوَلَد وَلَدهَا . 1009 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : الْعَوَان : بَيْن ذَلِكَ لَيْسَتْ بِبِكْرٍ وَلَا كَبِير .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { بَيْن ذَلِكَ } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { بَيْن ذَلِكَ } بَيْن الْبِكْر وَالْهَرِمَة . كَمَا : 1010 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { بَيْن ذَلِكَ } أَيْ بَيْن الْبِكْر وَالْهَرِمَة . فَإِنْ قَالَ قَائِل : قَدْ عَلِمْت أَنَّ " بَيْن " لَا تَصْلُح إلَّا أَنْ تَكُون مَعَ شَيْئَيْنِ فَصَاعِدًا , فَكَيْف قِيلَ بَيْن ذَلِكَ وَذَلِكَ وَاحِد فِي اللَّفْظ ؟ قِيلَ : إنَّمَا صَلَحَتْ مَعَ كَوْنهَا وَاحِدَة , لِأَنَّ " ذَلِكَ " بِمَعْنَى اثْنَيْنِ , وَالْعَرَب تَجْمَع فِي " ذَلِكَ " و " ذَاكَ " شَيْئَيْنِ وَمَعْنَيَيْنِ مِنْ الْأَفْعَال , كَمَا يَقُول الْقَائِل : أَظُنّ أَخَاك قَائِمًا , وَكَانَ عَمْرو أَبَاك , ثُمَّ يَقُول : قَدْ كَانَ ذَاكَ , وَأَظُنّ ذَلِكَ . فَيَجْمَع بِذَلِكَ وَذَاكَ الِاسْم وَالْخَبَر الَّذِي كَانَ لَا بُدّ ل " ظَنَّ " و " كَانَ " مِنْهُمَا . فَمَعْنَى الْكَلَام : قَالَ : إنَّهُ يَقُول إنَّمَا بَقَرَة لَا مُسِنَّة هَرِمَة وَلَا صَغِيرَة لَمْ تَلِد , وَلَكِنَّهَا بَقَرَة نَصَف قَدْ وَلَدَتْ بَطْنًا بَعْد بَطْن بَيْن الْهَرِم وَالشَّبَاب . فَيَجْمَع ذَلِكَ مَعْنَى الْهَرِم وَالشَّبَاب لِمَا وَصَفْنَا , وَلَوْ كَانَ مَكَان الْفَارِض وَالْبِكْر اسْمَا شَخْصَيْنِ لَمْ يَجْمَع مَعَ بَيْن ذَلِكَ , وَذَلِكَ أَنَّ " ذَلِكَ " لَا يُؤَدِّي عَنْ اسْم شَخْصَيْنِ , وَغَيْر جَائِز لِمَنْ قَالَ : كُنْت بَيْن زَيْد وَعَمْرو , أَنْ يَقُولَا : كُنْت بَيْن ذَلِكَ , وَإِنَّمَا يَكُون ذَلِكَ مَعَ أَسَمَاء الْأَفْعَال دُون أَسَمَاء الْأَشْخَاص .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى . { فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ } . يَقُول اللَّه لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : افْعَلُوا مَا آمُركُمْ بِهِ تُدْرِكُوا حَاجَاتكُمْ وَطَلَبَاتكُمْ عِنْدِي , وَاذْبَحُوا الْبَقَرَة الَّتِي أَمَرْتُكُمْ بِذَبْحِهَا , تُصَلُّوا بِانْتِهَائِكُمْ إلَى طَاعَتِي بِذَبْحِهَا إلَى الْعِلْم بِقَاتِلِ قَتِيلكُمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا بِكْر } . وَالْبِكْر مِنْ إنَاث الْبَهَائِم وَبَنِي آدَم مَا لَمْ يَفْتَحِلهُ الْفَحْل , وَهِيَ مَكْسُورَة الْبَاء لَمْ يُسْمَع مِنْهُ " فَعَلَ " وَلَا " يَفْعَل " . وَأَمَّا " الْبَكْر " بِفَتْحِ الْبَاء فَهُوَ الْفَتَى مِنْ الْإِبِل . وَإِنَّمَا عَنَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ { وَلَا بِكْر } وَلَا صَغِيرَة لَمْ تَلِد . كَمَا : 993 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَعِيد الْكِنْدِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد السَّلَام بْن حَرْب , عَنْ خَصِيف , عَنْ مُجَاهِد : { وَلَا بِكْر } صَغِيرَة . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : الْبِكْر : الصَّغِيرَة . 994 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ : ثنا الْحَسَن بْن عَطِيَّة , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ خَصِيف , عَنْ سَعِيد , عَنْ ابْن عَبَّاس أَوْ عِكْرِمَة شَكَّ : { وَلَا بِكْر } قَالَ : الصَّغِيرَة . 995 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَلَا بِكْر } الصَّغِيرَة . 996 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ : { وَلَا بِكْر } وَلَا صَغِيرَة . * - حَدَّثَنَا عَنْ المنجاب , قَالَ : ثنا بِشْر , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَلَا بِكْر } وَلَا صَغِيرَة ضَعِيفَة . 997 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع : عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { وَلَا بِكْر } يَعْنِي وَلَا صَغِيرَة . 998 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله . 999 - وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : فِي " الْبِكْر " لَمْ تَلِد إلَّا وَلَدًا وَاحِدًا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { عَوَان } . قَالَ أَبُو جَعْفَر : الْعَوَان : النَّصَف الَّتِي قَدْ وَلَدَتْ بَطْنًا بَعْد بَطْن , وَلَيْسَتْ بِنَعْتٍ لِلْبِكْرِ , يُقَال مِنْهُ : قَدْ عَوَّنَتْ إذَا صَارَتْ كَذَلِكَ . وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام أَنَّهُ يَقُول : إنَّهَا بَقَرَة لَا فَارِض وَلَا بِكْر بَلْ عَوَان بَيْن ذَلِكَ . وَلَا يَجُوز أَنْ يَكُون عَوَان إلَّا مُبْتَدَأ , لِأَنَّ قَوْله : { بَيْن ذَلِكَ } كِنَايَة عَنْ الْفَارِض وَالْبِكْر , فَلَا يَجُوز أَنْ يَكُون مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِمَا . وَمِنْهُ قَوْل الْأَخْطَل : وَمَا بِمَكَّة مِنْ شُمْط مُحَفِّلَة وَمَا بِيَثْرِب مِنْ عُون وَأَبْكَار وَجَمْعهَا عُون يُقَال : امْرَأَة عَوَان مِنْ نِسْوَة عُون . وَمِنْهُ قَوْل تَمِيم بْن مُقْبِل : وَمَأْتَم كَالدُّمَى حُور مَدَامِعهَا لَمْ تَبْأَس الْعَيْش أَبْكَارًا وَلَا عُونًا وَبَقَرَة عَوَان وَبَقَر عُون . قَالَ : وَرُبَّمَا قَالَتْ الْعَرَب : بَقَر عُون , مِثْل رُسُل يَطْلُبُونَ بِذَلِكَ الْفَرْق بَيْن جَمَعَ عَوَان مِنْ الْبَقَر , وَجَمْع عَانَة مِنْ الْحُمُر . وَيُقَال : هَذِهِ حَرْب عَوَان : إذَا كَانَتْ حَرْبًا قَدْ قُوتِلَ فِيهَا مَرَّة بَعْد مَرَّة , يُمَثِّل ذَلِكَ بِالْمَرْأَةِ الَّتِي وَلَدَتْ بَطْنًا بَعْد بَطْن . وَكَذَلِكَ يُقَال : حَالَة عَوَان إذَا كَانَتْ قَدْ قُضِيَتْ مُرَّة بَعْد مُرَّة . 1000 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب أَنَّ ابْن زَيْد أَنْشَدَهُ : قُعُود لَدَى الْأَبْوَاب طُلَّاب حَاجَة عَوَان مِنْ الْحَاجَات أَوْ حَاجَة بِكْرًا قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْبَيْت لِلْفَرَزْدَقِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ تَأَوَّلَهُ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 1001 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَعْد الْكِنْدِيّ , ثنا عَبْد السَّلَام بْن حَرْب , عَنْ خَصِيف , عَنْ مُجَاهِد : { عَوَان بَيْن ذَلِكَ } وَسَط قَدْ وَلَدْنَ بَطْنًا أَوْ بَطْنَيْنِ . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { عَوَان } قَالَ : الْعَوَان : الْعَانِس النَّصَف . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : الْعَوَان : النَّصَف . 1002 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : ثنا ابْن عَطِيَّة , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ خَصِيف , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس أَوْ عِكْرِمَة , شَكَّ شَرِيك : { عَوَان } قَالَ : بَيْن ذَلِكَ . 1003 - حَدَّثَنَا عَنْ المنجاب , قَالَ : ثنا بِشْر , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { عَوَان } قَالَ بَيْن الصَّغِيرَة وَالْكَبِيرَة , وَهِيَ أَقْوَى مَا تَكُون مِنْ الْبَقَر وَالدَّوَابّ وَأَحْسَن مَا تَكُون . 1004 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ عَنْ ابْن عَبَّاس : { عَوَان } قَالَ : النَّصَف . 1005 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { عَوَان } نَصَف . 1006 - وَحَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , عَنْ ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله . 1007 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : الْعَوَان : نَصَف بَيْن ذَلِكَ . * حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ خَصِيف , عَنْ مُجَاهِد : { عَوَان } الَّتِي تُنْتَج شَيْئًا بِشَرْطِ أَنْ تَكُون الَّتِي قَدْ نُتِجَتْ بِكْرَة أَوْ بِكْرَتَيْنِ . 1008 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : الْعَوَان : النَّصَف الَّتِي بَيْن ذَلِكَ , الَّتِي قَدْ وَلَدَتْ وَوَلَد وَلَدهَا . 1009 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : الْعَوَان : بَيْن ذَلِكَ لَيْسَتْ بِبِكْرٍ وَلَا كَبِير .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { بَيْن ذَلِكَ } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { بَيْن ذَلِكَ } بَيْن الْبِكْر وَالْهَرِمَة . كَمَا : 1010 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { بَيْن ذَلِكَ } أَيْ بَيْن الْبِكْر وَالْهَرِمَة . فَإِنْ قَالَ قَائِل : قَدْ عَلِمْت أَنَّ " بَيْن " لَا تَصْلُح إلَّا أَنْ تَكُون مَعَ شَيْئَيْنِ فَصَاعِدًا , فَكَيْف قِيلَ بَيْن ذَلِكَ وَذَلِكَ وَاحِد فِي اللَّفْظ ؟ قِيلَ : إنَّمَا صَلَحَتْ مَعَ كَوْنهَا وَاحِدَة , لِأَنَّ " ذَلِكَ " بِمَعْنَى اثْنَيْنِ , وَالْعَرَب تَجْمَع فِي " ذَلِكَ " و " ذَاكَ " شَيْئَيْنِ وَمَعْنَيَيْنِ مِنْ الْأَفْعَال , كَمَا يَقُول الْقَائِل : أَظُنّ أَخَاك قَائِمًا , وَكَانَ عَمْرو أَبَاك , ثُمَّ يَقُول : قَدْ كَانَ ذَاكَ , وَأَظُنّ ذَلِكَ . فَيَجْمَع بِذَلِكَ وَذَاكَ الِاسْم وَالْخَبَر الَّذِي كَانَ لَا بُدّ ل " ظَنَّ " و " كَانَ " مِنْهُمَا . فَمَعْنَى الْكَلَام : قَالَ : إنَّهُ يَقُول إنَّمَا بَقَرَة لَا مُسِنَّة هَرِمَة وَلَا صَغِيرَة لَمْ تَلِد , وَلَكِنَّهَا بَقَرَة نَصَف قَدْ وَلَدَتْ بَطْنًا بَعْد بَطْن بَيْن الْهَرِم وَالشَّبَاب . فَيَجْمَع ذَلِكَ مَعْنَى الْهَرِم وَالشَّبَاب لِمَا وَصَفْنَا , وَلَوْ كَانَ مَكَان الْفَارِض وَالْبِكْر اسْمَا شَخْصَيْنِ لَمْ يَجْمَع مَعَ بَيْن ذَلِكَ , وَذَلِكَ أَنَّ " ذَلِكَ " لَا يُؤَدِّي عَنْ اسْم شَخْصَيْنِ , وَغَيْر جَائِز لِمَنْ قَالَ : كُنْت بَيْن زَيْد وَعَمْرو , أَنْ يَقُولَا : كُنْت بَيْن ذَلِكَ , وَإِنَّمَا يَكُون ذَلِكَ مَعَ أَسَمَاء الْأَفْعَال دُون أَسَمَاء الْأَشْخَاص .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى . { فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ } . يَقُول اللَّه لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : افْعَلُوا مَا آمُركُمْ بِهِ تُدْرِكُوا حَاجَاتكُمْ وَطَلَبَاتكُمْ عِنْدِي , وَاذْبَحُوا الْبَقَرَة الَّتِي أَمَرْتُكُمْ بِذَبْحِهَا , تُصَلُّوا بِانْتِهَائِكُمْ إلَى طَاعَتِي بِذَبْحِهَا إلَى الْعِلْم بِقَاتِلِ قَتِيلكُمْ .
قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالُوا اُدْعُ لَنَا رَبّك يُبَيِّن لَنَا مَا لَوْنهَا } وَمَعْنَى ذَلِكَ قَالَ قَوْم مُوسَى لِمُوسَى : { قَالُوا اُدْعُ لَنَا رَبّك يُبَيِّن لَنَا مَا لَوْنهَا } أَيْ لَوْن الْبَقَرَة الَّتِي أَمَرْتنَا بِذَبْحِهَا . وَهَذَا أَيْضًا تَعَنُّت آخَر مِنْهُمْ بَعْد الْأَوَّل , وَتَكَلُّف طَلَب مَا قَدْ كَانُوا كَفَوْهُ فِي الْمَرَّة الثَّانِيَة وَالْمَسْأَلَة الْآخِرَة ; وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا حُصِرُوا فِي الْمَرَّة الثَّانِيَة , إذْ قِيلَ لَهُمْ بَعْد مَسْأَلَتهمْ عَنْ حِلْيَة الْبَقَرَة الَّتِي كَانُوا أُمِرُوا بِذَبْحِهَا فَأَبَوْا إلَّا تَكَلُّف مَا قَدْ كَفَوْهُ مِنْ الْمَسْأَلَة عَنْ صِفَتهَا فَحُصِرُوا عَلَى نَوْع دُون سَائِر الْأَنْوَاع عُقُوبَة مِنْ اللَّه لَهُمْ عَلَى مَسْأَلَتهمْ الَّتِي سَأَلُوهَا نَبِيّهمْ تَعَنُّتًا مِنْهُمْ لَهُ , ثُمَّ لَمْ يَحْصُرهُمْ عَلَى لَوْن مِنْهَا دُون لَوْن , فَأَبَوْا إلَّا تَكَلُّف مَا كَانُوا عَنْ تَكَلُّفه أَغْنِيَاء , فَقَالُوا نَعْتًا مِنْهُمْ لِنَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا ذَكَرَ ابْن عَبَّاس : { اُدْعُ لَنَا رَبّك يُبَيِّن لَنَا مَا لَوْنهَا } فَقُلْ لَهُمْ عُقُوبَة لَهُمْ : { إنَّهَا بَقَرَة صَفْرَاء فَاقِع لَوْنهَا تَسُرّ النَّاظِرِينَ } فَحُصِرُوا عَلَى لَوْن مِنْهَا دُون لَوْن , وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْبَقَرَة الَّتِي أَمَرْتُكُمْ بِذَبْحِهَا صَفْرَاء فَاقِع لَوْنهَا . قَالَ : وَمَعْنَى قَوْله : { يُبَيِّن لَنَا مَا لَوْنهَا } أَيْ شَيْء لَوْنهَا , فَلِذَلِكَ كَانَ اللَّوْن مَرْفُوعًا , لِأَنَّهُ مَرْفُوع " مَا " وَإِنَّمَا لَمْ يَنْصِب " مَا " بِقَوْلِهِ " يُبَيِّن لَنَا " , لِأَنَّ أَصْل " أَيْ " و " مَا " جَمْع مُتَفَرِّق الِاسْتِفْهَام . يَقُول الْقَائِل : بَيِّن لَنَا أَسَوْدَاء هَذِهِ الْبَقَرَة أَمْ صَفْرَاء ؟ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ " بَيِّن لَنَا " ارْتَفَعَ عَلَى الِاسْتِفْهَام مُنْصَرَفًا [ عَمَّا ] لَمْ يَكُنْ لَهُ ارْتَفَعَ عَلَى أَيْ لِأَنَّهُ جَمَعَ ذَلِكَ الْمُتَفَرِّق , وَكَذَلِكَ كُلّ مَا كَانَ مِنْ نَظَائِره , فَالْعَمَل فِيهِ وَاحِد فِي " مَا " و " أَيْ " .
وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى قَوْله : { صَفْرَاء } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ سَوْدَاء شَدِيدَة السَّوَاد . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ : 1011 - حَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود إسْمَاعِيل بْن مَسْعُود الْجَحْدَرِيّ , قَالَ : ثنا نُوح بْن قَيْس , عَنْ مُحَمَّد بْن سَيْف , عَنْ الْحَسَن : { صَفْرَاء فَاقِع لَوْنهَا } قَالَ : سَوْدَاء شَدِيدَة السَّوَاد . * - حَدَّثَنِي أَبُو زَائِدَة زَكَرِيَّا بْن يَحْيَى بْن أَبِي زَائِده , وَالْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم قَالَا : ثنا مُسْلِم بْن إبْرَاهِيم , قَالَ , ثنا نُوح بْن قَيْس , عَنْ مُحَمَّد بْن سَيْف , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنْ الْحَسَن , مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : صَفْرَاء الْقَرْن وَالظِّلْف . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1012 - حَدَّثَنِي هِشَام بْن يُونُس النَّهْشَلِيّ , قَالَ : ثنا حَفْص بْن غِيَاث , عَنْ أَشْعَث , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { صَفْرَاء فَاقِع لَوْنهَا } قَالَ : صَفْرَاء الْقَرْن وَالظِّلْف . 1013 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنِي هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ كَثِير بْن زِيَاد , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { صَفْرَاء فَاقِع لَوْنهَا } قَالَ : كَانَتْ وَحْشِيَّة . 1014 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا مَرْوَان بْن مُعَاوِيَة , عَنْ إبْرَاهِيم , عَنْ أَبِي حَفْص , عَنْ مغراء , أَوْ عَنْ رَجُل , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { بَقَرَة صَفْرَاء فَاقِع لَوْنهَا } قَالَ : صَفْرَاء الْقَرْن وَالظِّلْف . 1015 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : هِيَ صَفْرَاء . 1016 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا الضَّحَّاك بْن مَخْلَد , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { إنَّهَا بَقَرَة صَفْرَاء فَاقِع لَوْنهَا } قَالَ : لَوْ أَخَذُوا بَقَرَة صَفْرَاء لَأَجْزَأَتْ عَنْهُمْ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَحْسِب أَنَّ الَّذِي قَالَ فِي قَوْله : { صَفْرَاء } يَعْنِي بِهَا سَوْدَاء , ذَهَبَ إلَى قَوْله فِي نَعْت الْإِبِل السرد : هَذِهِ إبِل صُفْر , وَهَذِهِ نَاقَة صَفْرَاء ; يَعْنِي بِهَا سَوْدَاء . وَإِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ فِي الْإِبِل لِأَنَّ سَوَادهَا يَضْرِب إلَى الصُّفْرَة , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : تِلْكَ خَيْلِي مِنْهَا وَتِلْكَ رِكَابِي هُنَّ صُفْر أَوْلَادهَا كَالزَّبِيبِ يَعْنِي بِقَوْلِهِ : هُنَّ صُفْر : هُنَّ سُود , وَذَلِكَ إنْ وُصِفَتْ الْإِبِل بِهِ فَلَيْسَ مِمَّا تُوصَف بِهِ الْبَقَر , مَعَ أَنَّ الْعَرَب لَا تَصِف السَّوَاد بِالْفُقُوعِ , وَإِنَّمَا تَصِف السَّوَاد إذَا وَصَفَتْهُ بِالشِّدَّةِ بِالْحُلُوكَةِ وَنَحْوهَا , فَتَقُول : هُوَ أَسْوَد حَالك وَحَانِك وحلكوك , وَأَسْوَد غِرْبِيب وَدَجُوجِي , وَلَا تَقُول : هُوَ أَسْوَد فَاقِع , وَإِنَّمَا تَقُول هُوَ أَصْفَر فَاقِع . فَوَصَفَهُ إيَّاهُ بِالْفُقُوعِ مِنْ الدَّلِيل الْبَيِّن عَلَى خِلَاف التَّأْوِيل الَّذِي تَأَوَّلَهُ قَوْله : { إنَّهَا بَقَرَة صَفْرَاء فَاقِع } الْمُتَأَوِّل بِأَنَّ مَعْنَاهُ سَوْدَاء شَدِيدَة السَّوَاد .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَاقِع لَوْنهَا } . يَعْنِي خَالِص لَوْنهَا , وَالْفُقُوع فِي الصُّفْر نَظِير النُّصُوع فِي الْبَيَاض , وَهُوَ شِدَّته وَصَفَاؤُهُ . كَمَا : 1017 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , قَالَ : قَالَ قَتَادَةَ : { فَاقِع لَوْنهَا } هِيَ الصَّافِي لَوْنهَا . 1018 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { فَاقِع لَوْنهَا } أَيْ صَافٍ لَوْنهَا . 1019 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بِمِثْلِهِ . 1020 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَاقِع } قَالَ : نَقِيّ لَوْنهَا . 1021 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { فَاقِع لَوْنهَا } شَدِيدَة الصُّفْرَة تَكَاد مِنْ صُفْرَتهَا تَبْيَضّ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : أَرَاهُ أَبْيَض . 1022 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { فَاقِع لَوْنهَا } قَالَ : شَدِيدَة صُفْرَتهَا . يُقَال مِنْهُ : فَقَعَ لَوْنه يَفْقَع وَيَفْقَع فَقْعًا وَفُقُوعًا فَهُوَ فَاقِع , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : حَمَلْت عَلَيْهِ الْوَرْد حَتَّى تَرَكْته ذَلِيلًا يَسُفّ التُّرْب وَاللَّوْن فَاقِع
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { تَسُرّ النَّاظِرِينَ } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { تَسُرّ النَّاظِرِينَ } تُعْجِب هَذِهِ الْبَقَرَة فِي حُسْن خَلْقهَا وَمَنْظَرهَا وَهَيْئَتهَا النَّاظِر إلَيْهَا . كَمَا : 1023 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { تَسُرّ النَّاظِرِينَ } أَيْ تُعْجِب النَّاظِرِينَ . 1024 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا إسْمَاعِيل بْن عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبًا : { تَسُرّ النَّاظِرِينَ } إذَا نَظَرَتْ إلَيْهَا يُخَيَّل إلَيْك أَنَّ شُعَاع الشَّمْس يَخْرَج مِنْ جِلْدهَا . 1025 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { تَسُرّ النَّاظِرِينَ } قَالَ : تُعْجِب النَّاطِرِينَ .
وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى قَوْله : { صَفْرَاء } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ سَوْدَاء شَدِيدَة السَّوَاد . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْهُمْ : 1011 - حَدَّثَنِي أَبُو مَسْعُود إسْمَاعِيل بْن مَسْعُود الْجَحْدَرِيّ , قَالَ : ثنا نُوح بْن قَيْس , عَنْ مُحَمَّد بْن سَيْف , عَنْ الْحَسَن : { صَفْرَاء فَاقِع لَوْنهَا } قَالَ : سَوْدَاء شَدِيدَة السَّوَاد . * - حَدَّثَنِي أَبُو زَائِدَة زَكَرِيَّا بْن يَحْيَى بْن أَبِي زَائِده , وَالْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم قَالَا : ثنا مُسْلِم بْن إبْرَاهِيم , قَالَ , ثنا نُوح بْن قَيْس , عَنْ مُحَمَّد بْن سَيْف , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنْ الْحَسَن , مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : صَفْرَاء الْقَرْن وَالظِّلْف . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1012 - حَدَّثَنِي هِشَام بْن يُونُس النَّهْشَلِيّ , قَالَ : ثنا حَفْص بْن غِيَاث , عَنْ أَشْعَث , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { صَفْرَاء فَاقِع لَوْنهَا } قَالَ : صَفْرَاء الْقَرْن وَالظِّلْف . 1013 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنِي هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ كَثِير بْن زِيَاد , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { صَفْرَاء فَاقِع لَوْنهَا } قَالَ : كَانَتْ وَحْشِيَّة . 1014 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا مَرْوَان بْن مُعَاوِيَة , عَنْ إبْرَاهِيم , عَنْ أَبِي حَفْص , عَنْ مغراء , أَوْ عَنْ رَجُل , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { بَقَرَة صَفْرَاء فَاقِع لَوْنهَا } قَالَ : صَفْرَاء الْقَرْن وَالظِّلْف . 1015 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : هِيَ صَفْرَاء . 1016 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا الضَّحَّاك بْن مَخْلَد , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { إنَّهَا بَقَرَة صَفْرَاء فَاقِع لَوْنهَا } قَالَ : لَوْ أَخَذُوا بَقَرَة صَفْرَاء لَأَجْزَأَتْ عَنْهُمْ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَحْسِب أَنَّ الَّذِي قَالَ فِي قَوْله : { صَفْرَاء } يَعْنِي بِهَا سَوْدَاء , ذَهَبَ إلَى قَوْله فِي نَعْت الْإِبِل السرد : هَذِهِ إبِل صُفْر , وَهَذِهِ نَاقَة صَفْرَاء ; يَعْنِي بِهَا سَوْدَاء . وَإِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ فِي الْإِبِل لِأَنَّ سَوَادهَا يَضْرِب إلَى الصُّفْرَة , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : تِلْكَ خَيْلِي مِنْهَا وَتِلْكَ رِكَابِي هُنَّ صُفْر أَوْلَادهَا كَالزَّبِيبِ يَعْنِي بِقَوْلِهِ : هُنَّ صُفْر : هُنَّ سُود , وَذَلِكَ إنْ وُصِفَتْ الْإِبِل بِهِ فَلَيْسَ مِمَّا تُوصَف بِهِ الْبَقَر , مَعَ أَنَّ الْعَرَب لَا تَصِف السَّوَاد بِالْفُقُوعِ , وَإِنَّمَا تَصِف السَّوَاد إذَا وَصَفَتْهُ بِالشِّدَّةِ بِالْحُلُوكَةِ وَنَحْوهَا , فَتَقُول : هُوَ أَسْوَد حَالك وَحَانِك وحلكوك , وَأَسْوَد غِرْبِيب وَدَجُوجِي , وَلَا تَقُول : هُوَ أَسْوَد فَاقِع , وَإِنَّمَا تَقُول هُوَ أَصْفَر فَاقِع . فَوَصَفَهُ إيَّاهُ بِالْفُقُوعِ مِنْ الدَّلِيل الْبَيِّن عَلَى خِلَاف التَّأْوِيل الَّذِي تَأَوَّلَهُ قَوْله : { إنَّهَا بَقَرَة صَفْرَاء فَاقِع } الْمُتَأَوِّل بِأَنَّ مَعْنَاهُ سَوْدَاء شَدِيدَة السَّوَاد .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَاقِع لَوْنهَا } . يَعْنِي خَالِص لَوْنهَا , وَالْفُقُوع فِي الصُّفْر نَظِير النُّصُوع فِي الْبَيَاض , وَهُوَ شِدَّته وَصَفَاؤُهُ . كَمَا : 1017 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , قَالَ : قَالَ قَتَادَةَ : { فَاقِع لَوْنهَا } هِيَ الصَّافِي لَوْنهَا . 1018 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { فَاقِع لَوْنهَا } أَيْ صَافٍ لَوْنهَا . 1019 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بِمِثْلِهِ . 1020 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَاقِع } قَالَ : نَقِيّ لَوْنهَا . 1021 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { فَاقِع لَوْنهَا } شَدِيدَة الصُّفْرَة تَكَاد مِنْ صُفْرَتهَا تَبْيَضّ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : أَرَاهُ أَبْيَض . 1022 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { فَاقِع لَوْنهَا } قَالَ : شَدِيدَة صُفْرَتهَا . يُقَال مِنْهُ : فَقَعَ لَوْنه يَفْقَع وَيَفْقَع فَقْعًا وَفُقُوعًا فَهُوَ فَاقِع , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : حَمَلْت عَلَيْهِ الْوَرْد حَتَّى تَرَكْته ذَلِيلًا يَسُفّ التُّرْب وَاللَّوْن فَاقِع
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { تَسُرّ النَّاظِرِينَ } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { تَسُرّ النَّاظِرِينَ } تُعْجِب هَذِهِ الْبَقَرَة فِي حُسْن خَلْقهَا وَمَنْظَرهَا وَهَيْئَتهَا النَّاظِر إلَيْهَا . كَمَا : 1023 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { تَسُرّ النَّاظِرِينَ } أَيْ تُعْجِب النَّاظِرِينَ . 1024 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا إسْمَاعِيل بْن عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبًا : { تَسُرّ النَّاظِرِينَ } إذَا نَظَرَتْ إلَيْهَا يُخَيَّل إلَيْك أَنَّ شُعَاع الشَّمْس يَخْرَج مِنْ جِلْدهَا . 1025 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { تَسُرّ النَّاظِرِينَ } قَالَ : تُعْجِب النَّاطِرِينَ .
قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاء اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالُوا اُدْعُ لَنَا رَبّك يُبَيِّن لَنَا مَا هِيَ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { قَالُوا } قَالَ قَوْم مُوسَى الَّذِينَ أُمِرُوا بِذَبْحِ الْبَقَرَة لِمُوسَى . فَتَرَكَ ذِكْر مُوسَى وَذَكَرَ عَائِد ذِكْره اكْتِفَاء بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِر الْكَلَام . وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : قَالُوا لَهُ : " اُدْعُ رَبّك " , فَلَمْ يَذْكُر لَهُ لَمَّا وَصَفْنَا . وَقَوْله : { يُبَيِّن لَنَا مَا هِيَ } خَيْر مِنْ اللَّه عَنْ الْقَوْم بِجَهَلَةٍ مِنْهُمْ ثَالِثَة , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا إذْ أُمِرُوا بِذَبْحِ الْبَقَرَة ذَبَحُوا أَيَّتهَا تَيَسَّرَتْ مِمَّا يَقَع عَلَيْهِ اسْم بَقَرَة كَانَتْ عَنْهُمْ مُجْزِئَة , وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ غَيْرهَا , لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا كُلِّفُوهَا بِصِفَةٍ دُون صِفَة , فَلَمَّا سَأَلُوا بَيَانهَا بِأَيِّ صِفَة هِيَ , فَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهَا بِسِنٍّ مِنْ الْأَسْنَان دُون سِنّ سَائِر الْأَسْنَان , فَقِيلَ لَهُمْ : هِيَ عَوَان بَيْن الْفَارِض وَالْبِكْر الضَّرْع . فَكَانُوا إذَا بُيِّنَتْ لَهُمْ سِنّهَا لَوْ ذَبَحُوا أَدْنَى بَقَرَة بِالسِّنِّ الَّتِي بُيِّنَتْ لَهُمْ كَانَتْ عَنْهُمْ مُجْزِئَة , لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا كُلِّفُوهَا بِغَيْرِ السِّنّ الَّتِي حُدِّدَتْ لَهُمْ , وَلَا كَانُوا حُصِرُوا عَلَى لَوْن مِنْهَا دُون لَوْن . فَلَمَّا أَبَوْا إلَّا أَنْ تَكُون مُعَرَّفَة لَهُمْ بِنُعُوتِهَا مُبَيَّنَة بِحُدُودِهَا الَّتِي تُفَرِّق بَيْنهَا وَبَيْن سَائِر بَهَائِم الْأَرْض فَشَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسهمْ شَدَّدَ اللَّه عَلَيْهِمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالهمْ نَبِيّهمْ وَاخْتِلَافهمْ عَلَيْهِ , وَلِذَلِكَ قَالَ نَبِيّنَا لِأُمَّتِهِ : " ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا أَهَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالهمْ وَاخْتِلَافهمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ , فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوهُ , وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْء فَانْتَهُوا عَنْهُ مَا أَسْتَطَعْتُمْ " . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَلَكِنْ الْقَوْم لَمَّا زَادُوا نَبِيّهمْ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذًى وَتَعَنُّتًا , زَادَهُمْ اللَّه عُقُوبَة وَتَشْدِيدًا , كَمَا : 1026 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : ثنا عَثَّام بْن عَلِيّ , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ الْمِنْهَال بْن عَمْرو , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : لَوْ أَخَذُوا أَدْنَى بَقَرَة اكْتَفَوْا بِهَا لَكِنَّهُمْ شَدَّدُوا فَشَدَّدَ اللَّه عَلَيْهِمْ . 1027 - حَدَّثَنَا عُمَر بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر , قَالَ : سَمِعْت أَيُّوب , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ , عَنْ عُبَيْدَة قَالَ : لَوْ أَنَّهُمْ أَخَذُوا أَدْنَى بَقَرَة لَأَجْزَأَتْ عَنْهُمْ . 1028 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ أَيُّوب , وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ هِشَام بْن حَسَّان جَمِيعًا , عَنْ ابْن سِيرِينَ , عَنْ عَبِيدَة السَّلْمَانِيّ , قَالَ : سَأَلُوا وَشَدَّدُوا فَشَدَّدَ اللَّه عَلَيْهِمْ . 1029 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ , أَخْبَرَنَا ابْن عُيَيْنَةَ , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : لَوْ أَخَذَ بَنُو إسْرَائِيل بَقَرَة لَأَجْزَأَتْ عَنْهُمْ , وَلَوْلَا قَوْلهمْ : { وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّه لَمُهْتَدُونَ } لَمَّا وَجَدُوهَا . 1030 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إنَّ اللَّه يَأْمُركُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَة } لَوْ أَخَذُوا بَقَرَة مَا كَانَتْ لَأَجْزَأَتْ عَنْهُمْ . { قَالُوا اُدْعُ لَنَا رَبّك يُبَيِّن لَنَا مَا هِيَ قَالَ إنَّهُ يَقُول إنَّهَا بَقَرَة لَا فَارِض وَلَا بِكْر } قَالَ : لَوْ أَخَذُوا بَقَرَة مِنْ هَذَا الْوَصْف لَأَجْزَأَتْ عَنْهُمْ . { قَالُوا اُدْعُ لَنَا رَبّك يُبَيِّن لَنَا مَا لَوْنهَا قَالَ إنَّهُ يَقُول إنَّهَا بَقَرَة صَفْرَاء فَاقِع لَوْنهَا تَسُرّ النَّاظِرِينَ } قَالَ : لَوْ أَخَذُوا بَقَرَة صَفْرَاء لَأَجْزَأَتْ عَنْهُمْ . { قَالُوا اُدْعُ لَنَا رَبّك يُبَيِّن لَنَا مَا هِيَ قَالَ إنَّهُ يَقُول إنَّهَا بَقَرَة لَا ذَلُول تُثِير الْأَرْض وَلَا تَسْقِي الْحَرْث } الْآيَة . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد بِنَحْوِهِ , وَزَادَ فِيهِ : وَلَكِنَّهُمْ شَدَّدُوا فَشَدَّدَ عَلَيْهِمْ . 1031 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حِدْثَتِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ مُجَاهِد : لَوْ أَخَذُوا بَقَرَة مَا كَانَتْ أَجْزَأَتْ عَنْهُمْ . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : قَالَ لِي عَطَاء : لَوْ أَخَذُوا أَدْنَى بَقَرَة كَفَتْهُمْ . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إنَّمَا أُمِرُوا بِأَدْنَى بَقَرَة وَلَكِنَّهُمْ لَمَّا شَدُّوا عَلَى أَنْفُسهمْ شَدَّدَ اللَّه عَلَيْهِمْ وَاَيْم اللَّه لَوْ أَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَثْنُوا لَمَّا بُيِّنَتْ لَهُمْ آخِر الْأَبَد " . 1032 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , قَالَ : لَوْ أَنَّ الْقَوْم حِين أُمِرُوا أَنْ يَذْبَحُوا بَقَرَة اسْتَعْرَضُوا بَقَرَة مِنْ الْبَقَر فَذَبَحُوهَا لَكَانَتْ إيَّاهَا , وَلَكِنَّهُمْ شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسهمْ فَشَدَّدَ اللَّه عَلَيْهِمْ , وَلَوْلَا أَنَّ الْقَوْم اسْتَثْنَوْا فَقَالُوا : { وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّه لَمُهْتَدُونَ } لَمَا هُدُوا إلَيْهَا أَبَدًا . 1033 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ , قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول : " إنَّمَا أُمِرَ الْقَوْم بِأَدْنَى بَقَرَة وَلَكِنَّهُمْ لَمَّا شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسهمْ شَدَّدَ عَلَيْهِمْ , وَاَلَّذِي نَفْس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَوْ لَمْ يَسْتَثْنُوا لَمَّا بُيِّنَتْ لَهُمْ آخِر الْأَبَد " . * - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ , عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : لَوْ اعْتَرَضُوا بَقَرَة فَذَبَحُوهَا لَأَجْزَأَتْ عَنْهُمْ وَلَكِنَّهُمْ شَدَّدُوا وَتَعَنَّتُوا مُوسَى فَشَدَّدَ اللَّه عَلَيْهِمْ . * حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ : قَالَ أَبُو بَكْر بْن عَيَّاش , قَالَ ابْن عَبَّاس : لَوْ أَنَّ الْقَوْم نَظَرُوا أَدْنَى بَقَرَة , يَعْنِي بَنِي إسْرَائِيل لَأَجْزَأَتْ عَنْهُمْ , وَلَكِنْ شَدَّدُوا فَشَدَّدَ عَلَيْهِمْ , فَاشْتَرَوْهَا بِمِلْءِ جِلْدهَا دَنَانِير . 1034 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : لَوْ أَخَذُوا بَقَرَة كَمَا أَمَرَهُمْ اللَّه كَفَاهُمْ ذَلِكَ , وَلَكِنَّ الْبَلَاء فِي هَذِهِ الْمَسَائِل , ف { قَالُوا اُدْعُ لَنَا رَبّك يُبَيِّن لَنَا مَا هِيَ } فَشَدَّدَ عَلَيْهِمْ , فَقَالَ : { إنَّهُ يَقُول إنَّهَا بَقَرَة لَا فَارِض وَلَا بِكْر عَوَان بَيْن ذَلِكَ } , { قَالُوا اُدْعُ لَنَا رَبّك يُبَيِّن لَنَا مَا لَوْنهَا قَالَ إنَّهُ يَقُول إنَّهَا بَقَرَة صَفْرَاء فَاقِع لَوْنهَا تَسُرّ النَّاظِرِينَ } قَالَ : وَشَدَّدَ عَلَيْهِمْ أَشَدّ مِنْ الْأَوَّل فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { مُسَلَّمَة لَا شِيَة فِيهَا } فَأَبَوْا أَيْضًا . { قَالُوا اُدْعُ لَنَا رَبّك يُبَيِّن لَنَا مَا هِيَ إنَّ الْبَقَر تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّه لَمُهْتَدُونَ } فَشَدَّدَ عَلَيْهِمْ ف { قَالَ إنَّهُ يَقُول إنَّهَا بَقَرَة لَا ذَلُول تُثِير الْأَرْض وَلَا تَسْقِي الْحَرْث مُسَلَّمَة لَا شِيَة فِيهَا } . قَالَ : فَاضْطُرُّوا إلَى بَقَرَة لَا يَعْلَم عَلَى صِفَتهَا غَيْرهَا , وَهِيَ صَفْرَاء , لَيْسَ فِيهَا سَوَاد وَلَا بَيَاض . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَهَذِهِ الْأَقْوَال الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَمَّنْ ذَكَرْنَاهَا عَنْهُ مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَالْخَالِفِينَ بَعْدهمْ مِنْ قَوْلهمْ : إنَّ بَنِي إسْرَائِيل لَوْ كَانُوا أَخَذُوا أَدْنَى بَقَرَة فَذَبَحُوهَا أَجْزَأَتْ عَنْهُمْ وَلَكِنَّهُمْ شَدَّدُوا فَشَدَّدَ اللَّه عَلَيْهِمْ , مِنْ أَوْضَح الدَّلَالَة عَلَى أَنَّ الْقَوْم كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ حُكْم اللَّه فِيمَا أُمِرَ وَنَهَى فِي كِتَابه وَعَلَى لِسَان رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْعُمُوم الظَّاهِر دُون الْخُصُوص الْبَاطِن , إلَّا أَنْ يَخُصّ , بَعْض مَا عَمَّهُ ظَاهِر التَّنْزِيل كِتَاب مِنْ اللَّه أَوْ رَسُول اللَّه , وَأَنَّ التَّنْزِيل أَوْ الرَّسُول إنْ خَصَّ بَعْض مَا عَمَّهُ ظَاهِر التَّنْزِيل بِحُكْمِ خِلَاف مَا دَلَّ عَلَيْهِ الظَّاهِر , فَالْمَخْصُوص مِنْ ذَلِكَ خَارِج مِنْ حُكْم الْآيَة الَّتِي عَمَّتْ ذَلِكَ الْجِنْس خَاصَّة , وَسَائِر حُكْم الْآيَة عَلَى الْعُمُوم , عَلَى نَحْو مَا قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابنَا كِتَاب " الرِّسَالَة مِنْ لَطِيف الْقَوْل فِي الْبَيَان عَنْ أُصُول الْأَحْكَام " فِي قَوْلنَا فِي الْعُمُوم وَالْخُصُوص , وَمُوَافَقَة قَوْلهمْ فِي ذَلِكَ قَوْلنَا , وَمَذْهَبهمْ مَذْهَبنَا , وَتَخْطِئَتهمْ قَوْل الْقَائِلِينَ بِالْخُصُوصِ فِي الْأَحْكَام , وَشَهَادَتهمْ عَلَى فَسَاد قَوْل مَنْ قَالَ : حُكْم الْآيَة الْجَائِيَة مَجِيء الْعُمُوم عَلَى الْعُمُوم مَا لَمْ يَخْتَصّ مِنْهَا بَعْض مَا عَمَّتْهُ الْآيَة , فَإِنْ خَصَّ مِنْهَا بَعْض , فَحُكْم الْآيَة حِينَئِذٍ عَلَى الْخُصُوص فِيمَا خَصَّ مِنْهَا , وَسَائِر ذَلِكَ عَلَى الْعُمُوم . وَذَلِكَ أَنَّ جَمِيع مَنْ ذَكَرْنَا قَوْله آنِفًا مِمَّنْ عَابَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيل مَسْأَلَتهمْ نَبِيّهمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِفَة الْبَقَرَة الَّتِي أُمِرُوا بِذَبْحِهَا وَسِنّهَا وَحِلْيَتهَا , رَأَوْا أَنَّهُمْ كَانُوا فِي مَسْأَلَتهمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوسَى ذَلِكَ مُخْطِئِينَ , وَأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا اسْتَعْرَضُوا أَدْنَى بَقَرَة مِنْ الْبَقَر إذْ أُمِرُوا بِذَبْحِهَا بِقَوْلِهِ : { إنَّ اللَّه يَأْمُركُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَة } فَذَبَحُوهَا كَانُوا لِلْوَاجِبِ عَلَيْهِمْ مِنْ أَمْر اللَّه فِي ذَلِكَ مُؤَدِّينَ وَلِلْحَقِّ مُطِيعِينَ , إذْ لَمْ يَكُنْ الْقَوْم حُصِرُوا عَلَى نَوْع مِنْ الْبَقَر دُون نَوْع , وَسِنّ دُون سِنّ وَرَأَوْا مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُمْ إذَا سَأَلُوا مُوسَى عَنْ سِنّهَا , فَأَخْبَرَهُمْ عَنْهَا وَحَصَرَهُمْ مِنْهَا عَلَى سِنّ دُون سِنّ , وَنَوْع دُون نَوْع , وَخَصَّ مِنْ جَمِيع أَنْوَاع الْبَقَر نَوْعًا مِنْهَا , كَانُوا فِي مَسْأَلَتهمْ إيَّاهُ فِي الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة بَعْد الَّذِي خَصَّ لَهُمْ مِنْ أَنَوْع الْبَقَر مِنْ الْخَطَأ عَلَى مِثْل الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ الْخَطَأ فِي مَسْأَلَتهمْ إيَّاهُ الْمَسْأَلَة الْأُولَى . وَكَذَلِكَ رَأَوْا أَنَّهُمْ فِي الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة عَلَى مِثْل الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَة , وَأَنَّ اللَّازِم كَانَ لَهُمْ فِي الْحَالَة الْأُولَى اسْتِعْمَال ظَاهِر الْأَمْر وَذَبْح أَيّ بَهِيمَة شَاءُوا مِمَّا وَقَعَ عَلَيْهَا اسْم بَقَرَة . وَكَذَلِكَ رَأَوْا أَنَّ اللَّازِم كَانَ لَهُمْ فِي الْحَال الثَّانِيَة اسْتِعْمَال ظَاهِر الْأَمْر , وَذَبْح أَيّ بَهِيمَة شَاءُوا مِمَّا وَقَعَ عَلَيْهَا اسْم بَقَرَة عَوَان لَا فَارِض وَلَا بِكْر . وَلَمْ يَرَوْا أَنَّ حُكْمهمْ إذْ خَصَّ لَهُمْ بَعْض الْبَقَر دُون الْبَعْض فِي الْحَالَة الثَّانِيَة انْتَقَلَ عَنْ اللَّازِم الَّذِي كَانَ لَهُمْ فِي الْحَالَة الْأُولَى مِنْ اسْتِعْمَال ظَاهِر الْأَمْر إلَى الْخُصُوص , فَفِي إجْمَاع جَمِيعهمْ عَلَى مَا رَوَيْنَا عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ مَعَ الرِّوَايَة الَّتِي رَوَيْنَاهَا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُوَافَقَةِ لِقَوْلِهِمْ دَلِيل وَاضِح عَلَى صِحَّة قَوْلنَا فِي الْعُمُوم وَالْخُصُوص , وَأَنَّ أَحْكَام اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي آيِ كِتَابه فِيمَا أَمَرَ وَنَهَى عَلَى الْعُمُوم مَا لَمْ يَخُصّ ذَلِكَ مَا يَجِب التَّسْلِيم لَهُ , وَأَنَّهُ إذَا خُصّ مِنْهُ شَيْء فَالْمَخْصُوص مِنْهُ خَارِج حُكْمه مِنْ حُكْم الْآيَة الْعَامَّة الظَّاهِر , وَسَائِر حُكْم الْآيَة عَلَى ظَاهِرهَا الْعَامّ , وَيُؤَيِّد حَقِيقَة مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ , وَشَاهِد عَدْل عَلَى فَسَاد قَوْل مَنْ خَالَفَ قَوْلنَا فِيهِ . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض مَنْ عَظُمَتْ جَهَالَته وَاشْتَدَّتْ حِيرَته , أَنَّ الْقَوْم إنَّمَا سَأَلُوا مُوسَى مَا سَأَلُوا بَعْد أَمْر اللَّه إيَّاهُمْ بِذَبْحِ بَقَرَة مِنْ الْبَقَر ; لِأَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّهُمْ أُمِرُوا بِذَبْحِ بَقَرَة بِعَيْنِهَا خُصَّتْ بِذَلِكَ , كَمَا خُصَّتْ عَصَا مُوسَى فِي مَعْنَاهَا , فَسَأَلُوهُ أَنْ يُحَلِّيهَا لَهُمْ لِيَعْرِفُوهَا . وَلَوْ كَانَ الْجَاهِل تَدَبَّرَ قَوْله هَذَا , لَسَهُلَ عَلَيْهِ مَا اُسْتُصْعِبَ مِنْ الْقَوْل ; وَذَلِكَ أَنَّهُ اسْتَعْظَمَ مِنْ الْقَوْم مَسْأَلَتهمْ نَبِيّهمْ مَا سَأَلُوهُ تَشَدُّدًا مِنْهُمْ فِي دِينهمْ , ثُمَّ أَضَافَ إلَيْهِمْ مِنْ الْأَمْر مَا هُوَ أَعْظَم مِمَّا اسْتَنْكَرَهُ أَنْ يَكُون كَانَ مِنْهُمْ , فَزَعَمَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ جَائِز أَنْ يَفْرِض اللَّه عَلَيْهِمْ فَرْضًا وَيَتَعَبَّدهُمْ بِعِبَادَةٍ , ثُمَّ لَا يُبَيِّن لَهُمْ مَا يُفْرَض عَلَيْهِمْ وَيَتَعَبَّدهُمْ بِهِ حَتَّى يَسْأَلُوا بَيَان ذَلِكَ لَهُمْ . فَأَضَافَ إلَى اللَّه تَعَالَى ذِكْره مَا لَا يَجُوز إضَافَته إلَيْهِ , وَنُسِبَ الْقَوْم مِنْ الْجَهْل إلَى مَا لَا يُنْسَب الْمَجَانِين إلَيْهِ , فَزَعَمَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْأَلُونَ رَبّهمْ أَنْ يَفْرِض عَلَيْهِمْ الْفَرَائِض . فَنَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ الْحِيرَة , وَنَسْأَلهُ التَّوْفِيق وَالْهِدَايَة .
وَأَمَّا قَوْله : { إنَّ الْبَقَر تَشَابَهَ عَلَيْنَا } فَإِنَّ الْبَقَر جِمَاع بَقَرَة . وَقَدْ قَرَأَ بَعْضهمْ : { إنَّ الْبَاقِر } وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِي الْكَلَام جَائِزًا لِمَجِيئِهِ فِي كَلَام الْعَرَب وَأَشْعَارهَا , كَمَا قَالَ مَيْمُون بْن قَيْس : وَمَا ذَنْبه إنْ عَافَتْ الْمَاء بَاقِر وَمَا إنْ تَعَاف الْمَاء إلَّا لِيُضْرَبَا وَكَمَا قَالَ أُمَيَّة : وَيَسُوقُونَ بَاقِر الطَّوْد لِلسَّهْ لِ مَهَازِيل خَشْيَة أَنْ تَبُورَا فَغَيْر جَائِزَة الْقِرَاءَة بِهِ لِمُخَالِفَتِهِ الْقِرَاءَة الْجَائِيَة مَجِيء الْحُجَّة بِنَقْلِ مَنْ لَا يَجُوز عَلَيْهِ فَمَا نَقْلُوهُ مُجْمِعِينَ عَلَيْهِ الْخَطَأ وَالسَّهْو وَالْكَذِب . وَأَمَّا تَأْوِيل : { تَشَابَهَ عَلَيْنَا } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : الْتَبَسَ عَلَيْنَا . وَالْقُرَّاء مُخْتَلِفَة فِي تِلَاوَته , فَبَعْضهمْ كَانُوا يَتْلُونَهُ : تَشَابَهَ عَلَيْنَا , بِتَخْفِيفِ الشَّيْء وَنَصْب الْهَاء عَلَى مِثَال تَفَاعُل , وَيَذْكُر الْفِعْل وَإِنْ كَانَ الْبَقَر جِمَاعًا , لِأَنَّ مِنْ شَأْن الْعَرَب تَذْكِير كُلّ فِعْل جَمْع كَانَتْ وُحْدَانه بِالْهَاءِ وَجَمْعه بِطَرْحِ الْهَاء وَتَأْنِيثه كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى فِي نَظِيره فِي التَّذْكِير : { كَأَنَّهُمْ أَعْجَاز نَخْل مُنْقَعِر } 54 20 فَذَكَرَ الْمُنْقَعِر وَهُوَ مِنْ صِفَة النَّخْل لِتَذْكِيرِ لَفْظ النَّخْل , وَقَالَ فِي مَوْضِع آخَر { كَأَنَّهُمْ أَعْجَاز نَخْل خَاوِيَة } 69 7 فَأَنَّثَ الْخَاوِيَة وَهِيَ مِنْ صِفَة النَّخْل بِمَعْنَى النَّخْل ; لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ فِي لَفْظ الْوَاحِد الْمُذَّكَّر عَلَى مَا وَصَفْنَا قَبْل فَهِيَ جِمَاع نَخْلَة . وَكَانَ بَعْضهمْ يَتْلُوهُ : { إنَّ الْبَقَر تَشَّابَهُ عَلَيْنَا } بِتَشْدِيدِ الشَّيْن وَضَمّ الْهَاء , فَيُؤَنَّث الْفِعْل بِمَعْنَى تَأْنِيث الْبَقَر , كَمَا قَالَ : { أَعْجَاز نَخْل خَاوِيَة } وَيَدْخُل فِي أَوَّل تَشَابَهَ تَاء تَدُلّ عَلَى تَأْنِيثهَا , ثُمَّ تُدْغَم التَّاء الثَّانِيَة فِي شَيْن تَشَابَهَ لِتَقَارُبِ مَخْرَجهَا وَمَخْرَج الشَّيْن فَتَصِير شَيْئًا مُشَدَّدَة وَتُرْفَع الْهَاء بِالِاسْتِقْبَالِ وَالسَّلَام مِنْ الْجَوَازِم وَالنَّوَاصِب . وَكَانَ بَعْضهمْ يَتْلُوهُ : { إنَّ الْبَقَر يُشَابِه عَلَيْنَا } فَيُخَرَّج يُشَابِه مَخْرَج الْخَبَر عَنْ الذِّكْر لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْعِلَّة فِي قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ : { تَشَابَهَ } بِالتَّخْفِيفِ , وَنَصْب الْهَاء , غَيْر أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعهُ بِالْيَاءِ الَّتِي يُحَدِّثهَا فِي أَوَّل تَشَابَهَ الَّتِي تَأْتِي بِمَعْنَى الِاسْتِقْبَال , وَتُدْغَم التَّاء فِي الشَّيْن كَمَا فَعَلَهُ الْقَارِئ فِي تَشَابَهَ بِالتَّاءِ وَالتَّشْدِيد . وَالصَّوَاب فِي ذَلِكَ مِنْ الْقِرَاءَة عِنْدنَا : { إنَّ الْبَقَر تَشَابَهَ عَلَيْنَا } بِتَخْفِيفِ شَيْن تَشَابَهَ وَنَصْب هَائِهِ , بِمَعْنَى تَفَاعَلَ . لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَى تَصْوِيب ذَلِكَ وَرَفْعهمْ مَا سِوَاهُ مِنْ الْقِرَاءَات , وَلَا يَعْتَرِض عَلَى الْحُجَّة بِقَوْلِ مَنْ يَجُوز عَلَيْهِ فِيمَا نَقَلَ السَّهْو وَالْغَفْلَة وَالْخَطَأ .
وَأَمَّا قَوْله : { وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّه لَمُهْتَدُونَ } فَإِنَّهُمْ عَنَوْا : وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّه لَمُبَيَّن لَنَا مَا الْتَبَسَ عَلَيْنَا وَتَشَابَهَ مِنْ أَمْر الْبَقَرَة الَّتِي أُمِرْنَا بِذَبْحِهَا . وَمَعْنَى اهْتِدَائِهِمْ فِي هَذَا الْمَوْضِع مَعْنَى تَبَيُّنهمْ أَيْ ذَلِكَ الَّذِي لَزِمَهُمْ ذَبْحه مِمَّا سِوَاهُ مِنْ أَجْنَاس الْبَقَر .
وَأَمَّا قَوْله : { إنَّ الْبَقَر تَشَابَهَ عَلَيْنَا } فَإِنَّ الْبَقَر جِمَاع بَقَرَة . وَقَدْ قَرَأَ بَعْضهمْ : { إنَّ الْبَاقِر } وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِي الْكَلَام جَائِزًا لِمَجِيئِهِ فِي كَلَام الْعَرَب وَأَشْعَارهَا , كَمَا قَالَ مَيْمُون بْن قَيْس : وَمَا ذَنْبه إنْ عَافَتْ الْمَاء بَاقِر وَمَا إنْ تَعَاف الْمَاء إلَّا لِيُضْرَبَا وَكَمَا قَالَ أُمَيَّة : وَيَسُوقُونَ بَاقِر الطَّوْد لِلسَّهْ لِ مَهَازِيل خَشْيَة أَنْ تَبُورَا فَغَيْر جَائِزَة الْقِرَاءَة بِهِ لِمُخَالِفَتِهِ الْقِرَاءَة الْجَائِيَة مَجِيء الْحُجَّة بِنَقْلِ مَنْ لَا يَجُوز عَلَيْهِ فَمَا نَقْلُوهُ مُجْمِعِينَ عَلَيْهِ الْخَطَأ وَالسَّهْو وَالْكَذِب . وَأَمَّا تَأْوِيل : { تَشَابَهَ عَلَيْنَا } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : الْتَبَسَ عَلَيْنَا . وَالْقُرَّاء مُخْتَلِفَة فِي تِلَاوَته , فَبَعْضهمْ كَانُوا يَتْلُونَهُ : تَشَابَهَ عَلَيْنَا , بِتَخْفِيفِ الشَّيْء وَنَصْب الْهَاء عَلَى مِثَال تَفَاعُل , وَيَذْكُر الْفِعْل وَإِنْ كَانَ الْبَقَر جِمَاعًا , لِأَنَّ مِنْ شَأْن الْعَرَب تَذْكِير كُلّ فِعْل جَمْع كَانَتْ وُحْدَانه بِالْهَاءِ وَجَمْعه بِطَرْحِ الْهَاء وَتَأْنِيثه كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى فِي نَظِيره فِي التَّذْكِير : { كَأَنَّهُمْ أَعْجَاز نَخْل مُنْقَعِر } 54 20 فَذَكَرَ الْمُنْقَعِر وَهُوَ مِنْ صِفَة النَّخْل لِتَذْكِيرِ لَفْظ النَّخْل , وَقَالَ فِي مَوْضِع آخَر { كَأَنَّهُمْ أَعْجَاز نَخْل خَاوِيَة } 69 7 فَأَنَّثَ الْخَاوِيَة وَهِيَ مِنْ صِفَة النَّخْل بِمَعْنَى النَّخْل ; لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ فِي لَفْظ الْوَاحِد الْمُذَّكَّر عَلَى مَا وَصَفْنَا قَبْل فَهِيَ جِمَاع نَخْلَة . وَكَانَ بَعْضهمْ يَتْلُوهُ : { إنَّ الْبَقَر تَشَّابَهُ عَلَيْنَا } بِتَشْدِيدِ الشَّيْن وَضَمّ الْهَاء , فَيُؤَنَّث الْفِعْل بِمَعْنَى تَأْنِيث الْبَقَر , كَمَا قَالَ : { أَعْجَاز نَخْل خَاوِيَة } وَيَدْخُل فِي أَوَّل تَشَابَهَ تَاء تَدُلّ عَلَى تَأْنِيثهَا , ثُمَّ تُدْغَم التَّاء الثَّانِيَة فِي شَيْن تَشَابَهَ لِتَقَارُبِ مَخْرَجهَا وَمَخْرَج الشَّيْن فَتَصِير شَيْئًا مُشَدَّدَة وَتُرْفَع الْهَاء بِالِاسْتِقْبَالِ وَالسَّلَام مِنْ الْجَوَازِم وَالنَّوَاصِب . وَكَانَ بَعْضهمْ يَتْلُوهُ : { إنَّ الْبَقَر يُشَابِه عَلَيْنَا } فَيُخَرَّج يُشَابِه مَخْرَج الْخَبَر عَنْ الذِّكْر لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْعِلَّة فِي قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ : { تَشَابَهَ } بِالتَّخْفِيفِ , وَنَصْب الْهَاء , غَيْر أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعهُ بِالْيَاءِ الَّتِي يُحَدِّثهَا فِي أَوَّل تَشَابَهَ الَّتِي تَأْتِي بِمَعْنَى الِاسْتِقْبَال , وَتُدْغَم التَّاء فِي الشَّيْن كَمَا فَعَلَهُ الْقَارِئ فِي تَشَابَهَ بِالتَّاءِ وَالتَّشْدِيد . وَالصَّوَاب فِي ذَلِكَ مِنْ الْقِرَاءَة عِنْدنَا : { إنَّ الْبَقَر تَشَابَهَ عَلَيْنَا } بِتَخْفِيفِ شَيْن تَشَابَهَ وَنَصْب هَائِهِ , بِمَعْنَى تَفَاعَلَ . لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَى تَصْوِيب ذَلِكَ وَرَفْعهمْ مَا سِوَاهُ مِنْ الْقِرَاءَات , وَلَا يَعْتَرِض عَلَى الْحُجَّة بِقَوْلِ مَنْ يَجُوز عَلَيْهِ فِيمَا نَقَلَ السَّهْو وَالْغَفْلَة وَالْخَطَأ .
وَأَمَّا قَوْله : { وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّه لَمُهْتَدُونَ } فَإِنَّهُمْ عَنَوْا : وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّه لَمُبَيَّن لَنَا مَا الْتَبَسَ عَلَيْنَا وَتَشَابَهَ مِنْ أَمْر الْبَقَرَة الَّتِي أُمِرْنَا بِذَبْحِهَا . وَمَعْنَى اهْتِدَائِهِمْ فِي هَذَا الْمَوْضِع مَعْنَى تَبَيُّنهمْ أَيْ ذَلِكَ الَّذِي لَزِمَهُمْ ذَبْحه مِمَّا سِوَاهُ مِنْ أَجْنَاس الْبَقَر .
قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ إنَّهُ يَقُول إنَّهَا بَقَرَة لَا ذَلُول تُثِير الْأَرْض وَلَا تَسْقِي الْحَرْث } وَتَأْوِيل ذَلِكَ , قَالَ مُوسَى : إنَّ اللَّه يَقُول . إنَّ الْبَقَرَة الَّتِي أَمَرْتُكُمْ بِذَبْحِهَا بَقَرَة لَا ذَلُول . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { لَا ذَلُول } أَيْ لَمْ يُذَلِّلهَا الْعَمَل . فَمَعْنَى الْآيَة : أَنَّهَا بَقَرَة لَمْ تُذَلِّلهَا إثَارَة الْأَرْض بِأَظْلَافِهَا , وَلَا سُنِيَ عَلَيْهَا الْمَاء فَيُسْقَى عَلَيْهَا الزَّرْع , كَمَا يُقَال لِلدَّابَّةِ الَّتِي قَدْ ذَلَّلَهَا الرُّكُوب أَوْ الْعَمَل : دَابَّة ذَلُول بَيِّنَة الذِّلّ , بِكَسْرِ الذَّال , وَيُقَال فِي مِثْله مِنْ بَنِي آدَم : رَجُل ذَلِيل بَيِّن الذِّلّ وَالذِّلَّة . 1035 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { إنَّهَا بَقَرَة لَا ذَلُول } يَقُول : صَعْبَة لَمْ يُذِلّهَا عَمَل , { تُثِير الْأَرْض وَلَا تَسْقِي الْحَرْث } . 1036 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { إنَّهَا بَقَرَة لَا ذَلُول تُثِير الْأَرْض } يَقُول : بَقَرَة لَيْسَتْ بِذَلُولٍ يَزْرَع عَلَيْهَا , وَلَيْسَتْ تَسْقِي الْحَرْث . 1037 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { إنَّهَا بَقَرَة لَا ذَلُول } أَيْ لَمْ يُذَلِّلهَا الْعَمَل , { تُثِير الْأَرْض } يَعْنِي لَيْسَتْ بِذَلُولٍ فَتُثِير الْأَرْض , { وَلَا تَسْقِي الْحَرْث } يَقُول : وَلَا تَعْمَل فِي الْحَرْث . 1038 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { إنَّهَا بَقَرَة لَا ذَلُول } يَقُول : لَمْ يُذِلّهَا الْعَمَل , { تُثِير الْأَرْض } يَقُول : تُثِير الْأَرْض بِأَظْلَافِهَا , { وَلَا تَسْقِي الْحَرْث } يَقُول : لَا تَعْمَل فِي الْحَرْث . 1039 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : الْأَعْرَج : قَالَ مُجَاهِد : قَوْله : { لَا ذَلُول تُثِير الْأَرْض وَلَا تَسْقِي الْحَرْث } يَقُول : لَيْسَتْ بِذَلُولٍ فَتَفْعَل ذَلِكَ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ : لَيْسَتْ بِذَلُولٍ تُثِير الْأَرْض وَلَا تَسْقِي الْحَرْث . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { تُثِير الْأَرْض } تُقَلِّب الْأَرْض لِلْحَرْثِ , يُقَال مِنْهُ : أَثَرْت الْأَرْض أُثِيرهَا إثَارَة : إذَا قَلَّبَتْهَا لِلزَّرْعِ . وَإِنَّمَا وَصَفَهَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِهَذِهِ الصِّفَة لِأَنَّهَا كَانَتْ فِيمَا قِيلَ وَحْشِيَّة . 1040 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ كَثِير بْن زِيَاد , عَنْ الْحَسَن قَالَ : كَانَتْ وَحْشِيَّة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مُسَلَّمَة } . وَمَعْنَى { مُسَلَّمَة } مُفْعَلَّة مِنْ السَّلَامَة , يُقَال مِنْهُ : سَلِمَتْ تَسْلَم فَهِيَ مُسَلَّمَة . ثُمَّ أَخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنَى الَّذِي سَلِمَتْ مِنْهُ , فَوَصَفَهَا اللَّه بِالسَّلَامَةِ مِنْهُ . فَقَالَ مُجَاهِد بِمَا : 1041 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { مُسَلَّمَة } يَقُول : مُسَلَّمَة مِنْ الشِّيَة , و { لَا شِيَة فِيهَا } لَا بَيَاض فِيهَا وَلَا سَوَاد . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ , قَالَ مُجَاهِد : { لَا شِيَة فِيهَا } قَالَ : مُسَلَّمَة مِنْ الشِّيَة { لَا شِيَة فِيهَا } لَا بَيَاض فِيهَا وَلَا سَوَاد . وَقَالَ آخَرُونَ : مُسَلَّمَة مِنْ الْعُيُوب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1042 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { مُسَلَّمَة لَا شِيَة فِيهَا } أَيْ مُسَلَّمَة مِنْ الْعُيُوب . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ : { مُسَلَّمَة } يَقُول : لَا عَيْب فِيهَا . 1043 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { مُسَلَّمَة } يَعْنِي مُسَلَّمَة مِنْ الْعُيُوب . * - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بِمِثْلِهِ . 1044 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : قَالَ ابْن عَبَّاس قَوْله : { مُسَلَّمَة } لَا عَوَار فِيهَا . وَاَلَّذِي قَالَهُ ابْن عَبَّاس وَأَبُو الْعَالِيَة وَمَنْ قَالَ بِمِثْلِ قَوْلهمَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَة مِمَّا قَالَهُ مُجَاهِد ; لِأَنَّ سَلَامَتهَا لَوْ كَانَتْ مِنْ سَائِر أَنْوَاع الْأَلْوَان سِوَى لَوْن جِلْدهَا , لَكَانَ فِي قَوْله : { مُسَلَّمَة } مُكْتَفِي عَنْ قَوْله : { لَا شِيَة فِيهَا } . وَفِي قَوْله : { لَا شِيَة فِيهَا } مَا يُوَضِّح عَنْ أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { مُسَلَّمَة } غَيْر مَعْنَى قَوْله : { لَا شِيَة فِيهَا } . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَمَعْنَى الْكَلَام أَنَّهُ يَقُول : إنَّهَا بَقَرَة لَمْ تُذَلِّلهَا إثَارَة الْأَرْض وَقَلْبهَا لِلْحِرَاثَةِ وَلَا السُّنُوّ عَلَيْهَا لِلْمَزَارِعِ , وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ صَحِيحَة مُسَلَّمَة مِنْ الْعُيُوب .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَا شِيَة فِيهَا } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { لَا شِيَة فِيهَا } لَا لَوْن فِيهَا يُخَالِف لَوْن جِلْدهَا . وَأَصْله مِنْ وَشْي الثَّوْب , وَهُوَ تَحْسِين عُيُوبه الَّتِي تَكُون فِيهِ بِضُرُوبٍ مُخْتَلِفَة مِنْ أَلْوَان سَدَاه وَلِحُمَتِهِ , يُقَال مِنْهُ : وَشَيْت الثَّوْب فَأَنَا أَشِيه شِيَة وَوَشْيًا . وَمِنْهُ قِيلَ لِلسَّاعِي بِالرَّجُلِ إلَى السُّلْطَان أَوْ غَيْره : وَاشٍ , لِكَذِبِهِ عَلَيْهِ عِنْده وَتَحْسِينه كَذِبه بِالْأَبَاطِيلِ , يُقَال مِنْهُ : وَشَيْت بِهِ إلَى السُّلْطَان وِشَايَة . وَمِنْهُ قَوْل كَعْب بْن زُهَيْر : تَسْعَى الْوُشَاة جَنَابَيْهَا وَقَوْلهمْ إنَّك يَا ابْن أَبِي سَلَمَة لَمَقْتُول وَالْوُشَاة جَمْع وَاشٍ : يَعْنِي أَنَّهُمْ يَتَقَوَّلُونَ بِالْأَبَاطِيلِ . وَيُخْبِرُونَهُ أَنَّهُ إنْ لَحِقَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَهُ . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة أَنَّ الْوَشْي : الْعَلَامَة . وَذَلِكَ لَا مَعْنَى لَهُ إلَّا أَنْ يَكُون أَرَادَ بِذَلِكَ تَحْسِين الثَّوْب بِالْأَعْلَامِ , لِأَنَّهُ مَعْلُوم أَنَّ الْقَاتِل : وَشَيْت بِفُلَانٍ إلَى فُلَان غَيْر جَائِز أَنْ يَتَوَهَّم عَلَيْهِ أَنَّهُ أَرَادَ : جَعَلْت لَهُ عِنْده عَلَامَة . وَإِنَّمَا قِيلَ . { لَا شِيَة فِيهَا } وَهِيَ مِنْ وَشَيْت . لِأَنَّ الْوَاو لَمَّا أُسْقِطَتْ مِنْ أَوَّلهَا أُبْدِلَتْ مَكَانهَا الْهَاء فِي آخِرهَا , كَمَا قِيلَ . وَزَنْته زِنَة , وَوَسْيَته سِيَة , وَوَعَدْته عِدَّة , وَوَدَيْته دِيَة . وَيُمَثِّل الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْله : { لَا شِيَة فِيهَا } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . 1045 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ , ثنا - يَزِيد . قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { لَا شِيَة فِيهَا } أَيْ لَا بَيَاض فِيهَا . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر . عَنْ قَتَادَةَ , مِثْله . 1046 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم . قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع . عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { لَا شِيَة فِيهَا } يَقُول : لَا بَيَاض فِيهَا . 1047 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو قَالَ , ثنا أَبُو عَاصِم . قَالَ : ثنا عِيسَى . عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { لَا شِيَة فِيهَا } أَيْ لَا بَيَاض فِيهَا وَلَا سَوَاد . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل . عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 1048 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : ثنا ابْن إدْرِيس , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَطِيَّة : { لَا شِيَة فِيهَا } قَالَ : لَوْنهَا وَاحِد لَيْسَ فِيهَا لَوْن سِوَى لَوْنهَا . 1049 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { لَا شِيَة فِيهَا } مِنْ بَيَاض وَلَا سَوَاد وَلَا حُمْرَة . 1050 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { لَا شِيَة فِيهَا } هِيَ صَفْرَاء لَيْسَ فِيهَا بَيَاض وَلَا سَوَاد . 1051 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { لَا شِيَة فِيهَا } يَقُول : لَا بَيَاض فِيهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالُوا الْآن جِئْت بِالْحَقِّ } . اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { قَالُوا الْآن جِئْت بِالْحَقِّ } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : الْآن بَيَّنْت لَنَا الْحَقّ فَتَبَيَّنَّاهُ , وَعَرَفْنَا أَيَّة بَقَرَة عَيَّنْت . وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ قَتَادَةَ . 1052 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { قَالُوا الْآن جِئْت بِالْحَقِّ } أَيْ الْآن بَيَّنْت لَنَا . وَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ خَبَر مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ الْقَوْم أَنَّهُمْ نَسَبُوا نَبِيّ اللَّه مُوسَى صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَأْتِيهِمْ بِالْحَقِّ فِي أَمْر الْبَقَرَة قَبْل ذَلِكَ . وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ هَذَا الْقَوْل عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد . 1053 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : اُضْطُرُّوا إلَى بَقَرَة لَا يَعْلَمُونَ عَلَى صِفَتهَا غَيْرهَا , وَهِيَ صَفْرَاء لَيْسَ فِيهَا سَوَاد وَلَا بَيَاض , فَقَالُوا : هَذِهِ بَقَرَة فُلَان { الْآن جِئْت بِالْحَقِّ } وَقَبْل ذَلِكَ وَاَللَّه قَدْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ عِنْدنَا بِقَوْلِهِ : { قَالُوا الْآن جِئْت بِالْحَقِّ } قَوْل قَتَادَةَ ; وَهُوَ أَنَّ تَأْوِيله : الْآن بَيَّنْت لَنَا الْحَقّ فِي أَمْر الْبَقَرَة , فَعَرَفْنَا أَنَّهَا الْوَاجِب عَلَيْنَا ذَبْحهَا مِنْهَا ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَدْ أَطَاعُوهُ فَذَبَحُوهَا بَعْد قِيلهمْ وَهَذَا مَعَ غِلَظ مُؤْنَة ذَبْحهَا عَلَيْهِمْ وَثِقَل أَمْرهَا , فَقَالَ : { فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ } وَإِنْ كَانُوا قد قالوا بِقَوْلِهِمْ : الْآن بَيَّنْت لَنَا الْحَقّ , هِرَاء مِنْ الْقَوْل , وَأَتَوْا خَطَأ وَجَهْلًا مِنْ الْأَمْر . وَذَلِكَ أَنَّ نَبِيّ اللَّه مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُبَيِّنًا لَهُمْ فِي كُلّ مَسْأَلَة سَأَلُوهَا إيَّاهُ , وَرَدَّ رَادُّوهُ فِي أَمْر الْبَقَرَة الْحَقّ . وَإِنَّمَا يُقَال : الْآن بَيَّنْت لَنَا الْحَقّ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مُبَيَّنًا قَبْل ذَلِكَ , فَأَمَّا مَنْ كَانَ كُلّ قِيله فِيمَا أَبَانَ عَنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره حَقًّا وَبَيَانًا , فَغَيْر جَائِز أَنْ يُقَال لَهُ فِي بَعْض مَا أَبَانَ عَنْ اللَّه فِي أَمْره وَنَهْيه وَأَدَّى عَنْهُ إلَى عِبَاده مِنْ فَرَائِضه الَّتِي أَوْجَبَهَا عَلَيْهِمْ : { الْآن جِئْت بِالْحَقِّ } كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ قَبْل ذَلِكَ . وَقَدْ كَانَ بَعْض مَنْ سَلَفَ يَزْعُم أَنَّ الْقَوْم ارْتَدُّوا عَنْ دِينهمْ , وَكَفَرُوا بِقَوْلِهِمْ لِمُوسَى : { الْآن جِئْت بِالْحَقِّ } وَيَزْعُم أَنَّهُمْ نَفَوْا أَنْ يَكُون مُوسَى أَتَاهُمْ بِالْحَقِّ فِي أَمْر الْبَقَرَة قَبْل ذَلِكَ , وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلهمْ وَقِيلهمْ كُفْر . وَلَيْسَ الَّذِي قَالَ مِنْ ذَلِكَ عِنْدنَا كَمَا قَالَ ; لِأَنَّهُمْ أَذْعَنُوا بِالطَّاعَةِ بِذَبْحِهَا , وَإِنْ كَانَ قِيلهمْ الَّذِي قَالُوهُ لِمُوسَى جَهْلَة مِنْهُمْ وَهَفْوَة مِنْ هَفَوَاتهمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { فَذَبَحُوهَا } فَذَبَحَ قَوْم مُوسَى الْبَقَرَة الَّتِي وَصَفَهَا اللَّه لَهُمْ وَأَمَرَهُمْ بِذَبْحِهَا . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ } أَيْ قَارَبُوا أَنْ يَدَعُوا ذَبْحهَا , وَيَتْرُكُوا فَرْض اللَّه عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله كَادُوا أَنْ يُضَيِّعُوا فَرْض اللَّه عَلَيْهِمْ فِي ذَبْح مَا أَمَرَهُمْ بِذَبْحِهِ مِنْ ذَلِكَ . فَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ السَّبَب كَانَ غَلَاء ثَمَن الْبَقَرَة الَّتِي أُمِرُوا بِذَبْحِهَا وَبُيِّنَتْ لَهُمْ صِفَتهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1054 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو مَعْشَر الْمَدَنِيّ , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ فِي قَوْله : { فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ } قَالَ : لِغَلَاءِ ثَمَنهَا . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عُبَيْد الْهِلَالِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز بْن الْخَطَّاب , قَالَ : ثنا أَبُو مَعْشَر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ : { فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ } قَالَ : مِنْ كَثْرَة قِيمَتهَا . 1055 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد , وَحَجَّاجٌ عَنْ أَبِي مَعْشَر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , وَمُحَمَّد بْن قَيْس فِي حَدِيث فِيهِ طُول , ذَكَرَ أَنَّ حَدِيث بَعْضهمْ دَخَلَ فِي حَدِيث بَعْض , قَوْله : { فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ } لِكَثْرَةِ الثَّمَن , أَخَذُوهَا بِمِلْءِ مِسْكهَا ذَهَبًا مِنْ مَال الْمَقْتُول , فَكَانَ سَوَاء لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْل فَذَبَحُوهَا . 1056 - حُدِّثْت عَنْ المنجاب , قَالَ : ثنا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ } يَقُول : كَادُوا لَا يَفْعَلُونَ . وَلَمْ يَكُنْ الَّذِي أَرَادُوا لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ لَا يَذْبَحُوهَا , وَكُلّ شَيْء فِي الْقُرْآن " كَادَ " أَوْ " كَادُوا " أَوْ " لَوْ " فَإِنَّهُ لَا يَكُون , وَهُوَ مِثْل قَوْله : { أَكَاد أُخْفِيهَا } . 20 20 وَقَالَ آخَرُونَ : لَمْ يَكَادُوا أَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ خَوْف الْفَضِيحَة إنْ اطَّلَعَ اللَّه عَلَى قَاتِل الْقَتِيل الَّذِي اخْتَصَمُوا فِيهِ إلَى مُوسَى . وَالصَّوَاب مِنْ التَّأْوِيل عِنْدنَا , أَنَّ الْقَوْم لَمْ يَكَادُوا يَفْعَلُونَ مَا أَمَرَهُمْ اللَّه بِهِ مِنْ ذَبْح الْبَقَرَة لِلْخَلَّتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا إحْدَاهُمَا غَلَاء ثَمَنهَا مَعَ ذِكْر مَا لَنَا مِنْ صِغَر خَطَرهَا وَقِلَّة قِيمَتهَا . وَالْأُخْرَى خَوْف عَظِيم الْفَضِيحَة عَلَى أَنْفُسهمْ بِإِظْهَارِ اللَّه نَبِيّه مُوسَى صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ وَأَتْبَاعه عَلَى قَاتِله . فَأَمَّا غَلَاء ثَمَنهَا فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ لَنَا فِيهِ ضُرُوب مِنْ الرِّوَايَات . 1057 - فَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : اشْتَرَوْهَا بِوَزْنِهَا عَشْر مَرَّات ذَهَبًا , فَبَاعَهُمْ صَاحِبهَا إيَّاهَا وَأَخَذَ ثَمَنهَا . 1058 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت أَيُّوب , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ , عَنْ عُبَيْدَة قَالَ : اشْتَرَوْهَا بِمِلْءِ جِلْدهَا دَنَانِير . 1059 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : كَانَتْ الْبَقَرَة لِرَجُلٍ يَبَرّ أُمّه فَرَزَقَهُ اللَّه أَنْ جَعَلَ تِلْكَ الْبَقَرَة لَهُ , فَبَاعَهَا بِمِلْءِ جِلْدهَا ذَهَبًا . 1060 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , قَالَ : حَدَّثَنِي خَالِد بْن يَزِيد , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : أَعْطَوْا صَاحِبهَا مِلْء مِسْكهَا ذَهَبًا فَبَاعَهَا مِنْهُمْ . 1061 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا إسْمَاعِيل , عَنْ عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبًا يَقُول : اشْتَرَوْهَا مِنْهُ عَلَى أَنْ يَمْلَئُوا لَهُ جِلْدهَا دَنَانِير , ثُمَّ ذَبَحُوهَا فَعَمِدُوا إلَى جِلْد الْبَقَرَة فَمَلَئُوهُ دَنَانِير , ثَمَن دَفَعُوهَا إلَيْهِ . 1062 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي يَحْيَى , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : وَجَدُوهَا عِنْد رَجُل يَزْعُم أَنَّهُ لَيْسَ بَائِعهَا بِمَالٍ أَبَدًا , فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى جَعَلُوا لَهُ أَنْ يَسْلُخُوا لَهُ مِسْكهَا فَيَمْلَئُوهُ لَهُ دَنَانِير , فَرَضِيَ بِهِ فَأَعْطَاهُمْ إيَّاهَا . 1063 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , قَالَ : لَمْ يَجِدُوهَا إلَّا عِنْد عَجُوز , وَإِنَّهَا سَأَلَتْهُمْ أَضْعَاف ثَمَنهَا , فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى : أَعْطَوْهَا رِضَاهَا وَحُكْمهَا . فَفَعَلُوا , وَاشْتَرَوْهَا فَذَبَحُوهَا . 1064 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , قَالَ : قَالَ أَيُّوب , عَنْ ابْن سِيرِينَ , عَنْ عَبِيدَة , قَالَ : لَمْ يَجِدُوا هَذِهِ الْبَقَرَة إلَّا عِنْد رَجُل وَاحِد , فَبَاعَهَا بِوَزْنِهَا ذَهَبًا , أَوْ مِلْء مِسْكهَا ذَهَبًا , فَذَبَحُوهَا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ هِشَام بْن حَسَّان , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ , عَنْ عَبِيدَة السَّلْمَانِيّ , قَالَ : وَجَدُوا الْبَقَرَة عِنْد رَجُل , فَقَالَ : إنِّي لَا أَبِيعهَا إلَّا بملء جِلْدهَا ذَهَبًا , فَاشْتَرَوْهَا بملء جِلْدهَا ذَهَبًا . 1065 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : جَعَلُوا يُزِيدُونَ صَاحِبهَا حَتَّى مَلَئُوا لَهُ مِسْكهَا - وَهُوَ جِلْدهَا - ذَهَبًا . وَأَمَّا صِغَر خَطَرهَا وَقِلَّة قِيمَتهَا , فَإِنَّ : 1066 - الْحَسَن بْن يَحْيَى حَدَّثَنَا , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن عُيَيْنَةَ , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سوقة , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : مَا كَانَ ثَمَنهَا إلَّا ثَلَاثَة دَنَانِير . وَأَمَّا مَا قُلْنَا مِنْ خَوْفهمْ الْفَضِيحَة عَلَى أَنْفُسهمْ , فَإِنَّ وَهْب بْن مُنَبَّه كَانَ يَقُول : إنَّ الْقَوْم إذْ أُمِرُوا بِذَبْحِ الْبَقَرَة إنَّمَا قَالُوا لِمُوسَى : { أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا } لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّهُمْ سَيَفْتَضِحُونَ إذَا ذُبِحَتْ فَحَادُوا عَنْ ذَبْحهَا . 1067 - حُدِّثْت بِذَلِكَ عَنْ إسْمَاعِيل بْن عَبْد الْكَرِيم , عَنْ عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل , عَنْ وَهْب بْن مُنَبَّه . وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول : إنَّ الْقَوْم بَعْد أَنْ أَحْيَا اللَّه الْمَيِّت فَأَخْبَرَهُمْ بِقَاتِلِهِ , أَنْكَرَتْ قَتَلَته قَتْله , فَقَالُوا : وَاَللَّه مَا قَتَلْنَاهُ , بَعْد أَنْ رَأَوْا الْآيَة وَالْحَقّ . 1068 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مُسَلَّمَة } . وَمَعْنَى { مُسَلَّمَة } مُفْعَلَّة مِنْ السَّلَامَة , يُقَال مِنْهُ : سَلِمَتْ تَسْلَم فَهِيَ مُسَلَّمَة . ثُمَّ أَخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنَى الَّذِي سَلِمَتْ مِنْهُ , فَوَصَفَهَا اللَّه بِالسَّلَامَةِ مِنْهُ . فَقَالَ مُجَاهِد بِمَا : 1041 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { مُسَلَّمَة } يَقُول : مُسَلَّمَة مِنْ الشِّيَة , و { لَا شِيَة فِيهَا } لَا بَيَاض فِيهَا وَلَا سَوَاد . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ , قَالَ مُجَاهِد : { لَا شِيَة فِيهَا } قَالَ : مُسَلَّمَة مِنْ الشِّيَة { لَا شِيَة فِيهَا } لَا بَيَاض فِيهَا وَلَا سَوَاد . وَقَالَ آخَرُونَ : مُسَلَّمَة مِنْ الْعُيُوب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1042 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { مُسَلَّمَة لَا شِيَة فِيهَا } أَيْ مُسَلَّمَة مِنْ الْعُيُوب . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ : { مُسَلَّمَة } يَقُول : لَا عَيْب فِيهَا . 1043 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { مُسَلَّمَة } يَعْنِي مُسَلَّمَة مِنْ الْعُيُوب . * - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بِمِثْلِهِ . 1044 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : قَالَ ابْن عَبَّاس قَوْله : { مُسَلَّمَة } لَا عَوَار فِيهَا . وَاَلَّذِي قَالَهُ ابْن عَبَّاس وَأَبُو الْعَالِيَة وَمَنْ قَالَ بِمِثْلِ قَوْلهمَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَة مِمَّا قَالَهُ مُجَاهِد ; لِأَنَّ سَلَامَتهَا لَوْ كَانَتْ مِنْ سَائِر أَنْوَاع الْأَلْوَان سِوَى لَوْن جِلْدهَا , لَكَانَ فِي قَوْله : { مُسَلَّمَة } مُكْتَفِي عَنْ قَوْله : { لَا شِيَة فِيهَا } . وَفِي قَوْله : { لَا شِيَة فِيهَا } مَا يُوَضِّح عَنْ أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { مُسَلَّمَة } غَيْر مَعْنَى قَوْله : { لَا شِيَة فِيهَا } . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَمَعْنَى الْكَلَام أَنَّهُ يَقُول : إنَّهَا بَقَرَة لَمْ تُذَلِّلهَا إثَارَة الْأَرْض وَقَلْبهَا لِلْحِرَاثَةِ وَلَا السُّنُوّ عَلَيْهَا لِلْمَزَارِعِ , وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ صَحِيحَة مُسَلَّمَة مِنْ الْعُيُوب .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَا شِيَة فِيهَا } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { لَا شِيَة فِيهَا } لَا لَوْن فِيهَا يُخَالِف لَوْن جِلْدهَا . وَأَصْله مِنْ وَشْي الثَّوْب , وَهُوَ تَحْسِين عُيُوبه الَّتِي تَكُون فِيهِ بِضُرُوبٍ مُخْتَلِفَة مِنْ أَلْوَان سَدَاه وَلِحُمَتِهِ , يُقَال مِنْهُ : وَشَيْت الثَّوْب فَأَنَا أَشِيه شِيَة وَوَشْيًا . وَمِنْهُ قِيلَ لِلسَّاعِي بِالرَّجُلِ إلَى السُّلْطَان أَوْ غَيْره : وَاشٍ , لِكَذِبِهِ عَلَيْهِ عِنْده وَتَحْسِينه كَذِبه بِالْأَبَاطِيلِ , يُقَال مِنْهُ : وَشَيْت بِهِ إلَى السُّلْطَان وِشَايَة . وَمِنْهُ قَوْل كَعْب بْن زُهَيْر : تَسْعَى الْوُشَاة جَنَابَيْهَا وَقَوْلهمْ إنَّك يَا ابْن أَبِي سَلَمَة لَمَقْتُول وَالْوُشَاة جَمْع وَاشٍ : يَعْنِي أَنَّهُمْ يَتَقَوَّلُونَ بِالْأَبَاطِيلِ . وَيُخْبِرُونَهُ أَنَّهُ إنْ لَحِقَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَهُ . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة أَنَّ الْوَشْي : الْعَلَامَة . وَذَلِكَ لَا مَعْنَى لَهُ إلَّا أَنْ يَكُون أَرَادَ بِذَلِكَ تَحْسِين الثَّوْب بِالْأَعْلَامِ , لِأَنَّهُ مَعْلُوم أَنَّ الْقَاتِل : وَشَيْت بِفُلَانٍ إلَى فُلَان غَيْر جَائِز أَنْ يَتَوَهَّم عَلَيْهِ أَنَّهُ أَرَادَ : جَعَلْت لَهُ عِنْده عَلَامَة . وَإِنَّمَا قِيلَ . { لَا شِيَة فِيهَا } وَهِيَ مِنْ وَشَيْت . لِأَنَّ الْوَاو لَمَّا أُسْقِطَتْ مِنْ أَوَّلهَا أُبْدِلَتْ مَكَانهَا الْهَاء فِي آخِرهَا , كَمَا قِيلَ . وَزَنْته زِنَة , وَوَسْيَته سِيَة , وَوَعَدْته عِدَّة , وَوَدَيْته دِيَة . وَيُمَثِّل الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْله : { لَا شِيَة فِيهَا } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . 1045 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ , ثنا - يَزِيد . قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { لَا شِيَة فِيهَا } أَيْ لَا بَيَاض فِيهَا . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر . عَنْ قَتَادَةَ , مِثْله . 1046 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم . قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع . عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { لَا شِيَة فِيهَا } يَقُول : لَا بَيَاض فِيهَا . 1047 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو قَالَ , ثنا أَبُو عَاصِم . قَالَ : ثنا عِيسَى . عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { لَا شِيَة فِيهَا } أَيْ لَا بَيَاض فِيهَا وَلَا سَوَاد . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل . عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 1048 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : ثنا ابْن إدْرِيس , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَطِيَّة : { لَا شِيَة فِيهَا } قَالَ : لَوْنهَا وَاحِد لَيْسَ فِيهَا لَوْن سِوَى لَوْنهَا . 1049 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { لَا شِيَة فِيهَا } مِنْ بَيَاض وَلَا سَوَاد وَلَا حُمْرَة . 1050 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { لَا شِيَة فِيهَا } هِيَ صَفْرَاء لَيْسَ فِيهَا بَيَاض وَلَا سَوَاد . 1051 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { لَا شِيَة فِيهَا } يَقُول : لَا بَيَاض فِيهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالُوا الْآن جِئْت بِالْحَقِّ } . اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { قَالُوا الْآن جِئْت بِالْحَقِّ } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : الْآن بَيَّنْت لَنَا الْحَقّ فَتَبَيَّنَّاهُ , وَعَرَفْنَا أَيَّة بَقَرَة عَيَّنْت . وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ قَتَادَةَ . 1052 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { قَالُوا الْآن جِئْت بِالْحَقِّ } أَيْ الْآن بَيَّنْت لَنَا . وَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ خَبَر مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ الْقَوْم أَنَّهُمْ نَسَبُوا نَبِيّ اللَّه مُوسَى صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَأْتِيهِمْ بِالْحَقِّ فِي أَمْر الْبَقَرَة قَبْل ذَلِكَ . وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ هَذَا الْقَوْل عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد . 1053 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : اُضْطُرُّوا إلَى بَقَرَة لَا يَعْلَمُونَ عَلَى صِفَتهَا غَيْرهَا , وَهِيَ صَفْرَاء لَيْسَ فِيهَا سَوَاد وَلَا بَيَاض , فَقَالُوا : هَذِهِ بَقَرَة فُلَان { الْآن جِئْت بِالْحَقِّ } وَقَبْل ذَلِكَ وَاَللَّه قَدْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ عِنْدنَا بِقَوْلِهِ : { قَالُوا الْآن جِئْت بِالْحَقِّ } قَوْل قَتَادَةَ ; وَهُوَ أَنَّ تَأْوِيله : الْآن بَيَّنْت لَنَا الْحَقّ فِي أَمْر الْبَقَرَة , فَعَرَفْنَا أَنَّهَا الْوَاجِب عَلَيْنَا ذَبْحهَا مِنْهَا ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَدْ أَطَاعُوهُ فَذَبَحُوهَا بَعْد قِيلهمْ وَهَذَا مَعَ غِلَظ مُؤْنَة ذَبْحهَا عَلَيْهِمْ وَثِقَل أَمْرهَا , فَقَالَ : { فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ } وَإِنْ كَانُوا قد قالوا بِقَوْلِهِمْ : الْآن بَيَّنْت لَنَا الْحَقّ , هِرَاء مِنْ الْقَوْل , وَأَتَوْا خَطَأ وَجَهْلًا مِنْ الْأَمْر . وَذَلِكَ أَنَّ نَبِيّ اللَّه مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُبَيِّنًا لَهُمْ فِي كُلّ مَسْأَلَة سَأَلُوهَا إيَّاهُ , وَرَدَّ رَادُّوهُ فِي أَمْر الْبَقَرَة الْحَقّ . وَإِنَّمَا يُقَال : الْآن بَيَّنْت لَنَا الْحَقّ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مُبَيَّنًا قَبْل ذَلِكَ , فَأَمَّا مَنْ كَانَ كُلّ قِيله فِيمَا أَبَانَ عَنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره حَقًّا وَبَيَانًا , فَغَيْر جَائِز أَنْ يُقَال لَهُ فِي بَعْض مَا أَبَانَ عَنْ اللَّه فِي أَمْره وَنَهْيه وَأَدَّى عَنْهُ إلَى عِبَاده مِنْ فَرَائِضه الَّتِي أَوْجَبَهَا عَلَيْهِمْ : { الْآن جِئْت بِالْحَقِّ } كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ قَبْل ذَلِكَ . وَقَدْ كَانَ بَعْض مَنْ سَلَفَ يَزْعُم أَنَّ الْقَوْم ارْتَدُّوا عَنْ دِينهمْ , وَكَفَرُوا بِقَوْلِهِمْ لِمُوسَى : { الْآن جِئْت بِالْحَقِّ } وَيَزْعُم أَنَّهُمْ نَفَوْا أَنْ يَكُون مُوسَى أَتَاهُمْ بِالْحَقِّ فِي أَمْر الْبَقَرَة قَبْل ذَلِكَ , وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلهمْ وَقِيلهمْ كُفْر . وَلَيْسَ الَّذِي قَالَ مِنْ ذَلِكَ عِنْدنَا كَمَا قَالَ ; لِأَنَّهُمْ أَذْعَنُوا بِالطَّاعَةِ بِذَبْحِهَا , وَإِنْ كَانَ قِيلهمْ الَّذِي قَالُوهُ لِمُوسَى جَهْلَة مِنْهُمْ وَهَفْوَة مِنْ هَفَوَاتهمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { فَذَبَحُوهَا } فَذَبَحَ قَوْم مُوسَى الْبَقَرَة الَّتِي وَصَفَهَا اللَّه لَهُمْ وَأَمَرَهُمْ بِذَبْحِهَا . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ } أَيْ قَارَبُوا أَنْ يَدَعُوا ذَبْحهَا , وَيَتْرُكُوا فَرْض اللَّه عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله كَادُوا أَنْ يُضَيِّعُوا فَرْض اللَّه عَلَيْهِمْ فِي ذَبْح مَا أَمَرَهُمْ بِذَبْحِهِ مِنْ ذَلِكَ . فَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ السَّبَب كَانَ غَلَاء ثَمَن الْبَقَرَة الَّتِي أُمِرُوا بِذَبْحِهَا وَبُيِّنَتْ لَهُمْ صِفَتهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1054 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو مَعْشَر الْمَدَنِيّ , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ فِي قَوْله : { فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ } قَالَ : لِغَلَاءِ ثَمَنهَا . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عُبَيْد الْهِلَالِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز بْن الْخَطَّاب , قَالَ : ثنا أَبُو مَعْشَر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ : { فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ } قَالَ : مِنْ كَثْرَة قِيمَتهَا . 1055 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد , وَحَجَّاجٌ عَنْ أَبِي مَعْشَر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , وَمُحَمَّد بْن قَيْس فِي حَدِيث فِيهِ طُول , ذَكَرَ أَنَّ حَدِيث بَعْضهمْ دَخَلَ فِي حَدِيث بَعْض , قَوْله : { فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ } لِكَثْرَةِ الثَّمَن , أَخَذُوهَا بِمِلْءِ مِسْكهَا ذَهَبًا مِنْ مَال الْمَقْتُول , فَكَانَ سَوَاء لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْل فَذَبَحُوهَا . 1056 - حُدِّثْت عَنْ المنجاب , قَالَ : ثنا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ } يَقُول : كَادُوا لَا يَفْعَلُونَ . وَلَمْ يَكُنْ الَّذِي أَرَادُوا لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ لَا يَذْبَحُوهَا , وَكُلّ شَيْء فِي الْقُرْآن " كَادَ " أَوْ " كَادُوا " أَوْ " لَوْ " فَإِنَّهُ لَا يَكُون , وَهُوَ مِثْل قَوْله : { أَكَاد أُخْفِيهَا } . 20 20 وَقَالَ آخَرُونَ : لَمْ يَكَادُوا أَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ خَوْف الْفَضِيحَة إنْ اطَّلَعَ اللَّه عَلَى قَاتِل الْقَتِيل الَّذِي اخْتَصَمُوا فِيهِ إلَى مُوسَى . وَالصَّوَاب مِنْ التَّأْوِيل عِنْدنَا , أَنَّ الْقَوْم لَمْ يَكَادُوا يَفْعَلُونَ مَا أَمَرَهُمْ اللَّه بِهِ مِنْ ذَبْح الْبَقَرَة لِلْخَلَّتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا إحْدَاهُمَا غَلَاء ثَمَنهَا مَعَ ذِكْر مَا لَنَا مِنْ صِغَر خَطَرهَا وَقِلَّة قِيمَتهَا . وَالْأُخْرَى خَوْف عَظِيم الْفَضِيحَة عَلَى أَنْفُسهمْ بِإِظْهَارِ اللَّه نَبِيّه مُوسَى صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ وَأَتْبَاعه عَلَى قَاتِله . فَأَمَّا غَلَاء ثَمَنهَا فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ لَنَا فِيهِ ضُرُوب مِنْ الرِّوَايَات . 1057 - فَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : اشْتَرَوْهَا بِوَزْنِهَا عَشْر مَرَّات ذَهَبًا , فَبَاعَهُمْ صَاحِبهَا إيَّاهَا وَأَخَذَ ثَمَنهَا . 1058 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت أَيُّوب , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ , عَنْ عُبَيْدَة قَالَ : اشْتَرَوْهَا بِمِلْءِ جِلْدهَا دَنَانِير . 1059 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : كَانَتْ الْبَقَرَة لِرَجُلٍ يَبَرّ أُمّه فَرَزَقَهُ اللَّه أَنْ جَعَلَ تِلْكَ الْبَقَرَة لَهُ , فَبَاعَهَا بِمِلْءِ جِلْدهَا ذَهَبًا . 1060 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , قَالَ : حَدَّثَنِي خَالِد بْن يَزِيد , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : أَعْطَوْا صَاحِبهَا مِلْء مِسْكهَا ذَهَبًا فَبَاعَهَا مِنْهُمْ . 1061 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا إسْمَاعِيل , عَنْ عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبًا يَقُول : اشْتَرَوْهَا مِنْهُ عَلَى أَنْ يَمْلَئُوا لَهُ جِلْدهَا دَنَانِير , ثُمَّ ذَبَحُوهَا فَعَمِدُوا إلَى جِلْد الْبَقَرَة فَمَلَئُوهُ دَنَانِير , ثَمَن دَفَعُوهَا إلَيْهِ . 1062 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي يَحْيَى , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : وَجَدُوهَا عِنْد رَجُل يَزْعُم أَنَّهُ لَيْسَ بَائِعهَا بِمَالٍ أَبَدًا , فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى جَعَلُوا لَهُ أَنْ يَسْلُخُوا لَهُ مِسْكهَا فَيَمْلَئُوهُ لَهُ دَنَانِير , فَرَضِيَ بِهِ فَأَعْطَاهُمْ إيَّاهَا . 1063 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , قَالَ : لَمْ يَجِدُوهَا إلَّا عِنْد عَجُوز , وَإِنَّهَا سَأَلَتْهُمْ أَضْعَاف ثَمَنهَا , فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى : أَعْطَوْهَا رِضَاهَا وَحُكْمهَا . فَفَعَلُوا , وَاشْتَرَوْهَا فَذَبَحُوهَا . 1064 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , قَالَ : قَالَ أَيُّوب , عَنْ ابْن سِيرِينَ , عَنْ عَبِيدَة , قَالَ : لَمْ يَجِدُوا هَذِهِ الْبَقَرَة إلَّا عِنْد رَجُل وَاحِد , فَبَاعَهَا بِوَزْنِهَا ذَهَبًا , أَوْ مِلْء مِسْكهَا ذَهَبًا , فَذَبَحُوهَا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ هِشَام بْن حَسَّان , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ , عَنْ عَبِيدَة السَّلْمَانِيّ , قَالَ : وَجَدُوا الْبَقَرَة عِنْد رَجُل , فَقَالَ : إنِّي لَا أَبِيعهَا إلَّا بملء جِلْدهَا ذَهَبًا , فَاشْتَرَوْهَا بملء جِلْدهَا ذَهَبًا . 1065 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : جَعَلُوا يُزِيدُونَ صَاحِبهَا حَتَّى مَلَئُوا لَهُ مِسْكهَا - وَهُوَ جِلْدهَا - ذَهَبًا . وَأَمَّا صِغَر خَطَرهَا وَقِلَّة قِيمَتهَا , فَإِنَّ : 1066 - الْحَسَن بْن يَحْيَى حَدَّثَنَا , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن عُيَيْنَةَ , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سوقة , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : مَا كَانَ ثَمَنهَا إلَّا ثَلَاثَة دَنَانِير . وَأَمَّا مَا قُلْنَا مِنْ خَوْفهمْ الْفَضِيحَة عَلَى أَنْفُسهمْ , فَإِنَّ وَهْب بْن مُنَبَّه كَانَ يَقُول : إنَّ الْقَوْم إذْ أُمِرُوا بِذَبْحِ الْبَقَرَة إنَّمَا قَالُوا لِمُوسَى : { أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا } لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّهُمْ سَيَفْتَضِحُونَ إذَا ذُبِحَتْ فَحَادُوا عَنْ ذَبْحهَا . 1067 - حُدِّثْت بِذَلِكَ عَنْ إسْمَاعِيل بْن عَبْد الْكَرِيم , عَنْ عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل , عَنْ وَهْب بْن مُنَبَّه . وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول : إنَّ الْقَوْم بَعْد أَنْ أَحْيَا اللَّه الْمَيِّت فَأَخْبَرَهُمْ بِقَاتِلِهِ , أَنْكَرَتْ قَتَلَته قَتْله , فَقَالُوا : وَاَللَّه مَا قَتَلْنَاهُ , بَعْد أَنْ رَأَوْا الْآيَة وَالْحَقّ . 1068 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا } يَعْنِي بِقَوْلَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا } وَاذْكُرُوا يَا بَنِي إسْرَائِيل إذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا . وَالنَّفْس الَّتِي قَتَلُوهَا هِيَ النَّفْس الَّتِي ذَكَرْنَا قِصَّتهَا فِي تَأْوِيل قَوْله , { وَإِذَا قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إنَّ اللَّه يَأْمُركُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَة } . وَقَوْله : { فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا } يَعْنِي فَاخْتَلَفْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ , وَإِنَّمَا هُوَ " فَتَدَارَأْتُمْ فِيهَا " عَلَى مِثَال تَفَاعَلْتُمْ مِنْ الدَّرْء , وَالدَّرْء : الْعِوَج , وَمِنْهُ قَوْل أَبِي النَّجْم الْعِجْلِيّ : خَشْيَة طَغَام إذَا هَمَّ جَسْر يَأْكُل ذَا الدَّرْء وَيُقْصِي مِنْ حَقْر يَعْنِي ذَا الْعِوَج وَالْعُسْر . وَمِنْهُ قَوْل رُؤْبَة بْن الْعَجَّاج : أَدْرَكَتْهَا قُدَّام كُلّ مِدْرَه بِالدُّفَعِ عَنِّي دَرْء كُلّ عُنْجُه وَمِنْهُ الْخَبَر الَّذِي : 1069 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : ثنا مُصْعَب بْن الْمِقْدَام , عَنْ إسْرَائِيل , عَنْ إبْرَاهِيم بْن الْمُهَاجِر , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ السَّائِب , قَالَ : جَاءَنِي عُثْمَان وَزُهَيْر ابْنَا أُمَيَّة , فَاسْتَأْذَنَا لِي عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَنَا أَعْلَم بِهِ مِنْكُمَا , أَلَمْ تَكُنْ شَرِيكِي فِي الْجَاهِلِيَّة ؟ " قُلْت : نَعَمْ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي , فَنِعْمَ الشَّرِيك كُنْت لَا تُمَارِي وَلَا تُدَارِي " يَعْنِي بِقَوْلِهِ : لَا تُدَارِي : لَا تُخَالِف رَفِيقك وَشَرِيكك وَلَا تُنَازِعهُ وَلَا تُشَارِهِ . إنَّمَا أَصْل { فَادَّارَأْتُمْ } فَتَدَارَأْتُمْ , وَلَكِنَّ التَّاء قَرِيبَة مِنْ مَخْرَج الدَّال , وَذَلِكَ أَنَّ مَخْرَج التَّاء مِنْ طَرَف اللِّسَان وَأُصُول الشَّفَتَيْنِ , وَمَخْرَج الدَّال مِنْ طَرَف اللِّسَان وَأَطْرَاف الثَّنِيَّتَيْنِ , فَأُدْغِمَتْ التَّاء فِي الدَّال فَجُعِلَتْ دَالًا مُشَدَّدَة , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : تُوَلِّي الضَّجِيع إذَا مَا اسْتَافَهَا خَصِرًا عَذْب الْمَذَاق إذَا مَا اتَّابَعَ الْقُبَل يُرِيد إذَا مَا تَتَابَعَ الْقُبَل , فَأُدْغِمَ إحْدَى التَّاءَيْنِ فِي الْأُخْرَى . فَلَمَّا أُدْغِمَتْ التَّاء فِي الدَّال فَجُعِلَتْ دَالًا مِثْلهَا سَكَنَتْ , فَجَلَبُوا أَلِفًا لِيَصِلُوا إلَى الْكَلَام بِهَا , وَذَلِكَ إذَا كَانَ قَبْله شَيْء ; لِأَنَّ الْإِدْغَام لَا يَكُون إلَّا وَقَبْله شَيْء , وَمِنْهُ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { حَتَّى إذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا } 7 38 إنَّمَا هُوَ تَدَارَكُوا , وَلَكِنَّ التَّاء مِنْهَا أُدْغِمَتْ فِي الدَّال فَصَارَتْ دَالًا مُشَدَّدَة , وَجَعِلَتْ فِيهَا أَلِف إذَا وَصَلَتْ بِكَلَامِ قَبْلهَا لِيُسَلِّم الْإِدْغَام . وَإِذَا لَمْ يَكُنْ قَبْل ذَلِكَ مَا يُوَاصِلهُ , وَابْتُدِئَ بِهِ , قِيلَ : تَدَارَكُوا وَتَثَاقَلُوا , فَأَظْهَرُوا الْإِدْغَام . وَقَدْ قِيلَ : يُقَال : ادَّارَكُوا وَادَّارَءُوا . وَقَدْ قِيلَ إنَّ مَعْنَى قَوْله : { فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا } فَتَدَافَعْتُمْ فِيهَا , مِنْ قَوْل الْقَائِل : دَرَأْت هَذَا الْأَمْر عَنِّي , وَمِنْ قَوْل اللَّه : { وَيَدْرَأ عَنْهَا الْعَذَاب } 24 8 بِمَعْنَى يَدْفَع عَنْهَا الْعَذَاب . وَهَذَا قَوْل قَرِيب الْمَعْنَى مِنْ الْقَوْل الْأَوَّل ; لِأَنَّ الْقَوْم إنَّمَا تَدَافَعُوا قَتْل قَتِيل , فَانْتَفَى كُلّ فَرِيق مِنْهُمْ أَنْ يَكُون قَاتِله , كَمَا قَدْ بَيَّنَّا قَبْل فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْله : { فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . 1070 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنِي عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا } قَالَ : اخْتَلَفْتُمْ فِيهَا . * - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 1071 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ : { وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا } قَالَ بَعْضهمْ : أَنْتُمْ قَتَلْتُمُوهُ , وَقَالَ الْآخَرُونَ : أَنْتُمْ قَتَلْتُمُوهُ . 1072 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا } قَالَ : اخْتَلَفْتُمْ , وَهُوَ التَّنَازُع تَنَازَعُوا فِيهِ . قَالَ : قَالَ هَؤُلَاءِ : أَنْتُمْ قَتَلْتُمُوهُ , وَقَالَ هَؤُلَاءِ : لَا . وَكَانَ تَدَارُؤُهُمْ فِي النَّفْس الَّتِي قَتَلُوهَا . كَمَا : 1073 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : صَاحِب الْبَقَرَة رَجُل مِنْ بَنِي إسْرَائِيل قَتَلَهُ رَجُل فَأَلْقَاهُ عَلَى بَاب نَاس آخَرِينَ , فَجَاءَ أَوْلِيَاء الْمَقْتُول فَادَّعَوْا دَمه عِنْدهمْ فَانْتَفَوْا أَوْ انْتَقَلُوا مِنْهُ ; شَكَّ أَبُو عَاصِم . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد بِمِثْلِهِ سَوَاء , إلَّا أَنَّهُ قَالَ : فَادَّعَوْا دَمه عِنْدهمْ , فَانْتَفَوْا - وَلَمْ يَشُكّ - مِنْهُ . 1074 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ , قَالَ : قَتِيل كَانَ فِي بَنِي إسْرَائِيل فَقَذَفَ كُلّ سِبْط مِنْهُمْ حَتَّى تَفَاقَمَ بَيْنهمْ الشَّرّ حَتَّى تَرَافَعُوا فِي ذَلِكَ إلَى نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَوْحَى إلَى مُوسَى أَنْ اذْبَحْ بَقَرَة فَاضْرِبْهُ بِبَعْضِهَا . فَذَكَرَ لَنَا أَنَّ وَلِيّه الَّذِي كَانَ يَطْلُب بِدَمِهِ هُوَ الَّذِي قَتَلَهُ مِنْ أَجْل مِيرَاث كَانَ بَيْنهمْ . 1075 - حَدَّثَنِي ابْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي شَأْن الْبَقَرَة : وَذَلِكَ أَنَّ شَيْخًا مِنْ بَنِي إسْرَائِيل عَلَى عَهْد مُوسَى كَانَ مُكْثِرًا مِنْ الْمَال , وَكَانَ بَنُو أَخِيهِ فُقَرَاء لَا مَال لَهُمْ , وَكَانَ الشَّيْخ لَا وَلَد لَهُ , وَكَانَ بَنُو أَخِيهِ وَرَثَته , فَقَالُوا : لَيْتَ عَمّنَا قَدْ مَاتَ فَوَرِثْنَا مَاله . وَإِنَّهُ لَمَّا تَطَاوَلَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَمُوت عَمّهمْ أَتَاهُمْ الشَّيْطَان , فَقَالَ : هَلْ لَكُمْ إلَيَّ أَنْ تَقْتُلُوا عَمّكُمْ فَتَرِثُوا مَاله , وَتُغَرِّمُوا أَهْل الْمَدِينَة الَّتِي لَسْتُمْ بِهَا دِيَته ؟ وَذَلِكَ أَنَّهُمَا كَانَتَا مَدِينَتَيْنِ كَانُوا فِي إحْدَاهُمَا , فَكَانَ الْقَتِيل إذَا قُتِلَ وَطُرِحَ بَيْن الْمَدِينَتَيْنِ , قِيسَ مَا بَيْن الْقَتِيل وَمَا بَيْن الْمَدِينَتَيْنِ , فَأَيّهمَا كَانَتْ أَقْرَب إلَيْهِ غَرِمَتْ الدِّيَة . وَإِنَّهُمْ لَمَّا سَوَّلَ لَهُمْ الشَّيْطَان ذَلِكَ وَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَمُوت عَمّهمْ , عَمِدُوا إلَيْهِ فَقَتَلُوهُ , ثُمَّ عَمِدُوا فَطَرَحُوهُ عَلَى بَاب الْمَدِينَة الَّتِي لَيْسُوا فِيهَا . فَلَمَّا أَصْبَحَ أَهْل الْمَدِينَة جَاءَ بَنُو أَخِي الشَّيْخ , فَقَالُوا : عَمّنَا قُتِلَ عَلَى بَاب مَدِينَتكُمْ , فَوَاَللَّهِ لَتَغْرَمُنَّ لَنَا دِيَة عَمّنَا ! قَالَ أَهْل الْمَدِينَة : نُقْسِم بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَا وَلَا عَلِمْنَا قَاتِلًا وَلَا فَتَحْنَا بَاب مَدِينَتنَا مُنْذُ أُغْلِقَ حَتَّى أَصْبَحْنَا ! وَإِنَّهُمْ عَمِدُوا إلَى مُوسَى , فَلَمَّا أَتَوْا قَالَ بَنُو أَخِي الشَّيْخ : عَمّنَا وَجَدْنَاهُ مَقْتُولًا عَلَى بَاب مَدِينَتهمْ , وَقَالَ أَهْل الْمَدِينَة : نُقْسِم بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا فَتْحنَا بَاب الْمَدِينَة مِنْ حِين أَغْلَقْنَاهُ حَتَّى أَصْبَحْنَا . وَإِنَّ جِبْرِيل جَاءَ بِأَمْرِ رَبّنَا السَّمِيع الْعَلِيم إلَى مُوسَى , فَقَالَ : قُلْ لَهُمْ : { إنَّ اللَّه يَأْمُركُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَة } فَتَضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا . 1076 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا حُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد , وَحَجَّاج عَنْ أَبِي مَعْشَر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , وَمُحَمَّد بْن قَيْس , دَخَّلَ حَدِيث بَعْضهمْ فِي حَدِيث بَعْض , قَالُوا : إنَّ سِبْطًا من بني إسرائيل لَمَّا رَأَوْا كَثْرَة شُرُور الناس بَنَوْا مدينة فَاعْتَزَلُوا شرور الناس , فكانوا إذا أَمْسَوْا لم يَتْرُكُوا أحدا منهم خارجا إلا أدخلوه , وإذا أَصْبَحُوا قام رئيسهم فَنَظَرَ وَتَشَرَّفَ فإذا لم ير شيئا فَتَحَ الْمَدِينَة فَكَانُوا مَعَ النَّاس حَتَّى يُمْسُوا . وَكَانَ رَجُل مِنْ بَنِي إسْرَائِيل لَهُ مَال كَثِير , وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِث غَيْر ابْن أَخِيهِ , فَطَالَ عَلَيْهِ حَيَاته , فَقَتَلَهُ لِيَرِثهُ . ثُمَّ حَمَلَهُ فَوَضَعَهُ عَلَى بَاب الْمَدِينَة . ثُمَّ كَمَنَ فِي مَكَان هُوَ وَأَصْحَابه , قَالَ : فَتَشَرَّفَ رَئِيس الْمَدِينَة عَلَى بَاب الْمَدِينَة فَنَظَرَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا , فَفَتَحَ الْبَاب , فَلَمَّا رَأَى الْقَتِيل رَدَّ الْبَاب فَنَادَاهُ ابْن أَخِي الْمَقْتُول وَأَصْحَابه : هَيْهَاتَ قَتَلْتُمُوهُ ثُمَّ تُرِدُّونَ الْبَاب ! وَكَانَ مُوسَى لَمَّا رَأَى الْقَتْل كَثِيرًا فِي أَصْحَابه بَنِي إسْرَائِيل كَانَ إذَا رَأَى الْقَتِيل بَيْن ظَهْرَيْ الْقَوْم آخَذَهُمْ , فَكَادَ يَكُون بَيْن أَخِي الْمَقْتُول وَبَيْن أَهْل الْمَدِينَة قِتَال ; حَتَّى لَبِسَ الْفَرِيقَانِ السِّلَاح , ثُمَّ كَفَّ بَعْضهمْ عَنْ بَعْض , فَأَتَوْا مُوسَى فَذَكَرُوا لَهُ شَأْنهمْ فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه إنَّ هَؤُلَاءِ قَتَلُوا قَتِيلًا ثُمَّ رَدُّوا الْبَاب , وَقَالَ أَهْل الْمَدِينَة : يَا رَسُول اللَّه قَدْ عَرَفْت اعْتِزَالنَا الشُّرُور وَبَنَيْنَا مَدِينَة كَمَا رَأَيْت نَعْتَزِل شُرُور النَّاس مَا قَتَلْنَا وَلَا عَلِمْنَا قَاتِلًا . فَأَوْحَى اللَّه تَعَالَى ذِكْره إلَيْهِ أَنْ يَذْبَحُوا بَقَرَة , فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى : { إنَّ اللَّه يَأْمُركُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَة } . 1077 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ هِشَام بْن حَسَّان , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ , عَنْ عَبِيدَة , قَالَ : كَانَ فِي بَنِي إسْرَائِيل رَجُل عَقِيم وَلَهُ مَال كَثِير , فَقَتَلَهُ ابْن أَخ لَهُ فَجَرَّهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى بَاب نَاس آخَرِينَ . ثُمَّ أَصْبَحُوا فَادَّعَاهُ عَلَيْهِمْ حَتَّى تَسَلَّحَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ , فَأَرَادُوا أَنْ يَقْتَتِلُوا , فَقَالَ ذَوُو النُّهَى مِنْهُمْ : أَتَقْتَتِلُونَ وَفِيكُمْ نَبِيّ اللَّه ! فَأَمْسَكُوا حَتَّى أَتَوْا مُوسَى , فَقَصُّوا عَلَيْهِ الْقِصَّة , فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَذْبَحُوا بَقَرَة فَيَضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا , فَقَالُوا : { أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذ بِاَللَّهِ أَنْ أَكُون مِنْ الْجَاهِلِينَ } 1078 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : قَتِيل مِنْ بَنِي إسْرَائِيل طُرِحَ فِي سِبْط مِنْ الْأَسْبَاط , فَأَتَى أَهْل ذَلِكَ السِّبْط إلَى ذَلِكَ السِّبْط , فَقَالُوا : أَنْتُمْ وَاَللَّه قَتَلْتُمْ صَاحِبنَا , فَقَالُوا : لَا وَاَللَّه . فَأَتَوْا إلَى مُوسَى فَقَالُوا : هَذَا قَتِيلنَا بَيْن أَظْهُرهمْ , وَهُمْ وَاَللَّه قَتَلُوهُ , فَقَالُوا : لَا وَاَللَّه يَا نَبِيّ اللَّه طُرِحَ عَلَيْنَا . فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّ اللَّه يَأْمُركُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَة } . قَالَ أَبُو جَعْفَر : فَكَانَ اخْتِلَافهمْ وَتَنَازُعهمْ وَخِصَامهمْ بَيْنهمْ فِي أَمْر الْقَتِيل الَّذِي ذَكَرْنَا أَمْره عَلَى مَا رَوَيْنَا مِنْ عُلَمَائِنَا مِنْ أَهْل التَّأْوِيل هُوَ الدَّرْء الَّذِي قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِذُرِّيَّتِهِمْ وَبَقَايَا أَوْلَادهمْ : { فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاَللَّه مُخْرِج مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَللَّه مُخْرِج مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَاَللَّه مُخْرِج مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } وَاَللَّه مُعْلِن مَا كُنْتُمْ تُسِرُّونَهُ مِنْ قَتْل الْقَتِيل الَّذِي قَتَلْتُمْ ثُمَّ ادَّارَأْتُمْ فِيهِ . وَمَعْنَى الْإِخْرَاج فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْإِظْهَار وَالْإِعْلَان لِمَنْ خَفِيَ ذَلِكَ عَنْهُ وَإِطْلَاعهمْ عَلَيْهِ , كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِج الْخَبْء فِي السَّمَوَات الْأَرْض } 27 25 يَعْنِي بِذَلِكَ : يُظْهِرهُ وَيُطْلِعهُ مِنْ مَخْبَئِهِ بَعْد خَفَائِهِ . وَاَلَّذِي كَانُوا يَكْتُمُونَهُ فَأَخْرَجَهُ هُوَ قَتَلَ الْقَاتِل الْقَتِيل , كَمَا كَتَمَ ذَلِكَ الْقَاتِل وَمَنْ عَلِمَهُ مِمَّنْ شَايَعَهُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَظْهَرَهُ اللَّه وَأَخْرَجَهُ , فَأَعْلَنَ أَمْره لِمَنْ لَا يَعْلَم أَمْره . وَعَنَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { تَكْتُمُونَ } تُسِرُّونَ وَتَغِيبُونَ . كَمَا : 1079 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { وَاَللَّه مُخْرِج مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } قَالَ : تُغَيِّبُونَ . 1080 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِيلَ , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } مَا كُنْتُمْ تُغَيِّبُونَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَللَّه مُخْرِج مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَاَللَّه مُخْرِج مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } وَاَللَّه مُعْلِن مَا كُنْتُمْ تُسِرُّونَهُ مِنْ قَتْل الْقَتِيل الَّذِي قَتَلْتُمْ ثُمَّ ادَّارَأْتُمْ فِيهِ . وَمَعْنَى الْإِخْرَاج فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْإِظْهَار وَالْإِعْلَان لِمَنْ خَفِيَ ذَلِكَ عَنْهُ وَإِطْلَاعهمْ عَلَيْهِ , كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِج الْخَبْء فِي السَّمَوَات الْأَرْض } 27 25 يَعْنِي بِذَلِكَ : يُظْهِرهُ وَيُطْلِعهُ مِنْ مَخْبَئِهِ بَعْد خَفَائِهِ . وَاَلَّذِي كَانُوا يَكْتُمُونَهُ فَأَخْرَجَهُ هُوَ قَتَلَ الْقَاتِل الْقَتِيل , كَمَا كَتَمَ ذَلِكَ الْقَاتِل وَمَنْ عَلِمَهُ مِمَّنْ شَايَعَهُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَظْهَرَهُ اللَّه وَأَخْرَجَهُ , فَأَعْلَنَ أَمْره لِمَنْ لَا يَعْلَم أَمْره . وَعَنَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { تَكْتُمُونَ } تُسِرُّونَ وَتَغِيبُونَ . كَمَا : 1079 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { وَاَللَّه مُخْرِج مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } قَالَ : تُغَيِّبُونَ . 1080 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِيلَ , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } مَا كُنْتُمْ تُغَيِّبُونَ .
فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا } يَعْنِي جَلَّ ذِكْره بِقَوْلِهِ : { فَقُلْنَا } لِقَوْمِ مُوسَى الَّذِينَ ادَّارَءُوا فِي الْقَتِيل الَّذِي قَدْ تَقَدَّمَ وَصْفنَا أَمْره : اضْرِبُوا الْقَتِيل . وَالْهَاء الَّتِي فِي قَوْله : { اضْرِبُوهُ } مِنْ ذِكْر الْقَتِيل { بِبَعْضِهَا } أَيْ بِبَعْضِ الْبَقَرَة الَّتِي أَمَرَهُمْ اللَّه بِذَبْحِهَا فَذَبَحُوهَا . ثُمَّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْبَعْض الَّذِي ضُرِبَ بِهِ الْقَتِيل مِنْ الْبَقَرَة وَأَيّ عُضْو كَانَ ذَلِكَ مِنْهَا , فَقَالَ بَعْضهمْ : ضُرِبَ بِفَخِذِ الْبَقَرَة الْقَتِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1081 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : ضُرِبَ بِفَخِذِ الْبَقَرَة , فَقَامَ حَيًّا , فَقَالَ : قَتَلَنِي فُلَان ; ثُمَّ عَادَ فِي مِيتَته . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ , ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : ضُرِبَ بِفَخِذِ الْبَقَرَة , ثُمَّ ذَكَرَ مِثْله . 1082 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : ثنا جَرِير بْن نُوح , عَنْ النَّضْر بْن عَرَبِيّ , عَنْ عِكْرِمَة : { فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا } قَالَ : بِفَخِذِهَا فَلَمَّا ضُرِبَ بِهَا عَاشَ وَقَالَ : قَتَلَنِي فُلَان ; ثُمَّ عَادَ إلَى حَاله . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ خَالِد بْن يَزِيد , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : ضُرِبَ بِفَخِذِهَا الرَّجُل فَقَامَ حَيًّا , فَقَالَ : قَتَلَنِي فُلَان , ثُمَّ عَادَ فِي مِيتَته . 1083 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , قَالَ : قَالَ أَيُّوب عَنْ ابْن سِيرِينَ , عَنْ عَبِيدَة : ضَرَبُوا الْمَقْتُول بِبَعْضِ لَحْمهَا . وَقَالَ مَعْمَر عَنْ قَتَادَةَ : ضَرَبُوهُ بِلَحْمِ الْفَخِذ فَعَاشَ , فَقَالَ : قَتَلَنِي فُلَان . 1084 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ , قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمْ ضَرَبُوهُ بِفَخِذِهَا فَأَحْيَاهُ اللَّه , فَأَنْبَأَ بِقَاتِلِهِ الَّذِي قَتَلَهُ وَتَكَلَّمَ , ثُمَّ مَاتَ . وَقَالَ آخَرُونَ : الَّذِي ضُرِبَ بِهِ مِنْهَا هُوَ الْبِضْعَة الَّتِي بَيْن الْكَتِفَيْنِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1085 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا } فَضَرَبُوهُ بِالْبِضْعَةِ الَّتِي بَيْن الْكَتِفَيْنِ فَعَاشَ , فَسَأَلُوهُ : مَنْ قَتَلَك ؟ فَقَالَ لَهُمْ : ابْن أَخِي . وَقَالَ آخَرُونَ : الَّذِي أُمِرُوا أَنْ يَضْرِبُوهُ بِهِ مِنْهَا عَظْم مِنْ عِظَامهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1086 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , قَالَ : أَمَرَهُمْ مُوسَى أَنْ يَأْخُذُوا عَظْمًا مِنْهَا فَيَضْرِبُوا بِهِ الْقَتِيل فَفَعَلُوا , فَرَجَعَ إلَيْهِ رُوحه , فَسَمَّى لَهُمْ قَاتِله ثُمَّ عَادَ مَيِّتًا كَمَا كَانَ . فَأَخَذَ قَاتِله - وَهُوَ الَّذِي أَتَى مُوسَى - فَشَكَا إلَيْهِ فَقَتَلَهُ اللَّه عَلَى أَسْوَإِ عَمَله . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 1087 - حَدَّثَنِي بِهِ يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : ضَرَبُوا الْمَيِّت بِبَعْضِ آرَابَهَا , فَإِذَا هُوَ قَاعِد , قَالُوا : مَنْ قَتَلَك ؟ قَالَ : ابْن أَخِي . قَالَ : وَكَانَ قَتَلَهُ وَطَرَحَهُ عَلَى ذَلِكَ السِّبْط , أَرَادَ أَنْ يَأْخُذ دِيَته . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله عِنْدنَا : { فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا } أَنْ يُقَال : أَمَرَهُمْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنْ يَضْرِبُوا الْقَتِيل بِبَعْضِ الْبَقَرَة لِيَحْيَا الْمَضْرُوب . وَلَا دَلَالَة فِي الْآيَة وَلَا خَبَر تَقُوم بِهِ حُجَّة عَلَى أَيّ أَبْعَاضهَا الَّتِي أَمَرَ الْقَوْم أَنْ يَضْرِبُوا الْقَتِيل بِهِ . وَجَائِز أَنْ يَكُون الَّذِي أُمِرُوا أَنْ يَضْرِبُوهُ بِهِ هُوَ الْفَخِذ , وَجَائِز أَنْ يَكُون ذَلِكَ الذَّنَب وَغُضْرُوف الْكَتِف وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَبْعَاضهَا . وَلَا يَضُرّ الْجَهْل بِأَيِّ ذَلِكَ ضَرَبُوا الْقَتِيل , وَلَا يَنْفَع الْعِلْم بِهِ مَعَ الْإِقْرَار بِأَنَّ الْقَوْم قَدْ ضَرَبُوا الْقَتِيل بِبَعْضِ الْبَقَرَة بَعْد ذَبْحهَا , فَأَحْيَاهُ اللَّه . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا كَانَ مَعْنَى الْأَمْر بِضَرْبِ الْقَتِيل بِبَعْضِهَا ؟ قِيلَ : لِيَحْيَا فَيُنْبِئ نَبِيّ اللَّه مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاَلَّذِينَ ادَّارَءُوا فِيهِ مِنْ قَاتِله . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَأَيْنَ الْخَبَر عَنْ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ لِذَلِكَ ؟ قِيلَ : تَرَكَ ذَلِكَ اكْتِفَاء بِدَلَالَةِ مَا ذَكَرَ مِنْ الْكَلَام الدَّال عَلَيْهِ نَحْو الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ نَظَائِر ذَلِكَ فِيمَا مَضَى . وَمَعْنَى الْكَلَام : فَقُلْنَا : اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا لِيَحْيَا , فَضَرَبُوهُ فَحَيِيَ ; كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { أَنْ اضْرِبْ بِعَصَاك الْبَحْر فَانْفَلَقَ } 26 63 وَالْمَعْنَى : فَضَرَبَ فَانْفَلَقَ . يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله : { كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّه الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاته لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّه الْمَوْتَى } . وَقَوْله : { كَذَلِكَ يَحْيَى اللَّه الْمَوْتَى } مُخَاطَبَة مِنْ اللَّه عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ , وَاحْتِجَاج مِنْهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ الْمُكَذِّبِينَ بِالْبَعْثِ , وَأَمَرَهُمْ بِالِاعْتِبَارِ بِمَا كَانَ مِنْهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِنْ إحْيَاء قَتِيل بَنِي إسْرَائِيل بَعْد مَمَاته فِي الدُّنْيَا , فَقَالَ لَهُمْ تَعَالَى ذِكْره : أَيّهَا الْمُكَذِّبُونَ بِالْبَعْثِ بَعْد الْمَمَات , اعْتَبِرُوا بِإِحْيَائِي هَذَا الْقَتِيل بَعْد مَمَاته , فَإِنِّي كَمَا أَحْيَيْته فِي الدُّنْيَا فَكَذَلِكَ أَحْيَا الْمَوْتَى بَعْد مَمَاتهمْ , فَأَبْعَثهُمْ يَوْم الْبَعْث . فَإِنَّمَا احْتَجَّ جَلَّ ذِكْره بِذَلِكَ عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَب وَهُمْ قَوْم أُمِّيُّونَ لَا كِتَاب لَهُمْ , لِأَنَّ الَّذِينَ كَانُوا يَعْلَمُونَ عِلْم ذَلِكَ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل كَانُوا بَيْن أَظْهُرهمْ وَفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَات , فَأَخْبَرَهُمْ جَلَّ ذِكْره بِذَلِكَ لِيَتَعَرَّفُوا عِلْم مَنْ قَبْلهمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيُرِيكُمْ آيَاته لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } . يَعْنِي جَلَّ ذِكْره : وَيُرِيكُمْ اللَّه أَيّهَا الْكَافِرُونَ الْمُكَذِّبُونَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه مِنْ آيَاته - وَآيَاته : أَعْلَامه وَحُجَجه الدَّالَّة عَلَى نُبُوَّته - لِتَعْقِلُوا وَتَفْهَمُوا أَنَّهُ مُحِقَ صَادِق فَتُؤْمِنُوا بِهِ وَتَتْبَعُوهُ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّه الْمَوْتَى } . وَقَوْله : { كَذَلِكَ يَحْيَى اللَّه الْمَوْتَى } مُخَاطَبَة مِنْ اللَّه عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ , وَاحْتِجَاج مِنْهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ الْمُكَذِّبِينَ بِالْبَعْثِ , وَأَمَرَهُمْ بِالِاعْتِبَارِ بِمَا كَانَ مِنْهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِنْ إحْيَاء قَتِيل بَنِي إسْرَائِيل بَعْد مَمَاته فِي الدُّنْيَا , فَقَالَ لَهُمْ تَعَالَى ذِكْره : أَيّهَا الْمُكَذِّبُونَ بِالْبَعْثِ بَعْد الْمَمَات , اعْتَبِرُوا بِإِحْيَائِي هَذَا الْقَتِيل بَعْد مَمَاته , فَإِنِّي كَمَا أَحْيَيْته فِي الدُّنْيَا فَكَذَلِكَ أَحْيَا الْمَوْتَى بَعْد مَمَاتهمْ , فَأَبْعَثهُمْ يَوْم الْبَعْث . فَإِنَّمَا احْتَجَّ جَلَّ ذِكْره بِذَلِكَ عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَب وَهُمْ قَوْم أُمِّيُّونَ لَا كِتَاب لَهُمْ , لِأَنَّ الَّذِينَ كَانُوا يَعْلَمُونَ عِلْم ذَلِكَ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل كَانُوا بَيْن أَظْهُرهمْ وَفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَات , فَأَخْبَرَهُمْ جَلَّ ذِكْره بِذَلِكَ لِيَتَعَرَّفُوا عِلْم مَنْ قَبْلهمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيُرِيكُمْ آيَاته لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } . يَعْنِي جَلَّ ذِكْره : وَيُرِيكُمْ اللَّه أَيّهَا الْكَافِرُونَ الْمُكَذِّبُونَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه مِنْ آيَاته - وَآيَاته : أَعْلَامه وَحُجَجه الدَّالَّة عَلَى نُبُوَّته - لِتَعْقِلُوا وَتَفْهَمُوا أَنَّهُ مُحِقَ صَادِق فَتُؤْمِنُوا بِهِ وَتَتْبَعُوهُ .
ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبكُمْ مِنْ بَعْد ذَلِكَ } يَعْنِي بِذَلِكَ كُفَّار بَنِي إسْرَائِيل , وَهُمْ فِيمَا ذَكَرَ بَنُو أَخِي الْمَقْتُول , فَقَالَ لَهُمْ : ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبكُمْ : أَيْ جَفَتْ وَغَلُظَتْ وَعَسَتْ , كَمَا قَالَ الرَّاجِز : وَقَدْ قَسَوْت وَقَسَا لِدَاتِي يُقَال : قَسَا وَعَسَا وَعَتَا بِمَعْنًى وَاحِد , وَذَلِكَ إذَا جَفَا وَغَلُظَ وَصَلُبَ , يُقَال مِنْهُ : قَسَا قَلْبه يَقْسُو قَسْوًا وَقَسْوَة وَقَسَاوَة وَقِسَاء . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { مِنْ بَعْد ذَلِكَ } مِنْ بَعْد أَنْ أَحْيَا الْمَقْتُول لَهُمْ الَّذِي ادَّارَءُوا فِي قَتْله . فَأَخْبَرَهُمْ بِقَاتِلِهِ وَمَا السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله قَتَلَهُ كَمَا قَدْ وَصَفْنَا قَبْل عَلَى مَا جَاءَتْ الْآثَار وَالْأَخْبَار وَفَصَّلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره بِخَبَرِهِ بَيْن الْمُحِقّ مِنْهُمْ وَالْمُبْطِل . وَكَانَتْ قَسَاوَة قُلُوبهمْ الَّتِي وَصَفَهُمْ اللَّه بِهَا أَنَّهُمْ فِيمَا بَلَغَنَا أَنْكَرُوا أَنْ يَكُونُوا هُمْ قَتَلُوا الْقَتِيل الَّذِي أَحْيَاهُ اللَّه , فَأَخْبَرَ بَنِي إسْرَائِيل بِأَنَّهُمْ كَانُوا قَتَلَته بَعْد إخْبَاره إيَّاهُمْ بِذَلِكَ , وَبَعْد مَيِّتَته الثَّانِيَة . كَمَا : 1088 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : لَمَّا ضُرِبَ الْمَقْتُول بِبَعْضِهَا - يَعْنِي بِبَعْضِ الْبَقَرَة - جَلَسَ حَيًّا , فَقِيلَ لَهُ : مَنْ قَتَلَك ؟ فَقَالَ : بَنُو أَخِي قَتَلُونِي . ثُمَّ قُبِضَ , فَقَالَ بَنُو أَخِيهِ حِين قُبِضَ : وَاَللَّه مَا قَتَلْنَاهُ . فَكَذَّبُوا بِالْحَقِّ بَعْد إذْ رَأَوْهُ , فَقَالَ اللَّه : { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبكُمْ مِنْ بَعْد ذَلِكَ } يَعْنِي بَنِي أَخِي الشَّيْخ , { فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدّ قَسْوَة } . 1089 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبكُمْ مِنْ بَعْد ذَلِكَ } يَقُول : مِنْ بَعْد مَا أَرَاهُمْ اللَّه مِنْ إحْيَاء الْمَوْتَى , وَبَعْد مَا أَرَاهُمْ مِنْ أَمْر الْقَتِيل مَا أَرَاهُمْ , فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدّ قَسْوَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدّ قَسْوَة } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { فَهِيَ } قُلُوبكُمْ . يَقُول : ثُمَّ صَلُبَتْ قُلُوبكُمْ بَعْد إذْ رَأَيْتُمْ الْحَقّ فَتَبَيَّنْتُمُوهُ وَعَرَفْتُمُوهُ عَنْ الْخُضُوع لَهُ وَالْإِذْعَان لِوَاجِبِ حَقّ اللَّه عَلَيْكُمْ , فَقُلُوبكُمْ كَالْحِجَارَةِ صَلَابَة وَيُبْسًا وَغِلَظًا وَشِدَّة , أَوْ أَشَدّ صَلَابَة ; يَعْنِي قُلُوبكُمْ عَنْ الْإِذْعَان لِوَاجِبِ حَقّ اللَّه عَلَيْهِمْ , وَالْإِقْرَار لَهُ بِاللَّازِمِ مِنْ حُقُوقه لَهُمْ مِنْ الْحِجَارَة . فَإِنْ سَأَلَ سَائِل فَقَالَ : وَمَا وَجْه قَوْله : { فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدّ قَسْوَة } وَأَوْ عِنْد أَهْل الْعَرَبِيَّة إنَّمَا تَأْتِي فِي الْكَلَام لِمَعْنَى الشَّكّ , وَاَللَّه تَعَالَى جَلَّ ذِكْره غَيْر جَائِز فِي خَبَره الشَّكّ ؟ قِيلَ : إنَّ ذَلِكَ عَلَى غَيْر الْوَجْه الَّذِي تَوَهَّمَتْهُ مِنْ أَنَّهُ شَكَّ مِنْ اللَّه جَلَّ ذِكْره فِيمَا أَخْبَرَ عَنْهُ , وَلَكِنَّهُ خَبَر مِنْهُ عَنْ قُلُوبهمْ الْقَاسِيَة أَنَّهَا عِنْد عِبَاده الَّذِينَ هُمْ أَصْحَابهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ بَعْد مَا رَأَوْا الْعَظِيم مِنْ آيَات اللَّه كَالْحِجَارَةِ قَسْوَة أَوْ أَشَدّ مِنْ الْحِجَارَة عِنْدهمْ وَعِنْد مَنْ عَرَفَ شَأْنهمْ , وَقَدْ قَالَ فِي ذَلِكَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّة أَقْوَالًا : فَقَالَ بَعْضهمْ : إنَّمَا أَرَادَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدّ قَسْوَة } وَمَا أَشَبَه ذَلِكَ مِنْ الْأَخْبَار الَّتِي تَأْتِي ب " أَوْ " , كَقَوْلِهِ : { وَأَرْسَلْنَاهُ إلَى مِائَة أَلْف أَوْ يَزِيدُونَ } 37 147 وَكَقَوْلِ اللَّه جَلَّ ذِكْره : { وَإِنَّا أَوْ إيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَال مُبِين } 34 24 فَهُوَ عَالِم أَيْ ذَلِكَ كَانَ . قَالُوا : وَنَظِير ذَلِكَ قَوْل الْقَائِل : أَكَلْت بُسْرَة أَوْ رُطَبَة , وَهُوَ عَالِم أَيّ ذَلِكَ أَكَلَ وَلَكِنَّهُ أُبْهِمَ عَلَى الْمُخَاطَب , كَمَا قَالَ أَبُو الْأَسْوَد الدُّؤَلِيّ : أُحِبّ مُحَمَّدًا حُبًّا شَدِيدًا وَعَبَّاسًا وَحَمْزَة وَالْوَصِيَّا فَإِنْ يَكُ حُبّهمْ رَشَدًا أُصِبْهُ وَلَسْت بِمُخْطِئٍ إنْ كَانَ غَيًّا قَالُوا : وَلَا شَكَّ أَنَّ أَبَا الْأَسْوَد لَمْ يَكُنْ شَاكًّا فِي أَنَّ حُبّ مَنْ سَمَّى رُشْد , وَلَكِنَّهُ أُبْهِمَ عَلَى مَنْ خَاطَبَهُ بِهِ . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَد أَنَّهُ لَمَّا قَالَ هَذِهِ الْأَبْيَات قِيلَ لَهُ : شَكَكْت ؟ فَقَالَ : كَلَّا وَاَللَّه ! ثُمَّ انْتَزَعَ بِقَوْلِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ { وَإِنَّا أَوْ إيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَال مُبِين } 34 24 فَقَالَ : أَوْ كَانَ شَاكًّا مَنْ أَخْبَرَ بِهَذَا فِي الْهَادِي مِنْ الضَّلَال ؟ وَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ كَقَوْلِ الْقَائِل : مَا أَطْعَمْتُك إلَّا حُلْوًا أَوْ حَامِضًا , وَقَدْ أَطْعَمَهُ النَّوْعَيْنِ جَمِيعًا . فَقَالُوا : فَقَائِل ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ شَاكًّا أَنَّهُ قَدْ أَطْعَمَ صَاحِبه الْحُلْو وَالْحَامِض كِلَيْهِمَا , وَلَكِنَّهُ أَرَادَ الْخَيْر عَمَّا أَطْعَمَهُ إيَّاهُ أَنَّهُ لَمْ يَخْرَج عَنْ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ . قَالُوا : فَكَذَلِكَ قَوْله : { فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدّ قَسْوَة } إنَّمَا مَعْنَاهُ : فَقُلُوبهمْ لَا تَخْرَج مِنْ أَحَد هَذَيْنِ الْمَثَلَيْنِ إمَّا أَنْ تَكُون مَثَلًا لِلْحِجَارَةِ فِي الْقَسْوَة , وَإِمَّا أَنْ تَكُون أَشَدّ مِنْهَا قَسْوَة . وَمَعْنَى ذَلِكَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيل : فَبَعْضهَا كَالْحِجَارَةِ قَسْوَة , وَبَعْضهَا أَشَدّ قَسْوَة مِنْ الْحِجَارَة . وَقَالَ بَعْضهمْ : " أَوْ " فِي قَوْله : { أَوْ أَشَدّ قَسْوَة } بِمَعْنَى : وَأَشَدّ قَسْوَة , كَمَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا } 76 24 بِمَعْنَى : وَكَفُورًا . وَكَمَا قَالَ جَرِير بْن عَطِيَّة : نَالَ الْخَلَاقَة أَوْ كَانَتْ لَهُ قَدَرًا كَمَا أَتَى رَبّه مُوسَى عَلَى قَدَر يَعْنِي نَالَ الْخِلَافَة وَكَانَتْ لَهُ قَدَرًا . وَكَمَا قَالَ النَّابِغَة : قَالَتْ أَلَا لَيْتُمَا هَذَا الْحَمَام لَنَا إلَى حَمَامَتنَا أَوْ نِصْفه فَقَدْ يُرِيد وَنِصْفه وَقَالَ آخَرُونَ : " أَوْ " فِي هَذَا الْمَوْضِع بِمَعْنَى " بَلْ " , فَكَانَ تَأْوِيله عِنْدهمْ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ بَلْ أَشَدّ قَسْوَة , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَأَرْسَلْنَاهُ إلَى مِائَة أَلْف أَوْ يَزِيدُونَ } 37 147 بِمَعْنَى : بَلْ يَزِيدُونَ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدّ قَسْوَة عِنْدكُمْ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَلِكُلٍّ مِمَّا قِيلَ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَال الَّتِي حُكِينَا وَجْه وَمَخْرَج فِي كَلَام الْعَرَب , غَيْر أَنَّ أَعْجَب الْأَقْوَال إلَيَّ فِي ذَلِكَ مَا قُلْنَاهُ أَوَّلًا , ثُمَّ الْقَوْل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَمَّنْ وَجْه ذَلِكَ إلَى أَنَّهُ بِمَعْنًى : فَهِيَ أَوَجْه فِي الْقَسْوَة مِنْ أَنْ تَكُون كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدّ , عَلَى تَأْوِيل أَنَّ مِنْهَا كَالْحِجَارَةِ , وَمِنْهَا أَشَدّ قَسْوَة ; لِأَنَّ " أَوْ " وَإِنْ اُسْتُعْمِلَتْ فِي أَمَاكِن مِنْ أَمَاكِن الْوَاو حَتَّى يَلْتَبِس مَعْنَاهَا وَمَعْنَى الْوَاو لِتَقَارُبِ مَعْنَيَيْهِمَا فِي بَعْض تِلْكَ الْأَمَاكِن , فَإِنَّ أَصْلهَا أَنْ تَأْتِي بِمَعْنَى أَحَد الِاثْنَيْنِ , فَتَوْجِيههَا إلَى أَصْلهَا مَنْ وَجَدَ إلَى ذَلِكَ سَبِيلًا أَعْجَب إلَيَّ مِنْ إخْرَاجهَا عَنْ أَصْلهَا وَمَعْنَاهَا الْمَعْرُوف لَهَا . قَالَ : وَأَمَّا الرَّفْع فِي قَوْله : { أَوْ أَشَدّ قَسْوَة } فَمِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا أَنْ يَكُون عَطْفًا عَلَى مَعْنَى الْكَاف الَّتِي فِي قَوْله : { كَالْحِجَارَةِ } لِأَنَّ مَعْنَاهَا الرَّفْع , وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَاهَا مَعْنَى مِثْل : فَهِيَ مِثْل الْحِجَارَة أَوْ أَشَدّ قَسْوَة مِنْ الْحِجَارَة . وَالْوَجْه الْآخَر : أَنْ يَكُون مَرْفُوعًا عَلَى مَعْنَى تَكْرِير " هِيَ " عَلَيْهِ فَيَكُون تَأْوِيل ذَلِكَ : فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ هِيَ أَشَدّ قَسْوَة مِنْ الْحِجَارَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَة لَمَا يَتَفَجَّر مِنْهُ الْأَنْهَار } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْره : { وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَة لَمَا يَتَفَجَّر مِنْهُ الْأَنْهَار } وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَة حِجَارَة يَتَفَجَّر مِنْهَا الْمَاء الَّذِي تَكُون مِنْهُ الْأَنْهَار , فَاسْتَغْنَى بِذِكْرِ الْمَاء عَنْ ذِكْر الْأَنْهَار , وَإِنَّمَا ذَكَرَ فَقَالَ " وَمِنْهُ " لِلَفْظِ " مَا " . وَالتَّفَجُّر : التَّفَعُّل مِنْ فَجَّرَ الْمَاء , وَذَلِكَ إذَا تَنَزَّلَ خَارِجًا مِنْ مَنْبَعه , وَكُلّ سَائِل شَخْص خَارِجًا مِنْ مَوْضِعه وَمَكَانه فَقَدْ انْفَجَرَ مَاء كَانَ ذَلِكَ أَوْ دَمًا أَوْ صَدِيدًا أَوْ غَيْر ذَلِكَ , وَمِنْهُ قَوْل عُمَر بْن لجأ : وَلَمَّا أَنْ قُرِنْت إلَى جَرِير أَبَى ذُو بَطْنه إلَّا انْفِجَارَا يَعْنِي : إلَّا خُرُوجًا وَسَيَلَانًا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّق فَيَخْرُج مِنْهُ الْمَاء } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَة تَشَّقَّق . وَتَشَقُّقهَا : تَصَدُّعهَا . وَإِنَّمَا هِيَ : لَمَا يَتَشَقَّق , وَلَكِنَّ التَّاء أُدْغِمَتْ فِي الشِّين فَصَارَتْ شِينًا مُشَدَّدَة . وَقَوْله : { فَيَخْرُج مِنْهُ الْمَاء } فَيَكُون عَيْنًا نَابِعَة وَأَنْهَارًا جَارِيَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِط مِنْ خَشْيَة اللَّه } . قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَة لَمَا يَهْبِط : أَيْ يَتَرَدَّى مِنْ رَأْس الْجَبَل إلَى الْأَرْض وَالسَّفْح مِنْ خَوْف اللَّه وَخَشْيَته . وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى مَعْنَى الْهُبُوط فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَأُدْخِلَتْ هَذِهِ اللَّامَّات اللَّوَاتِي فِي " مَا " تَوْكِيدًا لِلْخَبَرِ . وَإِنَّمَا وَصَفَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره الْحِجَارَة بِمَا وَصَفَهَا بِهِ مِنْ أَنَّ مِنْهَا الْمُتَفَجِّر مِنْهُ الْأَنْهَار , وَأَنَّ مِنْهَا الْمُتَشَقِّق بِالْمَاءِ , وَأَنَّ مِنْهَا الْهَابِط مِنْ خَشْيَة اللَّه بَعْد الَّذِي جَعَلَ مِنْهَا لِقُلُوبِ الَّذِينَ أَخْبَرَ عَنْ قَسْوَة قُلُوبهمْ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل مَثَلًا , مَعْذِرَة مِنْهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَهَا دُون الَّذِينَ أَخْبَرَ عَنْ قَسْوَة قُلُوبهمْ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل إذْ كَانُوا بِالصِّفَّةِ الَّتِي وَصَفَهُمْ اللَّه بِهَا مِنْ التَّكْذِيب بِرَسْلِهِ وَالْجُحُود لِآيَاتِهِ بَعْد الَّذِي أَرَاهُمْ مِنْ الْآيَات وَالْعِبَر وَعَايَنُوا مِنْ عَجَائِب الْأَدِلَّة وَالْحِجَج مَعَ مَا أَعْطَاهُمْ تَعَالَى ذِكْره مِنْ صِحَّة الْعُقُول وَمَنْ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ سَلَامَة النَّفُوس الَّتِي لَمْ يُعْطِهَا الْحَجَر وَالْمَدَر , ثُمَّ هُوَ مَعَ ذَلِكَ مِنْهُ مَا يَتَفَجَّر بِالْأَنْهَارِ وَمِنْهُ مَا يَتَشَقَّق بِالْمَاءِ وَمِنْهُ مَا يَهْبِط مِنْ خَشْيَة اللَّه , فَأَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْره أَنَّ مِنْ الْحِجَارَة مَا هُوَ أَلْيَن مِنْ قُلُوبهمْ لِمَا يَدْعُونَ إلَيْهِ مِنْ الْحَقّ . كَمَا : 1090 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1091 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبكُمْ مِنْ بَعْد ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدّ قَسْوَة وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَة لَمَا يَتَفَجَّر مِنْهُ الْأَنْهَار وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّق فَيَخْرُج مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِط مِنْ خَشْيَة اللَّه } قَالَ : كُلّ حَجَر يَتَفَجَّر مِنْهُ الْمَاء أَوْ يَتَشَقَّق عَنْ مَاء , أَوْ يَتَرَدَّى مِنْ رَأْس جَبَل , فَهُوَ مِنْ خَشْيَة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , نَزَلَ بِذَلِكَ الْقُرْآن . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . 1092 - حَدَّثَنِي بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدّ قَسْوَة } ثُمَّ عَذَرَ الْحِجَارَة وَلَمْ يَعْذُر شَقِيّ ابْن آدَم , فَقَالَ : { وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَة لَمَا يَتَفَجَّر مِنْهُ الْأَنْهَار وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّق فَيَخْرُج مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِط مِنْ خَشْيَة اللَّه } . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَحَبْرنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ مِثْله . 1093 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : ثُمَّ عَذَرَ اللَّه الْحِجَارَة قَالَ : { وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَة لَمَا يَتَفَجَّر مِنْهُ الْأَنْهَار وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّق فَيَخْرُج مِنْهُ الْمَاء } . 1094 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ : فِيهَا كُلّ حَجَر انْفَجَرَ مِنْهُ مَاء أَوْ تَشَقَّقَ عَنْ مَاء أَوْ تَرَدَّى مِنْ جَبَل , فَمِنْ خَشْيَة اللَّه نَزَلَ بِهِ الْقُرْآن . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل النَّحْو فِي مَعْنَى هُبُوط مَا هَبَطَ مِنْ الْحِجَارَة مِنْ خَشْيَة اللَّه . فَقَالَ بَعْضهمْ : إنَّ هُبُوط مَا هَبَطَ مِنْهَا مِنْ خَشْيَة اللَّه : تَفَيُّؤ ظِلَاله . وَقَالَ آخَرُونَ : ذَلِكَ الْجَبَل الَّذِي صَارَ دَكًّا إذْ تَجَلَّى لَهُ رَبّه . وَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ وَيَكُون بِأَنَّ اللَّه جَلَّ ذِكْره أَعْطَى بَعْض الْحِجَارَة الْمَعْرِفَة وَالْفَهْم , فَعَقَلَ طَاعَة اللَّه فَأَطَاعَهُ ; كَاَلَّذِي رُوِيَ عَنْ الْجِذْع الَّذِي كَانَ يَسْتَنِد إلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا خَطَبَ فَلَمَّا تَحَوَّلَ عَنْهُ حَنَّ . وَكَاَلَّذِي رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " إنَّ حَجَرًا كَانَ يُسَلِّم عَلَيَّ فِي الْجَاهِلِيَّة إنِّي لَأَعْرِفهُ الْآن " . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ قَوْله : { يَهْبِط مِنْ خَشْيَة اللَّه } كَقَوْلِهِ : { جِدَارًا يُرِيد أَنْ يَنْقَضّ } وَلَا إرَادَة لَهُ , قَالُوا : وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ عِظَم أَمْر اللَّه يُرَى كَأَنَّهُ هَابِط خَاشِع مِنْ ذُلّ خَشْيَة اللَّه , كَمَا قَالَ زَيْد الْخَيْل : بِجَمْعٍ تَضِلّ الْبُلْق فِي حَجَرَاته تَرَى الْأُكْم فِيهَا سُجَّدًا لِلْحَوَافِرِ وَكَمَا قَالَ سُوَيْدُ بْن أَبِي كَاهِل يَصِف عَدُوًّا لَهُ يُرِيد أَنَّهُ ذَلِيل : سَاجِد الْمَنْخَر لَا يَرْفَعهُ خَاشِع الطَّرْف أَصَمّ الْمُسْتَمَع وَكَمَا قَالَ جَرِير بْن عَطِيَّة : لَمَّا أَتَى خَبَر الرَّسُول تَضَعْضَعَتْ سُوَر الْمَدِينَة وَالْجِبَال الْخُشَّع وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى قَوْله : { يَهْبِط مِنْ خَشْيَة اللَّه } أَيْ يُوجِب الْخَشْيَة لِغَيْرِهِ بِدَلَالَتِهِ عَلَى صَانِعه كَمَا قِيلَ : نَاقَة تَاجِرَة : إذَا كَانَتْ مِنْ نَجَابَتهَا وَفَرَاهَتهَا تَدْعُو النَّاس إلَى الرَّغْبَة فِيهَا , كَمَا قَالَ جَرِير بْن عَطِيَّة : وَأَعْوَر مِنْ نَبْهَان أَمَّا نَهَاره فَأَعْمَى وَأَمَّا لَيْله فَبَصِير فَجَعَلَ الصِّفَة لِلَّيْلِ وَالنَّهَار , وَهُوَ يُرِيد بِذَلِكَ صَاحِبه النبهاني الَّذِي يَهْجُوهُ , مِنْ أَجْل أَنَّهُ فِيهِمَا كَانَ مَا وَصَفَهُ بِهِ . وَهَذِهِ الْأَقْوَال وَإِنْ كَانَتْ غَيْر بَعِيدَات الْمَعْنَى مِمَّا تَحْتَمِلهُ الْآيَة مِنْ التَّأْوِيل , فَإِنَّ تَأْوِيل أَهْل التَّأْوِيل مِنْ عُلَمَاء سَلَفَ الْأُمَّة بِخِلَافِهَا ; فَلِذَلِكَ لَمْ نَسْتَجِز صَرْف تَأْوِيل الْآيَة إلَى مَعْنًى مِنْهَا . وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى مَعْنَى الْخَشْيَة , وَأَنَّهَا الرَّهْبَة وَالْمَخَافَة , فَكَرِهْنَا إعَادَة ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِع .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا اللَّه بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَمَا اللَّه بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } وَمَا اللَّه بِغَافِلٍ يَا مَعْشَر الْمُكَذِّبِينَ بِآيَاتِهِ وَالْجَاحِدِينَ نُبُوَّة رَسُوله مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , والمتقولين عَلَيْهِ الْأَبَاطِيل مِنْ بَنِي إسْرَائِيل وَأَحْبَار الْيَهُود , عَمَّا تَعْمَلُونَ مِنْ أَعْمَالكُمْ الْخَبِيثَة وَأَفْعَالكُمْ الرَّدِيئَة ; وَلَكِنَّهُ يُحْصِيهَا عَلَيْكُمْ , فَيُجَازِيكُمْ بِهَا فِي الْآخِرَة أَوْ يُعَاقِبكُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا . وَأَصْل الْغَفْلَة عَنْ الشَّيْء : تَرْكه عَلَى وَجْه السَّهْو عَنْهُ وَالنِّسْيَان لَهُ , فَأَخْبَرَهُمْ تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُ غَيْر غَافِل عَنْ أَفْعَالهمْ الْخَبِيثَة وَلَا سَاهٍ عَنْهَا , بَلْ هُوَ لَهَا مُحْصٍ , وَلَهَا حَافِظ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدّ قَسْوَة } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { فَهِيَ } قُلُوبكُمْ . يَقُول : ثُمَّ صَلُبَتْ قُلُوبكُمْ بَعْد إذْ رَأَيْتُمْ الْحَقّ فَتَبَيَّنْتُمُوهُ وَعَرَفْتُمُوهُ عَنْ الْخُضُوع لَهُ وَالْإِذْعَان لِوَاجِبِ حَقّ اللَّه عَلَيْكُمْ , فَقُلُوبكُمْ كَالْحِجَارَةِ صَلَابَة وَيُبْسًا وَغِلَظًا وَشِدَّة , أَوْ أَشَدّ صَلَابَة ; يَعْنِي قُلُوبكُمْ عَنْ الْإِذْعَان لِوَاجِبِ حَقّ اللَّه عَلَيْهِمْ , وَالْإِقْرَار لَهُ بِاللَّازِمِ مِنْ حُقُوقه لَهُمْ مِنْ الْحِجَارَة . فَإِنْ سَأَلَ سَائِل فَقَالَ : وَمَا وَجْه قَوْله : { فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدّ قَسْوَة } وَأَوْ عِنْد أَهْل الْعَرَبِيَّة إنَّمَا تَأْتِي فِي الْكَلَام لِمَعْنَى الشَّكّ , وَاَللَّه تَعَالَى جَلَّ ذِكْره غَيْر جَائِز فِي خَبَره الشَّكّ ؟ قِيلَ : إنَّ ذَلِكَ عَلَى غَيْر الْوَجْه الَّذِي تَوَهَّمَتْهُ مِنْ أَنَّهُ شَكَّ مِنْ اللَّه جَلَّ ذِكْره فِيمَا أَخْبَرَ عَنْهُ , وَلَكِنَّهُ خَبَر مِنْهُ عَنْ قُلُوبهمْ الْقَاسِيَة أَنَّهَا عِنْد عِبَاده الَّذِينَ هُمْ أَصْحَابهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ بَعْد مَا رَأَوْا الْعَظِيم مِنْ آيَات اللَّه كَالْحِجَارَةِ قَسْوَة أَوْ أَشَدّ مِنْ الْحِجَارَة عِنْدهمْ وَعِنْد مَنْ عَرَفَ شَأْنهمْ , وَقَدْ قَالَ فِي ذَلِكَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّة أَقْوَالًا : فَقَالَ بَعْضهمْ : إنَّمَا أَرَادَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدّ قَسْوَة } وَمَا أَشَبَه ذَلِكَ مِنْ الْأَخْبَار الَّتِي تَأْتِي ب " أَوْ " , كَقَوْلِهِ : { وَأَرْسَلْنَاهُ إلَى مِائَة أَلْف أَوْ يَزِيدُونَ } 37 147 وَكَقَوْلِ اللَّه جَلَّ ذِكْره : { وَإِنَّا أَوْ إيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَال مُبِين } 34 24 فَهُوَ عَالِم أَيْ ذَلِكَ كَانَ . قَالُوا : وَنَظِير ذَلِكَ قَوْل الْقَائِل : أَكَلْت بُسْرَة أَوْ رُطَبَة , وَهُوَ عَالِم أَيّ ذَلِكَ أَكَلَ وَلَكِنَّهُ أُبْهِمَ عَلَى الْمُخَاطَب , كَمَا قَالَ أَبُو الْأَسْوَد الدُّؤَلِيّ : أُحِبّ مُحَمَّدًا حُبًّا شَدِيدًا وَعَبَّاسًا وَحَمْزَة وَالْوَصِيَّا فَإِنْ يَكُ حُبّهمْ رَشَدًا أُصِبْهُ وَلَسْت بِمُخْطِئٍ إنْ كَانَ غَيًّا قَالُوا : وَلَا شَكَّ أَنَّ أَبَا الْأَسْوَد لَمْ يَكُنْ شَاكًّا فِي أَنَّ حُبّ مَنْ سَمَّى رُشْد , وَلَكِنَّهُ أُبْهِمَ عَلَى مَنْ خَاطَبَهُ بِهِ . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَد أَنَّهُ لَمَّا قَالَ هَذِهِ الْأَبْيَات قِيلَ لَهُ : شَكَكْت ؟ فَقَالَ : كَلَّا وَاَللَّه ! ثُمَّ انْتَزَعَ بِقَوْلِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ { وَإِنَّا أَوْ إيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَال مُبِين } 34 24 فَقَالَ : أَوْ كَانَ شَاكًّا مَنْ أَخْبَرَ بِهَذَا فِي الْهَادِي مِنْ الضَّلَال ؟ وَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ كَقَوْلِ الْقَائِل : مَا أَطْعَمْتُك إلَّا حُلْوًا أَوْ حَامِضًا , وَقَدْ أَطْعَمَهُ النَّوْعَيْنِ جَمِيعًا . فَقَالُوا : فَقَائِل ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ شَاكًّا أَنَّهُ قَدْ أَطْعَمَ صَاحِبه الْحُلْو وَالْحَامِض كِلَيْهِمَا , وَلَكِنَّهُ أَرَادَ الْخَيْر عَمَّا أَطْعَمَهُ إيَّاهُ أَنَّهُ لَمْ يَخْرَج عَنْ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ . قَالُوا : فَكَذَلِكَ قَوْله : { فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدّ قَسْوَة } إنَّمَا مَعْنَاهُ : فَقُلُوبهمْ لَا تَخْرَج مِنْ أَحَد هَذَيْنِ الْمَثَلَيْنِ إمَّا أَنْ تَكُون مَثَلًا لِلْحِجَارَةِ فِي الْقَسْوَة , وَإِمَّا أَنْ تَكُون أَشَدّ مِنْهَا قَسْوَة . وَمَعْنَى ذَلِكَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيل : فَبَعْضهَا كَالْحِجَارَةِ قَسْوَة , وَبَعْضهَا أَشَدّ قَسْوَة مِنْ الْحِجَارَة . وَقَالَ بَعْضهمْ : " أَوْ " فِي قَوْله : { أَوْ أَشَدّ قَسْوَة } بِمَعْنَى : وَأَشَدّ قَسْوَة , كَمَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا } 76 24 بِمَعْنَى : وَكَفُورًا . وَكَمَا قَالَ جَرِير بْن عَطِيَّة : نَالَ الْخَلَاقَة أَوْ كَانَتْ لَهُ قَدَرًا كَمَا أَتَى رَبّه مُوسَى عَلَى قَدَر يَعْنِي نَالَ الْخِلَافَة وَكَانَتْ لَهُ قَدَرًا . وَكَمَا قَالَ النَّابِغَة : قَالَتْ أَلَا لَيْتُمَا هَذَا الْحَمَام لَنَا إلَى حَمَامَتنَا أَوْ نِصْفه فَقَدْ يُرِيد وَنِصْفه وَقَالَ آخَرُونَ : " أَوْ " فِي هَذَا الْمَوْضِع بِمَعْنَى " بَلْ " , فَكَانَ تَأْوِيله عِنْدهمْ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ بَلْ أَشَدّ قَسْوَة , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَأَرْسَلْنَاهُ إلَى مِائَة أَلْف أَوْ يَزِيدُونَ } 37 147 بِمَعْنَى : بَلْ يَزِيدُونَ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدّ قَسْوَة عِنْدكُمْ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَلِكُلٍّ مِمَّا قِيلَ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَال الَّتِي حُكِينَا وَجْه وَمَخْرَج فِي كَلَام الْعَرَب , غَيْر أَنَّ أَعْجَب الْأَقْوَال إلَيَّ فِي ذَلِكَ مَا قُلْنَاهُ أَوَّلًا , ثُمَّ الْقَوْل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَمَّنْ وَجْه ذَلِكَ إلَى أَنَّهُ بِمَعْنًى : فَهِيَ أَوَجْه فِي الْقَسْوَة مِنْ أَنْ تَكُون كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدّ , عَلَى تَأْوِيل أَنَّ مِنْهَا كَالْحِجَارَةِ , وَمِنْهَا أَشَدّ قَسْوَة ; لِأَنَّ " أَوْ " وَإِنْ اُسْتُعْمِلَتْ فِي أَمَاكِن مِنْ أَمَاكِن الْوَاو حَتَّى يَلْتَبِس مَعْنَاهَا وَمَعْنَى الْوَاو لِتَقَارُبِ مَعْنَيَيْهِمَا فِي بَعْض تِلْكَ الْأَمَاكِن , فَإِنَّ أَصْلهَا أَنْ تَأْتِي بِمَعْنَى أَحَد الِاثْنَيْنِ , فَتَوْجِيههَا إلَى أَصْلهَا مَنْ وَجَدَ إلَى ذَلِكَ سَبِيلًا أَعْجَب إلَيَّ مِنْ إخْرَاجهَا عَنْ أَصْلهَا وَمَعْنَاهَا الْمَعْرُوف لَهَا . قَالَ : وَأَمَّا الرَّفْع فِي قَوْله : { أَوْ أَشَدّ قَسْوَة } فَمِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا أَنْ يَكُون عَطْفًا عَلَى مَعْنَى الْكَاف الَّتِي فِي قَوْله : { كَالْحِجَارَةِ } لِأَنَّ مَعْنَاهَا الرَّفْع , وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَاهَا مَعْنَى مِثْل : فَهِيَ مِثْل الْحِجَارَة أَوْ أَشَدّ قَسْوَة مِنْ الْحِجَارَة . وَالْوَجْه الْآخَر : أَنْ يَكُون مَرْفُوعًا عَلَى مَعْنَى تَكْرِير " هِيَ " عَلَيْهِ فَيَكُون تَأْوِيل ذَلِكَ : فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ هِيَ أَشَدّ قَسْوَة مِنْ الْحِجَارَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَة لَمَا يَتَفَجَّر مِنْهُ الْأَنْهَار } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْره : { وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَة لَمَا يَتَفَجَّر مِنْهُ الْأَنْهَار } وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَة حِجَارَة يَتَفَجَّر مِنْهَا الْمَاء الَّذِي تَكُون مِنْهُ الْأَنْهَار , فَاسْتَغْنَى بِذِكْرِ الْمَاء عَنْ ذِكْر الْأَنْهَار , وَإِنَّمَا ذَكَرَ فَقَالَ " وَمِنْهُ " لِلَفْظِ " مَا " . وَالتَّفَجُّر : التَّفَعُّل مِنْ فَجَّرَ الْمَاء , وَذَلِكَ إذَا تَنَزَّلَ خَارِجًا مِنْ مَنْبَعه , وَكُلّ سَائِل شَخْص خَارِجًا مِنْ مَوْضِعه وَمَكَانه فَقَدْ انْفَجَرَ مَاء كَانَ ذَلِكَ أَوْ دَمًا أَوْ صَدِيدًا أَوْ غَيْر ذَلِكَ , وَمِنْهُ قَوْل عُمَر بْن لجأ : وَلَمَّا أَنْ قُرِنْت إلَى جَرِير أَبَى ذُو بَطْنه إلَّا انْفِجَارَا يَعْنِي : إلَّا خُرُوجًا وَسَيَلَانًا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّق فَيَخْرُج مِنْهُ الْمَاء } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَة تَشَّقَّق . وَتَشَقُّقهَا : تَصَدُّعهَا . وَإِنَّمَا هِيَ : لَمَا يَتَشَقَّق , وَلَكِنَّ التَّاء أُدْغِمَتْ فِي الشِّين فَصَارَتْ شِينًا مُشَدَّدَة . وَقَوْله : { فَيَخْرُج مِنْهُ الْمَاء } فَيَكُون عَيْنًا نَابِعَة وَأَنْهَارًا جَارِيَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِط مِنْ خَشْيَة اللَّه } . قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَة لَمَا يَهْبِط : أَيْ يَتَرَدَّى مِنْ رَأْس الْجَبَل إلَى الْأَرْض وَالسَّفْح مِنْ خَوْف اللَّه وَخَشْيَته . وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى مَعْنَى الْهُبُوط فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَأُدْخِلَتْ هَذِهِ اللَّامَّات اللَّوَاتِي فِي " مَا " تَوْكِيدًا لِلْخَبَرِ . وَإِنَّمَا وَصَفَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره الْحِجَارَة بِمَا وَصَفَهَا بِهِ مِنْ أَنَّ مِنْهَا الْمُتَفَجِّر مِنْهُ الْأَنْهَار , وَأَنَّ مِنْهَا الْمُتَشَقِّق بِالْمَاءِ , وَأَنَّ مِنْهَا الْهَابِط مِنْ خَشْيَة اللَّه بَعْد الَّذِي جَعَلَ مِنْهَا لِقُلُوبِ الَّذِينَ أَخْبَرَ عَنْ قَسْوَة قُلُوبهمْ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل مَثَلًا , مَعْذِرَة مِنْهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَهَا دُون الَّذِينَ أَخْبَرَ عَنْ قَسْوَة قُلُوبهمْ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل إذْ كَانُوا بِالصِّفَّةِ الَّتِي وَصَفَهُمْ اللَّه بِهَا مِنْ التَّكْذِيب بِرَسْلِهِ وَالْجُحُود لِآيَاتِهِ بَعْد الَّذِي أَرَاهُمْ مِنْ الْآيَات وَالْعِبَر وَعَايَنُوا مِنْ عَجَائِب الْأَدِلَّة وَالْحِجَج مَعَ مَا أَعْطَاهُمْ تَعَالَى ذِكْره مِنْ صِحَّة الْعُقُول وَمَنْ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ سَلَامَة النَّفُوس الَّتِي لَمْ يُعْطِهَا الْحَجَر وَالْمَدَر , ثُمَّ هُوَ مَعَ ذَلِكَ مِنْهُ مَا يَتَفَجَّر بِالْأَنْهَارِ وَمِنْهُ مَا يَتَشَقَّق بِالْمَاءِ وَمِنْهُ مَا يَهْبِط مِنْ خَشْيَة اللَّه , فَأَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْره أَنَّ مِنْ الْحِجَارَة مَا هُوَ أَلْيَن مِنْ قُلُوبهمْ لِمَا يَدْعُونَ إلَيْهِ مِنْ الْحَقّ . كَمَا : 1090 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1091 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبكُمْ مِنْ بَعْد ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدّ قَسْوَة وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَة لَمَا يَتَفَجَّر مِنْهُ الْأَنْهَار وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّق فَيَخْرُج مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِط مِنْ خَشْيَة اللَّه } قَالَ : كُلّ حَجَر يَتَفَجَّر مِنْهُ الْمَاء أَوْ يَتَشَقَّق عَنْ مَاء , أَوْ يَتَرَدَّى مِنْ رَأْس جَبَل , فَهُوَ مِنْ خَشْيَة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , نَزَلَ بِذَلِكَ الْقُرْآن . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . 1092 - حَدَّثَنِي بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدّ قَسْوَة } ثُمَّ عَذَرَ الْحِجَارَة وَلَمْ يَعْذُر شَقِيّ ابْن آدَم , فَقَالَ : { وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَة لَمَا يَتَفَجَّر مِنْهُ الْأَنْهَار وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّق فَيَخْرُج مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِط مِنْ خَشْيَة اللَّه } . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَحَبْرنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ مِثْله . 1093 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : ثُمَّ عَذَرَ اللَّه الْحِجَارَة قَالَ : { وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَة لَمَا يَتَفَجَّر مِنْهُ الْأَنْهَار وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّق فَيَخْرُج مِنْهُ الْمَاء } . 1094 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ : فِيهَا كُلّ حَجَر انْفَجَرَ مِنْهُ مَاء أَوْ تَشَقَّقَ عَنْ مَاء أَوْ تَرَدَّى مِنْ جَبَل , فَمِنْ خَشْيَة اللَّه نَزَلَ بِهِ الْقُرْآن . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل النَّحْو فِي مَعْنَى هُبُوط مَا هَبَطَ مِنْ الْحِجَارَة مِنْ خَشْيَة اللَّه . فَقَالَ بَعْضهمْ : إنَّ هُبُوط مَا هَبَطَ مِنْهَا مِنْ خَشْيَة اللَّه : تَفَيُّؤ ظِلَاله . وَقَالَ آخَرُونَ : ذَلِكَ الْجَبَل الَّذِي صَارَ دَكًّا إذْ تَجَلَّى لَهُ رَبّه . وَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ وَيَكُون بِأَنَّ اللَّه جَلَّ ذِكْره أَعْطَى بَعْض الْحِجَارَة الْمَعْرِفَة وَالْفَهْم , فَعَقَلَ طَاعَة اللَّه فَأَطَاعَهُ ; كَاَلَّذِي رُوِيَ عَنْ الْجِذْع الَّذِي كَانَ يَسْتَنِد إلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا خَطَبَ فَلَمَّا تَحَوَّلَ عَنْهُ حَنَّ . وَكَاَلَّذِي رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " إنَّ حَجَرًا كَانَ يُسَلِّم عَلَيَّ فِي الْجَاهِلِيَّة إنِّي لَأَعْرِفهُ الْآن " . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ قَوْله : { يَهْبِط مِنْ خَشْيَة اللَّه } كَقَوْلِهِ : { جِدَارًا يُرِيد أَنْ يَنْقَضّ } وَلَا إرَادَة لَهُ , قَالُوا : وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ عِظَم أَمْر اللَّه يُرَى كَأَنَّهُ هَابِط خَاشِع مِنْ ذُلّ خَشْيَة اللَّه , كَمَا قَالَ زَيْد الْخَيْل : بِجَمْعٍ تَضِلّ الْبُلْق فِي حَجَرَاته تَرَى الْأُكْم فِيهَا سُجَّدًا لِلْحَوَافِرِ وَكَمَا قَالَ سُوَيْدُ بْن أَبِي كَاهِل يَصِف عَدُوًّا لَهُ يُرِيد أَنَّهُ ذَلِيل : سَاجِد الْمَنْخَر لَا يَرْفَعهُ خَاشِع الطَّرْف أَصَمّ الْمُسْتَمَع وَكَمَا قَالَ جَرِير بْن عَطِيَّة : لَمَّا أَتَى خَبَر الرَّسُول تَضَعْضَعَتْ سُوَر الْمَدِينَة وَالْجِبَال الْخُشَّع وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى قَوْله : { يَهْبِط مِنْ خَشْيَة اللَّه } أَيْ يُوجِب الْخَشْيَة لِغَيْرِهِ بِدَلَالَتِهِ عَلَى صَانِعه كَمَا قِيلَ : نَاقَة تَاجِرَة : إذَا كَانَتْ مِنْ نَجَابَتهَا وَفَرَاهَتهَا تَدْعُو النَّاس إلَى الرَّغْبَة فِيهَا , كَمَا قَالَ جَرِير بْن عَطِيَّة : وَأَعْوَر مِنْ نَبْهَان أَمَّا نَهَاره فَأَعْمَى وَأَمَّا لَيْله فَبَصِير فَجَعَلَ الصِّفَة لِلَّيْلِ وَالنَّهَار , وَهُوَ يُرِيد بِذَلِكَ صَاحِبه النبهاني الَّذِي يَهْجُوهُ , مِنْ أَجْل أَنَّهُ فِيهِمَا كَانَ مَا وَصَفَهُ بِهِ . وَهَذِهِ الْأَقْوَال وَإِنْ كَانَتْ غَيْر بَعِيدَات الْمَعْنَى مِمَّا تَحْتَمِلهُ الْآيَة مِنْ التَّأْوِيل , فَإِنَّ تَأْوِيل أَهْل التَّأْوِيل مِنْ عُلَمَاء سَلَفَ الْأُمَّة بِخِلَافِهَا ; فَلِذَلِكَ لَمْ نَسْتَجِز صَرْف تَأْوِيل الْآيَة إلَى مَعْنًى مِنْهَا . وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى مَعْنَى الْخَشْيَة , وَأَنَّهَا الرَّهْبَة وَالْمَخَافَة , فَكَرِهْنَا إعَادَة ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِع .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا اللَّه بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَمَا اللَّه بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } وَمَا اللَّه بِغَافِلٍ يَا مَعْشَر الْمُكَذِّبِينَ بِآيَاتِهِ وَالْجَاحِدِينَ نُبُوَّة رَسُوله مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , والمتقولين عَلَيْهِ الْأَبَاطِيل مِنْ بَنِي إسْرَائِيل وَأَحْبَار الْيَهُود , عَمَّا تَعْمَلُونَ مِنْ أَعْمَالكُمْ الْخَبِيثَة وَأَفْعَالكُمْ الرَّدِيئَة ; وَلَكِنَّهُ يُحْصِيهَا عَلَيْكُمْ , فَيُجَازِيكُمْ بِهَا فِي الْآخِرَة أَوْ يُعَاقِبكُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا . وَأَصْل الْغَفْلَة عَنْ الشَّيْء : تَرْكه عَلَى وَجْه السَّهْو عَنْهُ وَالنِّسْيَان لَهُ , فَأَخْبَرَهُمْ تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُ غَيْر غَافِل عَنْ أَفْعَالهمْ الْخَبِيثَة وَلَا سَاهٍ عَنْهَا , بَلْ هُوَ لَهَا مُحْصٍ , وَلَهَا حَافِظ .
أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ } يَعْنِي بِقَوْلِهِ حَلَّ ثَنَاؤُهُ : { أَفَتَطْمَعُونَ } يَا أَصْحَاب مُحَمَّد , أَيْ أَفَتَرْجُونَ يَا مَعْشَر الْمُؤْمِنِينَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُصَدِّقِينَ مَا جَاءَكُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه أَنْ يُؤْمِن لَكُمْ يَهُود بَنِي إسْرَائِيل ؟ وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ } أَنْ يُصَدِّقُوكُمْ بِمَا جَاءَكُمْ بِهِ نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّد مِنْ عِنْد رَبّكُمْ . كَمَا : 1095 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , عَنْ ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله { أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ } يَعْنِي أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ , يَقُول : أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِن لَكُمْ الْيَهُود ؟ . 1096 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ } الْآيَة , قَالَ : هُمْ الْيَهُود .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَدْ كَانَ فَرِيق مِنْهُمْ } . قَالَ أَبُو جَعْفَر : أَمَّا الْفَرِيق فَجَمْع كَالطَّائِفَةِ لَا وَاحِد لَهُ مِنْ لَفْظه , وَهُوَ فَعِيل مِنْ التَّفَرُّق سُمِّيَ بِهِ الْجِمَاع كَمَا سُمِّيَتْ الْجَمَاعَة بِالْحِزْبِ مِنْ التَّحَزُّب وَمَا أَشَبَه ذَلِكَ , وَمِنْهُ قَوْل أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَة : أَجَدُّوا فَلَمَّا خِفْت أَنْ يَتَفَرَّقُوا فَرِيقَيْنِ مِنْهُمْ مُصْعَد وَمُصَوِّب يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { مِنْهُمْ } مِنْ بَنِي إسْرَائِيل . وَإِنَّمَا جَعَلَ اللَّه الَّذِينَ كَانُوا عَلَى عَهْد مُوسَى وَمِنْ بَعْدهمْ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل مِنْ الْيَهُود الَّذِينَ قَالَ اللَّه لِأَصْحَابِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ } لِأَنَّهُمْ كَانُوا آبَاؤُهُمْ وَأَسْلَافهمْ , فَجَعَلَهُمْ مِنْهُمْ إذْ كَانُوا عَشَائِرهمْ وَفَرَطهمْ وَأَسْلَافهمْ , كَمَا يَذْكُر الرَّجُل الْيَوْم الرَّجُل وَقَدْ مَضَى عَلَى مِنْهَاج الذَّاكِر وَطَرِيقَته وَكَانَ مِنْ قَوْمه وَعَشِيرَته , فَيَقُول : كَانَ مِنَّا فُلَان ; يَعْنِي أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَهْل طَرِيقَته أَوْ مَذْهَبه أَوْ مِنْ قَوْمه وَعَشِيرَته ; فَكَذَلِكَ قَوْله : { وَقَدْ كَانَ فَرِيق مِنْهُمْ } .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَسْمَعُونَ كَلَام اللَّه ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْد مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } . اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِينَ عَنَى اللَّه بِقَوْلِهِ : { وَقَدْ كَانَ فَرِيق مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَام اللَّه ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْد مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } . فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 1097 - حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبَى نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيق مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَام اللَّه ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْد مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } فَاَلَّذِينَ يُحَرِّفُونَهُ وَاَلَّذِينَ يَكْتُمُونَهُ : هُمْ الْعُلَمَاء مِنْهُمْ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد بِنَحْوِهِ . 1098 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيق مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَام اللَّه ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْد مَا عَقَلُوهُ } قَالَ : هِيَ التَّوْرَاة حَرَّفُوهَا . 1099 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { يَسْمَعُونَ كَلَام اللَّه ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ } قَالَ : التَّوْرَاة الَّتِي أَنَزَلَهَا عَلَيْهِمْ يُحَرِّفُونَهَا , يَجْعَلُونَ الْحَلَال فِيهَا حَرَامًا وَالْحَرَام فِيهَا حَلَالًا , وَالْحَقّ فِيهَا بَاطِلًا وَالْبَاطِل فِيهَا حَقًّا , إذَا جَاءَهُمْ الْمُحِقّ بِرِشْوَةٍ أَخَرَجُوا لَهُ كِتَاب اللَّه , وَإِذَا جَاءَهُمْ الْمُبْطِل بِرِشْوَةٍ أَخَرَجُوا لَهُ ذَلِكَ الْكِتَاب فَهُوَ فِيهِ مُحِقَ , وَإِنْ جَاءَ أَحَد يَسْأَلهُمْ شَيْئًا لَيْسَ فِيهِ حَقّ وَلَا رِشْوَة وَلَا شَيْء أَمَرُوهُ بِالْحَقِّ , فَقَالَ لَهُمْ : { أَتَأْمُرُونَ النَّاس بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَاب أَفَلَا تَعْقِلُونَ } . 2 44 وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا : 1100 - حَدِيث عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { وَقَدْ كَانَ فَرِيق مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَام اللَّه ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْد مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } فَكَانُوا يَسْمَعُونَ مِنْ ذَلِكَ كَمَا يَسْمَع أَهْل النُّبُوَّة , ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْد مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ . 1101 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق فِي قَوْله : { وَقَدْ كَانَ فَرِيق مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَام اللَّه } الْآيَة , قَالَ : لَيْسَ قَوْله : { يَسْمَعُونَ كَلَام اللَّه } يَسْمَعُونَ التَّوْرَاة , كُلّهمْ قَدْ سَمِعَهَا ; وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ سَأَلُوا مُوسَى رُؤْيَة رَبّهمْ , فَأَخَذَتْهُمْ الصَّاعِقَة فِيهَا . 1102 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إسْحَاق , قَالَ : بَلَغَنِي عَنْ بَعْض أَهْل الْعِلْم أَنَّهُمْ قَالُوا لِمُوسَى : يَا مُوسَى قَدْ حِيلَ بَيْننَا وَبَيْن رُؤْيَة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , فَأَسْمِعْنَا كَلَامه حِين يُكَلِّمك ! فَطَلَب ذَلِكَ مُوسَى إلَى رَبّه , فَقَالَ : نَعَمْ , فَمُرْهُمْ فَلِيَتَطَهَّرُوا وَلْيُطَهِّرُوا ثِيَابهمْ وَيَصُومُوا ! فَفَعَلُوا , ثُمَّ خَرَجَ بِهِمْ حَتَّى أَتَى الطُّور , فَلَمَّا غَشِيَهُمْ الْغَمَام أَمَرَهُمْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام , فَوَقَعُوا سُجُودًا , وَكَلَّمَهُ رَبّه فَسَمِعُوا كَلَامه يَأْمُرهُمْ وَيَنْهَاهُمْ , حَتَّى عَقَلُوا مَا سَمِعُوا , ثُمَّ انْصَرَفَ بِهِمْ إلَى بَنِي إسْرَائِيل , فَلَمَّا جَاءُوهُمْ حَرَّفَ فَرِيق مِنْهُمْ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ , وَقَالُوا حِين قَالَ مُوسَى لِبَنِي إسْرَائِيل : إنَّ اللَّه قَدْ أَمَرَكُمْ بِكَذَا وَكَذَا , قَالَ ذَلِكَ الْفَرِيق الَّذِي ذَكَرَهُمْ اللَّه : إنَّمَا قَالَ كَذَا وَكَذَا خِلَافًا لِمَا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ . فَهُمْ الَّذِينَ عَنَى اللَّه لِرَسُولِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذُكِرَتْ بِالْآيَةِ وَأَشْبَهَهُمَا بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِر التِّلَاوَة , مَا قَالَهُ الرَّبِيع بْن أَنَس وَاَلَّذِي حَكَاهُ ابْن إسْحَاق عَنْ بَعْض أَهْل الْعِلْم , مِنْ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره إنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ مَنْ سَمِعَ كَلَامه مِنْ بَنِي إسْرَائِيل سَمَاع مُوسَى إيَّاهُ مِنْهُ ثُمَّ حَرَّفَ ذَلِكَ وَبَدَّلَ مِنْ بَعْد سَمَاعه وَعِلْمه بِهِ وَفَهْمه إيَّاهُ . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إنَّمَا أَخْبَرَ أَنَّ التَّحْرِيف كَانَ مِنْ فَرِيق مِنْهُمْ كَانُوا يَسْمَعُونَ كَلَام اللَّه عَزَّ وَجَلَّ اسْتِعْظَامًا مِنْ اللَّه لَمَّا كَانُوا يَأْتُونَ مِنْ الْبُهْتَان بَعْد تَوْكِيد الْحُجَّة عَلَيْهِمْ وَالْبُرْهَان , وَإِيذَانًا مِنْهُ تَعَالَى ذِكْره عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ وَقَطْع أَطْمَاعهمْ مِنْ إيمَان بَقَايَا نَسْلهمْ بِمَا أَتَاهُمْ بِهِ مُحَمَّد مِنْ الْحَقّ وَالنُّور وَالْهُدَى , فَقَالَ لَهُمْ : كَيْفَ تَطْمَعُونَ فِي تَصْدِيق هَؤُلَاءِ الْيَهُود إيَّاكُمْ وَإِنَّمَا تُخَيِّرُونَهُمْ بِاَلَّذِي تُخْبِرُونَهُمْ مِنْ الْإِنْبَاء عَنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْ غَيْب لَمْ يُشَاهِدُوهُ وَلَمْ يُعَايِنُونَ ؟ وَقَدْ كَانَ بَعْضهمْ يَسْمَع مِنْ اللَّه كَلَامه , وَأَمْره وَنَهْيه , ثُمَّ يُبَدِّلهُ وَيُحَرِّفهُ وَيَجْحَدهُ , فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ بَيْن أَظْهُركُمْ مِنْ بَقَايَا نَسْلهمْ أَحْرَى أَنْ يَجْحَدُوا مَا أَتَيْتُمُوهُمْ بِهِ مِنْ الْحَقّ وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَهُ مِنْ اللَّه , وَإِنَّمَا يَسْمَعُونَهُ مِنْكُمْ - وَأَقْرَب إلَى أَنْ يُحَرِّفُوا مَا فِي كُتُبهمْ مِنْ صِفَة نَبِيّكُمْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَعْته وَيُبَدِّلُوهُ وَهُمْ بِهِ عَالِمُونَ فَيَجْحَدُونَ وَيَكْذِبُوا - مِنْ أَوَائِلهمْ الَّذِينَ بَاشَرُوا كَلَام اللَّه مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ ثُمَّ حَرَّفُوهُ مِنْ بَعْد مَا عَقَلُوهُ وَعَلِمُوهُ مُتَعَمِّدِينَ التَّحْرِيف . وَلَوْ كَانَ تَأْوِيل الْآيَة عَلَى مَا قَالَهُ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُ عَنِّي بِقَوْلِهِ : { يَسْمَعُونَ كَلَام اللَّه } يَسْمَعُونَ التَّوْرَاة , لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ قَوْله : { يَسْمَعُونَ كَلَام اللَّه } مَعْنَى مَفْهُوم ; لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ سَمِعَهُ الْمُحَرِّف مِنْهُمْ وَغَيْر الْمُحَرِّف . فَخُصُوص الْمُحَرِّف مِنْهُمْ بِأَنَّهُ كَانَ يَسْمَع كَلَام اللَّه إنْ كَانَ التَّأْوِيل عَلَى مَا قَالَهُ الَّذِينَ ذَكَرْنَا قَوْلهمْ دُون غَيْرهمْ مِمَّنْ كَانَ يَسْمَع ذَلِكَ سَمَاعهمْ لَا مَعْنَى لَهُ . فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّمَا صَلَحَ أَنْ يُقَال ذَلِكَ لِقَوْلِهِ : { يُحَرِّفُونَهُ } فَقَدْ أَغَفَلَ وَجْه الصَّوَاب فِي ذَلِكَ . وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقِيلَ : أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيق مِنْهُمْ يُحَرِّفُونَ كَلَام اللَّه مِنْ بَعْد مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ; وَلَكِنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ عَنْ خَاصّ مِنْ الْيَهُود كَانُوا أُعْطُوا مِنْ مُبَاشَرَتهمْ سَمَاع كَلَام اللَّه تَعَالَى مَا لَمْ يُعْطَهُ أَحَد غَيْر الْأَنْبِيَاء وَالرُّسُل , ثُمَّ بَدَّلُوا وَحَرَّفُوا مَا سَمِعُوا مِنْ ذَلِكَ , فَلِذَلِكَ وَصَفَهُمْ بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ لِلْخُصُوصِ الَّذِي كَانَ خَصَّ بِهِ هَؤُلَاءِ الْفَرِيق الَّذِي ذَكَرَهُمْ فِي كِتَابه تَعَالَى ذِكْره . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ } ثُمَّ يُبَدَّلُونَ مَعْنَاهُ , وَتَأْوِيله : وَيُغَيِّرُونَهُ . وَأَصْله مِنْ انْحِرَاف الشَّيْء عَنْ جِهَته , وَهُوَ مَيْله عَنْهَا إلَى غَيْرهَا . فَكَذَلِكَ قَوْله : { يُحَرِّفُونَهُ } أَيْ يُمِيلُونَهُ عَنْ وَجْهه , وَمَعْنَاهُ الَّذِي هُوَ مَعْنَاهُ إلَى غَيْره . فَأَخْبَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا فَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ عَلَى عِلْم مِنْهُمْ بِتَأْوِيلِ مَا حَرَّفُوا , وَأَنَّهُ بِخِلَافِ مَا حَرَّفُوهُ إلَيْهِ , فَقَالَ : { يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْد مَا عَقَلُوهُ } يَعْنِي مِنْ بَعْد مَا عَقَلُوا تَأْوِيله ; { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أَيْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ فِي تَحْرِيفهمْ مَا حَرَّفُوا مِنْ ذَلِكَ مُبْطِلُونَ كَاذِبُونَ . وَذَلِكَ إخْبَار مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ إقْدَامهمْ عَلَى الْبَهَت , وَمُنَاصَبَتهمْ الْعَدَاوَة لَهُ وَلِرَسُولِهِ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَنَّ بَقَايَاهُمْ مِنْ مُنَاصَبَتهمْ الْعَدَاوَة لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَغْيًا وَحَسَدًا عَلَى مِثْل الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ أَوَائِلهمْ مِنْ ذَلِكَ فِي عَصْر مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَدْ كَانَ فَرِيق مِنْهُمْ } . قَالَ أَبُو جَعْفَر : أَمَّا الْفَرِيق فَجَمْع كَالطَّائِفَةِ لَا وَاحِد لَهُ مِنْ لَفْظه , وَهُوَ فَعِيل مِنْ التَّفَرُّق سُمِّيَ بِهِ الْجِمَاع كَمَا سُمِّيَتْ الْجَمَاعَة بِالْحِزْبِ مِنْ التَّحَزُّب وَمَا أَشَبَه ذَلِكَ , وَمِنْهُ قَوْل أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَة : أَجَدُّوا فَلَمَّا خِفْت أَنْ يَتَفَرَّقُوا فَرِيقَيْنِ مِنْهُمْ مُصْعَد وَمُصَوِّب يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { مِنْهُمْ } مِنْ بَنِي إسْرَائِيل . وَإِنَّمَا جَعَلَ اللَّه الَّذِينَ كَانُوا عَلَى عَهْد مُوسَى وَمِنْ بَعْدهمْ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل مِنْ الْيَهُود الَّذِينَ قَالَ اللَّه لِأَصْحَابِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ } لِأَنَّهُمْ كَانُوا آبَاؤُهُمْ وَأَسْلَافهمْ , فَجَعَلَهُمْ مِنْهُمْ إذْ كَانُوا عَشَائِرهمْ وَفَرَطهمْ وَأَسْلَافهمْ , كَمَا يَذْكُر الرَّجُل الْيَوْم الرَّجُل وَقَدْ مَضَى عَلَى مِنْهَاج الذَّاكِر وَطَرِيقَته وَكَانَ مِنْ قَوْمه وَعَشِيرَته , فَيَقُول : كَانَ مِنَّا فُلَان ; يَعْنِي أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَهْل طَرِيقَته أَوْ مَذْهَبه أَوْ مِنْ قَوْمه وَعَشِيرَته ; فَكَذَلِكَ قَوْله : { وَقَدْ كَانَ فَرِيق مِنْهُمْ } .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَسْمَعُونَ كَلَام اللَّه ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْد مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } . اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِينَ عَنَى اللَّه بِقَوْلِهِ : { وَقَدْ كَانَ فَرِيق مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَام اللَّه ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْد مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } . فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 1097 - حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبَى نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيق مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَام اللَّه ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْد مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } فَاَلَّذِينَ يُحَرِّفُونَهُ وَاَلَّذِينَ يَكْتُمُونَهُ : هُمْ الْعُلَمَاء مِنْهُمْ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد بِنَحْوِهِ . 1098 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيق مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَام اللَّه ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْد مَا عَقَلُوهُ } قَالَ : هِيَ التَّوْرَاة حَرَّفُوهَا . 1099 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { يَسْمَعُونَ كَلَام اللَّه ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ } قَالَ : التَّوْرَاة الَّتِي أَنَزَلَهَا عَلَيْهِمْ يُحَرِّفُونَهَا , يَجْعَلُونَ الْحَلَال فِيهَا حَرَامًا وَالْحَرَام فِيهَا حَلَالًا , وَالْحَقّ فِيهَا بَاطِلًا وَالْبَاطِل فِيهَا حَقًّا , إذَا جَاءَهُمْ الْمُحِقّ بِرِشْوَةٍ أَخَرَجُوا لَهُ كِتَاب اللَّه , وَإِذَا جَاءَهُمْ الْمُبْطِل بِرِشْوَةٍ أَخَرَجُوا لَهُ ذَلِكَ الْكِتَاب فَهُوَ فِيهِ مُحِقَ , وَإِنْ جَاءَ أَحَد يَسْأَلهُمْ شَيْئًا لَيْسَ فِيهِ حَقّ وَلَا رِشْوَة وَلَا شَيْء أَمَرُوهُ بِالْحَقِّ , فَقَالَ لَهُمْ : { أَتَأْمُرُونَ النَّاس بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَاب أَفَلَا تَعْقِلُونَ } . 2 44 وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا : 1100 - حَدِيث عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { وَقَدْ كَانَ فَرِيق مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَام اللَّه ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْد مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } فَكَانُوا يَسْمَعُونَ مِنْ ذَلِكَ كَمَا يَسْمَع أَهْل النُّبُوَّة , ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْد مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ . 1101 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق فِي قَوْله : { وَقَدْ كَانَ فَرِيق مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَام اللَّه } الْآيَة , قَالَ : لَيْسَ قَوْله : { يَسْمَعُونَ كَلَام اللَّه } يَسْمَعُونَ التَّوْرَاة , كُلّهمْ قَدْ سَمِعَهَا ; وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ سَأَلُوا مُوسَى رُؤْيَة رَبّهمْ , فَأَخَذَتْهُمْ الصَّاعِقَة فِيهَا . 1102 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إسْحَاق , قَالَ : بَلَغَنِي عَنْ بَعْض أَهْل الْعِلْم أَنَّهُمْ قَالُوا لِمُوسَى : يَا مُوسَى قَدْ حِيلَ بَيْننَا وَبَيْن رُؤْيَة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , فَأَسْمِعْنَا كَلَامه حِين يُكَلِّمك ! فَطَلَب ذَلِكَ مُوسَى إلَى رَبّه , فَقَالَ : نَعَمْ , فَمُرْهُمْ فَلِيَتَطَهَّرُوا وَلْيُطَهِّرُوا ثِيَابهمْ وَيَصُومُوا ! فَفَعَلُوا , ثُمَّ خَرَجَ بِهِمْ حَتَّى أَتَى الطُّور , فَلَمَّا غَشِيَهُمْ الْغَمَام أَمَرَهُمْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام , فَوَقَعُوا سُجُودًا , وَكَلَّمَهُ رَبّه فَسَمِعُوا كَلَامه يَأْمُرهُمْ وَيَنْهَاهُمْ , حَتَّى عَقَلُوا مَا سَمِعُوا , ثُمَّ انْصَرَفَ بِهِمْ إلَى بَنِي إسْرَائِيل , فَلَمَّا جَاءُوهُمْ حَرَّفَ فَرِيق مِنْهُمْ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ , وَقَالُوا حِين قَالَ مُوسَى لِبَنِي إسْرَائِيل : إنَّ اللَّه قَدْ أَمَرَكُمْ بِكَذَا وَكَذَا , قَالَ ذَلِكَ الْفَرِيق الَّذِي ذَكَرَهُمْ اللَّه : إنَّمَا قَالَ كَذَا وَكَذَا خِلَافًا لِمَا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ . فَهُمْ الَّذِينَ عَنَى اللَّه لِرَسُولِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذُكِرَتْ بِالْآيَةِ وَأَشْبَهَهُمَا بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِر التِّلَاوَة , مَا قَالَهُ الرَّبِيع بْن أَنَس وَاَلَّذِي حَكَاهُ ابْن إسْحَاق عَنْ بَعْض أَهْل الْعِلْم , مِنْ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره إنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ مَنْ سَمِعَ كَلَامه مِنْ بَنِي إسْرَائِيل سَمَاع مُوسَى إيَّاهُ مِنْهُ ثُمَّ حَرَّفَ ذَلِكَ وَبَدَّلَ مِنْ بَعْد سَمَاعه وَعِلْمه بِهِ وَفَهْمه إيَّاهُ . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إنَّمَا أَخْبَرَ أَنَّ التَّحْرِيف كَانَ مِنْ فَرِيق مِنْهُمْ كَانُوا يَسْمَعُونَ كَلَام اللَّه عَزَّ وَجَلَّ اسْتِعْظَامًا مِنْ اللَّه لَمَّا كَانُوا يَأْتُونَ مِنْ الْبُهْتَان بَعْد تَوْكِيد الْحُجَّة عَلَيْهِمْ وَالْبُرْهَان , وَإِيذَانًا مِنْهُ تَعَالَى ذِكْره عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ وَقَطْع أَطْمَاعهمْ مِنْ إيمَان بَقَايَا نَسْلهمْ بِمَا أَتَاهُمْ بِهِ مُحَمَّد مِنْ الْحَقّ وَالنُّور وَالْهُدَى , فَقَالَ لَهُمْ : كَيْفَ تَطْمَعُونَ فِي تَصْدِيق هَؤُلَاءِ الْيَهُود إيَّاكُمْ وَإِنَّمَا تُخَيِّرُونَهُمْ بِاَلَّذِي تُخْبِرُونَهُمْ مِنْ الْإِنْبَاء عَنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْ غَيْب لَمْ يُشَاهِدُوهُ وَلَمْ يُعَايِنُونَ ؟ وَقَدْ كَانَ بَعْضهمْ يَسْمَع مِنْ اللَّه كَلَامه , وَأَمْره وَنَهْيه , ثُمَّ يُبَدِّلهُ وَيُحَرِّفهُ وَيَجْحَدهُ , فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ بَيْن أَظْهُركُمْ مِنْ بَقَايَا نَسْلهمْ أَحْرَى أَنْ يَجْحَدُوا مَا أَتَيْتُمُوهُمْ بِهِ مِنْ الْحَقّ وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَهُ مِنْ اللَّه , وَإِنَّمَا يَسْمَعُونَهُ مِنْكُمْ - وَأَقْرَب إلَى أَنْ يُحَرِّفُوا مَا فِي كُتُبهمْ مِنْ صِفَة نَبِيّكُمْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَعْته وَيُبَدِّلُوهُ وَهُمْ بِهِ عَالِمُونَ فَيَجْحَدُونَ وَيَكْذِبُوا - مِنْ أَوَائِلهمْ الَّذِينَ بَاشَرُوا كَلَام اللَّه مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ ثُمَّ حَرَّفُوهُ مِنْ بَعْد مَا عَقَلُوهُ وَعَلِمُوهُ مُتَعَمِّدِينَ التَّحْرِيف . وَلَوْ كَانَ تَأْوِيل الْآيَة عَلَى مَا قَالَهُ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُ عَنِّي بِقَوْلِهِ : { يَسْمَعُونَ كَلَام اللَّه } يَسْمَعُونَ التَّوْرَاة , لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ قَوْله : { يَسْمَعُونَ كَلَام اللَّه } مَعْنَى مَفْهُوم ; لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ سَمِعَهُ الْمُحَرِّف مِنْهُمْ وَغَيْر الْمُحَرِّف . فَخُصُوص الْمُحَرِّف مِنْهُمْ بِأَنَّهُ كَانَ يَسْمَع كَلَام اللَّه إنْ كَانَ التَّأْوِيل عَلَى مَا قَالَهُ الَّذِينَ ذَكَرْنَا قَوْلهمْ دُون غَيْرهمْ مِمَّنْ كَانَ يَسْمَع ذَلِكَ سَمَاعهمْ لَا مَعْنَى لَهُ . فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّمَا صَلَحَ أَنْ يُقَال ذَلِكَ لِقَوْلِهِ : { يُحَرِّفُونَهُ } فَقَدْ أَغَفَلَ وَجْه الصَّوَاب فِي ذَلِكَ . وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقِيلَ : أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيق مِنْهُمْ يُحَرِّفُونَ كَلَام اللَّه مِنْ بَعْد مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ; وَلَكِنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ عَنْ خَاصّ مِنْ الْيَهُود كَانُوا أُعْطُوا مِنْ مُبَاشَرَتهمْ سَمَاع كَلَام اللَّه تَعَالَى مَا لَمْ يُعْطَهُ أَحَد غَيْر الْأَنْبِيَاء وَالرُّسُل , ثُمَّ بَدَّلُوا وَحَرَّفُوا مَا سَمِعُوا مِنْ ذَلِكَ , فَلِذَلِكَ وَصَفَهُمْ بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ لِلْخُصُوصِ الَّذِي كَانَ خَصَّ بِهِ هَؤُلَاءِ الْفَرِيق الَّذِي ذَكَرَهُمْ فِي كِتَابه تَعَالَى ذِكْره . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ } ثُمَّ يُبَدَّلُونَ مَعْنَاهُ , وَتَأْوِيله : وَيُغَيِّرُونَهُ . وَأَصْله مِنْ انْحِرَاف الشَّيْء عَنْ جِهَته , وَهُوَ مَيْله عَنْهَا إلَى غَيْرهَا . فَكَذَلِكَ قَوْله : { يُحَرِّفُونَهُ } أَيْ يُمِيلُونَهُ عَنْ وَجْهه , وَمَعْنَاهُ الَّذِي هُوَ مَعْنَاهُ إلَى غَيْره . فَأَخْبَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا فَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ عَلَى عِلْم مِنْهُمْ بِتَأْوِيلِ مَا حَرَّفُوا , وَأَنَّهُ بِخِلَافِ مَا حَرَّفُوهُ إلَيْهِ , فَقَالَ : { يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْد مَا عَقَلُوهُ } يَعْنِي مِنْ بَعْد مَا عَقَلُوا تَأْوِيله ; { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أَيْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ فِي تَحْرِيفهمْ مَا حَرَّفُوا مِنْ ذَلِكَ مُبْطِلُونَ كَاذِبُونَ . وَذَلِكَ إخْبَار مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ إقْدَامهمْ عَلَى الْبَهَت , وَمُنَاصَبَتهمْ الْعَدَاوَة لَهُ وَلِرَسُولِهِ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَنَّ بَقَايَاهُمْ مِنْ مُنَاصَبَتهمْ الْعَدَاوَة لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَغْيًا وَحَسَدًا عَلَى مِثْل الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ أَوَائِلهمْ مِنْ ذَلِكَ فِي عَصْر مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام .
وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا } أَمَّا قَوْله : { وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا } فَإِنَّهُ خَبَر مِنْ اللَّه جَلَّ ذِكْره عَنْ الَّذِينَ أَيْأَس أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إيمَانهمْ مِنْ يَهُود بَنِي إسْرَائِيل الَّذِينَ كَانَ فَرِيق مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَام اللَّه ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْد مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ , وَهُمْ الَّذِينَ إذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا آمَنَّا . يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُمْ إذَا لَقُوا الَّذِينَ صَدَقُوا بِاَللَّهِ وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه قَالُوا آمَنَّا ; أَيْ صَدَّقْنَا بِمُحَمَّدٍ وَبِمَا صَدَّقْتُمْ بِهِ وَأَقْرَرْنَا بِذَلِكَ . أَخْبَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُمْ تَخَلَّقُوا بِأَخْلَاقِ الْمُنَافِقِينَ وَسَلَكُوا مِنْهَاجهمْ . كَمَا : 1103 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدّه , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضهمْ إلَى بَعْض قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ } وَذَلِكَ أَنَّ نَفَرًا مِنْ الْيَهُود كَانُوا إذَا لَقُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا : آمَنَّا , وَإِذَا خَلَا بَعْضهمْ إلَى بَعْض قَالُوا : أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ . 1104 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن سَعِيد , عَنْ بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا } يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ مِنْ الْيَهُود كَانُوا إذَا لَقُوا أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا آمَنَّا . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْن عَبَّاس فِي تَأْوِيل ذَلِكَ قَوْل آخَر , وَهُوَ مَا : 1105 - حَدَّثَنَا بِهِ ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة بْن الْفَضْل , عَنْ مُحَمَّد بْن إسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , عَنْ عِكْرِمَة , أَوْ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا } أَيْ بِصَاحِبِكُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَكِنَّهُ إلَيْكُمْ خَاصَّة . 1106 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا } الْآيَة , قَالَ : هَؤُلَاءِ نَاس مِنْ الْيَهُود آمَنُوا ثُمَّ نَافَقُوا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا خَلَا بَعْضهمْ إلَى بَعْض قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْد رَبّكُمْ } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَإِذَا خَلَا بَعْضهمْ إلَى بَعْض } أَيْ إذَا خَلَا بَعْض هَؤُلَاءِ الْيَهُود الَّذِينَ وَصَفَ اللَّه صِفَتهمْ إلَى بَعْض مِنْهُمْ فَصَارُوا فِي خَلَاء مِنْ النَّاس غَيْرهمْ , وَذَلِكَ هُوَ الْمَوْضِع الَّذِي لَيْسَ فِيهِ غَيْرهمْ , قَالُوا - يَعْنِي قَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ - : أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ ؟ . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ } . فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 1107 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن سَعِيد , عَنْ بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَإِذَا خَلَا بَعْضهمْ إلَى بَعْض قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ } يَعْنِي بِمَا أَمَرَكُمْ اللَّه بِهِ , فَيَقُول الْآخَرُونَ : إنَّمَا نَسْتَهْزِئ بِهِمْ وَنَضْحَك . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 1108 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا } أَيْ بِصَاحِبِكُمْ رَسُول اللَّه , وَلَكِنَّهُ إلَيْكُمْ خَاصَّة , وَإِذَا خَلَا بَعْضهمْ إلَى بَعْض قَالُوا : لَا تُحَدِّثُوا الْعَرَب بِهَذَا فَإِنَّكُمْ قَدْ كُنْتُمْ تَسْتَفْتِحُونَ بِهِ عَلَيْهِمْ , فَكَانَ مِنْهُمْ . فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا , وَإِذَا خَلَا بَعْضهمْ إلَى بَعْض قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْد رَبّكُمْ } أَيْ تُقِرُّونَ بِأَنَّهُ نَبِيّ , وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ قَدْ أَخَذَ لَهُ الْمِيثَاق عَلَيْكُمْ بِاتِّبَاعِهِ , وَهُوَ يُخْبِرهُمْ أَنَّهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كُنَّا نَنْتَظِر وَنَجِدهُ فِي كِتَابنَا ؟ اجْحَدُوهُ وَلَا تُقِرُّوا لَهُمْ بِهِ . يَقُول اللَّه : { أَوَ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّه يَعْلَم مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } . 1109 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ } أَيْ بِمَا أَنَزَلَ اللَّه عَلَيْكُمْ فِي كِتَابكُمْ مِنْ نَعْت مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 1110 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ } أَيْ بِمَا مِنْ اللَّه عَلَيْكُمْ فِي كِتَابكُمْ مِنْ نَعْت مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ احْتَجُّوا بِهِ عَلَيْكُمْ { أَفَلَا تَعْقِلُونَ } ؟ . 1111 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ : { أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ } لِيَحْتَجُّوا بِهِ عَلَيْكُمْ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , قَالَ : قَالَ قَتَادَةَ : { أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ } يَعْنِي بِمَا أَنَزَلَ اللَّه عَلَيْكُمْ مِنْ أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَعْته . وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا : 1112 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد : { بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْد رَبّكُمْ } قَالَ : قَوْل يَهُود بَنِي قُرَيْظَة حِين سَبَّهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُمْ إخْوَة الْقِرَدَة وَالْخَنَازِير , قَالُوا : مَنْ حَدَّثَك ؟ هَذَا حِين أَرْسَلَ إلَيْهِمْ عَلِيًّا فَآذَوْا مُحَمَّدًا , فَقَالَ : " يَا إخْوَة الْقِرَدَة وَالْخَنَازِير " . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حَذِيقَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله ; إلَّا أَنَّهُ قَالَ : هَذَا حِين أَرْسَلَ إلَيْهِمْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . وَآذَوْا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " اخْسَئُوا يَا إخْوَة الْقِرَدَة وَالْخَنَازِير " . 1113 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنِي الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : أَخْبَرَنِي الْقَاسِم بْن أَبِي بزة , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله , { أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ } قَالَ : قَامَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم قُرَيْظَة تَحْت حُصُونهمْ , فَقَالَ : " يَا إخْوَان الْقِرَدَة وَيَا إخْوَان الْخَنَازِير وَيَا عَبَدَة الطَّاغُوت " فَقَالُوا : مَنْ أَخْبَرَ هَذَا مُحَمَّدًا ؟ مَا خَرَجَ هَذَا إلَّا مِنْكُمْ { أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ } بِمَا حَكَمَ اللَّه لِلْفَتْحِ لِيَكُونَ لَهُمْ حُجَّة عَلَيْكُمْ ; قَالَ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد : هَذَا حِين أَرْسَلَ إلَيْهِمْ عَلِيًّا فَآذَوْا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 1114 - حَدَّثَنَا مُوسَى : قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ } مِنْ الْعَذَاب لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْد رَبّكُمْ ؟ هَؤُلَاءِ نَاس مِنْ الْيَهُود آمَنُوا ثُمَّ نَافَقُوا , فَكَانُوا يُحَدِّثُونَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْعَرَب بِمَا عُذِّبُوا بِهِ , فَقَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ مِنْ الْعَذَاب لِيَقُولُوا نَحْنُ أَحَبّ إلَى اللَّه مِنْكُمْ , وَأَكْرَم عَلَى اللَّه مِنْكُمْ ؟ وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 1115 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَإِذَا خَلَا بَعْضهمْ إلَى بَعْض قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْد رَبّكُمْ } قَالَ : كَانُوا إذَا سُئِلُوا عَنْ الشَّيْء قَالُوا : أَمَا تَعْلَمُونَ فِي التَّوْرَاة كَذَا وَكَذَا ؟ قَالُوا : بَلَى . قَالَ : وَهُمْ يَهُود , فَيَقُول لَهُمْ رُؤَسَاؤُهُمْ الَّذِينَ يَرْجِعُونَ إلَيْهِمْ : مَا لَكُمْ تُخْبِرُونَهُمْ بِاَلَّذِي أَنَزَلَ اللَّه عَلَيْكُمْ فَيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْد رَبّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ؟ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا يَدْخُلَنَّ عَلَيْنَا قَصَبَة الْمَدِينَة إلَّا مُؤْمِن " فَقَالَ رُؤَسَاؤُهُمْ مِنْ أَهْل الْكُفْر وَالنِّفَاق : اذْهَبُوا فَقُولُوا آمَنَّا , وَاكْفُرُوا إذَا رَجَعْتُمْ . قَالَ : فَكَانُوا يَأْتُونَ الْمَدِينَة بِالْبَكَرِ وَيَرْجِعُونَ إلَيْهِمْ بَعْد الْعَصْر . وَقَرَأَ قَوْل اللَّه : { وَقَالَتْ طَائِفَة مِنْ أَهْل الْكِتَاب آمِنُوا بِاَلَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْه النَّهَار وَاكْفُرُوا آخِره لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } . 3 72 وَكَانُوا يَقُولُونَ إذَا دَخَلُوا الْمَدِينَة : نَحْنُ مُسْلِمُونَ , لِيَعْلَمُوا خَبَر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمْره ; وَإِذَا رَجَعُوا , رَجَعُوا إلَى الْكُفْر . فَلَمَّا أَخْبَرَ اللَّه نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ , قَطَعَ ذَلِكَ عَنْهُمْ فَلَمْ يَكُونُوا يَدْخُلُونَ . وَكَانَ الْمُومِنُونَ الَّذِينَ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ , فَيَقُولُونَ لَهُمْ : أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّه لَكُمْ كَذَا وَكَذَا ؟ فَيَقُولُونَ : بَلَى . فَإِذَا رَجَعُوا إلَى قَوْمهمْ { قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ } الْآيَة . وَأَصْل الْفَتْح فِي كَلَام الْعَرَب : النَّصْر وَالْقَضَاء وَالْحُكْم , يُقَال مِنْهُ : اللَّهُمَّ افْتَحْ بَيْنِي وَبَيْن فُلَان : أَيْ اُحْكُمْ بَيْنِي وَبَيْنه , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : أَلَا أَبْلِغْ بَنِي عُصَمٍ رَسُولًا بِأَنِّي عَنْ فُتَاَحَتِكُمْ غَنِيّ قَالَ : وَيُقَال لِلْقَاضِي : الْفَتَّاح , وَمِنْهُ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { رَبّنَا افْتَحْ بَيْننَا وَبَيْن قَوْمنَا بِالْحَقِّ وَأَنْت خَيْر الْفَاتِحِينَ } 7 89 أَيْ اُحْكُمْ بَيْننَا وَبَيْنهمْ . فَإِذَا كَانَ مَعْنَى الْفَتْح مَا وَصَفْنَا , تَبَيَّنَ أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْد رَبّكُمْ } إنَّمَا هُوَ أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا حَكَمَ اللَّه بِهِ عَلَيْكُمْ وَقَضَاهُ فِيكُمْ , وَمِنْ حُكْمه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِمْ مَا أَخَذَ بِهِ مِيثَاقهمْ مِنْ الْإِيمَان بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَبِمَا جَاءَ بِهِ فِي التَّوْرَاة , وَمِنْ قَضَائِهِ فِيهِمْ أَنْ جَعَلَ مِنْهُمْ الْقِرَدَة وَالْخَنَازِير , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامه وَقَضَائِهِ فِيهِمْ , وَكُلّ ذَلِكَ كَانَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ حُجَّة عَلَى الْمُكَذِّبِينَ مِنْ الْيَهُود الْمُقِرِّينَ بِحُكْمِ التَّوْرَاة وَغَيْر ذَلِكَ . فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى عِنْدِي بِتَأْوِيلِ الْآيَة قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ : { أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ } مِنْ بَعْث مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى خَلْقه ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إنَّمَا قَصَّ فِي أَوَّل هَذِهِ الْآيَة الْخَبَر عَنْ قَوْلهمْ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَصْحَابِهِ : آمَنَّا بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِآخِرِهَا أَنْ يَكُون نَظِير الْخَبَر عَمَّا اُبْتُدِئَ بِهِ أَوَّلهَا . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَالْوَاجِب أَنْ يَكُون تَلَاوُمهمْ كَانَ فِيمَا بَيْنهمْ فِيمَا كَانُوا أَظَهَرُوهُ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَصْحَابِهِ مِنْ قَوْلهمْ لَهُمْ : آمَنَّا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَا جَاءَ بِهِ , وَكَانَ قِيلهمْ ذَلِكَ مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ يَجِدُونَ ذَلِكَ فِي كُتُبهمْ وَكَانُوا يُخْبِرُونَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ , فَكَانَ تَلَاوُمهمْ فِيمَا بَيْنهمْ إذَا خَلَوْا عَلَى مَا كَانُوا يُخْبِرُونَهُمْ بِمَا هُوَ حُجَّة لِلْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ عِنْد رَبّهمْ . وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُخْبِرُونَهُمْ عَنْ وُجُود نَعْت مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُتُبهمْ وَيَكْفُرُونَ بِهِ , وَكَانَ فَتْح اللَّه الَّذِي فَتَحَهُ لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى الْيَهُود وَحَكَمَهُ عَلَيْهِمْ لَهُمْ فِي كِتَابهمْ أَنْ يُؤْمِنُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا بُعِثَ , فَلَمَّا بُعِثَ كَفَرُوا بِهِ مَعَ عِلْمهمْ بِنُبُوَّتِهِ .
وَقَوْله : { أَفَلَا تَعْقِلُونَ } خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ الْيَهُود اللَّائِمِينَ إخْوَانهمْ عَلَى مَا أَخْبَرُوا أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا فَتَحَ اللَّه لَهُمْ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا لَهُمْ : أَفَلَا تَفْقُهُونَ أَيّهَا الْقَوْم وَتَعْقِلُونَ أَنَّ إخْبَاركُمْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا فِي كُتُبكُمْ أَنَّهُ نَبِيّ مَبْعُوث حُجَّة لَهُمْ عَلَيْكُمْ عِنْد رَبّكُمْ يَحْتَجُّونَ بِهَا عَلَيْكُمْ ؟ أَيْ فَلَا تَفْعَلُوا ذَلِكَ , وَلَا تَقُولُوا لَهُمْ مِثْل مَا قُلْتُمْ , وَلَا تُخْبِرُوهُمْ بِمِثْلِ مَا أَخْبَرْتُمُوهُمْ بِهِ مِنْ ذَلِكَ . فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّه يَعْلَم مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا خَلَا بَعْضهمْ إلَى بَعْض قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْد رَبّكُمْ } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَإِذَا خَلَا بَعْضهمْ إلَى بَعْض } أَيْ إذَا خَلَا بَعْض هَؤُلَاءِ الْيَهُود الَّذِينَ وَصَفَ اللَّه صِفَتهمْ إلَى بَعْض مِنْهُمْ فَصَارُوا فِي خَلَاء مِنْ النَّاس غَيْرهمْ , وَذَلِكَ هُوَ الْمَوْضِع الَّذِي لَيْسَ فِيهِ غَيْرهمْ , قَالُوا - يَعْنِي قَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ - : أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ ؟ . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ } . فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 1107 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن سَعِيد , عَنْ بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَإِذَا خَلَا بَعْضهمْ إلَى بَعْض قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ } يَعْنِي بِمَا أَمَرَكُمْ اللَّه بِهِ , فَيَقُول الْآخَرُونَ : إنَّمَا نَسْتَهْزِئ بِهِمْ وَنَضْحَك . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 1108 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا } أَيْ بِصَاحِبِكُمْ رَسُول اللَّه , وَلَكِنَّهُ إلَيْكُمْ خَاصَّة , وَإِذَا خَلَا بَعْضهمْ إلَى بَعْض قَالُوا : لَا تُحَدِّثُوا الْعَرَب بِهَذَا فَإِنَّكُمْ قَدْ كُنْتُمْ تَسْتَفْتِحُونَ بِهِ عَلَيْهِمْ , فَكَانَ مِنْهُمْ . فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا , وَإِذَا خَلَا بَعْضهمْ إلَى بَعْض قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْد رَبّكُمْ } أَيْ تُقِرُّونَ بِأَنَّهُ نَبِيّ , وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ قَدْ أَخَذَ لَهُ الْمِيثَاق عَلَيْكُمْ بِاتِّبَاعِهِ , وَهُوَ يُخْبِرهُمْ أَنَّهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كُنَّا نَنْتَظِر وَنَجِدهُ فِي كِتَابنَا ؟ اجْحَدُوهُ وَلَا تُقِرُّوا لَهُمْ بِهِ . يَقُول اللَّه : { أَوَ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّه يَعْلَم مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } . 1109 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ } أَيْ بِمَا أَنَزَلَ اللَّه عَلَيْكُمْ فِي كِتَابكُمْ مِنْ نَعْت مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 1110 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ } أَيْ بِمَا مِنْ اللَّه عَلَيْكُمْ فِي كِتَابكُمْ مِنْ نَعْت مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِنَّكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ احْتَجُّوا بِهِ عَلَيْكُمْ { أَفَلَا تَعْقِلُونَ } ؟ . 1111 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ : { أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ } لِيَحْتَجُّوا بِهِ عَلَيْكُمْ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , قَالَ : قَالَ قَتَادَةَ : { أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ } يَعْنِي بِمَا أَنَزَلَ اللَّه عَلَيْكُمْ مِنْ أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَعْته . وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا : 1112 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد : { بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْد رَبّكُمْ } قَالَ : قَوْل يَهُود بَنِي قُرَيْظَة حِين سَبَّهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُمْ إخْوَة الْقِرَدَة وَالْخَنَازِير , قَالُوا : مَنْ حَدَّثَك ؟ هَذَا حِين أَرْسَلَ إلَيْهِمْ عَلِيًّا فَآذَوْا مُحَمَّدًا , فَقَالَ : " يَا إخْوَة الْقِرَدَة وَالْخَنَازِير " . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حَذِيقَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله ; إلَّا أَنَّهُ قَالَ : هَذَا حِين أَرْسَلَ إلَيْهِمْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . وَآذَوْا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " اخْسَئُوا يَا إخْوَة الْقِرَدَة وَالْخَنَازِير " . 1113 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنِي الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : أَخْبَرَنِي الْقَاسِم بْن أَبِي بزة , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله , { أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ } قَالَ : قَامَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم قُرَيْظَة تَحْت حُصُونهمْ , فَقَالَ : " يَا إخْوَان الْقِرَدَة وَيَا إخْوَان الْخَنَازِير وَيَا عَبَدَة الطَّاغُوت " فَقَالُوا : مَنْ أَخْبَرَ هَذَا مُحَمَّدًا ؟ مَا خَرَجَ هَذَا إلَّا مِنْكُمْ { أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ } بِمَا حَكَمَ اللَّه لِلْفَتْحِ لِيَكُونَ لَهُمْ حُجَّة عَلَيْكُمْ ; قَالَ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد : هَذَا حِين أَرْسَلَ إلَيْهِمْ عَلِيًّا فَآذَوْا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 1114 - حَدَّثَنَا مُوسَى : قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ } مِنْ الْعَذَاب لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْد رَبّكُمْ ؟ هَؤُلَاءِ نَاس مِنْ الْيَهُود آمَنُوا ثُمَّ نَافَقُوا , فَكَانُوا يُحَدِّثُونَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْعَرَب بِمَا عُذِّبُوا بِهِ , فَقَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ مِنْ الْعَذَاب لِيَقُولُوا نَحْنُ أَحَبّ إلَى اللَّه مِنْكُمْ , وَأَكْرَم عَلَى اللَّه مِنْكُمْ ؟ وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 1115 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَإِذَا خَلَا بَعْضهمْ إلَى بَعْض قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْد رَبّكُمْ } قَالَ : كَانُوا إذَا سُئِلُوا عَنْ الشَّيْء قَالُوا : أَمَا تَعْلَمُونَ فِي التَّوْرَاة كَذَا وَكَذَا ؟ قَالُوا : بَلَى . قَالَ : وَهُمْ يَهُود , فَيَقُول لَهُمْ رُؤَسَاؤُهُمْ الَّذِينَ يَرْجِعُونَ إلَيْهِمْ : مَا لَكُمْ تُخْبِرُونَهُمْ بِاَلَّذِي أَنَزَلَ اللَّه عَلَيْكُمْ فَيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْد رَبّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ؟ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا يَدْخُلَنَّ عَلَيْنَا قَصَبَة الْمَدِينَة إلَّا مُؤْمِن " فَقَالَ رُؤَسَاؤُهُمْ مِنْ أَهْل الْكُفْر وَالنِّفَاق : اذْهَبُوا فَقُولُوا آمَنَّا , وَاكْفُرُوا إذَا رَجَعْتُمْ . قَالَ : فَكَانُوا يَأْتُونَ الْمَدِينَة بِالْبَكَرِ وَيَرْجِعُونَ إلَيْهِمْ بَعْد الْعَصْر . وَقَرَأَ قَوْل اللَّه : { وَقَالَتْ طَائِفَة مِنْ أَهْل الْكِتَاب آمِنُوا بِاَلَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْه النَّهَار وَاكْفُرُوا آخِره لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } . 3 72 وَكَانُوا يَقُولُونَ إذَا دَخَلُوا الْمَدِينَة : نَحْنُ مُسْلِمُونَ , لِيَعْلَمُوا خَبَر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمْره ; وَإِذَا رَجَعُوا , رَجَعُوا إلَى الْكُفْر . فَلَمَّا أَخْبَرَ اللَّه نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ , قَطَعَ ذَلِكَ عَنْهُمْ فَلَمْ يَكُونُوا يَدْخُلُونَ . وَكَانَ الْمُومِنُونَ الَّذِينَ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ , فَيَقُولُونَ لَهُمْ : أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّه لَكُمْ كَذَا وَكَذَا ؟ فَيَقُولُونَ : بَلَى . فَإِذَا رَجَعُوا إلَى قَوْمهمْ { قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ } الْآيَة . وَأَصْل الْفَتْح فِي كَلَام الْعَرَب : النَّصْر وَالْقَضَاء وَالْحُكْم , يُقَال مِنْهُ : اللَّهُمَّ افْتَحْ بَيْنِي وَبَيْن فُلَان : أَيْ اُحْكُمْ بَيْنِي وَبَيْنه , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : أَلَا أَبْلِغْ بَنِي عُصَمٍ رَسُولًا بِأَنِّي عَنْ فُتَاَحَتِكُمْ غَنِيّ قَالَ : وَيُقَال لِلْقَاضِي : الْفَتَّاح , وَمِنْهُ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { رَبّنَا افْتَحْ بَيْننَا وَبَيْن قَوْمنَا بِالْحَقِّ وَأَنْت خَيْر الْفَاتِحِينَ } 7 89 أَيْ اُحْكُمْ بَيْننَا وَبَيْنهمْ . فَإِذَا كَانَ مَعْنَى الْفَتْح مَا وَصَفْنَا , تَبَيَّنَ أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْد رَبّكُمْ } إنَّمَا هُوَ أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا حَكَمَ اللَّه بِهِ عَلَيْكُمْ وَقَضَاهُ فِيكُمْ , وَمِنْ حُكْمه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِمْ مَا أَخَذَ بِهِ مِيثَاقهمْ مِنْ الْإِيمَان بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَبِمَا جَاءَ بِهِ فِي التَّوْرَاة , وَمِنْ قَضَائِهِ فِيهِمْ أَنْ جَعَلَ مِنْهُمْ الْقِرَدَة وَالْخَنَازِير , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامه وَقَضَائِهِ فِيهِمْ , وَكُلّ ذَلِكَ كَانَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ حُجَّة عَلَى الْمُكَذِّبِينَ مِنْ الْيَهُود الْمُقِرِّينَ بِحُكْمِ التَّوْرَاة وَغَيْر ذَلِكَ . فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى عِنْدِي بِتَأْوِيلِ الْآيَة قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ : { أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ } مِنْ بَعْث مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى خَلْقه ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إنَّمَا قَصَّ فِي أَوَّل هَذِهِ الْآيَة الْخَبَر عَنْ قَوْلهمْ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَصْحَابِهِ : آمَنَّا بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِآخِرِهَا أَنْ يَكُون نَظِير الْخَبَر عَمَّا اُبْتُدِئَ بِهِ أَوَّلهَا . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَالْوَاجِب أَنْ يَكُون تَلَاوُمهمْ كَانَ فِيمَا بَيْنهمْ فِيمَا كَانُوا أَظَهَرُوهُ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَصْحَابِهِ مِنْ قَوْلهمْ لَهُمْ : آمَنَّا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَا جَاءَ بِهِ , وَكَانَ قِيلهمْ ذَلِكَ مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ يَجِدُونَ ذَلِكَ فِي كُتُبهمْ وَكَانُوا يُخْبِرُونَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ , فَكَانَ تَلَاوُمهمْ فِيمَا بَيْنهمْ إذَا خَلَوْا عَلَى مَا كَانُوا يُخْبِرُونَهُمْ بِمَا هُوَ حُجَّة لِلْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ عِنْد رَبّهمْ . وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُخْبِرُونَهُمْ عَنْ وُجُود نَعْت مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُتُبهمْ وَيَكْفُرُونَ بِهِ , وَكَانَ فَتْح اللَّه الَّذِي فَتَحَهُ لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى الْيَهُود وَحَكَمَهُ عَلَيْهِمْ لَهُمْ فِي كِتَابهمْ أَنْ يُؤْمِنُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا بُعِثَ , فَلَمَّا بُعِثَ كَفَرُوا بِهِ مَعَ عِلْمهمْ بِنُبُوَّتِهِ .
وَقَوْله : { أَفَلَا تَعْقِلُونَ } خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ الْيَهُود اللَّائِمِينَ إخْوَانهمْ عَلَى مَا أَخْبَرُوا أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا فَتَحَ اللَّه لَهُمْ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا لَهُمْ : أَفَلَا تَفْقُهُونَ أَيّهَا الْقَوْم وَتَعْقِلُونَ أَنَّ إخْبَاركُمْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا فِي كُتُبكُمْ أَنَّهُ نَبِيّ مَبْعُوث حُجَّة لَهُمْ عَلَيْكُمْ عِنْد رَبّكُمْ يَحْتَجُّونَ بِهَا عَلَيْكُمْ ؟ أَيْ فَلَا تَفْعَلُوا ذَلِكَ , وَلَا تَقُولُوا لَهُمْ مِثْل مَا قُلْتُمْ , وَلَا تُخْبِرُوهُمْ بِمِثْلِ مَا أَخْبَرْتُمُوهُمْ بِهِ مِنْ ذَلِكَ . فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّه يَعْلَم مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّه يَعْلَم مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّه يَعْلَم مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } أَوَلَا يَعْلَم هَؤُلَاءِ اللَّائِمُونَ مِنْ الْيَهُود إخْوَانهمْ مِنْ أَهْل مِلَّتهمْ , عَلَى كَوْنهمْ إذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا , وَعَلَى إخْبَارهمْ الْمُومِنِينَ بِمَا فِي كُتُبهمْ مِنْ نَعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمَبْعَثه , الْقَائِلُونَ لَهُمْ : { أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّه عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْد رَبّكُمْ } أَنَّ اللَّه عَالِم بِمَا يُسِرُّونَ فَيُخْفُونَهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي خَلَائِهِمْ مِنْ كُفْرهمْ وَتَلَاوُمهمْ بَيْنهمْ عَلَى إظْهَارهمْ مَا أَظَهَرُوا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْ الْإِقْرَار بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَعَلَى قِيلهمْ لَهُمْ آمَنَّا , وَنَهْي بَعْضهمْ بَعْضًا أَنْ يُخْبِرُوا الْمُؤْمِنِينَ بِمَا فَتَحَ اللَّه لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ , وَقَضَى لَهُمْ عَلَيْهِمْ فِي كُتُبهمْ مِنْ حَقِيقَة نُبُوَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَعْته وَمَبْعَثه , وَمَا يُعْلِنُونَ فَيُظْهِرُونَهُ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَصْحَابِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ إذَا لَقُوهُمْ مِنْ قِيلهمْ لَهُمْ : آمَنَّا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَا جَاءَ بِهِ نِفَاقًا وَخِدَاعًا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ . كَمَا : 1116 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّه يَعْلَم مَا يُسِرُّونَ } مِنْ كُفْرهمْ وَتَكْذِيبهمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا خَلَا بَعْضهمْ إلَى بَعْض , { وَمَا يُعْلِنُونَ } إذَا لَقُوا أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا آمَنَّا لِيَرْضَوْهُمْ بِذَلِكَ . 1117 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّه يَعْلَم مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } يَعْنِي مَا أَسَرُّوا مِنْ كُفْرهمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَكْذِيبهمْ بِهِ , وَهُمْ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ . { وَمَا يُعْلِنُونَ } يَعْنِي مَا أَعْلَنُوا حِين قَالُوا لِلْمُؤْمِنِينَ آمَنَّا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ } وَمِنْ هَؤُلَاءِ الْيَهُود الَّذِينَ قَصَّ اللَّه قَصَصهمْ فِي هَذِهِ الْآيَات , وَأَيْأَس أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إيمَانهمْ , فَقَالَ لَهُمْ : { أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيق مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَام اللَّه ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْد مَا عَقَلُوهُ } وَهُمْ إذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا . كَمَا : 1118 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ } يَعْنِي مِنْ الْيَهُود . 1119 - وحَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله . 1120 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد : { وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ } قَالَ : أُنَاس مِنْ يَهُود . قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي بِالْأُمِّيِّينَ : الَّذِينَ لَا يَكْتُبُونَ وَلَا يَقْرَءُونَ , وَمِنْهُ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إنَّا أُمَّة أُمِّيَّة لَا نَكْتُب وَلَا نَحْسِب " يُقَال مِنْهُ رَجُل أُمِّيّ بَيْن الْأُمِّيَّة . كَمَا : 1121 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنِي سُوَيْدُ بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور عَنْ إبْرَاهِيم : { وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَاب } قَالَ : مِنْهُمْ مَنْ لَا يُحْسِن أَنْ يَكْتُب . 1122 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ } قَالَ : أُمِّيُّونَ لَا يَقْرَءُونَ الْكِتَاب مِنْ الْيَهُود . وَرُوِيَ عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْل خِلَاف هَذَا الْقَوْل , وَهُوَ مَا : 1123 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن سَعِيد , عَنْ بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ } قَالَ : الْأُمِّيُّونَ قَوْم لَمْ يُصَدِّقُوا رَسُولًا أَرْسَلَهُ اللَّه , وَلَا كِتَابًا أَنَزَلَهُ اللَّه , فَكَتَبُوا كِتَابًا بِأَيْدِيهِمْ , ثُمَّ قَالُوا لِقَوْمٍ سَفَلَة جُهَّال : { هَذَا مِنْ عِنْد اللَّه } . وَقَالَ : قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ يَكْتُبُونَ بِأَيْدِيهِمْ , ثُمَّ سَمَّاهُمْ أُمِّيِّينَ لِجُحُودِهِمْ كُتُب اللَّه وَرُسُله . وَهَذَا التَّأْوِيل تَأْوِيل عَلَى خِلَاف مَا يُعْرَف مِنْ كَلَام الْعَرَب الْمُسْتَفِيض بَيْنهمْ , وَذَلِكَ أَنَّ الْأُمِّيّ عِنْد الْعَرَب هُوَ الَّذِي لَا يَكْتُب . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَرَى أَنَّهُ قِيلَ لِلْأُمِّيِّ أُمِّيّ نِسْبَة لَهُ بِأَنَّهُ لَا يَكْتُب إلَى أُمّه , لِأَنَّ الْكِتَاب كَانَ فِي الرِّجَال دُون النِّسَاء , فَنَسَبَ مَنْ لَا يَكْتُب وَلَا يَخُطّ مِنْ الرِّجَال إلَى أُمّه فِي جَهْله بِالْكِتَابَةِ دُون أَبِيهِ كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْله : " إنَّا أُمَّة أُمِّيّه لَا نَكْتُب وَلَا نَحْسِب " وَكَمَا قَالَ : { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ } 62 2 فَإِذَا كَانَ مَعْنَى الْأُمِّيّ فِي كَلَام الْعَرَب مَا وَصَفْنَا , فَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَة مَا قَالَهُ النَّخَعِيُّ مِنْ أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ } وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُحْسِن أَنْ يَكْتُب .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَاب إلَّا أَمَانِيّ } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَاب } لَا يَعْلَمُونَ مَا فِي الْكِتَاب الَّذِي أَنَزَلَهُ اللَّه وَلَا يَدْرُونَ مَا أَوْدَعَهُ اللَّه مِنْ حُدُوده وَأَحْكَامه وَفَرَائِضه كَهَيْئَةِ الْبَهَائِم , كَاَلَّذِي : 1124 - حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله , { وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَاب إلَّا أَمَانِيّ } إنَّمَا هُمْ أَمْثَال الْبَهَائِم لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا . * - حَدَّثَنَا بِشْر عَنْ مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَاب } يَقُول : لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَاب وَلَا يَدْرُونَ مَا فِيهِ . 1125 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَاب } لَا يَدْرُونَ مَا فِيهِ . 1126 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , عَنْ عِكْرِمَة , أَوْ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس : { لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَاب } قَالَ : لَا يَدْرُونَ بِمَا فِيهِ . 1127 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَاب } لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا , لَا يَقْرَءُونَ التَّوْرَاة لَيْسَتْ تَسْتَظْهِر إنَّمَا تَقْرَأ هَكَذَا , فَإِذَا لَمْ يَكْتُب أَحَدهمْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَقْرَأ . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن سَعِيد , عَنْ بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله , { لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَاب } قَالَ : لَا يَعْرِفُونَ الْكِتَاب الَّذِي أَنَزَلَهُ اللَّه . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَإِنَّمَا عَنَى بِالْكِتَابِ : التَّوْرَاة , وَلِذَلِكَ أُدْخِلَتْ فِيهِ الْأَلِف وَاللَّام لِأَنَّهُ قُصِدَ بِهِ كِتَاب مَعْرُوف بِعَيْنِهِ . وَمَعْنَاهُ : وَمِنْهُمْ فَرِيق لَا يَكْتُبُونَ وَلَا يَدْرُونَ مَا فِي الْكِتَاب الَّذِي عَرَفْتُمُوهُ الَّذِي هُوَ عِنْدهمْ وَهُمْ يَنْتَحِلُونَهُ وَيَدَّعُونَ الْإِقْرَار بِهِ مِنْ أَحْكَام اللَّه وَفَرَائِضه وَمَا فِيهِ مِنْ حُدُوده الَّتِي بَيْنهَا فِيهِ { إلَّا أَمَانِيّ } فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 1128 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن سَعِيد , عَنْ بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { إلَّا أَمَانِيّ } يَقُول : إلَّا قَوْلًا يَقُولُونَهُ بِأَفْوَاهِهِمْ كَذِبًا . 1129 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَاب إلَّا أَمَانِيّ } إلَّا كَذِبًا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 1130 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { إلَّا أَمَانِيّ } يَقُول : يَتَمَنَّوْنَ عَلَى اللَّه مَا لَيْسَ لَهُمْ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ : { إلَّا أَمَانِيّ } يَقُول : يَتَمَنَّوْنَ عَلَى اللَّه الْبَاطِل وَمَا لَيْسَ لَهُمْ 1131 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَاب إلَّا أَمَانِيّ } يَقُول : إلَّا أَحَادِيث . 1132 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد : { وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَاب إلَّا أَمَانِيّ } قَالَ : أُنَاس مِنْ يَهُود لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ مِنْ الْكِتَاب شَيْئًا , وَكَانُوا يَتَكَلَّمُونَ بِالظَّنِّ بِغَيْرِ مَا فِي كِتَاب اللَّه , وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ الْكِتَاب , أَمَانِيّ يَتَمَنَّوْنَهَا . 1133 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { إلَّا أَمَانِيّ } يَتَمَنَّوْنَ عَلَى اللَّه مَا لَيْسَ لَهُمْ . 1134 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { إلَّا أَمَانِيّ } قَالَ : تَمَنَّوْا فَقَالُوا : نَحْنُ مِنْ أَهْل الْكِتَاب . وَلَيْسُوا مِنْهُمْ . وَأَوْلَى مَا رَوَيْنَا فِي تَأْوِيل قَوْله : { إلَّا أَمَانِيّ } بِالْحَقِّ وَأَشْبَهَهُ بِالصَّوَابِ , الَّذِي قَالَهُ ابْن عَبَّاس , الَّذِي رَوَاهُ عَنْ الضَّحَّاك , وَقَوْل مُجَاهِد : إنَّ الْأُمِّيِّينَ الَّذِينَ وَصَفَهُمْ اللَّه بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ فِي هَذِهِ الْآيَة أَنَّهُمْ لَا يَفْقُهُونَ مِنْ الْكِتَاب الَّذِي أَنَزَلَهُ اللَّه عَلَى مُوسَى شَيْئًا , وَلَكِنَّهُمْ يَتَخَرَّصُونَ الْكَذِب وَيَتَقَوَّلُونَ الْأَبَاطِيل كَذِبًا وَزُورًا . وَالتَّمَنِّي فِي هَذَا الْمَوْضِع , هُوَ تَخَلُّق الْكَذِب وَتَخَرُّصه وَافْتِعَاله , يُقَال مِنْهُ : تَمَنَّيْت كَذَا : إذَا افْتَعَلْته وَتَخَرَّصْتُهُ . وَمِنْهُ الْخَبَر الَّذِي رُوِيَ عَنْ عُثْمَان بْن عَفَّانَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : " مَا تَغَنَّيْت وَلَا تَمَنَّيْت " . يَعْنِي بِقَوْلِهِ مَا تَمَنَّيْت : مَا تَخَرَّصْتُ الْبَاطِل وَلَا اخْتَلَقْت الْكَذِب وَالْإِفْك . وَاَلَّذِي يَدُلّ عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ وَأَنَّهُ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ قَوْله : { إلَّا أَمَانِيّ } مِنْ غَيْره مِنْ الْأَقْوَال , قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَإِنْ هُمْ إلَّا يَظُنُّونَ } فَأَخْبَرَ عَنْهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُمْ يَتَمَنَّوْنَ مَا يَتَمَنَّوْنَ مِنْ الْأَكَاذِيب ظَنًّا مِنْهُمْ لَا يَقِينًا . وَلَوْ كَانَ مَعَنِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَتْلُونَهُ بِمَ يَكُونُوا ظَانِّينَ , وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَعْنَاهُ : يَشْتَهُونَهُ ; لِأَنَّ الَّذِي يَتْلُوهُ إذَا تَدَبَّرَهُ عَلِمَهُ , وَلَا يَسْتَحِقّ الَّذِي يَتْلُو كِتَابًا قَرَأَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَدَبَّرهُ بِتَرْكِهِ التَّدْبِير أَنْ يُقَال : هُوَ ظَانّ لِمَا يَتْلُو إلَّا أَنْ يَكُون شَاكًّا فِي نَفْس مَا يَتْلُوهُ لَا يَدْرِي أَحَقّ هُوَ أَمْ بَاطِل . وَلَمْ يَكُنْ الْقَوْم الَّذِينَ كَانُوا يَتْلُونَ التَّوْرَاة عَلَى عَصْر نَبِيّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْيَهُود فِيمَا بَلَغَنَا شَاكِّينَ فِي التَّوْرَاة أَنَّهَا مِنْ عِنْد اللَّه . وَكَذَلِكَ التَّمَنِّي الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَى الْمُشْتَهَى غَيْر جَائِز أَنْ يُقَال : هُوَ ظَانّ فِي تُمَنِّيهِ , لِأَنَّ التَّمَنِّي مِنْ الْمُتَمَنِّي إذَا تَمَنَّى مَا قَدْ وَجَدَ عَيْنه فَغَيْر جَائِز أَنْ يُقَال : هُوَ شَاكّ فِيمَا هُوَ بِهِ عَالِم ; لِأَنَّ الْعِلْم وَالشَّكّ مَعْنَيَانِ يَنْفِي كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا صَاحِبه لَا يَجُوز اجْتِمَاعهمَا فِي حِيزَ وَاحِد , وَالْمُتَمَنِّي فِي حَال تَمَنِّيه مَوْجُود غَيْر جَائِز أَنْ يُقَال : هُوَ يَظُنّ تَمَنِّيه . وَإِنَّمَا قِيلَ : { لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَاب إلَّا أَمَانِيّ } وَالْأَمَانِيّ مِنْ غَيْر نَوْع الْكِتَاب , كَمَا قَالَ رَبّنَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْم إلَّا اتِّبَاع الظَّنّ } 4 157 وَالظَّنّ مِنْ الْعِلْم بِمَعْزِلٍ , وَكَمَا قَالَ : { وَمَا لِأَحَدٍ عِنْده مِنْ نِعْمَة تُجْزَى إلَّا ابْتِغَاء وَجْه رَبّه الْأَعْلَى } . 92 19 : 20 وَكَمَا قَالَ الشَّاعِر : لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْن قَيْس عِتَاب غَيْر طَعْن الْكُلَى وَضَرْب الرِّقَاب وَكَمَا قَالَ نَابِغَة بَنِي ذُبْيَان : حَلَفْت يَمِينًا غَيْر ذِي مَثْنَوِيَّة وَلَا عِلْم إلَّا حَسَن ظَنَّ بِغَائِبِ فِي نَظَائِر لَمَّا ذَكَرْنَا يَطُول بِإِحْصَائِهَا الْكِتَاب . وَيَخْرُج ب " إلَّا " مَا بَعْدهَا مِنْ مَعْنَى مَا قَبْلهَا , وَمِنْ صِفَته , وَإِنْ كَانَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا مِنْ غَيْر شَكْل الْآخَر وَمِنْ غَيْر نَوْعه , وَيُسَمِّي ذَلِكَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة اسْتِثْنَاء مُنْقَطِعًا لِانْقِطَاعِ الْكَلَام الَّذِي يَأْتِي بَعْد إلَّا عَنْ مَعْنَى مَا قَبْلهَا . وَإِنَّمَا يَكُون ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي كُلّ مَوْضِع حَسُنَ أَنْ يُوضَع فِيهِ مَكَان " إلَّا " " لَكِنْ " , فَيُعْلَم حِينَئِذٍ انْقِطَاع مَعْنَى الثَّانِي عَنْ مَعْنَى الْأَوَّل , أَلَا تَرَى أَنَّك إذَا قُلْت : { وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَاب إلَّا أَمَانِيّ } ثُمَّ أَرَدْت وَضْع " وَلَكِنْ " مَكَان " إلَّا " وَحَذْف " إلَّا " , وَجَدْت الْكَلَام صَحِيحًا مَعْنَاهُ صِحَّته وَفِيهِ " إلَّا " ؟ وَذَلِكَ إذَا قُلْت : { وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَاب } لَكِنْ أَمَانِيّ , يَعْنِي لَكِنَّهُمْ يَتَمَنَّوْنَ , وَكَذَلِكَ قَوْله : { مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْم إلَّا اتِّبَاع الظَّنّ } لَكِنْ اتِّبَاع الظَّنّ , بِمَعْنَى : لَكِنَّهُمْ يَتَّبِعُونَ الظَّنّ , وَكَذَلِكَ جَمِيع هَذَا النَّوْع مِنْ الْكَلَام عَلَى مَا وَصَفْنَا . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْض الْقُرَّاء أَنَّهُ قَرَأَ : { إلَّا أَمَانِيّ } مُخَفَّفَة , وَمَنْ خَفَّفَ ذَلِكَ وَجْهه إلَى نَحْو جَمْعهمْ الْمِفْتَاح مَفَاتِح , وَالْقُرْقُور قَرَاقِر , وَإِنَّ يَاء الْجَمْع لَمَا حُذِفَتْ خُفِّفَتْ الْيَاء الْأَصْلِيَّة , أَعْنِي مِنْ الْأَمَانِيّ , كَمَا جَمَعُوا الْأُثْفِيَّة أَثَافِي مُخَفَّفَة , كَمَا قَالَ زُهَيْر بْن أَبِي سُلْمَى : أَثَافِيَ سُفْعًا فِي مُعَرَّس مِرْجَل وَنُؤْيًا كَجِذْمِ الْحَوْض لَمْ يَتَثَلَّم وَأَمَّا مَنْ ثَقَّلَ : { أَمَانِيّ } فَشَدَّدَ يَاءَهَا فَإِنَّهُ وَجَّهَ ذَلِكَ إلَى نَحْو جَمْعهمْ الْمِفْتَاح مَفَاتِيح , وَالْقُرْقُور قَرَاقِير , وَالزُّنْبُور زَنَابِير , فَاجْتَمَعَتْ يَاء فعاليل وَلَامهَا وَهُمَا جَمِيعًا يَاء أَنَّ فَأُدْغِمَتْ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى فَصَارَتَا يَاء وَاحِدَة مُشَدَّدَة . فَأَمَّا الْقِرَاءَة الَّتِي لَا يَجُوز غَيْرهَا عِنْدِي لِقَارِئٍ فِي ذَلِكَ فَتَشْدِيد يَاء الْأَمَانِيّ , لِإِجْمَاعِ الْقُرَّاء عَلَى أَنَّهَا الْقِرَاءَة الَّتِي مَضَى عَلَى الْقِرَاءَة بِهَا السَّلَف مُسْتَفِيض , ذَلِكَ بَيْنهمْ غَيْر مَدْفُوعَة صِحَّته , وَشُذُوذ الْقَارِئ بِتَخْفِيفِهَا عَمَّا عَلَيْهِ الْحُجَّة مُجْمِعَة فِي ذَلِكَ وَكَفَى خَطَأ عَلَى قَارِئ ذَلِكَ بِتَخْفِيفِهَا إجْمَاعًا عَلَى تَخْطِئَته .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ هُمْ إلَّا يَظُنُّونَ } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَإِنْ هُمْ إلَّا يَظُنُّونَ } وَمَا هُمْ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { قَالَتْ لَهُمْ رُسُلهمْ إنْ نَحْنُ إلَّا بَشَر مِثْلكُمْ } 14 11 يَعْنِي بِذَلِكَ : مَا نَحْنُ إلَّا بَشَر مِثْلكُمْ . وَمَعْنَى قَوْله : { إلَّا يَظُنُّونَ } لَا يَشُكُّونَ وَلَا يَعْلَمُونَ حَقِيقَته وَصِحَّته , وَالظَّنّ فِي هَذَا الْمَوْضِع الشَّكّ , فَمَعْنَى الْآيَة : وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَكْتُب وَلَا يَخُطّ وَلَا يَعْلَم كِتَاب اللَّه وَلَا يَدْرِي مَا فِيهِ إلَّا تَخَرُّصًا وَتَقَوُّلًا عَلَى اللَّه الْبَاطِل ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ مُحِقّ فِي تَخَرُّصه وَتَقَوُّله الْبَاطِل . وَإِنَّمَا وَصَفَهُمْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره بِأَنَّهُمْ فِي تَخَرُّصهمْ عَلَى ظَنّ أَنَّهُمْ مُحِقُّونَ وَهُمْ مُبْطِلُونَ , لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ سَمِعُوا مِنْ رُؤَسَائِهِمْ وَأَحْبَارهمْ أُمُورًا حَسِبُوهَا مِنْ كِتَاب اللَّه , وَلَمْ تَكُنْ مِنْ كِتَاب اللَّه , فَوَصَفَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِأَنَّهُمْ يَتْرُكُونَ التَّصْدِيق بِاَلَّذِي يُوقِنُونَ بِهِ أَنَّهُ مِنْ عِنْد اللَّه مِمَّا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَيَتَّبِعُونَ مَا هُمْ فِيهِ شَاكُّونَ , وَفِي حَقِيقَته مُرْتَابُونَ مِمَّا أَخْبَرَهُمْ بِهِ كُبَرَاؤُهُمْ وَرُؤَسَاؤُهُمْ وَأَحْبَارهمْ عِنَادًا مِنْهُمْ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ , وَمُخَالَفَة مِنْهُمْ لِأَمْرِ اللَّه وَاغْتِرَارًا مِنْهُمْ بِإِمْهَالِ اللَّه إيَّاهُمْ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَإِنْ هُمْ إلَّا يَظُنُّونَ } قَالَ فِيهِ الْمُتَأَوِّلُونَ مِنْ السَّلَف 1135 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنَا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَإِنْ هُمْ إلَّا يَظُنُّونَ } إلَّا يَكْذِبُونَ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 1136 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , عَنْ عِكْرِمَة أَوْ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس : { لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَاب إلَّا أَمَانِيّ وَإِنْ هُمْ إلَّا يَظُنُّونَ } أَيْ لَا يَعْلَمُونَ وَلَا يَدْرُونَ مَا فِيهِ , وَهُمْ يَجْحَدُونَ نُبُوَّتك بِالظَّنِّ . 1137 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { وَإِنْ هُمْ إلَّا يَظُنُّونَ } قَالَ : يَظُنُّونَ الظُّنُون بِغَيْرِ الْحَقّ . 1138 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , قَالَ : يَظُنُّونَ الظُّنُون بِغَيْرِ الْحَقّ . 1139 - حَدَّثَنَا عَنْ عُمَارَة , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَاب إلَّا أَمَانِيّ } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَاب } لَا يَعْلَمُونَ مَا فِي الْكِتَاب الَّذِي أَنَزَلَهُ اللَّه وَلَا يَدْرُونَ مَا أَوْدَعَهُ اللَّه مِنْ حُدُوده وَأَحْكَامه وَفَرَائِضه كَهَيْئَةِ الْبَهَائِم , كَاَلَّذِي : 1124 - حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله , { وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَاب إلَّا أَمَانِيّ } إنَّمَا هُمْ أَمْثَال الْبَهَائِم لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا . * - حَدَّثَنَا بِشْر عَنْ مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَاب } يَقُول : لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَاب وَلَا يَدْرُونَ مَا فِيهِ . 1125 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَاب } لَا يَدْرُونَ مَا فِيهِ . 1126 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , عَنْ عِكْرِمَة , أَوْ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس : { لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَاب } قَالَ : لَا يَدْرُونَ بِمَا فِيهِ . 1127 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَاب } لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا , لَا يَقْرَءُونَ التَّوْرَاة لَيْسَتْ تَسْتَظْهِر إنَّمَا تَقْرَأ هَكَذَا , فَإِذَا لَمْ يَكْتُب أَحَدهمْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَقْرَأ . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن سَعِيد , عَنْ بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله , { لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَاب } قَالَ : لَا يَعْرِفُونَ الْكِتَاب الَّذِي أَنَزَلَهُ اللَّه . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَإِنَّمَا عَنَى بِالْكِتَابِ : التَّوْرَاة , وَلِذَلِكَ أُدْخِلَتْ فِيهِ الْأَلِف وَاللَّام لِأَنَّهُ قُصِدَ بِهِ كِتَاب مَعْرُوف بِعَيْنِهِ . وَمَعْنَاهُ : وَمِنْهُمْ فَرِيق لَا يَكْتُبُونَ وَلَا يَدْرُونَ مَا فِي الْكِتَاب الَّذِي عَرَفْتُمُوهُ الَّذِي هُوَ عِنْدهمْ وَهُمْ يَنْتَحِلُونَهُ وَيَدَّعُونَ الْإِقْرَار بِهِ مِنْ أَحْكَام اللَّه وَفَرَائِضه وَمَا فِيهِ مِنْ حُدُوده الَّتِي بَيْنهَا فِيهِ { إلَّا أَمَانِيّ } فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 1128 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن سَعِيد , عَنْ بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { إلَّا أَمَانِيّ } يَقُول : إلَّا قَوْلًا يَقُولُونَهُ بِأَفْوَاهِهِمْ كَذِبًا . 1129 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَاب إلَّا أَمَانِيّ } إلَّا كَذِبًا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 1130 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { إلَّا أَمَانِيّ } يَقُول : يَتَمَنَّوْنَ عَلَى اللَّه مَا لَيْسَ لَهُمْ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ : { إلَّا أَمَانِيّ } يَقُول : يَتَمَنَّوْنَ عَلَى اللَّه الْبَاطِل وَمَا لَيْسَ لَهُمْ 1131 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَاب إلَّا أَمَانِيّ } يَقُول : إلَّا أَحَادِيث . 1132 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد : { وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَاب إلَّا أَمَانِيّ } قَالَ : أُنَاس مِنْ يَهُود لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ مِنْ الْكِتَاب شَيْئًا , وَكَانُوا يَتَكَلَّمُونَ بِالظَّنِّ بِغَيْرِ مَا فِي كِتَاب اللَّه , وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ الْكِتَاب , أَمَانِيّ يَتَمَنَّوْنَهَا . 1133 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { إلَّا أَمَانِيّ } يَتَمَنَّوْنَ عَلَى اللَّه مَا لَيْسَ لَهُمْ . 1134 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { إلَّا أَمَانِيّ } قَالَ : تَمَنَّوْا فَقَالُوا : نَحْنُ مِنْ أَهْل الْكِتَاب . وَلَيْسُوا مِنْهُمْ . وَأَوْلَى مَا رَوَيْنَا فِي تَأْوِيل قَوْله : { إلَّا أَمَانِيّ } بِالْحَقِّ وَأَشْبَهَهُ بِالصَّوَابِ , الَّذِي قَالَهُ ابْن عَبَّاس , الَّذِي رَوَاهُ عَنْ الضَّحَّاك , وَقَوْل مُجَاهِد : إنَّ الْأُمِّيِّينَ الَّذِينَ وَصَفَهُمْ اللَّه بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ فِي هَذِهِ الْآيَة أَنَّهُمْ لَا يَفْقُهُونَ مِنْ الْكِتَاب الَّذِي أَنَزَلَهُ اللَّه عَلَى مُوسَى شَيْئًا , وَلَكِنَّهُمْ يَتَخَرَّصُونَ الْكَذِب وَيَتَقَوَّلُونَ الْأَبَاطِيل كَذِبًا وَزُورًا . وَالتَّمَنِّي فِي هَذَا الْمَوْضِع , هُوَ تَخَلُّق الْكَذِب وَتَخَرُّصه وَافْتِعَاله , يُقَال مِنْهُ : تَمَنَّيْت كَذَا : إذَا افْتَعَلْته وَتَخَرَّصْتُهُ . وَمِنْهُ الْخَبَر الَّذِي رُوِيَ عَنْ عُثْمَان بْن عَفَّانَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : " مَا تَغَنَّيْت وَلَا تَمَنَّيْت " . يَعْنِي بِقَوْلِهِ مَا تَمَنَّيْت : مَا تَخَرَّصْتُ الْبَاطِل وَلَا اخْتَلَقْت الْكَذِب وَالْإِفْك . وَاَلَّذِي يَدُلّ عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ وَأَنَّهُ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ قَوْله : { إلَّا أَمَانِيّ } مِنْ غَيْره مِنْ الْأَقْوَال , قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَإِنْ هُمْ إلَّا يَظُنُّونَ } فَأَخْبَرَ عَنْهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُمْ يَتَمَنَّوْنَ مَا يَتَمَنَّوْنَ مِنْ الْأَكَاذِيب ظَنًّا مِنْهُمْ لَا يَقِينًا . وَلَوْ كَانَ مَعَنِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَتْلُونَهُ بِمَ يَكُونُوا ظَانِّينَ , وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَعْنَاهُ : يَشْتَهُونَهُ ; لِأَنَّ الَّذِي يَتْلُوهُ إذَا تَدَبَّرَهُ عَلِمَهُ , وَلَا يَسْتَحِقّ الَّذِي يَتْلُو كِتَابًا قَرَأَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَدَبَّرهُ بِتَرْكِهِ التَّدْبِير أَنْ يُقَال : هُوَ ظَانّ لِمَا يَتْلُو إلَّا أَنْ يَكُون شَاكًّا فِي نَفْس مَا يَتْلُوهُ لَا يَدْرِي أَحَقّ هُوَ أَمْ بَاطِل . وَلَمْ يَكُنْ الْقَوْم الَّذِينَ كَانُوا يَتْلُونَ التَّوْرَاة عَلَى عَصْر نَبِيّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْيَهُود فِيمَا بَلَغَنَا شَاكِّينَ فِي التَّوْرَاة أَنَّهَا مِنْ عِنْد اللَّه . وَكَذَلِكَ التَّمَنِّي الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَى الْمُشْتَهَى غَيْر جَائِز أَنْ يُقَال : هُوَ ظَانّ فِي تُمَنِّيهِ , لِأَنَّ التَّمَنِّي مِنْ الْمُتَمَنِّي إذَا تَمَنَّى مَا قَدْ وَجَدَ عَيْنه فَغَيْر جَائِز أَنْ يُقَال : هُوَ شَاكّ فِيمَا هُوَ بِهِ عَالِم ; لِأَنَّ الْعِلْم وَالشَّكّ مَعْنَيَانِ يَنْفِي كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا صَاحِبه لَا يَجُوز اجْتِمَاعهمَا فِي حِيزَ وَاحِد , وَالْمُتَمَنِّي فِي حَال تَمَنِّيه مَوْجُود غَيْر جَائِز أَنْ يُقَال : هُوَ يَظُنّ تَمَنِّيه . وَإِنَّمَا قِيلَ : { لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَاب إلَّا أَمَانِيّ } وَالْأَمَانِيّ مِنْ غَيْر نَوْع الْكِتَاب , كَمَا قَالَ رَبّنَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْم إلَّا اتِّبَاع الظَّنّ } 4 157 وَالظَّنّ مِنْ الْعِلْم بِمَعْزِلٍ , وَكَمَا قَالَ : { وَمَا لِأَحَدٍ عِنْده مِنْ نِعْمَة تُجْزَى إلَّا ابْتِغَاء وَجْه رَبّه الْأَعْلَى } . 92 19 : 20 وَكَمَا قَالَ الشَّاعِر : لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْن قَيْس عِتَاب غَيْر طَعْن الْكُلَى وَضَرْب الرِّقَاب وَكَمَا قَالَ نَابِغَة بَنِي ذُبْيَان : حَلَفْت يَمِينًا غَيْر ذِي مَثْنَوِيَّة وَلَا عِلْم إلَّا حَسَن ظَنَّ بِغَائِبِ فِي نَظَائِر لَمَّا ذَكَرْنَا يَطُول بِإِحْصَائِهَا الْكِتَاب . وَيَخْرُج ب " إلَّا " مَا بَعْدهَا مِنْ مَعْنَى مَا قَبْلهَا , وَمِنْ صِفَته , وَإِنْ كَانَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا مِنْ غَيْر شَكْل الْآخَر وَمِنْ غَيْر نَوْعه , وَيُسَمِّي ذَلِكَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة اسْتِثْنَاء مُنْقَطِعًا لِانْقِطَاعِ الْكَلَام الَّذِي يَأْتِي بَعْد إلَّا عَنْ مَعْنَى مَا قَبْلهَا . وَإِنَّمَا يَكُون ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي كُلّ مَوْضِع حَسُنَ أَنْ يُوضَع فِيهِ مَكَان " إلَّا " " لَكِنْ " , فَيُعْلَم حِينَئِذٍ انْقِطَاع مَعْنَى الثَّانِي عَنْ مَعْنَى الْأَوَّل , أَلَا تَرَى أَنَّك إذَا قُلْت : { وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَاب إلَّا أَمَانِيّ } ثُمَّ أَرَدْت وَضْع " وَلَكِنْ " مَكَان " إلَّا " وَحَذْف " إلَّا " , وَجَدْت الْكَلَام صَحِيحًا مَعْنَاهُ صِحَّته وَفِيهِ " إلَّا " ؟ وَذَلِكَ إذَا قُلْت : { وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَاب } لَكِنْ أَمَانِيّ , يَعْنِي لَكِنَّهُمْ يَتَمَنَّوْنَ , وَكَذَلِكَ قَوْله : { مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْم إلَّا اتِّبَاع الظَّنّ } لَكِنْ اتِّبَاع الظَّنّ , بِمَعْنَى : لَكِنَّهُمْ يَتَّبِعُونَ الظَّنّ , وَكَذَلِكَ جَمِيع هَذَا النَّوْع مِنْ الْكَلَام عَلَى مَا وَصَفْنَا . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْض الْقُرَّاء أَنَّهُ قَرَأَ : { إلَّا أَمَانِيّ } مُخَفَّفَة , وَمَنْ خَفَّفَ ذَلِكَ وَجْهه إلَى نَحْو جَمْعهمْ الْمِفْتَاح مَفَاتِح , وَالْقُرْقُور قَرَاقِر , وَإِنَّ يَاء الْجَمْع لَمَا حُذِفَتْ خُفِّفَتْ الْيَاء الْأَصْلِيَّة , أَعْنِي مِنْ الْأَمَانِيّ , كَمَا جَمَعُوا الْأُثْفِيَّة أَثَافِي مُخَفَّفَة , كَمَا قَالَ زُهَيْر بْن أَبِي سُلْمَى : أَثَافِيَ سُفْعًا فِي مُعَرَّس مِرْجَل وَنُؤْيًا كَجِذْمِ الْحَوْض لَمْ يَتَثَلَّم وَأَمَّا مَنْ ثَقَّلَ : { أَمَانِيّ } فَشَدَّدَ يَاءَهَا فَإِنَّهُ وَجَّهَ ذَلِكَ إلَى نَحْو جَمْعهمْ الْمِفْتَاح مَفَاتِيح , وَالْقُرْقُور قَرَاقِير , وَالزُّنْبُور زَنَابِير , فَاجْتَمَعَتْ يَاء فعاليل وَلَامهَا وَهُمَا جَمِيعًا يَاء أَنَّ فَأُدْغِمَتْ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى فَصَارَتَا يَاء وَاحِدَة مُشَدَّدَة . فَأَمَّا الْقِرَاءَة الَّتِي لَا يَجُوز غَيْرهَا عِنْدِي لِقَارِئٍ فِي ذَلِكَ فَتَشْدِيد يَاء الْأَمَانِيّ , لِإِجْمَاعِ الْقُرَّاء عَلَى أَنَّهَا الْقِرَاءَة الَّتِي مَضَى عَلَى الْقِرَاءَة بِهَا السَّلَف مُسْتَفِيض , ذَلِكَ بَيْنهمْ غَيْر مَدْفُوعَة صِحَّته , وَشُذُوذ الْقَارِئ بِتَخْفِيفِهَا عَمَّا عَلَيْهِ الْحُجَّة مُجْمِعَة فِي ذَلِكَ وَكَفَى خَطَأ عَلَى قَارِئ ذَلِكَ بِتَخْفِيفِهَا إجْمَاعًا عَلَى تَخْطِئَته .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ هُمْ إلَّا يَظُنُّونَ } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَإِنْ هُمْ إلَّا يَظُنُّونَ } وَمَا هُمْ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { قَالَتْ لَهُمْ رُسُلهمْ إنْ نَحْنُ إلَّا بَشَر مِثْلكُمْ } 14 11 يَعْنِي بِذَلِكَ : مَا نَحْنُ إلَّا بَشَر مِثْلكُمْ . وَمَعْنَى قَوْله : { إلَّا يَظُنُّونَ } لَا يَشُكُّونَ وَلَا يَعْلَمُونَ حَقِيقَته وَصِحَّته , وَالظَّنّ فِي هَذَا الْمَوْضِع الشَّكّ , فَمَعْنَى الْآيَة : وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَكْتُب وَلَا يَخُطّ وَلَا يَعْلَم كِتَاب اللَّه وَلَا يَدْرِي مَا فِيهِ إلَّا تَخَرُّصًا وَتَقَوُّلًا عَلَى اللَّه الْبَاطِل ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ مُحِقّ فِي تَخَرُّصه وَتَقَوُّله الْبَاطِل . وَإِنَّمَا وَصَفَهُمْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره بِأَنَّهُمْ فِي تَخَرُّصهمْ عَلَى ظَنّ أَنَّهُمْ مُحِقُّونَ وَهُمْ مُبْطِلُونَ , لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ سَمِعُوا مِنْ رُؤَسَائِهِمْ وَأَحْبَارهمْ أُمُورًا حَسِبُوهَا مِنْ كِتَاب اللَّه , وَلَمْ تَكُنْ مِنْ كِتَاب اللَّه , فَوَصَفَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِأَنَّهُمْ يَتْرُكُونَ التَّصْدِيق بِاَلَّذِي يُوقِنُونَ بِهِ أَنَّهُ مِنْ عِنْد اللَّه مِمَّا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَيَتَّبِعُونَ مَا هُمْ فِيهِ شَاكُّونَ , وَفِي حَقِيقَته مُرْتَابُونَ مِمَّا أَخْبَرَهُمْ بِهِ كُبَرَاؤُهُمْ وَرُؤَسَاؤُهُمْ وَأَحْبَارهمْ عِنَادًا مِنْهُمْ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ , وَمُخَالَفَة مِنْهُمْ لِأَمْرِ اللَّه وَاغْتِرَارًا مِنْهُمْ بِإِمْهَالِ اللَّه إيَّاهُمْ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَإِنْ هُمْ إلَّا يَظُنُّونَ } قَالَ فِيهِ الْمُتَأَوِّلُونَ مِنْ السَّلَف 1135 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنَا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَإِنْ هُمْ إلَّا يَظُنُّونَ } إلَّا يَكْذِبُونَ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 1136 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , عَنْ عِكْرِمَة أَوْ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس : { لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَاب إلَّا أَمَانِيّ وَإِنْ هُمْ إلَّا يَظُنُّونَ } أَيْ لَا يَعْلَمُونَ وَلَا يَدْرُونَ مَا فِيهِ , وَهُمْ يَجْحَدُونَ نُبُوَّتك بِالظَّنِّ . 1137 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { وَإِنْ هُمْ إلَّا يَظُنُّونَ } قَالَ : يَظُنُّونَ الظُّنُون بِغَيْرِ الْحَقّ . 1138 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , قَالَ : يَظُنُّونَ الظُّنُون بِغَيْرِ الْحَقّ . 1139 - حَدَّثَنَا عَنْ عُمَارَة , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله .
فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ ↑
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَوَيْل } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { فَوَيْل } . فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 1140 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , عَنْ بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس { فَوَيْل لَهُمْ } يَقُول : فَالْعَذَاب عَلَيْهِمْ . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 1141 - حَدَّثَنَا بِهِ ابْن بَشَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن مَهْدِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان , عَنْ زِيَاد بْن فَيَّاض , قَالَ : سَمِعْت أَبَا عِيَاض يَقُول : الْوَيْل : مَا يَسِيل مِنْ صَدِيد فِي أَصْل جَهَنَّم . * - حَدَّثَنَا بِشْر بْن أَبَانَ الْخَطَّاب , قَالَ : حَدَّثَنَا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ زِيَاد بْن فَيَّاض , عَنْ أَبِي عِيَاض فِي قَوْله : { فَوَيْل } قَالَ : صِهْرِيج فِي أَصْل جَهَنَّم يَسِيل فِيهِ صَدِيدهمْ . * - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَهْل الرَّمْلِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا زَيْد بْن أَبِي الزَّرْقَاء , قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن زِيَاد بْن فَيَّاض , عَنْ أَبِي عِيَاض , قَالَ : الْوَيْل وَادٍ مِنْ صَدِيد فِي جَهَنَّم . 1142 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد قَالَ : حَدَّثَنَا مِهْرَانَ عَنْ شَقِيق قَالَ : { وَيْل } مَا يَسِيل مِنْ صَدِيد فِي أَصْل جَهَنَّم . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 1143 - حَدَّثَنَا بِهِ الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا إبْرَاهِيم بْن عَبْد السَّلَام بْن صَالِح التُّسْتَرِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن جَرِير , عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة بْن عَبْد الْحَمِيد بْن جَعْفَر , عَنْ كِنَانَة الْعَدَوِيّ , عَنْ عُثْمَان بْن عَفَّانَ , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَالَ : " الْوَيْل جَبَل فِي النَّار " . 1144 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمْرو بْن الْحَارِث , عَنْ دَرَّاج , عَنْ أَبِي الْهَيْثَم , عَنْ أَبِي سَعِيد , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " وَيْل وَادٍ فِي جَهَنَّم يَهْوِي فِيهِ الْكَافِر أَرْبَعِينَ خَرِيفًا قَبْل أَنْ يَبْلُغ إلَى قَعْره " . قَالَ أَبُو جَعْفَر : فَمَعْنَى الْآيَة عَلَى مَا رُوِيَ عَمَّنْ ذَكَرْت قَوْله فِي تَأْوِيل { وَيْل } فَالْعَذَاب الَّذِي هُوَ شُرْب صَدِيد أَهْل جَهَنَّم فِي أَسْفَل الْجَحِيم لِلْيَهُودِ الَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْبَاطِل بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْد اللَّه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَاب بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْد اللَّه لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا } . يَعْنِي بِذَلِكَ : الَّذِينَ حَرَّفُوا كِتَاب اللَّه مِنْ يَهُود بَنِي إسْرَائِيل , وَكَتَبُوا كِتَابًا عَلَى مَا تَأَوَّلُوهُ مِنْ تَأْوِيلَاتهمْ مُخَالِفًا لِمَا أَنَزَلَ اللَّه عَلَى نَبِيّه مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ بَاعُوهُ مِنْ قَوْم لَا عِلْم لَهُمْ بِهَا وَلَا بِمَا فِي التَّوْرَاة جُهَّال بِمَا فِي كُتُب اللَّه لِطَلَبِ عَرْض مِنْ الدُّنْيَا خَسِيس , فَقَالَ اللَّه لَهُمْ : { فَوَيْل لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهمْ وَوَيْل لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ } . كَمَا : 1145 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَوَيْل لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَاب بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْد اللَّه لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا } قَالَ : كَانَ نَاس مِنْ الْيَهُود كَتَبُوا كِتَابًا مِنْ عِنْدهمْ يَبِيعُونَهُ مِنْ الْعَرَب , وَيُحَدِّثُونَهُمْ أَنَّهُ مِنْ عِنْد اللَّه لِيَأْخُذُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا . 1146 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : الْأُمِّيُّونَ قَوْم لَمْ يُصَدِّقُوا رَسُولًا أَرْسَلَهُ اللَّه , وَلَا كِتَاب أَنَزَلَهُ اللَّه , فَكَتَبُوا كِتَابًا بِأَيْدِيهِمْ , ثُمَّ قَالُوا لِقَوْمٍ سَفَلَة جُهَّال : { هَذَا مِنْ عِنْد اللَّه لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا } قَالَ : عَرَضًا مِنْ عَرَض الدُّنْيَا . 1147 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { الَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَاب بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْد اللَّه } قَالَ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ عَرَفُوا أَنَّهُ مِنْ عِنْد اللَّه يُحَرِّفُونَهُ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله , إلَّا أَنَّهُ قَالَ : ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ . 1148 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { فَوَيْل لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَاب بِأَيْدِيهِمْ } الْآيَة , وَهُمْ الْيَهُود . 1149 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { فَوَيْل لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَاب بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْد اللَّه } قَالَ : كَانَ نَاس مِنْ بَنِي إسْرَائِيل كَتَبُوا كِتَابًا بِأَيْدِيهِمْ لِيَتَآكَلُوا النَّاس , فَقَالُوا : هَذَا مِنْ عِنْد اللَّه , وَمَا هُوَ مِنْ عِنْد اللَّه . 1150 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة قَوْله : { فَوَيْل لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَاب بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْد اللَّه لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا } قَالَ : عَمِدُوا إلَى مَا أَنَزَلَ اللَّه فِي كِتَابهمْ مِنْ نَعْت مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَحَرَّفُوهُ عَنْ مَوَاضِعه يَبْتَغُونَ بِذَلِكَ عَرَضًا مِنْ عَرَض الدُّنْيَا , فَقَالَ : { فَوَيْل لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهمْ وَوَيْل لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ } . 1151 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا إبْرَاهِيم بْن عَبْد السَّلَام , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن جَرِير , عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ عَبْد الْحَمِيد بْن جَعْفَر , عَنْ كِنَانَة الْعَدَوِيّ , عَنْ عُثْمَان بْن عَفَّانَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { فَوَيْل لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهمْ وَوَيْل لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ } " الْوَيْل : جَبَل فِي النَّار " . وَهُوَ الَّذِي أُنْزِلَ فِي الْيَهُود لِأَنَّهُمْ حَرَّفُوا التَّوْرَاة , وَزَادُوا فِيهَا مَا يُحِبُّونَ , وَمَحَوْا مِنْهَا مَا يَكْرَهُونَ , وَمَحَوْا اسْم مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ التَّوْرَاة , فَلِذَلِكَ غَضِبَ اللَّه عَلَيْهِمْ فَرَفَعَ بَعْض التَّوْرَاة فَقَالَ : { فَوَيْل لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهمْ وَوَيْل لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ } . 1152 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي سَعِيد بْن أَبِي أَيُّوب , عَنْ مُحَمَّد بْن عَجْلَان , عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ , عَنْ عَطَاء بْن يَسَار , قَالَ : { وَيْل } وَادٍ فِي جَهَنَّم لَوْ سُيِّرَتْ فِيهِ الْجِبَال لَانْمَاعَتْ مِنْ شِدَّة حَرّه . قَالَ أَبُو جَعْفَر : إنْ قَالَ لَنَا قَائِل : مَا وَجْه { فَوَيْل لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَاب بِأَيْدِيهِمْ } ؟ وَهَلْ تَكُون الْكِتَابَة بِغَيْرِ الْيَد حَتَّى احْتَاجَ الْمُخَاطَب بِهَذِهِ الْمُخَاطَبَة إلَى أَنْ يُخْبِرُوا عَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ قَصَّ اللَّه قِصَّتهمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْتُبُونَ الْكِتَاب بِأَيْدِيهِمْ ؟ قِيلَ لَهُ : إنَّ الْكِتَاب مِنْ بَنِي آدَم وَإِنْ كَانَ مِنْهُمْ بِالْيَدِ , فَإِنَّهُ قَدْ يُضَاف الْكِتَاب إلَى غَيْر كَاتِبه وَغَيْر الْمُتَوَلِّي رَسْم خَطّه , فَيُقَال : كَتَبَ فُلَان إلَى فُلَان بِكَذَا , وَإِنْ كَانَ الْمُتَوَلِّي كِتَابَته بِيَدِهِ غَيْر الْمُضَاف إلَيْهِ الْكِتَاب , إذَا كَانَ الْكَاتِب كَتَبَهُ بِأَمْرِ الْمُضَاف إلَيْهِ الْكِتَاب . فَأَعْلَمَ رَبّنَا بِقَوْلِهِ : { فَوَيْل لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَاب بِأَيْدِيهِمْ } عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ أَحْبَار الْيَهُود تَلِي كِتَابَة الْكَذِب وَالْفِرْيَة عَلَى اللَّه بِأَيْدِيهِمْ عَلَى عِلْم مِنْهُمْ وَعَمِدَ لِلْكَذِبِ عَلَى اللَّه ثُمَّ تَنَحَّلَهُ إلَى أَنَّهُ مِنْ عِنْد اللَّه وَفِي كِتَاب اللَّه تَكَذُّبًا عَلَى اللَّه وَافْتِرَاء عَلَيْهِ . فَنَفَى جَلّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { يَكْتُبُونَ الْكِتَاب بِأَيْدِيهِمْ } أَنْ يَكُون وَلِيَ كِتَابَة ذَلِكَ بَعْض جُهَّالهمْ بِأَمْرِ عُلَمَائِهِمْ وَأَحْبَارهمْ . وَذَلِكَ نَظِير قَوْل الْقَائِل : بَاعَنِي فُلَان عَيْنه كَذَا وَكَذَا , فَاشْتَرَى فُلَان نَفْسه كَذَا , يُرَاد بِإِدْخَالِ النَّفْس وَالْعَيْن فِي ذَلِكَ نَفْي اللُّبْس عَنْ سَامِعه أَنْ يَكُون الْمُتَوَلِّي بَيْع ذَلِكَ وَشِرَاءَهُ غَيْر الْمَوْصُوف بِهِ بِأَمْرِهِ , وَيُوجِب حَقِيقَة الْفِعْل لِلْمُخْبِرِ عَنْهُ ; فَكَذَلِكَ قَوْله : { فَوَيْل لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَاب بِأَيْدِيهِمْ } .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَوَيْل لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهمْ وَوَيْل لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { فَوَيْل لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهمْ } أَيْ فَالْعَذَاب فِي الْوَادِي السَّائِل مِنْ صَدِيد أَهْل النَّار فِي أَسْفَل جَهَنَّم لَهُمْ , يَعْنِي لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَاب الَّذِي وَصَفْنَا أَمْره مِنْ يَهُود بَنِي إسْرَائِيل مُحَرَّفًا , ثُمَّ قَالُوا : هَذَا مِنْ عِنْد اللَّه ; ابْتِغَاء عَرَض مِنْ الدُّنْيَا بِهِ قَلِيل مِمَّنْ يَبْتَاعهُ مِنْهُمْ . وَقَوْله : { مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهمْ } يَقُول : مَنْ الَّذِي كَتَبَتْ أَيْدِيهمْ مِنْ ذَلِكَ { وَوَيْل لَهُمْ } أَيْضًا { مِمَّا يَكْسِبُونَ } يَعْنِي مِمَّا يَعْمَلُونَ مِنْ الْخَطَايَا , وَيَجْتَرِحُونَ مِنْ الْآثَام , وَيَكْسِبُونَ مِنْ الْحَرَام بِكِتَابِهِمْ الَّذِي يَكْتُبُونَهُ بِأَيْدِيهِمْ , بِخِلَافِ مَا أَنَزَلَ اللَّه , ثُمَّ يَأْكُلُونَ ثَمَنه وَقَدْ بَاعُوهُ مِمَّنْ بَاعُوهُ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ مِنْ كِتَاب اللَّه . كَمَا : 1153 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { وَوَيْل لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ } يَعْنِي مِنْ الْخَطِيئَة . 1154 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن سَعِيد , عَنْ بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { فَوَيْل لَهُمْ } يَقُول : فَالْعَذَاب عَلَيْهِمْ قَالَ : يَقُول مِنْ الَّذِي كَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ ذَلِكَ الْكَذِب { وَوَيْل لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ } يَقُول : مِمَّا يَأْكُلُونَ بِهِ مِنْ السَّفَلَة وَغَيْرهمْ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَصْل الْكَسْب : الْعَمَل , فَكُلّ عَامِل عَمَلًا بِمُبَاشَرَةٍ مِنْهُ لِمَا عَمِلَ وَمُعَانَاة بِاحْتِرَافٍ , فَهُوَ كَاسِب لِمَا عَمِلَ , كَمَا قَالَ لَبِيد بْن رَبِيعَة : لِمُعَفَّرٍ قَهْد تَنَازَعَ شِلْوه غُبْس كَوَاسِب لَا يُمَنّ طَعَامهَا
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَاب بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْد اللَّه لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا } . يَعْنِي بِذَلِكَ : الَّذِينَ حَرَّفُوا كِتَاب اللَّه مِنْ يَهُود بَنِي إسْرَائِيل , وَكَتَبُوا كِتَابًا عَلَى مَا تَأَوَّلُوهُ مِنْ تَأْوِيلَاتهمْ مُخَالِفًا لِمَا أَنَزَلَ اللَّه عَلَى نَبِيّه مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ بَاعُوهُ مِنْ قَوْم لَا عِلْم لَهُمْ بِهَا وَلَا بِمَا فِي التَّوْرَاة جُهَّال بِمَا فِي كُتُب اللَّه لِطَلَبِ عَرْض مِنْ الدُّنْيَا خَسِيس , فَقَالَ اللَّه لَهُمْ : { فَوَيْل لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهمْ وَوَيْل لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ } . كَمَا : 1145 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَوَيْل لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَاب بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْد اللَّه لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا } قَالَ : كَانَ نَاس مِنْ الْيَهُود كَتَبُوا كِتَابًا مِنْ عِنْدهمْ يَبِيعُونَهُ مِنْ الْعَرَب , وَيُحَدِّثُونَهُمْ أَنَّهُ مِنْ عِنْد اللَّه لِيَأْخُذُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا . 1146 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : الْأُمِّيُّونَ قَوْم لَمْ يُصَدِّقُوا رَسُولًا أَرْسَلَهُ اللَّه , وَلَا كِتَاب أَنَزَلَهُ اللَّه , فَكَتَبُوا كِتَابًا بِأَيْدِيهِمْ , ثُمَّ قَالُوا لِقَوْمٍ سَفَلَة جُهَّال : { هَذَا مِنْ عِنْد اللَّه لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا } قَالَ : عَرَضًا مِنْ عَرَض الدُّنْيَا . 1147 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { الَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَاب بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْد اللَّه } قَالَ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ عَرَفُوا أَنَّهُ مِنْ عِنْد اللَّه يُحَرِّفُونَهُ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله , إلَّا أَنَّهُ قَالَ : ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ . 1148 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { فَوَيْل لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَاب بِأَيْدِيهِمْ } الْآيَة , وَهُمْ الْيَهُود . 1149 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { فَوَيْل لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَاب بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْد اللَّه } قَالَ : كَانَ نَاس مِنْ بَنِي إسْرَائِيل كَتَبُوا كِتَابًا بِأَيْدِيهِمْ لِيَتَآكَلُوا النَّاس , فَقَالُوا : هَذَا مِنْ عِنْد اللَّه , وَمَا هُوَ مِنْ عِنْد اللَّه . 1150 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة قَوْله : { فَوَيْل لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَاب بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْد اللَّه لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا } قَالَ : عَمِدُوا إلَى مَا أَنَزَلَ اللَّه فِي كِتَابهمْ مِنْ نَعْت مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَحَرَّفُوهُ عَنْ مَوَاضِعه يَبْتَغُونَ بِذَلِكَ عَرَضًا مِنْ عَرَض الدُّنْيَا , فَقَالَ : { فَوَيْل لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهمْ وَوَيْل لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ } . 1151 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا إبْرَاهِيم بْن عَبْد السَّلَام , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن جَرِير , عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ عَبْد الْحَمِيد بْن جَعْفَر , عَنْ كِنَانَة الْعَدَوِيّ , عَنْ عُثْمَان بْن عَفَّانَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { فَوَيْل لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهمْ وَوَيْل لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ } " الْوَيْل : جَبَل فِي النَّار " . وَهُوَ الَّذِي أُنْزِلَ فِي الْيَهُود لِأَنَّهُمْ حَرَّفُوا التَّوْرَاة , وَزَادُوا فِيهَا مَا يُحِبُّونَ , وَمَحَوْا مِنْهَا مَا يَكْرَهُونَ , وَمَحَوْا اسْم مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ التَّوْرَاة , فَلِذَلِكَ غَضِبَ اللَّه عَلَيْهِمْ فَرَفَعَ بَعْض التَّوْرَاة فَقَالَ : { فَوَيْل لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهمْ وَوَيْل لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ } . 1152 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي سَعِيد بْن أَبِي أَيُّوب , عَنْ مُحَمَّد بْن عَجْلَان , عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ , عَنْ عَطَاء بْن يَسَار , قَالَ : { وَيْل } وَادٍ فِي جَهَنَّم لَوْ سُيِّرَتْ فِيهِ الْجِبَال لَانْمَاعَتْ مِنْ شِدَّة حَرّه . قَالَ أَبُو جَعْفَر : إنْ قَالَ لَنَا قَائِل : مَا وَجْه { فَوَيْل لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَاب بِأَيْدِيهِمْ } ؟ وَهَلْ تَكُون الْكِتَابَة بِغَيْرِ الْيَد حَتَّى احْتَاجَ الْمُخَاطَب بِهَذِهِ الْمُخَاطَبَة إلَى أَنْ يُخْبِرُوا عَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ قَصَّ اللَّه قِصَّتهمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْتُبُونَ الْكِتَاب بِأَيْدِيهِمْ ؟ قِيلَ لَهُ : إنَّ الْكِتَاب مِنْ بَنِي آدَم وَإِنْ كَانَ مِنْهُمْ بِالْيَدِ , فَإِنَّهُ قَدْ يُضَاف الْكِتَاب إلَى غَيْر كَاتِبه وَغَيْر الْمُتَوَلِّي رَسْم خَطّه , فَيُقَال : كَتَبَ فُلَان إلَى فُلَان بِكَذَا , وَإِنْ كَانَ الْمُتَوَلِّي كِتَابَته بِيَدِهِ غَيْر الْمُضَاف إلَيْهِ الْكِتَاب , إذَا كَانَ الْكَاتِب كَتَبَهُ بِأَمْرِ الْمُضَاف إلَيْهِ الْكِتَاب . فَأَعْلَمَ رَبّنَا بِقَوْلِهِ : { فَوَيْل لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَاب بِأَيْدِيهِمْ } عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ أَحْبَار الْيَهُود تَلِي كِتَابَة الْكَذِب وَالْفِرْيَة عَلَى اللَّه بِأَيْدِيهِمْ عَلَى عِلْم مِنْهُمْ وَعَمِدَ لِلْكَذِبِ عَلَى اللَّه ثُمَّ تَنَحَّلَهُ إلَى أَنَّهُ مِنْ عِنْد اللَّه وَفِي كِتَاب اللَّه تَكَذُّبًا عَلَى اللَّه وَافْتِرَاء عَلَيْهِ . فَنَفَى جَلّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { يَكْتُبُونَ الْكِتَاب بِأَيْدِيهِمْ } أَنْ يَكُون وَلِيَ كِتَابَة ذَلِكَ بَعْض جُهَّالهمْ بِأَمْرِ عُلَمَائِهِمْ وَأَحْبَارهمْ . وَذَلِكَ نَظِير قَوْل الْقَائِل : بَاعَنِي فُلَان عَيْنه كَذَا وَكَذَا , فَاشْتَرَى فُلَان نَفْسه كَذَا , يُرَاد بِإِدْخَالِ النَّفْس وَالْعَيْن فِي ذَلِكَ نَفْي اللُّبْس عَنْ سَامِعه أَنْ يَكُون الْمُتَوَلِّي بَيْع ذَلِكَ وَشِرَاءَهُ غَيْر الْمَوْصُوف بِهِ بِأَمْرِهِ , وَيُوجِب حَقِيقَة الْفِعْل لِلْمُخْبِرِ عَنْهُ ; فَكَذَلِكَ قَوْله : { فَوَيْل لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَاب بِأَيْدِيهِمْ } .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَوَيْل لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهمْ وَوَيْل لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { فَوَيْل لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهمْ } أَيْ فَالْعَذَاب فِي الْوَادِي السَّائِل مِنْ صَدِيد أَهْل النَّار فِي أَسْفَل جَهَنَّم لَهُمْ , يَعْنِي لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَاب الَّذِي وَصَفْنَا أَمْره مِنْ يَهُود بَنِي إسْرَائِيل مُحَرَّفًا , ثُمَّ قَالُوا : هَذَا مِنْ عِنْد اللَّه ; ابْتِغَاء عَرَض مِنْ الدُّنْيَا بِهِ قَلِيل مِمَّنْ يَبْتَاعهُ مِنْهُمْ . وَقَوْله : { مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهمْ } يَقُول : مَنْ الَّذِي كَتَبَتْ أَيْدِيهمْ مِنْ ذَلِكَ { وَوَيْل لَهُمْ } أَيْضًا { مِمَّا يَكْسِبُونَ } يَعْنِي مِمَّا يَعْمَلُونَ مِنْ الْخَطَايَا , وَيَجْتَرِحُونَ مِنْ الْآثَام , وَيَكْسِبُونَ مِنْ الْحَرَام بِكِتَابِهِمْ الَّذِي يَكْتُبُونَهُ بِأَيْدِيهِمْ , بِخِلَافِ مَا أَنَزَلَ اللَّه , ثُمَّ يَأْكُلُونَ ثَمَنه وَقَدْ بَاعُوهُ مِمَّنْ بَاعُوهُ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ مِنْ كِتَاب اللَّه . كَمَا : 1153 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { وَوَيْل لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ } يَعْنِي مِنْ الْخَطِيئَة . 1154 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن سَعِيد , عَنْ بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { فَوَيْل لَهُمْ } يَقُول : فَالْعَذَاب عَلَيْهِمْ قَالَ : يَقُول مِنْ الَّذِي كَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ ذَلِكَ الْكَذِب { وَوَيْل لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ } يَقُول : مِمَّا يَأْكُلُونَ بِهِ مِنْ السَّفَلَة وَغَيْرهمْ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَصْل الْكَسْب : الْعَمَل , فَكُلّ عَامِل عَمَلًا بِمُبَاشَرَةٍ مِنْهُ لِمَا عَمِلَ وَمُعَانَاة بِاحْتِرَافٍ , فَهُوَ كَاسِب لِمَا عَمِلَ , كَمَا قَالَ لَبِيد بْن رَبِيعَة : لِمُعَفَّرٍ قَهْد تَنَازَعَ شِلْوه غُبْس كَوَاسِب لَا يُمَنّ طَعَامهَا
وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالُوا لَنْ تَمَسّنَا النَّار إلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَة } يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَقَالُوا } الْيَهُود , يَقُول : وَقَالَتْ الْيَهُود : { لَنْ تَمَسّنَا النَّار } ; يَعْنِي لَنْ تُلَاقِي أَجْسَامنَا النَّار , وَلَنْ نَدْخُلهَا إلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَة . وَإِنَّمَا قِيلَ مَعْدُودَة وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُبَيِّنًا عَدَدهَا فِي التَّنْزِيل ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ عَنْهُمْ بِذَلِكَ وَهُمْ عَارِفُونَ عَدَد الْأَيَّام الَّتِي يُوَقِّتُونَهَا لِمُكْثِهِمْ فِي النَّار , فَلِذَلِكَ تَرَكَ ذِكْر تَسْمِيَة عَدَد تِلْكَ الْأَيَّام وَسَمَّاهَا مَعْدُودَة لِمَا وَصَفْنَا . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَبْلَغ الْأَيَّام الْمَعْدُودَة الَّتِي عَيَّنَهَا الْيَهُود الْقَائِلُونَ مَا أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ . فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 1155 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن سَعِيد , عَنْ بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَقَالُوا لَنْ تَمَسّنَا النَّار إلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَة } قَالَ ذَلِكَ أَعْدَاء اللَّه الْيَهُود , قَالُوا : لَنْ يُدْخِلنَا اللَّه النَّار إلَّا تَحِلَّة الْقَسَم الْأَيَّام الَّتِي أَصَبْنَا فِيهَا الْعِجْل أَرْبَعِينَ يَوْمًا , فَإِذَا انْقَضَتْ عَنَّا تِلْكَ الْأَيَّام , انْقَطَعَ عَنَّا الْعَذَاب وَالْقَسْم . 1156 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { لَنْ تَمَسّنَا النَّار إلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَة } قَالُوا : أَيَّامًا مَعْدُودَة بِمَا أَصَبْنَا فِي الْعِجْل . 1157 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَقَالُوا لَنْ تَمَسّنَا النَّار إلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَة } قَالَ : قَالَتْ الْيَهُود : إنَّ اللَّه يُدْخِلنَا النَّار فَنَمْكُث فِيهَا أَرْبَعِينَ لَيْلَة , حَتَّى إذَا أَكَلَتْ النَّار خَطَايَانَا وَاسْتَنْقَتْنَا , نَادَى مُنَادٍ : أَخْرِجُوا كُلّ مَخْتُون مِنْ وَلَد بَنِي إسْرَائِيل , فَلِذَلِكَ أُمِرْنَا أَنْ نَخْتَتِن . قَالُوا : فَلَا يَدَعُونَ مِنَّا فِي النَّار أَحَدًا إلَّا أَخَرَجُوهُ . 1158 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , قَالَ : قَالَتْ الْيَهُود : إنَّ رَبّنَا عَتَبَ عَلَيْنَا فِي أَمْرنَا , فَأَقْسَمَ لَيُعَذِّبنَا أَرْبَعِينَ لَيْلَة , ثُمَّ يُخْرِجنَا . فَأَكْذَبَهُمْ اللَّه . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ قَتَادَةَ , قَالَ : قَالَتْ الْيَهُود : لَنْ نَدْخُل النَّار إلَّا تَحِلَّة الْقَسَم , عَدَد الْأَيَّام الَّتِي عَبْدنَا فِيهَا الْعِجْل . 1159 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { لَنْ تَمَسّنَا النَّار إلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَة } الْآيَة . قَالَ ابْن عَبَّاس : ذُكِرَ أَنَّ الْيَهُود وَجَدُوا فِي التَّوْرَاة مَكْتُوبًا : " إنَّ مَا بَيْن طَرَفَيْ جَهَنَّم مَسِيرَة أَرْبَعِينَ سَنَة إلَى أَنْ يَنْتَهُوا إلَى شَجَرَة الزَّقُّوم نَابِتَة فِي أَصْل الْجَحِيم " . وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول : إنَّ الْجَحِيم سَقَر , وَفِيهِ شَجَرَة الزَّقُّوم , فَزَعَمَ أَعْدَاء اللَّه أَنَّهُ إذَا خَلَا الْعَدَد الَّذِي وَجَدُوا فِي كِتَابهمْ أَيَّامًا مَعْدُودَة . وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِكَ الْمَسِير الَّذِي يَنْتَهِي إلَى أَصْل الْجَحِيم , فَقَالُوا : إذَا خَلَا الْعَدَد انْتَهَى الْأَجَل فَلَا عَذَاب وَتَذْهَب جَهَنَّم وَتَهْلَك ; فَذَلِكَ قَوْله : { لَنْ تَمَسّنَا النَّار إلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَة } يَعْنُونَ بِذَلِكَ الْأَجَل . فَقَالَ ابْن عَبَّاس : لَمَّا اقْتَحَمُوا مِنْ بَاب جَهَنَّم سَارُوا فِي الْعَذَاب , حَتَّى انْتَهَوْا إلَى شَجَرَة الزَّقُّوم آخَر يَوْم مِنْ الْأَيَّام الْمَعْدُودَة , قَالَ لَهُمْ خُزَّان سَقَر : زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ لَنْ تَمَسّكُمْ النَّار إلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَة , فَقَدْ خَلَا الْعَدَد وَأَنْتُمْ فِي الْأَبَد ! فَأَخَذَ بِهِمْ فِي الصُّعُود فِي جَهَنَّم يَرْهَقُونَ . 1160 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَقَالُوا لَنْ تَمَسّنَا النَّار إلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَة } إلَّا أَرْبَعِينَ لَيْلَة . 1161 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا حَفْص بْن عُمَر , عَنْ الْحَكَم بْن أَبَانَ , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : خَاصَمَتْ الْيَهُود رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : لَنْ نَدْخُل النَّار إلَّا أَرْبَعِينَ لَيْلَة , وَسَيَخْلُفُنَا فِيهَا قَوْم آخَرُونَ ! يَعْنُونَ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ عَلَى رُءُوسهمْ : " بَلْ أَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ لَا يَخْلُفكُمْ فِيهَا أَحَد " فَأَنْزَلَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَقَالُوا لَنْ تَمَسّنَا النَّار إلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَة } . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : أَخْبَرَنِي الْحَكَم بْن أَبَانَ , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : اجْتَمَعَتْ يَهُود يَوْمًا تُخَاصِم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : { لَنْ تَمَسّنَا النَّار إلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَة } - وَسَمَّوْا أَرْبَعِينَ يَوْمًا - ثُمَّ يَخْلُفنَا أَوْ يَلْحَقنَا فِيهَا أُنَاس ; فَأَشَارُوا إلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَذَبْتُمْ , بَلْ أَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ مُخَلَّدُونَ لَا نَلْحَقكُمْ وَلَا نَخْلُفكُمْ فِيهَا إنَّ شَاءَ اللَّه أَبَدًا " . 1162 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن مَعْبَد , عَنْ أَبِي مُعَاوِيَة , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { لَنْ تَمَسّنَا النَّار إلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَة } قَالَ : قَالَتْ الْيَهُود : لَا نُعَذَّب فِي النَّار يَوْم الْقِيَامَة إلَّا أَرْبَعِينَ يَوْمًا مِقْدَار مَا عَبْدنَا الْعِجْل . 1163 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ : " أَنْشُدكُمْ بِاَللَّهِ وَبِالتَّوْرَاةِ الَّتِي أَنَزَلَهَا اللَّه عَلَى مُوسَى يَوْم طُور سَيْنَاء , مِنْ أَهْل النَّار الَّذِينَ أَنَزَلَهُمْ اللَّه فِي التَّوْرَاة ؟ " قَالُوا : إنَّ رَبّهمْ غَضِبَ عَلَيْهِمْ غَضْبَة , فَمَكَثَ فِي النَّار أَرْبَعِينَ لَيْلَة , ثُمَّ نَخْرُج فَتَخْلُفُونَنَا فِيهَا . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَذَبْتُمْ وَاَللَّه ! لَا نَخْلُفكُمْ فِيهَا أَبَدًا " . فَنَزَلَ الْقُرْآن تَصْدِيقًا لِقَوْلِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَتَكْذِيبًا لَهُمْ : { وَقَالُوا لَنْ تَمَسّنَا النَّار إلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَة قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْد اللَّه عَهْدًا } إلَى قَوْله : { هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } . وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا : 1164 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْرٍ , قَالَ : ثنا ابْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , قَالَ : حَدَّثَنِي سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَتْ يَهُود يَقُولُونَ : إنَّمَا مُدَّة الدُّنْيَا سَبْعَة آلَاف سَنَة , وَإِنَّمَا يُعَذِّب اللَّه النَّاس يَوْم الْقِيَامَة بِكُلِّ أَلْف سَنَة مِنْ أَيَّام الدُّنْيَا يَوْمًا وَاحِدًا مِنْ أَيَّام الْآخِرَة , وَإِنَّهَا سَبْعَة أَيَّام . فَأَنْزَلَ اللَّه فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلهمْ : { وَقَالُوا لَنْ تَمَسّنَا النَّار إلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَة } الْآيَة . * - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : قَدِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة وَيَهُود تَقُول : إنَّمَا مُدَّة الدُّنْيَا سَبْعَة آلَاف سَنَة , وَإِنَّمَا يُعَذِّب النَّاس فِي النَّار بِكُلِّ أَلْف سَنَة مِنْ أَيَّام الدُّنْيَا يَوْمًا وَاحِدًا فِي النَّار مِنْ أَيَّام الْآخِرَة , فَإِنَّمَا هِيَ سَبْعَة أَيَّام ثُمَّ يَنْقَطِع الْعَذَاب . فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلهمْ { لَنْ تَمَسّنَا النَّار } الْآيَة . 1165 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { وَقَالُوا لَنْ تَمَسّنَا النَّار إلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَة } قَالَ : كَانَتْ تَقُول : إنَّمَا الدُّنْيَا سَبْعَة آلَاف سَنَة , وَإِنَّمَا نُعَذَّب مَكَان كُلّ أَلْف سَنَة يَوْمًا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله , إلَّا أَنَّهُ قَالَ : كَانَتْ الْيَهُود تَقُول : إنَّمَا الدُّنْيَا , وَسَائِر الْحَدِيث مِثْله . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ مُجَاهِد : { وَقَالُوا لَنْ تَمَسّنَا النَّار إلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَة } مِنْ الدَّهْر , وَسَمَّوْا عِدَّة سَبْعَة آلَاف سَنَة , مِنْ كُلّ أَلْف سَنَة يَوْمًا ; يَهُود تَقُول .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْد اللَّه عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِف اللَّه عَهْده أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّه مَا لَا تَعْلَمُونَ } . قَالَ أَبُو جَعْفَر : لَمَّا قَالَتْ الْيَهُود مَا قَالَتْ مِنْ قَوْلهَا : { لَنْ تَمَسّنَا النَّار إلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَة } عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا مِنْ تَأْوِيل ذَلِكَ , قَالَ اللَّه لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِمَعْشَرِ الْيَهُود { أَتَّخَذْتُمْ عِنْد اللَّه عَهْدًا } أَخَذْتُمْ بِمَا تَقُولُونَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ اللَّه مِيثَاقًا فَاَللَّه لَا يَنْقُض مِيثَاقه وَلَا يُبَدِّل وَعْده وَعَقْده , أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّه الْبَاطِل جَهْلًا وَجَرَاءَة عَلَيْهِ ؟ كَمَا : 1166 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْد اللَّه عَهْدًا } أَيْ مَوْثِقًا مِنْ اللَّه بِذَلِكَ أَنَّهُ كَمَا تَقُولُونَ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 1167 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ قَتَادَةَ قَالَ : قَالَتْ الْيَهُود : لَنْ نَدْخُل النَّار إلَّا تَحِلَّة الْقَسَم عِدَّة الْأَيَّام الَّتِي عَبْدنَا فِيهَا الْعِجْل . فَقَالَ اللَّه : { أَتَّخَذْتُمْ عِنْد اللَّه عَهْدًا } بِهَذَا الَّذِي تَقُولُونَهُ , أَلَكُمْ بِهَذَا حُجَّة وَبُرْهَان { فَلَنْ يُخْلِف اللَّه عَهْده } فَهَاتُوا حُجَّتكُمْ وَبُرْهَانكُمْ { أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّه مَا لَا تَعْلَمُونَ } . 1168 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن سَعِيد , عَنْ بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : لَمَّا قَالَتْ الْيَهُود مَا قَالَتْ , قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِمُحَمَّدٍ : { قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْد اللَّه عَهْدًا } يَقُول : أَدَّخَرْتُمْ عِنْد اللَّه عَهْدًا ؟ يَقُول : أَقُلْتُمْ لَا إلَه إلَّا اللَّه لَمْ تُشْرِكُوا , وَلَمْ تَكْفُرُوا بِهِ ؟ فَإِنْ كُنْتُمْ قُلْتُمُوهَا فَارْجُوا بِهَا , وَإِنْ كُنْتُمْ لَمْ تَقُولُوهَا فَلَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّه مَا لَا تَعْلَمُونَ ؟ يَقُول : لَوْ كُنْتُمْ قُلْتُمْ لَا إلَه إلَّا اللَّه , وَلَمْ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا , ثُمَّ مُتُّمْ عَلَى ذَلِكَ لَكَانَ لَكُمْ ذُخْرًا عِنْدِي , وَلَمْ أَخْلُف وَعْدِي لَكُمْ أَنِّي أُجَازِيكُمْ بِهَا . 1169 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : لَمَّا قَالَتْ الْيَهُود مَا قَالَتْ , قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْد اللَّه عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِف اللَّه عَهْده } وَقَالَ فِي مَكَان آخَر : { وَغَرَّهُمْ فِي دِينهمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } . 3 24 ثُمَّ أَخْبَرَ الْخَبَر فَقَالَ : { بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَة } . وَهَذِهِ الْأَقْوَال الَّتِي رَوَيْنَاهَا عَنْ ابْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَقَتَادَةُ بِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيل قَوْله : { قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْد اللَّه عَهْدًا } لِأَنَّ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّه عِبَاده مِنْ مِيثَاقه أَنَّ مَنْ آمَنَ بِهِ وَأَطَاعَ أَمْره نَجَّاهُ مِنْ نَاره يَوْم الْقِيَامَة . وَمِنْ الْإِيمَان بِهِ الْإِقْرَار بِأَنَّ لَا إلَه إلَّا اللَّه , وَكَذَلِكَ مِنْ مِيثَاقه الَّذِي وَاثِقهمْ بِهِ أَنَّ مَنْ أَتَى اللَّه يَوْم الْقِيَامَة بِحُجَّةٍ تَكُون لَهُ نَجَاة مِنْ النَّار فَيُنَجِّيه مِنْهَا . وَكُلّ ذَلِكَ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظ قَائِلِيهِ , فَمُتَّفِق الْمَعَانِي عَلَى مَا قُلْنَا فِيهِ , وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْد اللَّه عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِف اللَّه عَهْده أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّه مَا لَا تَعْلَمُونَ } . قَالَ أَبُو جَعْفَر : لَمَّا قَالَتْ الْيَهُود مَا قَالَتْ مِنْ قَوْلهَا : { لَنْ تَمَسّنَا النَّار إلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَة } عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا مِنْ تَأْوِيل ذَلِكَ , قَالَ اللَّه لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِمَعْشَرِ الْيَهُود { أَتَّخَذْتُمْ عِنْد اللَّه عَهْدًا } أَخَذْتُمْ بِمَا تَقُولُونَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ اللَّه مِيثَاقًا فَاَللَّه لَا يَنْقُض مِيثَاقه وَلَا يُبَدِّل وَعْده وَعَقْده , أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّه الْبَاطِل جَهْلًا وَجَرَاءَة عَلَيْهِ ؟ كَمَا : 1166 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْد اللَّه عَهْدًا } أَيْ مَوْثِقًا مِنْ اللَّه بِذَلِكَ أَنَّهُ كَمَا تَقُولُونَ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 1167 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ قَتَادَةَ قَالَ : قَالَتْ الْيَهُود : لَنْ نَدْخُل النَّار إلَّا تَحِلَّة الْقَسَم عِدَّة الْأَيَّام الَّتِي عَبْدنَا فِيهَا الْعِجْل . فَقَالَ اللَّه : { أَتَّخَذْتُمْ عِنْد اللَّه عَهْدًا } بِهَذَا الَّذِي تَقُولُونَهُ , أَلَكُمْ بِهَذَا حُجَّة وَبُرْهَان { فَلَنْ يُخْلِف اللَّه عَهْده } فَهَاتُوا حُجَّتكُمْ وَبُرْهَانكُمْ { أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّه مَا لَا تَعْلَمُونَ } . 1168 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن سَعِيد , عَنْ بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : لَمَّا قَالَتْ الْيَهُود مَا قَالَتْ , قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِمُحَمَّدٍ : { قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْد اللَّه عَهْدًا } يَقُول : أَدَّخَرْتُمْ عِنْد اللَّه عَهْدًا ؟ يَقُول : أَقُلْتُمْ لَا إلَه إلَّا اللَّه لَمْ تُشْرِكُوا , وَلَمْ تَكْفُرُوا بِهِ ؟ فَإِنْ كُنْتُمْ قُلْتُمُوهَا فَارْجُوا بِهَا , وَإِنْ كُنْتُمْ لَمْ تَقُولُوهَا فَلَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّه مَا لَا تَعْلَمُونَ ؟ يَقُول : لَوْ كُنْتُمْ قُلْتُمْ لَا إلَه إلَّا اللَّه , وَلَمْ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا , ثُمَّ مُتُّمْ عَلَى ذَلِكَ لَكَانَ لَكُمْ ذُخْرًا عِنْدِي , وَلَمْ أَخْلُف وَعْدِي لَكُمْ أَنِّي أُجَازِيكُمْ بِهَا . 1169 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : لَمَّا قَالَتْ الْيَهُود مَا قَالَتْ , قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْد اللَّه عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِف اللَّه عَهْده } وَقَالَ فِي مَكَان آخَر : { وَغَرَّهُمْ فِي دِينهمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } . 3 24 ثُمَّ أَخْبَرَ الْخَبَر فَقَالَ : { بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَة } . وَهَذِهِ الْأَقْوَال الَّتِي رَوَيْنَاهَا عَنْ ابْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَقَتَادَةُ بِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيل قَوْله : { قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْد اللَّه عَهْدًا } لِأَنَّ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّه عِبَاده مِنْ مِيثَاقه أَنَّ مَنْ آمَنَ بِهِ وَأَطَاعَ أَمْره نَجَّاهُ مِنْ نَاره يَوْم الْقِيَامَة . وَمِنْ الْإِيمَان بِهِ الْإِقْرَار بِأَنَّ لَا إلَه إلَّا اللَّه , وَكَذَلِكَ مِنْ مِيثَاقه الَّذِي وَاثِقهمْ بِهِ أَنَّ مَنْ أَتَى اللَّه يَوْم الْقِيَامَة بِحُجَّةٍ تَكُون لَهُ نَجَاة مِنْ النَّار فَيُنَجِّيه مِنْهَا . وَكُلّ ذَلِكَ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظ قَائِلِيهِ , فَمُتَّفِق الْمَعَانِي عَلَى مَا قُلْنَا فِيهِ , وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم .
بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَة } وَقَوْله : { بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَة } تَكْذِيب مِنْ اللَّه الْقَائِلِينَ مِنْ الْيَهُود : { لَنْ تَمَسّنَا النَّار إلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَة } وَإِخْبَار مِنْهُ لَهُمْ أَنَّهُ يُعَذِّب مَنْ أَشْرَكَ وَكَفَرَ بِهِ وَبِرُسُلِهِ وَأَحَاطَتْ بِهِ ذُنُوبه فَمُخَلِّده فِي النَّار ; فَإِنَّ الْجَنَّة لَا يَسْكُنهَا إلَّا أَهْل الْإِيمَان بِهِ وَبِرَسُولِهِ , وَأَهْل الطَّاعَة لَهُ , وَالْقَائِمُونَ بِحُدُودِهِ . كَمَا : 1170 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : { بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَة وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَته } أَيْ مَنْ عَمِلَ مِثْل أَعْمَالكُمْ وَكَفَرَ بِمِثْلِ مَا كَفَرْتُمْ بِهِ حَتَّى يُحِيط كُفْره بِمَا لَهُ مِنْ حَسَنَة , { فَأُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } . قَالَ : وَأَمَّا { بَلَى } فَإِنَّهَا إقْرَار فِي كُلّ كَلَام فِي أَوَّله جَحَدَ , كَمَا " نَعَمْ " إقْرَار فِي الِاسْتِفْهَام الَّذِي لَا جَحْد فِيهِ , وَأَصْلهَا " بَلْ " الَّتِي هِيَ رُجُوع عَنْ الْجَحْد الْمَحْض فِي قَوْلك : مَا قَامَ عَمْرو بَلْ زَيْد ; فَزِيدَ فِيهَا الْيَاء لِيَصْلُح عَلَيْهَا الْوُقُوف , إذْ كَانَتْ " بَلْ " لَا يَصْلُح عَلَيْهَا الْوُقُوف , إذْ كَانَتْ عَطْفًا وَرُجُوعًا عَنْ الْجَحْد , وَلِتَكُونَ - أَعْنِي بَلَى - رُجُوعًا عَنْ الْجَحْد فَقَطْ , وَإِقْرَارًا بِالْفِعْلِ الَّذِي بَعْد الْجَحْد ; فَدَلَّتْ الْيَاء مِنْهَا عَلَى مَعْنَى الْإِقْرَار وَالْإِنْعَام , وَدَلَّ لَفْظ " بَلَى " عَنْ الرُّجُوع عَنْ الْجَحْد . قَالَ : وَأَمَّا السَّيِّئَة الَّتِي ذَكَرَ اللَّه فِي هَذَا الْمَكَان فَإِنَّهَا الشِّرْك بِاَللَّهِ . كَمَا : 1171 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ سُفْيَان , قَالَ : حَدَّثَنِي عَاصِم , عَنْ أَبِي وَائِل { بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَة } قَالَ : الشِّرْك بِاَللَّهِ . 1172 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَة } شِرْكًا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 1173 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَة } قَالَ : أَمَّا السَّيِّئَة فَالشِّرْك . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ , مِثْله . 1174 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَة } أَمَّا السَّيِّئَة فَهِيَ الذُّنُوب الَّتِي وَعَدَ عَلَيْهَا النَّار . 1175 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ : { بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَة } قَالَ : الشِّرْك . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد : { سَيِّئَة } شِرْكًا . 1176 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَة } يَعْنِي الشِّرْك . وَإِنَّمَا قُلْنَا : إنَّ السَّيِّئَة الَّتِي ذَكَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ مَنْ كَسَبَهَا وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَته فَهُوَ مِنْ أَهْل النَّار الْمُخَلَّدِينَ فِيهَا فِي هَذَا الْمَوْضِع , إنَّمَا عَنَى اللَّه بِهَا بَعْض السَّيِّئَات دُون بَعْض , وَإِنْ كَانَ ظَاهِرهَا فِي التِّلَاوَة عَامًّا , لِأَنَّ اللَّه قَضَى عَلَى أَهْلهَا بِالْخُلُودِ فِي النَّار , وَالْخُلُود فِي النَّار لِأَهْلِ الْكُفْر بِاَللَّهِ دُون أَهْل الْإِيمَان بِهِ لِتَظَاهُرِ الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ أَهْل الْإِيمَان لَا يُخَلَّدُونَ فِيهَا , وَأَنَّ الْخُلُود فِي النَّار لِأَهْلِ الْكُفْر بِاَللَّهِ دُون أَهْل الْإِيمَان بِهِ ; فَإِنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ قَرَنَ بِقَوْلِهِ : { بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَة وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَته فَأُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } قَوْله : { وَالَّذِين آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات أُولَئِكَ أَصْحَاب الْجَنَّة هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ لَهُمْ الْخُلُود فِي النَّار مِنْ أَهْل السَّيِّئَات , غَيْر الَّذِي لَهُمْ الْخُلُود فِي الْجَنَّة مِنْ أَهْل الْإِيمَان . فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّ الَّذِينَ لَهُمْ الْخُلُود فِي الْجَنَّة مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا هُمْ الَّذِينَ عَمِلُوا الصَّالِحَات دُون الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَات , فَإِنَّ فِي إخْبَار اللَّه أَنَّهُ مُكْفِر بِاجْتِنَابِنَا كَبَائِر مَا نَنْهَى عَنْهُ سَيِّئَاتنَا , وَمَدْخَلنَا الْمَدْخَل الْكَرِيم , مَا يُنْبِئ عَنْ صِحَّة مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيل قَوْله : { بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَة } بِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى خَاصّ مِنْ السَّيِّئَات دُون عَامّهَا . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : فَإِنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إنَّمَا ضَمِنَ لَنَا تَكْفِير سَيِّئَاتِنَا بِاجْتِنَابِنَا كَبَائِرَ مَا نَنْهَى عَنْهُ , فَمَا الدَّلَالَة عَلَى أَنَّ الْكَبَائِرَ غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي قَوْلِهِ : { بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً } ؟ قِيلَ : لِمَا صَحَّ مِنْ أَنَّ الصَّغَائِر غَيْر دَاخِلَة فِيهِ , وَأَنَّ الْمَعْنَى بِالْآيَةِ خَاصّ دُون عَامّ , ثَبَتَ وَصَحَّ أَنَّ الْقَضَاء وَالْحُكْم بِهَا غَيْر جَائِز لِأَحَدٍ عَلَى أَحَد إلَّا عَلَى مَنْ وَقَّفَهُ اللَّه عَلَيْهِ بِدَلَالَةٍ مِنْ خَبَر قَاطِع عَذَرَ مَنْ بَلَغَهُ . وَقَدْ ثَبَتَ وَصَحَّ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره قَدْ عَنَى بِذَلِكَ أَهْل الشِّرْك وَالْكُفْر بِهِ , بِشَهَادَةِ جَمِيع الْأُمَّة , فَوَجَبَ بِذَلِكَ الْقَضَاء عَلَى أَنَّ أَهْل الشِّرْك وَالْكُفْر مِمَّنْ عَنَاهُ اللَّه بِالْآيَةِ . فَأَمَّا أَهْل الْكَبَائِر فَإِنَّ الْأَخْبَار الْقَاطِعَة عَذَرَ مَنْ بَلَغَتْهُ قَدْ تَظَاهَرَتْ عِنْدنَا بِأَنَّهُمْ غَيْر مَعْنِيِّينَ بِهَا , فَمَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ مِمَّنْ دَافَعَ حُجَّة الْأَخْبَار الْمُسْتَفِيضَة وَالْأَنْبَاء الْمُتَظَاهِرَة فَاللَّازِم لَهُ تَرْك قَطْع الشَّهَادَة عَلَى أَهْل الْكَبَائِر بِالْخُلُودِ فِي النَّار بِهَذِهِ الْآيَة وَنَظَائِرهَا الَّتِي جَاءَتْ بِعُمُومِهِمْ فِي الْوَعِيد , إذْ كَانَ تَأْوِيل الْقُرْآن غَيْر مُدْرَك إلَّا بِبَيَانِ مَنْ جَعَلَ اللَّه إلَيْهِ بَيَان الْقُرْآن , وَكَانَتْ الْآيَة تَأْتِي عَامًّا فِي صِنْف ظَاهِرهَا , وَهِيَ خَاصّ فِي ذَلِكَ الصِّنْف بَاطِنهَا . وَيَسْأَل مُدَافِعُو الْخَبَر بِأَنَّ أَهْل الْكَبَائِر مِنْ أَهْل الِاسْتِثْنَاء سُؤَالنَا مُنْكَر رَجْم الزَّانِي الْمُحْصَن , وَزَوَال فَرْض الصَّلَاة عَنْ الْحَائِض فِي حَال الْحَيْض , فَإِنَّ السُّؤَال عَلَيْهِمْ نَظِير السُّؤَال عَلَى هَؤُلَاءِ سَوَاء .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَته } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَته } اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ فَمَاتَ عَلَيْهَا قَبْل الْإِنَابَة وَالتَّوْبَة مِنْهَا . وَأَصْل الْإِحَاطَة بِالشَّيْءِ : الْإِحْدَاق بِهِ بِمَنْزِلَةِ الْحَائِط الَّذِي تُحَاط بِهِ الدَّار فَتُحَدِّق بِهِ , وَمِنْهُ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقهَا } . 18 29 فَتَأْوِيل الْآيَة إذًا : مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ وَاقْتَرَفَ ذُنُوبًا جَمَّة فَمَاتَ عَلَيْهَا قَبْل الْإِنَابَة وَالتَّوْبَة , فَأُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار هُمْ فِيهَا مُخَلَّدُونَ أَبَدًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , قَالَ الْمُتَأَوِّلُونَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1177 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : ثنا ابْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك : { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَته } قَالَ : مَاتَ بِذَنْبِهِ . 1178 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : ثنا جَرِير بْن نُوح , قَالَ : ثنا الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي رَزِين , عَنْ الرَّبِيع بْن خُثَيْم : { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَته } قَالَ : مَاتَ عَلَيْهَا . 1179 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : أَخْبَرَنِي ابْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَته } قَالَ : يُحِيط كُفْره بِمَا لَهُ مِنْ حَسَنَة . 1180 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنِي عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَته } قَالَ : مَا أَوَجَبَ اللَّه فِيهِ النَّار . 1181 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَته } قَالَ : أَمَّا الْخَطِيئَة فَالْكَبِيرَة الْمُوجِبَة . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ , أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ قَتَاده : { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَته } قَالَ : الْخَطِيئَة : الْكَبَائِر . 1182 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا وَكِيع وَيَحْيَى بْن آدَم , عَنْ سَلَام بْن مِسْكِينٍ , قَالَ : سَأَلَ رَجُل الْحَسَن عَنْ قَوْله { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَته } فَقَالَ : مَا نَدْرِي مَا الْخَطِيئَة يَا بُنَيّ ! اُتْلُ الْقُرْآن , فَكُلّ آيَة وَعَدَ اللَّه عَلَيْهَا النَّار فَهِيَ الْخَطِيئَة . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَة وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَته } قَالَ : كُلّ ذَنْب مُحِيط فَهُوَ مَا وَعَدَ اللَّه عَلَيْهِ النَّار . 1183 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي رَزِين : { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَته } قَالَ : مَاتَ بِخَطِيئَتِهِ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا الْأَعْمَش , قَالَ : ثنا مَسْعُود أَبُو رَزِين , عَنْ الرَّبِيع بْن خُثَيْم فِي قَوْله : { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَته } قَالَ : هُوَ الَّذِي يَمُوت عَلَى خَطِيئَته , قَبْل أَنْ يَتُوب . 1184 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : قَالَ وَكِيع : سَمِعْت الْأَعْمَش يَقُول فِي قَوْله : { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَته } مَاتَ بِذُنُوبِهِ . 1185 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَته } الْكَبِيرَة الْمُوجِبَة . 1186 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { أَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَته } فَمَاتَ وَلَمْ يَتُبْ . 1187 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَسَّان , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ : { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَته } قَالَ : الشِّرْك , ثُمَّ تَلَا : { وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ } . 27 90
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَأُولَئِكَ } الَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَات وَأَحَاطَتْ بِهِمْ خَطِيئَاتهمْ أَصْحَاب النَّار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { أَصْحَاب النَّار } أَهْل النَّار ; وَإِنَّمَا جَعَلَهُمْ لَهَا أَصْحَابًا لِإِيثَارِهِمْ فِي حَيَاتهمْ الدُّنْيَا مَا يُورِدهُمُوهَا , وَيُورِدهُمْ سَعِيرهَا عَلَى الْأَعْمَال الَّتِي تُورِدهُمْ الْجَنَّة , فَجَعَلَهُمْ جَلَّ ذِكْره بِإِيثَارِهِمْ أَسِبَابهَا عَلَى أَسِبَاب الْجَنَّة لَهَا أَصْحَابًا , كَصَاحِبِ الرَّجُل الَّذِي يُصَاحِبهُ مُؤْثِرًا صُحْبَته عَلَى صُحْبَة غَيْره حَتَّى يُعْرَف بِهِ . { هُمْ فِيهَا } يَعْنِي فِي النَّار خَالِدُونَ , وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ { خَالِدُونَ } مُقِيمُونَ . كَمَا : 1188 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : { هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } أَيْ خَالِدُونَ أَبَدًا . 1189 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا أَبَدًا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَته } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَته } اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ فَمَاتَ عَلَيْهَا قَبْل الْإِنَابَة وَالتَّوْبَة مِنْهَا . وَأَصْل الْإِحَاطَة بِالشَّيْءِ : الْإِحْدَاق بِهِ بِمَنْزِلَةِ الْحَائِط الَّذِي تُحَاط بِهِ الدَّار فَتُحَدِّق بِهِ , وَمِنْهُ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقهَا } . 18 29 فَتَأْوِيل الْآيَة إذًا : مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ وَاقْتَرَفَ ذُنُوبًا جَمَّة فَمَاتَ عَلَيْهَا قَبْل الْإِنَابَة وَالتَّوْبَة , فَأُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار هُمْ فِيهَا مُخَلَّدُونَ أَبَدًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , قَالَ الْمُتَأَوِّلُونَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1177 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : ثنا ابْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك : { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَته } قَالَ : مَاتَ بِذَنْبِهِ . 1178 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : ثنا جَرِير بْن نُوح , قَالَ : ثنا الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي رَزِين , عَنْ الرَّبِيع بْن خُثَيْم : { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَته } قَالَ : مَاتَ عَلَيْهَا . 1179 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : أَخْبَرَنِي ابْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَته } قَالَ : يُحِيط كُفْره بِمَا لَهُ مِنْ حَسَنَة . 1180 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنِي عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَته } قَالَ : مَا أَوَجَبَ اللَّه فِيهِ النَّار . 1181 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَته } قَالَ : أَمَّا الْخَطِيئَة فَالْكَبِيرَة الْمُوجِبَة . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ , أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ قَتَاده : { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَته } قَالَ : الْخَطِيئَة : الْكَبَائِر . 1182 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا وَكِيع وَيَحْيَى بْن آدَم , عَنْ سَلَام بْن مِسْكِينٍ , قَالَ : سَأَلَ رَجُل الْحَسَن عَنْ قَوْله { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَته } فَقَالَ : مَا نَدْرِي مَا الْخَطِيئَة يَا بُنَيّ ! اُتْلُ الْقُرْآن , فَكُلّ آيَة وَعَدَ اللَّه عَلَيْهَا النَّار فَهِيَ الْخَطِيئَة . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَة وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَته } قَالَ : كُلّ ذَنْب مُحِيط فَهُوَ مَا وَعَدَ اللَّه عَلَيْهِ النَّار . 1183 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي رَزِين : { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَته } قَالَ : مَاتَ بِخَطِيئَتِهِ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , قَالَ : ثنا الْأَعْمَش , قَالَ : ثنا مَسْعُود أَبُو رَزِين , عَنْ الرَّبِيع بْن خُثَيْم فِي قَوْله : { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَته } قَالَ : هُوَ الَّذِي يَمُوت عَلَى خَطِيئَته , قَبْل أَنْ يَتُوب . 1184 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : قَالَ وَكِيع : سَمِعْت الْأَعْمَش يَقُول فِي قَوْله : { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَته } مَاتَ بِذُنُوبِهِ . 1185 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَته } الْكَبِيرَة الْمُوجِبَة . 1186 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { أَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَته } فَمَاتَ وَلَمْ يَتُبْ . 1187 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَسَّان , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ : { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَته } قَالَ : الشِّرْك , ثُمَّ تَلَا : { وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ } . 27 90
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَأُولَئِكَ } الَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَات وَأَحَاطَتْ بِهِمْ خَطِيئَاتهمْ أَصْحَاب النَّار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { أَصْحَاب النَّار } أَهْل النَّار ; وَإِنَّمَا جَعَلَهُمْ لَهَا أَصْحَابًا لِإِيثَارِهِمْ فِي حَيَاتهمْ الدُّنْيَا مَا يُورِدهُمُوهَا , وَيُورِدهُمْ سَعِيرهَا عَلَى الْأَعْمَال الَّتِي تُورِدهُمْ الْجَنَّة , فَجَعَلَهُمْ جَلَّ ذِكْره بِإِيثَارِهِمْ أَسِبَابهَا عَلَى أَسِبَاب الْجَنَّة لَهَا أَصْحَابًا , كَصَاحِبِ الرَّجُل الَّذِي يُصَاحِبهُ مُؤْثِرًا صُحْبَته عَلَى صُحْبَة غَيْره حَتَّى يُعْرَف بِهِ . { هُمْ فِيهَا } يَعْنِي فِي النَّار خَالِدُونَ , وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ { خَالِدُونَ } مُقِيمُونَ . كَمَا : 1188 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : { هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } أَيْ خَالِدُونَ أَبَدًا . 1189 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا أَبَدًا .
وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصِّلْحَات أُولَئِكَ أَصْحَاب الْجَنَّة هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا } أَيْ صَدَّقُوا بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَعَمِلُوا الصِّلْحَات } أَطَاعُوا اللَّه فَأَقَامُوا حُدُوده , وَأَدَّوْا فَرَائِضه , وَاجْتَنَبُوا مَحَارِمه . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { أُولَئِكَ } الَّذِينَ هُمْ كَذَلِكَ ; { أَصْحَاب الْجَنَّة هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } يَعْنِي أَهْلهَا الَّذِينَ هُمْ أَهْلهَا { هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } ; مُقِيمُونَ أَبَدًا . وَإِنَّمَا هَذِهِ الْآيَة وَاَلَّتِي قَبْلهَا إخْبَار مِنْ اللَّه عِبَاده عَنْ بَقَاء النَّار وَبَقَاء أَهْلهَا فِيهَا , وَدَوَام مَا أَعَدَّ فِي كُلّ وَاحِدَة مِنْهُمَا لِأَهْلِهَا , تَكْذِيبًا مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْقَائِلِينَ مِنْ يَهُود بَنِي إسْرَائِيل إنَّ النَّار لَنْ تَمَسّهُمْ إلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَة , وَأَنَّهُمْ صَائِرُونَ بَعْد ذَلِكَ إلَى الْجَنَّة ; فَأَخْبَرَهُمْ بِخُلُودِ كُفَّارهمْ فِي النَّار وَخُلُود مُؤْمِنِيهِمْ فِي الْجَنَّة . كَمَا : 1190 - حَدَّثَنِي ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثنا ابْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات أُولَئِكَ أَصْحَاب الْجَنَّة هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } أَيْ مَنْ آمَنَ بِمَا كَفَرْتُمْ بِهِ وَعَمِلَ بِمَا تَرَكْتُمْ مِنْ دِينه , فَلَهُمْ الْجَنَّة خَالِدِينَ فِيهَا ; يُخْبِرهُمْ أَنَّ الثَّوَاب بِالْخَيْرِ وَالشَّرّ مُقِيم عَلَى أَهْله أَبَدًا لَا انْقِطَاع لَهُ أَبَدًا . 1191 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصِّلْحَات } مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه أُولَئِكَ أَصْحَاب الْجَنَّة { هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } .
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاق بَنِي إسْرَائِيل لَا تَعْبُدُونَ إلَّا اللَّه } قَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا عَلَى أَنَّ الْمِيثَاق مِفْعَال , مِنْ التَّوَثُّق بِالْيَمِينِ وَنَحْوهَا مِنْ الْأُمُور الَّتِي تُؤَكِّد الْقَوْل . فَمَعْنَى الْكَلَام إذًا : وَاذْكُرُوا أَيْضًا يَا مَعْشَر بَنِي إسْرَائِيل إذْ أَخَذْنَا مِيثَاقكُمْ لَا تَعْبُدُونَ إلَّا اللَّه . كَمَا : 1192 - حَدَّثَنِي بِهِ ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنِي ابْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاق بَنِي إسْرَائِيل } أَيْ مِيثَاقكُمْ { لَا تَعْبُدُونَ إلَّا اللَّه } . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْقِرَاءَة مُخْتَلِفَة فِي قِرَاءَة قَوْله : { لَا تَعْبُدُونَ } فَبَعْضهمْ يَقْرَؤُهَا بِالتَّاءِ , وَبَعْضهمْ يَقْرَؤُهَا بِالْيَاءِ , وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ وَاحِد . وَإِنَّمَا جَازَتْ الْقِرَاءَة بِالْيَاءِ وَالتَّاء وَأَنْ يُقَال : { لَا تَعْبُدُونَ } ; و { لَا يَعْبُدُونَ } وَهُمْ غَيْب ; لِأَنَّ أَخْذ الْمِيثَاق بِمَعْنَى الِاسْتِحْلَاف , فَكَمَا تَقُول : اسْتَحْلَفْت أَخَاك لَيَقُومَنَّ , فَتُخْبِر عَنْهُ خَبَرك عَنْ الْغَائِب لِغَيْبَتِهِ عَنْك , وَتَقُول : اسْتَحْلَفْته لَتَقُومَنَّ , فَتُخْبِر عَنْهُ خَبَرك عَنْ الْمُخَاطَب ; لِأَنَّك قَدْ كُنْت خَاطَبْته بِذَلِكَ , فَيَكُون ذَلِكَ صَحِيحًا جَائِزًا , فَكَذَلِكَ قَوْله : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاق بَنِي إسْرَائِيل لَا تَعْبُدُونَ إلَّا اللَّه } و { لَا يَعْبُدُونَ } . مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِالتَّاءِ فَمَعْنَى الْخِطَاب إذْ كَانَ الْخِطَاب قَدْ كَانَ بِذَلِكَ , وَمَنْ قَرَأَ بِالْيَاءِ فَلِأَنَّهُمْ مَا كَانُوا مُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ فِي وَقْت الْخَبَر عَنْهُمْ . وَأَمَّا رَفْع لَا تَعْبُدُونَ فَبِالتَّاءِ الَّتِي فِي تَعْبُدُونَ , وَلَا يُنْصَب ب " أَنَّ " الَّتِي كَانَتْ تَصْلُح أَنْ تَدْخُل مَعَ : { لَا تَعْبُدُونَ إلَّا اللَّه } لِأَنَّهَا إذَا صَلَحَ دُخُولهَا عَلَى فعل فَحُذِفَتْ وَلَمْ تَدْخُل كَانَ وَجْه الْكَلَام فِيهِ الرَّفْع كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { قُلْ أَفَغَيْر اللَّه تَأْمُرُونِّي أَعَبْد أَيّهَا الْجَاهِلُونَ } فَرَفَعَ " أَعَبْد " إذْ لَمْ تَدْخُل فِيهَا أَنَّ بِالْأَلِفِ الدَّالَّة عَلَى مَعْنَى الِاسْتِقْبَال . وَكَمَا قَالَ الشَّاعِر : أَلَا أَيُّهَذَا الزَّاجِرِي أَحْضُر الْوَغَى وَأَنْ أَشْهَد اللَّذَّات هَلْ أَنْتَ مُخْلِدِي فَرَفَعَ " أَحْضُر " وَإِنْ كَانَ يَصْلُح دُخُول " أَنَّ " فِيهَا , إذْ حُذِفَتْ بِالْأَلِفِ الَّتِي تَأْتِي بِمَعْنَى الِاسْتِقْبَال . وَإِنَّمَا صَلَحَ حَذْف " أَنَّ " مِنْ قَوْله : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاق بَنِي إسْرَائِيل لَا تَعْبُدُونَ } لِدَلَالَةِ مَا ظَهَرَ مِنْ الْكَلَام عَلَيْهَا , فَاكْتَفَى بِدَلَالَةِ الظَّاهِر عَلَيْهَا مِنْهَا . وَقَدْ كَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة يَقُول : مَعْنَى قَوْله : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاق بَنِي إسْرَائِيل لَا تَعْبُدُونَ إلَّا اللَّه } حِكَايَة , كَأَنَّك قُلْت : اسْتَحْلَفْنَاهُمْ لَا تَعْبُدُونَ , أَيْ قُلْنَا لَهُمْ : وَاَللَّه لَا تَعْبُدُونَ , وَقَالُوا : وَاَللَّه لَا يَعْبُدُونَ . وَاَلَّذِي قَالَ مِنْ ذَلِكَ قَرِيب مَعْنَاهُ مِنْ مَعْنَى الْقَوْل الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي قَوْله : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاق بَنِي إسْرَائِيل لَا تَعْبُدُونَ إلَّا اللَّه } تَأَوَّلَهُ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1193 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : أَخَذَ مَوَاثِيقهمْ أَنْ يَخْلُصُوا لَهُ وَأَنْ لَا يَعْبُدُوا غَيْره . 1194 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاق بَنِي إسْرَائِيل لَا تَعْبُدُونَ إلَّا اللَّه } قَالَ : أَخَذْنَا مِيثَاقهمْ أَنْ يَخْلُصُوا لِلَّهِ وَلَا يَعْبُدُوا غَيْره . 1195 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاق بَنِي إسْرَائِيل لَا تَعْبُدُونَ إلَّا اللَّه } قَالَ : الْمِيثَاق الَّذِي أُخِذَ عَلَيْهِمْ فِي الْمَائِدَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا } . وَقَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا } عَطْف عَلَى مَوْضِع " أَنَّ " الْمَحْذُوفَة فِي { لَا تَعْبُدُونَ إلَّا اللَّه } . فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَام : وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاق بَنِي إسْرَائِيل بِأَنْ لَا تَعْبُدُوا إلَّا اللَّه وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا . فَرَفَعَ { لَا تَعْبُدُونَ } لَمَّا حَذَفَ " أَنَّ " , ثُمَّ عَطْف بِالْوَالِدَيْنِ عَلَى مَوْضِعهَا , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : مُعَاوِيَ إنَّنَا بَشَر فَأَسْجِحْ فَلَسْنَا بِالْجِبَالِ وَلَا الْحَدِيدَا فَنَصَبَ " الْحَدِيد " عَلَى الْعَطْف بِهِ عَلَى مَوْضِع الْجِبَال ; لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ فِيهَا بَاءَ خَافِضَة كَانَتْ نَصْبًا , فَعَطَفَ بِالْحَدِيثِ عَلَى مَعْنَى الْجِبَال لَا عَلَى لَفْظهَا , فَكَذَلِكَ مَا وَصَفْت مِنْ قَوْله : { وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا } . وَأَمَّا الْإِحْسَان فَمَنْصُوب بِفِعْلٍ مُضْمَر يُؤَدِّي مَعْنَاهُ قَوْله : { وَبِالْوَالِدَيْنِ } إذْ كَانَ مَفْهُومًا مَعْنَاهُ , فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَام لَوْ أَظَهَرَ الْمَحْذُوف : وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاق بَنِي إسْرَائِيل بِأَنَّ لَا تَعْبُدُوا إلَّا اللَّه , وَبِأَنْ تُحْسِنُوا إلَى الْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا . فَاكْتَفَى بِقَوْلِهِ : { وَبِالْوَالِدَيْنِ } مِنْ أَنْ يُقَال : وَبِأَنْ تُحْسِنُوا إلَى الْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا , إذْ كَانَ مَفْهُومًا أَنَّ ذَلِكَ مَعْنَاهُ بِمَا ظَهَرَ مِنْ الْكَلَام . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي ذَلِكَ أَنَّ مَعْنَاهُ : وَبِالْوَالِدَيْنِ فَأَحْسِنُوا إحْسَانًا ; فَجَعَلَ " الْبَاء " الَّتِي فِي " الْوَالِدَيْنِ " مِنْ صِلَة الْإِحْسَان مُقَدَّمَة عَلَيْهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : أَنْ لَا تَعْبُدُوا إلَّا اللَّه , وَأُحْسِنُوا بِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا . فَزَعَمُوا أَنَّ " الْبَاء " الَّتِي فِي " الْوَالِدَيْنِ " مِنْ صِلَة الْمَحْذُوف , أَعْنِي " أَحْسِنُوا " , فَجَعَلُوا ذَلِكَ مِنْ كَلَامَيْنِ . وَإِنَّمَا يُصْرَف الْكَلَام إلَى مَا ادَّعَوْا مِنْ ذَلِكَ إذَا لَمْ يُوجَد لِاتِّسَاقِ الْكَلَام عَلَى كَلَام وَاحِد وَجْه , فَأَمَّا وَلِلْكَلَامِ وَجْه مَفْهُوم عَلَى اتِّسَاقه عَلَى كَلَام وَاحِد فَلَا وَجْه لِصَرْفِهِ إلَى كَلَامَيْنِ . وَأُخْرَى : أَنَّ الْقَوْل فِي ذَلِكَ لَوْ كَانَ عَلَى مَا قَالُوا لَقِيلَ : " وَإِلَى الْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا " ; لِأَنَّهُ إنَّمَا يُقَال : أَحْسَنَ فُلَان إلَى وَالِدَيْهِ , وَلَا يُقَال : أَحْسَنَ بِوَالِدَيْهِ , إلَّا عَلَى اسْتِكْرَاه لِلْكَلَامِ . وَلَكِنَّ الْقَوْل فِيهِ مَا قُلْنَا , وَهُوَ : وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاق بَنِي إسْرَائِيل بِكَذَا وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا , عَلَى مَا بَيَّنَّا قَبْل . فَيَكُون وَالْإِحْسَان حِينَئِذٍ مَصْدَرًا مِنْ الْكَلَام لَا مِنْ لَفْظه كَمَا بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مِنْ نَظَائِره . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا ذَلِكَ الْإِحْسَان الَّذِي أَخَذَ عَلَيْهِمْ وَبِالْوَالِدَيْنِ الْمِيثَاق ؟ قِيلَ : نَظِير مَا فَرَضَ اللَّه عَلَى أُمَّتنَا لَهُمَا مِنْ فِعْل الْمَعْرُوف لَهُمَا وَالْقَوْل الْجَمِيل , وَخَفْض جَنَاح الذُّلّ رَحْمَة بِهِمَا وَالتَّحَنُّن عَلَيْهِمَا , وَالرَّأْفَة بِهِمَا وَالدُّعَاء بِالْخَيْرِ لَهُمَا , وَمَا أَشَبَه ذَلِكَ مِنْ الْأَفْعَال الَّتِي نَدَبَ اللَّه عِبَاده أَنْ يَفْعَلُوا بِهِمَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَذِي الْقُرْبَى } وَبِذِي الْقُرْبَى أَنْ يَصِلُوا قَرَابَته مِنْهُمْ وَرَحِمه . وَالْقُرْبَى مَصْدَر عَلَى تَقْدِير " فُعْلَى " مِنْ قَوْلك : قَرُبَتْ مِنِّي رَحِم فُلَان قَرَابَة وَقُرْبَى وَقُرْبًا بِمَعْنًى وَاحِد . وَأَمَّا الْيَتَامَى فَهُمْ جَمْع يَتِيم , مِثْل أَسِير وَأُسَارَى ; وَيَدْخُل فِي الْيَتَامَى الذُّكُور مِنْهُمْ وَالْإِنَاث . وَمَعْنَى ذَلِكَ : وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاق بَنِي إسْرَائِيل لَا تَعْبُدُونَ إلَّا اللَّه وَحْده دُون مَنْ سِوَاهُ مِنْ الْأَنْدَاد وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى , أَنْ تَصِلُوا رَحِمه , وَتَعْرِفُوا حَقّه , وَبِالْيَتَامَى : أَنْ تَتَعَطَّفُوا عَلَيْهِمْ بِالرَّحْمَةِ وَالرَّأْفَة , وَبِالْمَسَاكِينِ : أَنْ تُؤْتُوهُمْ حُقُوقهمْ الَّتِي أَلْزَمَهَا اللَّه أَمْوَالكُمْ . وَالْمِسْكِين : هُوَ الْمُتَخَشِّع الْمُتَذَلِّل مِنْ الْفَاقَة وَالْحَاجَة , وَهُوَ " مِفْعِيل " مِنْ الْمَسْكَنَة , وَالْمَسْكَنَة هِيَ ذُلّ الْحَاجَة وَالْفَاقَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا } . إنْ قَالَ قَائِل : كَيْفَ قِيلَ : { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا } فَأَخْرَجَ الْكَلَام أَمْرًا وَلِمَا يَتَقَدَّمهُ أَمْر , بَلْ الْكَلَام جَارٍ مِنْ أَوَّل الْآيَة مَجْرَى الْخَبَر ؟ قِيلَ : إنَّ الْكَلَام وَإِنْ كَانَ قَدْ جَرَى فِي أَوَّل الْآيَة مَجْرَى الْخَبَر فَإِنَّهُ مِمَّا يَحْسُن فِي مَوْضِعه الْخِطَاب بِالْأَمْرِ وَالنَّهْي , فَلَوْ كَانَ مَكَان : " لَا تَعْبُدُونَ إلَّا اللَّه " " لَا تَعْبُدُوا إلَّا اللَّه " عَلَى وَجْه النَّهْي مِنْ اللَّه لَهُمْ عَنْ عِبَادَة غَيْره كَانَ حَسَنًا صَوَابًا ; وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي قِرَاءَة أَبِي بْن كَعْب . وَإِنَّمَا حَسُنَ ذَلِكَ وَجَازَ لَوْ كَانَ مَقْرُوءًا بِهِ لِأَنَّ أَخْذ الْمِيثَاق قَوْل , فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَام لَوْ كَانَ مَقْرُوءًا كَذَلِكَ : وَإِذْ قُلْنَا لِبَنِي إسْرَائِيل لَا تَعْبُدُوا إلَّا اللَّه , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي مَوْضِع آخَر : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقكُمْ الطُّور خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ } . 2 63 فَلَمَّا كَانَ حَسَنًا وَضَعَ الْأَمْر وَالنَّهْي فِي مَوْضِع : { لَا تَعْبُدُونَ إلَّا اللَّه } ; عَطْف بِقَوْلِهِ : { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا } عَلَى مَوْضِع { لَا تَعْبُدُونَ } ; وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا مَعْنَاهُ مَعْنَى مَا فِيهِ , لِمَا وَصَفْنَا مِنْ جَوَاز وَضْع الْخِطَاب بِالْأَمْرِ وَالنَّهْي مَوْضِع لَا تَعْبُدُونَ ; فَكَأَنَّهُ قِيلَ : وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاق بَنِي إسْرَائِيل لَا تَعْبُدُوا إلَّا اللَّه , وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا . وَهُوَ نَظِير مَا قَدَّمْنَا الْبَيَان عَنْهُ مِنْ أَنَّ الْعَرَب تَبْتَدِئ الْكَلَام أَحْيَانًا عَلَى وَجْه الْخَبَر عَنْ الْغَائِب فِي مَوْضِع الْحِكَايَات لَمَّا أُخْبِرْت عَنْهُ , ثُمَّ تَعُود إلَى الْخَبَر عَلَى وَجْه الْخِطَاب , وَتَبْتَدِئ أَحْيَانًا عَلَى وَجْه الْخِطَاب ثُمَّ تَعُود إلَى الْإِخْبَار عَلَى وَجْه الْخَبَر عَنْ الْغَائِب لِمَا فِي الْحِكَايَة مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ ; كَمَا قَالَ الشَّاعِر : أَسِيئِي بِنَا أَوْ أَحْسِنِي لَا مَلُومَة لَدَيْنَا وَلَا مَقْلِيَّة إنْ تَقَلَّتْ يَعْنِي تَقَلَّيْت , وَأَمَّا " الْحُسْن " فَإِنَّ الْقِرَاءَة اخْتَلَفَتْ فِي قِرَاءَته , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قِرَاءَة الْكُوفَة غَيْر عَاصِم : { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حَسَنًا } بِفَتْحِ الْحَاء وَالسِّين . وَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة : { حُسْنًا } بِضَمِّ الْحَاء وَتَسْكِين السِّين . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْض الْقُرَّاء أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا } عَلَى مِثَال " فُعْلَى " . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي فَرْق مَا بَيْن مَعْنَى قَوْله : حُسْنًا , وَحَسَنًا . فَقَالَ بَعْض الْبَصْرِيِّينَ : هُوَ عَلَى أَحَد وَجْهَيْنِ : إمَّا أَنْ يَكُون يُرَاد بِالْحَسَنِ الْحُسْن , وَكِلَاهُمَا لُغَة , كَمَا يُقَال : الْبُخْل وَالْبَخَل . إمَّا أَنْ يَكُون جَعَلَ الْحُسْن هُوَ الْحَسَن فِي التَّشْبِيه , وَذَلِكَ أَنَّ الْحُسْن مَصْدَر , وَالْحَسَن هُوَ الشَّيْء الْحَسَن , وَيَكُون ذَلِكَ حِينَئِذٍ كَقَوْلِك : " إنَّمَا أَنْتَ أَكْل وَشُرْب " , وَكَمَا قَالَ الشَّاعِر : وَخَيْل قَدْ دَلَفْت لَهَا بِخَيْلِ تَحِيَّة بِينهمْ ضَرْب وَجِيع فَجَعَلَ التَّحِيَّة ضَرْبًا . وَقَالَ آخَر : بَلْ " الْحُسْن " هُوَ الِاسْم الْعَامّ الْجَامِع جَمِيع مَعَانِي الْحُسْن , " وَالْحَسَن " هُوَ الْبَعْض مِنْ مَعَانِي الْحُسْن , قَالَ : وَلِذَلِكَ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إذْ أَوْصَى بِالْوَالِدِينَ : { وَوَصِيّنَا الْإِنْسَان بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا } 29 8 يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُ وَصَّاهُ فِيهِمَا بِجَمِيعِ مَعَانِي الْحُسْن , وَأَمَرَ فِي سَائِر النَّاس بِبَعْض الَّذِي أَمَرَه بِهِ فِي وَالِدَيْهِ فَقَالَ : { وَقُولُوا للناس حُسْنًا } يَعْنِي بِذَلِكَ بَعْض مَعَانِي الْحُسْن . وَالَّذِي قَالَهُ هَذَا الْقَائِل فِي مَعْنِى " الْحُسْن " بِضَمّ الْحَاء وَسُكُون السِّين غَيْر بِعِيدٍ مِنَ الصَّوَاب , وَأَنَّه اسْم لِنَوْعِهِ الذي سُمِّيَ بِهِ . وَأَمَّا " الْحَسَن " فَإِنَّهُ صِفَة وَقَعَتْ لَمَّا وَصَفَ بِهِ , وَذَلِكَ يَقَع بِخَاصٍّ . وَإِذَا كَانَ الْأَمْر كَذَلِكَ , فَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي قَوْله : { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حَسَنًا } لِأَنَّ الْقَوْم إنَّمَا أُمِرُوا فِي هَذَا الْعَهْد الَّذِي قِيلَ لَهُمْ : وَقُولُوا لِلنَّاسِ بِاسْتِعْمَالِ الْحَسَن مِنْ الْقَوْل دُون سَائِر مَعَانِي الْحُسْن , الَّذِي يَكُون بِغَيْرِ الْقَوْل , وَذَلِكَ نَعْت لِخَاصٍّ مِنْ مَعَانِي الْحُسْن وَهُوَ الْقَوْل . فَلِذَلِكَ أَخْتَرْت قِرَاءَته بِفَتْحِ الْحَاء وَالسِّين , عَلَى قِرَاءَته بِضَمِّ الْحَاء وَسُكُون السِّين . وَأَمَّا الَّذِي قَرَأَ ذَلِكَ : { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا } فَإِنَّهُ خَالَفَ بِقِرَاءَتِهِ إيَّاهُ كَذَلِكَ قِرَاءَة أَهْل الْإِسْلَام , وَكَفَى شَاهِدًا عَلَى خَطَأ الْقِرَاءَة بِهَا كَذَلِكَ خُرُوجهَا مِنْ قِرَاءَة أَهْل الْإِسْلَام لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى خَطَئِهَا شَاهِد غَيْره , فَكَيْف وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ خَارِجَة مِن الْمَعْرُوف مِن كَلَام الْعَرَب ؟ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَب لَا تَكَاد أَنْ تَتَكَلَّم بِفُعْلَى وَأَفْعَل إِلَّا بِالْأَلِف وَاللَّامِ أَوْ بِالْإِضَافَة , لَا يُقَال : جَاءَنِي أَحْسَن حَتَّى يَقُولُوا الْأَحْسَن , وَلَا يُقَال أَجْمَل حَتَّى يَقُولُوا الْأَجْمَل , وَذَلِكَ أَنَّ الْأَفْعَل وَالْفُعْلَى لَا يَكَادَانِ يُوجَدَانِ صِفَة إلَّا لِمَعْهُودِ مَعْرُوف , كَمَا تَقُول : بَلْ أَخُوك الْأَحْسَن , وَبَلْ أُخْتك الْحُسْنًا , وَغَيْر جَائِز أَنْ يُقَال : امْرَأَة حُسْنًا , وَرَجُل أَحَسَن . وَأَمَّا تَأْوِيل الْقَوْل الْحَسَن الَّذِي أَمَرَ اللَّه بِهِ الَّذِينَ وَصَفَ أَمَرَهُمْ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل فِي هَذِهِ الْآيَة أَنْ يَقُولُوهُ لِلنَّاسِ , فَهُوَ مَا : 1196 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن سَعِيد , عَنْ بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا } أَمَرَهُمْ أَيْضًا بَعْد هَذَا الْخُلُق أَنْ يَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا : أَنْ يَأْمُرُوا بِلَا إلَه إلَّا اللَّه مَنْ لَمْ يَقُلْهَا وَرَغِبَ عَنْهَا حَتَّى يَقُولُوهَا كَمَا قَالُوهَا , فَإِنَّ ذَلِكَ قُرْبَة مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ . وَقَالَ الْحَسَن أَيْضًا : لَيِّن الْقَوْل مِنْ الْأَدَب الْحَسَن الْجَمِيل , وَالْخُلُق الْكَرِيم , وَهُوَ مِمَّا ارْتَضَاهُ اللَّه وَأَحَبَّهُ . 1197 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا } قَالَ : قُولُوا لِلنَّاسِ مَعْرُوفًا . 1198 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ : { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا } قَالَ : صِدْقًا فِي شَأْن مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 1199 - وَحُدِّثْت عَنْ يَزِيد بْن هَارُونَ , قَالَ : سَمِعْت سُفْيَان الثَّوْرِيّ , يَقُول فِي قَوْله : { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا } قَالَ : مُرُوهُمْ بِالْمَعْرُوفِ , وَانْهَوْهُمْ عَنْ الْمُنْكَر . 1200 - حَدَّثَنِي هَارُونَ بْن إدْرِيس الْأَصَمّ , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد الْمُحَارِبِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي سُلَيْمَان , قَالَ : سَأَلْت عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح , عَنْ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا } قَالَ : مَنْ لَقِيت مِنْ النَّاس فَقُلْ لَهُ حَسَنًا مِنْ الْقَوْل . قَالَ : وَسَأَلْت أَبَا جَعْفَر , فَقَالَ مِثْل ذَلِكَ . 1201 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : ثنا الْقَاسِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الْمَلِك , عَنْ أَبِي جَعْفَر وَعَطَاء بْن أَبِي رَبَاح فِي قَوْله : { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا } قَالَ : لِلنَّاسِ كُلّهمْ . * - حَدَّثَنِي يعقوب , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا عبد الملك , عن عطاء مثله .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَقِيمُوا الصَّلَاة } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَأَقِيمُوا الصَّلَاة } أَدُّوهَا بِحُقُوقِهَا الْوَاجِبَة عَلَيْكُمْ فِيهَا . كَمَا : 1202 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن سَعِيد , عَنْ بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن مَسْعُود , قَالَ : { وَأَقِيمُوا الصَّلَاة } هَذِهِ , وَإِقَامَة الصَّلَاة تَمَام الرُّكُوع وَالسُّجُود وَالتِّلَاوَة وَالْخُشُوع وَالْإِقْبَال عَلَيْهَا فِيهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَآتُوا الزَّكَاة } . قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى قَبْل مَعْنَى الزَّكَاة وَمَا أَصْلهَا . وَأَمَّا الزَّكَاة الَّتِي كَانَ اللَّه أَمَرَ بِهَا بَنِي إسْرَائِيل الَّذِينَ ذَكَرَ أَمْرهمْ فِي هَذِهِ الْآيَة , فَهِيَ مَا : 1203 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن سَعِيد , عَنْ بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَآتُوا الزَّكَاة } قَالَ : إيتَاء الزَّكَاة مَا كَانَ اللَّه فَرَضَ عَلَيْهِمْ فِي أَمْوَالهمْ مِنْ الزَّكَاة , وَهِيَ سُنَّة كَانَتْ لَهُمْ غَيْر سُنَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; كَانَتْ زَكَاة أَمْوَالهمْ قُرْبَانًا تَهْبِط إلَيْهِ نَار فَتَحْمِلهَا , فَكَانَ ذَلِكَ تَقْبَلهُ , وَمَنْ لَمْ تَفْعَل النَّار بِهِ ذَلِكَ كَانَ غَيْر مُتَقَبَّل . وَكَانَ الَّذِي قَرَّبَ مِنْ مَكْسَب لَا يَحِلّ مِنْ ظُلْم أَوْ غَشْم , أَوْ أَخَذَ بِغَيْرِ مَا أَمَرَ اللَّه بِهِ وَبَيَّنَهُ لَهُ . 1204 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَآتُوا الزَّكَاة } يَعْنِي بِالزَّكَاةِ : طَاعَة اللَّه وَالْإِخْلَاص .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ } . وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ يَهُود بَنِي إسْرَائِيل أَنَّهُمْ نَكَثُوا عَهْده وَنَقَضُوا مِيثَاقه , بَعْدَمَا أَخَذَ اللَّه مِيثَاقهمْ عَلَى الْوَفَاء لَهُ بِأَنْ لَا يَعْبُدُوا غَيْره , وَأَنْ يُحْسِنُوا إلَى الْآبَاء وَالْأُمَّهَات , وَيَصِلُوا الْأَرْحَام , وَيَتَعَطَّفُوا عَلَى الْأَيْتَام , وَيُؤَدُّوا حُقُوق أَهْل الْمَسْكَنَة إلَيْهِمْ , وَيَأْمُرُوا عِبَاد اللَّه بِمَا أَمَرَهُمْ اللَّه بِهِ وَيَحُثُّوهُمْ عَلَى طَاعَته , وَيُقِيمُوا الصَّلَاة بِحُدُودِهَا وَفَرَائِضهَا , وَيُؤْتُوا زَكَاة أَمْوَالهمْ . فَخَالَفُوا أَمْره فِي ذَلِكَ كُلّه , وَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُعْرِضِينَ , إلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّه مِنْهُمْ فَوَفَّى لِلَّهِ بِعَهْدِهِ وَمِيثَاقه . كَمَا : 1205 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن سَعِيد , عَنْ بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : لَمَّا فَرَضَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ عَلَيْهِمْ - يَعْنِي عَلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَ اللَّه أَمْرهمْ فِي كِتَابه مِنْ بَنِي إسْرَائِيل - هَذَا الَّذِي ذَكَرَ أَنَّهُ أَخَذَ مِيثَاقهمْ بِهِ , أَعَرَضُوا عَنْهُ اسْتِثْقَالًا وَكَرَاهِيَة , وَطَلَبُوا مَا خَفَّ عَلَيْهِمْ إلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ , وَهُمْ الَّذِينَ اسْتَثْنَى اللَّه فَقَالَ : { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ } يَقُول : أَعَرَضْتُمْ عَنْ طَاعَتِي { إلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ } قَالَ : الْقَلِيل الَّذِينَ اخْتَرْتهمْ لِطَاعَتِي , وَسَيَحِلُّ عِقَابِي بِمِنْ تَوَلَّى وَأَعْرَضَ عَنْهَا ; يَقُول : تَرَكهَا اسْتِخْفَافًا بِهَا . 1206 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثنا ابْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ } أَيْ تَرَكْتُمْ ذَلِكَ كُلّه . وَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ } الْيَهُود الَّذِينَ كَانُوا عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَعَنَى بِسَائِرِ الْآيَة أَسْلَافهمْ ; كَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ } ثُمَّ تَوَلَّى سَلَفكُمْ إلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ , وَلَكِنَّهُ جَعَلَ خِطَابًا لِبَقَايَا نَسْلهمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا مَضَى قَبْل . ثُمَّ قَالَ : وَأَنْتُمْ يَا مَعْشَر بَقَايَاهُمْ مُعْرِضُونَ أَيْضًا عَنْ الْمِيثَاق الَّذِي أُخِذَ عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ وَتَارِكُوهُ تَرْك أَوَائِلكُمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ قَوْله : { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ } خِطَاب لِمَنْ كَانَ بَيْن ظَهْرَانَيْ مُهَاجِر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَهُود بَنِي إسْرَائِيل , وَذَمّ لَهُمْ بِنَقْضِهِمْ الْمِيثَاق الَّذِي أُخِذَ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاة وَتَبْدِيلهمْ أَمْر اللَّه وَرُكُوبهمْ مَعَاصِيه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا } . وَقَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا } عَطْف عَلَى مَوْضِع " أَنَّ " الْمَحْذُوفَة فِي { لَا تَعْبُدُونَ إلَّا اللَّه } . فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَام : وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاق بَنِي إسْرَائِيل بِأَنْ لَا تَعْبُدُوا إلَّا اللَّه وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا . فَرَفَعَ { لَا تَعْبُدُونَ } لَمَّا حَذَفَ " أَنَّ " , ثُمَّ عَطْف بِالْوَالِدَيْنِ عَلَى مَوْضِعهَا , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : مُعَاوِيَ إنَّنَا بَشَر فَأَسْجِحْ فَلَسْنَا بِالْجِبَالِ وَلَا الْحَدِيدَا فَنَصَبَ " الْحَدِيد " عَلَى الْعَطْف بِهِ عَلَى مَوْضِع الْجِبَال ; لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ فِيهَا بَاءَ خَافِضَة كَانَتْ نَصْبًا , فَعَطَفَ بِالْحَدِيثِ عَلَى مَعْنَى الْجِبَال لَا عَلَى لَفْظهَا , فَكَذَلِكَ مَا وَصَفْت مِنْ قَوْله : { وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا } . وَأَمَّا الْإِحْسَان فَمَنْصُوب بِفِعْلٍ مُضْمَر يُؤَدِّي مَعْنَاهُ قَوْله : { وَبِالْوَالِدَيْنِ } إذْ كَانَ مَفْهُومًا مَعْنَاهُ , فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَام لَوْ أَظَهَرَ الْمَحْذُوف : وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاق بَنِي إسْرَائِيل بِأَنَّ لَا تَعْبُدُوا إلَّا اللَّه , وَبِأَنْ تُحْسِنُوا إلَى الْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا . فَاكْتَفَى بِقَوْلِهِ : { وَبِالْوَالِدَيْنِ } مِنْ أَنْ يُقَال : وَبِأَنْ تُحْسِنُوا إلَى الْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا , إذْ كَانَ مَفْهُومًا أَنَّ ذَلِكَ مَعْنَاهُ بِمَا ظَهَرَ مِنْ الْكَلَام . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي ذَلِكَ أَنَّ مَعْنَاهُ : وَبِالْوَالِدَيْنِ فَأَحْسِنُوا إحْسَانًا ; فَجَعَلَ " الْبَاء " الَّتِي فِي " الْوَالِدَيْنِ " مِنْ صِلَة الْإِحْسَان مُقَدَّمَة عَلَيْهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : أَنْ لَا تَعْبُدُوا إلَّا اللَّه , وَأُحْسِنُوا بِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا . فَزَعَمُوا أَنَّ " الْبَاء " الَّتِي فِي " الْوَالِدَيْنِ " مِنْ صِلَة الْمَحْذُوف , أَعْنِي " أَحْسِنُوا " , فَجَعَلُوا ذَلِكَ مِنْ كَلَامَيْنِ . وَإِنَّمَا يُصْرَف الْكَلَام إلَى مَا ادَّعَوْا مِنْ ذَلِكَ إذَا لَمْ يُوجَد لِاتِّسَاقِ الْكَلَام عَلَى كَلَام وَاحِد وَجْه , فَأَمَّا وَلِلْكَلَامِ وَجْه مَفْهُوم عَلَى اتِّسَاقه عَلَى كَلَام وَاحِد فَلَا وَجْه لِصَرْفِهِ إلَى كَلَامَيْنِ . وَأُخْرَى : أَنَّ الْقَوْل فِي ذَلِكَ لَوْ كَانَ عَلَى مَا قَالُوا لَقِيلَ : " وَإِلَى الْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا " ; لِأَنَّهُ إنَّمَا يُقَال : أَحْسَنَ فُلَان إلَى وَالِدَيْهِ , وَلَا يُقَال : أَحْسَنَ بِوَالِدَيْهِ , إلَّا عَلَى اسْتِكْرَاه لِلْكَلَامِ . وَلَكِنَّ الْقَوْل فِيهِ مَا قُلْنَا , وَهُوَ : وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاق بَنِي إسْرَائِيل بِكَذَا وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا , عَلَى مَا بَيَّنَّا قَبْل . فَيَكُون وَالْإِحْسَان حِينَئِذٍ مَصْدَرًا مِنْ الْكَلَام لَا مِنْ لَفْظه كَمَا بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مِنْ نَظَائِره . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا ذَلِكَ الْإِحْسَان الَّذِي أَخَذَ عَلَيْهِمْ وَبِالْوَالِدَيْنِ الْمِيثَاق ؟ قِيلَ : نَظِير مَا فَرَضَ اللَّه عَلَى أُمَّتنَا لَهُمَا مِنْ فِعْل الْمَعْرُوف لَهُمَا وَالْقَوْل الْجَمِيل , وَخَفْض جَنَاح الذُّلّ رَحْمَة بِهِمَا وَالتَّحَنُّن عَلَيْهِمَا , وَالرَّأْفَة بِهِمَا وَالدُّعَاء بِالْخَيْرِ لَهُمَا , وَمَا أَشَبَه ذَلِكَ مِنْ الْأَفْعَال الَّتِي نَدَبَ اللَّه عِبَاده أَنْ يَفْعَلُوا بِهِمَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَذِي الْقُرْبَى } وَبِذِي الْقُرْبَى أَنْ يَصِلُوا قَرَابَته مِنْهُمْ وَرَحِمه . وَالْقُرْبَى مَصْدَر عَلَى تَقْدِير " فُعْلَى " مِنْ قَوْلك : قَرُبَتْ مِنِّي رَحِم فُلَان قَرَابَة وَقُرْبَى وَقُرْبًا بِمَعْنًى وَاحِد . وَأَمَّا الْيَتَامَى فَهُمْ جَمْع يَتِيم , مِثْل أَسِير وَأُسَارَى ; وَيَدْخُل فِي الْيَتَامَى الذُّكُور مِنْهُمْ وَالْإِنَاث . وَمَعْنَى ذَلِكَ : وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاق بَنِي إسْرَائِيل لَا تَعْبُدُونَ إلَّا اللَّه وَحْده دُون مَنْ سِوَاهُ مِنْ الْأَنْدَاد وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى , أَنْ تَصِلُوا رَحِمه , وَتَعْرِفُوا حَقّه , وَبِالْيَتَامَى : أَنْ تَتَعَطَّفُوا عَلَيْهِمْ بِالرَّحْمَةِ وَالرَّأْفَة , وَبِالْمَسَاكِينِ : أَنْ تُؤْتُوهُمْ حُقُوقهمْ الَّتِي أَلْزَمَهَا اللَّه أَمْوَالكُمْ . وَالْمِسْكِين : هُوَ الْمُتَخَشِّع الْمُتَذَلِّل مِنْ الْفَاقَة وَالْحَاجَة , وَهُوَ " مِفْعِيل " مِنْ الْمَسْكَنَة , وَالْمَسْكَنَة هِيَ ذُلّ الْحَاجَة وَالْفَاقَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا } . إنْ قَالَ قَائِل : كَيْفَ قِيلَ : { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا } فَأَخْرَجَ الْكَلَام أَمْرًا وَلِمَا يَتَقَدَّمهُ أَمْر , بَلْ الْكَلَام جَارٍ مِنْ أَوَّل الْآيَة مَجْرَى الْخَبَر ؟ قِيلَ : إنَّ الْكَلَام وَإِنْ كَانَ قَدْ جَرَى فِي أَوَّل الْآيَة مَجْرَى الْخَبَر فَإِنَّهُ مِمَّا يَحْسُن فِي مَوْضِعه الْخِطَاب بِالْأَمْرِ وَالنَّهْي , فَلَوْ كَانَ مَكَان : " لَا تَعْبُدُونَ إلَّا اللَّه " " لَا تَعْبُدُوا إلَّا اللَّه " عَلَى وَجْه النَّهْي مِنْ اللَّه لَهُمْ عَنْ عِبَادَة غَيْره كَانَ حَسَنًا صَوَابًا ; وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي قِرَاءَة أَبِي بْن كَعْب . وَإِنَّمَا حَسُنَ ذَلِكَ وَجَازَ لَوْ كَانَ مَقْرُوءًا بِهِ لِأَنَّ أَخْذ الْمِيثَاق قَوْل , فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَام لَوْ كَانَ مَقْرُوءًا كَذَلِكَ : وَإِذْ قُلْنَا لِبَنِي إسْرَائِيل لَا تَعْبُدُوا إلَّا اللَّه , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي مَوْضِع آخَر : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقكُمْ الطُّور خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ } . 2 63 فَلَمَّا كَانَ حَسَنًا وَضَعَ الْأَمْر وَالنَّهْي فِي مَوْضِع : { لَا تَعْبُدُونَ إلَّا اللَّه } ; عَطْف بِقَوْلِهِ : { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا } عَلَى مَوْضِع { لَا تَعْبُدُونَ } ; وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا مَعْنَاهُ مَعْنَى مَا فِيهِ , لِمَا وَصَفْنَا مِنْ جَوَاز وَضْع الْخِطَاب بِالْأَمْرِ وَالنَّهْي مَوْضِع لَا تَعْبُدُونَ ; فَكَأَنَّهُ قِيلَ : وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاق بَنِي إسْرَائِيل لَا تَعْبُدُوا إلَّا اللَّه , وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا . وَهُوَ نَظِير مَا قَدَّمْنَا الْبَيَان عَنْهُ مِنْ أَنَّ الْعَرَب تَبْتَدِئ الْكَلَام أَحْيَانًا عَلَى وَجْه الْخَبَر عَنْ الْغَائِب فِي مَوْضِع الْحِكَايَات لَمَّا أُخْبِرْت عَنْهُ , ثُمَّ تَعُود إلَى الْخَبَر عَلَى وَجْه الْخِطَاب , وَتَبْتَدِئ أَحْيَانًا عَلَى وَجْه الْخِطَاب ثُمَّ تَعُود إلَى الْإِخْبَار عَلَى وَجْه الْخَبَر عَنْ الْغَائِب لِمَا فِي الْحِكَايَة مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ ; كَمَا قَالَ الشَّاعِر : أَسِيئِي بِنَا أَوْ أَحْسِنِي لَا مَلُومَة لَدَيْنَا وَلَا مَقْلِيَّة إنْ تَقَلَّتْ يَعْنِي تَقَلَّيْت , وَأَمَّا " الْحُسْن " فَإِنَّ الْقِرَاءَة اخْتَلَفَتْ فِي قِرَاءَته , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قِرَاءَة الْكُوفَة غَيْر عَاصِم : { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حَسَنًا } بِفَتْحِ الْحَاء وَالسِّين . وَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة : { حُسْنًا } بِضَمِّ الْحَاء وَتَسْكِين السِّين . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْض الْقُرَّاء أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا } عَلَى مِثَال " فُعْلَى " . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي فَرْق مَا بَيْن مَعْنَى قَوْله : حُسْنًا , وَحَسَنًا . فَقَالَ بَعْض الْبَصْرِيِّينَ : هُوَ عَلَى أَحَد وَجْهَيْنِ : إمَّا أَنْ يَكُون يُرَاد بِالْحَسَنِ الْحُسْن , وَكِلَاهُمَا لُغَة , كَمَا يُقَال : الْبُخْل وَالْبَخَل . إمَّا أَنْ يَكُون جَعَلَ الْحُسْن هُوَ الْحَسَن فِي التَّشْبِيه , وَذَلِكَ أَنَّ الْحُسْن مَصْدَر , وَالْحَسَن هُوَ الشَّيْء الْحَسَن , وَيَكُون ذَلِكَ حِينَئِذٍ كَقَوْلِك : " إنَّمَا أَنْتَ أَكْل وَشُرْب " , وَكَمَا قَالَ الشَّاعِر : وَخَيْل قَدْ دَلَفْت لَهَا بِخَيْلِ تَحِيَّة بِينهمْ ضَرْب وَجِيع فَجَعَلَ التَّحِيَّة ضَرْبًا . وَقَالَ آخَر : بَلْ " الْحُسْن " هُوَ الِاسْم الْعَامّ الْجَامِع جَمِيع مَعَانِي الْحُسْن , " وَالْحَسَن " هُوَ الْبَعْض مِنْ مَعَانِي الْحُسْن , قَالَ : وَلِذَلِكَ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إذْ أَوْصَى بِالْوَالِدِينَ : { وَوَصِيّنَا الْإِنْسَان بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا } 29 8 يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُ وَصَّاهُ فِيهِمَا بِجَمِيعِ مَعَانِي الْحُسْن , وَأَمَرَ فِي سَائِر النَّاس بِبَعْض الَّذِي أَمَرَه بِهِ فِي وَالِدَيْهِ فَقَالَ : { وَقُولُوا للناس حُسْنًا } يَعْنِي بِذَلِكَ بَعْض مَعَانِي الْحُسْن . وَالَّذِي قَالَهُ هَذَا الْقَائِل فِي مَعْنِى " الْحُسْن " بِضَمّ الْحَاء وَسُكُون السِّين غَيْر بِعِيدٍ مِنَ الصَّوَاب , وَأَنَّه اسْم لِنَوْعِهِ الذي سُمِّيَ بِهِ . وَأَمَّا " الْحَسَن " فَإِنَّهُ صِفَة وَقَعَتْ لَمَّا وَصَفَ بِهِ , وَذَلِكَ يَقَع بِخَاصٍّ . وَإِذَا كَانَ الْأَمْر كَذَلِكَ , فَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي قَوْله : { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حَسَنًا } لِأَنَّ الْقَوْم إنَّمَا أُمِرُوا فِي هَذَا الْعَهْد الَّذِي قِيلَ لَهُمْ : وَقُولُوا لِلنَّاسِ بِاسْتِعْمَالِ الْحَسَن مِنْ الْقَوْل دُون سَائِر مَعَانِي الْحُسْن , الَّذِي يَكُون بِغَيْرِ الْقَوْل , وَذَلِكَ نَعْت لِخَاصٍّ مِنْ مَعَانِي الْحُسْن وَهُوَ الْقَوْل . فَلِذَلِكَ أَخْتَرْت قِرَاءَته بِفَتْحِ الْحَاء وَالسِّين , عَلَى قِرَاءَته بِضَمِّ الْحَاء وَسُكُون السِّين . وَأَمَّا الَّذِي قَرَأَ ذَلِكَ : { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا } فَإِنَّهُ خَالَفَ بِقِرَاءَتِهِ إيَّاهُ كَذَلِكَ قِرَاءَة أَهْل الْإِسْلَام , وَكَفَى شَاهِدًا عَلَى خَطَأ الْقِرَاءَة بِهَا كَذَلِكَ خُرُوجهَا مِنْ قِرَاءَة أَهْل الْإِسْلَام لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى خَطَئِهَا شَاهِد غَيْره , فَكَيْف وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ خَارِجَة مِن الْمَعْرُوف مِن كَلَام الْعَرَب ؟ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَب لَا تَكَاد أَنْ تَتَكَلَّم بِفُعْلَى وَأَفْعَل إِلَّا بِالْأَلِف وَاللَّامِ أَوْ بِالْإِضَافَة , لَا يُقَال : جَاءَنِي أَحْسَن حَتَّى يَقُولُوا الْأَحْسَن , وَلَا يُقَال أَجْمَل حَتَّى يَقُولُوا الْأَجْمَل , وَذَلِكَ أَنَّ الْأَفْعَل وَالْفُعْلَى لَا يَكَادَانِ يُوجَدَانِ صِفَة إلَّا لِمَعْهُودِ مَعْرُوف , كَمَا تَقُول : بَلْ أَخُوك الْأَحْسَن , وَبَلْ أُخْتك الْحُسْنًا , وَغَيْر جَائِز أَنْ يُقَال : امْرَأَة حُسْنًا , وَرَجُل أَحَسَن . وَأَمَّا تَأْوِيل الْقَوْل الْحَسَن الَّذِي أَمَرَ اللَّه بِهِ الَّذِينَ وَصَفَ أَمَرَهُمْ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل فِي هَذِهِ الْآيَة أَنْ يَقُولُوهُ لِلنَّاسِ , فَهُوَ مَا : 1196 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن سَعِيد , عَنْ بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا } أَمَرَهُمْ أَيْضًا بَعْد هَذَا الْخُلُق أَنْ يَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا : أَنْ يَأْمُرُوا بِلَا إلَه إلَّا اللَّه مَنْ لَمْ يَقُلْهَا وَرَغِبَ عَنْهَا حَتَّى يَقُولُوهَا كَمَا قَالُوهَا , فَإِنَّ ذَلِكَ قُرْبَة مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ . وَقَالَ الْحَسَن أَيْضًا : لَيِّن الْقَوْل مِنْ الْأَدَب الْحَسَن الْجَمِيل , وَالْخُلُق الْكَرِيم , وَهُوَ مِمَّا ارْتَضَاهُ اللَّه وَأَحَبَّهُ . 1197 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا } قَالَ : قُولُوا لِلنَّاسِ مَعْرُوفًا . 1198 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ : { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا } قَالَ : صِدْقًا فِي شَأْن مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 1199 - وَحُدِّثْت عَنْ يَزِيد بْن هَارُونَ , قَالَ : سَمِعْت سُفْيَان الثَّوْرِيّ , يَقُول فِي قَوْله : { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا } قَالَ : مُرُوهُمْ بِالْمَعْرُوفِ , وَانْهَوْهُمْ عَنْ الْمُنْكَر . 1200 - حَدَّثَنِي هَارُونَ بْن إدْرِيس الْأَصَمّ , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد الْمُحَارِبِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي سُلَيْمَان , قَالَ : سَأَلْت عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح , عَنْ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا } قَالَ : مَنْ لَقِيت مِنْ النَّاس فَقُلْ لَهُ حَسَنًا مِنْ الْقَوْل . قَالَ : وَسَأَلْت أَبَا جَعْفَر , فَقَالَ مِثْل ذَلِكَ . 1201 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : ثنا الْقَاسِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الْمَلِك , عَنْ أَبِي جَعْفَر وَعَطَاء بْن أَبِي رَبَاح فِي قَوْله : { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا } قَالَ : لِلنَّاسِ كُلّهمْ . * - حَدَّثَنِي يعقوب , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا عبد الملك , عن عطاء مثله .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَقِيمُوا الصَّلَاة } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَأَقِيمُوا الصَّلَاة } أَدُّوهَا بِحُقُوقِهَا الْوَاجِبَة عَلَيْكُمْ فِيهَا . كَمَا : 1202 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن سَعِيد , عَنْ بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن مَسْعُود , قَالَ : { وَأَقِيمُوا الصَّلَاة } هَذِهِ , وَإِقَامَة الصَّلَاة تَمَام الرُّكُوع وَالسُّجُود وَالتِّلَاوَة وَالْخُشُوع وَالْإِقْبَال عَلَيْهَا فِيهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَآتُوا الزَّكَاة } . قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى قَبْل مَعْنَى الزَّكَاة وَمَا أَصْلهَا . وَأَمَّا الزَّكَاة الَّتِي كَانَ اللَّه أَمَرَ بِهَا بَنِي إسْرَائِيل الَّذِينَ ذَكَرَ أَمْرهمْ فِي هَذِهِ الْآيَة , فَهِيَ مَا : 1203 - حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن سَعِيد , عَنْ بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَآتُوا الزَّكَاة } قَالَ : إيتَاء الزَّكَاة مَا كَانَ اللَّه فَرَضَ عَلَيْهِمْ فِي أَمْوَالهمْ مِنْ الزَّكَاة , وَهِيَ سُنَّة كَانَتْ لَهُمْ غَيْر سُنَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; كَانَتْ زَكَاة أَمْوَالهمْ قُرْبَانًا تَهْبِط إلَيْهِ نَار فَتَحْمِلهَا , فَكَانَ ذَلِكَ تَقْبَلهُ , وَمَنْ لَمْ تَفْعَل النَّار بِهِ ذَلِكَ كَانَ غَيْر مُتَقَبَّل . وَكَانَ الَّذِي قَرَّبَ مِنْ مَكْسَب لَا يَحِلّ مِنْ ظُلْم أَوْ غَشْم , أَوْ أَخَذَ بِغَيْرِ مَا أَمَرَ اللَّه بِهِ وَبَيَّنَهُ لَهُ . 1204 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَآتُوا الزَّكَاة } يَعْنِي بِالزَّكَاةِ : طَاعَة اللَّه وَالْإِخْلَاص .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ } . وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ يَهُود بَنِي إسْرَائِيل أَنَّهُمْ نَكَثُوا عَهْده وَنَقَضُوا مِيثَاقه , بَعْدَمَا أَخَذَ اللَّه مِيثَاقهمْ عَلَى الْوَفَاء لَهُ بِأَنْ لَا يَعْبُدُوا غَيْره , وَأَنْ يُحْسِنُوا إلَى الْآبَاء وَالْأُمَّهَات , وَيَصِلُوا الْأَرْحَام , وَيَتَعَطَّفُوا عَلَى الْأَيْتَام , وَيُؤَدُّوا حُقُوق أَهْل الْمَسْكَنَة إلَيْهِمْ , وَيَأْمُرُوا عِبَاد اللَّه بِمَا أَمَرَهُمْ اللَّه بِهِ وَيَحُثُّوهُمْ عَلَى طَاعَته , وَيُقِيمُوا الصَّلَاة بِحُدُودِهَا وَفَرَائِضهَا , وَيُؤْتُوا زَكَاة أَمْوَالهمْ . فَخَالَفُوا أَمْره فِي ذَلِكَ كُلّه , وَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُعْرِضِينَ , إلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّه مِنْهُمْ فَوَفَّى لِلَّهِ بِعَهْدِهِ وَمِيثَاقه . كَمَا : 1205 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن سَعِيد , عَنْ بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : لَمَّا فَرَضَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ عَلَيْهِمْ - يَعْنِي عَلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَ اللَّه أَمْرهمْ فِي كِتَابه مِنْ بَنِي إسْرَائِيل - هَذَا الَّذِي ذَكَرَ أَنَّهُ أَخَذَ مِيثَاقهمْ بِهِ , أَعَرَضُوا عَنْهُ اسْتِثْقَالًا وَكَرَاهِيَة , وَطَلَبُوا مَا خَفَّ عَلَيْهِمْ إلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ , وَهُمْ الَّذِينَ اسْتَثْنَى اللَّه فَقَالَ : { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ } يَقُول : أَعَرَضْتُمْ عَنْ طَاعَتِي { إلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ } قَالَ : الْقَلِيل الَّذِينَ اخْتَرْتهمْ لِطَاعَتِي , وَسَيَحِلُّ عِقَابِي بِمِنْ تَوَلَّى وَأَعْرَضَ عَنْهَا ; يَقُول : تَرَكهَا اسْتِخْفَافًا بِهَا . 1206 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثنا ابْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ } أَيْ تَرَكْتُمْ ذَلِكَ كُلّه . وَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ } الْيَهُود الَّذِينَ كَانُوا عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَعَنَى بِسَائِرِ الْآيَة أَسْلَافهمْ ; كَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ } ثُمَّ تَوَلَّى سَلَفكُمْ إلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ , وَلَكِنَّهُ جَعَلَ خِطَابًا لِبَقَايَا نَسْلهمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا مَضَى قَبْل . ثُمَّ قَالَ : وَأَنْتُمْ يَا مَعْشَر بَقَايَاهُمْ مُعْرِضُونَ أَيْضًا عَنْ الْمِيثَاق الَّذِي أُخِذَ عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ وَتَارِكُوهُ تَرْك أَوَائِلكُمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ قَوْله : { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ } خِطَاب لِمَنْ كَانَ بَيْن ظَهْرَانَيْ مُهَاجِر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَهُود بَنِي إسْرَائِيل , وَذَمّ لَهُمْ بِنَقْضِهِمْ الْمِيثَاق الَّذِي أُخِذَ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاة وَتَبْدِيلهمْ أَمْر اللَّه وَرُكُوبهمْ مَعَاصِيه .
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسكُمْ مِنْ دِيَاركُمْ } قَالَ أَبُو جَعْفَر : قَوْله : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ } فِي الْمَعْنَى وَالْإِعْرَاب نَظِير قَوْله : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاق بَنِي إسْرَائِيل لَا تَعْبُدُونَ إلَّا اللَّه } . 2 83 وَأَمَّا سَفْك الدَّم , فَإِنَّهُ صَبّه وَإِرَاقَته . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا مَعْنَى قَوْله : { لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسكُمْ مِنْ دِيَاركُمْ } ؟ وَقَالَ : أَوَ كَانَ الْقَوْم يَقْتُلُونَ أَنْفُسهمْ , وَيُخْرِجُونَهَا مِنْ دِيَارهَا , فَنَهَوْا عَنْ ذَلِكَ ؟ قِيلَ : لَيْسَ الْأَمْر فِي ذَلِكَ عَلَى مَا ظَنَنْت , وَلَكِنَّهُمْ نَهَوْا عَنْ أَنْ يَقْتُل بَعْضهمْ بَعْضًا , فَكَانَ فِي قَتْل الرَّجُل مِنْهُمْ الرَّجُل قَتَلَ نَفْسه , إذْ كَانَتْ مِلَّتهمَا بِمَنْزِلَةِ رَجُل وَاحِد , كَمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : " إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ فِي تَرَاحُمهمْ وَتَعَاطُفهمْ بَيْنهمْ بِمَنْزِلَةِ الْجَسَد الْوَاحِد إذَا اشْتَكَى بَعْضه تَدَاعَى لَهُ سَائِر الْجَسَد بِالْحُمَّى وَالسَّهَر " . وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون مَعْنَى قَوْله : { لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ } أَيْ لَا يَقْتُل الرَّجُل مِنْكُمْ الرَّجُل مِنْكُمْ , فَيُقَاد بِهِ قِصَاصًا , فَيَكُون بِذَلِكَ قَاتِلًا نَفْسه ; لِأَنَّهُ كَانَ الَّذِي سَبَب لِنَفْسِهِ مَا اسْتَحَقَّتْ بِهِ الْقَتْل , فَأُضِيف بِذَلِكَ إلَيْهِ قَتْل وَلِيّ الْمَقْتُول إيَّاهُ قِصَاصًا بِوَلِيِّهِ , كَمَا يُقَال لِلرَّجُلِ يَرْكَب فِعْلًا مِنْ الْأَفْعَال يَسْتَحِقّ بِهِ الْعُقُوبَة فَيُعَاقِب الْعُقُوبَة : أَنْتَ جَنِيَتْ هَذَا عَلَى نَفْسك . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1207 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ } أَيْ لَا يَقْتُل بَعْضكُمْ بَعْضًا , { وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسكُمْ مِنْ دِيَاركُمْ } وَنَفْسك يَا ابْن آدَم أَهْل مِلَّتك . 1208 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ } يَقُول : لَا يَقْتُل بَعْضكُمْ بَعْضًا { وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسكُمْ مِنْ دِيَاركُمْ } يَقُول : لَا يُخْرِج بَعْضكُمْ بَعْضًا مِنْ الدِّيَار . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ } يَقُول : لَا يَقْتُل بَعْضكُمْ بَعْضًا بِغَيْرِ حَقّ { وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسكُمْ مِنْ دِيَاركُمْ } فَتَسْفِك يَا ابْن آدَم دِمَاء أَهْل مِلَّتك وَدَعْوَتك .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ } بِالْمِيثَاقِ الَّذِي أَخَذْنَا عَلَيْكُمْ { لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسكُمْ مِنْ دِيَاركُمْ } . كَمَا : 1209 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ } يَقُول : أَقْرَرْتُمْ بِهَذَا الْمِيثَاق . * - وَحُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع مِثْله .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } . اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيمَنْ خُوطِبَ بِقَوْلِهِ { وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } . فَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ خِطَاب مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لِلْيَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا بَيْن ظَهْرَانَيْ مُهَاجِر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّام هِجْرَته إلَيْهِ مُؤَنِّبًا لَهُمْ عَلَى تَضْيِيع أَحْكَام مَا فِي أَيْدِيهمْ مِنْ التَّوْرَاة الَّتِي كَانُوا يُقِرُّونَ بِحُكْمِهَا , فَقَالَ اللَّه تَعَالَى لَهُمْ : { ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ } يَعْنِي بِذَلِكَ إقْرَار أَوَائِلكُمْ وَسَلَفكُمْ { وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } عَلَى إقْرَاركُمْ بِأَخْذِ الْمِيثَاق عَلَيْهِمْ , بِأَنْ لَا يَسْفِكُوا دِمَاءَهُمْ , وَلَا يُخْرِجُوا أَنْفُسهمْ مِنْ دِيَارهمْ , وَيُصَدِّقُونَ بِأَنَّ ذَلِكَ حَقّ مِنْ مِيثَاقِي عَلَيْهِمْ . وَمِمَّنْ حَكَى مَعْنَى هَذَا الْقَوْل عَنْهُ ابْن عَبَّاس . 1210 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنِي ابْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسكُمْ مِنْ دِيَاركُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } أَنَّ هَذَا حَقّ مِنْ مِيثَاقِي عَلَيْكُمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ خَبَر مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ أَوَائِلهمْ , وَلَكِنَّهُ تَعَالَى ذِكْره أَخَرَجَ الْخَبَر بِذَلِكَ عَنْهُمْ مَخْرَج الْمُخَاطَبَة عَلَى النَّحْو الَّذِي وَصَفْنَا فِي سَائِر الْآيَات الَّتِي هِيَ نَظَائِرهَا الَّتِي قَدْ بَيَّنَّا تَأْوِيلهَا فِيمَا مَضَى . وَتَأَوَّلُوا قَوْله { وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } عَلَى مَعْنَى : وَأَنْتُمْ شُهُود . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1211 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة قَوْله : { وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } يَقُول وَأَنْتُمْ شُهُود . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي تَأْوِيل ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي أَنْ يَكُون قَوْله : { وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } خَبَرًا عَنْ أَسْلَافهمْ , وَدَاخِلًا فِيهِ الْمُخَاطَبُونَ مِنْهُمْ الَّذِينَ أَدْرَكُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , كَمَا كَانَ قَوْله : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقكُمْ } خَبَرًا عَنْ أَسْلَافهمْ وَإِنْ كَانَ خِطَابًا لِلَّذِينَ أَدْرَكُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَخَذَ مِيثَاق الَّذِينَ كَانُوا عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل عَلَى سَبِيل مَا قَدْ بَيَّنَهُ لَنَا فِي كِتَابه , فَأَلْزَم جَمِيع مَنْ بَعْدهمْ مِنْ ذُرِّيَّتهمْ مِنْ حُكْم التَّوْرَاة مِثْل الَّذِي أُلْزِمَ مِنْهُ مَنْ كَانَ عَلَى عَهْد مُوسَى مِنْهُمْ . ثُمَّ أَنَّبَ الَّذِينَ خَاطَبَهُمْ بِهَذِهِ الْآيَات عَلَى نَقْضِهِمْ وَنَقْضِ سَلَفهمْ ذَلِكَ الْمِيثَاق , وَتَكْذِيبهمْ مَا وَكَّدُوا عَلَى أَنْفُسهمْ لَهُ بِالْوَفَاءِ مِنْ الْعُهُود بِقَوْلِهِ : { ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } فَإِذْ كَانَ خَارِجًا عَلَى وَجْه الْخِطَاب لِلَّذِينَ كَانُوا عَلَى عَهْد نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ , فَإِنَّهُ مَعَنِي بِهِ كُلّ مَنْ وَاثِق بِالْمِيثَاقِ مِنْهُمْ عَلَى عَهْد مُوسَى وَمَنْ بَعْده , وَكُلّ مَنْ شَهِدَ مِنْهُمْ بِتَصْدِيقِ مَا فِي التَّوْرَاة ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يُخَصِّص بِقَوْلِهِ : { ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } وَمَا أَشَبَه ذَلِكَ مِنْ الْآي بَعْضهمْ دُون بَعْض ; وَالْآيَة مُحْتَمَلَة أَنْ يَكُون أُرِيدَ بِهَا جَمِيعهمْ . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ أُرِيدَ بِهَا بَعْض مِنْهُمْ دُون بَعْض . وَكَذَلِكَ حُكْم الْآيَة الَّتِي بَعْدهَا , أَعْنِي قَوْله : { ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسكُمْ } الْآيَة ; لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ لَهَا أَنَّ أَوَائِلهمْ قَدْ كَانُوا يَفْعَلُونَ مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ يَفْعَلهُ أَوَاخِرهمْ الَّذِينَ أَدْرَكُوا عَصْر نَبِيّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ } بِالْمِيثَاقِ الَّذِي أَخَذْنَا عَلَيْكُمْ { لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسكُمْ مِنْ دِيَاركُمْ } . كَمَا : 1209 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ } يَقُول : أَقْرَرْتُمْ بِهَذَا الْمِيثَاق . * - وَحُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع مِثْله .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } . اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيمَنْ خُوطِبَ بِقَوْلِهِ { وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } . فَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ خِطَاب مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لِلْيَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا بَيْن ظَهْرَانَيْ مُهَاجِر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّام هِجْرَته إلَيْهِ مُؤَنِّبًا لَهُمْ عَلَى تَضْيِيع أَحْكَام مَا فِي أَيْدِيهمْ مِنْ التَّوْرَاة الَّتِي كَانُوا يُقِرُّونَ بِحُكْمِهَا , فَقَالَ اللَّه تَعَالَى لَهُمْ : { ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ } يَعْنِي بِذَلِكَ إقْرَار أَوَائِلكُمْ وَسَلَفكُمْ { وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } عَلَى إقْرَاركُمْ بِأَخْذِ الْمِيثَاق عَلَيْهِمْ , بِأَنْ لَا يَسْفِكُوا دِمَاءَهُمْ , وَلَا يُخْرِجُوا أَنْفُسهمْ مِنْ دِيَارهمْ , وَيُصَدِّقُونَ بِأَنَّ ذَلِكَ حَقّ مِنْ مِيثَاقِي عَلَيْهِمْ . وَمِمَّنْ حَكَى مَعْنَى هَذَا الْقَوْل عَنْهُ ابْن عَبَّاس . 1210 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنِي ابْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسكُمْ مِنْ دِيَاركُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } أَنَّ هَذَا حَقّ مِنْ مِيثَاقِي عَلَيْكُمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ خَبَر مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ أَوَائِلهمْ , وَلَكِنَّهُ تَعَالَى ذِكْره أَخَرَجَ الْخَبَر بِذَلِكَ عَنْهُمْ مَخْرَج الْمُخَاطَبَة عَلَى النَّحْو الَّذِي وَصَفْنَا فِي سَائِر الْآيَات الَّتِي هِيَ نَظَائِرهَا الَّتِي قَدْ بَيَّنَّا تَأْوِيلهَا فِيمَا مَضَى . وَتَأَوَّلُوا قَوْله { وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } عَلَى مَعْنَى : وَأَنْتُمْ شُهُود . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1211 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة قَوْله : { وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } يَقُول وَأَنْتُمْ شُهُود . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي تَأْوِيل ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي أَنْ يَكُون قَوْله : { وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } خَبَرًا عَنْ أَسْلَافهمْ , وَدَاخِلًا فِيهِ الْمُخَاطَبُونَ مِنْهُمْ الَّذِينَ أَدْرَكُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , كَمَا كَانَ قَوْله : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقكُمْ } خَبَرًا عَنْ أَسْلَافهمْ وَإِنْ كَانَ خِطَابًا لِلَّذِينَ أَدْرَكُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَخَذَ مِيثَاق الَّذِينَ كَانُوا عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل عَلَى سَبِيل مَا قَدْ بَيَّنَهُ لَنَا فِي كِتَابه , فَأَلْزَم جَمِيع مَنْ بَعْدهمْ مِنْ ذُرِّيَّتهمْ مِنْ حُكْم التَّوْرَاة مِثْل الَّذِي أُلْزِمَ مِنْهُ مَنْ كَانَ عَلَى عَهْد مُوسَى مِنْهُمْ . ثُمَّ أَنَّبَ الَّذِينَ خَاطَبَهُمْ بِهَذِهِ الْآيَات عَلَى نَقْضِهِمْ وَنَقْضِ سَلَفهمْ ذَلِكَ الْمِيثَاق , وَتَكْذِيبهمْ مَا وَكَّدُوا عَلَى أَنْفُسهمْ لَهُ بِالْوَفَاءِ مِنْ الْعُهُود بِقَوْلِهِ : { ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } فَإِذْ كَانَ خَارِجًا عَلَى وَجْه الْخِطَاب لِلَّذِينَ كَانُوا عَلَى عَهْد نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ , فَإِنَّهُ مَعَنِي بِهِ كُلّ مَنْ وَاثِق بِالْمِيثَاقِ مِنْهُمْ عَلَى عَهْد مُوسَى وَمَنْ بَعْده , وَكُلّ مَنْ شَهِدَ مِنْهُمْ بِتَصْدِيقِ مَا فِي التَّوْرَاة ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يُخَصِّص بِقَوْلِهِ : { ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } وَمَا أَشَبَه ذَلِكَ مِنْ الْآي بَعْضهمْ دُون بَعْض ; وَالْآيَة مُحْتَمَلَة أَنْ يَكُون أُرِيدَ بِهَا جَمِيعهمْ . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ أُرِيدَ بِهَا بَعْض مِنْهُمْ دُون بَعْض . وَكَذَلِكَ حُكْم الْآيَة الَّتِي بَعْدهَا , أَعْنِي قَوْله : { ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسكُمْ } الْآيَة ; لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ لَهَا أَنَّ أَوَائِلهمْ قَدْ كَانُوا يَفْعَلُونَ مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ يَفْعَلهُ أَوَاخِرهمْ الَّذِينَ أَدْرَكُوا عَصْر نَبِيّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارهمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَان } قَالَ أبو جَعْفَر : وَيُتَّجَه فِي قَوْله : { ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ } وَجْهَانِ : أَحَدهمَا أَنْ يَكُون أُرِيدَ بِهِ : ثُمَّ أَنْتُمْ يَا هَؤُلَاءِ , فَتَرَكَ " يَا " اسْتِغْنَاء بِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ , كَمَا قَالَ : { يُوسُف أَعْرِضْ عَنْ هَذَا } 12 29 وَتَأْوِيله : يَا يُوسُف أَعْرِضْ عَنْ هَذَا . فَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام حِينَئِذٍ : ثُمَّ أَنْتُمْ يَا مَعْشَر يَهُود بَنِي إسْرَائِيل - بَعْد إقْرَاركُمْ بِالْمِيثَاقِ الَّذِي أَخَذْته عَلَيْكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسكُمْ مِنْ دِيَاركُمْ , ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ بَعْد شَهَادَتكُمْ عَلَى أَنْفُسكُمْ بِأَنَّ ذَلِكَ حَقّ لِي عَلَيْكُمْ لَازِم لَكُمْ الْوَفَاء لِي بِهِ - { تَقْتُلُونَ أَنْفُسكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارهمْ } مُتَعَاوَنِينَ عَلَيْهِمْ فِي إخْرَاجكُمْ إيَّاهُمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَان . وَالتَّعَاوُن : هُوَ التَّظَاهُر ; وَإِنَّمَا قِيلَ : لِلتَّعَاوُنِ التَّظَاهُر , لِتَقْوِيَةِ بَعْضهمْ ظَهْر بَعْض , فَهُوَ تَفَاعُل مِنْ الظَّهْر , وَهُوَ مُسَانَدَة بَعْضهمْ ظَهْره إلَى ظَهْر بَعْض . وَالْوَجْه الْآخَر أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ : ثُمَّ أَنْتُمْ قَوْم تَقْتُلُونَ أَنْفُسكُمْ ; فَيَرْجِع إلَى الْخَبَر عَنْ " أَنْتُمْ " , وَقَدْ اعْتَرَضَ بَيْنهمْ وَبَيْن الْخَبَر عَنْهُمْ بِهَؤُلَاءِ , كَمَا تَقُول الْعَرَب : أَنَا ذَا أَقُوم , وَأَنَا هَذَا أَجْلِس , وَإِذْ قِيلَ : أَنَا هَذَا أَجْلِس كَانَ صَحِيحًا جَائِزًا , كَذَلِكَ أَنْتَ ذَاكَ تَقُوم . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض الْبَصْرِيِّينَ أَنَّ قَوْله " هَؤُلَاءِ " فِي قَوْله : { ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ } تَنْبِيه وَتَوْكِيد ل " أَنْتُمْ " , وَزَعَمَ أَنَّ " أَنْتُمْ " وَإِنْ كَانَتْ كِنَايَة أَسَمَاء جِمَاع الْمُخَاطَبِينَ , فَإِنَّمَا جَازَ أَنْ يُؤَكِّدُوا ب " هَؤُلَاءِ " و " أَوَلَاء " , لِأَنَّهَا كِنَايَة عَنْ الْمُخَاطَبِينَ , كَمَا قَالَ خُفَاف بْن نَدْبَة : أَقُول لَهُ وَالرُّمْح يَأْطُر مَتْنه تَبَيَّنَ خُفَافَا إنَّنِي أَنَا ذَلِكَا يُرِيد : أَنَا هَذَا . وَكَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { حَتَّى إذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْك وَجَرَيْنَ بِهِمْ } . 10 22 ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيمَنْ عَنَى بِهَذِهِ الْآيَة نَحْو اخْتِلَافهمْ فِيمَنْ عَنَى بِقَوْلِهِ : { وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } . ذِكْر اخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ فِي ذَلِكَ : 1212 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , عَنْ عِكْرِمَة , أَوْ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : { ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارهمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَان } إلَى أَهْل الشِّرْك حَتَّى تَسْفِكُوا دِمَاءَهُمْ مَعَهُمْ , وَتُخْرِجُوهُمْ مِنْ دِيَارهمْ مَعَهُمْ . فَقَالَ : أَنَّبَهُمْ اللَّه عَلَى ذَلِكَ مِنْ فِعْلهمْ , وَقَدْ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاة سَفْك دِمَائِهِمْ , وَافْتَرَضَ عَلَيْهِمْ فِيهَا فِدَاء أَسْرَاهُمْ ; فَكَانُوا فَرِيقَيْنِ طَائِفَة مِنْهُمْ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاع حُلَفَاء الْخَزْرَج وَالنَّضِير وَقُرَيْظَة حُلَفَاء الْأَوْس , فَكَانُوا إذَا كَانَتْ بَيْن الْأَوْس وَالْخَزْرَج حَرْب خَرَجَتْ بَنُو قَيْنُقَاع مَعَ الْخَزْرَج , وَخَرَجَتْ النَّضِير وَقُرَيْظَة مَعَ الْأَوْس , يُظَاهِر كُلّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ حُلَفَاءَهُ عَلَى إخْوَانه حَتَّى يَتَسَافَكُوا دِمَاءَهُمْ بَيْنهمْ وَبِأَيْدِيهِمْ التَّوْرَاة يَعْرِفُونَ مِنْهَا مَا عَلَيْهِمْ وَمَا لَهُمْ , وَالْأَوْس وَالْخَزْرَج أَهْل شِرْك يَعْبُدُونَ الْأَوْثَان لَا يَعْرِفُونَ جَنَّة وَلَا نَارًا , وَلَا بَعْثًا , وَلَا قِيَامَة , وَلَا كِتَابًا , وَلَا حَرَامًا , وَلَا حَلَالًا ; فَإِذَا وَضَعَتْ الْحَرْب أَوَزَارَهَا افْتَدَوْا أَسْرَاهُمْ , تَصْدِيقًا لِمَا فِي التَّوْرَاة وَأَخْذًا بِهِ بَعْضهمْ مِنْ بَعْض : يَفْتَدِي بَنُو قَيْنُقَاع مَا كَانَ مِنْ أَسْرَاهُمْ فِي أَيْدِي الْأَوْس , وَتَفْتَدِي النَّضِير وَقُرَيْظَة مَا كَانَ فِي أَيْدِي الْخَزْرَج مِنْهُمْ , وَيُطِلُّونَ مَا أَصَابُوا مِنْ الدِّمَاء وَقَتَلُوا مَنْ قَتَلُوا مِنْهُمْ فِيمَا بَيْنهمْ مُظَاهَرَة لِأَهْلِ الشِّرْك عَلَيْهِمْ . يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره حِين أَنَّبَهُمْ بِذَلِكَ : { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَاب وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } أَيْ تُفَادُونَهُ بِحُكْمِ التَّوْرَاة وَتَقْتُلُونَهُ ; وَفِي حُكْم التَّوْرَاة أَنْ لَا يَقْتُل وَلَا يَخْرُج مِنْ ذَلِكَ , وَلَا يُظَاهِر عَلَيْهِ مَنْ يُشْرِك بِاَللَّهِ وَيَعْبُد الْأَوْثَان مِنْ دُونه ابْتِغَاء عَرَض مِنْ عَرَض الدُّنْيَا . فَفِي ذَلِكَ مِنْ فِعْلهمْ مَعَ الْأَوْس وَالْخَزْرَج فِيمَا بَلَغَنِي نَزَلَتْ هَذِهِ الْقِصَّة . 1213 - وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسكُمْ مِنْ دِيَاركُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } قَالَ : إنَّ اللَّه أَخَذَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيل فِي التَّوْرَاة أَنَّ لَا يَقْتُل بَعْضهمْ بَعْضًا , وَأَيّمَا عَبْد أَوْ أَمَة وَجَدْتُمُوهُ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل فَاشْتَرَوْهُ بِمَا قَامَ ثَمَنه فَأَعْتَقُوهُ . فَكَانَتْ قُرَيْظَة حُلَفَاء الْأَوْس , وَالنَّضِير حُلَفَاء الْخَزْرَج , فَكَانُوا يَقْتَتِلُونَ فِي حَرْب سُمَيْر , فَتَقَاتَلَ بَنُو قُرَيْظَة مَعَ حُلَفَائِهَا النَّضِير وَحُلَفَاءَهَا . وَكَانَتْ النَّضِير تُقَاتِل قُرَيْظَة وَحُلَفَاءَهَا فَيَغْلِبُونَهُمْ , فَيُخَرِّبُونَ بُيُوتهمْ وَيُخْرِجُونَهُمْ مِنْهَا , فَإِذَا أُسِرَ الرَّجُل مِنْ الْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا جَمَعُوا لَهُ حَتَّى يَفْدُوهُ , فَتُعَيِّرهُمْ الْعَرَب بِذَلِكَ , وَيَقُولُونَ : كَيْفَ تُقَاتِلُونَهُمْ وَتَفْدُونَهُمْ ؟ قَالُوا : إنَّا أُمِرْنَا أَنْ نَفْدِيهِمْ وَحَرُمَ عَلَيْنَا قِتَالهمْ , قَالُوا : فَلِمَ تُقَاتِلُونَهُمْ ؟ قَالُوا : إنَّا نَسْتَحْيِي أَنْ تُسْتَذَلّ حُلَفَاؤُنَا . فَذَلِكَ حِين عَيَّرَهُمْ جَلَّ وَعَزَّ فَقَالَ : { ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارهمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَان } . 1214 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : كَانَتْ قُرَيْظَة وَالنَّضِير أَخَوَيْنِ , وَكَانُوا بِهَذِهِ الْمَثَابَة , وَكَانَ الْكِتَاب بِأَيْدِيهِمْ . وَكَانَتْ الْأَوْس وَالْخَزْرَج أَخَوَيْنِ فَافْتَرَقَا , وَافْتَرَقَتْ قُرَيْظَة وَالنَّضِير , فَكَانَتْ النَّضِير مَعَ الْخَزْرَج , وَكَانَتْ قُرَيْظَة مَعَ الْأَوْس . فَاقْتَتَلُوا , وَكَانَ بَعْضهمْ يَقْتُل بَعْضًا , فَقَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارهمْ } الْآيَة . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 1215 - حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة قَالَ : كَانَ فِي بَنِي إسْرَائِيل إذَا اسْتَضْعَفُوا قَوْمًا أَخَرَجُوهُمْ مِنْ دِيَارهمْ , وَقَدْ أَخَذَ عَلَيْهِمْ الْمِيثَاق أَنْ لَا يَسْفِكُوا دِمَاءَهُمْ وَلَا يُخْرِجُوا أَنْفُسهمْ مِنْ ديارهم . وَأَمَّا الْعُدْوَان فَهُوَ الْفِعْلَانِ مِنْ التَّعَدِّي , يُقَال مِنْهُ : عَدَا فُلَان فِي كَذَا عَدْوًا وَعُدْوَانًا , وَاعْتَدَى يَعْتَدِي اعْتِدَاء , وَذَلِكَ إذَا جَاوَزَ حَدّه ظُلْمًا وَبَغْيًا . وَقَدْ اخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة : { تَظَاهَرُونَ } فَقَرَأَهَا بَعْضهمْ : تَظَاهَرُونَ , عَلَى مِثَال " تَفَاعَلُون " فَحَذَفَ التَّاء الزَّائِدَة وَهِيَ التَّاء الْآخِرَة . وَقَرَأَهَا آخَرُونَ : { تَظَّاهَرُونَ } , فَشَدَّدَ بِتَأْوِيلِ { تَتَظَاهَرُونَ } , غَيْر أَنَّهُمْ أَدْغَمُوا التَّاء الثَّانِيَة فِي الظَّاء لِتَقَارُبِ مَخْرَجَيْهِمَا فَصَيَّرُوهُمَا ظَاء مُشَدَّدَة . وَهَاتَانِ الْقِرَاءَتَانِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظهمَا فَإِنَّهُمَا مُتَّفِقَتَا الْمَعْنَى , فَسَوَاء بِأَيِّ ذَلِكَ قَرَأَ الْقَارِئ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا لُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ وَقِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي أَمْصَار الْإِسْلَام بِمَعْنًى وَاحِد لَيْسَ فِي إحْدَاهُمَا مَعْنًى تَسْتَحِقّ بِهِ اخْتِيَارهَا عَلَى الْأُخْرَى إلَّا أَنْ يَخْتَار مُخْتَار تَظَّاهَرُونَ الْمُشَدَّدَة طَلَبًا مِنْهُ تَتِمَّة الْكَلِمَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّم عَلَيْكُمْ إخْرَاجهمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَاب وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تَفَادَوْهُمْ } الْيَهُود يُوَبِّخهُمْ بِذَلِكَ , وَيُعَرِّفهُمْ بِهِ قَبِيح أَفْعَالهمْ الَّتِي كَانُوا يَفْعَلُونَهَا . فَقَالَ لَهُمْ : ثُمَّ أَنْتُمْ بَعْد إقْرَاركُمْ بِالْمِيثَاقِ الَّذِي أَخَذْته عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَسْفِكُوا دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُوا أَنْفُسكُمْ مِنْ دِيَاركُمْ { تَقْتُلُونَ أَنْفُسكُمْ } يَعْنِي بِهِ يَقْتُل بَعْضكُمْ بَعْضًا , وَأَنْتُمْ مَعَ قِتْلكُمْ مَنْ تَقْتُلُونَ مِنْكُمْ إذَا وَجَدْتُمْ الْأَسِير مِنْكُمْ فِي أَيْدِي غَيْركُمْ مِنْ أَعْدَائِكُمْ تَفْدُونَهُ وَيُخْرِج بَعْضكُمْ بَعْضًا مِنْ دِيَاره . وَقَتْلكُمْ إيَّاهُمْ وَإِخْرَاجكُمْ لَهُمْ مِنْ دِيَارهمْ حَرَام عَلَيْكُمْ وَتَرْكهمْ أَسْرَى فِي أَيْدِي عَدُوّكُمْ , فَكَيْف تَسْتَجِيزُونَ قَتْلهمْ وَلَا تَسْتَجِيزُونَ تَرْك فَدَائِهِمْ مِنْ عَدُوّهُمْ ؟ أَمْ كَيْفَ لَا تَسْتَجِيزُونَ تَرْك فَدَائِهِمْ وَتَسْتَجِيزُونَ قَتْلهمْ ؟ وَهُمْ جَمِيعًا فِي اللَّازِم لَكُمْ مِنْ الْحُكْم فِيهِمْ سَوَاء ; لِأَنَّ الَّذِي حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ مِنْ قَتْلهمْ وَإِخْرَاجهمْ مِنْ دُورهمْ نَظِير الَّذِي حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ مِنْ تَرْكهمْ أَسْرَى فِي أَيْدِي عَدُوّهُمْ { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَاب } الَّذِي فَرَضْت عَلَيْكُمْ فِيهِ فَرَائِضِي وَبَيَّنْت لَكُمْ فِيهِ حُدُودِي وَأَخَذْت عَلَيْهِ بِالْعَمَلِ بِمَا فِيهِ مِيثَاقِي فَتُصَدِّقُونَ بِهِ , فَتُفَادُونَ أَسْرَاكُمْ مِنْ أَيْدِي عَدُوّكُمْ ; وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضِهِ فَتَجْحَدُونَهُ فَتَقْتُلُونَ مَنْ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ قَتْله مِنْ أَهْل دِينكُمْ وَمِنْ قَوْمكُمْ , وَتَخْرُجُونَهُمْ مِنْ دِيَارهمْ ؟ وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ الْكُفْر مِنْكُمْ بِبَعْضِهِ نَقْض مِنْكُمْ عَهْدِي وَمِيثَاقِي . كَمَا : 1216 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارهمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَان وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّم عَلَيْكُمْ إخْرَاجهمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَاب وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } فَادِيَن وَاَللَّه إنَّ فِدَاءَهُمْ لِإِيمَانٍ وَإِنَّ إخْرَاجهمْ لَكُفْر , فَكَانُوا يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ دِيَارهمْ , وَإِذَا رَأَوْهُمْ أُسَارَى فِي أَيْدِي عَدُوّهُمْ افْتَكُّوهُمْ . 1217 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنِي ابْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفْدُوهُمْ } قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ ذَلِكُمْ عَلَيْكُمْ فِي دِينكُمْ , { وَهُوَ مُحَرَّم عَلَيْكُمْ } فِي كِتَابكُمْ { إخْرَاجهمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَاب وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } أَتُفَادُونَهُمْ مُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ , وَتُخْرِجُونَهُمْ كُفْرًا بِذَلِكَ ؟ 1218 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ } يَقُول : إنْ وَجَدْته فِي يَد غَيْرك فَدِيَته وَأَنْت تَقْتُلهُ بِيَدِك ؟ 1219 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , قَالَ : قَالَ أَبُو جَعْفَر : كَانَ قَتَادَةَ يَقُول فِي قَوْله : { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَاب وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } فَكَانَ إخْرَاجهمْ كُفْرًا وَفِدَاؤُهُمْ إيمَانًا . 1220 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسكُمْ } الْآيَة , قَالَ : كَانَ فِي بَنِي إسْرَائِيل إذَا اسْتَضْعَفُوا قَوْمًا أَخَرَجُوهُمْ مِنْ دِيَارهمْ , وَقَدْ أَخَذَ عَلَيْهِمْ الْمِيثَاق أَنْ لَا يَسْفِكُوا دِمَاءَهُمْ وَلَا يُخْرِجُوا أَنْفُسهمْ مِنْ دِيَارهمْ , وَأَخَذَ عَلَيْهِمْ الْمِيثَاق إنْ أُسِرَ بَعْضهمْ أَنْ يُفَادُوهُمْ . فَأَخْرَجُوهُمْ مِنْ دِيَارهمْ ثُمَّ فَادُوهُمْ . فَآمَنُوا بِبَعْضِ الْكِتَاب وَكَفَرُوا بِبَعْضٍ ; آمَنُوا بِالْفِدَاءِ فَفَدَوْا , وَكَفَرُوا بِالْإِخْرَاجِ مِنْ الدِّيَار فَأَخْرَجُوا . 1221 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , قَالَ : ثنا الرَّبِيع بْن أَنَس , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو الْعَالِيَة : أَنَّ عَبْد اللَّه بْن سَلَام مَرَّ عَلَى رَأْس الجالوت بِالْكُوفَةِ وَهُوَ يُفَادِي مِنْ النِّسَاء مَنْ لَمْ يَقَع عَلَيْهِ الْعَرَب وَلَا يُفَادِي مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَرَب , فَقَالَ لَهُ عَبْد اللَّه بْن سَلَام : أَمَّا إنَّهُ مَكْتُوب عِنْدك فِي كِتَابك أَنْ فَادُوهُنَّ كُلّهنَّ . 1222 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ : { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَاب وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } قَالَ : كُفْرهمْ الْقَتْل وَالْإِخْرَاج , وَإِيمَانهمْ الْفِدَاء . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : يَقُول : إذَا كَانُوا عِنْدكُمْ تَقْتُلُونَهُمْ وَتُخْرِجُونَهُمْ مِنْ دِيَارهمْ . وَأَمَّا إذَا أَسَرُّوا تَفْدُونَهُمْ ؟ وَبَلَغَنِي أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب قَالَ فِي قِصَّة بَنِي إسْرَائِيل : إنَّ بَنِي إسْرَائِيل قَدْ مَضَوْا وَإِنَّكُمْ أَنْتُمْ تَعْنُونَ بِهَذَا الْحَدِيث . وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ } فَقَرَأَهُ بَعْضهمْ : { أَسْرَى تَفْدُوهُمْ } , وَبَعْضهمْ : { أُسَارَى تُفَادُوهُمْ } , وَبَعْضهمْ : { أُسَارَى تَفْدُوهُمْ } , وَبَعْضهمْ : { أَسْرَى تُفَادُوهُمْ } . قَالَ أَبُو جَعْفَر : فَمَنْ قَرَأَ ذَلِكَ : { وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أَسْرَى } , فَإِنَّهُ أَرَادَ جَمْع الْأَسِير , إذْ كَانَ عَلَى " فَعِيل " عَلَى مِثَال جَمْع أَسَمَاء ذَوِي الْعَاهَات الَّتِي يَأْتِي وَاحِدهَا عَلَى تَقْدِير فَعِيل , إذْ كَانَ الْأَسْر شَبِيه الْمَعْنَى فِي الْأَذَى وَالْمَكْرُوه الدَّاخِل عَلَى الْأَسِير بِبَعْضِ مَعَانِي الْعَاهَات ; وَأُلْحِقَ جَمْع الْمُسْتَلْحَق بِهِ بِجَمْعِ مَا وَصَفْنَا , فَقِيلَ أَسِير وَأَسْرَى , كَمَا قِيلَ مَرِيض وَمَرْضَى وَكَسِير وَكَسْرَى , وَجَرِيح وَجَرْحَى . وَقَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ : { أُسَارَى } , فَإِنَّهُمْ أَخَرَجُوهُ عَلَى مَخْرَج جَمْع فُعْلَان , إذْ كَانَ جَمْع " فُعْلَان " الَّذِي لَهُ " فُعْلَى " قَدْ يُشَارِك جَمْع " فَعِيل " , كَمَا قَالُوا سُكَارَى وَسَكْرَى وَكُسَالَى وَكَسْلَى , فَشَبَّهُوا أَسِيرًا وَجَمَعُوهُ مَرَّة أُسَارَى وَأُخْرَى أَسْرَى بِذَلِكَ . وَكَانَ بَعْضهمْ يَزْعُم أَنَّ مَعْنَى الْأَسْرَى مُخَالِف مَعْنَى الْأُسَارَى , وَيَزْعُم أَنَّ مَعْنَى الْأَسْرَى اسْتِئْسَار الْقَوْم بِغَيْرِ أَسْر مِنْ الْمُسْتَأْسِر لَهُمْ , وَأَنَّ مَعْنَى الْأُسَارَى مَعْنَى مَصِير الْقَوْم الْمَأْسُورِينَ فِي أَيْدِي الْآسِرِينَ بِأَسْرِهِمْ وَأَخْذهمْ قَهْرًا وَغَلَبَة . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَذَلِكَ مَا لَا وَجْه لَهُ يُفْهَم فِي لُغَة أَحَد مِنْ الْعَرَب , وَلَكِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ جَمْع الْأَسِير مَرَّة عَلَى " فُعْلَى " لَمَّا بَيَّنْت مِنْ الْعِلَّة , وَمَرَّة عَلَى " فُعَالَى " لِمَا ذَكَرْت مِنْ تَشْبِيههمْ جَمْعه بِجَمْعِ سَكْرَان وَكَسْلَان وَمَا أَشَبَه ذَلِكَ . وَأَوْلَى بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أَسْرَى } لِأَنَّ " فُعَالَى " فِي جَمْع " فَعِيل " غَيْر مُسْتَفِيض فِي كَلَام الْعَرَب . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ غَيْر مُسْتَفِيض فِي كَلَامهمْ , وَكَانَ مُسْتَفِيضًا فَاشِيًّا فِيهِمْ جَمْع مَا كَانَ مِنْ الصِّفَات الَّتِي بِمَعْنَى الْآلَام وَالزَّمَانَة وَاحِدَة عَلَى تَقْدِير " فَعِيل " عَلَى " فُعْلَى " كَاَلَّذِي وَصَفْنَا قَبْل , وَكَانَ أَحَد ذَلِكَ الْأَسِير ; كَانَ الْوَاجِب أَنْ يَلْحَق بِنَظَائِرِهِ وَأَشْكَاله فَيُجْمَع جَمْعهَا دُون غَيْرهَا مِمَّنْ خَالَفَهَا . وَأَمَّا مَنْ قَرَأَ : { تُفَادُوهُمْ } فَإِنَّهُ أَرَادَ أَنَّكُمْ تَفْدُونَهُمْ مِنْ أَسْرهمْ , وَيَفْدِي مِنْكُمْ - الَّذِينَ أَسَرُوهُمْ فَفَادُوكُمْ بِهِمْ - أَسْرَاكُمْ مِنْهُمْ . وَأَمَّا مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ : { تَفْدُوهُمْ } فَإِنَّهُ أَرَادَ أَنَّكُمْ يَا مَعْشَر الْيَهُود إنْ أَتَاكُمْ الَّذِينَ أَخَرَجْتُمُوهُمْ مِنْكُمْ مِنْ دِيَارهمْ أَسْرَى فَدَيْتُمُوهُمْ فاستنقذتموهم . وَهَذِهِ الْقِرَاءَة أَعْجَب إلَيَّ مِنْ الْأُولَى , أَعْنِي : { أَسْرَى تَفْدُوهُمْ } لِأَنَّ الَّذِي عَلَى الْيَهُود فِي دِينهمْ فِدَاء أَسْرَاهُمْ بِكُلِّ حَال فَدَى الْآسِرُونَ أَسْرَاهُمْ مِنْهُمْ أَمْ لَمْ يَفْدُوهُمْ . وَأَمَّا قَوْله : { وَهُوَ مُحَرَّم عَلَيْكُمْ إخْرَاجهمْ } فَإِنَّ فِي قَوْله : { وَهُوَ } وَجْهَيْنِ مِنْ التَّأْوِيل ; أَحَدهمَا : أَنْ يَكُون كِنَايَة عَنْ الْإِخْرَاج الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْره , كَأَنَّهُ قَالَ : وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارهمْ , وَإِخْرَاجهمْ مُحَرَّم عَلَيْكُمْ . ثُمَّ كَرَّرَ الْإِخْرَاج الَّذِي بَعْد وَهُوَ مُحَرَّم عَلَيْكُمْ تَكْرِيرًا عَلَى " هُوَ " , لِمَا حَال بَيْن " الْإِخْرَاج " و " هُوَ " كَلَام . وَالتَّأْوِيل الثَّانِي : أَنْ يَكُون عِمَادًا لَمَّا كَانَتْ الْوَاو الَّتِي مَعَ " هُوَ " تَقْتَضِي اسْمًا يَلِيهَا دُون الْفِعْل , فَلَمَّا قُدِّمَ الْفِعْل قَبْل الِاسْم الَّذِي تَقْتَضِيه الْوَاو أَنْ يَلِيهَا أَوُلِيَتْ " هُوَ " لِأَنَّهُ اسْم , كَمَا تَقُول : أَتَيْتُك وَهُوَ قَائِم أَبُوك , بِمَعْنَى : وَأَبُوك قَائِم , إذْ كَانَتْ الْوَاو تَقْتَضِي اسْمًا فَعَمِدْت ب " هُوَ " , إذْ سَبَقَ الْفِعْل الِاسْم لِيَصْلُح الْكَلَام ; كَمَا قَالَ الشَّاعِر : فَأَبْلِغْ أَبَا يَحْيَى إذَا مَا لَقِيته عَلَى الْعِيس فِي آبَاطهَا عَرَق يَبْس بِأَنَّ السُّلَامَى الَّذِي بِضَرِيَّةٍ أَمِير الْحِمَى قَدْ بَاعَ حَقِّي بَنِي عَبْس بِثَوْبٍ وَدِينَار وَشَاة وَدِرْهَم فَهَلْ هُوَ مَرْفُوع بِمَا هَهُنَا رَأْس فَأَوْلَيْت " هَلْ " لِطَلَبِهَا الِاسْم الْعِمَاد .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَا جَزَاء مَنْ يَفْعَل ذَلِكَ مِنْكُمْ إلَّا خِزْي فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَمَا جَزَاء مَنْ يَفْعَل ذَلِكَ مِنْكُمْ } فَلَيْسَ لِمَنْ قَتَلَ مِنْكُمْ قَتِيلًا فَكَفَرَ بِقَتْلِهِ إيَّاهُ بِنَقْضِ عَهْد اللَّه الَّذِي حَكَمَ بِهِ عَلَيْهِ فِي التَّوْرَاة , وَأَخْرَجَ مِنْكُمْ فَرِيقًا مِنْ دِيَارهمْ مُظَاهِرًا عَلَيْهِمْ أَعْدَاءَهُمْ مِنْ أَهْل الشِّرْك ظُلْمًا وَعُدْوَانًا وَخِلَافًا لِمَا أَمَرَهُ اللَّه بِهِ فِي كِتَابه الَّذِي أَنَزَلَهُ إلَى مُوسَى , جَزَاء ; يَعْنِي بِالْجَزَاءِ : الثَّوَاب وَهُوَ الْعِوَض مِمَّا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ وَالْأَجْر عَلَيْهِ , { إلَّا خِزْي فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } وَالْخِزْي الذُّلّ وَالصَّغَار , يُقَال مِنْهُ : " خُزِيَ الرَّجُل يُخْزَى خِزْيًا " . { فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } , يَعْنِي فِي عَاجِل الدُّنْيَا قَبْل الْآخِرَة . ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي الْخِزْي الَّذِي أَخْزَاهُمْ اللَّه بِمَا سَلَفَ مِنْ مَعْصِيَتهمْ إيَّاهُ . فَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ هُوَ حُكْم اللَّه الَّذِي أَنَزَلَهُ إلَى نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَخَذَ الْقَاتِل بِمَنْ قَتَلَ وَالْقَوَد بِهِ قِصَاصًا , وَالِانْتِقَام لِلْمَظْلُومِ مِنْ الظَّالِم . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ هُوَ أَخْذ الْجِزْيَة مِنْهُمْ مَا أَقَامُوا عَلَى دِينهمْ ذِلَّة لَهُمْ وَصَغَارًا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ الْخِزْي الَّذِي جَوَّزُوا بِهِ فِي الدُّنْيَا إخْرَاج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّضِير مِنْ دِيَارهمْ لِأَوَّلِ الْحَشْر , وَقَتْل مُقَاتِلَة قُرَيْظَة وَسَبْي ذَرَارِيّهمْ ; فَكَانَ ذَلِكَ خِزْيًا فِي الدُّنْيَا , وَلَهُمْ فِي الْآخِرَة عَذَاب عَظِيم .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَوْم الْقِيَامَة يُرَدُّونَ إلَى أَشَدّ الْعَذَاب } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَيَوْم الْقِيَامَة يُرَدُّونَ إلَى أَشَدّ الْعَذَاب } وَيَوْم تَقُوم السَّاعَة يُرَدّ مَنْ يَفْعَل ذَلِكَ مِنْكُمْ بَعْد الْخِزْي الَّذِي يَحِلّ بِهِ فِي الدُّنْيَا جَزَاء عَلَى مَعْصِيَة اللَّه إلَى أَشَدّ الْعَذَاب الَّذِي أَعَدَّ اللَّه لِأَعْدَائِهِ . وَقَدْ قَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : { وَيَوْم الْقِيَامَة يُرَدُّونَ إلَى أَشَدّ الْعَذَاب } مِنْ عَذَاب الدُّنْيَا . وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ قَائِل ذَلِكَ . ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إنَّمَا أَخْبَرَ أَنَّهُمْ يُرَدُّونَ إلَى أَشَدّ مَعَانِي الْعَذَاب ; وَلِذَلِكَ أَدْخَلَ فِيهِ الْأَلِف وَاللَّام , لِأَنَّهُ عَنَى بِهِ جِنْس الْعَذَاب كُلّه دُون نَوْع مِنْهُ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا اللَّه بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } اخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ بَعْضهمْ : { وَمَا اللَّه بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } بِالْيَاءِ عَلَى وَجْه الْإِخْبَار عَنْهُمْ , فَكَأَنَّهُمْ نَحْوًا بِقِرَاءَتِهِمْ مَعْنَى : { فَمَا جَزَاء مَنْ يَفْعَل ذَلِكَ مِنْكُمْ إلَّا خِزْي فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَيَوْم الْقِيَامَة يُرَدُّونَ إلَى أَشَدّ الْعَذَاب وَمَا اللَّه بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } يَعْنِي عَمَّا يَعْمَلهُ الَّذِينَ أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ جَزَاء عَلَى فِعْلهمْ إلَّا الْخِزْي فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا , وَمَرْجِعهمْ فِي الْآخِرَة إلَى أَشَدّ الْعَذَاب . وَقَرَأَهُ آخَرُونَ : { وَمَا اللَّه بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } بِالتَّاءِ عَلَى وَجْه الْمُخَاطَبَة ; قَالَ : فَكَأَنَّهُمْ نَحْوًا بِقِرَاءَتِهِمْ : { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَاب وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ . .. وَمَا اللَّه بِغَافِلٍ } يَا مَعْشَر الْيَهُود { عَمَّا تَعْمَلُونَ } أَنْتُمْ . وَأَعْجَب الْقِرَاءَتَيْنِ إلَى قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ بِالْيَاءِ اتِّبَاعًا لِقَوْلِهِ : { فَمَا جَزَاء مَنْ يَفْعَل ذَلِكَ مِنْكُمْ } وَلِقَوْلِهِ : { وَيَوْم الْقِيَامَة يُرَدُّونَ } لِأَنَّ قَوْله : { وَمَا اللَّه بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } إلَى ذَلِكَ أَقْرَب مِنْهُ إلَى قَوْله : { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَاب وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } فَاتِّبَاعه الْأَقْرَب إلَيْهِ أَوْلَى مِنْ إلْحَاقه بِالْأَبْعَدِ مِنْهُ . وَالْوَجْه الْآخَر غَيْر بِعِيدٍ مِنْ الصَّوَاب . وَتَأْوِيل قَوْله : وَمَا اللَّه بِسَاهٍ عَنْ أَعْمَالهمْ الْخَبِيثَة , بَلْ هُوَ مُحْصٍ لَهَا وَحَافِظهَا عَلَيْهِمْ حَتَّى يُجَازِيهِمْ بِهَا فِي الْآخِرَة وَيُخْزِيهِمْ فِي الدُّنْيَا فَيُذِلّهُمْ وَيَفْضَحهُمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّم عَلَيْكُمْ إخْرَاجهمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَاب وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تَفَادَوْهُمْ } الْيَهُود يُوَبِّخهُمْ بِذَلِكَ , وَيُعَرِّفهُمْ بِهِ قَبِيح أَفْعَالهمْ الَّتِي كَانُوا يَفْعَلُونَهَا . فَقَالَ لَهُمْ : ثُمَّ أَنْتُمْ بَعْد إقْرَاركُمْ بِالْمِيثَاقِ الَّذِي أَخَذْته عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَسْفِكُوا دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُوا أَنْفُسكُمْ مِنْ دِيَاركُمْ { تَقْتُلُونَ أَنْفُسكُمْ } يَعْنِي بِهِ يَقْتُل بَعْضكُمْ بَعْضًا , وَأَنْتُمْ مَعَ قِتْلكُمْ مَنْ تَقْتُلُونَ مِنْكُمْ إذَا وَجَدْتُمْ الْأَسِير مِنْكُمْ فِي أَيْدِي غَيْركُمْ مِنْ أَعْدَائِكُمْ تَفْدُونَهُ وَيُخْرِج بَعْضكُمْ بَعْضًا مِنْ دِيَاره . وَقَتْلكُمْ إيَّاهُمْ وَإِخْرَاجكُمْ لَهُمْ مِنْ دِيَارهمْ حَرَام عَلَيْكُمْ وَتَرْكهمْ أَسْرَى فِي أَيْدِي عَدُوّكُمْ , فَكَيْف تَسْتَجِيزُونَ قَتْلهمْ وَلَا تَسْتَجِيزُونَ تَرْك فَدَائِهِمْ مِنْ عَدُوّهُمْ ؟ أَمْ كَيْفَ لَا تَسْتَجِيزُونَ تَرْك فَدَائِهِمْ وَتَسْتَجِيزُونَ قَتْلهمْ ؟ وَهُمْ جَمِيعًا فِي اللَّازِم لَكُمْ مِنْ الْحُكْم فِيهِمْ سَوَاء ; لِأَنَّ الَّذِي حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ مِنْ قَتْلهمْ وَإِخْرَاجهمْ مِنْ دُورهمْ نَظِير الَّذِي حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ مِنْ تَرْكهمْ أَسْرَى فِي أَيْدِي عَدُوّهُمْ { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَاب } الَّذِي فَرَضْت عَلَيْكُمْ فِيهِ فَرَائِضِي وَبَيَّنْت لَكُمْ فِيهِ حُدُودِي وَأَخَذْت عَلَيْهِ بِالْعَمَلِ بِمَا فِيهِ مِيثَاقِي فَتُصَدِّقُونَ بِهِ , فَتُفَادُونَ أَسْرَاكُمْ مِنْ أَيْدِي عَدُوّكُمْ ; وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضِهِ فَتَجْحَدُونَهُ فَتَقْتُلُونَ مَنْ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ قَتْله مِنْ أَهْل دِينكُمْ وَمِنْ قَوْمكُمْ , وَتَخْرُجُونَهُمْ مِنْ دِيَارهمْ ؟ وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ الْكُفْر مِنْكُمْ بِبَعْضِهِ نَقْض مِنْكُمْ عَهْدِي وَمِيثَاقِي . كَمَا : 1216 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارهمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَان وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّم عَلَيْكُمْ إخْرَاجهمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَاب وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } فَادِيَن وَاَللَّه إنَّ فِدَاءَهُمْ لِإِيمَانٍ وَإِنَّ إخْرَاجهمْ لَكُفْر , فَكَانُوا يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ دِيَارهمْ , وَإِذَا رَأَوْهُمْ أُسَارَى فِي أَيْدِي عَدُوّهُمْ افْتَكُّوهُمْ . 1217 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنِي ابْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفْدُوهُمْ } قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ ذَلِكُمْ عَلَيْكُمْ فِي دِينكُمْ , { وَهُوَ مُحَرَّم عَلَيْكُمْ } فِي كِتَابكُمْ { إخْرَاجهمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَاب وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } أَتُفَادُونَهُمْ مُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ , وَتُخْرِجُونَهُمْ كُفْرًا بِذَلِكَ ؟ 1218 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ } يَقُول : إنْ وَجَدْته فِي يَد غَيْرك فَدِيَته وَأَنْت تَقْتُلهُ بِيَدِك ؟ 1219 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , قَالَ : قَالَ أَبُو جَعْفَر : كَانَ قَتَادَةَ يَقُول فِي قَوْله : { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَاب وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } فَكَانَ إخْرَاجهمْ كُفْرًا وَفِدَاؤُهُمْ إيمَانًا . 1220 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله : { ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسكُمْ } الْآيَة , قَالَ : كَانَ فِي بَنِي إسْرَائِيل إذَا اسْتَضْعَفُوا قَوْمًا أَخَرَجُوهُمْ مِنْ دِيَارهمْ , وَقَدْ أَخَذَ عَلَيْهِمْ الْمِيثَاق أَنْ لَا يَسْفِكُوا دِمَاءَهُمْ وَلَا يُخْرِجُوا أَنْفُسهمْ مِنْ دِيَارهمْ , وَأَخَذَ عَلَيْهِمْ الْمِيثَاق إنْ أُسِرَ بَعْضهمْ أَنْ يُفَادُوهُمْ . فَأَخْرَجُوهُمْ مِنْ دِيَارهمْ ثُمَّ فَادُوهُمْ . فَآمَنُوا بِبَعْضِ الْكِتَاب وَكَفَرُوا بِبَعْضٍ ; آمَنُوا بِالْفِدَاءِ فَفَدَوْا , وَكَفَرُوا بِالْإِخْرَاجِ مِنْ الدِّيَار فَأَخْرَجُوا . 1221 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , قَالَ : ثنا الرَّبِيع بْن أَنَس , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو الْعَالِيَة : أَنَّ عَبْد اللَّه بْن سَلَام مَرَّ عَلَى رَأْس الجالوت بِالْكُوفَةِ وَهُوَ يُفَادِي مِنْ النِّسَاء مَنْ لَمْ يَقَع عَلَيْهِ الْعَرَب وَلَا يُفَادِي مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَرَب , فَقَالَ لَهُ عَبْد اللَّه بْن سَلَام : أَمَّا إنَّهُ مَكْتُوب عِنْدك فِي كِتَابك أَنْ فَادُوهُنَّ كُلّهنَّ . 1222 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ : { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَاب وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } قَالَ : كُفْرهمْ الْقَتْل وَالْإِخْرَاج , وَإِيمَانهمْ الْفِدَاء . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : يَقُول : إذَا كَانُوا عِنْدكُمْ تَقْتُلُونَهُمْ وَتُخْرِجُونَهُمْ مِنْ دِيَارهمْ . وَأَمَّا إذَا أَسَرُّوا تَفْدُونَهُمْ ؟ وَبَلَغَنِي أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب قَالَ فِي قِصَّة بَنِي إسْرَائِيل : إنَّ بَنِي إسْرَائِيل قَدْ مَضَوْا وَإِنَّكُمْ أَنْتُمْ تَعْنُونَ بِهَذَا الْحَدِيث . وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ } فَقَرَأَهُ بَعْضهمْ : { أَسْرَى تَفْدُوهُمْ } , وَبَعْضهمْ : { أُسَارَى تُفَادُوهُمْ } , وَبَعْضهمْ : { أُسَارَى تَفْدُوهُمْ } , وَبَعْضهمْ : { أَسْرَى تُفَادُوهُمْ } . قَالَ أَبُو جَعْفَر : فَمَنْ قَرَأَ ذَلِكَ : { وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أَسْرَى } , فَإِنَّهُ أَرَادَ جَمْع الْأَسِير , إذْ كَانَ عَلَى " فَعِيل " عَلَى مِثَال جَمْع أَسَمَاء ذَوِي الْعَاهَات الَّتِي يَأْتِي وَاحِدهَا عَلَى تَقْدِير فَعِيل , إذْ كَانَ الْأَسْر شَبِيه الْمَعْنَى فِي الْأَذَى وَالْمَكْرُوه الدَّاخِل عَلَى الْأَسِير بِبَعْضِ مَعَانِي الْعَاهَات ; وَأُلْحِقَ جَمْع الْمُسْتَلْحَق بِهِ بِجَمْعِ مَا وَصَفْنَا , فَقِيلَ أَسِير وَأَسْرَى , كَمَا قِيلَ مَرِيض وَمَرْضَى وَكَسِير وَكَسْرَى , وَجَرِيح وَجَرْحَى . وَقَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ : { أُسَارَى } , فَإِنَّهُمْ أَخَرَجُوهُ عَلَى مَخْرَج جَمْع فُعْلَان , إذْ كَانَ جَمْع " فُعْلَان " الَّذِي لَهُ " فُعْلَى " قَدْ يُشَارِك جَمْع " فَعِيل " , كَمَا قَالُوا سُكَارَى وَسَكْرَى وَكُسَالَى وَكَسْلَى , فَشَبَّهُوا أَسِيرًا وَجَمَعُوهُ مَرَّة أُسَارَى وَأُخْرَى أَسْرَى بِذَلِكَ . وَكَانَ بَعْضهمْ يَزْعُم أَنَّ مَعْنَى الْأَسْرَى مُخَالِف مَعْنَى الْأُسَارَى , وَيَزْعُم أَنَّ مَعْنَى الْأَسْرَى اسْتِئْسَار الْقَوْم بِغَيْرِ أَسْر مِنْ الْمُسْتَأْسِر لَهُمْ , وَأَنَّ مَعْنَى الْأُسَارَى مَعْنَى مَصِير الْقَوْم الْمَأْسُورِينَ فِي أَيْدِي الْآسِرِينَ بِأَسْرِهِمْ وَأَخْذهمْ قَهْرًا وَغَلَبَة . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَذَلِكَ مَا لَا وَجْه لَهُ يُفْهَم فِي لُغَة أَحَد مِنْ الْعَرَب , وَلَكِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ جَمْع الْأَسِير مَرَّة عَلَى " فُعْلَى " لَمَّا بَيَّنْت مِنْ الْعِلَّة , وَمَرَّة عَلَى " فُعَالَى " لِمَا ذَكَرْت مِنْ تَشْبِيههمْ جَمْعه بِجَمْعِ سَكْرَان وَكَسْلَان وَمَا أَشَبَه ذَلِكَ . وَأَوْلَى بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أَسْرَى } لِأَنَّ " فُعَالَى " فِي جَمْع " فَعِيل " غَيْر مُسْتَفِيض فِي كَلَام الْعَرَب . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ غَيْر مُسْتَفِيض فِي كَلَامهمْ , وَكَانَ مُسْتَفِيضًا فَاشِيًّا فِيهِمْ جَمْع مَا كَانَ مِنْ الصِّفَات الَّتِي بِمَعْنَى الْآلَام وَالزَّمَانَة وَاحِدَة عَلَى تَقْدِير " فَعِيل " عَلَى " فُعْلَى " كَاَلَّذِي وَصَفْنَا قَبْل , وَكَانَ أَحَد ذَلِكَ الْأَسِير ; كَانَ الْوَاجِب أَنْ يَلْحَق بِنَظَائِرِهِ وَأَشْكَاله فَيُجْمَع جَمْعهَا دُون غَيْرهَا مِمَّنْ خَالَفَهَا . وَأَمَّا مَنْ قَرَأَ : { تُفَادُوهُمْ } فَإِنَّهُ أَرَادَ أَنَّكُمْ تَفْدُونَهُمْ مِنْ أَسْرهمْ , وَيَفْدِي مِنْكُمْ - الَّذِينَ أَسَرُوهُمْ فَفَادُوكُمْ بِهِمْ - أَسْرَاكُمْ مِنْهُمْ . وَأَمَّا مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ : { تَفْدُوهُمْ } فَإِنَّهُ أَرَادَ أَنَّكُمْ يَا مَعْشَر الْيَهُود إنْ أَتَاكُمْ الَّذِينَ أَخَرَجْتُمُوهُمْ مِنْكُمْ مِنْ دِيَارهمْ أَسْرَى فَدَيْتُمُوهُمْ فاستنقذتموهم . وَهَذِهِ الْقِرَاءَة أَعْجَب إلَيَّ مِنْ الْأُولَى , أَعْنِي : { أَسْرَى تَفْدُوهُمْ } لِأَنَّ الَّذِي عَلَى الْيَهُود فِي دِينهمْ فِدَاء أَسْرَاهُمْ بِكُلِّ حَال فَدَى الْآسِرُونَ أَسْرَاهُمْ مِنْهُمْ أَمْ لَمْ يَفْدُوهُمْ . وَأَمَّا قَوْله : { وَهُوَ مُحَرَّم عَلَيْكُمْ إخْرَاجهمْ } فَإِنَّ فِي قَوْله : { وَهُوَ } وَجْهَيْنِ مِنْ التَّأْوِيل ; أَحَدهمَا : أَنْ يَكُون كِنَايَة عَنْ الْإِخْرَاج الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْره , كَأَنَّهُ قَالَ : وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارهمْ , وَإِخْرَاجهمْ مُحَرَّم عَلَيْكُمْ . ثُمَّ كَرَّرَ الْإِخْرَاج الَّذِي بَعْد وَهُوَ مُحَرَّم عَلَيْكُمْ تَكْرِيرًا عَلَى " هُوَ " , لِمَا حَال بَيْن " الْإِخْرَاج " و " هُوَ " كَلَام . وَالتَّأْوِيل الثَّانِي : أَنْ يَكُون عِمَادًا لَمَّا كَانَتْ الْوَاو الَّتِي مَعَ " هُوَ " تَقْتَضِي اسْمًا يَلِيهَا دُون الْفِعْل , فَلَمَّا قُدِّمَ الْفِعْل قَبْل الِاسْم الَّذِي تَقْتَضِيه الْوَاو أَنْ يَلِيهَا أَوُلِيَتْ " هُوَ " لِأَنَّهُ اسْم , كَمَا تَقُول : أَتَيْتُك وَهُوَ قَائِم أَبُوك , بِمَعْنَى : وَأَبُوك قَائِم , إذْ كَانَتْ الْوَاو تَقْتَضِي اسْمًا فَعَمِدْت ب " هُوَ " , إذْ سَبَقَ الْفِعْل الِاسْم لِيَصْلُح الْكَلَام ; كَمَا قَالَ الشَّاعِر : فَأَبْلِغْ أَبَا يَحْيَى إذَا مَا لَقِيته عَلَى الْعِيس فِي آبَاطهَا عَرَق يَبْس بِأَنَّ السُّلَامَى الَّذِي بِضَرِيَّةٍ أَمِير الْحِمَى قَدْ بَاعَ حَقِّي بَنِي عَبْس بِثَوْبٍ وَدِينَار وَشَاة وَدِرْهَم فَهَلْ هُوَ مَرْفُوع بِمَا هَهُنَا رَأْس فَأَوْلَيْت " هَلْ " لِطَلَبِهَا الِاسْم الْعِمَاد .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَا جَزَاء مَنْ يَفْعَل ذَلِكَ مِنْكُمْ إلَّا خِزْي فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَمَا جَزَاء مَنْ يَفْعَل ذَلِكَ مِنْكُمْ } فَلَيْسَ لِمَنْ قَتَلَ مِنْكُمْ قَتِيلًا فَكَفَرَ بِقَتْلِهِ إيَّاهُ بِنَقْضِ عَهْد اللَّه الَّذِي حَكَمَ بِهِ عَلَيْهِ فِي التَّوْرَاة , وَأَخْرَجَ مِنْكُمْ فَرِيقًا مِنْ دِيَارهمْ مُظَاهِرًا عَلَيْهِمْ أَعْدَاءَهُمْ مِنْ أَهْل الشِّرْك ظُلْمًا وَعُدْوَانًا وَخِلَافًا لِمَا أَمَرَهُ اللَّه بِهِ فِي كِتَابه الَّذِي أَنَزَلَهُ إلَى مُوسَى , جَزَاء ; يَعْنِي بِالْجَزَاءِ : الثَّوَاب وَهُوَ الْعِوَض مِمَّا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ وَالْأَجْر عَلَيْهِ , { إلَّا خِزْي فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } وَالْخِزْي الذُّلّ وَالصَّغَار , يُقَال مِنْهُ : " خُزِيَ الرَّجُل يُخْزَى خِزْيًا " . { فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } , يَعْنِي فِي عَاجِل الدُّنْيَا قَبْل الْآخِرَة . ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي الْخِزْي الَّذِي أَخْزَاهُمْ اللَّه بِمَا سَلَفَ مِنْ مَعْصِيَتهمْ إيَّاهُ . فَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ هُوَ حُكْم اللَّه الَّذِي أَنَزَلَهُ إلَى نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَخَذَ الْقَاتِل بِمَنْ قَتَلَ وَالْقَوَد بِهِ قِصَاصًا , وَالِانْتِقَام لِلْمَظْلُومِ مِنْ الظَّالِم . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ هُوَ أَخْذ الْجِزْيَة مِنْهُمْ مَا أَقَامُوا عَلَى دِينهمْ ذِلَّة لَهُمْ وَصَغَارًا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ الْخِزْي الَّذِي جَوَّزُوا بِهِ فِي الدُّنْيَا إخْرَاج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّضِير مِنْ دِيَارهمْ لِأَوَّلِ الْحَشْر , وَقَتْل مُقَاتِلَة قُرَيْظَة وَسَبْي ذَرَارِيّهمْ ; فَكَانَ ذَلِكَ خِزْيًا فِي الدُّنْيَا , وَلَهُمْ فِي الْآخِرَة عَذَاب عَظِيم .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَوْم الْقِيَامَة يُرَدُّونَ إلَى أَشَدّ الْعَذَاب } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَيَوْم الْقِيَامَة يُرَدُّونَ إلَى أَشَدّ الْعَذَاب } وَيَوْم تَقُوم السَّاعَة يُرَدّ مَنْ يَفْعَل ذَلِكَ مِنْكُمْ بَعْد الْخِزْي الَّذِي يَحِلّ بِهِ فِي الدُّنْيَا جَزَاء عَلَى مَعْصِيَة اللَّه إلَى أَشَدّ الْعَذَاب الَّذِي أَعَدَّ اللَّه لِأَعْدَائِهِ . وَقَدْ قَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : { وَيَوْم الْقِيَامَة يُرَدُّونَ إلَى أَشَدّ الْعَذَاب } مِنْ عَذَاب الدُّنْيَا . وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ قَائِل ذَلِكَ . ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إنَّمَا أَخْبَرَ أَنَّهُمْ يُرَدُّونَ إلَى أَشَدّ مَعَانِي الْعَذَاب ; وَلِذَلِكَ أَدْخَلَ فِيهِ الْأَلِف وَاللَّام , لِأَنَّهُ عَنَى بِهِ جِنْس الْعَذَاب كُلّه دُون نَوْع مِنْهُ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا اللَّه بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } اخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ بَعْضهمْ : { وَمَا اللَّه بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } بِالْيَاءِ عَلَى وَجْه الْإِخْبَار عَنْهُمْ , فَكَأَنَّهُمْ نَحْوًا بِقِرَاءَتِهِمْ مَعْنَى : { فَمَا جَزَاء مَنْ يَفْعَل ذَلِكَ مِنْكُمْ إلَّا خِزْي فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَيَوْم الْقِيَامَة يُرَدُّونَ إلَى أَشَدّ الْعَذَاب وَمَا اللَّه بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } يَعْنِي عَمَّا يَعْمَلهُ الَّذِينَ أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ جَزَاء عَلَى فِعْلهمْ إلَّا الْخِزْي فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا , وَمَرْجِعهمْ فِي الْآخِرَة إلَى أَشَدّ الْعَذَاب . وَقَرَأَهُ آخَرُونَ : { وَمَا اللَّه بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } بِالتَّاءِ عَلَى وَجْه الْمُخَاطَبَة ; قَالَ : فَكَأَنَّهُمْ نَحْوًا بِقِرَاءَتِهِمْ : { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَاب وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ . .. وَمَا اللَّه بِغَافِلٍ } يَا مَعْشَر الْيَهُود { عَمَّا تَعْمَلُونَ } أَنْتُمْ . وَأَعْجَب الْقِرَاءَتَيْنِ إلَى قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ بِالْيَاءِ اتِّبَاعًا لِقَوْلِهِ : { فَمَا جَزَاء مَنْ يَفْعَل ذَلِكَ مِنْكُمْ } وَلِقَوْلِهِ : { وَيَوْم الْقِيَامَة يُرَدُّونَ } لِأَنَّ قَوْله : { وَمَا اللَّه بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } إلَى ذَلِكَ أَقْرَب مِنْهُ إلَى قَوْله : { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَاب وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } فَاتِّبَاعه الْأَقْرَب إلَيْهِ أَوْلَى مِنْ إلْحَاقه بِالْأَبْعَدِ مِنْهُ . وَالْوَجْه الْآخَر غَيْر بِعِيدٍ مِنْ الصَّوَاب . وَتَأْوِيل قَوْله : وَمَا اللَّه بِسَاهٍ عَنْ أَعْمَالهمْ الْخَبِيثَة , بَلْ هُوَ مُحْصٍ لَهَا وَحَافِظهَا عَلَيْهِمْ حَتَّى يُجَازِيهِمْ بِهَا فِي الْآخِرَة وَيُخْزِيهِمْ فِي الدُّنْيَا فَيُذِلّهُمْ وَيَفْضَحهُمْ .
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الْحَيَاة الدُّنْيَا بِالْأَخِرَةِ فَلَا يُخَفَّف عَنْهُمْ الْعَذَاب } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَاب فَيُفَادُونَ أَسْرَاهُمْ مِنْ الْيَهُود , وَيَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ , فَيَقْتُلُونَ مَنْ حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمْ قَتْله مِنْ أَهْل مِلَّتهمْ , وَيُخْرِجُونَ مِنْ دَاره مَنْ حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمْ إخْرَاجه مِنْ دَاره , نَقْضًا لِعَهْدِ اللَّه وَمِيثَاقه فِي التَّوْرَاة إلَيْهِمْ . فَأَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اشْتَرَوْا رِيَاسَة الْحَيَاة الدُّنْيَا عَلَى الضُّعَفَاء وَأَهْل الْجَهْل وَالْغَبَاء مِنْ أَهْل مِلَّتهمْ , وَابْتَاعُوا الْمَآكِل الْخَسِيسَة الرَّدِيئَة فِيهَا , بِالْإِيمَانِ الَّذِي كَانَ يَكُون لَهُمْ بِهِ فِي الْآخِرَة لَوْ كَانُوا أَتَوْا بِهِ مَكَان الْكُفْر الْخُلُود فِي الْجِنَان . وَإِنَّمَا وَصَفَهُمْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِأَنَّهُمْ اشْتَرَوْا الْحَيَاة الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ لِأَنَّهُمْ رَضُوا بِالدُّنْيَا بِكُفْرِهِمْ بِاَللَّهِ فِيهَا عِوَضًا مِنْ نَعِيم الْآخِرَة الَّذِي أَعَدَّهُ اللَّه لِلْمُؤْمِنِينَ , فَجَعَلَ حُظُوظهمْ مِنْ نَعِيم الْآخِرَة بِكُفْرِهِمْ بِاَللَّهِ ثَمَنًا لَمَّا ابْتَاعُوهُ بِهِ مِنْ خَسِيس الدُّنْيَا . كَمَا : 1223 - حَدَّثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الْحَيَاة الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ } اسْتَحَبُّوا قَلِيل الدُّنْيَا عَلَى كَثِير الْآخِرَة . قَالَ أَبُو جَعْفَر : ثُمَّ أَخْبَرَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُمْ إذْ بَاعُوا حُظُوظهمْ مِنْ نَعِيم الْآخِرَة بِتَرْكِهِمْ طَاعَته , وَإِيثَارهمْ الْكُفْر بِهِ وَالْخَسِيس مِنْ الدُّنْيَا عَلَيْهِ , لَا حَظّ لَهُمْ فِي نَعِيم الْآخِرَة , وَأَنَّ الَّذِي لَهُمْ فِي الْآخِرَة الْعَذَاب غَيْر مُخَفَّف عَنْهُمْ فِيهَا الْعَذَاب ; لِأَنَّ الَّذِي يُخَفَّف عَنْهُ فِيهَا مِنْ الْعَذَاب هُوَ الَّذِي لَهُ حَظّ فِي نَعِيمهَا , وَلَا حَظّ لِهَؤُلَاءِ لِاشْتِرَائِهِمْ الَّذِي كَانَ فِي الدُّنْيَا وَدُنْيَاهُمْ بِآخِرَتِهِمْ .
وَأَمَّا قَوْله : { وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ } فَإِنَّهُ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُ لَا يَنْصُرهُمْ فِي الْآخِرَة أَحَد فَيَدْفَع عَنْهُمْ بِنُصْرَتِهِ عَذَاب اللَّه , لَا بِقُوَّتِهِ وَلَا بِشَفَاعَتِهِ وَلَا غَيْرهمَا .
وَأَمَّا قَوْله : { وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ } فَإِنَّهُ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُ لَا يَنْصُرهُمْ فِي الْآخِرَة أَحَد فَيَدْفَع عَنْهُمْ بِنُصْرَتِهِ عَذَاب اللَّه , لَا بِقُوَّتِهِ وَلَا بِشَفَاعَتِهِ وَلَا غَيْرهمَا .
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَاب وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْده بِالرُّسُلِ } يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَاب } أَنَزَلْنَاهُ إلَيْهِ . وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَعْنَى الْإِيتَاء : الْإِعْطَاء فِيمَا مَضَى قَبْل , وَالْكِتَاب الَّذِي آتَاهُ اللَّه مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام هُوَ التَّوْرَاة . وَأَمَّا قَوْله : { وَقَفَّيْنَا } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَأَرْدَفْنَا وَأَتْبَعنَا بَعْضهمْ خَلْف بَعْض , كَمَا يَقْفُو الرَّجُل الرَّجُل إذَا سَارَ فِي أَثْره مِنْ وَرَائِهِ . وَأَصْله مِنْ الْقَفَا , يُقَال مِنْهُ : قَفَوْت فُلَانًا : إذَا صِرْت خَلَف قَفَاهُ , كَمَا يُقَال دَبَّرْته : إذَا صِرْت فِي دُبُره . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { مِنْ بَعْده } مِنْ بَعْد مُوسَى . وَيَعْنِي { بِالرُّسُلِ } الْأَنْبِيَاء , وَهُمْ جَمْع رَسُول , يُقَال : هُوَ رَسُول وَهُمْ رُسُل , كَمَا يُقَال : هُوَ صَبُور وَهُمْ قَوْم صُبُر , وَهُوَ رَجُل شَكُور وَهُمْ قَوْم شُكُر . وَإِنَّمَا يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْده بِالرُّسُلِ } أَيْ أَتَّبَعْنَا بَعْضهمْ بَعْضًا عَلَى مِنْهَاج وَاحِد وَشَرِيعَة وَاحِدَة ; لِأَنَّ كُلّ مَنْ بَعَثَهُ اللَّه نَبِيًّا بَعْد مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى زَمَان عِيسَى ابْن مَرْيَم , فَإِنَّمَا بَعَثَهُ يَأْمُر بَنِي إسْرَائِيل بِإِقَامَةِ التَّوْرَاة وَالْعَمَل بِمَا فِيهَا وَالدُّعَاء إلَى مَا فِيهَا , فَلِذَلِكَ قِيلَ : { وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْده بِالرُّسُلِ } يَعْنِي عَلَى مِنْهَاجه وَشَرِيعَته , وَالْعَمَل بِمَا كَانَ يَعْمَل بِهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَآتِينَا عِيسَى ابْن مَرْيَم الْبَيِّنَات } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَآتِينَا عِيسَى ابْن مَرْيَم الْبَيِّنَات } أَعْطَيْنَا عِيسَى ابْن مَرْيَم . وَيَعْنِي بِالْبَيِّنَاتِ الَّتِي آتَاهُ اللَّه إيَّاهَا مَا أَظَهَرَ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ الْحُجَج وَالدَّلَالَة عَلَى نُبُوَّته مِنْ إحْيَاء الْمَوْتَى وَإِبْرَاء الْأَكْمَه وَنَحْو ذَلِكَ مِنْ الْآيَات الَّتِي أَبَانَتْ مَنْزِلَته مِنْ اللَّه , وَدَلَّتْ عَلَى صِدْقه وَصِحَّة نُبُوَّته . كَمَا : 1224 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَآتِينَا عِيسَى ابْن مَرْيَم الْبَيِّنَات } أَيْ الْآيَات الَّتِي وَضَعَ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ إحْيَاء الْمَوْتَى , وَخَلْقه مِنْ الطِّين كَهَيْئَةِ الطَّيْر ثُمَّ يَنْفُخ فِيهِ فَيَكُون طَائِرًا بِإِذْنِ اللَّه , وَإِبْرَاء الْأَسْقَام , وَالْخَبَر بِكَثِيرٍ مِنْ الْغُيُوب مِمَّا يَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتهمْ , وَمَا رُدَّ عَلَيْهِمْ مِنْ التَّوْرَاة مَعَ الْإِنْجِيل الَّذِي أَحْدَثَ اللَّه إلَيْهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُس } . أَمَّا مَعْنَى قَوْله : { وَأَيَّدْنَاهُ } فَإِنَّهُ قَوَّيْنَاهُ فَأَعَنَّاهُ , كَمَا : 1225 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { وَأَيَّدْنَاهُ } يَقُول : نَصَرْنَاهُ . يُقَال مِنْهُ : أَيَّدَك اللَّه : أَيْ قَوَاك , وَهُوَ رَجُل ذُو أَيْدٍ وَذُو آدٍ , يُرَاد : ذُو قُوَّة . وَمِنْهُ قَوْل الْعَجَّاج : مِنْ أَنْ تَبَدَّلَتْ بِآدِي آدَا يعني بِشَبَابِي قوة الْمَشِيب . ومنه قول الآخر : إنَّ القداح إذا اجْتَمَعْنَ فَرَامِهَا بِالْكَسْرِ ذو جَلَد وَبَطْش أَيِّد يَعْنِي بِالْأَيْدِ : الْقَوِيّ . ثُمَّ اخْتَلَفَ فِي تَأْوِيل قَوْله : { بِرُوحِ الْقُدُس } . فَقَالَ بَعْضهمْ : رُوح الْقُدُس الَّذِي أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُ أَيَّدَ عِيسَى بِهِ هُوَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1226 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُس } قَالَ : هُوَ جِبْرِيل . 1227 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ قَوْله : { وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُس } قَالَ : هُوَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام . 1228 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُس } قَالَ : رُوح الْقُدُس : جِبْرِيل . 1229 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُس } قَالَ : أَيَّدَ عِيسَى بِجِبْرِيل وَهُوَ رُوح الْقُدُس . 1230 - وَقَالَ ابْن حُمَيْد : حَدَّثَنَا سَلَمَة عَنْ إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي الْحُسَيْن الْمَكِّيّ , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب الْأَشْعَرِيّ : أَنَّ نَفَرًا مِنْ الْيَهُود سَأَلُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : أَخْبَرَنَا عَنْ الرُّوح ! قَالَ : " أُنْشِدكُمْ بِاَللَّهِ وَبِأَيَّامِهِ عِنْد بَنِي إسْرَائِيل هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ جِبْرِيل , وَهُوَ يَأْتِينِي ؟ " قَالُوا : نَعَمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : الرُّوح الَّذِي أَيَّدَ اللَّه بِهِ عِيسَى هُوَ الْإِنْجِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1231 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُس } قَالَ : أَيَّدَ اللَّه عِيسَى بِالْإِنْجِيلِ رُوحًا كَمَا جَعَلَ الْقُرْآن رُوحًا كِلَاهُمَا رُوح اللَّه , كَمَا قَالَ اللَّه : { وَكَذَلِكَ أَوْحِينَا إلَيْك رُوحًا مِنْ أَمْرنَا } . 42 52 وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ الِاسْم الَّذِي كَانَ عِيسَى يُحْيِي بِهِ الْمَوْتَى . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1232 - حُدِّثْت عَنْ المنجاب , قَالَ : ثنا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُس } قَالَ : هُوَ الِاسْم الَّذِي كَانَ يُحْيِي عِيسَى بِهِ الْمَوْتَى . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَات فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مِنْ قَالَ : الرُّوح فِي هَذَا الْمَوْضِع جِبْرِيل ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ أَيَّدَ عِيسَى بِهِ , كَمَا أَخْبَرَ فِي قَوْله : { إذْ قَالَ اللَّه يَا عِيسَى ابْن مَرْيَم اُذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْك وَعَلَى وَالِدَتك إذْ أَيَّدْتُك بِرُوحِ الْقُدُس تُكَلِّم النَّاس فِي الْمَهْد وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُك الْكِتَاب وَالْحِكْمَة وَالتَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل } . 5 110 فَلَوْ كَانَ الرُّوح الَّذِي أَيَّدَهُ اللَّه بِهِ هُوَ الْإِنْجِيل لَكَانَ قَوْله : " إذْ أَيَّدْتُك بِرُوحِ الْقُدُس وَإِذْ عَلَّمْتُك الْكِتَاب وَالْحِكْمَة وَالتَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل " تَكْرِير قَوْل لَا مَعْنًى لَهُ . وَذَلِكَ أَنَّهُ عَلَى تَأْوِيل قَوْل مِنْ قَالَ : مَعْنَى : { إذْ أَيَّدْتُك بِرُوحِ الْقُدُس } إنَّمَا هُوَ : إذْ أَيَّدْتُك بِالْإِنْجِيلِ , وَإِذْ عَلَّمْتُك الْإِنْجِيل ; وَهُوَ لَا يَكُون بِهِ مُؤَيَّدًا إلَّا وَهُوَ مُعَلِّمه . فَذَلِكَ تَكْرِير كَلَام وَاحِد مِنْ غَيْر زِيَادَة مَعْنًى فِي أَحَدهمَا عَلَى الْآخَر , وَذَلِكَ خُلْف مِنْ الْكَلَام , وَاَللَّه تَعَالَى ذِكْره يَتَعَالَى عَنْ أَنْ يُخَاطِب عِبَاده بِمَا لَا يُفِيدهُمْ بِهِ فَائِدَة . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَبَيَّنَ فَسَاد قَوْل مَنْ زَعَمَ أَنَّ الرُّوح فِي هَذَا مَوْضِع الْإِنْجِيل , وَإِنْ كَانَ جَمِيع كُتُب اللَّه الَّتِي أَوْحَاهَا إلَى رُسُله رُوحًا مِنْهُ ; لِأَنَّهَا تَحْيَا بِهَا الْقُلُوب الْمَيِّتَة , وَتَنْتَعِش بِهَا النَّفُوس الْمُوَلِّيَة , وَتَهْتَدِي بِهَا الْأَحْلَام الضَّالَّة . وَإِنَّمَا سَمَّى اللَّه تَعَالَى جِبْرِيل رُوحًا وَأَضَافَهُ إلَى الْقُدُس لِأَنَّهُ كَانَ بِتَكْوِينِ اللَّه لَهُ رُوحًا مِنْ عِنْده مِنْ غَيْر وِلَادَة وَالِد وَلَده , فَسَمَّاهُ بِذَلِكَ رُوحًا , وَأَضَافَهُ إلَى الْقُدُس - وَالْقُدُس : هُوَ الطُّهْر - كَمَا سُمِّيَ عِيسَى ابْن مَرْيَم رُوحًا لِلَّهِ مِنْ أَجْل تَكْوِينه لَهُ رُوحًا مِنْ عِنْده مِنْ غَيْر وِلَادَة وَالِد وَلَده . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا أَنَّ مَعْنَى التَّقْدِيس : التَّطْهِير , وَالْقُدُس : الطُّهْر مِنْ ذَلِكَ . وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَاهُ فِي هَذَا الْمَوْضِع نَحْو اخْتِلَافهمْ فِي الْمَوْضِع الَّذِي ذَكَرْنَاهُ . 1233 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : الْقُدُس : الْبَرَكَة . 1234 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : الْقُدُس : هُوَ الرَّبّ تَعَالَى ذِكْره . 1235 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُس } قَالَ : اللَّه الْقُدُس , وَأَيَّدَ عِيسَى بِرُوحِهِ . قَالَ : نَعْت اللَّه الْقُدُس . وَقَرَأَ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { هُوَ اللَّه الَّذِي لَا إلَه إلَّا هُوَ الْمَلِك الْقُدُّوس } 59 23 قَالَ : الْقُدُس وَالْقُدُّوس وَاحِد . 1236 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرو بْن الْحَارِث , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي هِلَال بْن أُسَامَة , عَنْ عَطَاء بْن يَسَار , قَالَ : قَالَ : نَعْت اللَّه : الْقُدُس .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُول بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ } . يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُول بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسكُمْ } الْيَهُود مِنْ بَنِي إسْرَائِيل . 1237 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنَا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد . قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَقُول اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَهُمْ : يَا مَعْشَر يَهُود بَنِي إسْرَائِيل , لَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى التَّوْرَاة , وَتَابَعْنَا مِنْ بَعْده بِالرُّسُلِ إلَيْكُمْ , وَآتَيْنَا عِيسَى ابْن مَرْيَم الْبَيِّنَات وَالْحُجَج إذْ بَعَثْنَاهُ إلَيْكُمْ , وَقَوَّيْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُس . وَأَنْتُمْ كُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُول مِنْ رُسُلِي بِغَيْرِ الَّذِي تَهْوَاهُ نَفُوسكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ عَلَيْهِمْ تَجَبُّرًا وَبَغْيًا اسْتِكْبَار إمَامكُمْ إبْلِيس ; فَكَذَّبْتُمْ بَعْضًا مِنْهُمْ , وَقَتَلْتُمْ بَعْضًا , فَهَذَا فِعْلكُمْ أَبَدًا بِرُسُلِي . وَقَوْله : { أَفَكُلَّمَا } إنْ كَانَ خَرَجَ مَخْرَج التَّقْرِير فِي الْخِطَاب فَهُوَ بِمَعْنَى الْخَبَر .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَآتِينَا عِيسَى ابْن مَرْيَم الْبَيِّنَات } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَآتِينَا عِيسَى ابْن مَرْيَم الْبَيِّنَات } أَعْطَيْنَا عِيسَى ابْن مَرْيَم . وَيَعْنِي بِالْبَيِّنَاتِ الَّتِي آتَاهُ اللَّه إيَّاهَا مَا أَظَهَرَ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ الْحُجَج وَالدَّلَالَة عَلَى نُبُوَّته مِنْ إحْيَاء الْمَوْتَى وَإِبْرَاء الْأَكْمَه وَنَحْو ذَلِكَ مِنْ الْآيَات الَّتِي أَبَانَتْ مَنْزِلَته مِنْ اللَّه , وَدَلَّتْ عَلَى صِدْقه وَصِحَّة نُبُوَّته . كَمَا : 1224 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَآتِينَا عِيسَى ابْن مَرْيَم الْبَيِّنَات } أَيْ الْآيَات الَّتِي وَضَعَ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ إحْيَاء الْمَوْتَى , وَخَلْقه مِنْ الطِّين كَهَيْئَةِ الطَّيْر ثُمَّ يَنْفُخ فِيهِ فَيَكُون طَائِرًا بِإِذْنِ اللَّه , وَإِبْرَاء الْأَسْقَام , وَالْخَبَر بِكَثِيرٍ مِنْ الْغُيُوب مِمَّا يَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتهمْ , وَمَا رُدَّ عَلَيْهِمْ مِنْ التَّوْرَاة مَعَ الْإِنْجِيل الَّذِي أَحْدَثَ اللَّه إلَيْهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُس } . أَمَّا مَعْنَى قَوْله : { وَأَيَّدْنَاهُ } فَإِنَّهُ قَوَّيْنَاهُ فَأَعَنَّاهُ , كَمَا : 1225 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { وَأَيَّدْنَاهُ } يَقُول : نَصَرْنَاهُ . يُقَال مِنْهُ : أَيَّدَك اللَّه : أَيْ قَوَاك , وَهُوَ رَجُل ذُو أَيْدٍ وَذُو آدٍ , يُرَاد : ذُو قُوَّة . وَمِنْهُ قَوْل الْعَجَّاج : مِنْ أَنْ تَبَدَّلَتْ بِآدِي آدَا يعني بِشَبَابِي قوة الْمَشِيب . ومنه قول الآخر : إنَّ القداح إذا اجْتَمَعْنَ فَرَامِهَا بِالْكَسْرِ ذو جَلَد وَبَطْش أَيِّد يَعْنِي بِالْأَيْدِ : الْقَوِيّ . ثُمَّ اخْتَلَفَ فِي تَأْوِيل قَوْله : { بِرُوحِ الْقُدُس } . فَقَالَ بَعْضهمْ : رُوح الْقُدُس الَّذِي أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُ أَيَّدَ عِيسَى بِهِ هُوَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1226 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُس } قَالَ : هُوَ جِبْرِيل . 1227 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ قَوْله : { وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُس } قَالَ : هُوَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام . 1228 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُس } قَالَ : رُوح الْقُدُس : جِبْرِيل . 1229 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُس } قَالَ : أَيَّدَ عِيسَى بِجِبْرِيل وَهُوَ رُوح الْقُدُس . 1230 - وَقَالَ ابْن حُمَيْد : حَدَّثَنَا سَلَمَة عَنْ إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي الْحُسَيْن الْمَكِّيّ , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب الْأَشْعَرِيّ : أَنَّ نَفَرًا مِنْ الْيَهُود سَأَلُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : أَخْبَرَنَا عَنْ الرُّوح ! قَالَ : " أُنْشِدكُمْ بِاَللَّهِ وَبِأَيَّامِهِ عِنْد بَنِي إسْرَائِيل هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ جِبْرِيل , وَهُوَ يَأْتِينِي ؟ " قَالُوا : نَعَمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : الرُّوح الَّذِي أَيَّدَ اللَّه بِهِ عِيسَى هُوَ الْإِنْجِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1231 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُس } قَالَ : أَيَّدَ اللَّه عِيسَى بِالْإِنْجِيلِ رُوحًا كَمَا جَعَلَ الْقُرْآن رُوحًا كِلَاهُمَا رُوح اللَّه , كَمَا قَالَ اللَّه : { وَكَذَلِكَ أَوْحِينَا إلَيْك رُوحًا مِنْ أَمْرنَا } . 42 52 وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ الِاسْم الَّذِي كَانَ عِيسَى يُحْيِي بِهِ الْمَوْتَى . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1232 - حُدِّثْت عَنْ المنجاب , قَالَ : ثنا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُس } قَالَ : هُوَ الِاسْم الَّذِي كَانَ يُحْيِي عِيسَى بِهِ الْمَوْتَى . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَات فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مِنْ قَالَ : الرُّوح فِي هَذَا الْمَوْضِع جِبْرِيل ; لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ أَيَّدَ عِيسَى بِهِ , كَمَا أَخْبَرَ فِي قَوْله : { إذْ قَالَ اللَّه يَا عِيسَى ابْن مَرْيَم اُذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْك وَعَلَى وَالِدَتك إذْ أَيَّدْتُك بِرُوحِ الْقُدُس تُكَلِّم النَّاس فِي الْمَهْد وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُك الْكِتَاب وَالْحِكْمَة وَالتَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل } . 5 110 فَلَوْ كَانَ الرُّوح الَّذِي أَيَّدَهُ اللَّه بِهِ هُوَ الْإِنْجِيل لَكَانَ قَوْله : " إذْ أَيَّدْتُك بِرُوحِ الْقُدُس وَإِذْ عَلَّمْتُك الْكِتَاب وَالْحِكْمَة وَالتَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل " تَكْرِير قَوْل لَا مَعْنًى لَهُ . وَذَلِكَ أَنَّهُ عَلَى تَأْوِيل قَوْل مِنْ قَالَ : مَعْنَى : { إذْ أَيَّدْتُك بِرُوحِ الْقُدُس } إنَّمَا هُوَ : إذْ أَيَّدْتُك بِالْإِنْجِيلِ , وَإِذْ عَلَّمْتُك الْإِنْجِيل ; وَهُوَ لَا يَكُون بِهِ مُؤَيَّدًا إلَّا وَهُوَ مُعَلِّمه . فَذَلِكَ تَكْرِير كَلَام وَاحِد مِنْ غَيْر زِيَادَة مَعْنًى فِي أَحَدهمَا عَلَى الْآخَر , وَذَلِكَ خُلْف مِنْ الْكَلَام , وَاَللَّه تَعَالَى ذِكْره يَتَعَالَى عَنْ أَنْ يُخَاطِب عِبَاده بِمَا لَا يُفِيدهُمْ بِهِ فَائِدَة . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَبَيَّنَ فَسَاد قَوْل مَنْ زَعَمَ أَنَّ الرُّوح فِي هَذَا مَوْضِع الْإِنْجِيل , وَإِنْ كَانَ جَمِيع كُتُب اللَّه الَّتِي أَوْحَاهَا إلَى رُسُله رُوحًا مِنْهُ ; لِأَنَّهَا تَحْيَا بِهَا الْقُلُوب الْمَيِّتَة , وَتَنْتَعِش بِهَا النَّفُوس الْمُوَلِّيَة , وَتَهْتَدِي بِهَا الْأَحْلَام الضَّالَّة . وَإِنَّمَا سَمَّى اللَّه تَعَالَى جِبْرِيل رُوحًا وَأَضَافَهُ إلَى الْقُدُس لِأَنَّهُ كَانَ بِتَكْوِينِ اللَّه لَهُ رُوحًا مِنْ عِنْده مِنْ غَيْر وِلَادَة وَالِد وَلَده , فَسَمَّاهُ بِذَلِكَ رُوحًا , وَأَضَافَهُ إلَى الْقُدُس - وَالْقُدُس : هُوَ الطُّهْر - كَمَا سُمِّيَ عِيسَى ابْن مَرْيَم رُوحًا لِلَّهِ مِنْ أَجْل تَكْوِينه لَهُ رُوحًا مِنْ عِنْده مِنْ غَيْر وِلَادَة وَالِد وَلَده . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا أَنَّ مَعْنَى التَّقْدِيس : التَّطْهِير , وَالْقُدُس : الطُّهْر مِنْ ذَلِكَ . وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَاهُ فِي هَذَا الْمَوْضِع نَحْو اخْتِلَافهمْ فِي الْمَوْضِع الَّذِي ذَكَرْنَاهُ . 1233 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : الْقُدُس : الْبَرَكَة . 1234 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : الْقُدُس : هُوَ الرَّبّ تَعَالَى ذِكْره . 1235 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُس } قَالَ : اللَّه الْقُدُس , وَأَيَّدَ عِيسَى بِرُوحِهِ . قَالَ : نَعْت اللَّه الْقُدُس . وَقَرَأَ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { هُوَ اللَّه الَّذِي لَا إلَه إلَّا هُوَ الْمَلِك الْقُدُّوس } 59 23 قَالَ : الْقُدُس وَالْقُدُّوس وَاحِد . 1236 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرو بْن الْحَارِث , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي هِلَال بْن أُسَامَة , عَنْ عَطَاء بْن يَسَار , قَالَ : قَالَ : نَعْت اللَّه : الْقُدُس .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُول بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ } . يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُول بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسكُمْ } الْيَهُود مِنْ بَنِي إسْرَائِيل . 1237 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنَا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد . قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَقُول اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَهُمْ : يَا مَعْشَر يَهُود بَنِي إسْرَائِيل , لَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى التَّوْرَاة , وَتَابَعْنَا مِنْ بَعْده بِالرُّسُلِ إلَيْكُمْ , وَآتَيْنَا عِيسَى ابْن مَرْيَم الْبَيِّنَات وَالْحُجَج إذْ بَعَثْنَاهُ إلَيْكُمْ , وَقَوَّيْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُس . وَأَنْتُمْ كُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُول مِنْ رُسُلِي بِغَيْرِ الَّذِي تَهْوَاهُ نَفُوسكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ عَلَيْهِمْ تَجَبُّرًا وَبَغْيًا اسْتِكْبَار إمَامكُمْ إبْلِيس ; فَكَذَّبْتُمْ بَعْضًا مِنْهُمْ , وَقَتَلْتُمْ بَعْضًا , فَهَذَا فِعْلكُمْ أَبَدًا بِرُسُلِي . وَقَوْله : { أَفَكُلَّمَا } إنْ كَانَ خَرَجَ مَخْرَج التَّقْرِير فِي الْخِطَاب فَهُوَ بِمَعْنَى الْخَبَر .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالُوا قُلُوبنَا غُلْف } اخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ بَعْضهمْ : { وَقَالُوا قُلُوبنَا غُلْف } مُخَفَّفَة اللَّامّ سَاكِنَة , وَهِيَ قِرَاءَة عَامَّة الْأَمْصَار فِي جَمِيع الْأَقْطَار . وَقَرَأَهُ بَعْضهمْ : " وَقَالُوا قُلُوبنَا غُلُّف " مُثَقَّلَة اللَّامّ مَضْمُومَة . فَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوهَا بِسُكُونِ اللَّامّ وَتَخْفِيفهَا , فَإِنَّهُمْ تَأَوَّلُوهَا أَنَّهُمْ قَالُوا قُلُوبنَا فِي أَكِنَّة وَأَغْطِيَة وَغُلْف . وَالْغُلْف عَلَى قِرَاءَة هَؤُلَاءِ , جَمْع أَغْلَف , وَهُوَ الَّذِي فِي غِلَاف وَغِطَاء ; كَمَا يُقَال لِلرَّجُلِ الَّذِي لَمْ يَخْتَتِن : أَغْلَف , وَالْمَرْأَة غَلْفَاء , وَكَمَا يُقَال لِلسَّيْفِ إذَا كَانَ فِي غِلَافه : سَيْف أَغْلَف , وَقَوْس غَلْفَاء , وَجَمْعهَا " غُلْف " , وَكَذَلِكَ جَمْع مَا كَانَ مِنْ النُّعُوت ذِكْره عَلَى أَفْعَل وَأُنْثَاهُ عَلَى فَعْلَاء , يُجْمَع عَلَى " فُعْل " مَضْمُومَة الْأَوَّل سَاكِنَة الثَّانِي , مِثْل أَحْمَر وَحُمْر , وَأَصْفَر وَصُفْر , فَيَكُون ذَلِكَ جِمَاعًا لِلتَّأْنِيثِ وَالتَّذْكِير , وَلَا يَجُوز تَثْقِيل عَيْن " فُعْل " مِنْهُ إلَّا فِي ضَرُورَة شِعْر , كَمَا قَالَ طَرَفَة بْن الْعَبْد : أَيّهَا الْفِتْيَان فِي مَجْلِسنَا جَرِّدُوا مِنْهَا وِرَادًا وَشُقُر يُرِيد : شُقْرًا , لِأَنَّ الشِّعْر اضْطَرَّهُ إلَى تَحْرِيك ثَانِيه فَحَرَّكَهُ . وَمِنْهُ الْخَبَر الَّذِي : 1238 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن بَشِير بْن سَلْمَان , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن قَيْس الْمُلَائِيّ , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة الْجَمَلِيّ , عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيّ , عَنْ حُذَيْفَة قَالَ : الْقُلُوب أَرْبَعَة . ثُمَّ ذَكَرهَا , فَقَالَ فِيمَا ذَكَرَ : وَقَلْب أَغْلَف : مَعْصُوب عَلَيْهِ , فَذَلِكَ قَلْب الْكَافِر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ , يَعْنِي أَنَّهَا فِي أَغْطِيَة . 1239 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنِي ابْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَقَالُوا قُلُوبنَا غُلْف } أَيْ فِي أَكِنَّة . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أبو صالح , قال : ثنا مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { قُلُوبنَا غُلْف } أَيْ فِي غِطَاء . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس , : { وَقَالُوا قُلُوبنَا غُلْف } فَهِيَ الْقُلُوب الْمَطْبُوع عَلَيْهَا . 1240 - حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ , أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن كَثِير , عَنْ مُجَاهِد قَوْله : { وَقَالُوا قُلُوبنَا غُلْف } عَلَيْهَا غِشَاوَة . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن كَثِير , عَنْ مُجَاهِد : { وَقَالُوا قُلُوبنَا غُلْف } عَلَيْهَا غِشَاوَة . 1241 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : ثنا شَرِيك عَنْ الْأَعْمَش قَوْله : { قُلُوبنَا غُلْف } قَالَ : هِيَ فِي غُلْف . 1242 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { وَقَالُوا قُلُوبنَا غُلْف } أَيْ لَا تَفْقُه . 1243 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ : { وَقَالُوا قُلُوبنَا غُلْف } قَالَ : هُوَ كَقَوْلِهِ : { قُلُوبنَا فِي أَكِنَّة } . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { قُلُوبنَا غُلْف } قَالَ : عَلَيْهَا طَابِع , قَالَ هُوَ كَقَوْلِهِ : { قُلُوبنَا فِي أَكِنَّة } . 1244 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { قُلُوبنَا غُلْف } أَيْ لَا تَفْقَه . 1245 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَقَالُوا قُلُوبنَا غُلْف } قَالَ : يَقُولُونَ : عَلَيْهَا غِلَاف وَهُوَ الْغِطَاء . 1246 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { قُلُوبنَا غُلْف } قَالَ : يَقُول قَلْبِي فِي غِلَاف , فَلَا يَخْلُص إلَيْهِ مِمَّا تَقُول . وَقَرَأَ : { وَقَالُوا قُلُوبنَا فِي أَكِنَّة مِمَّا تَدْعُونَا إلَيْهِ } . 41 5 قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوهَا : " غُلَف " بِتَحْرِيكِ اللَّامّ وَضَمّهَا , فَإِنَّهُمْ تَأَوَّلُوهَا أَنَّهُمْ قَالُوا : قُلُوبنَا غُلَف لِلْعِلْمِ , بِمَعْنَى أَنَّهَا أَوْعِيَة . قَالَ : وَالْغُلْف عَلَى تَأْوِيل هَؤُلَاءِ جَمْع غِلَاف , كَمَا يُجْمَع الْكِتَاب كُتُب , وَالْحِجَاب حُجُب , وَالشِّهَاب شُهُب . فَمَعْنَى الْكَلَام عَلَى تَأْوِيل قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : " غُلَف " بِتَحْرِيكِ اللَّامّ وَضَمّهَا : وَقَالَتْ الْيَهُود قُلُوبنَا غُلْف لِلْعِلْمِ , وَأَوْعِيَة لَهُ وَلِغَيْرِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1247 - حَدَّثَنِي عُبَيْد بْن أَسْبَاط بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ فُضَيْل بْن مَرْزُوق , عَنْ عَطِيَّة : { وَقَالُوا قُلُوبنَا غُلْف } قَالَ : أَوْعِيَة لِلذِّكْرِ . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة الْأَسَدِيّ , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا فُضَيْل , عَنْ عَطِيَّة فِي قَوْله : { قُلُوبنَا غُلْف } قَالَ : أَوْعِيَة لِلْعِلْمِ . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا فُضَيْل , عَنْ عَطِيَّة , مِثْله . 1248 - حُدِّثْت عَنْ المنجاب , قَالَ : ثنا بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { وَقَالُوا قُلُوبنَا غُلْف } . قَالَ : مَمْلُوءَة عِلْمًا لَا تَحْتَاج إلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا غَيْره . وَالْقِرَاءَة الَّتِي لَا يَجُوز غَيْرهَا فِي قَوْله : { قُلُوبنَا غُلْف } هِيَ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ { غُلْف } بِتَسْكِينِ اللَّامّ بِمَعْنَى أَنَّهَا فِي أَغْشِيَة وَأَغْطِيَة ; لِاجْتِمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء وَأَهْل التَّأْوِيل عَلَى صِحَّتهَا , وَشُذُوذ مَنْ شَذَّ عَنْهُمْ بِمَا خَالَفَهُ مِنْ قِرَاءَة ذَلِكَ بِضَمِّ اللَّامّ . وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ مَا جَاءَتْ بِهِ الْحُجَّة مُتَّفِقَة عَلَيْهِ حُجَّة عَلَى مَنْ بَلَغَهُ , وَمَا جَاءَ بِهِ الْمُنْفَرِد فَغَيْر جَائِز الِاعْتِرَاض بِهِ عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ الْجَمَاعَة الَّتِي تَقُوم بِهَا الْحُجَّة نَقْلًا وَقَوْلًا وَعَمَلًا فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع , فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إعَادَته فِي هَذَا الْمَكَان .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّه بِكُفْرِهِمْ } . يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّه } بَلْ أَقْصَاهُمْ اللَّه وَأَبْعَدهمْ وَطَرَدَهُمْ وَأَخْزَاهُمْ وَأَهْلَكَهُمْ بِكُفْرِهِمْ وَجُحُودهمْ آيَات اللَّه وَبَيِّنَاته , وَمَا ابْتَعَثَ بِهِ رُسُله , وَتَكْذِيبهمْ أَنْبِيَاءَهُ . فَأَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُ أَبْعَدَهُمْ مِنْهُ وَمِنْ رَحْمَته بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ مِنْ ذَلِكَ . وَأَصْل اللَّعْن : الطَّرْد وَالْإِبْعَاد وَالْإِقْصَاء , يُقَال : لَعَنَ اللَّه فُلَانًا يَلْعَنهُ لَعْنًا وَهُوَ مَلْعُون , ثُمَّ يَصْرِف مَفْعُول فَيُقَال هُوَ لَعِين ; وَمِنْهُ قَوْل الشَّمَّاخ بْن ضِرَار : ذَعَرْت بِهِ الْقَطَا وَنَفَيْت عَنْهُ مَكَان الذِّئْب كَالرَّجُلِ اللَّعِين قَالَ أَبُو جَعْفَر : فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّه بِكُفْرِهِمْ } تَكْذِيب مِنْهُ لِلْقَائِلِينَ مِنْ الْيَهُود : { قُلُوبنَا غُلْف } لِأَنَّ قَوْله : { بَلْ } دَلَالَة عَلَى جَحْده جَلَّ ذِكْره , وَإِنْكَاره مَا ادَّعَوْا مِنْ ذَلِكَ ; إذْ كَانَتْ " بَلْ " لَا تَدْخُل فِي الْكَلَام إلَّا نَقْضًا لِمَجْحُودٍ . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَبَيَّنَ أَنَّ مَعْنَى الْآيَة : وَقَالَتْ الْيَهُود قُلُوبنَا فِي أَكِنَّة مِمَّا تَدْعُونَا إلَيْهِ يَا مُحَمَّد . فَقَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : مَا ذَلِكَ كَمَا زَعَمُوا , وَلَكِنْ اللَّه أَقْصَى الْيَهُود وَأَبْعَدهمْ مِنْ رَحْمَته وَطَرَدَهُمْ عَنْهَا وَأَخْزَاهُمْ بِجُحُودِهِمْ لَهُ وَلِرُسُلِهِ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ } . اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ } . فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : فَقَلِيل مِنْهُمْ مِنْ يُؤْمِن , أَيْ لَا يُؤْمِن مِنْهُمْ إلَّا قَلِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1249 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قال : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { بل لَعَنَهُمْ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ } فَلَعَمْرِي لَمَنْ رَجَعَ مِنْ أَهْل الشِّرْك أَكْثَر مِمَّنْ رَجَعَ مِنْ أَهْل الْكِتَاب , إنَّمَا آمَنَ مِنْ أَهْل الْكِتَاب رَهْط يَسِير . 1250 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ : { فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ } قَالَ : لَا يُؤْمِن مِنْهُمْ إلَّا قَلِيل . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : فَلَا يُؤْمِنُونَ إلَّا بِقَلِيلٍ مِمَّا فِي أَيْدِيهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1251 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ : { فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ } قَالَ : لَا يُؤْمِن مِنْهُمْ إلَّا قَلِيل . قَالَ مَعْمَر : وَقَالَ غَيْره : لَا يُؤْمِنُونَ إلَّا بِقَلِيلٍ مِمَّا فِي أَيْدِيهمْ . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَات فِي قَوْله : { فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ } بِالصَّوَابِ مَا نَحْنُ مُتْقِنُوهُ إنْ شَاءَ اللَّه ; وَهُوَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَعَنَ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتهمْ فِي هَذِهِ الْآيَة , ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَلِيلُو الْإِيمَان بِمَا أَنَزَلَ اللَّه إلَى نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلِذَلِكَ نَصَبَ قَوْله : { فَقَلِيلًا } لِأَنَّهُ نَعْت لِلْمَصْدَرِ الْمَتْرُوك ذِكْره , وَمَعْنَاهُ : بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَإِيمَانًا قَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ . فَقَدْ تَبَيَّنَ إذَا بِمَا بَيَّنَّا فَسَاد الْقَوْل الَّذِي رُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ لَوْ كَانَ عَلَى مَا رُوِيَ مِنْ أَنَّهُ يَعْنِي بِهِ : فَلَا يُؤْمِن مِنْهُمْ إلَّا قَلِيل , أَوْ فَقَلِيل مِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِن , لَكَانَ الْقَلِيل مَرْفُوعًا لَا مَنْصُوبًا ; لِأَنَّهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ تَأْوِيله كَانَ الْقَلِيل حِينَئِذٍ مُرَافِعًا " مَا " وَإِنَّ نَصْب الْقَلِيل , و " مَا " فِي مَعْنَى " مَنْ " أَوْ " الَّذِي " بَقِيَتْ " مَا " لَا مُرَافِع لَهَا , وَذَلِكَ غَيْر جَائِز فِي لُغَة أَحَد مِنْ الْعَرَب . فَأَمَّا أَهْل الْعَرَبِيَّة فَإِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى " مَا " الَّتِي فِي قَوْله : { فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ } فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ زَائِدَة لَا مَعْنًى لَهَا , وَإِنَّمَا تَأْوِيل الْكَلَام : فَقَلِيلًا يُؤْمِنُونَ , كَمَا قَالَ جَلَّ ذِكْره : { فَبِمَا رَحْمَة مِنْ اللَّه لِنْت لَهُمْ } 3 159 وَمَا أَشَبَه ذَلِكَ . فَزَعَمَ أَنَّ " مَا " فِي ذَلِكَ زَائِدَة , وَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : فَبِرَحْمَةٍ مِنْ اللَّه لِنْت لَهُمْ ; وَأَنْشَدَ فِي ذَلِكَ مُحْتَجًّا لِقَوْلِهِ ذَلِكَ بِبَيْتِ مُهَلْهَل : لَوْ بِأَبَانَيْنِ جَاءَ يَخْطُبهَا خُضِّبَ مَا أَنْف خَاطِب بِدَمِ وَزَعَمَ أَنَّهُ يَعْنِي : خُضِّبَ أَنْف خَاطِب بِدَمِ , وَأَنَّ " مَا " زَائِدَة . وَأَنْكَرَ آخَرُونَ مَا قَالَهُ قَائِل هَذَا الْقَوْل فِي " مَا " فِي الْآيَة , وَفِي الْبَيْت الَّذِي أَنْشُدهُ , وَقَالُوا : إنَّمَا ذَلِكَ مِنْ الْمُتَكَلِّم عَلَى ابْتِدَاء الْكَلَام بِالْخَبَرِ عَنْ عُمُوم جَمِيع الْأَشْيَاء , إذْ كَانَتْ " مَا " كَلِمَة تَجْمَع كُلّ الْأَشْيَاء ثُمَّ تَخُصّ وَتَعُمّ مَا عَمَّته بِمَا تَذْكُرهُ بَعْدهَا . وَهَذَا الْقَوْل عِنْدنَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ ; لِأَنَّ زِيَادَة " مَا " لَا تَفِيد مِنْ الْكَلَام مَعْنًى فِي الْكَلَام غَيْر جَائِز إضَافَته إلَى اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ . وَلَعَلَّ قَائِلًا أَنْ يَقُول : هَلْ كَانَ لِلَّذِينَ أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ مِنْ الْإِيمَان قَلِيل أَوْ كَثِير فَيُقَال فِيهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ ؟ قِيلَ : إنَّ مَعْنَى الْإِيمَان هُوَ التَّصْدِيق , وَقَدْ كَانَتْ الْيَهُود الَّتِي أَخْبَرَ اللَّه عَنْهَا هَذَا الْخَبَر تَصَدَّقَ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّه وَبِالْبَعْثِ وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب , وَتَكْفُر بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُبُوَّته , وَكُلّ ذَلِكَ كَانَ فَرْضًا عَلَيْهِمْ الْإِيمَان بِهِ لِأَنَّهُ فِي كُتُبهمْ , وَمِمَّا جَاءَهُمْ بِهِ مُوسَى ; فَصَدَّقُوا بِبَعْضٍ هُوَ ذَلِكَ الْقَلِيل مِنْ إيمَانهمْ , وَكَذَّبُوا بِبَعْضِ فَذَلِكَ هُوَ الْكَثِير الَّذِي أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَكْفُرُونَ بِهِ . وَقَدْ قَالَ بَعْضهمْ : إنَّهُمْ كَانُوا غَيْر مُؤْمِنِينَ بِشَيْءٍ , وَإِنَّمَا قِيلَ : { فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ } وَهُمْ بِالْجَمِيعِ كَافِرُونَ , كَمَا تَقُول الْعَرَب : قَلَّمَا رَأَيْت مِثْل هَذَا قَطُّ , وَقَدْ رُوِيَ عَنْهَا سَمَاعًا مِنْهَا : مَرَرْت بِبِلَادٍ قَلَّمَا تَنْبُت إلَّا الْكُرَّاث وَالْبَصَل , يَعْنِي : مَا تَنْبُت غَيْر الْكُرَّاث وَالْبَصَل , وَمَا أَشَبَه ذَلِكَ مِنْ الْكَلَام الَّذِي يَنْطِق بِهِ بِوَصْفِ الشَّيْء بِالْقِلَّةِ , وَالْمَعْنَى فِيهِ نَفْي جَمِيعه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّه بِكُفْرِهِمْ } . يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّه } بَلْ أَقْصَاهُمْ اللَّه وَأَبْعَدهمْ وَطَرَدَهُمْ وَأَخْزَاهُمْ وَأَهْلَكَهُمْ بِكُفْرِهِمْ وَجُحُودهمْ آيَات اللَّه وَبَيِّنَاته , وَمَا ابْتَعَثَ بِهِ رُسُله , وَتَكْذِيبهمْ أَنْبِيَاءَهُ . فَأَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُ أَبْعَدَهُمْ مِنْهُ وَمِنْ رَحْمَته بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ مِنْ ذَلِكَ . وَأَصْل اللَّعْن : الطَّرْد وَالْإِبْعَاد وَالْإِقْصَاء , يُقَال : لَعَنَ اللَّه فُلَانًا يَلْعَنهُ لَعْنًا وَهُوَ مَلْعُون , ثُمَّ يَصْرِف مَفْعُول فَيُقَال هُوَ لَعِين ; وَمِنْهُ قَوْل الشَّمَّاخ بْن ضِرَار : ذَعَرْت بِهِ الْقَطَا وَنَفَيْت عَنْهُ مَكَان الذِّئْب كَالرَّجُلِ اللَّعِين قَالَ أَبُو جَعْفَر : فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّه بِكُفْرِهِمْ } تَكْذِيب مِنْهُ لِلْقَائِلِينَ مِنْ الْيَهُود : { قُلُوبنَا غُلْف } لِأَنَّ قَوْله : { بَلْ } دَلَالَة عَلَى جَحْده جَلَّ ذِكْره , وَإِنْكَاره مَا ادَّعَوْا مِنْ ذَلِكَ ; إذْ كَانَتْ " بَلْ " لَا تَدْخُل فِي الْكَلَام إلَّا نَقْضًا لِمَجْحُودٍ . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَبَيَّنَ أَنَّ مَعْنَى الْآيَة : وَقَالَتْ الْيَهُود قُلُوبنَا فِي أَكِنَّة مِمَّا تَدْعُونَا إلَيْهِ يَا مُحَمَّد . فَقَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : مَا ذَلِكَ كَمَا زَعَمُوا , وَلَكِنْ اللَّه أَقْصَى الْيَهُود وَأَبْعَدهمْ مِنْ رَحْمَته وَطَرَدَهُمْ عَنْهَا وَأَخْزَاهُمْ بِجُحُودِهِمْ لَهُ وَلِرُسُلِهِ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ } . اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ } . فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : فَقَلِيل مِنْهُمْ مِنْ يُؤْمِن , أَيْ لَا يُؤْمِن مِنْهُمْ إلَّا قَلِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1249 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قال : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { بل لَعَنَهُمْ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ } فَلَعَمْرِي لَمَنْ رَجَعَ مِنْ أَهْل الشِّرْك أَكْثَر مِمَّنْ رَجَعَ مِنْ أَهْل الْكِتَاب , إنَّمَا آمَنَ مِنْ أَهْل الْكِتَاب رَهْط يَسِير . 1250 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ : { فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ } قَالَ : لَا يُؤْمِن مِنْهُمْ إلَّا قَلِيل . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : فَلَا يُؤْمِنُونَ إلَّا بِقَلِيلٍ مِمَّا فِي أَيْدِيهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 1251 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ : { فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ } قَالَ : لَا يُؤْمِن مِنْهُمْ إلَّا قَلِيل . قَالَ مَعْمَر : وَقَالَ غَيْره : لَا يُؤْمِنُونَ إلَّا بِقَلِيلٍ مِمَّا فِي أَيْدِيهمْ . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَات فِي قَوْله : { فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ } بِالصَّوَابِ مَا نَحْنُ مُتْقِنُوهُ إنْ شَاءَ اللَّه ; وَهُوَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَعَنَ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتهمْ فِي هَذِهِ الْآيَة , ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَلِيلُو الْإِيمَان بِمَا أَنَزَلَ اللَّه إلَى نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلِذَلِكَ نَصَبَ قَوْله : { فَقَلِيلًا } لِأَنَّهُ نَعْت لِلْمَصْدَرِ الْمَتْرُوك ذِكْره , وَمَعْنَاهُ : بَلْ لَعَنَهُمْ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَإِيمَانًا قَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ . فَقَدْ تَبَيَّنَ إذَا بِمَا بَيَّنَّا فَسَاد الْقَوْل الَّذِي رُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ لَوْ كَانَ عَلَى مَا رُوِيَ مِنْ أَنَّهُ يَعْنِي بِهِ : فَلَا يُؤْمِن مِنْهُمْ إلَّا قَلِيل , أَوْ فَقَلِيل مِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِن , لَكَانَ الْقَلِيل مَرْفُوعًا لَا مَنْصُوبًا ; لِأَنَّهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ تَأْوِيله كَانَ الْقَلِيل حِينَئِذٍ مُرَافِعًا " مَا " وَإِنَّ نَصْب الْقَلِيل , و " مَا " فِي مَعْنَى " مَنْ " أَوْ " الَّذِي " بَقِيَتْ " مَا " لَا مُرَافِع لَهَا , وَذَلِكَ غَيْر جَائِز فِي لُغَة أَحَد مِنْ الْعَرَب . فَأَمَّا أَهْل الْعَرَبِيَّة فَإِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى " مَا " الَّتِي فِي قَوْله : { فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ } فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ زَائِدَة لَا مَعْنًى لَهَا , وَإِنَّمَا تَأْوِيل الْكَلَام : فَقَلِيلًا يُؤْمِنُونَ , كَمَا قَالَ جَلَّ ذِكْره : { فَبِمَا رَحْمَة مِنْ اللَّه لِنْت لَهُمْ } 3 159 وَمَا أَشَبَه ذَلِكَ . فَزَعَمَ أَنَّ " مَا " فِي ذَلِكَ زَائِدَة , وَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : فَبِرَحْمَةٍ مِنْ اللَّه لِنْت لَهُمْ ; وَأَنْشَدَ فِي ذَلِكَ مُحْتَجًّا لِقَوْلِهِ ذَلِكَ بِبَيْتِ مُهَلْهَل : لَوْ بِأَبَانَيْنِ جَاءَ يَخْطُبهَا خُضِّبَ مَا أَنْف خَاطِب بِدَمِ وَزَعَمَ أَنَّهُ يَعْنِي : خُضِّبَ أَنْف خَاطِب بِدَمِ , وَأَنَّ " مَا " زَائِدَة . وَأَنْكَرَ آخَرُونَ مَا قَالَهُ قَائِل هَذَا الْقَوْل فِي " مَا " فِي الْآيَة , وَفِي الْبَيْت الَّذِي أَنْشُدهُ , وَقَالُوا : إنَّمَا ذَلِكَ مِنْ الْمُتَكَلِّم عَلَى ابْتِدَاء الْكَلَام بِالْخَبَرِ عَنْ عُمُوم جَمِيع الْأَشْيَاء , إذْ كَانَتْ " مَا " كَلِمَة تَجْمَع كُلّ الْأَشْيَاء ثُمَّ تَخُصّ وَتَعُمّ مَا عَمَّته بِمَا تَذْكُرهُ بَعْدهَا . وَهَذَا الْقَوْل عِنْدنَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ ; لِأَنَّ زِيَادَة " مَا " لَا تَفِيد مِنْ الْكَلَام مَعْنًى فِي الْكَلَام غَيْر جَائِز إضَافَته إلَى اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ . وَلَعَلَّ قَائِلًا أَنْ يَقُول : هَلْ كَانَ لِلَّذِينَ أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ مِنْ الْإِيمَان قَلِيل أَوْ كَثِير فَيُقَال فِيهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ ؟ قِيلَ : إنَّ مَعْنَى الْإِيمَان هُوَ التَّصْدِيق , وَقَدْ كَانَتْ الْيَهُود الَّتِي أَخْبَرَ اللَّه عَنْهَا هَذَا الْخَبَر تَصَدَّقَ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّه وَبِالْبَعْثِ وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب , وَتَكْفُر بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُبُوَّته , وَكُلّ ذَلِكَ كَانَ فَرْضًا عَلَيْهِمْ الْإِيمَان بِهِ لِأَنَّهُ فِي كُتُبهمْ , وَمِمَّا جَاءَهُمْ بِهِ مُوسَى ; فَصَدَّقُوا بِبَعْضٍ هُوَ ذَلِكَ الْقَلِيل مِنْ إيمَانهمْ , وَكَذَّبُوا بِبَعْضِ فَذَلِكَ هُوَ الْكَثِير الَّذِي أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَكْفُرُونَ بِهِ . وَقَدْ قَالَ بَعْضهمْ : إنَّهُمْ كَانُوا غَيْر مُؤْمِنِينَ بِشَيْءٍ , وَإِنَّمَا قِيلَ : { فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ } وَهُمْ بِالْجَمِيعِ كَافِرُونَ , كَمَا تَقُول الْعَرَب : قَلَّمَا رَأَيْت مِثْل هَذَا قَطُّ , وَقَدْ رُوِيَ عَنْهَا سَمَاعًا مِنْهَا : مَرَرْت بِبِلَادٍ قَلَّمَا تَنْبُت إلَّا الْكُرَّاث وَالْبَصَل , يَعْنِي : مَا تَنْبُت غَيْر الْكُرَّاث وَالْبَصَل , وَمَا أَشَبَه ذَلِكَ مِنْ الْكَلَام الَّذِي يَنْطِق بِهِ بِوَصْفِ الشَّيْء بِالْقِلَّةِ , وَالْمَعْنَى فِيهِ نَفْي جَمِيعه .
وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَاب مِنْ عِنْد اللَّه مُصَدِّق لِمَا مَعَهُمْ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَاب مِنْ عِنْد اللَّه مُصَدِّق لِمَا مَعَهُمْ } وَلَمَّا جَاءَ الْيَهُود مِنْ بَنِي إسْرَائِيل الَّذِينَ وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ صِفَتهمْ , { كِتَاب مِنْ عِنْد اللَّه } يَعْنِي بِالْكِتَابِ : الْقُرْآن الَّذِي أَنَزَلَهُ اللَّه عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , { مُصَدِّق لِمَا مَعَهُمْ } يَعْنِي مُصَدِّق لِلَّذِي مَعَهُمْ مِن الْكُتُبِ الَّتِي أَنَزَلَهَا اللَّه مِنْ قَبْل الْقُرْآن . كَمَا : 1252 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَاب مِنْ عِنْدِ اللَّه مُصَدِّق لِمَا مَعَهُم } وَهُوَ الْقُرْآن الَّذِي أَنَزَلَ عَلَى مُحَمَّد مُصَدِّق لِمَا مَعَهُمْ مِنْ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل . 1253 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَاب مِنْ عِنْد اللَّه مُصَدِّق لِمَا مَعَهُمْ } وَهُوَ الْقُرْآن الَّذِي أَنَزَلَ عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصَدِّق لِمَا مَعَهُمْ مِنْ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَكَانُوا مِنْ قَبْل يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَكَانُوا مِنْ قَبْل يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا } أَيْ وَكَانَ هَؤُلَاءِ الْيَهُود - الَّذِينَ لَمَّا جَاءَهُمْ كِتَاب مِنْ عِنْد اللَّه مُصَدِّق لِمَا مَعَهُمْ مِنْ الْكُتُب الَّتِي أَنَزَلَهَا اللَّه قَبْل الْفُرْقَان , كَفَرُوا بِهِ - يَسْتَفْتِحُونَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعْنَى الِاسْتِفْتَاح : الِاسْتِنْصَار - يَسْتَنْصِرُونَ اللَّه بِهِ عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَب مِنْ قَبْل مَبْعَثه ; أَيْ مِنْ قَبْل أَنْ يُبْعَث . كَمَا : 1254 - حَدَّثَنِي ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنِي ابْن إسْحَاق , عَنْ عَاصِم بْن عُمَر بْن قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيّ , عَنْ أَشْيَاخ مِنْهُمْ قَالُوا : فِينَا وَاَللَّه وَفِيهِمْ - يَعْنِي فِي الْأَنْصَار وَفِي الْيَهُود الَّذِينَ كَانُوا جِيرَانهمْ - نَزَلَتْ هَذِهِ الْقِصَّة , يَعْنِي : { وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَاب مِنْ عِنْد اللَّه مُصَدِّق لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْل يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا } قَالُوا : كُنَّا قَدْ عَلَوْنَاهُمْ دَهْرًا فِي الْجَاهِلِيَّة , وَنَحْنُ أَهْل الشِّرْك , وَهُمْ أَهْل الْكِتَاب , فَكَانُوا يَقُولُونَ : إنَّ نَبِيًّا الْآن مَبْعَثه قَدْ أَظَلَّ زَمَانه , يَقْتُلكُمْ قَتْل عَاد وَإِرَم ! فَلَمَّا بَعَثَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره رَسُوله مِنْ قُرَيْش وَاتَّبَعْنَاهُ كَفَرُوا بِهِ . يَقُول اللَّه : { فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ } . 1255 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنِي ابْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى آل زَيْد بْن ثَابِت , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة مَوْلَى ابْن عَبَّاس , عَنْ ابْن عَبَّاس : أَنَّ يَهُود كَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الْأَوْس وَالْخَزْرَج بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْل مَبْعَثه . فَلَمَّا بَعَثَهُ اللَّه مِنْ الْعَرَب , كَفَرُوا بِهِ , وَجَحَدُوا مَا كَانُوا يَقُولُونَ فِيهِ , فَقَالَ لَهُمْ مُعَاذ بْن جَبَل وَبِشْر بْن الْبَرَاء بْن مَعْرُور أَخُو بَنِي سَلَمَة : يَا مَعْشَر يَهُود , اتَّقُوا اللَّه وَأَسْلِمُوا ! فَقَدْ كُنْتُمْ تَسْتَفْتِحُونَ عَلَيْنَا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ أَهْل شِرْك , وَتُخْبِرُونَنَا أَنَّهُ مَبْعُوث , وَتَصِفُونَهُ لَنَا بِصِفَتِهِ . فَقَالَ سَلَّامُ بْن مشكم أَخُو بَنِي النَّضِير : مَا جَاءَنَا بِشَيْءٍ نَعْرِفهُ , وَمَا هُوَ بِاَلَّذِي كُنَّا نَذْكُر لَكُمْ ! فَأَنْزَلَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْله : { وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَاب مِنْ عِنْد اللَّه مُصَدِّق لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْل يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَة اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ } . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا يُونُس بْن بُكَيْرٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى آل زَيْد بْن ثَابِت , قَالَ : حَدَّثَنِي سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس , مِثْله . 1256 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَكَانُوا مِنْ قَبْل يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا } يَقُول : يَسْتَنْصِرُونَ بِخُرُوجِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَب - يَعْنِي بِذَلِكَ أَهْل الْكِتَاب - فَلَمَّا بَعَثَ اللَّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأَوْهُ مِنْ غَيْرهمْ كَفَرُوا بِهِ وَحَسَدُوهُ . 1257 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنِي عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ عَلِيّ الْأَزْدِيّ فِي قَوْل اللَّه : { وَكَانُوا مِنْ قَبْل يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا } قَالَ : الْيَهُود , كَانُوا يَقُولُونَ : اللَّهُمَّ ابْعَثْ لَنَا هَذَا النَّبِيّ يَحْكُم بَيْننَا وَبَيْن النَّاس ; { يَسْتَفْتِحُونَ } يَسْتَنْصِرُونَ بِهِ عَلَى النَّاس . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ عَلِيّ الْأَزْدِيّ - وَهُوَ الْبَارِقِيّ - فِي قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَكَانُوا مِنْ قَبْل يَسْتَفْتِحُونَ } فَذَكَر مِثْله . 1258 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { وَكَانُوا مِنْ قَبْل يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا } كَانَتْ الْيَهُود تَسْتَفْتِح بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كُفَّار الْعَرَب مِنْ قَبْل , وَقَالُوا : اللَّهُمَّ ابْعَثْ هَذَا النَّبِيّ الَّذِي نَجِدهُ فِي التَّوْرَاة يُعَذِّبهُمْ وَيَقْتُلهُمْ ! فَلَمَّا بَعَثَ اللَّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَوْا أَنَّهُ بَعَثَ مِنْ غَيْرهمْ كَفَرُوا بِهِ حَسَدًا لِلْعَرَبِ , وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ فِي التَّوْرَاة ; { فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ } . 1259 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , قَالَ : كَانَتْ الْيَهُود تَسْتَنْصِر بِمُحَمَّدِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَب , يَقُولُونَ : اللَّهُمَّ ابْعَثْ هَذَا النَّبِيّ الَّذِي نَجِدهُ مَكْتُوبًا عِنْدنَا حَتَّى يُعَذِّب الْمُشْرِكِينَ وَيَقْتُلهُمْ ! فَلَمَّا بَعَثَ اللَّه مُحَمَّدًا وَرَأَوْا أَنَّهُ مِنْ غَيْرهمْ كَفَرُوا بِهِ حَسَدًا لِلْعَرَبِ , وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَقَالَ اللَّه : { فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَة اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ } . 1260 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَاب مِنْ عِنْد اللَّه مُصَدِّق لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْل يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ } قَالَ : كَانَتْ الْعَرَب تَمُرّ بِالْيَهُودِ فَيُؤْذُونَهُمْ , وَكَانُوا يَجِدُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاة , وَيَسْأَلُونَ اللَّه أَنْ يَبْعَثهُ فَيُقَاتِلُوا مَعَهُ الْعَرَب ; فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُحَمَّد كَفَرُوا بِهِ حِين لَمْ يَكُنْ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل . 1261 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ قَوْله : { وَكَانُوا مِنْ قَبْل يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا } قَالَ : كَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى كُفَّار الْعَرَب بِخُرُوجِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَيَرْجُونَ أَنْ يَكُون مِنْهُمْ . فَلَمَّا خَرَجَ وَرَأَوْهُ لَيْسَ مِنْهُمْ كَفَرُوا , وَقَدْ عَرَفُوا أَنَّهُ الْحَقّ وَأَنَّهُ النَّبِيّ , قَالَ : { فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَة اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ } . قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن جُرَيْجٍ , وَقَالَ مُجَاهِد : يَسْتَفْتِحُونَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُول إنَّهُ يَخْرَج , { فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا } وَكَانَ مِنْ غَيْرهمْ , { كَفَرُوا بِهِ } . 1262 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : وَقَالَ ابْن عَبَّاس : كَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى كُفَّار الْعَرَب . 1263 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنِي الْحُمَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنِي شَرِيك , عَنْ أَبِي الْحِجَاب , عَنْ مُسْلِم الْبَطِين , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَوْله : { فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ } قَالَ : هُمْ الْيَهُود عَرَفُوا مُحَمَّدًا أَنَّهُ نَبِيّ , وَكَفَرُوا بِهِ . 1264 - حُدِّثْت عَنْ المنجاب , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { وَكَانُوا مِنْ قَبْل يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا } قَالَ : كَانُوا يَسْتَظْهِرُونَ يَقُولُونَ نَحْنُ نُعِين مُحَمَّدًا عَلَيْهِمْ , وَلَيْسُوا كَذَلِكَ ; يُكَذِّبُونَ . 1265 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : سَأَلْت ابْن زَيْد عَنْ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَكَانُوا مِنْ قَبْل يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ } قَالَ : كَانَتْ يَهُود يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى كُفَّار الْعَرَب يَقُولُونَ : أَمَّا وَاَللَّه لَوْ قَدْ جَاءَ النَّبِيّ الَّذِي بِشْر بِهِ مُوسَى وَعِيسَى أَحْمَد لَكَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ . وَكَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّهُ مِنْهُمْ وَالْعَرَب حَوْلهمْ , وَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ عَلَيْهِمْ بِهِ وَيَسْتَنْصِرُونَ بِهِ { فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ } وَحَسَدُوهُ . وَقَرَأَ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْد أَنْفُسهمْ مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقّ } 2 109 قَالَ : قَدْ تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ رَسُول , فَمِنْ هُنَالِكَ نَفَعَ اللَّه الْأَوْس وَالْخَزْرَج بِمَا كَانُوا يَسْمَعُونَ مِنْهُمْ أَنَّ نَبِيًّا خَارِج . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : فَأَيْنَ جَوَاب قَوْله : { وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَاب مِنْ عِنْد اللَّه مُصَدِّق لِمَا مَعَهُمْ } ؟ قِيلَ : قَدْ اخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي جَوَابه , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ مِمَّا تَرَكَ جَوَابه اسْتِغْنَاء بِمُعْرِفَةِ الْمُخَاطَبِينَ بِهِ بِمَعْنَاهُ وَبِمَا قَدْ ذَكَرَ مِنْ أَمْثَاله فِي سَائِر الْقُرْآن . وَقَدْ تَفْعَل الْعَرَب ذَلِكَ إذَا طَالَ الْكَلَام , فَتَأْتِي بِأَشْيَاء لَهَا أَجَوْبَة فَتَحْذِف أَجَوْبَتهَا لِاسْتِغْنَاءِ سَامِعِيهَا بِمَعْرِفَتِهِمْ بِمَعْنَاهَا عَنْ ذِكْر الْأَجْوِبَة , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَال أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْض أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْر جَمِيعًا } 13 31 فَتَرَك جَوَابه . وَالْمَعْنَى : " وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سِوَى هَذَا الْقُرْآن سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَال لَسُيِّرَتْ بِهَذَا الْقُرْآن " اسْتِغْنَاء بِعِلْمِ السَّامِعِينَ بِمَعْنَاهُ . قَالُوا : فَكَذَلِكَ قَوْله : { وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَاب مِنْ عِنْد اللَّه مُصَدِّق لِمَا مَعَهُمْ } . وَقَالَ آخَرُونَ : جَوَاب قَوْله : { وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَاب مِنْ عِنْد اللَّه } فِي " الْفَاء " الَّتِي فِي قَوْله : { فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ } وَجَوَاب الْجَزَاءَيْنِ فِي " كَفَرُوا بِهِ " كَقَوْلِك : لَمَّا قُمْت فَلَمَّا جِئْتنَا أَحْسَنْت , بِمَعْنَى : لَمَّا جِئْتنَا إذْ قُمْت أَحْسَنْت .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَعْنَة اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ } . قَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى مَعْنَى اللَّعْنَة وَعَلَى مَعْنَى الْكُفْر بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة . فَمَعْنَى الْآيَة : فَخِزْي اللَّه وَإِبْعَاده عَلَى الْجَاحِدِينَ مَا قَدْ عَرَفُوا مِنْ الْحَقّ عَلَيْهِمْ لِلَّهِ وَلِأَنْبِيَائِهِ الْمُنْكَرِينَ , لِمَا قَدْ ثَبَتَ عِنْدهمْ صِحَّته مِنْ نُبُوَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَفِي إخْبَار اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْ . الْيَهُود بِمَا أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ : { فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ } الْبَيَان الْوَاضِح أَنَّهُمْ تَعَمَّدُوا الْكُفْر بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد قِيَام الْحُجَّة بِنُبُوَّتِهِ عَلَيْهِمْ وَقَطَعَ اللَّه عُذْرهمْ بِأَنَّهُ رسوله إليهم .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَكَانُوا مِنْ قَبْل يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَكَانُوا مِنْ قَبْل يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا } أَيْ وَكَانَ هَؤُلَاءِ الْيَهُود - الَّذِينَ لَمَّا جَاءَهُمْ كِتَاب مِنْ عِنْد اللَّه مُصَدِّق لِمَا مَعَهُمْ مِنْ الْكُتُب الَّتِي أَنَزَلَهَا اللَّه قَبْل الْفُرْقَان , كَفَرُوا بِهِ - يَسْتَفْتِحُونَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعْنَى الِاسْتِفْتَاح : الِاسْتِنْصَار - يَسْتَنْصِرُونَ اللَّه بِهِ عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَب مِنْ قَبْل مَبْعَثه ; أَيْ مِنْ قَبْل أَنْ يُبْعَث . كَمَا : 1254 - حَدَّثَنِي ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنِي ابْن إسْحَاق , عَنْ عَاصِم بْن عُمَر بْن قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيّ , عَنْ أَشْيَاخ مِنْهُمْ قَالُوا : فِينَا وَاَللَّه وَفِيهِمْ - يَعْنِي فِي الْأَنْصَار وَفِي الْيَهُود الَّذِينَ كَانُوا جِيرَانهمْ - نَزَلَتْ هَذِهِ الْقِصَّة , يَعْنِي : { وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَاب مِنْ عِنْد اللَّه مُصَدِّق لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْل يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا } قَالُوا : كُنَّا قَدْ عَلَوْنَاهُمْ دَهْرًا فِي الْجَاهِلِيَّة , وَنَحْنُ أَهْل الشِّرْك , وَهُمْ أَهْل الْكِتَاب , فَكَانُوا يَقُولُونَ : إنَّ نَبِيًّا الْآن مَبْعَثه قَدْ أَظَلَّ زَمَانه , يَقْتُلكُمْ قَتْل عَاد وَإِرَم ! فَلَمَّا بَعَثَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره رَسُوله مِنْ قُرَيْش وَاتَّبَعْنَاهُ كَفَرُوا بِهِ . يَقُول اللَّه : { فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ } . 1255 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنِي ابْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى آل زَيْد بْن ثَابِت , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة مَوْلَى ابْن عَبَّاس , عَنْ ابْن عَبَّاس : أَنَّ يَهُود كَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الْأَوْس وَالْخَزْرَج بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْل مَبْعَثه . فَلَمَّا بَعَثَهُ اللَّه مِنْ الْعَرَب , كَفَرُوا بِهِ , وَجَحَدُوا مَا كَانُوا يَقُولُونَ فِيهِ , فَقَالَ لَهُمْ مُعَاذ بْن جَبَل وَبِشْر بْن الْبَرَاء بْن مَعْرُور أَخُو بَنِي سَلَمَة : يَا مَعْشَر يَهُود , اتَّقُوا اللَّه وَأَسْلِمُوا ! فَقَدْ كُنْتُمْ تَسْتَفْتِحُونَ عَلَيْنَا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ أَهْل شِرْك , وَتُخْبِرُونَنَا أَنَّهُ مَبْعُوث , وَتَصِفُونَهُ لَنَا بِصِفَتِهِ . فَقَالَ سَلَّامُ بْن مشكم أَخُو بَنِي النَّضِير : مَا جَاءَنَا بِشَيْءٍ نَعْرِفهُ , وَمَا هُوَ بِاَلَّذِي كُنَّا نَذْكُر لَكُمْ ! فَأَنْزَلَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْله : { وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَاب مِنْ عِنْد اللَّه مُصَدِّق لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْل يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَة اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ } . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا يُونُس بْن بُكَيْرٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى آل زَيْد بْن ثَابِت , قَالَ : حَدَّثَنِي سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس , مِثْله . 1256 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَكَانُوا مِنْ قَبْل يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا } يَقُول : يَسْتَنْصِرُونَ بِخُرُوجِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَب - يَعْنِي بِذَلِكَ أَهْل الْكِتَاب - فَلَمَّا بَعَثَ اللَّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأَوْهُ مِنْ غَيْرهمْ كَفَرُوا بِهِ وَحَسَدُوهُ . 1257 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : حَدَّثَنِي عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ عَلِيّ الْأَزْدِيّ فِي قَوْل اللَّه : { وَكَانُوا مِنْ قَبْل يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا } قَالَ : الْيَهُود , كَانُوا يَقُولُونَ : اللَّهُمَّ ابْعَثْ لَنَا هَذَا النَّبِيّ يَحْكُم بَيْننَا وَبَيْن النَّاس ; { يَسْتَفْتِحُونَ } يَسْتَنْصِرُونَ بِهِ عَلَى النَّاس . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ عَلِيّ الْأَزْدِيّ - وَهُوَ الْبَارِقِيّ - فِي قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَكَانُوا مِنْ قَبْل يَسْتَفْتِحُونَ } فَذَكَر مِثْله . 1258 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { وَكَانُوا مِنْ قَبْل يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا } كَانَتْ الْيَهُود تَسْتَفْتِح بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كُفَّار الْعَرَب مِنْ قَبْل , وَقَالُوا : اللَّهُمَّ ابْعَثْ هَذَا النَّبِيّ الَّذِي نَجِدهُ فِي التَّوْرَاة يُعَذِّبهُمْ وَيَقْتُلهُمْ ! فَلَمَّا بَعَثَ اللَّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَوْا أَنَّهُ بَعَثَ مِنْ غَيْرهمْ كَفَرُوا بِهِ حَسَدًا لِلْعَرَبِ , وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ فِي التَّوْرَاة ; { فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ } . 1259 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا آدَم , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , قَالَ : كَانَتْ الْيَهُود تَسْتَنْصِر بِمُحَمَّدِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَب , يَقُولُونَ : اللَّهُمَّ ابْعَثْ هَذَا النَّبِيّ الَّذِي نَجِدهُ مَكْتُوبًا عِنْدنَا حَتَّى يُعَذِّب الْمُشْرِكِينَ وَيَقْتُلهُمْ ! فَلَمَّا بَعَثَ اللَّه مُحَمَّدًا وَرَأَوْا أَنَّهُ مِنْ غَيْرهمْ كَفَرُوا بِهِ حَسَدًا لِلْعَرَبِ , وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَقَالَ اللَّه : { فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَة اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ } . 1260 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَاب مِنْ عِنْد اللَّه مُصَدِّق لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْل يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ } قَالَ : كَانَتْ الْعَرَب تَمُرّ بِالْيَهُودِ فَيُؤْذُونَهُمْ , وَكَانُوا يَجِدُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاة , وَيَسْأَلُونَ اللَّه أَنْ يَبْعَثهُ فَيُقَاتِلُوا مَعَهُ الْعَرَب ; فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُحَمَّد كَفَرُوا بِهِ حِين لَمْ يَكُنْ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل . 1261 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ قَوْله : { وَكَانُوا مِنْ قَبْل يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا } قَالَ : كَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى كُفَّار الْعَرَب بِخُرُوجِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَيَرْجُونَ أَنْ يَكُون مِنْهُمْ . فَلَمَّا خَرَجَ وَرَأَوْهُ لَيْسَ مِنْهُمْ كَفَرُوا , وَقَدْ عَرَفُوا أَنَّهُ الْحَقّ وَأَنَّهُ النَّبِيّ , قَالَ : { فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَة اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ } . قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن جُرَيْجٍ , وَقَالَ مُجَاهِد : يَسْتَفْتِحُونَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُول إنَّهُ يَخْرَج , { فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا } وَكَانَ مِنْ غَيْرهمْ , { كَفَرُوا بِهِ } . 1262 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : وَقَالَ ابْن عَبَّاس : كَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى كُفَّار الْعَرَب . 1263 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنِي الْحُمَانِيّ , قَالَ : حَدَّثَنِي شَرِيك , عَنْ أَبِي الْحِجَاب , عَنْ مُسْلِم الْبَطِين , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَوْله : { فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ } قَالَ : هُمْ الْيَهُود عَرَفُوا مُحَمَّدًا أَنَّهُ نَبِيّ , وَكَفَرُوا بِهِ . 1264 - حُدِّثْت عَنْ المنجاب , قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْر , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { وَكَانُوا مِنْ قَبْل يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا } قَالَ : كَانُوا يَسْتَظْهِرُونَ يَقُولُونَ نَحْنُ نُعِين مُحَمَّدًا عَلَيْهِمْ , وَلَيْسُوا كَذَلِكَ ; يُكَذِّبُونَ . 1265 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : سَأَلْت ابْن زَيْد عَنْ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَكَانُوا مِنْ قَبْل يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ } قَالَ : كَانَتْ يَهُود يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى كُفَّار الْعَرَب يَقُولُونَ : أَمَّا وَاَللَّه لَوْ قَدْ جَاءَ النَّبِيّ الَّذِي بِشْر بِهِ مُوسَى وَعِيسَى أَحْمَد لَكَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ . وَكَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّهُ مِنْهُمْ وَالْعَرَب حَوْلهمْ , وَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ عَلَيْهِمْ بِهِ وَيَسْتَنْصِرُونَ بِهِ { فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ } وَحَسَدُوهُ . وَقَرَأَ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْد أَنْفُسهمْ مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقّ } 2 109 قَالَ : قَدْ تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ رَسُول , فَمِنْ هُنَالِكَ نَفَعَ اللَّه الْأَوْس وَالْخَزْرَج بِمَا كَانُوا يَسْمَعُونَ مِنْهُمْ أَنَّ نَبِيًّا خَارِج . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : فَأَيْنَ جَوَاب قَوْله : { وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَاب مِنْ عِنْد اللَّه مُصَدِّق لِمَا مَعَهُمْ } ؟ قِيلَ : قَدْ اخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي جَوَابه , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ مِمَّا تَرَكَ جَوَابه اسْتِغْنَاء بِمُعْرِفَةِ الْمُخَاطَبِينَ بِهِ بِمَعْنَاهُ وَبِمَا قَدْ ذَكَرَ مِنْ أَمْثَاله فِي سَائِر الْقُرْآن . وَقَدْ تَفْعَل الْعَرَب ذَلِكَ إذَا طَالَ الْكَلَام , فَتَأْتِي بِأَشْيَاء لَهَا أَجَوْبَة فَتَحْذِف أَجَوْبَتهَا لِاسْتِغْنَاءِ سَامِعِيهَا بِمَعْرِفَتِهِمْ بِمَعْنَاهَا عَنْ ذِكْر الْأَجْوِبَة , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَال أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْض أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْر جَمِيعًا } 13 31 فَتَرَك جَوَابه . وَالْمَعْنَى : " وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سِوَى هَذَا الْقُرْآن سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَال لَسُيِّرَتْ بِهَذَا الْقُرْآن " اسْتِغْنَاء بِعِلْمِ السَّامِعِينَ بِمَعْنَاهُ . قَالُوا : فَكَذَلِكَ قَوْله : { وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَاب مِنْ عِنْد اللَّه مُصَدِّق لِمَا مَعَهُمْ } . وَقَالَ آخَرُونَ : جَوَاب قَوْله : { وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَاب مِنْ عِنْد اللَّه } فِي " الْفَاء " الَّتِي فِي قَوْله : { فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ } وَجَوَاب الْجَزَاءَيْنِ فِي " كَفَرُوا بِهِ " كَقَوْلِك : لَمَّا قُمْت فَلَمَّا جِئْتنَا أَحْسَنْت , بِمَعْنَى : لَمَّا جِئْتنَا إذْ قُمْت أَحْسَنْت .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَعْنَة اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ } . قَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى مَعْنَى اللَّعْنَة وَعَلَى مَعْنَى الْكُفْر بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة . فَمَعْنَى الْآيَة : فَخِزْي اللَّه وَإِبْعَاده عَلَى الْجَاحِدِينَ مَا قَدْ عَرَفُوا مِنْ الْحَقّ عَلَيْهِمْ لِلَّهِ وَلِأَنْبِيَائِهِ الْمُنْكَرِينَ , لِمَا قَدْ ثَبَتَ عِنْدهمْ صِحَّته مِنْ نُبُوَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَفِي إخْبَار اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْ . الْيَهُود بِمَا أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ : { فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ } الْبَيَان الْوَاضِح أَنَّهُمْ تَعَمَّدُوا الْكُفْر بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد قِيَام الْحُجَّة بِنُبُوَّتِهِ عَلَيْهِمْ وَقَطَعَ اللَّه عُذْرهمْ بِأَنَّهُ رسوله إليهم .
بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَن يُنَزِّلَ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ فَبَاؤُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسهمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنَزَلَ اللَّه } وَمَعْنَى قَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسهمْ } سَاءَ مَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسهمْ . وَأَصْل " بِئْسَ " " بِئْسَ " مِنْ الْبُؤْس , سُكِّنَتْ هَمْزَتهَا ثُمَّ نُقِلَتْ حَرَكَتهَا إلَى الْبَاء , كَمَا قِيلَ فِي ظَلِلْت ظِلْتُ , وَكَمَا قِيلَ لِلْكَبِدِ : كِبْد , فَنُقِلَتْ حركة الباء إلى الكاف لَمَّا سَكَنَتْ الْبَاء . وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ تَكُون " بِئْسَ " وَإِنْ كَانَ أَصْلهَا " بِئْسَ " مِنْ لُغَة الَّذِينَ يَنْقُلُونَ حَرَكَة الْعَيْن مِنْ فَعَلَ إلَى الْفَاء إذَا كَانَتْ عَيْن الْفِعْل أَحَد حُرُوف الْحَلْق السِّتَّة , كَمَا قَالُوا مِنْ " لَعِبَ " " لِعْب " , وَمِنْ " سَئِم " " سِئْم " , وَذَلِكَ فِيمَا يُقَال لُغَة فَاشِيَّة فِي تَمِيم , ثُمَّ جُعِلَتْ دَالَّة عَلَى الذَّمّ وَالتَّوْبِيخ وَوُصِلَتْ ب " مَا " . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي مَعْنَى " مَا " الَّتِي مَعَ " بِئْسَمَا " , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : هِيَ وَحْدهَا اسْم , و " أَنْ يَكْفُرُوا " تَفْسِير لَهُ , نَحْو : نِعْمَ رَجُلًا زَيْد , و " أَنْ يُنَزِّل اللَّه " بَدَل مِنْ " أَنَزَلَ اللَّه " . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : مَعْنَى ذَلِكَ : بِئْسَ الشَّيْء اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسهمْ أَنْ يَكْفُرُوا , ف " مَا " اسْم بِئْسَ , و " أَنْ يَكْفُرُوا " الِاسْم الثَّانِي . وَزَعَمَ أَنَّ " أَنْ يُنَزِّل اللَّه مِنْ فَضْله " إنْ شِئْت جَعَلْت " أَنَّ " فِي مَوْضِع رَفْع , وَإِنْ شِئْت فِي مَوْضِع خَفْض . أَمَّا الرَّفْع : فَبِئْسَ الشَّيْء هَذَا أَنْ فَعَلُوهُ ; وَأَمَّا الْخَفْض : فَبِئْسَ الشَّيْء اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسهمْ أَنْ يُكَفِّرُوا بِمَا أَنَزَلَ اللَّه بَغْيًا . قَالَ : وَقَوْله : { لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسهمْ أَنْ سَخِطَ اللَّه عَلَيْهِمْ } 5 80 كَمِثْلِ ذَلِكَ . وَالْعَرَب تَجْعَل " مَا " وَحْدهَا فِي هَذَا الْبَاب بِمَنْزِلَةِ الِاسْم التَّامّ كَقَوْلِهِ : { فَنِعِمَّا هِيَ } 2 271 و " بِئْسَمَا أَنْتَ " . وَاسْتَشْهَدَ لِقَوْلِهِ ذَلِكَ بِرَجَزِ بَعْض الرُّجَّاز : لَا تَعْجِلَا فِي السَّيْر وَادْلُوَاهَا لَبِئْسَمَا بُطْء وَلَا نَرْعَاهَا قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْعَرَب تَقُول : لَبِئْسَمَا تَزْوِيج وَلَا مَهْر , فَيَجْعَلُونَ " مَا " وَحْدهَا اسْمًا بِغَيْرِ صِلَة . وَقَائِل هَذِهِ الْمَقَالَة لَا يُجِيز أَنْ يَكُون الَّذِي يَلِي " بِئْسَ " مَعْرِفَة مُؤَقَّتَة وَخَبَره مَعْرِفَة مُوَقَّتَة . وَقَدْ زَعَمَ أَنَّ " بِئْسَمَا " بِمَنْزِلَةِ : بِئْسَ الشَّيْء اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسهمْ , فَقَدْ صَارَتْ " مَا " بِصِلَتِهَا اسْمًا مُوَقَّتًا ; لِأَنَّ " اشْتَرَوْا " فِعْل مَاضٍ مِنْ صِلَة " مَا " فِي قَوْل قَائِل هَذِهِ الْمَقَالَة , وَإِذَا وُصِلَتْ بِمَاضٍ مِنْ الْفِعْل كَانَتْ مَعْرِفَة مُوَقَّتَة مَعْلُومَة ; فَيَصِير تَأْوِيل الْكَلَام حِينَئِذٍ : " بِئْسَ شِرَاؤُهُمْ كُفْرهمْ " , وَذَلِكَ عِنْده غَيْر جَائِز , فَقَدْ تَبَيَّنَ فَسَاد هَذَا الْقَوْل . وَكَانَ آخَر مِنْهُمْ يَزْعُم أَنَّ " أَنْ " فِي مَوْضِع خَفْض إنَّ شِئْت , وَرَفْع إنْ شِئْت , فَأَمَّا الْخَفْض فَأَنْ تَرُدّهُ عَلَى الْهَاء الَّتِي فِي " بِهِ " عَلَى التَّكْرِير عَلَى كَلَامَيْنِ , كَأَنَّك قُلْت : اشْتَرَوْا أَنْفُسهمْ بِالْكُفْرِ . وَأَمَّا الرَّفْع فَأَنْ يَكُون مُكَرَّرًا عَلَى مَوْضِع " مَا " الَّتِي تَلِي " بِئْسَ " . قَالَ : وَلَا يَجُوز أَنْ يَكُون رَفْعًا عَلَى قَوْلك : بِئْسَ الرَّجُل عَبْد اللَّه . وَقَالَ بَعْضهمْ : " بِئْسَمَا " شَيْء وَاحِد يُرَافِع مَا بَعْده كَمَا حُكِيَ عَنْ الْعَرَب : " بِئْسَمَا تَزْوِيج وَلَا مَهْر " فَرَافِع تَزْوِيج " بِئْسَمَا " , كَمَا يُقَال : " بِئْسَمَا زَيْد , وَبِئْسَمَا عَمْرو " , فَيَكُون " بِئْسَمَا " رَفْعًا بِمَا عَادَ عَلَيْهَا مِنْ الْهَاء , كَأَنَّك قُلْت : بِئْسَ شَيْء الشَّيْء اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسهمْ , وَتَكُون " أَنَّ " مُتَرْجَمَة عَنْ " بِئْسَمَا " . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ جَعَلَ " بِئْسَمَا " مَرْفُوعًا بِالرَّاجِعِ مِنْ الْهَاء فِي قَوْله : { اشْتَرَوْا بِهِ } كَمَا رَفَعُوا ذَلِكَ بِعَبْدِ اللَّه , إذْ قَالُوا : بِئْسَمَا عَبْد اللَّه , وَجَعَلَ " أَنْ يَكْفُرُوا " مُتَرْجَمَة عَنْ " بِئْسَمَا " , فَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام حِينَئِذٍ : بِئْسَ الشَّيْء بَاعَ الْيَهُود بِهِ أَنْفُسهمْ كُفْرهمْ بِمَا أَنَزَلَ اللَّه بَغْيًا وَحَسَدًا أَنْ يُنَزِّل اللَّه مِنْ فَضْله . وَتَكُون " أَنَّ " الَّتِي فِي قَوْله : " أَنْ يُنَزِّل اللَّه " , فِي مَوْضِع نَصْب ; لِأَنَّهُ يَعْنِي بِهِ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنَزَلَ اللَّه مِنْ أَجْل أَنْ يُنَزِّل اللَّه مِنْ فَضْله عَلَى مَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده وَمَوْضِعه أَنَّ جَرّ . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة مِنْ الْكُوفِيِّينَ يَزْعُم أَنَّ " أَنَّ " فِي مَوْضِع خَفْض بِنِيَّةِ الْبَاء . وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا فِيهَا النَّصْب لِتَمَامِ الْخَبَر قَبْلهَا , وَلَا خَافِض مَعَهَا يَخْفِضهَا , وَالْحَرْف الْخَافِض لَا يَخْفِض مُضْمَرًا . وَأَمَّا قَوْله : { اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسهمْ } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ بَاعُوا أَنْفُسهمْ . كَمَا : 1266 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسهمْ } يَقُول : بَاعُوا أَنْفُسهمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنَزَلَ اللَّه بَغْيًا . 1267 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد : { بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسهمْ } يَهُود شَرَوْا الْحَقّ بِالْبَاطِلِ وَكِتْمَان مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يُبَيِّنُوهُ . وَالْعَرَب تَقُول : شَرَيْته بِمَعْنَى بِعْته , وَاشْتَرَوْا فِي هَذَا الْمَوْضِع " افْتَعَلُوا " مِنْ شَرَيْت . وَكَلَام الْعَرَب فِيمَا بَلَغَنَا أَنْ يَقُولُوا : شَرَيْت بِمَعْنَى بِعْت , وَاشْتَرَيْت بِمَعْنَى ابْتَعْت . وَقِيلَ إنَّمَا سُمِّيَ الشَّارِي شَارِيًا لِأَنَّهُ بَاعَ نَفْسه وَدُنْيَاهُ بِآخِرَتِهِ . وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل يَزِيد بْن مُفْرِغ الْحِمْيَرِيّ : وَشَرَيْت بُرْدًا لَيْتَنِي مِنْ قَبْل بُرْد كُنْت هَامه وَمِنْهُ قَوْل الْمُسَيِّب بْن عَلَس : يُعْطَى بِهَا ثَمَنًا فَيَمْنَعهَا وَيَقُول صَاحِبهَا أَلَا تَشْرِي يَعْنِي بِهِ : بِعْت بُرْدًا . وَرُبَّمَا اُسْتُعْمِلَ " اشْتَرَيْت " بِمَعْنَى " بِعْت " , و " شَرَيْت " فِي مَعْنَى " ابْتَعْت " , وَالْكَلَام الْمُسْتَفِيض فِيهِمْ هُوَ مَا وَصَفْت .
وَأَمَّا مَعْنَى قَوْله : { بَغْيًا } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : تَعَدِّيًا وَحَسَدًا . كَمَا : 1268 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد بْن قَتَادَةَ : { بَغْيًا } قَالَ : أَيْ حَسَدًا , وَهُمْ الْيَهُود . 1269 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { بَغْيًا } قَالَ : بَغَوْا عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَسَدُوهُ , وَقَالُوا : إنَّمَا كَانَتْ الرُّسُل مِنْ بَنِي إسْرَائِيل , فَمَا بَال هَذَا مِنْ بَنِي إسْمَاعِيل ! فَحَسَدُوهُ أَنْ يُنَزِّل اللَّه مِنْ فَضْله عَلَى مِنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده . 1270 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { بَغْيًا } يَعْنِي حَسَدًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْله عَلَى مَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده , وَهُمْ الْيَهُود كَفَرُوا بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . * - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله . قَالَ أَبُو جَعْفَر : فَمَعْنَى الْآيَة : بِئْسَ الشَّيْء بَاعُوا بِهِ أَنْفُسهمْ الْكُفْر بِاَلَّذِي أَنَزَلَ اللَّه فِي كِتَابه عَلَى مُوسَى مِنْ نُبُوَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَمْر بِتَصْدِيقِهِ وَاتِّبَاعه , مِنْ أَجْل أَنْ أَنَزَلَ اللَّه مِنْ فَضْله , وَفَضْله حِكْمَته وَآيَاته وَنُبُوَّته عَلَى مَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده - يَعْنِي بِهِ عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَغْيًا وَحَسَدًا لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِنْ أَجْل أَنَّهُ كَانَ مِنْ وَلَد إسْمَاعِيل , وَلَمْ يَكُنْ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ بَاعَتْ الْيَهُود أَنْفُسهَا بِالْكُفْرِ فَقِيلَ : { بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسهمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنَزَلَ اللَّه } ؟ وَهَلْ يُشْتَرَى بِالْكُفْرِ شَيْء ؟ قِيلَ : إنَّ مَعْنَى الشِّرَاء وَالْبَيْع عِنْد الْعَرَب : هُوَ إزَالَة مَالِك مُلْكه إلَى غَيْره بِعِوَضٍ يَعْتَاضهُ مِنْهُ , ثُمَّ تَسْتَعْمِل الْعَرَب ذَلِكَ فِي كُلّ مُعْتَاض مِنْ عَمَله عِوَضًا شَرًّا أَوْ خَيْرًا , فَتَقُول : نَعَمْ مَا بَاعَ بِهِ فُلَان نَفْسه , وَبِئْسَ مَا بَاعَ بِهِ فُلَان نَفْسه , بِمَعْنَى : نِعْمَ الْكَسْب أَكْسِبهَا وَبِئْسَ الْكَسْب أَكْسِبهَا إذَا أَوْرَثَهَا بِسَعْيِهِ عَلَيْهَا خَيْرًا أَوْ شَرًّا . فَكَذَلِكَ مَعْنَى قَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { بِئْسَ مَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسهمْ } لَمَّا أَوْبَقُوا أَنْفُسهمْ بِكُفْرِهِمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهْلَكُوهَا , خَاطَبَهُمْ اللَّه وَالْعَرَب بِاَلَّذِي يَعْرِفُونَهُ فِي كَلَامهمْ فَقَالَ : { بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسهمْ } يَعْنِي بِذَلِكَ : بِئْسَ مَا أَكَسَبُوا أَنْفُسهمْ بِسَعْيِهِمْ , وَبِئْسَ الْعِوَض اعْتَاضُوا مِنْ كُفْرهمْ بِاَللَّهِ فِي تَكْذِيبهمْ مُحَمَّدًا , إذْ كَانُوا قَدْ رَضَوْا عِوَضًا مِنْ ثَوَاب اللَّه وَمَا أَعَدَّ لَهُمْ - لَوْ كَانُوا آمَنُوا بِاَللَّهِ وَمَا أَنَزَلَ عَلَى أَنْبِيَائِهِ - بِالنَّارِ , وَمَا أَعَدَّ لَهُمْ بِكُفْرِهِمْ بِذَلِكَ . وَهَذِهِ الْآيَة وَمَا أَخْبَرَ اللَّه فِيهَا عَنْ حَسَد الْيَهُود مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْمه مِنْ الْعَرَب , مِنْ أَجْل أَنَّ اللَّه جَعَلَ النُّبُوَّة وَالْحِكْمَة فِيهِمْ دُون الْيَهُود مِنْ بَنِي إسْرَائِيل , حَتَّى دَعَاهُمْ ذَلِكَ إلَى الْكُفْر بِهِ مَعَ عِلْمهمْ بِصَدْقِهِ , وَأَنَّهُ نَبِيّ لِلَّهِ مَبْعُوث وَرَسُول مُرْسَل ; نَظِيرَة الْآيَة الْأُخْرَى فِي سُوَره النِّسَاء , وَذَلِكَ قَوْله , { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنْ الْكِتَاب يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوت وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّه وَمَنْ يَلْعَن اللَّه فَلَنْ تَجِد لَهُ نَصِيرًا أَمْ لَهُمْ نَصِيب مِنْ الْمُلْك فَإِذًا لَا يَأْتُونَ النَّاس نَقِيرًا أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاس عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله فَقَدْ آتَيْنَا آل إبْرَاهِيم الْكِتَاب وَالْحِكْمَة وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا } . 4 51 : 54
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَنْ يُنَزِّل اللَّه مِنْ فَضْله عَلَى مَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده } قَدْ ذَكَرْنَا تَأْوِيل ذَلِكَ وَبَيَّنَّا مَعْنَاهُ , وَلَكِنَّا نَذْكُر الرِّوَايَة بِتَصْحِيحِ مَا قُلْنَا فِيهِ . 1271 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنِي ابْن إسْحَاق , عَنْ عَاصِم بْن عُمَر بْن قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيّ , عَنْ أَشْيَاخ مِنْهُمْ قَوْله : { بَغْيًا أَنْ يُنَزِّل اللَّه مِنْ فَضْله عَلَى مَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده } أَيْ أَنَّ اللَّه تَعَالَى جَعَلَهُ فِي غَيْرهمْ . 1272 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ , قَالَ : هُمْ الْيَهُود , وَلَمَّا بَعَثَ اللَّه نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَوْا أَنَّهُ بَعَثَ مِنْ غَيْرهمْ , كَفَرُوا بِهِ حَسَدًا لِلْعَرَبِ , وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ فِي التَّوْرَاة . 1273 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , مِثْله . 1274 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله . 1275 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : قَالُوا : إنَّمَا كَانَتْ الرُّسُل مِنْ بَنِي إسْرَائِيل , فَمَا بَال هَذَا مِنْ بَنِي إسْمَاعِيل . 1276 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ عَلِيّ الْأَزْدِيّ قَالَ : نَزَلَتْ فِي الْيَهُود .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَب } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَب } فَرَجَعَتْ الْيَهُود مِنْ بَنِي إسْرَائِيل - بَعْد الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ الِاسْتِنْصَار بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالِاسْتِفْتَاح بِهِ , وَبَعْد الَّذِي كَانُوا يُخْبِرُونَ بِهِ النَّاس مِنْ قَبْل مَبْعَثه أَنَّهُ نَبِيّ مَبْعُوث - مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابهمْ حِين بَعَثَهُ اللَّه نَبِيًّا مُرْسَلًا , فَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّه - اسْتَحَقُّوهُ مِنْهُ بِكُفْرِهِمْ بِمُحَمَّدٍ حِين بَعَثَ , وَجُحُودهمْ نُبُوَّته , وَإِنْكَارهمْ إيَّاهُ أَنْ يَكُون هُوَ الَّذِي يَجِدُونَ صِفَته فِي كِتَابهمْ عِنَادًا مِنْهُمْ لَهُ وَبَغْيًا وَحَسَدًا لَهُ وَلِلْعَرَبِ - { عَلَى غَضَب } سَالِف كَانَ مِنْ اللَّه عَلَيْهِمْ قَبْل ذَلِكَ سَابِق غَضَبه الثَّانِي لِكُفْرِهِمْ الَّذِي كَانَ قَبْل ذَلِكَ بِعِيسَى ابْن مَرْيَم , أَوْ لِعِبَادَتِهِمْ الْعِجْل , أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ ذُنُوب كَانَتْ لَهُمْ سَلَفَتْ يَسْتَحِقُّونَ بِهَا الْغَضَب مِنْ اللَّه . كَمَا : 1277 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة بْن الْفَضْل , قَالَ : حَدَّثَنِي ابْن إسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , فِيمَا أَرْوِي عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : { فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَب } فَالْغَضَب عَلَى الْغَضَب غَضَبه عَلَيْهِمْ فِيمَا كَانُوا ضَيَّعُوا مِنْ التَّوْرَاة وَهِيَ مَعَهُمْ , وَغَضَب بِكُفْرِهِمْ بِهَذَا النَّبِيّ الَّذِي أَحْدَثَ اللَّه إلَيْهِمْ . 1278 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد وَعَبْد الرَّحْمَن , قَالَا : ثنا سُفْيَان عَنْ أَبِي بُكَيْرٍ , عَنْ عِكْرِمَة : { فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَب } قَالَ : كُفْر بِعِيسَى وَكُفْر بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن يَمَان , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي بُكَيْرٍ , عَنْ عِكْرِمَة : { فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَب } قَالَ : كُفْرهمْ بِعِيسَى وَمُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ أَبِي بُكَيْرٍ , عَنْ عِكْرِمَة مِثْله . 1279 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : النَّاس يَوْم الْقِيَامَة عَلَى أَرْبَعَة مَنَازِل : رَجُل كَانَ مُؤْمِنًا بِعِيسَى وَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِمَا فَلَهُ أَجْرَانِ . وَرَجُل كَانَ كَافِرًا بِعِيسَى فَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَهُ أَجْر . وَرَجُل كَانَ كَافِرًا بِعِيسَى فَكَفَرَ بِمُحَمَّدٍ , فَبَاءَ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَب . وَرَجُل كَانَ كَافِرًا بِعِيسَى مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَب , فَمَاتَ بِكُفْرِهِ قَبْل مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَاءَ بِغَضَبٍ . 1280 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَب } غَضِبَ اللَّه عَلَيْهِمْ بِكُفْرِهِمْ بِالْإِنْجِيلِ وَبِعِيسَى , وَغَضِبَ عَلَيْهِمْ بِكُفْرِهِمْ بِالْقُرْآنِ وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 1281 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَبَاءُوا بِغَضَبٍ } الْيَهُود بِمَا كَانَ مِنْ تَبْدِيلهمْ التَّوْرَاة قَبْل خُرُوج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , { عَلَى غَضَب } جُحُودهمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُفْرهمْ بِمَا جَاءَ بِهِ . 1282 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَب } يَقُول : غَضِبَ اللَّه عَلَيْهِمْ بِكُفْرِهِمْ بِالْإِنْجِيلِ وَعِيسَى , ثُمَّ غَضَبه عَلَيْهِمْ بِكُفْرِهِمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِالْقُرْآنِ . 1283 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَب } أَمَّا الْغَضَب الْأَوَّل : فَهُوَ حِين غَضَب اللَّه عَلَيْهِمْ فِي الْعِجْل , وَأَمَّا الْغَضَب الثَّانِي : فَغَضِبَ عَلَيْهِمْ حِين كَفَرُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 1284 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ وَعَطَاء وَعُبَيْد بْن عُمَيْر قَوْله : { فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَب } قَالَ : غَضَب اللَّه عَلَيْهِمْ فِيمَا كَانُوا فِيهِ مِنْ قِبَل خُرُوج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَبْدِيلهمْ وَكُفْرهمْ , ثُمَّ غَضِبَ عَلَيْهِمْ فِي مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ خَرَجَ فَكَفَرُوا بِهِ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْغَضَب مِنْ اللَّه عَلَى مَنْ غَضِبَ عَلَيْهِ مِنْ خَلْقه وَاخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ فِي صِفَته فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا بِمَا أَغْنَى عَنْ إعَادَته , وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلِلْكَافِرِينَ عَذَاب مُهِين } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَلِلْكَافِرِينَ عَذَاب مُهِين } وَلِلْجَاحِدِينَ نُبُوَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ النَّاس كُلّهمْ عَذَاب مِنْ اللَّه إمَّا فِي الْآخِرَة , وَإِمَّا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة { مُهِين } هُوَ الْمُذِلّ صَاحِبه الْمُخْزِي الملبسه هَوَانًا وَذِلَّة . فَإِنْ قَالَ قَائِل : أَيّ عَذَاب هُوَ غَيْر مُهِين صَاحِبه فَيَكُون لِلْكَافِرِينَ الْمُهِين مِنْهُ ؟ قِيلَ : إنَّ الْمُهِين هُوَ الَّذِي قَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ الْمُورِث صَاحِبه ذِلَّة وَهَوَانًا الَّذِي يَخْلُد فِيهِ صَاحِبه لَا يَنْتَقِل مِنْ هَوَانه إلَى عِزّ وَكَرَامَة أَبَدًا , وَهُوَ الَّذِي خَصَّ اللَّه بِهِ أَهْل الْكُفْر بِهِ وَبِرُسُلِهِ ; وَأَمَّا الَّذِي هُوَ غَيْر مُهِين صَاحِبه : فَهُوَ مَا كَانَ تَمْحِيصًا لِصَاحِبِهِ , وَذَلِكَ هُوَ كَالسَّارِقِ مِنْ أَهْل الْإِسْلَام يَسْرِق مَا يَجِب عَلَيْهِ بِهِ الْقَطْع فَتُقْطَع يَده , وَالزَّانِي مِنْهُمْ يَزْنِي فَيُقَام عَلَيْهِ الْحَدّ , وَمَا أَشَبَه ذَلِكَ مِنْ الْعَذَاب , وَالنَّكَال الَّذِي جَعَلَهُ اللَّه كَفَّارَات لِلذُّنُوبِ الَّتِي عَذَّبَ بِهَا أَهْلهَا , وَكَأَهْلِ الْكَبَائِر مِنْ أَهْل الْإِسْلَام الَّذِينَ يُعَذَّبُونَ فِي الْآخِرَة بِمَقَادِير إجْرَامهمْ الَّتِي ارْتَكَبُوهَا لِيُمَحِّصُوا مِنْ ذُنُوبهمْ ثُمَّ يَدْخُلُونَ الْجَنَّة . فَإِنَّ كُلّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عَذَابًا فَغَيْر مُهِين مَنْ عُذِّبَ بِهِ , إذْ كَانَ تَعْذِيب اللَّه إيَّاهُ بِهِ لِيُمَحِّصهُ مِنْ آثَامه ثُمَّ يُورِدهُ مَعْدِن الْعِزّ وَالْكَرَامَة وَيُخَلِّدهُ فِي نَعِيم الْجِنَان .
وَأَمَّا مَعْنَى قَوْله : { بَغْيًا } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : تَعَدِّيًا وَحَسَدًا . كَمَا : 1268 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد بْن قَتَادَةَ : { بَغْيًا } قَالَ : أَيْ حَسَدًا , وَهُمْ الْيَهُود . 1269 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { بَغْيًا } قَالَ : بَغَوْا عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَسَدُوهُ , وَقَالُوا : إنَّمَا كَانَتْ الرُّسُل مِنْ بَنِي إسْرَائِيل , فَمَا بَال هَذَا مِنْ بَنِي إسْمَاعِيل ! فَحَسَدُوهُ أَنْ يُنَزِّل اللَّه مِنْ فَضْله عَلَى مِنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده . 1270 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { بَغْيًا } يَعْنِي حَسَدًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْله عَلَى مَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده , وَهُمْ الْيَهُود كَفَرُوا بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . * - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله . قَالَ أَبُو جَعْفَر : فَمَعْنَى الْآيَة : بِئْسَ الشَّيْء بَاعُوا بِهِ أَنْفُسهمْ الْكُفْر بِاَلَّذِي أَنَزَلَ اللَّه فِي كِتَابه عَلَى مُوسَى مِنْ نُبُوَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَمْر بِتَصْدِيقِهِ وَاتِّبَاعه , مِنْ أَجْل أَنْ أَنَزَلَ اللَّه مِنْ فَضْله , وَفَضْله حِكْمَته وَآيَاته وَنُبُوَّته عَلَى مَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده - يَعْنِي بِهِ عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَغْيًا وَحَسَدًا لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِنْ أَجْل أَنَّهُ كَانَ مِنْ وَلَد إسْمَاعِيل , وَلَمْ يَكُنْ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ بَاعَتْ الْيَهُود أَنْفُسهَا بِالْكُفْرِ فَقِيلَ : { بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسهمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنَزَلَ اللَّه } ؟ وَهَلْ يُشْتَرَى بِالْكُفْرِ شَيْء ؟ قِيلَ : إنَّ مَعْنَى الشِّرَاء وَالْبَيْع عِنْد الْعَرَب : هُوَ إزَالَة مَالِك مُلْكه إلَى غَيْره بِعِوَضٍ يَعْتَاضهُ مِنْهُ , ثُمَّ تَسْتَعْمِل الْعَرَب ذَلِكَ فِي كُلّ مُعْتَاض مِنْ عَمَله عِوَضًا شَرًّا أَوْ خَيْرًا , فَتَقُول : نَعَمْ مَا بَاعَ بِهِ فُلَان نَفْسه , وَبِئْسَ مَا بَاعَ بِهِ فُلَان نَفْسه , بِمَعْنَى : نِعْمَ الْكَسْب أَكْسِبهَا وَبِئْسَ الْكَسْب أَكْسِبهَا إذَا أَوْرَثَهَا بِسَعْيِهِ عَلَيْهَا خَيْرًا أَوْ شَرًّا . فَكَذَلِكَ مَعْنَى قَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { بِئْسَ مَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسهمْ } لَمَّا أَوْبَقُوا أَنْفُسهمْ بِكُفْرِهِمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهْلَكُوهَا , خَاطَبَهُمْ اللَّه وَالْعَرَب بِاَلَّذِي يَعْرِفُونَهُ فِي كَلَامهمْ فَقَالَ : { بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسهمْ } يَعْنِي بِذَلِكَ : بِئْسَ مَا أَكَسَبُوا أَنْفُسهمْ بِسَعْيِهِمْ , وَبِئْسَ الْعِوَض اعْتَاضُوا مِنْ كُفْرهمْ بِاَللَّهِ فِي تَكْذِيبهمْ مُحَمَّدًا , إذْ كَانُوا قَدْ رَضَوْا عِوَضًا مِنْ ثَوَاب اللَّه وَمَا أَعَدَّ لَهُمْ - لَوْ كَانُوا آمَنُوا بِاَللَّهِ وَمَا أَنَزَلَ عَلَى أَنْبِيَائِهِ - بِالنَّارِ , وَمَا أَعَدَّ لَهُمْ بِكُفْرِهِمْ بِذَلِكَ . وَهَذِهِ الْآيَة وَمَا أَخْبَرَ اللَّه فِيهَا عَنْ حَسَد الْيَهُود مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْمه مِنْ الْعَرَب , مِنْ أَجْل أَنَّ اللَّه جَعَلَ النُّبُوَّة وَالْحِكْمَة فِيهِمْ دُون الْيَهُود مِنْ بَنِي إسْرَائِيل , حَتَّى دَعَاهُمْ ذَلِكَ إلَى الْكُفْر بِهِ مَعَ عِلْمهمْ بِصَدْقِهِ , وَأَنَّهُ نَبِيّ لِلَّهِ مَبْعُوث وَرَسُول مُرْسَل ; نَظِيرَة الْآيَة الْأُخْرَى فِي سُوَره النِّسَاء , وَذَلِكَ قَوْله , { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنْ الْكِتَاب يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوت وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّه وَمَنْ يَلْعَن اللَّه فَلَنْ تَجِد لَهُ نَصِيرًا أَمْ لَهُمْ نَصِيب مِنْ الْمُلْك فَإِذًا لَا يَأْتُونَ النَّاس نَقِيرًا أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاس عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّه مِنْ فَضْله فَقَدْ آتَيْنَا آل إبْرَاهِيم الْكِتَاب وَالْحِكْمَة وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا } . 4 51 : 54
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَنْ يُنَزِّل اللَّه مِنْ فَضْله عَلَى مَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده } قَدْ ذَكَرْنَا تَأْوِيل ذَلِكَ وَبَيَّنَّا مَعْنَاهُ , وَلَكِنَّا نَذْكُر الرِّوَايَة بِتَصْحِيحِ مَا قُلْنَا فِيهِ . 1271 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنِي ابْن إسْحَاق , عَنْ عَاصِم بْن عُمَر بْن قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيّ , عَنْ أَشْيَاخ مِنْهُمْ قَوْله : { بَغْيًا أَنْ يُنَزِّل اللَّه مِنْ فَضْله عَلَى مَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده } أَيْ أَنَّ اللَّه تَعَالَى جَعَلَهُ فِي غَيْرهمْ . 1272 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ , قَالَ : هُمْ الْيَهُود , وَلَمَّا بَعَثَ اللَّه نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَوْا أَنَّهُ بَعَثَ مِنْ غَيْرهمْ , كَفَرُوا بِهِ حَسَدًا لِلْعَرَبِ , وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ فِي التَّوْرَاة . 1273 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , مِثْله . 1274 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله . 1275 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : قَالُوا : إنَّمَا كَانَتْ الرُّسُل مِنْ بَنِي إسْرَائِيل , فَمَا بَال هَذَا مِنْ بَنِي إسْمَاعِيل . 1276 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ عَلِيّ الْأَزْدِيّ قَالَ : نَزَلَتْ فِي الْيَهُود .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَب } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَب } فَرَجَعَتْ الْيَهُود مِنْ بَنِي إسْرَائِيل - بَعْد الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ الِاسْتِنْصَار بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالِاسْتِفْتَاح بِهِ , وَبَعْد الَّذِي كَانُوا يُخْبِرُونَ بِهِ النَّاس مِنْ قَبْل مَبْعَثه أَنَّهُ نَبِيّ مَبْعُوث - مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابهمْ حِين بَعَثَهُ اللَّه نَبِيًّا مُرْسَلًا , فَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّه - اسْتَحَقُّوهُ مِنْهُ بِكُفْرِهِمْ بِمُحَمَّدٍ حِين بَعَثَ , وَجُحُودهمْ نُبُوَّته , وَإِنْكَارهمْ إيَّاهُ أَنْ يَكُون هُوَ الَّذِي يَجِدُونَ صِفَته فِي كِتَابهمْ عِنَادًا مِنْهُمْ لَهُ وَبَغْيًا وَحَسَدًا لَهُ وَلِلْعَرَبِ - { عَلَى غَضَب } سَالِف كَانَ مِنْ اللَّه عَلَيْهِمْ قَبْل ذَلِكَ سَابِق غَضَبه الثَّانِي لِكُفْرِهِمْ الَّذِي كَانَ قَبْل ذَلِكَ بِعِيسَى ابْن مَرْيَم , أَوْ لِعِبَادَتِهِمْ الْعِجْل , أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ ذُنُوب كَانَتْ لَهُمْ سَلَفَتْ يَسْتَحِقُّونَ بِهَا الْغَضَب مِنْ اللَّه . كَمَا : 1277 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة بْن الْفَضْل , قَالَ : حَدَّثَنِي ابْن إسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد , فِيمَا أَرْوِي عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَوْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : { فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَب } فَالْغَضَب عَلَى الْغَضَب غَضَبه عَلَيْهِمْ فِيمَا كَانُوا ضَيَّعُوا مِنْ التَّوْرَاة وَهِيَ مَعَهُمْ , وَغَضَب بِكُفْرِهِمْ بِهَذَا النَّبِيّ الَّذِي أَحْدَثَ اللَّه إلَيْهِمْ . 1278 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد وَعَبْد الرَّحْمَن , قَالَا : ثنا سُفْيَان عَنْ أَبِي بُكَيْرٍ , عَنْ عِكْرِمَة : { فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَب } قَالَ : كُفْر بِعِيسَى وَكُفْر بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن يَمَان , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي بُكَيْرٍ , عَنْ عِكْرِمَة : { فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَب } قَالَ : كُفْرهمْ بِعِيسَى وَمُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ أَبِي بُكَيْرٍ , عَنْ عِكْرِمَة مِثْله . 1279 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : النَّاس يَوْم الْقِيَامَة عَلَى أَرْبَعَة مَنَازِل : رَجُل كَانَ مُؤْمِنًا بِعِيسَى وَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِمَا فَلَهُ أَجْرَانِ . وَرَجُل كَانَ كَافِرًا بِعِيسَى فَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَهُ أَجْر . وَرَجُل كَانَ كَافِرًا بِعِيسَى فَكَفَرَ بِمُحَمَّدٍ , فَبَاءَ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَب . وَرَجُل كَانَ كَافِرًا بِعِيسَى مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَب , فَمَاتَ بِكُفْرِهِ قَبْل مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَاءَ بِغَضَبٍ . 1280 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَب } غَضِبَ اللَّه عَلَيْهِمْ بِكُفْرِهِمْ بِالْإِنْجِيلِ وَبِعِيسَى , وَغَضِبَ عَلَيْهِمْ بِكُفْرِهِمْ بِالْقُرْآنِ وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 1281 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَبَاءُوا بِغَضَبٍ } الْيَهُود بِمَا كَانَ مِنْ تَبْدِيلهمْ التَّوْرَاة قَبْل خُرُوج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , { عَلَى غَضَب } جُحُودهمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُفْرهمْ بِمَا جَاءَ بِهِ . 1282 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَب } يَقُول : غَضِبَ اللَّه عَلَيْهِمْ بِكُفْرِهِمْ بِالْإِنْجِيلِ وَعِيسَى , ثُمَّ غَضَبه عَلَيْهِمْ بِكُفْرِهِمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِالْقُرْآنِ . 1283 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَب } أَمَّا الْغَضَب الْأَوَّل : فَهُوَ حِين غَضَب اللَّه عَلَيْهِمْ فِي الْعِجْل , وَأَمَّا الْغَضَب الثَّانِي : فَغَضِبَ عَلَيْهِمْ حِين كَفَرُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 1284 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ وَعَطَاء وَعُبَيْد بْن عُمَيْر قَوْله : { فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَب } قَالَ : غَضَب اللَّه عَلَيْهِمْ فِيمَا كَانُوا فِيهِ مِنْ قِبَل خُرُوج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَبْدِيلهمْ وَكُفْرهمْ , ثُمَّ غَضِبَ عَلَيْهِمْ فِي مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ خَرَجَ فَكَفَرُوا بِهِ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْغَضَب مِنْ اللَّه عَلَى مَنْ غَضِبَ عَلَيْهِ مِنْ خَلْقه وَاخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ فِي صِفَته فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا بِمَا أَغْنَى عَنْ إعَادَته , وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلِلْكَافِرِينَ عَذَاب مُهِين } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَلِلْكَافِرِينَ عَذَاب مُهِين } وَلِلْجَاحِدِينَ نُبُوَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ النَّاس كُلّهمْ عَذَاب مِنْ اللَّه إمَّا فِي الْآخِرَة , وَإِمَّا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة { مُهِين } هُوَ الْمُذِلّ صَاحِبه الْمُخْزِي الملبسه هَوَانًا وَذِلَّة . فَإِنْ قَالَ قَائِل : أَيّ عَذَاب هُوَ غَيْر مُهِين صَاحِبه فَيَكُون لِلْكَافِرِينَ الْمُهِين مِنْهُ ؟ قِيلَ : إنَّ الْمُهِين هُوَ الَّذِي قَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ الْمُورِث صَاحِبه ذِلَّة وَهَوَانًا الَّذِي يَخْلُد فِيهِ صَاحِبه لَا يَنْتَقِل مِنْ هَوَانه إلَى عِزّ وَكَرَامَة أَبَدًا , وَهُوَ الَّذِي خَصَّ اللَّه بِهِ أَهْل الْكُفْر بِهِ وَبِرُسُلِهِ ; وَأَمَّا الَّذِي هُوَ غَيْر مُهِين صَاحِبه : فَهُوَ مَا كَانَ تَمْحِيصًا لِصَاحِبِهِ , وَذَلِكَ هُوَ كَالسَّارِقِ مِنْ أَهْل الْإِسْلَام يَسْرِق مَا يَجِب عَلَيْهِ بِهِ الْقَطْع فَتُقْطَع يَده , وَالزَّانِي مِنْهُمْ يَزْنِي فَيُقَام عَلَيْهِ الْحَدّ , وَمَا أَشَبَه ذَلِكَ مِنْ الْعَذَاب , وَالنَّكَال الَّذِي جَعَلَهُ اللَّه كَفَّارَات لِلذُّنُوبِ الَّتِي عَذَّبَ بِهَا أَهْلهَا , وَكَأَهْلِ الْكَبَائِر مِنْ أَهْل الْإِسْلَام الَّذِينَ يُعَذَّبُونَ فِي الْآخِرَة بِمَقَادِير إجْرَامهمْ الَّتِي ارْتَكَبُوهَا لِيُمَحِّصُوا مِنْ ذُنُوبهمْ ثُمَّ يَدْخُلُونَ الْجَنَّة . فَإِنَّ كُلّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عَذَابًا فَغَيْر مُهِين مَنْ عُذِّبَ بِهِ , إذْ كَانَ تَعْذِيب اللَّه إيَّاهُ بِهِ لِيُمَحِّصهُ مِنْ آثَامه ثُمَّ يُورِدهُ مَعْدِن الْعِزّ وَالْكَرَامَة وَيُخَلِّدهُ فِي نَعِيم الْجِنَان .