الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى . { وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاع بِالْمَعْرُوفِ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : وَلِمَنْ طَلَّقَ مِنْ النِّسَاء عَلَى مُطَلِّقهَا مِنْ الْأَزْوَاج مَتَاع , يَعْنِي بِذَلِكَ . مَا تَسْتَمْتِع بِهِ مِنْ ثِيَاب وَكِسْوَة وَنَفَقَة أَوْ خَادِم وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا يَسْتَمْتِع بِهِ . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى قَبْل مَعْنَى ذَلِكَ , وَاخْتِلَاف أَهْل الْعِلْم فِيهِ وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل مِنْ ذَلِكَ عِنْدنَا بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة مِنْ إعَادَته . وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي الْمَعْنِيَّة بِهَذِهِ الْآيَة مِنْ الْمُطَلَّقَات , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِهَا الثِّيَاب اللَّوَاتِي قَدْ جُومِعْنَ . قَالُوا : وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ غَيْر الْمَدْخُول بِهِنَّ فِي الْمُتْعَة قَدْ بَيَّنَهَا اللَّه تَعَالَى ذِكْره فِي الْآيَات قَبْلهَا , فَعِلْمنَا بِذَلِكَ أَنَّ فِي هَذِهِ الْآيَة بَيَان أَمْر الْمَدْخُول بِهِنَّ فِي ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4356 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى بْن مَيْمُون , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ عَطَاء فِي قَوْله : { وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاع بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ } قَالَ : الْمَرْأَة الثَّيِّب يُمَتِّعهَا زَوْجهَا إذَا جَامَعَهَا بِالْمَعْرُوفِ . 4357 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله , وَزَادَ فِيهِ : ذَكَرَهُ شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ عَطَاء . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ فِي هَذِهِ الْآيَة دَلَالَة عَلَى أَنَّ لِكُلِّ مُطَلَّقَة مُتْعَة . وَإِنَّمَا أَنْزَلَهَا اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَلَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا فِيهَا مِنْ زِيَادَة الْمَعْنَى الَّذِي فِيهَا عَلَى مَا سِوَاهَا مِنْ آي الْمُتْعَة , إذْ كَانَ مَا سِوَاهَا مِنْ آي الْمُتْعَة إنَّمَا فِيهِ بَيَان حُكْم غَيْر الْمَمْسُوسَة إذَا طَلُقَتْ , وَفِي هَذِهِ بَيَان حُكْم جَمِيع الْمُطَلَّقَات فِي الْمُتْعَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4358 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثنا أَيُّوب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاع بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ } قَالَ : لِكُلِّ مُطَلَّقَة مَتَاع بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ . 4359 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا حِبَّان بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , قَالَ : أَخْبَرَنَا يُونُس عَنْ الزُّهْرِيّ فِي الْأَمَة يُطَلِّقهَا زَوْجهَا وَهِيَ حُبْلَى , قَالَ : تَعْتَدّ فِي بَيْتهَا , وَقَالَ : لَمْ أَسْمَع فِي مُتْعَة الْمَمْلُوكَة شَيْئًا أَذْكُرهُ , وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { مَتَاع بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ } وَلَهَا الْمُتْعَة حَتَّى تَضَع . 4360 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا حِبَّان بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عَطَاء , قَالَ : قُلْت لَهُ : أَلِلْأَمَةِ مِنْ الْحُرّ مُتْعَة ؟ قَالَ : لَا . قُلْت : فَالْحُرَّة عِنْد الْعَبْد ؟ قَالَ : لَا . وَقَالَ عَمْرو بْن دِينَار : نَعَمْ , { وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاع بِالْمَعْرُوفِ عَلَى الْمُتَّقِينَ } وَقَالَ آخَرُونَ : إنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة , لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لَمَّا أَنَزَلَ قَوْله : { وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِع قَدَره وَعَلَى الْمُقْتِر قَدْره مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ } 2 236 قَالَ رَجُل مِنْ الْمُسْلِمِينَ : فَإِنَّا لَا نَفْعَل إنْ لَمْ نُرِدْ أَنْ نُحْسِن . فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاع بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ } فَوَجَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4361 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِع قَدَره وَعَلَى الْمُقْتِر قَدَره مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا
عَلَى الْمُحْسِنِينَ } فَقَالَ رَجُل : فَإِنْ أَحْسَنْت فَعَلْت , وَإِنْ لَمْ أُرِدْ ذَلِكَ لَمْ أَفْعَل . فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاع بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ } وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ مَا قَالَهُ سَعِيد بْن جُبَيْر , مِنْ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره . أَنَزَلَهَا دَلِيلًا لِعِبَادِهِ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ مُطَلَّقَة مُتْعَة ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره ذِكْر فِي سَائِر آي الْقُرْآن الَّتِي فِيهَا ذِكْر مُتْعَة النِّسَاء خُصُوصًا مِنْ النِّسَاء , فَبَيَّنَ فِي الْآيَة الَّتِي قَالَ فِيهَا : { لَا جُنَاح عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَة } 2 236 وَفِي قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَات ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْل أَنْ تَمَسُّوهُنَّ } 33 49 مَا لَهُنَّ مِنْ الْمُتْعَة إذَا طَلُقْنَ قَبْل الْمَسِيس , وَبِقَوْلِهِ : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك إنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزِينَتهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعكُنَّ } 33 28 حُكْم الْمَدْخُول بِهِنَّ . وَبَقِيَ حُكْم الصَّبَايَا إذَا طَلُقْنَ بَعْد الِابْتِنَاء بِهِنَّ , وَحُكْم الْكَوَافِر وَالْإِمَاء . فَعَمَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاع بِالْمَعْرُوفِ } ذِكْر جَمِيعهنَّ , وَأَخْبَرَ بِأَنَّ لَهُنَّ الْمَتَاع , كَمَا أَبَانَ الْمُطَلَّقَات الْمَوْصُوفَات بِصِفَاتِهِنَّ فِي سَائِر آي الْقُرْآن , وَلِذَلِكَ كَرَّرَ ذِكْر جَمِيعهنَّ فِي هَذِهِ الْآيَة .
وَأَمَّا قَوْله : { حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ } فَإِنَّا قَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى قَوْله " حَقًّا " , وَوَجْه نَصْبه , وَالِاخْتِلَاف مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي قَوْله : { حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ } فَفِي ذَلِكَ مُسْتَغْنًى عَنْ إعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . فَأَمَّا الْمُتَّقُونَ , فَهُمْ الَّذِينَ اتَّقَوْا اللَّه فِي أَمْره وَنَهْيه وَحُدُوده , فَقَامُوا بِهَا عَلَى مَا كَلَّفَهُمْ الْقِيَام بِهِ خَشْيَة مِنْهُمْ لَهُ , وَوَجَلًا مِنْهُمْ مِنْ عِقَابه . وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَان تَأْوِيل ذَلِكَ نَصًّا بِالرِّوَايَةِ .
عَلَى الْمُحْسِنِينَ } فَقَالَ رَجُل : فَإِنْ أَحْسَنْت فَعَلْت , وَإِنْ لَمْ أُرِدْ ذَلِكَ لَمْ أَفْعَل . فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاع بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ } وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ مَا قَالَهُ سَعِيد بْن جُبَيْر , مِنْ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره . أَنَزَلَهَا دَلِيلًا لِعِبَادِهِ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ مُطَلَّقَة مُتْعَة ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره ذِكْر فِي سَائِر آي الْقُرْآن الَّتِي فِيهَا ذِكْر مُتْعَة النِّسَاء خُصُوصًا مِنْ النِّسَاء , فَبَيَّنَ فِي الْآيَة الَّتِي قَالَ فِيهَا : { لَا جُنَاح عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَة } 2 236 وَفِي قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَات ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْل أَنْ تَمَسُّوهُنَّ } 33 49 مَا لَهُنَّ مِنْ الْمُتْعَة إذَا طَلُقْنَ قَبْل الْمَسِيس , وَبِقَوْلِهِ : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك إنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزِينَتهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعكُنَّ } 33 28 حُكْم الْمَدْخُول بِهِنَّ . وَبَقِيَ حُكْم الصَّبَايَا إذَا طَلُقْنَ بَعْد الِابْتِنَاء بِهِنَّ , وَحُكْم الْكَوَافِر وَالْإِمَاء . فَعَمَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاع بِالْمَعْرُوفِ } ذِكْر جَمِيعهنَّ , وَأَخْبَرَ بِأَنَّ لَهُنَّ الْمَتَاع , كَمَا أَبَانَ الْمُطَلَّقَات الْمَوْصُوفَات بِصِفَاتِهِنَّ فِي سَائِر آي الْقُرْآن , وَلِذَلِكَ كَرَّرَ ذِكْر جَمِيعهنَّ فِي هَذِهِ الْآيَة .
وَأَمَّا قَوْله : { حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ } فَإِنَّا قَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى قَوْله " حَقًّا " , وَوَجْه نَصْبه , وَالِاخْتِلَاف مِنْ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي قَوْله : { حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ } فَفِي ذَلِكَ مُسْتَغْنًى عَنْ إعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . فَأَمَّا الْمُتَّقُونَ , فَهُمْ الَّذِينَ اتَّقَوْا اللَّه فِي أَمْره وَنَهْيه وَحُدُوده , فَقَامُوا بِهَا عَلَى مَا كَلَّفَهُمْ الْقِيَام بِهِ خَشْيَة مِنْهُمْ لَهُ , وَوَجَلًا مِنْهُمْ مِنْ عِقَابه . وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَان تَأْوِيل ذَلِكَ نَصًّا بِالرِّوَايَةِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله
تَعَالَى : { كَذَلِكَ يُبَيِّن اللَّه لَكُمْ آيَاته لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : كَمَا بَيَّنْت لَكُمْ مَا يَلْزَمكُمْ لِأَزْوَاجِكُمْ وَيَلْزَم أَزْوَاجكُمْ لَكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ , وَعَرَّفْتُكُمْ أَحْكَامِي وَالْحَقّ الْوَاجِب لِبَعْضِكُمْ عَلَى بَعْض فِي هَذِهِ الْآيَات , فَكَذَلِكَ أُبَيِّن لَكُمْ سَائِر الْأَحْكَام فِي آيَاتِي الَّتِي أَنْزَلْتهَا عَلَى نَبِيِّي مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْكِتَاب , لِتَعْقِلُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِي وَبِرَسُولِي حُدُودِي , فَتَفْهَمُوا اللَّازِم لَكُمْ مِنْ فَرَائِضِي , وَتَعْرِفُوا بِذَلِكَ مَا فِيهِ صَلَاح دِينكُمْ وَدُنْيَاكُمْ وَعَاجِلكُمْ وَآجِلكُمْ , فَتَعْلَمُوا بِهِ , لِيُصْلِح ذَات بَيْنكُمْ وَتَنَالُوا بِهِ الْجَزِيل مِنْ ثَوَابِي فِي مُعَادكُمْ .
تَعَالَى : { كَذَلِكَ يُبَيِّن اللَّه لَكُمْ آيَاته لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : كَمَا بَيَّنْت لَكُمْ مَا يَلْزَمكُمْ لِأَزْوَاجِكُمْ وَيَلْزَم أَزْوَاجكُمْ لَكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ , وَعَرَّفْتُكُمْ أَحْكَامِي وَالْحَقّ الْوَاجِب لِبَعْضِكُمْ عَلَى بَعْض فِي هَذِهِ الْآيَات , فَكَذَلِكَ أُبَيِّن لَكُمْ سَائِر الْأَحْكَام فِي آيَاتِي الَّتِي أَنْزَلْتهَا عَلَى نَبِيِّي مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْكِتَاب , لِتَعْقِلُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِي وَبِرَسُولِي حُدُودِي , فَتَفْهَمُوا اللَّازِم لَكُمْ مِنْ فَرَائِضِي , وَتَعْرِفُوا بِذَلِكَ مَا فِيهِ صَلَاح دِينكُمْ وَدُنْيَاكُمْ وَعَاجِلكُمْ وَآجِلكُمْ , فَتَعْلَمُوا بِهِ , لِيُصْلِح ذَات بَيْنكُمْ وَتَنَالُوا بِهِ الْجَزِيل مِنْ ثَوَابِي فِي مُعَادكُمْ .
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَهُمْ أُلُوف حَذَر الْمَوْت فَقَالَ لَهُمْ اللَّه مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : { أَلَمْ تَرَ } أَلَمْ تَعْلَم يَا مُحَمَّد . وَهُوَ مِنْ رُؤْيَة الْقَلْب لَا رُؤْيَة الْعَيْن ; لِأَنَّ نَبِيّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُدْرِك الَّذِينَ أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُمْ هَذَا الْخَبَر وَرُؤْيَة الْقَلْب : مَا رَآهُ وَعَلِمَهُ بِهِ . فَمَعْنَى ذَلِكَ : أَلَمْ تَعْلَم يَا مُحَمَّد الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَهُمْ أُلُوف . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَهُمْ أُلُوف } فَقَالَ بَعْضهمْ : فِي الْعَدَد بِمَعْنَى جِمَاع أَلْف . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4362 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , وَحَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا وَكِيع , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَيْسَرَة النَّهْدِيّ , عَنْ الْمِنْهَال بْن عَمْرو , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَهُمْ أُلُوف حَذَر الْمَوْت } كَانُوا أَرْبَعَة آلَاف خَرَجُوا فِرَارًا مِنْ الطَّاعُون , قَالُوا : نَأْتِي أَرْضًا لَيْسَ فِيهَا مَوْت . حَتَّى إذَا كَانُوا بِمَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا , قَالَ لَهُمْ اللَّه : مُوتُوا ! فَمَرَّ عَلَيْهِمْ نَبِيّ مِنْ الْأَنْبِيَاء , فَدَعَا رَبّه أَنْ يُحْيِيهِمْ , فَأَحْيَاهُمْ . فَتَلَا هَذِهِ الْآيَة : { إنَّ اللَّه لَذُو فَضْل عَلَى النَّاس وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس لَا يَشْكُرُونَ } * حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَيْسَرَة النَّهْدِيّ , عَنْ الْمِنْهَال , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَهُمْ أُلُوف حَذَر الْمَوْت } قَالَ : كَانُوا أَرْبَعَة آلَاف خَرَجُوا فِرَارًا مِنْ الطَّاعُون , فَأَمَاتَهُمْ اللَّه , فَمَرَّ عَلَيْهِمْ نَبِيّ مِنْ الْأَنْبِيَاء , فَدَعَا رَبّه أَنْ يُحْيِيهِمْ حَتَّى يَعْبُدُوهُ , فَأَحْيَاهُمْ . 4363 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن
سَهْل بْن عَسْكَر , قَالَ : أَخْبَرَنَا إسْمَاعِيل بْن عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : ثني عَبْد الصَّمَد أَنَّهُ سَمِعَ وَهْب بْن مُنَبِّه يَقُول : أَصَابَ نَاسًا مِنْ بَنِي إسْرَائِيل بَلَاء وَشِدَّة مِنْ الزَّمَان , فَشَكَوْا مَا أَصَابَهُمْ , وَقَالُوا : يَا لَيْتَنَا قَدْ مِتْنَا فَاسْتَرَحْنَا مِمَّا نَحْنُ فِيهِ ! فَأَوْحَى اللَّه إلَى حزقيل : إنَّ قَوْمك صَاحُوا مِنْ الْبَلَاء , وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ وَدُّوا لَوْ مَاتُوا فَاسْتَرَاحُوا , وَأَيّ رَاحَة لَهُمْ فِي الْمَوْت ! أَيَظُنُّونَ أَنِّي لَا أَقْدِر أَنْ أَبْعَثهُمْ بَعْد الْمَوْت ؟ فَانْطَلِقْ إلَى جَبَّانَة كَذَا وَكَذَا , فَإِنَّ فِيهَا أَرْبَعَة آلَاف - قَالَ وَهْب : وَهُمْ الَّذِينَ قَالَ اللَّه : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَهُمْ أُلُوف حَذَر الْمَوْت } - فَقُمْ فِيهِمْ فَنَادِهِمْ ! وَكَانَتْ عِظَامهمْ قَدْ تَفَرَّقَتْ , فَرَّقَتْهَا الطَّيْر وَالسِّبَاع . فَنَادَاهُمْ حزقيل , فَقَالَ : يَا أَيَّتهَا الْعِظَام إنَّ اللَّه يَأْمُرك أَنْ تَجْتَمِعِي ! فَاجْتَمَعَ عِظَام كُلّ إنْسَان مِنْهُمْ مَعًا . ثُمَّ نَادَى ثَانِيَة حزقيل , فَقَالَ : أَيَّتهَا الْعِظَام , إنَّ اللَّه يَأْمُرك أَنْ تَكْتَسِي اللَّحْم ! فَاكْتَسَتْ اللَّحْم , وَبَعْد اللَّحْم جِلْدًا , فَكَانَتْ أَجْسَادًا . ثُمَّ نَادَى حزقيل الثَّالِثَة فَقَالَ : أَيَّتهَا الْأَرْوَاح إنَّ اللَّه يَأْمُرك أَنْ تَعُودِي إلَى أَجْسَادك , فَقَامُوا بِإِذْنِ اللَّه , وَكَبِّرُوا تَكْبِيرَة وَاحِدَة . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قُلْ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَهُمْ أُلُوف } يَقُول : عَدَد كَثِير خَرَجُوا فِرَارًا مِنْ الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه , فَأَمَاتَهُمْ اللَّه , ثُمَّ أَحْيَاهُمْ , وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُجَاهِدُوا عَدُوّهُمْ ; فَذَلِكَ قَوْله : { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه سَمِيع عَلِيم } 4364 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ أَشْعَث بْن أَسْلَم الْبَصْرِيّ , قَالَ : بَيْنَمَا عُمَر يُصَلِّي وَيَهُودِيَّانِ خَلْفه - وَكَانَ عُمَر إذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَع خَوَّى - فَقَالَ أَحَدهمْ لِصَاحِبِهِ : أَهُوَ هُوَ ؟ فَلَمَّا انْفَتَلَ عُمَر قَالَ : رَأَيْت قَوْل أَحَدكُمَا لِصَاحِبِهِ أَهُوَ هُوَ ! فَقَالَا : إنَّا نَجِد فِي كِتَابنَا قَرْنًا مِنْ حَدِيد يُعْطَى مَا يُعْطَى حزقيل الَّذِي أَحْيَا الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّه . فَقَالَ عُمَر : مَا نَجِد فِي كِتَاب اللَّه حزقيل , وَلَا أَحْيَا الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّه إلَّا عِيسَى . فَقَالَا : أَمَا تَجِد فِي كِتَاب { وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْك } 4 164 فَقَالَ عُمَر : بَلَى . قَالَا : وَأَمَّا إحْيَاء الْمَوْتَى فَسَنُحَدِّثُك أَنَّ بَنِي إسْرَائِيل وَقَعَ عَلَيْهِمْ الْوَبَاء , فَخَرَجَ مِنْهُمْ قَوْم , حَتَّى إذَا كَانُوا عَلَى رَأْس مِيل أَمَاتَهُمْ اللَّه , فَبَنَوْا عَلَيْهِمْ حَائِطًا , حَتَّى إذَا بَلِيَتْ عِظَامهمْ بَعَثَ اللَّه حزقيل , فَقَامَ عَلَيْهِمْ وَمَا شَاءَ اللَّه , فَبَعَثَهُمْ اللَّه لَهُ , فَأَنْزَلَ اللَّه فِي ذَلِكَ : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَهُمْ أُلُوف } الْآيَة . * حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ الْحَجَّاج بْن أَرْطَأَة , قَالَ : كَانُوا أَرْبَعَة آلَاف . 4366 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَهُمْ أُلُوف } إلَى قَوْله : { ثُمَّ أَحْيَاهُمْ } قَالَ : كَانَتْ قَرْيَة يُقَال لَهَا دَاوَرْدَان قَبْل وَاسِط , وَقَعَ بِهَا الطَّاعُون , فَهَرَبَ عَامَّة أَهْلهَا , فَنَزَلُوا نَاحِيَة مِنْهَا , فَهَلَكَ مَنْ بَقِيَ فِي الْقَرْيَة وَسَلَّمَ الْآخَرُونَ , فَلَمْ يَمُتْ مِنْهُمْ كَبِير . فَلَمَّا ارْتَفَعَ الطَّاعُون رَجَعُوا سَالِمِينَ , فَقَالَ الَّذِينَ بَقُوا : أَصْحَابنَا هَؤُلَاءِ كَانُوا أَحْزَم مِنَّا , لَوْ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعُوا بَقِينَا , وَلَئِنْ وَقَعَ الطَّاعُون ثَانِيَة لَنَخْرُجَنَّ مَعَهُمْ ! فَوَقَعَ فِي قَابِل فَهَرَبُوا , وَهُمْ بِضْعَة وَثَلَاثُونَ أَلْفًا , حَتَّى نَزَلُوا ذَلِكَ الْمَكَان , وَهُوَ وَادِ أُفَيْح , فَنَادَاهُمْ مَلَك مِنْ أَسْفَل الْوَادِي , وَآخَر مِنْ أَعْلَاهُ : أَنْ مُوتُوا ! فَمَاتُوا , حَتَّى إذَا هَلَكُوا وَبَلِيَتْ أَجْسَادهمْ , مَرَّ بِهِمْ نَبِيّ يُقَال لَهُ حزقيل ; فَلَمَّا رَآهُمْ وَقَفَ عَلَيْهِمْ , فَجَعَلَ يَتَفَكَّر فِيهِمْ , وَيَلْوِي شِدْقَيْهِ وَأَصَابِعه , فَأَوْحَى اللَّه إلَيْهِ : يَا حزقيل , أَتُرِيدُ أَنْ أُرِيك فِيهِمْ كَيْفَ أُحْيِيهِمْ ؟ - قَالَ : وَإِنَّمَا كَانَ تَفَكُّره أَنَّهُ تَعَجَّبَ مِنْ قُدْرَة اللَّه عَلَيْهِمْ - فَقَالَ : نَعَمْ . فَقِيلَ لَهُ : نَادِ فَنَادَى : يَا أَيَّتهَا الْعِظَام إنَّ اللَّه يَأْمُرك أَنْ تَجْتَمِعِي ! فَجَعَلَتْ تَطِير الْعِظَام بَعْضهَا إلَى بَعْض حَتَّى كَانَتْ أَجْسَادًا مِنْ عِظَام . ثُمَّ أَوْحَى اللَّه إلَيْهِ أَنْ نَادِ يَا أَيَّتهَا الْعِظَام , إنَّ اللَّه يَأْمُرك أَنْ تَكْتَسِي لَحْمًا ! فَاكْتَسَتْ لَحْمًا وَدَمًا وَثِيَابهَا الَّتِي مَاتَتْ فِيهَا وَهِيَ عَلَيْهَا . ثُمَّ قِيلَ لَهُ : نَادِ ! فَنَادَى يَا أَيَّتهَا الْأَجْسَاد إنَّ اللَّه يَأْمُرك أَنْ تَقُومِي , فَقَامُوا . 4367 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , فَزَعَمَ مَنْصُور بْن الْمُعْتَمِر , عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُمْ قَالُوا حِين أُحْيُوا : سُبْحَانك رَبّنَا وَبِحَمْدِك , لَا إلَه إلَّا أَنْتَ ! فَرَجَعُوا إلَى قَوْمهمْ أَحْيَاء , يَعْرِفُونَ أَنَّهُمْ كَانُوا مَوْتَى , سَحْنَة الْمَوْت عَلَى وُجُوههمْ , لَا يَلْبَسُونَ ثَوْبًا إلَّا عَادَ كَفَنًا دَسْمًا مِثْل الْكَفَن حَتَّى مَاتُوا لِآجَالِهِمْ الَّتِي كُتِبَتْ لَهُمْ . 4368 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْسَجَة , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَهُمْ أُلُوف } قَالَ : كَانُوا ثَلَاثَة آلَاف أَوْ أَكْثَر . 4369 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : كَانُوا أَرْبَعِينَ أَلْفًا أَوْ ثَمَانِيَة آلَاف حَظَّرَ عَلَيْهِمْ حَظَائِر , وَقَدْ أَرْوَحَتْ أَجْسَادهمْ وَأَنْتَنُوا , فَإِنَّهَا لَتُوجَد الْيَوْم فِي ذَلِكَ السَّبْط مِنْ الْيَهُود تِلْكَ الرِّيح , وَهُمْ أُلُوف فِرَارًا مِنْ الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه , فَأَمَاتَهُمْ اللَّه , ثُمَّ أَحْيَاهُمْ , فَأَمَرَهُمْ بِالْجِهَادِ , فَذَلِكَ قَوْله : { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه } الْآيَة . 4370 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إسْحَاق , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه : أَنَّ كَالِب بْن يوقنا لَمَّا قَبَضَهُ اللَّه بَعْد يُوشَع , خَلَّفَ فِيهِمْ - يَعْنِي فِي بَنِي إسْرَائِيل - حزقيل بْن بوزي , وَهُوَ ابْن الْعَجُوز . وَإِنَّمَا سُمِّيَ ابْن الْعَجُوز , أَنَّهَا سَأَلَتْ اللَّه الْوَلَد وَقَدْ كَبِرَتْ وَعَقِمَتْ , فَوَهَبَهُ اللَّه لَهَا , فَلِذَلِكَ قِيلَ لَهُ ابْن الْعَجُوز . وَهُوَ الَّذِي دَعَا لِلْقَوْمِ الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّه فِي الْكِتَاب لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا بَلَّغَنَا : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَهُمْ أُلُوف حَذَر الْمَوْت فَقَالَ لَهُمْ اللَّه مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إنَّ اللَّه لَذُو فَضْل عَلَى النَّاس وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس لَا يَشْكُرُونَ } 4371 - حَدَّثَنِي ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن إسْحَاق , قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ مِنْ حَدِيثهمْ أَنَّهُمْ خَرَجُوا فِرَارًا مِنْ بَعْض الْأَوْبَاء مِنْ الطَّاعُون - أَوْ مِنْ سَقَم كَانَ يُصِيب النَّاس - حَذَرًا مِنْ الْمَوْت , وَهُمْ أُلُوف . حَتَّى إذَا نَزَلُوا بِصَعِيدٍ مِنْ الْبِلَاد , قَالَ لَهُمْ اللَّه : مُوتُوا ! فَمَاتُوا جَمِيعًا , فَعَمَدَ أَهْل تِلْكَ الْبِلَاد فَحَظَرُوا عَلَيْهِمْ حَظِيرَة دُون السِّبَاع , ثُمَّ تَرَكُوهُمْ فِيهَا , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَثُرُوا عَنْ أَنْ يَغِيبُوا . فَمَرَّتْ بِهِمْ الْأَزْمَان وَالدُّهُور , حَتَّى صَارُوا عِظَامًا نَخِرَة . فَمَرَّ بِهِمْ حزقيل بْن بوزي , فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ , فَتَعَجَّبَ لِأَمْرِهِمْ , وَدَخَلَهُ رَحْمَة لَهُمْ , فَقِيلَ لَهُ : أَتُحِبُّ أَنْ يُحْيِيهِمْ اللَّه ؟ فَقَالَ : نَعَمْ . فَقِيلَ لَهُ : نَادِهِمْ ! فَقَالَ : أَيّهَا الْعِظَام الرَّمِيم الَّتِي قَدْ رَمَّتْ وَبَلِيَتْ , لِيَرْجِع كُلّ عَظْم إلَى صَاحِبه ! فَنَادَاهُمْ بِذَلِكَ , فَنَظَرَ إلَى الْعِظَام تَوَاثَبَ يَأْخُذ بَعْضهَا بَعْضًا . ثُمَّ قِيلَ لَهُ : قُلْ أَيّهَا اللَّحْم وَالْعَصَب وَالْجِلْد اُكْسُ الْعِظَام بِإِذْنِ رَبّك ! قَالَ : فَنَظَرَ إلَيْهَا وَالْعَصَب يَأْخُذ الْعِظَام ثُمَّ اللَّحْم وَالْجِلْد وَالْأَشْعَار , حَتَّى اسْتَوَوْا خَلْقًا لَيْسَتْ فِيهِمْ الْأَرْوَاح , ثُمَّ دَعَا لَهُمْ بِالْحَيَاةِ , فَتَغَشَّاهُمْ مِنْ السَّمَاء كُدْيَة حَتَّى غَشِيَ عَلَيْهِ مِنْهُ . ثُمَّ أَفَاقَ وَالْقَوْم جُلُوس يَقُولُونَ : سُبْحَان اللَّه , سُبْحَان اللَّه ! قَدْ أَحْيَاهُمْ اللَّه . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى قَوْله { وَهُمْ أُلُوف } وَهُمْ مُؤْتَلِفُونَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4372 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْل اللَّه : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَهُمْ أُلُوف حَذَر الْمَوْت فَقَالَ لَهُمْ اللَّه مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ } قَالَ : قَرْيَة كَانَتْ نَزَلَ بِهَا الطَّاعُون , فَخَرَجَتْ طَائِفَة مِنْهُمْ وَأَقَامَتْ طَائِفَة . فَأَلَحَّ الطَّاعُون بِالطَّائِفَةِ الَّتِي أَقَامَتْ , وَاَلَّتِي خَرَجَتْ لَمْ يُصِبْهَا شَيْء . ثُمَّ ارْتَفَعَ , ثُمَّ نَزَلَ الْعَام الْقَابِل , فَخَرَجَتْ طَائِفَة أَكْثَر مِنْ الَّتِي خَرَجَتْ أَوَّلًا . فَاسْتَحَرَّ الطَّاعُون بِالطَّائِفَةِ الَّتِي أَقَامَتْ . فَلَمَّا كَانَ الْعَام الثَّالِث نَزَلَ , فَخَرَجُوا بِأَجْمَعِهِمْ وَتَرَكُوا دِيَارهمْ , فَقَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَهُمْ أُلُوف } لَيْسَتْ الْفُرْقَة أَخَرَجَتْهُمْ كَمَا يَخْرُج لِلْحَرْبِ وَالْقِتَال . قُلُوبهمْ مُؤْتَلِفَة , إنَّمَا خَرَجُوا فِرَارًا , فَلَمَّا كَانُوا حَيْثُ ذَهَبُوا يَبْتَغُونَ الْحَيَاة , قَالَ لَهُمْ اللَّه : مُوتُوا ! فِي الْمَكَان الَّذِي ذَهَبُوا إلَيْهِ يَبْتَغُونَ فِيهِ الْحَيَاة , فَمَاتُوا . ثُمَّ أَحْيَاهُمْ اللَّه ; { إنَّ اللَّه لَذُو فَضْل عَلَى النَّاس وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس لَا يَشْكُرُونَ } قَالَ : وَمَرَّ بِهَا رَجُل وَهِيَ عِظَام تَلُوح , فَوَقَفَ يَنْظُر , فَقَالَ : { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا فَأَمَاتَهُ اللَّه مِائَة عَام } ذِكْر الْأَخْبَار عَمَّنْ قَالَ : كَانَ خُرُوج هَؤُلَاءِ الْقَوْم مِنْ دِيَارهمْ فِرَارًا مِنْ الطَّاعُون : 4373 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ الْأَشْعَث , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : 34 { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَهُمْ أُلُوف حَذَر الْمَوْت } قَالَ . خَرَجُوا فِرَارًا مِنْ الطَّاعُون , فَأَمَاتَهُمْ قَبْل آجَالهمْ , ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إلَى آجَالهمْ . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : 34 { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَهُمْ أُلُوف حَذَر الْمَوْت } قَالَ : فَرُّوا مِنْ الطَّاعُون , فَقَالَ لَهُمْ اللَّه : مُوتُوا ! ثُمَّ أَحْيَاهُمْ لِيُكْمِلُوا بَقِيَّة آجَالهمْ . 4374 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَهُمْ أُلُوف حَذَر الْمَوْت } قَالَ : وَقَعَ الطَّاعُون فِي قَرْيَتهمْ , فَخَرَجَ أُنَاس وَبَقِيَ أُنَاس . فَهَلَكَ الَّذِينَ بَقُوا فِي الْقَرْيَة وَبَقِيَ الْآخَرُونَ . ثُمَّ وَقَعَ الطَّاعُون فِي قَرْيَتهمْ الثَّانِيَة , فَخَرَجَ أَنَاس , وَبَقِيَ أُنَاس وَمَنْ خَرَجَ أَكْثَر مِمَّنْ بَقِيَ , فَنَجَّى اللَّه الَّذِينَ خَرَجُوا , وَهَلَكَ الَّذِينَ بَقُوا . فَلَمَّا كَانَتْ الثَّالِثَة خَرَجُوا بِأَجْمَعِهِمْ إلَّا قَلِيلًا , فَأَمَاتَهُمْ اللَّه وَدَوَابّهمْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ فَرَجَعُوا إلَى بِلَادهمْ وَكَثُرُوا بِهَا , حَتَّى يَقُول بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : مَنْ أَنْتُمْ ؟ * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , قَالَ : سَمِعْت عَمْرو بْن دِينَار يَقُول : وَقَعَ الطَّاعُون فِي قَرْيَتهمْ , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو حَدِيث مُحَمَّد بْن عَمْرو , عَنْ أَبِي عَاصِم . 4375 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا سُوَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَهُمْ أُلُوف } الْآيَة . مَقَتَهُمْ اللَّه عَلَى فِرَارهمْ مِنْ الْمَوْت , فَأَمَاتَهُمْ اللَّه عُقُوبَة ثُمَّ بَعَثَهُمْ إلَى بَقِيَّة آجَالَهُمْ لِيَسْتَوْفُوهَا , وَلَوْ كَانَتْ آجَال الْقَوْم جَاءَتْ مَا بُعِثُوا بَعْد مَوْتهمْ . 4376 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ حُصَيْن , عَنْ هِلَال بْن يَسَاف فِي قَوْله تَعَالَى : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ خَرَجُوا } الْآيَة . قَالَ : كَانَ هَؤُلَاءِ الْقَوْم مِنْ بَنِي إسْرَائِيل إذَا وَقَعَ فِيهِمْ الطَّاعُون خَرَجَ أَغْنِيَاؤُهُمْ وَأَشْرَافهمْ وَأَقَامَ فُقَرَاؤُهُمْ وَسَفَلَتهمْ . قَالَ : فَاسْتَحَرَّ الْمَوْت عَلَى الْمُقِيمِينَ مِنْهُمْ , وَنَجَا مَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ , فَقَالَ الَّذِينَ خَرَجُوا : لَوْ أَقَمْنَا كَمَا أَقَامَ هَؤُلَاءِ لَهَلَكْنَا كَمَا هَلَكُوا ! وَقَالَ الْمُقِيمُونَ : لَوْ ظَعَنَّا كَمَا ظَعَنَ هَؤُلَاءِ لَنَجَوْنَا كَمَا نَجَوْا ! فَظَعَنُوا جَمِيعًا فِي عَام وَاحِد , أَغْنِيَاؤُهُمْ وَأَشْرَافهمْ وَفُقَرَاؤُهُمْ وَسَفَلَتهمْ , فَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ الْمَوْت , فَصَارُوا عِظَامًا تَبْرُق . قَالَ : فَجَاءَهُمْ أَهْل الْقُرَى فَجَمَعُوهُمْ فِي مَكَان وَاحِد , فَمَرَّ بِهِمْ نَبِيّ , فَقَالَ : يَا رَبّ لَوْ شِئْت أَحْيَيْت هَؤُلَاءِ فَعَمَّرُوا بِلَادك وَعَبَدُوك ! قَالَ : أَوَ أَحَبّ إلَيْك أَنْ أَفَعَلَ ؟ قَالَ نَعَمْ . قَالَ : فَقُلْ كَذَا وَكَذَا ! فَتَكَلَّمَ بِهِ , فَنَظَرَ إلَى الْعِظَام , وَإِنَّ الْعَظْم لَيَخْرُج مِنْ عِنْد الْعَظْم الَّذِي لَيْسَ مِنْهُ إلَى الْعَظْم الَّذِي هُوَ مِنْهُ . ثُمَّ تَكَلَّمَ بِمَا أَمَرَ , فَإِذَا الْعِظَام تُكْسَى لَحْمًا . ثُمَّ أَمَرَ بِأَمْرٍ فَتَكَلَّمَ بِهِ , فَإِذَا هُمْ قُعُود يُسَبِّحُونَ وَيُكَبِّرُونَ , ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ : { قَاتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه سَمِيع عَلِيم } * حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي سَعِيد بْن أَبِي أَيُّوب . عَنْ حَمَّاد بْن عُثْمَان , عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ قَالَ فِي الَّذِينَ أَمَاتَهُمْ اللَّه ثُمَّ أَحْيَاهُمْ , قَالَ : هُمْ قَوْم فَرُّوا مِنْ الطَّاعُون , فَأَمَاتَهُمْ اللَّه عُقُوبَة وَمَقْتًا , ثُمَّ أَحْيَاهُمْ لِآجَالِهِمْ . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَهُمْ أُلُوف } بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى بِالْأُلُوفِ . كَثْرَة الْعَدَد , دُون قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى بِهِ الِائْتِلَاف , بِمَعْنَى ائْتِلَاف قُلُوبهمْ , وَأَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ مِنْ غَيْر افْتِرَاق كَانَ مِنْهُمْ وَلَا تَبَاغُض , وَلَكِنْ فِرَارًا , إمَّا مِنْ الْجِهَاد , وَإِمَّا مِنْ الطَّاعُون . لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة عَلَى أَنَّ ذَلِكَ تَأْوِيل الْآيَة , وَلَا يُعَارِض بِالْقَوْلِ الشَّاذّ مَا اسْتَفَاضَ بِهِ الْقَوْل مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي مَبْلَغ عَدَد الْقَوْم الَّذِينَ وَصَفَ اللَّه خُرُوجهمْ مِنْ دِيَارهمْ بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ حَدَّ عَدَدهمْ بِزِيَادَةِ عَنْ عَشْرَة آلَاف دُون مَنْ حَدَّهُ بِأَرْبَعَةِ آلَاف وَثَلَاثَة آلَاف وَثَمَانِيَة آلَاف . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا أُلُوفًا , وَمَا دُون الْعَشَرَة آلَاف لَا يُقَال لَهُمْ أُلُوف , وَإِنَّمَا يُقَال : هُمْ آلَاف إذَا كَانُوا ثَلَاثَة آلَاف فَصَاعِدًا إلَى الْعَشَرَة آلَاف , وَغَيْر جَائِز أَنْ يُقَال : هُمْ خَمْسَة أُلُوف , أَوْ عَشَرَة أُلُوف . وَإِنَّمَا جُمِعَ قَلِيله عَلَى أَفْعَال , وَلَمْ يُجْمَع عَلَى أَفْعَل مِثْل سَائِر الْجَمْع الْقَلِيل الَّذِي يَكُون ثَانِي مُفْرَده سَاكِنًا لِلْأَلِفِ الَّتِي فِي أَوَّله , وَشَأْن الْعَرَب فِي كُلّ حَرْف كَانَ أَوَّله يَاء أَوْ وَاوًا أَوْ أَلِفًا اخْتِيَار جَمْع قَلِيله عَلَى أَفْعَال , كَمَا جَمَعُوا الْوَقْت أَوْقَاتًا , وَالْيَوْم أَيَّامًا , وَالْيُسْر أَيْسَارًا ; لِلْوَاوِ وَالْيَاء اللَّتَيْنِ فِي أَوَّل ذَلِكَ , وَقَدْ يُجْمَع ذَلِكَ أَحْيَانًا عَلَى " أَفْعَل " , إلَّا أَنَّ الْفَصِيح مِنْ كَلَامهمْ مَا ذَكَرْنَا , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : كَانُوا ثَلَاثَة آلُف وَكَتِيبَة أَلْفَيْنِ أَعْجَم مِنْ بَنِي الْفِدَام وَأَمَّا قَوْله : { حَذَر الْمَوْت } فَإِنَّهُ يَعْنِي : أَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنْ حَذَر الْمَوْت فِرَارًا مِنْهُ . كَمَا : 4377 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { حَذَر الْمَوْت } فِرَارًا مِنْ عَدُوّهُمْ , حَتَّى ذَاقُوا الْمَوْت الَّذِي فَرُّوا مِنْهُ , فَأَمَرَهُمْ فَرَجَعُوا وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه . وَهُمْ الَّذِينَ قَالُوا لِنَبِيِّهِمْ : { ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه } 2 246 وَإِنَّمَا حَثَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عِبَاده بِهَذِهِ الْآيَة عَلَى الْمُوَاظَبَة عَلَى الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه وَالصَّبْر عَلَى قِتَال أَعْدَاء دِينه , وَشَجَّعَهُمْ بِإِعْلَامِهِ إيَّاهُمْ وَتَذْكِيره لَهُمْ أَنَّ الْإِمَاتَة وَالْإِحْيَاء بِيَدَيْهِ وَإِلَيْهِ دُون خَلْقه , وَأَنَّ الْفِرَار مِنْ الْقِتَال وَالْهَرَب مِنْ الْجِهَاد وَلِقَاء الْأَعْدَاء إلَى التَّحَصُّن فِي الْحُصُون وَالِاخْتِبَاء فِي الْمَنَازِل وَالدُّور غَيْر مُنَجٍّ أَحَدًا مِنْ قَضَائِهِ إذَا حَلَّ بِسَاحَتِهِ , وَلَا دَافِع عَنْهُ أَسْبَاب مَنِيَّته إذَا نَزَلَ بِعُقُوبَتِهِ , كَمَا لَمْ يَنْفَع الْهَارِبِينَ مِنْ الطَّاعُون الَّذِينَ وَصَفَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره صِفَتهمْ فِي قَوْله : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَهُمْ أُلُوف حَذَر الْمَوْت } فِرَارهمْ مِنْ أَوْطَانهمْ , وَانْتِقَالهمْ مِنْ مَنَازِلهمْ إلَى الْمَوْضِع الَّذِي أُمْلُوا بِالْمَصِيرِ إلَيْهِ السَّلَامَة , وَبِالْمَوْئِلِ النَّجَاة مِنْ الْمَنِيَّة , حَتَّى أَتَاهُمْ أَمْر اللَّه , فَتَرَكَهُمْ جَمِيعًا خُمُودًا صَرْعَى وَفِي الْأَرْض هَلْكَى , وَنَجَا مِمَّا حَلَّ بِهِمْ الَّذِينَ بَاشَرُوا كَرْب الْوَبَاء وَخَالَطُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَظِيم الْبَلَاء .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إنَّ اللَّه لَذُو فَضْل عَلَى النَّاس وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس لَا يَشْكُرُونَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : إنَّ اللَّه لِذُو فَضْل وَمَنّ عَلَى خَلْقه بِتَبْصِيرِهِ إيَّاهُمْ سَبِيل الْهُدَى وَتَحْذِيره لَهُمْ طُرُق الرَّدَى , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ نِعَمه الَّتِي يُنَعِّمهَا عَلَيْهِمْ فِي دُنْيَاهُمْ وَدِينهمْ وَأَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ . كَمَا أَحْيَا الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَهُمْ أُلُوف حَذَر الْمَوْت بَعْد إمَاتَته إيَّاهُمْ وَجَعَلَهُمْ لِخَلْقِهِ مَثَلًا وَعِظَة يَعِظُونَ بِهِمْ عِبْرَة يَعْتَبِرُونَ بِهِمْ . وَلِيَعْلَمُوا أَنَّ الْأُمُور كُلّهَا بِيَدِهِ , فَيَسْتَسْلِمُونَ لِقَضَائِهِ , وَيَصْرِفُونَ الرَّغْبَة كُلّهَا وَالرَّهْبَة إلَيْهِ . ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْره أَنَّ أَكْثَر مَنْ يُنْعِم عَلَيْهِ مِنْ عِبَاده بِنَعَمِهِ الْجَلِيلَة وَيَمُنّ عَلَيْهِ بِمِنَنِهِ
الْجَسِيمَة , يُكَفِّر بِهِ , وَيَصْرِف الرَّغْبَة وَالرَّهْبَة إلَى غَيْره , وَيَتَّخِذ إلَهًا مِنْ دُونه , كُفْرَانًا مِنْهُ لِنَعَمِهِ الَّتِي تُوجِب أَصْغَرهَا عَلَيْهِ مِنْ الشُّكْر مَا يَفْدَحهُ وَمِنْ الْحَمْد مَا يُثَقِّلهُ , فَقَالَ تَعَالَى ذِكْره : { وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس لَا يَشْكُرُونَ } ; يَقُول : لَا يَشْكُرُونَ نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتهَا عَلَيْهِمْ وَفَضْلِي الَّذِي تَفَضَّلْت بِهِ عَلَيْهِمْ , بِعِبَادَتِهِمْ غَيْرِي وَصَرْفهمْ رَغْبَتهمْ وَرَهْبَتهمْ إلَى مَنْ دُونِي , مِمَّنْ لَا يَمْلِك لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا , وَلَا يَمْلِك مَوْتًا وَلَا حَيَاة وَلَا نُشُورًا .
سَهْل بْن عَسْكَر , قَالَ : أَخْبَرَنَا إسْمَاعِيل بْن عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : ثني عَبْد الصَّمَد أَنَّهُ سَمِعَ وَهْب بْن مُنَبِّه يَقُول : أَصَابَ نَاسًا مِنْ بَنِي إسْرَائِيل بَلَاء وَشِدَّة مِنْ الزَّمَان , فَشَكَوْا مَا أَصَابَهُمْ , وَقَالُوا : يَا لَيْتَنَا قَدْ مِتْنَا فَاسْتَرَحْنَا مِمَّا نَحْنُ فِيهِ ! فَأَوْحَى اللَّه إلَى حزقيل : إنَّ قَوْمك صَاحُوا مِنْ الْبَلَاء , وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ وَدُّوا لَوْ مَاتُوا فَاسْتَرَاحُوا , وَأَيّ رَاحَة لَهُمْ فِي الْمَوْت ! أَيَظُنُّونَ أَنِّي لَا أَقْدِر أَنْ أَبْعَثهُمْ بَعْد الْمَوْت ؟ فَانْطَلِقْ إلَى جَبَّانَة كَذَا وَكَذَا , فَإِنَّ فِيهَا أَرْبَعَة آلَاف - قَالَ وَهْب : وَهُمْ الَّذِينَ قَالَ اللَّه : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَهُمْ أُلُوف حَذَر الْمَوْت } - فَقُمْ فِيهِمْ فَنَادِهِمْ ! وَكَانَتْ عِظَامهمْ قَدْ تَفَرَّقَتْ , فَرَّقَتْهَا الطَّيْر وَالسِّبَاع . فَنَادَاهُمْ حزقيل , فَقَالَ : يَا أَيَّتهَا الْعِظَام إنَّ اللَّه يَأْمُرك أَنْ تَجْتَمِعِي ! فَاجْتَمَعَ عِظَام كُلّ إنْسَان مِنْهُمْ مَعًا . ثُمَّ نَادَى ثَانِيَة حزقيل , فَقَالَ : أَيَّتهَا الْعِظَام , إنَّ اللَّه يَأْمُرك أَنْ تَكْتَسِي اللَّحْم ! فَاكْتَسَتْ اللَّحْم , وَبَعْد اللَّحْم جِلْدًا , فَكَانَتْ أَجْسَادًا . ثُمَّ نَادَى حزقيل الثَّالِثَة فَقَالَ : أَيَّتهَا الْأَرْوَاح إنَّ اللَّه يَأْمُرك أَنْ تَعُودِي إلَى أَجْسَادك , فَقَامُوا بِإِذْنِ اللَّه , وَكَبِّرُوا تَكْبِيرَة وَاحِدَة . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قُلْ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَهُمْ أُلُوف } يَقُول : عَدَد كَثِير خَرَجُوا فِرَارًا مِنْ الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه , فَأَمَاتَهُمْ اللَّه , ثُمَّ أَحْيَاهُمْ , وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُجَاهِدُوا عَدُوّهُمْ ; فَذَلِكَ قَوْله : { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه سَمِيع عَلِيم } 4364 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ أَشْعَث بْن أَسْلَم الْبَصْرِيّ , قَالَ : بَيْنَمَا عُمَر يُصَلِّي وَيَهُودِيَّانِ خَلْفه - وَكَانَ عُمَر إذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَع خَوَّى - فَقَالَ أَحَدهمْ لِصَاحِبِهِ : أَهُوَ هُوَ ؟ فَلَمَّا انْفَتَلَ عُمَر قَالَ : رَأَيْت قَوْل أَحَدكُمَا لِصَاحِبِهِ أَهُوَ هُوَ ! فَقَالَا : إنَّا نَجِد فِي كِتَابنَا قَرْنًا مِنْ حَدِيد يُعْطَى مَا يُعْطَى حزقيل الَّذِي أَحْيَا الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّه . فَقَالَ عُمَر : مَا نَجِد فِي كِتَاب اللَّه حزقيل , وَلَا أَحْيَا الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّه إلَّا عِيسَى . فَقَالَا : أَمَا تَجِد فِي كِتَاب { وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْك } 4 164 فَقَالَ عُمَر : بَلَى . قَالَا : وَأَمَّا إحْيَاء الْمَوْتَى فَسَنُحَدِّثُك أَنَّ بَنِي إسْرَائِيل وَقَعَ عَلَيْهِمْ الْوَبَاء , فَخَرَجَ مِنْهُمْ قَوْم , حَتَّى إذَا كَانُوا عَلَى رَأْس مِيل أَمَاتَهُمْ اللَّه , فَبَنَوْا عَلَيْهِمْ حَائِطًا , حَتَّى إذَا بَلِيَتْ عِظَامهمْ بَعَثَ اللَّه حزقيل , فَقَامَ عَلَيْهِمْ وَمَا شَاءَ اللَّه , فَبَعَثَهُمْ اللَّه لَهُ , فَأَنْزَلَ اللَّه فِي ذَلِكَ : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَهُمْ أُلُوف } الْآيَة . * حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ الْحَجَّاج بْن أَرْطَأَة , قَالَ : كَانُوا أَرْبَعَة آلَاف . 4366 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَهُمْ أُلُوف } إلَى قَوْله : { ثُمَّ أَحْيَاهُمْ } قَالَ : كَانَتْ قَرْيَة يُقَال لَهَا دَاوَرْدَان قَبْل وَاسِط , وَقَعَ بِهَا الطَّاعُون , فَهَرَبَ عَامَّة أَهْلهَا , فَنَزَلُوا نَاحِيَة مِنْهَا , فَهَلَكَ مَنْ بَقِيَ فِي الْقَرْيَة وَسَلَّمَ الْآخَرُونَ , فَلَمْ يَمُتْ مِنْهُمْ كَبِير . فَلَمَّا ارْتَفَعَ الطَّاعُون رَجَعُوا سَالِمِينَ , فَقَالَ الَّذِينَ بَقُوا : أَصْحَابنَا هَؤُلَاءِ كَانُوا أَحْزَم مِنَّا , لَوْ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعُوا بَقِينَا , وَلَئِنْ وَقَعَ الطَّاعُون ثَانِيَة لَنَخْرُجَنَّ مَعَهُمْ ! فَوَقَعَ فِي قَابِل فَهَرَبُوا , وَهُمْ بِضْعَة وَثَلَاثُونَ أَلْفًا , حَتَّى نَزَلُوا ذَلِكَ الْمَكَان , وَهُوَ وَادِ أُفَيْح , فَنَادَاهُمْ مَلَك مِنْ أَسْفَل الْوَادِي , وَآخَر مِنْ أَعْلَاهُ : أَنْ مُوتُوا ! فَمَاتُوا , حَتَّى إذَا هَلَكُوا وَبَلِيَتْ أَجْسَادهمْ , مَرَّ بِهِمْ نَبِيّ يُقَال لَهُ حزقيل ; فَلَمَّا رَآهُمْ وَقَفَ عَلَيْهِمْ , فَجَعَلَ يَتَفَكَّر فِيهِمْ , وَيَلْوِي شِدْقَيْهِ وَأَصَابِعه , فَأَوْحَى اللَّه إلَيْهِ : يَا حزقيل , أَتُرِيدُ أَنْ أُرِيك فِيهِمْ كَيْفَ أُحْيِيهِمْ ؟ - قَالَ : وَإِنَّمَا كَانَ تَفَكُّره أَنَّهُ تَعَجَّبَ مِنْ قُدْرَة اللَّه عَلَيْهِمْ - فَقَالَ : نَعَمْ . فَقِيلَ لَهُ : نَادِ فَنَادَى : يَا أَيَّتهَا الْعِظَام إنَّ اللَّه يَأْمُرك أَنْ تَجْتَمِعِي ! فَجَعَلَتْ تَطِير الْعِظَام بَعْضهَا إلَى بَعْض حَتَّى كَانَتْ أَجْسَادًا مِنْ عِظَام . ثُمَّ أَوْحَى اللَّه إلَيْهِ أَنْ نَادِ يَا أَيَّتهَا الْعِظَام , إنَّ اللَّه يَأْمُرك أَنْ تَكْتَسِي لَحْمًا ! فَاكْتَسَتْ لَحْمًا وَدَمًا وَثِيَابهَا الَّتِي مَاتَتْ فِيهَا وَهِيَ عَلَيْهَا . ثُمَّ قِيلَ لَهُ : نَادِ ! فَنَادَى يَا أَيَّتهَا الْأَجْسَاد إنَّ اللَّه يَأْمُرك أَنْ تَقُومِي , فَقَامُوا . 4367 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , فَزَعَمَ مَنْصُور بْن الْمُعْتَمِر , عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُمْ قَالُوا حِين أُحْيُوا : سُبْحَانك رَبّنَا وَبِحَمْدِك , لَا إلَه إلَّا أَنْتَ ! فَرَجَعُوا إلَى قَوْمهمْ أَحْيَاء , يَعْرِفُونَ أَنَّهُمْ كَانُوا مَوْتَى , سَحْنَة الْمَوْت عَلَى وُجُوههمْ , لَا يَلْبَسُونَ ثَوْبًا إلَّا عَادَ كَفَنًا دَسْمًا مِثْل الْكَفَن حَتَّى مَاتُوا لِآجَالِهِمْ الَّتِي كُتِبَتْ لَهُمْ . 4368 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْسَجَة , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَهُمْ أُلُوف } قَالَ : كَانُوا ثَلَاثَة آلَاف أَوْ أَكْثَر . 4369 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : كَانُوا أَرْبَعِينَ أَلْفًا أَوْ ثَمَانِيَة آلَاف حَظَّرَ عَلَيْهِمْ حَظَائِر , وَقَدْ أَرْوَحَتْ أَجْسَادهمْ وَأَنْتَنُوا , فَإِنَّهَا لَتُوجَد الْيَوْم فِي ذَلِكَ السَّبْط مِنْ الْيَهُود تِلْكَ الرِّيح , وَهُمْ أُلُوف فِرَارًا مِنْ الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه , فَأَمَاتَهُمْ اللَّه , ثُمَّ أَحْيَاهُمْ , فَأَمَرَهُمْ بِالْجِهَادِ , فَذَلِكَ قَوْله : { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه } الْآيَة . 4370 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إسْحَاق , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه : أَنَّ كَالِب بْن يوقنا لَمَّا قَبَضَهُ اللَّه بَعْد يُوشَع , خَلَّفَ فِيهِمْ - يَعْنِي فِي بَنِي إسْرَائِيل - حزقيل بْن بوزي , وَهُوَ ابْن الْعَجُوز . وَإِنَّمَا سُمِّيَ ابْن الْعَجُوز , أَنَّهَا سَأَلَتْ اللَّه الْوَلَد وَقَدْ كَبِرَتْ وَعَقِمَتْ , فَوَهَبَهُ اللَّه لَهَا , فَلِذَلِكَ قِيلَ لَهُ ابْن الْعَجُوز . وَهُوَ الَّذِي دَعَا لِلْقَوْمِ الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّه فِي الْكِتَاب لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا بَلَّغَنَا : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَهُمْ أُلُوف حَذَر الْمَوْت فَقَالَ لَهُمْ اللَّه مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إنَّ اللَّه لَذُو فَضْل عَلَى النَّاس وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس لَا يَشْكُرُونَ } 4371 - حَدَّثَنِي ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن إسْحَاق , قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ مِنْ حَدِيثهمْ أَنَّهُمْ خَرَجُوا فِرَارًا مِنْ بَعْض الْأَوْبَاء مِنْ الطَّاعُون - أَوْ مِنْ سَقَم كَانَ يُصِيب النَّاس - حَذَرًا مِنْ الْمَوْت , وَهُمْ أُلُوف . حَتَّى إذَا نَزَلُوا بِصَعِيدٍ مِنْ الْبِلَاد , قَالَ لَهُمْ اللَّه : مُوتُوا ! فَمَاتُوا جَمِيعًا , فَعَمَدَ أَهْل تِلْكَ الْبِلَاد فَحَظَرُوا عَلَيْهِمْ حَظِيرَة دُون السِّبَاع , ثُمَّ تَرَكُوهُمْ فِيهَا , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَثُرُوا عَنْ أَنْ يَغِيبُوا . فَمَرَّتْ بِهِمْ الْأَزْمَان وَالدُّهُور , حَتَّى صَارُوا عِظَامًا نَخِرَة . فَمَرَّ بِهِمْ حزقيل بْن بوزي , فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ , فَتَعَجَّبَ لِأَمْرِهِمْ , وَدَخَلَهُ رَحْمَة لَهُمْ , فَقِيلَ لَهُ : أَتُحِبُّ أَنْ يُحْيِيهِمْ اللَّه ؟ فَقَالَ : نَعَمْ . فَقِيلَ لَهُ : نَادِهِمْ ! فَقَالَ : أَيّهَا الْعِظَام الرَّمِيم الَّتِي قَدْ رَمَّتْ وَبَلِيَتْ , لِيَرْجِع كُلّ عَظْم إلَى صَاحِبه ! فَنَادَاهُمْ بِذَلِكَ , فَنَظَرَ إلَى الْعِظَام تَوَاثَبَ يَأْخُذ بَعْضهَا بَعْضًا . ثُمَّ قِيلَ لَهُ : قُلْ أَيّهَا اللَّحْم وَالْعَصَب وَالْجِلْد اُكْسُ الْعِظَام بِإِذْنِ رَبّك ! قَالَ : فَنَظَرَ إلَيْهَا وَالْعَصَب يَأْخُذ الْعِظَام ثُمَّ اللَّحْم وَالْجِلْد وَالْأَشْعَار , حَتَّى اسْتَوَوْا خَلْقًا لَيْسَتْ فِيهِمْ الْأَرْوَاح , ثُمَّ دَعَا لَهُمْ بِالْحَيَاةِ , فَتَغَشَّاهُمْ مِنْ السَّمَاء كُدْيَة حَتَّى غَشِيَ عَلَيْهِ مِنْهُ . ثُمَّ أَفَاقَ وَالْقَوْم جُلُوس يَقُولُونَ : سُبْحَان اللَّه , سُبْحَان اللَّه ! قَدْ أَحْيَاهُمْ اللَّه . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى قَوْله { وَهُمْ أُلُوف } وَهُمْ مُؤْتَلِفُونَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4372 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْل اللَّه : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَهُمْ أُلُوف حَذَر الْمَوْت فَقَالَ لَهُمْ اللَّه مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ } قَالَ : قَرْيَة كَانَتْ نَزَلَ بِهَا الطَّاعُون , فَخَرَجَتْ طَائِفَة مِنْهُمْ وَأَقَامَتْ طَائِفَة . فَأَلَحَّ الطَّاعُون بِالطَّائِفَةِ الَّتِي أَقَامَتْ , وَاَلَّتِي خَرَجَتْ لَمْ يُصِبْهَا شَيْء . ثُمَّ ارْتَفَعَ , ثُمَّ نَزَلَ الْعَام الْقَابِل , فَخَرَجَتْ طَائِفَة أَكْثَر مِنْ الَّتِي خَرَجَتْ أَوَّلًا . فَاسْتَحَرَّ الطَّاعُون بِالطَّائِفَةِ الَّتِي أَقَامَتْ . فَلَمَّا كَانَ الْعَام الثَّالِث نَزَلَ , فَخَرَجُوا بِأَجْمَعِهِمْ وَتَرَكُوا دِيَارهمْ , فَقَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَهُمْ أُلُوف } لَيْسَتْ الْفُرْقَة أَخَرَجَتْهُمْ كَمَا يَخْرُج لِلْحَرْبِ وَالْقِتَال . قُلُوبهمْ مُؤْتَلِفَة , إنَّمَا خَرَجُوا فِرَارًا , فَلَمَّا كَانُوا حَيْثُ ذَهَبُوا يَبْتَغُونَ الْحَيَاة , قَالَ لَهُمْ اللَّه : مُوتُوا ! فِي الْمَكَان الَّذِي ذَهَبُوا إلَيْهِ يَبْتَغُونَ فِيهِ الْحَيَاة , فَمَاتُوا . ثُمَّ أَحْيَاهُمْ اللَّه ; { إنَّ اللَّه لَذُو فَضْل عَلَى النَّاس وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس لَا يَشْكُرُونَ } قَالَ : وَمَرَّ بِهَا رَجُل وَهِيَ عِظَام تَلُوح , فَوَقَفَ يَنْظُر , فَقَالَ : { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا فَأَمَاتَهُ اللَّه مِائَة عَام } ذِكْر الْأَخْبَار عَمَّنْ قَالَ : كَانَ خُرُوج هَؤُلَاءِ الْقَوْم مِنْ دِيَارهمْ فِرَارًا مِنْ الطَّاعُون : 4373 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ الْأَشْعَث , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : 34 { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَهُمْ أُلُوف حَذَر الْمَوْت } قَالَ . خَرَجُوا فِرَارًا مِنْ الطَّاعُون , فَأَمَاتَهُمْ قَبْل آجَالهمْ , ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إلَى آجَالهمْ . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : 34 { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَهُمْ أُلُوف حَذَر الْمَوْت } قَالَ : فَرُّوا مِنْ الطَّاعُون , فَقَالَ لَهُمْ اللَّه : مُوتُوا ! ثُمَّ أَحْيَاهُمْ لِيُكْمِلُوا بَقِيَّة آجَالهمْ . 4374 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَهُمْ أُلُوف حَذَر الْمَوْت } قَالَ : وَقَعَ الطَّاعُون فِي قَرْيَتهمْ , فَخَرَجَ أُنَاس وَبَقِيَ أُنَاس . فَهَلَكَ الَّذِينَ بَقُوا فِي الْقَرْيَة وَبَقِيَ الْآخَرُونَ . ثُمَّ وَقَعَ الطَّاعُون فِي قَرْيَتهمْ الثَّانِيَة , فَخَرَجَ أَنَاس , وَبَقِيَ أُنَاس وَمَنْ خَرَجَ أَكْثَر مِمَّنْ بَقِيَ , فَنَجَّى اللَّه الَّذِينَ خَرَجُوا , وَهَلَكَ الَّذِينَ بَقُوا . فَلَمَّا كَانَتْ الثَّالِثَة خَرَجُوا بِأَجْمَعِهِمْ إلَّا قَلِيلًا , فَأَمَاتَهُمْ اللَّه وَدَوَابّهمْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ فَرَجَعُوا إلَى بِلَادهمْ وَكَثُرُوا بِهَا , حَتَّى يَقُول بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : مَنْ أَنْتُمْ ؟ * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , قَالَ : سَمِعْت عَمْرو بْن دِينَار يَقُول : وَقَعَ الطَّاعُون فِي قَرْيَتهمْ , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو حَدِيث مُحَمَّد بْن عَمْرو , عَنْ أَبِي عَاصِم . 4375 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا سُوَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَهُمْ أُلُوف } الْآيَة . مَقَتَهُمْ اللَّه عَلَى فِرَارهمْ مِنْ الْمَوْت , فَأَمَاتَهُمْ اللَّه عُقُوبَة ثُمَّ بَعَثَهُمْ إلَى بَقِيَّة آجَالَهُمْ لِيَسْتَوْفُوهَا , وَلَوْ كَانَتْ آجَال الْقَوْم جَاءَتْ مَا بُعِثُوا بَعْد مَوْتهمْ . 4376 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ حُصَيْن , عَنْ هِلَال بْن يَسَاف فِي قَوْله تَعَالَى : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ خَرَجُوا } الْآيَة . قَالَ : كَانَ هَؤُلَاءِ الْقَوْم مِنْ بَنِي إسْرَائِيل إذَا وَقَعَ فِيهِمْ الطَّاعُون خَرَجَ أَغْنِيَاؤُهُمْ وَأَشْرَافهمْ وَأَقَامَ فُقَرَاؤُهُمْ وَسَفَلَتهمْ . قَالَ : فَاسْتَحَرَّ الْمَوْت عَلَى الْمُقِيمِينَ مِنْهُمْ , وَنَجَا مَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ , فَقَالَ الَّذِينَ خَرَجُوا : لَوْ أَقَمْنَا كَمَا أَقَامَ هَؤُلَاءِ لَهَلَكْنَا كَمَا هَلَكُوا ! وَقَالَ الْمُقِيمُونَ : لَوْ ظَعَنَّا كَمَا ظَعَنَ هَؤُلَاءِ لَنَجَوْنَا كَمَا نَجَوْا ! فَظَعَنُوا جَمِيعًا فِي عَام وَاحِد , أَغْنِيَاؤُهُمْ وَأَشْرَافهمْ وَفُقَرَاؤُهُمْ وَسَفَلَتهمْ , فَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ الْمَوْت , فَصَارُوا عِظَامًا تَبْرُق . قَالَ : فَجَاءَهُمْ أَهْل الْقُرَى فَجَمَعُوهُمْ فِي مَكَان وَاحِد , فَمَرَّ بِهِمْ نَبِيّ , فَقَالَ : يَا رَبّ لَوْ شِئْت أَحْيَيْت هَؤُلَاءِ فَعَمَّرُوا بِلَادك وَعَبَدُوك ! قَالَ : أَوَ أَحَبّ إلَيْك أَنْ أَفَعَلَ ؟ قَالَ نَعَمْ . قَالَ : فَقُلْ كَذَا وَكَذَا ! فَتَكَلَّمَ بِهِ , فَنَظَرَ إلَى الْعِظَام , وَإِنَّ الْعَظْم لَيَخْرُج مِنْ عِنْد الْعَظْم الَّذِي لَيْسَ مِنْهُ إلَى الْعَظْم الَّذِي هُوَ مِنْهُ . ثُمَّ تَكَلَّمَ بِمَا أَمَرَ , فَإِذَا الْعِظَام تُكْسَى لَحْمًا . ثُمَّ أَمَرَ بِأَمْرٍ فَتَكَلَّمَ بِهِ , فَإِذَا هُمْ قُعُود يُسَبِّحُونَ وَيُكَبِّرُونَ , ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ : { قَاتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه سَمِيع عَلِيم } * حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي سَعِيد بْن أَبِي أَيُّوب . عَنْ حَمَّاد بْن عُثْمَان , عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ قَالَ فِي الَّذِينَ أَمَاتَهُمْ اللَّه ثُمَّ أَحْيَاهُمْ , قَالَ : هُمْ قَوْم فَرُّوا مِنْ الطَّاعُون , فَأَمَاتَهُمْ اللَّه عُقُوبَة وَمَقْتًا , ثُمَّ أَحْيَاهُمْ لِآجَالِهِمْ . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَهُمْ أُلُوف } بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى بِالْأُلُوفِ . كَثْرَة الْعَدَد , دُون قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى بِهِ الِائْتِلَاف , بِمَعْنَى ائْتِلَاف قُلُوبهمْ , وَأَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ مِنْ غَيْر افْتِرَاق كَانَ مِنْهُمْ وَلَا تَبَاغُض , وَلَكِنْ فِرَارًا , إمَّا مِنْ الْجِهَاد , وَإِمَّا مِنْ الطَّاعُون . لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة عَلَى أَنَّ ذَلِكَ تَأْوِيل الْآيَة , وَلَا يُعَارِض بِالْقَوْلِ الشَّاذّ مَا اسْتَفَاضَ بِهِ الْقَوْل مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي مَبْلَغ عَدَد الْقَوْم الَّذِينَ وَصَفَ اللَّه خُرُوجهمْ مِنْ دِيَارهمْ بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ حَدَّ عَدَدهمْ بِزِيَادَةِ عَنْ عَشْرَة آلَاف دُون مَنْ حَدَّهُ بِأَرْبَعَةِ آلَاف وَثَلَاثَة آلَاف وَثَمَانِيَة آلَاف . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا أُلُوفًا , وَمَا دُون الْعَشَرَة آلَاف لَا يُقَال لَهُمْ أُلُوف , وَإِنَّمَا يُقَال : هُمْ آلَاف إذَا كَانُوا ثَلَاثَة آلَاف فَصَاعِدًا إلَى الْعَشَرَة آلَاف , وَغَيْر جَائِز أَنْ يُقَال : هُمْ خَمْسَة أُلُوف , أَوْ عَشَرَة أُلُوف . وَإِنَّمَا جُمِعَ قَلِيله عَلَى أَفْعَال , وَلَمْ يُجْمَع عَلَى أَفْعَل مِثْل سَائِر الْجَمْع الْقَلِيل الَّذِي يَكُون ثَانِي مُفْرَده سَاكِنًا لِلْأَلِفِ الَّتِي فِي أَوَّله , وَشَأْن الْعَرَب فِي كُلّ حَرْف كَانَ أَوَّله يَاء أَوْ وَاوًا أَوْ أَلِفًا اخْتِيَار جَمْع قَلِيله عَلَى أَفْعَال , كَمَا جَمَعُوا الْوَقْت أَوْقَاتًا , وَالْيَوْم أَيَّامًا , وَالْيُسْر أَيْسَارًا ; لِلْوَاوِ وَالْيَاء اللَّتَيْنِ فِي أَوَّل ذَلِكَ , وَقَدْ يُجْمَع ذَلِكَ أَحْيَانًا عَلَى " أَفْعَل " , إلَّا أَنَّ الْفَصِيح مِنْ كَلَامهمْ مَا ذَكَرْنَا , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : كَانُوا ثَلَاثَة آلُف وَكَتِيبَة أَلْفَيْنِ أَعْجَم مِنْ بَنِي الْفِدَام وَأَمَّا قَوْله : { حَذَر الْمَوْت } فَإِنَّهُ يَعْنِي : أَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنْ حَذَر الْمَوْت فِرَارًا مِنْهُ . كَمَا : 4377 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { حَذَر الْمَوْت } فِرَارًا مِنْ عَدُوّهُمْ , حَتَّى ذَاقُوا الْمَوْت الَّذِي فَرُّوا مِنْهُ , فَأَمَرَهُمْ فَرَجَعُوا وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه . وَهُمْ الَّذِينَ قَالُوا لِنَبِيِّهِمْ : { ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه } 2 246 وَإِنَّمَا حَثَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عِبَاده بِهَذِهِ الْآيَة عَلَى الْمُوَاظَبَة عَلَى الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه وَالصَّبْر عَلَى قِتَال أَعْدَاء دِينه , وَشَجَّعَهُمْ بِإِعْلَامِهِ إيَّاهُمْ وَتَذْكِيره لَهُمْ أَنَّ الْإِمَاتَة وَالْإِحْيَاء بِيَدَيْهِ وَإِلَيْهِ دُون خَلْقه , وَأَنَّ الْفِرَار مِنْ الْقِتَال وَالْهَرَب مِنْ الْجِهَاد وَلِقَاء الْأَعْدَاء إلَى التَّحَصُّن فِي الْحُصُون وَالِاخْتِبَاء فِي الْمَنَازِل وَالدُّور غَيْر مُنَجٍّ أَحَدًا مِنْ قَضَائِهِ إذَا حَلَّ بِسَاحَتِهِ , وَلَا دَافِع عَنْهُ أَسْبَاب مَنِيَّته إذَا نَزَلَ بِعُقُوبَتِهِ , كَمَا لَمْ يَنْفَع الْهَارِبِينَ مِنْ الطَّاعُون الَّذِينَ وَصَفَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره صِفَتهمْ فِي قَوْله : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَهُمْ أُلُوف حَذَر الْمَوْت } فِرَارهمْ مِنْ أَوْطَانهمْ , وَانْتِقَالهمْ مِنْ مَنَازِلهمْ إلَى الْمَوْضِع الَّذِي أُمْلُوا بِالْمَصِيرِ إلَيْهِ السَّلَامَة , وَبِالْمَوْئِلِ النَّجَاة مِنْ الْمَنِيَّة , حَتَّى أَتَاهُمْ أَمْر اللَّه , فَتَرَكَهُمْ جَمِيعًا خُمُودًا صَرْعَى وَفِي الْأَرْض هَلْكَى , وَنَجَا مِمَّا حَلَّ بِهِمْ الَّذِينَ بَاشَرُوا كَرْب الْوَبَاء وَخَالَطُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَظِيم الْبَلَاء .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إنَّ اللَّه لَذُو فَضْل عَلَى النَّاس وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس لَا يَشْكُرُونَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : إنَّ اللَّه لِذُو فَضْل وَمَنّ عَلَى خَلْقه بِتَبْصِيرِهِ إيَّاهُمْ سَبِيل الْهُدَى وَتَحْذِيره لَهُمْ طُرُق الرَّدَى , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ نِعَمه الَّتِي يُنَعِّمهَا عَلَيْهِمْ فِي دُنْيَاهُمْ وَدِينهمْ وَأَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ . كَمَا أَحْيَا الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَهُمْ أُلُوف حَذَر الْمَوْت بَعْد إمَاتَته إيَّاهُمْ وَجَعَلَهُمْ لِخَلْقِهِ مَثَلًا وَعِظَة يَعِظُونَ بِهِمْ عِبْرَة يَعْتَبِرُونَ بِهِمْ . وَلِيَعْلَمُوا أَنَّ الْأُمُور كُلّهَا بِيَدِهِ , فَيَسْتَسْلِمُونَ لِقَضَائِهِ , وَيَصْرِفُونَ الرَّغْبَة كُلّهَا وَالرَّهْبَة إلَيْهِ . ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْره أَنَّ أَكْثَر مَنْ يُنْعِم عَلَيْهِ مِنْ عِبَاده بِنَعَمِهِ الْجَلِيلَة وَيَمُنّ عَلَيْهِ بِمِنَنِهِ
الْجَسِيمَة , يُكَفِّر بِهِ , وَيَصْرِف الرَّغْبَة وَالرَّهْبَة إلَى غَيْره , وَيَتَّخِذ إلَهًا مِنْ دُونه , كُفْرَانًا مِنْهُ لِنَعَمِهِ الَّتِي تُوجِب أَصْغَرهَا عَلَيْهِ مِنْ الشُّكْر مَا يَفْدَحهُ وَمِنْ الْحَمْد مَا يُثَقِّلهُ , فَقَالَ تَعَالَى ذِكْره : { وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس لَا يَشْكُرُونَ } ; يَقُول : لَا يَشْكُرُونَ نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتهَا عَلَيْهِمْ وَفَضْلِي الَّذِي تَفَضَّلْت بِهِ عَلَيْهِمْ , بِعِبَادَتِهِمْ غَيْرِي وَصَرْفهمْ رَغْبَتهمْ وَرَهْبَتهمْ إلَى مَنْ دُونِي , مِمَّنْ لَا يَمْلِك لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا , وَلَا يَمْلِك مَوْتًا وَلَا حَيَاة وَلَا نُشُورًا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه سَمِيع عَلِيم } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : { وَقَاتِلُوا } أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ { فِي سَبِيل اللَّه }
يَعْنِي فِي دِينه الَّذِي هَدَاكُمْ لَهُ , لَا فِي طَاعَة الشَّيْطَان أَعْدَاء دِينكُمْ , الصَّادِّينَ عَنْ سَبِيل رَبّكُمْ , وَلَا تَجْبُنُوا عَنْ لِقَائِهِمْ , وَلَا تَقْعُدُوا عَنْ حَرْبهمْ , فَإِنَّ بِيَدِي حَيَاتكُمْ وَمَوْتكُمْ , وَلَا يَمْنَعْنَ أَحَدكُمْ مِنْ لِقَائِهِمْ وَقِتَالهمْ حَذَر الْمَوْت , وَخَوْف الْمَنِيَّة عَلَى نَفْسه بِقِتَالِهِمْ , فَيَدْعُوهُ ذَلِكَ إلَى التَّعْرِيد عَنْهُمْ , وَالْفِرَار مِنْهُمْ , فَتَذِلُّوا , وَيَأْتِيكُمْ الْمَوْت الَّذِي خِفْتُمُوهُ فِي مَأْمَنكُمْ الَّذِي وَأَلْتُم إلَيْهِ , كَمَا أَتَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ فِرَارًا مِنْ الْمَوْت , الَّذِينَ قَصَصْت عَلَيْكُمْ قِصَّتهمْ , فَلَمْ يُنْجِهِمْ فِرَارهمْ مِنْهُ مِنْ نُزُوله بِهِمْ حِين جَاءَهُمْ أَمْرِي وَحَلَّ بِهِمْ قَضَائِي , وَلَا ضَرَّ الْمُتَخَلِّفِينَ وَرَاءَهُمْ مَا كَانُوا لَمْ يَحْذَرُوهُ إذْ دَافَعَتْ عَنْهُمْ مَنَايَاهُمْ , وَصَرَفَتْهَا عَنْ حَوْبَائِهِمْ , فَقَاتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه مَنْ أَمَرْتُكُمْ بِقِتَالِهِ مِنْ أَعْدَائِي وَأَعْدَاء دِينِي , فَإِنَّ مَنْ حَيِيَ مِنْكُمْ فَأَنَا أُحْيِيه , وَمَنْ قُتِلَ مِنْكُمْ فَبِقَضَائِي كَانَ قَتْله . ثُمَّ قَالَ تَعَالَى ذِكْره لَهُمْ : وَاعْلَمُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنَّ رَبّكُمْ سَمِيع لِقَوْلِ مَنْ يَقُول مِنْ مُنَافِقِيكُمْ لِمَنْ قُتِلَ مِنْكُمْ فِي سَبِيلِي : لَوْ أَطَاعُونَا فَجَلَسُوا فِي مَنَازِلهمْ مَا قُتِلُوا , عَلِيم بِمَا تُخْفِيه صُدُورهمْ مِنْ النِّفَاق وَالْكُفْر وَقِلَّة الشُّكْر لِنِعْمَتِي عَلَيْهِمْ وَآلَائِي لَدَيْهِمْ فِي أَنْفُسهمْ وَأَهْلِيهِمْ وَلِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورهمْ وَأُمُور عِبَادِي . يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ : فَاشْكُرُونِي أَنْتُمْ بِطَاعَتِي فِيمَا أَمَرْتُكُمْ مِنْ جِهَاد عَدُوّكُمْ فِي سَبِيلِي , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَمْرِي وَنَهْيِي , إذْ كَفَرَ هَؤُلَاءِ نِعَمِي , وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه سَمِيع لِقَوْلِهِمْ وَعَلِيم بِهِمْ وَبِغَيْرِهِمْ وَبِمَا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنْ الْإِيمَان وَالْكُفْر وَالطَّاعَة وَالْمَعْصِيَة مُحِيط بِذَلِكَ كُلّه , حَتَّى أُجَازِي كُلًّا بِعَمَلِهِ , إنْ خَيْرًا فَخَيْرًا وَإِنْ شَرًّا فَشَرًّا . وَلَا وَجْه لِقَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ قَوْله : { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه } أَمْر مِنْ اللَّه الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَهُمْ أُلُوف بِالْقِتَالِ بَعْد مَا أَحْيَاهُمْ ; لِأَنَّ قَوْله : { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه } لَا يَخْلُو إنْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا تَأَوَّلُوهُ مِنْ أَحَد أُمُور ثَلَاثَة : إمَّا أَنْ يَكُون عَطْفًا عَلَى قَوْله : { فَقَالَ لَهُمْ اللَّه مُوتُوا } وَذَلِكَ مِنْ الْمُحَال أَنْ يُمِيتهُمْ وَيَأْمُرهُمْ وَهُمْ مَوْتَى بِالْقِتَالِ فِي سَبِيله . أَوْ يَكُون عَطْفًا عَلَى قَوْله : { ثُمَّ أَحْيَاهُمْ } وَذَلِكَ أَيْضًا مِمَّا لَا مَعْنَى لَهُ , لِأَنَّ قَوْله : { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه } أَمْر مِنْ اللَّه بِالْقِتَالِ , وَقَوْله : { ثُمَّ أَحْيَاهُمْ } خَبَر عَنْ فِعْل قَدْ مَضَى . وَغَيْر فَصِيح الْعَطْف بِخَبَرٍ مُسْتَقْبَل عَلَى خَبَر مَاضٍ لَوْ كَانَا جَمِيعًا خَبَرَيْنِ لِاخْتِلَافِ مَعْنَيَيْهِمَا , فَكَيْفَ عُطِفَ الْأَمْر عَلَى خَبَر مَاضٍ ؟ أَوْ يَكُون مَعْنَاهُ : ثُمَّ أَحْيَاهُمْ , وَقَالَ لَهُمْ : قَاتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه , ثُمَّ أُسْقِطَ الْقَوْل , كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْره : { وَلَوْ تَرَى إذْ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسهمْ عِنْد رَبّهمْ رَبّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا } 32 12 بِمَعْنَى : يَقُولُونَ : رَبّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا . وَذَلِكَ أَيْضًا إنَّمَا يَجُوز فِي الْمَوْضِع الَّذِي يَدُلّ ظَاهِر الْكَلَام عَلَى حَاجَته إلَيْهِ وَيَفْهَم السَّامِع أَنَّهُ مُرَاد بِهِ الْكَلَام وَإِنْ لَمْ يُذْكَر , فَأَمَّا فِي الْأَمَاكِن الَّتِي لَا دَلَالَة عَلَى حَاجَة الْكَلَام إلَيْهِ , فَلَا وَجْه لِدَعْوَى مُدَّعٍ أَنَّهُ مُرَاد فِيهَا .
يَعْنِي فِي دِينه الَّذِي هَدَاكُمْ لَهُ , لَا فِي طَاعَة الشَّيْطَان أَعْدَاء دِينكُمْ , الصَّادِّينَ عَنْ سَبِيل رَبّكُمْ , وَلَا تَجْبُنُوا عَنْ لِقَائِهِمْ , وَلَا تَقْعُدُوا عَنْ حَرْبهمْ , فَإِنَّ بِيَدِي حَيَاتكُمْ وَمَوْتكُمْ , وَلَا يَمْنَعْنَ أَحَدكُمْ مِنْ لِقَائِهِمْ وَقِتَالهمْ حَذَر الْمَوْت , وَخَوْف الْمَنِيَّة عَلَى نَفْسه بِقِتَالِهِمْ , فَيَدْعُوهُ ذَلِكَ إلَى التَّعْرِيد عَنْهُمْ , وَالْفِرَار مِنْهُمْ , فَتَذِلُّوا , وَيَأْتِيكُمْ الْمَوْت الَّذِي خِفْتُمُوهُ فِي مَأْمَنكُمْ الَّذِي وَأَلْتُم إلَيْهِ , كَمَا أَتَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ فِرَارًا مِنْ الْمَوْت , الَّذِينَ قَصَصْت عَلَيْكُمْ قِصَّتهمْ , فَلَمْ يُنْجِهِمْ فِرَارهمْ مِنْهُ مِنْ نُزُوله بِهِمْ حِين جَاءَهُمْ أَمْرِي وَحَلَّ بِهِمْ قَضَائِي , وَلَا ضَرَّ الْمُتَخَلِّفِينَ وَرَاءَهُمْ مَا كَانُوا لَمْ يَحْذَرُوهُ إذْ دَافَعَتْ عَنْهُمْ مَنَايَاهُمْ , وَصَرَفَتْهَا عَنْ حَوْبَائِهِمْ , فَقَاتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه مَنْ أَمَرْتُكُمْ بِقِتَالِهِ مِنْ أَعْدَائِي وَأَعْدَاء دِينِي , فَإِنَّ مَنْ حَيِيَ مِنْكُمْ فَأَنَا أُحْيِيه , وَمَنْ قُتِلَ مِنْكُمْ فَبِقَضَائِي كَانَ قَتْله . ثُمَّ قَالَ تَعَالَى ذِكْره لَهُمْ : وَاعْلَمُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنَّ رَبّكُمْ سَمِيع لِقَوْلِ مَنْ يَقُول مِنْ مُنَافِقِيكُمْ لِمَنْ قُتِلَ مِنْكُمْ فِي سَبِيلِي : لَوْ أَطَاعُونَا فَجَلَسُوا فِي مَنَازِلهمْ مَا قُتِلُوا , عَلِيم بِمَا تُخْفِيه صُدُورهمْ مِنْ النِّفَاق وَالْكُفْر وَقِلَّة الشُّكْر لِنِعْمَتِي عَلَيْهِمْ وَآلَائِي لَدَيْهِمْ فِي أَنْفُسهمْ وَأَهْلِيهِمْ وَلِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورهمْ وَأُمُور عِبَادِي . يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ : فَاشْكُرُونِي أَنْتُمْ بِطَاعَتِي فِيمَا أَمَرْتُكُمْ مِنْ جِهَاد عَدُوّكُمْ فِي سَبِيلِي , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَمْرِي وَنَهْيِي , إذْ كَفَرَ هَؤُلَاءِ نِعَمِي , وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه سَمِيع لِقَوْلِهِمْ وَعَلِيم بِهِمْ وَبِغَيْرِهِمْ وَبِمَا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنْ الْإِيمَان وَالْكُفْر وَالطَّاعَة وَالْمَعْصِيَة مُحِيط بِذَلِكَ كُلّه , حَتَّى أُجَازِي كُلًّا بِعَمَلِهِ , إنْ خَيْرًا فَخَيْرًا وَإِنْ شَرًّا فَشَرًّا . وَلَا وَجْه لِقَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ قَوْله : { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه } أَمْر مِنْ اللَّه الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَهُمْ أُلُوف بِالْقِتَالِ بَعْد مَا أَحْيَاهُمْ ; لِأَنَّ قَوْله : { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه } لَا يَخْلُو إنْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا تَأَوَّلُوهُ مِنْ أَحَد أُمُور ثَلَاثَة : إمَّا أَنْ يَكُون عَطْفًا عَلَى قَوْله : { فَقَالَ لَهُمْ اللَّه مُوتُوا } وَذَلِكَ مِنْ الْمُحَال أَنْ يُمِيتهُمْ وَيَأْمُرهُمْ وَهُمْ مَوْتَى بِالْقِتَالِ فِي سَبِيله . أَوْ يَكُون عَطْفًا عَلَى قَوْله : { ثُمَّ أَحْيَاهُمْ } وَذَلِكَ أَيْضًا مِمَّا لَا مَعْنَى لَهُ , لِأَنَّ قَوْله : { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه } أَمْر مِنْ اللَّه بِالْقِتَالِ , وَقَوْله : { ثُمَّ أَحْيَاهُمْ } خَبَر عَنْ فِعْل قَدْ مَضَى . وَغَيْر فَصِيح الْعَطْف بِخَبَرٍ مُسْتَقْبَل عَلَى خَبَر مَاضٍ لَوْ كَانَا جَمِيعًا خَبَرَيْنِ لِاخْتِلَافِ مَعْنَيَيْهِمَا , فَكَيْفَ عُطِفَ الْأَمْر عَلَى خَبَر مَاضٍ ؟ أَوْ يَكُون مَعْنَاهُ : ثُمَّ أَحْيَاهُمْ , وَقَالَ لَهُمْ : قَاتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه , ثُمَّ أُسْقِطَ الْقَوْل , كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْره : { وَلَوْ تَرَى إذْ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسهمْ عِنْد رَبّهمْ رَبّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا } 32 12 بِمَعْنَى : يَقُولُونَ : رَبّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا . وَذَلِكَ أَيْضًا إنَّمَا يَجُوز فِي الْمَوْضِع الَّذِي يَدُلّ ظَاهِر الْكَلَام عَلَى حَاجَته إلَيْهِ وَيَفْهَم السَّامِع أَنَّهُ مُرَاد بِهِ الْكَلَام وَإِنْ لَمْ يُذْكَر , فَأَمَّا فِي الْأَمَاكِن الَّتِي لَا دَلَالَة عَلَى حَاجَة الْكَلَام إلَيْهِ , فَلَا وَجْه لِدَعْوَى مُدَّعٍ أَنَّهُ مُرَاد فِيهَا .
مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِض اللَّه قَرْضًا حَسَنًا } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : مَنْ هَذَا الَّذِي يُنْفِق فِي سَبِيل اللَّه , فَيُعِين مُضْعَفًا , أَوْ يُقَوِّي ذَا فَاقَة أَرَادَ الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه , وَيُعْطِي مِنْهُمْ مُقْتِرًا . وَذَلِكَ هُوَ الْقَرْض الْحَسَن الَّذِي يُقْرِض الْعَبْد رَبّه . وَإِنَّمَا سَمَّاهُ اللَّه تَعَالَى ذِكْره قَرْضًا , لِأَنَّ مَعْنَى الْقَرْض : إعْطَاء الرَّجُل غَيْره مَاله مُمَلَّكًا لَهُ لِيَقْضِيَهُ مِثْله إذَا اقْتَضَاهُ . فَلَمَّا كَانَ إعْطَاء مَنْ أَعْطَى أَهْل الْحَاجَة وَالْفَاقَة فِي سَبِيل اللَّه إنَّمَا يُعْطِيهِمْ مَا يُعْطِيهِمْ مِنْ ذَلِكَ ابْتِغَاء مَا وَعَدَهُ اللَّه عَلَيْهِ مِنْ جَزِيل الثَّوَاب عِنْده يَوْم الْقِيَامَة , سَمَّاهُ قَرْضًا , إذْ كَانَ مَعْنَى الْقَرْض فِي لُغَة الْعَرَب مَا وَصَفْنَا . وَإِنَّمَا جَعَلَهُ تَعَالَى ذِكْره حَسَنًا , لِأَنَّ الْمُعْطِي يُعْطِي ذَلِكَ عَنْ نَدْب اللَّه إيَّاهُ وَحَثّه لَهُ عَلَيْهِ احْتِسَابًا مِنْهُ , فَهُوَ لِلَّهِ طَاعَة وَلِلشَّيَاطِينِ مَعْصِيَة . وَلَيْسَ ذَلِكَ لِحَاجَةٍ بِاَللَّهِ إلَى أَحَد مِنْ خَلْقه , وَلَكِنَّ ذَلِكَ كَقَوْلِ الْعَرَب : " عِنْدِي لَك قَرْض صَدْق وَقَرْض سُوء " : لِلْأَمْرِ يَأْتِي فِيهِ لِلرَّجُلِ مَسَرَّته أَوْ مُسَاءَته , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : كُلّ امْرِئِ سَوْف يُجْزَى قَرْضه حَسَنًا أَوْ سَيِّئًا وَمَدِينًا بِاَلَّذِي دَانَا فَقَرْض الْمَرْء : مَا سَلَفَ مِنْ صَالِح عَمَله أَوْ سَيِّئِهِ . وَهَذِهِ الْآيَة نَظِيرَة الْآيَة الَّتِي قَالَ اللَّه فِيهَا تَعَالَى ذِكْره : { مَثَل الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ فِي سَبِيل اللَّه كَمَثَلِ حَبَّة أَنْبَتَتْ سَبْع سَنَابِل فِي كُلّ سُنْبُلَة مِائَة حَبَّة وَاَللَّه يُضَاعِف لِمَنْ يَشَاء وَاَللَّه وَاسِع عَلِيم } 2 261 وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ كَانَ ابْن زَيْد يَقُول . 4378 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِض اللَّه قَرْضًا حَسَنًا } قَالَ : هَذَا فِي سَبِيل اللَّه , { فَيُضَاعِفهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَة } قَالَ : بِالْوَاحِدِ سَبْعمِائَةِ ضَعْف . 4379 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ زَيْد بْن أَسْلَم , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِض اللَّه قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَة } جَاءَ أَبُو الدَّحْدَاح إلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا نَبِيّ
اللَّه , أَلَا أَرَى رَبّنَا يَسْتَقْرِضنَا مِمَّا أَعْطَانَا لِأَنْفُسِنَا ؟ وَإِنَّ لِي أَرَضِينَ إحْدَاهُمَا بِالْعَالِيَةِ , وَالْأُخْرَى بِالسَّافِلَةِ , وَإِنِّي قَدْ جَعَلْت خَيْرهمَا صَدَقَة ! قَالَ : فَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " كَمْ مِنْ عِذْق مُذَلَّل لِأَبِي الدَّحْدَاح فِي الْجَنَّة " . 4380 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سَمِعَ بِهَذِهِ الْآيَة , قَالَ : أَنَا أُقْرِضَ اللَّه ! فَعَمَدَ إلَى خَيْر حَائِط لَهُ , فَتَصَدَّقَ بِهِ . قَالَ : وَقَالَ قَتَادَة : يَسْتَقْرِضكُمْ رَبّكُمْ كَمَا تَسْمَعُونَ وَهُوَ الْوَلِيّ الْحَمِيد , وَيَسْتَقْرِض عِبَاده . 4381 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مُعَاوِيَة الْأَنْمَاطِيّ النَّيْسَابُورِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا خَلَف بْن خَلِيفَة , عَنْ حُمَيْد الْأَعْرَج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِض اللَّه قَرْضًا حَسَنًا } قَالَ أَبُو الدَّحْدَاح : يَا رَسُول اللَّه , أَوَ إنَّ اللَّه يُرِيد مِنَّا الْقَرْض ؟ قَالَ : " نَعَمْ يَا أَبَا الدَّحْدَاح " . قَالَ : يَدك قَبْل ! فَنَاوَلَهُ يَده . قَالَ : فَإِنِّي قَدْ أَقَرَضْت رَبِّي حَائِطِي حَائِطًا فِيهِ سِتّمِائَةِ نَخْلَة . ثُمَّ جَاءَ يَمْشِي حَتَّى أَتَى الْحَائِط وَأُمّ الدَّحْدَاح فِيهِ فِي عِيَالهَا , فَنَادَاهَا : يَا أُمّ الدَّحْدَاح ! قَالَتْ : لَبَّيْكَ ! قَالَ : اُخْرُجِي قَدْ أَقَرَضْت رَبِّي حَائِطًا فِيهِ سِتّمِائَةِ نَخْلَة .
أَمَّا قَوْله : { فَيُضَاعِفهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَة } فَإِنَّهُ عِدَة مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره مُقْرِضه وَمُنْفِق مَاله فِي سَبِيل اللَّه مِنْ إضْعَاف الْجَزَاء لَهُ عَلَى قَرْضه وَنَفَقَته مَا لَا حَدّ لَهُ وَلَا نِهَايَة . كَمَا : 4382 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِض اللَّه قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَة } قَالَ : هَذَا التَّضْعِيف لَا يَعْلَم أَحَد مَا هُوَ . 4383 - وَقَدْ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ ابْن عُيَيْنَة , عَنْ صَاحِب لَهُ يَذْكُر عَنْ بَعْض الْعُلَمَاء , قَالَ : إنَّ اللَّه أَعْطَاكُمْ الدُّنْيَا قَرْضًا وَسَأَلْكُمُوهَا قَرْضًا , فَإِنْ أَعْطَيْتُمُوهَا طَيِّبَة بِهَا أَنْفُسكُمْ ضَاعَفَ لَكُمْ مَا بَيْن الْحَسَنَة إلَى الْعَشْر إلَى السَّبْعمِائَةِ إلَى أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ , وَإِنْ أَخَذَهَا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ كَارِهُونَ فَصَبَرْتُمْ وَأَحْسَنْتُمْ كَانَتْ لَكُمْ الصَّلَاة وَالرَّحْمَة وَأَوْجَبَ لَكُمْ الْهُدَى . وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : " فَيُضَاعِفهُ " بِالْأَلِفِ وَرَفَعَهُ ; بِمَعْنَى : الَّذِي يُقْرِض اللَّه قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفهُ لَهُ , نَسَقَ " يُضَاعِف " عَلَى قَوْله " يُقْرِض " . وَقَرَأَهُ آخَرُونَ بِذَلِكَ الْمَعْنَى " فَيَضَّعَفَهُ " , غَيْر أَنَّهُمْ قَرَءُوا بِتَشْدِيدِ الْعَيْن وَإِسْقَاط الْأَلِف . وَقَرَأَهُ آخَرُونَ { فَيُضَاعِفهُ لَهُ } بِإِثْبَاتِ الْأَلِف فِي يُضَاعِف وَنَصْبه بِمَعْنَى الِاسْتِفْهَام . فَكَأَنَّهُمْ تَأَوَّلُوا الْكَلَام : مَنْ الْمُقْرِض اللَّه قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفهُ لَهُ ؟ فَجَعَلُوا قَوْله : { فَيُضَاعِفهُ } جَوَابًا لِلِاسْتِفْهَامِ , وَجَعَلُوا : { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِض اللَّه قَرْضًا حَسَنًا } اسْمًا ; لِأَنَّ الَّذِي وَصَلْته بِمَنْزِلَةِ عَمْرو وَزَيْد . فَكَأَنَّهُمْ وَجَّهُوا تَأْوِيل الْكَلَام إلَى قَوْل الْقَائِل : مَنْ أَخُوك فَنُكْرِمهُ ؟ لِأَنَّ الْأَفْصَح فِي جَوَاب الِاسْتِفْهَام بِالْفَاءِ , إذَا لَمْ يَكُنْ قَبْله مَا يَعْطِف بِهِ عَلَيْهِ مِنْ فِعْل مُسْتَقْبَل , نَصَبَهُ . وَأَوْلَى هَذِهِ الْقِرَاءَات عِنْدنَا بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { فَيُضَاعِفهُ لَهُ } بِإِثْبَاتِ الْأَلِف , وَرَفَعَ يُضَاعِف , لِأَنَّ
فِي قَوْله : { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِض اللَّه قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفهُ } مَعْنَى الْجَزَاء , وَالْجَزَاء إذَا دَخَلَ فِي جَوَابه الْفَاء لَمْ يَكُنْ جَوَابه بِالْفَاءِ لَا رَفْعًا ; فَلِذَلِكَ كَانَ الرَّفْع فِي " يُضَاعِفهُ " أَوْلَى بِالصَّوَابِ عِنْدنَا مِنْ النَّصْب . وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْأَلِف فِي " يُضَاعِف " مِنْ حَذْفهَا وَتَشْدِيد الْعَيْن , لِأَنَّ ذَلِكَ أَفْصَح اللُّغَتَيْنِ وَأَكْثَرهمَا عَلَى أَلْسِنَة الْعَرَب .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَللَّه يَقْبِض وَيَبْسُط } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : أَنَّهُ الَّذِي بِيَدِهِ قَبْض أَرْزَاق الْعِبَاد وَبَسْطهَا دُون غَيْره مِمَّنْ ادَّعَى أَهْل الشِّرْك بِهِ أَنَّهُمْ آلِهَة وَاِتَّخَذُوهُ رَبًّا دُونه يَعْبُدُونَهُ . وَذَلِكَ نَظِير الْخَبَر الَّذِي رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي : 4384 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى وَمُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَا :
ثنا حَجَّاج , وَحَدَّثَنِي عَبْد الْمَلِك بْن مُحَمَّد الرَّقَاشِيّ , قَالَ : ثنا حَجَّاج وَأَبُو رَبِيعَة , قَالَا : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ ثَابِت وَحُمَيْد وَقَتَادَة , عَنْ أَنَس , قَالَ : غَلَا السِّعْر عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ : فَقَالُوا يَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَلَا السِّعْر , فَأَسْعِرْ لَنَا ! فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إنَّ اللَّه الْبَاسِط الْقَابِض الرَّازِق , وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّه لَيْسَ أَحَد يَطْلُبنِي بِمَظْلِمَةٍ فِي نَفْس وَمَال " . قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي بِذَلِكَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَّ الْغَلَاء وَالرُّخْص وَالسَّعَة وَالضِّيق بِيَدِ اللَّه دُون غَيْره . فَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى ذِكْره : { وَاَللَّه يَقْبِض وَيَبْسُط } يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { يَقْبِض } يَقْتُر بِقَبْضِهِ الرِّزْق عَمَّنْ يَشَاء مِنْ خَلْقه , وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَيَبْسُط } يُوَسِّع بِبَسْطَةِ الرِّزْق عَلَى مَنْ يَشَاء مِنْهُمْ . وَإِنَّمَا أَرَادَ تَعَالَى ذِكْره بِقَيْلِهِ ذَلِكَ حَثّ عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ قَدْ بَسَطَ عَلَيْهِمْ مِنْ فَضْله , فَوَسَّعَ عَلَيْهِمْ مِنْ رِزْقه عَلَى تَقْوِيَة ذَوِي الْإِقْتَار مِنْهُمْ بِمَالِهِ , وَمَعُونَته بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ , وَحُمُولَته عَلَى النُّهُوض لِقِتَالِ عَدُوّهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فِي سَبِيله , فَقَالَ تَعَالَى ذِكْره : مَنْ يُقَدِّم لِنَفْسِهِ ذُخْرًا عِنْدِي بِإِعْطَائِهِ ضُعَفَاء الْمُؤْمِنِينَ وَأَهْل الْحَاجَة مِنْهُمْ مَا يَسْتَعِين بِهِ عَلَى الْقِتَال فِي سَبِيلِي , فَأُضَاعِف لَهُ مِنْ ثَوَابِي أَضْعَافًا كَثِيرَة مِمَّا أَعْطَاهُ وَقَوَّاهُ بِهِ , فَإِنِّي أَنَا الْمُوَسِّع الَّذِي قَبَضْت الرِّزْق عَمَّنْ نَدَبْتُك إلَى مَعُونَته وَإِعْطَائِهِ , لِأَبْتَلِيَهُ بِالصَّبْرِ عَلَى مَا ابْتَلَيْته بِهِ , وَاَلَّذِي بَسَطْت عَلَيْك لِأَمْتَحِنك بِعَمَلِك فِيمَا بَسَطْت عَلَيْك , فَأَنْظُر كَيْفَ طَاعَتك إيَّايَ فِيهِ , فَأُجَازِي كُلّ وَاحِد مِنْكُمَا عَلَى قَدْر طَاعَتكُمَا لِي فِيمَا ابْتَلَيْتُكُمَا فِيهِ , وَامْتَحَنَتْكُمَا بِهِ مِنْ غِنًى وَفَاقَة وَسَعَة وَضِيق , عِنْد رُجُوعكُمَا إلَيَّ فِي آخِرَتكُمَا وَمَصِيركُمَا إلَيَّ فِي مُعَادكُمَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ مَنْ بَلَغَنَا قَوْله مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4385 حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِض اللَّه قَرْضًا حَسَنًا } الْآيَة . قَالَ : عَلِمَ أَنَّ فِيمَنْ يُقَاتِل فِي سَبِيله مَنْ لَا يَجِد قُوَّة , وَفِيمَنْ لَا يُقَاتِل فِي سَبِيله مَنْ يَجِد غِنًى , فَنَدَبَ هَؤُلَاءِ , فَقَالَ : { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِض اللَّه قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَة وَاَللَّه يَقْبِض وَيَبْسُط } قَالَ : يَبْسُط عَلَيْك وَأَنْت ثَقِيل عَنْ الْخُرُوج لَا تُرِيدهُ , وَقَبَضَ عَنْ هَذَا وَهُوَ يَطِيب نَفْسًا بِالْخُرُوجِ وَيُخِفّ لَهُ , فَقَوِّهِ مِمَّا فِي يَدك يَكُنْ لَك فِي ذَلِكَ حَظّ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : وَإِلَى اللَّه مُعَادكُمْ أَيّهَا النَّاس , فَاتَّقُوا اللَّه فِي أَنْفُسكُمْ أَنْ تُضَيِّعُوا فَرَائِضه وَتَتَعَدَّوْا حُدُوده , وَأَنْ يَعْمَل مَنْ بَسَطَ عَلَيْهِ مِنْكُمْ مِنْ رِزْقه بِغَيْرِ مَا أَذِنَ لَهُ بِالْعَمَلِ فِيهِ رَبّه , وَأَنْ يَحْمِل الْمُقْتِر مِنْكُمْ . فَقَبَضَ عَنْ رِزْقه إقْتَاره عَلَى مَعْصِيَته , وَالتَّقَدُّم عَلَى مَا نَهَاهُ فَيَسْتَوْجِب بِذَلِكَ مِنْهُ بِمَصِيرِهِ إلَى خَالِقه مَا لَا قِبَل لَهُ بِهِ مِنْ أَلِيم عِقَابه . وَكَانَ قَتَادَة يَتَأَوَّل قَوْله : { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } : وَإِلَى التُّرَاب تُرْجَعُونَ
. 4386 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } مِنْ التُّرَاب خَلَقَهُمْ , وَإِلَى التُّرَاب يَعُودُونَ .
اللَّه , أَلَا أَرَى رَبّنَا يَسْتَقْرِضنَا مِمَّا أَعْطَانَا لِأَنْفُسِنَا ؟ وَإِنَّ لِي أَرَضِينَ إحْدَاهُمَا بِالْعَالِيَةِ , وَالْأُخْرَى بِالسَّافِلَةِ , وَإِنِّي قَدْ جَعَلْت خَيْرهمَا صَدَقَة ! قَالَ : فَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " كَمْ مِنْ عِذْق مُذَلَّل لِأَبِي الدَّحْدَاح فِي الْجَنَّة " . 4380 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سَمِعَ بِهَذِهِ الْآيَة , قَالَ : أَنَا أُقْرِضَ اللَّه ! فَعَمَدَ إلَى خَيْر حَائِط لَهُ , فَتَصَدَّقَ بِهِ . قَالَ : وَقَالَ قَتَادَة : يَسْتَقْرِضكُمْ رَبّكُمْ كَمَا تَسْمَعُونَ وَهُوَ الْوَلِيّ الْحَمِيد , وَيَسْتَقْرِض عِبَاده . 4381 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مُعَاوِيَة الْأَنْمَاطِيّ النَّيْسَابُورِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا خَلَف بْن خَلِيفَة , عَنْ حُمَيْد الْأَعْرَج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِض اللَّه قَرْضًا حَسَنًا } قَالَ أَبُو الدَّحْدَاح : يَا رَسُول اللَّه , أَوَ إنَّ اللَّه يُرِيد مِنَّا الْقَرْض ؟ قَالَ : " نَعَمْ يَا أَبَا الدَّحْدَاح " . قَالَ : يَدك قَبْل ! فَنَاوَلَهُ يَده . قَالَ : فَإِنِّي قَدْ أَقَرَضْت رَبِّي حَائِطِي حَائِطًا فِيهِ سِتّمِائَةِ نَخْلَة . ثُمَّ جَاءَ يَمْشِي حَتَّى أَتَى الْحَائِط وَأُمّ الدَّحْدَاح فِيهِ فِي عِيَالهَا , فَنَادَاهَا : يَا أُمّ الدَّحْدَاح ! قَالَتْ : لَبَّيْكَ ! قَالَ : اُخْرُجِي قَدْ أَقَرَضْت رَبِّي حَائِطًا فِيهِ سِتّمِائَةِ نَخْلَة .
أَمَّا قَوْله : { فَيُضَاعِفهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَة } فَإِنَّهُ عِدَة مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره مُقْرِضه وَمُنْفِق مَاله فِي سَبِيل اللَّه مِنْ إضْعَاف الْجَزَاء لَهُ عَلَى قَرْضه وَنَفَقَته مَا لَا حَدّ لَهُ وَلَا نِهَايَة . كَمَا : 4382 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِض اللَّه قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَة } قَالَ : هَذَا التَّضْعِيف لَا يَعْلَم أَحَد مَا هُوَ . 4383 - وَقَدْ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ ابْن عُيَيْنَة , عَنْ صَاحِب لَهُ يَذْكُر عَنْ بَعْض الْعُلَمَاء , قَالَ : إنَّ اللَّه أَعْطَاكُمْ الدُّنْيَا قَرْضًا وَسَأَلْكُمُوهَا قَرْضًا , فَإِنْ أَعْطَيْتُمُوهَا طَيِّبَة بِهَا أَنْفُسكُمْ ضَاعَفَ لَكُمْ مَا بَيْن الْحَسَنَة إلَى الْعَشْر إلَى السَّبْعمِائَةِ إلَى أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ , وَإِنْ أَخَذَهَا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ كَارِهُونَ فَصَبَرْتُمْ وَأَحْسَنْتُمْ كَانَتْ لَكُمْ الصَّلَاة وَالرَّحْمَة وَأَوْجَبَ لَكُمْ الْهُدَى . وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : " فَيُضَاعِفهُ " بِالْأَلِفِ وَرَفَعَهُ ; بِمَعْنَى : الَّذِي يُقْرِض اللَّه قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفهُ لَهُ , نَسَقَ " يُضَاعِف " عَلَى قَوْله " يُقْرِض " . وَقَرَأَهُ آخَرُونَ بِذَلِكَ الْمَعْنَى " فَيَضَّعَفَهُ " , غَيْر أَنَّهُمْ قَرَءُوا بِتَشْدِيدِ الْعَيْن وَإِسْقَاط الْأَلِف . وَقَرَأَهُ آخَرُونَ { فَيُضَاعِفهُ لَهُ } بِإِثْبَاتِ الْأَلِف فِي يُضَاعِف وَنَصْبه بِمَعْنَى الِاسْتِفْهَام . فَكَأَنَّهُمْ تَأَوَّلُوا الْكَلَام : مَنْ الْمُقْرِض اللَّه قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفهُ لَهُ ؟ فَجَعَلُوا قَوْله : { فَيُضَاعِفهُ } جَوَابًا لِلِاسْتِفْهَامِ , وَجَعَلُوا : { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِض اللَّه قَرْضًا حَسَنًا } اسْمًا ; لِأَنَّ الَّذِي وَصَلْته بِمَنْزِلَةِ عَمْرو وَزَيْد . فَكَأَنَّهُمْ وَجَّهُوا تَأْوِيل الْكَلَام إلَى قَوْل الْقَائِل : مَنْ أَخُوك فَنُكْرِمهُ ؟ لِأَنَّ الْأَفْصَح فِي جَوَاب الِاسْتِفْهَام بِالْفَاءِ , إذَا لَمْ يَكُنْ قَبْله مَا يَعْطِف بِهِ عَلَيْهِ مِنْ فِعْل مُسْتَقْبَل , نَصَبَهُ . وَأَوْلَى هَذِهِ الْقِرَاءَات عِنْدنَا بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { فَيُضَاعِفهُ لَهُ } بِإِثْبَاتِ الْأَلِف , وَرَفَعَ يُضَاعِف , لِأَنَّ
فِي قَوْله : { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِض اللَّه قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفهُ } مَعْنَى الْجَزَاء , وَالْجَزَاء إذَا دَخَلَ فِي جَوَابه الْفَاء لَمْ يَكُنْ جَوَابه بِالْفَاءِ لَا رَفْعًا ; فَلِذَلِكَ كَانَ الرَّفْع فِي " يُضَاعِفهُ " أَوْلَى بِالصَّوَابِ عِنْدنَا مِنْ النَّصْب . وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْأَلِف فِي " يُضَاعِف " مِنْ حَذْفهَا وَتَشْدِيد الْعَيْن , لِأَنَّ ذَلِكَ أَفْصَح اللُّغَتَيْنِ وَأَكْثَرهمَا عَلَى أَلْسِنَة الْعَرَب .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَللَّه يَقْبِض وَيَبْسُط } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : أَنَّهُ الَّذِي بِيَدِهِ قَبْض أَرْزَاق الْعِبَاد وَبَسْطهَا دُون غَيْره مِمَّنْ ادَّعَى أَهْل الشِّرْك بِهِ أَنَّهُمْ آلِهَة وَاِتَّخَذُوهُ رَبًّا دُونه يَعْبُدُونَهُ . وَذَلِكَ نَظِير الْخَبَر الَّذِي رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي : 4384 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى وَمُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَا :
ثنا حَجَّاج , وَحَدَّثَنِي عَبْد الْمَلِك بْن مُحَمَّد الرَّقَاشِيّ , قَالَ : ثنا حَجَّاج وَأَبُو رَبِيعَة , قَالَا : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ ثَابِت وَحُمَيْد وَقَتَادَة , عَنْ أَنَس , قَالَ : غَلَا السِّعْر عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ : فَقَالُوا يَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَلَا السِّعْر , فَأَسْعِرْ لَنَا ! فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إنَّ اللَّه الْبَاسِط الْقَابِض الرَّازِق , وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّه لَيْسَ أَحَد يَطْلُبنِي بِمَظْلِمَةٍ فِي نَفْس وَمَال " . قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي بِذَلِكَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَّ الْغَلَاء وَالرُّخْص وَالسَّعَة وَالضِّيق بِيَدِ اللَّه دُون غَيْره . فَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى ذِكْره : { وَاَللَّه يَقْبِض وَيَبْسُط } يَعْنِي بِقَوْلِهِ : { يَقْبِض } يَقْتُر بِقَبْضِهِ الرِّزْق عَمَّنْ يَشَاء مِنْ خَلْقه , وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَيَبْسُط } يُوَسِّع بِبَسْطَةِ الرِّزْق عَلَى مَنْ يَشَاء مِنْهُمْ . وَإِنَّمَا أَرَادَ تَعَالَى ذِكْره بِقَيْلِهِ ذَلِكَ حَثّ عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ قَدْ بَسَطَ عَلَيْهِمْ مِنْ فَضْله , فَوَسَّعَ عَلَيْهِمْ مِنْ رِزْقه عَلَى تَقْوِيَة ذَوِي الْإِقْتَار مِنْهُمْ بِمَالِهِ , وَمَعُونَته بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ , وَحُمُولَته عَلَى النُّهُوض لِقِتَالِ عَدُوّهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فِي سَبِيله , فَقَالَ تَعَالَى ذِكْره : مَنْ يُقَدِّم لِنَفْسِهِ ذُخْرًا عِنْدِي بِإِعْطَائِهِ ضُعَفَاء الْمُؤْمِنِينَ وَأَهْل الْحَاجَة مِنْهُمْ مَا يَسْتَعِين بِهِ عَلَى الْقِتَال فِي سَبِيلِي , فَأُضَاعِف لَهُ مِنْ ثَوَابِي أَضْعَافًا كَثِيرَة مِمَّا أَعْطَاهُ وَقَوَّاهُ بِهِ , فَإِنِّي أَنَا الْمُوَسِّع الَّذِي قَبَضْت الرِّزْق عَمَّنْ نَدَبْتُك إلَى مَعُونَته وَإِعْطَائِهِ , لِأَبْتَلِيَهُ بِالصَّبْرِ عَلَى مَا ابْتَلَيْته بِهِ , وَاَلَّذِي بَسَطْت عَلَيْك لِأَمْتَحِنك بِعَمَلِك فِيمَا بَسَطْت عَلَيْك , فَأَنْظُر كَيْفَ طَاعَتك إيَّايَ فِيهِ , فَأُجَازِي كُلّ وَاحِد مِنْكُمَا عَلَى قَدْر طَاعَتكُمَا لِي فِيمَا ابْتَلَيْتُكُمَا فِيهِ , وَامْتَحَنَتْكُمَا بِهِ مِنْ غِنًى وَفَاقَة وَسَعَة وَضِيق , عِنْد رُجُوعكُمَا إلَيَّ فِي آخِرَتكُمَا وَمَصِيركُمَا إلَيَّ فِي مُعَادكُمَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ مَنْ بَلَغَنَا قَوْله مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4385 حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِض اللَّه قَرْضًا حَسَنًا } الْآيَة . قَالَ : عَلِمَ أَنَّ فِيمَنْ يُقَاتِل فِي سَبِيله مَنْ لَا يَجِد قُوَّة , وَفِيمَنْ لَا يُقَاتِل فِي سَبِيله مَنْ يَجِد غِنًى , فَنَدَبَ هَؤُلَاءِ , فَقَالَ : { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِض اللَّه قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَة وَاَللَّه يَقْبِض وَيَبْسُط } قَالَ : يَبْسُط عَلَيْك وَأَنْت ثَقِيل عَنْ الْخُرُوج لَا تُرِيدهُ , وَقَبَضَ عَنْ هَذَا وَهُوَ يَطِيب نَفْسًا بِالْخُرُوجِ وَيُخِفّ لَهُ , فَقَوِّهِ مِمَّا فِي يَدك يَكُنْ لَك فِي ذَلِكَ حَظّ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : وَإِلَى اللَّه مُعَادكُمْ أَيّهَا النَّاس , فَاتَّقُوا اللَّه فِي أَنْفُسكُمْ أَنْ تُضَيِّعُوا فَرَائِضه وَتَتَعَدَّوْا حُدُوده , وَأَنْ يَعْمَل مَنْ بَسَطَ عَلَيْهِ مِنْكُمْ مِنْ رِزْقه بِغَيْرِ مَا أَذِنَ لَهُ بِالْعَمَلِ فِيهِ رَبّه , وَأَنْ يَحْمِل الْمُقْتِر مِنْكُمْ . فَقَبَضَ عَنْ رِزْقه إقْتَاره عَلَى مَعْصِيَته , وَالتَّقَدُّم عَلَى مَا نَهَاهُ فَيَسْتَوْجِب بِذَلِكَ مِنْهُ بِمَصِيرِهِ إلَى خَالِقه مَا لَا قِبَل لَهُ بِهِ مِنْ أَلِيم عِقَابه . وَكَانَ قَتَادَة يَتَأَوَّل قَوْله : { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } : وَإِلَى التُّرَاب تُرْجَعُونَ
. 4386 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } مِنْ التُّرَاب خَلَقَهُمْ , وَإِلَى التُّرَاب يَعُودُونَ .
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَلَمْ تَرَ إلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل مِنْ بَعْد مُوسَى إذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمْ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { أَلَمْ تَرَ } أَلَمْ تَرَ يَا
مُحَمَّد بِقَلْبِك , فَتَعْلَم بِخَبَرِي إيَّاكَ يَا مُحَمَّد { إلَى الْمَلَإِ } يَعْنِي إلَى وُجُوه بَنِي إسْرَائِيل وَأَشْرَافهمْ وَرُؤَسَائِهِمْ مِنْ بَعْد مُوسَى . يَقُول : مِنْ بَعْد مَا قَبَضَ مُوسَى فَمَاتَ , إذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمْ : ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه . فَذَكَرَ لِي أَنَّ النَّبِيّ الَّذِي قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ شمويل بْن بالى بْن عَلْقَمَة بْن يرحام بْن أليهو بْن تهو بْن صوف بْن عَلْقَمَة بْن مَاحِث بْن عَمُوصَا بْن عزريا بْن صَفِيَّة بْن عَلْقَمَة بْن أَبِي يَاسِق بْن قَارُونَ بْن يصهر بْن قاهث بْن لَاوِي بْن يَعْقُوب بْن إسْحَاق بْن إبْرَاهِيم . 4387 - حَدَّثَنَا بِذَلِكَ ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه . 4388 - وَحَدَّثَنِي أَيْضًا الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْمَاعِيل بْن عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل , أَنَّهُ سَمِعَ وَهْب بْن مُنَبِّه يَقُول : هُوَ شمويل . وَلَمْ يَنْسُبهُ كَمَا نَسَبَهُ إسْحَاق . وَقَالَ السُّدِّيّ : بَلْ اسْمه شَمْعُون , وَقَالَ : إنَّمَا سُمِّيَ شَمْعُون لِأَنَّ أُمّه دَعَتْ اللَّه أَنْ يَرْزُقهَا غُلَامًا , فَاسْتَجَابَ اللَّه لَهَا دُعَاءَهَا فَرَزَقَهَا , فَوَلَدَتْ غُلَامًا فَسَمَّتْهُ شَمْعُون ; تَقُول : اللَّه تَعَالَى سَمِعَ دُعَائِي . 4389 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ . كَأَنَّ شَمْعُون فَعْلُون عِنْد السُّدِّيّ , مِنْ قَوْلهَا : سَمِعَ اللَّه دُعَاءَهَا . 4390 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد قَوْله : { أَلَمْ تَرَ إلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل مِنْ بَعْد مُوسَى إذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمْ } قَالَ : شَمْعُون . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ الَّذِي سَأَلَهُ قَوْمه مِنْ بَنِي إسْرَائِيل أَنْ يَبْعَث لَهُمْ مَلِكًا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيل اللَّه يُوشَع بْن نُون بْن إفْرَاثِيم بْن يُوسُف بْن يَعْقُوب بْن إسْحَاق بْن إبْرَاهِيم . 4391 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { وَقَالَ لَهُمْ نَبِيّهمْ } قَالَ : كَانَ نَبِيّهمْ الَّذِي بَعْد مُوسَى يُوشَع بْن نُون . قَالَ : وَهُوَ أَحَد الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا .
وَأَمَّا قَوْله : { ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه } فَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجَله سَأَلَ الْمَلَأ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل نَبِيّهمْ ذَلِكَ . فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ سَبَب مَسْأَلَتهمْ إيَّاهُ مَا : 4392 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة بْن الْفَضْل , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن إسْحَاق , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه قَالَ : خَلَفَ بَعْد مُوسَى فِي بَنِي إسْرَائِيل يُوشَع بْن نُون يُقِيم فِيهِمْ التَّوْرَاة وَأَمْر اللَّه حَتَّى قَبَضَهُ اللَّه . ثُمَّ خَلَفَ فِيهِمْ كَالِب بْن يوقنا يُقِيم فِيهِمْ التَّوْرَاة وَأَمْر اللَّه حَتَّى قَبَضَهُ اللَّه تَعَالَى . ثُمَّ خَلَفَ فِيهِمْ حزقيل بْن بوزي وَهُوَ ابْن الْعَجُوز . ثُمَّ إنَّ اللَّه قَبَضَ حزقيل , وَعَظُمَتْ فِي بَنِي إسْرَائِيل الْأَحْدَاث , وَنَسُوا مَا كَانَ مِنْ عَهْد اللَّه إلَيْهِمْ , حَتَّى نَصَبُوا الْأَوْثَان وَعَبَدُوهَا مِنْ دُون اللَّه . فَبَعَثَ اللَّه إلَيْهِمْ إلْيَاس بْن يس بْن فِنْحَاص بْن العيزار بْن هَارُونَ بْن عِمْرَان نَبِيًّا . وَإِنَّمَا كَانَتْ الْأَنْبِيَاء مِنْ بَنِي إسْرَائِيل بَعْد مُوسَى يَبْعَثُونَ إلَيْهِمْ بِتَجْدِيدِ مَا نَسُوا مِنْ التَّوْرَاة . وَكَانَ إلْيَاس مَعَ مَلِك مِنْ مُلُوك بَنِي إسْرَائِيل يُقَال لَهُ أَخَاب , وَكَانَ يَسْمَع مِنْهُ وَيُصَدِّقهُ , فَكَانَ إلْيَاس يُقِيم لَهُ أَمْره . وَكَانَ سَائِر بَنِي إسْرَائِيل قَدْ اتَّخَذُوا صَنَمًا
يَعْبُدُونَهُ مِنْ دُون اللَّه , فَجَعَلَ إلْيَاس يَدْعُوهُمْ إلَى اللَّه , وَجَعَلُوا لَا يَسْمَعُونَ مِنْهُ شَيْئًا , إلَّا مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ الْمَلِك , وَالْمُلُوك مُتَفَرِّقَة بِالشَّامِ , كُلّ مَلِك لَهُ نَاحِيَة مِنْهَا يَأْكُلهَا . فَقَالَ ذَلِكَ الْمَلِك الَّذِي كَانَ إلْيَاس مَعَهُ يَقُوم لَهُ أَمْره وَيَرَاهُ عَلَى هُدًى مِنْ بَيْن أَصْحَابه يَوْمًا : يَا إلْيَاس وَاَللَّه مَا أَرَى مَا تَدْعُو إلَيْهِ النَّاس إلَّا بَاطِلًا ! وَاَللَّه مَا أَرَى فُلَانًا وَفُلَانًا - يُعَدِّد مُلُوكًا مِنْ مُلُوك بَنِي إسْرَائِيل - قَدْ عَبَدُوا الْأَوْثَان مِنْ دُون اللَّه إلَّا عَلَى مِثْل مَا نَحْنُ عَلَيْهِ , يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَتَنَعَّمُونَ , مَالِكِينَ مَا يَنْقُص مِنْ دُنْيَاهُمْ , وَمَا نَرَى لَنَا عَلَيْهِمْ مِنْ فَضْل ! وَيَزْعُمُونَ - وَاَللَّه أَعْلَم - أَنَّ إلْيَاس اسْتَرْجَعَ , وَقَامَ شَعْر رَأْسه وَجِلْده ثُمَّ رَفَضَهُ وَخَرَجَ عَنْهُ . فَفَعَلَ ذَلِكَ الْمَلِك فِعْل أَصْحَابه , عَبَدَ الْأَوْثَان , وَصَنَعَ مَا يَصْنَعُونَ . ثُمَّ خَلَفَ مِنْ بَعْده فِيهِمْ الْيَسَع , فَكَانَ فِيهِمْ مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَكُون , ثُمَّ قَبَضَهُ اللَّه إلَيْهِ . وَخَلَفَتْ فِيهِمْ الْخُلُوف , وَعَظُمَتْ فِيهِمْ الْخَطَايَا , وَعِنْدهمْ التَّابُوت يَتَوَارَثُونَهُ كَابِرًا عَنْ كَابِر , فِيهِ السَّكِينَة , وَبَقِيَّة مِمَّا تَرَكَ آل مُوسَى وَآل هَارُونَ , وَكَانُوا لَا يَلْقَاهُمْ عَدُوّ فَيُقَدِّمُونَ التَّابُوت وَيَزْحَفُونَ بِهِ مَعَهُمْ , إلَّا هَزَمَ اللَّه ذَلِكَ الْعَدُوّ . ثُمَّ خَلَفَ فِيهِمْ مَلِك يُقَال لَهُ إيلَاء , وَكَانَ اللَّه قَدْ بَارَكَ لَهُمْ فِي جِبِلّهمْ مِنْ إيلِيَا لَا يَدْخُلهُ عَلَيْهِمْ عَدُوّ وَلَا يَحْتَاجُونَ مَعَهُ إلَى غَيْره . وَكَانَ أَحَدهمْ فِيمَا يَذْكُرُونَ يَجْمَع التُّرَاب عَلَى الصَّخْرَة , ثُمَّ يَنْبِذ فِيهِ الْحَبّ , فَيَخْرَج اللَّه لَهُ مَا يَأْكُل سَنَته هُوَ وَعِيَاله , وَيَكُون لِأَحَدِهِمْ الزَّيْتُونَة فَيَعْتَصِر مِنْهَا مَا يَأْكُل هُوَ وَعِيَاله سَنَته . فَلَمَّا عَظُمَتْ أَحْدَاثهمْ وَتَرَكُوا عَهْد اللَّه إلَيْهِ , نَزَلَ بِهِمْ عَدُوّ , فَخَرَجُوا إلَيْهِ , وَأَخْرَجُوا مَعَهُمْ التَّابُوت كَمَا كَانُوا يُخْرِجُونَهُ , ثُمَّ زَحَفُوا بِهِ , فَقُوتِلُوا حَتَّى اسْتَلَبَ مِنْ بَيْن أَيْدِيهمْ . فَأَتَى مَلِكهمْ إيلَاء , فَأُخْبِرَ أَنَّ التَّابُوت قَدْ أُخِذَ وَاسْتُلِبَ , فَمَالَتْ عُنُقه , فَمَاتَ كَمَدًا عَلَيْهِ . فَمَرَجَ أَمْرهمْ عَلَيْهِمْ , وَوَطِئَهُمْ عَدُوّهُمْ , حَتَّى أُصِيبَ مِنْ أَبْنَائِهِمْ وَنِسَائِهِمْ , وَفِيهِمْ نَبِيّ لَهُمْ قَدْ كَانَ اللَّه بَعَثَهُ إلَيْهِمْ فَكَانُوا لَا يَقْبَلُونَ مِنْهُ شَيْئًا يُقَال لَهُ شمويل , وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَ اللَّه لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد : { أَلَمْ تَرَ إلَى الْمَلَأ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل مِنْ بَعْد مُوسَى إذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمْ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه } إلَى قَوْله : { وَقَدْ أُخْرِجنَا مِنْ دِيَارنَا وَأَبْنَائِنَا } يَقُول اللَّه : { فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَال تَوَلَّوْا إلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ } إلَى قَوْله : { إنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَة لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } قَالَ ابْن إسْحَاق : فَكَانَ مِنْ حَدِيثهمْ فِيمَا حَدَّثَنِي بِهِ بَعْض أَهْل الْعِلْم عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه : أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ بِهِمْ الْبَلَاء وَوَطِئَتْ بِلَادهمْ , كَلَّمُوا نَبِيّهمْ شمويل بْن بَالِي , فَقَالُوا : ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه ! وَإِنَّمَا كَانَ قِوَام بَنِي إسْرَائِيل الِاجْتِمَاع عَلَى الْمُلُوك , وَطَاعَة الْمُلُوك أَنْبِيَاءَهُمْ , وَكَانَ الْمَلِك هُوَ يَسِير بِالْجُمُوعِ وَالنَّبِيّ يُقَوِّم لَهُ أَمْره , وَيَأْتِيه بِالْخَبَرِ مِنْ رَبّه , فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ صَلُحَ أَمْرهمْ , فَإِذَا عَتَتْ مُلُوكهمْ وَتَرَكُوا أَمْر أَنْبِيَائِهِمْ فَسَدَ أَمْرهمْ . فَكَانَتْ الْمُلُوك إذَا تَابَعَتْهَا الْجَمَاعَة عَلَى الضَّلَالَة تَرَكُوا أَمْر الرُّسُل , فَفَرِيقًا يُكَذِّبُونَ فَلَا يَقْبَلُونَ مِنْهُ شَيْئًا , وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ . فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ الْبَلَاء بِهِمْ حَتَّى قَالُوا لَهُ : ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه ! فَقَالَ لَهُمْ : إنَّهُ لَيْسَ عِنْدكُمْ وَفَاء وَلَا صِدْق وَلَا رَغْبَة فِي الْجِهَاد . فَقَالُوا : إنَّمَا كُنَّا نَهَاب الْجِهَاد وَنَزْهَد فِيهِ أَنَّا كُنَّا مَمْنُوعِينَ فِي بِلَادنَا لَا يَطَؤُهَا أَحَد فَلَا يَظْهَر عَلَيْنَا فِيهَا عَدُوّ , فَأَمَّا إذْ بَلَغَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا بُدّ مِنْ الْجِهَاد , فَنُطِيع رَبّنَا فِي جِهَاد عَدُوّنَا وَنَمْنَع أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا وَذَرَارِيّنَا . 4393 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { أَلَمْ تَرَ إلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل } إلَى : { وَاَللَّه عَلِيم بِالظَّالِمِينَ } قَالَ الرَّبِيع : ذُكِرَ لَنَا وَاَللَّه أَعْلَم أَنَّ مُوسَى لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاة اسْتَخْلَفَ فَتَاهُ يُوشَع بْن نُون عَلَى بَنِي إسْرَائِيل , وَأَنَّ يُوشَع بْن نُون سَارَ فِيهِمْ بِكِتَابِ اللَّه التَّوْرَاة وَسُنَّة نَبِيّه مُوسَى . ثُمَّ إنَّ يُوشَع بْن نُون تُوُفِّيَ وَاسْتَخْلَفَ فِيهِمْ آخَر , فَسَارَ فِيهِمْ بِكِتَابِ اللَّه وَسُنَّة نَبِيّه مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ثُمَّ اسْتَخْلَفَ آخَر , فَسَارَ فِيهِمْ بِسِيرَةِ صَاحِبَيْهِ . ثُمَّ اسْتَخْلَفَ آخَر فَعَرَفُوا وَأَنْكَرُوا , ثُمَّ اسْتَخْلَفَ آخَر فَأَنْكَرُوا عَامَّة أَمْره . ثُمَّ اسْتَخْلَفَ آخَر فَأَنْكَرُوا أَمْره كُلّه . ثُمَّ إنَّ بَنِي إسْرَائِيل أَتَوْا نَبِيًّا مِنْ أَنْبِيَائِهِمْ حِين أُوذُوا فِي نَفُوسهمْ وَأَمْوَالهمْ , فَقَالُوا لَهُ : سَلْ رَبّك أَنْ يَكْتُب عَلَيْنَا الْقِتَال ! فَقَالَ لَهُمْ ذَلِكَ النَّبِيّ : { هَلْ عَسَيْتُمْ إنْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَال أَلَّا تُقَاتِلُوا } إلَى قَوْله : { وَاَللَّه يُؤْتِي مُلْكه مَنْ يَشَاء وَاَللَّه وَاسِع عَلِيم } . 4394 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ فِي قَوْله : { أَلَمْ تَرَ إلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل مِنْ بَعْد مُوسَى إذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمْ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا } قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : هَذَا حِين رُفِعَتْ التَّوْرَاة وَاسْتُخْرِجَ أَهْل الْإِيمَان , وَكَانَتْ الْجَبَابِرَة قَدْ أَخَرَجَتْهُمْ مِنْ دِيَارهمْ وَأَبْنَائِهِمْ . 4395 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { إذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمْ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا } قَالَ : هَذَا حِين رُفِعَتْ التَّوْرَاة وَاسْتُخْرِجَ أَهْل الْإِيمَان . وَقَالَ آخَرُونَ : كَانَ سَبَب مَسْأَلَتهمْ نَبِيّهمْ ذَلِكَ , مَا : 4396 - حَدَّثَنِي بِهِ مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { أَلَمْ تَرَ إلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل مِنْ بَعْد مُوسَى إذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمْ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه } قَالَ : كَانَتْ بَنُو إسْرَائِيل يُقَاتِلُونَ الْعَمَالِقَة , وَكَانَ مَلِك الْعَمَالِقَة جَالُوت . وَإِنَّهُمْ ظَهَرُوا عَلَى بَنِي إسْرَائِيل , فَضَرَبُوا عَلَيْهِمْ الْجِزْيَة , وَأَخَذُوا تَوْرَاتهمْ وَكَانَتْ بَنُو إسْرَائِيل يَسْأَلُونَ اللَّه أَنْ يَبْعَث لَهُمْ نَبِيًّا يُقَاتِلُونَ مَعَهُ وَكَانَ سَبْط النُّبُوَّة قَدْ هَلَكُوا , فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إلَّا امْرَأَة حُبْلَى , فَأَخَذُوهَا فَحَبَسُوهَا فِي بَيْت رَهْبَة أَنْ تَلِد جَارِيَة فَتُبَدِّلهَا بِغُلَامٍ , لَمَّا تَرَى مِنْ رَغْبَة بَنِي إسْرَائِيل فِي وَلَدهَا . فَجَعَلَتْ الْمَرْأَة تَدْعُو اللَّه أَنْ يَرْزُقهَا غُلَامًا , فَوَلَدَتْ غُلَامًا فَسَمَّتْهُ شَمْعُون . فَكَبِرَ الْغُلَام فَأَرْسَلَتْهُ يَتَعَلَّم التَّوْرَاة فِي بَيْت الْمَقْدِس , وَكَفَلَهُ شَيْخ مِنْ عُلَمَائِهِمْ وَتَبَنَّاهُ . فَلَمَّا بَلَغَ الْغُلَام أَنْ يَبْعَثهُ اللَّه نَبِيًّا أَتَاهُ جِبْرِيل وَالْغُلَام نَائِم إلَى جَنْب الشَّيْخ , وَكَانَ لَا يَأْتَمِن عَلَيْهِ أَحَدًا غَيْره , فَدَعَاهُ بِلَحْنِ الشَّيْخ : يَا شماول ! فَقَامَ الْغُلَام فَزِعًا إلَى الشَّيْخ , فَقَالَ : يَا أَبَتَاهُ دَعَوْتنِي ؟ فَكَرِهَ الشَّيْخ أَنْ يَقُول لَا فَيَفْزَع الْغُلَام , فَقَالَ : يَا بُنَيّ ارْجِعْ فَنَمْ ! فَرَجَعَ فَنَامَ ثُمَّ دَعَاهُ الثَّانِيَة , فَأَتَاهُ الْغُلَام أَيْضًا , فَقَالَ : دَعَوْتنِي ؟ فَقَالَ : ارْجِعْ فَنَمْ , فَإِنْ دَعَوْتُك الثَّالِثَة فَلَا تُجِبْنِي ! فَلَمَّا كَانَتْ الثَّالِثَة ظَهَرَ لَهُ جِبْرِيل , فَقَالَ : اذْهَبْ إلَى قَوْمك فَبَلِّغْهُمْ رِسَالَة رَبّك , فَإِنَّ اللَّه قَدْ بَعَثَك فِيهِمْ نَبِيًّا ! فَلَمَّا أَتَاهُمْ كَذَّبُوهُ وَقَالُوا : اسْتَعْجَلْت بِالنُّبُوَّةِ وَلَمْ يَأْنِ لَك وَقَالُوا : إنْ كُنْت صَادِقًا فَابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه آيَة مِنْ نُبُوَّتك ! فَقَالَ لَهُمْ شَمْعُون : عَسَى أَنْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَال أَلَّا تُقَاتِلُوا ! وَاَللَّه أَعْلَم . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَغَيْر جَائِز فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { نُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه } إذَا قُرِئَ بِالنُّونِ غَيْر الْجَزْم عَلَى مَعْنَى الْمُجَازَاة وَشَرْط الْأَمْر . فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّ الرَّفْع فِيهِ جَائِز وَقَدْ قُرِئَ بِالنُّونِ بِمَعْنَى الَّذِي نُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه , فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْر جَائِز ; لِأَنَّ الْعَرَب لَا تُضْمِر حَرْفَيْنِ . وَلَكِنَّ لَوْ كَانَ قُرِئَ ذَلِكَ بِالْيَاءِ لَجَازَ رَفْعه , لِأَنَّهُ يَكُون لَوْ قُرِئَ كَذَلِكَ صِلَة لِلْمَلِكِ , فَيَصِير تَأْوِيل الْكَلَام حِينَئِذٍ : ابْعَثْ لَنَا الَّذِي يُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه , كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْره : { وَابَعْث فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتك } 2 129 لِأَنَّ قَوْله " يَتْلُو " مِنْ صِلَة " الرَّسُول " .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إنْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَال أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : قَالَ النَّبِيّ الَّذِي سَأَلُوهُ أَنْ يَبْعَث لَهُمْ مَلِكًا يُقَاتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه : { هَلْ عَسَيْتُمْ } هَلْ تَعُدُّونَ إنْ كُتِبَ , يَعْنِي إنْ فُرِضَ عَلَيْكُمْ الْقِتَال أَلَّا تُقَاتِلُوا ؟ يَعْنِي أَنْ لَا تَفُوا بِمَا تَعُدُّونَ اللَّه مِنْ أَنْفُسكُمْ مِنْ الْجِهَاد فِي سَبِيله ؟ فَإِنَّكُمْ أَهْل نَكْث وَغَدْر , وَقِلَّة وَفَاء بِمَا تَعُدُّونَ ! { قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه } يَعْنِي قَالَ الْمَلَأ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل لِنَبِيِّهِمْ ذَلِكَ : وَأَيّ شَيْء يَمْنَعنَا أَنْ نُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه عَدُوّنَا وَعَدُوّ اللَّه , { وَقَدْ أُخْرِجنَا مِنْ دِيَارنَا وَأَبْنَائِنَا } بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَة ؟ فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَمَا وَجْه دُخُول " أَنْ " فِي قَوْله : { وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه } وَحَذَفَهُ مِنْ قَوْله : { وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالرَّسُول يَدْعُوكُمْ } 57 8 ؟ قِيلَ : هُمَا لُغَتَانِ فَصَيْحَتَانِ لِلْعَرَبِ , تُحْذَف " أَنَّ " مَرَّة مَعَ قَوْلنَا " مَا لَك " , فَتَقُول : مَا لَك لَا تَفْعَل كَذَا ؟ بِمَعْنَى : مَا لَك غَيْر فَاعِله , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : مَا لَك تَرْغِينَ وَلَا تَرْغُو الْخَلِف وَذَلِكَ هُوَ الْكَلَام الَّذِي لَا حَاجَة بِالْمُتَكَلِّمِ بِهِ إلَى
الِاسْتِشْهَاد عَلَى صِحَّته لِفُشُوِّ ذَلِكَ عَلَى أَلْسُن الْعَرَب . وَتَثْبُت " أَنَّ " فِيهِ أُخْرَى , تَوْجِيهًا لِقَوْلِهَا مَا لَك إلَى مَعْنَاهُ , إذْ كَانَ مَعْنَاهُ : مَا مَنَعَك , كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْره : { مَا مَنَعَك أَلَّا تُسْجِد إذْ أَمَرْتُك } 7 12 ثُمَّ قَالَ فِي سُورَة أُخْرَى فِي نَظِيره : { مَا لَك أَلَّا تَكُون مَعَ السَّاجِدِينَ } 15 32 فَوَضَعَ " مَا مَنَعَك " مَوْضِع " مَا لَك " , و " مَا لَك " مَوْضِع " مَا مَنَعَك " لِاتِّفَاقِ مَعْنَيَيْهِمَا وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظهمَا , كَمَا تَفْعَل الْعَرَب ذَلِكَ فِي نَظَائِره مِمَّا تَتَّفِق مَعَانِيه وَتَخْتَلِف أَلْفَاظه , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : يَقُول إذًا اقْلَوْلَى عَلَيْهَا وَأَقْرَدَتْ أَلَا هَلْ أَخُو عَيْش لَذِيذ بِدَائِمِ فَأَدْخَلَ فِي " دَائِم " " الْبَاء " مَعَ " هَلْ " وَهِيَ اسْتِفْهَام , وَإِنَّمَا تَدْخُل فِي خَبَر " مَا " الَّتِي فِي مَعْنَى الْجَحْد لِتَقَارُبِ مَعْنَى الِاسْتِفْهَام وَالْجَحْد . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة يَقُول : أُدْخِلَتْ " أَنَّ " فِي : { أَلَّا تُقَاتِلُوا } لِأَنَّهُ بِمَعْنَى قَوْل الْقَائِل : مَا لَك فِي أَلَّا تُقَاتِل ؟ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا لَجَازَ أَنْ يُقَال : مَا لَك أَنْ قُمْت ؟ وَمَا لَك أَنَّك قَائِم ؟ وَذَلِكَ غَيْر جَائِز ; لِأَنَّ الْمَنْع إنَّمَا يَكُون لِلْمُسْتَقْبَلِ مِنْ الْأَفْعَال , كَمَا يُقَال : مَنَعْتُك أَنْ تَقُوم , وَلَا يُقَال : مَنَعْتُك أَنْ قُمْت ; فَلِذَلِكَ قِيلَ فِي " مَا لَك " : مَا لَك أَلَّا تَقُوم , وَلَمْ يَقُلْ : مَا لَك أَنْ قُمْت . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : " أَنَّ " هَهُنَا زَائِدَة بَعْد " مَا " " فَلَمَّا " " وَلَمَّا " " وَلَوْ " وَهِيَ تُزَاد فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرًا قَالَ : وَمَعْنَاهُ : وَمَا لَنَا لَا نُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه ! فَأَعْمَلَ " أَنْ " وَهِيَ زَائِدَة وَقَالَ الْفَرَزْدَق : لَوْ لَمْ تَكُنْ غَطَفَان لَا ذُنُوب لَهَا إذَنْ لَلَامَ ذَوُو أَحْسَابهَا عُمَرَا وَالْمَعْنَى : لَوْ لَمْ تَكُنْ غَطَفَان لَهَا ذُنُوب . " وَلَا " زَائِدَة فَأَعْمَلَهَا وَأَنْكَرَ مَا قَالَ هَذَا الْقَائِل مِنْ قَوْله الَّذِي حُكِينَا عَنْهُ آخَرُونَ , وَقَالُوا : غَيْر جَائِز أَنْ تَجْعَل " أَنْ " زَائِدَة فِي الْكَلَام وَهُوَ صَحِيح فِي الْمَعْنَى وَبِالْكَلَامِ إلَيْهِ الْحَاجَة قَالُوا : وَالْمَعْنَى : مَا يَمْنَعنَا أَلَّا نُقَاتِل ؟ فَلَا وَجْه لِدَعْوَى مُدَّعٍ أَنَّ " أَنْ " زَائِدَة , وَلَهُ مَعْنَى مَفْهُوم صَحِيح . قَالُوا : وَأَمَّا قَوْله : " لَوْ لَمْ تَكُنْ غَطَفَان لَا ذُنُوب لَهَا " , فَإِنْ " لَا " غَيْر زَائِدَة فِي هَذَا الْمَوْضِع , لِأَنَّهُ جَحَدَ , وَالْجَحْد إذَا جُحِدَ صَارَ إثْبَاتًا . قَالُوا : فَقَوْله : " لَوْ لَمْ تَكُنْ غَطَفَان لَا ذُنُوب لَهَا " إثْبَات الذُّنُوب لَهَا , كَمَا يُقَال : مَا أَخُوك لَيْسَ يَقُوم , بِمَعْنَى : هُوَ يَقُوم . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى قَوْله : { مَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِل } مَا لَنَا وَلِأَنْ لَا نُقَاتِل , ثُمَّ حُذِفَتْ الْوَاو فَتُرِكَتْ , كَمَا يُقَال فِي الْكَلَام : مَا لَك وَلِأَنْ تَذْهَب إلَى فُلَان ؟ فَأَلْقَى مِنْهَا الْوَاو , لِأَنَّ " أَنْ " حَرْف غَيْر مُتَمَكِّن فِي الْأَسْمَاء وَقَالُوا : نُجِيز أَنْ يُقَال : مَا لَك أَنْ تَقُوم ؟ وَلَا نُجِيز : مَا لَك الْقِيَام ؟ لِأَنَّ الْقِيَام اسْم صَحِيح , و " أَنَّ " اسْم غَيْر صَحِيح وَقَالُوا : قَدْ تَقُول الْعَرَب : إيَّاكَ أَنْ تَتَكَلَّم , بِمَعْنَى إيَّاكَ وَأَنْ تَتَكَلَّم . وَأَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلهمْ آخَرُونَ , وَقَالُوا : لَوْ جَازَ أَنْ يُقَال ذَلِكَ عَلَى التَّأْوِيل الَّذِي تَأَوَّلَهُ قَائِل مَنْ حُكِّينَا قَوْله , لَوَجَبَ أَنْ يَكُون جَائِزًا : " ضَرَبْتُك بِالْجَارِيَةِ وَأَنْت كَفِيل " , بِمَعْنَى : وَأَنْت كَفِيل بِالْجَارِيَةِ , وَأَنْ تَقُول : " رَأَيْتُك أَبَانَا وَيَزِيد " , بِمَعْنَى : رَأَيْتُك وَأَبَانَا يَزِيد ; لِأَنَّ الْعَرَب تَقُول : إيَّاكَ بِالْبَاطِلِ أَنْ تَنْطِق قَالُوا : فَلَوْ كَانَتْ الْوَاو مُضْمَرَة فِي أَنْ لَجَازَ جَمِيع مَا ذَكَرْنَا ; وَلَكِنَّ ذَلِكَ غَيْر جَائِز , لِأَنَّ مَا بَعْد الْوَاو مِنْ الْأَفَاعِيل غَيْر جَائِز لَهُ أَنْ يَقَع عَلَى مَا قَبْلهَا . وَاسْتَشْهَدُوا عَلَى فَسَاد قَوْل مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْوَاو مُضْمَرَة مَعَ " أَنْ " يَقُول الشَّاعِر : فَبُحْ بِالسَّرَائِرِ فِي أَهْلهَا إيَّاكَ فِي غَيْرهمْ أَنْ تَبُوحَا وَأَنْ " أَنْ تَبُوحَا " لَوْ كَانَ فِيهَا وَاو مُضْمَرَة لَمْ يَجُزْ تَقْدِيم غَيْرهمْ عَلَيْهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَدْ أُخْرِجنَا مِنْ دِيَارنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَال تَوَلَّوْا إلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاَللَّه عَلِيم بِالظَّالِمِينَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَقَدْ أُخْرِجَ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ مِنْ رِجَالنَا وَنِسَائِنَا مِنْ دِيَارهمْ وَأَوْلَادهمْ وَمَنْ سُبِيَ . وَهَذَا الْكَلَام ظَاهِره الْعُمُوم , وَبَاطِنه الْخُصُوص ; لِأَنَّ الَّذِينَ قَالُوا لِنَبِيِّهِمْ : { ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه } كَانُوا فِي دِيَارهمْ وَأَوْطَانهمْ , وَإِنَّمَا كَانَ أُخْرِجَ مِنْ دَاره وَوَلَده مَنْ أُسِرَ وَقُهِرَ مِنْهُمْ . وَأَمَّا قَوْله : { فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَال تَوَلَّوْا إلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ } يَقُول : فَلَمَّا فَرَضَ عَلَيْهِمْ قِتَال عَدُوّهُمْ وَالْجِهَاد فِي سَبِيله , { تَوَلَّوْا إلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ } يَقُول : أَدْبَرُوا مُوَلِّينَ عَنْ الْقِتَال , وَضَيَّعُوا مَا سَأَلُوهُ نَبِيّهمْ مِنْ فَرْض الْجِهَاد . وَالْقَلِيل الَّذِي اسْتَثْنَاهُمْ اللَّه مِنْهُمْ , هُمْ الَّذِينَ عَبَرُوا النَّهَر مَعَ طَالُوت وَسَنَذْكُرُ سَبَب تَوَلِّي مَنْ تَوَلَّى مِنْهُمْ وَعُبُور مَنْ عَبَرَ مِنْهُمْ النَّهَر بَعْد إنْ شَاءَ اللَّه إذَا أَتَيْنَا عَلَيْهِ . يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { وَاَللَّه عَلِيم بِالظَّالِمِينَ } يَعْنِي : وَاَللَّه ذُو عِلْم بِمَنْ ظَلَمَ مِنْهُمْ نَفْسه , فَأَخْلَفَ اللَّه مَا وَعَدَهُ مِنْ نَفْسه وَخَالَفَ أَمْر رَبّه فِيمَا سَأَلَهُ ابْتِدَاء أَنْ يُوجِبهُ عَلَيْهِ . وَهَذَا مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره تَقْرِيع لِلْيَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا بَيْن ظَهْرَانَيْ مُهَاجِر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَكْذِيبهمْ نَبِيّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُخَالَفَتهمْ أَمْر رَبّهمْ . يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره لَهُمْ : إنَّكُمْ يَا مَعْشَر الْيَهُود عَصَيْتُمْ اللَّه وَخَالَفْتُمْ أَمْره فِيمَا سَأَلْتُمُوهُ أَنْ يُفْرِضهُ عَلَيْكُمْ ابْتِدَاء مِنْ غَيْر أَنْ يَبْتَدِئكُمْ رَبّكُمْ بِفَرْضِ مَا عَصَيْتُمُوهُ فِيهِ
, فَأَنْتُمْ بِمَعْصِيَتِهِ فِيمَا ابْتَدَأَكُمْ بِهِ مِنْ إلْزَام فَرْضه أَحْرَى . وَفِي هَذَا الْكَلَام مَتْرُوك قَدْ اُسْتُغْنِيَ بِذِكْرِ مَا ذُكِرَ عَمَّا تَرَكَ مِنْهُ ; وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : قَالُوا : وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه وَقَدْ أُخْرِجنَا مِنْ دِيَارنَا وَأَبْنَائِنَا ! فَسَأَلَ نَبِيّهمْ رَبّهمْ أَنْ يَبْعَث لَهُمْ مَلِكًا يُقَاتِلُونَ مَعَهُ فِي سَبِيل اللَّه . فَبَعَثَ لَهُمْ مَلِكًا , وَكَتَبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَال ; { فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَال تَوَلَّوْا إلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاَللَّه عَلِيم بِالظَّالِمِينَ }
مُحَمَّد بِقَلْبِك , فَتَعْلَم بِخَبَرِي إيَّاكَ يَا مُحَمَّد { إلَى الْمَلَإِ } يَعْنِي إلَى وُجُوه بَنِي إسْرَائِيل وَأَشْرَافهمْ وَرُؤَسَائِهِمْ مِنْ بَعْد مُوسَى . يَقُول : مِنْ بَعْد مَا قَبَضَ مُوسَى فَمَاتَ , إذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمْ : ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه . فَذَكَرَ لِي أَنَّ النَّبِيّ الَّذِي قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ شمويل بْن بالى بْن عَلْقَمَة بْن يرحام بْن أليهو بْن تهو بْن صوف بْن عَلْقَمَة بْن مَاحِث بْن عَمُوصَا بْن عزريا بْن صَفِيَّة بْن عَلْقَمَة بْن أَبِي يَاسِق بْن قَارُونَ بْن يصهر بْن قاهث بْن لَاوِي بْن يَعْقُوب بْن إسْحَاق بْن إبْرَاهِيم . 4387 - حَدَّثَنَا بِذَلِكَ ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه . 4388 - وَحَدَّثَنِي أَيْضًا الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْمَاعِيل بْن عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل , أَنَّهُ سَمِعَ وَهْب بْن مُنَبِّه يَقُول : هُوَ شمويل . وَلَمْ يَنْسُبهُ كَمَا نَسَبَهُ إسْحَاق . وَقَالَ السُّدِّيّ : بَلْ اسْمه شَمْعُون , وَقَالَ : إنَّمَا سُمِّيَ شَمْعُون لِأَنَّ أُمّه دَعَتْ اللَّه أَنْ يَرْزُقهَا غُلَامًا , فَاسْتَجَابَ اللَّه لَهَا دُعَاءَهَا فَرَزَقَهَا , فَوَلَدَتْ غُلَامًا فَسَمَّتْهُ شَمْعُون ; تَقُول : اللَّه تَعَالَى سَمِعَ دُعَائِي . 4389 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ . كَأَنَّ شَمْعُون فَعْلُون عِنْد السُّدِّيّ , مِنْ قَوْلهَا : سَمِعَ اللَّه دُعَاءَهَا . 4390 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد قَوْله : { أَلَمْ تَرَ إلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل مِنْ بَعْد مُوسَى إذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمْ } قَالَ : شَمْعُون . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ الَّذِي سَأَلَهُ قَوْمه مِنْ بَنِي إسْرَائِيل أَنْ يَبْعَث لَهُمْ مَلِكًا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيل اللَّه يُوشَع بْن نُون بْن إفْرَاثِيم بْن يُوسُف بْن يَعْقُوب بْن إسْحَاق بْن إبْرَاهِيم . 4391 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { وَقَالَ لَهُمْ نَبِيّهمْ } قَالَ : كَانَ نَبِيّهمْ الَّذِي بَعْد مُوسَى يُوشَع بْن نُون . قَالَ : وَهُوَ أَحَد الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمَا .
وَأَمَّا قَوْله : { ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه } فَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجَله سَأَلَ الْمَلَأ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل نَبِيّهمْ ذَلِكَ . فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ سَبَب مَسْأَلَتهمْ إيَّاهُ مَا : 4392 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد بْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة بْن الْفَضْل , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن إسْحَاق , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه قَالَ : خَلَفَ بَعْد مُوسَى فِي بَنِي إسْرَائِيل يُوشَع بْن نُون يُقِيم فِيهِمْ التَّوْرَاة وَأَمْر اللَّه حَتَّى قَبَضَهُ اللَّه . ثُمَّ خَلَفَ فِيهِمْ كَالِب بْن يوقنا يُقِيم فِيهِمْ التَّوْرَاة وَأَمْر اللَّه حَتَّى قَبَضَهُ اللَّه تَعَالَى . ثُمَّ خَلَفَ فِيهِمْ حزقيل بْن بوزي وَهُوَ ابْن الْعَجُوز . ثُمَّ إنَّ اللَّه قَبَضَ حزقيل , وَعَظُمَتْ فِي بَنِي إسْرَائِيل الْأَحْدَاث , وَنَسُوا مَا كَانَ مِنْ عَهْد اللَّه إلَيْهِمْ , حَتَّى نَصَبُوا الْأَوْثَان وَعَبَدُوهَا مِنْ دُون اللَّه . فَبَعَثَ اللَّه إلَيْهِمْ إلْيَاس بْن يس بْن فِنْحَاص بْن العيزار بْن هَارُونَ بْن عِمْرَان نَبِيًّا . وَإِنَّمَا كَانَتْ الْأَنْبِيَاء مِنْ بَنِي إسْرَائِيل بَعْد مُوسَى يَبْعَثُونَ إلَيْهِمْ بِتَجْدِيدِ مَا نَسُوا مِنْ التَّوْرَاة . وَكَانَ إلْيَاس مَعَ مَلِك مِنْ مُلُوك بَنِي إسْرَائِيل يُقَال لَهُ أَخَاب , وَكَانَ يَسْمَع مِنْهُ وَيُصَدِّقهُ , فَكَانَ إلْيَاس يُقِيم لَهُ أَمْره . وَكَانَ سَائِر بَنِي إسْرَائِيل قَدْ اتَّخَذُوا صَنَمًا
يَعْبُدُونَهُ مِنْ دُون اللَّه , فَجَعَلَ إلْيَاس يَدْعُوهُمْ إلَى اللَّه , وَجَعَلُوا لَا يَسْمَعُونَ مِنْهُ شَيْئًا , إلَّا مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ الْمَلِك , وَالْمُلُوك مُتَفَرِّقَة بِالشَّامِ , كُلّ مَلِك لَهُ نَاحِيَة مِنْهَا يَأْكُلهَا . فَقَالَ ذَلِكَ الْمَلِك الَّذِي كَانَ إلْيَاس مَعَهُ يَقُوم لَهُ أَمْره وَيَرَاهُ عَلَى هُدًى مِنْ بَيْن أَصْحَابه يَوْمًا : يَا إلْيَاس وَاَللَّه مَا أَرَى مَا تَدْعُو إلَيْهِ النَّاس إلَّا بَاطِلًا ! وَاَللَّه مَا أَرَى فُلَانًا وَفُلَانًا - يُعَدِّد مُلُوكًا مِنْ مُلُوك بَنِي إسْرَائِيل - قَدْ عَبَدُوا الْأَوْثَان مِنْ دُون اللَّه إلَّا عَلَى مِثْل مَا نَحْنُ عَلَيْهِ , يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَتَنَعَّمُونَ , مَالِكِينَ مَا يَنْقُص مِنْ دُنْيَاهُمْ , وَمَا نَرَى لَنَا عَلَيْهِمْ مِنْ فَضْل ! وَيَزْعُمُونَ - وَاَللَّه أَعْلَم - أَنَّ إلْيَاس اسْتَرْجَعَ , وَقَامَ شَعْر رَأْسه وَجِلْده ثُمَّ رَفَضَهُ وَخَرَجَ عَنْهُ . فَفَعَلَ ذَلِكَ الْمَلِك فِعْل أَصْحَابه , عَبَدَ الْأَوْثَان , وَصَنَعَ مَا يَصْنَعُونَ . ثُمَّ خَلَفَ مِنْ بَعْده فِيهِمْ الْيَسَع , فَكَانَ فِيهِمْ مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَكُون , ثُمَّ قَبَضَهُ اللَّه إلَيْهِ . وَخَلَفَتْ فِيهِمْ الْخُلُوف , وَعَظُمَتْ فِيهِمْ الْخَطَايَا , وَعِنْدهمْ التَّابُوت يَتَوَارَثُونَهُ كَابِرًا عَنْ كَابِر , فِيهِ السَّكِينَة , وَبَقِيَّة مِمَّا تَرَكَ آل مُوسَى وَآل هَارُونَ , وَكَانُوا لَا يَلْقَاهُمْ عَدُوّ فَيُقَدِّمُونَ التَّابُوت وَيَزْحَفُونَ بِهِ مَعَهُمْ , إلَّا هَزَمَ اللَّه ذَلِكَ الْعَدُوّ . ثُمَّ خَلَفَ فِيهِمْ مَلِك يُقَال لَهُ إيلَاء , وَكَانَ اللَّه قَدْ بَارَكَ لَهُمْ فِي جِبِلّهمْ مِنْ إيلِيَا لَا يَدْخُلهُ عَلَيْهِمْ عَدُوّ وَلَا يَحْتَاجُونَ مَعَهُ إلَى غَيْره . وَكَانَ أَحَدهمْ فِيمَا يَذْكُرُونَ يَجْمَع التُّرَاب عَلَى الصَّخْرَة , ثُمَّ يَنْبِذ فِيهِ الْحَبّ , فَيَخْرَج اللَّه لَهُ مَا يَأْكُل سَنَته هُوَ وَعِيَاله , وَيَكُون لِأَحَدِهِمْ الزَّيْتُونَة فَيَعْتَصِر مِنْهَا مَا يَأْكُل هُوَ وَعِيَاله سَنَته . فَلَمَّا عَظُمَتْ أَحْدَاثهمْ وَتَرَكُوا عَهْد اللَّه إلَيْهِ , نَزَلَ بِهِمْ عَدُوّ , فَخَرَجُوا إلَيْهِ , وَأَخْرَجُوا مَعَهُمْ التَّابُوت كَمَا كَانُوا يُخْرِجُونَهُ , ثُمَّ زَحَفُوا بِهِ , فَقُوتِلُوا حَتَّى اسْتَلَبَ مِنْ بَيْن أَيْدِيهمْ . فَأَتَى مَلِكهمْ إيلَاء , فَأُخْبِرَ أَنَّ التَّابُوت قَدْ أُخِذَ وَاسْتُلِبَ , فَمَالَتْ عُنُقه , فَمَاتَ كَمَدًا عَلَيْهِ . فَمَرَجَ أَمْرهمْ عَلَيْهِمْ , وَوَطِئَهُمْ عَدُوّهُمْ , حَتَّى أُصِيبَ مِنْ أَبْنَائِهِمْ وَنِسَائِهِمْ , وَفِيهِمْ نَبِيّ لَهُمْ قَدْ كَانَ اللَّه بَعَثَهُ إلَيْهِمْ فَكَانُوا لَا يَقْبَلُونَ مِنْهُ شَيْئًا يُقَال لَهُ شمويل , وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَ اللَّه لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد : { أَلَمْ تَرَ إلَى الْمَلَأ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل مِنْ بَعْد مُوسَى إذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمْ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه } إلَى قَوْله : { وَقَدْ أُخْرِجنَا مِنْ دِيَارنَا وَأَبْنَائِنَا } يَقُول اللَّه : { فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَال تَوَلَّوْا إلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ } إلَى قَوْله : { إنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَة لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } قَالَ ابْن إسْحَاق : فَكَانَ مِنْ حَدِيثهمْ فِيمَا حَدَّثَنِي بِهِ بَعْض أَهْل الْعِلْم عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه : أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ بِهِمْ الْبَلَاء وَوَطِئَتْ بِلَادهمْ , كَلَّمُوا نَبِيّهمْ شمويل بْن بَالِي , فَقَالُوا : ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه ! وَإِنَّمَا كَانَ قِوَام بَنِي إسْرَائِيل الِاجْتِمَاع عَلَى الْمُلُوك , وَطَاعَة الْمُلُوك أَنْبِيَاءَهُمْ , وَكَانَ الْمَلِك هُوَ يَسِير بِالْجُمُوعِ وَالنَّبِيّ يُقَوِّم لَهُ أَمْره , وَيَأْتِيه بِالْخَبَرِ مِنْ رَبّه , فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ صَلُحَ أَمْرهمْ , فَإِذَا عَتَتْ مُلُوكهمْ وَتَرَكُوا أَمْر أَنْبِيَائِهِمْ فَسَدَ أَمْرهمْ . فَكَانَتْ الْمُلُوك إذَا تَابَعَتْهَا الْجَمَاعَة عَلَى الضَّلَالَة تَرَكُوا أَمْر الرُّسُل , فَفَرِيقًا يُكَذِّبُونَ فَلَا يَقْبَلُونَ مِنْهُ شَيْئًا , وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ . فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ الْبَلَاء بِهِمْ حَتَّى قَالُوا لَهُ : ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه ! فَقَالَ لَهُمْ : إنَّهُ لَيْسَ عِنْدكُمْ وَفَاء وَلَا صِدْق وَلَا رَغْبَة فِي الْجِهَاد . فَقَالُوا : إنَّمَا كُنَّا نَهَاب الْجِهَاد وَنَزْهَد فِيهِ أَنَّا كُنَّا مَمْنُوعِينَ فِي بِلَادنَا لَا يَطَؤُهَا أَحَد فَلَا يَظْهَر عَلَيْنَا فِيهَا عَدُوّ , فَأَمَّا إذْ بَلَغَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا بُدّ مِنْ الْجِهَاد , فَنُطِيع رَبّنَا فِي جِهَاد عَدُوّنَا وَنَمْنَع أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا وَذَرَارِيّنَا . 4393 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { أَلَمْ تَرَ إلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل } إلَى : { وَاَللَّه عَلِيم بِالظَّالِمِينَ } قَالَ الرَّبِيع : ذُكِرَ لَنَا وَاَللَّه أَعْلَم أَنَّ مُوسَى لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاة اسْتَخْلَفَ فَتَاهُ يُوشَع بْن نُون عَلَى بَنِي إسْرَائِيل , وَأَنَّ يُوشَع بْن نُون سَارَ فِيهِمْ بِكِتَابِ اللَّه التَّوْرَاة وَسُنَّة نَبِيّه مُوسَى . ثُمَّ إنَّ يُوشَع بْن نُون تُوُفِّيَ وَاسْتَخْلَفَ فِيهِمْ آخَر , فَسَارَ فِيهِمْ بِكِتَابِ اللَّه وَسُنَّة نَبِيّه مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ثُمَّ اسْتَخْلَفَ آخَر , فَسَارَ فِيهِمْ بِسِيرَةِ صَاحِبَيْهِ . ثُمَّ اسْتَخْلَفَ آخَر فَعَرَفُوا وَأَنْكَرُوا , ثُمَّ اسْتَخْلَفَ آخَر فَأَنْكَرُوا عَامَّة أَمْره . ثُمَّ اسْتَخْلَفَ آخَر فَأَنْكَرُوا أَمْره كُلّه . ثُمَّ إنَّ بَنِي إسْرَائِيل أَتَوْا نَبِيًّا مِنْ أَنْبِيَائِهِمْ حِين أُوذُوا فِي نَفُوسهمْ وَأَمْوَالهمْ , فَقَالُوا لَهُ : سَلْ رَبّك أَنْ يَكْتُب عَلَيْنَا الْقِتَال ! فَقَالَ لَهُمْ ذَلِكَ النَّبِيّ : { هَلْ عَسَيْتُمْ إنْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَال أَلَّا تُقَاتِلُوا } إلَى قَوْله : { وَاَللَّه يُؤْتِي مُلْكه مَنْ يَشَاء وَاَللَّه وَاسِع عَلِيم } . 4394 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ فِي قَوْله : { أَلَمْ تَرَ إلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل مِنْ بَعْد مُوسَى إذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمْ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا } قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : هَذَا حِين رُفِعَتْ التَّوْرَاة وَاسْتُخْرِجَ أَهْل الْإِيمَان , وَكَانَتْ الْجَبَابِرَة قَدْ أَخَرَجَتْهُمْ مِنْ دِيَارهمْ وَأَبْنَائِهِمْ . 4395 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { إذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمْ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا } قَالَ : هَذَا حِين رُفِعَتْ التَّوْرَاة وَاسْتُخْرِجَ أَهْل الْإِيمَان . وَقَالَ آخَرُونَ : كَانَ سَبَب مَسْأَلَتهمْ نَبِيّهمْ ذَلِكَ , مَا : 4396 - حَدَّثَنِي بِهِ مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { أَلَمْ تَرَ إلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل مِنْ بَعْد مُوسَى إذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمْ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه } قَالَ : كَانَتْ بَنُو إسْرَائِيل يُقَاتِلُونَ الْعَمَالِقَة , وَكَانَ مَلِك الْعَمَالِقَة جَالُوت . وَإِنَّهُمْ ظَهَرُوا عَلَى بَنِي إسْرَائِيل , فَضَرَبُوا عَلَيْهِمْ الْجِزْيَة , وَأَخَذُوا تَوْرَاتهمْ وَكَانَتْ بَنُو إسْرَائِيل يَسْأَلُونَ اللَّه أَنْ يَبْعَث لَهُمْ نَبِيًّا يُقَاتِلُونَ مَعَهُ وَكَانَ سَبْط النُّبُوَّة قَدْ هَلَكُوا , فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إلَّا امْرَأَة حُبْلَى , فَأَخَذُوهَا فَحَبَسُوهَا فِي بَيْت رَهْبَة أَنْ تَلِد جَارِيَة فَتُبَدِّلهَا بِغُلَامٍ , لَمَّا تَرَى مِنْ رَغْبَة بَنِي إسْرَائِيل فِي وَلَدهَا . فَجَعَلَتْ الْمَرْأَة تَدْعُو اللَّه أَنْ يَرْزُقهَا غُلَامًا , فَوَلَدَتْ غُلَامًا فَسَمَّتْهُ شَمْعُون . فَكَبِرَ الْغُلَام فَأَرْسَلَتْهُ يَتَعَلَّم التَّوْرَاة فِي بَيْت الْمَقْدِس , وَكَفَلَهُ شَيْخ مِنْ عُلَمَائِهِمْ وَتَبَنَّاهُ . فَلَمَّا بَلَغَ الْغُلَام أَنْ يَبْعَثهُ اللَّه نَبِيًّا أَتَاهُ جِبْرِيل وَالْغُلَام نَائِم إلَى جَنْب الشَّيْخ , وَكَانَ لَا يَأْتَمِن عَلَيْهِ أَحَدًا غَيْره , فَدَعَاهُ بِلَحْنِ الشَّيْخ : يَا شماول ! فَقَامَ الْغُلَام فَزِعًا إلَى الشَّيْخ , فَقَالَ : يَا أَبَتَاهُ دَعَوْتنِي ؟ فَكَرِهَ الشَّيْخ أَنْ يَقُول لَا فَيَفْزَع الْغُلَام , فَقَالَ : يَا بُنَيّ ارْجِعْ فَنَمْ ! فَرَجَعَ فَنَامَ ثُمَّ دَعَاهُ الثَّانِيَة , فَأَتَاهُ الْغُلَام أَيْضًا , فَقَالَ : دَعَوْتنِي ؟ فَقَالَ : ارْجِعْ فَنَمْ , فَإِنْ دَعَوْتُك الثَّالِثَة فَلَا تُجِبْنِي ! فَلَمَّا كَانَتْ الثَّالِثَة ظَهَرَ لَهُ جِبْرِيل , فَقَالَ : اذْهَبْ إلَى قَوْمك فَبَلِّغْهُمْ رِسَالَة رَبّك , فَإِنَّ اللَّه قَدْ بَعَثَك فِيهِمْ نَبِيًّا ! فَلَمَّا أَتَاهُمْ كَذَّبُوهُ وَقَالُوا : اسْتَعْجَلْت بِالنُّبُوَّةِ وَلَمْ يَأْنِ لَك وَقَالُوا : إنْ كُنْت صَادِقًا فَابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه آيَة مِنْ نُبُوَّتك ! فَقَالَ لَهُمْ شَمْعُون : عَسَى أَنْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَال أَلَّا تُقَاتِلُوا ! وَاَللَّه أَعْلَم . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَغَيْر جَائِز فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { نُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه } إذَا قُرِئَ بِالنُّونِ غَيْر الْجَزْم عَلَى مَعْنَى الْمُجَازَاة وَشَرْط الْأَمْر . فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّ الرَّفْع فِيهِ جَائِز وَقَدْ قُرِئَ بِالنُّونِ بِمَعْنَى الَّذِي نُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه , فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْر جَائِز ; لِأَنَّ الْعَرَب لَا تُضْمِر حَرْفَيْنِ . وَلَكِنَّ لَوْ كَانَ قُرِئَ ذَلِكَ بِالْيَاءِ لَجَازَ رَفْعه , لِأَنَّهُ يَكُون لَوْ قُرِئَ كَذَلِكَ صِلَة لِلْمَلِكِ , فَيَصِير تَأْوِيل الْكَلَام حِينَئِذٍ : ابْعَثْ لَنَا الَّذِي يُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه , كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْره : { وَابَعْث فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتك } 2 129 لِأَنَّ قَوْله " يَتْلُو " مِنْ صِلَة " الرَّسُول " .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إنْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَال أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : قَالَ النَّبِيّ الَّذِي سَأَلُوهُ أَنْ يَبْعَث لَهُمْ مَلِكًا يُقَاتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه : { هَلْ عَسَيْتُمْ } هَلْ تَعُدُّونَ إنْ كُتِبَ , يَعْنِي إنْ فُرِضَ عَلَيْكُمْ الْقِتَال أَلَّا تُقَاتِلُوا ؟ يَعْنِي أَنْ لَا تَفُوا بِمَا تَعُدُّونَ اللَّه مِنْ أَنْفُسكُمْ مِنْ الْجِهَاد فِي سَبِيله ؟ فَإِنَّكُمْ أَهْل نَكْث وَغَدْر , وَقِلَّة وَفَاء بِمَا تَعُدُّونَ ! { قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه } يَعْنِي قَالَ الْمَلَأ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل لِنَبِيِّهِمْ ذَلِكَ : وَأَيّ شَيْء يَمْنَعنَا أَنْ نُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه عَدُوّنَا وَعَدُوّ اللَّه , { وَقَدْ أُخْرِجنَا مِنْ دِيَارنَا وَأَبْنَائِنَا } بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَة ؟ فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَمَا وَجْه دُخُول " أَنْ " فِي قَوْله : { وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه } وَحَذَفَهُ مِنْ قَوْله : { وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالرَّسُول يَدْعُوكُمْ } 57 8 ؟ قِيلَ : هُمَا لُغَتَانِ فَصَيْحَتَانِ لِلْعَرَبِ , تُحْذَف " أَنَّ " مَرَّة مَعَ قَوْلنَا " مَا لَك " , فَتَقُول : مَا لَك لَا تَفْعَل كَذَا ؟ بِمَعْنَى : مَا لَك غَيْر فَاعِله , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : مَا لَك تَرْغِينَ وَلَا تَرْغُو الْخَلِف وَذَلِكَ هُوَ الْكَلَام الَّذِي لَا حَاجَة بِالْمُتَكَلِّمِ بِهِ إلَى
الِاسْتِشْهَاد عَلَى صِحَّته لِفُشُوِّ ذَلِكَ عَلَى أَلْسُن الْعَرَب . وَتَثْبُت " أَنَّ " فِيهِ أُخْرَى , تَوْجِيهًا لِقَوْلِهَا مَا لَك إلَى مَعْنَاهُ , إذْ كَانَ مَعْنَاهُ : مَا مَنَعَك , كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْره : { مَا مَنَعَك أَلَّا تُسْجِد إذْ أَمَرْتُك } 7 12 ثُمَّ قَالَ فِي سُورَة أُخْرَى فِي نَظِيره : { مَا لَك أَلَّا تَكُون مَعَ السَّاجِدِينَ } 15 32 فَوَضَعَ " مَا مَنَعَك " مَوْضِع " مَا لَك " , و " مَا لَك " مَوْضِع " مَا مَنَعَك " لِاتِّفَاقِ مَعْنَيَيْهِمَا وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظهمَا , كَمَا تَفْعَل الْعَرَب ذَلِكَ فِي نَظَائِره مِمَّا تَتَّفِق مَعَانِيه وَتَخْتَلِف أَلْفَاظه , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : يَقُول إذًا اقْلَوْلَى عَلَيْهَا وَأَقْرَدَتْ أَلَا هَلْ أَخُو عَيْش لَذِيذ بِدَائِمِ فَأَدْخَلَ فِي " دَائِم " " الْبَاء " مَعَ " هَلْ " وَهِيَ اسْتِفْهَام , وَإِنَّمَا تَدْخُل فِي خَبَر " مَا " الَّتِي فِي مَعْنَى الْجَحْد لِتَقَارُبِ مَعْنَى الِاسْتِفْهَام وَالْجَحْد . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة يَقُول : أُدْخِلَتْ " أَنَّ " فِي : { أَلَّا تُقَاتِلُوا } لِأَنَّهُ بِمَعْنَى قَوْل الْقَائِل : مَا لَك فِي أَلَّا تُقَاتِل ؟ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا لَجَازَ أَنْ يُقَال : مَا لَك أَنْ قُمْت ؟ وَمَا لَك أَنَّك قَائِم ؟ وَذَلِكَ غَيْر جَائِز ; لِأَنَّ الْمَنْع إنَّمَا يَكُون لِلْمُسْتَقْبَلِ مِنْ الْأَفْعَال , كَمَا يُقَال : مَنَعْتُك أَنْ تَقُوم , وَلَا يُقَال : مَنَعْتُك أَنْ قُمْت ; فَلِذَلِكَ قِيلَ فِي " مَا لَك " : مَا لَك أَلَّا تَقُوم , وَلَمْ يَقُلْ : مَا لَك أَنْ قُمْت . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : " أَنَّ " هَهُنَا زَائِدَة بَعْد " مَا " " فَلَمَّا " " وَلَمَّا " " وَلَوْ " وَهِيَ تُزَاد فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرًا قَالَ : وَمَعْنَاهُ : وَمَا لَنَا لَا نُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه ! فَأَعْمَلَ " أَنْ " وَهِيَ زَائِدَة وَقَالَ الْفَرَزْدَق : لَوْ لَمْ تَكُنْ غَطَفَان لَا ذُنُوب لَهَا إذَنْ لَلَامَ ذَوُو أَحْسَابهَا عُمَرَا وَالْمَعْنَى : لَوْ لَمْ تَكُنْ غَطَفَان لَهَا ذُنُوب . " وَلَا " زَائِدَة فَأَعْمَلَهَا وَأَنْكَرَ مَا قَالَ هَذَا الْقَائِل مِنْ قَوْله الَّذِي حُكِينَا عَنْهُ آخَرُونَ , وَقَالُوا : غَيْر جَائِز أَنْ تَجْعَل " أَنْ " زَائِدَة فِي الْكَلَام وَهُوَ صَحِيح فِي الْمَعْنَى وَبِالْكَلَامِ إلَيْهِ الْحَاجَة قَالُوا : وَالْمَعْنَى : مَا يَمْنَعنَا أَلَّا نُقَاتِل ؟ فَلَا وَجْه لِدَعْوَى مُدَّعٍ أَنَّ " أَنْ " زَائِدَة , وَلَهُ مَعْنَى مَفْهُوم صَحِيح . قَالُوا : وَأَمَّا قَوْله : " لَوْ لَمْ تَكُنْ غَطَفَان لَا ذُنُوب لَهَا " , فَإِنْ " لَا " غَيْر زَائِدَة فِي هَذَا الْمَوْضِع , لِأَنَّهُ جَحَدَ , وَالْجَحْد إذَا جُحِدَ صَارَ إثْبَاتًا . قَالُوا : فَقَوْله : " لَوْ لَمْ تَكُنْ غَطَفَان لَا ذُنُوب لَهَا " إثْبَات الذُّنُوب لَهَا , كَمَا يُقَال : مَا أَخُوك لَيْسَ يَقُوم , بِمَعْنَى : هُوَ يَقُوم . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى قَوْله : { مَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِل } مَا لَنَا وَلِأَنْ لَا نُقَاتِل , ثُمَّ حُذِفَتْ الْوَاو فَتُرِكَتْ , كَمَا يُقَال فِي الْكَلَام : مَا لَك وَلِأَنْ تَذْهَب إلَى فُلَان ؟ فَأَلْقَى مِنْهَا الْوَاو , لِأَنَّ " أَنْ " حَرْف غَيْر مُتَمَكِّن فِي الْأَسْمَاء وَقَالُوا : نُجِيز أَنْ يُقَال : مَا لَك أَنْ تَقُوم ؟ وَلَا نُجِيز : مَا لَك الْقِيَام ؟ لِأَنَّ الْقِيَام اسْم صَحِيح , و " أَنَّ " اسْم غَيْر صَحِيح وَقَالُوا : قَدْ تَقُول الْعَرَب : إيَّاكَ أَنْ تَتَكَلَّم , بِمَعْنَى إيَّاكَ وَأَنْ تَتَكَلَّم . وَأَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلهمْ آخَرُونَ , وَقَالُوا : لَوْ جَازَ أَنْ يُقَال ذَلِكَ عَلَى التَّأْوِيل الَّذِي تَأَوَّلَهُ قَائِل مَنْ حُكِّينَا قَوْله , لَوَجَبَ أَنْ يَكُون جَائِزًا : " ضَرَبْتُك بِالْجَارِيَةِ وَأَنْت كَفِيل " , بِمَعْنَى : وَأَنْت كَفِيل بِالْجَارِيَةِ , وَأَنْ تَقُول : " رَأَيْتُك أَبَانَا وَيَزِيد " , بِمَعْنَى : رَأَيْتُك وَأَبَانَا يَزِيد ; لِأَنَّ الْعَرَب تَقُول : إيَّاكَ بِالْبَاطِلِ أَنْ تَنْطِق قَالُوا : فَلَوْ كَانَتْ الْوَاو مُضْمَرَة فِي أَنْ لَجَازَ جَمِيع مَا ذَكَرْنَا ; وَلَكِنَّ ذَلِكَ غَيْر جَائِز , لِأَنَّ مَا بَعْد الْوَاو مِنْ الْأَفَاعِيل غَيْر جَائِز لَهُ أَنْ يَقَع عَلَى مَا قَبْلهَا . وَاسْتَشْهَدُوا عَلَى فَسَاد قَوْل مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْوَاو مُضْمَرَة مَعَ " أَنْ " يَقُول الشَّاعِر : فَبُحْ بِالسَّرَائِرِ فِي أَهْلهَا إيَّاكَ فِي غَيْرهمْ أَنْ تَبُوحَا وَأَنْ " أَنْ تَبُوحَا " لَوْ كَانَ فِيهَا وَاو مُضْمَرَة لَمْ يَجُزْ تَقْدِيم غَيْرهمْ عَلَيْهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَدْ أُخْرِجنَا مِنْ دِيَارنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَال تَوَلَّوْا إلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاَللَّه عَلِيم بِالظَّالِمِينَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَقَدْ أُخْرِجَ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ مِنْ رِجَالنَا وَنِسَائِنَا مِنْ دِيَارهمْ وَأَوْلَادهمْ وَمَنْ سُبِيَ . وَهَذَا الْكَلَام ظَاهِره الْعُمُوم , وَبَاطِنه الْخُصُوص ; لِأَنَّ الَّذِينَ قَالُوا لِنَبِيِّهِمْ : { ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه } كَانُوا فِي دِيَارهمْ وَأَوْطَانهمْ , وَإِنَّمَا كَانَ أُخْرِجَ مِنْ دَاره وَوَلَده مَنْ أُسِرَ وَقُهِرَ مِنْهُمْ . وَأَمَّا قَوْله : { فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَال تَوَلَّوْا إلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ } يَقُول : فَلَمَّا فَرَضَ عَلَيْهِمْ قِتَال عَدُوّهُمْ وَالْجِهَاد فِي سَبِيله , { تَوَلَّوْا إلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ } يَقُول : أَدْبَرُوا مُوَلِّينَ عَنْ الْقِتَال , وَضَيَّعُوا مَا سَأَلُوهُ نَبِيّهمْ مِنْ فَرْض الْجِهَاد . وَالْقَلِيل الَّذِي اسْتَثْنَاهُمْ اللَّه مِنْهُمْ , هُمْ الَّذِينَ عَبَرُوا النَّهَر مَعَ طَالُوت وَسَنَذْكُرُ سَبَب تَوَلِّي مَنْ تَوَلَّى مِنْهُمْ وَعُبُور مَنْ عَبَرَ مِنْهُمْ النَّهَر بَعْد إنْ شَاءَ اللَّه إذَا أَتَيْنَا عَلَيْهِ . يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { وَاَللَّه عَلِيم بِالظَّالِمِينَ } يَعْنِي : وَاَللَّه ذُو عِلْم بِمَنْ ظَلَمَ مِنْهُمْ نَفْسه , فَأَخْلَفَ اللَّه مَا وَعَدَهُ مِنْ نَفْسه وَخَالَفَ أَمْر رَبّه فِيمَا سَأَلَهُ ابْتِدَاء أَنْ يُوجِبهُ عَلَيْهِ . وَهَذَا مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره تَقْرِيع لِلْيَهُودِ الَّذِينَ كَانُوا بَيْن ظَهْرَانَيْ مُهَاجِر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَكْذِيبهمْ نَبِيّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُخَالَفَتهمْ أَمْر رَبّهمْ . يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره لَهُمْ : إنَّكُمْ يَا مَعْشَر الْيَهُود عَصَيْتُمْ اللَّه وَخَالَفْتُمْ أَمْره فِيمَا سَأَلْتُمُوهُ أَنْ يُفْرِضهُ عَلَيْكُمْ ابْتِدَاء مِنْ غَيْر أَنْ يَبْتَدِئكُمْ رَبّكُمْ بِفَرْضِ مَا عَصَيْتُمُوهُ فِيهِ
, فَأَنْتُمْ بِمَعْصِيَتِهِ فِيمَا ابْتَدَأَكُمْ بِهِ مِنْ إلْزَام فَرْضه أَحْرَى . وَفِي هَذَا الْكَلَام مَتْرُوك قَدْ اُسْتُغْنِيَ بِذِكْرِ مَا ذُكِرَ عَمَّا تَرَكَ مِنْهُ ; وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : قَالُوا : وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه وَقَدْ أُخْرِجنَا مِنْ دِيَارنَا وَأَبْنَائِنَا ! فَسَأَلَ نَبِيّهمْ رَبّهمْ أَنْ يَبْعَث لَهُمْ مَلِكًا يُقَاتِلُونَ مَعَهُ فِي سَبِيل اللَّه . فَبَعَثَ لَهُمْ مَلِكًا , وَكَتَبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَال ; { فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَال تَوَلَّوْا إلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاَللَّه عَلِيم بِالظَّالِمِينَ }
وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُواْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَ لَهُمْ نَبِيّهمْ إنَّ اللَّه قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوت مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُون لَهُ الْمُلْك عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَة مِنْ الْمَال } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : وَقَالَ لِلْمَلَأِ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل نَبِيّهمْ شمويل : إنَّ اللَّه قَدْ أَعْطَاكُمْ مَا سَأَلْتُمْ , وَبَعَثَ لَكُمْ طَالُوت مَلِكًا . فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ نَبِيّهمْ شمويل ذَلِكَ , قَالُوا : أَنَّى يَكُون لِطَالُوت الْمُلْك عَلَيْنَا , وَهُوَ مِنْ سَبْط بِنْيَامِين بْن يَعْقُوب , وَسَبْط بِنْيَامِين سَبْط لَا مُلْك فِيهِمْ وَلَا نُبُوَّة , وَنَحْنُ أَحَقّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ , لِأَنَّا مِنْ سَبْط يَهُوذَا بْن يَعْقُوب , { وَلَمْ يُؤْتَ سَعَة مِنْ الْمَال } ! يَعْنِي : وَلَمْ يُؤْتَ طَالُوت كَثِيرًا مِنْ الْمَال , لِأَنَّهُ سَقَّاء , وَقِيلَ كَانَ دَبَّاغًا . وَكَانَ سَبَب تَمْلِيك اللَّه طَالُوت عَلَى بَنِي إسْرَائِيل وَقَوْلهمْ مَا قَالُوا لِنَبِيِّهِمْ شمويل : { أَنَّى يَكُون لَهُ الْمُلْك عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَة مِنْ الْمَال } مَا : 4397 - حَدَّثَنَا بِهِ ابْن حُمَيْد , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة بْن الْفَضْل , قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنِي بَعْض أَهْل الْعِلْم , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه قَالَ : لَمَّا قَالَ الْمَلَأ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل لشمويل بْن بَالِي مَا قَالُوا لَهُ , سَأَلَ اللَّه نَبِيّهمْ شمويل أَنْ يَبْعَث لَهُمْ مَلِكًا , فَقَالَ اللَّه لَهُ : اُنْظُرْ الْقَرْن الَّذِي فِيهِ الدُّهْن فِي بَيْتك , فَإِذَا دَخَلَ عَلَيْك رَجُل فَنَشِّ الدُّهْن الَّذِي فِي الْقَرْن , فَهُوَ مَلِك بَنِي إسْرَائِيل , فَادَّهَنَ رَأْسه مِنْهُ , وَمَلَّكَهُ عَلَيْهِمْ ! وَأَخْبَرَهُ بِاَلَّذِي جَاءَهُ . فَأَقَامَ يَنْتَظِر مَتَى ذَلِكَ الرَّجُل دَاخِلًا عَلَيْهِ . وَكَانَ طَالُوت رَجُلًا دَبَّاغًا يَعْمَل الْأُدُم , وَكَانَ مِنْ سَبْط بِنْيَامِين بْن يَعْقُوب , وَكَانَ سَبْط بِنْيَامِين سَبْطًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ نُبُوَّة وَلَا مُلْك . فَخَرَجَ طَالُوت فِي طَلَب دَابَّة لَهُ أَضَلَّتْهُ وَمَعَهُ غُلَام لَهُ , فَمَرَّا بِبَيْتِ النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام , فَقَالَ غُلَام طَالُوت لِطَالُوت : لَوْ دَخَلْت بِنَا عَلَى هَذَا النَّبِيّ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ أَمْر دَابَّتنَا فَيُرْشِدنَا وَيَدْعُو لَنَا فِيهَا بِخَيْرٍ ؟ فَقَالَ طَالُوت : مَا بِمَا قُلْت مِنْ بَأْس ! فَدَخَلَا عَلَيْهِ , فَبَيْنَمَا هُمَا عِنْده يَذْكُرَانِ لَهُ شَأْن دَابَّتهمَا , وَيَسْأَلَانِهِ أَنْ يَدْعُو لَهُمَا فِيهَا , إذْ نَشَّ الدُّهْن الَّذِي فِي الْقَرْن , فَقَامَ إلَيْهِ
النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام فَأَخَذَهُ , ثُمَّ قَالَ لِطَالُوت : قَرِّبْ رَأْسك ! فَقَرَّبَهُ , فَدَهَنَهُ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ : أَنْتَ مَلِك بَنِي إسْرَائِيل الَّذِي أَمَرَنِي اللَّه أَنْ أُمَلِّكك عَلَيْهِمْ . وَكَانَ اسْم طَالُوت بالسريانية : شَاؤُل بْن قَيْس بْن أبيال بْن صِرَار بْن يحرب بْن أُفَيْح بْن آيس بْن بِنْيَامِين بْن يَعْقُوب بْن إسْحَاق بْن إبْرَاهِيم . فَجَلَسَ عِنْده وَقَالَ النَّاس : مَلِك طَالُوت . فَأَتَتْ عُظَمَاء بَنِي إسْرَائِيل نَبِيّهمْ وَقَالُوا لَهُ : مَا شَأْن طَالُوت يَمْلِك عَلَيْنَا وَلَيْسَ فِي بَيْت النُّبُوَّة وَلَا الْمَمْلَكَة ؟ قَدْ عَرَفْت أَنَّ النُّبُوَّة وَالْمُلْك فِي آل لَاوِي وَآل يَهُوذَا ! فَقَالَ لَهُمْ : { إنَّ اللَّه اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَة فِي الْعِلْم وَالْجِسْم } 4398 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْمَاعِيل , عَنْ عَبْد الْكَرِيم , عَنْ عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه , قَالَ : قَالَتْ بَنُو إسْرَائِيل لشمويل : ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه ! قَالَ : قَدْ كَفَاكُمْ اللَّه الْقِتَال ! قَالُوا : إنَّا نَتَخَوَّف مِنْ حَوْلنَا فَيَكُون لَنَا مَلِك نَفْزَع إلَيْهِ ! فَأَوْحَى اللَّه إلَى شمويل أَنْ ابْعَثْ لَهُمْ طَالُوت مَلِكًا , وَادَّهِنْهُ بِدُهْنِ الْقُدْس . وَضَلَّتْ حُمُر لِأَبِي طَالُوت , فَأَرْسَلَهُ وَغُلَامًا لَهُ يَطْلُبَانِهَا , فَجَاءُوا إلَى شمويل يَسْأَلُونَهُ عَنْهَا , فَقَالَ : إنَّ اللَّه قَدْ بَعَثَك مَلِكًا عَلَى بَنِي إسْرَائِيل قَالَ : أَنَا ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : وَمَا عَلِمْت أَنَّ سَبْطِي أَدْنَى أَسْبَاط بَنِي إسْرَائِيل ؟ قَالَ : بَلَى . قَالَ : أَفَمَا عَلِمْت أَنَّ قَبِيلَتِي أَدْنَى قَبَائِل سَبْطِي ؟ قَالَ : بَلَى . قَالَ : أَمَا عَلِمْت أَنَّ بَيْتِي أَدْنَى بُيُوت قَبِيلَتِي ؟ قَالَ : بَلَى . قَالَ : فَبِأَيَّةِ آيَة ؟ قَالَ : بِآيَةِ أَنَّك تَرْجِع وَقَدْ وَجَدَ أَبُوك حُمُره , وَإِذَا كُنْت بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا نَزَلَ عَلَيْك الْوَحْي . فَدَهَنَهُ بِدُهْنِ الْقُدْس , فَقَالَ لِبَنِي إسْرَائِيل : { إنَّ اللَّه قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوت مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُون لَهُ الْمُلْك عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَة مِنْ الْمَال قَالَ إنَّ اللَّه اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَة فِي الْعِلْم وَالْجِسْم } 4399 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : لَمَّا كَذَّبَتْ بَنُو إسْرَائِيل شَمْعُون , وَقَالُوا لَهُ : إنْ كُنْت صَادِقًا فَابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه آيَة مِنْ نُبُوَّتك ! قَالَ لَهُمْ شَمْعُون : عَسَى أَنْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَال أَلَّا تُقَاتِلُوا . { قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه } الْآيَة . دَعَا اللَّه فَأُتِيَ بِعَصًا تَكُون مِقْدَارًا عَلَى طُول الرَّجُل الَّذِي يُبْعَث فِيهِمْ مَلِكًا , فَقَالَ : إنَّ صَاحِبكُمْ يَكُون طُوله طُول هَذِهِ الْعَصَا . فَقَاسُوا أَنْفُسهمْ بِهَا , فَلَمْ يَكُونُوا مِثْلهَا . وَكَانَ طَالُوت رَجُلًا سَقَّاء يَسْقِي عَلَى حِمَار لَهُ , فَضَلَّ حِمَاره , فَانْطَلَقَ يَطْلُبهُ فِي الطَّرِيق , فَلَمَّا رَأَوْهُ دَعَوْهُ فَقَاسُوهُ بِهَا , فَكَانَ مِثْلهَا , فَقَالَ لَهُمْ نَبِيّهمْ : { إنَّ اللَّه قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوت مَلِكًا } قَالَ الْقَوْم : مَا كُنْت قَطّ أَكْذِب مِنْك السَّاعَة , وَنَحْنُ مِنْ سَبْط الْمَمْلَكَة وَلَيْسَ هُوَ مِنْ سَبْط الْمَمْلَكَة , وَلَمْ يُؤْتَ سَعَة مِنْ الْمَال فَنَتَّبِعهُ لِذَلِكَ ! فَقَالَ النَّبِيّ : { إنَّ اللَّه اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَة فِي الْعِلْم وَالْجِسْم } 4400 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا شَرِيك , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : كَانَ طَالُوت سَقَّاء يَبِيع الْمَاء . 4401 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد عَنْ قَتَادَة قَالَ : بَعَثَ اللَّه طَالُوت مَلِكًا , وَكَانَ مِنْ سَبْط بِنْيَامِين سَبْط لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَمْلَكَة وَلَا نُبُوَّة . وَكَانَ فِي بَنِي إسْرَائِيل سَبْطَانِ : سَبْط نُبُوَّة , وَسَبْط مَمْلَكَة , وَكَانَ سَبْط النُّبُوَّة سَبْط لَاوِي إلَيْهِ مُوسَى وَسَبْط الْمَمْلَكَة يَهُوذَا إلَيْهِ دَاوُد وَسُلَيْمَان . فَلَمَّا بَعَثَ مِنْ غَيْر سَبْط النُّبُوَّة وَالْمَمْلَكَة أَنْكَرُوا ذَلِكَ وَعَجِبُوا مِنْهُ وَقَالُوا : { أَنَّى يَكُون لَهُ الْمَلِك عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ } ! قَالُوا : وَكَيْفَ يَكُون لَهُ الْمُلْك عَلَيْنَا , وَلَيْسَ مِنْ سَبْط النُّبُوَّة , وَلَا مِنْ سَبْط الْمَمْلَكَة ! فَقَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { إنَّ اللَّه اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ } * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا } قَالَ لَهُمْ نَبِيّهمْ : { إنَّ اللَّه قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوت مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُون لَهُ الْمَلِك عَلَيْنَا } ! قَالَ : وَكَانَ مِنْ سَبْط لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُلْك وَلَا نُبُوَّة , فَقَالَ : { إنَّ اللَّه اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَة فِي الْعِلْم وَالْجِسْم } 4402 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { وَقَالَ لَهُمْ نَبِيّهمْ إنَّ اللَّه قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوت مَلِكًا } وَكَانَ فِي بَنِي إسْرَائِيل سَبْطَانِ : سَبْط نُبُوَّة , وَسَبْط خِلَافَة . فَلِذَلِكَ { قَالُوا أَنَّى يَكُون لَهُ الْمُلْك عَلَيْنَا } ! يَقُولُونَ : وَمِنْ أَيْنَ يَكُون لَهُ الْمُلْك عَلَيْنَا , وَلَيْسَ مِنْ سَبْط النُّبُوَّة , وَلَا سَبْط الْخِلَافَة ! { قَالَ إنَّ اللَّه اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَة فِي الْعِلْم وَالْجِسْم } * حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم يَقُول فِي قَوْله : { أَنَّى يَكُون لَهُ الْمُلْك عَلَيْنَا } فَذَكَرَ نَحْوه . 4403 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : لَمَّا قَالَتْ بَنُو إسْرَائِيل لِنَبِيِّهِمْ : سَلْ رَبّك أَنْ يَكْتُب عَلَيْنَا الْقِتَال ! فَقَالَ لَهُمْ ذَلِكَ النَّبِيّ : { هَلْ عَسَيْتُمْ إنْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَال } الْآيَة . قَالَ : فَبَعَثَ اللَّه طَالُوت مَلِكًا . قَالَ : وَكَانَ فِي بَنِي إسْرَائِيل سَبْطَانِ : سَبْط نُبُوَّة وَسَبْط مَمْلَكَة , وَلَمْ يَكُنْ طَالُوت مِنْ سَبْط النُّبُوَّة وَلَا مِنْ سَبْط الْمَمْلَكَة . فَلَمَّا بَعَثَ لَهُمْ مَلِكًا أَنْكَرُوا ذَلِكَ , وَعَجِبُوا وَقَالُوا : { أَنَّى يَكُون لَهُ الْمُلْك عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَة مِنْ الْمَال } ! قَالُوا : وَكَيْفَ يَكُون لَهُ الْمَلِك عَلَيْنَا وَلَيْسَ مِنْ سَبْط النُّبُوَّة وَلَا مِنْ سَبْط الْمَمْلَكَة ! فَقَالَ : { إنَّ اللَّه اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ } الْآيَة . 4404 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : أَمَّا ذِكْر طَالُوت إذْ قَالُوا : { أَنَّى يَكُون لَهُ الْمُلْك عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَة مِنْ الْمَال } فَإِنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا ذَلِك إلَّا أَنَّهُ كَانَ فِي بَنِي إسْرَائِيل سَبْطَانِ , كَانَ فِي أَحَدهمَا النُّبُوَّة , وَكَانَ فِي الْآخَر الْمُلْك , فَلَا يُبْعَث إلَّا مَنْ كَانَ مِنْ سَبْط النُّبُوَّة , وَلَا يَمْلِك عَلَى الْأَرْض أَحَد إلَّا مَنْ كَانَ مِنْ سَبْط الْمُلْك . وَأَنَّهُ ابْتَعَثَ طَالُوت حَيْن ابْتَعَثَهُ وَلَيْسَ مِنْ أَحَد السَّبْطَيْنِ وَاخْتَارَهُ عَلَيْهِمْ وَزَادَهُ بَسْطَة فِي الْعِلْم وَالْجِسْم ; وَمِنْ أَجْل ذَلِك قَالُوا : { أَنَّى يَكُون لَهُ الْمُلْك عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ } وَلَيْسَ مِنْ وَاحِد مِنْ السَّبْطَيْنِ , قَالَ : { إنَّ اللَّه اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ } إلَى : { وَاَللَّه وَاسِع عَلِيم } * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس قَوِّلْهُ : { أَلَمْ تَرَ إلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل مِنْ بَعْد مُوسَى } الْآيَة . هَذَا حِين رُفِعَتْ التَّوْرَاة وَاسْتُخْرِجَ أَهْل الْإِيمَان , وَكَانَتْ الْجَبَابِرَة قَدْ أَخَرَجَتْهُمْ مِنْ دِيَارهمْ وَأَبْنَائِهِمْ ; فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَال - وَذَلِك حَيْن أَتَاهُمْ التَّابُوت - قَالَ : وَكَانَ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل سَبْطَانِ : سَبْط نُبُوَّة وَسَبْط خِلَافَة , فَلَا تَكُون الْخِلَافَة إلَّا فِي سَبْط الْخِلَافَة , وَلَا تَكُون النُّبُوَّة إلَّا فِي سَبْط النُّبُوَّة , فَقَالَ لَهُمْ نَبِيّهمْ : { إنَّ اللَّه قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوت مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُون لَهُ الْمُلْك عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ } وَلَيْسَ مِنْ أَحَد السَّبْطَيْنِ , لَا مِنْ سَبْط النُّبُوَّة وَلَا سَبْط الْخِلَافَة . { قَالَ إنَّ اللَّه اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ } الْآيَة . وَقَدْ قِيلَ : إنَّ مَعْنَى الْمُلْك فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْإِمْرَة عَلَى الْجَيْش . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4405 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ مُجَاهَد قَوْله : { إنَّ اللَّه قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوت مُلْكًا } قَالَ : كَانَ أَمِير الْجَيْش . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهَد بِمِثْلِهِ , إلَّا أَنَّهُ قَالَ : كَانَ أَمِيرًا عَلَى الْجَيْش . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى " أَنَّى " , وَمَعْنَى الْمُلْك فِيمَا مَضَى , فَأَغْنَى ذَلِك عَنْ إعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ إنَّ اللَّه اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَة فِي الْعِلْم وَالْجِسْم } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { إنَّ اللَّه اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ } قَالَ نَبِيّهمْ شمويل لَهُمْ : إنَّ اللَّه اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ يَعْنِي اخْتَارَهُ عَلَيْكُمْ . كَمَا : 4406 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ } اخْتَارَهُ . 4407 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { إنَّ اللَّه اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ } قَالَ : اخْتَارَهُ عَلَيْكُمْ . 4408 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { إنَّ اللَّه اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ } اخْتَارَهُ . وَأَمَّا قَوْله : { وَزَادَهُ بَسْطَة فِي الْعِلْم وَالْجِسْم } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ : إنَّ اللَّه بَسَطَ لَهُ فِي الْعِلْم وَالْجِسْم , وَآتَاهُ مِنْ الْعِلْم فَضْلًا عَلَى مَا آتَى غَيْره مِنْ الَّذِينَ خُوطِبُوا بِهَذَا الْخِطَاب . وَذَلِك أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ أَتَاهُ وَحْيٌ مِنْ اللَّهِ وَأَمَّا فِي الْجِسْمِ , فَإِنَّهُ أُوتِيَ مِنْ الزِّيَادَةِ فِي طُوله عَلَيْهِ مَا لَمْ يُؤْتَهُ غَيْره مِنْهُمْ . كَمَا : 4409 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْمَاعِيل بْن عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه , قَالَ : لَمَّا قَالَتْ بَنُو إسْرَائِيل : { أَنَّى يَكُون لَهُ الْمُلْك عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَة مِنْ الْمَال قَالَ إنَّ اللَّه اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَة فِي الْعِلْم وَالْجِسْم } قَالَ : وَاجْتَمَعَ بَنُو إسْرَائِيل , فَكَانَ طَالُوت فَوْقهمْ مِنْ مَنْكِبَيْهِ فَصَاعِدًا . وَقَالَ السُّدِّيّ : أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَصًا تَكُون مِقْدَارًا عَلَى طُول الرَّجُل الَّذِي يَبْعَث فِيهِمْ مَلِكًا فَقَالَ : إنَّ صَاحِبكُمْ يَكُون طُوله طُول هَذِهِ الْعَصَا . فَقَاسُوا أَنْفُسهمْ بِهَا فَلَمْ يَكُونُوا مِثْلهَا , فَقَاسُوا طَالُوت بِهَا فَكَانَ مِثْلهَا . 4410 - حَدَّثَنِي بِذَلِك مُوسَى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِك : إنَّ اللَّه اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ مَعَ اصْطِفَائِهِ إيَّاهُ
بَسْطَة فِي الْعِلْم وَالْجِسْم ; يَعْنِي بِذَلِك : بَسَطَ لَهُ مَعَ ذَلِك فِي الْعِلْم وَالْجِسْم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4411 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { إنَّ اللَّه اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَة فِي الْعِلْم وَالْجِسْم } بَعْد هَذَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَللَّه يُؤْتِي مُلْكه مَنْ يَشَاء } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِك : أَنَّ الْمُلْك لِلَّهِ وَبِيَدِهِ دُون غَيْره يُؤْتِيه . يَقُول : يُؤْتِي ذَلِك مَنْ يَشَاء فَيَضَعهُ عِنْده , وَيَخُصّهُ بِهِ , وَيَمْنَحهُ مَنْ أَحَبَّ مِنْ خَلْقه . يَقُول : فَلَا تَسْتَنْكِرُوا يَا مَعْشَر الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل أَنْ يَبْعَث اللَّه طَالُوت مَلِكًا عَلَيْكُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ
أَهْل بَيْت الْمَمْلَكَة , فَإِنَّ الْمُلْك لَيْسَ بِمِيرَاثٍ عَنْ الْآبَاء وَالْأَسْلَاف , وَلَكِنَّهُ بِيَدِ اللَّه يُعْطِيه مَنْ يَشَاء مِنْ خَلْقه , فَلَا تَتَخَيَّرُوا عَلَى اللَّه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِك قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4412 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنِي ابْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنِي بَعْض أَهْل الْعِلْم , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه : { وَاَللَّه يُؤْتِي مُلْكه مَنْ يَشَاء } الْمُلْك بِيَدِ اللَّه يَضَعهُ حَيْثُ شَاءَ , لَيْسَ لَكُمْ أَنَّ تَخْتَارُوا فِيهِ . 4413 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ مُجَاهِد : مُلْكه : سُلْطَانه . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَاَللَّه يُؤْتِي مُلْكه مَنْ يَشَاء } سُلْطَانه .
وَأَمَّا قَوْله : { وَاَللَّه وَاسِع عَلِيم } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِك وَاَللَّه وَاسِع بِفَضْلِهِ , فَيُنْعِم بِهِ عَلَى مَنْ أَحَبَّ , وَيُرِيد بِهِ مَنْ يَشَاء { عَلِيم } بِمَنْ هُوَ أَهْلٌ لِمُلْكِهِ الَّذِي يُؤْتِيهِ , وَفَضْلِهِ الَّذِي يُعْطِيهِ , فَيُعْطِيه
ذَلِك لِعِلْمِهِ بِهِ , وَبِأَنَّهُ لِمَا أَعْطَاهُ أَهْل إمَّا لِلْإِصْلَاحِ بِهِ وَإِمَّا لِأَنْ يَنْتَفِع هُوَ بِهِ .
النَّبِيّ عَلَيْهِ السَّلَام فَأَخَذَهُ , ثُمَّ قَالَ لِطَالُوت : قَرِّبْ رَأْسك ! فَقَرَّبَهُ , فَدَهَنَهُ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ : أَنْتَ مَلِك بَنِي إسْرَائِيل الَّذِي أَمَرَنِي اللَّه أَنْ أُمَلِّكك عَلَيْهِمْ . وَكَانَ اسْم طَالُوت بالسريانية : شَاؤُل بْن قَيْس بْن أبيال بْن صِرَار بْن يحرب بْن أُفَيْح بْن آيس بْن بِنْيَامِين بْن يَعْقُوب بْن إسْحَاق بْن إبْرَاهِيم . فَجَلَسَ عِنْده وَقَالَ النَّاس : مَلِك طَالُوت . فَأَتَتْ عُظَمَاء بَنِي إسْرَائِيل نَبِيّهمْ وَقَالُوا لَهُ : مَا شَأْن طَالُوت يَمْلِك عَلَيْنَا وَلَيْسَ فِي بَيْت النُّبُوَّة وَلَا الْمَمْلَكَة ؟ قَدْ عَرَفْت أَنَّ النُّبُوَّة وَالْمُلْك فِي آل لَاوِي وَآل يَهُوذَا ! فَقَالَ لَهُمْ : { إنَّ اللَّه اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَة فِي الْعِلْم وَالْجِسْم } 4398 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْمَاعِيل , عَنْ عَبْد الْكَرِيم , عَنْ عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه , قَالَ : قَالَتْ بَنُو إسْرَائِيل لشمويل : ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه ! قَالَ : قَدْ كَفَاكُمْ اللَّه الْقِتَال ! قَالُوا : إنَّا نَتَخَوَّف مِنْ حَوْلنَا فَيَكُون لَنَا مَلِك نَفْزَع إلَيْهِ ! فَأَوْحَى اللَّه إلَى شمويل أَنْ ابْعَثْ لَهُمْ طَالُوت مَلِكًا , وَادَّهِنْهُ بِدُهْنِ الْقُدْس . وَضَلَّتْ حُمُر لِأَبِي طَالُوت , فَأَرْسَلَهُ وَغُلَامًا لَهُ يَطْلُبَانِهَا , فَجَاءُوا إلَى شمويل يَسْأَلُونَهُ عَنْهَا , فَقَالَ : إنَّ اللَّه قَدْ بَعَثَك مَلِكًا عَلَى بَنِي إسْرَائِيل قَالَ : أَنَا ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : وَمَا عَلِمْت أَنَّ سَبْطِي أَدْنَى أَسْبَاط بَنِي إسْرَائِيل ؟ قَالَ : بَلَى . قَالَ : أَفَمَا عَلِمْت أَنَّ قَبِيلَتِي أَدْنَى قَبَائِل سَبْطِي ؟ قَالَ : بَلَى . قَالَ : أَمَا عَلِمْت أَنَّ بَيْتِي أَدْنَى بُيُوت قَبِيلَتِي ؟ قَالَ : بَلَى . قَالَ : فَبِأَيَّةِ آيَة ؟ قَالَ : بِآيَةِ أَنَّك تَرْجِع وَقَدْ وَجَدَ أَبُوك حُمُره , وَإِذَا كُنْت بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا نَزَلَ عَلَيْك الْوَحْي . فَدَهَنَهُ بِدُهْنِ الْقُدْس , فَقَالَ لِبَنِي إسْرَائِيل : { إنَّ اللَّه قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوت مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُون لَهُ الْمُلْك عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَة مِنْ الْمَال قَالَ إنَّ اللَّه اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَة فِي الْعِلْم وَالْجِسْم } 4399 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : لَمَّا كَذَّبَتْ بَنُو إسْرَائِيل شَمْعُون , وَقَالُوا لَهُ : إنْ كُنْت صَادِقًا فَابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه آيَة مِنْ نُبُوَّتك ! قَالَ لَهُمْ شَمْعُون : عَسَى أَنْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَال أَلَّا تُقَاتِلُوا . { قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِل فِي سَبِيل اللَّه } الْآيَة . دَعَا اللَّه فَأُتِيَ بِعَصًا تَكُون مِقْدَارًا عَلَى طُول الرَّجُل الَّذِي يُبْعَث فِيهِمْ مَلِكًا , فَقَالَ : إنَّ صَاحِبكُمْ يَكُون طُوله طُول هَذِهِ الْعَصَا . فَقَاسُوا أَنْفُسهمْ بِهَا , فَلَمْ يَكُونُوا مِثْلهَا . وَكَانَ طَالُوت رَجُلًا سَقَّاء يَسْقِي عَلَى حِمَار لَهُ , فَضَلَّ حِمَاره , فَانْطَلَقَ يَطْلُبهُ فِي الطَّرِيق , فَلَمَّا رَأَوْهُ دَعَوْهُ فَقَاسُوهُ بِهَا , فَكَانَ مِثْلهَا , فَقَالَ لَهُمْ نَبِيّهمْ : { إنَّ اللَّه قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوت مَلِكًا } قَالَ الْقَوْم : مَا كُنْت قَطّ أَكْذِب مِنْك السَّاعَة , وَنَحْنُ مِنْ سَبْط الْمَمْلَكَة وَلَيْسَ هُوَ مِنْ سَبْط الْمَمْلَكَة , وَلَمْ يُؤْتَ سَعَة مِنْ الْمَال فَنَتَّبِعهُ لِذَلِكَ ! فَقَالَ النَّبِيّ : { إنَّ اللَّه اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَة فِي الْعِلْم وَالْجِسْم } 4400 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : حَدَّثَنَا شَرِيك , عَنْ عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : كَانَ طَالُوت سَقَّاء يَبِيع الْمَاء . 4401 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد عَنْ قَتَادَة قَالَ : بَعَثَ اللَّه طَالُوت مَلِكًا , وَكَانَ مِنْ سَبْط بِنْيَامِين سَبْط لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَمْلَكَة وَلَا نُبُوَّة . وَكَانَ فِي بَنِي إسْرَائِيل سَبْطَانِ : سَبْط نُبُوَّة , وَسَبْط مَمْلَكَة , وَكَانَ سَبْط النُّبُوَّة سَبْط لَاوِي إلَيْهِ مُوسَى وَسَبْط الْمَمْلَكَة يَهُوذَا إلَيْهِ دَاوُد وَسُلَيْمَان . فَلَمَّا بَعَثَ مِنْ غَيْر سَبْط النُّبُوَّة وَالْمَمْلَكَة أَنْكَرُوا ذَلِكَ وَعَجِبُوا مِنْهُ وَقَالُوا : { أَنَّى يَكُون لَهُ الْمَلِك عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ } ! قَالُوا : وَكَيْفَ يَكُون لَهُ الْمُلْك عَلَيْنَا , وَلَيْسَ مِنْ سَبْط النُّبُوَّة , وَلَا مِنْ سَبْط الْمَمْلَكَة ! فَقَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { إنَّ اللَّه اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ } * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله : { ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا } قَالَ لَهُمْ نَبِيّهمْ : { إنَّ اللَّه قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوت مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُون لَهُ الْمَلِك عَلَيْنَا } ! قَالَ : وَكَانَ مِنْ سَبْط لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُلْك وَلَا نُبُوَّة , فَقَالَ : { إنَّ اللَّه اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَة فِي الْعِلْم وَالْجِسْم } 4402 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { وَقَالَ لَهُمْ نَبِيّهمْ إنَّ اللَّه قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوت مَلِكًا } وَكَانَ فِي بَنِي إسْرَائِيل سَبْطَانِ : سَبْط نُبُوَّة , وَسَبْط خِلَافَة . فَلِذَلِكَ { قَالُوا أَنَّى يَكُون لَهُ الْمُلْك عَلَيْنَا } ! يَقُولُونَ : وَمِنْ أَيْنَ يَكُون لَهُ الْمُلْك عَلَيْنَا , وَلَيْسَ مِنْ سَبْط النُّبُوَّة , وَلَا سَبْط الْخِلَافَة ! { قَالَ إنَّ اللَّه اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَة فِي الْعِلْم وَالْجِسْم } * حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم يَقُول فِي قَوْله : { أَنَّى يَكُون لَهُ الْمُلْك عَلَيْنَا } فَذَكَرَ نَحْوه . 4403 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : لَمَّا قَالَتْ بَنُو إسْرَائِيل لِنَبِيِّهِمْ : سَلْ رَبّك أَنْ يَكْتُب عَلَيْنَا الْقِتَال ! فَقَالَ لَهُمْ ذَلِكَ النَّبِيّ : { هَلْ عَسَيْتُمْ إنْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَال } الْآيَة . قَالَ : فَبَعَثَ اللَّه طَالُوت مَلِكًا . قَالَ : وَكَانَ فِي بَنِي إسْرَائِيل سَبْطَانِ : سَبْط نُبُوَّة وَسَبْط مَمْلَكَة , وَلَمْ يَكُنْ طَالُوت مِنْ سَبْط النُّبُوَّة وَلَا مِنْ سَبْط الْمَمْلَكَة . فَلَمَّا بَعَثَ لَهُمْ مَلِكًا أَنْكَرُوا ذَلِكَ , وَعَجِبُوا وَقَالُوا : { أَنَّى يَكُون لَهُ الْمُلْك عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَة مِنْ الْمَال } ! قَالُوا : وَكَيْفَ يَكُون لَهُ الْمَلِك عَلَيْنَا وَلَيْسَ مِنْ سَبْط النُّبُوَّة وَلَا مِنْ سَبْط الْمَمْلَكَة ! فَقَالَ : { إنَّ اللَّه اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ } الْآيَة . 4404 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : أَمَّا ذِكْر طَالُوت إذْ قَالُوا : { أَنَّى يَكُون لَهُ الْمُلْك عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَة مِنْ الْمَال } فَإِنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا ذَلِك إلَّا أَنَّهُ كَانَ فِي بَنِي إسْرَائِيل سَبْطَانِ , كَانَ فِي أَحَدهمَا النُّبُوَّة , وَكَانَ فِي الْآخَر الْمُلْك , فَلَا يُبْعَث إلَّا مَنْ كَانَ مِنْ سَبْط النُّبُوَّة , وَلَا يَمْلِك عَلَى الْأَرْض أَحَد إلَّا مَنْ كَانَ مِنْ سَبْط الْمُلْك . وَأَنَّهُ ابْتَعَثَ طَالُوت حَيْن ابْتَعَثَهُ وَلَيْسَ مِنْ أَحَد السَّبْطَيْنِ وَاخْتَارَهُ عَلَيْهِمْ وَزَادَهُ بَسْطَة فِي الْعِلْم وَالْجِسْم ; وَمِنْ أَجْل ذَلِك قَالُوا : { أَنَّى يَكُون لَهُ الْمُلْك عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ } وَلَيْسَ مِنْ وَاحِد مِنْ السَّبْطَيْنِ , قَالَ : { إنَّ اللَّه اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ } إلَى : { وَاَللَّه وَاسِع عَلِيم } * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس قَوِّلْهُ : { أَلَمْ تَرَ إلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل مِنْ بَعْد مُوسَى } الْآيَة . هَذَا حِين رُفِعَتْ التَّوْرَاة وَاسْتُخْرِجَ أَهْل الْإِيمَان , وَكَانَتْ الْجَبَابِرَة قَدْ أَخَرَجَتْهُمْ مِنْ دِيَارهمْ وَأَبْنَائِهِمْ ; فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَال - وَذَلِك حَيْن أَتَاهُمْ التَّابُوت - قَالَ : وَكَانَ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل سَبْطَانِ : سَبْط نُبُوَّة وَسَبْط خِلَافَة , فَلَا تَكُون الْخِلَافَة إلَّا فِي سَبْط الْخِلَافَة , وَلَا تَكُون النُّبُوَّة إلَّا فِي سَبْط النُّبُوَّة , فَقَالَ لَهُمْ نَبِيّهمْ : { إنَّ اللَّه قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوت مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُون لَهُ الْمُلْك عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ } وَلَيْسَ مِنْ أَحَد السَّبْطَيْنِ , لَا مِنْ سَبْط النُّبُوَّة وَلَا سَبْط الْخِلَافَة . { قَالَ إنَّ اللَّه اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ } الْآيَة . وَقَدْ قِيلَ : إنَّ مَعْنَى الْمُلْك فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْإِمْرَة عَلَى الْجَيْش . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4405 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ مُجَاهَد قَوْله : { إنَّ اللَّه قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوت مُلْكًا } قَالَ : كَانَ أَمِير الْجَيْش . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهَد بِمِثْلِهِ , إلَّا أَنَّهُ قَالَ : كَانَ أَمِيرًا عَلَى الْجَيْش . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى " أَنَّى " , وَمَعْنَى الْمُلْك فِيمَا مَضَى , فَأَغْنَى ذَلِك عَنْ إعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ إنَّ اللَّه اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَة فِي الْعِلْم وَالْجِسْم } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { إنَّ اللَّه اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ } قَالَ نَبِيّهمْ شمويل لَهُمْ : إنَّ اللَّه اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ يَعْنِي اخْتَارَهُ عَلَيْكُمْ . كَمَا : 4406 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ } اخْتَارَهُ . 4407 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { إنَّ اللَّه اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ } قَالَ : اخْتَارَهُ عَلَيْكُمْ . 4408 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { إنَّ اللَّه اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ } اخْتَارَهُ . وَأَمَّا قَوْله : { وَزَادَهُ بَسْطَة فِي الْعِلْم وَالْجِسْم } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ : إنَّ اللَّه بَسَطَ لَهُ فِي الْعِلْم وَالْجِسْم , وَآتَاهُ مِنْ الْعِلْم فَضْلًا عَلَى مَا آتَى غَيْره مِنْ الَّذِينَ خُوطِبُوا بِهَذَا الْخِطَاب . وَذَلِك أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ أَتَاهُ وَحْيٌ مِنْ اللَّهِ وَأَمَّا فِي الْجِسْمِ , فَإِنَّهُ أُوتِيَ مِنْ الزِّيَادَةِ فِي طُوله عَلَيْهِ مَا لَمْ يُؤْتَهُ غَيْره مِنْهُمْ . كَمَا : 4409 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْمَاعِيل بْن عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه , قَالَ : لَمَّا قَالَتْ بَنُو إسْرَائِيل : { أَنَّى يَكُون لَهُ الْمُلْك عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَة مِنْ الْمَال قَالَ إنَّ اللَّه اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَة فِي الْعِلْم وَالْجِسْم } قَالَ : وَاجْتَمَعَ بَنُو إسْرَائِيل , فَكَانَ طَالُوت فَوْقهمْ مِنْ مَنْكِبَيْهِ فَصَاعِدًا . وَقَالَ السُّدِّيّ : أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَصًا تَكُون مِقْدَارًا عَلَى طُول الرَّجُل الَّذِي يَبْعَث فِيهِمْ مَلِكًا فَقَالَ : إنَّ صَاحِبكُمْ يَكُون طُوله طُول هَذِهِ الْعَصَا . فَقَاسُوا أَنْفُسهمْ بِهَا فَلَمْ يَكُونُوا مِثْلهَا , فَقَاسُوا طَالُوت بِهَا فَكَانَ مِثْلهَا . 4410 - حَدَّثَنِي بِذَلِك مُوسَى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِك : إنَّ اللَّه اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ مَعَ اصْطِفَائِهِ إيَّاهُ
بَسْطَة فِي الْعِلْم وَالْجِسْم ; يَعْنِي بِذَلِك : بَسَطَ لَهُ مَعَ ذَلِك فِي الْعِلْم وَالْجِسْم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4411 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { إنَّ اللَّه اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَة فِي الْعِلْم وَالْجِسْم } بَعْد هَذَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَللَّه يُؤْتِي مُلْكه مَنْ يَشَاء } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِك : أَنَّ الْمُلْك لِلَّهِ وَبِيَدِهِ دُون غَيْره يُؤْتِيه . يَقُول : يُؤْتِي ذَلِك مَنْ يَشَاء فَيَضَعهُ عِنْده , وَيَخُصّهُ بِهِ , وَيَمْنَحهُ مَنْ أَحَبَّ مِنْ خَلْقه . يَقُول : فَلَا تَسْتَنْكِرُوا يَا مَعْشَر الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل أَنْ يَبْعَث اللَّه طَالُوت مَلِكًا عَلَيْكُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ
أَهْل بَيْت الْمَمْلَكَة , فَإِنَّ الْمُلْك لَيْسَ بِمِيرَاثٍ عَنْ الْآبَاء وَالْأَسْلَاف , وَلَكِنَّهُ بِيَدِ اللَّه يُعْطِيه مَنْ يَشَاء مِنْ خَلْقه , فَلَا تَتَخَيَّرُوا عَلَى اللَّه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِك قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4412 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنِي ابْن إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنِي بَعْض أَهْل الْعِلْم , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه : { وَاَللَّه يُؤْتِي مُلْكه مَنْ يَشَاء } الْمُلْك بِيَدِ اللَّه يَضَعهُ حَيْثُ شَاءَ , لَيْسَ لَكُمْ أَنَّ تَخْتَارُوا فِيهِ . 4413 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ مُجَاهِد : مُلْكه : سُلْطَانه . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَاَللَّه يُؤْتِي مُلْكه مَنْ يَشَاء } سُلْطَانه .
وَأَمَّا قَوْله : { وَاَللَّه وَاسِع عَلِيم } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِذَلِك وَاَللَّه وَاسِع بِفَضْلِهِ , فَيُنْعِم بِهِ عَلَى مَنْ أَحَبَّ , وَيُرِيد بِهِ مَنْ يَشَاء { عَلِيم } بِمَنْ هُوَ أَهْلٌ لِمُلْكِهِ الَّذِي يُؤْتِيهِ , وَفَضْلِهِ الَّذِي يُعْطِيهِ , فَيُعْطِيه
ذَلِك لِعِلْمِهِ بِهِ , وَبِأَنَّهُ لِمَا أَعْطَاهُ أَهْل إمَّا لِلْإِصْلَاحِ بِهِ وَإِمَّا لِأَنْ يَنْتَفِع هُوَ بِهِ .
وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَ لَهُمْ نَبِيّهمْ إنَّ آيَة مُلْكه أَنْ يَأْتِيكُمْ التَّابُوت } وَهَذَا الْخَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ نَبِيّه الَّذِي أَخْبَرَ عَنْهُ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْمَلَأ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ هَذَا الْقَوْل لَمْ يُقِرُّوا بِبَعْثَةِ اللَّه طَالُوت عَلَيْهِمْ مَلِكًا , إذْ أَخْبَرَهُمْ نَبِيّهمْ بِذَلِك وَعَرَّفَهُمْ فَضِيلَته الَّتِي فَضَّلَهُ اللَّه بِهَا ; وَلَكِنَّهُمْ سَأَلُوهُ الدِّلَالَة عَلَى صِدْق مَا قَالَ لَهُمْ مِنْ ذَلِك وَأَخْبَرَهُمْ بِهِ . فَتَأْوِيل الْكَلَام إذَا كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفْنَا : { وَاَللَّه يُؤْتِي مُلْكه مَنْ يَشَاء وَاَللَّه وَاسِع عَلِيم } فَقَالُوا لَهُ : ائْتِ بِآيَةٍ عَلَى ذَلِك إنْ كُنْت مِنْ الصَّادِقِينَ ! قَالَ لَهُمْ نَبِيّهمْ : { إنَّ آيَة مُلْكه أَنْ يَأْتِيكُمْ التَّابُوت } هَذِهِ الْقِصَّة وَإِنْ كَانَتْ خَبَرًا مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل وَنَبِيّهمْ وَمَا كَانَ مِنْ ابْتِدَائِهِمْ نَبِيّهمْ بِمَا ابْتَدَءُوا بِهِ مِنْ مَسْأَلَته أَنْ يَسْأَل اللَّه لَهُمْ أَنْ يَبْعَث لَهُمْ مَلِكًا يُقَاتِلُونَ مَعَهُ فِي سَبِيله , بِنَاء عَمَّا كَانَ مِنْهُمْ مِنْ تَكْذِيبهمْ نَبِيّهمْ بَعْد عِلْمهمْ بِنُبُوَّتِهِ ثُمَّ إخْلَافهمْ الْمَوْعِد الَّذِي وَعَدُوا اللَّه وَوَعَدُوا رَسُوله مِنْ الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه بِالتَّخَلُّفِ عَنْهُ حِينَ اُسْتُنْهِضُوا لِحَرْبِ مَنْ اُسْتُنْهِضُوا لِحَرْبِهِ , وَفَتَحَ اللَّه عَلَى الْقَلِيل مِنْ الْفِئَة مَعَ تَخْذِيل الْكَثِير مِنْهُمْ عَنْ مَلِكهمْ وَقُعُودهمْ عَنْ الْجِهَاد مَعَهُ ; فَإِنَّهُ تَأْدِيب لِمَنْ كَانَ بَيْن ظَهْرَانِي مُهَاجَر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَرَارِيّهمْ وَأَبْنَائِهِمْ يَهُود قُرَيْظَة وَالنَّضِير , وَأَنَّهُمْ لَنْ يُعَدُّوا فِي تَكْذِيبهمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَنَهَاهُمْ عَنْهُ , مَعَ عِلْمهمْ بِصِدْقِهِ وَمَعْرِفَتهمْ بِحَقِيقَةِ نُبُوَّته , بَعْد مَا كَانُوا يَسْتَنْصِرُونَ اللَّه بِهِ عَلَى أَعْدَائِهِمْ قَبْل رِسَالَته , وَقَبْل بَعْثَة اللَّه إيَّاهُ إلَيْهِمْ وَإِلَى غَيْرهمْ أَنْ يَكُونُوا كَأَسْلَافِهِمْ وَأَوَائِلهمْ الَّذِينَ كَذَّبُوا نَبِيَّهُمْ شمويل بْن بالي , مَعَ عِلْمهمْ بِصِدْقِهِ وَمَعْرِفَتهمْ بِحَقِيقَةِ نُبُوَّته , وَامْتِنَاعهمْ مِنْ الْجِهَاد مَعَ طَالُوت لَمَّا ابْتَعَثَهُ اللَّه مَلِكًا عَلَيْهِمْ بَعْد مَسْأَلَتهمْ نَبِيّهمْ ابْتِعَاث مَلِك يُقَاتِلُونَ مَعَهُ عَدُوّهُمْ , وَيُجَاهِدُونَ مَعَهُ فِي سَبِيل رَبّهمْ ابْتِدَاء مِنْهُمْ بِذَلِك نَبِيّهمْ , وَبَعْد مُرَاجَعَة نَبِيّهمْ شمويل إيَّاهُمْ فِي ذَلِك ; وَحَضّ لِأَهْلِ الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ مِنْ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْجِهَاد فِي سَبِيله , وَتَحْذِير مِنْهُ لَهُمْ أَنْ يَكُونُوا فِي التَّخَلُّف عَنْ نَبِيّهمْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد لِقَائِهِ الْعَدُوّ وَمُنَاهَضَته أَهْل الْكُفْر بِاَللَّهِ وَبِهِ عَلَى مِثْل الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ الْمَلَأ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل فِي تَخَلُّفهمْ عَنْ مَلِكهمْ طَالُوت , إذْ زَحَفَ لِحَرْبِ عَدُوّ اللَّه جَالُوت , وَإِيثَارهمْ الدَّعَة وَالْخَفْض عَلَى مُبَاشَرَة حَرّ الْجِهَاد , وَالْقِتَال فِي سَبِيل اللَّه , وَشَحْذ مِنْهُ لَهُمْ عَلَى الْإِقْدَام عَلَى مُنَاجَزَة أَهْل الْكُفْرِ بِهِ الْحَرْب , وَتَرْك تَهَيُّب قِتَالهمْ إنْ قَلَّ عَدَدهمْ وَكَثُرَ عَدَد أَعْدَائِهِمْ وَاشْتَدَّتْ شَوْكَتهمْ , بِقَوْلِهِ : { قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّه كَمْ مِنْ فِئَة قَلِيلَة غَلَبَتْ فِئَة كَثِيرَة بِإِذْنِ اللَّه وَاَللَّه مَعَ الصَّابِرِينَ } 2 249 , وَإِعْلَام مِنْهُ تَعَالَى ذِكْره عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ بِهِ أَنَّ بِيَدِهِ النَّصْر وَالظَّفَر وَالْخَيْر وَالشَّرّ . وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { قَالَ لَهُمْ نَبِيّهمْ } فَإِنَّهُ يَعْنِي لِلْمَلَأِ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل الَّذِينَ قَالُوا لِنَبِيِّهِمْ : { ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيل اللَّه } وَقَوْله : { إنَّ آيَة مُلْكه } : إنَّ عَلَامَة مُلْك طَالُوت الَّتِي سَأَلْتُمُونِيهَا دِلَالَةً عَلَى صِدْقِي فِي قَوْلِي : أَنَّ اللَّه بَعَثَهُ عَلَيْكُمْ مَلِكًا , وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْر سَبْط الْمَمْلَكَة , { أَنْ يَأْتِيكُمْ التَّابُوت فِيهِ سَكِينَة مِنْ رَبّكُمْ } ; وَهُوَ التَّابُوت الَّذِي كَانَتْ بَنُو إسْرَائِيل إذَا لَقُوا عَدُوًّا لَهُمْ قَدَّمُوهُ أَمَامهمْ وَزَحَفُوا مَعَهُ , فَلَا يَقُوم لَهُمْ مَعَهُ عَدُوّ وَلَا يَظْهَر عَلَيْهِمْ أَحَد نَاوَأَهُمْ , حَتَّى مَنَعُوا أَمْر اللَّه وَكَثُرَ اخْتِلَافهمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ , فَسَلَبَهُمْ اللَّه إيَّاهُ مَرَّة بَعْد مَرَّة يَرُدّهُ إلَيْهِمْ فِي كُلّ ذَلِك , حَتَّى سَلَبَهُمْ آخِر مَرَّة فَلَمْ يَرُدّهُ عَلَيْهِمْ وَلَنْ يُرَدّ إلَيْهِمْ آخِرَ الْأَبَد . ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي سَبَب مَجِيء التَّابُوت الَّذِي جَعَلَ اللَّه مَجِيئَهُ إلَى بَنِي إسْرَائِيل آيَة لِصِدْقِ نَبِيّهمْ شمويل عَلَى قَوْله : { إنَّ اللَّه قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوت مَلِكًا } وَهَلْ كَانَتْ بَنُو إسْرَائِيل سُلِبُوهُ قَبْل ذَلِك فَرَدَّهُ اللَّه عَلَيْهِمْ حِينَ جَعَلَ مَجِيئَهُ آيَة لِمُلْكِ طَالُوت , أَوْ لَمْ يَكُونُوا سَلَبُوهُ قَبْل ذَلِك وَلَكِنَّ اللَّه ابْتَدَأَهُمْ بِهِ ابْتِدَاء ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ ذَلِك عِنْدهمْ مِنْ عَهْد مُوسَى وَهَارُونَ يَتَوَارَثُونَهُ حَتَّى سَلَبَهُمْ إيَّاهُ مُلُوك مِنْ أَهْلِ الْكُفْر بِهِ , ثُمَّ رَدَّهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ آيَة لِمُلْكِ طَالُوت . وَقَالَ فِي سَبَب رَدّه عَلَيْهِمْ مَا أَنَا ذَاكِره , وَهُوَ مَا : 4414 - حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا إسْمَاعِيل بْن عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : ثني عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل أَنَّهُ سَمِعَ وَهْب بْن مُنَبِّه , قَالَ : كَانَ لعيلي الَّذِي رَبَّى شمويل ابْنَانِ شَابَّانِ أَحْدَثَا فِي الْقُرْبَانِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ , كَانَ شَرْط الْقُرْبَانِ الَّذِي كَانُوا يَشْرِطُونَهُ بِهِ كُلَّابَيْنِ فَمَا أَخْرَجَا كَانَ لِلْكَاهِنِ الَّذِي يَسْتَوْطِنهُ , فَجَعَلَ ابْنَاهُ كَلَالِيب , وَكَانَا إذَا جَاءَ النِّسَاء يُصَلِّينَ فِي الْقُدْس يَتَشَبَّثَانِ بِهِنَّ . فَبَيْنَا شمويل نَائِم قِبَل الْبَيْت الَّذِي كَانَ يَنَام فِيهِ عيلي , إذْ سَمِعَ صَوْتًا يَقُول : أشمويل ! فَوَثَبَ إلَى عيلي , فَقَالَ : لَبَّيْكَ ! مَا لَك دَعَوْتنِي ؟ فَقَالَ : لَا , ارْجِعْ فَنَمْ ! فَرَجَعَ فَنَامَ ثُمَّ سَمِعَ صَوْتًا آخَرَ يَقُول : أشمويل ! فَوَثَبَ إلَى عيلي أَيْضًا , فَقَالَ : لَبَّيْكَ ! مَا لَك دَعَوْتنِي ؟ فَقَالَ : لَمْ أَفْعَلْ ارْجِعْ فَنَمْ , فَإِنْ سَمِعْت شَيْئًا فَقُلْ لَبَّيْكَ مَكَانك مُرْنِي فَأَفْعَل ! فَرَجَعَ فَنَامَ , فَسَمِعَ صَوْتًا أَيْضًا يَقُول : أشمويل ! فَقَالَ : لَبَّيْكَ أَنَا هَذَا مُرْنِي أَفْعَل ! قَالَ : انْطَلِقْ إلَى عيلي , فَقُلْ لَهُ : مَنَعَهُ حُبّ الْوَلَد أَنْ يَزْجُر ابْنَيْهِ أَنْ يُحْدِثَا فِي قُدْسِيّ وَقُرْبَانِي وَأَنْ يَعْصِيَانِي , فَلَأَنْزِعَنَّ مِنْهُ الْكِهَانَة وَمِنْ وَلَده , وَلْأُهْلِكَنهُ وَإِيَّاهُمَا ! فَلَمَّا أَصْبَحَ سَأَلَهُ عيلي , فَأَخْبَرَهُ , فَفَزِعَ لِذَلِك فَزَعًا شَدِيدًا , فَسَارَ إلَيْهِمْ عَدُوّ مِمَّنْ حَوْلهمْ , فَأَمَرَ ابْنَيْهِ أَنْ يَخْرُجَا بِالنَّاسِ فَيُقَاتِلَا ذَلِك الْعَدُوّ فَخَرَجَا وَأَخْرَجَا مَعَهُمَا التَّابُوت الَّذِي كَانَ فِيهِ اللَّوْحَانِ وَعَصَا مُوسَى لِيُنْصَرُوا بِهِ . فَلَمَّا تَهَيَّئُوا لِلْقِتَالِ هُمْ وَعَدُوّهُمْ , جَعَلَ عيلي يَتَوَقَّع الْخَبَر مَاذَا صَنَعُوا , فَجَاءَهُ رَجُل يُخْبِرهُ وَهُوَ قَاعِد عَلَى كُرْسِيّه أَنَّ ابْنَيْك قَدْ قُتِلَا , وَأَنَّ النَّاس قَدْ انْهَزَمُوا . قَالَ : فَمَا فَعَلَ التَّابُوت ؟ قَالَ : ذَهَبَ بِهِ الْعَدُوّ . قَالَ : فَشَهِقَ وَوَقَعَ عَلَى قَفَاهُ مِنْ كُرْسِيّه فَمَاتَ . وَذَهَبَ الَّذِينَ سَبَوْا التَّابُوت حَتَّى وَضَعُوهُ فِي بَيْت آلِهَتهمْ وَلَهُمْ صَنَم يَعْبُدُونَهُ , فَوَضَعُوهُ تَحْت الصَّنَم وَالصَّنَم مِنْ فَوْقه , فَأَصْبَحَ مِنْ الْغَد وَالصَّنَم تَحْته وَهُوَ فَوْق الصَّنَم . ثُمَّ أَخَذُوهُ فَوَضَعُوهُ فَوْقه وَسَمَّرُوا قَدَمَيْهِ فِي التَّابُوت , فَأَصْبَحَ مِنْ الْغَد قَدْ تَقَطَّعَتْ يَدَا الصَّنَم وَرِجْلَاهُ , وَأَصْبَحَ مُلْقًى تَحْت التَّابُوت ; فَقَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ إلَه بَنِي إسْرَائِيل لَا يَقُوم لَهُ شَيْء , فَأَخْرِجُوهُ مِنْ بَيْت آلِهَتكُمْ ! فَأَخْرَجُوا التَّابُوت فَوَضَعُوهُ فِي نَاحِيَة مِنْ قَرْيَتهمْ , فَأَخَذَ أَهْل تِلْكَ النَّاحِيَة الَّتِي وَضَعُوا فِيهَا التَّابُوت وَجَع فِي أَعْنَاقهمْ , فَقَالُوا : مَا هَذَا ؟ فَقَالَتْ لَهُمْ جَارِيَة كَانَتْ عِنْدهمْ مِنْ سَبْي بَنِي إسْرَائِيل : لَا تَزَالُونَ تَرَوْنَ مَا تَكْرَهُونَ مَا كَانَ هَذَا التَّابُوت فِيكُمْ , فَأَخْرِجُوهُ مِنْ قَرْيَتكُمْ ! قَالُوا : كَذَبْت ! قَالَتْ : إنَّ آيَة ذَلِك أَنَّ تَأْتُوا بِبَقَرَتَيْنِ لَهُمَا أَوْلَاد لَمْ يُوضَع عَلَيْهِمَا نِير قَطّ , ثُمَّ تَضَعُوا وَرَاءَهُمْ الْعَجَل , ثُمَّ تَضَعُوا التَّابُوت عَلَى الْعَجَل , وَتُسَيِّرُوهُمَا , وَتَحْبِسُوا أَوْلَادهمَا فَإِنَّهُمَا تَنْطَلِقَانِ بِهِ مُذْعِنَتَيْنِ , حَتَّى إذَا خَرَجَتَا مِنْ أَرْضكُمْ وَوَقَعَتَا فِي أَرْض بَنِي إسْرَائِيل , كَسَرَتَا نِيرهمَا , وَأَقْبَلَتَا إلَى أَوْلَادهمَا فَفَعَلُوا ذَلِك ! فَلَمَّا خَرَجَتَا مِنْ أَرْضهمْ وَوَقَعَتَا فِي أَدْنَى أَرْض بَنِي إسْرَائِيل , كَسَرَتَا نِيرهمَا , وَأَقْبَلَتَا إلَى أَوْلَادهمَا , وَوَضَعَتَاهُ فِي خَرِبَة فِيهَا حُضَّار مِنْ بَنِي إسْرَائِيل . فَفَزِعَ إلَيْهِ بَنُو إسْرَائِيل وَأَقْبَلُوا إلَيْهِ , فَجَعَلَ لَا يَدْنُو مِنْهُ أَحَد إلَّا مَاتَ , فَقَالَ لَهُمْ نَبِيّهمْ شمويل : اعْتَرِضُوا , فَمَنْ آنَسَ مِنْ نَفْسه قُوَّة فَلْيَدْنُ مِنْهُ ! فَعَرَضُوا عَلَيْهِ النَّاس , فَلَمْ يَقْدِر أَحَد يَدْنُو مِنْهُ , إلَّا رَجُلَانِ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل أَذِنَ لَهُمَا بِأَنْ يَحْمِلَاهُ إلَى بَيْت أُمِّهِمَا , وَهِيَ أَرَمَلَة , فَكَانَ فِي بَيْت أُمّهمَا حَتَّى مَلَكَ طَالُوت , فَصَلَحَ أَمْر بَنِي إسْرَائِيل مَعَ شمويل . * حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , قَالَ : ثَنِيّ بَعْض أَهْل الْعِلْم , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه , قَالَ : قَالَ شمويل لِبَنِي إسْرَائِيل لَمَّا قَالُوا لَهُ : { أَنَّى يَكُون لَهُ الْمُلْك عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَة مِنْ الْمَال قَالَ إنَّ اللَّه اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَة فِي الْعِلْم وَالْجِسْم } وَإِنَّ آيَة مُلْكه : وَإِنَّ تَمْلِيكه مِنْ قِبَل اللَّه أَنْ يَأْتِيكُمْ التَّابُوت , فَيُرَدّ عَلَيْكُمْ الَّذِي فِيهِ مِنْ السَّكِينَة , وَبَقِيَّة مِمَّا تَرَكَ آل مُوسَى وَآل هَارُونَ , وَهُوَ الَّذِي كُنْتُمْ تَهْزِمُونَ بِهِ مَنْ لَقِيَكُمْ مِنْ الْعَدُوّ , وَتَظْهَرُونَ بِهِ عَلَيْهِ ! قَالُوا : فَإِنْ جَاءَنَا التَّابُوت , فَقَدْ رَضِينَا وَسَلَّمْنَا . وَكَانَ الْعَدُوّ الَّذِينَ أَصَابُوا التَّابُوت أَسْفَل مِنْ الْجَبَل , جَبَل إيلِيَا , فِيمَا بَيْنهمْ وَبَيْن مِصْر , وَكَانُوا أَصْحَاب أَوْثَان , وَكَانَ فِيهِمْ جَالُوت , وَكَانَ جَالُوت رَجُلًا قَدْ أُعْطِيَ بَسْطَة فِي الْجِسْم وَقُوَّة فِي الْبَطْش وَشِدَّة فِي الْحَرْب , مَذْكُورًا بِذَلِك فِي النَّاس . وَكَانَ التَّابُوت حِينَ اُسْتُبِيَ قَدْ جُعِلَ فِي قَرْيَة مِنْ قُرَى فِلَسْطِين , يُقَال لَهَا : أُرْدُنّ , فَكَانُوا قَدْ جَعَلُوا التَّابُوت فِي كَنِيسَة فِيهَا أَصْنَامهمْ . فَلَمَّا كَانَ مِنْ أَمْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ مِنْ وَعْد بَنِي إسْرَائِيل أَنَّ التَّابُوت سَيَأْتِيهِمْ , جَعَلَتْ أَصْنَامهمْ تُصْبِح فِي الْكَنِيسَة مُنَكَّسَة عَلَى رُءُوسهَا , وَبَعَثَ اللَّه عَلَى أَهْل تِلْكَ الْقَرْيَة فَأْرًا , تُثَبِّت الْفَأْرَة الرَّجُلَ فَيُصْبِح مَيِّتًا قَدْ أَكَلَتْ مَا فِي جَوْفه مِنْ دُبُره . قَالُوا : تَعْلَمُونَ وَاَللَّه لَقَدْ أَصَابَكُمْ بَلَاء مَا أَصَابَ أُمَّة مِنْ الْأُمَم قَبْلكُمْ , وَمَا نَعْلَمهُ أَصَابَنَا إلَّا مُذْ كَانَ هَذَا التَّابُوت بَيْن أَظْهُرِنَا , مَعَ أَنَّكُمْ قَدْ رَأَيْتُمْ أَصْنَامكُمْ تُصْبِح كُلّ غَدَاة مُنَكَّسَة شَيْء لَمْ يَكُنْ يُصْنَع بِهَا حَتَّى كَانَ هَذَا التَّابُوت مَعَهَا , فَأَخْرِجُوهُ مِنْ بَيْن أَظْهُرِكُمْ ! فَدَعَوْا بِعَجَلَةٍ فَحَمَلُوا عَلَيْهَا التَّابُوت , ثُمَّ عَلَّقُوهَا بِثَوْرَيْنِ , ثُمَّ ضَرَبُوا عَلَى جُنُوبهمَا , وَخَرَجَتْ الْمَلَائِكَة بِالثَّوْرَيْنِ تَسُوقهُمَا , فَلَمْ يَمُرّ التَّابُوت بِشَيْءٍ مِنْ الْأَرْض إلَّا كَانَ قُدْسًا , فَلَمْ يَرَعهمْ إلَّا التَّابُوت عَلَى عَجَلَة يَجُرّهَا الثَّوْرَانِ , حَتَّى وَقَفَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيل , فَكَبَّرُوا وَحَمِدُوا اللَّه , وَجَدُّوا فِي حَرْبهمْ وَاسْتَوْثَقُوا عَلَى طَالُوت . 4415 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : لَمَّا قَالَ لَهُمْ نَبِيّهمْ : إنَّ اللَّه اصْطَفَى طَالُوت عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَة فِي الْعِلْم وَالْجِسْم , أَبَوْا أَنْ يُسَلِّمُوا لَهُ الرِّيَاسَة حَتَّى قَالَ لَهُمْ : { إنَّ آيَة مُلْكه أَنْ يَأْتِيكُمْ التَّابُوت فِيهِ سَكِينَة مِنْ رَبّكُمْ } فَقَالَ لَهُمْ : أَرَأَيْتُمْ إنْ جَاءَكُمْ التَّابُوت فِيهِ سَكِينَة مِنْ رَبّكُمْ وَبَقِيَّة مِمَّا تَرَك آل مُوسَى وَآل هَارُونَ تَحْمِلهُ الْمَلَائِكَةُ . وَكَانَ مُوسَى حِينَ أَلْقَى الْأَلْوَاح تَكَسَّرَتْ , وَرُفِعَ مِنْهَا , فَنَزَلَ , فَجَمَعَ مَا بَقِيَ , فَجَعَلَهُ فِي ذَلِك التَّابُوت . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : أَخْبَرَنِي يَعْلَى بْن مُسْلِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس , أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْأَلْوَاح إلَّا سُدُسُهَا . قَالَ : وَكَانَتْ الْعَمَالِقَة قَدْ سَبَّتْ ذَلِك التَّابُوت , وَالْعَمَالِقَة فِرْقَة مِنْ عَادٍ كَانُوا بِأَرِيحَاء فَجَاءَتْ الْمَلَائِكَة بِالتَّابُوتِ تَحْمِلهُ بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض , وَهُمْ يَنْظُرُونَ إلَى التَّابُوت حَتَّى وَضَعَتْهُ عِنْد طَالُوت , فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِك قَالُوا : نَعَمْ ! فَسَلَّمُوا لَهُ وَمَلَّكُوهُ . قَالَ : وَكَانَ الْأَنْبِيَاء إذَا حَضَرُوا قِتَالًا قَدَّمُوا التَّابُوت بَيْن يَدَيْهِمْ وَيَقُولُونَ : إنَّ آدَم نَزَلَ بِذَلِك التَّابُوت وَبِالرُّكْنِ . وَبَلَغَنِي أَنَّ التَّابُوت وَعَصَا مُوسَى فِي بُحَيْرَة طَبَرِيَّهَ , وَأَنَّهُمَا يُخْرَجَانِ قَبْلَ يَوْم الْقِيَامَة . 4416 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل أَنَّهُ سَمِعَ وَهْب بْن مُنَبِّه يَقُول : إنَّ أرميا لَمَّا خَرَّبَ بَيْت الْمَقْدِس وَحَرَّقَ الْكُتُب , وَقَفَ فِي نَاحِيَة الْجَبَل , فَقَالَ : { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا فَأَمَاتَهُ اللَّه مِائَة عَام } ثُمَّ رَدَّ اللَّه مَنْ رَدَّ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل عَلَى رَأْس سَبْعِينَ سَنَة مِنْ حَيْن أَمَاتَهُ , يَعْمُرُونَهَا ثَلَاثِينَ سَنَة تَمَام الْمِائَة ; فَلَمَّا ذَهَبَتْ الْمِائَة رَدَّ اللَّه إلَيْهِ رُوحه وَقَدْ عَمُرَتْ , فَهِيَ عَلَى حَالَتهَا الْأُولَى فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرُدّ عَلَيْهِمْ التَّابُوت , أَوْحَى اللَّه إلَى نَبِيّ مِنْ أَنْبِيَائِهِمْ , إمَّا دَانْيَال وَإِمَّا غَيْره , إنْ كُنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ يُرْفَع عَنْكُمْ الْمَرَض , فَأَخْرِجُوا عَنْكُمْ هَذَا التَّابُوت ! قَالُوا : بِآيَةِ مَاذَا ؟ قَالَ : بِآيَةِ أَنَّكُمْ تَأْتُونَ بِبَقَرَتَيْنِ صَعْبَتَيْنِ لَمْ تَعْمَلَا عَمَلًا قَطّ , فَإِذَا نَطَرَتَا إلَيْهِ وَضَعَتَا أَعْنَاقهمْ لِلنِّيرِ حَتَّى يُشَدّ عَلَيْهِمَا , ثُمَّ يُشَدّ التَّابُوت عَلَى عَجَل , ثُمَّ يُعَلَّق عَلَى الْبَقَرَتَيْنِ , ثُمَّ تُخَلَّيَانِ فَتَسِيرَانِ حَيْثُ يُرِيد اللَّه أَنْ يُبَلِّغهُمَا ! فَفَعَلُوا ذَلِك . وَوَكَّلَ اللَّه بِهِمَا أَرْبَعَة مِنْ الْمَلَائِكَة يَسُوقُونَهُمَا . فَسَارَتْ الْبَقَرَتَانِ سَيْرًا سَرِيعًا , حَتَّى إذَا بَلَغَتَا طَرَف الْقُدْس كَسَرَتَا نِيرهمَا , وَقَطَعَتَا حِبَالهمَا , وَذَهَبَتَا , فَنَزَلَ إلَيْهِمَا دَاوُد وَمَنْ مَعَهُ . فَلَمَّا رَأَى دَاوُد التَّابُوت , حَجَلَ إلَيْهِ فَرَحًا بِهِ - فَقُلْنَا لِوَهْبٍ : مَا حَجَلَ إلَيْهِ ؟ قَالَ : شَبِيه بِالرَّقْصِ - فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَته : لَقَدْ خَفَفْت حَتَّى كَادَ النَّاس يَمْقُتُونَك لِمَا صَنَعْت , قَالَ : أَتُبَطِّئِينَنِي عَنْ طَاعَة رَبِّي ؟ لَا تَكُونِينَ لِي زَوْجَة بَعْد هَذَا ! فَفَارَقَهَا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ التَّابُوت الَّذِي جَعَلَهُ اللَّه آيَة لِمُلْكِ طَالُوت كَانَ فِي الْبَرِّيَّة , وَكَانَ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفه عِنْد فَتَاهُ يُوشَع , فَحَمَلَتْهُ الْمَلَائِكَة حَتَّى وَضَعَتْهُ فِي دَار طَالُوت . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4417 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { إنَّ آيَة مُلْكه أَنْ يَأْتِيكُمْ التَّابُوت فِيهِ سَكِينَة مِنْ رَبّكُمْ } الْآيَة . كَانَ مُوسَى تَرَكَهُ عِنْد فَتَاهُ يُوشَع بْن نُون وَهُوَ بِالْبَرِيَّةِ , وَأَقْبَلَتْ بِهِ الْمَلَائِكَة تَحْمِلهُ حَتَّى وَضَعَتْهُ فِي دَار طَالُوت , فَأَصْبَحَ فِي دَاره . 4418 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { إنَّ آيَة مُلْكه أَنْ يَأْتِيكُمْ التَّابُوت } الْآيَة , قَالَ : كَانَ مُوسَى فِيمَا ذُكِرَ لَنَا تَرَكَ التَّابُوت عِنْد فَتَاهُ يُوشَع بْن نُون وَهُوَ فِي الْبَرِيَّة , فَذَكَرَ لَنَا أَنَّ الْمَلَائِكَة حَمَلَتْهُ مِنْ الْبَرِّيَّة حَتَّى وَضَعَتْهُ فِي دَار طَالُوت , فَأَصْبَحَ التَّابُوت فِي دَاره . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِك بِالصَّوَابِ , مَا قَالَهُ ابْن عَبَّاس وَوَهْب بْن مُنَبِّه مِنْ أَنَّ التَّابُوت كَانَ عِنْد عَدُوّ لِبَنِي إسْرَائِيل كَانَ سَلَبَهُمُوهُ , وَذَلِك أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره قَالَ مُخْبِرًا عَنْ نَبِيّه فِي ذَلِك الزَّمَان قَوْله لِقَوْمِهِ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل : { إنَّ آيَة مُلْكه أَنْ يَأْتِيكُمْ التَّابُوت } وَالْأَلِف وَاللَّامّ لَا تَدْخُلَانِ فِي مِثْل هَذَا مِنْ الْأَسْمَاء إلَّا فِي مَعْرُوف عِنْد الْمُتَخَاطِبِينَ بِهِ , وَقَدْ عَرَفَهُ الْمُخْبِر وَالْمُخْبَر . فَقَدْ عُلِمَ بِذَلِك أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : إنَّ آيَة مُلْكه أَنْ يَأْتِيكُمْ التَّابُوت الَّذِي قَدْ عَرَفْتُمُوهُ الَّذِي كُنْتُمْ تَسْتَنْصِرُونَ بِهِ , فِيهِ سَكِينَة مِنْ رَبّكُمْ . وَلَوْ كَانَ ذَلِك تَابُوتًا مِنْ التَّوَابِيت غَيْر مَعْلُوم عِنْدهمْ قَدْره وَمَبْلَغ نَفْعه قَبْل ذَلِك لَقِيلَ : إنَّ آيَة مُلْكه أَنْ يَأْتِيكُمْ تَابُوت فِيهِ سَكِينَة مِنْ رَبّكُمْ . فَإِنْ ظَنَّ ذُو غَفْلَة أَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ عَرَفُوا ذَلِك التَّابُوت وَقَدْر نَفْعه وَمَا فِيهِ وَهُوَ عِنْد مُوسَى وَيُوشَع , فَإِنَّ ذَلِك مَا لَا يَخْفَى خَطَؤُهُ ; وَذَلِك أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغنَا أَنَّ مُوسَى لَاقَى عَدُوًّا قَطّ بِالتَّابُوتِ , وَلَا فَتَاهُ يُوشَع , بَلْ الَّذِي يُعْرَف مِنْ أَمْر مُوسَى وَأَمْر فِرْعَوْن مَا قَصَّ اللَّه مِنْ شَأْنهمَا , وَكَذَلِك أَمْره وَأَمْر الْجَبَّارِينَ . وَأَمَّا فَتَاهُ يُوشَع , فَإِنَّ الَّذِينَ قَالُوا هَذِهِ الْمَقَالَة زَعَمُوا أَنَّ يُوشَع خَلَّفَهُ فِي التِّيه حَتَّى رُدَّ عَلَيْهِمْ حِين مَلَكَ طَالُوت , فَإِنْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفُوهُ , فَأَيّ الْأَحْوَال لِلتَّابُوتِ الْحَال الَّتِي عَرَفُوهُ فِيهَا , فَجَازَ أَنَّ يُقَال : إنَّ آيَة مُلْكه أَنَّ يَأْتِيكُمْ التَّابُوت الَّذِي قَدْ عَرَفْتُمُوهُ , وَعَرَفْتُمْ أَمْره ؟ فَفِي فَسَاد هَذَا الْقَوْل بِاَلَّذِي ذَكَرْنَا أَبْيَن الدِّلَالَة عَلَى صِحَّة الْقَوْل الْآخَر , إذْ لَا قَوْل فِي ذَلِك لِأَهْلِ التَّأْوِيل غَيْرهمَا . وَكَانَتْ صِفَة التَّابُوت فِيمَا بَلَغَنَا كَمَا : 4419 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَسْكَر وَالْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَا : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق قَالَ : أَخْبَرَنَا بَكَّار بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : سَأَلْنَا وَهْب بْن مُنَبِّه عَنْ تَابُوت مُوسَى مَا كَانَ ؟ قَالَ : كَانَ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثَة أَذْرُع فِي ذِرَاعَيْنِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فِيهِ سَكِينَة مِنْ رَبّكُمْ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { فِيهِ } فِي التَّابُوت { سَكِينَة مِنْ رَبّكُمْ } وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى السَّكِينَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ رِيح هَفَّافَة لَهَا وَجْه كَوَجْهِ الْإِنْسَان . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4420 - حَدَّثَنَا عِمْرَان بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَارِث بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جُحَادَةَ , عَنْ سَلَمَة بْن كُهَيْل , عَنْ أَبِي وَائِل , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : السَّكِينَة : رِيح هَفَّافَة لَهَا وَجْه كَوَجْهِ الْإِنْسَان . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثِنَا سُفْيَان , وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا سُفْيَان , عَنْ سَلَمَة بْن كُهَيْل , عَنْ أَبِي الْأَحْوَص , عَنْ عَلِيّ , السَّكِينَة لَهَا وَجْه كَوَجْهِ الْإِنْسَان , ثُمَّ هِيَ رِيح هَفَّافَة . * حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثِنَا هُشَيْم , عَنْ الْعَوَّام بْن حَوْشَبٍ , عَنْ سَلَمَة بْن كُهَيْل , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب فِي قَوْله : { فِيهِ سَكِينَة مِنْ رَبّكُمْ } قَالَ : رِيح هَفَّافَة لَهَا صُورَة . وَقَالَ يَعْقُوب فِي حَدِيثه : لَهَا وَجْه , وَقَالَ ابْن الْمُثَنَّى : كَوَجْهِ الْإِنْسَان . * حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ سَلَمَة بْن كُهَيْل , قَالَ : قَالَ عَلِيّ : السَّكِينَة لَهَا وَجْه كَوَجْهِ الْإِنْسَان , وَهِيَ رِيح هَفَّافَة . 4421 - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ سِمَاك بْن حَرْب , عَنْ خَالِد بْن عُرْعُرَة , قَالَ : قَالَ عَلِيّ : السَّكِينَة : رِيح خَجُوج , وَلَهَا رَأْسَانِ . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ سِمَاك , قَالَ : سَمِعْت خَالِد بْن عَرْعَرَةَ يُحَدِّث عَنْ عَلِيّ , نَحْوه . * حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُدَ , قَالَ : ثنا شُعْبَة , وَحَمَّاد بْن سَلَمَة , وَأَبُو الْأَحْوَص , كُلّهمْ عَنْ سِمَاك , عَنْ خَالِد بْن عَرْعَرَةَ , عَنْ عَلِيّ , نَحْوه . وَقَالَ آخَرُونَ : لَهَا رَأْس كَرَأْسِ الْهِرَّة وَجَنَاحَانِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4422 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثِنَا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { فِيهِ سَكِينَة مِنْ رَبّكُمْ } قَالَ : أَقْبَلَتْ السَّكِينَة . .. وَجِبْرِيل مَعَ إبْرَاهِيم مِنْ الشَّام قَالَ ابْن أَبِي نَجِيح : سَمِعْت مُجَاهَدًا يَقُول : السَّكِينَة لَهَا رَأْس كَرَأْسِ الْهِرَّة وَجَنَاحَانِ . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثِنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوه . 4423 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثِنَا سُفْيَان , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : السَّكِينَة لَهَا جَنَاحَانِ وَذَنَب . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد قَالَ : لَهَا جَنَاحَانِ وَذَنَب مِثْل ذَنَب الْهِرَّة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هِيَ رَأْس هِرَّة مَيِّتَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4424 - حَدَّثَنَا ابْن حَمِيد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه , عَنْ بَعْض أَهْل الْعِلْم مِنْ بَنِي إسْرَائِيل , قَالَ : السَّكِينَة رَأْس هِرَّة مَيِّتَة كَانَتْ إذَا صَرَخَتْ فِي التَّابُوت بِصُرَاخِ هِرّ أَيْقَنُوا بِالنَّصْرِ وَجَاءَهُمْ الْفَتْح . وَقَالَ آخَرُونَ : إنَّمَا هِيَ طَسْت مِنْ ذَهَب مِنْ الْجَنَّة كَانَ يُغْسَل فِيهِ قُلُوب الْأَنْبِيَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4425 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن ظَهِير , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { فِيهِ سَكِينَة مِنْ رَبّكُمْ } قَالَ : طَسْت مِنْ ذَهَب مِنْ الْجَنَّة , كَانَ يُغْسَل فِيهِ قُلُوب الْأَنْبِيَاء . 4426 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثِنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فِيهِ سَكِينَة مِنْ رَبّكُمْ } السَّكِينَة : طَسْت مِنْ ذَهَب يُغْسَل فِيهَا قُلُوب الْأَنْبِيَاء , أَعْطَاهَا اللَّه مُوسَى , وَفِيهَا وَضَعَ الْأَلْوَاح ; وَكَانَتْ الْأَلْوَاح فِيمَا بَلَغَنَا مِنْ دُرّ وَيَاقُوت وَزَبَرْجَد . وَقَالَ آخَرُونَ : السَّكِينَة : رُوح مِنْ اللَّه يَتَكَلَّم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4427 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا بَكَّار بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : سَأَلْنَا وَهْب بْن مُنَبِّه , فَقُلْنَا لَهُ : السَّكِينَة ؟ قَالَ : رُوح مِنْ اللَّه يَتَكَلَّم إذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْء تَكَلَّمَ , فَأَخْبَرَهُمْ بِبَيَانِ مَا يُرِيدُونَ . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَسْكَر , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : ثنا بَكَّار بْن عَبْد اللَّه أَنَّهُ سَمِعَ وَهْب بْن مُنَبِّه فَذَكَرَ نَحْوه . وَقَالَ آخَرُونَ : السَّكِينَة : مَا يَعْرِفُونَ مِنْ الْآيَات فَيَسْكُنُونَ إلَيْهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4428 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثِنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : سَأَلَتْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح عَنْ قَوْله : { فِيهِ سَكِينَة مِنْ رَبّكُمْ } الْآيَة . قَالَ : أَمَّا السَّكِينَة : فَمَا تَعْرِفُونَ مِنْ الْآيَات تَسْكُنُونَ إلَيْهَا . وَقَالَ آخَرُونَ : السَّكِينَة : الرَّحْمَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4429 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { فِيهِ سَكِينَة مِنْ رَبّكُمْ } أَيْ رَحْمَة مِنْ رَبّكُمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : السَّكِينَة : هِيَ الْوَقَار . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4430 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { فِيهِ سَكِينَة مِنْ رَبّكُمْ } أَيْ وَقَار . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِالْحَقِّ فِي مَعْنَى السَّكِينَة , مَا قَالَهُ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح مِنْ الشَّيْء تَسْكُن إلَيْهِ النَّفُوس مِنْ الْآيَات الَّتِي تَعْرِفُونَهَا . وَذَلِك أَنَّ السَّكِينَة فِي كَلَام الْعَرَب الْفَعِيلَة مِنْ قَوْل الْقَائِل : سَكَنَ فُلَان إلَى كَذَا وَكَذَا : إذَا اطْمَأَنَّ إلَيْهِ وَهَدَأَتْ عِنْده نَفْسه , فَهُوَ يَسْكُن سُكُونًا وَسَكِينَة , مِثْل قَوْلك : عَزَمَ فُلَان هَذَا الْأَمْر عَزْمًا وَعَزِيمَة , وَقَضَى الْحَاكِم بَيْن الْقَوْم قَضَاء وَقَضِيَّة , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : لِلَّهِ قَبْر غَالّهَا مَاذَا يُجِذْ ن لَقَدْ أَجَنَّ سَكِينَةً وَوَقَارًا وَإِذَا كَانَ مَعْنَى السَّكِينَة مَا وَصَفْت , فَجَائِز أَنْ يَكُون ذَلِك عَلَى مَا قَالَهُ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب عَلَى مَا رَوَيْنَا عَنْهُ , وَجَائِز أَنْ يَكُون ذَلِك عَلَى مَا قَالَهُ مُجَاهِد عَلَى مَا حَكَيْنَا عَنْهُ , وَجَائِز أَنْ يَكُون مَا قَالَهُ وَهْب بْن مُنَبِّه , وَمَا قَالَهُ السُّدِّيّ ; لِأَنَّ كُلّ ذَلِك آيَات كَافِيَات تَسْكُن إلَيْهِنَّ النَّفُوس وَتَثْلُج بِهِنَّ الصُّدُور . وَإِذَا كَانَ مَعْنَى السَّكِينَة مَا وَصَفْنَا , فَقَدْ اتَّضَحَ أَنَّ الْآيَة الَّتِي كَانَتْ فِي التَّابُوت الَّتِي كَانَتْ النَّفُوس تَسْكُن إلَيْهَا لِمَعْرِفَتِهَا بِصِحَّةِ أَمْرهَا إنَّمَا هِيَ مُسَمَّاة بِالْفِعْلِ , وَهِيَ غَيْره لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَبَقِيَّة مِمَّا تَرَك آل مُوسَى وَآل هَارُونَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَبَقِيَّة } الشَّيْء الْبَاقِي مَنْ قَوْل الْقَائِل : قَدْ بَقِيَ مَنْ هَذَا الْأَمْر بَقِيَّة , وَهِيَ فَعِيلَة مِنْهُ , نَظِير السَّكِينَة مَنْ سَكَنَ . وَقَوْله : { مِمَّا تَرَكَ آل مُوسَى وَآل هَارُونَ } يَعْنِي بِهِ : مِنْ تَرِكَة آل مُوسَى , وَآل هَارُونَ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْبَقِيَّة الَّتِي كَانَتْ بَقِيَتْ مَنْ تَرِكَتهمْ , فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَتْ تِلْكَ الْبَقِيَّة عَصَا مُوسَى , وَرُضَاض الْأَلْوَاح . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4431 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثِنَا دَاوُد , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : أَحْسِبهُ عَنْ ابْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَبَقِيَّة مِمَّا تَرَك آل مُوسَى وَآل هَارُونَ } قَالَ : رُضَاض الْأَلْوَاح . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن بَزِيع , قَالَ : ثنا بِشْر , قَالَ : ثنا دَاوُد عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ دَاوُد : وَأَحْسِبهُ عَنْ ابْن عَبَّاس , مِثْله . 4432 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو الْوَلِيد , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَبَقِيَّة مِمَّا تَرَك آل مُوسَى وَآل هَارُونَ } قَالَ : عَصَا مُوسَى وَرُضَاض الْأَلْوَاح . 4433 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { وَبَقِيَّة مِمَّا تَرَكَ آل مُوسَى وَآل هَارُونَ } قَالَ : فَكَانَ فِي التَّابُوت عَصَا مُوسَى وَرُضَاض الْأَلْوَاح , فِيمَا ذُكِرَ لَنَا . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { وَبَقِيَّة مِمَّا تَرَكَ آل مُوسَى وَآل هَارُونَ } قَالَ : الْبَقِيَّة : عَصَا مُوسَى وَرُضَاض الْأَلْوَاح . 4434 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَبَقِيَّة مِمَّا تَرَكَ آل مُوسَى وَآل هَارُونَ } أَمَا الْبَقِيَّة فَإِنَّهَا عَصَا مُوسَى وَرُضَاضَة الْأَلْوَاح . 4435 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { وَبَقِيَّة مِمَّا تَرَك آل مُوسَى وَآل هَارُونَ } عَصَا مُوسَى , وَأُمُور مَنْ التَّوْرَاة . 4436 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثِنَا إسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ , عَنْ خَالِد الْحِذَاء , عَنْ عِكْرِمَة فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَبَقِيَّة مِمَّا تَرَكَ آل مُوسَى وَآل هَارُونَ } قَالَ : التَّوْرَاة , وَرُضَاض الْأَلْوَاح , وَالْعَصَا . قَالَ إسْحَاق : قَالَ وَكِيع : وَرُضَاضه : كَسْره . 4437 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ خَالِد , عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْله : { وَبَقِيَّة مِمَّا تَرَكَ آل مُوسَى وَآل هَارُونَ } قَالَ : رُضَاض الْأَلْوَاح . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ تِلْكَ الْبَقِيَّة : عَصَا مُوسَى , وَعَصَا هَارُونَ , وَشَيْء مَنْ الْأَلْوَاح . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4438 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا جَابِر بْن نُوحَ , عَنْ إسْمَاعِيل , عَنْ ابْن أَبِي خَالِد , عَنْ أَبِي صَالِح : { أَنَّ يَأْتِيكُمْ التَّابُوت فِيهِ سَكِينَة مَنْ رَبّكُمْ وَبَقِيَّة مِمَّا تَرَكَ آل مُوسَى وَآل هَارُونَ } قَالَ : كَانَ فِيهِ عَصَا مُوسَى , وَعَصَا هَارُونَ , وَلَوْحَانِ مَنْ التَّوْرَاة , وَالْمَنّ . 4439 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن إدْرِيس , قَالَ : سَمِعَتْ أَبِي , عَنْ عَطِيَّة بْن سَعْد فِي قَوْله : { وَبَقِيَّة مِمَّا تَرَك آل مُوسَى وَآل هَارُونَ } قَالَ : عَصَا مُوسَى , وَعَصَا هَارُونَ , وَثِيَاب مُوسَى , وَثِيَاب هَارُونَ , وَرُضَاض الْأَلْوَاح . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هِيَ الْعَصَا وَالنَّعْلَانِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4440 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : سَأَلَتْ الثَّوْرَيْ عَنْ قَوْله : { وَبَقِيَّة مِمَّا تَرَك آل مُوسَى وَآل هَارُونَ } قَالَ : مِنْهُمْ مَنْ يَقُول : الْبَقِيَّة : قَفِيز مَنٍّ وَرُضَاض الْأَلْوَاح . وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول : الْعَصَا وَالنَّعْلَانِ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَ ذَلِك الْعَصَا وَحْدهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4441 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا بَكَّار بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : قُلْنَا لِوَهْبِ بْن مُنَبِّه : مَا كَانَ فِيهِ ؟ يَعْنِي فِي التَّابُوت . قَالَ : كَانَ فِيهِ عَصَا مُوسَى وَالسَّكِينَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَ ذَلِك رُضَاض الْأَلْوَاح وَمَا تَكَسَّرَ مِنْهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4442 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { وَبَقِيَّة مِمَّا تَرَكَ آل مُوسَى وَآل هَارُونَ } قَالَ : كَانَ مُوسَى حِين أَلْقَى الْأَلْوَاح تَكَسَّرَتْ وَرُفِعَ مِنْهَا , فَجَعَلَ الْبَاقِي فِي ذَلِك التَّابُوت . 4443 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِيّ حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : سَأَلْت عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح عَنْ قَوْله : { وَبَقِيَّة مِمَّا تَرَكَ آل مُوسَى وَآل هَارُونَ } الْعِلْم وَالتَّوْرَاة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِك الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4444 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد اللَّه بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَبَقِيَّة مِمَّا تَرَكَ آل مُوسَى وَآل هَارُونَ } يَعْنِي بِالْبَقِيَّةِ : الْقِتَال فِي سَبِيل اللَّه , وَبِذَلِك قَاتَلُوا مَعَ طَالُوت , وَبِذَلِك أُمِرُوا . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِك بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَخْبَرَ عَنْ التَّابُوت الَّذِي جَعَلَهُ آيَة لِصِدْقِ قَوْل نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ : { إنَّ اللَّه قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوت مَلِكًا } أَنَّ فِيهِ سَكِينَة مِنْهُ , وَبَقِيَّة مِمَّا تَرَكَهُ آل مُوسَى وَآل هَارُونَ . وَجَائِز أَنْ يَكُون تِلْكَ الْبَقِيَّة : الْعَصَا , وَكَسْر الْأَلْوَاح وَالتَّوْرَاة , أَوْ بَعْضهَا وَالنَّعْلَيْنِ , وَالثِّيَاب , وَالْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه وَجَائِز أَنْ يَكُون بَعْض ذَلِك . وَذَلِك أَمْر لَا يُدْرَك عِلْمه مَنْ جِهَة الِاسْتِخْرَاج , وَلَا اللُّغَة , وَلَا يُدْرَك عِلْم ذَلِك إلَّا بِخَبَرٍ يُوجِب عَنْهُ الْعِلْم , وَلَا خَبَر عِنْد أَهْل الْإِسْلَام فِي ذَلِك لِلصِّفَّةِ الَّتِي وَصَفْنَا . وَإِذْ كَانَ كَذَلِك , فَغَيْر جَائِز فِيهِ تَصْوِيب قَوْل وَتَضْعِيف آخَر غَيْره , إذْ كَانَ جَائِزًا فِيهِ مَا قُلْنَا مَنْ الْقَوْل .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { تَحْمِلهُ الْمَلَائِكَة } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي صِفَة حَمْل الْمَلَائِكَة ذَلِك التَّابُوت , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِك : تَحْمِلهُ بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض حَتَّى تَضَعهُ بَيْن أَظْهُرهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4445 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : جَاءَتْ الْمَلَائِكَة بِالتَّابُوتِ تَحْمِلهُ بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض وَهُمْ يَنْظُرُونَ إلَيْهِ , حَتَّى وَضَعَتْهُ عِنْد طَالُوت . 4446 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : لَمَّا قَالَ لَهُمْ : يَعْنِي النَّبِيّ لِبَنِي إسْرَائِيل : { وَاَللَّه يُؤْتِي مُلْكه مَنْ يَشَاء } قَالُوا : فَمَنْ لَنَا بِأَنَّ اللَّه هُوَ آتَاهُ هَذَا , مَا هُوَ إلَّا لِهَوَاك فِيهِ ؟ قَالَ : إنْ كُنْتُمْ قَدْ كَذَّبْتُمُونِي وَاتَّهَمْتُمُونِي { فَإِنَّ آيَة مُلْكه أَنْ يَأْتِيكُمْ التَّابُوت فِيهِ سَكِينَة مَنْ رَبّكُمْ } الْآيَة . قَالَ : فَنَزَلَتْ الْمَلَائِكَة بِالتَّابُوتِ نَهَارًا يَنْظُرُونَ إلَيْهِ عِيَانًا , حَتَّى وَضَعُوهُ بَيْن أَظْهُرهمْ , فَأَقَرُّوا غَيْر رَاضِينَ , وَخَرَجُوا سَاخِطِينَ . وَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { وَاَللَّه مَعَ الصَّابِرِينَ } 4447 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : لَمَّا قَالَ لَهُمْ نَبِيّهمْ : { إنَّ اللَّه اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَة فِي الْعِلْم وَالْجِسْم } قَالُوا : فَإِنْ كُنْت صَادِقًا , فَأْتِنَا بِآيَةٍ أَنَّ هَذَا مَلِك ! { قَالَ إنَّ آيَةَ مُلْكه أَنْ يَأْتِيكُمْ التَّابُوت فِيهِ سَكِينَة مَنْ رَبّكُمْ وَبَقِيَّة مِمَّا تَرَكَ آل مُوسَى وَآل هَارُونَ تَحْمِلهُ الْمَلَائِكَة } وَأَصْبَحَ التَّابُوت وَمَا فِيهِ فِي دَار طَالُوت , فَآمَنُوا بِنُبُوَّةِ شَمْعُون , وَسَلَّمُوا مُلْك طَالُوت . 4448 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { تَحْمِلهُ الْمَلَائِكَة } قَالَ : تَحْمِلهُ حَتَّى تَضَعهُ فِي بَيْت طَالُوت . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِك : تَسُوق الْمَلَائِكَة الدَّوَابّ الَّتِي تَحْمِلهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4449 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ بَعْض أَشْيَاخه , قَالَ : تَحْمِلهُ الْمَلَائِكَة عَلَى عَجَلَة , عَلَى بَقَرَة . 4450 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل أَنَّهُ سَمِعَ وَهْب بْن مُنَبِّه يَقُول : وُكِّلَ بِالْبَقَرَتَيْنِ اللَّتَيْنِ سَارَتَا بِالتَّابُوتِ أَرْبَعَة مَنْ الْمَلَائِكَة يَسُوقُونَهُمَا , فَسَارَتْ الْبَقَرَتَانِ بِهِمَا سَيْرًا سَرِيعًا حَتَّى إذَا بَلَغَتَا طَرَف الْقُدْس ذَهَبَتَا . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِك بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : حَمَلَتْ التَّابُوت الْمَلَائِكَة حَتَّى وَضَعَتْهُ فِي دَار طَالُوت بَيْن أَظْهُر بَنِي إسْرَائِيل ; وَذَلِك أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره قَالَ : { تَحْمِلهُ الْمَلَائِكَة } وَلَمْ يَقُلْ : تَأْتِي بِهِ الْمَلَائِكَة وَمَا جَرَّتْهُ الْبَقَر عَلَى عَجَل . وَإِنْ كَانَتْ الْمَلَائِكَة هِيَ سَائِقَتهَا , فَهِيَ غَيْر حَامِلَته , لِأَنَّ الْحَمْل الْمَعْرُوف هُوَ مُبَاشَرَة الْحَامِل بِنَفْسِهِ حَمْل مَا حَمَلَ , فَأَمَّا مَا حَمَلَهُ عَلَى غَيْره وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فِي اللُّغَة أَنْ يُقَال فِي حَمْله بِمَعْنَى مَعُونَته الْحَامِل , أَوْ بِأَنَّ حَمْله كَانَ عَنْ سَبَبه , فَلَيْسَ سَبِيله سَبِيل مَا بَاشَرَ حَمْله بِنَفْسِهِ فِي تَعَارُف النَّاس إيَّاهُ بَيْنهمْ ; وَتَوْجِيه تَأْوِيل الْقُرْآن إلَى الْأَشْهَر مَنْ اللُّغَات أَوْلَى مَنْ تَوْجِيهه إلَى أَنْ لَا يَكُون الْأَشْهَر مَا وُجِدَ إلَى ذَلِك سَبِيل .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إنَّ فِي ذَلِك لَآيَة لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِك أَنَّ نَبِيّه أشمويل قَالَ لِبَنِي إسْرَائِيل : إنَّ فِي مَجِيئِكُمْ التَّابُوت فِيهِ سَكِينَة مَنْ رَبّكُمْ وَبَقِيَّة مِمَّا تَرَكَ آل مُوسَى وَآل هَارُونَ , حَامِلَته الْمَلَائِكَة , { لَآيَة لَكُمْ } يَعْنِي لَعَلَامَة لَكُمْ وَدِلَالَة أَيّهَا النَّاس عَلَى صِدْقِي فِيمَا أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ اللَّه بَعَثَ لَكُمْ طَالُوت مَلِكًا إنْ كُنْتُمْ قَدْ كَذَّبْتُمُونِي فِيمَا أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ مَنْ تَمْلِيك اللَّه إيَّاهُ عَلَيْكُمْ وَاتَّهَمْتُمُونِي فِي خَبَرِي إيَّاكُمْ بِذَلِك ; { إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } يَعْنِي بِذَلِك : إنْ كُنْتُمْ مُصَدِّقِيّ عِنْد مَجِيء الْآيَة الَّتِي سَأَلْتُمُونِيهَا عَلَى صِدْقِي فِيمَا أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ مِنْ أَمْر طَالُوت وَمُلْكه . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِك مَعْنَاهُ ; لِأَنَّ الْقَوْم قَدْ كَانُوا كَفَرُوا بِاَللَّهِ فِي تَكْذِيبهمْ نَبِيّهمْ , وَرِدّهمْ عَلَيْهِ قَوْله : { إنَّ اللَّه قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوت مَلِكًا } بِقَوْلِهِمْ : { أَنَّى يَكُون لَهُ الْمُلْك عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ } وَفِي مَسْأَلَتهمْ إيَّاهُ الْآيَة عَلَى صِدْقه . فَإِنْ كَانَ ذَلِك مِنْهُمْ كُفْرًا , فَغَيْر جَائِز أَنْ يُقَال لَهُمْ وَهُمْ كُفَّار لَكُمْ فِي مَجِيء التَّابُوت آيَة إنْ كُنْتُمْ مَنْ أَهْل الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَرَسُوله وَلَيْسُوا مَنْ أَهْل الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَلَا بِرَسُولِهِ , وَلَكِنَّ الْأَمْر فِي ذَلِك عَلَى مَا وَصَفْنَا مَنْ مَعْنَاهُ , لِأَنَّهُمْ سَأَلُوا الْآيَة عَلَى صِدْق خَبَره إيَّاهُمْ لِيُقِرُّوا بِصِدْقِهِ , فَقَالَ لَهُمْ فِي مَجِيء التَّابُوت عَلَى مَا وَصَفَهُ لَهُمْ آيَة لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ عِنْد مَجِيئِهِ كَذَلِكَ مُصَدِّقِيّ بِمَا قُلْت لَكُمْ وَأَخْبَرْتُكُمْ بِهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فِيهِ سَكِينَة مِنْ رَبّكُمْ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { فِيهِ } فِي التَّابُوت { سَكِينَة مِنْ رَبّكُمْ } وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى السَّكِينَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ رِيح هَفَّافَة لَهَا وَجْه كَوَجْهِ الْإِنْسَان . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4420 - حَدَّثَنَا عِمْرَان بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَارِث بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جُحَادَةَ , عَنْ سَلَمَة بْن كُهَيْل , عَنْ أَبِي وَائِل , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : السَّكِينَة : رِيح هَفَّافَة لَهَا وَجْه كَوَجْهِ الْإِنْسَان . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثِنَا سُفْيَان , وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا سُفْيَان , عَنْ سَلَمَة بْن كُهَيْل , عَنْ أَبِي الْأَحْوَص , عَنْ عَلِيّ , السَّكِينَة لَهَا وَجْه كَوَجْهِ الْإِنْسَان , ثُمَّ هِيَ رِيح هَفَّافَة . * حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثِنَا هُشَيْم , عَنْ الْعَوَّام بْن حَوْشَبٍ , عَنْ سَلَمَة بْن كُهَيْل , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب فِي قَوْله : { فِيهِ سَكِينَة مِنْ رَبّكُمْ } قَالَ : رِيح هَفَّافَة لَهَا صُورَة . وَقَالَ يَعْقُوب فِي حَدِيثه : لَهَا وَجْه , وَقَالَ ابْن الْمُثَنَّى : كَوَجْهِ الْإِنْسَان . * حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ سَلَمَة بْن كُهَيْل , قَالَ : قَالَ عَلِيّ : السَّكِينَة لَهَا وَجْه كَوَجْهِ الْإِنْسَان , وَهِيَ رِيح هَفَّافَة . 4421 - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ سِمَاك بْن حَرْب , عَنْ خَالِد بْن عُرْعُرَة , قَالَ : قَالَ عَلِيّ : السَّكِينَة : رِيح خَجُوج , وَلَهَا رَأْسَانِ . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ سِمَاك , قَالَ : سَمِعْت خَالِد بْن عَرْعَرَةَ يُحَدِّث عَنْ عَلِيّ , نَحْوه . * حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُدَ , قَالَ : ثنا شُعْبَة , وَحَمَّاد بْن سَلَمَة , وَأَبُو الْأَحْوَص , كُلّهمْ عَنْ سِمَاك , عَنْ خَالِد بْن عَرْعَرَةَ , عَنْ عَلِيّ , نَحْوه . وَقَالَ آخَرُونَ : لَهَا رَأْس كَرَأْسِ الْهِرَّة وَجَنَاحَانِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4422 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثِنَا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { فِيهِ سَكِينَة مِنْ رَبّكُمْ } قَالَ : أَقْبَلَتْ السَّكِينَة . .. وَجِبْرِيل مَعَ إبْرَاهِيم مِنْ الشَّام قَالَ ابْن أَبِي نَجِيح : سَمِعْت مُجَاهَدًا يَقُول : السَّكِينَة لَهَا رَأْس كَرَأْسِ الْهِرَّة وَجَنَاحَانِ . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثِنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوه . 4423 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثِنَا سُفْيَان , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : السَّكِينَة لَهَا جَنَاحَانِ وَذَنَب . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد قَالَ : لَهَا جَنَاحَانِ وَذَنَب مِثْل ذَنَب الْهِرَّة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هِيَ رَأْس هِرَّة مَيِّتَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4424 - حَدَّثَنَا ابْن حَمِيد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه , عَنْ بَعْض أَهْل الْعِلْم مِنْ بَنِي إسْرَائِيل , قَالَ : السَّكِينَة رَأْس هِرَّة مَيِّتَة كَانَتْ إذَا صَرَخَتْ فِي التَّابُوت بِصُرَاخِ هِرّ أَيْقَنُوا بِالنَّصْرِ وَجَاءَهُمْ الْفَتْح . وَقَالَ آخَرُونَ : إنَّمَا هِيَ طَسْت مِنْ ذَهَب مِنْ الْجَنَّة كَانَ يُغْسَل فِيهِ قُلُوب الْأَنْبِيَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4425 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن ظَهِير , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك , عَنْ ابْن عَبَّاس : { فِيهِ سَكِينَة مِنْ رَبّكُمْ } قَالَ : طَسْت مِنْ ذَهَب مِنْ الْجَنَّة , كَانَ يُغْسَل فِيهِ قُلُوب الْأَنْبِيَاء . 4426 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثِنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فِيهِ سَكِينَة مِنْ رَبّكُمْ } السَّكِينَة : طَسْت مِنْ ذَهَب يُغْسَل فِيهَا قُلُوب الْأَنْبِيَاء , أَعْطَاهَا اللَّه مُوسَى , وَفِيهَا وَضَعَ الْأَلْوَاح ; وَكَانَتْ الْأَلْوَاح فِيمَا بَلَغَنَا مِنْ دُرّ وَيَاقُوت وَزَبَرْجَد . وَقَالَ آخَرُونَ : السَّكِينَة : رُوح مِنْ اللَّه يَتَكَلَّم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4427 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا بَكَّار بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : سَأَلْنَا وَهْب بْن مُنَبِّه , فَقُلْنَا لَهُ : السَّكِينَة ؟ قَالَ : رُوح مِنْ اللَّه يَتَكَلَّم إذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْء تَكَلَّمَ , فَأَخْبَرَهُمْ بِبَيَانِ مَا يُرِيدُونَ . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَسْكَر , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : ثنا بَكَّار بْن عَبْد اللَّه أَنَّهُ سَمِعَ وَهْب بْن مُنَبِّه فَذَكَرَ نَحْوه . وَقَالَ آخَرُونَ : السَّكِينَة : مَا يَعْرِفُونَ مِنْ الْآيَات فَيَسْكُنُونَ إلَيْهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4428 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثِنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : سَأَلَتْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح عَنْ قَوْله : { فِيهِ سَكِينَة مِنْ رَبّكُمْ } الْآيَة . قَالَ : أَمَّا السَّكِينَة : فَمَا تَعْرِفُونَ مِنْ الْآيَات تَسْكُنُونَ إلَيْهَا . وَقَالَ آخَرُونَ : السَّكِينَة : الرَّحْمَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4429 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { فِيهِ سَكِينَة مِنْ رَبّكُمْ } أَيْ رَحْمَة مِنْ رَبّكُمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : السَّكِينَة : هِيَ الْوَقَار . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4430 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { فِيهِ سَكِينَة مِنْ رَبّكُمْ } أَيْ وَقَار . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِالْحَقِّ فِي مَعْنَى السَّكِينَة , مَا قَالَهُ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح مِنْ الشَّيْء تَسْكُن إلَيْهِ النَّفُوس مِنْ الْآيَات الَّتِي تَعْرِفُونَهَا . وَذَلِك أَنَّ السَّكِينَة فِي كَلَام الْعَرَب الْفَعِيلَة مِنْ قَوْل الْقَائِل : سَكَنَ فُلَان إلَى كَذَا وَكَذَا : إذَا اطْمَأَنَّ إلَيْهِ وَهَدَأَتْ عِنْده نَفْسه , فَهُوَ يَسْكُن سُكُونًا وَسَكِينَة , مِثْل قَوْلك : عَزَمَ فُلَان هَذَا الْأَمْر عَزْمًا وَعَزِيمَة , وَقَضَى الْحَاكِم بَيْن الْقَوْم قَضَاء وَقَضِيَّة , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : لِلَّهِ قَبْر غَالّهَا مَاذَا يُجِذْ ن لَقَدْ أَجَنَّ سَكِينَةً وَوَقَارًا وَإِذَا كَانَ مَعْنَى السَّكِينَة مَا وَصَفْت , فَجَائِز أَنْ يَكُون ذَلِك عَلَى مَا قَالَهُ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب عَلَى مَا رَوَيْنَا عَنْهُ , وَجَائِز أَنْ يَكُون ذَلِك عَلَى مَا قَالَهُ مُجَاهِد عَلَى مَا حَكَيْنَا عَنْهُ , وَجَائِز أَنْ يَكُون مَا قَالَهُ وَهْب بْن مُنَبِّه , وَمَا قَالَهُ السُّدِّيّ ; لِأَنَّ كُلّ ذَلِك آيَات كَافِيَات تَسْكُن إلَيْهِنَّ النَّفُوس وَتَثْلُج بِهِنَّ الصُّدُور . وَإِذَا كَانَ مَعْنَى السَّكِينَة مَا وَصَفْنَا , فَقَدْ اتَّضَحَ أَنَّ الْآيَة الَّتِي كَانَتْ فِي التَّابُوت الَّتِي كَانَتْ النَّفُوس تَسْكُن إلَيْهَا لِمَعْرِفَتِهَا بِصِحَّةِ أَمْرهَا إنَّمَا هِيَ مُسَمَّاة بِالْفِعْلِ , وَهِيَ غَيْره لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَبَقِيَّة مِمَّا تَرَك آل مُوسَى وَآل هَارُونَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَبَقِيَّة } الشَّيْء الْبَاقِي مَنْ قَوْل الْقَائِل : قَدْ بَقِيَ مَنْ هَذَا الْأَمْر بَقِيَّة , وَهِيَ فَعِيلَة مِنْهُ , نَظِير السَّكِينَة مَنْ سَكَنَ . وَقَوْله : { مِمَّا تَرَكَ آل مُوسَى وَآل هَارُونَ } يَعْنِي بِهِ : مِنْ تَرِكَة آل مُوسَى , وَآل هَارُونَ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْبَقِيَّة الَّتِي كَانَتْ بَقِيَتْ مَنْ تَرِكَتهمْ , فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَتْ تِلْكَ الْبَقِيَّة عَصَا مُوسَى , وَرُضَاض الْأَلْوَاح . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4431 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثِنَا دَاوُد , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : أَحْسِبهُ عَنْ ابْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَبَقِيَّة مِمَّا تَرَك آل مُوسَى وَآل هَارُونَ } قَالَ : رُضَاض الْأَلْوَاح . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن بَزِيع , قَالَ : ثنا بِشْر , قَالَ : ثنا دَاوُد عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ دَاوُد : وَأَحْسِبهُ عَنْ ابْن عَبَّاس , مِثْله . 4432 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو الْوَلِيد , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَبَقِيَّة مِمَّا تَرَك آل مُوسَى وَآل هَارُونَ } قَالَ : عَصَا مُوسَى وَرُضَاض الْأَلْوَاح . 4433 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { وَبَقِيَّة مِمَّا تَرَكَ آل مُوسَى وَآل هَارُونَ } قَالَ : فَكَانَ فِي التَّابُوت عَصَا مُوسَى وَرُضَاض الْأَلْوَاح , فِيمَا ذُكِرَ لَنَا . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { وَبَقِيَّة مِمَّا تَرَكَ آل مُوسَى وَآل هَارُونَ } قَالَ : الْبَقِيَّة : عَصَا مُوسَى وَرُضَاض الْأَلْوَاح . 4434 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَبَقِيَّة مِمَّا تَرَكَ آل مُوسَى وَآل هَارُونَ } أَمَا الْبَقِيَّة فَإِنَّهَا عَصَا مُوسَى وَرُضَاضَة الْأَلْوَاح . 4435 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { وَبَقِيَّة مِمَّا تَرَك آل مُوسَى وَآل هَارُونَ } عَصَا مُوسَى , وَأُمُور مَنْ التَّوْرَاة . 4436 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثِنَا إسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ , عَنْ خَالِد الْحِذَاء , عَنْ عِكْرِمَة فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَبَقِيَّة مِمَّا تَرَكَ آل مُوسَى وَآل هَارُونَ } قَالَ : التَّوْرَاة , وَرُضَاض الْأَلْوَاح , وَالْعَصَا . قَالَ إسْحَاق : قَالَ وَكِيع : وَرُضَاضه : كَسْره . 4437 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ خَالِد , عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْله : { وَبَقِيَّة مِمَّا تَرَكَ آل مُوسَى وَآل هَارُونَ } قَالَ : رُضَاض الْأَلْوَاح . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ تِلْكَ الْبَقِيَّة : عَصَا مُوسَى , وَعَصَا هَارُونَ , وَشَيْء مَنْ الْأَلْوَاح . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4438 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا جَابِر بْن نُوحَ , عَنْ إسْمَاعِيل , عَنْ ابْن أَبِي خَالِد , عَنْ أَبِي صَالِح : { أَنَّ يَأْتِيكُمْ التَّابُوت فِيهِ سَكِينَة مَنْ رَبّكُمْ وَبَقِيَّة مِمَّا تَرَكَ آل مُوسَى وَآل هَارُونَ } قَالَ : كَانَ فِيهِ عَصَا مُوسَى , وَعَصَا هَارُونَ , وَلَوْحَانِ مَنْ التَّوْرَاة , وَالْمَنّ . 4439 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن إدْرِيس , قَالَ : سَمِعَتْ أَبِي , عَنْ عَطِيَّة بْن سَعْد فِي قَوْله : { وَبَقِيَّة مِمَّا تَرَك آل مُوسَى وَآل هَارُونَ } قَالَ : عَصَا مُوسَى , وَعَصَا هَارُونَ , وَثِيَاب مُوسَى , وَثِيَاب هَارُونَ , وَرُضَاض الْأَلْوَاح . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هِيَ الْعَصَا وَالنَّعْلَانِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4440 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : سَأَلَتْ الثَّوْرَيْ عَنْ قَوْله : { وَبَقِيَّة مِمَّا تَرَك آل مُوسَى وَآل هَارُونَ } قَالَ : مِنْهُمْ مَنْ يَقُول : الْبَقِيَّة : قَفِيز مَنٍّ وَرُضَاض الْأَلْوَاح . وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول : الْعَصَا وَالنَّعْلَانِ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَ ذَلِك الْعَصَا وَحْدهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4441 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا بَكَّار بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : قُلْنَا لِوَهْبِ بْن مُنَبِّه : مَا كَانَ فِيهِ ؟ يَعْنِي فِي التَّابُوت . قَالَ : كَانَ فِيهِ عَصَا مُوسَى وَالسَّكِينَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَ ذَلِك رُضَاض الْأَلْوَاح وَمَا تَكَسَّرَ مِنْهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4442 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { وَبَقِيَّة مِمَّا تَرَكَ آل مُوسَى وَآل هَارُونَ } قَالَ : كَانَ مُوسَى حِين أَلْقَى الْأَلْوَاح تَكَسَّرَتْ وَرُفِعَ مِنْهَا , فَجَعَلَ الْبَاقِي فِي ذَلِك التَّابُوت . 4443 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِيّ حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : سَأَلْت عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح عَنْ قَوْله : { وَبَقِيَّة مِمَّا تَرَكَ آل مُوسَى وَآل هَارُونَ } الْعِلْم وَالتَّوْرَاة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِك الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4444 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد اللَّه بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَبَقِيَّة مِمَّا تَرَكَ آل مُوسَى وَآل هَارُونَ } يَعْنِي بِالْبَقِيَّةِ : الْقِتَال فِي سَبِيل اللَّه , وَبِذَلِك قَاتَلُوا مَعَ طَالُوت , وَبِذَلِك أُمِرُوا . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِك بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَخْبَرَ عَنْ التَّابُوت الَّذِي جَعَلَهُ آيَة لِصِدْقِ قَوْل نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ : { إنَّ اللَّه قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوت مَلِكًا } أَنَّ فِيهِ سَكِينَة مِنْهُ , وَبَقِيَّة مِمَّا تَرَكَهُ آل مُوسَى وَآل هَارُونَ . وَجَائِز أَنْ يَكُون تِلْكَ الْبَقِيَّة : الْعَصَا , وَكَسْر الْأَلْوَاح وَالتَّوْرَاة , أَوْ بَعْضهَا وَالنَّعْلَيْنِ , وَالثِّيَاب , وَالْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه وَجَائِز أَنْ يَكُون بَعْض ذَلِك . وَذَلِك أَمْر لَا يُدْرَك عِلْمه مَنْ جِهَة الِاسْتِخْرَاج , وَلَا اللُّغَة , وَلَا يُدْرَك عِلْم ذَلِك إلَّا بِخَبَرٍ يُوجِب عَنْهُ الْعِلْم , وَلَا خَبَر عِنْد أَهْل الْإِسْلَام فِي ذَلِك لِلصِّفَّةِ الَّتِي وَصَفْنَا . وَإِذْ كَانَ كَذَلِك , فَغَيْر جَائِز فِيهِ تَصْوِيب قَوْل وَتَضْعِيف آخَر غَيْره , إذْ كَانَ جَائِزًا فِيهِ مَا قُلْنَا مَنْ الْقَوْل .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { تَحْمِلهُ الْمَلَائِكَة } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي صِفَة حَمْل الْمَلَائِكَة ذَلِك التَّابُوت , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِك : تَحْمِلهُ بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض حَتَّى تَضَعهُ بَيْن أَظْهُرهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4445 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : جَاءَتْ الْمَلَائِكَة بِالتَّابُوتِ تَحْمِلهُ بَيْن السَّمَاء وَالْأَرْض وَهُمْ يَنْظُرُونَ إلَيْهِ , حَتَّى وَضَعَتْهُ عِنْد طَالُوت . 4446 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : لَمَّا قَالَ لَهُمْ : يَعْنِي النَّبِيّ لِبَنِي إسْرَائِيل : { وَاَللَّه يُؤْتِي مُلْكه مَنْ يَشَاء } قَالُوا : فَمَنْ لَنَا بِأَنَّ اللَّه هُوَ آتَاهُ هَذَا , مَا هُوَ إلَّا لِهَوَاك فِيهِ ؟ قَالَ : إنْ كُنْتُمْ قَدْ كَذَّبْتُمُونِي وَاتَّهَمْتُمُونِي { فَإِنَّ آيَة مُلْكه أَنْ يَأْتِيكُمْ التَّابُوت فِيهِ سَكِينَة مَنْ رَبّكُمْ } الْآيَة . قَالَ : فَنَزَلَتْ الْمَلَائِكَة بِالتَّابُوتِ نَهَارًا يَنْظُرُونَ إلَيْهِ عِيَانًا , حَتَّى وَضَعُوهُ بَيْن أَظْهُرهمْ , فَأَقَرُّوا غَيْر رَاضِينَ , وَخَرَجُوا سَاخِطِينَ . وَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { وَاَللَّه مَعَ الصَّابِرِينَ } 4447 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : لَمَّا قَالَ لَهُمْ نَبِيّهمْ : { إنَّ اللَّه اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَة فِي الْعِلْم وَالْجِسْم } قَالُوا : فَإِنْ كُنْت صَادِقًا , فَأْتِنَا بِآيَةٍ أَنَّ هَذَا مَلِك ! { قَالَ إنَّ آيَةَ مُلْكه أَنْ يَأْتِيكُمْ التَّابُوت فِيهِ سَكِينَة مَنْ رَبّكُمْ وَبَقِيَّة مِمَّا تَرَكَ آل مُوسَى وَآل هَارُونَ تَحْمِلهُ الْمَلَائِكَة } وَأَصْبَحَ التَّابُوت وَمَا فِيهِ فِي دَار طَالُوت , فَآمَنُوا بِنُبُوَّةِ شَمْعُون , وَسَلَّمُوا مُلْك طَالُوت . 4448 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { تَحْمِلهُ الْمَلَائِكَة } قَالَ : تَحْمِلهُ حَتَّى تَضَعهُ فِي بَيْت طَالُوت . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِك : تَسُوق الْمَلَائِكَة الدَّوَابّ الَّتِي تَحْمِلهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4449 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ بَعْض أَشْيَاخه , قَالَ : تَحْمِلهُ الْمَلَائِكَة عَلَى عَجَلَة , عَلَى بَقَرَة . 4450 - حَدَّثَنَا الْحَسَن , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل أَنَّهُ سَمِعَ وَهْب بْن مُنَبِّه يَقُول : وُكِّلَ بِالْبَقَرَتَيْنِ اللَّتَيْنِ سَارَتَا بِالتَّابُوتِ أَرْبَعَة مَنْ الْمَلَائِكَة يَسُوقُونَهُمَا , فَسَارَتْ الْبَقَرَتَانِ بِهِمَا سَيْرًا سَرِيعًا حَتَّى إذَا بَلَغَتَا طَرَف الْقُدْس ذَهَبَتَا . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِك بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : حَمَلَتْ التَّابُوت الْمَلَائِكَة حَتَّى وَضَعَتْهُ فِي دَار طَالُوت بَيْن أَظْهُر بَنِي إسْرَائِيل ; وَذَلِك أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره قَالَ : { تَحْمِلهُ الْمَلَائِكَة } وَلَمْ يَقُلْ : تَأْتِي بِهِ الْمَلَائِكَة وَمَا جَرَّتْهُ الْبَقَر عَلَى عَجَل . وَإِنْ كَانَتْ الْمَلَائِكَة هِيَ سَائِقَتهَا , فَهِيَ غَيْر حَامِلَته , لِأَنَّ الْحَمْل الْمَعْرُوف هُوَ مُبَاشَرَة الْحَامِل بِنَفْسِهِ حَمْل مَا حَمَلَ , فَأَمَّا مَا حَمَلَهُ عَلَى غَيْره وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فِي اللُّغَة أَنْ يُقَال فِي حَمْله بِمَعْنَى مَعُونَته الْحَامِل , أَوْ بِأَنَّ حَمْله كَانَ عَنْ سَبَبه , فَلَيْسَ سَبِيله سَبِيل مَا بَاشَرَ حَمْله بِنَفْسِهِ فِي تَعَارُف النَّاس إيَّاهُ بَيْنهمْ ; وَتَوْجِيه تَأْوِيل الْقُرْآن إلَى الْأَشْهَر مَنْ اللُّغَات أَوْلَى مَنْ تَوْجِيهه إلَى أَنْ لَا يَكُون الْأَشْهَر مَا وُجِدَ إلَى ذَلِك سَبِيل .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إنَّ فِي ذَلِك لَآيَة لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِك أَنَّ نَبِيّه أشمويل قَالَ لِبَنِي إسْرَائِيل : إنَّ فِي مَجِيئِكُمْ التَّابُوت فِيهِ سَكِينَة مَنْ رَبّكُمْ وَبَقِيَّة مِمَّا تَرَكَ آل مُوسَى وَآل هَارُونَ , حَامِلَته الْمَلَائِكَة , { لَآيَة لَكُمْ } يَعْنِي لَعَلَامَة لَكُمْ وَدِلَالَة أَيّهَا النَّاس عَلَى صِدْقِي فِيمَا أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ اللَّه بَعَثَ لَكُمْ طَالُوت مَلِكًا إنْ كُنْتُمْ قَدْ كَذَّبْتُمُونِي فِيمَا أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ مَنْ تَمْلِيك اللَّه إيَّاهُ عَلَيْكُمْ وَاتَّهَمْتُمُونِي فِي خَبَرِي إيَّاكُمْ بِذَلِك ; { إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } يَعْنِي بِذَلِك : إنْ كُنْتُمْ مُصَدِّقِيّ عِنْد مَجِيء الْآيَة الَّتِي سَأَلْتُمُونِيهَا عَلَى صِدْقِي فِيمَا أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ مِنْ أَمْر طَالُوت وَمُلْكه . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِك مَعْنَاهُ ; لِأَنَّ الْقَوْم قَدْ كَانُوا كَفَرُوا بِاَللَّهِ فِي تَكْذِيبهمْ نَبِيّهمْ , وَرِدّهمْ عَلَيْهِ قَوْله : { إنَّ اللَّه قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوت مَلِكًا } بِقَوْلِهِمْ : { أَنَّى يَكُون لَهُ الْمُلْك عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ } وَفِي مَسْأَلَتهمْ إيَّاهُ الْآيَة عَلَى صِدْقه . فَإِنْ كَانَ ذَلِك مِنْهُمْ كُفْرًا , فَغَيْر جَائِز أَنْ يُقَال لَهُمْ وَهُمْ كُفَّار لَكُمْ فِي مَجِيء التَّابُوت آيَة إنْ كُنْتُمْ مَنْ أَهْل الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَرَسُوله وَلَيْسُوا مَنْ أَهْل الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَلَا بِرَسُولِهِ , وَلَكِنَّ الْأَمْر فِي ذَلِك عَلَى مَا وَصَفْنَا مَنْ مَعْنَاهُ , لِأَنَّهُمْ سَأَلُوا الْآيَة عَلَى صِدْق خَبَره إيَّاهُمْ لِيُقِرُّوا بِصِدْقِهِ , فَقَالَ لَهُمْ فِي مَجِيء التَّابُوت عَلَى مَا وَصَفَهُ لَهُمْ آيَة لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ عِنْد مَجِيئِهِ كَذَلِكَ مُصَدِّقِيّ بِمَا قُلْت لَكُمْ وَأَخْبَرْتُكُمْ بِهِ .
فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاقُوا اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ↓
وَزَهُ هُوَ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ " الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوت بِالْجُنُودِ قَالَ إنَّ اللَّه مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إلَّا مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَة بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ } وَفِي هَذَا الْخَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره مَتْرُوك قَدْ اُسْتُغْنِيَ بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ عَنْ ذِكْره . وَمَعْنَى الْكَلَام : إنَّ فِي ذَلِك لَآيَة لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ , فَأَتَاهُمْ التَّابُوت فِيهِ
سَكِينَة مِنْ رَبّهمْ , وَبَقِيَّة مِمَّا تَرَكَ آل مُوسَى وَآل هَارُونَ تَحْمِلهُ الْمَلَائِكَة , فَصَدَّقُوا عِنْد ذَلِك نَبِيّهمْ , وَأَقَرُّوا بِأَنَّ اللَّه قَدْ بَعَثَ طَالُوت مَلِكًا عَلَيْهِمْ , وَأَذْعَنُوا لَهُ بِذَلِك . يَدُلّ عَلَى ذَلِك قَوْله : { فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوت بِالْجُنُودِ } وَمَا كَانَ لِيَفْصِل بِهِمْ إلَّا بَعْد رِضَاهُمْ بِهِ وَتَسْلِيمهمْ الْمُلْك لَهُ , لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَقْدِرُونَ عَلَى إكْرَاههمْ عَلَى ذَلِك فَيُظَنّ بِهِ أَنَّهُ حَمَلَهُمْ عَلَى ذَلِك كَرْهًا . وَأَمَّا قَوْله : { فَصَلَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ شَخَصَ بِالْجُنْدِ وَرَحَلَ بِهِمْ . وَأَصْل الْفَصْل : الْقَطْع , يُقَال مِنْهُ : فَصَلَ الرَّجُل مِنْ مَوْضِع كَذَا وَكَذَا , يَعْنِي بِهِ قَطَعَ ذَلِك , فَجَاوَزَهُ شَاخِصًا إلَى غَيْره , يَفْصِل فُصُولًا ; وَفَصَلَ الْعَظْم وَالْقَوْل مِنْ غَيْره فَهُوَ يَفْصِلهُ فَصْلًا : إذَا قَطَعَهُ فَأَبَانَهُ ; وَفَصَلَ الصَّبِيّ فِصَالًا : إذَا قَطَعَهُ عَنْ اللَّبَن ; وَقَوْل فَصْل : يَقْطَع فَيُفَرِّق بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل لَا يُرَدّ . وَقِيلَ : إنَّ طَالُوت فَصَلَ بِالْجُنُودِ يَوْمئِذٍ مِنْ بَيْت الْمَقْدِس وَهُمْ ثَمَانُونَ أَلْف مُقَاتِل , لَمْ يَتَخَلَّف مَنْ بَنِي إسْرَائِيل عَنْ الْفُصُول مَعَهُ إلَّا ذُو عِلَّة لِعِلَّتِهِ , أَوْ كَبِير لِهَرَمِهِ , أَوْ مَعْذُور لَا طَاقَة لَهُ بِالنُّهُوضِ مَعَهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4451 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثِنَا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , قَالَ : ثني بَعْض أَهْل الْعِلْم , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه , قَالَ : خَرَجَ بِهِمْ طَالُوت حِين اسْتَوْثَقُوا لَهُ , وَلَمْ يَتَخَلَّف عَنْهُ إلَّا كَبِير ذُو عِلَّة , أَوْ ضَرِير مَعْذُور , أَوْ رَجُل فِي ضَيْعَة لَا بُدّ لَهُ مِنْ تَخَلُّف فِيهَا . 4452 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثِنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : لَمَّا جَاءَهُمْ التَّابُوت آمَنُوا بِنُبُوَّةِ شَمْعُون , وَسَلَّمُوا مُلْك طَالُوت , فَخَرَجُوا مَعَهُ , وَهُمْ ثَمَانُونَ أَلْفًا . قَالَ أَبُو جَعْفَر : فَلَمَّا فَصَلَ بِهِمْ طَالُوت عَلَى مَا وَصَفْنَا قَالَ : { إنَّ اللَّه مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ } يَقُول : إنَّ اللَّه مُخْتَبِركُمْ بِنَهَرٍ , لِيَعْلَم كَيْفَ طَاعَتكُمْ لَهُ . وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ مَعْنَى الِابْتِلَاء : الِاخْتِبَار فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إعَادَته . وَبِمَا قُلْنَا فِي ذَلِك كَانَ قَتَادَةُ يَقُول . 4453 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { إنَّ اللَّه مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ } قَالَ : إنَّ اللَّه يَبْتَلِي خَلْقه بِمَا يَشَاء لِيَعْلَم مَنْ يُطِيعهُ مِمَّنْ يَعْصِيه . وَقِيلَ : إنَّ طَالُوت قَالَ : { إنَّ اللَّه مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ } لِأَنَّهُمْ شَكَوْا إلَى طَالُوت قِلَّة الْمِيَاه بَيْنهمْ وَبَيْن عَدُوّهُمْ , وَسَأَلُوهُ أَنْ يَدْعُو اللَّه لَهُمْ أَنْ يُجْرِيَ بَيْنهمْ وَبَيْن عَدُوّهُمْ نَهْرًا , فَقَالَ لَهُمْ طَالُوت حِينَئِذٍ مَا أَخْبَرَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَهُ مِنْ قَوْله : { إنَّ اللَّه مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ } ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4454 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , قَالَ : ثني بَعْض أَهْل الْعِلْم , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه , قَالَ : لَمَّا فَصَلَ طَالُوت بِالْجُنُودِ , قَالُوا : إنَّ الْمِيَاه لَا تَحْمِلنَا , فَادْعُ اللَّه لَنَا يَجْرِي لَنَا نَهَرًا ! فَقَالَ لَهُمْ طَالُوت : { إنَّ اللَّه مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ } الْآيَة . وَالنَّهَر الَّذِي أَخْبَرَهُمْ طَالُوت أَنَّ اللَّه مُبْتَلِيهمْ بِهِ قِيلَ : هُوَ نَهَر بَيْن الْأُرْدُنّ وَفِلَسْطِين . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4455 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثِنَا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : { إنْ اللَّه مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ } قَالَ الرَّبِيع : ذُكِرَ لَنَا وَاَللَّه أَعْلَم أَنَّهُ نَهَر بَيْن الْأُرْدُنّ وَفِلَسْطِين . 4456 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { إنَّ اللَّه مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ } قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ نَهَر بَيْن الْأُرْدُنّ وَفِلَسْطِين . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { إنَّ اللَّه مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ } قَالَ : هُوَ نَهَر بَيْن الْأُرْدُنّ وَفِلَسْطِين . 4457 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِيّ حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوت بِالْجُنُودِ } غَازِيًا إلَى جَالُوت , قَالَ طَالُوت لِبَنِي إسْرَائِيل : { إنَّ اللَّه مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ } قَالَ : نَهَرٌ بَيْن فِلَسْطِين وَالْأُرْدُنّ , نَهَر عَذْب الْمَاء طَيِّبه . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ نَهَر فِلَسْطِين . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4458 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثَنِيّ عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : { إنَّ اللَّه مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ } فَالنَّهَر الَّذِي اُبْتُلِيَ بِهِ بَنُو إسْرَائِيل نَهَر فِلَسْطِين . 4459 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { إنَّ اللَّه مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ } هُوَ نَهَر فِلَسْطِين . وَأَمَّا قَوْله : { فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إلَّا مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَة بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ } فَإِنَّهُ خَبَر مَنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ طَالُوت أَنَّهُ قَالَ لِجُنُودِهِ إذْ شَكَوْا إلَيْهِ الْعَطَش , فَأَخْبَرَ أَنَّ اللَّه مُبْتَلِيهمْ بِنَهَرٍ , ثُمَّ أَعْلَمَهُمْ أَنَّ الِابْتِلَاء الَّذِي أَخْبَرَهُمْ عَنْ اللَّه بِهِ مَنْ ذَلِك النَّهَر , هُوَ أَنَّ مَنْ شَرِبَ مِنْ مَائِهِ فَلَيْسَ هُوَ مِنْهُ , يَعْنِي بِذَلِك أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْل وِلَايَته وَطَاعَته , وَلَا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بِاَللَّهِ وَبِلِقَائِهِ . وَيَدُلّ عَلَى أَنَّ ذَلِك كَذَلِك قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ } فَأَخْرُج مَنْ لَمْ يُجَاوِز النَّهَر مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا . ثُمَّ أَخْلَصَ ذِكْر الْمُؤْمِنِينَ بِاَللَّهِ وَلِقَائِهِ عِنْد دُنُوّهُمْ مَنْ جَالُوت وَجُنُوده بِقَوْلِهِ : { قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّه كَمْ مِنْ فِئَة قَلِيلَة غَلَبَتْ فِئَة كَثِيرَة بِإِذْنِ اللَّه } وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ مَنْ لَمْ يَطْعَمهُ , يَعْنِي مَنْ لَمْ يَطْعَم الْمَاء مَنْ ذَلِك النَّهَر وَالْهَاء فِي قَوْله : { فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ } وَفِي قَوْله : { وَمَنْ لَمْ يَطْعَمهُ } عَائِدَة عَلَى النَّهَر , وَالْمَعْنَى لِمَائِهِ . وَإِنَّمَا تَرَكَ ذِكْر الْمَاء اكْتِفَاء بِفَهْمِ السَّامِع بِذِكْرِ النَّهَر لِذَلِك أَنَّ الْمُرَاد بِهِ الْمَاء الَّذِي فِيهِ وَمَعْنَى قَوْله : { لَمْ يَطْعَمهُ } لَمْ يَذُقْهُ , يَعْنِي : وَمَنْ لَمْ يَذُقْ مَاء ذَلِك النَّهَر فَهُوَ مِنِّي , يَقُول : هُوَ مِنْ أَهْل وِلَايَتِي وَطَاعَتِي وَالْمُؤْمِنِينَ بِاَللَّهِ وَبِلِقَائِهِ . ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ قَوْله : { وَمَنْ لَمْ يَطْعَمهُ } الْمُغْتَرِفِينَ بِأَيْدِيهِمْ غُرْفَة , فَقَالَ : وَمَنْ لَمْ يَطْعَم مَاء ذَلِك النَّهَر إلَّا غُرْفَة يَغْتَرِفهَا بِيَدِهِ فَإِنَّهُ مِنِّي . ثُمَّ اخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { إلَّا مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَة بِيَدِهِ } فَقَرَأَهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة : " غَرْفَة " بِنَصْبِ الْغَيْن مَنْ الْغَرْفَة , بِمَعْنَى الْغَرْفَة الْوَاحِدَة , مِنْ قَوْلك : اغْتَرَفْت غَرْفَة , وَالْغَرْفَة هِيَ الْفِعْل بِعَيْنِهِ مِنْ الِاغْتِرَاف . وَقَرَأَهُ آخَرُونَ بِالضَّمِّ , بِمَعْنَى : الْمَاء الَّذِي يَصِير فِي كَفّ الْمُغْتَرِف , فَالْغَرْفَة الِاسْم , وَالْغَرْفَة الْمَصْدَر . وَأَعْجَب الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِك إلَيَّ ضَمّ الْغَيْن فِي الْغُرْفَة بِمَعْنَى : إلَّا مَنْ اغْتَرَفَ كَفًّا مِنْ مَاء , لِاخْتِلَافِ غُرْفَة إذَا فُتِحَتْ غينها , وَمَا هِيَ لَهُ مَصْدَر ; وَذَلِكَ أَنَّ مَصْدَرَ اغْتَرَفَ اغْتِرَافَة , وإنما غُرْفَة مصدر غَرَفْت , فَلَمَّا كَانَتْ غُرْفَة مخالفة مصدر اغترف , كانت الْغُرْفَة الَّتِي بِمَعْنَى الِاسْمِ عَلَى مَا قَدْ وَصَفْنَا أَشْبَه مِنْهَا بِالْغُرْفَةِ الَّتِي هِيَ بِمَعْنَى الْفِعْل وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ عَامَّتهمْ شَرِبُوا مَنْ ذَلِك الْمَاء , فَكَانَ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ عَطِشَ , وَمَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَة رُوِيَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4460 - حَدَّثَنِي بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إلَّا مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَة بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ } فَشَرِبَ الْقَوْم عَلَى قَدْر يَقِينهمْ . أَمَّا الْكُفَّار فَجَعَلُوا يَشْرَبُونَ فَلَا يَرْوُونَ , وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَجَعَلَ الرَّجُل يَغْتَرِف غُرْفَة بِيَدِهِ فَتَجْزِيهِ وَتَرْوِيهِ . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ : { فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إلَّا مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَة بِيَدِهِ } قَالَ : كَانَ الْكُفَّار يَشْرَبُونَ فَلَا يَرْوُونَ , وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَغْتَرِفُونَ غُرْفَة , فَيَجْزِيهِمْ ذَلِك . 4461 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثِنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إلَّا مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَة بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ } يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ , وَكَانَ الْقَوْم كَثِيرًا فَشَرِبُوا مِنْهُ إلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ , يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ كَانَ أَحَدهمْ يَغْتَرِف الْغُرْفَة فَيَجْزِيه ذَلِك وَيَرْوِيه . 4462 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : لَمَّا أَصْبَحَ التَّابُوت وَمَا فِيهِ فِي دَار طَالُوت , آمَنُوا بِنُبُوَّةِ شَمْعُون , وَسَلَّمُوا مُلْك طَالُوت , فَخَرَجُوا مَعَهُ وَهُمْ ثَمَانُونَ أَلْفًا . وَكَانَ جَالُوت مِنْ أَعْظَم النَّاس , وَأَشَدّهمْ بَأْسًا , فَخَرَجَ يَسِير بَيْن يَدَيْ الْجُنْد , وَلَا تَجْتَمِع إلَيْهِ أَصْحَابه حَتَّى يَهْزِم هُوَ مَنْ لَقِيَ . فَلَمَّا خَرَجُوا قَالَ لَهُمْ طَالُوت : { إنَّ اللَّه مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمهُ فَإِنَّهُ مِنِّي } فَشَرِبُوا مِنْهُ هَيْبَة مِنْ جَالُوت , فَعَبَرَ مِنْهُمْ أَرْبَعَة آلَاف , وَرَجَعَ سِتَّة وَسَبْعُونَ أَلْفًا . فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ عَطِشَ , وَمَنْ لَمْ يَشْرَب مِنْهُ إلَّا غُرْفَة رُوِيَ . 4463 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : أَلْقَى اللَّه عَلَى لِسَان طَالُوت حِين فَصَلَ بِالْجُنُودِ , فَقَالَ : لَا يَصْحَبنِي أَحَد إلَّا أَحَد لَهُ نِيَّة فِي الْجِهَاد ! فَلَمْ يَتَخَلَّف عَنْهُ مُؤْمِن , وَلَمْ يَتْبَعهُ مُنَافِق فَلَمَّا رَأَى قِلَّتهمْ , قَالُوا : لَنْ نَمَسّ مِنْ هَذَا الْمَاء غُرْفَة وَلَا غَيْرهَا ! وَذَلِك أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ : { إنَّ اللَّه مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ } الْآيَة . فَقَالُوا : لَنْ نَمَسّ مَنْ هَذَا غُرْفَة وَلَا غَيْر غُرْفَة ! قَالَ : وَأَخَذَ الْبَقِيَّة الْغُرْفَة , فَشَرِبُوا مِنْهَا حَتَّى كَفَتْهُمْ , وَفَضَلَ مِنْهُمْ . قَالَ : وَاَلَّذِينَ لَمْ يَأْخُذُوا الْغُرْفَة أَقْوَى مَنْ الَّذِينَ أَخَذُوهَا . 4464 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِيّ حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إلَّا مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَة بِيَدِهِ } فَشَرِبَ كُلّ إنْسَان كَقَدْرِ الَّذِي فِي قَلْبه , فَمَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَة وَأَطَاعَهُ رُوِيَ بِطَاعَتِهِ , وَمَنْ شَرِبَ فَأَكْثَرَ عَصَى فَلَمْ يُرْوَ لِمَعْصِيَتِهِ . 4465 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق فِي حَدِيث ذَكَرَهُ , عَنْ بَعْض أَهْل الْعِلْم , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه فِي قَوْله : { فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إلَّا مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَة بِيَدِهِ } يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { فَشَرِبُوا مِنْهُ إلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ } وَكَانَ فِيمَا يَزْعُمُونَ مَنْ تَتَابَعَ مِنْهُمْ فِي الشُّرْب الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ لَمْ يَرْوِهِ , وَمَنْ لَمْ يَطْعَمهُ إلَّا كَمَا أَمَرَ غُرْفَة بِيَدِهِ أَجْزَأَهُ وَكَفَاهُ . الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَة لَنَا الْيَوْم بِجَالُوت وَجُنُوده } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ } فَلَمَّا جَاوَزَ النَّهَر طَالُوت . وَالْهَاء فِي " جَاوَزَهُ " عَائِدَة عَلَى النَّهَر , وَهُوَ كِنَايَة اسْم طَالُوت . وَقَوْله : { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ } يَعْنِي : وَجَاوَزَ النَّهَر مَعَهُ الَّذِينَ آمَنُوا . { قَالُوا لَا طَاقَة لَنَا الْيَوْم بِجَالُوت وَجُنُوده } ثُمَّ اخْتَلَفَ فِي عِدَّة مَنْ جَاوَزَ النَّهَر مَعَهُ يَوْمئِذٍ وَمَنْ قَالَ مِنْهُمْ لَا طَاقَة لَنَا الْيَوْم بِجَالُوت وَجُنُوده , فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَتْ عِدَّتهمْ عِدَّة أَهْل بَدْر ثَلَثمِائَةِ رَجُل وَبِضْعَة عَشَرَ رَجُلًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4466 - حَدَّثَنَا هَارُونَ بْن إسْحَاق الْهَمْدَانِيّ , قَالَ : ثِنَا مُصْعَب بْن الْمِقْدَام , وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَا جَمِيعًا : ثنا إسْرَائِيل , قَالَ : ثنا أَبُو إسْحَاق , عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب , قَالَ : كُنَّا نَتَحَدَّث أَنَّ عِدَّة أَصْحَاب بَدْر عَلَى عِدَّة أَصْحَاب طَالُوت الَّذِينَ جَاوَزُوا النَّهَر مَعَهُ , وَلَمْ يَجُزْ مَعَهُ إلَّا مُؤْمِن , ثَلَثمِائَةِ وَبَضْعَة عَشَرَ رَجُلًا . * حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر , قَالَ : ثنا أَبُو إسْحَاق , عَنْ الْبَرَاء , قَالَ : كُنَّا نَتَحَدَّث أَنَّ أَصْحَاب بَدْر يَوْم بَدْر كَعِدَّةِ أَصْحَاب طَالُوت ثَلَثمِائَةِ رَجُل وَثَلَاثَة عَشَرَ رَجُلًا الَّذِينَ جَاوَزُوا النَّهَر . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثِنَا أَبُو عَامِر , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ الْبَرَاء , قَالَ : كُنَّا نَتَحَدَّث أَنَّ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَوْم بَدْر ثَلَثمِائَةٍ وَبِضْعَة عَشَرَ رَجُلًا عَلَى عِدَّة أَصْحَاب طَالُوت مَنْ جَازَ مَعَهُ , وَمَا جَازَ مَعَهُ إلَّا مُؤْمِن . * حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ الْبَرَاء بِنَحْوِهِ . * حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمِّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ الْبَرَاء , قَالَ : كُنَّا نَتَحَدَّث أَنَّ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَوْم بَدْر عَلَى عِدَّة أَصْحَاب طَالُوت يَوْم جَاوَزُوا النَّهَر , وَمَا جَاوَزَ مَعَهُ إلَّا مُسْلِم . * حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا مِسْعَر , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ الْبَرَاء مِثْله . 4467 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةُ , قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ يَوْم بَدْر : " أَنْتُمْ بِعِدَّةِ أَصْحَاب طَالُوت يَوْم لَقِيَ " , وَكَانَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم بَدْر ثَلَثمِائَةٍ وَبَضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا . 4468 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثِنَا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : مَحَّصَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا عِنْد النَّهَر وَكَانُوا ثَلَثمِائَةٍ , وَفَوْق الْعَشْرَة , وَدُون الْعِشْرِينَ , فَجَاءَ دَاوُد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكْمَلَ بِهِ الْعِدَّة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ جَاوَزَ مَعَهُ النَّهَر أَرْبَعَة آلَاف , وَإِنَّمَا خَلَصَ أَهْل الْإِيمَان مِنْهُمْ مَنْ أَهْل الْكُفْر وَالنِّفَاق حِين لَقُوا جَالُوت . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4469 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : عَبَرَ مَعَ طَالُوت النَّهَر مِنْ بَنِي إسْرَائِيل أَرْبَعَة آلَاف , فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ فَنَظَرُوا إلَى جَالُوت رَجَعُوا أَيْضًا وَقَالُوا : لَا طَاقَة لَنَا الْيَوْم بِجَالُوت وَجُنُوده ! فَرَجَعَ عَنْهُ أَيْضًا ثَلَاثَة آلَاف وَسِتّمِائَةٍ وَبَضْعَة وَثَمَانُونَ , وَخَلَصَ فِي ثَلَثمِائَةِ وَبَضْعَة عَشَرَ عِدَّة أَهْل بَدْر . 4470 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِيّ حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : لَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ , قَالَ الَّذِينَ شَرِبُوا : { لَا طَاقَة لَنَا الْيَوْم بِجَالُوت وَجُنُوده } وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِك بِالصَّوَابِ , مَا رُوِيَ عَنْ ابْن عَبَّاس وَقَالَهُ السُّدِّيّ ; وَهُوَ أَنَّهُ جَاوَزَ النَّهَر مَعَ طَالُوت الْمُؤْمِن الَّذِي لَمْ يَشْرَب مِنْ النَّهَر إلَّا الْغُرْفَة , وَالْكَافِر الَّذِي شَرِبَ مِنْهُ الْكَثِير . ثُمَّ وَقَعَ التَّمْيِيز بَيْنهمْ بَعْد ذَلِك بِرُؤْيَةِ جَالُوت وَلِقَائِهِ , وَانْخَزَلَ عَنْهُ أَهْل الشِّرْك وَالنِّفَاق , وَهُمْ الَّذِينَ قَالُوا : { لَا طَاقَة لَنَا الْيَوْم بِجَالُوت وَجُنُوده } وَمَضَى أَهْل الْبَصِيرَة بِأَمْرِ اللَّه عَلَى بِصَائِرِهِمْ , وَهُمْ أَهْل الثَّبَات عَلَى الْإِيمَان , فَقَالُوا : { كَمْ مِنْ فِئَة قَلِيلَة غَلَبَتْ فِئَة كَثِيرَة بِإِذْنِ اللَّه وَاَللَّه مَعَ الصَّابِرِينَ } فَإِنْ ظَنَّ ذُو غَفْلَة أَنَّهُ غَيْر جَائِز أَنْ يَكُون جَاوَزَ النَّهَر مَعَ طَالُوت إلَّا أَهْل الْإِيمَان الَّذِينَ ثَبَتُوا مَعَهُ عَلَى إيمَانهمْ , وَمَنْ لَمْ يَشْرَب مِنْ النَّهَر إلَّا الْغُرْفَة , لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره قَالَ : { فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ } فَكَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ لَمْ يُجَاوِز مَعَهُ إلَّا أَهْل الْإِيمَان , عَلَى مَا رُوِيَ بِهِ الْخَبَر عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب , وَلِأَنَّ أَهْل الْكُفْر لَوْ كَانُوا جَاوَزُوا النَّهَر كَمَا جَاوَزَهُ أَهْل الْإِيمَان لَمَا خَصَّ اللَّه بِالذِّكْرِ فِي ذَلِك أَهْل الْإِيمَان ; فَإِنَّ الْأَمْر فِي ذَلِك بِخِلَافِ مَا ظَنَّ . وَذَلِك أَنَّهُ غَيْر مُسْتَنْكَر أَنْ يَكُون الْفَرِيقَانِ , أَعْنِي فَرِيق الْإِيمَان وَفَرِيق الْكُفْر جَاوَزُوا النَّهَر , وَأَخْبَرَ اللَّه نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عَنْ الْمُؤْمِنِينَ بِالْمُجَاوَزَةِ , لِأَنَّهُمْ كَانُوا مِنْ الَّذِينَ جَاوَزُوهُ مَعَ مَلِكهمْ وَتَرَكَ ذِكْر أَهْل الْكُفْر , وَإِنْ كَانُوا قَدْ جَاوَزُوا النَّهَر مَعَ الْمُؤْمِنِينَ . وَاَلَّذِي يَدُلّ عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا فِي ذَلِك قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَة لَنَا الْيَوْم بِجَالُوت وَجُنُوده قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّه كَمْ مِنْ فِئَة قَلِيلَة غَلَبَتْ فِئَة كَثِيرَة بِإِذْنِ اللَّه } فَأَوْجَبَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَنَّ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّه هُمْ الَّذِينَ قَالُوا عِنْد مُجَاوَزَة النَّهَر : { كَمْ مِنْ فِئَة قَلِيلَة غَلَبَتْ فِئَة كَثِيرَة بِإِذْنِ اللَّه } دُون غَيْرهمْ الَّذِينَ لَا يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّه , وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّه هُمْ الَّذِينَ قَالُوا : { لَا طَاقَة لَنَا الْيَوْم بِجَالُوت وَجُنُوده } وَغَيْر جَائِز أَنْ يُضَاف الْإِيمَان إلَى مَنْ جَحَدَ أَنَّهُ مُلَاقِي اللَّه أَوْ شَكَّ فِيهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالُوا لَا طَاقَة لَنَا الْيَوْم بِجَالُوت وَجُنُوده قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّه كَمْ مَنْ فِئَة قَلِيلَة غَلَبَتْ فِئَة كَثِيرَة بِإِذْنِ اللَّه } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي أَمْر هَذَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ , أَعْنِي الْقَائِلِينَ : { لَا طَاقَة لَنَا الْيَوْم بِجَالُوت وَجُنُوده } وَالْقَائِلِينَ : { كَمْ مَنْ فِئَة قَلِيلَة غَلَبَتْ فِئَة كَثِيرَة بِإِذْنِ اللَّه } مَنْ هُمَا . فَقَالَ بَعْضهمْ : الْفَرِيق الَّذِينَ قَالُوا : { لَا طَاقَة لَنَا الْيَوْم بِجَالُوت وَجُنُوده } هُمْ أَهْل كُفْر بِاَللَّهِ وَنِفَاق , وَلَيْسُوا مِمَّنْ شَهِدَ قِتَال جَالُوت وَجُنُوده , لِأَنَّهُمْ انْصَرَفُوا عَنْ طَالُوت وَمَنْ ثَبَتَ مَعَهُ لِقِتَالِ عَدُوّ اللَّه جَالُوت وَمَنْ مَعَهُ , وَهُمْ الَّذِينَ عَصَوْا أَمْر اللَّه لِشُرْبِهِمْ مِنْ النَّهَر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4471 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثِنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ بِذَلِك ; وَهُوَ قَوْل ابْن عَبَّاس . وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَة بِذَلِك عَنْهُ آنِفًا . 4472 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِيّ حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ : { قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّه } الَّذِينَ اغْتَرَفُوا وَأَطَاعُوا الَّذِينَ مَضَوْا مَعَ طَالُوت الْمُؤْمِنُونَ , وَجَلَسَ الَّذِينَ شَكُّوا . وَقَالَ آخَرُونَ : كِلَا الْفَرِيقَيْنِ كَانَ أَهْل إيمَان , وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ أَحَد شَرِبَ مِنْ الْمَاء إلَّا غُرْفَة , بَلْ كَانُوا جَمِيعًا أَهْل طَاعَة , وَلَكِنَّ بَعْضهمْ كَانَ أَصَحّ يَقِينًا مِنْ بَعْض , وَهُمْ الَّذِينَ أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا : { كَمْ مَنْ فِئَة قَلِيلَة غَلَبَتْ فِئَة كَثِيرَة بِإِذْنِ اللَّه } وَالْآخَرُونَ كَانُوا أَضْعَف يَقِينًا , وَهُمْ الَّذِينَ قَالُوا : { لَا طَاقَة لَنَا الْيَوْم بِجَالُوت
وَجُنُوده } ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4473 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثِنَا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَة لَنَا الْيَوْم بِجَالُوت وَجُنُوده قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّه كَمْ مِنْ فِئَة قَلِيلَة غَلَبَتْ فِئَة كَثِيرَة بِإِذْنِ اللَّه وَاَللَّه مَعَ الصَّابِرِينَ } وَيَكُون الْمُؤْمِنُونَ بَعْضهمْ أَفْضَل جِدًّا وَعَزْمًا مِنْ بَعْض , وَهُمْ مُؤْمِنُونَ كُلّهمْ . 4474 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { كَمْ مِنْ فِئَة قَلِيلَة غَلَبَتْ فِئَة كَثِيرَة بِإِذْنِ اللَّه } أَنَّ النَّبِيّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ يَوْم بَدْر : " أَنْتُمْ بِعِدَّةِ أَصْحَاب طَالُوت ثَلَثمِائَةٍ " قَالَ قَتَادَةَ : وَكَانَ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم بَدْر ثَلَثمِائَةٍ وَبَضْعَة عَشَرَ . 4475 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : الَّذِينَ لَمْ يَأْخُذُوا الْغُرْفَة أَقْوَى مَنْ الَّذِينَ أَخَذُوا , وَهُمْ الَّذِينَ قَالُوا : { كَمْ مِنْ فِئَة قَلِيلَة غَلَبَتْ فِئَة كَثِيرَة بِإِذْنِ اللَّه وَاَللَّه مَعَ الصَّابِرِينَ } وَيَجِبُ عَلَى الْقَوْل الَّذِي رُوِيَ عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب أَنَّهُ لَمْ يُجَاوِز النَّهَر مَعَ طَالُوت إلَّا عِدَّة أَصْحَاب بَدْر أَنْ يَكُون كِلَا الْفَرِيقَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفَهُمَا اللَّه بِمَا وَصَفَهُمَا بِهِ أَمَرَهُمَا عَلَى نَحْو مَا قَالَ فِيهِمَا قَتَادَةَ وَابْن زَيْد . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَأْوِيل الْآيَة مَا قَالَهُ ابْن عَبَّاس وَالسُّدِّيّ وَابْن جُرَيْجٍ . وَقَدْ ذَكَرْنَا الْحُجَّة فِي ذَلِك فِيمَا مَضَى قَبْلُ آنِفًا . وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّه } فَإِنَّهُ يَعْنِي : قَالَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَيَسْتَيْقِنُونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّه . 4476 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّه } الَّذِينَ يَسْتَيْقِنُونَ . فَتَأْوِيل الْكَلَام : قَالَ الَّذِينَ يُوقِنُونَ بِالْمَعَادِ وَيُصَدِّقُونَ بِالْمَرْجِعِ إلَى اللَّه لِلَّذِينَ قَالُوا : { لَا طَاقَة لَنَا الْيَوْم بِجَالُوت وَجُنُوده كَمْ مَنْ فِئَة قَلِيلَة } يَعْنِي بِكَمْ كَثِيرًا غَلَبَتْ فِئَةٌ قَلِيلَةٌ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّه , يَعْنِي : بِقَضَاءِ اللَّه وَقَدَره . { وَاَللَّه مَعَ الصَّابِرِينَ } يَقُول : مَعَ الْحَابِسِينَ أَنْفُسهمْ عَلَى رِضَاهُ وَطَاعَته . وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى الْبَيَان عَنْ وُجُوه الظَّنّ وَأَنَّ أَحَد مَعَانِيه الْعِلْم الْيَقِين بِمَا يَدُلّ عَلَى صِحَّة ذَلِك فِيمَا مَضَى , فَكَرِهْنَا إعَادَته . وَأَمَّا الْفِئَة فَإِنَّهُمْ الْجَمَاعَة مَنْ النَّاس لَا وَاحِد لَهُ مَنْ لَفْظه , وَهُوَ مِثْل الرَّهْط وَالنَّفَر جَمْعه فِئَات وَفِئُون فِي الرَّفْع وَفِئِينَ فِي النَّصْب وَالْخَفْض بِفَتْحِ نُونهَا فِي كُلّ حَال , وَفِئِينُ بِالرَّفْعِ بِإِعْرَابِ نُونهَا بِالرَّفْعِ وَتَرْك الْيَاء فِيهَا , وَفِي النَّصْب فِئِينًا , وَفِي الْخَفْض فِئِينَ , فَيَكُون الْإِعْرَاب فِي الْخَفْض وَالنَّصْب فِي نُونهَا , وَفِي كُلّ ذَلِك مُقَرَّة فِيهَا الْيَاء عَلَى حَالهَا , فَإِنْ أُضِيفَتْ , قِيلَ : هَؤُلَاءِ فِئِينُك بِإِقْرَارِ النُّون وَحَذْف التَّنْوِين , كَمَا قَالَ الَّذِينَ لُغَتهمْ هَذِهِ سِنِينَ فِي جَمَعَ السَّنَة هَذِهِ سِنِينُك بِإِثْبَاتِ النُّون وَإِعْرَابهَا , وَحَذْف التَّنْوِين مِنْهَا لِلْإِضَافَةِ , وَكَذَلِك الْعَمَل فِي كُلّ مَنْقُوص , مِثْل مِائَة وَثِبَة وَقِلَة وَعِزَة , فَأَمَّا مَا كَانَ نَقْصه مِنْ أَوَّله ; فَإِنَّ جَمْعه بِالتَّاءِ مِثْل عِدَةٍ وَعِدَات وَصِلَة وَصِلَات .
وَأَمَّا قَوْله : { وَاَللَّه مَعَ الصَّابِرِينَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَاَللَّه مُعِين الصَّابِرِينَ عَلَى الْجِهَاد فِي سَبِيله وَغَيْر ذَلِك مَنْ طَاعَته ,
وَظُهُورهمْ وَنَصْرهمْ عَلَى أَعْدَائِهِ الصَّادِّينَ عَنْ سَبِيله , الْمُخَالِفِينَ مِنْهَاج دِينه . وَكَذَلِك يُقَال لِكُلِّ مُعِين رَجُلًا عَلَى غَيْره هُوَ مَعَهُ بِمَعْنَى هُوَ مَعَهُ بِالْعَوْنِ لَهُ وَالنُّصْرَة .
سَكِينَة مِنْ رَبّهمْ , وَبَقِيَّة مِمَّا تَرَكَ آل مُوسَى وَآل هَارُونَ تَحْمِلهُ الْمَلَائِكَة , فَصَدَّقُوا عِنْد ذَلِك نَبِيّهمْ , وَأَقَرُّوا بِأَنَّ اللَّه قَدْ بَعَثَ طَالُوت مَلِكًا عَلَيْهِمْ , وَأَذْعَنُوا لَهُ بِذَلِك . يَدُلّ عَلَى ذَلِك قَوْله : { فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوت بِالْجُنُودِ } وَمَا كَانَ لِيَفْصِل بِهِمْ إلَّا بَعْد رِضَاهُمْ بِهِ وَتَسْلِيمهمْ الْمُلْك لَهُ , لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَقْدِرُونَ عَلَى إكْرَاههمْ عَلَى ذَلِك فَيُظَنّ بِهِ أَنَّهُ حَمَلَهُمْ عَلَى ذَلِك كَرْهًا . وَأَمَّا قَوْله : { فَصَلَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ شَخَصَ بِالْجُنْدِ وَرَحَلَ بِهِمْ . وَأَصْل الْفَصْل : الْقَطْع , يُقَال مِنْهُ : فَصَلَ الرَّجُل مِنْ مَوْضِع كَذَا وَكَذَا , يَعْنِي بِهِ قَطَعَ ذَلِك , فَجَاوَزَهُ شَاخِصًا إلَى غَيْره , يَفْصِل فُصُولًا ; وَفَصَلَ الْعَظْم وَالْقَوْل مِنْ غَيْره فَهُوَ يَفْصِلهُ فَصْلًا : إذَا قَطَعَهُ فَأَبَانَهُ ; وَفَصَلَ الصَّبِيّ فِصَالًا : إذَا قَطَعَهُ عَنْ اللَّبَن ; وَقَوْل فَصْل : يَقْطَع فَيُفَرِّق بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل لَا يُرَدّ . وَقِيلَ : إنَّ طَالُوت فَصَلَ بِالْجُنُودِ يَوْمئِذٍ مِنْ بَيْت الْمَقْدِس وَهُمْ ثَمَانُونَ أَلْف مُقَاتِل , لَمْ يَتَخَلَّف مَنْ بَنِي إسْرَائِيل عَنْ الْفُصُول مَعَهُ إلَّا ذُو عِلَّة لِعِلَّتِهِ , أَوْ كَبِير لِهَرَمِهِ , أَوْ مَعْذُور لَا طَاقَة لَهُ بِالنُّهُوضِ مَعَهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4451 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثِنَا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , قَالَ : ثني بَعْض أَهْل الْعِلْم , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه , قَالَ : خَرَجَ بِهِمْ طَالُوت حِين اسْتَوْثَقُوا لَهُ , وَلَمْ يَتَخَلَّف عَنْهُ إلَّا كَبِير ذُو عِلَّة , أَوْ ضَرِير مَعْذُور , أَوْ رَجُل فِي ضَيْعَة لَا بُدّ لَهُ مِنْ تَخَلُّف فِيهَا . 4452 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثِنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : لَمَّا جَاءَهُمْ التَّابُوت آمَنُوا بِنُبُوَّةِ شَمْعُون , وَسَلَّمُوا مُلْك طَالُوت , فَخَرَجُوا مَعَهُ , وَهُمْ ثَمَانُونَ أَلْفًا . قَالَ أَبُو جَعْفَر : فَلَمَّا فَصَلَ بِهِمْ طَالُوت عَلَى مَا وَصَفْنَا قَالَ : { إنَّ اللَّه مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ } يَقُول : إنَّ اللَّه مُخْتَبِركُمْ بِنَهَرٍ , لِيَعْلَم كَيْفَ طَاعَتكُمْ لَهُ . وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ مَعْنَى الِابْتِلَاء : الِاخْتِبَار فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إعَادَته . وَبِمَا قُلْنَا فِي ذَلِك كَانَ قَتَادَةُ يَقُول . 4453 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { إنَّ اللَّه مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ } قَالَ : إنَّ اللَّه يَبْتَلِي خَلْقه بِمَا يَشَاء لِيَعْلَم مَنْ يُطِيعهُ مِمَّنْ يَعْصِيه . وَقِيلَ : إنَّ طَالُوت قَالَ : { إنَّ اللَّه مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ } لِأَنَّهُمْ شَكَوْا إلَى طَالُوت قِلَّة الْمِيَاه بَيْنهمْ وَبَيْن عَدُوّهُمْ , وَسَأَلُوهُ أَنْ يَدْعُو اللَّه لَهُمْ أَنْ يُجْرِيَ بَيْنهمْ وَبَيْن عَدُوّهُمْ نَهْرًا , فَقَالَ لَهُمْ طَالُوت حِينَئِذٍ مَا أَخْبَرَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَهُ مِنْ قَوْله : { إنَّ اللَّه مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ } ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4454 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , قَالَ : ثني بَعْض أَهْل الْعِلْم , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه , قَالَ : لَمَّا فَصَلَ طَالُوت بِالْجُنُودِ , قَالُوا : إنَّ الْمِيَاه لَا تَحْمِلنَا , فَادْعُ اللَّه لَنَا يَجْرِي لَنَا نَهَرًا ! فَقَالَ لَهُمْ طَالُوت : { إنَّ اللَّه مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ } الْآيَة . وَالنَّهَر الَّذِي أَخْبَرَهُمْ طَالُوت أَنَّ اللَّه مُبْتَلِيهمْ بِهِ قِيلَ : هُوَ نَهَر بَيْن الْأُرْدُنّ وَفِلَسْطِين . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4455 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثِنَا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : { إنْ اللَّه مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ } قَالَ الرَّبِيع : ذُكِرَ لَنَا وَاَللَّه أَعْلَم أَنَّهُ نَهَر بَيْن الْأُرْدُنّ وَفِلَسْطِين . 4456 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { إنَّ اللَّه مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ } قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ نَهَر بَيْن الْأُرْدُنّ وَفِلَسْطِين . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { إنَّ اللَّه مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ } قَالَ : هُوَ نَهَر بَيْن الْأُرْدُنّ وَفِلَسْطِين . 4457 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِيّ حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوت بِالْجُنُودِ } غَازِيًا إلَى جَالُوت , قَالَ طَالُوت لِبَنِي إسْرَائِيل : { إنَّ اللَّه مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ } قَالَ : نَهَرٌ بَيْن فِلَسْطِين وَالْأُرْدُنّ , نَهَر عَذْب الْمَاء طَيِّبه . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ نَهَر فِلَسْطِين . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4458 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثَنِيّ عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : { إنَّ اللَّه مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ } فَالنَّهَر الَّذِي اُبْتُلِيَ بِهِ بَنُو إسْرَائِيل نَهَر فِلَسْطِين . 4459 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { إنَّ اللَّه مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ } هُوَ نَهَر فِلَسْطِين . وَأَمَّا قَوْله : { فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إلَّا مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَة بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ } فَإِنَّهُ خَبَر مَنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ طَالُوت أَنَّهُ قَالَ لِجُنُودِهِ إذْ شَكَوْا إلَيْهِ الْعَطَش , فَأَخْبَرَ أَنَّ اللَّه مُبْتَلِيهمْ بِنَهَرٍ , ثُمَّ أَعْلَمَهُمْ أَنَّ الِابْتِلَاء الَّذِي أَخْبَرَهُمْ عَنْ اللَّه بِهِ مَنْ ذَلِك النَّهَر , هُوَ أَنَّ مَنْ شَرِبَ مِنْ مَائِهِ فَلَيْسَ هُوَ مِنْهُ , يَعْنِي بِذَلِك أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْل وِلَايَته وَطَاعَته , وَلَا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بِاَللَّهِ وَبِلِقَائِهِ . وَيَدُلّ عَلَى أَنَّ ذَلِك كَذَلِك قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ } فَأَخْرُج مَنْ لَمْ يُجَاوِز النَّهَر مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا . ثُمَّ أَخْلَصَ ذِكْر الْمُؤْمِنِينَ بِاَللَّهِ وَلِقَائِهِ عِنْد دُنُوّهُمْ مَنْ جَالُوت وَجُنُوده بِقَوْلِهِ : { قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّه كَمْ مِنْ فِئَة قَلِيلَة غَلَبَتْ فِئَة كَثِيرَة بِإِذْنِ اللَّه } وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ مَنْ لَمْ يَطْعَمهُ , يَعْنِي مَنْ لَمْ يَطْعَم الْمَاء مَنْ ذَلِك النَّهَر وَالْهَاء فِي قَوْله : { فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ } وَفِي قَوْله : { وَمَنْ لَمْ يَطْعَمهُ } عَائِدَة عَلَى النَّهَر , وَالْمَعْنَى لِمَائِهِ . وَإِنَّمَا تَرَكَ ذِكْر الْمَاء اكْتِفَاء بِفَهْمِ السَّامِع بِذِكْرِ النَّهَر لِذَلِك أَنَّ الْمُرَاد بِهِ الْمَاء الَّذِي فِيهِ وَمَعْنَى قَوْله : { لَمْ يَطْعَمهُ } لَمْ يَذُقْهُ , يَعْنِي : وَمَنْ لَمْ يَذُقْ مَاء ذَلِك النَّهَر فَهُوَ مِنِّي , يَقُول : هُوَ مِنْ أَهْل وِلَايَتِي وَطَاعَتِي وَالْمُؤْمِنِينَ بِاَللَّهِ وَبِلِقَائِهِ . ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ قَوْله : { وَمَنْ لَمْ يَطْعَمهُ } الْمُغْتَرِفِينَ بِأَيْدِيهِمْ غُرْفَة , فَقَالَ : وَمَنْ لَمْ يَطْعَم مَاء ذَلِك النَّهَر إلَّا غُرْفَة يَغْتَرِفهَا بِيَدِهِ فَإِنَّهُ مِنِّي . ثُمَّ اخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { إلَّا مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَة بِيَدِهِ } فَقَرَأَهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة : " غَرْفَة " بِنَصْبِ الْغَيْن مَنْ الْغَرْفَة , بِمَعْنَى الْغَرْفَة الْوَاحِدَة , مِنْ قَوْلك : اغْتَرَفْت غَرْفَة , وَالْغَرْفَة هِيَ الْفِعْل بِعَيْنِهِ مِنْ الِاغْتِرَاف . وَقَرَأَهُ آخَرُونَ بِالضَّمِّ , بِمَعْنَى : الْمَاء الَّذِي يَصِير فِي كَفّ الْمُغْتَرِف , فَالْغَرْفَة الِاسْم , وَالْغَرْفَة الْمَصْدَر . وَأَعْجَب الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِك إلَيَّ ضَمّ الْغَيْن فِي الْغُرْفَة بِمَعْنَى : إلَّا مَنْ اغْتَرَفَ كَفًّا مِنْ مَاء , لِاخْتِلَافِ غُرْفَة إذَا فُتِحَتْ غينها , وَمَا هِيَ لَهُ مَصْدَر ; وَذَلِكَ أَنَّ مَصْدَرَ اغْتَرَفَ اغْتِرَافَة , وإنما غُرْفَة مصدر غَرَفْت , فَلَمَّا كَانَتْ غُرْفَة مخالفة مصدر اغترف , كانت الْغُرْفَة الَّتِي بِمَعْنَى الِاسْمِ عَلَى مَا قَدْ وَصَفْنَا أَشْبَه مِنْهَا بِالْغُرْفَةِ الَّتِي هِيَ بِمَعْنَى الْفِعْل وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ عَامَّتهمْ شَرِبُوا مَنْ ذَلِك الْمَاء , فَكَانَ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ عَطِشَ , وَمَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَة رُوِيَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4460 - حَدَّثَنِي بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إلَّا مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَة بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ } فَشَرِبَ الْقَوْم عَلَى قَدْر يَقِينهمْ . أَمَّا الْكُفَّار فَجَعَلُوا يَشْرَبُونَ فَلَا يَرْوُونَ , وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَجَعَلَ الرَّجُل يَغْتَرِف غُرْفَة بِيَدِهِ فَتَجْزِيهِ وَتَرْوِيهِ . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ : { فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إلَّا مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَة بِيَدِهِ } قَالَ : كَانَ الْكُفَّار يَشْرَبُونَ فَلَا يَرْوُونَ , وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَغْتَرِفُونَ غُرْفَة , فَيَجْزِيهِمْ ذَلِك . 4461 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثِنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إلَّا مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَة بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ } يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ , وَكَانَ الْقَوْم كَثِيرًا فَشَرِبُوا مِنْهُ إلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ , يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ كَانَ أَحَدهمْ يَغْتَرِف الْغُرْفَة فَيَجْزِيه ذَلِك وَيَرْوِيه . 4462 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : لَمَّا أَصْبَحَ التَّابُوت وَمَا فِيهِ فِي دَار طَالُوت , آمَنُوا بِنُبُوَّةِ شَمْعُون , وَسَلَّمُوا مُلْك طَالُوت , فَخَرَجُوا مَعَهُ وَهُمْ ثَمَانُونَ أَلْفًا . وَكَانَ جَالُوت مِنْ أَعْظَم النَّاس , وَأَشَدّهمْ بَأْسًا , فَخَرَجَ يَسِير بَيْن يَدَيْ الْجُنْد , وَلَا تَجْتَمِع إلَيْهِ أَصْحَابه حَتَّى يَهْزِم هُوَ مَنْ لَقِيَ . فَلَمَّا خَرَجُوا قَالَ لَهُمْ طَالُوت : { إنَّ اللَّه مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمهُ فَإِنَّهُ مِنِّي } فَشَرِبُوا مِنْهُ هَيْبَة مِنْ جَالُوت , فَعَبَرَ مِنْهُمْ أَرْبَعَة آلَاف , وَرَجَعَ سِتَّة وَسَبْعُونَ أَلْفًا . فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ عَطِشَ , وَمَنْ لَمْ يَشْرَب مِنْهُ إلَّا غُرْفَة رُوِيَ . 4463 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : أَلْقَى اللَّه عَلَى لِسَان طَالُوت حِين فَصَلَ بِالْجُنُودِ , فَقَالَ : لَا يَصْحَبنِي أَحَد إلَّا أَحَد لَهُ نِيَّة فِي الْجِهَاد ! فَلَمْ يَتَخَلَّف عَنْهُ مُؤْمِن , وَلَمْ يَتْبَعهُ مُنَافِق فَلَمَّا رَأَى قِلَّتهمْ , قَالُوا : لَنْ نَمَسّ مِنْ هَذَا الْمَاء غُرْفَة وَلَا غَيْرهَا ! وَذَلِك أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ : { إنَّ اللَّه مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ } الْآيَة . فَقَالُوا : لَنْ نَمَسّ مَنْ هَذَا غُرْفَة وَلَا غَيْر غُرْفَة ! قَالَ : وَأَخَذَ الْبَقِيَّة الْغُرْفَة , فَشَرِبُوا مِنْهَا حَتَّى كَفَتْهُمْ , وَفَضَلَ مِنْهُمْ . قَالَ : وَاَلَّذِينَ لَمْ يَأْخُذُوا الْغُرْفَة أَقْوَى مَنْ الَّذِينَ أَخَذُوهَا . 4464 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِيّ حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إلَّا مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَة بِيَدِهِ } فَشَرِبَ كُلّ إنْسَان كَقَدْرِ الَّذِي فِي قَلْبه , فَمَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَة وَأَطَاعَهُ رُوِيَ بِطَاعَتِهِ , وَمَنْ شَرِبَ فَأَكْثَرَ عَصَى فَلَمْ يُرْوَ لِمَعْصِيَتِهِ . 4465 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق فِي حَدِيث ذَكَرَهُ , عَنْ بَعْض أَهْل الْعِلْم , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه فِي قَوْله : { فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إلَّا مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَة بِيَدِهِ } يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { فَشَرِبُوا مِنْهُ إلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ } وَكَانَ فِيمَا يَزْعُمُونَ مَنْ تَتَابَعَ مِنْهُمْ فِي الشُّرْب الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ لَمْ يَرْوِهِ , وَمَنْ لَمْ يَطْعَمهُ إلَّا كَمَا أَمَرَ غُرْفَة بِيَدِهِ أَجْزَأَهُ وَكَفَاهُ . الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَة لَنَا الْيَوْم بِجَالُوت وَجُنُوده } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ } فَلَمَّا جَاوَزَ النَّهَر طَالُوت . وَالْهَاء فِي " جَاوَزَهُ " عَائِدَة عَلَى النَّهَر , وَهُوَ كِنَايَة اسْم طَالُوت . وَقَوْله : { وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ } يَعْنِي : وَجَاوَزَ النَّهَر مَعَهُ الَّذِينَ آمَنُوا . { قَالُوا لَا طَاقَة لَنَا الْيَوْم بِجَالُوت وَجُنُوده } ثُمَّ اخْتَلَفَ فِي عِدَّة مَنْ جَاوَزَ النَّهَر مَعَهُ يَوْمئِذٍ وَمَنْ قَالَ مِنْهُمْ لَا طَاقَة لَنَا الْيَوْم بِجَالُوت وَجُنُوده , فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَتْ عِدَّتهمْ عِدَّة أَهْل بَدْر ثَلَثمِائَةِ رَجُل وَبِضْعَة عَشَرَ رَجُلًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4466 - حَدَّثَنَا هَارُونَ بْن إسْحَاق الْهَمْدَانِيّ , قَالَ : ثِنَا مُصْعَب بْن الْمِقْدَام , وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَا جَمِيعًا : ثنا إسْرَائِيل , قَالَ : ثنا أَبُو إسْحَاق , عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب , قَالَ : كُنَّا نَتَحَدَّث أَنَّ عِدَّة أَصْحَاب بَدْر عَلَى عِدَّة أَصْحَاب طَالُوت الَّذِينَ جَاوَزُوا النَّهَر مَعَهُ , وَلَمْ يَجُزْ مَعَهُ إلَّا مُؤْمِن , ثَلَثمِائَةِ وَبَضْعَة عَشَرَ رَجُلًا . * حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر , قَالَ : ثنا أَبُو إسْحَاق , عَنْ الْبَرَاء , قَالَ : كُنَّا نَتَحَدَّث أَنَّ أَصْحَاب بَدْر يَوْم بَدْر كَعِدَّةِ أَصْحَاب طَالُوت ثَلَثمِائَةِ رَجُل وَثَلَاثَة عَشَرَ رَجُلًا الَّذِينَ جَاوَزُوا النَّهَر . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثِنَا أَبُو عَامِر , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ الْبَرَاء , قَالَ : كُنَّا نَتَحَدَّث أَنَّ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَوْم بَدْر ثَلَثمِائَةٍ وَبِضْعَة عَشَرَ رَجُلًا عَلَى عِدَّة أَصْحَاب طَالُوت مَنْ جَازَ مَعَهُ , وَمَا جَازَ مَعَهُ إلَّا مُؤْمِن . * حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ الْبَرَاء بِنَحْوِهِ . * حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمِّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ الْبَرَاء , قَالَ : كُنَّا نَتَحَدَّث أَنَّ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَوْم بَدْر عَلَى عِدَّة أَصْحَاب طَالُوت يَوْم جَاوَزُوا النَّهَر , وَمَا جَاوَزَ مَعَهُ إلَّا مُسْلِم . * حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا مِسْعَر , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ الْبَرَاء مِثْله . 4467 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةُ , قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ يَوْم بَدْر : " أَنْتُمْ بِعِدَّةِ أَصْحَاب طَالُوت يَوْم لَقِيَ " , وَكَانَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم بَدْر ثَلَثمِائَةٍ وَبَضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا . 4468 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثِنَا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : مَحَّصَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا عِنْد النَّهَر وَكَانُوا ثَلَثمِائَةٍ , وَفَوْق الْعَشْرَة , وَدُون الْعِشْرِينَ , فَجَاءَ دَاوُد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكْمَلَ بِهِ الْعِدَّة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ جَاوَزَ مَعَهُ النَّهَر أَرْبَعَة آلَاف , وَإِنَّمَا خَلَصَ أَهْل الْإِيمَان مِنْهُمْ مَنْ أَهْل الْكُفْر وَالنِّفَاق حِين لَقُوا جَالُوت . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4469 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : عَبَرَ مَعَ طَالُوت النَّهَر مِنْ بَنِي إسْرَائِيل أَرْبَعَة آلَاف , فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ فَنَظَرُوا إلَى جَالُوت رَجَعُوا أَيْضًا وَقَالُوا : لَا طَاقَة لَنَا الْيَوْم بِجَالُوت وَجُنُوده ! فَرَجَعَ عَنْهُ أَيْضًا ثَلَاثَة آلَاف وَسِتّمِائَةٍ وَبَضْعَة وَثَمَانُونَ , وَخَلَصَ فِي ثَلَثمِائَةِ وَبَضْعَة عَشَرَ عِدَّة أَهْل بَدْر . 4470 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِيّ حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : لَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ , قَالَ الَّذِينَ شَرِبُوا : { لَا طَاقَة لَنَا الْيَوْم بِجَالُوت وَجُنُوده } وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِك بِالصَّوَابِ , مَا رُوِيَ عَنْ ابْن عَبَّاس وَقَالَهُ السُّدِّيّ ; وَهُوَ أَنَّهُ جَاوَزَ النَّهَر مَعَ طَالُوت الْمُؤْمِن الَّذِي لَمْ يَشْرَب مِنْ النَّهَر إلَّا الْغُرْفَة , وَالْكَافِر الَّذِي شَرِبَ مِنْهُ الْكَثِير . ثُمَّ وَقَعَ التَّمْيِيز بَيْنهمْ بَعْد ذَلِك بِرُؤْيَةِ جَالُوت وَلِقَائِهِ , وَانْخَزَلَ عَنْهُ أَهْل الشِّرْك وَالنِّفَاق , وَهُمْ الَّذِينَ قَالُوا : { لَا طَاقَة لَنَا الْيَوْم بِجَالُوت وَجُنُوده } وَمَضَى أَهْل الْبَصِيرَة بِأَمْرِ اللَّه عَلَى بِصَائِرِهِمْ , وَهُمْ أَهْل الثَّبَات عَلَى الْإِيمَان , فَقَالُوا : { كَمْ مِنْ فِئَة قَلِيلَة غَلَبَتْ فِئَة كَثِيرَة بِإِذْنِ اللَّه وَاَللَّه مَعَ الصَّابِرِينَ } فَإِنْ ظَنَّ ذُو غَفْلَة أَنَّهُ غَيْر جَائِز أَنْ يَكُون جَاوَزَ النَّهَر مَعَ طَالُوت إلَّا أَهْل الْإِيمَان الَّذِينَ ثَبَتُوا مَعَهُ عَلَى إيمَانهمْ , وَمَنْ لَمْ يَشْرَب مِنْ النَّهَر إلَّا الْغُرْفَة , لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره قَالَ : { فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ } فَكَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ لَمْ يُجَاوِز مَعَهُ إلَّا أَهْل الْإِيمَان , عَلَى مَا رُوِيَ بِهِ الْخَبَر عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب , وَلِأَنَّ أَهْل الْكُفْر لَوْ كَانُوا جَاوَزُوا النَّهَر كَمَا جَاوَزَهُ أَهْل الْإِيمَان لَمَا خَصَّ اللَّه بِالذِّكْرِ فِي ذَلِك أَهْل الْإِيمَان ; فَإِنَّ الْأَمْر فِي ذَلِك بِخِلَافِ مَا ظَنَّ . وَذَلِك أَنَّهُ غَيْر مُسْتَنْكَر أَنْ يَكُون الْفَرِيقَانِ , أَعْنِي فَرِيق الْإِيمَان وَفَرِيق الْكُفْر جَاوَزُوا النَّهَر , وَأَخْبَرَ اللَّه نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عَنْ الْمُؤْمِنِينَ بِالْمُجَاوَزَةِ , لِأَنَّهُمْ كَانُوا مِنْ الَّذِينَ جَاوَزُوهُ مَعَ مَلِكهمْ وَتَرَكَ ذِكْر أَهْل الْكُفْر , وَإِنْ كَانُوا قَدْ جَاوَزُوا النَّهَر مَعَ الْمُؤْمِنِينَ . وَاَلَّذِي يَدُلّ عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا فِي ذَلِك قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَة لَنَا الْيَوْم بِجَالُوت وَجُنُوده قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّه كَمْ مِنْ فِئَة قَلِيلَة غَلَبَتْ فِئَة كَثِيرَة بِإِذْنِ اللَّه } فَأَوْجَبَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَنَّ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّه هُمْ الَّذِينَ قَالُوا عِنْد مُجَاوَزَة النَّهَر : { كَمْ مِنْ فِئَة قَلِيلَة غَلَبَتْ فِئَة كَثِيرَة بِإِذْنِ اللَّه } دُون غَيْرهمْ الَّذِينَ لَا يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّه , وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّه هُمْ الَّذِينَ قَالُوا : { لَا طَاقَة لَنَا الْيَوْم بِجَالُوت وَجُنُوده } وَغَيْر جَائِز أَنْ يُضَاف الْإِيمَان إلَى مَنْ جَحَدَ أَنَّهُ مُلَاقِي اللَّه أَوْ شَكَّ فِيهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالُوا لَا طَاقَة لَنَا الْيَوْم بِجَالُوت وَجُنُوده قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّه كَمْ مَنْ فِئَة قَلِيلَة غَلَبَتْ فِئَة كَثِيرَة بِإِذْنِ اللَّه } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي أَمْر هَذَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ , أَعْنِي الْقَائِلِينَ : { لَا طَاقَة لَنَا الْيَوْم بِجَالُوت وَجُنُوده } وَالْقَائِلِينَ : { كَمْ مَنْ فِئَة قَلِيلَة غَلَبَتْ فِئَة كَثِيرَة بِإِذْنِ اللَّه } مَنْ هُمَا . فَقَالَ بَعْضهمْ : الْفَرِيق الَّذِينَ قَالُوا : { لَا طَاقَة لَنَا الْيَوْم بِجَالُوت وَجُنُوده } هُمْ أَهْل كُفْر بِاَللَّهِ وَنِفَاق , وَلَيْسُوا مِمَّنْ شَهِدَ قِتَال جَالُوت وَجُنُوده , لِأَنَّهُمْ انْصَرَفُوا عَنْ طَالُوت وَمَنْ ثَبَتَ مَعَهُ لِقِتَالِ عَدُوّ اللَّه جَالُوت وَمَنْ مَعَهُ , وَهُمْ الَّذِينَ عَصَوْا أَمْر اللَّه لِشُرْبِهِمْ مِنْ النَّهَر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4471 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثِنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ بِذَلِك ; وَهُوَ قَوْل ابْن عَبَّاس . وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَة بِذَلِك عَنْهُ آنِفًا . 4472 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِيّ حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ : { قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّه } الَّذِينَ اغْتَرَفُوا وَأَطَاعُوا الَّذِينَ مَضَوْا مَعَ طَالُوت الْمُؤْمِنُونَ , وَجَلَسَ الَّذِينَ شَكُّوا . وَقَالَ آخَرُونَ : كِلَا الْفَرِيقَيْنِ كَانَ أَهْل إيمَان , وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ أَحَد شَرِبَ مِنْ الْمَاء إلَّا غُرْفَة , بَلْ كَانُوا جَمِيعًا أَهْل طَاعَة , وَلَكِنَّ بَعْضهمْ كَانَ أَصَحّ يَقِينًا مِنْ بَعْض , وَهُمْ الَّذِينَ أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا : { كَمْ مَنْ فِئَة قَلِيلَة غَلَبَتْ فِئَة كَثِيرَة بِإِذْنِ اللَّه } وَالْآخَرُونَ كَانُوا أَضْعَف يَقِينًا , وَهُمْ الَّذِينَ قَالُوا : { لَا طَاقَة لَنَا الْيَوْم بِجَالُوت
وَجُنُوده } ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4473 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثِنَا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَة لَنَا الْيَوْم بِجَالُوت وَجُنُوده قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّه كَمْ مِنْ فِئَة قَلِيلَة غَلَبَتْ فِئَة كَثِيرَة بِإِذْنِ اللَّه وَاَللَّه مَعَ الصَّابِرِينَ } وَيَكُون الْمُؤْمِنُونَ بَعْضهمْ أَفْضَل جِدًّا وَعَزْمًا مِنْ بَعْض , وَهُمْ مُؤْمِنُونَ كُلّهمْ . 4474 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { كَمْ مِنْ فِئَة قَلِيلَة غَلَبَتْ فِئَة كَثِيرَة بِإِذْنِ اللَّه } أَنَّ النَّبِيّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ يَوْم بَدْر : " أَنْتُمْ بِعِدَّةِ أَصْحَاب طَالُوت ثَلَثمِائَةٍ " قَالَ قَتَادَةَ : وَكَانَ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم بَدْر ثَلَثمِائَةٍ وَبَضْعَة عَشَرَ . 4475 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : الَّذِينَ لَمْ يَأْخُذُوا الْغُرْفَة أَقْوَى مَنْ الَّذِينَ أَخَذُوا , وَهُمْ الَّذِينَ قَالُوا : { كَمْ مِنْ فِئَة قَلِيلَة غَلَبَتْ فِئَة كَثِيرَة بِإِذْنِ اللَّه وَاَللَّه مَعَ الصَّابِرِينَ } وَيَجِبُ عَلَى الْقَوْل الَّذِي رُوِيَ عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب أَنَّهُ لَمْ يُجَاوِز النَّهَر مَعَ طَالُوت إلَّا عِدَّة أَصْحَاب بَدْر أَنْ يَكُون كِلَا الْفَرِيقَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفَهُمَا اللَّه بِمَا وَصَفَهُمَا بِهِ أَمَرَهُمَا عَلَى نَحْو مَا قَالَ فِيهِمَا قَتَادَةَ وَابْن زَيْد . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَأْوِيل الْآيَة مَا قَالَهُ ابْن عَبَّاس وَالسُّدِّيّ وَابْن جُرَيْجٍ . وَقَدْ ذَكَرْنَا الْحُجَّة فِي ذَلِك فِيمَا مَضَى قَبْلُ آنِفًا . وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّه } فَإِنَّهُ يَعْنِي : قَالَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَيَسْتَيْقِنُونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّه . 4476 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّه } الَّذِينَ يَسْتَيْقِنُونَ . فَتَأْوِيل الْكَلَام : قَالَ الَّذِينَ يُوقِنُونَ بِالْمَعَادِ وَيُصَدِّقُونَ بِالْمَرْجِعِ إلَى اللَّه لِلَّذِينَ قَالُوا : { لَا طَاقَة لَنَا الْيَوْم بِجَالُوت وَجُنُوده كَمْ مَنْ فِئَة قَلِيلَة } يَعْنِي بِكَمْ كَثِيرًا غَلَبَتْ فِئَةٌ قَلِيلَةٌ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّه , يَعْنِي : بِقَضَاءِ اللَّه وَقَدَره . { وَاَللَّه مَعَ الصَّابِرِينَ } يَقُول : مَعَ الْحَابِسِينَ أَنْفُسهمْ عَلَى رِضَاهُ وَطَاعَته . وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى الْبَيَان عَنْ وُجُوه الظَّنّ وَأَنَّ أَحَد مَعَانِيه الْعِلْم الْيَقِين بِمَا يَدُلّ عَلَى صِحَّة ذَلِك فِيمَا مَضَى , فَكَرِهْنَا إعَادَته . وَأَمَّا الْفِئَة فَإِنَّهُمْ الْجَمَاعَة مَنْ النَّاس لَا وَاحِد لَهُ مَنْ لَفْظه , وَهُوَ مِثْل الرَّهْط وَالنَّفَر جَمْعه فِئَات وَفِئُون فِي الرَّفْع وَفِئِينَ فِي النَّصْب وَالْخَفْض بِفَتْحِ نُونهَا فِي كُلّ حَال , وَفِئِينُ بِالرَّفْعِ بِإِعْرَابِ نُونهَا بِالرَّفْعِ وَتَرْك الْيَاء فِيهَا , وَفِي النَّصْب فِئِينًا , وَفِي الْخَفْض فِئِينَ , فَيَكُون الْإِعْرَاب فِي الْخَفْض وَالنَّصْب فِي نُونهَا , وَفِي كُلّ ذَلِك مُقَرَّة فِيهَا الْيَاء عَلَى حَالهَا , فَإِنْ أُضِيفَتْ , قِيلَ : هَؤُلَاءِ فِئِينُك بِإِقْرَارِ النُّون وَحَذْف التَّنْوِين , كَمَا قَالَ الَّذِينَ لُغَتهمْ هَذِهِ سِنِينَ فِي جَمَعَ السَّنَة هَذِهِ سِنِينُك بِإِثْبَاتِ النُّون وَإِعْرَابهَا , وَحَذْف التَّنْوِين مِنْهَا لِلْإِضَافَةِ , وَكَذَلِك الْعَمَل فِي كُلّ مَنْقُوص , مِثْل مِائَة وَثِبَة وَقِلَة وَعِزَة , فَأَمَّا مَا كَانَ نَقْصه مِنْ أَوَّله ; فَإِنَّ جَمْعه بِالتَّاءِ مِثْل عِدَةٍ وَعِدَات وَصِلَة وَصِلَات .
وَأَمَّا قَوْله : { وَاَللَّه مَعَ الصَّابِرِينَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَاَللَّه مُعِين الصَّابِرِينَ عَلَى الْجِهَاد فِي سَبِيله وَغَيْر ذَلِك مَنْ طَاعَته ,
وَظُهُورهمْ وَنَصْرهمْ عَلَى أَعْدَائِهِ الصَّادِّينَ عَنْ سَبِيله , الْمُخَالِفِينَ مِنْهَاج دِينه . وَكَذَلِك يُقَال لِكُلِّ مُعِين رَجُلًا عَلَى غَيْره هُوَ مَعَهُ بِمَعْنَى هُوَ مَعَهُ بِالْعَوْنِ لَهُ وَالنُّصْرَة .
وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوت وَجُنُوده قَالُوا رَبّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْم الْكَافِرِينَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوت وَجُنُوده } وَلَمَّا بَرَزَ طَالُوت وَجُنُوده لِجَالُوت وَجُنُوده . وَمَعْنَى قَوْله : { بَرَزُوا } صَارُوا بِالْبِرَازِ مَنْ الْأَرْض ,
وَهُوَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَاسْتَوَى , وَلِذَلِك قِيلَ لِلرَّجُلِ الْقَاضِي حَاجَته : تَبَرَّزَ ; لِأَنَّ النَّاس قَدِيمًا فِي الْجَاهِلِيَّة إنَّمَا كَانُوا يَقْضُونَ حَاجَتهمْ فِي الْبِرَاز مَنْ الْأَرْض , فَقِيلَ : قَدْ تَبَرَّزَ فُلَان : إذَا خَرَجَ إلَى الْبِرَاز مِنْ الْأَرْض لِذَلِك , كَمَا قِيلَ تَغَوَّطَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقْضُونَ حَاجَتهمْ فِي الْغَائِط مَنْ الْأَرْض وَهُوَ الْمُطْمَئِنّ مِنْهَا , فَقِيلَ لِلرَّجُلِ : تَغَوَّطَ , أَيْ صَارَ إلَى الْغَائِط مِنْ الْأَرْض . وَأَمَّا قَوْله : { رَبّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا } فَإِنَّهُ يَعْنِي أَنَّ طَالُوت وَأَصْحَابه قَالُوا : { رَبّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا } يَعْنِي أَنْزِلْ عَلَيْنَا صَبْرًا . وَقَوْله : { وَثَبِّتْ أَقْدَامنَا } يَعْنِي : وَقَوِّ قُلُوبنَا عَلَى جِهَادهمْ لِتُثَبِّت أَقْدَامنَا فَلَا نُهْزَم عَنْهُمْ , { وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْم الْكَافِرِينَ } : الَّذِينَ كَفَرُوا بِك فَجَحَدُوك إلَهًا وَعَبَدُوا غَيْرك وَاِتَّخَذُوا الْأَوْثَان أَرْبَابًا .
وَهُوَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَاسْتَوَى , وَلِذَلِك قِيلَ لِلرَّجُلِ الْقَاضِي حَاجَته : تَبَرَّزَ ; لِأَنَّ النَّاس قَدِيمًا فِي الْجَاهِلِيَّة إنَّمَا كَانُوا يَقْضُونَ حَاجَتهمْ فِي الْبِرَاز مَنْ الْأَرْض , فَقِيلَ : قَدْ تَبَرَّزَ فُلَان : إذَا خَرَجَ إلَى الْبِرَاز مِنْ الْأَرْض لِذَلِك , كَمَا قِيلَ تَغَوَّطَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقْضُونَ حَاجَتهمْ فِي الْغَائِط مَنْ الْأَرْض وَهُوَ الْمُطْمَئِنّ مِنْهَا , فَقِيلَ لِلرَّجُلِ : تَغَوَّطَ , أَيْ صَارَ إلَى الْغَائِط مِنْ الْأَرْض . وَأَمَّا قَوْله : { رَبّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا } فَإِنَّهُ يَعْنِي أَنَّ طَالُوت وَأَصْحَابه قَالُوا : { رَبّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا } يَعْنِي أَنْزِلْ عَلَيْنَا صَبْرًا . وَقَوْله : { وَثَبِّتْ أَقْدَامنَا } يَعْنِي : وَقَوِّ قُلُوبنَا عَلَى جِهَادهمْ لِتُثَبِّت أَقْدَامنَا فَلَا نُهْزَم عَنْهُمْ , { وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْم الْكَافِرِينَ } : الَّذِينَ كَفَرُوا بِك فَجَحَدُوك إلَهًا وَعَبَدُوا غَيْرك وَاِتَّخَذُوا الْأَوْثَان أَرْبَابًا .
فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّه وَقَتَلَ دَاوُد جَالُوت } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : فَهَزَمَ طَالُوت وَجُنُوده أَصْحَاب جَالُوت , وَقَتَلَ دَاوُد جَالُوت . وَفِي هَذَا الْكَلَام مَتْرُوك تُرِكَ ذِكْره اكْتِفَاء بِدِلَالَةِ مَا ظَهَرَ مِنْهُ عَلَيْهِ . وَذَلِك أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوت وَجُنُوده , قَالُوا : رَبّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا , وَثَبِّتْ أَقْدَامنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْم الْكَافِرِينَ ! فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبّهمْ , فَأَفْرَغَ عَلَيْهِمْ صَبْره , وَثَبَّتَ أَقْدَامهمْ وَنَصَرَهُمْ عَلَى الْقَوْم الْكَافِرِينَ , فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّه . وَلَكِنَّهُ تَرَكَ ذِكْر ذَلِك اكْتِفَاء بِدَلَالَةِ قَوْله : { فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّه } عَلَى أَنَّ اللَّه قَدْ أَجَابَ دُعَاءَهُمْ الَّذِي دَعَوْهُ بِهِ . وَمَعْنَى قَوْله : { فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّه } قَتَلُوهُمْ بِقَضَاءِ اللَّه وَقَدَره , يُقَال مِنْهُ : هَزَمَ الْقَوْم الْجَيْش هَزِيمَة وهزيمي . { وَقَتَلَ دَاوُد جَالُوت } وَدَاوُد هَذَا هُوَ دَاوُد بْن إيشا نَبِيّ اللَّه
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَكَانَ سَبَب قَتَلَهُ إيَّاهُ كَمَا : 4477 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا بَكَّار بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : سَمِعْت وَهْب بْن مُنَبِّه يُحَدِّث , قال : لَمَّا خرج , أو قال : لَمَّا بَرَزَ طَالُوت لِجَالُوت , قَالَ جَالُوت : أَبَرَزُوا لِي مَنْ يُقَاتِلنِي , فَإِنْ قَتَلَنِي , فَلَكُمْ مُلْكِي , وَإِنْ قَتَلْته فَلِي مُلْككُمْ ! فَأُتِيَ بِدَاوُدَ إلَى طَالُوت , فَقَاضَاهُ إنْ قَتَلَهُ أَنْ يُنْكِحهُ ابْنَته وَأَنْ يُحَكِّمهُ فِي مَاله . فَأَلْبَسَهُ طَالُوت سِلَاحًا , فَكَرِهَ دَاوُد أَنَّ يُقَاتِلهُ , وَقَالَ : إنَّ اللَّه لَمْ يَنْصُرنِي عَلَيْهِ لَمْ يُغْنِ السِّلَاح . فَخَرَجَ إلَيْهِ بِالْمِقْلَاعِ وَبِمِخْلَاةٍ فِيهَا أَحْجَار , ثُمَّ بَرَزَ لَهُ , قَالَ لَهُ جَالُوت : أَنْت تُقَاتِلنِي ؟ قَالَ دَاوُد : نَعَمْ . قَالَ : وَيْلك أَمَا تَخْرَج إلَيَّ إلَّا كَمَا يُخْرَج إلَى الْكَلْب بِالْمِقْلَاعِ وَالْحِجَارَة ؟ لَأُبَدِّدَنَّ لَحْمك , وَلَأُطْعِمَنَّه الْيَوْم الطَّيْر وَالسِّبَاع ! فَقَالَ لَهُ دَاوُد : بَلْ أَنْت عَدُوّ اللَّه شَرّ مِنْ الْكَلْب . فَأَخَذَ دَاوُد حَجَرًا وَرَمَاهُ بِالْمِقْلَاعِ , فَأَصَابَتْ بَيْن عَيْنَيْهِ حَتَّى نَفَذَتْ فِي دِمَاغه , فَصُرِعَ جَالُوت , وَانْهَزَمَ مَنْ مَعَهُ , وَاحْتَزَّ دَاوُد رَأْسه . فَلَمَّا رَجَعُوا إلَى طَالُوت ادَّعَى النَّاس قَتْل جَالُوت , فَمِنْهُمْ مَنْ يَأْتِي بِالسَّيْفِ وَبِالشَّيْءِ مَنْ سِلَاحه أَوْ جَسَده , وَخَبَّأَ دَاوُد رَأْسه , فَقَالَ طَالُوت : مَنْ جَاءَ بِرَأْسِهِ فَهُوَ الَّذِي قَتَلَهُ . فَجَاءَ بِهِ دَاوُد . ثُمَّ قَالَ لِطَالُوت : أَعْطِنِي مَا وَعَدْتنِي ! فَنَدِمَ طَالُوت عَلَى مَا كَانَ شَرَطَ لَهُ , وَقَالَ : إنَّ بَنَات الْمُلُوك لَا بُدّ لَهُنَّ مِنْ صَدَاق , وَأَنْت رَجُل جَرِيء شُجَاع , فَاحْتَمِلْ صَدَاقهَا ثَلَثمِائَةِ غُلْفَة مِنْ أَعْدَائِنَا ! وَكَانَ يَرْجُو بِذَلِك أَنْ يَقْتُل دَاوُد . فَغَزَا دَاوُد وَأَسَرَ مِنْهُمْ ثَلَثمِائَةِ , وَقَطَعَ غُلْفهمْ وَجَاءَ بِهَا , فَلَمْ يَجِد طَالُوت بُدًّا مَنْ أَنْ يُزَوِّجهُ . ثُمَّ أَدْرَكَتْهُ النَّدَامَة , فَأَرَادَ قَتْل دَاوُد حَتَّى هَرَبَ مِنْهُ إلَى الْجَبَل , فَنَهَضَ إلَيْهِ طَالُوت فَحَاصَرَهُ . فَلَمَّا كَانَ ذَات لَيْلَة سُلِّطَ النَّوْم عَلَى طَالُوت وَحَرَسه , فَهَبَطَ إلَيْهِمْ دَاوُد , فَأَخَذَ إبْرِيق طَالُوت الَّذِي كَانَ يَشْرَب مِنْهُ وَيَتَوَضَّأ , وَقَطَعَ شَعَرَات مَنْ لِحْيَته وَشَيْئًا مَنْ هُدْب ثِيَابه , ثُمَّ رَجَعَ دَاوُد إلَى مَكَانه , فناده أَنَّ حَرَسك , فَإِنِّي لَوْ شِئْت أَقْتُلك الْبَارِحَة فَعَلْت , فَإِنَّهُ هَذَا إبْرِيقك وَشَيْء مَنْ شَعْر لِحْيَتك وَهُدْب ثِيَابك , وَبَعَثَ إلَيْهِ . فَعَلِمَ طَالُوت أَنَّهُ لَوْ شَاءَ قَتَلَهُ , فَعَطَّفَهُ ذَلِك عَلَيْهِ فَأَمَّنَهُ , وَعَاهَدَهُ بِاَللَّهِ لَا يَرَى مِنْهُ بَأْسًا . ثُمَّ انْصَرَفَ . ثُمَّ كَانَ فِي آخِر أَمْر طَالُوت أَنَّهُ كَانَ يَدُسّ لِقَتْلِهِ , وَكَانَ طَالُوت لَا يُقَاتِل عَدُوًّا إلَّا هُزِمَ , حَتَّى مَاتَ . قَالَ بَكَّار : وَسُئِلَ وَهْب وَأَنَا أَسَمِعَ : أَنَبِيًّا كَانَ طَالُوت يُوحَى إلَيْهِ ؟ فَقَالَ : لَمْ يَأْتِهِ وَحْي , وَلَكِنْ كَانَ مَعَهُ نَبِيّ يُقَال لَهُ أشمويل , يُوحَى إلَيْهِ , وَهُوَ الَّذِي مَلَكَ طَالُوت . 4478 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , قَالَ : كَانَ دَاوُد النَّبِيّ وَإِخْوَة لَهُ أَرْبَعَة , مَعَهُمْ أَبُوهُمْ شَيْخ كَبِير , فَتَخَلَّفَ أَبُوهُمْ وَتَخَلَّفَ مَعَهُ دَاوُد مِنْ بَيْن إخْوَته فِي غَنَم أَبِيهِ يَرْعَاهَا لَهُ , وَكَانَ مِنْ أَصْغَرهمْ وَخَرَجَ إخْوَته الْأَرْبَعَة مَعَ طَالُوت , فَدَعَاهُ أَبُوهُ وَقَدْ تَقَارَبَ النَّاس وَدَنَا بَعْضهمْ مِنْ بَعْض . قَالَ ابْن إسْحَاق : وَكَانَ دَاوُد فِيمَا ذَكَرَ لِي بَعْض أَهْل الْعِلْم عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه رَجُلًا قَصِيرًا أَزْرَق قَلِيل شَعْر الرَّأْس , وَكَانَ طَاهِر الْقَلْب نَقِيّه , فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ : يَا بُنَيّ إنَّا قَدْ صَنَعْنَا لِإِخْوَتِك زَادًا يَتَقَوَّوْنَ بِهِ عَلَى عَدُوّهُمْ , فَاخْرُجْ بِهِ إلَيْهِمْ , فَإِذَا دَفَعْته إلَيْهِمْ فَأَقْبِلْ إلَيَّ سَرِيعًا ! فَقَالَ : أَفْعَل . فَخَرَجَ وَأَخَذَ مَعَهُ مَا حَمَلَ لِإِخْوَتِهِ , وَمَعَهُ مِخْلَاته الَّتِي يَحْمِل فِيهَا الْحِجَارَة وَمِقْلَاعه الَّذِي كَانَ يَرْمِي بِهِ عَنْ غَنَمه . حَتَّى إذَا فَصَلَ مَنْ عِنْد أَبِيهِ , فَمَرَّ بِحَجَرٍ , فَقَالَ : يَا دَاوُد خُذْنِي فَاجْعَلْنِي فِي مِخْلَاتك تَقْتُل بِي جَالُوت , فَإِنِّي حَجَر يَعْقُوب ! فَأَخَذَهُ فَجَعَلَهُ فِي مِخْلَاته , وَمَشَى . فَبَيْنَا هُوَ يَمْشِي إذْ مَرَّ بِحَجَرٍ آخَر , فَقَالَ : يَا دَاوُد خُذْنِي فَاجْعَلْنِي فِي مِخْلَاتك تَقْتُل بِي جَالُوت , فَإِنِّي حَجَر إسْحَاق ! فَأَخَذَهُ فَجَعَلَهُ فِي مِخْلَاته , ثُمَّ مَضَى . فَبَيْنَا هُوَ يَمْشِي إذْ مَرَّ بِحَجَرٍ , فَقَالَ : يَا دَاوُد خُذْنِي فَاجْعَلْنِي فِي مِخْلَاتك تَقْتُل بِي جَالُوت , فَإِنِّي حَجَر إبْرَاهِيم ! فَأَخَذَهُ فَجَعَلَهُ فِي مِخْلَاته . ثُمَّ مَضَى بِمَا مَعَهُ حَتَّى انْتَهَى إلَى الْقَوْم , فَأَعْطَى إخْوَته مَا بُعِثَ إلَيْهِمْ مَعَهُ . وَسَمِعَ فِي الْعَسْكَر خَوْض النَّاس بِذِكْرِ جَالُوت , وَعِظَم شَأْنه فِيهِمْ , وَبِهَيْبَةِ النَّاس إيَّاهُ , وَمِمَّا يُعَظِّمُونَ مِنْ أَمْره , فَقَالَ لَهُمْ : وَاَللَّه إنَّكُمْ لَتُعَظِّمُونَ مِنْ أَمْر هَذَا الْعَدُوّ شَيْئًا مَا أَدْرِي مَا هُوَ , وَاَللَّه إنِّي لَوْ أَرَاهُ لَقَتَلْته , فَأَدْخِلُونِي عَلَى الْمَلِك ! فَأُدْخِلَ عَلَى الْمَلِك طَالُوت , فَقَالَ : أَيّهَا الْمَلِك إنِّي أَرَاكُمْ تُعَظِّمُونَ شَأْن هَذَا الْعَدُوّ , وَاَللَّه إنِّي لَوْ أَرَاهُ لَقَتَلْته ! فَقَالَ : يَا بُنَيّ مَا عِنْدك مَنْ الْقُوَّة عَلَى ذَلِك ؟ وَمَا جَرَّبْت مِنْ نَفْسك ؟ قَالَ : قَدْ كَانَ الْأَسَد يَعْدُو عَلَى الشَّاة مِنْ غَنَمِي , فَأُدْرِكهُ فَآخُذ بِرَأْسِهِ , فَأَفُكّ لَحْيَيْهِ عَنْهَا , فَآخُذهَا مِنْ فِيهِ , فَادْعُ لِي بِدِرْعٍ حَتَّى أُلْقِيهَا عَلَيَّ ! فَأُتِيَ بِدِرْعٍ , فَقَذَفَهَا فِي عُنُقه وَمَثَلَ فِيهَا فَمَلَأَ عَيْن طَالُوت وَنَفْسه وَمَنْ حَضَرَ مَنْ بَنِي إسْرَائِيل , فَقَالَ طَالُوت : وَاَللَّه لَعَسَى اللَّه أَنْ يُهْلِكهُ بِهِ ! فَلَمَّا أَصْبَحُوا رَجَعُوا إلَى جَالُوت , فَلَمَّا الْتَقَى النَّاس قَالَ دَاوُد : أَرُونِي جَالُوت ! فَأَرَوْهُ إيَّاهُ عَلَى فَرَس عَلَيْهِ لَامَتُهُ ; فَلَمَّا رَآهُ جَعَلَتْ الْأَحْجَار الثَّلَاثَة تَوَاثَبَ مَنْ مِخْلَاته , فَيَقُول هَذَا : خُذْنِي ! وَيَقُول هَذَا : خُذْنِي ! وَيَقُول هَذَا : خُذْنِي ! فَأَخَذَ أَحَدهَا فَجَعَلَهُ فِي مِقْذَافه , ثُمَّ قَتَلَهُ بِهِ , ثُمَّ أَرْسَلَهُ فَصَكَّ بَيْن عَيْنَيْ جَالُوت فَدَمَغَهُ , وَتَنَكَّسَ عَنْ دَابَّته فَقَتَلَهُ . ثُمَّ انْهَزَمَ جُنْده , وَقَالَ النَّاس : قَتَلَ دَاوُد جَالُوت , وَخَلَعَ طَالُوت . وَأَقْبَلَ النَّاس عَلَى دَاوُد مَكَانه , حَتَّى لَمْ يُسْمَع لِطَالُوت بِذِكْرٍ ; إلَّا أَنَّ أَهْل الْكِتَاب يَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَمَّا رَأَى انْصِرَاف بَنِي إسْرَائِيل عَنْهُ إلَى دَاوُد , هَمَّ بِأَنْ يَغْتَال دَاوُد وَأَرَادَ قَتْله فَصَرَفَ اللَّه ذَلِك عَنْهُ وَعَنْ دَاوُد وَعَرَفَ خَطِيئَته , وَالْتَمَسَ التَّوْبَة مِنْهَا إلَى اللَّه . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه فِي أَمْر طَالُوت وَدَاوُد قَوْل خِلَاف الرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرْنَا قَبْل , وَهُوَ مَا : 4479 - حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثِنَا إسْمَاعِيل بْن عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : ثني عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل أَنَّهُ سَمِعَ وَهْب بْن مُنَبِّه , قَالَ : لَمَّا سَلَّمَتْ بَنُو إسْرَائِيل الْمُلْك لِطَالُوت أَوْحَى إلَى نَبِيّ بَنِي إسْرَائِيل أَنْ قُلْ لِطَالُوت : فَلْيَغْزُ أَهْل مَدْيَن , فَلَا يَتْرُك فِيهَا حَيًّا إلَّا قَتَلَهُ , فَإِنِّي سَأُظْهِرُهُ عَلَيْهِمْ ! فَخَرَجَ بِالنَّاسِ حَتَّى أَتَى مَدْيَن , فَقَتَلَ مَنْ كَانَ فِيهَا إلَّا مَلِكهمْ , فَإِنَّهُ أَسَرَهُ , وَسَاقَ مَوَاشِيهمْ . فَأَوْحَى اللَّه إلَى أشمويل : أَلَّا تَعْجَب مَنْ طَالُوت إذْ أَمَرْته فَاخْتَانَ فِيهِ , فَجَاءَ بِمَلِكِهِمْ أَسِيرًا , وَسَاقَ مَوَاشِيهمْ , فَالْقَهُ فَقُلْ لَهُ : لَأَنْزِعَنَّ الْمُلْك مَنْ بَيْته , ثُمَّ لَا يَعُود فِيهِ إلَى يَوْم الْقِيَامَة , فَإِنِّي إنَّمَا أُكْرِم مَنْ أَطَاعَنِي , وَأُهِين مَنْ هَانَ عَلَيْهِ أَمْرِي ! فَلَقِيَهُ , فَقَالَ مَا صَنَعْت ؟ لِمَ جِئْت بِمَلِكِهِمْ أَسِيرًا , وَلِمَ سُقْت مَوَاشِيهمْ ؟ قَالَ : إنَّمَا سُقْت الْمَوَاشِيَ لِأُقَرِّبهَا . قَالَ لَهُ أشمويل : إنَّ اللَّه قَدْ نَزَعَ مِنْ بَيْتك الْمُلْك , ثُمَّ لَا يَعُود فِيهِ إلَى يَوْم الْقِيَامَة . فَأَوْحَى اللَّه إلَى أشمويل أَنْ انْطَلِقْ إلَى إيشا , فَيَعْرِض عَلَيْك بَنِيهِ , فَادَّهِنْ الَّذِي آمُرك بِدُهْنِ الْقُدْس يَكُنْ مَلِكًا عَلَى بَنِي إسْرَائِيل ! فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى إيشا , فَقَالَ : اعْرِضْ عَلَيَّ بَنِيك ! فَدَعَا إيشا أَكْبَر وَلَده , فَأَقْبَلَ رَجُل جَسِيم حَسَن الْمَنْظَر , فَلَمَّا نَظَرَ إلَيْهِ أشمويل أَعْجَبَهُ , فَقَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ إنَّ اللَّه لَبَصِير بِالْعِبَادِ ! فَأَوْحَى اللَّه إلَيْهِ : إنَّ عَيْنَيْك تُبْصِرَانِ مَا ظَهَرَ , وَإِنِّي أَطَّلِع عَلَى مَا فِي الْقُلُوب لَيْسَ بِهَذَا , اعْرِضْ عَلَيَّ غَيْره , فَعَرَضَ عَلَيْهِ سِتَّة فِي كُلّ ذَلِك يَقُول : لَيْسَ بِهَذَا , فَقَالَ : هَلْ لَك مَنْ وَلَد غَيْرهمْ ؟ فَقَالَ : بُنَيّ لِي غُلَام وَهُوَ رَاعٍ فِي الْغَنَم . فَقَالَ : أَرْسِلْ إلَيْهِ ! فَلَمَّا أَنْ جَاءَ دَاوُد جَاءَ غُلَام أَمْعَر , فَدَهَنَهُ بِدُهْنِ الْقُدْسِ , وَقَالَ لِأَبِيهِ : اُكْتُمْ هَذَا , فَإِنَّ طَالُوت لَوْ يَطَّلِع عَلَيْهِ قَتَلَهُ ; فَسَارَ جَالُوت فِي قَوْمه إلَى بَنِي إسْرَائِيل , فَعَسْكَرَ وَسَارَ طَالُوت بِبَنِي إسْرَائِيل وَعَسْكَرَ , وَتَهَيَّئُوا لِلْقِتَالِ , فَأَرْسَلَ جَالُوت إلَى طَالُوت : لِمَ تَقْتُل قَوْمِي وَأَقْتُل قَوْمك ؟ اُبْرُزْ لِي أَوْ أَبْرِزْ لِي مَنْ شِئْت , فَإِنْ قَتَلْتُك كَانَ الْمُلْك لِي , وَإِنْ قَتَلْتنِي كَانَ الْمُلْك لَك ! فَأَرْسَلَ طَالُوت فِي عَسْكَره صَائِحًا مَنْ يَبْرُز لِجَالُوت , فَإِنَّ قَتَلَهُ , فَإِنَّ الْمَلِك يُنْكِحهُ ابْنَته , وَيُشْرِكهُ فِي مُلْكه . فَأَرْسَلَ إيشا دَاوُد إلَى إخْوَته وَكَانُوا فِي الْعَسْكَر , فَقَالَ : اذْهَبْ فَرُدَّ إخْوَتك , وَأَخْبِرْنِي خَبَر النَّاس مَاذَا صَنَعُوا . فَجَاءَ إلَى إخْوَته , وَسَمِعَ صَوْتًا : إنَّ الْمَلِك يَقُول : مَنْ يَبْرُز لِجَالُوت فَإِنَّ قَتَلَهُ أَنْكَحَهُ الْمَلِك ابْنَته . فَقَالَ دَاوُد لِإِخْوَتِهِ : مَا مِنْكُمْ رَجُل يَبْرُز لِجَالُوت فَيَقْتُلهُ , وَيَنْكِح ابْنَة الْمَلِك ؟ فَقَالُوا : إنَّك غُلَام أَحْمَق , وَمَنْ يُطِيق جَالُوت وَهُوَ مِنْ بَقِيَّة الْجَبَّارِينَ ؟ فَلَمَّا لَمْ يَرَهُمْ رَغِبُوا فِي ذَلِك , قَالَ : فَأَنَا أَذْهَب فَأَقْتُلهُ ! فَانْتَهَرُوهُ وَغَضِبُوا عَلَيْهِ . فَلَمَّا غَفَلُوا عَنْهُ , ذَهَبَ حَتَّى جَاءَ الصَّائِح , فَقَالَ : أَنَا أَبْرُز لِجَالُوت . فَذَهَبَ بِهِ إلَى الْمَلِك , فَقَالَ لَهُ : لَمْ يُجِبْنِي أَحَد إلَّا غُلَام مَنْ بَنِي إسْرَائِيل هُوَ هَذَا ؟ قَالَ : يَا بُنَيّ أَنْت تَبْرُز لِجَالُوت فَتُقَاتِلهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : وَهَلْ آنَسْت مِنْ نَفْسك شَيْئًا ؟ قَالَ : نَعَمْ , كُنْت رَاعِيًا فِي الْغَنَم , فَأَغَارَ عَلَيَّ الْأَسَد , فَأَخَذْت بِلَحْيَيْهِ فَفَكَكْتهمَا . فَدَعَا لَهُ بِقَوْسٍ وَأَدَاة كَامِلَة , فَلَبِسَهَا وَرَكِبَ الْفَرَس , ثُمَّ سَارَ مِنْهُمْ قَرِيبًا . ثُمَّ صَرَفَ فَرَسه , فَرَجَعَ إلَى الْمَلِك , فَقَالَ الْمَلِك وَمَنْ حَوْله : جَبُنَ الْغُلَام ! فَجَاءَ فَوَقَفَ عَلَى الْمَلِك , فَقَالَ : مَا شَأْنك ؟ قَالَ دَاوُد : إنْ لَمْ يَقْتُلهُ اللَّه لِي لَمْ يَقْتُلهُ هَذَا الْفَرَس وَهَذَا السِّلَاح , فَدَعْنِي فَأُقَاتِل كَمَا أُرِيد . فَقَالَ : نَعَمْ يَا بُنَيّ . فَأَخَذَ دَاوُد مِخْلَاته , فَتَقَلَّدَهَا وَأَلْقَى فِيهَا أَحْجَارًا , وَأَخَذَ مِقْلَاعه الَّذِي كَانَ يَرْعَى بِهِ . ثُمَّ مَضَى نَحْو جَالُوت ; فَلَمَّا دَنَا مَنْ عَسْكَره , قَالَ : أَيْنَ جَالُوت يَبْرُز لِي ؟ فَبَرَزَ لَهُ عَلَى فَرَس عَلَيْهِ السِّلَاح كُلّه , فَلَمَّا رَآهُ جَالُوت قَالَ : إلَيْك أَبْرُز ؟ قَالَ نَعَمْ . قَالَ : فَأَتَيْتنِي بِالْمِقْلَاعِ وَالْحَجَر كَمَا يُؤْتَى إلَى الْكَلْب ؟ قَالَ : هُوَ ذَاكَ . قَالَ : لَا جَرَم إنِّي سَوْف أُقَسِّم لَحْمك بَيْن طَيْر السَّمَاء وَسِبَاع الْأَرْض . قَالَ دَاوُد : أَوْ يُقَسِّم اللَّه لَحْمك . فَوَضَعَ دَاوُد حَجَرًا فِي مِقْلَاعه , ثُمَّ دُوره فَأَرْسَلَهُ نَحْو جَالُوت , فَأَصَابَ أَنْف الْبَيْضَة الَّتِي عَلَى جَالُوت حَتَّى خَالَطَ دِمَاغه , فَوَقَعَ مَنْ فَرَسه , فَمَضَى دَاوُد إلَيْهِ , فَقُطْع رَأَسَهُ بِسَيْفِهِ , فَأَقْبَلَ بِهِ فِي مِخْلَاته , وَبِسَلَبِهِ يَجُرّهُ , حَتَّى أَلْقَاهُ بَيْن يَدَيْ طَالُوت , فَفَرِحُوا فَرَحًا شَدِيدًا , وَانْصَرَفَ طَالُوت . فَلَمَّا كَانَ دَاخِل الْمَدِينَة , سَمِعَ النَّاس يَذْكُرُونَ دَاوُد , فَوَجَدَ فِي نَفْسه , فَجَاءَهُ دَاوُد , فَقَالَ : أَعْطِنِي امْرَأَتِي ! فَقَالَ : أَتُرِيدُ ابْنَة الْمَلِك بِغَيْرِ صَدَاق ؟ فَقَالَ دَاوُد : مَا اشْتَرَطْت عَلَيَّ صَدَاقًا , وَمَا لِي مِنْ شَيْءٍ . قَالَ : لَا أُكَلِّفك إلَّا مَا تُطِيق , أَنْت رَجُل جَرِيء , وَفِي جِبَالنَا هَذِهِ جراجمة يَحْتَرِبُون النَّاس وَهُمْ غُلْف , فَإِذَا قَتَلْت مِنْهُمْ مِائَتَيْ رَجُل , فَأْتِنِي بِغُلْفِهِمْ . فَجَعَلَ كُلَّمَا قَتَلَ مِنْهُمْ رَجُلًا نَظَمَ غُلْفَته فِي خَيْط , حَتَّى نَظَمَ مِائَتَيْ غُلْفَة , ثُمَّ جَاءَ بِهِمْ إلَى طَالُوت , فَأَلْقَى إلَيْهِ , فَقَالَ : ادْفَعْ لِي امْرَأَتِي قَدْ جِئْت بِمَا اشْتَرَطْت ! فَزَوَّجَهُ ابْنَته . وَأَكْثَرَ النَّاس ذِكْر دَاوُد , وَزَادَهُ عِنْد النَّاس عَجَبًا , فَقَالَ طَالُوت لَابْنه : لَتَقْتُلَنّ دَاوُد ! قَالَ : سُبْحَان اللَّه لَيْسَ بِأَهْلِ ذَلِك مِنْك ! قَالَ : إنَّك غُلَام أَحْمَق , مَا أَرَاهُ إلَّا سَوْف يُخْرِجك وَأَهْل بَيْتك مَنْ الْمُلْك . فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِك مِنْ أَبِيهِ , انْطَلَقَ إلَى أُخْته , فَقَالَ لَهَا : إنِّي قَدْ خِفْت أَبَاك أَنْ يَقْتُل زَوْجك دَاوُد , فَمُرِيهِ أَنْ يَأْخُذ حَذَره , وَيَتَغَيَّب مِنْهُ . فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَته ذَلِك فَتَغَيَّبَ . فَلَمَّا أَصْبَحَ أَرْسَلَ طَالُوت مَنْ يَدْعُو لَهُ دَاوُد , وَقَدْ صَنَعَتْ امْرَأَته عَلَى فِرَاشه كَهَيْئَةِ النَّائِم وَلَحَفَتْهُ . فَلَمَّا جَاءَ رَسُول طَالُوت قَالَ : أَيْنَ دَاوُد ؟ لِيُجِبْ الْمَلِك ! فَقَالَتْ لَهُ : بَاتَ شَاكِيًا وَنَامَ الْآن تَرَوْنَهُ عَلَى الْفِرَاش . فَرَجَعُوا إلَى طَالُوت فَأَخْبَرُوهُ ذَلِك , فَمَكَثَ سَاعَة ثُمَّ أَرْسَلَ إلَيْهِ , فَقَالَتْ : هُوَ نَائِم لَمْ يَسْتَيْقِظ بَعْد . فَرَجَعُوا إلَى الْمَلِك فَقَالَ : ائْتُونِي بِهِ وَإِنْ كَانَ نَائِمًا ! فَجَاءُوا إلَى الْفِرَاش , فَلَمْ يَجِدُوا عَلَيْهِ أَحَدًا . فَجَاءُوا الْمَلِك فَأَخْبَرُوهُ , فَأَرْسَلَ إلَى ابْنَته فَقَالَ : مَا حَمَلَك عَلَى أَنْ تُكَذِّبِينِي ؟ قَالَتْ : هُوَ أَمَرَنِي بِذَلِك , وَخِفْت إنْ لَمْ أَفْعَل أَمْره أَنْ يَقْتُلنِي . وَكَانَ دَاوُد فَارًّا فِي الْجَبَل حَتَّى قَتَلَ طَالُوت , وَمَلَكَ دَاوُد بَعْده . 4480 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : كَانَ طَالُوت أَمِيرًا عَلَى الْجَيْش , فَبَعَثَ أَبُو دَاوُد مَعَ دَاوُد بِشَيْءٍ إلَى إخْوَته , فَقَالَ دَاوُد لِطَالُوت : مَاذَا لِي فَأَقْتُل جَالُوت ؟ قَالَ : لَك ثُلُث مَالِي , وَأُنْكِحك ابْنَتِي . فَأَخَذَ مِخْلَاته , فَجَعَلَ فِيهَا ثَلَاث مَرْوَات , ثُمَّ سَمَّى حِجَارَته تِلْكَ إبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب , ثُمَّ أَدْخَلَ يَده فَقَالَ : بِاسْمِ إلَهِي وَإِلَه آبَائِي إبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب ! فَخَرَجَ عَلَى إبْرَاهِيم , فَجَعَلَهُ فِي مِرْجَمَته , فَخَرَقَتْ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ بَيْضَة عَنْ رَأْسه , وَقَتَلَتْ ثَلَاثِينَ أَلْفًا مَنْ وَرَائِهِ . 4481 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثِنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : عَبَرَ يَوْمئِذٍ النَّهَر مَعَ طَالُوت أَبُو دَاوُد فِيمَنْ عَبَرَ مَعَ ثَلَاثَة عَشَرَ ابْنًا لَهُ , وَكَانَ دَاوُد أَصْغَر بَنِيهِ . فَأَتَاهُ ذَات يَوْم فَقَالَ : يَا أَبَتَاهُ مَا أَرْمِي بِقَذَّافَتِي شَيْئًا إلَّا صَرَعْته . فَقَالَ : أَبْشِرْ يَا بُنَيّ , فَإِنَّ اللَّه قَدْ جَعَلَ رِزْقك فِي قَذَّافَتك ! ثُمَّ أَتَاهُ مَرَّة أُخْرَى قَالَ : يَا أَبَتَاهُ لَقَدْ دَخَلْت بَيْن الْجِبَال , فَوَجَدْت أَسَدًا رَابِضًا , فَرَكِبْت عَلَيْهِ , فَأَخَذْت بِأُذُنِيهِ , فَلَمْ يُهِجْنِي . قَالَ : أَبْشِرْ يَا بُنَيّ , فَإِنَّ هَذَا خَيْر يُعْطِيكَهُ اللَّه ! ثُمَّ أَتَاهُ يَوْمًا آخَر فَقَالَ : يَا أَبَتَاهُ إنِّي لَأَمْشِي بَيْن الْجِبَال , فَأُسَبِّح , فَمَا يَبْقَى جَبَل إلَّا سَبَّحَ مَعِي . فَقَالَ : أَبْشِرْ يَا بُنَيّ , فَإِنَّ هَذَا خَيْر أَعْطَاكَهُ اللَّه ! . وَكَانَ دَاوُد رَاعِيًا , وَكَانَ أَبُوهُ خَلْفه يَأْتِي إلَيْهِ وَإِلَى إخْوَته بِالطَّعَامِ . فَأَتَى النَّبِيّ بِقَرْنٍ فِيهِ دُهْن وَبِثَوْبٍ مَنْ حَدِيد , فَبَعَثَ بِهِ إلَى طَالُوت , فَقَالَ : إنَّ صَاحِبكُمْ الَّذِي يَقْتُل جَالُوت يُوضَع هَذَا الْقَرْن عَلَى رَأْسه فَيَغْلِي حَتَّى يَدْهُن مِنْهُ وَلَا يَسِيل عَلَى وَجْهه , يَكُون عَلَى رَأْسه كَهَيْئَةِ الْإِكْلِيل , وَيَدْخُل فِي هَذَا الثَّوْب فَيَمْلَؤُهُ . فَدَعَا طَالُوت بَنِي إسْرَائِيل فَجَرَّبَهُمْ , فَلَمْ يُوَافِقهُ مِنْهُمْ أَحَد . فَلَمَّا فَرَغُوا , قَالَ طَالُوت لِأَبِي دَاوُد : هَلْ بَقِيَ لَك مِنْ وَلَد لَمْ يَشْهَدنَا ؟ قَالَ : نَعَمْ , بَقِيَ ابْنِي دَاوُد , وَهُوَ يَأْتِينَا بِطَعَامِنَا . فَلَمَّا أَتَاهُ دَاوُد مَرَّ فِي الطَّرِيق بِثَلَاثَةِ أَحْجَار , فَكَلَّمْنَهُ , وَقُلْنَ لَهُ : خُذْنَا يَا دَاوُد تَقْتُل بِنَا جَالُوت ! قَالَ : فَأَخَذَهُنَّ فَجَعَلَهُنَّ فِي مِخْلَاته . وَكَانَ طَالُوت قَالَ : مَنْ قَتَلَ جَالُوت زَوَّجْته ابْنَتِي , وَأَجْرَيْت خَاتَمه فِي مُلْكِي . فَلَمَّا جَاءَ دَاوُد وَضَعُوا الْقَرْن عَلَى رَأْسه , فَغَلَى حَتَّى ادَّهَنَ مِنْهُ , وَلَبِسَ الثَّوْب فَمَلَأَهُ , وَكَانَ رَجُلًا مِسْقَامًا مُصْفَارًّا , وَلَمْ يَلْبَسهُ أَحَد إلَّا تَقَلْقَلَ فِيهِ . فَلَمَّا لَبِسَهُ دَاوُد تَضَايَقَ الثَّوْب عَلَيْهِ حَتَّى تَنَقَّضَ . ثُمَّ مَشَى إلَى جَالُوت , وَكَانَ جَالُوت مِنْ أَجْسَم النَّاس وَأَشَدّهمْ ; فَلَمَّا نَظَرَ إلَى دَاوُد قُذِفَ فِي قَلْبه الرُّعْب مِنْهُ , فَقَالَ لَهُ : يَا فَتَى ارْجِعْ فَإِنِّي أَرْحَمك أَنْ أَقْتُلك ! قَالَ دَاوُد : لَا , بَلْ أَنَا أَقْتُلك . فَأَخْرِجْ الْحِجَارَة فَجَعَلَهَا فِي الْقَذَّافَة , كُلَّمَا رَفَعَ حَجَرًا سَمَّاهُ , فَقَالَ : هَذَا بِاسْمِ أَبِي إبْرَاهِيم , وَالثَّانِي بِاسْمِ أَبِي إسْحَاق , وَالثَّالِث بِاسْمِ أَبِي إسْرَائِيل . ثُمَّ أَدَارَ الْقَذَّافَة فَعَادَتْ الْأَحْجَار حَجَرًا وَاحِدًا , ثُمَّ أَرْسَلَهُ فَصَكَّ بِهِ بَيْن عَيْنَيْ جَالُوت , فَنَقَبَ رَأْسه فَقَتَلَهُ . ثُمَّ لَمْ تَزَلْ تَقْتُل كُلّ إنْسَان تُصِيبهُ تَنْفُذ مِنْهُ , حَتَّى لَمْ يَكُنْ بِحِيَالِهَا أَحَد . فَهَزَمُوهُمْ عِنْد ذَلِك , وَقَتَلَ دَاوُد جَالُوت . وَرَجَعَ طَالُوت , فَأَنْكَحَ دَاوُد ابْنَته , وَأَجْرَى خَاتَمه فِي مُلْكه ; فَمَالَ النَّاس إلَى دَاوُد فَأَحَبُّوهُ . فَلَمَّا رَأَى ذَلِك طَالُوت وَجَدَ فِي نَفْسه وَحَسَدَهُ , فَأَرَادَ قَتْله . فَعَلِمَ بِهِ دَاوُد أَنَّهُ يُرِيد بِهِ ذَلِك , فَسَجَّى لَهُ زِقّ خَمْر فِي مَضْجَعه , فَدَخَلَ طَالُوت إلَى مَنَام دَاوُد , وَقَدْ هَرَبَ دَاوُد فَضَرَبَ الزِّقّ ضَرْبَة فَخَرَقَهُ , فَسَالَتْ الْخَمْر مِنْهُ , فَوَقَعَتْ قَطْرَة مَنْ خَمْر فِي فِيهِ , فَقَالَ : يَرْحَم اللَّه دَاوُد مَا كَانَ أَكْثَر شُرْبه لِلْخَمْرِ ! ثُمَّ إنَّ دَاوُد أَتَاهُ مِنْ الْقَابِلَة فِي بَيْته وَهُوَ نَائِم , فَوَضَعَ سَهْمَيْنِ عِنْد رَأْسه وَعِنْد رِجْلَيْهِ وَعَنْ يَمِينه وَعَنْ شِمَاله سَهْمَيْنِ ; فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ طَالُوت بَصُرَ بِالسِّهَامِ فَعَرَفَهَا , فَقَالَ : يَرْحَم اللَّه دَاوُد هُوَ خَيْر مِنِّي , ظَفَرَتْ بِهِ فَقَتَلَتْهُ , وَظَفَرَ بِي فَكَفَّ عَنِّي . ثُمَّ إنَّهُ رَكِبَ يَوْمًا فَوَجَدَهُ يَمْشِي فِي الْبَرِيَّة وَطَالُوت عَلَى فَرَس , فَقَالَ طَالُوت : الْيَوْم أَقْتُل دَاوُد ! وَكَانَ دَاوُد إذَا فَزِعَ لَا يُدْرَك , فَرَكَضَ عَلَى أَثَره طَالُوت , فَفَزَعَ دَاوُد , فَاشْتَدَّ فَدَخَلَ غَارًا , وَأَوْحَى اللَّه إلَى الْعَنْكَبُوت فَضَرَبَتْ عَلَيْهِ بَيْتًا ; فَلَمَّا انْتَهَى طَالُوت إلَى الْغَار نَظَرَ إلَى بِنَاء الْعَنْكَبُوت , فَقَالَ : لَوْ كَانَ دَخَلَ هَا هُنَا لَخَرَقَ بَيْت الْعَنْكَبُوت , فَخُيِّلَ إلَيْهِ فَتَرَكَهُ . 4482 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ دَاوُد حِين أَتَاهُمْ كَانَ قَدْ جَعَلَ مَعَهُ مِخْلَاة فِيهَا ثَلَاثَة أَحْجَار . وَإِنَّ جَالُوت بَرَزَ لَهُمْ , فَنَادَى : أَلَا رَجُل لِرَجُلٍ ! فَقَالَ طَالُوت : مَنْ يَبْرُز لَهُ , وَإِلَّا بَرَزْت لَهُ . فَقَامَ دَاوُد فَقَالَ : أَنَا فَقَامَ لَهُ طَالُوت فَشَدَّ عَلَيْهِ دِرْعه , فَجَعَلَ يَرَاهُ يَشْخَص فِيهَا وَيَرْتَفِع . فَعَجِبَ مَنْ ذَلِك طَالُوت , فَشَدَّ عَلَيْهِ أَدَاته كُلّهَا . وَإِنَّ دَاوُد رَمَاهُمْ بِحَجَرٍ مَنْ تِلْكَ الْحِجَارَة فَأَصَابَ فِي الْقَوْم , ثُمَّ رَمَى الثَّانِيَة بِحَجَرٍ فَأَصَابَ فِيهِمْ , ثُمَّ رَمَى الثَّالِثَة فَقَتَلَ جَالُوت . فَآتَاهُ اللَّه الْمُلْك وَالْحِكْمَة , وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء , وَصَارَ هُوَ الرَّئِيس عَلَيْهِمْ , وَأَعْطَوْهُ الطَّاعَة . 4483 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : ثَنِيّ ابْن زَيْد فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { أَلَمْ تَرَ إلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل } فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَال تَوَلَّوْا إلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاَللَّه عَلِيم بِالظَّالِمِينَ } قَالَ : أَوْحَى اللَّه إلَى نَبِيّهمْ إنَّ فِي وَلَد فُلَان رَجُلًا يَقْتُل اللَّه بِهِ جَالُوت , وَمِنْ عَلَامَته هَذَا الْقَرْن تَضَعهُ عَلَى رَأَسَهُ , فَيَفِيض مَاء . فَأَتَاهُ فَقَالَ : إنَّ اللَّه أَوْحَى إلَيَّ أَنَّ فِي وَلَد فُلَان رَجُلًا يَقْتُل اللَّه بِهِ جَالُوت , فَقَالَ : نَعَمْ يَا نَبِيّ اللَّه , قَالَ : فَأَخْرَجَ لَهُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا أَمْثَال السَّوَارِي , وَفِيهِمْ رَجُل بَارِع عَلَيْهِمْ , فَجَعَلَ يَعْرِضهُمْ عَلَى الْقَرْن فَلَا يَرَى شَيْئًا , فَيَقُول لِذَلِك الْجَسِيم : ارْجِعْ فَيَرُدّهُ عَلَيْهِ , فَأَوْحَى اللَّه إلَيْهِ : إنَّا لَا نَأْخُذ الرِّجَال عَلَى صُوَرهمْ , وَلَكِنْ نَأْخُذهُمْ عَلَى صَلَاح قُلُوبهمْ , قَالَ : يَا رَبّ قَدْ زَعَمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَلَد غَيْره , فَقَالَ : كَذَبَ , فَقَالَ : إنَّ رَبِّي قَدْ كَذَّبَك , وَقَالَ : إنَّ لَك وَلَدًا غَيْرهمْ , فَقَالَ : صَدَقَ يَا نَبِيّ اللَّه , لِي وَلَد قَصِير اسْتَحْيَيْت أَنْ يَرَاهُ النَّاس , فَجَعَلْته فِي الْغَنَم , قَالَ : فَأَيْنَ هُوَ ؟ قَالَ فِي شِعْب كَذَا وَكَذَا مِنْ جَبَل كَذَا وَكَذَا , فَخَرَجَ إلَيْهِ , فَوَجَدَ الْوَادِي قَدْ سَالَ بَيْنه وَبَيْن الَّتِي كَانَ يُرِيح إلَيْهَا قَالَ : وَوَجَدَهُ يَحْمِل شَاتَيْنِ يُجِيز بِهِمَا , وَلَا يَخُوض بِهِمَا السَّيْل , فَلَمَّا رَآهُ قَالَ : هَذَا هُوَ لَا شَكَّ فِيهِ , هَذَا يَرْحَم الْبَهَائِم فَهُوَ بِالنَّاسِ أَرْحَم , قَالَ : فَوَضَعَ الْقَرْن عَلَى رَأَسَهُ فَفَاضَ , فَقَالَ لَهُ : ابْن أَخِي هَلْ رَأَيْت هَا هُنَا مَنْ شَيْء يُعْجِبك ؟ قَالَ : نَعَمْ إذَا سَبَّحْت , سَبَّحَتْ مَعِي الْجِبَال , وَإِذَا أَتَى النَّمِر أَوْ الذِّئْب أَوْ السَّبْع أَخَذَ شَاة قُمْت إلَيْهِ , فَافْتَحْ لَحْيَيْهِ عَنْهَا فَلَا يُهِيجنِي , وَأَلْفَى مَعَهُ صِفْنَهُ , قَالَ : فَمَرَّ بِثَلَاثَةِ أَحْجَار يَأْثُر بَعْضهَا عَلَى بَعْض : كُلّ وَاحِد مِنْهَا يَقُول : أَنَا الَّذِي يَأْخُذ , وَيَقُول هَذَا : لَا بَلْ إيَّايَ يَأْخُذ , وَيَقُول الْآخَر مِثْل ذَلِك , قَالَ : فَأَخَذَهُنَّ جَمِيعًا , فَطَرَحَهُنَّ فِي صِفْنَهُ ; فَلَمَّا جَاءَ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَرَجُوا قَالَ لَهُمْ نَبِيّهمْ : { إنَّ اللَّه قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوت مَلِكًا } فَكَانَ مَنْ قِصَّة نَبِيّهمْ وَقِصَّتهمْ مَا ذَكَرَ اللَّه فِي كِتَابه , وَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { وَاَللَّه مَعَ الصَّابِرِينَ } قَالَ : وَاجْتَمَعَ أَمْرهمْ وَكَانُوا جَمِيعًا , وَقَرَأَ : { وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْم الْكَافِرِينَ } وَبَرَزَ جَالُوت عَلَى بِرْذَوْن لَهُ أَبْلَق , فِي يَده قَوْس وَنُشَّاب , فَقَالَ : مَنْ يَبْرُز ؟ أَبْرِزُوا إلَيَّ رَأْسكُمْ , قَالَ : فَفَظِعَ بِهِ طَالُوت , قَالَ : فَالْتَفَتّ إلَى أَصْحَابه فَقَالَ : مَنْ رَجُل يَكْفِينِي الْيَوْم جَالُوت , فَقَالَ دَاوُد أَنَا , فَقَالَ تَعَالَ , قَالَ : فَنَزَعَ دِرْعًا لَهُ , فَأَلْبَسَهُ إيَّاهَا , قَالَ : وَنَفَخَ اللَّه مَنْ رُوحه فِيهِ حَتَّى مَلَأَهُ , قَالَ : فَرَمَى بِنُشَّابَةِ , فَوَضَعَهَا فِي الدِّرْع , قَالَ : فَكَسَرَهَا دَاوُد وَلَمْ تَضُرّهُ شَيْئًا ثَلَاث مَرَّات , ثُمَّ قَالَ لَهُ : خُذْ الْآن , فَقَالَ دَاوُد : اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجَرًا وَاحِدًا , قَالَ : وَسَمَّى وَاحِدًا إبْرَاهِيم , وَآخَر إسْحَاق , وَآخَر يَعْقُوب , قَالَ : فَجَمَعَهُنَّ جَمِيعًا فَكُنَّ حَجَرًا وَاحِدًا , قَالَ : فَأَخَذَهُنَّ وَأَخَذَ مِقْلَاعًا , فَأَدَارَهَا لِيَرْمِيَ بِهَا , فَقَالَ : أَتَرْمِينِي كَمَا تَرْمِي السَّبْع وَالذِّئْب , ارْمِنِي بِالْقَوْسِ , قَالَ : لَا أَرْمِيك الْيَوْم إلَّا بِهَا , فَقَالَ لَهُ مِثْل ذَلِك أَيْضًا , فَقَالَ نَعَمْ , وَأَنْت أَهْوَن عَلَيَّ مِنْ الذِّئْب , فَأَدَارَهَا وَفِيهَا أَمْر اللَّه وَسُلْطَان اللَّه , قَالَ : فَخَلَّى سَبِيلهَا مَأْمُورَة , قَالَ : فَجَاءَتْ مُظِلَّة فَضَرَبَتْ بَيْن عَيْنَيْهِ حَتَّى خَرَجَتْ مَنْ قَفَاهُ , ثُمَّ قَتَلَتْ مِنْ أَصْحَابه وَرَاءَهُ كَذَا وَكَذَا , وَهَزَمَهُمْ اللَّه . 4484 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : لَمَّا قَطَعُوا ذَلِك يَعْنِي النَّهَر الَّذِي قَالَ اللَّه فِيهِ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ طَالُوت لِجُنُودِهِ : { إنَّ اللَّه مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ } وَجَاءَ جَالُوت وَشَقَّ عَلَى طَالُوت قِتَاله , فَقَالَ طَالُوت لِلنَّاسِ : لَوْ أَنَّ جَالُوت قُتِلَ أَعْطَيْت الَّذِي يَقْتُلهُ نِصْف مُلْكِي , وَنَاصَفْته كُلّ شَيْء أَمْلِكهُ , فَبَعَثَ اللَّه دَاوُد , وَدَاوُد يَوْمئِذٍ فِي الْجَبَل رَاعِي غَنَم , وَقَدْ غَزَا مَعَ طَالُوت تِسْعَة إخْوَة لِدَاوُد , وَهُمْ أَنَدّ مِنْهُ وَأَعْتَى مِنْهُ , وَأَعْرَف فِي النَّاس مِنْهُ , وَأَوْجَه عِنْد طَالُوت مِنْهُ , فَغَزَا وَتَرَكُوهُ فِي غَنَمهمْ , فَقَالَ دَاوُد حِين أَلْقَى اللَّه فِي نَفْسه مَا أَلْقَى وَأَكْرَمَهُ : لَأَسْتَوْدِعَنّ رَبِّي غَنَمِي الْيَوْم , وَلَآتِيَنّ النَّاس فَلَأَنْظُرَنّ مَا الَّذِي بَلَغَنِي مِنْ قَوْل الْمُلْك لِمَنْ قَتَلَ جَالُوت , فَأَتَى دَاوُد إخْوَته , فَلَامُوهُ حِين أَتَاهُمْ , فَقَالُوا : لِمَ جِئْت ؟ قَالَ : لِأَقْتُل جَالُوت , فَإِنَّ اللَّه قَادِر أَنْ أَقْتُلهُ , فَسُخِرُوا مِنْهُ . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : قَالَ مُجَاهِد : كَانَ بُعِثَ أَبُو دَاوُد مَعَ دَاوُد بِشَيْءٍ إلَى إخْوَته , فَأَخَذَ مِخْلَاة فَجَعَلَ فِيهَا ثَلَاث مَرْوَات , ثُمَّ سَمَّاهُنَّ إبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : قَالُوا : وَهُوَ ضَعِيف رَثّ الْحَال , فَمَرَّ بِثَلَاثَةِ أَحْجَار , فَقُلْنَ لَهُ : خُذْنَا يَا دَاوُد فَقَاتِلْ بِنَا جَالُوت . فَأَخَذَهُنَّ دَاوُد وَأَلْقَاهُنَّ فِي مِخْلَاته , فَلَمَّا أَلْقَاهُنَّ سَمِعَ حَجَرًا مِنْهُنَّ يَقُول لِصَاحِبِهِ : أَنَا حَجَر هَارُونَ الَّذِي قَتَلَ بِي مَلِك كَذَا وَكَذَا ; وَقَالَ الثَّانِي : أَنَا حَجَر مُوسَى الَّذِي قَتَلَ بِي مَلِك كَذَا وَكَذَا ; وَقَالَ الثَّالِث : أَنَا حَجَر دَاوُد الَّذِي أَقْتُل جَالُوت , فَقَالَ الْحَجَرَانِ : يَا حَجَر دَاوُد نَحْنُ أَعْوَان لَك , فَصِرْنَ حَجَرًا وَاحِدًا ; وَقَالَ الْحَجَر : يَا دَاوُد اقْذِفْ بِي فَإِنِّي سَأَسْتَعِينُ بِالرِّيحِ , وَكَانَتْ بَيْضَته فِيمَا يَقُولُونَ وَاَللَّه أَعْلَم فِيهَا سِتّمِائَةِ رِطْل , فَأَقَع فِي رَأْس جَالُوت فَأَقْتُلهُ . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : وَقَالَ مُجَاهِد : سَمَّى وَاحِدًا إبْرَاهِيم , وَالْآخَر إسْحَاق , وَالْآخَر يَعْقُوب , وَقَالَ : بِاسْمِ إلَهِي وَإِلَه آبَائِي إبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب , وَجَعَلَهُنَّ فِي مِرْجَمَته . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : فَانْطَلَقَ حَتَّى نَفَذَ إلَى طَالُوت , فَقَالَ : إنَّك قَدْ جَعَلْت لِمَنْ قَتَلَ جَالُوت نِصْف مُلْكك وَنِصْف كُلّ شَيْء تَمْلِك . أَفَلِي ذَلِك إنْ قَتَلْته ؟ قَالَ : نَعَمْ , وَالنَّاس يُسْتَهْزَءُونَ بِدَاوُدَ , وَإِخْوَة دَاوُد أَشَدّ مَنْ هُنَالِكَ عَلَيْهِ , وَكَانَ طَالُوت لَا يُنْتَدَب إلَيْهِ أَحَد زَعَمَ أَنَّهُ يَقْتُل جَالُوت إلَّا أَلْبَسَهُ دِرْعًا عِنْده , فَإِذَا لَمْ تَكُنْ قَدْرًا عَلَيْهِ نَزَعَهَا عَنْهَا , وَكَانَتْ دِرْعًا سَابِغَة مِنْ دُرُوع طَالُوت , فَأَلْبَسَهَا دَاوُد ; فَلَمَّا رَأَى قَدْرهَا عَلَيْهِ أَمَرَهُ أَنْ يَتَقَدَّم , فَتَقَدَّمَ دَاوُد , فَقَامَ مَقَامًا لَا يَقُوم فِيهِ أَحَد وَعَلَيْهِ الدِّرْع , فَقَالَ لَهُ جَالُوت : وَيْحك مَنْ أَنْت إنِّي أَرَحَمك , لِيَتَقَدَّم إلَيَّ غَيْرك مَنْ هَذِهِ الْمُلُوك , أَنْت إنْسَان ضَعِيف مِسْكِين , فَارْجِعْ , فَقَالَ دَاوُد : أَنَا الَّذِي أَقْتُلك بِإِذْنِ اللَّه , وَلَنْ أَرْجِع حَتَّى أَقْتُلك , فَلَمَّا أَبَى دَاوُد إلَّا قِتَاله , تَقَدَّمَ جَالُوت إلَيْهِ لِيَأْخُذهُ بِيَدِهِ مُقْتَدِرًا عَلَيْهِ , فَأَخْرَجَ الْحَجَر مَنْ الْمِخْلَاة , فَدَعَا رَبّه , وَرَمَاهُ بِالْحَجَرِ , فَأَلْقَتْ الرِّيح بَيْضَته عَنْ رَأَسَهُ , فَوَقَعَ الْحَجَر فِي رَأْس جَالُوت حَتَّى دَخَلَ فِي جَوْفه , فَقَتَلَهُ . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : وَقَالَ مُجَاهِد : لَمَّا رَمَى جَالُوت بِالْحَجَرِ خَرَقَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ بَيْضَة عَنْ رَأْسه , وَقَتَلَتْ مِنْ وَرَائِهِ ثَلَاثِينَ أَلْفًا , قَالَ اللَّه تَعَالَى : { وَقَتَلَ دَاوُد جَالُوت } فَقَالَ دَاوُد لِطَالُوت : وَفِّ بِمَا جَعَلْت , فَأَبَى طَالُوت أَنْ يُعْطِيه ذَلِك , فَانْطَلَقَ دَاوُد , فَسَكَنَ مَدِينَة مِنْ مَدَائِن بَنِي إسْرَائِيل , حَتَّى مَاتَ طَالُوت ; فَلَمَّا مَاتَ عَمَدَ بَنُو إسْرَائِيل إلَى دَاوُد , فَجَاءُوا بِهِ , فَمَلَّكُوهُ , وَأَعْطَوْهُ خَزَائِن طَالُوت , وَقَالُوا : لَمْ يَقْتُل جَالُوت إلَّا نَبِيّ , قَالَ اللَّه : { وَقَتَلَ دَاوُد جَالُوت وَآتَاهُ اللَّه الْمُلْك وَالْحِكْمَة وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء }
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : {
وَآتَاهُ اللَّه الْمُلْك وَالْحِكْمَة وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِك : وَأَعْطَى اللَّه دَاوُد الْمُلْك وَالْحِكْمَة وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء . وَالْهَاء فِي قَوْله : { وَآتَاهُ اللَّه } عَائِدَة عَلَى دَاوُد وَالْمُلْك السُّلْطَان وَالْحِكْمَة النُّبُوَّة . وَقَوْله : { وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء } يَعْنِي عَلَّمَهُ صَنْعَة الدُّرُوع , وَالتَّقْدِير فِي السَّرْد , كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَة لَبُوس لَكُمْ لِتُحْصِنكُمْ مَنْ بَأْسكُمْ } 21 80 وَقَدْ قِيلَ : إنَّ مَعْنَى قَوْله : { وَآتَاهُ اللَّه الْمُلْك وَالْحِكْمَة } أَنَّ اللَّه آتَى دَاوُد مُلْك طَالُوت وَنُبُوَّة أشمويل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4485 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : مَلَكَ دَاوُد بَعْدَمَا قَتَلَ طَالُوت , وَجَعَلَهُ اللَّه نَبِيًّا , وَذَلِك قَوْله : { وَآتَاهُ اللَّه الْمُلْك وَالْحِكْمَة } قَالَ : الْحِكْمَة : هِيَ النُّبُوَّة , آتَاهُ نُبُوَّة شَمْعُون , وَمُلْك طَالُوت .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْلَا دَفْع اللَّه النَّاس بَعْضهمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الْأَرْض وَلَكِنَّ اللَّه ذُو فَضْل عَلَى الْعَالَمِينَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِك : وَلَوْلَا أَنَّ اللَّه يَدْفَع بِبَعْضِ النَّاس ,
وَهُمْ أَهْل الطَّاعَة لَهُ وَالْإِيمَان بِهِ , بَعْضًا وَهُمْ أَهْل الْمَعْصِيَة لِلَّهِ , وَالشِّرْك بِهِ , كَمَا دَفَعَ عَنْ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ طَالُوت يَوْم جَالُوت مِنْ أَهْل الْكُفْر بِاَللَّهِ وَالْمَعْصِيَة لَهُ وَقَدْ أَعْطَاهُمْ مَا سَأَلُوا رَبّهمْ ابْتِدَاء مَنْ بَعْثَة مَلِك عَلَيْهِمْ لِيُجَاهِدُوا مَعَهُ فِي سَبِيله بِمَنْ جَاهَدَ مَعَهُ مِنْ أَهْل الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَالْيَقِين وَالصَّبْر , جَالُوت وَجُنُوده , لَفَسَدَتْ الْأَرْض , يَعْنِي لَهَلَكَ أَهْلهَا بِعُقُوبَةِ اللَّه إيَّاهُمْ , فَفَسَدَتْ بِذَلِك الْأَرْض , وَلَكِنَّ اللَّه ذُو مَنّ عَلَى خَلْقه , وَتَطَوُّل عَلَيْهِمْ بِدَفْعِهِ بِالْبَرِّ مِنْ خَلْقه عَنْ الْفَاجِر , وَبِالْمُطِيعِ عَنْ الْعَاصِي مِنْهُمْ , وَبِالْمُؤْمِنِ عَنْ الْكَافِر . وَهَذِهِ الْآيَة إعْلَام مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَهْل النِّفَاق الَّذِينَ كَانُوا عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ مَشَاهِده وَالْجِهَاد مَعَهُ لِلشَّكِّ الَّذِي فِي نَفُوسهمْ وَمَرَض قُلُوبهمْ وَالْمُشْرِكِينَ وَأَهْل الْكُفْر مِنْهُمْ , وَأَنَّهُ إنَّمَا يَدْفَع عَنْهُمْ مُعَاجَلَتهمْ الْعُقُوبَة , عَلَى كُفْرهمْ وَنِفَاقهمْ بِإِيمَانِ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ , الَّذِينَ هُمْ أَهْل الْبَصَائِر وَالْجَدّ فِي أَمْر اللَّه , وَذَوُو الْيَقِين بِإِنْجَازِ اللَّه إيَّاهُمْ وَعْده عَلَى جِهَاد أَعْدَائِهِ , وَأَعْدَاء رَسُوله مِنْ النَّصْر فِي الْعَاجِل , وَالْفَوْز بِجَنَّاتِهِ فِي الْآخِرَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِك قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4486 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَر , قَالَ : ثِنَا أَبُو عَاصِم عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { وَلَوْلَا دَفْع اللَّه النَّاس بَعْضهمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الْأَرْض } يَقُول : وَلَوْلَا دَفْع اللَّه بِالْبَارِّ عَنْ الْفَاجِر , وَدَفْعه بِبَقِيَّةِ أَخْلَاف النَّاس بَعْضهمْ عَنْ بَعْض لَفَسَدَتْ الْأَرْض بِهَلَاكِ أَهْلهَا . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثِنَا سبل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَلَوْلَا دَفْع اللَّه النَّاس بَعْضهمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الْأَرْض } يَقُول : وَلَوْلَا دِفَاع اللَّه بِالْبَرِّ عَنْ الْفَاجِر , وَبِبَقِيَّةِ أَخْلَاف النَّاس بَعْضهمْ عَنْ بَعْض لَهَلَكَ أَهْلهَا . 4487 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثِنَا أَبِي , عَنْ حَنْظَلَة , عَنْ أَبِي مُسْلِم , قَالَ : سَمِعْت عَلِيًّا يَقُول : لَوْلَا بَقِيَّة مَنْ الْمُسْلِمِينَ فِيكُمْ لَهَلَكْتُمْ . 4488 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثِنَا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { وَلَوْلَا دَفْع اللَّه النَّاس بَعْضهمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الْأَرْض } يَقُول : لَهَلَكَ مَنْ فِي الْأَرْض . 4489 - حَدَّثَنِي أَبُو حُمَيْد الْحِمْصِيّ أَحْمَد بْن الْمُغِيرَة , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ : ثِنَا حَفْص بْن سُلَيْمَان , عَنْ مُحَمَّد بْن سُوقَة , عَنْ وَبْرَة بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ ابْن عُمَر , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إنَّ اللَّه لَيَدْفَع بِالْمُؤْمِنِ الصَّالِح عَنْ مِائَة أَهْل بَيْت مَنْ جِيرَانه الْبَلَاء " ثُمَّ قَرَأَ ابْن عُمَر : { وَلَوْلَا دَفْع اللَّه النَّاس بَعْضهمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الْأَرْض } 4490 - حَدَّثَنِي أَحْمَد أَبُو حُمَيْد الْحِمْصِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ : ثِنَا عُثْمَان بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إنَّ اللَّه لَيُصْلِح بِصَلَاحِ الرَّجُل الْمُسْلِم وَلَده وَوَلَد وَلَده وَأَهْل دُوَيْرَتِهِ وَدُوَيْرَاتٍ حَوْله , وَلَا يَزَالُونَ فِي حِفْظ اللَّه مَا دَامَ فِيهِمْ " . وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى قَوْله الْعَالَمِينَ , وَذَكَرْنَا الرِّوَايَة فِيهِ . وَأَمَّا الْقُرَّاء فَإِنَّهَا اخْتَلَفَتْ فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَلَوْلَا دَفْع اللَّه النَّاس بَعْضهمْ بِبَعْضٍ } . فَقَرَأَتْهُ جَمَاعَة مَنْ الْقُرَّاء : { وَلَوْلَا دَفْع اللَّه } عَلَى وَجْه الْمَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : دَفَعَ اللَّه عَنْ خَلْقه , فَهُوَ يَدْفَع دَفْعًا . وَاحْتَجَّتْ لِاخْتِيَارِهَا ذَلِك بِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره , هُوَ الْمُتَفَرِّد بِالدَّفْعِ عَنْ خَلْقه , وَلَا أَحَد يُدَافِعهُ فَيُغَالِبهُ . وَقَرَأَتْ ذَلِك جَمَاعَة أُخْرَى مِنْ الْقُرَّاء : " وَلَوْلَا دِفَاع اللَّه النَّاس " عَلَى وَجْه الْمَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : دَافَعَ اللَّه عَنْ خَلْقه , فَهُوَ يُدَافِع مُدَافَعَة وَدِفَاعًا . وَاحْتَجَّتْ لِاخْتِيَارِهَا ذَلِك بِأَنَّ كَثِيرًا مَنْ خَلْقه يُعَادُونَ أَهْل دِين اللَّه , وَوِلَايَته وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ , فَهُوَ بِمُحَارَبَتِهِمْ إيَّاهُمْ وَمُعَادَاتهمْ لَهُمْ لِلَّهِ مُدَافِعُونَ بِبَاطِلِهِمْ , وَمُغَالِبُونَ بِجَهْلِهِمْ , وَاَللَّه مُدَافِعهمْ عَنْ أَوْلِيَائِهِ وَأَهْل طَاعَته وَالْإِيمَان بِهِ . وَالْقَوْل فِي ذَلِك عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ قَدْ قَرَأَتْ بِهِمَا الْقُرَّاء وَجَاءَتْ بِهِمَا جَمَاعَة الْأُمَّة , وَلَيْسَ فِي الْقِرَاءَة بِأَحَدِ الْحَرْفَيْنِ إحَالَة مَعْنَى الْآخِر . وَذَلِك أَنَّ مَنْ دَافَعَ غَيْره عَنْ شَيْء , فَمُدَافِعه عَنْهُ دَافِع , وَمَتَى امْتَنَعَ الْمَدْفُوع عَنْ الِانْدِفَاع , فَهُوَ لِمُدَافِعِهِ مُدَافِع ; وَلَا شَكَّ أَنَّ جَالُوت وَجُنُوده كَانُوا بِقِتَالِهِمْ طَالُوت وَجُنُوده , مُحَاوِلِينَ مُغَالَبَة حِزْب اللَّه وَجُنْده , وَكَانَ فِي مُحَاوَلَتهمْ ذَلِك مُحَاوَلَة مُغَالَبَة اللَّه وَدِفَاعه عَمَّا قَدْ تَضَمَّنَ لَهُمْ مَنْ النُّصْرَة , وَذَلِك هُوَ مَعْنَى مُدَافَعَة اللَّه عَنْ الَّذِينَ دَافَعَ اللَّه عَنْهُمْ بِمَنْ قَاتَلَ جَالُوت وَجُنُوده مِنْ أَوْلِيَائِهِ . فَتَبَيَّنَ إذًا أَنَّ سَوَاء قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { وَلَوْلَا دَفْع اللَّه النَّاس بَعْضهمْ بِبَعْضٍ } وَقِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : " وَلَوْلَا دِفَاع اللَّه النَّاس بَعْضهمْ بِبَعْضٍ " فِي التَّأْوِيل وَالْمَعْنَى .
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَكَانَ سَبَب قَتَلَهُ إيَّاهُ كَمَا : 4477 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا بَكَّار بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : سَمِعْت وَهْب بْن مُنَبِّه يُحَدِّث , قال : لَمَّا خرج , أو قال : لَمَّا بَرَزَ طَالُوت لِجَالُوت , قَالَ جَالُوت : أَبَرَزُوا لِي مَنْ يُقَاتِلنِي , فَإِنْ قَتَلَنِي , فَلَكُمْ مُلْكِي , وَإِنْ قَتَلْته فَلِي مُلْككُمْ ! فَأُتِيَ بِدَاوُدَ إلَى طَالُوت , فَقَاضَاهُ إنْ قَتَلَهُ أَنْ يُنْكِحهُ ابْنَته وَأَنْ يُحَكِّمهُ فِي مَاله . فَأَلْبَسَهُ طَالُوت سِلَاحًا , فَكَرِهَ دَاوُد أَنَّ يُقَاتِلهُ , وَقَالَ : إنَّ اللَّه لَمْ يَنْصُرنِي عَلَيْهِ لَمْ يُغْنِ السِّلَاح . فَخَرَجَ إلَيْهِ بِالْمِقْلَاعِ وَبِمِخْلَاةٍ فِيهَا أَحْجَار , ثُمَّ بَرَزَ لَهُ , قَالَ لَهُ جَالُوت : أَنْت تُقَاتِلنِي ؟ قَالَ دَاوُد : نَعَمْ . قَالَ : وَيْلك أَمَا تَخْرَج إلَيَّ إلَّا كَمَا يُخْرَج إلَى الْكَلْب بِالْمِقْلَاعِ وَالْحِجَارَة ؟ لَأُبَدِّدَنَّ لَحْمك , وَلَأُطْعِمَنَّه الْيَوْم الطَّيْر وَالسِّبَاع ! فَقَالَ لَهُ دَاوُد : بَلْ أَنْت عَدُوّ اللَّه شَرّ مِنْ الْكَلْب . فَأَخَذَ دَاوُد حَجَرًا وَرَمَاهُ بِالْمِقْلَاعِ , فَأَصَابَتْ بَيْن عَيْنَيْهِ حَتَّى نَفَذَتْ فِي دِمَاغه , فَصُرِعَ جَالُوت , وَانْهَزَمَ مَنْ مَعَهُ , وَاحْتَزَّ دَاوُد رَأْسه . فَلَمَّا رَجَعُوا إلَى طَالُوت ادَّعَى النَّاس قَتْل جَالُوت , فَمِنْهُمْ مَنْ يَأْتِي بِالسَّيْفِ وَبِالشَّيْءِ مَنْ سِلَاحه أَوْ جَسَده , وَخَبَّأَ دَاوُد رَأْسه , فَقَالَ طَالُوت : مَنْ جَاءَ بِرَأْسِهِ فَهُوَ الَّذِي قَتَلَهُ . فَجَاءَ بِهِ دَاوُد . ثُمَّ قَالَ لِطَالُوت : أَعْطِنِي مَا وَعَدْتنِي ! فَنَدِمَ طَالُوت عَلَى مَا كَانَ شَرَطَ لَهُ , وَقَالَ : إنَّ بَنَات الْمُلُوك لَا بُدّ لَهُنَّ مِنْ صَدَاق , وَأَنْت رَجُل جَرِيء شُجَاع , فَاحْتَمِلْ صَدَاقهَا ثَلَثمِائَةِ غُلْفَة مِنْ أَعْدَائِنَا ! وَكَانَ يَرْجُو بِذَلِك أَنْ يَقْتُل دَاوُد . فَغَزَا دَاوُد وَأَسَرَ مِنْهُمْ ثَلَثمِائَةِ , وَقَطَعَ غُلْفهمْ وَجَاءَ بِهَا , فَلَمْ يَجِد طَالُوت بُدًّا مَنْ أَنْ يُزَوِّجهُ . ثُمَّ أَدْرَكَتْهُ النَّدَامَة , فَأَرَادَ قَتْل دَاوُد حَتَّى هَرَبَ مِنْهُ إلَى الْجَبَل , فَنَهَضَ إلَيْهِ طَالُوت فَحَاصَرَهُ . فَلَمَّا كَانَ ذَات لَيْلَة سُلِّطَ النَّوْم عَلَى طَالُوت وَحَرَسه , فَهَبَطَ إلَيْهِمْ دَاوُد , فَأَخَذَ إبْرِيق طَالُوت الَّذِي كَانَ يَشْرَب مِنْهُ وَيَتَوَضَّأ , وَقَطَعَ شَعَرَات مَنْ لِحْيَته وَشَيْئًا مَنْ هُدْب ثِيَابه , ثُمَّ رَجَعَ دَاوُد إلَى مَكَانه , فناده أَنَّ حَرَسك , فَإِنِّي لَوْ شِئْت أَقْتُلك الْبَارِحَة فَعَلْت , فَإِنَّهُ هَذَا إبْرِيقك وَشَيْء مَنْ شَعْر لِحْيَتك وَهُدْب ثِيَابك , وَبَعَثَ إلَيْهِ . فَعَلِمَ طَالُوت أَنَّهُ لَوْ شَاءَ قَتَلَهُ , فَعَطَّفَهُ ذَلِك عَلَيْهِ فَأَمَّنَهُ , وَعَاهَدَهُ بِاَللَّهِ لَا يَرَى مِنْهُ بَأْسًا . ثُمَّ انْصَرَفَ . ثُمَّ كَانَ فِي آخِر أَمْر طَالُوت أَنَّهُ كَانَ يَدُسّ لِقَتْلِهِ , وَكَانَ طَالُوت لَا يُقَاتِل عَدُوًّا إلَّا هُزِمَ , حَتَّى مَاتَ . قَالَ بَكَّار : وَسُئِلَ وَهْب وَأَنَا أَسَمِعَ : أَنَبِيًّا كَانَ طَالُوت يُوحَى إلَيْهِ ؟ فَقَالَ : لَمْ يَأْتِهِ وَحْي , وَلَكِنْ كَانَ مَعَهُ نَبِيّ يُقَال لَهُ أشمويل , يُوحَى إلَيْهِ , وَهُوَ الَّذِي مَلَكَ طَالُوت . 4478 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , قَالَ : كَانَ دَاوُد النَّبِيّ وَإِخْوَة لَهُ أَرْبَعَة , مَعَهُمْ أَبُوهُمْ شَيْخ كَبِير , فَتَخَلَّفَ أَبُوهُمْ وَتَخَلَّفَ مَعَهُ دَاوُد مِنْ بَيْن إخْوَته فِي غَنَم أَبِيهِ يَرْعَاهَا لَهُ , وَكَانَ مِنْ أَصْغَرهمْ وَخَرَجَ إخْوَته الْأَرْبَعَة مَعَ طَالُوت , فَدَعَاهُ أَبُوهُ وَقَدْ تَقَارَبَ النَّاس وَدَنَا بَعْضهمْ مِنْ بَعْض . قَالَ ابْن إسْحَاق : وَكَانَ دَاوُد فِيمَا ذَكَرَ لِي بَعْض أَهْل الْعِلْم عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه رَجُلًا قَصِيرًا أَزْرَق قَلِيل شَعْر الرَّأْس , وَكَانَ طَاهِر الْقَلْب نَقِيّه , فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ : يَا بُنَيّ إنَّا قَدْ صَنَعْنَا لِإِخْوَتِك زَادًا يَتَقَوَّوْنَ بِهِ عَلَى عَدُوّهُمْ , فَاخْرُجْ بِهِ إلَيْهِمْ , فَإِذَا دَفَعْته إلَيْهِمْ فَأَقْبِلْ إلَيَّ سَرِيعًا ! فَقَالَ : أَفْعَل . فَخَرَجَ وَأَخَذَ مَعَهُ مَا حَمَلَ لِإِخْوَتِهِ , وَمَعَهُ مِخْلَاته الَّتِي يَحْمِل فِيهَا الْحِجَارَة وَمِقْلَاعه الَّذِي كَانَ يَرْمِي بِهِ عَنْ غَنَمه . حَتَّى إذَا فَصَلَ مَنْ عِنْد أَبِيهِ , فَمَرَّ بِحَجَرٍ , فَقَالَ : يَا دَاوُد خُذْنِي فَاجْعَلْنِي فِي مِخْلَاتك تَقْتُل بِي جَالُوت , فَإِنِّي حَجَر يَعْقُوب ! فَأَخَذَهُ فَجَعَلَهُ فِي مِخْلَاته , وَمَشَى . فَبَيْنَا هُوَ يَمْشِي إذْ مَرَّ بِحَجَرٍ آخَر , فَقَالَ : يَا دَاوُد خُذْنِي فَاجْعَلْنِي فِي مِخْلَاتك تَقْتُل بِي جَالُوت , فَإِنِّي حَجَر إسْحَاق ! فَأَخَذَهُ فَجَعَلَهُ فِي مِخْلَاته , ثُمَّ مَضَى . فَبَيْنَا هُوَ يَمْشِي إذْ مَرَّ بِحَجَرٍ , فَقَالَ : يَا دَاوُد خُذْنِي فَاجْعَلْنِي فِي مِخْلَاتك تَقْتُل بِي جَالُوت , فَإِنِّي حَجَر إبْرَاهِيم ! فَأَخَذَهُ فَجَعَلَهُ فِي مِخْلَاته . ثُمَّ مَضَى بِمَا مَعَهُ حَتَّى انْتَهَى إلَى الْقَوْم , فَأَعْطَى إخْوَته مَا بُعِثَ إلَيْهِمْ مَعَهُ . وَسَمِعَ فِي الْعَسْكَر خَوْض النَّاس بِذِكْرِ جَالُوت , وَعِظَم شَأْنه فِيهِمْ , وَبِهَيْبَةِ النَّاس إيَّاهُ , وَمِمَّا يُعَظِّمُونَ مِنْ أَمْره , فَقَالَ لَهُمْ : وَاَللَّه إنَّكُمْ لَتُعَظِّمُونَ مِنْ أَمْر هَذَا الْعَدُوّ شَيْئًا مَا أَدْرِي مَا هُوَ , وَاَللَّه إنِّي لَوْ أَرَاهُ لَقَتَلْته , فَأَدْخِلُونِي عَلَى الْمَلِك ! فَأُدْخِلَ عَلَى الْمَلِك طَالُوت , فَقَالَ : أَيّهَا الْمَلِك إنِّي أَرَاكُمْ تُعَظِّمُونَ شَأْن هَذَا الْعَدُوّ , وَاَللَّه إنِّي لَوْ أَرَاهُ لَقَتَلْته ! فَقَالَ : يَا بُنَيّ مَا عِنْدك مَنْ الْقُوَّة عَلَى ذَلِك ؟ وَمَا جَرَّبْت مِنْ نَفْسك ؟ قَالَ : قَدْ كَانَ الْأَسَد يَعْدُو عَلَى الشَّاة مِنْ غَنَمِي , فَأُدْرِكهُ فَآخُذ بِرَأْسِهِ , فَأَفُكّ لَحْيَيْهِ عَنْهَا , فَآخُذهَا مِنْ فِيهِ , فَادْعُ لِي بِدِرْعٍ حَتَّى أُلْقِيهَا عَلَيَّ ! فَأُتِيَ بِدِرْعٍ , فَقَذَفَهَا فِي عُنُقه وَمَثَلَ فِيهَا فَمَلَأَ عَيْن طَالُوت وَنَفْسه وَمَنْ حَضَرَ مَنْ بَنِي إسْرَائِيل , فَقَالَ طَالُوت : وَاَللَّه لَعَسَى اللَّه أَنْ يُهْلِكهُ بِهِ ! فَلَمَّا أَصْبَحُوا رَجَعُوا إلَى جَالُوت , فَلَمَّا الْتَقَى النَّاس قَالَ دَاوُد : أَرُونِي جَالُوت ! فَأَرَوْهُ إيَّاهُ عَلَى فَرَس عَلَيْهِ لَامَتُهُ ; فَلَمَّا رَآهُ جَعَلَتْ الْأَحْجَار الثَّلَاثَة تَوَاثَبَ مَنْ مِخْلَاته , فَيَقُول هَذَا : خُذْنِي ! وَيَقُول هَذَا : خُذْنِي ! وَيَقُول هَذَا : خُذْنِي ! فَأَخَذَ أَحَدهَا فَجَعَلَهُ فِي مِقْذَافه , ثُمَّ قَتَلَهُ بِهِ , ثُمَّ أَرْسَلَهُ فَصَكَّ بَيْن عَيْنَيْ جَالُوت فَدَمَغَهُ , وَتَنَكَّسَ عَنْ دَابَّته فَقَتَلَهُ . ثُمَّ انْهَزَمَ جُنْده , وَقَالَ النَّاس : قَتَلَ دَاوُد جَالُوت , وَخَلَعَ طَالُوت . وَأَقْبَلَ النَّاس عَلَى دَاوُد مَكَانه , حَتَّى لَمْ يُسْمَع لِطَالُوت بِذِكْرٍ ; إلَّا أَنَّ أَهْل الْكِتَاب يَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَمَّا رَأَى انْصِرَاف بَنِي إسْرَائِيل عَنْهُ إلَى دَاوُد , هَمَّ بِأَنْ يَغْتَال دَاوُد وَأَرَادَ قَتْله فَصَرَفَ اللَّه ذَلِك عَنْهُ وَعَنْ دَاوُد وَعَرَفَ خَطِيئَته , وَالْتَمَسَ التَّوْبَة مِنْهَا إلَى اللَّه . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه فِي أَمْر طَالُوت وَدَاوُد قَوْل خِلَاف الرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرْنَا قَبْل , وَهُوَ مَا : 4479 - حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثِنَا إسْمَاعِيل بْن عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : ثني عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل أَنَّهُ سَمِعَ وَهْب بْن مُنَبِّه , قَالَ : لَمَّا سَلَّمَتْ بَنُو إسْرَائِيل الْمُلْك لِطَالُوت أَوْحَى إلَى نَبِيّ بَنِي إسْرَائِيل أَنْ قُلْ لِطَالُوت : فَلْيَغْزُ أَهْل مَدْيَن , فَلَا يَتْرُك فِيهَا حَيًّا إلَّا قَتَلَهُ , فَإِنِّي سَأُظْهِرُهُ عَلَيْهِمْ ! فَخَرَجَ بِالنَّاسِ حَتَّى أَتَى مَدْيَن , فَقَتَلَ مَنْ كَانَ فِيهَا إلَّا مَلِكهمْ , فَإِنَّهُ أَسَرَهُ , وَسَاقَ مَوَاشِيهمْ . فَأَوْحَى اللَّه إلَى أشمويل : أَلَّا تَعْجَب مَنْ طَالُوت إذْ أَمَرْته فَاخْتَانَ فِيهِ , فَجَاءَ بِمَلِكِهِمْ أَسِيرًا , وَسَاقَ مَوَاشِيهمْ , فَالْقَهُ فَقُلْ لَهُ : لَأَنْزِعَنَّ الْمُلْك مَنْ بَيْته , ثُمَّ لَا يَعُود فِيهِ إلَى يَوْم الْقِيَامَة , فَإِنِّي إنَّمَا أُكْرِم مَنْ أَطَاعَنِي , وَأُهِين مَنْ هَانَ عَلَيْهِ أَمْرِي ! فَلَقِيَهُ , فَقَالَ مَا صَنَعْت ؟ لِمَ جِئْت بِمَلِكِهِمْ أَسِيرًا , وَلِمَ سُقْت مَوَاشِيهمْ ؟ قَالَ : إنَّمَا سُقْت الْمَوَاشِيَ لِأُقَرِّبهَا . قَالَ لَهُ أشمويل : إنَّ اللَّه قَدْ نَزَعَ مِنْ بَيْتك الْمُلْك , ثُمَّ لَا يَعُود فِيهِ إلَى يَوْم الْقِيَامَة . فَأَوْحَى اللَّه إلَى أشمويل أَنْ انْطَلِقْ إلَى إيشا , فَيَعْرِض عَلَيْك بَنِيهِ , فَادَّهِنْ الَّذِي آمُرك بِدُهْنِ الْقُدْس يَكُنْ مَلِكًا عَلَى بَنِي إسْرَائِيل ! فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى إيشا , فَقَالَ : اعْرِضْ عَلَيَّ بَنِيك ! فَدَعَا إيشا أَكْبَر وَلَده , فَأَقْبَلَ رَجُل جَسِيم حَسَن الْمَنْظَر , فَلَمَّا نَظَرَ إلَيْهِ أشمويل أَعْجَبَهُ , فَقَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ إنَّ اللَّه لَبَصِير بِالْعِبَادِ ! فَأَوْحَى اللَّه إلَيْهِ : إنَّ عَيْنَيْك تُبْصِرَانِ مَا ظَهَرَ , وَإِنِّي أَطَّلِع عَلَى مَا فِي الْقُلُوب لَيْسَ بِهَذَا , اعْرِضْ عَلَيَّ غَيْره , فَعَرَضَ عَلَيْهِ سِتَّة فِي كُلّ ذَلِك يَقُول : لَيْسَ بِهَذَا , فَقَالَ : هَلْ لَك مَنْ وَلَد غَيْرهمْ ؟ فَقَالَ : بُنَيّ لِي غُلَام وَهُوَ رَاعٍ فِي الْغَنَم . فَقَالَ : أَرْسِلْ إلَيْهِ ! فَلَمَّا أَنْ جَاءَ دَاوُد جَاءَ غُلَام أَمْعَر , فَدَهَنَهُ بِدُهْنِ الْقُدْسِ , وَقَالَ لِأَبِيهِ : اُكْتُمْ هَذَا , فَإِنَّ طَالُوت لَوْ يَطَّلِع عَلَيْهِ قَتَلَهُ ; فَسَارَ جَالُوت فِي قَوْمه إلَى بَنِي إسْرَائِيل , فَعَسْكَرَ وَسَارَ طَالُوت بِبَنِي إسْرَائِيل وَعَسْكَرَ , وَتَهَيَّئُوا لِلْقِتَالِ , فَأَرْسَلَ جَالُوت إلَى طَالُوت : لِمَ تَقْتُل قَوْمِي وَأَقْتُل قَوْمك ؟ اُبْرُزْ لِي أَوْ أَبْرِزْ لِي مَنْ شِئْت , فَإِنْ قَتَلْتُك كَانَ الْمُلْك لِي , وَإِنْ قَتَلْتنِي كَانَ الْمُلْك لَك ! فَأَرْسَلَ طَالُوت فِي عَسْكَره صَائِحًا مَنْ يَبْرُز لِجَالُوت , فَإِنَّ قَتَلَهُ , فَإِنَّ الْمَلِك يُنْكِحهُ ابْنَته , وَيُشْرِكهُ فِي مُلْكه . فَأَرْسَلَ إيشا دَاوُد إلَى إخْوَته وَكَانُوا فِي الْعَسْكَر , فَقَالَ : اذْهَبْ فَرُدَّ إخْوَتك , وَأَخْبِرْنِي خَبَر النَّاس مَاذَا صَنَعُوا . فَجَاءَ إلَى إخْوَته , وَسَمِعَ صَوْتًا : إنَّ الْمَلِك يَقُول : مَنْ يَبْرُز لِجَالُوت فَإِنَّ قَتَلَهُ أَنْكَحَهُ الْمَلِك ابْنَته . فَقَالَ دَاوُد لِإِخْوَتِهِ : مَا مِنْكُمْ رَجُل يَبْرُز لِجَالُوت فَيَقْتُلهُ , وَيَنْكِح ابْنَة الْمَلِك ؟ فَقَالُوا : إنَّك غُلَام أَحْمَق , وَمَنْ يُطِيق جَالُوت وَهُوَ مِنْ بَقِيَّة الْجَبَّارِينَ ؟ فَلَمَّا لَمْ يَرَهُمْ رَغِبُوا فِي ذَلِك , قَالَ : فَأَنَا أَذْهَب فَأَقْتُلهُ ! فَانْتَهَرُوهُ وَغَضِبُوا عَلَيْهِ . فَلَمَّا غَفَلُوا عَنْهُ , ذَهَبَ حَتَّى جَاءَ الصَّائِح , فَقَالَ : أَنَا أَبْرُز لِجَالُوت . فَذَهَبَ بِهِ إلَى الْمَلِك , فَقَالَ لَهُ : لَمْ يُجِبْنِي أَحَد إلَّا غُلَام مَنْ بَنِي إسْرَائِيل هُوَ هَذَا ؟ قَالَ : يَا بُنَيّ أَنْت تَبْرُز لِجَالُوت فَتُقَاتِلهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : وَهَلْ آنَسْت مِنْ نَفْسك شَيْئًا ؟ قَالَ : نَعَمْ , كُنْت رَاعِيًا فِي الْغَنَم , فَأَغَارَ عَلَيَّ الْأَسَد , فَأَخَذْت بِلَحْيَيْهِ فَفَكَكْتهمَا . فَدَعَا لَهُ بِقَوْسٍ وَأَدَاة كَامِلَة , فَلَبِسَهَا وَرَكِبَ الْفَرَس , ثُمَّ سَارَ مِنْهُمْ قَرِيبًا . ثُمَّ صَرَفَ فَرَسه , فَرَجَعَ إلَى الْمَلِك , فَقَالَ الْمَلِك وَمَنْ حَوْله : جَبُنَ الْغُلَام ! فَجَاءَ فَوَقَفَ عَلَى الْمَلِك , فَقَالَ : مَا شَأْنك ؟ قَالَ دَاوُد : إنْ لَمْ يَقْتُلهُ اللَّه لِي لَمْ يَقْتُلهُ هَذَا الْفَرَس وَهَذَا السِّلَاح , فَدَعْنِي فَأُقَاتِل كَمَا أُرِيد . فَقَالَ : نَعَمْ يَا بُنَيّ . فَأَخَذَ دَاوُد مِخْلَاته , فَتَقَلَّدَهَا وَأَلْقَى فِيهَا أَحْجَارًا , وَأَخَذَ مِقْلَاعه الَّذِي كَانَ يَرْعَى بِهِ . ثُمَّ مَضَى نَحْو جَالُوت ; فَلَمَّا دَنَا مَنْ عَسْكَره , قَالَ : أَيْنَ جَالُوت يَبْرُز لِي ؟ فَبَرَزَ لَهُ عَلَى فَرَس عَلَيْهِ السِّلَاح كُلّه , فَلَمَّا رَآهُ جَالُوت قَالَ : إلَيْك أَبْرُز ؟ قَالَ نَعَمْ . قَالَ : فَأَتَيْتنِي بِالْمِقْلَاعِ وَالْحَجَر كَمَا يُؤْتَى إلَى الْكَلْب ؟ قَالَ : هُوَ ذَاكَ . قَالَ : لَا جَرَم إنِّي سَوْف أُقَسِّم لَحْمك بَيْن طَيْر السَّمَاء وَسِبَاع الْأَرْض . قَالَ دَاوُد : أَوْ يُقَسِّم اللَّه لَحْمك . فَوَضَعَ دَاوُد حَجَرًا فِي مِقْلَاعه , ثُمَّ دُوره فَأَرْسَلَهُ نَحْو جَالُوت , فَأَصَابَ أَنْف الْبَيْضَة الَّتِي عَلَى جَالُوت حَتَّى خَالَطَ دِمَاغه , فَوَقَعَ مَنْ فَرَسه , فَمَضَى دَاوُد إلَيْهِ , فَقُطْع رَأَسَهُ بِسَيْفِهِ , فَأَقْبَلَ بِهِ فِي مِخْلَاته , وَبِسَلَبِهِ يَجُرّهُ , حَتَّى أَلْقَاهُ بَيْن يَدَيْ طَالُوت , فَفَرِحُوا فَرَحًا شَدِيدًا , وَانْصَرَفَ طَالُوت . فَلَمَّا كَانَ دَاخِل الْمَدِينَة , سَمِعَ النَّاس يَذْكُرُونَ دَاوُد , فَوَجَدَ فِي نَفْسه , فَجَاءَهُ دَاوُد , فَقَالَ : أَعْطِنِي امْرَأَتِي ! فَقَالَ : أَتُرِيدُ ابْنَة الْمَلِك بِغَيْرِ صَدَاق ؟ فَقَالَ دَاوُد : مَا اشْتَرَطْت عَلَيَّ صَدَاقًا , وَمَا لِي مِنْ شَيْءٍ . قَالَ : لَا أُكَلِّفك إلَّا مَا تُطِيق , أَنْت رَجُل جَرِيء , وَفِي جِبَالنَا هَذِهِ جراجمة يَحْتَرِبُون النَّاس وَهُمْ غُلْف , فَإِذَا قَتَلْت مِنْهُمْ مِائَتَيْ رَجُل , فَأْتِنِي بِغُلْفِهِمْ . فَجَعَلَ كُلَّمَا قَتَلَ مِنْهُمْ رَجُلًا نَظَمَ غُلْفَته فِي خَيْط , حَتَّى نَظَمَ مِائَتَيْ غُلْفَة , ثُمَّ جَاءَ بِهِمْ إلَى طَالُوت , فَأَلْقَى إلَيْهِ , فَقَالَ : ادْفَعْ لِي امْرَأَتِي قَدْ جِئْت بِمَا اشْتَرَطْت ! فَزَوَّجَهُ ابْنَته . وَأَكْثَرَ النَّاس ذِكْر دَاوُد , وَزَادَهُ عِنْد النَّاس عَجَبًا , فَقَالَ طَالُوت لَابْنه : لَتَقْتُلَنّ دَاوُد ! قَالَ : سُبْحَان اللَّه لَيْسَ بِأَهْلِ ذَلِك مِنْك ! قَالَ : إنَّك غُلَام أَحْمَق , مَا أَرَاهُ إلَّا سَوْف يُخْرِجك وَأَهْل بَيْتك مَنْ الْمُلْك . فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِك مِنْ أَبِيهِ , انْطَلَقَ إلَى أُخْته , فَقَالَ لَهَا : إنِّي قَدْ خِفْت أَبَاك أَنْ يَقْتُل زَوْجك دَاوُد , فَمُرِيهِ أَنْ يَأْخُذ حَذَره , وَيَتَغَيَّب مِنْهُ . فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَته ذَلِك فَتَغَيَّبَ . فَلَمَّا أَصْبَحَ أَرْسَلَ طَالُوت مَنْ يَدْعُو لَهُ دَاوُد , وَقَدْ صَنَعَتْ امْرَأَته عَلَى فِرَاشه كَهَيْئَةِ النَّائِم وَلَحَفَتْهُ . فَلَمَّا جَاءَ رَسُول طَالُوت قَالَ : أَيْنَ دَاوُد ؟ لِيُجِبْ الْمَلِك ! فَقَالَتْ لَهُ : بَاتَ شَاكِيًا وَنَامَ الْآن تَرَوْنَهُ عَلَى الْفِرَاش . فَرَجَعُوا إلَى طَالُوت فَأَخْبَرُوهُ ذَلِك , فَمَكَثَ سَاعَة ثُمَّ أَرْسَلَ إلَيْهِ , فَقَالَتْ : هُوَ نَائِم لَمْ يَسْتَيْقِظ بَعْد . فَرَجَعُوا إلَى الْمَلِك فَقَالَ : ائْتُونِي بِهِ وَإِنْ كَانَ نَائِمًا ! فَجَاءُوا إلَى الْفِرَاش , فَلَمْ يَجِدُوا عَلَيْهِ أَحَدًا . فَجَاءُوا الْمَلِك فَأَخْبَرُوهُ , فَأَرْسَلَ إلَى ابْنَته فَقَالَ : مَا حَمَلَك عَلَى أَنْ تُكَذِّبِينِي ؟ قَالَتْ : هُوَ أَمَرَنِي بِذَلِك , وَخِفْت إنْ لَمْ أَفْعَل أَمْره أَنْ يَقْتُلنِي . وَكَانَ دَاوُد فَارًّا فِي الْجَبَل حَتَّى قَتَلَ طَالُوت , وَمَلَكَ دَاوُد بَعْده . 4480 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : كَانَ طَالُوت أَمِيرًا عَلَى الْجَيْش , فَبَعَثَ أَبُو دَاوُد مَعَ دَاوُد بِشَيْءٍ إلَى إخْوَته , فَقَالَ دَاوُد لِطَالُوت : مَاذَا لِي فَأَقْتُل جَالُوت ؟ قَالَ : لَك ثُلُث مَالِي , وَأُنْكِحك ابْنَتِي . فَأَخَذَ مِخْلَاته , فَجَعَلَ فِيهَا ثَلَاث مَرْوَات , ثُمَّ سَمَّى حِجَارَته تِلْكَ إبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب , ثُمَّ أَدْخَلَ يَده فَقَالَ : بِاسْمِ إلَهِي وَإِلَه آبَائِي إبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب ! فَخَرَجَ عَلَى إبْرَاهِيم , فَجَعَلَهُ فِي مِرْجَمَته , فَخَرَقَتْ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ بَيْضَة عَنْ رَأْسه , وَقَتَلَتْ ثَلَاثِينَ أَلْفًا مَنْ وَرَائِهِ . 4481 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثِنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : عَبَرَ يَوْمئِذٍ النَّهَر مَعَ طَالُوت أَبُو دَاوُد فِيمَنْ عَبَرَ مَعَ ثَلَاثَة عَشَرَ ابْنًا لَهُ , وَكَانَ دَاوُد أَصْغَر بَنِيهِ . فَأَتَاهُ ذَات يَوْم فَقَالَ : يَا أَبَتَاهُ مَا أَرْمِي بِقَذَّافَتِي شَيْئًا إلَّا صَرَعْته . فَقَالَ : أَبْشِرْ يَا بُنَيّ , فَإِنَّ اللَّه قَدْ جَعَلَ رِزْقك فِي قَذَّافَتك ! ثُمَّ أَتَاهُ مَرَّة أُخْرَى قَالَ : يَا أَبَتَاهُ لَقَدْ دَخَلْت بَيْن الْجِبَال , فَوَجَدْت أَسَدًا رَابِضًا , فَرَكِبْت عَلَيْهِ , فَأَخَذْت بِأُذُنِيهِ , فَلَمْ يُهِجْنِي . قَالَ : أَبْشِرْ يَا بُنَيّ , فَإِنَّ هَذَا خَيْر يُعْطِيكَهُ اللَّه ! ثُمَّ أَتَاهُ يَوْمًا آخَر فَقَالَ : يَا أَبَتَاهُ إنِّي لَأَمْشِي بَيْن الْجِبَال , فَأُسَبِّح , فَمَا يَبْقَى جَبَل إلَّا سَبَّحَ مَعِي . فَقَالَ : أَبْشِرْ يَا بُنَيّ , فَإِنَّ هَذَا خَيْر أَعْطَاكَهُ اللَّه ! . وَكَانَ دَاوُد رَاعِيًا , وَكَانَ أَبُوهُ خَلْفه يَأْتِي إلَيْهِ وَإِلَى إخْوَته بِالطَّعَامِ . فَأَتَى النَّبِيّ بِقَرْنٍ فِيهِ دُهْن وَبِثَوْبٍ مَنْ حَدِيد , فَبَعَثَ بِهِ إلَى طَالُوت , فَقَالَ : إنَّ صَاحِبكُمْ الَّذِي يَقْتُل جَالُوت يُوضَع هَذَا الْقَرْن عَلَى رَأْسه فَيَغْلِي حَتَّى يَدْهُن مِنْهُ وَلَا يَسِيل عَلَى وَجْهه , يَكُون عَلَى رَأْسه كَهَيْئَةِ الْإِكْلِيل , وَيَدْخُل فِي هَذَا الثَّوْب فَيَمْلَؤُهُ . فَدَعَا طَالُوت بَنِي إسْرَائِيل فَجَرَّبَهُمْ , فَلَمْ يُوَافِقهُ مِنْهُمْ أَحَد . فَلَمَّا فَرَغُوا , قَالَ طَالُوت لِأَبِي دَاوُد : هَلْ بَقِيَ لَك مِنْ وَلَد لَمْ يَشْهَدنَا ؟ قَالَ : نَعَمْ , بَقِيَ ابْنِي دَاوُد , وَهُوَ يَأْتِينَا بِطَعَامِنَا . فَلَمَّا أَتَاهُ دَاوُد مَرَّ فِي الطَّرِيق بِثَلَاثَةِ أَحْجَار , فَكَلَّمْنَهُ , وَقُلْنَ لَهُ : خُذْنَا يَا دَاوُد تَقْتُل بِنَا جَالُوت ! قَالَ : فَأَخَذَهُنَّ فَجَعَلَهُنَّ فِي مِخْلَاته . وَكَانَ طَالُوت قَالَ : مَنْ قَتَلَ جَالُوت زَوَّجْته ابْنَتِي , وَأَجْرَيْت خَاتَمه فِي مُلْكِي . فَلَمَّا جَاءَ دَاوُد وَضَعُوا الْقَرْن عَلَى رَأْسه , فَغَلَى حَتَّى ادَّهَنَ مِنْهُ , وَلَبِسَ الثَّوْب فَمَلَأَهُ , وَكَانَ رَجُلًا مِسْقَامًا مُصْفَارًّا , وَلَمْ يَلْبَسهُ أَحَد إلَّا تَقَلْقَلَ فِيهِ . فَلَمَّا لَبِسَهُ دَاوُد تَضَايَقَ الثَّوْب عَلَيْهِ حَتَّى تَنَقَّضَ . ثُمَّ مَشَى إلَى جَالُوت , وَكَانَ جَالُوت مِنْ أَجْسَم النَّاس وَأَشَدّهمْ ; فَلَمَّا نَظَرَ إلَى دَاوُد قُذِفَ فِي قَلْبه الرُّعْب مِنْهُ , فَقَالَ لَهُ : يَا فَتَى ارْجِعْ فَإِنِّي أَرْحَمك أَنْ أَقْتُلك ! قَالَ دَاوُد : لَا , بَلْ أَنَا أَقْتُلك . فَأَخْرِجْ الْحِجَارَة فَجَعَلَهَا فِي الْقَذَّافَة , كُلَّمَا رَفَعَ حَجَرًا سَمَّاهُ , فَقَالَ : هَذَا بِاسْمِ أَبِي إبْرَاهِيم , وَالثَّانِي بِاسْمِ أَبِي إسْحَاق , وَالثَّالِث بِاسْمِ أَبِي إسْرَائِيل . ثُمَّ أَدَارَ الْقَذَّافَة فَعَادَتْ الْأَحْجَار حَجَرًا وَاحِدًا , ثُمَّ أَرْسَلَهُ فَصَكَّ بِهِ بَيْن عَيْنَيْ جَالُوت , فَنَقَبَ رَأْسه فَقَتَلَهُ . ثُمَّ لَمْ تَزَلْ تَقْتُل كُلّ إنْسَان تُصِيبهُ تَنْفُذ مِنْهُ , حَتَّى لَمْ يَكُنْ بِحِيَالِهَا أَحَد . فَهَزَمُوهُمْ عِنْد ذَلِك , وَقَتَلَ دَاوُد جَالُوت . وَرَجَعَ طَالُوت , فَأَنْكَحَ دَاوُد ابْنَته , وَأَجْرَى خَاتَمه فِي مُلْكه ; فَمَالَ النَّاس إلَى دَاوُد فَأَحَبُّوهُ . فَلَمَّا رَأَى ذَلِك طَالُوت وَجَدَ فِي نَفْسه وَحَسَدَهُ , فَأَرَادَ قَتْله . فَعَلِمَ بِهِ دَاوُد أَنَّهُ يُرِيد بِهِ ذَلِك , فَسَجَّى لَهُ زِقّ خَمْر فِي مَضْجَعه , فَدَخَلَ طَالُوت إلَى مَنَام دَاوُد , وَقَدْ هَرَبَ دَاوُد فَضَرَبَ الزِّقّ ضَرْبَة فَخَرَقَهُ , فَسَالَتْ الْخَمْر مِنْهُ , فَوَقَعَتْ قَطْرَة مَنْ خَمْر فِي فِيهِ , فَقَالَ : يَرْحَم اللَّه دَاوُد مَا كَانَ أَكْثَر شُرْبه لِلْخَمْرِ ! ثُمَّ إنَّ دَاوُد أَتَاهُ مِنْ الْقَابِلَة فِي بَيْته وَهُوَ نَائِم , فَوَضَعَ سَهْمَيْنِ عِنْد رَأْسه وَعِنْد رِجْلَيْهِ وَعَنْ يَمِينه وَعَنْ شِمَاله سَهْمَيْنِ ; فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ طَالُوت بَصُرَ بِالسِّهَامِ فَعَرَفَهَا , فَقَالَ : يَرْحَم اللَّه دَاوُد هُوَ خَيْر مِنِّي , ظَفَرَتْ بِهِ فَقَتَلَتْهُ , وَظَفَرَ بِي فَكَفَّ عَنِّي . ثُمَّ إنَّهُ رَكِبَ يَوْمًا فَوَجَدَهُ يَمْشِي فِي الْبَرِيَّة وَطَالُوت عَلَى فَرَس , فَقَالَ طَالُوت : الْيَوْم أَقْتُل دَاوُد ! وَكَانَ دَاوُد إذَا فَزِعَ لَا يُدْرَك , فَرَكَضَ عَلَى أَثَره طَالُوت , فَفَزَعَ دَاوُد , فَاشْتَدَّ فَدَخَلَ غَارًا , وَأَوْحَى اللَّه إلَى الْعَنْكَبُوت فَضَرَبَتْ عَلَيْهِ بَيْتًا ; فَلَمَّا انْتَهَى طَالُوت إلَى الْغَار نَظَرَ إلَى بِنَاء الْعَنْكَبُوت , فَقَالَ : لَوْ كَانَ دَخَلَ هَا هُنَا لَخَرَقَ بَيْت الْعَنْكَبُوت , فَخُيِّلَ إلَيْهِ فَتَرَكَهُ . 4482 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ دَاوُد حِين أَتَاهُمْ كَانَ قَدْ جَعَلَ مَعَهُ مِخْلَاة فِيهَا ثَلَاثَة أَحْجَار . وَإِنَّ جَالُوت بَرَزَ لَهُمْ , فَنَادَى : أَلَا رَجُل لِرَجُلٍ ! فَقَالَ طَالُوت : مَنْ يَبْرُز لَهُ , وَإِلَّا بَرَزْت لَهُ . فَقَامَ دَاوُد فَقَالَ : أَنَا فَقَامَ لَهُ طَالُوت فَشَدَّ عَلَيْهِ دِرْعه , فَجَعَلَ يَرَاهُ يَشْخَص فِيهَا وَيَرْتَفِع . فَعَجِبَ مَنْ ذَلِك طَالُوت , فَشَدَّ عَلَيْهِ أَدَاته كُلّهَا . وَإِنَّ دَاوُد رَمَاهُمْ بِحَجَرٍ مَنْ تِلْكَ الْحِجَارَة فَأَصَابَ فِي الْقَوْم , ثُمَّ رَمَى الثَّانِيَة بِحَجَرٍ فَأَصَابَ فِيهِمْ , ثُمَّ رَمَى الثَّالِثَة فَقَتَلَ جَالُوت . فَآتَاهُ اللَّه الْمُلْك وَالْحِكْمَة , وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء , وَصَارَ هُوَ الرَّئِيس عَلَيْهِمْ , وَأَعْطَوْهُ الطَّاعَة . 4483 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : ثَنِيّ ابْن زَيْد فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { أَلَمْ تَرَ إلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل } فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَال تَوَلَّوْا إلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاَللَّه عَلِيم بِالظَّالِمِينَ } قَالَ : أَوْحَى اللَّه إلَى نَبِيّهمْ إنَّ فِي وَلَد فُلَان رَجُلًا يَقْتُل اللَّه بِهِ جَالُوت , وَمِنْ عَلَامَته هَذَا الْقَرْن تَضَعهُ عَلَى رَأَسَهُ , فَيَفِيض مَاء . فَأَتَاهُ فَقَالَ : إنَّ اللَّه أَوْحَى إلَيَّ أَنَّ فِي وَلَد فُلَان رَجُلًا يَقْتُل اللَّه بِهِ جَالُوت , فَقَالَ : نَعَمْ يَا نَبِيّ اللَّه , قَالَ : فَأَخْرَجَ لَهُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا أَمْثَال السَّوَارِي , وَفِيهِمْ رَجُل بَارِع عَلَيْهِمْ , فَجَعَلَ يَعْرِضهُمْ عَلَى الْقَرْن فَلَا يَرَى شَيْئًا , فَيَقُول لِذَلِك الْجَسِيم : ارْجِعْ فَيَرُدّهُ عَلَيْهِ , فَأَوْحَى اللَّه إلَيْهِ : إنَّا لَا نَأْخُذ الرِّجَال عَلَى صُوَرهمْ , وَلَكِنْ نَأْخُذهُمْ عَلَى صَلَاح قُلُوبهمْ , قَالَ : يَا رَبّ قَدْ زَعَمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَلَد غَيْره , فَقَالَ : كَذَبَ , فَقَالَ : إنَّ رَبِّي قَدْ كَذَّبَك , وَقَالَ : إنَّ لَك وَلَدًا غَيْرهمْ , فَقَالَ : صَدَقَ يَا نَبِيّ اللَّه , لِي وَلَد قَصِير اسْتَحْيَيْت أَنْ يَرَاهُ النَّاس , فَجَعَلْته فِي الْغَنَم , قَالَ : فَأَيْنَ هُوَ ؟ قَالَ فِي شِعْب كَذَا وَكَذَا مِنْ جَبَل كَذَا وَكَذَا , فَخَرَجَ إلَيْهِ , فَوَجَدَ الْوَادِي قَدْ سَالَ بَيْنه وَبَيْن الَّتِي كَانَ يُرِيح إلَيْهَا قَالَ : وَوَجَدَهُ يَحْمِل شَاتَيْنِ يُجِيز بِهِمَا , وَلَا يَخُوض بِهِمَا السَّيْل , فَلَمَّا رَآهُ قَالَ : هَذَا هُوَ لَا شَكَّ فِيهِ , هَذَا يَرْحَم الْبَهَائِم فَهُوَ بِالنَّاسِ أَرْحَم , قَالَ : فَوَضَعَ الْقَرْن عَلَى رَأَسَهُ فَفَاضَ , فَقَالَ لَهُ : ابْن أَخِي هَلْ رَأَيْت هَا هُنَا مَنْ شَيْء يُعْجِبك ؟ قَالَ : نَعَمْ إذَا سَبَّحْت , سَبَّحَتْ مَعِي الْجِبَال , وَإِذَا أَتَى النَّمِر أَوْ الذِّئْب أَوْ السَّبْع أَخَذَ شَاة قُمْت إلَيْهِ , فَافْتَحْ لَحْيَيْهِ عَنْهَا فَلَا يُهِيجنِي , وَأَلْفَى مَعَهُ صِفْنَهُ , قَالَ : فَمَرَّ بِثَلَاثَةِ أَحْجَار يَأْثُر بَعْضهَا عَلَى بَعْض : كُلّ وَاحِد مِنْهَا يَقُول : أَنَا الَّذِي يَأْخُذ , وَيَقُول هَذَا : لَا بَلْ إيَّايَ يَأْخُذ , وَيَقُول الْآخَر مِثْل ذَلِك , قَالَ : فَأَخَذَهُنَّ جَمِيعًا , فَطَرَحَهُنَّ فِي صِفْنَهُ ; فَلَمَّا جَاءَ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَرَجُوا قَالَ لَهُمْ نَبِيّهمْ : { إنَّ اللَّه قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوت مَلِكًا } فَكَانَ مَنْ قِصَّة نَبِيّهمْ وَقِصَّتهمْ مَا ذَكَرَ اللَّه فِي كِتَابه , وَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { وَاَللَّه مَعَ الصَّابِرِينَ } قَالَ : وَاجْتَمَعَ أَمْرهمْ وَكَانُوا جَمِيعًا , وَقَرَأَ : { وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْم الْكَافِرِينَ } وَبَرَزَ جَالُوت عَلَى بِرْذَوْن لَهُ أَبْلَق , فِي يَده قَوْس وَنُشَّاب , فَقَالَ : مَنْ يَبْرُز ؟ أَبْرِزُوا إلَيَّ رَأْسكُمْ , قَالَ : فَفَظِعَ بِهِ طَالُوت , قَالَ : فَالْتَفَتّ إلَى أَصْحَابه فَقَالَ : مَنْ رَجُل يَكْفِينِي الْيَوْم جَالُوت , فَقَالَ دَاوُد أَنَا , فَقَالَ تَعَالَ , قَالَ : فَنَزَعَ دِرْعًا لَهُ , فَأَلْبَسَهُ إيَّاهَا , قَالَ : وَنَفَخَ اللَّه مَنْ رُوحه فِيهِ حَتَّى مَلَأَهُ , قَالَ : فَرَمَى بِنُشَّابَةِ , فَوَضَعَهَا فِي الدِّرْع , قَالَ : فَكَسَرَهَا دَاوُد وَلَمْ تَضُرّهُ شَيْئًا ثَلَاث مَرَّات , ثُمَّ قَالَ لَهُ : خُذْ الْآن , فَقَالَ دَاوُد : اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجَرًا وَاحِدًا , قَالَ : وَسَمَّى وَاحِدًا إبْرَاهِيم , وَآخَر إسْحَاق , وَآخَر يَعْقُوب , قَالَ : فَجَمَعَهُنَّ جَمِيعًا فَكُنَّ حَجَرًا وَاحِدًا , قَالَ : فَأَخَذَهُنَّ وَأَخَذَ مِقْلَاعًا , فَأَدَارَهَا لِيَرْمِيَ بِهَا , فَقَالَ : أَتَرْمِينِي كَمَا تَرْمِي السَّبْع وَالذِّئْب , ارْمِنِي بِالْقَوْسِ , قَالَ : لَا أَرْمِيك الْيَوْم إلَّا بِهَا , فَقَالَ لَهُ مِثْل ذَلِك أَيْضًا , فَقَالَ نَعَمْ , وَأَنْت أَهْوَن عَلَيَّ مِنْ الذِّئْب , فَأَدَارَهَا وَفِيهَا أَمْر اللَّه وَسُلْطَان اللَّه , قَالَ : فَخَلَّى سَبِيلهَا مَأْمُورَة , قَالَ : فَجَاءَتْ مُظِلَّة فَضَرَبَتْ بَيْن عَيْنَيْهِ حَتَّى خَرَجَتْ مَنْ قَفَاهُ , ثُمَّ قَتَلَتْ مِنْ أَصْحَابه وَرَاءَهُ كَذَا وَكَذَا , وَهَزَمَهُمْ اللَّه . 4484 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : لَمَّا قَطَعُوا ذَلِك يَعْنِي النَّهَر الَّذِي قَالَ اللَّه فِيهِ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ طَالُوت لِجُنُودِهِ : { إنَّ اللَّه مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ } وَجَاءَ جَالُوت وَشَقَّ عَلَى طَالُوت قِتَاله , فَقَالَ طَالُوت لِلنَّاسِ : لَوْ أَنَّ جَالُوت قُتِلَ أَعْطَيْت الَّذِي يَقْتُلهُ نِصْف مُلْكِي , وَنَاصَفْته كُلّ شَيْء أَمْلِكهُ , فَبَعَثَ اللَّه دَاوُد , وَدَاوُد يَوْمئِذٍ فِي الْجَبَل رَاعِي غَنَم , وَقَدْ غَزَا مَعَ طَالُوت تِسْعَة إخْوَة لِدَاوُد , وَهُمْ أَنَدّ مِنْهُ وَأَعْتَى مِنْهُ , وَأَعْرَف فِي النَّاس مِنْهُ , وَأَوْجَه عِنْد طَالُوت مِنْهُ , فَغَزَا وَتَرَكُوهُ فِي غَنَمهمْ , فَقَالَ دَاوُد حِين أَلْقَى اللَّه فِي نَفْسه مَا أَلْقَى وَأَكْرَمَهُ : لَأَسْتَوْدِعَنّ رَبِّي غَنَمِي الْيَوْم , وَلَآتِيَنّ النَّاس فَلَأَنْظُرَنّ مَا الَّذِي بَلَغَنِي مِنْ قَوْل الْمُلْك لِمَنْ قَتَلَ جَالُوت , فَأَتَى دَاوُد إخْوَته , فَلَامُوهُ حِين أَتَاهُمْ , فَقَالُوا : لِمَ جِئْت ؟ قَالَ : لِأَقْتُل جَالُوت , فَإِنَّ اللَّه قَادِر أَنْ أَقْتُلهُ , فَسُخِرُوا مِنْهُ . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : قَالَ مُجَاهِد : كَانَ بُعِثَ أَبُو دَاوُد مَعَ دَاوُد بِشَيْءٍ إلَى إخْوَته , فَأَخَذَ مِخْلَاة فَجَعَلَ فِيهَا ثَلَاث مَرْوَات , ثُمَّ سَمَّاهُنَّ إبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : قَالُوا : وَهُوَ ضَعِيف رَثّ الْحَال , فَمَرَّ بِثَلَاثَةِ أَحْجَار , فَقُلْنَ لَهُ : خُذْنَا يَا دَاوُد فَقَاتِلْ بِنَا جَالُوت . فَأَخَذَهُنَّ دَاوُد وَأَلْقَاهُنَّ فِي مِخْلَاته , فَلَمَّا أَلْقَاهُنَّ سَمِعَ حَجَرًا مِنْهُنَّ يَقُول لِصَاحِبِهِ : أَنَا حَجَر هَارُونَ الَّذِي قَتَلَ بِي مَلِك كَذَا وَكَذَا ; وَقَالَ الثَّانِي : أَنَا حَجَر مُوسَى الَّذِي قَتَلَ بِي مَلِك كَذَا وَكَذَا ; وَقَالَ الثَّالِث : أَنَا حَجَر دَاوُد الَّذِي أَقْتُل جَالُوت , فَقَالَ الْحَجَرَانِ : يَا حَجَر دَاوُد نَحْنُ أَعْوَان لَك , فَصِرْنَ حَجَرًا وَاحِدًا ; وَقَالَ الْحَجَر : يَا دَاوُد اقْذِفْ بِي فَإِنِّي سَأَسْتَعِينُ بِالرِّيحِ , وَكَانَتْ بَيْضَته فِيمَا يَقُولُونَ وَاَللَّه أَعْلَم فِيهَا سِتّمِائَةِ رِطْل , فَأَقَع فِي رَأْس جَالُوت فَأَقْتُلهُ . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : وَقَالَ مُجَاهِد : سَمَّى وَاحِدًا إبْرَاهِيم , وَالْآخَر إسْحَاق , وَالْآخَر يَعْقُوب , وَقَالَ : بِاسْمِ إلَهِي وَإِلَه آبَائِي إبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب , وَجَعَلَهُنَّ فِي مِرْجَمَته . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : فَانْطَلَقَ حَتَّى نَفَذَ إلَى طَالُوت , فَقَالَ : إنَّك قَدْ جَعَلْت لِمَنْ قَتَلَ جَالُوت نِصْف مُلْكك وَنِصْف كُلّ شَيْء تَمْلِك . أَفَلِي ذَلِك إنْ قَتَلْته ؟ قَالَ : نَعَمْ , وَالنَّاس يُسْتَهْزَءُونَ بِدَاوُدَ , وَإِخْوَة دَاوُد أَشَدّ مَنْ هُنَالِكَ عَلَيْهِ , وَكَانَ طَالُوت لَا يُنْتَدَب إلَيْهِ أَحَد زَعَمَ أَنَّهُ يَقْتُل جَالُوت إلَّا أَلْبَسَهُ دِرْعًا عِنْده , فَإِذَا لَمْ تَكُنْ قَدْرًا عَلَيْهِ نَزَعَهَا عَنْهَا , وَكَانَتْ دِرْعًا سَابِغَة مِنْ دُرُوع طَالُوت , فَأَلْبَسَهَا دَاوُد ; فَلَمَّا رَأَى قَدْرهَا عَلَيْهِ أَمَرَهُ أَنْ يَتَقَدَّم , فَتَقَدَّمَ دَاوُد , فَقَامَ مَقَامًا لَا يَقُوم فِيهِ أَحَد وَعَلَيْهِ الدِّرْع , فَقَالَ لَهُ جَالُوت : وَيْحك مَنْ أَنْت إنِّي أَرَحَمك , لِيَتَقَدَّم إلَيَّ غَيْرك مَنْ هَذِهِ الْمُلُوك , أَنْت إنْسَان ضَعِيف مِسْكِين , فَارْجِعْ , فَقَالَ دَاوُد : أَنَا الَّذِي أَقْتُلك بِإِذْنِ اللَّه , وَلَنْ أَرْجِع حَتَّى أَقْتُلك , فَلَمَّا أَبَى دَاوُد إلَّا قِتَاله , تَقَدَّمَ جَالُوت إلَيْهِ لِيَأْخُذهُ بِيَدِهِ مُقْتَدِرًا عَلَيْهِ , فَأَخْرَجَ الْحَجَر مَنْ الْمِخْلَاة , فَدَعَا رَبّه , وَرَمَاهُ بِالْحَجَرِ , فَأَلْقَتْ الرِّيح بَيْضَته عَنْ رَأَسَهُ , فَوَقَعَ الْحَجَر فِي رَأْس جَالُوت حَتَّى دَخَلَ فِي جَوْفه , فَقَتَلَهُ . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : وَقَالَ مُجَاهِد : لَمَّا رَمَى جَالُوت بِالْحَجَرِ خَرَقَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ بَيْضَة عَنْ رَأْسه , وَقَتَلَتْ مِنْ وَرَائِهِ ثَلَاثِينَ أَلْفًا , قَالَ اللَّه تَعَالَى : { وَقَتَلَ دَاوُد جَالُوت } فَقَالَ دَاوُد لِطَالُوت : وَفِّ بِمَا جَعَلْت , فَأَبَى طَالُوت أَنْ يُعْطِيه ذَلِك , فَانْطَلَقَ دَاوُد , فَسَكَنَ مَدِينَة مِنْ مَدَائِن بَنِي إسْرَائِيل , حَتَّى مَاتَ طَالُوت ; فَلَمَّا مَاتَ عَمَدَ بَنُو إسْرَائِيل إلَى دَاوُد , فَجَاءُوا بِهِ , فَمَلَّكُوهُ , وَأَعْطَوْهُ خَزَائِن طَالُوت , وَقَالُوا : لَمْ يَقْتُل جَالُوت إلَّا نَبِيّ , قَالَ اللَّه : { وَقَتَلَ دَاوُد جَالُوت وَآتَاهُ اللَّه الْمُلْك وَالْحِكْمَة وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء }
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : {
وَآتَاهُ اللَّه الْمُلْك وَالْحِكْمَة وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِك : وَأَعْطَى اللَّه دَاوُد الْمُلْك وَالْحِكْمَة وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء . وَالْهَاء فِي قَوْله : { وَآتَاهُ اللَّه } عَائِدَة عَلَى دَاوُد وَالْمُلْك السُّلْطَان وَالْحِكْمَة النُّبُوَّة . وَقَوْله : { وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء } يَعْنِي عَلَّمَهُ صَنْعَة الدُّرُوع , وَالتَّقْدِير فِي السَّرْد , كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَة لَبُوس لَكُمْ لِتُحْصِنكُمْ مَنْ بَأْسكُمْ } 21 80 وَقَدْ قِيلَ : إنَّ مَعْنَى قَوْله : { وَآتَاهُ اللَّه الْمُلْك وَالْحِكْمَة } أَنَّ اللَّه آتَى دَاوُد مُلْك طَالُوت وَنُبُوَّة أشمويل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4485 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : مَلَكَ دَاوُد بَعْدَمَا قَتَلَ طَالُوت , وَجَعَلَهُ اللَّه نَبِيًّا , وَذَلِك قَوْله : { وَآتَاهُ اللَّه الْمُلْك وَالْحِكْمَة } قَالَ : الْحِكْمَة : هِيَ النُّبُوَّة , آتَاهُ نُبُوَّة شَمْعُون , وَمُلْك طَالُوت .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْلَا دَفْع اللَّه النَّاس بَعْضهمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الْأَرْض وَلَكِنَّ اللَّه ذُو فَضْل عَلَى الْعَالَمِينَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِك : وَلَوْلَا أَنَّ اللَّه يَدْفَع بِبَعْضِ النَّاس ,
وَهُمْ أَهْل الطَّاعَة لَهُ وَالْإِيمَان بِهِ , بَعْضًا وَهُمْ أَهْل الْمَعْصِيَة لِلَّهِ , وَالشِّرْك بِهِ , كَمَا دَفَعَ عَنْ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ طَالُوت يَوْم جَالُوت مِنْ أَهْل الْكُفْر بِاَللَّهِ وَالْمَعْصِيَة لَهُ وَقَدْ أَعْطَاهُمْ مَا سَأَلُوا رَبّهمْ ابْتِدَاء مَنْ بَعْثَة مَلِك عَلَيْهِمْ لِيُجَاهِدُوا مَعَهُ فِي سَبِيله بِمَنْ جَاهَدَ مَعَهُ مِنْ أَهْل الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَالْيَقِين وَالصَّبْر , جَالُوت وَجُنُوده , لَفَسَدَتْ الْأَرْض , يَعْنِي لَهَلَكَ أَهْلهَا بِعُقُوبَةِ اللَّه إيَّاهُمْ , فَفَسَدَتْ بِذَلِك الْأَرْض , وَلَكِنَّ اللَّه ذُو مَنّ عَلَى خَلْقه , وَتَطَوُّل عَلَيْهِمْ بِدَفْعِهِ بِالْبَرِّ مِنْ خَلْقه عَنْ الْفَاجِر , وَبِالْمُطِيعِ عَنْ الْعَاصِي مِنْهُمْ , وَبِالْمُؤْمِنِ عَنْ الْكَافِر . وَهَذِهِ الْآيَة إعْلَام مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَهْل النِّفَاق الَّذِينَ كَانُوا عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ مَشَاهِده وَالْجِهَاد مَعَهُ لِلشَّكِّ الَّذِي فِي نَفُوسهمْ وَمَرَض قُلُوبهمْ وَالْمُشْرِكِينَ وَأَهْل الْكُفْر مِنْهُمْ , وَأَنَّهُ إنَّمَا يَدْفَع عَنْهُمْ مُعَاجَلَتهمْ الْعُقُوبَة , عَلَى كُفْرهمْ وَنِفَاقهمْ بِإِيمَانِ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ , الَّذِينَ هُمْ أَهْل الْبَصَائِر وَالْجَدّ فِي أَمْر اللَّه , وَذَوُو الْيَقِين بِإِنْجَازِ اللَّه إيَّاهُمْ وَعْده عَلَى جِهَاد أَعْدَائِهِ , وَأَعْدَاء رَسُوله مِنْ النَّصْر فِي الْعَاجِل , وَالْفَوْز بِجَنَّاتِهِ فِي الْآخِرَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِك قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4486 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَر , قَالَ : ثِنَا أَبُو عَاصِم عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { وَلَوْلَا دَفْع اللَّه النَّاس بَعْضهمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الْأَرْض } يَقُول : وَلَوْلَا دَفْع اللَّه بِالْبَارِّ عَنْ الْفَاجِر , وَدَفْعه بِبَقِيَّةِ أَخْلَاف النَّاس بَعْضهمْ عَنْ بَعْض لَفَسَدَتْ الْأَرْض بِهَلَاكِ أَهْلهَا . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثِنَا سبل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَلَوْلَا دَفْع اللَّه النَّاس بَعْضهمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الْأَرْض } يَقُول : وَلَوْلَا دِفَاع اللَّه بِالْبَرِّ عَنْ الْفَاجِر , وَبِبَقِيَّةِ أَخْلَاف النَّاس بَعْضهمْ عَنْ بَعْض لَهَلَكَ أَهْلهَا . 4487 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثِنَا أَبِي , عَنْ حَنْظَلَة , عَنْ أَبِي مُسْلِم , قَالَ : سَمِعْت عَلِيًّا يَقُول : لَوْلَا بَقِيَّة مَنْ الْمُسْلِمِينَ فِيكُمْ لَهَلَكْتُمْ . 4488 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثِنَا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { وَلَوْلَا دَفْع اللَّه النَّاس بَعْضهمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الْأَرْض } يَقُول : لَهَلَكَ مَنْ فِي الْأَرْض . 4489 - حَدَّثَنِي أَبُو حُمَيْد الْحِمْصِيّ أَحْمَد بْن الْمُغِيرَة , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ : ثِنَا حَفْص بْن سُلَيْمَان , عَنْ مُحَمَّد بْن سُوقَة , عَنْ وَبْرَة بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ ابْن عُمَر , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إنَّ اللَّه لَيَدْفَع بِالْمُؤْمِنِ الصَّالِح عَنْ مِائَة أَهْل بَيْت مَنْ جِيرَانه الْبَلَاء " ثُمَّ قَرَأَ ابْن عُمَر : { وَلَوْلَا دَفْع اللَّه النَّاس بَعْضهمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الْأَرْض } 4490 - حَدَّثَنِي أَحْمَد أَبُو حُمَيْد الْحِمْصِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ : ثِنَا عُثْمَان بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر , عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إنَّ اللَّه لَيُصْلِح بِصَلَاحِ الرَّجُل الْمُسْلِم وَلَده وَوَلَد وَلَده وَأَهْل دُوَيْرَتِهِ وَدُوَيْرَاتٍ حَوْله , وَلَا يَزَالُونَ فِي حِفْظ اللَّه مَا دَامَ فِيهِمْ " . وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى قَوْله الْعَالَمِينَ , وَذَكَرْنَا الرِّوَايَة فِيهِ . وَأَمَّا الْقُرَّاء فَإِنَّهَا اخْتَلَفَتْ فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَلَوْلَا دَفْع اللَّه النَّاس بَعْضهمْ بِبَعْضٍ } . فَقَرَأَتْهُ جَمَاعَة مَنْ الْقُرَّاء : { وَلَوْلَا دَفْع اللَّه } عَلَى وَجْه الْمَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : دَفَعَ اللَّه عَنْ خَلْقه , فَهُوَ يَدْفَع دَفْعًا . وَاحْتَجَّتْ لِاخْتِيَارِهَا ذَلِك بِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره , هُوَ الْمُتَفَرِّد بِالدَّفْعِ عَنْ خَلْقه , وَلَا أَحَد يُدَافِعهُ فَيُغَالِبهُ . وَقَرَأَتْ ذَلِك جَمَاعَة أُخْرَى مِنْ الْقُرَّاء : " وَلَوْلَا دِفَاع اللَّه النَّاس " عَلَى وَجْه الْمَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : دَافَعَ اللَّه عَنْ خَلْقه , فَهُوَ يُدَافِع مُدَافَعَة وَدِفَاعًا . وَاحْتَجَّتْ لِاخْتِيَارِهَا ذَلِك بِأَنَّ كَثِيرًا مَنْ خَلْقه يُعَادُونَ أَهْل دِين اللَّه , وَوِلَايَته وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ , فَهُوَ بِمُحَارَبَتِهِمْ إيَّاهُمْ وَمُعَادَاتهمْ لَهُمْ لِلَّهِ مُدَافِعُونَ بِبَاطِلِهِمْ , وَمُغَالِبُونَ بِجَهْلِهِمْ , وَاَللَّه مُدَافِعهمْ عَنْ أَوْلِيَائِهِ وَأَهْل طَاعَته وَالْإِيمَان بِهِ . وَالْقَوْل فِي ذَلِك عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ قَدْ قَرَأَتْ بِهِمَا الْقُرَّاء وَجَاءَتْ بِهِمَا جَمَاعَة الْأُمَّة , وَلَيْسَ فِي الْقِرَاءَة بِأَحَدِ الْحَرْفَيْنِ إحَالَة مَعْنَى الْآخِر . وَذَلِك أَنَّ مَنْ دَافَعَ غَيْره عَنْ شَيْء , فَمُدَافِعه عَنْهُ دَافِع , وَمَتَى امْتَنَعَ الْمَدْفُوع عَنْ الِانْدِفَاع , فَهُوَ لِمُدَافِعِهِ مُدَافِع ; وَلَا شَكَّ أَنَّ جَالُوت وَجُنُوده كَانُوا بِقِتَالِهِمْ طَالُوت وَجُنُوده , مُحَاوِلِينَ مُغَالَبَة حِزْب اللَّه وَجُنْده , وَكَانَ فِي مُحَاوَلَتهمْ ذَلِك مُحَاوَلَة مُغَالَبَة اللَّه وَدِفَاعه عَمَّا قَدْ تَضَمَّنَ لَهُمْ مَنْ النُّصْرَة , وَذَلِك هُوَ مَعْنَى مُدَافَعَة اللَّه عَنْ الَّذِينَ دَافَعَ اللَّه عَنْهُمْ بِمَنْ قَاتَلَ جَالُوت وَجُنُوده مِنْ أَوْلِيَائِهِ . فَتَبَيَّنَ إذًا أَنَّ سَوَاء قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { وَلَوْلَا دَفْع اللَّه النَّاس بَعْضهمْ بِبَعْضٍ } وَقِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : " وَلَوْلَا دِفَاع اللَّه النَّاس بَعْضهمْ بِبَعْضٍ " فِي التَّأْوِيل وَالْمَعْنَى .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { تِلْكَ آيَات اللَّه نَتْلُوهَا عَلَيْك بِالْحَقِّ وَإِنَّك لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { تِلْكَ آيَات اللَّه } هَذِهِ الْآيَات الَّتِي اقْتَصَّ اللَّه فِيهَا أَمَرَ الَّذِينَ خَرَجُوا مَنْ دِيَارهمْ وَهُمْ أُلُوف حَذَر الْمَوْت , وَأَمَرَ الْمَلَأ مَنْ بَنِي إسْرَائِيل مِنْ بَعْد مُوسَى الَّذِينَ سَأَلُوا نَبِيّهمْ أَنْ يَبْعَث لَهُمْ طَالُوت مَلِكًا وَمَا بَعْدهَا مَنْ الْآيَات إلَى قَوْله : { وَاَللَّه ذُو فَضْل عَلَى الْعَالَمِينَ } وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { آيَات اللَّه } حُجَجه وَأَعْلَامه وَأَدِلَّته . يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره : فَهَذِهِ الْحُجَج الَّتِي أَخْبَرْتُك بِهَا يَا مُحَمَّد , وَأَعْلَمْتُك مِنْ قُدْرَتِي عَلَى إمَاتَة مَنْ هَرَبَ مِنْ الْمَوْت فِي سَاعَة وَاحِدَة وَهُمْ أُلُوف , وَإِحْيَائِي إيَّاهُمْ بَعْد ذَلِك , وَتَمْلِيكِي طَالُوت أَمْر بَنِي إسْرَائِيل , بَعْد إذْ كَانَ سِقَاء أَوْ دِبَاغًا مِنْ غَيْر أَهْل بَيْت الْمَمْلَكَة , وَسَلْبِي ذَلِك إيَّاهُ بِمَعْصِيَتِهِ أَمْرِي , وَصَرْفِي مُلْكه إلَى دَاوُد لِطَاعَتِهِ إيَّايَ , وَنُصْرَتِي أَصْحَاب طَالُوت , مَعَ قِلَّة عَدَدهمْ , وَضَعْف شَوْكَتهمْ عَلَى جَالُوت وَجُنُوده , مَعَ كَثْرَة عَدَدهمْ , وَشِدَّة بَطْشهمْ ; حُجَج عَلَى مَنْ جَحَدَ نِعْمَتِي , وَخَالَفَ أَمْرِي , وَكَفَرَ بِرَسُولِي مِنْ أَهْل الْكِتَابَيْنِ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل , الْعَالِمِينَ بِمَا اقْتَصَصْت عَلَيْك مِنْ
الْأَنْبَاء الْخَفِيَّة , الَّتِي يَعْلَمُونَ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِي لَمْ تَتَخَرَّصهَا وَلَمْ تَتَقَوَّلهَا أَنْت يَا مُحَمَّد , لِأَنَّك أُمِّيّ , وَلَسْت مِمَّنْ قَرَأَ الْكُتُب , فَيَلْتَبِس عَلَيْهِمْ أَمْرك , وَيَدَّعُوا أَنَّك قَرَأْت ذَلِك فَعَلِمْته مِنْ بَعْض أَسْفَارهمْ , وَلَكِنَّهَا حُجَجِي عَلَيْهِمْ أَتْلُوهَا عَلَيْك يَا مُحَمَّد بِالْحَقِّ الْيَقِين كَمَا كَانَ , لَا زِيَادَة فِيهِ , وَلَا تَحْرِيف , وَلَا تَغْيِير شَيْء مِنْهُ عَمَّا كَانَ . { وَإِنَّك } يَا مُحَمَّد { لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ } يَقُول : إنَّك لَمُرْسَل مُتَّبِع فِي طَاعَتِي , وَإِيثَار مَرْضَاتِي عَلَى هَوَاك , فَسَأَلَك فِي ذَلِك مِنْ أَمْرك سَبِيل مَنْ قَبْلك مِنْ رُسُلِي الَّذِينَ أَقَامُوا عَلَى أَمْرِي , وَآثَرُوا رِضَايَ عَلَى هَوَاهُمْ , وَلَمْ تُغَيِّرهُمْ الْأَهْوَاء , وَمَطَامِع الدُّنْيَا كَمَا غَيَّرَ طَالُوت هَوَاهُ , وَإِيثَاره مُلْكه , عَلَى مَا عِنْدِي لِأَهْلِ وِلَايَتِي , وَلَكِنَّك مُؤْثِر أَمْرِي كَمَا آثَرَهُ الْمُرْسَلُونَ الَّذِينَ قَبْلك .
الْأَنْبَاء الْخَفِيَّة , الَّتِي يَعْلَمُونَ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِي لَمْ تَتَخَرَّصهَا وَلَمْ تَتَقَوَّلهَا أَنْت يَا مُحَمَّد , لِأَنَّك أُمِّيّ , وَلَسْت مِمَّنْ قَرَأَ الْكُتُب , فَيَلْتَبِس عَلَيْهِمْ أَمْرك , وَيَدَّعُوا أَنَّك قَرَأْت ذَلِك فَعَلِمْته مِنْ بَعْض أَسْفَارهمْ , وَلَكِنَّهَا حُجَجِي عَلَيْهِمْ أَتْلُوهَا عَلَيْك يَا مُحَمَّد بِالْحَقِّ الْيَقِين كَمَا كَانَ , لَا زِيَادَة فِيهِ , وَلَا تَحْرِيف , وَلَا تَغْيِير شَيْء مِنْهُ عَمَّا كَانَ . { وَإِنَّك } يَا مُحَمَّد { لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ } يَقُول : إنَّك لَمُرْسَل مُتَّبِع فِي طَاعَتِي , وَإِيثَار مَرْضَاتِي عَلَى هَوَاك , فَسَأَلَك فِي ذَلِك مِنْ أَمْرك سَبِيل مَنْ قَبْلك مِنْ رُسُلِي الَّذِينَ أَقَامُوا عَلَى أَمْرِي , وَآثَرُوا رِضَايَ عَلَى هَوَاهُمْ , وَلَمْ تُغَيِّرهُمْ الْأَهْوَاء , وَمَطَامِع الدُّنْيَا كَمَا غَيَّرَ طَالُوت هَوَاهُ , وَإِيثَاره مُلْكه , عَلَى مَا عِنْدِي لِأَهْلِ وِلَايَتِي , وَلَكِنَّك مُؤْثِر أَمْرِي كَمَا آثَرَهُ الْمُرْسَلُونَ الَّذِينَ قَبْلك .
تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللَّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { تِلْكَ الرُّسُل فَضَّلْنَا بَعْضهمْ عَلَى بَعْض مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّه وَرَفَعَ بَعْضهمْ دَرَجَات } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { تِلْكَ الرَّسْل } الَّذِينَ قَصَّ اللَّه قَصَصهمْ فِي هَذِهِ السُّورَة , كَمُوسَى بْن عِمْرَان وَإِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وشمويل وَدَاوُد , وَسَائِر مَنْ ذَكَرَ نَبَأَهُمْ فِي هَذِهِ السُّورَة . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَؤُلَاءِ رُسُلِي فَضَّلْت بَعْضهمْ عَلَى بَعْض , فَكَلَّمْت بَعْضهمْ - وَاَلَّذِي كَلَّمْته مِنْهُمْ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَفَعْت بَعْضهمْ دَرَجَات عَلَى بَعْض بِالْكَرَامَةِ وَرِفْعَة الْمَنْزِلَة . كَمَا : 4491 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثِنَا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { تِلْكَ الرُّسُل فَضَّلْنَا بَعْضهمْ عَلَى بَعْض } قَالَ : يَقُول : مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّه وَرَفَعَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض دَرَجَات . يَقُول : كَلَّمَ اللَّه مُوسَى , وَأَرْسَلَ مُحَمَّدًا إلَى النَّاس كَافَّة . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثِنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد بِنَحْوِهِ .
وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا فِي ذَلِك قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أُعْطِيت خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَد قَبْلِي : بُعِثْت إلَى الْأَحْمَر وَالْأَسْوَد , وَنُصِرْت بِالرُّعْبِ , فَإِنَّ الْعَدُوّ لَيُرْعَب مِنِّي عَلَى مَسِيرَة شَهْر , وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْض مَسْجِدًا وَطَهُورًا , وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلّ لِأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي , وَقِيلَ لِي : سَلْ تُعْطَهُ , فَاخْتَبَأْتُهَا شَفَاعَة لِأُمَّتِي , فَهِيَ نَائِلَة مِنْكُمْ إنْ شَاءَ اللَّه مَنْ لَا يُشْرِك بِاَللَّهِ شَيْئًا " .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَآتَيْنَا عِيسَى ابْن مَرْيَم الْبَيِّنَات وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدْس } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِك : { وَآتَيْنَا عِيسَى ابْن مَرْيَم الْبَيِّنَات } وَآتَيْنَا عِيسَى ابْن مَرْيَم الْحُجَج وَالْأَدِلَّة عَلَى نُبُوَّته : مِنْ
إبْرَاء الْأَكْمَه وَالْأَبْرَص , وَإِحْيَاء الْمَوْتَى , وَمَا أَشَبَه ذَلِك , مَعَ الْإِنْجِيل الَّذِي أَنْزَلْته إلَيْهِ , فَبَيَّنْت فِيهِ مَا فَرَضْت عَلَيْهِ . وَيَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَأَيَّدْنَاهُ } وَقَوَّيْنَاهُ وَأَعَنَّاهُ { بِرُوحِ الْقُدْس } يَعْنِي بِرُوحِ اللَّه , وَهُوَ جِبْرِيل . وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَاف أَهْل الْعِلْم فِي مَعْنَى رُوح الْقُدْس وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِك فِيمَا مَضَى قَبْل , فَأَغْنَى ذَلِك عَنْ إعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ شَاءَ اللَّه مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدهمْ مِنْ بَعْد مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَات } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِك : وَلَوْ أَرَادَ اللَّه مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدهمْ مِنْ بَعْد مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَات ,
يَعْنِي مِنْ بَعْد الرَّسْل الَّذِينَ وَصَفَهُمْ بِأَنَّهُ فَضَّلَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض , وَرَفَعَ بَعْضهمْ دَرَجَات , وَبَعْد عِيسَى ابْن مَرْيَم , وَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ الْآيَات بِمَا فِيهِ مُزْدَجَر لِمَنْ هَدَاهُ اللَّه وَوَفَّقَهُ . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { مِنْ بَعْد مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَات } يَعْنِي مِنْ بَعْد مَا جَاءَهُمْ مِنْ آيَات اللَّه مَا أَبَانَ لَهُمْ الْحَقّ , وَأَوْضَحَ لَهُمْ السَّبِيل . وَقَدْ قِيلَ : إنَّ الْهَاء وَالْمِيم فِي قَوْله : { مِنْ بَعْدهمْ } مِنْ ذِكْر مُوسَى وَعِيسَى : ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4492 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثِنَا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { وَلَوْ شَاءَ اللَّه مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدهمْ مِنْ بَعْد مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَات } يَقُول : مِنْ بَعْد مُوسَى وَعِيسَى . 4493 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { وَلَوْ شَاءَ اللَّه مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدهمْ مِنْ بَعْد مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَات } يَقُول : مِنْ بَعْد مُوسَى وَعِيسَى .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَكِنْ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّه مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّه يَفْعَل مَا يُرِيد } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِك : وَلَكِنْ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ مِنْ بَعْد الرَّسْل لَمَّا لَمْ يَشَأْ اللَّه مِنْهُمْ تَعَالَى ذِكْره أَنْ لَا يَقْتَتِلُوا , فَاقْتَتَلُوا مِنْ بَعْد مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَات مِنْ عِنْد رَبّهمْ بِتَحْرِيمِ الِاقْتِتَال وَالِاخْتِلَاف , وَبَعْد ثُبُوت الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّه وَرِسَالَة رُسُله وَوَحْي كِتَابه , فَكَفَرَ بِاَللَّهِ وَبِآيَاتِهِ بَعْضهمْ , وَآمَنَ بِذَلِك بَعْضهمْ . فَأَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْره : أَنَّهُمْ أَتَوْا مَا أَتَوْا مِنْ
الْكُفْر وَالْمَعَاصِي بَعْد عِلْمهمْ بِقِيَامِ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ عَلَى خَطَأ , تَعَمُّدًا مِنْهُمْ لِلْكُفْرِ بِاَللَّهِ وَآيَاته . ثُمَّ قَالَ تَعَالَى ذِكْره لِعِبَادِهِ : { وَلَوْ شَاءَ اللَّه مَا اقْتَتَلُوا } يَقُول : وَلَوْ أَرَادَ اللَّه أَنَّ يَحْجِزهُمْ بِعِصْمَتِهِ وَتَوْفِيقه إيَّاهُمْ عَنْ مَعْصِيَته فَلَا يَقْتَتِلُوا مَا اقْتَتَلُوا وَلَا اخْتَلَفُوا , { وَلَكِنَّ اللَّه يَفْعَل مَا يُرِيد } بِأَنْ يُوَفِّق هَذَا لِطَاعَتِهِ وَالْإِيمَان بِهِ فَيُؤْمِن بِهِ وَيُطِيعهُ , وَيَخْذُل هَذَا فَيَكْفُر بِهِ وَيَعْصِيه .
وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا فِي ذَلِك قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أُعْطِيت خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَد قَبْلِي : بُعِثْت إلَى الْأَحْمَر وَالْأَسْوَد , وَنُصِرْت بِالرُّعْبِ , فَإِنَّ الْعَدُوّ لَيُرْعَب مِنِّي عَلَى مَسِيرَة شَهْر , وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْض مَسْجِدًا وَطَهُورًا , وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلّ لِأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي , وَقِيلَ لِي : سَلْ تُعْطَهُ , فَاخْتَبَأْتُهَا شَفَاعَة لِأُمَّتِي , فَهِيَ نَائِلَة مِنْكُمْ إنْ شَاءَ اللَّه مَنْ لَا يُشْرِك بِاَللَّهِ شَيْئًا " .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَآتَيْنَا عِيسَى ابْن مَرْيَم الْبَيِّنَات وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدْس } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِك : { وَآتَيْنَا عِيسَى ابْن مَرْيَم الْبَيِّنَات } وَآتَيْنَا عِيسَى ابْن مَرْيَم الْحُجَج وَالْأَدِلَّة عَلَى نُبُوَّته : مِنْ
إبْرَاء الْأَكْمَه وَالْأَبْرَص , وَإِحْيَاء الْمَوْتَى , وَمَا أَشَبَه ذَلِك , مَعَ الْإِنْجِيل الَّذِي أَنْزَلْته إلَيْهِ , فَبَيَّنْت فِيهِ مَا فَرَضْت عَلَيْهِ . وَيَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَأَيَّدْنَاهُ } وَقَوَّيْنَاهُ وَأَعَنَّاهُ { بِرُوحِ الْقُدْس } يَعْنِي بِرُوحِ اللَّه , وَهُوَ جِبْرِيل . وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَاف أَهْل الْعِلْم فِي مَعْنَى رُوح الْقُدْس وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِك فِيمَا مَضَى قَبْل , فَأَغْنَى ذَلِك عَنْ إعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ شَاءَ اللَّه مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدهمْ مِنْ بَعْد مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَات } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِك : وَلَوْ أَرَادَ اللَّه مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدهمْ مِنْ بَعْد مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَات ,
يَعْنِي مِنْ بَعْد الرَّسْل الَّذِينَ وَصَفَهُمْ بِأَنَّهُ فَضَّلَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض , وَرَفَعَ بَعْضهمْ دَرَجَات , وَبَعْد عِيسَى ابْن مَرْيَم , وَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ الْآيَات بِمَا فِيهِ مُزْدَجَر لِمَنْ هَدَاهُ اللَّه وَوَفَّقَهُ . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { مِنْ بَعْد مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَات } يَعْنِي مِنْ بَعْد مَا جَاءَهُمْ مِنْ آيَات اللَّه مَا أَبَانَ لَهُمْ الْحَقّ , وَأَوْضَحَ لَهُمْ السَّبِيل . وَقَدْ قِيلَ : إنَّ الْهَاء وَالْمِيم فِي قَوْله : { مِنْ بَعْدهمْ } مِنْ ذِكْر مُوسَى وَعِيسَى : ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4492 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثِنَا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { وَلَوْ شَاءَ اللَّه مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدهمْ مِنْ بَعْد مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَات } يَقُول : مِنْ بَعْد مُوسَى وَعِيسَى . 4493 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { وَلَوْ شَاءَ اللَّه مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدهمْ مِنْ بَعْد مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَات } يَقُول : مِنْ بَعْد مُوسَى وَعِيسَى .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَكِنْ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّه مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّه يَفْعَل مَا يُرِيد } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِك : وَلَكِنْ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ مِنْ بَعْد الرَّسْل لَمَّا لَمْ يَشَأْ اللَّه مِنْهُمْ تَعَالَى ذِكْره أَنْ لَا يَقْتَتِلُوا , فَاقْتَتَلُوا مِنْ بَعْد مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَات مِنْ عِنْد رَبّهمْ بِتَحْرِيمِ الِاقْتِتَال وَالِاخْتِلَاف , وَبَعْد ثُبُوت الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّه وَرِسَالَة رُسُله وَوَحْي كِتَابه , فَكَفَرَ بِاَللَّهِ وَبِآيَاتِهِ بَعْضهمْ , وَآمَنَ بِذَلِك بَعْضهمْ . فَأَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْره : أَنَّهُمْ أَتَوْا مَا أَتَوْا مِنْ
الْكُفْر وَالْمَعَاصِي بَعْد عِلْمهمْ بِقِيَامِ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ عَلَى خَطَأ , تَعَمُّدًا مِنْهُمْ لِلْكُفْرِ بِاَللَّهِ وَآيَاته . ثُمَّ قَالَ تَعَالَى ذِكْره لِعِبَادِهِ : { وَلَوْ شَاءَ اللَّه مَا اقْتَتَلُوا } يَقُول : وَلَوْ أَرَادَ اللَّه أَنَّ يَحْجِزهُمْ بِعِصْمَتِهِ وَتَوْفِيقه إيَّاهُمْ عَنْ مَعْصِيَته فَلَا يَقْتَتِلُوا مَا اقْتَتَلُوا وَلَا اخْتَلَفُوا , { وَلَكِنَّ اللَّه يَفْعَل مَا يُرِيد } بِأَنْ يُوَفِّق هَذَا لِطَاعَتِهِ وَالْإِيمَان بِهِ فَيُؤْمِن بِهِ وَيُطِيعهُ , وَيَخْذُل هَذَا فَيَكْفُر بِهِ وَيَعْصِيه .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْل أَنَّ يَأْتِيَ يَوْم لَا بَيْع فِيهِ وَلَا خُلَّة وَلَا شَفَاعَة وَالْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِك : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا فِي سَبِيل اللَّه مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ أَمْوَالكُمْ , وَتَصَدَّقُوا مِنْهَا , وَآتُوا مِنْهَا الْحُقُوق الَّتِي فَرَضْنَاهَا عَلَيْكُمْ . وَكَذَلِك كَانَ ابْن جُرَيْجٍ يَقُول فِيمَا بَلَغَنَا عَنْهُ . حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثِنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ } قَالَ : مِنْ الزَّكَاة وَالتَّطَوُّع . { مِنْ قَبْل أَنَّ يَأْتِيَ يَوْم لَا بَيْع فِيهِ وَلَا خُلَّة وَلَا شَفَاعَة } يَقُول : ادَّخِرُوا لِأَنْفُسِكُمْ عِنْد اللَّه فِي دُنْيَاكُمْ مِنْ أَمْوَالكُمْ بِالنَّفَقَةِ مِنْهَا فِي سَبِيل اللَّه , وَالصَّدَقَة عَلَى أَهْل الْمَسْكَنَة وَالْحَاجَة , وَإِيتَاء مَا فَرَضَ اللَّه عَلَيْكُمْ فِيهَا , وَابْتَاعُوا بِهَا مَا عِنْده مِمَّا أَعَدَّهُ لِأَوْلِيَائِهِ مِنْ الْكَرَامَة , بِتَقْدِيمِ ذَلِك لِأَنْفُسِكُمْ , مَا دَامَ لَكُمْ السَّبِيل إلَى ابْتِيَاعه , بِمَا نَدَبْتُكُمْ إلَيْهِ , وَأَمَرْتُكُمْ بِهِ مِنْ النَّفَقَة مِنْ أَمْوَالكُمْ . { مِنْ قَبْل أَنْ يَأْتِيَ يَوْم لَا بَيْع فِيهِ } يَعْنِي مِنْ قَبْل مَجِيء يَوْم لَا بَيْع فِيهِ , يَقُول : لَا تَقْدِرُونَ فِيهِ عَلَى ابْتِيَاع مَا كُنْتُمْ عَلَى ابْتِيَاعه بِالنَّفَقَةِ مِنْ أَمْوَالكُمْ الَّتِي أَمَرْتُكُمْ بِهِ , أَوْ نَدَبْتُكُمْ إلَيْهِ فِي الدُّنْيَا
قَادِرِينَ , لِأَنَّهُ يَوْم جَزَاء وَثَوَاب وَعِقَاب , لَا يَوْم عَمَل وَاكْتِسَاب وَطَاعَة وَمَعْصِيَة , فَيَكُون لَكُمْ إلَى ابْتِيَاع مَنَازِل أَهْل الْكَرَامَة بِالنَّفَقَةِ حِينَئِذٍ , أَوْ بِالْعَمَلِ بِطَاعَةِ اللَّه , سَبِيل ; ثُمَّ أَعْلَمَهُمْ تَعَالَى ذِكْره أَنَّ ذَلِك الْيَوْم - مَعَ ارْتِفَاع الْعَمَل الَّذِي يُنَال بِهِ رِضَا اللَّه , أَوْ الْوُصُول إلَى كَرَامَته بِالنَّفَقَةِ مِنْ الْأَمْوَال , إذْ كَانَ لَا مَال هُنَالِكَ يُمْكِن إدْرَاك ذَلِك بِهِ - يَوْم لَا مُخَالَّة فِيهِ نَافِعَة كَمَا كَانَتْ فِي الدُّنْيَا , فَإِنَّ خَلِيل الرَّجُل فِي الدُّنْيَا قَدْ كَانَ يَنْفَعهُ فِيهَا بِالنُّصْرَةِ لَهُ عَلَى مَنْ حَاوَلَهُ بِمَكْرُوهٍ وَأَرَادَهُ بِسُوءٍ , وَالْمُظَاهَرَةُ لَهُ عَلَى ذَلِك . فَآيَسَهُمْ تَعَالَى ذِكْره أَيْضًا مِنْ ذَلِك , لِأَنَّهُ لَا أَحَد يَوْم الْقِيَامَة يَنْصُر أَحَدًا مِنْ اللَّه , بَلْ الْأَخِلَّاء بَعْضهمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ إلَّا الْمُتَّقِينَ , كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره . وَأَخْبَرَهُمْ أَيْضًا أَنَّهُمْ يَوْمئِذٍ مَعَ فَقْدهمْ السَّبِيل إلَى ابْتِيَاع مَا كَانَ لَهُمْ إلَى ابْتِيَاعه سَبِيل فِي الدُّنْيَا بِالنَّفَقَةِ مِنْ أَمْوَالهمْ , وَالْعَمَل بِأَبْدَانِهِمْ , وَعَدِمهمْ النُّصَرَاء مِنْ الْخِلَّانِ , وَالظُّهَرَاء مِنْ الْإِخْوَان , لَا شَافِع لَهُمْ يَشْفَع عِنْد اللَّه كَمَا كَانَ ذَلِك لَهُمْ فِي الدُّنْيَا , فَقَدْ كَانَ بَعْضهمْ يَشْفَع فِي الدُّنْيَا لِبَعْضٍ بِالْقَرَابَةِ وَالْجِوَار وَالْخُلَّة , وَغَيْر ذَلِك مِنْ الْأَسْبَاب , فَبَطَلَ ذَلِكَ كُلّه يَوْمئِذٍ , كَمَا أَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْره عَنْ قِيل أَعْدَائِهِ مِنْ أَهْل الْجَحِيم فِي الْآخِرَة إذَا صَارُوا فِيهَا : { فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ وَلَا صَدِيق حَمِيم } . 26 100 : 101 وَهَذِهِ الْآيَة مَخْرَجهَا فِي الشَّفَاعَة عَامّ وَالْمُرَاد بِهَا خَاصّ . وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ : مِنْ قَبْل أَنْ يَأْتِي يَوْم لَا بَيْع فِيهِ وَلَا خُلَّة وَلَا شَفَاعَة لِأَهْلِ الْكُفْر بِاَللَّهِ , لِأَنَّ أَهْل وِلَايَة اللَّه وَالْإِيمَان بِهِ يَشْفَع بَعْضهمْ لِبَعْضٍ . وَقَدْ بَيَّنَّا صِحَّة ذَلِك بِمَا أَغْنَى عَنْ إعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُول فِي ذَلِك بِمَا : 4494 - حَدَّثَنَا بِهِ بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْل أَنْ يَأْتِيَ يَوْم لَا بَيْع فِيهِ وَلَا خُلَّة وَلَا شَفَاعَة } قَدْ عَلِمَ اللَّه أَنَّ نَاسًا يَتَحَابُّونَ فِي الدُّنْيَا , وَيَشْفَع بَعْضهمْ لِبَعْضٍ , فَأَمَّا يَوْم الْقِيَامَة فَلَا خُلَّة إلَّا خُلَّة الْمُتَّقِينَ . وَأَمَّا قَوْله : { وَالْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِك : وَالْجَاحِدُونَ لِلَّهِ الْمُكَذِّبُونَ بِهِ وَبِرُسُلِهِ هُمْ الظَّالِمُونَ . يَقُول : هُمْ الْوَاضِعُونَ جُحُودهمْ فِي غَيْر مَوْضِعه , وَالْفَاعِلُونَ غَيْر مَا لَهُمْ فِعْله , وَالْقَائِلُونَ مَا لَيْسَ لَهُمْ قَوْله . وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى مَعْنَى الظُّلْم بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى قَبْل بِمَا أَغْنَى عَنْ إعَادَته . وَفِي قَوْله تَعَالَى ذِكْره فِي هَذَا الْمَوْضِع : { وَالْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَ } دِلَالَة وَاضِحَة عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَاهُ , وَأَنَّ قَوْله : { وَلَا خُلَّة وَلَا شَفَاعَة } إنَّمَا هُوَ مُرَاد بِهِ أَهْل الْكُفْر ; فَلِذَلِك أَتْبَعَ قَوْله ذَلِك : { وَالْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَ } فَدَلَّ بِذَلِك عَلَى أَنَّ مَعْنَى ذَلِك : حَرَمْنَا الْكُفَّارَ النُّصْرَة مِنْ الْأَخِلَّاء , وَالشَّفَاعَة مِنْ الْأَوْلِيَاء وَالْأَقْرِبَاء , وَلَمْ نَكُنْ لَهُمْ فِي فِعْلنَا ذَلِك بِهِمْ ظَالِمِينَ , إذْ كَانَ ذَلِك جَزَاء مِنَّا لِمَا سَلَفَ مِنْهُمْ مِنْ الْكُفْر بِاَللَّهِ فِي الدُّنْيَا , بَلْ الْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَ أَنْفُسهمْ بِمَا أَتَوْا مِنْ الْأَفْعَال الَّتِي أَوْجَبُوا لَهَا الْعُقُوبَة مِنْ رَبّهمْ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ صُرِفَ الْوَعِيدُ إلَى الْكُفَّار وَالْآيَة مُبْتَدَأَة بِذِكْرِ أَهْل الْإِيمَان ؟ قِيلَ لَهُ : إنَّ الْآيَة قَدْ تَقَدَّمَهَا ذِكْر صِنْفَيْنِ مِنْ النَّاس : أَحَدهمَا أَهْل كُفْر , وَالْآخَر أَهْل إيمَان , وَذَلِك قَوْله : { وَلَكِنْ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ } ثُمَّ عَقَّبَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره الصِّنْفَيْنِ بِمَا ذَكَّرَهُمْ بِهِ , فَحَضَّ أَهْل الْإِيمَان بِهِ عَلَى مَا يُقَرِّبهُمْ إلَيْهِ مِنْ النَّفَقَة فِي طَاعَته وَفِي جِهَاد أَعْدَائِهِ مِنْ أَهْل الْكُفْر بِهِ قَبْل مَجِيء الْيَوْم الَّذِي وَصَفَ صِفَته وَأَخْبَرَ فِيهِ عَنْ حَال أَعْدَائِهِ مِنْ أَهْل الْكُفْر بِهِ , إذْ كَانَ قِتَال أَهْل الْكُفْر بِهِ فِي مَعْصِيَته وَنَفَقَتهمْ فِي الصَّدّ عَنْ سَبِيله , فَقَالَ تَعَالَى ذِكْره : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا } أَنْتُمْ { مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ } فِي طَاعَتِي , إذْ كَانَ أَهْل الْكُفْر بِي يُنْفِقُونَ فِي مَعْصِيَتِي , { مِنْ قَبْل أَنْ يَأْتِيَ يَوْم لَا بَيْع فِيهِ } فَيُدْرِك أَهْل الْكُفْر فِيهِ ابْتِيَاع مَا فَرَّطُوا فِي ابْتِيَاعه فِي دُنْيَاهُمْ , { وَلَا خُلَّة } لَهُمْ يَوْمئِذٍ تَنْصُرهُمْ مِنِّي , وَلَا شَافِع لَهُمْ يَشْفَع عِنْدِي فَتُنْجِيهِمْ شَفَاعَته لَهُمْ مِنْ عِقَابِي ; وَهَذَا يَوْمئِذٍ فَعَلَيَّ بِهِمْ جَزَاء لَهُمْ عَلَى كُفْرهمْ , وَهُمْ الظَّالِمُونَ أَنْفُسهمْ دُونِي , لِأَنِّي غَيْر ظَلَّام لِعَبِيدِي . وَقَدْ : 4495 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحِيم , قَالَ : ثَنِيّ عَمْرو بْن أَبِي سَلَمَة , قَالَ : سَمِعْت عُمَر بْن سُلَيْمَان , يُحَدِّث عَنْ عَطَاء بْن دِينَار أَنَّهُ قَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي قَالَ : { وَالْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَ } وَلَمْ يَقُلْ : " الظَّالِمُونَ هُمْ الْكَافِرُونَ "
قَادِرِينَ , لِأَنَّهُ يَوْم جَزَاء وَثَوَاب وَعِقَاب , لَا يَوْم عَمَل وَاكْتِسَاب وَطَاعَة وَمَعْصِيَة , فَيَكُون لَكُمْ إلَى ابْتِيَاع مَنَازِل أَهْل الْكَرَامَة بِالنَّفَقَةِ حِينَئِذٍ , أَوْ بِالْعَمَلِ بِطَاعَةِ اللَّه , سَبِيل ; ثُمَّ أَعْلَمَهُمْ تَعَالَى ذِكْره أَنَّ ذَلِك الْيَوْم - مَعَ ارْتِفَاع الْعَمَل الَّذِي يُنَال بِهِ رِضَا اللَّه , أَوْ الْوُصُول إلَى كَرَامَته بِالنَّفَقَةِ مِنْ الْأَمْوَال , إذْ كَانَ لَا مَال هُنَالِكَ يُمْكِن إدْرَاك ذَلِك بِهِ - يَوْم لَا مُخَالَّة فِيهِ نَافِعَة كَمَا كَانَتْ فِي الدُّنْيَا , فَإِنَّ خَلِيل الرَّجُل فِي الدُّنْيَا قَدْ كَانَ يَنْفَعهُ فِيهَا بِالنُّصْرَةِ لَهُ عَلَى مَنْ حَاوَلَهُ بِمَكْرُوهٍ وَأَرَادَهُ بِسُوءٍ , وَالْمُظَاهَرَةُ لَهُ عَلَى ذَلِك . فَآيَسَهُمْ تَعَالَى ذِكْره أَيْضًا مِنْ ذَلِك , لِأَنَّهُ لَا أَحَد يَوْم الْقِيَامَة يَنْصُر أَحَدًا مِنْ اللَّه , بَلْ الْأَخِلَّاء بَعْضهمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ إلَّا الْمُتَّقِينَ , كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره . وَأَخْبَرَهُمْ أَيْضًا أَنَّهُمْ يَوْمئِذٍ مَعَ فَقْدهمْ السَّبِيل إلَى ابْتِيَاع مَا كَانَ لَهُمْ إلَى ابْتِيَاعه سَبِيل فِي الدُّنْيَا بِالنَّفَقَةِ مِنْ أَمْوَالهمْ , وَالْعَمَل بِأَبْدَانِهِمْ , وَعَدِمهمْ النُّصَرَاء مِنْ الْخِلَّانِ , وَالظُّهَرَاء مِنْ الْإِخْوَان , لَا شَافِع لَهُمْ يَشْفَع عِنْد اللَّه كَمَا كَانَ ذَلِك لَهُمْ فِي الدُّنْيَا , فَقَدْ كَانَ بَعْضهمْ يَشْفَع فِي الدُّنْيَا لِبَعْضٍ بِالْقَرَابَةِ وَالْجِوَار وَالْخُلَّة , وَغَيْر ذَلِك مِنْ الْأَسْبَاب , فَبَطَلَ ذَلِكَ كُلّه يَوْمئِذٍ , كَمَا أَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْره عَنْ قِيل أَعْدَائِهِ مِنْ أَهْل الْجَحِيم فِي الْآخِرَة إذَا صَارُوا فِيهَا : { فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ وَلَا صَدِيق حَمِيم } . 26 100 : 101 وَهَذِهِ الْآيَة مَخْرَجهَا فِي الشَّفَاعَة عَامّ وَالْمُرَاد بِهَا خَاصّ . وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ : مِنْ قَبْل أَنْ يَأْتِي يَوْم لَا بَيْع فِيهِ وَلَا خُلَّة وَلَا شَفَاعَة لِأَهْلِ الْكُفْر بِاَللَّهِ , لِأَنَّ أَهْل وِلَايَة اللَّه وَالْإِيمَان بِهِ يَشْفَع بَعْضهمْ لِبَعْضٍ . وَقَدْ بَيَّنَّا صِحَّة ذَلِك بِمَا أَغْنَى عَنْ إعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُول فِي ذَلِك بِمَا : 4494 - حَدَّثَنَا بِهِ بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْل أَنْ يَأْتِيَ يَوْم لَا بَيْع فِيهِ وَلَا خُلَّة وَلَا شَفَاعَة } قَدْ عَلِمَ اللَّه أَنَّ نَاسًا يَتَحَابُّونَ فِي الدُّنْيَا , وَيَشْفَع بَعْضهمْ لِبَعْضٍ , فَأَمَّا يَوْم الْقِيَامَة فَلَا خُلَّة إلَّا خُلَّة الْمُتَّقِينَ . وَأَمَّا قَوْله : { وَالْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِك : وَالْجَاحِدُونَ لِلَّهِ الْمُكَذِّبُونَ بِهِ وَبِرُسُلِهِ هُمْ الظَّالِمُونَ . يَقُول : هُمْ الْوَاضِعُونَ جُحُودهمْ فِي غَيْر مَوْضِعه , وَالْفَاعِلُونَ غَيْر مَا لَهُمْ فِعْله , وَالْقَائِلُونَ مَا لَيْسَ لَهُمْ قَوْله . وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى مَعْنَى الظُّلْم بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى قَبْل بِمَا أَغْنَى عَنْ إعَادَته . وَفِي قَوْله تَعَالَى ذِكْره فِي هَذَا الْمَوْضِع : { وَالْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَ } دِلَالَة وَاضِحَة عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَاهُ , وَأَنَّ قَوْله : { وَلَا خُلَّة وَلَا شَفَاعَة } إنَّمَا هُوَ مُرَاد بِهِ أَهْل الْكُفْر ; فَلِذَلِك أَتْبَعَ قَوْله ذَلِك : { وَالْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَ } فَدَلَّ بِذَلِك عَلَى أَنَّ مَعْنَى ذَلِك : حَرَمْنَا الْكُفَّارَ النُّصْرَة مِنْ الْأَخِلَّاء , وَالشَّفَاعَة مِنْ الْأَوْلِيَاء وَالْأَقْرِبَاء , وَلَمْ نَكُنْ لَهُمْ فِي فِعْلنَا ذَلِك بِهِمْ ظَالِمِينَ , إذْ كَانَ ذَلِك جَزَاء مِنَّا لِمَا سَلَفَ مِنْهُمْ مِنْ الْكُفْر بِاَللَّهِ فِي الدُّنْيَا , بَلْ الْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَ أَنْفُسهمْ بِمَا أَتَوْا مِنْ الْأَفْعَال الَّتِي أَوْجَبُوا لَهَا الْعُقُوبَة مِنْ رَبّهمْ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ صُرِفَ الْوَعِيدُ إلَى الْكُفَّار وَالْآيَة مُبْتَدَأَة بِذِكْرِ أَهْل الْإِيمَان ؟ قِيلَ لَهُ : إنَّ الْآيَة قَدْ تَقَدَّمَهَا ذِكْر صِنْفَيْنِ مِنْ النَّاس : أَحَدهمَا أَهْل كُفْر , وَالْآخَر أَهْل إيمَان , وَذَلِك قَوْله : { وَلَكِنْ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ } ثُمَّ عَقَّبَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره الصِّنْفَيْنِ بِمَا ذَكَّرَهُمْ بِهِ , فَحَضَّ أَهْل الْإِيمَان بِهِ عَلَى مَا يُقَرِّبهُمْ إلَيْهِ مِنْ النَّفَقَة فِي طَاعَته وَفِي جِهَاد أَعْدَائِهِ مِنْ أَهْل الْكُفْر بِهِ قَبْل مَجِيء الْيَوْم الَّذِي وَصَفَ صِفَته وَأَخْبَرَ فِيهِ عَنْ حَال أَعْدَائِهِ مِنْ أَهْل الْكُفْر بِهِ , إذْ كَانَ قِتَال أَهْل الْكُفْر بِهِ فِي مَعْصِيَته وَنَفَقَتهمْ فِي الصَّدّ عَنْ سَبِيله , فَقَالَ تَعَالَى ذِكْره : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا } أَنْتُمْ { مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ } فِي طَاعَتِي , إذْ كَانَ أَهْل الْكُفْر بِي يُنْفِقُونَ فِي مَعْصِيَتِي , { مِنْ قَبْل أَنْ يَأْتِيَ يَوْم لَا بَيْع فِيهِ } فَيُدْرِك أَهْل الْكُفْر فِيهِ ابْتِيَاع مَا فَرَّطُوا فِي ابْتِيَاعه فِي دُنْيَاهُمْ , { وَلَا خُلَّة } لَهُمْ يَوْمئِذٍ تَنْصُرهُمْ مِنِّي , وَلَا شَافِع لَهُمْ يَشْفَع عِنْدِي فَتُنْجِيهِمْ شَفَاعَته لَهُمْ مِنْ عِقَابِي ; وَهَذَا يَوْمئِذٍ فَعَلَيَّ بِهِمْ جَزَاء لَهُمْ عَلَى كُفْرهمْ , وَهُمْ الظَّالِمُونَ أَنْفُسهمْ دُونِي , لِأَنِّي غَيْر ظَلَّام لِعَبِيدِي . وَقَدْ : 4495 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحِيم , قَالَ : ثَنِيّ عَمْرو بْن أَبِي سَلَمَة , قَالَ : سَمِعْت عُمَر بْن سُلَيْمَان , يُحَدِّث عَنْ عَطَاء بْن دِينَار أَنَّهُ قَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي قَالَ : { وَالْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَ } وَلَمْ يَقُلْ : " الظَّالِمُونَ هُمْ الْكَافِرُونَ "
اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اللَّه لَا إلَه إلَّا هُوَ } . قَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى تَأْوِيل قَوْله : " اللَّه " . وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { لَا إلَه إلَّا هُوَ } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : النَّهْي عَنْ أَنْ يُعْبَد شَيْء غَيْر اللَّه الْحَيّ الْقَيُّوم الَّذِي
صِفَته مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسه تَعَالَى ذِكْره فِي هَذِهِ الْآيَة . يَقُول : " اللَّه " الَّذِي لَهُ عِبَادَة الْخَلْق " الْحَيّ الْقَيُّوم " , لَا إلَه سِوَاهُ , لَا مَعْبُود سِوَاهُ , يَعْنِي : وَلَا تَعْبُدُوا شَيْئًا سِوَى الْحَيّ الْقَيُّوم الَّذِي لَا يَأْخُذهُ سِنَة وَلَا نَوْم , وَاَلَّذِي صِفَته مَا وُصِفَ فِي هَذِهِ الْآيَة . وَهَذِهِ الْآيَة إبَانَة مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنَيْنِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ عَمَّا جَاءَتْ بِهِ أَقْوَال الْمُخْتَلِفِينَ فِي الْبَيِّنَات مِنْ بَعْد الرُّسُل الَّذِينَ أَخْبَرَنَا تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُ فَضَّلَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض , وَأَتْلَفُوا فِيهِ , فَاقْتَتَلُوا فِيهِ كُفْرًا بِهِ مِنْ بَعْض , وَإِيمَانًا بِهِ مِنْ بَعْض . فَالْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِلتَّصْدِيقِ بِهِ وَوَفَّقْنَا لِلْإِقْرَارِ
وَأَمَّا قَوْله : { الْحَيّ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : الَّذِي لَهُ الْحَيَاة الدَّائِمَة , وَالْبَقَاء الَّذِي لَا أَوَّل لَهُ يُحَدّ , وَلَا آخِر لَهُ يُؤَمَّد , إذْ كَانَ كُلّ مَا سِوَاهُ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ حَيًّا فَلِحَيَاتِهِ أَوَّل مَحْدُود وَآخِر مَمْدُود , يَنْقَطِع بِانْقِطَاعِ أَمَدهَا وَيَنْقَضِي بِانْقِضَاءِ غَايَتهَا . وَبِمَا قُلْنَا فِي ذَلِك قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4496 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا
ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { الْحَيّ } حَيّ لَا يَمُوت . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله . وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْل الْبَحْث فِي تَأْوِيل ذَلِك , فَقَالَ بَعْضهمْ : إنَّمَا سَمَّى اللَّه نَفْسه حَيًّا لِصَرْفِهِ الْأُمُور مَصَارِفهَا وَتَقْدِيره الْأَشْيَاء مَقَادِيرهَا , فَهُوَ حَيّ بِالتَّدْبِيرِ لَا بِحَيَاةٍ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ حَيّ بِحَيَاةٍ هِيَ لَهُ صِفَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِك اسْم مِنْ الْأَسْمَاء تَسَمَّى بِهِ , فَقُلْنَاهُ تَسْلِيمًا لِأَمْرِهِ .
وَأَمَّا قَوْله : { الْقَيُّوم } فَإِنَّهُ " الْفَيْعُول " مِنْ الْقِيَام , وَأَصْله " الْقَيْوُوم " : سَبَقَ عَيْن الْفِعْل وَهِيَ وَاو يَاء سَاكِنَة , فَأُدْغِمَتَا فَصَارَتَا يَاء مُشَدَّدَة ; وَكَذَلِك تَفْعَل الْعَرَب فِي كُلّ وَاو كَانَتْ لِلْفِعْلِ عَيْنًا سَبَقَتْهَا يَاء سَاكِنَة . وَمَعْنَى قَوْله : { الْقَيُّوم } : الْقَائِم بِرِزْقِ مَا خَلَقَ وَحِفْظه , كَمَا قَالَ أُمَيَّة : لَمْ يَخْلُق السَّمَاء وَالنُّجُوم وَالشَّمْس مِنْهَا قَمَر يَقُوم قَدْر
الْمُهِين الْقَيُّوم وَالْحَشْر وَالْجَنَّة وَالْجَحِيم إلَّا لِأَمْرٍ شَأْنه عَظِيم وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِك قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4497 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثِنَا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { الْقَيُّوم } قَالَ : الْقَائِم عَلَى كُلّ شَيْء . 4498 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , عَنْ ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { الْقَيُّوم } قَيِّم كُلّ شَيْء , يَكْلَؤُهُ وَيَرْزُقهُ وَيَحْفَظهُ
. 4499 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { الْقَيُّوم } وَهُوَ الْقَائِم . 4500 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { الْحَيّ الْقَيُّوم } قَالَ : الْقَائِم الدَّائِم .
الْقَوْل فِي تَأْوِيله قَوْله تَعَالَى : { لَا تَأْخُذهُ سِنَة وَلَا نَوْم } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ { لَا تَأْخُذهُ سِنَة } لَا يَأْخُذهُ نُعَاس فَيَنْعَس , وَلَا نَوْم فَيَسْتَثْقِل نَوْمًا . وَالْوَسَن : خُثُورَة النَّوْم , وَمِنْهُ قَوْل عَدِيّ بْن الرِّقَاع : وَسْنَانُ أَقْصَدَهُ النُّعَاس فَرَنَّقَتْ فِي عَيْنه سِنَة وَلَيْسَ بِنَائِمِ وَمِنْ الدَّلِيل عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهَا خُثُورَة النَّوْم فِي عَيْن الْإِنْسَان , قَوْل الْأَعْشَى مَيْمُون بْن قَيْس : تُعَاطِي الضَّجِيع إذَا أَقْبَلَتْ بُعَيْد النُّعَاس وَقَبْل الْوَسَن وَقَالَ آخَر : بَاكَرَتْهَا الْأَغْرَاب فِي سِنَة النَّوْ مِ فَتَجْرِي خِلَال شَوْك السَّيَال يَعْنِي عِنْد هُبُوبهَا مِنْ النَّوْم وَوَسَن النَّوْم فِي عَيْنهَا , يُقَال مِنْهُ : وَسِنَ فُلَان فَهُوَ وَسِن وَسَنًا وَسِنَة وَهُوَ سَنُون , إذَا كَانَ كَذَلِك . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِك قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4501 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِيّ مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله تَعَالَى : { لَا تَأْخُذهُ سِنَة } قَالَ : السِّنَة : النُّعَاس , وَالنَّوْم : هُوَ النَّوْم . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني
أَبِي , قَالَ : ثَنِيّ عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { لَا تَأْخُذهُ سِنَة } السِّنَة : النُّعَاس . 4502 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يُحْيِي , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّازِق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ وَالْحَسَن فِي قَوْله : { لَا تَأْخُذهُ سِنَة } قَالَا : نَعْسَة . 4503 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ ثِنَا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { لَا تَأْخُذهُ سِنَة وَلَا نَوْم } قَالَ : السِّنَة : الْوَسْنَة , وَهُوَ دُون النَّوْم , وَالنَّوْم : الِاسْتِثْقَال , * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثِنَا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { لَا تَأْخُذهُ سِنَة وَلَا نَوْم } السِّنَة : النُّعَاس , وَالنَّوْم : الِاسْتِثْقَال , * - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , مِثْله سَوَاء . 4504 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { لَا تَأْخُذهُ سِنَة وَلَا نَوْم } أَمَّا سِنَة : فَهُوَ رِيح النَّوْم الَّذِي يَأْخُذ فِي الْوَجْه فَيَنْعَس الْإِنْسَان . 4505 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { لَا تَأْخُذهُ سِنَة وَلَا نَوْم } قَالَ : السِّنَة : الْوَسْنَان بَيْن النَّائِم وَالْيَقْظَان . 4506 - حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : ثنا مُنْجَاب بْن الْحَرْث , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن مُسْهِر , عَنْ إسْمَاعِيل عَنْ يَحْيَى بْن رَافِع : { لَا تَأْخُذهُ سِنَة } قَالَ : النُّعَاس . 4507 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { لَا تَأْخُذهُ سِنَة وَلَا نَوْم } قَالَ : الْوَسْنَان : الَّذِي يَقُوم مِنْ النَّوْم لَا يَعْقِل , حَتَّى رُبَّمَا أَخَذَ السَّيْف عَلَى أَهْله . وَإِنَّمَا عَنَى تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { لَا تَأْخُذهُ سِنَة وَلَا نَوْم } لَا تَحِلّهُ الْآفَات , وَلَا تَنَالهُ الْعَاهَات . وَذَلِك أَنَّ السِّنَة وَالنَّوْم مَعْنَيَانِ يَغْمُرَانِ فَهْم ذِي الْفَهْم , وَيُزِيلَانِ مَنْ أَصَابَاهُ عَنْ الْحَال الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا قَبْل أَنْ يُصِيبَاهُ . فَتَأْوِيل الْكَلَام إذْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفْنَا : اللَّه لَا إلَه إلَّا هُوَ الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت , الْقَيُّوم عَلَى كُلّ مَا هُوَ دُونه بِالرِّزْقِ وَالْكِلَاءَة وَالتَّدْبِير وَالتَّصْرِيف مِنْ حَال إلَى حَال , لَا تَأْخُذهُ سِنَة وَلَا نَوْم , لَا يُغَيِّرهُ مَا يُغَيِّر غَيْره , وَلَا يُزِيلهُ عَمَّا لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ تَنَقُّل الْأَحْوَال وَتَصْرِيف اللَّيَالِي وَالْأَيَّام , بَلْ هُوَ الدَّائِم عَلَى حَال , وَالْقَيُّوم عَلَى جَمِيع الْأَنَام , لَوْ نَامَ كَانَ مَغْلُوبًا مَقْهُورًا , لِأَنَّ النَّوْم غَالِب النَّائِم قَاهِره , وَلَوْ وَسِنَ لَكَانَتْ السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا فِيهِمَا دَكًّا , لِأَنَّ قِيَام جَمِيع ذَلِك بِتَدْبِيرِهِ وَقُدْرَته , وَالنَّوْم شَاغِل الْمُدَبِّر عَنْ التَّدْبِير , وَالنُّعَاس مَانِع الْمُقَدِّر عَنْ التَّقْدِير بِوَسْنِه . كَمَا : 4508 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , قَالَ : وَأَخْبَرَ فِي الْحَكَم بْن أَبَانَ , عَنْ عِكْرِمَة مَوْلَى ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { لَا يَأْخُذهُ سِنَة وَلَا نَوْم } أَنَّ مُوسَى سَأَلَ الْمَلَائِكَة : هَلْ يَنَام اللَّه ؟ فَأَوْحَى اللَّه إلَى الْمَلَائِكَة , وَأَمَرَهُمْ أَنَّ يُؤَرِّقُوهُ ثَلَاثًا فَلَا يَتْرُكُوهُ يَنَام . فَفَعَلُوا , ثُمَّ أَعْطَوْهُ قَارُورَتَيْنِ فَأَمْسَكُوهُ , ثُمَّ تَرَكُوهُ وَحَذَّرُوهُ أَنْ يَكْسِرهُمَا . قَالَ : فَجَعَلَ يَنْعَس وَهُمَا فِي يَدَيْهِ , فِي كُلّ يَد وَاحِدَة . قَالَ : فَجَعَلَ يَنْعَس وَيَنْتَبِه , وَيَنْعَس وَيَنْتَبِه , حَتَّى نَعَسَ نَعْسَة , فَضَرَبَ بِإِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى فَكَسَرَهُمَا . قَالَ مَعْمَر : إنَّمَا هُوَ مِثْل ضَرَبَهُ اللَّه , يَقُول : فَكَذَلِكَ السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي يَدَيْهِ . 4509 - حَدَّثَنَا إسْحَاق بْن أَبِي إسْرَائِيل , قَالَ : ثنا هِشَام بْن يُوسُف , عَنْ أُمَيَّة بْن شِبْل , عَنْ الْحَكَم بْن أَبَانَ , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْكِي عَنْ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَر , قَالَ : " وَقَعَ فِي نَفْس مُوسَى هَلْ يَنَام اللَّه تَعَالَى ذِكْره ؟ فَأَرْسَلَ اللَّه إلَيْهِ مَلَكًا فَأَرَّقَهُ ثَلَاثًا , ثُمَّ أَعْطَاهُ قَارُورَتَيْنِ , فِي كُلّ يَد قَارُورَة , أَمَرَهُ أَنْ يَحْتَفِظ بِهِمَا " قَالَ : " فَجَعَلَ يَنَام وَتَكَاد يَدَاهُ تَلْتَقِيَانِ , ثُمَّ يَسْتَيْقِظ فَيَحْبِس إحْدَاهُمَا عَنْ الْأُخْرَى , ثُمَّ نَامَ نَوْمَة فَاصْطَفَقَتْ يَدَاهُ وَانْكَسَرَتْ الْقَارُورَتَانِ " . قَالَ : ضَرَبَ اللَّه مَثَلًا لَهُ , أَنَّ اللَّه لَوْ كَانَ يَنَام لَمْ تَسْتَمْسِك السَّمَاء وَالْأَرْض .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَهُ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَع عِنْده إلَّا بِإِذْنِهِ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { لَهُ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض } أَنَّهُ مَالِك جَمِيع ذَلِك بِغَيْرِ شَرِيك وَلَا نَدِيد , وَخَالِق جَمِيعه دُون كُلّ آلِهَة وَمَعْبُود . وَإِنَّمَا يُعْنَى بِذَلِك أَنَّهُ لَا تَنْبَغِي الْعِبَادَة لِشَيْءٍ سِوَاهُ , لِأَنَّ الْمَمْلُوك إنَّمَا هُوَ طَوْع يَد مَالِكه , وَلَيْسَ لَهُ خِدْمَة غَيْره إلَّا بِأَمْرِهِ . يَقُول : فَجَمِيع مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض مِلْكِي وَخَلْقِي , فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْبُد أَحَد مِنْ لَقَى غَيْرِي وَأَنَا مَالِكه , لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يَعْبُد غَيْر مَالِكه , وَلَا يُطِيع سِوَى مَوْلَاهُ . وَأَمَّا قَوْله : { مِنْ ذَا الَّذِي يَشْفَع عِنْده إلَّا بِإِذْنِهِ } يَعْنِي بِذَلِك : مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَع لِمَمَالِيكِهِ إنْ أَرَادَ عُقُوبَتهمْ إلَّا أَنْ يَلِيَهُ , وَيَأْذَن لَهُ بِالشَّفَاعَةِ لَهُمْ . وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك تَعَالَى ذِكْره لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا : مَا نَعْبُد أَوْثَاننَا هَذِهِ إلَّا لِيُقَرِّبُونَا
إلَى اللَّه زُلْفَى , فَقَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لَهُمْ : لِي مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض مَعَ السَّمَوَات وَالْأَرْض مُلْكًا , فَلَا يَنْبَغِي الْعِبَادَة لِغَيْرِي , فَلَا تَعْبُدُوا الْأَوْثَان الَّتِي تَزْعُمُونَ أَنَّهَا تُقَرِّبكُمْ مِنِّي زُلْفَى , فَإِنَّهَا لَا تَنْفَعكُمْ عِنْدِي وَلَا تُغْنِي عَنْكُمْ شَيْئًا , وَلَا يَشْفَع عِنْدِي أَحَد لِأَحَدٍ إلَّا بِتَخْلِيَتِي إيَّاهُ وَالشَّفَاعَة لِمَنْ يَشْفَع لَهُ , مِنْ رُسُلِي وَأَوْلِيَائِي وَأَهْل طَاعَتِي .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَعْلَم مَا بَيْن أَيْدِيهمْ وَمَا خَلْفهمْ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ أَنَّهُ الْمُحِيط بِكُلِّ مَا كَانَ وَبِكُلِّ مَا هُوَ كَائِن عِلْمًا , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِك قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4510 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ الْحَكَم : { يَعْلَم مَا بَيْن أَيْدِيهمْ }
الدُّنْيَا { وَمَا خَلْفهمْ } الْآخِرَة . 4511 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { يَعْلَم مَا بَيْن أَيْدِيهمْ } مَا مَضَى مِنْ الدُّنْيَا { وَمَا خَلْفهمْ } مِنْ الْآخِرَة . 4512 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ قَوْله : { يَعْلَم مَا بَيْن أَيْدِيهمْ } مَا مَضَى أَمَامهمْ مِنْ الدُّنْيَا { وَمَا خَلْفهمْ } مَا يَكُون بَعْدهمْ مِنْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة . 4513 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثِنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { يَعْلَم مَا بَيْن أَيْدِيهمْ } قَالَ : مَا بَيْن أَيْدِيهمْ فَالدُّنْيَا { وَمَا خَلْفهمْ } فَالْآخِرَة .
وَأَمَّا قَوْله : { وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمه إلَّا بِمَا شَاءَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُ الْعَالِم الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مُحِيط بِذَلِك كُلّه مُحْصٍ لَهُ دُون سَائِر مَنْ دُونه , وَأَنَّهُ لَا يَعْلَم أَحَد سِوَاهُ شَيْئًا إلَّا بِمَا شَاءَ هُوَ أَنْ يَعْلَمهُ فَأَرَادَ فَعَلِمَهُ . وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِك أَنَّ الْعِبَادَة لَا تَنْبَغِي لِمَنْ كَانَ بِالْأَشْيَاءِ جَاهِلًا فَكَيْفَ يُعْبَد مَنْ لَا يَعْقِل شَيْئًا الْبَتَّة مِنْ
وَثَن وَصَنَم , يَقُول : أَخْلِصُوا الْعِبَادَة لِمَنْ هُوَ مُحِيط بِالْأَشْيَاءِ كُلّهَا يَعْلَمهَا , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ صَغِيرهَا وَكَبِيرهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِك قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4514 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمه } يَقُول : لَا يَعْلَمُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمه إلَّا بِمَا شَاءَ هُوَ أَنْ يُعْلِمهُمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَسِعَ كُرْسِيّه السَّمَوَات وَالْأَرْض } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْكُرْسِيّ الَّذِي أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره فِي هَذِهِ الْآيَة أَنَّهُ وَسِعَ السَّمَوَات وَالْأَرْض , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ عِلْم اللَّه تَعَالَى ذِكْره . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4515 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَسَلْم بْن جُنَادَةَ , قَالَا : ثنا ابْن إدْرِيس , عَنْ مُطَرِّف , عَنْ جَعْفَر بْن أَبِي الْمُغِيرَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَسِعَ كُرْسِيّه } قَالَ : كُرْسِيّه : عِلْمه . 4516 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُطَرِّف , عَنْ جَعْفَر بْن أَبِي الْمُغِيرَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس , مِثْله , وَزَادَ فِيهِ : أَلَا تَرَى إلَى قَوْله : { وَلَا يَئُودهُ حِفْظهمَا } ؟ وَقَالَ آخَرُونَ : الْكُرْسِيّ : مَوْضِع الْقَدَمَيْنِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4517 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن مُسْلِم الطُّوسِيّ , قَالَ
: ثنا عَبْد الصَّمَد بْن عَبْد الْوَارِث , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن جُحَادَةَ , عَنْ سَلَمَة بْن كُهَيْل , عَنْ عُمَارَة بْن عُمَيْر , عَنْ أَبِي مُوسَى , قَالَ : الْكُرْسِيّ : مَوْضِع الْقَدَمَيْنِ , وَلَهُ أَطِيط كَأَطِيطِ الرَّحْل . 4518 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَاوُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثِنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَسِعَ كُرْسِيّه السَّمَوَات وَالْأَرْض } فَإِنَّ السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي جَوْف الْكُرْسِيّ , وَالْكُرْسِيّ بَيْن يَدَيْ الْعَرْش , وَهُوَ مَوْضِع قَدَمَيْهِ . 4519 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك قَوْله : { وَسِعَ كُرْسِيّه السَّمَوَات وَالْأَرْض } قَالَ : كُرْسِيّه الَّذِي يُوضَع تَحْت الْعَرْش , الَّذِي يَجْعَل الْمُلُوك عَلَيْهِ أَقْدَامهمْ , 4520 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثِنَا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَمَّار الدُّهْنِيّ , عَنْ مُسْلِم الْبُطَيْن , قَالَ : الْكُرْسِيّ : مَوْضِع الْقَدَمَيْنِ . 4521 - حَدَّثَنِي عَنْ عَمَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { وَسِعَ كُرْسِيّه السَّمَوَات وَالْأَرْض } قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { وَسِعَ كُرْسِيّه السَّمَوَات وَالْأَرْض } قَالَ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا رَسُول اللَّه هَذَا الْكُرْسِيّ وَسِعَ السَّمَوَات وَالْأَرْض , فَكَيْفَ الْعَرْش فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { وَمَا قَدَرُوا اللَّه حَقّ قَدْره } إلَى قَوْله : { سُبْحَانه وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } . 39 67 4522 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَسِعَ كُرْسِيّه السَّمَوَات وَالْأَرْض } قَالَ ابْن زَيْد : فَحَدَّثَنِي أَبِي قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا السَّمَوَات السَّبْع فِي الْكُرْسِيّ إلَّا كَدَرَاهِم سَبْعَة أُلْقِيَتْ فِي تُرْس " . قَالَ : وَقَالَ أَبُو ذَرّ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " مَا الْكُرْسِيّ فِي الْعَرْش إلَّا كَحَلْقَةٍ مِنْ حَدِيد أُلْقِيَتْ بَيْن ظَهْرَيْ فَلَاة مِنْ الْأَرْض " . وَقَالَ آخَرُونَ : الْكُرْسِيّ : هُوَ الْعَرْش نَفْسه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4523 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : كَانَ الْحَسَن يَقُول : الْكُرْسِيّ : هُوَ الْعَرْش . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَلِكُلِّ قَوْل مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَال وَجْه وَمَذْهَب , غَيْر أَنَّ الَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَة مَا جَاءَ بِهِ الْأَثَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُوَ مَا : 4524 - حَدَّثَنِي بِهِ عَبْد اللَّه بْن أَبِي زِيَاد الْقَطَوَانِيّ , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا إسْرَائِيل , عَنْ أَبَى إسْحَاق , عَنْ عَبْد اللَّه بْن خَلِيفَة , قَالَ : أَتَتْ امْرَأَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَتْ : اُدْعُ اللَّه أَنْ يَدُلّنِي الْجَنَّة ! فَعَظَّمَ الرَّبّ تَعَالَى ذِكْره , ثُمَّ قَالَ : " إنَّ كُرْسِيّه وَسِعَ السَّمَوَات وَالْأَرْض , وَأَنَّهُ لَيَقْعُد عَلَيْهِ فَمَا يَفْضُل مِنْهُ مِقْدَار أَرْبَع أَصَابِع " ثُمَّ قَالَ بِأَصَابِعِهِ فَجَمَعَهَا : " وَإِنَّ لَهُ أَطِيطًا كَأَطِيطِ الرَّحْل الْجَدِيد إذَا رُكِبَ مِنْ ثِقَله " * - حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن أَبَى زِيَاد , قَالَ : ثِنَا يَحْيَى بْن أَبِي بَكْر , عَنْ إسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ عَبْد اللَّه بْن خَلِيفَة , عَنْ عُمَر , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ عَبْد اللَّه بْن خَلِيفَة , قَالَ : جَاءَتْ امْرَأَة , فَذَكَرَ نَحْوه . وَأَمَّا الَّذِي يَدُلّ عَلَى صِحَّته ظَاهِر الْقُرْآن فَقَوْل ابْن عَبَّاس الَّذِي رَوَاهُ جَعْفَر بْن أَبِي الْمُغِيرَة عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : هُوَ عِلْمُهُ , وَذَلِك لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْره : { وَلَا يَئُودهُ حِفْظهمَا } عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَئُودهُ حِفْظ مَا عَلِمَ , وَأَحَاطَ بِهِ مِمَّا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض , وَكَمَا أَخْبَرَ عَنْ مَلَائِكَته أَنَّهُمْ قَالُوا فِي دُعَائِهِمْ : { رَبّنَا وَسِعْت كُلّ شَيْء رَحْمَة وَعِلْمًا } 40 7 فَأَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْره أَنَّ عِلْمه وَسِعَ كُلّ شَيْء , فَكَذَلِكَ قَوْله : { وَسِعَ كُرْسِيّه السَّمَوَات وَالْأَرْض } . وَأَصْل الْكُرْسِيّ : الْعِلْم , وَمِنْهُ قِيلَ لِلصَّحِيفَةِ يَكُون فِيهَا عِلْم مَكْتُوب كُرَّاسَة , وَمِنْهُ قَوْل الرَّاجِز فِي صِفَة قَانِص : حَتَّى إذَا مَا احْتَازَهَا تَكَرُّسًا يَعْنِي عَلِمَ . وَمِنْهُ يُقَال لِلْعُلَمَاءِ : الْكَرَاسِيّ , لِأَنَّهُمْ الْمُعْتَمَد عَلَيْهِمْ , كَمَا يُقَال : أَوْتَاد الْأَرْض , يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُمْ الْعُلَمَاء الَّذِي تَصْلُح بِهِمْ الْأَرْض ; وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : يُحَفّ بِهِمْ بِيض الْوُجُوه وَعُصْبَة كَرَاسِيّ بِالْأَحْدَاثِ حِين تَنُوب يَعْنِي بِذَلِك عُلَمَاء بِحَوَادِث الْأُمُور وَنَوَازِلهَا . وَالْعَرَب تُسَمِّي أَصْل كُلّ شَيْء الْكِرْس , يُقَال مِنْهُ : فُلَان كَرِيم الْكِرْس : أَيْ كَرِيم الْأَصْل , قَالَ الْعَجَّاج : قَدْ عَلِمَ الْقُدُّوس مَوْلَى الْقُدْس أَنَّ أَبَا الْعَبَّاس أَوْلَى نَفْس بِمَعْدِنِ الْمُلْك الْكَرِيم الْكِرْس يَعْنِي بِذَلِك : الْكَرِيم الْأَصْل , وَيُرْوَى : فِي مَعْدِن الْعِزّ الْكَرِيم الْكِرْس
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا يَئُودهُ حِفْظهمَا } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَلَا يَئُودُه حِفْظهمَا } وَلَا يَشُقّ عَلَيْهِ وَلَا يَعْقِلهُ , يُقَال مِنْهُ : قَدْ آدَنِي هَذَا الْأَمْر فَهُوَ يَئُودنِي أَوْدًا وَإِيَادًا , وَيُقَال :
مَا آدَك فَهُوَ لِي آئِد , يَعْنِي بِذَلِك : مَا أَثْقَلَك فَهُوَ لِي مُثْقِل . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِك قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4525 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَلَا يَئُودُه حِفْظهمَا } يَقُول : لَا يَثْقُل عَلَيْهِ . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَلَا يَئُودُه حِفْظهمَا } قَالَ : لَا يَثْقُل عَلَيْهِ حِفْظهمَا . 4526 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { وَلَا يَئُودُه حِفْظهمَا } لَا يُعْقَل عَلَيْهِ لَا يُجْهِدهُ حِفْظهمَا . 4527 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ الْحَسَن وَقَتَادَة فِي قَوْله : { وَلَا يَئُودُه حِفْظهمَا } قَالَ : لَا يُعْقَل عَلَيْهِ شَيْء . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن بَزِيع , قَالَ : ثنا يُوسُف بْن خَالِد السَّمْتِيّ , قَالَ : ثنا نَافِع بْن مَالِك , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { وَلَا يَئُودهُ حِفْظهمَا } قَالَ : لَا يَثْقُل عَلَيْه حِفْظهمَا . 4528 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي زَائِدَةَ , وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَزِيد , قَالَا جَمِيعًا : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر عَنْ الضَّحَّاك : { وَلَا يَئُودُه حِفْظهمَا } قَالَ : لَا يُعْقَل عَلَيْهِ . * - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , عَنْ عُبَيْد , عَنْ الضَّحَّاك , مِثْله . 4529 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : سَمِعْته - يَعْنِي خَلَّادًا - يَقُول : سَمِعْت أَبَا عَبْد الرَّحْمَن الْمَدِينِيّ يَقُول فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَلَا يَئُودُه حِفْظهمَا } قَالَ : لَا يَكْثُر عَلَيْهِ . 4530 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى بْن مَيْمُون , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { وَلَا يَئُودُه حِفْظهمَا } قَالَ : لَا يُكْرِثهُ . 4531 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثِنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَا يَئُودُه حِفْظهمَا } قَالَ : لَا يَثْقُل عَلَيْهِ . 4532 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثِنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { وَلَا يَئُودُه حِفْظهمَا } يَقُول : لَا يَثْقُل عَلَيْهِ حِفْظهمَا . 4533 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَلَا يَئُودُه حِفْظهمَا } قَالَ : لَا يَعِزّ عَلَيْهِ حِفْظهمَا . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْهَاء وَالْمِيم وَالْأَلِف فِي قَوْله : { حِفْظهمَا } مِنْ ذِكْر السَّمَوَات وَالْأَرْض ; فَتَأْوِيل الْكَلَام : وَسِعَ كُرْسِيّه السَّمَوَات وَالْأَرْض , وَلَا يَثْقُل عَلَيْهِ حِفْظ السَّمَوَات وَالْأَرْض .
وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { وَهُوَ الْعَلِيّ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَاَللَّه الْعَلِيّ . وَالْفَعِيل : الْفَعِيل مِنْ قَوْلك عَلَا يَعْلُو عُلُوًّا : إذَا ارْتَفَعَ , فَهُوَ عَالٍ وَعَلِيّ , وَالْعَلِيّ : ذُو الْعُلُوّ وَالِارْتِفَاع عَلَى خَلْقه بِقُدْرَتِهِ . وَكَذَلِك قَوْله : { الْعَظِيم } ذُو الْعَظَمَة , الَّذِي كُلّ شَيْء دُونه , فَلَا شَيْء أَعْظَم مِنْهُ . كَمَا : 4534 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : الْعَظِيم الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي عَظَمَته . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْبَحْث فِي مَعْنَى قَوْله : { وَهُوَ الْعَلِيّ } فَقَالَ بَعْضهمْ : يَعْنِي بِذَلِك ; وَهُوَ الْعَلِيّ عَنْ النَّظِير وَالْأَشْبَاه . وَأَنْكَرُوا أَنْ يَكُون مَعْنَى ذَلِك : وَهُوَ الْعَلِيّ الْمَكَان , وَقَالُوا : غَيْر جَائِز أَنْ يَخْلُو مِنْهُ مَكَان , وَلَا مَعْنًى لِوَصْفِهِ بِعُلُوِّ الْمَكَان ; لِأَنَّ ذَلِك وَصْفه بِأَنَّهُ فِي مَكَان دُون مَكَان . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِك : وَهُوَ الْعَلِيّ عَلَى خَلْقه بِارْتِفَاعِ مَكَانه عَنْ أَمَاكِن خَلْقه , لِأَنَّهُ تَعَالَى ذِكْره فَوْق جَمِيع خَلْقه وَخَلْقه دُونه , كَمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسه أَنَّهُ عَلَى الْعَرْش , فَهُوَ عَالٍ بِذَلِك عَلَيْهِمْ . وَكَذَلِك اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى قَوْله : { الْعَظِيم } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى الْعَظِيم فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْمُعَظَّم صُرِفَ الْمُفَعَّل إلَى فَعِيل , كَمَا قِيلَ لِلْخَمْرِ الْمُعَتَّقَة : خَمْر عَتِيق , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : وَكَأَنَّ الْخَمْر الْعَتِيق مِنْ الْإِسْ فَنْطِ مَمْزُوجَةً بِمَاءٍ زُلَال وَإِنَّمَا هِيَ مُعْتَقَّة . قَالُوا : فَقَوْله " الْعَظِيم " مَعْنَاهُ : الْمُعَظَّم الَّذِي يُعَظِّمهُ خَلْقه وَيَهَابُونَهُ وَيَتَّقُونَهُ . قَالُوا : وَإِنَّمَا يَحْتَمِل قَوْل الْقَائِل : هُوَ عَظِيم أَحَد مَعْنَيَيْنِ : أَحَدهمَا : مَا وَصَفْنَا
مِنْ أَنَّهُ مُعَظَّم ; وَالْآخَر : أَنَّهُ عَظِيم فِي الْمِسَاحَة وَالْوَزْن . قَالُوا : وَفِيّ بِطُولِ الْقَوْل بِأَنْ يَكُون مَعْنَى ذَلِك : أَنَّهُ عَظِيم فِي الْمِسَاحَة وَالْوَزْن صِحَّة الْقَوْل بِمَا قُلْنَا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ تَأْوِيل قَوْله : { الْعَظِيم } هُوَ أَنَّ لَهُ عَظَمَة هِيَ لَهُ صِفَة . وَقَالُوا : لَا نَصِف عَظَمَته بِكَيْفِيَّةٍ , وَلَكِنَّا نُضِيف ذَلِك إلَيْهِ مِنْ جِهَة الْإِثْبَات , وَنَنْفِي عَنْهُ أَنْ يَكُون ذَلِك عَلَى مَعْنَى مُشَابَهَة الْعِظَم الْمَعْرُوف مِنْ الْعِبَاد , لِأَنَّ ذَلِك تَشْبِيه لَهُ بِخَلْقِهِ , وَلَيْسَ كَذَلِك . وَأَنْكَرَ هَؤُلَاءِ مَا قَالَهُ أَهْل الْمَقَالَة الَّتِي قَدَّمْنَا ذِكْرهَا , وَقَالُوا : لَوْ كَانَ مَعْنَى ذَلِك أَنَّهُ مُعَظَّم , لَوَجَبَ أَنْ يَكُون قَدْ كَانَ غَيْر عَظِيم قَبْل أَنْ يَخْلُق الْخَلْق , وَأَنْ يَبْطُل مَعْنَى ذَلِك عِنْد فَنَاء الْخَلْق , لِأَنَّهُ لَا مُعَظِّم لَهُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَال . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ قَوْله : إنَّهُ الْعَظِيم وَصْف مِنْهُ نَفْسه بِالْعِظَمِ . وَقَالُوا : كُلّ مَا دُونه مِنْ خَلْقه فَبِمَعْنَى الصِّغَر لِصِغَرِهِمْ عَنْ عَظَمَته .
صِفَته مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسه تَعَالَى ذِكْره فِي هَذِهِ الْآيَة . يَقُول : " اللَّه " الَّذِي لَهُ عِبَادَة الْخَلْق " الْحَيّ الْقَيُّوم " , لَا إلَه سِوَاهُ , لَا مَعْبُود سِوَاهُ , يَعْنِي : وَلَا تَعْبُدُوا شَيْئًا سِوَى الْحَيّ الْقَيُّوم الَّذِي لَا يَأْخُذهُ سِنَة وَلَا نَوْم , وَاَلَّذِي صِفَته مَا وُصِفَ فِي هَذِهِ الْآيَة . وَهَذِهِ الْآيَة إبَانَة مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنَيْنِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ عَمَّا جَاءَتْ بِهِ أَقْوَال الْمُخْتَلِفِينَ فِي الْبَيِّنَات مِنْ بَعْد الرُّسُل الَّذِينَ أَخْبَرَنَا تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُ فَضَّلَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض , وَأَتْلَفُوا فِيهِ , فَاقْتَتَلُوا فِيهِ كُفْرًا بِهِ مِنْ بَعْض , وَإِيمَانًا بِهِ مِنْ بَعْض . فَالْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِلتَّصْدِيقِ بِهِ وَوَفَّقْنَا لِلْإِقْرَارِ
وَأَمَّا قَوْله : { الْحَيّ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : الَّذِي لَهُ الْحَيَاة الدَّائِمَة , وَالْبَقَاء الَّذِي لَا أَوَّل لَهُ يُحَدّ , وَلَا آخِر لَهُ يُؤَمَّد , إذْ كَانَ كُلّ مَا سِوَاهُ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ حَيًّا فَلِحَيَاتِهِ أَوَّل مَحْدُود وَآخِر مَمْدُود , يَنْقَطِع بِانْقِطَاعِ أَمَدهَا وَيَنْقَضِي بِانْقِضَاءِ غَايَتهَا . وَبِمَا قُلْنَا فِي ذَلِك قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4496 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا
ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { الْحَيّ } حَيّ لَا يَمُوت . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله . وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْل الْبَحْث فِي تَأْوِيل ذَلِك , فَقَالَ بَعْضهمْ : إنَّمَا سَمَّى اللَّه نَفْسه حَيًّا لِصَرْفِهِ الْأُمُور مَصَارِفهَا وَتَقْدِيره الْأَشْيَاء مَقَادِيرهَا , فَهُوَ حَيّ بِالتَّدْبِيرِ لَا بِحَيَاةٍ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ حَيّ بِحَيَاةٍ هِيَ لَهُ صِفَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِك اسْم مِنْ الْأَسْمَاء تَسَمَّى بِهِ , فَقُلْنَاهُ تَسْلِيمًا لِأَمْرِهِ .
وَأَمَّا قَوْله : { الْقَيُّوم } فَإِنَّهُ " الْفَيْعُول " مِنْ الْقِيَام , وَأَصْله " الْقَيْوُوم " : سَبَقَ عَيْن الْفِعْل وَهِيَ وَاو يَاء سَاكِنَة , فَأُدْغِمَتَا فَصَارَتَا يَاء مُشَدَّدَة ; وَكَذَلِك تَفْعَل الْعَرَب فِي كُلّ وَاو كَانَتْ لِلْفِعْلِ عَيْنًا سَبَقَتْهَا يَاء سَاكِنَة . وَمَعْنَى قَوْله : { الْقَيُّوم } : الْقَائِم بِرِزْقِ مَا خَلَقَ وَحِفْظه , كَمَا قَالَ أُمَيَّة : لَمْ يَخْلُق السَّمَاء وَالنُّجُوم وَالشَّمْس مِنْهَا قَمَر يَقُوم قَدْر
الْمُهِين الْقَيُّوم وَالْحَشْر وَالْجَنَّة وَالْجَحِيم إلَّا لِأَمْرٍ شَأْنه عَظِيم وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِك قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4497 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثِنَا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { الْقَيُّوم } قَالَ : الْقَائِم عَلَى كُلّ شَيْء . 4498 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , عَنْ ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { الْقَيُّوم } قَيِّم كُلّ شَيْء , يَكْلَؤُهُ وَيَرْزُقهُ وَيَحْفَظهُ
. 4499 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { الْقَيُّوم } وَهُوَ الْقَائِم . 4500 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { الْحَيّ الْقَيُّوم } قَالَ : الْقَائِم الدَّائِم .
الْقَوْل فِي تَأْوِيله قَوْله تَعَالَى : { لَا تَأْخُذهُ سِنَة وَلَا نَوْم } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ { لَا تَأْخُذهُ سِنَة } لَا يَأْخُذهُ نُعَاس فَيَنْعَس , وَلَا نَوْم فَيَسْتَثْقِل نَوْمًا . وَالْوَسَن : خُثُورَة النَّوْم , وَمِنْهُ قَوْل عَدِيّ بْن الرِّقَاع : وَسْنَانُ أَقْصَدَهُ النُّعَاس فَرَنَّقَتْ فِي عَيْنه سِنَة وَلَيْسَ بِنَائِمِ وَمِنْ الدَّلِيل عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهَا خُثُورَة النَّوْم فِي عَيْن الْإِنْسَان , قَوْل الْأَعْشَى مَيْمُون بْن قَيْس : تُعَاطِي الضَّجِيع إذَا أَقْبَلَتْ بُعَيْد النُّعَاس وَقَبْل الْوَسَن وَقَالَ آخَر : بَاكَرَتْهَا الْأَغْرَاب فِي سِنَة النَّوْ مِ فَتَجْرِي خِلَال شَوْك السَّيَال يَعْنِي عِنْد هُبُوبهَا مِنْ النَّوْم وَوَسَن النَّوْم فِي عَيْنهَا , يُقَال مِنْهُ : وَسِنَ فُلَان فَهُوَ وَسِن وَسَنًا وَسِنَة وَهُوَ سَنُون , إذَا كَانَ كَذَلِك . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِك قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4501 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِيّ مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله تَعَالَى : { لَا تَأْخُذهُ سِنَة } قَالَ : السِّنَة : النُّعَاس , وَالنَّوْم : هُوَ النَّوْم . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني
أَبِي , قَالَ : ثَنِيّ عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { لَا تَأْخُذهُ سِنَة } السِّنَة : النُّعَاس . 4502 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يُحْيِي , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّازِق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ وَالْحَسَن فِي قَوْله : { لَا تَأْخُذهُ سِنَة } قَالَا : نَعْسَة . 4503 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ ثِنَا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { لَا تَأْخُذهُ سِنَة وَلَا نَوْم } قَالَ : السِّنَة : الْوَسْنَة , وَهُوَ دُون النَّوْم , وَالنَّوْم : الِاسْتِثْقَال , * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثِنَا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { لَا تَأْخُذهُ سِنَة وَلَا نَوْم } السِّنَة : النُّعَاس , وَالنَّوْم : الِاسْتِثْقَال , * - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , مِثْله سَوَاء . 4504 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { لَا تَأْخُذهُ سِنَة وَلَا نَوْم } أَمَّا سِنَة : فَهُوَ رِيح النَّوْم الَّذِي يَأْخُذ فِي الْوَجْه فَيَنْعَس الْإِنْسَان . 4505 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { لَا تَأْخُذهُ سِنَة وَلَا نَوْم } قَالَ : السِّنَة : الْوَسْنَان بَيْن النَّائِم وَالْيَقْظَان . 4506 - حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : ثنا مُنْجَاب بْن الْحَرْث , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن مُسْهِر , عَنْ إسْمَاعِيل عَنْ يَحْيَى بْن رَافِع : { لَا تَأْخُذهُ سِنَة } قَالَ : النُّعَاس . 4507 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { لَا تَأْخُذهُ سِنَة وَلَا نَوْم } قَالَ : الْوَسْنَان : الَّذِي يَقُوم مِنْ النَّوْم لَا يَعْقِل , حَتَّى رُبَّمَا أَخَذَ السَّيْف عَلَى أَهْله . وَإِنَّمَا عَنَى تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { لَا تَأْخُذهُ سِنَة وَلَا نَوْم } لَا تَحِلّهُ الْآفَات , وَلَا تَنَالهُ الْعَاهَات . وَذَلِك أَنَّ السِّنَة وَالنَّوْم مَعْنَيَانِ يَغْمُرَانِ فَهْم ذِي الْفَهْم , وَيُزِيلَانِ مَنْ أَصَابَاهُ عَنْ الْحَال الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا قَبْل أَنْ يُصِيبَاهُ . فَتَأْوِيل الْكَلَام إذْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفْنَا : اللَّه لَا إلَه إلَّا هُوَ الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت , الْقَيُّوم عَلَى كُلّ مَا هُوَ دُونه بِالرِّزْقِ وَالْكِلَاءَة وَالتَّدْبِير وَالتَّصْرِيف مِنْ حَال إلَى حَال , لَا تَأْخُذهُ سِنَة وَلَا نَوْم , لَا يُغَيِّرهُ مَا يُغَيِّر غَيْره , وَلَا يُزِيلهُ عَمَّا لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ تَنَقُّل الْأَحْوَال وَتَصْرِيف اللَّيَالِي وَالْأَيَّام , بَلْ هُوَ الدَّائِم عَلَى حَال , وَالْقَيُّوم عَلَى جَمِيع الْأَنَام , لَوْ نَامَ كَانَ مَغْلُوبًا مَقْهُورًا , لِأَنَّ النَّوْم غَالِب النَّائِم قَاهِره , وَلَوْ وَسِنَ لَكَانَتْ السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا فِيهِمَا دَكًّا , لِأَنَّ قِيَام جَمِيع ذَلِك بِتَدْبِيرِهِ وَقُدْرَته , وَالنَّوْم شَاغِل الْمُدَبِّر عَنْ التَّدْبِير , وَالنُّعَاس مَانِع الْمُقَدِّر عَنْ التَّقْدِير بِوَسْنِه . كَمَا : 4508 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , قَالَ : وَأَخْبَرَ فِي الْحَكَم بْن أَبَانَ , عَنْ عِكْرِمَة مَوْلَى ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { لَا يَأْخُذهُ سِنَة وَلَا نَوْم } أَنَّ مُوسَى سَأَلَ الْمَلَائِكَة : هَلْ يَنَام اللَّه ؟ فَأَوْحَى اللَّه إلَى الْمَلَائِكَة , وَأَمَرَهُمْ أَنَّ يُؤَرِّقُوهُ ثَلَاثًا فَلَا يَتْرُكُوهُ يَنَام . فَفَعَلُوا , ثُمَّ أَعْطَوْهُ قَارُورَتَيْنِ فَأَمْسَكُوهُ , ثُمَّ تَرَكُوهُ وَحَذَّرُوهُ أَنْ يَكْسِرهُمَا . قَالَ : فَجَعَلَ يَنْعَس وَهُمَا فِي يَدَيْهِ , فِي كُلّ يَد وَاحِدَة . قَالَ : فَجَعَلَ يَنْعَس وَيَنْتَبِه , وَيَنْعَس وَيَنْتَبِه , حَتَّى نَعَسَ نَعْسَة , فَضَرَبَ بِإِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى فَكَسَرَهُمَا . قَالَ مَعْمَر : إنَّمَا هُوَ مِثْل ضَرَبَهُ اللَّه , يَقُول : فَكَذَلِكَ السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي يَدَيْهِ . 4509 - حَدَّثَنَا إسْحَاق بْن أَبِي إسْرَائِيل , قَالَ : ثنا هِشَام بْن يُوسُف , عَنْ أُمَيَّة بْن شِبْل , عَنْ الْحَكَم بْن أَبَانَ , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْكِي عَنْ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَر , قَالَ : " وَقَعَ فِي نَفْس مُوسَى هَلْ يَنَام اللَّه تَعَالَى ذِكْره ؟ فَأَرْسَلَ اللَّه إلَيْهِ مَلَكًا فَأَرَّقَهُ ثَلَاثًا , ثُمَّ أَعْطَاهُ قَارُورَتَيْنِ , فِي كُلّ يَد قَارُورَة , أَمَرَهُ أَنْ يَحْتَفِظ بِهِمَا " قَالَ : " فَجَعَلَ يَنَام وَتَكَاد يَدَاهُ تَلْتَقِيَانِ , ثُمَّ يَسْتَيْقِظ فَيَحْبِس إحْدَاهُمَا عَنْ الْأُخْرَى , ثُمَّ نَامَ نَوْمَة فَاصْطَفَقَتْ يَدَاهُ وَانْكَسَرَتْ الْقَارُورَتَانِ " . قَالَ : ضَرَبَ اللَّه مَثَلًا لَهُ , أَنَّ اللَّه لَوْ كَانَ يَنَام لَمْ تَسْتَمْسِك السَّمَاء وَالْأَرْض .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَهُ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَع عِنْده إلَّا بِإِذْنِهِ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { لَهُ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض } أَنَّهُ مَالِك جَمِيع ذَلِك بِغَيْرِ شَرِيك وَلَا نَدِيد , وَخَالِق جَمِيعه دُون كُلّ آلِهَة وَمَعْبُود . وَإِنَّمَا يُعْنَى بِذَلِك أَنَّهُ لَا تَنْبَغِي الْعِبَادَة لِشَيْءٍ سِوَاهُ , لِأَنَّ الْمَمْلُوك إنَّمَا هُوَ طَوْع يَد مَالِكه , وَلَيْسَ لَهُ خِدْمَة غَيْره إلَّا بِأَمْرِهِ . يَقُول : فَجَمِيع مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض مِلْكِي وَخَلْقِي , فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْبُد أَحَد مِنْ لَقَى غَيْرِي وَأَنَا مَالِكه , لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يَعْبُد غَيْر مَالِكه , وَلَا يُطِيع سِوَى مَوْلَاهُ . وَأَمَّا قَوْله : { مِنْ ذَا الَّذِي يَشْفَع عِنْده إلَّا بِإِذْنِهِ } يَعْنِي بِذَلِك : مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَع لِمَمَالِيكِهِ إنْ أَرَادَ عُقُوبَتهمْ إلَّا أَنْ يَلِيَهُ , وَيَأْذَن لَهُ بِالشَّفَاعَةِ لَهُمْ . وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك تَعَالَى ذِكْره لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا : مَا نَعْبُد أَوْثَاننَا هَذِهِ إلَّا لِيُقَرِّبُونَا
إلَى اللَّه زُلْفَى , فَقَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لَهُمْ : لِي مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض مَعَ السَّمَوَات وَالْأَرْض مُلْكًا , فَلَا يَنْبَغِي الْعِبَادَة لِغَيْرِي , فَلَا تَعْبُدُوا الْأَوْثَان الَّتِي تَزْعُمُونَ أَنَّهَا تُقَرِّبكُمْ مِنِّي زُلْفَى , فَإِنَّهَا لَا تَنْفَعكُمْ عِنْدِي وَلَا تُغْنِي عَنْكُمْ شَيْئًا , وَلَا يَشْفَع عِنْدِي أَحَد لِأَحَدٍ إلَّا بِتَخْلِيَتِي إيَّاهُ وَالشَّفَاعَة لِمَنْ يَشْفَع لَهُ , مِنْ رُسُلِي وَأَوْلِيَائِي وَأَهْل طَاعَتِي .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَعْلَم مَا بَيْن أَيْدِيهمْ وَمَا خَلْفهمْ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ أَنَّهُ الْمُحِيط بِكُلِّ مَا كَانَ وَبِكُلِّ مَا هُوَ كَائِن عِلْمًا , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِك قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4510 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ الْحَكَم : { يَعْلَم مَا بَيْن أَيْدِيهمْ }
الدُّنْيَا { وَمَا خَلْفهمْ } الْآخِرَة . 4511 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { يَعْلَم مَا بَيْن أَيْدِيهمْ } مَا مَضَى مِنْ الدُّنْيَا { وَمَا خَلْفهمْ } مِنْ الْآخِرَة . 4512 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ قَوْله : { يَعْلَم مَا بَيْن أَيْدِيهمْ } مَا مَضَى أَمَامهمْ مِنْ الدُّنْيَا { وَمَا خَلْفهمْ } مَا يَكُون بَعْدهمْ مِنْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة . 4513 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثِنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { يَعْلَم مَا بَيْن أَيْدِيهمْ } قَالَ : مَا بَيْن أَيْدِيهمْ فَالدُّنْيَا { وَمَا خَلْفهمْ } فَالْآخِرَة .
وَأَمَّا قَوْله : { وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمه إلَّا بِمَا شَاءَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُ الْعَالِم الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مُحِيط بِذَلِك كُلّه مُحْصٍ لَهُ دُون سَائِر مَنْ دُونه , وَأَنَّهُ لَا يَعْلَم أَحَد سِوَاهُ شَيْئًا إلَّا بِمَا شَاءَ هُوَ أَنْ يَعْلَمهُ فَأَرَادَ فَعَلِمَهُ . وَإِنَّمَا يَعْنِي بِذَلِك أَنَّ الْعِبَادَة لَا تَنْبَغِي لِمَنْ كَانَ بِالْأَشْيَاءِ جَاهِلًا فَكَيْفَ يُعْبَد مَنْ لَا يَعْقِل شَيْئًا الْبَتَّة مِنْ
وَثَن وَصَنَم , يَقُول : أَخْلِصُوا الْعِبَادَة لِمَنْ هُوَ مُحِيط بِالْأَشْيَاءِ كُلّهَا يَعْلَمهَا , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ صَغِيرهَا وَكَبِيرهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِك قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4514 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمه } يَقُول : لَا يَعْلَمُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمه إلَّا بِمَا شَاءَ هُوَ أَنْ يُعْلِمهُمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَسِعَ كُرْسِيّه السَّمَوَات وَالْأَرْض } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الْكُرْسِيّ الَّذِي أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره فِي هَذِهِ الْآيَة أَنَّهُ وَسِعَ السَّمَوَات وَالْأَرْض , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ عِلْم اللَّه تَعَالَى ذِكْره . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4515 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَسَلْم بْن جُنَادَةَ , قَالَا : ثنا ابْن إدْرِيس , عَنْ مُطَرِّف , عَنْ جَعْفَر بْن أَبِي الْمُغِيرَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَسِعَ كُرْسِيّه } قَالَ : كُرْسِيّه : عِلْمه . 4516 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُطَرِّف , عَنْ جَعْفَر بْن أَبِي الْمُغِيرَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس , مِثْله , وَزَادَ فِيهِ : أَلَا تَرَى إلَى قَوْله : { وَلَا يَئُودهُ حِفْظهمَا } ؟ وَقَالَ آخَرُونَ : الْكُرْسِيّ : مَوْضِع الْقَدَمَيْنِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4517 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن مُسْلِم الطُّوسِيّ , قَالَ
: ثنا عَبْد الصَّمَد بْن عَبْد الْوَارِث , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن جُحَادَةَ , عَنْ سَلَمَة بْن كُهَيْل , عَنْ عُمَارَة بْن عُمَيْر , عَنْ أَبِي مُوسَى , قَالَ : الْكُرْسِيّ : مَوْضِع الْقَدَمَيْنِ , وَلَهُ أَطِيط كَأَطِيطِ الرَّحْل . 4518 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَاوُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثِنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَسِعَ كُرْسِيّه السَّمَوَات وَالْأَرْض } فَإِنَّ السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي جَوْف الْكُرْسِيّ , وَالْكُرْسِيّ بَيْن يَدَيْ الْعَرْش , وَهُوَ مَوْضِع قَدَمَيْهِ . 4519 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك قَوْله : { وَسِعَ كُرْسِيّه السَّمَوَات وَالْأَرْض } قَالَ : كُرْسِيّه الَّذِي يُوضَع تَحْت الْعَرْش , الَّذِي يَجْعَل الْمُلُوك عَلَيْهِ أَقْدَامهمْ , 4520 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثِنَا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَمَّار الدُّهْنِيّ , عَنْ مُسْلِم الْبُطَيْن , قَالَ : الْكُرْسِيّ : مَوْضِع الْقَدَمَيْنِ . 4521 - حَدَّثَنِي عَنْ عَمَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { وَسِعَ كُرْسِيّه السَّمَوَات وَالْأَرْض } قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { وَسِعَ كُرْسِيّه السَّمَوَات وَالْأَرْض } قَالَ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا رَسُول اللَّه هَذَا الْكُرْسِيّ وَسِعَ السَّمَوَات وَالْأَرْض , فَكَيْفَ الْعَرْش فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { وَمَا قَدَرُوا اللَّه حَقّ قَدْره } إلَى قَوْله : { سُبْحَانه وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } . 39 67 4522 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَسِعَ كُرْسِيّه السَّمَوَات وَالْأَرْض } قَالَ ابْن زَيْد : فَحَدَّثَنِي أَبِي قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا السَّمَوَات السَّبْع فِي الْكُرْسِيّ إلَّا كَدَرَاهِم سَبْعَة أُلْقِيَتْ فِي تُرْس " . قَالَ : وَقَالَ أَبُو ذَرّ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " مَا الْكُرْسِيّ فِي الْعَرْش إلَّا كَحَلْقَةٍ مِنْ حَدِيد أُلْقِيَتْ بَيْن ظَهْرَيْ فَلَاة مِنْ الْأَرْض " . وَقَالَ آخَرُونَ : الْكُرْسِيّ : هُوَ الْعَرْش نَفْسه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4523 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : كَانَ الْحَسَن يَقُول : الْكُرْسِيّ : هُوَ الْعَرْش . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَلِكُلِّ قَوْل مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَال وَجْه وَمَذْهَب , غَيْر أَنَّ الَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَة مَا جَاءَ بِهِ الْأَثَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُوَ مَا : 4524 - حَدَّثَنِي بِهِ عَبْد اللَّه بْن أَبِي زِيَاد الْقَطَوَانِيّ , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا إسْرَائِيل , عَنْ أَبَى إسْحَاق , عَنْ عَبْد اللَّه بْن خَلِيفَة , قَالَ : أَتَتْ امْرَأَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَتْ : اُدْعُ اللَّه أَنْ يَدُلّنِي الْجَنَّة ! فَعَظَّمَ الرَّبّ تَعَالَى ذِكْره , ثُمَّ قَالَ : " إنَّ كُرْسِيّه وَسِعَ السَّمَوَات وَالْأَرْض , وَأَنَّهُ لَيَقْعُد عَلَيْهِ فَمَا يَفْضُل مِنْهُ مِقْدَار أَرْبَع أَصَابِع " ثُمَّ قَالَ بِأَصَابِعِهِ فَجَمَعَهَا : " وَإِنَّ لَهُ أَطِيطًا كَأَطِيطِ الرَّحْل الْجَدِيد إذَا رُكِبَ مِنْ ثِقَله " * - حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن أَبَى زِيَاد , قَالَ : ثِنَا يَحْيَى بْن أَبِي بَكْر , عَنْ إسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ عَبْد اللَّه بْن خَلِيفَة , عَنْ عُمَر , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ عَبْد اللَّه بْن خَلِيفَة , قَالَ : جَاءَتْ امْرَأَة , فَذَكَرَ نَحْوه . وَأَمَّا الَّذِي يَدُلّ عَلَى صِحَّته ظَاهِر الْقُرْآن فَقَوْل ابْن عَبَّاس الَّذِي رَوَاهُ جَعْفَر بْن أَبِي الْمُغِيرَة عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : هُوَ عِلْمُهُ , وَذَلِك لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْره : { وَلَا يَئُودهُ حِفْظهمَا } عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَئُودهُ حِفْظ مَا عَلِمَ , وَأَحَاطَ بِهِ مِمَّا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض , وَكَمَا أَخْبَرَ عَنْ مَلَائِكَته أَنَّهُمْ قَالُوا فِي دُعَائِهِمْ : { رَبّنَا وَسِعْت كُلّ شَيْء رَحْمَة وَعِلْمًا } 40 7 فَأَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْره أَنَّ عِلْمه وَسِعَ كُلّ شَيْء , فَكَذَلِكَ قَوْله : { وَسِعَ كُرْسِيّه السَّمَوَات وَالْأَرْض } . وَأَصْل الْكُرْسِيّ : الْعِلْم , وَمِنْهُ قِيلَ لِلصَّحِيفَةِ يَكُون فِيهَا عِلْم مَكْتُوب كُرَّاسَة , وَمِنْهُ قَوْل الرَّاجِز فِي صِفَة قَانِص : حَتَّى إذَا مَا احْتَازَهَا تَكَرُّسًا يَعْنِي عَلِمَ . وَمِنْهُ يُقَال لِلْعُلَمَاءِ : الْكَرَاسِيّ , لِأَنَّهُمْ الْمُعْتَمَد عَلَيْهِمْ , كَمَا يُقَال : أَوْتَاد الْأَرْض , يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُمْ الْعُلَمَاء الَّذِي تَصْلُح بِهِمْ الْأَرْض ; وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : يُحَفّ بِهِمْ بِيض الْوُجُوه وَعُصْبَة كَرَاسِيّ بِالْأَحْدَاثِ حِين تَنُوب يَعْنِي بِذَلِك عُلَمَاء بِحَوَادِث الْأُمُور وَنَوَازِلهَا . وَالْعَرَب تُسَمِّي أَصْل كُلّ شَيْء الْكِرْس , يُقَال مِنْهُ : فُلَان كَرِيم الْكِرْس : أَيْ كَرِيم الْأَصْل , قَالَ الْعَجَّاج : قَدْ عَلِمَ الْقُدُّوس مَوْلَى الْقُدْس أَنَّ أَبَا الْعَبَّاس أَوْلَى نَفْس بِمَعْدِنِ الْمُلْك الْكَرِيم الْكِرْس يَعْنِي بِذَلِك : الْكَرِيم الْأَصْل , وَيُرْوَى : فِي مَعْدِن الْعِزّ الْكَرِيم الْكِرْس
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا يَئُودهُ حِفْظهمَا } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَلَا يَئُودُه حِفْظهمَا } وَلَا يَشُقّ عَلَيْهِ وَلَا يَعْقِلهُ , يُقَال مِنْهُ : قَدْ آدَنِي هَذَا الْأَمْر فَهُوَ يَئُودنِي أَوْدًا وَإِيَادًا , وَيُقَال :
مَا آدَك فَهُوَ لِي آئِد , يَعْنِي بِذَلِك : مَا أَثْقَلَك فَهُوَ لِي مُثْقِل . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِك قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4525 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَلَا يَئُودُه حِفْظهمَا } يَقُول : لَا يَثْقُل عَلَيْهِ . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { وَلَا يَئُودُه حِفْظهمَا } قَالَ : لَا يَثْقُل عَلَيْهِ حِفْظهمَا . 4526 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { وَلَا يَئُودُه حِفْظهمَا } لَا يُعْقَل عَلَيْهِ لَا يُجْهِدهُ حِفْظهمَا . 4527 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر عَنْ الْحَسَن وَقَتَادَة فِي قَوْله : { وَلَا يَئُودُه حِفْظهمَا } قَالَ : لَا يُعْقَل عَلَيْهِ شَيْء . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن بَزِيع , قَالَ : ثنا يُوسُف بْن خَالِد السَّمْتِيّ , قَالَ : ثنا نَافِع بْن مَالِك , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { وَلَا يَئُودهُ حِفْظهمَا } قَالَ : لَا يَثْقُل عَلَيْه حِفْظهمَا . 4528 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي زَائِدَةَ , وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَزِيد , قَالَا جَمِيعًا : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر عَنْ الضَّحَّاك : { وَلَا يَئُودُه حِفْظهمَا } قَالَ : لَا يُعْقَل عَلَيْهِ . * - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , عَنْ عُبَيْد , عَنْ الضَّحَّاك , مِثْله . 4529 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : سَمِعْته - يَعْنِي خَلَّادًا - يَقُول : سَمِعْت أَبَا عَبْد الرَّحْمَن الْمَدِينِيّ يَقُول فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَلَا يَئُودُه حِفْظهمَا } قَالَ : لَا يَكْثُر عَلَيْهِ . 4530 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى بْن مَيْمُون , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { وَلَا يَئُودُه حِفْظهمَا } قَالَ : لَا يُكْرِثهُ . 4531 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثِنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَا يَئُودُه حِفْظهمَا } قَالَ : لَا يَثْقُل عَلَيْهِ . 4532 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثِنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { وَلَا يَئُودُه حِفْظهمَا } يَقُول : لَا يَثْقُل عَلَيْهِ حِفْظهمَا . 4533 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَلَا يَئُودُه حِفْظهمَا } قَالَ : لَا يَعِزّ عَلَيْهِ حِفْظهمَا . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالْهَاء وَالْمِيم وَالْأَلِف فِي قَوْله : { حِفْظهمَا } مِنْ ذِكْر السَّمَوَات وَالْأَرْض ; فَتَأْوِيل الْكَلَام : وَسِعَ كُرْسِيّه السَّمَوَات وَالْأَرْض , وَلَا يَثْقُل عَلَيْهِ حِفْظ السَّمَوَات وَالْأَرْض .
وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { وَهُوَ الْعَلِيّ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَاَللَّه الْعَلِيّ . وَالْفَعِيل : الْفَعِيل مِنْ قَوْلك عَلَا يَعْلُو عُلُوًّا : إذَا ارْتَفَعَ , فَهُوَ عَالٍ وَعَلِيّ , وَالْعَلِيّ : ذُو الْعُلُوّ وَالِارْتِفَاع عَلَى خَلْقه بِقُدْرَتِهِ . وَكَذَلِك قَوْله : { الْعَظِيم } ذُو الْعَظَمَة , الَّذِي كُلّ شَيْء دُونه , فَلَا شَيْء أَعْظَم مِنْهُ . كَمَا : 4534 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : الْعَظِيم الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي عَظَمَته . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْبَحْث فِي مَعْنَى قَوْله : { وَهُوَ الْعَلِيّ } فَقَالَ بَعْضهمْ : يَعْنِي بِذَلِك ; وَهُوَ الْعَلِيّ عَنْ النَّظِير وَالْأَشْبَاه . وَأَنْكَرُوا أَنْ يَكُون مَعْنَى ذَلِك : وَهُوَ الْعَلِيّ الْمَكَان , وَقَالُوا : غَيْر جَائِز أَنْ يَخْلُو مِنْهُ مَكَان , وَلَا مَعْنًى لِوَصْفِهِ بِعُلُوِّ الْمَكَان ; لِأَنَّ ذَلِك وَصْفه بِأَنَّهُ فِي مَكَان دُون مَكَان . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِك : وَهُوَ الْعَلِيّ عَلَى خَلْقه بِارْتِفَاعِ مَكَانه عَنْ أَمَاكِن خَلْقه , لِأَنَّهُ تَعَالَى ذِكْره فَوْق جَمِيع خَلْقه وَخَلْقه دُونه , كَمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسه أَنَّهُ عَلَى الْعَرْش , فَهُوَ عَالٍ بِذَلِك عَلَيْهِمْ . وَكَذَلِك اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى قَوْله : { الْعَظِيم } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى الْعَظِيم فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْمُعَظَّم صُرِفَ الْمُفَعَّل إلَى فَعِيل , كَمَا قِيلَ لِلْخَمْرِ الْمُعَتَّقَة : خَمْر عَتِيق , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : وَكَأَنَّ الْخَمْر الْعَتِيق مِنْ الْإِسْ فَنْطِ مَمْزُوجَةً بِمَاءٍ زُلَال وَإِنَّمَا هِيَ مُعْتَقَّة . قَالُوا : فَقَوْله " الْعَظِيم " مَعْنَاهُ : الْمُعَظَّم الَّذِي يُعَظِّمهُ خَلْقه وَيَهَابُونَهُ وَيَتَّقُونَهُ . قَالُوا : وَإِنَّمَا يَحْتَمِل قَوْل الْقَائِل : هُوَ عَظِيم أَحَد مَعْنَيَيْنِ : أَحَدهمَا : مَا وَصَفْنَا
مِنْ أَنَّهُ مُعَظَّم ; وَالْآخَر : أَنَّهُ عَظِيم فِي الْمِسَاحَة وَالْوَزْن . قَالُوا : وَفِيّ بِطُولِ الْقَوْل بِأَنْ يَكُون مَعْنَى ذَلِك : أَنَّهُ عَظِيم فِي الْمِسَاحَة وَالْوَزْن صِحَّة الْقَوْل بِمَا قُلْنَا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ تَأْوِيل قَوْله : { الْعَظِيم } هُوَ أَنَّ لَهُ عَظَمَة هِيَ لَهُ صِفَة . وَقَالُوا : لَا نَصِف عَظَمَته بِكَيْفِيَّةٍ , وَلَكِنَّا نُضِيف ذَلِك إلَيْهِ مِنْ جِهَة الْإِثْبَات , وَنَنْفِي عَنْهُ أَنْ يَكُون ذَلِك عَلَى مَعْنَى مُشَابَهَة الْعِظَم الْمَعْرُوف مِنْ الْعِبَاد , لِأَنَّ ذَلِك تَشْبِيه لَهُ بِخَلْقِهِ , وَلَيْسَ كَذَلِك . وَأَنْكَرَ هَؤُلَاءِ مَا قَالَهُ أَهْل الْمَقَالَة الَّتِي قَدَّمْنَا ذِكْرهَا , وَقَالُوا : لَوْ كَانَ مَعْنَى ذَلِك أَنَّهُ مُعَظَّم , لَوَجَبَ أَنْ يَكُون قَدْ كَانَ غَيْر عَظِيم قَبْل أَنْ يَخْلُق الْخَلْق , وَأَنْ يَبْطُل مَعْنَى ذَلِك عِنْد فَنَاء الْخَلْق , لِأَنَّهُ لَا مُعَظِّم لَهُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَال . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ قَوْله : إنَّهُ الْعَظِيم وَصْف مِنْهُ نَفْسه بِالْعِظَمِ . وَقَالُوا : كُلّ مَا دُونه مِنْ خَلْقه فَبِمَعْنَى الصِّغَر لِصِغَرِهِمْ عَنْ عَظَمَته .
لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين } . اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى ذَلِك , فَقَالَ بَعْضهمْ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي قَوْم مِنْ الْأَنْصَار , أَوْ فِي رَجُل مِنْهُمْ كَانَ لَهُمْ أَوْلَاد قَدْ هَوَّدُوهُمْ أَوْ نَصَّرُوهُمْ ; فَلَمَّا جَاءَ اللَّه بِالْإِسْلَامِ أَرَادُوا إكْرَاههمْ عَلَيْهِ , فَنَهَاهُمْ اللَّه عَنْ ذَلِك , حَتَّى يَكُونُوا هُمْ يَخْتَارُونَ الدُّخُول فِي الْإِسْلَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4535 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس قَالَ : كَانَتْ الْمَرْأَة تَكُون مِقْلَاتًا , فَتَجْعَل عَلَى نَفْسهَا إنْ عَاشَ لَهَا وَلَد أَنْ تُهَوِّدهُ ; فَلَمَّا أُجْلِيَتْ بَنُو النَّضِير كَانَ فِيهِمْ مِنْ أَبْنَاء الْأَنْصَار , فَقَالُوا : لَا نَدَع أَبْنَاءَنَا ! فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْد مِنْ الْغَيّ } . 4536 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : كَانَتْ الْمَرْأَة تَكُون مَقْلَى وَلَا يَعِيش لَهَا وَلَد - قَالَ شُعْبَة : وَإِنَّمَا هُوَ مُقِلَّات - , فَتَجْعَل عَلَيْهَا إنْ بَقِيَ لَهَا وَلَد لَتُهَوِّدَنّه . قَالَ : فَلَمَّا أُجْلِيَتْ بَنُو النَّضِير كَانَ فِيهِمْ مِنْهُمْ , فَقَالَتْ الْأَنْصَار : كَيْفَ نَصْنَع بِأَبْنَائِنَا ؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين قَدْ تَبَيَّنَ
الرُّشْد مِنْ الْغَيّ } قَالَ : مَنْ شَاءَ أَنْ يُقِيم أَقَامَ وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَذْهَبَ ذَهَبَ . 4537 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا دَاوُد , وَحَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ دَاوُد , عَنْ عَامِر , قَالَ : كَانَتْ الْمَرْأَة مِنْ الْأَنْصَار تَكُون مِقْلَاتًا لَا يَعِيش لَهَا وَلَد , فَتَنْذِر إنْ عَاشَ وَلَدهَا أَنْ تَجْعَلهُ مَعَ أَهْل الْكِتَاب عَلَى دِينهمْ . فَجَاءَ الْإِسْلَام وَطَوَائِف مِنْ أَبْنَاء الْأَنْصَار عَلَى دِينهمْ , فَقَالُوا : إنَّمَا جَعَلْنَاهُمْ عَلَى دِينهمْ , وَنَحْنُ نَرَى أَنَّ دِينهمْ أَفَضْل مِنْ دِيننَا , وَإِذْ جَاءَ اللَّه بِالْإِسْلَامِ فَلَنُكْرِهَنّهم ! فَنَزَلَتْ : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين } فَكَانَ فَصْل مَا بَيْن مَنْ اخْتَارَ الْيَهُودِيَّة وَالْإِسْلَام , فَمَنْ لَحِقَ بِهِمْ اخْتَارَ الْيَهُودِيَّة , وَمَنْ أَقَامَ اخْتَارَ الْإِسْلَام . وَلَفْظ الْحَدِيث لِحُمَيْد . 4538 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت دَاوُد , عَنْ عَامِر , بِنَحْوِ مَعْنَاهُ , إلَّا أَنَّهُ قَالَ : فَكَانَ فَصْل مَا بَيْنهمْ إجْلَاء رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي النَّضِير , فَلَحِقَ بِهِمْ مَنْ كَانَ يَهُودِيًّا وَلَمْ يُسْلِم مِنْهُمْ , وَبَقِيَ مَنْ أَسْلَمَ . * - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عَامِر بِنَحْوِهِ , إلَّا أَنَّهُ قَالَ : إجْلَاء النَّضِير إلَى خَيْبَر , فَمَنْ اخْتَارَ الْإِسْلَام أَقَامَ , وَمَنْ كَرِهَ لَحِقَ بِخَيْبَر . 4539 - حَدَّثَنِي ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد الْحَرَشِيّ مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت عَنْ عِكْرِمَة , أَوْ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْد مِنْ الْغَيّ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي رَجُل مِنْ الْأَنْصَار مِنْ بَنِي سَالِم بْن عَوْف يُقَال لَهُ الْحُصَيْن ; كَانَ لَهُ ابْنَانِ نَصْرَانِيَّانِ , وَكَانَ هُوَ رَجُلًا مُسْلِمًا , فَقَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَلَا أَسْتَكْرِههُمَا فَإِنَّهُمَا قَدْ أَبَيَا إلَّا النَّصْرَانِيَّة ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِ ذَلِك . 4540 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ : ثنا حَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا أَبُو عَوَانَة , عَنْ أَبِي بِشْر , قَالَ : سَأَلَتْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ قَوْله : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْد مِنْ الْغَيّ } قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ فِي الْأَنْصَار . قَالَ : قُلْت خَاصَّة , قَالَ : خَاصَّة . قَالَ : كَانَتْ الْمَرْأَة فِي الْجَاهِلِيَّة تَنْذِر إنْ وَلَدَتْ وَلَدًا أَنْ تَجْعَلهُ فِي الْيَهُود تَلْتَمِس بِذَلِك طُول بَقَائِهِ . قَالَ : فَجَاءَ الْإِسْلَام وَفِيهِمْ مِنْهُمْ ; فَلَمَّا أُجْلِيَتْ النَّضِير , قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , أَبْنَاؤُنَا وَإِخْوَاننَا فِيهِمْ , قَالَ : فَسَكَتَ عَنْهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْد مِنْ الْغَيّ } قَالَ : فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " قَدْ خُيِّرَ أَصْحَابكُمْ , فَإِنْ اخْتَارُوكُمْ فَهُمْ مِنْكُمْ , وَإِنْ اخْتَارُوهُمْ فَهُمْ مِنْهُمْ " قَالَ : فَأَجْلَوْهُمْ مَعَهُمْ . 4541 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثِنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ قَوْله : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْد مِنْ الْغَيّ } إلَى : { لَا انْفِصَام لَهَا } قَالَ : نَزَلَتْ فِي رَجُل مِنْ الْأَنْصَار يُقَال لَهُ أَبُو الْحُصَيْن : كَانَ لَهُ ابْنَانِ , فَقَدِمَ تُجَّار مِنْ الشَّام إلَى الْمَدِينَة يَحْمِلُونَ الزَّيْت ; فَلَمَّا بَاعُوا وَأَرَادُوا أَنْ يَرْجِعُوا أَتَاهُمْ ابْنَا أَبِي الْحُصَيْن , فَدَعَوْهُمَا إلَى النَّصْرَانِيَّة فَتَنَصَّرَا , فَرَجَعَا إلَى الشَّام مَعَهُمْ . فَأَتَى أَبُوهُمَا إلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : إنْ ابْنَيَّ تَنَصَّرَا وَخَرَجَا , فَاطْلُبْهُمَا ؟ فَقَالَ : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْد مِنْ الْغَيّ } وَلَمْ يُؤْمَر يَوْمئِذٍ بِقِتَالِ أَهْل الْكِتَاب . وَقَالَ : " أَبْعَدَهُمَا اللَّه ! هُمَا أَوَّل مَنْ كَفَرَ " . فَوَجَدَ أَبُو الْحُصَيْن فِي نَفْسه عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين لَمْ يَبْعَث فِي طَلَبهمَا , فَنَزَلَتْ : { فَلَا وَرَبّك لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شَجَرَ بَيْنهمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنَفْسهمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْت وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } 4 65 ثُمَّ إنَّهُ نُسِخَ : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين } فَأُمِرَ بِقِتَالِ أَهْل الْكِتَاب فِي سُورَة بَرَاءَة . 4542 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين } قَالَ : كَانَتْ فِي الْيَهُود يَهُود أَرْضَعُوا رِجَالًا مِنْ الْأَوْس , فَلَمَّا أَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِجْلَائِهِمْ , قَالَ أَبْنَاؤُهُمْ مِنْ الْأَوْس : لَأَذْهَبَن مَعَهُمْ , وَلَأَدِينَن بِدِينِهِمْ ! فَمَنَعَهُمْ أَهْلُوهُمْ , وَأَكْرَهُوهُمْ عَلَى الْإِسْلَام , فَفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة . 4543 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد جَمِيعًا , عَنْ سُفْيَان , عَنْ صَيْف , عَنْ مُجَاهِد : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين } قَالَ : كَانَ نَاس مِنْ الْأَنْصَار مُسْتَرْضِعِينَ فِي بَنِي قُرَيْظَة , فَأَرَادُوا أَنْ يُكْرِهُوهُمْ عَلَى الْإِسْلَام , فَنَزَلَتْ : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْد مِنْ الْغَيّ } . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني الْحَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد : كَانَتْ النَّضِير يَهُودًا فَأَرْضَعُوا . ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو حَدِيث مُحَمَّد بْن عَمْرو , عَنْ أَبِي عَاصِم . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : وَأَخْبَرَنِي عَبْد الْكَرِيم , عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ دَانَ بِدِينِهِمْ أَبْنَاء الْأَوْس , دَانُوا بِدِينِ النَّضِير . 4544 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : لَنَا إسْحَاق , قَالَ : ثِنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ الشَّعْبِيّ : أَنَّ الْمَرْأَة مِنْ الْأَنْصَار كَانَتْ تَنْذِر إنْ عَاشَ وَلَدهَا لَتَجْعَلَنّه فِي أَهْل الْكِتَاب فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام قَالَتْ الْأَنْصَار : يَا رَسُول اللَّه أَلَا نُكْرِه أَوْلَادنَا الَّذِينَ هُمْ فِي يَهُود عَلَى الْإِسْلَام , فَإِنَّا إنَّمَا جَعَلْنَاهُمْ فِيهَا وَنَحْنُ نَرَى أَنَّ الْيَهُودِيَّة أَفْضَل الْأَدْيَان ؟ فَلَمَّا إذْ جَاءَ اللَّه بِالْإِسْلَامِ , أَفَلَا نُكْرِههُمْ عَلَى الْإِسْلَام ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْد مِنْ الْغَيّ } . * - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ دَاوُد , عَنْ الشَّعْبِيّ مِثْله , وَزَادَ : قَالَ : كَانَ فَصْل مَا بَيْن مَنْ اخْتَارَ الْيَهُود مِنْهُمْ وَبَيْن مَنْ اخْتَارَ الْإِسْلَام , إجْلَاء بَنِي النَّضِير ; فَمَنْ خَرَجَ مَعَ بَنِي النَّضِير كَانَ مِنْهُمْ , وَمَنْ تَرَكَهُمْ اخْتَارَ الْإِسْلَام . 4545 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين } إلَى قَوْله : { الْعُرْوَة الْوُثْقَى } قَالَ : قَالَ مَنْسُوخ . 4546 - حَدَّثَنِي سَعِيد بْن الرَّبِيع الرَّازِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , وَوَائِل , عَنْ الْحَسَن : أَنَّ أُنَاسًا مِنْ الْأَنْصَار كَانُوا مُسْتَرْضَعِينَ فِي بَنِي النَّضِير , فَلَمَّا أُجْلُوا , أَرَادَ أَهْلُوهُمْ أَنْ يُلْحِقُوهُمْ بِدِينِهِمْ , فَنَزَلَتْ : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين } . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِك : لَا يُكْرَه أَهْل الْكِتَاب عَلَى الدِّين إذَا بَذَلُوا الْجِزْيَة , وَلَكِنَّهُمْ يُقَرُّونَ عَلَى دِينهمْ . وَقَالُوا : الْآيَة فِي خَاصّ مِنْ الْكُفَّار , وَلَمْ يُنْسَ مِنْهَا شَيْء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4547 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثِنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْد مِنْ الْغَيّ } قَالَ : أُكْرِهَ عَلَيْهِ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْعَرَب , لِأَنَّهُمْ كَانُوا أُمَّة أُمِّيّه , لَيْسَ لَهُمْ كِتَاب يَعْرِفُونَهُ , فَلَمْ يُقْبَل مِنْهُمْ غَيْر الْإِسْلَام , وَلَا يُكْرَه عَلَيْهِ أَهْل الْكِتَاب إذَا أَقَرُّوا بِالْجِزْيَةِ أَوْ بِالْخَرَاجِ , وَلَمْ يُفْتَنُوا عَنْ دِينهمْ , فَيُخَلَّى عَنْهُمْ . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان قَالَ : ثنا أَبُو هِلَال , قَالَ : ثنا قَتَادَةُ فِي قَوْله , { لَا إكْرَاه فِي الدِّين } قَالَ : هُوَ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْعَرَب أُكْرِهُوا عَلَى الدِّين , لَمْ يُقْبَل مِنْهُمْ إلَّا الْقَتْل أَوْ الْإِسْلَام , وَأَهْل الْكِتَاب قُبِلَتْ مِنْهُمْ الْجِزْيَة وَلَمْ يُقْتَلُوا . 4548 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن بَشِير , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن قَيْس , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين } قَالَ : أَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقَاتِل جَزِيرَة الْعَرَب مِنْ أَهْل الْأَوْثَان , فَلَمْ يَقْبَل مِنْهُمْ إلَّا " لَا إلَه إلَّا اللَّه " , أَوْ السَّيْف . ثُمَّ أَمَرَ فِيمَنْ سِوَاهُمْ بِأَنْ يَقْبَلَ مِنْهُمْ الْجِزْيَة ; فَقَالَ : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْد مِنْ الْغَيّ } . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين } قَالَ : كَانَتْ الْعَرَب لَيْسَ لَهَا دِين , فَكُرِهُوا عَلَى الدِّين بِالسَّيْفِ , قَالَ , وَلَا يُكْرَه الْيَهُود وَلَا النَّصَارَى وَالْمَجُوس إذَا أُعْطُوا الْجِزْيَة . 4549 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن عُيَيْنَةَ , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , قَالَ : سَمِعْت مُجَاهَدًا يَقُول لِغُلَامٍ لَهُ نَصْرَانِيّ : يَا جَرِير أَسْلِمْ ! ثُمَّ قَالَ : هَكَذَا كَانَ يُقَال لَهُمْ . 4550 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثَنِيّ أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْد مِنْ الْغَيّ } قَالَ : وَذَلِك لَمَّا دَخَلَ النَّاس فِي الْإِسْلَام , وَأَعْطَى أَهْل الْكِتَاب الْجِزْيَة . وَقَالَ آخَرُونَ : هَذِهِ الْآيَة مَنْسُوخَة , وَإِنَّمَا نَزَلَتْ قَبْل أَنْ يُفْرَض الْقِتَال . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4551 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي يَعْقُوب بْن عَبْد الرَّحْمَن الزُّهْرِيّ قَالَ : سَأَلْت زَيْد بْن أَسْلَم عَنْ قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين } قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّة عَشْر سِنِينَ لَا يُكْرِه أَحَدًا فِي الدِّين , فَأَبَى الْمُشْرِكُونَ إلَّا أَنْ يُقَاتِلُوهُمْ , فَاسْتَأْذَنَ اللَّه فِي قِتَالهمْ , فَأَذِنَ لَهُ . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي خَاصّ مِنْ النَّاس , قَالَ : عَنَى بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْره : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين } أَهْل الْكِتَابَيْنِ وَالْمَجُوس , وَكُلّ مَنْ جَاءَ إقْرَاره عَلَى دِينه الْمَخَالِف دِين الْحَقّ , وَأَخَذَ الْجِزْيَة مِنْهُ . وَأَنْكَرُوا أَنْ يَكُون شَيْء مِنْهَا مَنْسُوخًا . وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا الْقَوْل أَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِك بِالصَّوَابِ لِمَا قَدْ دَلَّلْنَا عَلَيْهِ فِي كِتَابنَا كِتَاب اللَّطِيف مِنْ الْبَيَان عَنْ أُصُول الْأَحْكَام " مِنْ أَنَّ النَّاسِخ غَيْر كَائِن نَاسِخًا إلَّا مَا نَفَى حُكْم الْمَنْسُوخ , فَلَمْ يَجُزْ اجْتِمَاعهمَا . فَأَمَّا مَا كَانَ ظَاهِره الْعُمُوم مِنْ الْأَمْر وَالنَّهْي وَبَاطِنه الْخُصُوص , فَهُوَ مِنْ النَّاسِخ وَالْمَنْسُوخ بِمَعْزِلٍ . وَإِذْ كَانَ ذَلِك كَذَلِكَ , وَكَانَ غَيْر مُسْتَحِيل أَنْ يُقَال : لَا إكْرَاه لِأَحَدٍ مِمَّنْ أُخِذَتْ مِنْهُ الْجِزْيَة فِي الدِّين , وَلَمْ يَكُنْ فِي الْآيَة دَلِيل عَلَى أَنَّ تَأْوِيلهَا بِخِلَافِ ذَلِك , وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ جَمِيعًا قَدْ نَقَلُوا عَنْ نَبِيّهمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَكْرَهَ عَلَى الْإِسْلَام قَوْمًا , فَأَبَى أَنْ يَقْبَل مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَام , وَحَكَمَ بِقَتْلِهِمْ إنْ امْتَنَعُوا مِنْهُ , وَذَلِك كَعَبَدَةِ الْأَوْثَان مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَب , وَكَالْمُرْتَدِّ عَنْ دِينه دِين الْحَقّ إلَى الْكُفْر وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ , وَأَنَّهُ تَرَكَ إكْرَاه الْآخَرِينَ عَلَى الْإِسْلَام بِقَبُولِهِ الْجِزْيَة مِنْهُ , وَإِقْرَاره عَلَى دِينه الْبَاطِل , وَذَلِك كَأَهْلِ الْكِتَابَيْنِ , وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ ; كَانَ بَيِّنًا بِذَلِك أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين } إنَّمَا هُوَ لَا إكْرَاه فِي الدِّين لِأَحَدٍ مِمَّنْ حَلَّ قَبُول الْجِزْيَة مِنْهُ بِأَدَائِهِ الْجِزْيَة , وَرِضَاهُ بِحُكْمِ الْإِسْلَام . وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْآيَة مَنْسُوخَة الْحُكْم بِالْإِذْنِ بِالْمُحَارَبَةِ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَمَا أَنْت قَائِل فِيمَا رُوِيَ عَنْ ابْن عَبَّاس وَعَمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ : مِنْ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي قَوْم مِنْ الْأَنْصَار أَرَادُوا أَنْ يُكْرِهُوا أَوْلَادهمْ عَلَى الْإِسْلَام ؟ قُلْنَا : ذَلِك غَيْر مَدْفُوعَة صِحَّته , وَلَكِنَّ الْآيَة قَدْ تَنْزِل فِي خَاصّ مِنْ الْأَمْر , ثُمَّ يَكُون حُكْمهَا عَامًّا فِي كُلّ مَا جَانَسَ الْمَعْنَى الَّذِي أُنْزِلَتْ فِيهِ . فَاَلَّذِينَ أُنْزِلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَة عَلَى مَا ذَكَرَ ابْن عَبَّاس وَغَيْره , إنَّمَا كَانُوا قَوْمًا دَانُوا بِدِينِ أَهْل التَّوْرَاة قَبْل ثُبُوت عَقْد الْإِسْلَام لَهُمْ , فَنَهَى اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ إكْرَاههمْ عَلَى الْإِسْلَام , وَأَنْزَلَ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِك آيَة يَعُمّ حُكْمهَا كُلّ مَنْ كَانَ فِي مِثْل مَعْنَاهُمْ مِمَّنْ كَانَ عَلَى دِين مِنْ الْأَدْيَان الَّتِي يَجُوز أَخْذ الْجِزْيَة مِنْ أَهْلهَا , وَإِقْرَارهمْ عَلَيْهَا عَلَى النَّحْو الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِك . وَمَعْنَى قَوْله : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين } لَا يُكْرَه أَحَد فِي دِين الْإِسْلَام عَلَيْهِ , وَإِنَّمَا أَدَلَّتْ الْأَلِف وَاللَّام فِي الدِّين تَعْرِيفًا لِلدِّينِ الَّذِي عَنَى اللَّه بِقَوْلِهِ : لَا إكْرَاه فِيهِ , وَأَنَّهُ هُوَ الْإِسْلَام . وَقَدْ يُحْتَمَل أَنْ يَكُون أُدْخِلَتَا عُقَيْبًا مِنْ الْهَاء الْمَنَوِيَّة فِي الدِّين , فَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام حِينَئِذٍ : وَهُوَ الْعَلِيّ الْعَظِيم لَا إكْرَاه فِي دِينه , قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْد مِنْ الْغَيّ . وَكَأَنَّ هَذَا الْقَوْل أَشْبَه بِتَأْوِيلِ الْآيَة عِنْدِي .
وَأَمَّا قَوْله : { قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْد } فَإِنَّهُ مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : رَشَدْت فَأَنَا أَرْشُد رُشْدًا وَرَشَدًا وَرَشَادًا , وَذَلِك إذَا أَصَابَ الْحَقّ وَالصَّوَاب . وَأَمَّا الْغَيّ , فَإِنَّهُ مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : قَدْ غَوَى فُلَان فَهُوَ يَغْوِي غَيًّا
وَغَوَايَة . وَبَعْض الْعَرَب يَقُول : غَوَى فُلَان يَغْوَى . وَاَلَّذِي عَلَيْهِ قِرَاءَة الْقُرَّاء : { مَا ضَلَّ صَاحِبكُمْ وَمَا غَوَى } 53 2 الْفَتْح , وَهِيَ أَفْصَح اللُّغَتَيْنِ , وَذَلِك إذَا عَدَا الْحَقّ وَتَجَاوَزَهُ فَضَلَّ . فَتَأْوِيل الْكَلَام إذًا : قَدْ وَضَحَ الْحَقّ مِنْ الْبَاطِل , وَاسْتَبَانَ لِطَالِبِ الْحَقّ وَالرَّشَاد وَجْه مَطْلَبه , فَتَمَيَّزَ مِنْ الضَّلَالَة وَالْغَوَايَة , فَلَا تُكْرِهُوا مِنْ أَهْل الْكِتَابَيْنِ , وَمَنْ أَبَحْت لَكُمْ أَخْذ الْجِزْيَة مِنْهُ , عَلَى دِينكُمْ , دِين الْحَقّ ; فَإِنَّ مَنْ حَادَ عَنْ الرَّشَاد بَعْد اسْتِبَانَته لَهُ , فَإِلَى رَبّه أَمْره , وَهُوَ وَلِيّ عُقُوبَته فِي مَعَاده .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ يَكْفُر بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاَللَّهِ } . اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الطَّاغُوت , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ الشَّيْطَان . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4552 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثِنَا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ حَسَّان بْن فَائِد الْعَبْسِيّ قَالَ : قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب : الطَّاغُوت : الشَّيْطَان . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني ابْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ شُعْبَة , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ حَسَّان بْن فَائِد , عَنْ عُمَر , مِثْله . 4553 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثِنَا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الْمَلِك , عَمَّنْ حَدَّثَهُ , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الطَّاغُوت : الشَّيْطَان . 4554 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : الطَّاغُوت : الشَّيْطَان . 4555 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { فَمَنْ يَكْفُر بِالطَّاغُوتِ } قَالَ : الشَّيْطَان . 4556 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ ثنا يَزِيد , قَالَ : ثِنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : الطَّاغُوت : الشَّيْطَان . 4557 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي قَوْله : {
فَمَنْ كَفَرَ بِالطَّاغُوتِ } بِالشَّيْطَانِ . وَقَالَ آخَرُونَ : الطَّاغُوت : هُوَ السَّاحِر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4558 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى قَالَ : ثِنَا دَاوُد , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , أَنَّهُ قَالَ : الطَّاغُوت : السَّاحِر . وَقَدْ خُولِفَ عَبْد الْأَعْلَى فِي هَذِهِ الرِّوَايَة , وَأَنَا أَذْكُر الْخِلَاف بَعْدُ . 4559 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنْ مُحَمَّد , قَالَ : الطَّاغُوت : السَّاحِر . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ الطَّاغُوت : هُوَ الْكَاهِن . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4560 - حَدَّثَنِي ابْن بَشَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : الطَّاغُوت : الْكَاهِن . 4561 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ رَفِيع , قَالَ : الطَّاغُوت : الْكَاهِن . 4562 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثِنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ : { فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ } قَالَ : كُهَّان تَنَزَّل عَلَيْهَا شَيَاطِين يُلْقُونَ عَلَى أَلْسِنَتهمْ وَقُلُوبهمْ . أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْر عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه , أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُول : وَسُئِلَ عَنْ الطَّوَاغِيت الَّتِي كَانُوا يَتَحَاكَمُونَ إلَيْهَا , فَقَالَ : كَانَ فِي جُهَيْنَة وَاحِد , وَفِي أَسْلَم وَاحِد , وَفِي كُلّ حَيّ وَاحِد , وَهِيَ كُهَّان يَنْزِل عَلَيْهَا الشَّيْطَان . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل عِنْدِي فِي الطَّاغُوت : أَنَّهُ كُلّ ذِي طُغْيَان عَلَى اللَّه فَعُبِدَ مِنْ دُونه , إمَّا بِقَهْرٍ مِنْهُ لِمَنْ عَبَدَهُ , وَإِمَّا بِطَاعَةٍ مِمَّنْ عَبَدَهُ لَهُ , وَإِنْسَانًا كَانَ ذَلِك الْمَعْبُود , أَوْ شَيْطَانًا , أَوْ وَثَنًا , أَوْ صَنَمًا , أَوْ كَائِنًا مَا كَانَ مِنْ شَيْء . وَأَرَى أَنَّ أَصْل الطَّاغُوت : الطَّغْوُوت , مِنْ قَوْل الْقَائِل : طَغَى فُلَان يَطْغُو : إذَا عَدَا قَدْره فَتَجَاوَزَ حَدّه , كَالْجَبَرُوتِ مِنْ التَّجَبُّر , وَالْخَلَبُوت مِنْ الْخَلْب , وَنَحْو ذَلِك مِنْ الْأَسْمَاء الَّتِي تَأْتِي عَلَى تَقْدِير فَعَلَوْت بِزِيَادَةِ الْوَاو وَالتَّاء . ثُمَّ نُقِلَتْ لَامَهُ أَعْنِي لَامَ الطَّغْوُوت , فَجُعِلَتْ لَهُ عَيْنًا , وَحُوِّلَتْ عَيْنه فَجُعِلَتْ مَكَان لَامَهُ , كَمَا قِيلَ جَذَبَ وَجَبَذَ وَجَابِذ وَجَاذِب وَصَاعِقَة وَصَاقِعه , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِك مِنْ الْأَسْمَاء الَّتِي عَلَى هَذَا الْمِثَال . فَتَأْوِيل الْكَلَام إذًا : فَمَنْ يَجْحَد رُبُوبِيَّة كُلّ مَعْبُود مِنْ دُون اللَّه فَيَكْفُرْ بِهِ ; { وَيُؤْمِن بِاَللَّهِ } يَقُول : وَيُصَدِّق بِاَللَّهِ أَنَّهُ إلَهه وَرَبّه وَمَعْبُوده , { فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى } يَقُول : فَقَدْ تَمَسَّكَ بِأَوْثَق مَا يَتَمَسَّك بِهِ مَنْ طَلَبَ الْخَلَاص لِنَفْسِهِ مِنْ عَذَاب اللَّه وَعِقَابه . كَمَا : 4563 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن سَعِيد بْن يَعْقُوب الْكِنْدِيّ , قَالَ : ثنا بَقِيَّة بْن الْوَلِيد , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي مَرْيَم , عَنْ حُمَيْد بْن عُقْبَة , عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء : أَنَّهُ عَادَ مَرِيضًا مِنْ جِيَرَته فَوَجَدَهُ فِي السُّوق وَهُوَ يُغَرْغِر لَا يَفْقُهُونَ مَا يُرِيد , فَسَأَلَهُمْ : يُرِيد أَنْ يَنْطِق ؟ قَالُوا : نَعَمْ يُرِيد أَنْ يَقُول : آمَنْت بِاَللَّهِ وَكَفَرْت بِالطَّاغُوتِ . قَالَ أَبُو الدَّرْدَاء : وَمَا عِلْمكُمْ بِذَلِك ؟ قَالُوا : لَمْ يَزَلْ يُرَدِّدهَا حَتَّى انْكَسَرَ لِسَانه , فَنَحْنُ نَعْلَم أَنَّهُ إنَّمَا يُرِيد أَنْ يَنْطِق بِهَا . فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء : أَفْلَحَ صَاحِبكُمْ , إنَّ اللَّه يَقُول : { فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاَللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَام لَهَا وَاَللَّه سَمِيع عَلِيم } .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى } وَالْعُرْوَة فِي هَذَا الْمَكَان مَثَل لِلْإِيمَانِ الَّذِي اعْتَصَمَ بِهِ الْمُؤْمِن , فَشَبَّهَهُ فِي تَعَلُّقه بِهِ وَتَمَسُّكه بِهِ بِالْمُتَمَسِّكِ بِعُرْوَةِ الشَّيْء الَّذِي لَهُ عُرْوَة يُتَمَسَّك بِهَا , إذْ كَانَ كُلّ ذِي عُرْوَة فَإِنَّمَا يَتَعَلَّق مَنْ أَرَادَهُ بِعُرْوَتِهِ . وَجَعَلَ تَعَالَى ذِكْره الْإِيمَان الَّذِي تَمَسَّكَ بِهِ الْكَافِر بِالطَّاغُوتِ الْمُؤْمِن بِاَللَّهِ وَمِنْ أَوْثَق عُرَى الْأَشْيَاء بِقَوْلِهِ : { الْوُثْقَى } وَالْوُثْقَى : " فُعْلَى " مِنْ الْوَثَاقَة , يُقَال فِي الذَّكَر : هُوَ الْأَوْثَق , وَفِي الْأُنْثَى : هِيَ الْوُثْقَى , كَمَا يُقَال فُلَان الْأَفْضَل وَفُلَانَة الْفُضْلَى . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِك قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4564 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم
, عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى } قَالَ : الْإِيمَان . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 4565 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثِنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : الْعُرْوَة الْوُثْقَى : هُوَ الْإِسْلَام . 4566 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثِنَا سُفْيَان , عَنْ أَبِي السَّوْدَاء , عَنْ جَعْفَر - يَعْنِي ابْن أَبِي الْمُغِيرَة - عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَوْله : { فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى } قَالَ : لَا إلَه إلَّا اللَّه . * - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي السَّوْدَاء النَّهْدِيّ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر مِثْله . 4567 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , الضَّحَّاك : { فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى } مِثْله .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَا انْفِصَام لَهَا } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { لَا انْفِصَام لَهَا } لَا انْكِسَار لَهَا , وَالْهَاء وَالْأَلِف فِي قَوْله لَهَا عَائِد عَلَى الْعُرْوَة . وَمَعْنَى الْكَلَام : فَمَنْ يَكْفُر بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاَللَّهِ , فَقَدْ اعْتَصَمَ مِنْ طَاعَة اللَّه بِمَا لَا يُخْشَى مَعَ اعْتِصَامه خِذْلَانه إيَّاهُ - وَإِسْلَامه عِنْد حَاجَته إلَيْهِ فِي أَهْوَال الْآخِرَة , كَالْمُتَمَسِّكِ بِالْوَثِيقِ مِنْ عُرَى الْأَشْيَاء الَّتِي لَا يُخْشَى انْكِسَار عُرَاهَا . وَأَصْل الْفَصْم : الْكَسْر , وَمِنْهُ قَوْل أُعْشَى بَنِي ثَعْلَبَة : وَمَبْسِمَهَا عَنْ شَتِيت النَّبَا تِ غَيْرِ
أَكَسَّ وَلَا مُنْفَصِمْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِك قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4568 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله { لَا انْفِصَام لَهَا } قَالَ : لَا يُغَيِّر اللَّه مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثِنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 4569 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { لَا انْفِصَام لَهَا } قَالَ : لَا انْقِطَاع لَهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَللَّه سَمِيع عَلِيم } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : وَاَللَّه سَمِيع إيمَان الْمُؤْمِن بِاَللَّهِ وَحْده , الْكَافِر بِالطَّاغُوتِ عِنْد إقْرَاره بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّه , وَتَبَرُّئِهِ مِنْ الْأَنْدَاد وَالْأَوْثَان الَّتِي تُعْبَد مِنْ دُون اللَّه , عَلِيم بِمَا عَزَمَ عَلَيْهِ مِنْ تَوْحِيد اللَّه وَإِخْلَاص رُبُوبِيَّته قَلْبه , وَمَا انْطَوَى عَلَيْهِ مِنْ الْبَرَاءَة مِنْ الْآلِهَة وَالْأَصْنَام وَالطَّوَاغِيت ضَمِيره , وَبِغَيْرِ ذَلِك
مِمَّا أَخْفَتْهُ نَفْس كُلّ أَحَد مِنْ خَلْقه لَا يَنْكَتِم عَنْهُ سِرّ , وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَمْر , حَتَّى يُجَازِيَ كُلًّا يَوْم الْقِيَامَة بِمَا نَطَقَ بِهِ لِسَانه , وَأَضْمَرْته نَفْسه , إنْ خَيْرًا فَخَيْرًا , وَإِنْ شَرًّا فَشَرًّا .
الرُّشْد مِنْ الْغَيّ } قَالَ : مَنْ شَاءَ أَنْ يُقِيم أَقَامَ وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَذْهَبَ ذَهَبَ . 4537 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا دَاوُد , وَحَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا ابْن عُلَيَّة , عَنْ دَاوُد , عَنْ عَامِر , قَالَ : كَانَتْ الْمَرْأَة مِنْ الْأَنْصَار تَكُون مِقْلَاتًا لَا يَعِيش لَهَا وَلَد , فَتَنْذِر إنْ عَاشَ وَلَدهَا أَنْ تَجْعَلهُ مَعَ أَهْل الْكِتَاب عَلَى دِينهمْ . فَجَاءَ الْإِسْلَام وَطَوَائِف مِنْ أَبْنَاء الْأَنْصَار عَلَى دِينهمْ , فَقَالُوا : إنَّمَا جَعَلْنَاهُمْ عَلَى دِينهمْ , وَنَحْنُ نَرَى أَنَّ دِينهمْ أَفَضْل مِنْ دِيننَا , وَإِذْ جَاءَ اللَّه بِالْإِسْلَامِ فَلَنُكْرِهَنّهم ! فَنَزَلَتْ : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين } فَكَانَ فَصْل مَا بَيْن مَنْ اخْتَارَ الْيَهُودِيَّة وَالْإِسْلَام , فَمَنْ لَحِقَ بِهِمْ اخْتَارَ الْيَهُودِيَّة , وَمَنْ أَقَامَ اخْتَارَ الْإِسْلَام . وَلَفْظ الْحَدِيث لِحُمَيْد . 4538 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت دَاوُد , عَنْ عَامِر , بِنَحْوِ مَعْنَاهُ , إلَّا أَنَّهُ قَالَ : فَكَانَ فَصْل مَا بَيْنهمْ إجْلَاء رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي النَّضِير , فَلَحِقَ بِهِمْ مَنْ كَانَ يَهُودِيًّا وَلَمْ يُسْلِم مِنْهُمْ , وَبَقِيَ مَنْ أَسْلَمَ . * - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عَامِر بِنَحْوِهِ , إلَّا أَنَّهُ قَالَ : إجْلَاء النَّضِير إلَى خَيْبَر , فَمَنْ اخْتَارَ الْإِسْلَام أَقَامَ , وَمَنْ كَرِهَ لَحِقَ بِخَيْبَر . 4539 - حَدَّثَنِي ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد الْحَرَشِيّ مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت عَنْ عِكْرِمَة , أَوْ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْد مِنْ الْغَيّ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي رَجُل مِنْ الْأَنْصَار مِنْ بَنِي سَالِم بْن عَوْف يُقَال لَهُ الْحُصَيْن ; كَانَ لَهُ ابْنَانِ نَصْرَانِيَّانِ , وَكَانَ هُوَ رَجُلًا مُسْلِمًا , فَقَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَلَا أَسْتَكْرِههُمَا فَإِنَّهُمَا قَدْ أَبَيَا إلَّا النَّصْرَانِيَّة ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِ ذَلِك . 4540 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ : ثنا حَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا أَبُو عَوَانَة , عَنْ أَبِي بِشْر , قَالَ : سَأَلَتْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ قَوْله : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْد مِنْ الْغَيّ } قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ فِي الْأَنْصَار . قَالَ : قُلْت خَاصَّة , قَالَ : خَاصَّة . قَالَ : كَانَتْ الْمَرْأَة فِي الْجَاهِلِيَّة تَنْذِر إنْ وَلَدَتْ وَلَدًا أَنْ تَجْعَلهُ فِي الْيَهُود تَلْتَمِس بِذَلِك طُول بَقَائِهِ . قَالَ : فَجَاءَ الْإِسْلَام وَفِيهِمْ مِنْهُمْ ; فَلَمَّا أُجْلِيَتْ النَّضِير , قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , أَبْنَاؤُنَا وَإِخْوَاننَا فِيهِمْ , قَالَ : فَسَكَتَ عَنْهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْد مِنْ الْغَيّ } قَالَ : فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " قَدْ خُيِّرَ أَصْحَابكُمْ , فَإِنْ اخْتَارُوكُمْ فَهُمْ مِنْكُمْ , وَإِنْ اخْتَارُوهُمْ فَهُمْ مِنْهُمْ " قَالَ : فَأَجْلَوْهُمْ مَعَهُمْ . 4541 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثِنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ قَوْله : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْد مِنْ الْغَيّ } إلَى : { لَا انْفِصَام لَهَا } قَالَ : نَزَلَتْ فِي رَجُل مِنْ الْأَنْصَار يُقَال لَهُ أَبُو الْحُصَيْن : كَانَ لَهُ ابْنَانِ , فَقَدِمَ تُجَّار مِنْ الشَّام إلَى الْمَدِينَة يَحْمِلُونَ الزَّيْت ; فَلَمَّا بَاعُوا وَأَرَادُوا أَنْ يَرْجِعُوا أَتَاهُمْ ابْنَا أَبِي الْحُصَيْن , فَدَعَوْهُمَا إلَى النَّصْرَانِيَّة فَتَنَصَّرَا , فَرَجَعَا إلَى الشَّام مَعَهُمْ . فَأَتَى أَبُوهُمَا إلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : إنْ ابْنَيَّ تَنَصَّرَا وَخَرَجَا , فَاطْلُبْهُمَا ؟ فَقَالَ : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْد مِنْ الْغَيّ } وَلَمْ يُؤْمَر يَوْمئِذٍ بِقِتَالِ أَهْل الْكِتَاب . وَقَالَ : " أَبْعَدَهُمَا اللَّه ! هُمَا أَوَّل مَنْ كَفَرَ " . فَوَجَدَ أَبُو الْحُصَيْن فِي نَفْسه عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين لَمْ يَبْعَث فِي طَلَبهمَا , فَنَزَلَتْ : { فَلَا وَرَبّك لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شَجَرَ بَيْنهمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنَفْسهمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْت وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } 4 65 ثُمَّ إنَّهُ نُسِخَ : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين } فَأُمِرَ بِقِتَالِ أَهْل الْكِتَاب فِي سُورَة بَرَاءَة . 4542 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين } قَالَ : كَانَتْ فِي الْيَهُود يَهُود أَرْضَعُوا رِجَالًا مِنْ الْأَوْس , فَلَمَّا أَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِجْلَائِهِمْ , قَالَ أَبْنَاؤُهُمْ مِنْ الْأَوْس : لَأَذْهَبَن مَعَهُمْ , وَلَأَدِينَن بِدِينِهِمْ ! فَمَنَعَهُمْ أَهْلُوهُمْ , وَأَكْرَهُوهُمْ عَلَى الْإِسْلَام , فَفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة . 4543 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد جَمِيعًا , عَنْ سُفْيَان , عَنْ صَيْف , عَنْ مُجَاهِد : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين } قَالَ : كَانَ نَاس مِنْ الْأَنْصَار مُسْتَرْضِعِينَ فِي بَنِي قُرَيْظَة , فَأَرَادُوا أَنْ يُكْرِهُوهُمْ عَلَى الْإِسْلَام , فَنَزَلَتْ : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْد مِنْ الْغَيّ } . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني الْحَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد : كَانَتْ النَّضِير يَهُودًا فَأَرْضَعُوا . ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو حَدِيث مُحَمَّد بْن عَمْرو , عَنْ أَبِي عَاصِم . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : وَأَخْبَرَنِي عَبْد الْكَرِيم , عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ دَانَ بِدِينِهِمْ أَبْنَاء الْأَوْس , دَانُوا بِدِينِ النَّضِير . 4544 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : لَنَا إسْحَاق , قَالَ : ثِنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ الشَّعْبِيّ : أَنَّ الْمَرْأَة مِنْ الْأَنْصَار كَانَتْ تَنْذِر إنْ عَاشَ وَلَدهَا لَتَجْعَلَنّه فِي أَهْل الْكِتَاب فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام قَالَتْ الْأَنْصَار : يَا رَسُول اللَّه أَلَا نُكْرِه أَوْلَادنَا الَّذِينَ هُمْ فِي يَهُود عَلَى الْإِسْلَام , فَإِنَّا إنَّمَا جَعَلْنَاهُمْ فِيهَا وَنَحْنُ نَرَى أَنَّ الْيَهُودِيَّة أَفْضَل الْأَدْيَان ؟ فَلَمَّا إذْ جَاءَ اللَّه بِالْإِسْلَامِ , أَفَلَا نُكْرِههُمْ عَلَى الْإِسْلَام ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْد مِنْ الْغَيّ } . * - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ دَاوُد , عَنْ الشَّعْبِيّ مِثْله , وَزَادَ : قَالَ : كَانَ فَصْل مَا بَيْن مَنْ اخْتَارَ الْيَهُود مِنْهُمْ وَبَيْن مَنْ اخْتَارَ الْإِسْلَام , إجْلَاء بَنِي النَّضِير ; فَمَنْ خَرَجَ مَعَ بَنِي النَّضِير كَانَ مِنْهُمْ , وَمَنْ تَرَكَهُمْ اخْتَارَ الْإِسْلَام . 4545 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين } إلَى قَوْله : { الْعُرْوَة الْوُثْقَى } قَالَ : قَالَ مَنْسُوخ . 4546 - حَدَّثَنِي سَعِيد بْن الرَّبِيع الرَّازِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , وَوَائِل , عَنْ الْحَسَن : أَنَّ أُنَاسًا مِنْ الْأَنْصَار كَانُوا مُسْتَرْضَعِينَ فِي بَنِي النَّضِير , فَلَمَّا أُجْلُوا , أَرَادَ أَهْلُوهُمْ أَنْ يُلْحِقُوهُمْ بِدِينِهِمْ , فَنَزَلَتْ : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين } . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِك : لَا يُكْرَه أَهْل الْكِتَاب عَلَى الدِّين إذَا بَذَلُوا الْجِزْيَة , وَلَكِنَّهُمْ يُقَرُّونَ عَلَى دِينهمْ . وَقَالُوا : الْآيَة فِي خَاصّ مِنْ الْكُفَّار , وَلَمْ يُنْسَ مِنْهَا شَيْء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4547 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثِنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْد مِنْ الْغَيّ } قَالَ : أُكْرِهَ عَلَيْهِ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْعَرَب , لِأَنَّهُمْ كَانُوا أُمَّة أُمِّيّه , لَيْسَ لَهُمْ كِتَاب يَعْرِفُونَهُ , فَلَمْ يُقْبَل مِنْهُمْ غَيْر الْإِسْلَام , وَلَا يُكْرَه عَلَيْهِ أَهْل الْكِتَاب إذَا أَقَرُّوا بِالْجِزْيَةِ أَوْ بِالْخَرَاجِ , وَلَمْ يُفْتَنُوا عَنْ دِينهمْ , فَيُخَلَّى عَنْهُمْ . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان قَالَ : ثنا أَبُو هِلَال , قَالَ : ثنا قَتَادَةُ فِي قَوْله , { لَا إكْرَاه فِي الدِّين } قَالَ : هُوَ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْعَرَب أُكْرِهُوا عَلَى الدِّين , لَمْ يُقْبَل مِنْهُمْ إلَّا الْقَتْل أَوْ الْإِسْلَام , وَأَهْل الْكِتَاب قُبِلَتْ مِنْهُمْ الْجِزْيَة وَلَمْ يُقْتَلُوا . 4548 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن بَشِير , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن قَيْس , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين } قَالَ : أَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقَاتِل جَزِيرَة الْعَرَب مِنْ أَهْل الْأَوْثَان , فَلَمْ يَقْبَل مِنْهُمْ إلَّا " لَا إلَه إلَّا اللَّه " , أَوْ السَّيْف . ثُمَّ أَمَرَ فِيمَنْ سِوَاهُمْ بِأَنْ يَقْبَلَ مِنْهُمْ الْجِزْيَة ; فَقَالَ : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْد مِنْ الْغَيّ } . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين } قَالَ : كَانَتْ الْعَرَب لَيْسَ لَهَا دِين , فَكُرِهُوا عَلَى الدِّين بِالسَّيْفِ , قَالَ , وَلَا يُكْرَه الْيَهُود وَلَا النَّصَارَى وَالْمَجُوس إذَا أُعْطُوا الْجِزْيَة . 4549 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن عُيَيْنَةَ , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , قَالَ : سَمِعْت مُجَاهَدًا يَقُول لِغُلَامٍ لَهُ نَصْرَانِيّ : يَا جَرِير أَسْلِمْ ! ثُمَّ قَالَ : هَكَذَا كَانَ يُقَال لَهُمْ . 4550 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثَنِيّ أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْد مِنْ الْغَيّ } قَالَ : وَذَلِك لَمَّا دَخَلَ النَّاس فِي الْإِسْلَام , وَأَعْطَى أَهْل الْكِتَاب الْجِزْيَة . وَقَالَ آخَرُونَ : هَذِهِ الْآيَة مَنْسُوخَة , وَإِنَّمَا نَزَلَتْ قَبْل أَنْ يُفْرَض الْقِتَال . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4551 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي يَعْقُوب بْن عَبْد الرَّحْمَن الزُّهْرِيّ قَالَ : سَأَلْت زَيْد بْن أَسْلَم عَنْ قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين } قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّة عَشْر سِنِينَ لَا يُكْرِه أَحَدًا فِي الدِّين , فَأَبَى الْمُشْرِكُونَ إلَّا أَنْ يُقَاتِلُوهُمْ , فَاسْتَأْذَنَ اللَّه فِي قِتَالهمْ , فَأَذِنَ لَهُ . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي خَاصّ مِنْ النَّاس , قَالَ : عَنَى بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْره : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين } أَهْل الْكِتَابَيْنِ وَالْمَجُوس , وَكُلّ مَنْ جَاءَ إقْرَاره عَلَى دِينه الْمَخَالِف دِين الْحَقّ , وَأَخَذَ الْجِزْيَة مِنْهُ . وَأَنْكَرُوا أَنْ يَكُون شَيْء مِنْهَا مَنْسُوخًا . وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا الْقَوْل أَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِك بِالصَّوَابِ لِمَا قَدْ دَلَّلْنَا عَلَيْهِ فِي كِتَابنَا كِتَاب اللَّطِيف مِنْ الْبَيَان عَنْ أُصُول الْأَحْكَام " مِنْ أَنَّ النَّاسِخ غَيْر كَائِن نَاسِخًا إلَّا مَا نَفَى حُكْم الْمَنْسُوخ , فَلَمْ يَجُزْ اجْتِمَاعهمَا . فَأَمَّا مَا كَانَ ظَاهِره الْعُمُوم مِنْ الْأَمْر وَالنَّهْي وَبَاطِنه الْخُصُوص , فَهُوَ مِنْ النَّاسِخ وَالْمَنْسُوخ بِمَعْزِلٍ . وَإِذْ كَانَ ذَلِك كَذَلِكَ , وَكَانَ غَيْر مُسْتَحِيل أَنْ يُقَال : لَا إكْرَاه لِأَحَدٍ مِمَّنْ أُخِذَتْ مِنْهُ الْجِزْيَة فِي الدِّين , وَلَمْ يَكُنْ فِي الْآيَة دَلِيل عَلَى أَنَّ تَأْوِيلهَا بِخِلَافِ ذَلِك , وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ جَمِيعًا قَدْ نَقَلُوا عَنْ نَبِيّهمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَكْرَهَ عَلَى الْإِسْلَام قَوْمًا , فَأَبَى أَنْ يَقْبَل مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَام , وَحَكَمَ بِقَتْلِهِمْ إنْ امْتَنَعُوا مِنْهُ , وَذَلِك كَعَبَدَةِ الْأَوْثَان مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَب , وَكَالْمُرْتَدِّ عَنْ دِينه دِين الْحَقّ إلَى الْكُفْر وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ , وَأَنَّهُ تَرَكَ إكْرَاه الْآخَرِينَ عَلَى الْإِسْلَام بِقَبُولِهِ الْجِزْيَة مِنْهُ , وَإِقْرَاره عَلَى دِينه الْبَاطِل , وَذَلِك كَأَهْلِ الْكِتَابَيْنِ , وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ ; كَانَ بَيِّنًا بِذَلِك أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين } إنَّمَا هُوَ لَا إكْرَاه فِي الدِّين لِأَحَدٍ مِمَّنْ حَلَّ قَبُول الْجِزْيَة مِنْهُ بِأَدَائِهِ الْجِزْيَة , وَرِضَاهُ بِحُكْمِ الْإِسْلَام . وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْآيَة مَنْسُوخَة الْحُكْم بِالْإِذْنِ بِالْمُحَارَبَةِ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَمَا أَنْت قَائِل فِيمَا رُوِيَ عَنْ ابْن عَبَّاس وَعَمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ : مِنْ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي قَوْم مِنْ الْأَنْصَار أَرَادُوا أَنْ يُكْرِهُوا أَوْلَادهمْ عَلَى الْإِسْلَام ؟ قُلْنَا : ذَلِك غَيْر مَدْفُوعَة صِحَّته , وَلَكِنَّ الْآيَة قَدْ تَنْزِل فِي خَاصّ مِنْ الْأَمْر , ثُمَّ يَكُون حُكْمهَا عَامًّا فِي كُلّ مَا جَانَسَ الْمَعْنَى الَّذِي أُنْزِلَتْ فِيهِ . فَاَلَّذِينَ أُنْزِلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَة عَلَى مَا ذَكَرَ ابْن عَبَّاس وَغَيْره , إنَّمَا كَانُوا قَوْمًا دَانُوا بِدِينِ أَهْل التَّوْرَاة قَبْل ثُبُوت عَقْد الْإِسْلَام لَهُمْ , فَنَهَى اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ إكْرَاههمْ عَلَى الْإِسْلَام , وَأَنْزَلَ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِك آيَة يَعُمّ حُكْمهَا كُلّ مَنْ كَانَ فِي مِثْل مَعْنَاهُمْ مِمَّنْ كَانَ عَلَى دِين مِنْ الْأَدْيَان الَّتِي يَجُوز أَخْذ الْجِزْيَة مِنْ أَهْلهَا , وَإِقْرَارهمْ عَلَيْهَا عَلَى النَّحْو الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِك . وَمَعْنَى قَوْله : { لَا إكْرَاه فِي الدِّين } لَا يُكْرَه أَحَد فِي دِين الْإِسْلَام عَلَيْهِ , وَإِنَّمَا أَدَلَّتْ الْأَلِف وَاللَّام فِي الدِّين تَعْرِيفًا لِلدِّينِ الَّذِي عَنَى اللَّه بِقَوْلِهِ : لَا إكْرَاه فِيهِ , وَأَنَّهُ هُوَ الْإِسْلَام . وَقَدْ يُحْتَمَل أَنْ يَكُون أُدْخِلَتَا عُقَيْبًا مِنْ الْهَاء الْمَنَوِيَّة فِي الدِّين , فَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام حِينَئِذٍ : وَهُوَ الْعَلِيّ الْعَظِيم لَا إكْرَاه فِي دِينه , قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْد مِنْ الْغَيّ . وَكَأَنَّ هَذَا الْقَوْل أَشْبَه بِتَأْوِيلِ الْآيَة عِنْدِي .
وَأَمَّا قَوْله : { قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْد } فَإِنَّهُ مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : رَشَدْت فَأَنَا أَرْشُد رُشْدًا وَرَشَدًا وَرَشَادًا , وَذَلِك إذَا أَصَابَ الْحَقّ وَالصَّوَاب . وَأَمَّا الْغَيّ , فَإِنَّهُ مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : قَدْ غَوَى فُلَان فَهُوَ يَغْوِي غَيًّا
وَغَوَايَة . وَبَعْض الْعَرَب يَقُول : غَوَى فُلَان يَغْوَى . وَاَلَّذِي عَلَيْهِ قِرَاءَة الْقُرَّاء : { مَا ضَلَّ صَاحِبكُمْ وَمَا غَوَى } 53 2 الْفَتْح , وَهِيَ أَفْصَح اللُّغَتَيْنِ , وَذَلِك إذَا عَدَا الْحَقّ وَتَجَاوَزَهُ فَضَلَّ . فَتَأْوِيل الْكَلَام إذًا : قَدْ وَضَحَ الْحَقّ مِنْ الْبَاطِل , وَاسْتَبَانَ لِطَالِبِ الْحَقّ وَالرَّشَاد وَجْه مَطْلَبه , فَتَمَيَّزَ مِنْ الضَّلَالَة وَالْغَوَايَة , فَلَا تُكْرِهُوا مِنْ أَهْل الْكِتَابَيْنِ , وَمَنْ أَبَحْت لَكُمْ أَخْذ الْجِزْيَة مِنْهُ , عَلَى دِينكُمْ , دِين الْحَقّ ; فَإِنَّ مَنْ حَادَ عَنْ الرَّشَاد بَعْد اسْتِبَانَته لَهُ , فَإِلَى رَبّه أَمْره , وَهُوَ وَلِيّ عُقُوبَته فِي مَعَاده .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ يَكْفُر بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاَللَّهِ } . اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الطَّاغُوت , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ الشَّيْطَان . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4552 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثِنَا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ حَسَّان بْن فَائِد الْعَبْسِيّ قَالَ : قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب : الطَّاغُوت : الشَّيْطَان . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني ابْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ شُعْبَة , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ حَسَّان بْن فَائِد , عَنْ عُمَر , مِثْله . 4553 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثِنَا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الْمَلِك , عَمَّنْ حَدَّثَهُ , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الطَّاغُوت : الشَّيْطَان . 4554 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : الطَّاغُوت : الشَّيْطَان . 4555 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { فَمَنْ يَكْفُر بِالطَّاغُوتِ } قَالَ : الشَّيْطَان . 4556 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ ثنا يَزِيد , قَالَ : ثِنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : الطَّاغُوت : الشَّيْطَان . 4557 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي قَوْله : {
فَمَنْ كَفَرَ بِالطَّاغُوتِ } بِالشَّيْطَانِ . وَقَالَ آخَرُونَ : الطَّاغُوت : هُوَ السَّاحِر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4558 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى قَالَ : ثِنَا دَاوُد , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , أَنَّهُ قَالَ : الطَّاغُوت : السَّاحِر . وَقَدْ خُولِفَ عَبْد الْأَعْلَى فِي هَذِهِ الرِّوَايَة , وَأَنَا أَذْكُر الْخِلَاف بَعْدُ . 4559 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنْ مُحَمَّد , قَالَ : الطَّاغُوت : السَّاحِر . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ الطَّاغُوت : هُوَ الْكَاهِن . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4560 - حَدَّثَنِي ابْن بَشَّار , قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : الطَّاغُوت : الْكَاهِن . 4561 - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ رَفِيع , قَالَ : الطَّاغُوت : الْكَاهِن . 4562 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثِنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ : { فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ } قَالَ : كُهَّان تَنَزَّل عَلَيْهَا شَيَاطِين يُلْقُونَ عَلَى أَلْسِنَتهمْ وَقُلُوبهمْ . أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْر عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه , أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُول : وَسُئِلَ عَنْ الطَّوَاغِيت الَّتِي كَانُوا يَتَحَاكَمُونَ إلَيْهَا , فَقَالَ : كَانَ فِي جُهَيْنَة وَاحِد , وَفِي أَسْلَم وَاحِد , وَفِي كُلّ حَيّ وَاحِد , وَهِيَ كُهَّان يَنْزِل عَلَيْهَا الشَّيْطَان . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل عِنْدِي فِي الطَّاغُوت : أَنَّهُ كُلّ ذِي طُغْيَان عَلَى اللَّه فَعُبِدَ مِنْ دُونه , إمَّا بِقَهْرٍ مِنْهُ لِمَنْ عَبَدَهُ , وَإِمَّا بِطَاعَةٍ مِمَّنْ عَبَدَهُ لَهُ , وَإِنْسَانًا كَانَ ذَلِك الْمَعْبُود , أَوْ شَيْطَانًا , أَوْ وَثَنًا , أَوْ صَنَمًا , أَوْ كَائِنًا مَا كَانَ مِنْ شَيْء . وَأَرَى أَنَّ أَصْل الطَّاغُوت : الطَّغْوُوت , مِنْ قَوْل الْقَائِل : طَغَى فُلَان يَطْغُو : إذَا عَدَا قَدْره فَتَجَاوَزَ حَدّه , كَالْجَبَرُوتِ مِنْ التَّجَبُّر , وَالْخَلَبُوت مِنْ الْخَلْب , وَنَحْو ذَلِك مِنْ الْأَسْمَاء الَّتِي تَأْتِي عَلَى تَقْدِير فَعَلَوْت بِزِيَادَةِ الْوَاو وَالتَّاء . ثُمَّ نُقِلَتْ لَامَهُ أَعْنِي لَامَ الطَّغْوُوت , فَجُعِلَتْ لَهُ عَيْنًا , وَحُوِّلَتْ عَيْنه فَجُعِلَتْ مَكَان لَامَهُ , كَمَا قِيلَ جَذَبَ وَجَبَذَ وَجَابِذ وَجَاذِب وَصَاعِقَة وَصَاقِعه , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِك مِنْ الْأَسْمَاء الَّتِي عَلَى هَذَا الْمِثَال . فَتَأْوِيل الْكَلَام إذًا : فَمَنْ يَجْحَد رُبُوبِيَّة كُلّ مَعْبُود مِنْ دُون اللَّه فَيَكْفُرْ بِهِ ; { وَيُؤْمِن بِاَللَّهِ } يَقُول : وَيُصَدِّق بِاَللَّهِ أَنَّهُ إلَهه وَرَبّه وَمَعْبُوده , { فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى } يَقُول : فَقَدْ تَمَسَّكَ بِأَوْثَق مَا يَتَمَسَّك بِهِ مَنْ طَلَبَ الْخَلَاص لِنَفْسِهِ مِنْ عَذَاب اللَّه وَعِقَابه . كَمَا : 4563 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن سَعِيد بْن يَعْقُوب الْكِنْدِيّ , قَالَ : ثنا بَقِيَّة بْن الْوَلِيد , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي مَرْيَم , عَنْ حُمَيْد بْن عُقْبَة , عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء : أَنَّهُ عَادَ مَرِيضًا مِنْ جِيَرَته فَوَجَدَهُ فِي السُّوق وَهُوَ يُغَرْغِر لَا يَفْقُهُونَ مَا يُرِيد , فَسَأَلَهُمْ : يُرِيد أَنْ يَنْطِق ؟ قَالُوا : نَعَمْ يُرِيد أَنْ يَقُول : آمَنْت بِاَللَّهِ وَكَفَرْت بِالطَّاغُوتِ . قَالَ أَبُو الدَّرْدَاء : وَمَا عِلْمكُمْ بِذَلِك ؟ قَالُوا : لَمْ يَزَلْ يُرَدِّدهَا حَتَّى انْكَسَرَ لِسَانه , فَنَحْنُ نَعْلَم أَنَّهُ إنَّمَا يُرِيد أَنْ يَنْطِق بِهَا . فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء : أَفْلَحَ صَاحِبكُمْ , إنَّ اللَّه يَقُول : { فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاَللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَام لَهَا وَاَللَّه سَمِيع عَلِيم } .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى } وَالْعُرْوَة فِي هَذَا الْمَكَان مَثَل لِلْإِيمَانِ الَّذِي اعْتَصَمَ بِهِ الْمُؤْمِن , فَشَبَّهَهُ فِي تَعَلُّقه بِهِ وَتَمَسُّكه بِهِ بِالْمُتَمَسِّكِ بِعُرْوَةِ الشَّيْء الَّذِي لَهُ عُرْوَة يُتَمَسَّك بِهَا , إذْ كَانَ كُلّ ذِي عُرْوَة فَإِنَّمَا يَتَعَلَّق مَنْ أَرَادَهُ بِعُرْوَتِهِ . وَجَعَلَ تَعَالَى ذِكْره الْإِيمَان الَّذِي تَمَسَّكَ بِهِ الْكَافِر بِالطَّاغُوتِ الْمُؤْمِن بِاَللَّهِ وَمِنْ أَوْثَق عُرَى الْأَشْيَاء بِقَوْلِهِ : { الْوُثْقَى } وَالْوُثْقَى : " فُعْلَى " مِنْ الْوَثَاقَة , يُقَال فِي الذَّكَر : هُوَ الْأَوْثَق , وَفِي الْأُنْثَى : هِيَ الْوُثْقَى , كَمَا يُقَال فُلَان الْأَفْضَل وَفُلَانَة الْفُضْلَى . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِك قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4564 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم
, عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى } قَالَ : الْإِيمَان . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 4565 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثِنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : الْعُرْوَة الْوُثْقَى : هُوَ الْإِسْلَام . 4566 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثِنَا سُفْيَان , عَنْ أَبِي السَّوْدَاء , عَنْ جَعْفَر - يَعْنِي ابْن أَبِي الْمُغِيرَة - عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَوْله : { فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى } قَالَ : لَا إلَه إلَّا اللَّه . * - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي السَّوْدَاء النَّهْدِيّ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر مِثْله . 4567 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , الضَّحَّاك : { فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى } مِثْله .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَا انْفِصَام لَهَا } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { لَا انْفِصَام لَهَا } لَا انْكِسَار لَهَا , وَالْهَاء وَالْأَلِف فِي قَوْله لَهَا عَائِد عَلَى الْعُرْوَة . وَمَعْنَى الْكَلَام : فَمَنْ يَكْفُر بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاَللَّهِ , فَقَدْ اعْتَصَمَ مِنْ طَاعَة اللَّه بِمَا لَا يُخْشَى مَعَ اعْتِصَامه خِذْلَانه إيَّاهُ - وَإِسْلَامه عِنْد حَاجَته إلَيْهِ فِي أَهْوَال الْآخِرَة , كَالْمُتَمَسِّكِ بِالْوَثِيقِ مِنْ عُرَى الْأَشْيَاء الَّتِي لَا يُخْشَى انْكِسَار عُرَاهَا . وَأَصْل الْفَصْم : الْكَسْر , وَمِنْهُ قَوْل أُعْشَى بَنِي ثَعْلَبَة : وَمَبْسِمَهَا عَنْ شَتِيت النَّبَا تِ غَيْرِ
أَكَسَّ وَلَا مُنْفَصِمْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِك قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4568 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله { لَا انْفِصَام لَهَا } قَالَ : لَا يُغَيِّر اللَّه مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثِنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 4569 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { لَا انْفِصَام لَهَا } قَالَ : لَا انْقِطَاع لَهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَللَّه سَمِيع عَلِيم } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : وَاَللَّه سَمِيع إيمَان الْمُؤْمِن بِاَللَّهِ وَحْده , الْكَافِر بِالطَّاغُوتِ عِنْد إقْرَاره بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّه , وَتَبَرُّئِهِ مِنْ الْأَنْدَاد وَالْأَوْثَان الَّتِي تُعْبَد مِنْ دُون اللَّه , عَلِيم بِمَا عَزَمَ عَلَيْهِ مِنْ تَوْحِيد اللَّه وَإِخْلَاص رُبُوبِيَّته قَلْبه , وَمَا انْطَوَى عَلَيْهِ مِنْ الْبَرَاءَة مِنْ الْآلِهَة وَالْأَصْنَام وَالطَّوَاغِيت ضَمِيره , وَبِغَيْرِ ذَلِك
مِمَّا أَخْفَتْهُ نَفْس كُلّ أَحَد مِنْ خَلْقه لَا يَنْكَتِم عَنْهُ سِرّ , وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَمْر , حَتَّى يُجَازِيَ كُلًّا يَوْم الْقِيَامَة بِمَا نَطَقَ بِهِ لِسَانه , وَأَضْمَرْته نَفْسه , إنْ خَيْرًا فَخَيْرًا , وَإِنْ شَرًّا فَشَرًّا .
اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اللَّه وَلِيّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجهُمْ مِنْ الظُّلُمَات إلَى النُّور وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوت يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّور إلَى الظُّلُمَات } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { اللَّه وَلِيّ الَّذِينَ آمَنُوا } نَصِيرهُمْ وَظَهِيرهمْ , يَتَوَلَّاهُمْ بِعَوْنِهِ وَتَوْفِيقه , { يُخْرِجهُمْ مِنْ الظُّلُمَات } يَعْنِي بِذَلِك : يُخْرِجهُمْ مِنْ ظُلُمَات الْكُفْر إلَى نُور الْإِيمَان . وَإِنَّمَا عَنَى بِالظُّلُمَاتِ فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْكُفْر . وَإِنَّمَا جَعَلَ الظُّلُمَات لِلْكُفْرِ مَثَلًا , لِأَنَّ الظُّلُمَات حَاجِبَة لِلْأَبْصَارِ عَنْ إدْرَاك الْأَشْيَاء وَإِثْبَاتهَا , وَكَذَلِك الْكُفْر حَاجِب أَبْصَار الْقُلُوب عَنْ إدْرَاك حَقَائِق الْإِيمَان وَالْعِلْم بِصِحَّتِهِ وَصِحَّة أَسْبَابه . فَأَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْره عِبَاده أَنَّهُ وَلِيّ الْمُؤْمِنِينَ وَمُبَصِّرهمْ حَقِيقَة الْإِيمَان وَسُبُله وَشَرَائِعه وَحُجَجه , وَهَادِيهمْ ; فَمُوَفِّقهمْ لِأَدِلَّتِهِ الْمُزِيلَة عَنْهُمْ الشُّكُوك بِكَشْفِهِ عَنْهُمْ دَوَاعِيَ الْكُفْر , وَظُلَم سَوَاتِر أَبْصَار الْقُلُوب . ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْره عَنْ أَهْل الْكُفْر بِهِ , فَقَالَ : { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا } يَعْنِي الْجَاحِدِينَ وَحْدَانِيّته { أَوْلِيَاؤُهُمْ } يَعْنِي نُصَرَاءَهُمْ وَظُهَرَاءَهُمْ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُمْ , { الطَّاغُوت } يَعْنِي الْأَنْدَاد وَالْأَوْثَان الَّذِينَ يَعْبُدُونَهُمْ مِنْ دُون اللَّه , { يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّور إلَى الظُّلُمَات } يَعْنِي بِالنُّورِ : الْإِيمَان عَلَى نَحْو مَا بَيَّنَّا إلَى الظُّلُمَات , وَيَعْنِي بِالظُّلُمَاتِ : ظُلُمَات الْكُفْر وَشُكُوكه , الْحَائِلَة دُون إبْصَار الْقُلُوب وَرُؤْيَة ضِيَاء الْإِيمَان وَحَقَائِق أَدِلَّته وَسُبُله . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِك قَالَ أَهْل التَّأْوِيل : ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4570 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { اللَّه وَلِيّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجهُمْ مِنْ الظُّلُمَات إلَى النُّور } يَقُول : مِنْ الضَّلَالَة إلَى الْهُدَى , { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوت } الشَّيْطَان , { يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّور إلَى الظُّلُمَات } يَقُول : مِنْ الْهُدَى إلَى الضَّلَالَة . 4571 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { اللَّه وَلِيّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجهُمْ مِنْ الظُّلُمَات إلَى النُّور } الظُّلُمَات : الْكُفْر , وَالنُّور : الْإِيمَان , { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوت يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّور إلَى الظُّلُمَات } يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ الْإِيمَان إلَى الْكُفْر . 4572 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , فِي قَوْله تَعَالَى ذِكْره : { اللَّه وَلِيّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجهُمْ مِنْ الظُّلُمَات إلَى النُّور } يَقُول : مِنْ الْكُفْر إلَى الْإِيمَان , { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوت يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّور إلَى الظُّلُمَات } يَقُول : مِنْ الْإِيمَان إلَى الْكُفْر . 4573 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ عَبْدَة بْن أَبِي لُبَابَة , عَنْ مُجَاهِد أَوْ مِقْسَمٍ فِي قَوْل اللَّه : { اللَّه وَلِيّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجهُمْ مِنْ الظُّلُمَات إلَى النُّور وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوت يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّور إلَى الظُّلُمَات } قَالَ : كَانَ قَوْم آمَنُوا بِعِيسَى , وَقَوْم كَفَرُوا بِهِ ; فَلَمَّا بَعَثَ اللَّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمَنَ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعِيسَى , وَكَفَرَ بِهِ الَّذِينَ آمَنُوا بِعِيسَى . أَيْ يُخْرِج الَّذِينَ آمَنُوا إلَى الْإِيمَان بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوت } آمَنُوا بِعِيسَى وَكَفَرُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ : يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّور إلَى الظُّلُمَات . 4574 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت مَنْصُورًا , عَنْ رَجُل , عَنْ عَبْدَة بْن أَبِي لُبَابَة قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { اللَّه وَلِيّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجهُمْ مِنْ الظُّلُمَات إلَى النُّور } إلَى : { أُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } قَالَ : هُمْ الَّذِينَ كَانُوا آمَنُوا بِعِيسَى ابْن مَرْيَم , فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمَنُوا بِهِ , وَأُنْزِلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَة . وَهَذَا الْقَوْل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ مُجَاهِد وَعَبْدَة بْن أَبِي لُبَابَة يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْآيَة مَعْنَاهَا الْخُصُوص , وَأَنَّهَا إنْ كَانَ الْأَمْر كَمَا وَصَفْنَا نَزَلَتْ فِيمَنْ كَفَرَ مِنْ النَّصَارَى بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَفِيمَنْ آمَنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَبَدَة الْأَوْثَان الَّذِينَ لَمْ يَكُونُوا مُقِرِّينَ بِنُبُوَّةِ عِيسَى وَسَائِر الْمِلَل الَّتِي كَانَ أَهْلهَا تُكَذِّب بِعِيسَى . فَإِنْ قَالَ قَائِل : أَوَكَانَتْ النَّصَارَى عَلَى حَقّ قَبْل أَنْ يُبْعَث مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَكَذَّبُوا بِهِ ؟ قِيلَ : مَنْ كَانَ مِنْهُمْ عَلَى مِلَّة عِيسَى ابْن مَرْيَم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ عَلَى حَقّ وَإِيَّاهُمْ عَنَى اللَّه تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله } . 4 136 فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَهَلْ يُحْتَمَل أَنْ يَكُون قَوْله : { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوت يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّور إلَى الظُّلُمَات } أَنْ يَكُون مَعْنِيًّا بِهِ غَيْر الَّذِينَ ذَكَرَ مُجَاهِد وَغَيْره أَنَّهُمْ عَنَوْا بِهِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بِعِيسَى أَوْ غَيْر أَهْل الرِّدَّة وَالْإِسْلَام ؟ قِيلَ : نَعَمْ يُحْتَمَل أَنْ يَكُون مَعْنَى ذَلِك : وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوت يَحُولُونَ بَيْنهمْ وَبَيْن الْإِيمَان , وَيُضِلُّونَهُمْ فَيَكْفُرُونَ , فَيَكُون تَضْلِيلهمْ إيَّاهُمْ حَتَّى يَكْفُرُوا إخْرَاجًا مِنْهُمْ لَهُمْ مِنْ الْإِيمَان , يَعْنِي صَدّهمْ إيَّاهُمْ عَنْهُ وَحِرْمَانهمْ إيَّاهُمْ خَيْره , وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا كَانُوا فِيهِ قَبْل كَقَوْلِ الرَّجُل : أَخْرَجَنِي وَالِدِي مِنْ مِيرَاثه : إذَا مَلَّكَ ذَلِك فِي حَيَاته غَيْره , فَحَرَمَهُ مِنْهُ خَطِيئَة , وَلَمْ يَمْلِك ذَلِك الْقَائِل هَذَا الْمِيرَاث قَطّ فَيَخْرُج مِنْهُ , وَلَكِنَّهُ لَمَّا حَرَمَهُ , وَحِيلَ بَيْنه وَبَيْن مَا كَانَ يَكُون لَهُ لَوْ لَمْ يَحْرِمهُ , قِيلَ : أَخْرَجَهُ مِنْهُ , وَكَقَوْلِ الْقَائِل : أَخْرَجَنِي فُلَان مِنْ كَتِيبَته , يَعْنِي لَمْ يَجْعَلنِي مِنْ أَهْلهَا , وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا قَطّ قَبْل ذَلِك . فَكَذَلِك قَوْله : { يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّور إلَى الظُّلُمَات } يُحْتَمَل أَنْ يَكُون إخْرَاجهمْ إيَّاهُمْ مِنْ الْإِيمَان إلَى الْكُفْر عَلَى هَذَا الْمَعْنَى , وَإِنْ كَانَ الَّذِي قَالَهُ مُجَاهِد وَغَيْره أَشْبَه بِتَأْوِيلِ الْآيَة . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَكَيْفَ قَالَ : { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوت يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّور } فَجَمَعَ خَبَر الطَّاغُوت بِقَوْلِهِ يُخْرِجُونَهُمْ , وَالطَّاغُوت وَاحِد ؟ قِيلَ : إنَّ الطَّاغُوت اسْم لِجِمَاعٍ وَوَاحِد وَقَدْ يُجْمَع طَوَاغِيت , وَإِذَا جُعِلَ وَاحِده وَجَمْعه بِلَفْظٍ وَاحِد كَانَ نَظِير قَوْلهمْ : رَجُل عَدْل وَقَوْم عَدْل , وَرَجُل فِطْر وَقَوْم فِطْر , وَمَا أَشْبَه ذَلِك مِنْ الْأَسْمَاء الَّتِي تَأْتِي مُوَحَّدَة فِي اللَّفْظ وَاحِدهَا وَجَمْعهَا , وَكَمَا قَالَ الْعَبَّاس بْن مِرْدَاس : فَقُلْنَا أَسْلِمُوا إنَّا أَخُوكُمْ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْ الْإِحَن الصُّدُورُ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِك : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا أَصْحَاب النَّار , أَهْل النَّار الَّذِينَ يَخْلُدُونَ فِيهَا , يَعْنِي فِي نَار جَهَنَّم دُون غَيْرهمْ مِنْ أَهْل الْإِيمَان إلَى غَيْر غَايَة وَلَا نِهَايَة أَبَدًا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِك : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا أَصْحَاب النَّار , أَهْل النَّار الَّذِينَ يَخْلُدُونَ فِيهَا , يَعْنِي فِي نَار جَهَنَّم دُون غَيْرهمْ مِنْ أَهْل الْإِيمَان إلَى غَيْر غَايَة وَلَا نِهَايَة أَبَدًا .
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِي حَاجَّ إبْرَاهِيم فِي رَبّه أَنْ آتَاهُ اللَّه الْمُلْك } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِي حَاجَّ إبْرَاهِيم فِي رَبّه } أَلَمْ تَرَ يَا مُحَمَّد بِقَلْبِك الَّذِي حَاجَّ إبْرَاهِيم ؟ يَعْنِي الَّذِي خَاصَمَ إبْرَاهِيم , يَعْنِي إبْرَاهِيم نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَبّه , { أَنْ آتَاهُ اللَّه الْمُلْك } يَعْنِي بِذَلِك : حَاجَّهُ فَخَاصَمَهُ فِي رَبّه , لِأَنَّ اللَّه آتَاهُ الْمُلْك . وَهَذَا تَعْجِيب مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِنْ الَّذِي حَاجَّ إبْرَاهِيم فِي رَبّه , وَلِذَلِكَ أَدَلَّتْ " إلَى " فِي قَوْله : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِي حَاجَّ } . وَكَذَلِك تَفْعَل الْعَرَب إذَا أَرَادَتْ التَّعْجِيب مِنْ رَجُل فِي بَعْض مَا أَنْكَرَتْ مِنْ فِعْله , قَالُوا : مَا تَرَى إلَى هَذَا ؟ وَالْمَعْنَى : هَلْ رَأَيْت مِثْل هَذَا , أَوْ كَهَذَا ؟ وَقِيلَ : إنَّ الَّذِي حَاجَّ إبْرَاهِيم فِي رَبّه جَبَّار كَانَ بِبَابِل يُقَال لَهُ نُمْرُود بْن كَنْعَان بْن كَوْش بْن سَام بْن نُوح , وَقِيلَ : إنَّهُ نُمْرُود بْن فالخ بْن عَابِر بْن شالخ بْن أرفخشذ بْن سَام بْن نُوح . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4575 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِي حَاجَّ إبْرَاهِيم فِي رَبّه أَنْ آتَاهُ اللَّه الْمُلْك } قَالَ : هُوَ نُمْرُود بْن كَنْعَان . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , عَنْ سُفْيَان , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ النَّضْر بْن عَدِيّ , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 4576 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِي حَاجَّ إبْرَاهِيم فِي رَبّه } قَالَ : كُنَّا نَتَحَدَّث أَنَّهُ مَلِك يُقَال لَهُ نُمْرُود , وَهُوَ أَوَّل مَلِك تَجَبَّرَ فِي الْأَرْض , وَهُوَ صَاحِب الصَّرْح بِبَابِل . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ , قَالَ : هُوَ اسْمه نمرو , وَهُوَ أَوَّل مَلِك تَجَبَّرَ فِي الْأَرْض حَاجَّ إبْرَاهِيم
فِي رَبّه . 4577 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِي حَاجَّ إبْرَاهِيم فِي رَبّه أَنْ آتَاهُ اللَّه الْمُلْك } قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الَّذِي حَاجَّ إبْرَاهِيم فِي رَبّه كَانَ مَلِكًا يُقَال لَهُ نُمْرُود , وَهُوَ أَوَّل جَبَّار تَجَبَّرَ فِي الْأَرْض , وَهُوَ صَاحِب الصَّرْح بِبَابِل . 4578 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : هُوَ نمرو بْن كَنْعَان . 4579 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : هُوَ نُمْرُود . 4580 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثِنَا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , مِثْله . 4581 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , قَالَ : أَخْبَرَنِي زَيْد بْن أَسْلَم , بِمِثْلِهِ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن كَثِير أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُول : هُوَ نُمْرُود . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : هُوَ نُمْرُود , وَيُقَال إنَّهُ أَوَّل مَلِك فِي الْأَرْض .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إذْ قَالَ إبْرَاهِيم رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيت . قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيت قَالَ إبْرَاهِيم فَإِنَّ اللَّه يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِق فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِب فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِك : أَلَمْ تَرَ يَا مُحَمَّد إلَى الَّذِي حَاجّ إبْرَاهِيم فِي رَبّه حِين قَالَ لَهُ إبْرَاهِيم : رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيت , يَعْنِي بِذَلِك : رَبِّيَ الَّذِي بِيَدِهِ الْحَيَاة وَالْمَوْت يُحْيِي مَنْ يَشَاء وَيُمِيت مَنْ أَرَادَ بَعْد الْإِحْيَاء , قَالَ : أَنَا أَفْعَل ذَلِك , فَأُحْيِي وَأُمِيت , أَسْتَحْيِي مَنْ أَرَدْت قَتْله , فَلَا أَقْتُلهُ , فَيَكُون ذَلِك مِنِّي إحْيَاء لَهُ . وَذَلِك عِنْد الْعَرَب يُسَمَّى إحْيَاء , كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْره : { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } 5 32 وَأَقْتُل آخَر فَيَكُون ذَلِك مِنِّي إمَاتَة لَهُ . قَالَ إبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَإِنَّ اللَّه الَّذِي هُوَ رَبِّي يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ مَشْرِقهَا , فَأْتِ بِهَا إنْ كُنْت صَادِقًا أَنَّك إلَه مِنْ مَغْرِبهَا ! قَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ } يَعْنِي انْقَطَعَ وَبَطَلَتْ حُجَّته , يُقَال مِنْهُ : بَهَتَ يَبْهَت بَهْتًا , وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْض الْعَرَب أَنَّهَا تَقُول بِهَذَا الْمَعْنَى : بَهَتَ , وَيُقَال : بُهِتَ الرَّجُل إذَا اُفْتُرِيَتْ عَلَيْهِ كَذِبًا بَهْتًا أَوْ بُهْتَانًا وَبَهَاتَةً . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْض الْقُرَّاء أَنَّهُ قَرَأَ : " فَبَهَتَ الَّذِي كَفَرَ " بِمَعْنَى : فَبَهَتَ إبْرَاهِيم الَّذِي كَفَرَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِك قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4582 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { إذْ قَالَ إبْرَاهِيم رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيت , قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيت } وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ دَعَا بِرَجُلَيْنِ , فَفَتَلَ أَحَدهمَا , وَاسْتَحْيَا الْآخَر , فَقَالَ : أَنَا أُحْيِي هَذَا , أَنَا أَسْتَحْيِي مَنْ شِئْت , وَأَقْتُل مَنْ شِئْت , قَالَ إبْرَاهِيم عِنْد ذَلِك : { فَإِنَّ اللَّه يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِق فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِب فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ } . 4583 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : أَنَا أُحْيِي وَأُمِيت : أَقْتُل مَنْ شِئْت , وَأَسْتَحْيِي مَنْ شِئْت , أَدَعهُ حَيًّا فَلَا أَقْتُلهُ . وَقَالَ : مَلَكَ الْأَرْض مَشْرِقهَا وَمَغْرِبهَا أَرْبَعَة نَفَر : مُؤْمِنَانِ , وَكَافِرَانِ , فَالْمُؤْمِنَانِ : سُلَيْمَان بْن دَاوُد , وَذُو الْقَرْنَيْنِ ; وَالْكَافِرَانِ : بُخْتُنَصَّرَ وَنُمْرُود بْن كَنْعَان , لَمْ يَمْلِكهَا غَيْرهمْ . 4584 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ زَيْد بْن أَسْلَم : أَوَّل جَبَّار كَانَ فِي الْأَرْض نُمْرُود , فَكَانَ النَّاس يَخْرُجُونَ فَيَمْتَارُونَ مِنْ عِنْده الطَّعَام , فَخَرَجَ إبْرَاهِيم يَمْتَار مَعَ مَنْ يَمْتَار , فَإِذَا مَرَّ بِهِ نَاس قَالَ : مَنْ رَبّكُمْ ؟ قَالُوا : أَنْت . حَتَّى مَرَّ إبْرَاهِيم , قَالَ : مَنْ رَبّك ؟ قَالَ : الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيت , قَالَ : أَنَا أُحْيِي وَأُمِيت , { قَالَ إبْرَاهِيم فَإِنَّ اللَّه يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِق فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِب فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ } قَالَ : فَرَدَّهُ بِغَيْرِ طَعَام . قَالَ : فَرَجَعَ إبْرَاهِيم عَلَى أَهْله فَمَرَّ عَلَى كُثَيْب مِنْ رَمْل أَعْفَر , فَقَالَ : أَلَا آخُذ مِنْ هَذَا فَآتِي بِهِ أَهْلِي فَتَطِيب أَنْفُسهمْ حِين أَدُلّ عَلَيْهِمْ ؟ فَأَخَذَ مِنْهُ فَأَتَى أَهْله , قَالَ : فَوَضَعَ مَتَاعه ثُمَّ نَامَ , فَقَامَتْ امْرَأَته إلَى مَتَاعه , فَفَتَحَتْهُ , فَإِذَا هِيَ بِأَجْوَد طَعَام رَأَتْهُ , فَصَنَعَتْ لَهُ مِنْهُ , فَقَرَّبَتْهُ إلَيْهِ . وَكَانَ عَهْده بِأَهْلِهِ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدهمْ طَعَام , فَقَالَ : مِنْ أَيْنَ هَذَا ؟ قَالَتْ : مِنْ الطَّعَام الَّذِي جِئْت بِهِ . فَعَلِمَ أَنَّ اللَّه رَزَقَهُ , فَحَمِدَ اللَّه . ثُمَّ بَعَثَ اللَّه إلَى الْجَبَّار مَلَكًا أَنْ آمِنْ بِي وَأَتْرُكك عَلَى مُلْكك ! قَالَ : وَهَلْ رَبّ غَيْرِي ؟ فَجَاءَهُ الثَّانِيَة , فَقَالَ لَهُ ذَلِك , فَأَبَى عَلَيْهِ . ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَة فَأَبَى عَلَيْهِ , فَقَالَ لَهُ الْمُلْك : اجْمَعْ جُمُوعك إلَى ثَلَاثَة أَيَّام ! فَجَمَعَ الْجَبَّار جُمُوعه , فَأَمَرَ اللَّه الْمَلَك , فَفَتَحَ عَلَيْهِ بَابًا مِنْ الْبَعُوض , فَطَلَعَتْ الشَّمْس , فَلَمْ يَرَوْهَا مِنْ كَثْرَتهَا , فَبَعَثَهَا اللَّه عَلَيْهِمْ فَأَكَلَتْ لُحُومهمْ , وَشَرِبَتْ دِمَاءَهُمْ , فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْعِظَام , وَالْمَلَك كَمَا هُوَ لَمْ يُصِبْهُ مِنْ ذَلِك شَيْء . فَبَعَثَ اللَّه عَلَيْهِ بَعُوضَة , فَدَخَلَتْ فِي مَنْخَره , فَمَكَثَ أَرْبَعمِائَةِ سَنَة يُضْرَب رَأَسَهُ بِالْمَطَارِقِ , وَأَرْحَم النَّاس بِهِ مَنْ جَمَعَ يَدَيْهِ وَضَرَبَ بِهِمَا رَأَسَهُ . وَكَانَ جَبَّارًا أَرْبَعمِائَةِ عَام , فَعَذَّبَهُ اللَّه أَرْبَعمِائَةِ سَنَة كَمُلْكِهِ , ثُمَّ أَمَاتَهُ اللَّه . وَهُوَ الَّذِي بَنَى صَرْحًا إلَى السَّمَاء فَأَتَى اللَّه بُنْيَانه مِنْ الْقَوَاعِد , وَهُوَ الَّذِي قَالَ اللَّه : { فَأَتَى اللَّه بُنْيَانهمْ مِنْ الْقَوَاعِد } . 16 26 4585 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَم فِي قَوْل اللَّه : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِي حَاجّ إبْرَاهِيم فِي رَبّه } قَالَ : هُوَ نُمْرُود كَانَ بِالْمَوْصِلِ وَالنَّاس يَأْتُونَهُ , فَإِذَا دَخَلُوا عَلَيْهِ , قَالَ : مَنْ رَبّكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : أَنْت , فَيَقُول : مِيرُوهُمْ ! فَلَمَّا دَخَلَ إبْرَاهِيم , وَمَعَهُ بَعِير خَرَجَ يَمْتَار بِهِ لِوَلَدِهِ قَالَ : فَعَرَضَهُمْ كُلّهمْ , فَيَقُول : مَنْ رَبّكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : أَنْت , فَيَقُول : مِيرُوهُمْ ! حَتَّى عَرَضَ إبْرَاهِيم مَرَّتَيْنِ , فَقَالَ : مَنْ رَبّك ؟ قَالَ : رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيت , قَالَ : أَنَا أُحْيِي وَأُمِيت , إنْ شِئْت قَتَلْتُك فَأَمَتُّك , وَإِنْ شِئْت اسْتَحْيَيْتُك . { قَالَ إبْرَاهِيم فَإِنَّ اللَّه يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِق فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِب فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ } قَالَ : أَخْرِجُوا هَذَا عَنِّي فَلَا تَمِيرُوهُ شَيْئًا ! فَخَرَجَ الْقَوْم كُلّهمْ قَدْ امْتَارُوا . وَجُوَالِقَا إبْرَاهِيم يَصْطَفِقَانِ , حَتَّى إذَا نَظَرَ إلَى سَوَاد جِبَال أَهْله , قَالَ : لَيُحْزِنُنِي صَبِيَّايَ إسْمَاعِيل وَإِسْحَاق , لَوْ أَنِّي مَلَأْت هَذَيْنَ الْجُوَالِقَيْنِ مِنْ هَذِهِ الْبَطْحَاء فَذَهَبْت بِهِمَا قَرَّتْ عَيْنَا صَبِيَّيْ , حَتَّى إذَا كَانَ اللَّيْل أَهَرَقْته . قَالَ : فَمَلَأَهُمَا ثُمَّ خَيَّطَهُمَا , ثُمَّ جَاءَ بِهِمَا , فَتَرَامَى عَلَيْهِمَا الصَّبِيَّانِ فَرَحًا , وَأَلْقَى رَأْسه فِي حِجْر سَارَة سَاعَة , ثُمَّ قَالَتْ : مَا يُجْلِسنِي ! قَدْ جَاءَ إبْرَاهِيم تَعَبًا لَغَبًا , لَوْ قُمْت فَصَنَعْت لَهُ طَعَامًا إلَى أَنْ يَقُوم ! قَالَ : فَأَخَذَتْ وِسَادَة فَأَدْخَلَتْهَا مَكَانهَا , وَانْسَلَّتْ قَلِيلًا قَلِيلًا لِئَلَّا تُوقِظهُ . قَالَ : فَجَاءَتْ إلَى إحْدَى الْغِرَارَتَيْنِ فَفَتَقَتْهَا , فَإِذَا حَوَارِيّ مِنْ النَّقِيّ لَمْ يَرَوْا مِثْله عِنْد أَحَد قَطّ , فَأَخَذَتْ مِنْهُ فَطَحَنَتْهُ وَعَجَنَتْهُ . فَلَمَّا أَتَتْ تُوقِظ إبْرَاهِيم جَاءَتْهُ حَتَّى وَضَعَتْهُ بَيْن يَدَيْهِ , فَقَالَ : أَيّ شَيْء هَذَا يَا سَارَة ؟ قَالَتْ : مِنْ جُوَالِقك , لَقَدْ جِئْت وَمَا عِنْدنَا قَلِيل وَلَا كَثِير . قَالَ : فَذَهَبَ يَنْظُر إلَى الْجُوَالِق الْآخِر فَإِذَا هُوَ مِثْله , فَعَرَفَ مِنْ أَيْنَ ذَاكَ . 4586 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : لَمَّا قَالَ لَهُ إبْرَاهِيم : رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيت , قَالَ هُوَ , يَعْنِي نُمْرُود : فَأَنَا أُحْيِي وَأُمِيت , فَدَعَا بِرَجُلَيْنِ , فَاسْتَحْيَا أَحَدهمَا , وَقَتَلَ الْآخَر , قَالَ : أَنَا أُحْيِي وَأُمِيت , قَالَ : أَيْ أَسْتَحْيِي مَنْ شِئْت , فَقَالَ إبْرَاهِيم : { فَإِنَّ اللَّه يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِق فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِب فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ } . 4587 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثِنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : لَمَّا خَرَجَ إبْرَاهِيم مِنْ النَّار , أَدْخَلُوهُ عَلَى الْمَلِك , وَلَمْ يَكُنْ قَبْل ذَلِك دَخَلَ عَلَيْهِ فَكَلَّمَهُ , وَقَالَ لَهُ : مَنْ رَبّك ؟ قَالَ : رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيت , قَالَ نُمْرُود : أَنَا أُحْيِي وَأُمِيت , أَنَا أُدْخِل أَرْبَعَة نَفَر بَيْتًا , فَلَا يُطْعَمُونَ وَلَا يُسْقَوْنَ , حَتَّى إذَا هَلَكُوا مِنْ الْجُوع أَطْعَمْت اثْنَيْنِ وَسَقَيْتهمَا فَعَاشَا , وَتَرَكْت اثْنَيْنِ فَمَاتَا ! فَعَرَفَ إبْرَاهِيم أَنَّ لَهُ قُدْرَة بِسُلْطَانِهِ وَمُلْكه عَلَى أَنْ يَفْعَل ذَلِك . قَالَ لَهُ إبْرَاهِيم : فَإِنَّ رَبِّيَ الَّذِي يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِق , فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِب ! فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ , وَقَالَ : إنَّ هَذَا إنْسَان مَجْنُون , فَأَخْرِجُوهُ ! أَلَا تَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْ جُنُونه اجْتَرَأَ عَلَى آلِهَتكُمْ فَكَسَّرَهَا , وَأَنَّ النَّار لَمْ تَأْكُلهُ ؟ وَخَشِيَ أَنْ يَفْتَضِح فِي قَوْمه - أَعْنِي نُمْرُود - وَهُوَ قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { وَتِلْكَ حُجَّتنَا آتَيْنَاهَا إبْرَاهِيم عَلَى قَوْمه } 6 83 فَكَانَ يَزْعُم أَنَّهُ رَبّ . وَأَمَرَ بِإِبْرَاهِيم فَأُخْرِجَ . 4588 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن كَثِير أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهَدًا يَقُول : قَالَ : أَنَا أُحْيِي وَأُمِيت , أُحْيِي فَلَا أَقْتُل , وَأُمِيت مَنْ قَتَلْت . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ , كَانَ أَتَى بِرَجُلَيْنِ , فَقَتَلَ أَحَدهمَا , وَتَرَكَ الْآخَر , فَقَالَ : أَنَا أُحْيِي وَأُمِيت , قَالَ : أَقْتُل فَأُمِيت مَنْ قَتَلْت , وَأُحْيِي , قَالَ : اسْتَحْيِي فَلَا أَقْتُل . 4589 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثَنِيّ مُحَمَّد بْن إسْحَاق , قَالَ : ذُكِرَ لَنَا وَاَللَّه أَعْلَم : أَنَّ نُمْرُود قَالَ لِإِبْرَاهِيم فِيمَا يَقُول : أَرَأَيْت إلَهك هَذَا الَّذِي تَعْبُدهُ , وَتَدْعُو إلَى عِبَادَته , وَتَذْكُر مِنْ قُدْرَته الَّتِي تُعَظِّمهُ بِهَا عَلَى غَيْره , مَا هُوَ ؟ قَالَ لَهُ إبْرَاهِيم : رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيت . قَالَ نُمْرُود : فَأَنَا أُحْيِي وَأُمِيت . فَقَالَ لَهُ إبْرَاهِيم : كَيْفَ تُحْيِي وَتُمِيت ؟ قَالَ : آخُذ رَجُلَيْنِ قَدْ اسْتَوْجَبَا الْقَتْل فِي حُكْمِي , فَأَقْتُل أَحَدهمَا فَأَكُون قَدْ أَمَتّه , وَأَعْفُو عَنْ الْآخَر فَأَتْرُكهُ وَأَكُون قَدْ أَحْيَيْته . فَقَالَ لَهُ إبْرَاهِيم عِنْد ذَلِك : فَإِنَّ اللَّه يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِق , فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِب , أَعْرِف أَنَّهُ كَمَا تَقُول ! فَبُهِتَ عِنْد ذَلِك نُمْرُود , وَلَمْ يَرْجِع إلَيْهِ شَيْئًا , وَعَرَفَ أَنَّهُ لَا يُطِيق ذَلِك . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ } يَعْنِي وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْحَجَّة , يَعْنِي نُمْرُود .
وَقَوْله : { وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ } يَقُول : وَاَللَّه لَا
يَهْدِي أَهْل الْكُفْر إلَى حُجَّة يَدْحَضُونَ بِهَا حُجَّة أَهْل الْحَقّ عِنْد الْمُحَاجَّة وَالْمُخَاصَمَة , لِأَنَّ أَهْل الْبَاطِل حُجَجهمْ دَاحِضَة . وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَعْنَى الظُّلْم : وَضْع الشَّيْء فِي غَيْر مَوْضِعه , وَالْكَافِر : وَضَعَ جُحُوده مَا جَحَدَ فِي غَيْر مَوْضِعه , فَهُوَ بِذَلِك مِنْ فَعَلَهُ ظَالِمًا لِنَفْسِهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِك قَالَ ابْن إسْحَاق . 4590 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن إسْحَاق : { وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ } أَيْ لَا يَهْدِيهِمْ فِي الْحُجَّة عِنْد الْخُصُومَة لِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الضَّلَالَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَة } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيه } نَظِير الَّذِي عَنَى بِقَوْلِهِ : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِي حَاجّ إبْرَاهِيم فِي رَبّه } مِنْ تَعْجِيب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ . وَقَوْله : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيه } عُطِفَ عَلَى قَوْله : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِي حَاجّ إبْرَاهِيم فِي رَبّه } . وَإِنَّمَا عُطِفَ قَوْله : { أَوْ كَاَلَّذِي } عَلَى قَوْله : { إلَى الَّذِي حَاجّ إبْرَاهِيم فِي رَبّه } وَإِنْ اخْتَلَفَ لَفْظَاهُمَا , لِتَشَابُهِ جِنْسهمَا , لِأَنَّ قَوْله , { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِي حَاجّ إبْرَاهِيم فِي رَبّه } بِمَعْنَى : هَلْ رَأَيْت يَا مُحَمَّد كَاَلَّذِي حَاجّ إبْرَاهِيم فِي رَبّه , ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيه } لِأَنَّ مِنْ شَأْن الْعَرَب الْعَطْف بِالْكَلَامِ عَلَى مَعْنًى نَظِير لَهُ قَدْ تَقَدَّمَهُ وَإِنْ خَالَفَ لَفْظه لَفْظه . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة أَنَّ " الْكَاف " فِي قَوْله , { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيه } زَائِدَة , وَأَنَّ الْمَعْنَى : أَلَمْ تَرَى إلَى الَّذِي حَاجّ إبْرَاهِيم جَمِيعًا , أَوْ الَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَة . وَقَدْ بَيَّنَّا قَبْل فِيمَا مَضَى أَنَّهُ غَيْر جَائِز أَنْ يَكُون فِي كِتَاب اللَّه شَيْء لَا مَعْنَى لَهُ بِمَا أَغْنَى عَنْ إعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَة وَهِيَ خَاوِيَة عَلَى عُرُوشهَا , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ عُزَيْر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4591 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ , ثِنَا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ نَاجِيَة بْن كَعْب . { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَة وَهِيَ خَاوِيَة عَلَى عُرُوشهَا } قَالَ : عُزَيْر . 4592 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد . قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا أَبُو خُزَيْمَة , قَالَ : سَمِعْت سُلَيْمَان بْن بُرَيْدَةَ فِي قَوْله : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيه } قَالَ : هُوَ عُزَيْر . 4593 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ , ثنا يَزِيد . قَالَ : ثِنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيه خَاوِيَة عَلَى عُرُوشهَا } قَالَ , ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ عُزَيْر . 4594 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَاده مِثْله . 4595 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثِنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ قَوْله : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيه } قَالَ : قَالَ الرَّبِيع : ذُكِرَ لَنَا وَاَللَّه أَعْلَم أَنَّ الَّذِي أَتَى عَلَى الْقَرْيَة هُوَ عُزَيْر . 4596 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثِنَا الْحُسَيْن قَالَ : ثني حَجَّاج عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عِكْرِمَة : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيه وَهِيَ خَاوِيَة عَلَى عُرُوشهَا } قَالَ : عُزَيْر . 4597 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَة } قَالَ : عُزَيْر . 4598 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عَبِيد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيه وَهِيَ خَاوِيه عَلَى عُرُوشهَا } إنَّهُ هُوَ عُزَيْر . 4599 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : قَالَ لَنَا سَلْم الْخَوَّاص : كَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول : هُوَ عُزَيْر . وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ إرميا بْن حَلْقِيَّا وَزَعَمَ مُحَمَّد بْن إسْحَاق أَنَّ إرميا هُوَ الْخَضِر . 4600 - حَدَّثَنَا بِذَلِك ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثنا ابْن إسْحَاق , قَالَ : اسْم الْخَضِر فِيمَا كَانَ وَهْب بْن مُنَبِّه يَزْعُم عَنْ بَنِي إسْرَائِيل , إرميا بْن حَلْقِيًّا , وَكَانَ مِنْ سَبْط هَارُونَ بْن عِمْرَان . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4601 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : ثنا عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل أَنَّهُ سَمِعَ وَهْب بْن مُنَبِّه يَقُول فِي قَوْله : { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا } إنَّ إرميا لَمَا خَرِبَ بَيْت الْمَقْدِس وَحُرِّقَتْ الْكُتُب , وَقَفَ فِي نَاحِيَة الْجَبَل , فَقَالَ : { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا } . 4602 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثِنَا سَلَمَة , قَالَ : ثني ابْن إسْحَاق , عَمَّنْ لَا يُتَّهَم , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه , قَالَ : هُوَ إرميا . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَسْكَر , قَالَ : ثنا إسْمَاعِيل بْن عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : سَمِعْت عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه , مِثْله . 4603 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى بْن مَيْمُون , عَنْ قَيْس بْن سَعْد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُبَيْد بْن عُمَيْر فِي قَوْل اللَّه : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيه وَهِيَ خَاوِيَة عَلَى عُرُوشهَا } قَالَ : كَانَ نَبِيًّا وَكَانَ اسْمه إرميا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ قِيس بْن سَعْد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُبَيْد , مِثْله . 4604 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي بَكْر بْن مُضَر قَالَ : يَقُولُونَ وَاَللَّه أَعْلَم : إنَّهُ إرميا . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِك بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَجَّبَ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ قَالَ إذْ رَأَى قَرْيَة خَاوِيَة عَلَى عُرُوشهَا : { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا } مَعَ عِلْمه أَنَّهُ ابْتَدَأَ خَلْقهَا مِنْ غَيْر شَيْء , فَلَمْ يُقْنِعهُ عِلْمه بِقُدْرَتِهِ عَلَى ابْتِدَائِهَا , حَتَّى قَالَ : أَنَّى يُحْيِيهَا اللَّه بَعْد مَوْتهَا ! وَلَا بَيَان عِنْدنَا مِنْ الْوَجْه الَّذِي يَصِحّ مِنْ قَبْله الْبَيَان عَلَى اسْم قَائِل ذَلِك , وَجَائِز أَنْ يَكُون ذَلِك عُزَيْرًا , وَجَائِز أَنْ يَكُون إرميا , وَلَا حَاجَة بِنَا إلَى مَعْرِفَة اسْمه , إذْ لَمْ يَكُنْ الْمَقْصُود بِالْآيَةِ تَعْرِيف الْخَلْق اسْم قَائِل ذَلِك . وَإِنَّمَا الْمَقْصُود بِهَا تَعْرِيف الْمُنْكِرِينَ قُدْرَة اللَّه عَلَى إحْيَائِهِ خَلْقه بَعْد مَمَاتهمْ , وَإِعَادَتهمْ بَعْد فَنَائِهِمْ , وَأَنَّهُ الَّذِي بِيَدِهِ الْحَيَاة وَالْمَوْت مِنْ قُرَيْش , وَمَنْ كَانَ يُكَذِّب بِذَلِك مِنْ سَائِر الْعَرَب , وَتَثْبِيت الْحُجَّة بِذَلِك عَلَى مَنْ كَانَ بَيْن ظَهْرَانِي مُهَاجَر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَهُود بَنِي إسْرَائِيل بِإِطْلَاعِهِ نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا يُزِيل شَكَّهُمْ فِي نُبُوَّته , وَيَقْطَع عُذْرهمْ فِي رِسَالَته , إذْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَنْبَاء الَّتِي أَوْحَاهَا إلَى نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كِتَابه مِنْ الْأَنْبَاء الَّتِي لَمْ يَكُنْ يَعْلَمهَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْمه , وَلَمْ يَكُنْ عِلْم ذَلِك إلَّا عِنْد أَهْل الْكِتَاب , وَلَمْ يَكُنْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْمه مِنْهُمْ , بَلْ كَانَ أُمِّيًّا وَقَوْمه أُمِّيُّونَ , فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِك عِنْد أَهْل الْكِتَاب مِنْ الْيَهُود الَّذِينَ كَانُوا بَيْن ظَهْرَانِي مُهَاجَره أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْلَم ذَلِك إلَّا بِوَحْيٍ مِنْ اللَّه إلَيْهِ . وَلَوْ كَانَ الْمَقْصُود بِذَلِك الْخَبَر عَنْ اسْم قَائِل ذَلِك لَكَانَتْ الدِّلَالَة مَنْصُوبَة عَلَيْهِ نَصْبًا يَقْطَع الْعُذْر وَيُزِيل الشَّكّ , وَلَكِنَّ الْقَصْد كَانَ إلَى ذَمّ قِيله , فَأَبَانَ تَعَالَى ذِكْره ذَلِك لِخَلْقِهِ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْقَرْيَة الَّتِي مَرَّ عَلَيْهَا الْقَائِل : { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا } فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ بَيْت الْمَقْدِس . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4605 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَهْل بْن عَسْكَر وَمُحَمَّد بْن عَبْد الْمَلِك , قَالَا : ثنا إسْمَاعِيل بْن عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : ثني عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل أَنَّهُ سَمِعَ وَهْب بْن مُنَبِّه , قَالَ : لَمَّا رَأَى إرميا هَدَمَ بَيْت الْمَقْدِس كَالْجَبَلِ الْعَظِيم , قَالَ : { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا } . 4606 - ثنا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل أَنَّهُ سَمِعَ وَهْب بْن مُنَبِّه , قَالَ : هِيَ بَيْت الْمَقْدِس . * - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثَنِيّ ابْن إسْحَاق عَمَّنْ لَا يُتَّهَم أَنَّهُ سَمِعَ وَهْب بْن مُنَبِّه يَقُول ذَلِك . 4607 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ , قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ بَيْت الْمَقْدِس , أَتَى عُزَيْر بَعْدَمَا خَرَّبَهُ بُخْتُنَصَّرَ الْبَابِلِيّ . 4608 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثِنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيه وَهِيَ خَاوِيَة عَلَى عُرُوشهَا } أَنَّهُ مَرَّ عَلَى الْأَرْض الْمُقَدَّسَة . 4609 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثِنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْله : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَة } قَالَ : الْقَرْيَة : بَيْت الْمُقَدَّس , مَرَّ بِهَا عُزَيْر بَعْد إذْ خَرَّبَهَا بُخْتُنَصَّرَ . 4610 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيه } قَالَ : الْقَرْيَة بَيْت الْمَقْدِس , مَرَّ عَلَيْهَا عُزَيْر وَقَدْ خَرَّبَهَا بُخْتُنَصَّرَ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هِيَ الْقَرْيَة الَّتِي كَانَ اللَّه أَهْلَكَ فِيهَا الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَهُمْ أُلُوف حَذَر الْمَوْت , فَقَالَ لَهُمْ اللَّه مُوتُوا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4611 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَهُمْ أُلُوف } قَالَ : قَرْيَة كَانَ نَزَلَ بِهَا الطَّاعُون , ثُمَّ اقْتَصَّ قِصَّتهمْ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي مَوْضِعهَا عَنْهُ , إلَى أَنْ بَلَغَ فَقَالَ لَهُمْ اللَّه مُوتُوا فِي الْمَكَان الَّذِي ذَهَبُوا يَبْتَغُونَ فِيهِ الْحَيَاة , فَمَاتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ اللَّه { إنَّ اللَّه لَذُو فَضْل عَلَى النَّاس وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس لَا يَشْكُرُونَ } . 2 243 قَالَ : وَمَرَّ بِهَا رَجُل وَهِيَ عِظَام تَلُوح , فَوَقَفَ يَنْظُر , فَقَالَ { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا , فَأَمَاتَهُ اللَّه مِائَة عَام ثُمَّ بَعَثَهُ } إلَى قَوْله { لَمْ يَتَسَنَّه } . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِك كَالْقَوْلِ فِي اسْم الْقَائِل : { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا } سَوَاء لَا يَخْتَلِفَانِ .
فِي رَبّه . 4577 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِي حَاجَّ إبْرَاهِيم فِي رَبّه أَنْ آتَاهُ اللَّه الْمُلْك } قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الَّذِي حَاجَّ إبْرَاهِيم فِي رَبّه كَانَ مَلِكًا يُقَال لَهُ نُمْرُود , وَهُوَ أَوَّل جَبَّار تَجَبَّرَ فِي الْأَرْض , وَهُوَ صَاحِب الصَّرْح بِبَابِل . 4578 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : هُوَ نمرو بْن كَنْعَان . 4579 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : هُوَ نُمْرُود . 4580 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثِنَا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , مِثْله . 4581 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , قَالَ : أَخْبَرَنِي زَيْد بْن أَسْلَم , بِمِثْلِهِ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن كَثِير أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُول : هُوَ نُمْرُود . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : هُوَ نُمْرُود , وَيُقَال إنَّهُ أَوَّل مَلِك فِي الْأَرْض .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إذْ قَالَ إبْرَاهِيم رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيت . قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيت قَالَ إبْرَاهِيم فَإِنَّ اللَّه يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِق فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِب فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِك : أَلَمْ تَرَ يَا مُحَمَّد إلَى الَّذِي حَاجّ إبْرَاهِيم فِي رَبّه حِين قَالَ لَهُ إبْرَاهِيم : رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيت , يَعْنِي بِذَلِك : رَبِّيَ الَّذِي بِيَدِهِ الْحَيَاة وَالْمَوْت يُحْيِي مَنْ يَشَاء وَيُمِيت مَنْ أَرَادَ بَعْد الْإِحْيَاء , قَالَ : أَنَا أَفْعَل ذَلِك , فَأُحْيِي وَأُمِيت , أَسْتَحْيِي مَنْ أَرَدْت قَتْله , فَلَا أَقْتُلهُ , فَيَكُون ذَلِك مِنِّي إحْيَاء لَهُ . وَذَلِك عِنْد الْعَرَب يُسَمَّى إحْيَاء , كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْره : { وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا } 5 32 وَأَقْتُل آخَر فَيَكُون ذَلِك مِنِّي إمَاتَة لَهُ . قَالَ إبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَإِنَّ اللَّه الَّذِي هُوَ رَبِّي يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ مَشْرِقهَا , فَأْتِ بِهَا إنْ كُنْت صَادِقًا أَنَّك إلَه مِنْ مَغْرِبهَا ! قَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ } يَعْنِي انْقَطَعَ وَبَطَلَتْ حُجَّته , يُقَال مِنْهُ : بَهَتَ يَبْهَت بَهْتًا , وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْض الْعَرَب أَنَّهَا تَقُول بِهَذَا الْمَعْنَى : بَهَتَ , وَيُقَال : بُهِتَ الرَّجُل إذَا اُفْتُرِيَتْ عَلَيْهِ كَذِبًا بَهْتًا أَوْ بُهْتَانًا وَبَهَاتَةً . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْض الْقُرَّاء أَنَّهُ قَرَأَ : " فَبَهَتَ الَّذِي كَفَرَ " بِمَعْنَى : فَبَهَتَ إبْرَاهِيم الَّذِي كَفَرَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِك قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4582 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { إذْ قَالَ إبْرَاهِيم رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيت , قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيت } وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ دَعَا بِرَجُلَيْنِ , فَفَتَلَ أَحَدهمَا , وَاسْتَحْيَا الْآخَر , فَقَالَ : أَنَا أُحْيِي هَذَا , أَنَا أَسْتَحْيِي مَنْ شِئْت , وَأَقْتُل مَنْ شِئْت , قَالَ إبْرَاهِيم عِنْد ذَلِك : { فَإِنَّ اللَّه يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِق فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِب فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ } . 4583 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : أَنَا أُحْيِي وَأُمِيت : أَقْتُل مَنْ شِئْت , وَأَسْتَحْيِي مَنْ شِئْت , أَدَعهُ حَيًّا فَلَا أَقْتُلهُ . وَقَالَ : مَلَكَ الْأَرْض مَشْرِقهَا وَمَغْرِبهَا أَرْبَعَة نَفَر : مُؤْمِنَانِ , وَكَافِرَانِ , فَالْمُؤْمِنَانِ : سُلَيْمَان بْن دَاوُد , وَذُو الْقَرْنَيْنِ ; وَالْكَافِرَانِ : بُخْتُنَصَّرَ وَنُمْرُود بْن كَنْعَان , لَمْ يَمْلِكهَا غَيْرهمْ . 4584 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ زَيْد بْن أَسْلَم : أَوَّل جَبَّار كَانَ فِي الْأَرْض نُمْرُود , فَكَانَ النَّاس يَخْرُجُونَ فَيَمْتَارُونَ مِنْ عِنْده الطَّعَام , فَخَرَجَ إبْرَاهِيم يَمْتَار مَعَ مَنْ يَمْتَار , فَإِذَا مَرَّ بِهِ نَاس قَالَ : مَنْ رَبّكُمْ ؟ قَالُوا : أَنْت . حَتَّى مَرَّ إبْرَاهِيم , قَالَ : مَنْ رَبّك ؟ قَالَ : الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيت , قَالَ : أَنَا أُحْيِي وَأُمِيت , { قَالَ إبْرَاهِيم فَإِنَّ اللَّه يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِق فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِب فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ } قَالَ : فَرَدَّهُ بِغَيْرِ طَعَام . قَالَ : فَرَجَعَ إبْرَاهِيم عَلَى أَهْله فَمَرَّ عَلَى كُثَيْب مِنْ رَمْل أَعْفَر , فَقَالَ : أَلَا آخُذ مِنْ هَذَا فَآتِي بِهِ أَهْلِي فَتَطِيب أَنْفُسهمْ حِين أَدُلّ عَلَيْهِمْ ؟ فَأَخَذَ مِنْهُ فَأَتَى أَهْله , قَالَ : فَوَضَعَ مَتَاعه ثُمَّ نَامَ , فَقَامَتْ امْرَأَته إلَى مَتَاعه , فَفَتَحَتْهُ , فَإِذَا هِيَ بِأَجْوَد طَعَام رَأَتْهُ , فَصَنَعَتْ لَهُ مِنْهُ , فَقَرَّبَتْهُ إلَيْهِ . وَكَانَ عَهْده بِأَهْلِهِ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدهمْ طَعَام , فَقَالَ : مِنْ أَيْنَ هَذَا ؟ قَالَتْ : مِنْ الطَّعَام الَّذِي جِئْت بِهِ . فَعَلِمَ أَنَّ اللَّه رَزَقَهُ , فَحَمِدَ اللَّه . ثُمَّ بَعَثَ اللَّه إلَى الْجَبَّار مَلَكًا أَنْ آمِنْ بِي وَأَتْرُكك عَلَى مُلْكك ! قَالَ : وَهَلْ رَبّ غَيْرِي ؟ فَجَاءَهُ الثَّانِيَة , فَقَالَ لَهُ ذَلِك , فَأَبَى عَلَيْهِ . ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَة فَأَبَى عَلَيْهِ , فَقَالَ لَهُ الْمُلْك : اجْمَعْ جُمُوعك إلَى ثَلَاثَة أَيَّام ! فَجَمَعَ الْجَبَّار جُمُوعه , فَأَمَرَ اللَّه الْمَلَك , فَفَتَحَ عَلَيْهِ بَابًا مِنْ الْبَعُوض , فَطَلَعَتْ الشَّمْس , فَلَمْ يَرَوْهَا مِنْ كَثْرَتهَا , فَبَعَثَهَا اللَّه عَلَيْهِمْ فَأَكَلَتْ لُحُومهمْ , وَشَرِبَتْ دِمَاءَهُمْ , فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْعِظَام , وَالْمَلَك كَمَا هُوَ لَمْ يُصِبْهُ مِنْ ذَلِك شَيْء . فَبَعَثَ اللَّه عَلَيْهِ بَعُوضَة , فَدَخَلَتْ فِي مَنْخَره , فَمَكَثَ أَرْبَعمِائَةِ سَنَة يُضْرَب رَأَسَهُ بِالْمَطَارِقِ , وَأَرْحَم النَّاس بِهِ مَنْ جَمَعَ يَدَيْهِ وَضَرَبَ بِهِمَا رَأَسَهُ . وَكَانَ جَبَّارًا أَرْبَعمِائَةِ عَام , فَعَذَّبَهُ اللَّه أَرْبَعمِائَةِ سَنَة كَمُلْكِهِ , ثُمَّ أَمَاتَهُ اللَّه . وَهُوَ الَّذِي بَنَى صَرْحًا إلَى السَّمَاء فَأَتَى اللَّه بُنْيَانه مِنْ الْقَوَاعِد , وَهُوَ الَّذِي قَالَ اللَّه : { فَأَتَى اللَّه بُنْيَانهمْ مِنْ الْقَوَاعِد } . 16 26 4585 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَم فِي قَوْل اللَّه : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِي حَاجّ إبْرَاهِيم فِي رَبّه } قَالَ : هُوَ نُمْرُود كَانَ بِالْمَوْصِلِ وَالنَّاس يَأْتُونَهُ , فَإِذَا دَخَلُوا عَلَيْهِ , قَالَ : مَنْ رَبّكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : أَنْت , فَيَقُول : مِيرُوهُمْ ! فَلَمَّا دَخَلَ إبْرَاهِيم , وَمَعَهُ بَعِير خَرَجَ يَمْتَار بِهِ لِوَلَدِهِ قَالَ : فَعَرَضَهُمْ كُلّهمْ , فَيَقُول : مَنْ رَبّكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : أَنْت , فَيَقُول : مِيرُوهُمْ ! حَتَّى عَرَضَ إبْرَاهِيم مَرَّتَيْنِ , فَقَالَ : مَنْ رَبّك ؟ قَالَ : رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيت , قَالَ : أَنَا أُحْيِي وَأُمِيت , إنْ شِئْت قَتَلْتُك فَأَمَتُّك , وَإِنْ شِئْت اسْتَحْيَيْتُك . { قَالَ إبْرَاهِيم فَإِنَّ اللَّه يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِق فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِب فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ } قَالَ : أَخْرِجُوا هَذَا عَنِّي فَلَا تَمِيرُوهُ شَيْئًا ! فَخَرَجَ الْقَوْم كُلّهمْ قَدْ امْتَارُوا . وَجُوَالِقَا إبْرَاهِيم يَصْطَفِقَانِ , حَتَّى إذَا نَظَرَ إلَى سَوَاد جِبَال أَهْله , قَالَ : لَيُحْزِنُنِي صَبِيَّايَ إسْمَاعِيل وَإِسْحَاق , لَوْ أَنِّي مَلَأْت هَذَيْنَ الْجُوَالِقَيْنِ مِنْ هَذِهِ الْبَطْحَاء فَذَهَبْت بِهِمَا قَرَّتْ عَيْنَا صَبِيَّيْ , حَتَّى إذَا كَانَ اللَّيْل أَهَرَقْته . قَالَ : فَمَلَأَهُمَا ثُمَّ خَيَّطَهُمَا , ثُمَّ جَاءَ بِهِمَا , فَتَرَامَى عَلَيْهِمَا الصَّبِيَّانِ فَرَحًا , وَأَلْقَى رَأْسه فِي حِجْر سَارَة سَاعَة , ثُمَّ قَالَتْ : مَا يُجْلِسنِي ! قَدْ جَاءَ إبْرَاهِيم تَعَبًا لَغَبًا , لَوْ قُمْت فَصَنَعْت لَهُ طَعَامًا إلَى أَنْ يَقُوم ! قَالَ : فَأَخَذَتْ وِسَادَة فَأَدْخَلَتْهَا مَكَانهَا , وَانْسَلَّتْ قَلِيلًا قَلِيلًا لِئَلَّا تُوقِظهُ . قَالَ : فَجَاءَتْ إلَى إحْدَى الْغِرَارَتَيْنِ فَفَتَقَتْهَا , فَإِذَا حَوَارِيّ مِنْ النَّقِيّ لَمْ يَرَوْا مِثْله عِنْد أَحَد قَطّ , فَأَخَذَتْ مِنْهُ فَطَحَنَتْهُ وَعَجَنَتْهُ . فَلَمَّا أَتَتْ تُوقِظ إبْرَاهِيم جَاءَتْهُ حَتَّى وَضَعَتْهُ بَيْن يَدَيْهِ , فَقَالَ : أَيّ شَيْء هَذَا يَا سَارَة ؟ قَالَتْ : مِنْ جُوَالِقك , لَقَدْ جِئْت وَمَا عِنْدنَا قَلِيل وَلَا كَثِير . قَالَ : فَذَهَبَ يَنْظُر إلَى الْجُوَالِق الْآخِر فَإِذَا هُوَ مِثْله , فَعَرَفَ مِنْ أَيْنَ ذَاكَ . 4586 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : لَمَّا قَالَ لَهُ إبْرَاهِيم : رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيت , قَالَ هُوَ , يَعْنِي نُمْرُود : فَأَنَا أُحْيِي وَأُمِيت , فَدَعَا بِرَجُلَيْنِ , فَاسْتَحْيَا أَحَدهمَا , وَقَتَلَ الْآخَر , قَالَ : أَنَا أُحْيِي وَأُمِيت , قَالَ : أَيْ أَسْتَحْيِي مَنْ شِئْت , فَقَالَ إبْرَاهِيم : { فَإِنَّ اللَّه يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِق فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِب فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ } . 4587 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثِنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : لَمَّا خَرَجَ إبْرَاهِيم مِنْ النَّار , أَدْخَلُوهُ عَلَى الْمَلِك , وَلَمْ يَكُنْ قَبْل ذَلِك دَخَلَ عَلَيْهِ فَكَلَّمَهُ , وَقَالَ لَهُ : مَنْ رَبّك ؟ قَالَ : رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيت , قَالَ نُمْرُود : أَنَا أُحْيِي وَأُمِيت , أَنَا أُدْخِل أَرْبَعَة نَفَر بَيْتًا , فَلَا يُطْعَمُونَ وَلَا يُسْقَوْنَ , حَتَّى إذَا هَلَكُوا مِنْ الْجُوع أَطْعَمْت اثْنَيْنِ وَسَقَيْتهمَا فَعَاشَا , وَتَرَكْت اثْنَيْنِ فَمَاتَا ! فَعَرَفَ إبْرَاهِيم أَنَّ لَهُ قُدْرَة بِسُلْطَانِهِ وَمُلْكه عَلَى أَنْ يَفْعَل ذَلِك . قَالَ لَهُ إبْرَاهِيم : فَإِنَّ رَبِّيَ الَّذِي يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِق , فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِب ! فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ , وَقَالَ : إنَّ هَذَا إنْسَان مَجْنُون , فَأَخْرِجُوهُ ! أَلَا تَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْ جُنُونه اجْتَرَأَ عَلَى آلِهَتكُمْ فَكَسَّرَهَا , وَأَنَّ النَّار لَمْ تَأْكُلهُ ؟ وَخَشِيَ أَنْ يَفْتَضِح فِي قَوْمه - أَعْنِي نُمْرُود - وَهُوَ قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { وَتِلْكَ حُجَّتنَا آتَيْنَاهَا إبْرَاهِيم عَلَى قَوْمه } 6 83 فَكَانَ يَزْعُم أَنَّهُ رَبّ . وَأَمَرَ بِإِبْرَاهِيم فَأُخْرِجَ . 4588 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن كَثِير أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهَدًا يَقُول : قَالَ : أَنَا أُحْيِي وَأُمِيت , أُحْيِي فَلَا أَقْتُل , وَأُمِيت مَنْ قَتَلْت . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ , كَانَ أَتَى بِرَجُلَيْنِ , فَقَتَلَ أَحَدهمَا , وَتَرَكَ الْآخَر , فَقَالَ : أَنَا أُحْيِي وَأُمِيت , قَالَ : أَقْتُل فَأُمِيت مَنْ قَتَلْت , وَأُحْيِي , قَالَ : اسْتَحْيِي فَلَا أَقْتُل . 4589 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثَنِيّ مُحَمَّد بْن إسْحَاق , قَالَ : ذُكِرَ لَنَا وَاَللَّه أَعْلَم : أَنَّ نُمْرُود قَالَ لِإِبْرَاهِيم فِيمَا يَقُول : أَرَأَيْت إلَهك هَذَا الَّذِي تَعْبُدهُ , وَتَدْعُو إلَى عِبَادَته , وَتَذْكُر مِنْ قُدْرَته الَّتِي تُعَظِّمهُ بِهَا عَلَى غَيْره , مَا هُوَ ؟ قَالَ لَهُ إبْرَاهِيم : رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيت . قَالَ نُمْرُود : فَأَنَا أُحْيِي وَأُمِيت . فَقَالَ لَهُ إبْرَاهِيم : كَيْفَ تُحْيِي وَتُمِيت ؟ قَالَ : آخُذ رَجُلَيْنِ قَدْ اسْتَوْجَبَا الْقَتْل فِي حُكْمِي , فَأَقْتُل أَحَدهمَا فَأَكُون قَدْ أَمَتّه , وَأَعْفُو عَنْ الْآخَر فَأَتْرُكهُ وَأَكُون قَدْ أَحْيَيْته . فَقَالَ لَهُ إبْرَاهِيم عِنْد ذَلِك : فَإِنَّ اللَّه يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِق , فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِب , أَعْرِف أَنَّهُ كَمَا تَقُول ! فَبُهِتَ عِنْد ذَلِك نُمْرُود , وَلَمْ يَرْجِع إلَيْهِ شَيْئًا , وَعَرَفَ أَنَّهُ لَا يُطِيق ذَلِك . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ } يَعْنِي وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْحَجَّة , يَعْنِي نُمْرُود .
وَقَوْله : { وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ } يَقُول : وَاَللَّه لَا
يَهْدِي أَهْل الْكُفْر إلَى حُجَّة يَدْحَضُونَ بِهَا حُجَّة أَهْل الْحَقّ عِنْد الْمُحَاجَّة وَالْمُخَاصَمَة , لِأَنَّ أَهْل الْبَاطِل حُجَجهمْ دَاحِضَة . وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَعْنَى الظُّلْم : وَضْع الشَّيْء فِي غَيْر مَوْضِعه , وَالْكَافِر : وَضَعَ جُحُوده مَا جَحَدَ فِي غَيْر مَوْضِعه , فَهُوَ بِذَلِك مِنْ فَعَلَهُ ظَالِمًا لِنَفْسِهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِك قَالَ ابْن إسْحَاق . 4590 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن إسْحَاق : { وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ } أَيْ لَا يَهْدِيهِمْ فِي الْحُجَّة عِنْد الْخُصُومَة لِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الضَّلَالَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَة } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيه } نَظِير الَّذِي عَنَى بِقَوْلِهِ : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِي حَاجّ إبْرَاهِيم فِي رَبّه } مِنْ تَعْجِيب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ . وَقَوْله : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيه } عُطِفَ عَلَى قَوْله : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِي حَاجّ إبْرَاهِيم فِي رَبّه } . وَإِنَّمَا عُطِفَ قَوْله : { أَوْ كَاَلَّذِي } عَلَى قَوْله : { إلَى الَّذِي حَاجّ إبْرَاهِيم فِي رَبّه } وَإِنْ اخْتَلَفَ لَفْظَاهُمَا , لِتَشَابُهِ جِنْسهمَا , لِأَنَّ قَوْله , { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِي حَاجّ إبْرَاهِيم فِي رَبّه } بِمَعْنَى : هَلْ رَأَيْت يَا مُحَمَّد كَاَلَّذِي حَاجّ إبْرَاهِيم فِي رَبّه , ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيه } لِأَنَّ مِنْ شَأْن الْعَرَب الْعَطْف بِالْكَلَامِ عَلَى مَعْنًى نَظِير لَهُ قَدْ تَقَدَّمَهُ وَإِنْ خَالَفَ لَفْظه لَفْظه . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة أَنَّ " الْكَاف " فِي قَوْله , { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيه } زَائِدَة , وَأَنَّ الْمَعْنَى : أَلَمْ تَرَى إلَى الَّذِي حَاجّ إبْرَاهِيم جَمِيعًا , أَوْ الَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَة . وَقَدْ بَيَّنَّا قَبْل فِيمَا مَضَى أَنَّهُ غَيْر جَائِز أَنْ يَكُون فِي كِتَاب اللَّه شَيْء لَا مَعْنَى لَهُ بِمَا أَغْنَى عَنْ إعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَة وَهِيَ خَاوِيَة عَلَى عُرُوشهَا , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ عُزَيْر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4591 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ , ثِنَا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ نَاجِيَة بْن كَعْب . { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَة وَهِيَ خَاوِيَة عَلَى عُرُوشهَا } قَالَ : عُزَيْر . 4592 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد . قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا أَبُو خُزَيْمَة , قَالَ : سَمِعْت سُلَيْمَان بْن بُرَيْدَةَ فِي قَوْله : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيه } قَالَ : هُوَ عُزَيْر . 4593 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ , ثنا يَزِيد . قَالَ : ثِنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيه خَاوِيَة عَلَى عُرُوشهَا } قَالَ , ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ عُزَيْر . 4594 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَاده مِثْله . 4595 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثِنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ قَوْله : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيه } قَالَ : قَالَ الرَّبِيع : ذُكِرَ لَنَا وَاَللَّه أَعْلَم أَنَّ الَّذِي أَتَى عَلَى الْقَرْيَة هُوَ عُزَيْر . 4596 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثِنَا الْحُسَيْن قَالَ : ثني حَجَّاج عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عِكْرِمَة : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيه وَهِيَ خَاوِيَة عَلَى عُرُوشهَا } قَالَ : عُزَيْر . 4597 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَة } قَالَ : عُزَيْر . 4598 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عَبِيد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيه وَهِيَ خَاوِيه عَلَى عُرُوشهَا } إنَّهُ هُوَ عُزَيْر . 4599 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : قَالَ لَنَا سَلْم الْخَوَّاص : كَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول : هُوَ عُزَيْر . وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ إرميا بْن حَلْقِيَّا وَزَعَمَ مُحَمَّد بْن إسْحَاق أَنَّ إرميا هُوَ الْخَضِر . 4600 - حَدَّثَنَا بِذَلِك ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثنا ابْن إسْحَاق , قَالَ : اسْم الْخَضِر فِيمَا كَانَ وَهْب بْن مُنَبِّه يَزْعُم عَنْ بَنِي إسْرَائِيل , إرميا بْن حَلْقِيًّا , وَكَانَ مِنْ سَبْط هَارُونَ بْن عِمْرَان . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4601 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : ثنا عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل أَنَّهُ سَمِعَ وَهْب بْن مُنَبِّه يَقُول فِي قَوْله : { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا } إنَّ إرميا لَمَا خَرِبَ بَيْت الْمَقْدِس وَحُرِّقَتْ الْكُتُب , وَقَفَ فِي نَاحِيَة الْجَبَل , فَقَالَ : { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا } . 4602 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثِنَا سَلَمَة , قَالَ : ثني ابْن إسْحَاق , عَمَّنْ لَا يُتَّهَم , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه , قَالَ : هُوَ إرميا . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَسْكَر , قَالَ : ثنا إسْمَاعِيل بْن عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : سَمِعْت عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه , مِثْله . 4603 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى بْن مَيْمُون , عَنْ قَيْس بْن سَعْد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُبَيْد بْن عُمَيْر فِي قَوْل اللَّه : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيه وَهِيَ خَاوِيَة عَلَى عُرُوشهَا } قَالَ : كَانَ نَبِيًّا وَكَانَ اسْمه إرميا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ قِيس بْن سَعْد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُبَيْد , مِثْله . 4604 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي بَكْر بْن مُضَر قَالَ : يَقُولُونَ وَاَللَّه أَعْلَم : إنَّهُ إرميا . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِك بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَجَّبَ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ قَالَ إذْ رَأَى قَرْيَة خَاوِيَة عَلَى عُرُوشهَا : { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا } مَعَ عِلْمه أَنَّهُ ابْتَدَأَ خَلْقهَا مِنْ غَيْر شَيْء , فَلَمْ يُقْنِعهُ عِلْمه بِقُدْرَتِهِ عَلَى ابْتِدَائِهَا , حَتَّى قَالَ : أَنَّى يُحْيِيهَا اللَّه بَعْد مَوْتهَا ! وَلَا بَيَان عِنْدنَا مِنْ الْوَجْه الَّذِي يَصِحّ مِنْ قَبْله الْبَيَان عَلَى اسْم قَائِل ذَلِك , وَجَائِز أَنْ يَكُون ذَلِك عُزَيْرًا , وَجَائِز أَنْ يَكُون إرميا , وَلَا حَاجَة بِنَا إلَى مَعْرِفَة اسْمه , إذْ لَمْ يَكُنْ الْمَقْصُود بِالْآيَةِ تَعْرِيف الْخَلْق اسْم قَائِل ذَلِك . وَإِنَّمَا الْمَقْصُود بِهَا تَعْرِيف الْمُنْكِرِينَ قُدْرَة اللَّه عَلَى إحْيَائِهِ خَلْقه بَعْد مَمَاتهمْ , وَإِعَادَتهمْ بَعْد فَنَائِهِمْ , وَأَنَّهُ الَّذِي بِيَدِهِ الْحَيَاة وَالْمَوْت مِنْ قُرَيْش , وَمَنْ كَانَ يُكَذِّب بِذَلِك مِنْ سَائِر الْعَرَب , وَتَثْبِيت الْحُجَّة بِذَلِك عَلَى مَنْ كَانَ بَيْن ظَهْرَانِي مُهَاجَر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَهُود بَنِي إسْرَائِيل بِإِطْلَاعِهِ نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا يُزِيل شَكَّهُمْ فِي نُبُوَّته , وَيَقْطَع عُذْرهمْ فِي رِسَالَته , إذْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَنْبَاء الَّتِي أَوْحَاهَا إلَى نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كِتَابه مِنْ الْأَنْبَاء الَّتِي لَمْ يَكُنْ يَعْلَمهَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْمه , وَلَمْ يَكُنْ عِلْم ذَلِك إلَّا عِنْد أَهْل الْكِتَاب , وَلَمْ يَكُنْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْمه مِنْهُمْ , بَلْ كَانَ أُمِّيًّا وَقَوْمه أُمِّيُّونَ , فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِك عِنْد أَهْل الْكِتَاب مِنْ الْيَهُود الَّذِينَ كَانُوا بَيْن ظَهْرَانِي مُهَاجَره أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْلَم ذَلِك إلَّا بِوَحْيٍ مِنْ اللَّه إلَيْهِ . وَلَوْ كَانَ الْمَقْصُود بِذَلِك الْخَبَر عَنْ اسْم قَائِل ذَلِك لَكَانَتْ الدِّلَالَة مَنْصُوبَة عَلَيْهِ نَصْبًا يَقْطَع الْعُذْر وَيُزِيل الشَّكّ , وَلَكِنَّ الْقَصْد كَانَ إلَى ذَمّ قِيله , فَأَبَانَ تَعَالَى ذِكْره ذَلِك لِخَلْقِهِ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْقَرْيَة الَّتِي مَرَّ عَلَيْهَا الْقَائِل : { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا } فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ بَيْت الْمَقْدِس . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4605 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَهْل بْن عَسْكَر وَمُحَمَّد بْن عَبْد الْمَلِك , قَالَا : ثنا إسْمَاعِيل بْن عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : ثني عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل أَنَّهُ سَمِعَ وَهْب بْن مُنَبِّه , قَالَ : لَمَّا رَأَى إرميا هَدَمَ بَيْت الْمَقْدِس كَالْجَبَلِ الْعَظِيم , قَالَ : { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا } . 4606 - ثنا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل أَنَّهُ سَمِعَ وَهْب بْن مُنَبِّه , قَالَ : هِيَ بَيْت الْمَقْدِس . * - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثَنِيّ ابْن إسْحَاق عَمَّنْ لَا يُتَّهَم أَنَّهُ سَمِعَ وَهْب بْن مُنَبِّه يَقُول ذَلِك . 4607 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ , قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ بَيْت الْمَقْدِس , أَتَى عُزَيْر بَعْدَمَا خَرَّبَهُ بُخْتُنَصَّرَ الْبَابِلِيّ . 4608 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثِنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيه وَهِيَ خَاوِيَة عَلَى عُرُوشهَا } أَنَّهُ مَرَّ عَلَى الْأَرْض الْمُقَدَّسَة . 4609 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثِنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْله : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَة } قَالَ : الْقَرْيَة : بَيْت الْمُقَدَّس , مَرَّ بِهَا عُزَيْر بَعْد إذْ خَرَّبَهَا بُخْتُنَصَّرَ . 4610 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيه } قَالَ : الْقَرْيَة بَيْت الْمَقْدِس , مَرَّ عَلَيْهَا عُزَيْر وَقَدْ خَرَّبَهَا بُخْتُنَصَّرَ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هِيَ الْقَرْيَة الَّتِي كَانَ اللَّه أَهْلَكَ فِيهَا الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَهُمْ أُلُوف حَذَر الْمَوْت , فَقَالَ لَهُمْ اللَّه مُوتُوا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4611 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَهُمْ أُلُوف } قَالَ : قَرْيَة كَانَ نَزَلَ بِهَا الطَّاعُون , ثُمَّ اقْتَصَّ قِصَّتهمْ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي مَوْضِعهَا عَنْهُ , إلَى أَنْ بَلَغَ فَقَالَ لَهُمْ اللَّه مُوتُوا فِي الْمَكَان الَّذِي ذَهَبُوا يَبْتَغُونَ فِيهِ الْحَيَاة , فَمَاتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ اللَّه { إنَّ اللَّه لَذُو فَضْل عَلَى النَّاس وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس لَا يَشْكُرُونَ } . 2 243 قَالَ : وَمَرَّ بِهَا رَجُل وَهِيَ عِظَام تَلُوح , فَوَقَفَ يَنْظُر , فَقَالَ { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا , فَأَمَاتَهُ اللَّه مِائَة عَام ثُمَّ بَعَثَهُ } إلَى قَوْله { لَمْ يَتَسَنَّه } . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِك كَالْقَوْلِ فِي اسْم الْقَائِل : { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا } سَوَاء لَا يَخْتَلِفَانِ .
أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ↑
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَة } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيه } نَظِير الَّذِي عَنَى بِقَوْلِهِ : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِي حَاجّ إبْرَاهِيم فِي رَبّه } مِنْ تَعْجِيب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ . وَقَوْله : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيه } عُطِفَ عَلَى قَوْله : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِي حَاجّ إبْرَاهِيم فِي رَبّه } . وَإِنَّمَا عُطِفَ قَوْله : { أَوْ كَاَلَّذِي } عَلَى قَوْله : { إلَى الَّذِي حَاجّ إبْرَاهِيم فِي رَبّه } وَإِنْ اخْتَلَفَ لَفْظَاهُمَا , لِتَشَابُهِ جِنْسهمَا , لِأَنَّ قَوْله , { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِي حَاجّ إبْرَاهِيم فِي رَبّه } بِمَعْنَى : هَلْ رَأَيْت يَا مُحَمَّد كَاَلَّذِي حَاجّ إبْرَاهِيم فِي رَبّه , ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيه } لِأَنَّ مِنْ شَأْن الْعَرَب الْعَطْف بِالْكَلَامِ عَلَى مَعْنًى نَظِير لَهُ قَدْ تَقَدَّمَهُ وَإِنْ خَالَفَ لَفْظه لَفْظه . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة أَنَّ " الْكَاف " فِي قَوْله , { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيه } زَائِدَة , وَأَنَّ الْمَعْنَى : أَلَمْ تَرَى إلَى الَّذِي حَاجّ إبْرَاهِيم جَمِيعًا , أَوْ الَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَة . وَقَدْ بَيَّنَّا قَبْل فِيمَا مَضَى أَنَّهُ غَيْر جَائِز أَنْ يَكُون فِي كِتَاب اللَّه شَيْء لَا مَعْنَى لَهُ بِمَا أَغْنَى عَنْ إعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَة وَهِيَ خَاوِيَة عَلَى عُرُوشهَا , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ عُزَيْر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4591 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ , ثِنَا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ نَاجِيَة بْن كَعْب . { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَة وَهِيَ خَاوِيَة عَلَى عُرُوشهَا } قَالَ : عُزَيْر . 4592 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد . قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا أَبُو خُزَيْمَة , قَالَ : سَمِعْت سُلَيْمَان بْن بُرَيْدَةَ فِي قَوْله : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيه } قَالَ : هُوَ عُزَيْر . 4593 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ , ثنا يَزِيد . قَالَ : ثِنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيه خَاوِيَة عَلَى عُرُوشهَا } قَالَ , ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ عُزَيْر . 4594 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَاده مِثْله . 4595 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثِنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ قَوْله : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيه } قَالَ : قَالَ الرَّبِيع : ذُكِرَ لَنَا وَاَللَّه أَعْلَم أَنَّ الَّذِي أَتَى عَلَى الْقَرْيَة هُوَ عُزَيْر . 4596 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثِنَا الْحُسَيْن قَالَ : ثني حَجَّاج عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عِكْرِمَة : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيه وَهِيَ خَاوِيَة عَلَى عُرُوشهَا } قَالَ : عُزَيْر . 4597 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَة } قَالَ : عُزَيْر . 4598 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عَبِيد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيه وَهِيَ خَاوِيه عَلَى عُرُوشهَا } إنَّهُ هُوَ عُزَيْر . 4599 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : قَالَ لَنَا سَلْم الْخَوَّاص : كَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول : هُوَ عُزَيْر . وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ إرميا بْن حَلْقِيَّا وَزَعَمَ مُحَمَّد بْن إسْحَاق أَنَّ إرميا هُوَ الْخَضِر . 4600 - حَدَّثَنَا بِذَلِك ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثنا ابْن إسْحَاق , قَالَ : اسْم الْخَضِر فِيمَا كَانَ وَهْب بْن مُنَبِّه يَزْعُم عَنْ بَنِي إسْرَائِيل , إرميا بْن حَلْقِيًّا , وَكَانَ مِنْ سَبْط هَارُونَ بْن عِمْرَان . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4601 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : ثنا عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل أَنَّهُ سَمِعَ وَهْب بْن مُنَبِّه يَقُول فِي قَوْله : { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا } إنَّ إرميا لَمَا خَرِبَ بَيْت الْمَقْدِس وَحُرِّقَتْ الْكُتُب , وَقَفَ فِي نَاحِيَة الْجَبَل , فَقَالَ : { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا } . 4602 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثِنَا سَلَمَة , قَالَ : ثني ابْن إسْحَاق , عَمَّنْ لَا يُتَّهَم , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه , قَالَ : هُوَ إرميا . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَسْكَر , قَالَ : ثنا إسْمَاعِيل بْن عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : سَمِعْت عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه , مِثْله . 4603 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى بْن مَيْمُون , عَنْ قَيْس بْن سَعْد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُبَيْد بْن عُمَيْر فِي قَوْل اللَّه : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيه وَهِيَ خَاوِيَة عَلَى عُرُوشهَا } قَالَ : كَانَ نَبِيًّا وَكَانَ اسْمه إرميا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ قِيس بْن سَعْد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُبَيْد , مِثْله . 4604 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي بَكْر بْن مُضَر قَالَ : يَقُولُونَ وَاَللَّه أَعْلَم : إنَّهُ إرميا . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِك بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَجَّبَ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ قَالَ إذْ رَأَى قَرْيَة خَاوِيَة عَلَى عُرُوشهَا : { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا } مَعَ عِلْمه أَنَّهُ ابْتَدَأَ خَلْقهَا مِنْ غَيْر شَيْء , فَلَمْ يُقْنِعهُ عِلْمه بِقُدْرَتِهِ عَلَى ابْتِدَائِهَا , حَتَّى قَالَ : أَنَّى يُحْيِيهَا اللَّه بَعْد مَوْتهَا ! وَلَا بَيَان عِنْدنَا مِنْ الْوَجْه الَّذِي يَصِحّ مِنْ قَبْله الْبَيَان عَلَى اسْم قَائِل ذَلِك , وَجَائِز أَنْ يَكُون ذَلِك عُزَيْرًا , وَجَائِز أَنْ يَكُون إرميا , وَلَا حَاجَة بِنَا إلَى مَعْرِفَة اسْمه , إذْ لَمْ يَكُنْ الْمَقْصُود بِالْآيَةِ تَعْرِيف الْخَلْق اسْم قَائِل ذَلِك . وَإِنَّمَا الْمَقْصُود بِهَا تَعْرِيف الْمُنْكِرِينَ قُدْرَة اللَّه عَلَى إحْيَائِهِ خَلْقه بَعْد مَمَاتهمْ , وَإِعَادَتهمْ بَعْد فَنَائِهِمْ , وَأَنَّهُ الَّذِي بِيَدِهِ الْحَيَاة وَالْمَوْت مِنْ قُرَيْش , وَمَنْ كَانَ يُكَذِّب بِذَلِك مِنْ سَائِر الْعَرَب , وَتَثْبِيت الْحُجَّة بِذَلِك عَلَى مَنْ كَانَ بَيْن ظَهْرَانِي مُهَاجَر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَهُود بَنِي إسْرَائِيل بِإِطْلَاعِهِ نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا يُزِيل شَكَّهُمْ فِي نُبُوَّته , وَيَقْطَع عُذْرهمْ فِي رِسَالَته , إذْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَنْبَاء الَّتِي أَوْحَاهَا إلَى نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كِتَابه مِنْ الْأَنْبَاء الَّتِي لَمْ يَكُنْ يَعْلَمهَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْمه , وَلَمْ يَكُنْ عِلْم ذَلِك إلَّا عِنْد أَهْل الْكِتَاب , وَلَمْ يَكُنْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْمه مِنْهُمْ , بَلْ كَانَ أُمِّيًّا وَقَوْمه أُمِّيُّونَ , فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِك عِنْد أَهْل الْكِتَاب مِنْ الْيَهُود الَّذِينَ كَانُوا بَيْن ظَهْرَانِي مُهَاجَره أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْلَم ذَلِك إلَّا بِوَحْيٍ مِنْ اللَّه إلَيْهِ . وَلَوْ كَانَ الْمَقْصُود بِذَلِك الْخَبَر عَنْ اسْم قَائِل ذَلِك لَكَانَتْ الدِّلَالَة مَنْصُوبَة عَلَيْهِ نَصْبًا يَقْطَع الْعُذْر وَيُزِيل الشَّكّ , وَلَكِنَّ الْقَصْد كَانَ إلَى ذَمّ قِيله , فَأَبَانَ تَعَالَى ذِكْره ذَلِك لِخَلْقِهِ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْقَرْيَة الَّتِي مَرَّ عَلَيْهَا الْقَائِل : { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا } فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ بَيْت الْمَقْدِس . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4605 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَهْل بْن عَسْكَر وَمُحَمَّد بْن عَبْد الْمَلِك , قَالَا : ثنا إسْمَاعِيل بْن عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : ثني عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل أَنَّهُ سَمِعَ وَهْب بْن مُنَبِّه , قَالَ : لَمَّا رَأَى إرميا هَدَمَ بَيْت الْمَقْدِس كَالْجَبَلِ الْعَظِيم , قَالَ : { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا } . 4606 - ثنا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل أَنَّهُ سَمِعَ وَهْب بْن مُنَبِّه , قَالَ : هِيَ بَيْت الْمَقْدِس . * - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثَنِيّ ابْن إسْحَاق عَمَّنْ لَا يُتَّهَم أَنَّهُ سَمِعَ وَهْب بْن مُنَبِّه يَقُول ذَلِك . 4607 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ , قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ بَيْت الْمَقْدِس , أَتَى عُزَيْر بَعْدَمَا خَرَّبَهُ بُخْتُنَصَّرَ الْبَابِلِيّ . 4608 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثِنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيه وَهِيَ خَاوِيَة عَلَى عُرُوشهَا } أَنَّهُ مَرَّ عَلَى الْأَرْض الْمُقَدَّسَة . 4609 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثِنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْله : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَة } قَالَ : الْقَرْيَة : بَيْت الْمُقَدَّس , مَرَّ بِهَا عُزَيْر بَعْد إذْ خَرَّبَهَا بُخْتُنَصَّرَ . 4610 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيه } قَالَ : الْقَرْيَة بَيْت الْمَقْدِس , مَرَّ عَلَيْهَا عُزَيْر وَقَدْ خَرَّبَهَا بُخْتُنَصَّرَ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هِيَ الْقَرْيَة الَّتِي كَانَ اللَّه أَهْلَكَ فِيهَا الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَهُمْ أُلُوف حَذَر الْمَوْت , فَقَالَ لَهُمْ اللَّه مُوتُوا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4611 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ وَهُمْ أُلُوف } قَالَ : قَرْيَة كَانَ نَزَلَ بِهَا الطَّاعُون , ثُمَّ اقْتَصَّ قِصَّتهمْ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي مَوْضِعهَا عَنْهُ , إلَى أَنْ بَلَغَ فَقَالَ لَهُمْ اللَّه مُوتُوا فِي الْمَكَان الَّذِي ذَهَبُوا يَبْتَغُونَ فِيهِ الْحَيَاة , فَمَاتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ اللَّه { إنَّ اللَّه لَذُو فَضْل عَلَى النَّاس وَلَكِنَّ أَكْثَر النَّاس لَا يَشْكُرُونَ } . 2 243 قَالَ : وَمَرَّ بِهَا رَجُل وَهِيَ عِظَام تَلُوح , فَوَقَفَ يَنْظُر , فَقَالَ { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا , فَأَمَاتَهُ اللَّه مِائَة عَام ثُمَّ بَعَثَهُ } إلَى قَوْله { لَمْ يَتَسَنَّه } . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِك كَالْقَوْلِ فِي اسْم الْقَائِل : { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا } سَوَاء لَا يَخْتَلِفَانِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَهِيَ خَاوِيَة عَلَى عُرُوشهَا } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَهِيَ خَاوِيه } وَهِيَ خَالِيَة مِنْ أَهْلهَا وَسُكَّانهَا , يُقَال مِنْ ذَلِك : خَوَتْ الدَّار تَخْوِي خُوَاء وَخَوِيًّا , وَقَدْ يُقَال لِلْقَرْيَةِ : خَوِيَتْ , وَالْأَوَّل أَعْرَب وَأَفْصَح . وَأَمَّا فِي الْمَرْأَة إذَا كَانَتْ نُفَسَاء فَإِنَّهُ يُقَال : خَوِيَتْ تَخْوَى خَوًى مَنْقُوصًا , وَقَدْ يُقَال فِيهَا : خَوَتْ تَخْوِي , كَمَا يُقَال فِي الدَّار , وَكَذَلِك خَوِيَ الْجَوْف يَخْوَى خَوَاء شَدِيدًا , وَلَوْ قِيلَ فِي الْجَوْف مَا قِيلَ فِي الدَّار وَفِي الدَّار مَا قِيلَ فِي الْجَوْف كَانَ صَوَابًا , غَيْر أَنَّ الْفَصِيح مَا ذَكَرْت . وَأَمَّا الْعُرُوش : فَإِنَّهَا الْأَبْنِيَة وَالْبُيُوت , وَاحِدهَا عَرْش , وَجَمْع قَلِيله أَعْرُش , وَكُلّ بِنَاء فَإِنَّهُ عَرْش , وَيُقَال : عَرَّشَ فُلَان دَارًا يَعْرِش وَيُعَرِّش , وَعَرَّشَ تَعْرِيشًا , وَمِنْهُ قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ } 7 137 يَعْنِي يَبْنُونَ , وَمِنْهُ قِيلَ عَرِيش مَكّه , يَعْنِي بِهِ : خِيَامهَا وَأَبْنِيَتهَا . وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِك قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك . 4612 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ , قَالَ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ ابْن عَبَّاس : خَاوِيَة : خَرَاب . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : بَلَغَنَا أَنَّ عُزَيْرًا خَرَجَ فَوَقَفَ عَلَى بَيْت الْمَقْدِس وَقَدْ خَرَّبَهُ بُخْتُنَصَّرَ , فَوَقَفَ فَقَالَ : أَبَعْد مَا كَانَ لَك مِنْ الْقُدْس وَالْمُقَاتَلَة وَالْمَال مَا كَانَ ! فَحَزِنَ . 4613 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثِنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَهِيَ خَاوِيَة عَلَى عُرُوشهَا } قَالَ : هِيَ خَرَاب . 4614 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثِنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : مَرَّ عَلَيْهَا عُزَيْر وَقَدْ خَرَّبَهَا بُخْتُنَصَّرَ . 4615 - حُدِّثْت عَنْ مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَهِيَ خَاوِيَة عَلَى عُرُوشهَا } يَقُول : سَاقِطَة عَلَى سَقْفهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا فَأَمَاتَهُ اللَّه مِائَة عَام } وَمَعْنَى ذَلِك فِيمَا ذَكَرْت : أَنَّ قَائِله لَمَّا مَرَّ بِبَيْتِ الْمَقْدِس , أَوْ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي ذَكَرَ اللَّه أَنَّهُ مَرَّ بِهِ خَرَابًا بَعْدَمَا عَهِدَهُ عَامِرًا , قَالَ : { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا لَا } ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ قِيله مَا قَالَ مِنْ ذَلِك شَكًّا فِي قُدْرَة اللَّه عَلَى إحْيَائِهِ . فَأَرَاهُ اللَّه قُدْرَته عَلَى ذَلِك بِضَرْبِهِ الْمَثَل لَهُ فِي نَفْسه , ثُمَّ أَرَاهُ الْمَوْضِع الَّذِي أَنْكَرَ قُدْرَته عَلَى عِمَارَته وَإِحْيَائِهِ , أَحْيَا مَا رَآهُ قَبْل خَرَابه , وَأَعْمَرَ مَا كَانَ قَبْل خَرَابه . وَذَلِكَ أَنَّ قَائِل ذَلِك كَانَ فِيمَا ذُكِرَ لَنَا عَهْده عَامِرًا بِأَهْلِهِ وَسُكَّانه , ثُمَّ رَآهُ خَاوِيًا عَلَى عُرُوشه , قَدْ بَادَ أَهْلُهُ وَشَتَّتَهُمْ الْقَتْلُ وَالسِّبَاء , فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ بِذَلِك الْمَكَان أَحَد , وَخَرِبَتْ مَنَازِلهمْ وَدُورهمْ , فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْأَثَر . فَلَمَّا رَآهُ كَذَلِكَ بَعْد الْحَال الَّتِي عَهِدَهُ عَلَيْهَا , قَالَ : عَلَى أَيّ وَجْه يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد خَرَابهَا فَيُعَمِّرهَا ! اسْتِنْكَارًا فِيمَا قَالَهُ بَعْض أَهْل التَّأْوِيل . فَأَرَاهُ كَيْفِيَّة إحْيَائِهِ ذَلِك بِمَا ضَرَبَهُ لَهُ فِي نَفْسه . وَفِيمَا كَانَ مِنْ شَرَابه وَطَعَامه , ثُمَّ عَرَّفَهُ قُدْرَته عَلَى ذَلِك وَعَلَى غَيْره بِإِظْهَارِهِ إحْيَاء مَا كَانَ عَجِيبًا عِنْده فِي قُدْرَة اللَّه إحْيَاؤُهُ لِرَأْيِ عَيْنه حَتَّى أَبْصَرَهُ بِبَصَرِهِ , فَلَمَّا رَأَى ذَلِك قَالَ : { أَعْلَم أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } . وَكَانَ سَبَب قِيله ذَلِك كَاَلَّذِي : 4616 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَمَّنْ لَا يُتَّهَم , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه الْيَمَانِيّ أَنَّهُ كَانَ يَقُول : قَالَ اللَّه لإرميا حِين بَعَثَهُ نَبِيًّا إلَى بَنِي إسْرَائِيل : يَا إرميا مِنْ قَبْل أَنْ أَخْلُقك اخْتَرْتُك , وَمِنْ قَبْل أَنْ أُصَوِّرك فِي رَحِم أُمّك قَدَّسْتُك , وَمِنْ قَبْل أَنْ أُخْرِجك مِنْ بَطْنهَا طَهَّرْتُك , وَمِنْ قَبْل أَنْ تَبْلُغ السَّعْي نَبَّأْتُك , وَمِنْ قَبْل أَنْ تَبْلُغ الْأَشُدّ اخْتَرْتُك , وَلِأَمْرٍ عَظِيم اجْتَبَيْتُك , فَبَعَثَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره إرميا إلَى مَلِك بَنِي إسْرَائِيل يُسَدِّدهُ وَيُرْشِدهُ , وَيَأْتِيه بِالْبِرِّ مِنْ اللَّه فِيمَا بَيْنه وَبَيْنه ; قَالَ : ثُمَّ عَظُمَتْ الْأَحْدَاث فِي بَنِي إسْرَائِيل , وَرَكِبُوا الْمَعَاصِيَ , وَاسْتَحَلُّوا الْمَحَارِم , وَنَسُوا مَا كَانَ اللَّه صَنَعَ بِهِمْ , وَمَا نَجَّاهُمْ مِنْ عَدُوّهُمْ سنحاريب , فَأَوْحَى اللَّه إلَى إرميا : أَنْ ائْتِ قَوْمك مِنْ بَنِي إسْرَائِيل , فَاقْصُصْ عَلَيْهِمْ مَا آمُرك بِهِ , وَذَكِّرْهُمْ نِعْمَتِي عَلَيْهِمْ وَعَرِّفْهُمْ أَحْدَاثهمْ , ثُمَّ ذَكَرَ مَا أَرْسَلَ اللَّه بِهِ إرميا إلَى قَوْمه مِنْ بَنِي إسْرَائِيل , قَالَ : ثُمَّ أَوْحَى اللَّه إلَى إرميا : إنِّي مُهْلِك بَنِي إسْرَائِيل بيافث , ويافث أَهْل بَابِل , وَهُمْ مِنْ وَلَد يافث بْن نُوحَ ; فَلَمَّا سَمِعَ إرميا وَحْي رَبّه , صَاحَ وَبَكَى وَشَقَّ ثِيَابه , وَنَبَذَ الرَّمَاد عَلَى رَأْسه , فَقَالَ : مَلْعُون يَوْم وُلِدْت فِيهِ , وَيَوْم لَقِيت التَّوْرَاة , وَمِنْ شَرّ أَيَّامِي يَوْم وُلِدْت فِيهِ , فَمَا أَبْقَيْت آخِر الْأَنْبِيَاء إلَّا لِمَا هُوَ شَرّ عَلَيَّ , لَوْ أَرَادَ بِي خَيْرًا مَا جَعَلَنِي آخِر الْأَنْبِيَاء مِنْ بَنِي إسْرَائِيل , فَمِنْ أَجْلِي تُصِيبهُمْ الشِّقْوَة وَالْهَلَاك ; فَلَمَّا سَمِعَ اللَّه تَضَرُّع الْخَضِر وَبُكَاءَهُ وَكَيْف يَقُول : نَادَاهُ : إرميا أَشَقَّ عَلَيْك مَا أَوْحَيْت إلَيْك ؟ قَالَ : نَعَمْ يَا رَبّ أَهْلَكَنِي فِي بَنِي إسْرَائِيل مَا لَا أُسَرّ بِهِ , فَقَالَ اللَّه : وَعِزَّتِي الْعَزِيزَة لَا أُهْلِك بَيْت الْمَقْدِس وَبَنِي إسْرَائِيل حَتَّى يَكُون الْأَمْر مِنْ قِبَلك فِي ذَلِك , فَفَرِحَ عِنْد ذَلِك إرميا لَمَّا قَالَ لَهُ رَبّه , وَطَابَتْ نَفْسه , وَقَالَ : لَا وَاَلَّذِي بَعَثَ مُوسَى وَأَنْبِيَاءَهُ بِالْحَقِّ , لَا آمُر رَبِّي بِهَلَاكِ بَنِي إسْرَائِيل أَبَدًا , ثُمَّ أَتَى مَلِك بَنِي إسْرَائِيل , وَأَخْبَرَهُ بِمَا أَوْحَى اللَّه إلَيْهِ , فَفَرِحَ وَاسْتَبْشَرَ , وَقَالَ : إنْ يُعَذِّبنَا رَبّنَا فَبِذُنُوبٍ كَثِيرَة قَدَّمْنَاهَا لِأَنْفُسِنَا , وَإِنْ عَفَا عَنَّا فَبِقُدْرَتِهِ ; ثُمَّ إنَّهُمْ لَبِثُوا بَعْد هَذَا الْوَحْي ثَلَاث سِنِينَ لَمْ يَزْدَادُوا إلَّا مَعْصِيَة , وَتَمَادَوْا فِي الشَّرّ , وَذَلِك حِين اقْتَرَبَ هَلَاكهمْ , فَقَلَّ الْوَحْي , حَتَّى لَمْ يَكُونُوا يَتَذَكَّرُونَ الْآخِرَة , وَأَمْسَكَ عَنْهُمْ حِين أَلَّهَتْهُمْ الدُّنْيَا وَشَأْنهَا , فَقَالَ مَلِكهمْ : يَا بَنِي إسْرَائِيل انْتَهُوا عَمَّا أَنْتُمْ عَلَيْهِ قَبْل أَنْ يَمَسّكُمْ بَأْس مِنْ اللَّه , وَقَبْل أَنْ يُبْعَث عَلَيْكُمْ مُلُوك لَا رَحْمَة لَهُمْ بِكَمْ , فَإِنَّ رَبّكُمْ قَرِيب التَّوْبَة , مَبْسُوط الْيَدَيْنِ بِالْخَيْرِ , رَحِيم مَنْ تَابَ إلَيْهِ , فَأَبَوْا عَلَيْهِ أَنْ يَنْزِعُوا عَنْ شَيْء مِمَّا هُمْ عَلَيْهِ , وَإِنَّ اللَّه أَلْقَى فِي قَلْب بَخْتِنْصَر بْن نَعُون بْن زَادَان أَنْ يَسِير إلَى بَيْت الْمَقْدِس , ثُمَّ يَفْعَل فِيهِ مَا كَانَ جَدّه سنحاريب أَرَادَ أَنْ يَفْعَلهُ , فَخَرَجَ فِي سِتّمِائَةِ أَلْف رَايَة يُرِيد أَهْل بَيْت الْمَقْدِس ; فَلَمَّا فَصَلَ سَائِرًا أَتَى مَلِك بَنِي إسْرَائِيل الْخَبَر أَنَّ بَخْتِنْصَر أَقْبَلَ هُوَ وَجُنُوده يُرِيدكُمْ , فَأَرْسَلَ الْمَلِك إلَى إرميا , فَجَاءَهُ فَقَالَ : يَا إرميا أَيْنَ مَا زَعَمْت لَنَا أَنَّ رَبّنَا أَوْحَى إلَيْك أَنْ لَا يُهْلِك أَهْل بَيْت الْمَقْدِس حَتَّى يَكُون مِنْك الْأَمْر فِي ذَلِك , فَقَالَ إرميا لِلْمَلِكِ : إنَّ رَبِّي لَا يُخْلِف الْمِيعَاد , وَأَنَا بِهِ وَاثِق ; فَلَمَّا اقْتَرَبَ الْأَجَل , وَدَنَا انْقِطَاع مُلْكهمْ , وَعَزَمَ اللَّه عَلَى هَلَاكهمْ , بَعَثَ اللَّه مَلِكًا مِنْ عِنْده , فَقَالَ لَهُ : اذْهَبْ إلَى إرميا فَاسْتَفْتِهِ , وَأَمَرَهُ بِاَلَّذِي يَسْتَفْتِيه فِيهِ , فَأَقْبَلَ الْمَلِك إلَى إرميا , وَقَدْ تَمَثَّلَ لَهُ رَجُلًا مِنْ بَنِي إسْرَائِيل , فَقَالَ لَهُ إرميا : مَنْ أَنْت ؟ قَالَ : رَجُل مِنْ بَنِي إسْرَائِيل أَسْتَفْتِيك فِي بَعْض أَمْرِي , فَأَذِنَ لَهُ , فَقَالَ الْمَلِك : يَا نَبِيّ اللَّه أَتَيْتُك أَسْتَفْتِيك فِي أَهْل رَحِمِي , وَصَلْت أَرْحَامهمْ بِمَا أَمَرَنِي اللَّه بِهِ , لَمْ آتِ إلَيْهِمْ إلَّا حَسَنًا , وَلَمْ آلِهِمْ كَرَامَة , فَلَا تَزِيدهُمْ كَرَامَتِي إيَّاهُمْ إلَّا إسْخَاطًا لِي , فَأَفْتِنِي فِيهِمْ يَا نَبِيّ اللَّه , فَقَالَ لَهُ : أَحْسِنْ فِيمَا بَيْنك وَبَيْن اللَّه , وَصِلْ مَا أَمَرَك اللَّه بِهِ أَنْ تَصِل , وَأَبْشِرْ بِخَيْرٍ , فَانْصَرَفَ عَنْهُ الْمَلِك ; فَمَكَثَ أَيَّامًا ثُمَّ أَقَبْل إلَيْهِ فِي صُورَة ذَلِك الرَّجُل الَّذِي جَاءَهُ , فَقَعَدَ بَيْن يَدَيْهِ , فَقَالَ لَهُ إرميا : مَنْ أَنْت ؟ قَالَ : أَنَا الرَّجُل الَّذِي أَتَيْتُك فِي شَأْن أَهْلِي , فَقَالَ لَهُ نَبِيّ اللَّه , أَوَمَا طَهَّرْت لَك أَخْلَاقهمْ بَعْد , وَلَمْ تَرَ مِنْهُمْ الَّذِي تُحِبّ , فَقَالَ : يَا نَبِيّ اللَّه , وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ مَا أَعْلَم كَرَامَة يَأْتِيهَا أَحَد مِنْ النَّاس إلَى أَهْل رَحِمه إلَّا وَقَدْ أَتَيْتهَا إلَيْهِمْ وَأَفْضَل مِنْ ذَلِك , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ارْجِعْ إلَى أَهْلك فَأَحْسِنْ إلَيْهِمْ , أَسْأَل اللَّه الَّذِي يُصْلِح عِبَاده الصَّالِحِينَ أَنْ يُصْلِح ذَات بَيْنكُمْ , وَأَنْ يَجْمَعكُمْ عَلَى مَرْضَاته , وَيُجَنِّبكُمْ سَخَطه , فَقَالَ الْمَلِك مِنْ عِنْده , فَلَبِثَ أَيَّامًا , وَقَدْ نَزَلَ بَخْتِنْصَر بِجُنُودِهِ حَوْل بَيْت الْمَقْدِس أَكْثَر مِنْ الْجَرَاد , فَفَزِعَ بَنُو إسْرَائِيل فَزَعًا شَدِيدًا , وَشَقَّ ذَلِك عَلَى مُلْك بَنِي إسْرَائِيل , فَدَعَا إرميا , فَقَالَ : يَا نَبِيّ اللَّه , أَيْنَ مَا وَعَدَك اللَّه , إنِّي بِرَبِّي وَاثِق , ثُمَّ إنَّ الْمَلِك أَقْبَلَ إلَى إرميا وَهُوَ قَاعِد عَلَى جِدَار بَيْت الْمَقْدِس يَضْحَك وَيَسْتَبْشِر بِنَصْرِ رَبّه الَّذِي وَعَدَهُ , فَقَعَدَ بَيْن يَدَيْهِ , فَقَالَ لَهُ إرميا : مَنْ أَنْت ؟ قَالَ : أَنَا الَّذِي كُنْت اسْتَفْتَيْتُك فِي شَأْن أَهْلِي مَرَّتَيْنِ , فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَوَلَمْ يَأْنِ لَهُمْ أَنْ يُفِيقُوا مِنْ الَّذِي هُمْ فِيهِ ؟ فَقَالَ الْمَلِك : يَا نَبِيّ اللَّه كُلّ شَيْء كَانَ يُصِيبنِي مِنْهُمْ قَبْل الْيَوْم كُنْت أَصْبِر عَلَيْهِ , وَأَعْلَم أَنَّمَا قَصْدهمْ فِي ذَلِك سَخَطِي , فَلَمَّا أَتَيْتهمْ الْيَوْم رَأَيْتهمْ فِي عَمَل لَا يُرْضِي اللَّه , وَلَا يُحِبّهُ اللَّه , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَلَى أَيّ عَمَل رَأَيْتهمْ ؟ قَالَ : يَا نَبِيّ اللَّه رَأَيْتهمْ عَلَى عَمَل عَظِيم مِنْ سَخَط اللَّه , وَلَوْ كَانُوا عَلَى مِثْل مَا كَانُوا عَلَيْهِ قَبْل الْيَوْم لَمْ يَشْتَدّ عَلَيْهِمْ غَضَبِي , وَصَبَرْت لَهُمْ وَرَجَوْتهمْ , وَلَكِنْ غَضِبْت الْيَوْم لِلَّهِ وَلَك , فَأَتَيْتُك لِأُخْبِرك خَبَرهمْ , وَإِنِّي أَسَأَلَك بِاَللَّهِ الَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ إلَّا مَا دَعَوْت عَلَيْهِمْ رَبّك أَنْ يُهْلِكهُمْ , فَقَالَ إرميا : يَا مَالِك السَّمَوَات وَالْأَرْض , إنْ كَانُوا عَلَى حَقّ وَصَوَاب فَأَبْقِهِمْ , وَإِنْ كَانُوا عَلَى سَخَطك وَعَمَل لَا تَرْضَاهُ , فَأَهْلِكْهُمْ ; فَلَمَّا خَرَجَتْ الْكَلِمَة مِنْ فِي إرميا أَرْسَلَ اللَّه صَاعِقَة مِنْ السَّمَاء فِي بَيْت الْمَقْدِس , فَالْتَهَبَ مَكَان الْقُرْبَانِ وَخَسَفَ بِسَبْعَةِ أَبْوَاب مِنْ أَبْوَابهَا ; فَلَمَّا رَأَى ذَلِك إرميا صَاحَ وَشَقَّ ثِيَابه , وَنَبَذَ الرَّمَاد عَلَى رَأْسه , فَقَالَ يَا مَلِك السَّمَاء , وَيَا أَرْحَم الرَّاحِمِينَ أَيْنَ مِيعَادك الَّذِي وَعَدْتنِي ؟ فَنُودِيَ إرميا إنَّهُ لَمْ يُصِبْهُمْ الَّذِي أَصَابَهُمْ إلَّا بِفُتْيَاك الَّتِي أَفْتَيْت بِهَا رَسُولنَا , فَاسْتَيْقَنَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا فُتْيَاهُ الَّتِي أَفَتَى بِهَا ثَلَاث مَرَّات , وَأَنَّهُ رَسُول رَبّه , فَطَارَ إرميا حَتَّى خَالَطَ الْوُحُوش , وَدَخَلَ بَخْتِنْصَر وَجُنُوده بَيْت الْمَقْدِس , فَوَطِئَ الشَّام وَقَتَلَ بَنِي إسْرَائِيل حَتَّى أَفْنَاهُمْ , وَخَرَّبَ بَيْت الْمَقْدِس , ثُمَّ أَمَرَ جُنُوده أَنْ يَمْلَأ كُلّ رَجُل مِنْهُمْ تُرْسه تُرَابًا ثُمَّ يَقْذِفهُ فِي بَيْت الْمَقْدِس , فَقَذَفُوا فِيهِ التُّرَاب حَتَّى مَلَئُوهُ , ثُمَّ انْصَرَفَ رَاجِعًا إلَى أَرْض بَابِل , وَاحْتَمَلَ مَعَهُ سَبَايَا بَنِي إسْرَائِيل , وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْمَعُوا مَنْ كَانَ فِي بَيْت الْمَقْدِس كُلّهمْ , فَاجْتَمَعَ عِنْده كُلّ صَغِير وَكَبِير مِنْ بَنِي إسْرَائِيل , فَاخْتَارَ مِنْهُمْ تِسْعِينَ أَلْف صَبِيّ ; فَلَمَّا خَرَجَتْ غَنَائِم جُنْده , وَأَرَادَ أَنْ يُقَسِّمهُمْ فِيهِمْ , قَالَتْ لَهُ الْمُلُوك الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ : أَيّهَا الْمَلِك , لَك غَنَائِمنَا كُلّهَا , وَاقْسِمْ بَيْننَا هَؤُلَاءِ الصِّبْيَان الَّذِينَ اخْتَرْتهمْ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل , فَفَعَلَ , فَأَصَابَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ أَرْبَعَة غِلْمَة , وَكَانَ مِنْ أُولَئِكَ الْغِلْمَان : دَانْيَال , وعزاريا , وَمَسَايِل , وحنانيا . وَجَعَلَهُمْ بَخْتِنْصَر ثَلَاث فِرَق : فَثُلُثًا أَقَرَّ بِالشَّامِ , وَثُلُثًا سَبَى , وَثُلُثًا قَتَلَ , وَذَهَبَ بِأَسْبِيَةِ بَيْت الْمَقْدِس حَتَّى أَقْدَمَهَا بَابِل وَبِالصِّبْيَانِ التِّسْعِينَ الْأَلْف حَتَّى أَقْدَمَهُمْ بَابِل , فَكَانَتْ هَذِهِ الْوَاقِعَة الْأُولَى الَّتِي ذَكَّرَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره نَبِيّ اللَّه بِأَحْدَاثِهِمْ وَظُلْمهمْ , فَلَمَّا وَلَّى بُخْتُنَصَّرَ عَنْهُ رَاجِعًا إلَى بَابِل بِمَنْ مَعَهُ مِنْ سَبَايَا بَنِي إسْرَائِيل , أَقْبَلَ إرميا عَلَى حِمَار لَهُ مَعَهُ عَصِير مِنْ عِنَب فِي زكرة وَسَلَّة تِين , حَتَّى أَتَى إيلِيَا , فَلَمَّا وَقَفَ عَلَيْهَا , وَرَأَى مَا بِهَا مِنْ الْخَرَاب دَخَلَهُ شَكّ , فَقَالَ : { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا فَأَمَاتَهُ اللَّه مِائَة عَام } وَحِمَاره وَعَصِيره وَسَلَّة تِينه عِنْده حَيْثُ أَمَاتَهُ اللَّه , وَمَاتَ حِمَاره مَعَهُ , فَأَعْمَى اللَّه عَنْهُ الْعُيُون , فَلَمْ يَرَهُ أَحَد , ثُمَّ بَعَثَهُ اللَّه تَعَالَى , فَقَالَ لَهُ : { كَمْ لَبِثْت قَالَ لَبِثْت يَوْمًا أَوْ بَعْض يَوْم قَالَ بَلْ لَبِثْت مِائَة عَام فَانْظُرْ إلَى طَعَامك وَشَرَابك لَمْ يَتَسَنَّه } يَقُول : لَمْ يَتَغَيَّر { وَانْظُرْ إلَى حِمَارك وَلِنَجْعَلك آيَة لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إلَى الْعِظَام كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا } فَنَظَرَ إلَى حِمَاره يَتَّصِل بَعْضه إلَى بَعْض , وَقَدْ مَاتَ مَعَهُ بِالْعُرُوقِ وَالْعَصَب , ثُمَّ كَيْفَ كُسِيَ ذَلِك مِنْهُ اللَّحْم , حَتَّى اسْتَوَى , ثُمَّ جَرَى فِيهِ الرُّوح , فَقَامَ يَنْهَق , وَنَظَرَ إلَى عَصِيره وَتِينه , فَإِذَا هُوَ عَلَى هَيْئَته حِين وَضَعَهُ لَمْ يَتَغَيَّر . فَلَمَّا عَايَنَ مِنْ قُدْرَة اللَّه مَا عَايَنَ قَالَ : أَعْلَم أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير , ثُمَّ عَمَّرَ اللَّه إرميا بَعْد ذَلِك , فَهُوَ الَّذِي يَرَى بِفَلَوَاتِ الْأَرْض وَالْبُلْدَان . 4617 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَسْكَر وَابْن زَنْجُوَيْهِ , قَالَا : ثنا إسْمَاعِيل بْن عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : ثني عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل أَنَّهُ سَمِعَ وَهْب بْن مُنَبِّه يَقُول : أَوْحَى اللَّه إلَى إرميا وَهُوَ بِأَرْضِ مِصْر أَنَّ الْحَقّ بِأَرْضِ إيلِيَا , فَإِنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ لَك بِأَرْضِ مُقَام , فَرَكِبَ حِمَاره , حَتَّى إذَا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيق , وَمَعَهُ سَلَّة مِنْ عِنَب وَتِين , وَكَانَ مَعَهُ سِقَاء حَدِيد , فَمَلَأَهُ مَاء , فَلَمَّا بَدَا لَهُ شَخْص بَيْت الْمَقْدِس وَمَا حَوْله مِنْ الْقُرَى وَالْمَسَاجِد , وَنَظَرَ إلَى خَرَاب لَا يُوصَف , وَرَأَى هَدْم بَيْت الْمَقْدِس كَالْجَبَلِ الْعَظِيم , قَالَ : { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا } وَسَارَ حَتَّى تَبَوَّأَ مِنْهَا مَنْزِلًا , فَرَبَطَ حِمَاره بِحَبْلٍ جَدِيد . وَعَلَّقَ سِقَاءَهُ , وَأَلْقَى اللَّه عَلَيْهِ السُّبَات ; فَلَمَّا نَامَ نَزَعَ اللَّه رُوحه مِائَة عَام ; فَلَمَّا مَرَّتْ مِنْ الْمِائَة سَبْعُونَ عَامًا , أَرْسَلَ اللَّه مَلِكًا إلَى مَلِك مِنْ مُلُوك فَارِس عَظِيم يُقَال لَهُ يوسك , فَقَالَ : إنَّ اللَّه يَأْمُرك أَنَّ تَنْفِر بِقَوْمِك فَتَعْمُر بَيْت الْمَقْدِس وَإِيلِيَاء وَأَرْضهَا , حَتَّى تَعُود أَعْمَرَ مَا كَانَتْ , فَقَالَ الْمَلِك : أَنْظِرْنِي ثَلَاثه أَيَّام حَتَّى أَتَأَهَّب لِهَذَا الْعَمَل وَلِمَا يُصْلِحهُ مِنْ أَدَاء الْعَمَل , فَأَنْظَرَهُ ثَلَاثَة أَيَّام , فَانْتَدَبَ ثَلَاثمِائَةِ قَهْرَمَان , وَدَفَعَ إلَى كُلّ قَهْرَمَان أَلْف عَامِل , وَمَا يُصْلِحهُ مِنْ أَدَاة الْعَمَل , فَسَارَ إلَيْهَا قَهَارِمَته , وَمَعَهُمْ ثَلَاثمِائَةِ أَلْف عَامِل ; فَلَمَّا وَقَعُوا فِي الْعَمَل رَدَّ اللَّه رُوح الْحَيَاة فِي عَيْن إرميا , وَأَخَّرَ جَسَده مَيِّتًا , فَنَظَرَ إلَى إيلِيَا وَمَا حَوْلهَا مِنْ الْقُرَى وَالْمَسَاجِد وَالْأَنْهَار وَالْحُرُوث تَعْمَل وَتُعَمِّر وَتُجَدِّد , حَتَّى صَارَتْ كَمَا كَانَتْ . وَبَعْد ثَلَاثِينَ سَنَة تَمَام الْمَائِه , رَدَّ إلَيْهِ الرُّوح , فَنَظَرَ إلَى طَعَامه وَشَرَابه لَمْ يَتَسَنَّه , وَنَظَرَ إلَى حِمَاره وَاقِفًا كَهَيْئَتِهِ يَوْم رَبَطَهُ لَمْ يَطْعَم وَلَمْ يَشْرَب , وَنَظَرَ إلَى الرِّمَّة فِي عُنُق الْحِمَار لَمْ تَتَغَيَّر جَدِيدَةً , وَقَدْ أَتَى عَلَى ذَلِك رِيح مِائَة عَام وَبَرْد مِائَة عَام وَحَرّ مِائَة عَام , لَمْ تَتَغَيَّر وَلَمْ تُنْتَقَض شَيْئًا , وَقَدْ نَحَلَ جِسْم إرميا مِنْ الْبِلَى , فَأَنْبَتَ اللَّه لَهُ لَحْمًا جَدِيدًا , وَنَشَزَ عِظَامه وَهُوَ يَنْظُر , فَقَالَ لَهُ اللَّه : { اُنْظُرْ إلَى طَعَامك وَشَرَابك لَمْ يَتَسَنَّه وَانْظُرْ إلَى حِمَارك وَلِنَجْعَلك آيَة لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إلَى الْعِظَام كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَم أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } . 4618 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل أَنَّهُ سَمِعَ وَهْب بْن مُنَبِّه يَقُول فِي قَوْله : { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا } إنَّ إرميا لَمَّا خَرِبَ بَيْت الْمَقْدِس وَحُرِّقَتْ الْكُتُب , وَقَفَ فِي نَاحِيَة الْجَبَل , فَقَالَ : { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا فَأَمَاتَهُ اللَّه مِائَة عَام } ثُمَّ رَدَّ اللَّه مَنْ رَدَّ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل عَلَى رَأْس سَبْعِينَ سَنَة مِنْ حِين أَمَاتَهُ يَعْمُرُونَهَا ثَلَاثِينَ سَنَة تَمَام الْمِائَة ; فَلَمَّا ذَهَبَتْ الْمِائَة رَدَّ اللَّه رُوحه وَقَدْ عَمُرَتْ عَلَى حَالهَا الْأُولَى , فَجَعَلَ يَنْظُر إلَى الْعِظَام كَيْفَ تَلْتَام بَعْضهَا إلَى بَعْض , ثُمَّ نَظَرَ إلَى الْعِظَام كَيْفَ تُكْسَى عَصَبًا وَلَحْمًا . { فَلَمَّا تَبَيَّنَ } لَهُ ذَلِك { قَالَ أَعْلَم أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } فَقَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { اُنْظُرْ إلَى طَعَامك وَشَرَابك لَمْ يَتَسَنَّه } قَالَ : فَكَانَ طَعَامه تِينًا فِي مِكْتَل , وَقُلَّة فِيهَا مَاء . 4619 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيه وَهِيَ خَاوِيه عَلَى عُرُوشهَا } وَذَلِك أَنَّ عُزَيْرًا مَرَّ جَائِيًا مِنْ الشَّام عَلَى حِمَار لَهُ مَعَهُ عَصِير وَعِنَب وَتِين ; فَلَمَّا مَرَّ بِالْقَرْيَةِ فَرَآهَا , وَقَفَ عَلَيْهَا وَقَلَّبَ يَده وَقَالَ : كَيْفَ يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا ؟ لَيْسَ تَكْذِيبًا مِنْهُ وَشَكًّا . فَأَمَاتَهُ اللَّه وَأَمَاتَ حِمَاره , فَهَلَكَا وَمَرَّ عَلَيْهِمَا مِائَة سَنَة . ثُمَّ إنَّ اللَّه أَحْيَا عُزَيْرًا فَقَالَ لَهُ : كَمْ لَبِثْت ؟ قَالَ لَهُ : لَبِثْت يَوْمًا أَوْ بَعْض . قِيلَ لَهُ : بَلْ لَبِثْت مِائَة عَام , فَانْظُرْ إلَى طَعَامك مِنْ التِّين وَالْعِنَب , وَشَرَابك مِنْ الْعَصِير { لَمْ يُتَسَنَّه } . الْآيَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْت قَالَ لَبِثْت يَوْمًا أَوْ بَعْض يَوْم قَالَ بَلْ مِائَة عَام } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { ثُمَّ بَعَثَهُ } ثُمَّ أَثَارَهُ حَيًّا مِنْ بَعْد مَمَاته . وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى مَعْنَى الْبَعْث فِيمَا مَضَى قَبْل . وَأَمَّا مَعْنَى قَوْله : { كَمْ لَبِثْت } فَإِنَّ كَمْ اسْتِفْهَام فِي كَلَام الْعَرَب عَنْ مَبْلَغ الْعَدَد , وَهُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِع نُصِبَ ب " لَبِثْت " , وَتَأْوِيله : قَالَ اللَّه لَهُ : كَمْ قَدْر الزَّمَان الَّذِي لَبِثْت مَيِّتًا قَبْل . أَنْ أَبْعَثك مِنْ مَمَاتك حَيًّا ؟ قَالَ الْمَبْعُوث بَعْد مَمَاته : لَبِثْت مَيِّتًا إلَى أَنْ بَعَثْتنِي حَيًّا يَوْمًا وَاحِدًا أَوْ بَعْض يَوْم . وَذَكَرَ أَنَّ الْمَبْعُوث هُوَ إرميا أَوْ عُزَيْر , أَوْ مَنْ كَانَ مِمَّنْ أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُ هَذَا الْخَبَر . وَإِنَّمَا قَالَ : { لَبِثْت يَوْمًا أَوْ بَعْض يَوْم } لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره كَانَ قَبَضَ رُوحه أَوَّل النَّهَار , ثُمَّ رَدَّ رُوحه آخِر النَّهَار بَعْد الْمِائَة عَام فَقِيلَ لَهُ : كَمْ لَبِثْت ؟ قَالَ : لَبِثْت يَوْمًا ; وَهُوَ يَرَى أَنَّ الشَّمْس قَدْ غَرَبَتْ فَكَانَ ذَلِك عِنْده يَوْمًا لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ قَبَضَ رُوحه أَوَّل النَّهَار وَسُئِلَ عَنْ مِقْدَار لُبْثه مَيِّتًا آخِر النَّهَار وَهُوَ يَرَى أَنَّ الشَّمْس قَدْ غَرَبَتْ , فَقَالَ : لَبِثْت يَوْمًا , ثُمَّ رَأَى بَقِيَّة مِنْ الشَّمْس قَدْ بَقِيَتْ لَمْ تَغْرُب , فَقَالَ : أَوْ بَعْض يَوْم , بِمَعْنَى : بَلْ بَعْض يَوْم , كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْره : { وَأَرْسَلْنَاهُ إلَى مِائَة أَلْف أَوْ يَزِيدُونَ } 37 147 بِمَعْنَى : بَلْ يَزِيدُونَ . فَكَانَ قَوْله : { أَوْ بَعْض يَوْم } رُجُوعًا مِنْهُ عَنْ قَوْله : { لَبِثْت يَوْمًا } . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِك قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4620 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثِنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْت قَالَ لَبِثْت يَوْمًا أَوْ بَعْض يَوْم } قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ مَاتَ ضُحًى , ثُمَّ بَعَثَهُ قَبْل غَيْبُوبَة الشَّمْس , فَقَالَ : لَبِثْت يَوْمًا . ثُمَّ الْتَفَتَ فَرَأَى بَقِيَّة مِنْ الشَّمْس , فَقَالَ : أَوْ بَعْض يَوْم . فَقَالَ : بَلْ لَبِثْت مِائَة عَام . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ : { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا } قَالَ : مَرَّ عَلَى قَرْيَة فَتَعَجَّبَ , فَقَالَ : أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا ! فَأَمَاتَهُ اللَّه أَوَّل النَّهَار , فَلَبِثَ مِائَة عَام , ثُمَّ بَعَثَهُ فِي آخِر النَّهَار , فَقَالَ : كَمْ لَبِثْت ؟ قَالَ : لَبِثْت يَوْمًا أَوْ بَعْض يَوْم , قَالَ : بَلْ لَبِثْت مِائَة عَام . 4621 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : قَالَ الرَّبِيع : أَمَاتَهُ اللَّه مِائَة عَام , ثُمَّ بَعَثَهُ , قَالَ : كَمْ لَبِثْت ؟ قَالَ : لَبِثْت يَوْمًا أَوْ بَعْض يَوْم . قَالَ : بَلْ لَبِثْت مِائَة عَام . 4622 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ , ثَنِيّ حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : لَمَّا وَقَفَ عَلَى بَيْت الْمَقْدِس وَقَدْ خَرَّبَهُ بُخْتُنَصَّرَ , قَالَ : أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا ! كَيْفَ يُعِيدهَا كَمَا كَانَتْ ؟ فَأَمَاتَهُ اللَّه . قَالَ : وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ مَاتَ ضُحًى , وَبُعِثَ قَبْل غُرُوب الشَّمْس بَعْد مِائَة عَام , فَقَالَ : كَمْ لَبِثْت ؟ قَالَ : يَوْمًا . فَلَمَّا رَأَى الشَّمْس , قَالَ : أَوْ بَعْض يَوْم .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَانْطُرْ إلَى طَعَامك وَشَرَابك لَمْ يَتَسَنَّه } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { فَانْطُرْ إلَى طَعَامك وَشَرَابك لَمْ يَتَسَنَّه } لَمْ تُغَيِّرهُ السُّنُونَ الَّتِي أَتَتْ عَلَيْهِ . وَكَانَ طَعَامه فِيمَا ذَكَرَ بَعْضهمْ سَلَّة تِين وَعِنَب وَشَرَابه قُلَّة مَاء . وَقَالَ بَعْضهمْ : بَلْ كَانَ طَعَامه سَلَّة عِنَب وَسَلَّة تِين وَشَرَابه زِقّ مِنْ عَصِير . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَ طَعَامه سَلَّة تِين , وَشَرَابه دَنّ خَمْر أَوْ زُكْرَة خَمْر . وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا مَضَى قَوْل بَعْضهمْ فِي ذَلِك وَنَذْكُر مَا فِيهِ فِيمَا يُسْتَقْبَل إنْ شَاءَ اللَّه . وَأَمَّا قَوْله { لَمْ يَتَسَنَّه } فَفِيهِ وَجْهَانِ مِنْ الْقِرَاءَة : أَحَدهمَا : " لَمْ يَتَسَنَّ " بِحَذْفِ الْهَاء فِي الْوَصْل وَإِثْبَاتهَا فِي الْوَقْف . وَمَنْ قَرَأَهُ كَذَلِك فَإِنَّهُ يَجْعَل الْهَاء فِي يَتَسَنَّه زَائِدَة صِلَة كَقَوْلِهِ : { فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ } 6 90 وَجَعَلَ فَعَلْت مِنْهُ : تَسَنَّيْت تَسَنِّيًا , وَاعْتُلَّ فِي ذَلِك بِأَنَّ السِّنَة تُجْمَع سَنَوَات , فَيَكُون تَفَعَّلْت عَلَى نَهْجه . وَمَنْ قَالَ فِي السَّنَه سُنَيْنَة فَجَائِز عَلَى ذَلِك وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا أَنْ يَكُون تَسَنَّنْت تَفَعَّلْت , أَبْدَلْت النُّون يَاء لَمَّا كَثُرَتْ النُّونَات كَمَا قَالُوا : تَظَنَّيْت وَأَصْله الظَّنّ ; وَقَدْ قَالَ قَوْم . هُوَ مَأْخُوذ مِنْ قَوْله : { مِنْ حَمَإٍ مَسْنُون } 15 26 وَهُوَ الْمُتَغَيِّر . وَذَلِك أَيْضًا إذَا كَانَ كَذَلِك , فَهُوَ أَيْضًا مِمَّا بُدِّلَتْ نُونه يَاء , وَهُوَ قِرَاءَة عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة . وَالْآخَر مِنْهُمَا : إثْبَات الْهَاء فِي الْوَصْل وَالْوَقْف , وَمَنْ قَرَأَهُ كَذَلِك فَإِنَّهُ يَجْعَل الْهَاء فِي يَتَسَنَّه لَامَ الْفِعْل وَيَحْمِلهَا مَجْزُومَة بِلَمْ , وَيَحْصُل فَعَلْت مِنْهُ تَسَنَّهْت , وَيَفْعَل : أَتَسَنَّهُ تَسَنُّهًا , وَقَالَ فِي تَصْغِير السَّنَه : سُنَيْهَة , وَمِنْهُ : أَسْنَهْت عِنْد الْقَوْم , وَتَسَنَّهْت عِنْدهمْ : إذَا أَقَمْت سَنَة , هَذِهِ قِرَاءَة عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْحِجَاز . وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة عِنْدِي فِي ذَلِك , إثْبَات الْهَاء فِي الْوَصْل وَالْوَقْف , لِأَنَّهَا مُثْبَتَة فِي مُصْحَف الْمُسْلِمِينَ , وَلِإِثْبَاتِهَا وَجْه صَحِيح فِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ فِي ذَلِك . وَمَعْنَى قَوْله : { لَمْ يَتَسَنَّه } لَمْ يَأْتِ عَلَيْهِ السُّنُونَ فَيَتَغَيَّر , عَلَى لُغَة مَنْ قَالَ : أَسْنَهْت عِنْدكُمْ أَسْنه : إذَا أَقَامَ سَنَة , وَكَمَا قَالَ الشَّاعِر : وَلَيْسَتْ بِسَنْهَاءٍ وَلَا رُجَبِّيَّةٍ وَلَكِنْ عَرَايَا فِي السِّنِينَ الْجَوَائِح فَجَعَلَ الْهَاء فِي السَّنَة أَصَلَا , وَهِيَ اللُّغَة الْفُصْحَى , وَغَيْر جَائِز حَذْف حَرْف مِنْ كِتَاب اللَّه فِي حَال وَقْف أَوْ وَصْل لِإِثْبَاتِهِ وَجْه مَعْرُوف فِي كَلَامهَا . فَإِنْ اعْتَلَّ مُعْتَلّ بِأَنَّ الْمُصْحَف قَدْ أُلْحِقَتْ فِيهِ حُرُوف هُنَّ زَوَائِد عَلَى نِيَّة الْوَقْف , وَالْوَجْه فِي الْأَصْل عِنْد الْقِرَاءَة حَذْفهنَّ , وَذَلِك كَقَوْلِهِ : { فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ } 6 90 وَقَوْله : { يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ } 69 25 فَإِنَّ ذَلِك هُوَ مِمَّا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَكّ أَنَّهُ مِنْ الزَّوَائِد , وَأَنَّهُ أُلْحِقَ عَلَى نِيَّة الْوَقْف . فَأَمَّا مَا كَانَ مُحْتَمِلًا أَنْ يَكُون أَصْلًا لِلْحَرْفِ غَيْر زَائِد فَغَيْر جَائِز , وَهُوَ فِي مُصْحَف الْمُسْلِمِينَ مُثْبَت صَرْفه إلَى أَنَّهُ مِنْ الزَّوَائِد وَالصِّلَات . عَلَى أَنَّ ذَلِك وَإِنْ كَانَ زَائِدًا فِيمَا لَا شَكَّ أَنَّهُ مِنْ الزَّوَائِد , فَإِنَّ الْعَرَب قَدْ تَصِل الْكَلَام بِزَائِدٍ , فَتَنْطِق بِهِ عَلَى نَحْو مَنْطِقهَا بِهِ فِي حَال الْقَطْع , فَيَكُون وَصْلهَا إيَّاهُ وَقَطْعهَا سَوَاء . وَذَلِكَ مِنْ فِعْلهَا دِلَالَة عَلَى صِحَّة قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ جَمِيع ذَلِك بِإِثْبَاتِ الْهَاء فِي الْوَصْل وَالْوَقْف , غَيْر أَنَّ ذَلِك وَإِنْ كَانَ كَذَلِك فَلِقَوْلِهِ : { لَمْ يَتَسَنَّه } حُكْم مُفَارِق حُكْم مَا كَانَ هَاؤُهُ زَائِدًا لَا شَكَّ فِي زِيَادَته فِيهِ . وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا , مِنْ أَنَّ الْهَاء فِي يَتَسَنَّه مِنْ لُغَة مَنْ قَالَ : " قَدْ أَسْنَهْت " و " الْمُسَانَهَة " , مَا : 4623 - حُدِّثْت بِهِ عَنْ الْقَاسِم بْن سَلَام , قَالَ : ثنا ابْن مَهْدِيّ , عَنْ أَبِي الْجَرَّاح , عَنْ سُلَيْمَان بْن عُمَيْر , قَالَ : ثَنِيّ هَانِئ مَوْلَى عُثْمَان , قَالَ : كُنْت الرَّسُول بَيْن عُثْمَان وَزَيْد بْن ثَابِت , فَقَالَ زَيْد : سَلْهُ عَنْ قَوْله : لَمْ يَتَسَنَّ , أَوْ لَمْ يَتَسَنَّه ؟ فَقَالَ عُثْمَان : اجْعَلُوا فِيهَا هَاء . 4624 - حُدِّثْت عَنْ الْقَاسِم , وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مُحَمَّد الْعَطَّار , عَنْ الْقَاسِم , وَحَدَّثَنَا أَحْمَد وَالْعَطَّار جَمِيعًا , عَنْ الْقَاسِم , قَالَ : ثنا ابْن مَهْدِيّ , عَنْ ابْن الْمُبَارَك , قَالَ : ثني أَبُو وَائِل شَيْخ مِنْ أَهْل الْيَمَن عَنْ هَانِئ الْبَرْبَرِيّ , قَالَ : كُنْت عِنْد عُثْمَان وَهُمْ يَعْرِضُونَ الْمَصَاحِف , فَأَرْسَلَنِي بِكَتِفِ شَاة إلَى أُبَيِّ بْن كَعْب فِيهَا : " لَمْ يَتَسَنَّ " و " فَأَمْهَلَ الْكَافِرِينَ " و " لَا تَبْدِيل لِلْخَلْقِ " . قَالَ : فَدَعَا بِالدَّوَاةِ , فَمَحَا إحْدَى اللَّامَيْنِ وَكَتَبَ : { لَا تَبْدِيل لِخَلْقِ اللَّه } 30 30 وَمَحَا " فَأَمْهَلَ " وَكَتَبَ : { فَمَهِّلْ الْكَافِرِينَ } 86 17 وَكَتَبَ : " لَمْ يَتَسَنَّه " أَلْحَقَ فِيهَا الْهَاء . وَلَوْ كَانَ ذَلِك مِنْ " يَتَسَنَّى " أَوْ " يَتَسَنَّن " لَمَا أَلْحَقَ فِيهِ أُبَيّ هَاء لَا مَوْضِع لَهَا فِيهِ , وَلَا أَمَرَ عُثْمَان بِإِلْحَاقِهَا فِيهَا . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ زَيْد بْن ثَابِت فِي ذَلِك نَحْو الَّذِي رُوِيَ فِيهِ عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله { لَمْ يَتَسَنَّه } فَقَالَ بَعْضهمْ بِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِيهِ مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ لَمْ يَتَغَيَّر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4625 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة بْن الْمُفَضَّل , عَنْ مُحَمَّد بْن إسْحَاق , عَمَّنْ لَا يَتَّهِم , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه : { لَمْ يَتَسَنَّه } لَمْ يَتَغَيَّر . 4626 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { لَمْ يَتَسَنَّه } لَمْ يَتَغَيَّر . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنٍ قَتَادَةَ , مِثْله . 4627 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَانْظُرْ إلَى طَعَامك وَشَرَابك لَمْ يَتَسَنَّه } يَقُول : فَانْظُرْ إلَى طَعَامك مِنْ التِّين وَالْعِنَب , وَشَرَابك مِنْ الْعَصِير لَمْ يَتَسَنَّه , يَقُول : لَمْ يَتَغَيَّر فَيَحْمُض التِّين وَالْعِنَب , وَلَمْ يَخْتَمِر الْعَصِير هُمَا حُلْوَانِ كَمَا هُمَا . وَذَلِك أَنَّهُ مَرَّ جَائِيًا مِنْ الشَّام عَلَى حِمَار لَهُ مَعَهُ عَصِير وَعِنَب وَتِين , فَأَمَاتَهُ اللَّه , وَأَمَاتَ حِمَاره , وَمَرَّ عَلَيْهِمَا مِائَة سَنَة . 4628 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { فَانْظُرْ إلَى طَعَامك وَشَرَابك لَمْ يَتَسَنَّه } يَقُول : لَمْ يَتَغَيَّر , وَقَدْ أَتَى عَلَيْهِ مِائَة عَام . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : أَخْبَرَنَا إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , بِنَحْوِهِ . 4629 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثَنِيّ مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { لَمْ يَتَسَنَّه } لَمْ يَتَغَيَّر . 4630 - حَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ النَّضْر , عَنْ عِكْرِمَة : { لَمْ يَتَسَنَّه } لَمْ يَتَغَيَّر . 4631 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { لَمْ يَتَسَنَّه } لَمْ يَتَغَيَّر فِي مِائَة سَنَة . 4632 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي بَكْر بْن مُضَر , قَالَ : يَزْعُمُونَ فِي بَعْض الْكُتُب أَنَّ إرميا كَانَ بِإِيلِيَا حِين خَرَّبَهَا بُخْتُنَصَّرَ , فَخَرَجَ مِنْهَا إلَى مِصْر فَكَانَ بِهَا , فَأَوْحَى اللَّه إلَيْهِ أَنْ اُخْرُجْ مِنْهَا إلَى بَيْت الْمَقْدِس . فَأَتَاهَا فَإِذَا هِيَ خَرِبَة , فَنَظَرَ إلَيْهَا فَقَالَ : أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا ! فَأَمَاتَهُ اللَّه مِائَة عَام ثُمَّ بَعَثَهُ , فَإِذَا حِمَاره حَيّ قَائِم عَلَى رِبَاطه , وَإِذَا طَعَامه سَلّ عِنَب وَسَلّ تِين لَمْ يَتَغَيَّر عَنْ حَاله . قَالَ يُونُس : قَالَ لَنَا سَلْم الْخَوَّاص : كَانَ طَعَامه وَشَرَابه سَلّ عِنَب وَسَلّ تِين وَزِقّ عَصِير . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِك : لَمْ يَنْتُن . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4633 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد قَوْله : { لَمْ يَتَسَنَّه } لَمْ يَنْتُن . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثِنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 4634 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثِنَا الْحَسَن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد قَوْله : { إلَى طَعَامك } قَالَ : سَلّ تِين , { وَشَرَابك } دَنّ خَمْر , { لَمْ يَتَسَنَّه } يَقُول : لَمْ يَنْتُن . وَأَحْسَب أَنَّ مُجَاهَدًا وَالرَّبِيع وَمَنْ قَالَ فِي ذَلِك بِقَوْلِهِمَا رَأَوْا أَنَّ قَوْله : { لَمْ يَتَسَنَّه } مِنْ قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { مِنْ حَمَإٍ مَسْنُون } 15 26 بِمَعْنَى الْمُتَغَيِّر الرِّيح بِالنَّتِنِ مِنْ قَوْل الْقَائِل : تَسَنَّنَ . وَقَدْ بَيَّنْت الدِّلَالَة فِيمَا مَضَى عَلَى أَنَّ ذَلِك لَيْسَ كَذَلِك . فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّهُ مِنْ الْآسِن مِنْ قَوْل الْقَائِل : أَسِنَ هَذَا الْمَاء يَأْسُن أَسْنًا , كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { فِيهَا أَنْهَار مِنْ مَاء غَيْر آسِن } 47 15 فَإِنَّهُ ذَلِك لَوْ كَانَ كَذَلِك لَكَانَ الْكَلَام : فَانْطُرْ إلَى طَعَامك وَشَرَابك لَمْ يَتَأَسَّن , وَلَمْ يَكُنْ يَتَسَنَّه . فَإِنَّهُ مِنْهُ , غَيْر أَنَّهُ تَرَكَ هَمْزَة , قِيلَ : فَإِنَّهُ وَإِنْ تَرَكَ هَمْزه فَغَيْر جَائِز تَشْدِيد نُونه , لِأَنَّ النُّون غَيْر مُشَدَّدَة , وَهِيَ فِي يَتَسَنَّه مُشَدَّدَة , وَلَوْ نَطَقَ مِنْ يَتَأَسَّن بِتَرْكِ الْهَمْزَة لَقِيلَ يَتَسَنَّ بِتَخْفِيفِ نُونه بِغَيْرِ هَاء تَلْحَق فِيهِ , فَفِي ذَلِك بَيَان وَاضِح أَنَّهُ غَيْر جَائِز أَنْ يَكُون مِنْ الْأَسَن .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَانْظُرْ إلَى حِمَارك } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَانْظُرْ إلَى حِمَارك } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِك : وَانْظُرْ إلَى إحْيَائِي حِمَارك , وَإِلَى عِظَامه كَيْفَ أُنْشِزُهَا ثُمَّ أَكْسُوهَا لَحْمًا . ثُمَّ اخْتَلَفَ مُتَأَوِّلُو ذَلِك فِي هَذَا التَّأْوِيل , فَقَالَ بَعْضهمْ : قَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره ذَلِك لَهُ بَعْد أَنْ أَحْيَاهُ خَلْقًا سَوِيًّا , ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُحْيِيَ حِمَاره ; تَعْرِيفًا مِنْهُ تَعَالَى ذِكْره لَهُ كَيْفِيَّة إحْيَائِهِ الْقَرْيَة الَّتِي رَآهَا خَاوِيَة عَلَى عُرُوشهَا , فَقَالَ : { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا } مُسْتَنْكِرًا إحْيَاء اللَّه إيَّاهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4635 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَمَّنْ لَا يُتَّهَم , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه , قَالَ : بَعَثَهُ اللَّه فَقَالَ : { كَمْ لَبِثْت قَالَ لَبِثْت يَوْمًا أَوْ بَعْض يَوْم } إلَى قَوْله : { ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا } قَالَ : فَنَظَرَ إلَى حِمَاره يَتَّصِل بَعْض إلَى بَعْض , وَقَدْ كَانَ مَاتَ مَعَهُ بِالْعُرُوقِ وَالْعَصَب , ثُمَّ كَسَا ذَلِك مِنْهُ اللَّحْم حَتَّى اسْتَوَى ثُمَّ جَرَى فِيهِ الرُّوح , فَقَامَ يَنْهَق . وَنَظَرَ إلَى عَصِيره وَتِينه , فَإِذَا هُوَ عَلَى هَيْئَته حِين وَضَعَهُ لَمْ يَتَغَيَّر . فَلَمَّا عَايَنَ مِنْ قُدْرَة اللَّه مَا عَايَنَ , قَالَ : { أَعْلَم أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } . 4636 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ثُمَّ إنَّ اللَّه أَحْيَا عُزَيْرًا , فَقَالَ : كَمْ لَبِثْت ؟ قَالَ : لَبِثْت يَوْمًا أَوْ بَعْض يَوْم . قَالَ : بَلْ لَبِثْت مِائَة عَام , فَانْظُرْ إلَى طَعَامك وَشَرَابك لَمْ يَتَسَنَّه , وَانْظُرْ إلَى حِمَارك قَدْ هَلَكَ وَبَلِيَتْ عِظَامه , وَانْظُرْ إلَى عِظَامه كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا . فَبَعَثَ اللَّه رِيحًا , فَجَاءَتْ بِعِظَامِ الْحِمَار مِنْ كُلّ سَهْل وَجَبَل ذَهَبَتْ بِهِ الطَّيْر وَالسِّبَاع , فَاجْتَمَعَتْ , فَرُكِّبَ بَعْضهَا فِي بَعْض وَهُوَ يَنْظُر , فَصَارَ حِمَارًا مِنْ عِظَام لَيْسَ لَهُ لَحْم وَلَا دَم . ثُمَّ إنَّ اللَّه كَسَا الْعِظَام لَحْمًا وَدَمًا , فَقَامَ حِمَارًا مِنْ لَحْم وَدَم وَلَيْسَ فِيهِ رُوح . ثُمَّ أَقْبَلَ مَلَك يَمْشِي حَتَّى أَخَذَ بِمَنْخِرِ الْحِمَار , فَنَفَخَ فِيهِ فَنَهَقَ الْحِمَار , فَقَالَ : أَعْلَم أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير . فَتَأْوِيل الْكَلَام عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ قَائِل هَذَا الْقَوْل : وَانْظُرْ إلَى إحْيَائِنَا حِمَارك , وَإِلَى عِظَامه كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا , وَلِنَجْعَلك آيَة لِلنَّاسِ . فَيَكُون فِي قَوْله : { وَانْظُرْ إلَى حِمَارك } مَتْرُوك مِنْ الْكَلَام , اُسْتُغْنِيَ بِدَلَالَةِ ظَاهِره عَلَيْهِ مِنْ ذِكْره , وَتَكُون الْأَلِف وَاللَّام فِي قَوْله : { وَانْظُرْ إلَى الْعِظَام } بَدَلًا مِنْ الْهَاء الْمُرَادَة فِي الْمَعْنَى , لِأَنَّ مَعْنَاهُ : وَانْظُرْ إلَى عِظَامه : يَعْنِي إلَى عِظَام الْحِمَار . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : بَلْ قَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره ذَلِك لَهُ بَعْد أَنْ نَفَخَ فِيهِ الرُّوح فِي عَيْنه , قَالُوا : وَهِيَ أَوَّل عُضْو مِنْ أَعْضَائِهِ نَفَخَ اللَّه فِيهِ الرُّوح , وَذَلِك بَعْد أَنْ سَوَّاهُ خَلْقًا سَوِيًّا , وَقَبْل أَنْ يُحْيِيَ حِمَاره . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4637 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثِنَا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : كَانَ هَذَا رَجُلًا مِنْ بَنِي إسْرَائِيل نَفَخَ الرُّوح فِي عَيْنَيْهِ , فَنَظَرَ إلَى خَلْقه كُلّه حِين يُحْيِيه اللَّه , وَإِلَى حِمَاره حِين يُحْيِيهِ اللَّه . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . 4638 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : بَدَأَ بِعَيْنَيْهِ فَنَفَخَ فِيهِمَا الرُّوح , ثُمَّ بِعِظَامِهِ فَأَنْشَزَهَا , ثُمَّ وَصَلَ بَعْضهَا إلَى بَعْض , ثُمَّ كَسَاهَا الْعَصَب , ثُمَّ الْعُرُوق , ثُمَّ اللَّحْم . ثُمَّ نَظَرَ إلَى حِمَاره , فَإِذَا حِمَاره قَدْ بَلِيَ وَابْيَضَّتْ عِظَامه فِي الْمَكَان الَّذِي رَبَطَهُ فِيهِ , فَنُودِيَ : يَا عِظَام اجْتَمِعِي , فَإِنَّ اللَّه مُنَزِّل عَلَيْك رُوحًا ! فَسَعَى كُلّ عَظْم إلَى صَاحِبه , فَوَصَلَ الْعِظَام , ثُمَّ الْعَصَب , ثُمَّ الْعُرُوق . ثُمَّ اللَّحْم , ثُمَّ الْجِلْد , ثُمَّ الشَّعْر , وَكَانَ حِمَاره جَذَعًا , فَأَحْيَاهُ اللَّه كَبِيرًا قَدْ تَشَنَّنَ , فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ إلَّا الْجِلْد مِنْ طُول الزَّمَن , وَكَانَ طَعَامه سَلّ عِنَب وَشَرَابه دَنّ خَمْر . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِد : نَفَخَ الرُّوح فِي عَيْنَيْهِ , ثُمَّ نَظَرَ بِهِمَا إلَى خَلْقه كُلّه حِين نَشَرَهُ اللَّه , وَإِلَى حِمَاره حِين يُحْيِيه اللَّه . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ جَعَلَ اللَّه الرُّوح فِي رَأْسه وَبَصَره وَجَسَده مَيِّتًا , فَرَأَى حِمَاره قَائِمًا كَهَيْئَتِهِ يَوْم رَبْطه وَطَعَامه وَشَرَابه كَهَيْئَتِهِ يَوْم حَلَّ الْبُقْعَة , ثُمَّ قَالَ اللَّه لَهُ : اُنْظُرْ إلَى عِظَام نَفْسك كَيْفَ نُنْشِزُهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4639 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَهْل بْن عَسْكَر , قَالَ : ثنا إسْمَاعِيل بْن عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : ثني عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل أَنَّهُ سَمِعَ وَهْب بْن مُنَبِّه يَقُول : رَدَّ اللَّه رُوح الْحَيَاة فِي عَيْن إرميا وَآخِر جَسَده مَيِّت , فَنَظَرَ إلَى طَعَامه وَشَرَابه لَمْ يَتَسَنَّه , وَنَظَرَ إلَى حِمَاره وَاقِفًا كَهَيْئَتِهِ يَوْم رَبْطه , لَمْ يَطْعَم وَلَمْ يَشْرَب , وَنَظَرَ إلَى الرِّمَّة فِي عُنُق الْحِمَار لَمْ تَتَغَيَّر جَدِيدَة . 4640 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { فَأَمَاتَهُ اللَّه مِائَة عَام ثُمَّ بَعَثَهُ } فَنَظَرَ إلَى حِمَاره قَائِمًا قَدْ مَكَثَ مِائَة عَام , وَإِلَى طَعَامه لَمْ يَتَغَيَّر قَدْ أَتَى عَلَيْهِ مِائَة عَام , { وَانْظُرْ إلَى الْعِظَام كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا } فَكَانَ أَوَّل شَيْء أَحْيَا اللَّه مِنْهُ رَأْسه , فَجَعَلَ يَنْظُر إلَى سَائِر خَلْقه يَخْلُق . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { فَأَمَاتَهُ اللَّه مِائَة عَام ثُمَّ بَعَثَهُ } فَنَظَرَ إلَى حِمَاره قَائِمًا , وَإِلَى طَعَامه وَشَرَابه لَمْ يَتَغَيَّر , فَكَانَ أَوَّل شَيْء خُلِقَ مِنْهُ رَأْسه , فَجَعَلَ يَنْظُر إلَى كُلّ شَيْء مِنْهُ يُوصِل بَعْضه إلَى بَعْض . فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ , قَالَ : أَعْلَم أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير . 4641 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ , قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ أَوَّل مَا خَلَقَ اللَّه مِنْهُ رَأْسه , ثُمَّ رُكِّبَتْ فِيهِ عَيْنَاهُ , ثُمَّ قِيلَ لَهُ : اُنْظُرْ ! فَجَعَلَ يَنْظُر , فَجَعَلَتْ عِظَامه تَوَاصَلُ بَعْضهَا إلَى بَعْض , وَبِعَيْنِ نَبِيّ اللَّه عَلَيْهِ السِّلَام كَانَ ذَلِك . فَقَالَ : أَعْلَم أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير . 4642 - حُدِّثْنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثِنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { وَانْظُرْ إلَى طَعَامك وَشَرَابك لَمْ يَتَسَنَّه وَانْظُرْ إلَى حِمَارك } وَكَانَ حِمَاره عِنْده كَمَا هُوَ , { وَلِنَجْعَلك آيَة لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إلَى الْعِظَام كَيْفَ نُنْشِزُهَا } . قَالَ الرَّبِيع : ذُكِرَ لَنَا وَاَللَّه أَعْلَم أَنَّهُ أَوَّل مَا خُلِقَ مِنْهُ عَيْنَاهُ , ثُمَّ قِيلَ اُنْظُرْ , فَجَعَلَ يَنْظُر إلَى الْعِظَام يَتَوَاصَل بَعْضهَا إلَى بَعْض وَذَلِك بِعَيْنَيْهِ . فَقِيلَ : أَعْلَم أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير . 4643 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن زَيْد قَالَ قَوْله : { وَانْظُرْ إلَى طَعَامك وَشَرَابك لَمْ يَتَسَنَّه وَانْظُرْ إلَى حِمَارك } وَاقِفًا عَلَيْك مُنْذُ مِائَة سَنَة , { وَلِنَجْعَلك آيَة لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إلَى الْعِظَام } يَقُول : وَانْظُرْ إلَى عِظَامك كَيْفَ نُحْيِيهَا حِين سَأَلْتنَا كَيْفَ نُحْيِي هَذِهِ الْأَرْض بَعْد مَوْتهَا . قَالَ : فَجَعَلَ اللَّه الرُّوح فِي بَصَره وَفِي لِسَانه , ثُمَّ قَالَ : اُدْعُ الْآن بِلِسَانِك الَّذِي جَعَلَ اللَّه فِيهِ الرُّوح , وَانْظُرْ بِبَصَرِك ! قَالَ : فَكَانَ يَنْظُر إلَى الْجُمْجُمَة , قَالَ : فَنَادَى : لِيَلْحَق كُلّ عَظْم بِأَلِيفِهِ , قَالَ : فَجَاءَ كُلّ عَظْم إلَى صَاحِبه , حَتَّى اتَّصَلَتْ وَهُوَ يَرَاهَا , حَتَّى أَنَّ الْكَسْرَة مِنْ الْعَظْم لَتَأْتِي إلَى الْمَوْضِع الَّذِي انْكَسَرَتْ مِنْهُ , فَتُلْصَق بِهِ حَتَّى وَصَلَ إلَى جُمْجُمَته , وَهُوَ يَرَى ذَلِك . فَلَمَّا اتَّصَلَتْ شَدَّهَا بِالْعَصَبِ وَالْعُرُوق , وَأَجْرَى عَلَيْهَا اللَّحْم وَالْجِلْد , ثُمَّ نَفَخَ فِيهَا الرُّوح , ثُمَّ قَالَ : { اُنْظُرْ إلَى الْعِظَام كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ } ذَلِك { قَالَ أَعْلَم أَنَّ اللَّه عَلَى شَيْء قَدِير } . قَالَ : ثُمَّ أُمِرَ فَنَادَى تِلْكَ الْعِظَام الَّتِي قَالَ : { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا } كَمَا نَادَى عِظَام نَفْسه , ثُمَّ أَحْيَاهَا اللَّه كَمَا أَحْيَاهُ . 4644 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي بَكْر بْن مُضَر , قَالَ : يَزْعُمُونَ فِي بَعْض الْكُتُب أَنَّ اللَّه أَمَاتَ إرميا مِائَة عَام , ثُمَّ بَعَثَهُ , فَإِذَا حِمَاره حَيّ قَائِم عَلَى رِبَاطه . قَالَ : وَرَدَّ اللَّه إلَيْهِ بَصَره وَجَعَلَ الرُّوح فِيهِ قَبْل أَنْ يُبْعَث بِثَلَاثِينَ سَنَة , ثُمَّ نَظَرَ إلَى بَيْت الْمَقْدِس وَكَيْفَ عُمِّرَ وَمَا حَوْله . قَالَ : فَيَقُولُونَ وَاَللَّه أَعْلَم : إنَّهُ الَّذِي قَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَة وَهِيَ خَاوِيَة . .. } آيَة . وَمَعْنَى الْآيَة عَلَى تَأْوِيل هَؤُلَاءِ : وَانْظُرْ إلَى حِمَارك , وَلِنَجْعَلك آيَة لِلنَّاسِ , وَانْظُرْ إلَى عِظَامك كَيْفَ نُنْشِزُهَا بَعْد بِلَاهَا , ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا , فَنُحْيِيهَا بِحَيَاتِك , فَتَعَلَّمْ كَيْفَ يُحْيِي اللَّه الْقُرَى وَأَهْلهَا بَعْد مَمَاتهَا . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي هَذِهِ الْآيَة بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : إنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره بَعَثَ قَائِل { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا } مِنْ مَمَاته , ثُمَّ أَرَاهُ نَظِير مَا اسْتَنْكَرَ مِنْ إحْيَاء اللَّه الْقَرْيَة الَّتِي مَرَّ بِهَا بَعْد مَمَاتهَا عِيَانًا مِنْ نَفْسه وَطَعَامه وَحِمَاره , فَحَمَلَ تَعَالَى ذِكْره مَا أَرَاهُ مِنْ إحْيَائِهِ نَفْسه وَحِمَاره مَثَلًا لِمَا اسْتَنْكَرَ مِنْ إحْيَائِهِ أَهْل الْقَرْيَة الَّتِي مَرَّ بِهَا خَاوِيه عَلَى عُرُوشهَا , وَحَمَلَ مَا أَرَاهُ مِنْ الْعِبْرَة فِي طَعَامه وَشَرَابه عِبْرَة لَهُ وَحُجَّة عَلَيْهِ فِي كَيْفِيَّة إحْيَائِهِ مَنَازِل الْقَرْيَة وَجِنَانهَا , وَذَلِك هُوَ مَعْنَى قَوْل مُجَاهِد الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَبْل . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِك أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَة , لِأَنَّ قَوْله : { وَانْظُرْ إلَى الْعِظَام } إنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى : وَانْظُرْ إلَى الْعِظَام الَّتِي تَرَاهَا بِبَصَرِك كَيْفَ نُنْشِزُهَا , ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا , وَقَدْ كَانَ حِمَاره أَدْرَكَهُ مِنْ الْبِلَى فِي قَوْل أَهْل التَّأْوِيل جَمِيعًا نَظِير الَّذِي لَحِقَ عِظَام مَنْ خُوطِبَ بِهَذَا الْخِطَاب , فَلَمْ يُمْكِن صَرْف مَعْنَى قَوْله : { وَانْظُرْ إلَى الْعِظَام } إلَى أَنَّهُ أَمَرَ لَهُ بِالنَّظَرِ إلَى عِظَام الْحِمَار دُون عِظَام الْمَأْمُور بِالنَّظَرِ إلَيْهَا , وَلَا إلَى أَنَّهُ أَمَرَ لَهُ بِالنَّطْرِ إلَى عِظَام نَفْسه دُون عِظَام الْحِمَار . وَإِذَا كَانَ ذَلِك كَذَلِك , وَكَانَ الْبِلَى قَدْ لَحِقَ عِظَامه وَعِظَام حِمَاره , كَانَ الْأَوْلَى بِالتَّأْوِيلِ أَنْ يَكُون الْأَمْر بِالنَّظَرِ إلَى كُلّ مَا أَدْرَكَهُ طَرَفه مِمَّا قَدْ كَانَ الْبِلَى لَحِقَهُ لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره جَعَلَ جَمِيع ذَلِكَ عَلَيْهِ حُجَّة وَلَهُ عِبْرَة وَعِظَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلِنَجْعَلك آيَة لِلنَّاسِ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِك : { وَلِنَجْعَلك آيَة لِلنَّاسِ } أَمَتْنَاك مِائَة عَام ثُمَّ بَعَثْنَاك . وَإِنَّمَا أُدْخِلَتْ الْوَاو مَعَ اللَّام الَّتِي فِي قَوْله : { وَلِنَجْعَلك آيَة لِلنَّاسِ } وَهُوَ بِمَعْنَى " كَيْ " , لِأَنَّ فِي دُخُولهَا فِي كَيْ وَأَخَوَاتهَا دِلَالَة عَلَى أَنَّهَا شَرْط لِفِعْلٍ بَعْدهَا , يَعْنِي : وَلِنَجْعَلك كَذَا وَكَذَا فَعَلْنَا ذَلِك , وَلَوْ لَمْ تَكُنْ قَبْل اللَّام أَعْنِي لَامَ كَيْ وَاو كَانَتْ اللَّام شَرْطًا لِلْفِعْلِ الَّذِي قَبْلهَا , وَكَانَ يَكُون مَعْنَاهُ : وَانْظُرْ إلَى حِمَارك , لِنَجْعَلك آيَة لِلنَّاسِ . وَإِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ : { وَلِنَجْعَلك آيَة } وَلِنَجْعَلك حُجَّة عَلَى مَنْ جَهِلَ قُدْرَتِي , وَشَكَّ فِي عَظَمَتِي , وَأَنَا الْقَادِر عَلَى فِعْل مَا أَشَاءَ مِنْ إمَاتَة وَإِحْيَاء , وَإِنْشَاء , وَإِنْعَام وَإِذْلَال , وَإِقْتَار وَإِغْنَاء , بِيَدِي ذَلِك كُلّه , لَا يَمْلِكهُ أَحَد دُونِي , وَلَا يَقْدِر عَلَيْهِ غَيْرِي . وَكَانَ بَعْض أَهْل التَّأْوِيل يَقُول : كَانَ آيَة لِلنَّاسِ بِأَنَّهُ جَاءَ بَعْد مِائَة عَام إلَى وَلَده وَوَلَد وَلَده شَابًّا وَهُمْ شُيُوخ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4645 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : أَخْبَرَنَا إسْحَاق , قَالَ : ثنا قَبِيصَة بْن عُقْبَة , عَنْ سُفْيَان , قَالَ : سَمِعْت الْأَعْمَش يَقُول : { وَلِنَجْعَلك آيَة لِلنَّاسِ } قَالَ : جَاءَ شَابًّا وَوَلَده شُيُوخ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِك أَنَّهُ جَاءَ وَقَدْ هَلَكَ مَنْ يَعْرِفهُ , فَكَانَ آيَة لِمَنْ قَدِمَ عَلَيْهِ مِنْ قَوْمه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4646 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ , ثنا عَمْرو , قَالَ : ثِنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : رَجَعَ إلَى أَهْله , فَوَجَدَ دَاره قَدْ بِيعَتْ وَبُنِيَتْ , وَهَلَكَ مَنْ كَانَ يَعْرِفهُ , فَقَالَ : اُخْرُجُوا مِنْ دَارِي ! قَالُوا : وَمَنْ أَنْت ؟ قَالَ : أَنَا عُزَيْر . قَالُوا : أَلَيْسَ قَدْ هَلَكَ عُزَيْر مُنْذُ كَذَا وَكَذَا ؟ قَالَ : فَإِنَّ عُزَيْرًا أَنَا هُوَ , كَانَ مِنْ حَالِي وَكَانَ . فَلَمَّا عَرَفُوا ذَلِك , خَرَجُوا لَهُ مِنْ الدَّار وَدَفَعُوهَا إلَيْهِ . وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَة مِنْ الْقَوْل , أَنْ يُقَال : إنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره , أَخْبَرَ أَنَّهُ حَمَلَ الَّذِي وَصَفَ صِفَته فِي هَذِهِ الْآيَة حُجَّة لِلنَّاسِ , فَكَانَ ذَلِك حُجَّة عَلَى مَنْ عَرَفَهُ مِنْ وَلَده وَقَوْمه مِمَّنْ عَلِمَ مَوْته , وَإِحْيَاء اللَّه إيَّاهُ بَعْد مَمَاته , وَعَلَى مَنْ بُعِثَ إلَيْهِ مِنْهُمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَانْظُرْ إلَى الْعِظَام كَيْفَ نُنْشِزُهَا } قَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى قَبْل عَلَى أَنَّ الْعِظَام الَّتِي أَمَرَ بِالنَّظَرِ إلَيْهَا هِيَ عِظَام نَفْسه وَحِمَاره , وَذَكَرْنَا اخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ فِي تَأْوِيل ذَلِك وَمَا يَعْنِي كُلّ قَائِل بِمَا قَالَهُ فِي ذَلِك بِمَا أَغْنَى عَنْ إعَادَته . وَأَمَّا قَوْله : { كَيْفَ نُنْشِزُهَا } فَإِنَّ الْقُرَّاء اخْتَلَفَتْ فِي قِرَاءَته , فَقَرَأَ بَعْضهمْ : { وَانْظُرْ إلَى الْعِظَام كَيْفَ نُنْشِزُهَا } بِضَمِّ النُّون وَبِالزَّايِ , وَذَلِك قِرَاءَة عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ , بِمَعْنَى : وَانْظُرْ كَيْفَ نُرَكِّب بَعْضهَا عَلَى بَعْض , وَنَنْقُل ذَلِكَ إلَى مَوَاضِع مِنْ الْجِسْم . وَأَصْل النَّشْز : الِارْتِفَاع , وَمِنْهُ قِيلَ : قَدْ نَشَزَ الْغُلَام إذَا ارْتَفَعَ طُوله وَشَبَّ , وَمِنْهُ نُشُوز الْمَرْأَة عَلَى زَوْجهَا , وَمِنْ ذَلِك قِيلَ لِلْمَكَانِ الْمُرْتَفِع مِنْ الْأَرْض : نَشَز وَنَشْز وَنِشَاز , فَإِذَا أَرَدْت أَنَّك رَفَعْته , قُلْت : أَنْشَزْته إنْشَازًا , وَنَشَزَ هُوَ : إذَا ارْتَفَعَ . فَمَعْنَى قَوْله : { وَانْظُرْ إلَى الْعِظَام كَيْفَ نُنْشِزُهَا } فِي قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِك بِالزَّايِ : كَيْفَ نَرْفَعهَا مِنْ أَمَاكِنهَا مِنْ الْأَرْض فَنَرُدّهَا إلَى أَمَاكِنهَا مِنْ الْجِسْم . وَمِمَّنْ تَأَوَّلَ ذَلِك هَذَا التَّأْوِيل جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4647 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { كَيْفَ نُنْشِزُهَا } كَيْفَ نُخْرِجهَا . 4648 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثِنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { كَيْفَ نُنْشِزُهَا } قَالَ : نُحَرِّكهَا . وَقَرَأَ ذَلِك آخَرُونَ : " وَانْظُرْ إلَى الْعِظَام كَيْفَ نُنْشِرُها " بِضَمِّ النُّون , قَالُوا مِنْ قَوْل الْقَائِل : أَنْشَرَ اللَّه الْمَوْتَى فَهُوَ يُنْشِرُهُمْ إنْشَارًا . وَذَلِكَ قِرَاءَة عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة , بِمَعْنَى : وَانْظُرْ إلَى الْعِظَام كَيْفَ نُحْيِيهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4649 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثِنَا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : " كَيْفَ نُنْشِرُهَا " قَالَ : اُنْظُرْ إلَيْهَا حِين يُحْيِيهَا اللَّه . * - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 4650 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ مِثْله . 4651 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : " وَانْظُرْ إلَى الْعِظَام كَيْفَ نُنْشِرُهَا " قَالَ : كَيْفَ نُحْيِيهَا . وَاحْتَجَّ بَعْض قُرَّاء ذَلِك بِالرَّاءِ وَضَمّ نُون أَوَّله بِقَوْلِهِ : { ثُمَّ إذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ } فَرَأَى أَنَّ مِنْ الصَّوَاب إلْحَاق قَوْله : " وَانْظُرْ إلَى الْعِظَام كَيْفَ نُنْشِرُها " بِهِ . وَقَرَأَ ذَلِك بَعْضهمْ : " وَانْظُرْ إلَى الْعِظَام كَيْفَ نَنْشُرهَا " بِفَتْحِ النُّون مِنْ أَوَّله وَبِالرَّاءِ ; كَأَنَّهُ وَجَّهَ ذَلِك إلَى مِثْل مَعْنَى نَشْرِ الشَّيْء وَطَيّه . وَذَلِك قِرَاءَة غَيْر مَحْمُودَة , لِأَنَّ الْعَرَب لَا تَقُول : نُشِرَ الْمَوْتَى , وَإِنَّمَا تَقُول : أَنْشَرَ اللَّه الْمَوْتَى , فَنُشِرُوا هُمْ بِمَعْنَى : أَحْيَاهُمْ فَحَيُوا هُمْ . وَيَدُلّ عَلَى ذَلِك قَوْله : { ثُمَّ إذَا شَاءَ الشَّرّ } وَقَوْله : { آلِهَة مِنْ الْأَرْض هُمْ يُنْشَرُونَ } . وَعَلَى أَنَّهُ إذَا أُرِيدَ بِهِ حَيِيَ , الْمَيِّت وَعَاشَ بَعْد مَمَاته , قِيلَ : نُشِرَ , وَمِنْهُ قَوْل أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَة : حَتَّى يَقُول النَّاس مِمَّا رَأَوْا يَا عَجَبًا لِلْمَيِّتِ النَّاشِر وَرُوِيَ سَمَاعًا مِنْ الْعَرَب : كَانَ بِهِ جَرَب فَنُشِرَ , إذَا عَادَ وَحَيِيَ . وَالْقَوْل في ذلك عِنْدِي أَنَّ مَعْنَى الْإِنْشَار وَمَعْنَى الْإِنْشَاز مُتَقَارِبَانِ , لِأَنَّ مَعْنَى الْإِنْشَاز : التَّرْكِيب وَالْإِثْبَات وَرَدّ الْعِظَام مِنْ الْعِظَام وَإِعَادَتهَا لَا شَكَّ أَنَّهُ رَدّهَا إلَى أَمَاكِنهَا وَمَوَاضِعهَا مِنْ الْجَسَد بَعْد مُفَارَقَتهَا إيَّاهَا . فَهُمَا وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي اللَّفْظ , فَمُتَقَارِبَا الْمَعْنَى , وَقَدْ جَاءَتْ بِالْقِرَاءَةِ بِهِمَا الْأُمَّة مَجِيئًا يَقْطَع الْعُذْر وَيُوجِب الْحُجَّة , فَبِأَيِّهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب لِانْقِيَادِ مَعْنَيَيْهِمَا , وَلَا حُجَّة تُوجِب لِإِحْدَاهُمَا مِنْ الْقَضَاء بِالصَّوَابِ عَلَى الْأُخْرَى . فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّ الْإِنْشَار إذَا كَانَ إحْيَاء فَهُوَ بِالصَّوَابِ أَوْلَى , لِأَنَّ الْمَأْمُور بِالنَّظَرِ إلَى الْعِظَام وَهِيَ تُنْشَر إنَّمَا أُمِرَ بِهِ لِيَرَى عِيَانًا مَا أَنْكَرَهُ بِقَوْلِهِ : { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا } فَإِنَّ إحْيَاء الْعِظَام لَا شَكَّ فِي هَذَا الْمَوْضِع إنَّمَا عَنَى بِهِ رَدّهَا إلَى أَمَاكِنهَا مِنْ جَسَد الْمَنْظُور إلَيْهِ , وَهُوَ يَحْيَا , لَا إعَادَة الرُّوح الَّتِي كَانَتْ فَارَقَتْهَا عِنْد الْمَمَات . وَاَلَّذِي يَدُلّ عَلَى ذَلِك قَوْله : { ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا } وَلَا شَكَّ أَنَّ الرُّوح إنَّمَا نُفِخَتْ فِي الْعِظَام الَّتِي أُنْشِرَتْ بَعْد أَنْ كُسِيَتْ اللَّحْم . وَإِذَا كَانَ ذَلِك كَذَلِك , وَكَانَ مَعْنَى الْإِنْشَاز تَرْكِيب الْعِظَام وَرَدّهَا إلَى أَمَاكِنهَا مِنْ الْجَسَد , وَكَانَ ذَلِك مَعْنَى الْإِنْشَار , وَكَانَ مَعْلُومًا اسْتِوَاء مَعْنَيَيْهِمَا , وَأَنَّهُمَا مُتَّفِقَا الْمَعْنَى لَا مُخْتَلِفَاهُ , فَفِي ذَلِك إبَانَة عَنْ صِحَّة مَا قُلْنَا فِيهِ . وَأَمَّا الْقِرَاءَة الثَّالِثَة فَغَيْر جَائِزَة الْقِرَاءَة بِهَا عِنْدِي , وَهِيَ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : " كَيْفَ نُنْشِرُها " بِفَتْحِ النُّون وَبِالرَّاءِ , لِشُذُوذِهَا عَنْ قِرَاءَة الْمُسْلِمِينَ وَخُرُوجهَا عَنْ الصَّحِيح الْفَصِيح مِنْ كَلَام الْعَرَب .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِك : { ثُمَّ نَكْسُوهَا } أَيْ الْعِظَام لَحْمًا . وَالْهَاء الَّتِي فِي قَوْله : { ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا } مِنْ ذِكْر الْعِظَام . وَمَعْنَى نَكْسُوهَا : نُلْبِسهَا وَنُوَارِيهَا بِهِ كَمَا يُوَارِي جَسَدَ الْإِنْسَان كِسْوَتُهُ الَّتِي يَلْبَسهَا , وَكَذَلِك تَفْعَل الْعَرَب , تَجْعَل كُلّ شَيْء غَطَّى شَيْئًا وَوَارَاهُ لِبَاسًا لَهُ وَكِسْوَة , وَمِنْهُ قَوْل النَّابِغَة الْجَعْدِيّ : فَالْحَمْد لِلَّهِ إذْ لَمْ يَأْتِنِي أَجَلِي حَتَّى اكْتَسَيْت مِنْ الْإِسْلَام سِرْبَالًا فَجَعَلَ الْإِسْلَام إذْ غَطَّى الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فَوَارَاهُ وَأَذْهَبَهُ كِسْوَة لَهُ وَسِرْبَالًا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَم أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ } فَلَمَّا اتَّضَحَ لَهُ عِيَانًا مَا كَانَ مُسْتَنْكَرًا مِنْ قُدْرَة اللَّه وَعَظَمَته عِنْده قَبْل عِيَانه ذَلِكَ , قَالَ : أَعْلَم الْآن بَعْد الْمُعَايَنَة وَالْإِيضَاح وَالْبَيَان أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير . ثُمَّ اخْتَلَفَتْ الْقِرَاءَة فِي قِرَاءَة قَوْله : { قَالَ أَعْلَم أَنَّ اللَّه } . فَقَرَأَهُ بَعْضهمْ : " قَالَ أَعْلَم " عَلَى مَعْنَى الْأَمْر بِوَصْلِ الْأَلِف مِنْ " أَعْلَم " , وَجَزْم الْمِيم مِنْهَا . وَهِيَ قِرَاءَة عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْكُوفَة , وَيَذْكُرُونَ أَنَّهَا فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : " قِيلَ أَعْلَم " عَلَى وَجْه الْأَمْر مِنْ اللَّه لِلَّذِي أُحْيِيَ بَعْد مَمَاته , فَأُمِرَ بِالنَّطْرِ إلَى مَا يُحْيِيه اللَّه بَعْد مَمَاته . وَكَذَلِك رُوِيَ عَنْ ابْن عَبَّاس . 4652 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن يُوسُف التَّغْلِبِيّ , قَالَ : ثِنَا الْقَاسِم بْن سَلَام , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ هَارُونَ , قَالَ : هِيَ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : " قِيلَ أَعْلَم أَنَّ اللَّه " عَلَى وَجْه الْأَمْر . 4653 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ ابْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ - أَحْسَبهُ , شَكَّ أَبُو جَعْفَر الطَّبَرِيّ - سَمِعْت ابْن عَبَّاس يَقْرَأ : " فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَم " قَالَ : إنَّمَا قِيلَ ذَلِك لَهُ . 4654 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : ذُكِرَ لَنَا وَاَللَّه أَعْلَم أَنَّهُ قِيلَ لَهُ اُنْظُرْ ! فَجَعَلَ يَنْظُر إلَى الْعِظَام كَيْفَ يَتَوَاصَل بَعْضهَا إلَى بَعْض وَذَلِك بِعَيْنَيْهِ , فَقِيلَ : أَعْلَم أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير . فَعَلَى هَذَا الْقَوْل تَأْوِيل ذَلِك : فَلَمَّا تَبَيَّنَ مِنْ أَمْر اللَّه وَقُدْرَته , قَالَ اللَّه لَهُ : أَعْلَم الْآن أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير . وَلَوْ صَرَفَ مُتَأَوِّل قَوْله : وَقَالَ أَعْلَم . وَقَدْ قَرَأَهُ عَلَى وَجْه الْأَمْر إلَى أَنَّهُ مِنْ قِبَل الْمُخْبَر عَنْهُ بِمَا اقْتَصَّ فِي هَذِهِ الْآيَة مِنْ قِصَّته كَانَ وَجْهًا صَحِيحًا , وَكَانَ ذَلِك كَمَا يَقُول الْقَائِل : أَعْلَم أَنْ قَدْ كَانَ كَذَا وَكَذَا , عَلَى وَجْه الْأَمْر مِنْهُ لِغَيْرِهِ وَهُوَ يَعْنِي بِهِ نَفْسه . وَقَرَأَ ذَلِك آخَرُونَ : { قَالَ أَعْلَم } عَلَى وَجْه الْخَبَر عَنْ نَفْسه لِلْمُتَكَلِّمِ بِهِ بِهَمْزِ أَلِف أَعْلَم وَقَطْعهَا وَرَفْع الْمِيم . بِمَعْنَى : فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ مِنْ قُدْرَة اللَّه وَعَظِيم سُلْطَانه بِمُعَايَنَتِهِ مَا عَايَنَهُ , قَالَ أَلَيْسَ ذَلِك : أَعْلَم الْآن أَنَا أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير . وَبِذَلِك قَرَأَ عَامَّة أَهْل الْمَدِينَة وَبَعْض قُرَّاء أَهْل الْعِرَاق , وَبِذَلِك مِنْ التَّأْوِيل تَأَوَّلَهُ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4655 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثِنَا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَمَّنْ لَا يُتَّهَم , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه , قَالَ : لَمَّا عَايَنَ مِنْ قُدْرَة اللَّه مَا عَايَنَ , قَالَ : { أَعْلَم أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } . 4656 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل أَنَّهُ سَمِعَ وَهْب بْن مُنَبِّه يَقُول : { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَم أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } . 4657 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثِنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ , قَالَ : يَعْنِي نَبِيّ اللَّه عَلَيْهِ السَّلَام , يَعْنِي إنْشَاز الْعِظَام , فَقَالَ : أَعْلَم أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير . 4658 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : قَالَ عُزَيْر عِنْد ذَلِك - يَعْنِي عِنْد مُعَايَنَة إحْيَاء اللَّه حِمَاره - { أَعْلَم أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } . 4659 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : جَعَلَ يَنْظُر إلَى كُلّ شَيْء مِنْهُ يُوصَل بَعْضه إلَى بَعْض , { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَم أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } . 4660 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , نَحْوه . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِك قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : " أَعْلَم " بِوَصْلِ الْأَلِف وَجَزْم الْمِيم عَلَى وَجْه الْأَمْر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لِلَّذِي قَدْ أَحْيَاهُ بَعْد مَمَاته بِالْأَمْرِ بِأَنْ يَعْلَم أَنَّ اللَّه الَّذِي أَرَاهُ بِعَيْنَيْهِ مَا أَرَاهُ مِنْ عَظِيم قُدْرَته وَسُلْطَانه مِنْ إحْيَائِهِ إيَّاهُ وَحِمَاره بَعْد مَوْت مِائَة عَام وَبَلَائِهِ حَتَّى عَادَا كَهَيْئَتِهِمَا يَوْم قَبَضَ أَرْوَاحهمَا , وَحَفِظَ عَلَيْهِ طَعَامه وَشَرَابه مِائَة عَام حَتَّى رَدَّهُ عَلَيْهِ كَهَيْئَتِهِ يَوْم وَضْعه غَيْر مُتَغَيِّر عَلَى كُلّ شَيْء قَادِر كَذَلِكَ . وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا قِرَاءَة ذَلِك كَذَلِك وَحَكَمْنَا لَهُ بِالصَّوَابِ دُون غَيْره ; لِأَنَّ مَا قَبْله مِنْ الْكَلَام أَمْر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره قَوْلًا لِلَّذِي أَحْيَاهُ اللَّه بَعْد مَمَاته وَخِطَابًا لَهُ بِهِ , وَذَلِك قَوْله : { فَانْظُرْ إلَى طَعَامك وَشَرَابك لَمْ يَتَسَنَّه وَانْظُرْ إلَى حِمَارك . .. وَانْظُرْ إلَى الْعِظَام كَيْفَ نُنْشِزُهَا } فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ ذَلِك جَوَابًا عَنْ مَسْأَلَته رَبّه : { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا } ! قَالَ اللَّه لَهُ : اعْلَمْ أَنَّ اللَّه الَّذِي فَعَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاء عَلَى مَا رَأَيْت عَلَى غَيْر ذَلِك مِنْ الْأَشْيَاء قَدِير كَقُدْرَتِهِ عَلَى مَا رَأَيْت وَأَمْثَاله , كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْره لِخَلِيلِهِ إبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بَعْد أَنْ أَجَابَهُ عَنْ مَسْأَلَته إيَّاهُ فِي قَوْله : { رَبّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى } : { وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّه عَزِيز حَكِيم } 2 260 فَأَمَرَ إبْرَاهِيم بِأَنْ يَعْلَم بَعْد أَنْ أَرَاهُ كَيْفِيَّة إحْيَائِهِ الْمَوْتَى أَنَّهُ عَزِيز حَكِيم , فَكَذَلِكَ أَمَرَ الَّذِي سَأَلَ فَقَالَ : { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا } بَعْد أَنْ أَرَاهُ كَيْفِيَّة إحْيَائِهِ إيَّاهَا أَنْ يَعْلَم أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَهِيَ خَاوِيَة عَلَى عُرُوشهَا } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَهِيَ خَاوِيه } وَهِيَ خَالِيَة مِنْ أَهْلهَا وَسُكَّانهَا , يُقَال مِنْ ذَلِك : خَوَتْ الدَّار تَخْوِي خُوَاء وَخَوِيًّا , وَقَدْ يُقَال لِلْقَرْيَةِ : خَوِيَتْ , وَالْأَوَّل أَعْرَب وَأَفْصَح . وَأَمَّا فِي الْمَرْأَة إذَا كَانَتْ نُفَسَاء فَإِنَّهُ يُقَال : خَوِيَتْ تَخْوَى خَوًى مَنْقُوصًا , وَقَدْ يُقَال فِيهَا : خَوَتْ تَخْوِي , كَمَا يُقَال فِي الدَّار , وَكَذَلِك خَوِيَ الْجَوْف يَخْوَى خَوَاء شَدِيدًا , وَلَوْ قِيلَ فِي الْجَوْف مَا قِيلَ فِي الدَّار وَفِي الدَّار مَا قِيلَ فِي الْجَوْف كَانَ صَوَابًا , غَيْر أَنَّ الْفَصِيح مَا ذَكَرْت . وَأَمَّا الْعُرُوش : فَإِنَّهَا الْأَبْنِيَة وَالْبُيُوت , وَاحِدهَا عَرْش , وَجَمْع قَلِيله أَعْرُش , وَكُلّ بِنَاء فَإِنَّهُ عَرْش , وَيُقَال : عَرَّشَ فُلَان دَارًا يَعْرِش وَيُعَرِّش , وَعَرَّشَ تَعْرِيشًا , وَمِنْهُ قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ } 7 137 يَعْنِي يَبْنُونَ , وَمِنْهُ قِيلَ عَرِيش مَكّه , يَعْنِي بِهِ : خِيَامهَا وَأَبْنِيَتهَا . وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِك قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك . 4612 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ , قَالَ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ ابْن عَبَّاس : خَاوِيَة : خَرَاب . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : بَلَغَنَا أَنَّ عُزَيْرًا خَرَجَ فَوَقَفَ عَلَى بَيْت الْمَقْدِس وَقَدْ خَرَّبَهُ بُخْتُنَصَّرَ , فَوَقَفَ فَقَالَ : أَبَعْد مَا كَانَ لَك مِنْ الْقُدْس وَالْمُقَاتَلَة وَالْمَال مَا كَانَ ! فَحَزِنَ . 4613 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثِنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَهِيَ خَاوِيَة عَلَى عُرُوشهَا } قَالَ : هِيَ خَرَاب . 4614 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثِنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : مَرَّ عَلَيْهَا عُزَيْر وَقَدْ خَرَّبَهَا بُخْتُنَصَّرَ . 4615 - حُدِّثْت عَنْ مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَهِيَ خَاوِيَة عَلَى عُرُوشهَا } يَقُول : سَاقِطَة عَلَى سَقْفهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا فَأَمَاتَهُ اللَّه مِائَة عَام } وَمَعْنَى ذَلِك فِيمَا ذَكَرْت : أَنَّ قَائِله لَمَّا مَرَّ بِبَيْتِ الْمَقْدِس , أَوْ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي ذَكَرَ اللَّه أَنَّهُ مَرَّ بِهِ خَرَابًا بَعْدَمَا عَهِدَهُ عَامِرًا , قَالَ : { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا لَا } ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ قِيله مَا قَالَ مِنْ ذَلِك شَكًّا فِي قُدْرَة اللَّه عَلَى إحْيَائِهِ . فَأَرَاهُ اللَّه قُدْرَته عَلَى ذَلِك بِضَرْبِهِ الْمَثَل لَهُ فِي نَفْسه , ثُمَّ أَرَاهُ الْمَوْضِع الَّذِي أَنْكَرَ قُدْرَته عَلَى عِمَارَته وَإِحْيَائِهِ , أَحْيَا مَا رَآهُ قَبْل خَرَابه , وَأَعْمَرَ مَا كَانَ قَبْل خَرَابه . وَذَلِكَ أَنَّ قَائِل ذَلِك كَانَ فِيمَا ذُكِرَ لَنَا عَهْده عَامِرًا بِأَهْلِهِ وَسُكَّانه , ثُمَّ رَآهُ خَاوِيًا عَلَى عُرُوشه , قَدْ بَادَ أَهْلُهُ وَشَتَّتَهُمْ الْقَتْلُ وَالسِّبَاء , فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ بِذَلِك الْمَكَان أَحَد , وَخَرِبَتْ مَنَازِلهمْ وَدُورهمْ , فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْأَثَر . فَلَمَّا رَآهُ كَذَلِكَ بَعْد الْحَال الَّتِي عَهِدَهُ عَلَيْهَا , قَالَ : عَلَى أَيّ وَجْه يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد خَرَابهَا فَيُعَمِّرهَا ! اسْتِنْكَارًا فِيمَا قَالَهُ بَعْض أَهْل التَّأْوِيل . فَأَرَاهُ كَيْفِيَّة إحْيَائِهِ ذَلِك بِمَا ضَرَبَهُ لَهُ فِي نَفْسه . وَفِيمَا كَانَ مِنْ شَرَابه وَطَعَامه , ثُمَّ عَرَّفَهُ قُدْرَته عَلَى ذَلِك وَعَلَى غَيْره بِإِظْهَارِهِ إحْيَاء مَا كَانَ عَجِيبًا عِنْده فِي قُدْرَة اللَّه إحْيَاؤُهُ لِرَأْيِ عَيْنه حَتَّى أَبْصَرَهُ بِبَصَرِهِ , فَلَمَّا رَأَى ذَلِك قَالَ : { أَعْلَم أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } . وَكَانَ سَبَب قِيله ذَلِك كَاَلَّذِي : 4616 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَمَّنْ لَا يُتَّهَم , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه الْيَمَانِيّ أَنَّهُ كَانَ يَقُول : قَالَ اللَّه لإرميا حِين بَعَثَهُ نَبِيًّا إلَى بَنِي إسْرَائِيل : يَا إرميا مِنْ قَبْل أَنْ أَخْلُقك اخْتَرْتُك , وَمِنْ قَبْل أَنْ أُصَوِّرك فِي رَحِم أُمّك قَدَّسْتُك , وَمِنْ قَبْل أَنْ أُخْرِجك مِنْ بَطْنهَا طَهَّرْتُك , وَمِنْ قَبْل أَنْ تَبْلُغ السَّعْي نَبَّأْتُك , وَمِنْ قَبْل أَنْ تَبْلُغ الْأَشُدّ اخْتَرْتُك , وَلِأَمْرٍ عَظِيم اجْتَبَيْتُك , فَبَعَثَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره إرميا إلَى مَلِك بَنِي إسْرَائِيل يُسَدِّدهُ وَيُرْشِدهُ , وَيَأْتِيه بِالْبِرِّ مِنْ اللَّه فِيمَا بَيْنه وَبَيْنه ; قَالَ : ثُمَّ عَظُمَتْ الْأَحْدَاث فِي بَنِي إسْرَائِيل , وَرَكِبُوا الْمَعَاصِيَ , وَاسْتَحَلُّوا الْمَحَارِم , وَنَسُوا مَا كَانَ اللَّه صَنَعَ بِهِمْ , وَمَا نَجَّاهُمْ مِنْ عَدُوّهُمْ سنحاريب , فَأَوْحَى اللَّه إلَى إرميا : أَنْ ائْتِ قَوْمك مِنْ بَنِي إسْرَائِيل , فَاقْصُصْ عَلَيْهِمْ مَا آمُرك بِهِ , وَذَكِّرْهُمْ نِعْمَتِي عَلَيْهِمْ وَعَرِّفْهُمْ أَحْدَاثهمْ , ثُمَّ ذَكَرَ مَا أَرْسَلَ اللَّه بِهِ إرميا إلَى قَوْمه مِنْ بَنِي إسْرَائِيل , قَالَ : ثُمَّ أَوْحَى اللَّه إلَى إرميا : إنِّي مُهْلِك بَنِي إسْرَائِيل بيافث , ويافث أَهْل بَابِل , وَهُمْ مِنْ وَلَد يافث بْن نُوحَ ; فَلَمَّا سَمِعَ إرميا وَحْي رَبّه , صَاحَ وَبَكَى وَشَقَّ ثِيَابه , وَنَبَذَ الرَّمَاد عَلَى رَأْسه , فَقَالَ : مَلْعُون يَوْم وُلِدْت فِيهِ , وَيَوْم لَقِيت التَّوْرَاة , وَمِنْ شَرّ أَيَّامِي يَوْم وُلِدْت فِيهِ , فَمَا أَبْقَيْت آخِر الْأَنْبِيَاء إلَّا لِمَا هُوَ شَرّ عَلَيَّ , لَوْ أَرَادَ بِي خَيْرًا مَا جَعَلَنِي آخِر الْأَنْبِيَاء مِنْ بَنِي إسْرَائِيل , فَمِنْ أَجْلِي تُصِيبهُمْ الشِّقْوَة وَالْهَلَاك ; فَلَمَّا سَمِعَ اللَّه تَضَرُّع الْخَضِر وَبُكَاءَهُ وَكَيْف يَقُول : نَادَاهُ : إرميا أَشَقَّ عَلَيْك مَا أَوْحَيْت إلَيْك ؟ قَالَ : نَعَمْ يَا رَبّ أَهْلَكَنِي فِي بَنِي إسْرَائِيل مَا لَا أُسَرّ بِهِ , فَقَالَ اللَّه : وَعِزَّتِي الْعَزِيزَة لَا أُهْلِك بَيْت الْمَقْدِس وَبَنِي إسْرَائِيل حَتَّى يَكُون الْأَمْر مِنْ قِبَلك فِي ذَلِك , فَفَرِحَ عِنْد ذَلِك إرميا لَمَّا قَالَ لَهُ رَبّه , وَطَابَتْ نَفْسه , وَقَالَ : لَا وَاَلَّذِي بَعَثَ مُوسَى وَأَنْبِيَاءَهُ بِالْحَقِّ , لَا آمُر رَبِّي بِهَلَاكِ بَنِي إسْرَائِيل أَبَدًا , ثُمَّ أَتَى مَلِك بَنِي إسْرَائِيل , وَأَخْبَرَهُ بِمَا أَوْحَى اللَّه إلَيْهِ , فَفَرِحَ وَاسْتَبْشَرَ , وَقَالَ : إنْ يُعَذِّبنَا رَبّنَا فَبِذُنُوبٍ كَثِيرَة قَدَّمْنَاهَا لِأَنْفُسِنَا , وَإِنْ عَفَا عَنَّا فَبِقُدْرَتِهِ ; ثُمَّ إنَّهُمْ لَبِثُوا بَعْد هَذَا الْوَحْي ثَلَاث سِنِينَ لَمْ يَزْدَادُوا إلَّا مَعْصِيَة , وَتَمَادَوْا فِي الشَّرّ , وَذَلِك حِين اقْتَرَبَ هَلَاكهمْ , فَقَلَّ الْوَحْي , حَتَّى لَمْ يَكُونُوا يَتَذَكَّرُونَ الْآخِرَة , وَأَمْسَكَ عَنْهُمْ حِين أَلَّهَتْهُمْ الدُّنْيَا وَشَأْنهَا , فَقَالَ مَلِكهمْ : يَا بَنِي إسْرَائِيل انْتَهُوا عَمَّا أَنْتُمْ عَلَيْهِ قَبْل أَنْ يَمَسّكُمْ بَأْس مِنْ اللَّه , وَقَبْل أَنْ يُبْعَث عَلَيْكُمْ مُلُوك لَا رَحْمَة لَهُمْ بِكَمْ , فَإِنَّ رَبّكُمْ قَرِيب التَّوْبَة , مَبْسُوط الْيَدَيْنِ بِالْخَيْرِ , رَحِيم مَنْ تَابَ إلَيْهِ , فَأَبَوْا عَلَيْهِ أَنْ يَنْزِعُوا عَنْ شَيْء مِمَّا هُمْ عَلَيْهِ , وَإِنَّ اللَّه أَلْقَى فِي قَلْب بَخْتِنْصَر بْن نَعُون بْن زَادَان أَنْ يَسِير إلَى بَيْت الْمَقْدِس , ثُمَّ يَفْعَل فِيهِ مَا كَانَ جَدّه سنحاريب أَرَادَ أَنْ يَفْعَلهُ , فَخَرَجَ فِي سِتّمِائَةِ أَلْف رَايَة يُرِيد أَهْل بَيْت الْمَقْدِس ; فَلَمَّا فَصَلَ سَائِرًا أَتَى مَلِك بَنِي إسْرَائِيل الْخَبَر أَنَّ بَخْتِنْصَر أَقْبَلَ هُوَ وَجُنُوده يُرِيدكُمْ , فَأَرْسَلَ الْمَلِك إلَى إرميا , فَجَاءَهُ فَقَالَ : يَا إرميا أَيْنَ مَا زَعَمْت لَنَا أَنَّ رَبّنَا أَوْحَى إلَيْك أَنْ لَا يُهْلِك أَهْل بَيْت الْمَقْدِس حَتَّى يَكُون مِنْك الْأَمْر فِي ذَلِك , فَقَالَ إرميا لِلْمَلِكِ : إنَّ رَبِّي لَا يُخْلِف الْمِيعَاد , وَأَنَا بِهِ وَاثِق ; فَلَمَّا اقْتَرَبَ الْأَجَل , وَدَنَا انْقِطَاع مُلْكهمْ , وَعَزَمَ اللَّه عَلَى هَلَاكهمْ , بَعَثَ اللَّه مَلِكًا مِنْ عِنْده , فَقَالَ لَهُ : اذْهَبْ إلَى إرميا فَاسْتَفْتِهِ , وَأَمَرَهُ بِاَلَّذِي يَسْتَفْتِيه فِيهِ , فَأَقْبَلَ الْمَلِك إلَى إرميا , وَقَدْ تَمَثَّلَ لَهُ رَجُلًا مِنْ بَنِي إسْرَائِيل , فَقَالَ لَهُ إرميا : مَنْ أَنْت ؟ قَالَ : رَجُل مِنْ بَنِي إسْرَائِيل أَسْتَفْتِيك فِي بَعْض أَمْرِي , فَأَذِنَ لَهُ , فَقَالَ الْمَلِك : يَا نَبِيّ اللَّه أَتَيْتُك أَسْتَفْتِيك فِي أَهْل رَحِمِي , وَصَلْت أَرْحَامهمْ بِمَا أَمَرَنِي اللَّه بِهِ , لَمْ آتِ إلَيْهِمْ إلَّا حَسَنًا , وَلَمْ آلِهِمْ كَرَامَة , فَلَا تَزِيدهُمْ كَرَامَتِي إيَّاهُمْ إلَّا إسْخَاطًا لِي , فَأَفْتِنِي فِيهِمْ يَا نَبِيّ اللَّه , فَقَالَ لَهُ : أَحْسِنْ فِيمَا بَيْنك وَبَيْن اللَّه , وَصِلْ مَا أَمَرَك اللَّه بِهِ أَنْ تَصِل , وَأَبْشِرْ بِخَيْرٍ , فَانْصَرَفَ عَنْهُ الْمَلِك ; فَمَكَثَ أَيَّامًا ثُمَّ أَقَبْل إلَيْهِ فِي صُورَة ذَلِك الرَّجُل الَّذِي جَاءَهُ , فَقَعَدَ بَيْن يَدَيْهِ , فَقَالَ لَهُ إرميا : مَنْ أَنْت ؟ قَالَ : أَنَا الرَّجُل الَّذِي أَتَيْتُك فِي شَأْن أَهْلِي , فَقَالَ لَهُ نَبِيّ اللَّه , أَوَمَا طَهَّرْت لَك أَخْلَاقهمْ بَعْد , وَلَمْ تَرَ مِنْهُمْ الَّذِي تُحِبّ , فَقَالَ : يَا نَبِيّ اللَّه , وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ مَا أَعْلَم كَرَامَة يَأْتِيهَا أَحَد مِنْ النَّاس إلَى أَهْل رَحِمه إلَّا وَقَدْ أَتَيْتهَا إلَيْهِمْ وَأَفْضَل مِنْ ذَلِك , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ارْجِعْ إلَى أَهْلك فَأَحْسِنْ إلَيْهِمْ , أَسْأَل اللَّه الَّذِي يُصْلِح عِبَاده الصَّالِحِينَ أَنْ يُصْلِح ذَات بَيْنكُمْ , وَأَنْ يَجْمَعكُمْ عَلَى مَرْضَاته , وَيُجَنِّبكُمْ سَخَطه , فَقَالَ الْمَلِك مِنْ عِنْده , فَلَبِثَ أَيَّامًا , وَقَدْ نَزَلَ بَخْتِنْصَر بِجُنُودِهِ حَوْل بَيْت الْمَقْدِس أَكْثَر مِنْ الْجَرَاد , فَفَزِعَ بَنُو إسْرَائِيل فَزَعًا شَدِيدًا , وَشَقَّ ذَلِك عَلَى مُلْك بَنِي إسْرَائِيل , فَدَعَا إرميا , فَقَالَ : يَا نَبِيّ اللَّه , أَيْنَ مَا وَعَدَك اللَّه , إنِّي بِرَبِّي وَاثِق , ثُمَّ إنَّ الْمَلِك أَقْبَلَ إلَى إرميا وَهُوَ قَاعِد عَلَى جِدَار بَيْت الْمَقْدِس يَضْحَك وَيَسْتَبْشِر بِنَصْرِ رَبّه الَّذِي وَعَدَهُ , فَقَعَدَ بَيْن يَدَيْهِ , فَقَالَ لَهُ إرميا : مَنْ أَنْت ؟ قَالَ : أَنَا الَّذِي كُنْت اسْتَفْتَيْتُك فِي شَأْن أَهْلِي مَرَّتَيْنِ , فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَوَلَمْ يَأْنِ لَهُمْ أَنْ يُفِيقُوا مِنْ الَّذِي هُمْ فِيهِ ؟ فَقَالَ الْمَلِك : يَا نَبِيّ اللَّه كُلّ شَيْء كَانَ يُصِيبنِي مِنْهُمْ قَبْل الْيَوْم كُنْت أَصْبِر عَلَيْهِ , وَأَعْلَم أَنَّمَا قَصْدهمْ فِي ذَلِك سَخَطِي , فَلَمَّا أَتَيْتهمْ الْيَوْم رَأَيْتهمْ فِي عَمَل لَا يُرْضِي اللَّه , وَلَا يُحِبّهُ اللَّه , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَلَى أَيّ عَمَل رَأَيْتهمْ ؟ قَالَ : يَا نَبِيّ اللَّه رَأَيْتهمْ عَلَى عَمَل عَظِيم مِنْ سَخَط اللَّه , وَلَوْ كَانُوا عَلَى مِثْل مَا كَانُوا عَلَيْهِ قَبْل الْيَوْم لَمْ يَشْتَدّ عَلَيْهِمْ غَضَبِي , وَصَبَرْت لَهُمْ وَرَجَوْتهمْ , وَلَكِنْ غَضِبْت الْيَوْم لِلَّهِ وَلَك , فَأَتَيْتُك لِأُخْبِرك خَبَرهمْ , وَإِنِّي أَسَأَلَك بِاَللَّهِ الَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ إلَّا مَا دَعَوْت عَلَيْهِمْ رَبّك أَنْ يُهْلِكهُمْ , فَقَالَ إرميا : يَا مَالِك السَّمَوَات وَالْأَرْض , إنْ كَانُوا عَلَى حَقّ وَصَوَاب فَأَبْقِهِمْ , وَإِنْ كَانُوا عَلَى سَخَطك وَعَمَل لَا تَرْضَاهُ , فَأَهْلِكْهُمْ ; فَلَمَّا خَرَجَتْ الْكَلِمَة مِنْ فِي إرميا أَرْسَلَ اللَّه صَاعِقَة مِنْ السَّمَاء فِي بَيْت الْمَقْدِس , فَالْتَهَبَ مَكَان الْقُرْبَانِ وَخَسَفَ بِسَبْعَةِ أَبْوَاب مِنْ أَبْوَابهَا ; فَلَمَّا رَأَى ذَلِك إرميا صَاحَ وَشَقَّ ثِيَابه , وَنَبَذَ الرَّمَاد عَلَى رَأْسه , فَقَالَ يَا مَلِك السَّمَاء , وَيَا أَرْحَم الرَّاحِمِينَ أَيْنَ مِيعَادك الَّذِي وَعَدْتنِي ؟ فَنُودِيَ إرميا إنَّهُ لَمْ يُصِبْهُمْ الَّذِي أَصَابَهُمْ إلَّا بِفُتْيَاك الَّتِي أَفْتَيْت بِهَا رَسُولنَا , فَاسْتَيْقَنَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا فُتْيَاهُ الَّتِي أَفَتَى بِهَا ثَلَاث مَرَّات , وَأَنَّهُ رَسُول رَبّه , فَطَارَ إرميا حَتَّى خَالَطَ الْوُحُوش , وَدَخَلَ بَخْتِنْصَر وَجُنُوده بَيْت الْمَقْدِس , فَوَطِئَ الشَّام وَقَتَلَ بَنِي إسْرَائِيل حَتَّى أَفْنَاهُمْ , وَخَرَّبَ بَيْت الْمَقْدِس , ثُمَّ أَمَرَ جُنُوده أَنْ يَمْلَأ كُلّ رَجُل مِنْهُمْ تُرْسه تُرَابًا ثُمَّ يَقْذِفهُ فِي بَيْت الْمَقْدِس , فَقَذَفُوا فِيهِ التُّرَاب حَتَّى مَلَئُوهُ , ثُمَّ انْصَرَفَ رَاجِعًا إلَى أَرْض بَابِل , وَاحْتَمَلَ مَعَهُ سَبَايَا بَنِي إسْرَائِيل , وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْمَعُوا مَنْ كَانَ فِي بَيْت الْمَقْدِس كُلّهمْ , فَاجْتَمَعَ عِنْده كُلّ صَغِير وَكَبِير مِنْ بَنِي إسْرَائِيل , فَاخْتَارَ مِنْهُمْ تِسْعِينَ أَلْف صَبِيّ ; فَلَمَّا خَرَجَتْ غَنَائِم جُنْده , وَأَرَادَ أَنْ يُقَسِّمهُمْ فِيهِمْ , قَالَتْ لَهُ الْمُلُوك الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ : أَيّهَا الْمَلِك , لَك غَنَائِمنَا كُلّهَا , وَاقْسِمْ بَيْننَا هَؤُلَاءِ الصِّبْيَان الَّذِينَ اخْتَرْتهمْ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل , فَفَعَلَ , فَأَصَابَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمْ أَرْبَعَة غِلْمَة , وَكَانَ مِنْ أُولَئِكَ الْغِلْمَان : دَانْيَال , وعزاريا , وَمَسَايِل , وحنانيا . وَجَعَلَهُمْ بَخْتِنْصَر ثَلَاث فِرَق : فَثُلُثًا أَقَرَّ بِالشَّامِ , وَثُلُثًا سَبَى , وَثُلُثًا قَتَلَ , وَذَهَبَ بِأَسْبِيَةِ بَيْت الْمَقْدِس حَتَّى أَقْدَمَهَا بَابِل وَبِالصِّبْيَانِ التِّسْعِينَ الْأَلْف حَتَّى أَقْدَمَهُمْ بَابِل , فَكَانَتْ هَذِهِ الْوَاقِعَة الْأُولَى الَّتِي ذَكَّرَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره نَبِيّ اللَّه بِأَحْدَاثِهِمْ وَظُلْمهمْ , فَلَمَّا وَلَّى بُخْتُنَصَّرَ عَنْهُ رَاجِعًا إلَى بَابِل بِمَنْ مَعَهُ مِنْ سَبَايَا بَنِي إسْرَائِيل , أَقْبَلَ إرميا عَلَى حِمَار لَهُ مَعَهُ عَصِير مِنْ عِنَب فِي زكرة وَسَلَّة تِين , حَتَّى أَتَى إيلِيَا , فَلَمَّا وَقَفَ عَلَيْهَا , وَرَأَى مَا بِهَا مِنْ الْخَرَاب دَخَلَهُ شَكّ , فَقَالَ : { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا فَأَمَاتَهُ اللَّه مِائَة عَام } وَحِمَاره وَعَصِيره وَسَلَّة تِينه عِنْده حَيْثُ أَمَاتَهُ اللَّه , وَمَاتَ حِمَاره مَعَهُ , فَأَعْمَى اللَّه عَنْهُ الْعُيُون , فَلَمْ يَرَهُ أَحَد , ثُمَّ بَعَثَهُ اللَّه تَعَالَى , فَقَالَ لَهُ : { كَمْ لَبِثْت قَالَ لَبِثْت يَوْمًا أَوْ بَعْض يَوْم قَالَ بَلْ لَبِثْت مِائَة عَام فَانْظُرْ إلَى طَعَامك وَشَرَابك لَمْ يَتَسَنَّه } يَقُول : لَمْ يَتَغَيَّر { وَانْظُرْ إلَى حِمَارك وَلِنَجْعَلك آيَة لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إلَى الْعِظَام كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا } فَنَظَرَ إلَى حِمَاره يَتَّصِل بَعْضه إلَى بَعْض , وَقَدْ مَاتَ مَعَهُ بِالْعُرُوقِ وَالْعَصَب , ثُمَّ كَيْفَ كُسِيَ ذَلِك مِنْهُ اللَّحْم , حَتَّى اسْتَوَى , ثُمَّ جَرَى فِيهِ الرُّوح , فَقَامَ يَنْهَق , وَنَظَرَ إلَى عَصِيره وَتِينه , فَإِذَا هُوَ عَلَى هَيْئَته حِين وَضَعَهُ لَمْ يَتَغَيَّر . فَلَمَّا عَايَنَ مِنْ قُدْرَة اللَّه مَا عَايَنَ قَالَ : أَعْلَم أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير , ثُمَّ عَمَّرَ اللَّه إرميا بَعْد ذَلِك , فَهُوَ الَّذِي يَرَى بِفَلَوَاتِ الْأَرْض وَالْبُلْدَان . 4617 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَسْكَر وَابْن زَنْجُوَيْهِ , قَالَا : ثنا إسْمَاعِيل بْن عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : ثني عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل أَنَّهُ سَمِعَ وَهْب بْن مُنَبِّه يَقُول : أَوْحَى اللَّه إلَى إرميا وَهُوَ بِأَرْضِ مِصْر أَنَّ الْحَقّ بِأَرْضِ إيلِيَا , فَإِنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ لَك بِأَرْضِ مُقَام , فَرَكِبَ حِمَاره , حَتَّى إذَا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيق , وَمَعَهُ سَلَّة مِنْ عِنَب وَتِين , وَكَانَ مَعَهُ سِقَاء حَدِيد , فَمَلَأَهُ مَاء , فَلَمَّا بَدَا لَهُ شَخْص بَيْت الْمَقْدِس وَمَا حَوْله مِنْ الْقُرَى وَالْمَسَاجِد , وَنَظَرَ إلَى خَرَاب لَا يُوصَف , وَرَأَى هَدْم بَيْت الْمَقْدِس كَالْجَبَلِ الْعَظِيم , قَالَ : { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا } وَسَارَ حَتَّى تَبَوَّأَ مِنْهَا مَنْزِلًا , فَرَبَطَ حِمَاره بِحَبْلٍ جَدِيد . وَعَلَّقَ سِقَاءَهُ , وَأَلْقَى اللَّه عَلَيْهِ السُّبَات ; فَلَمَّا نَامَ نَزَعَ اللَّه رُوحه مِائَة عَام ; فَلَمَّا مَرَّتْ مِنْ الْمِائَة سَبْعُونَ عَامًا , أَرْسَلَ اللَّه مَلِكًا إلَى مَلِك مِنْ مُلُوك فَارِس عَظِيم يُقَال لَهُ يوسك , فَقَالَ : إنَّ اللَّه يَأْمُرك أَنَّ تَنْفِر بِقَوْمِك فَتَعْمُر بَيْت الْمَقْدِس وَإِيلِيَاء وَأَرْضهَا , حَتَّى تَعُود أَعْمَرَ مَا كَانَتْ , فَقَالَ الْمَلِك : أَنْظِرْنِي ثَلَاثه أَيَّام حَتَّى أَتَأَهَّب لِهَذَا الْعَمَل وَلِمَا يُصْلِحهُ مِنْ أَدَاء الْعَمَل , فَأَنْظَرَهُ ثَلَاثَة أَيَّام , فَانْتَدَبَ ثَلَاثمِائَةِ قَهْرَمَان , وَدَفَعَ إلَى كُلّ قَهْرَمَان أَلْف عَامِل , وَمَا يُصْلِحهُ مِنْ أَدَاة الْعَمَل , فَسَارَ إلَيْهَا قَهَارِمَته , وَمَعَهُمْ ثَلَاثمِائَةِ أَلْف عَامِل ; فَلَمَّا وَقَعُوا فِي الْعَمَل رَدَّ اللَّه رُوح الْحَيَاة فِي عَيْن إرميا , وَأَخَّرَ جَسَده مَيِّتًا , فَنَظَرَ إلَى إيلِيَا وَمَا حَوْلهَا مِنْ الْقُرَى وَالْمَسَاجِد وَالْأَنْهَار وَالْحُرُوث تَعْمَل وَتُعَمِّر وَتُجَدِّد , حَتَّى صَارَتْ كَمَا كَانَتْ . وَبَعْد ثَلَاثِينَ سَنَة تَمَام الْمَائِه , رَدَّ إلَيْهِ الرُّوح , فَنَظَرَ إلَى طَعَامه وَشَرَابه لَمْ يَتَسَنَّه , وَنَظَرَ إلَى حِمَاره وَاقِفًا كَهَيْئَتِهِ يَوْم رَبَطَهُ لَمْ يَطْعَم وَلَمْ يَشْرَب , وَنَظَرَ إلَى الرِّمَّة فِي عُنُق الْحِمَار لَمْ تَتَغَيَّر جَدِيدَةً , وَقَدْ أَتَى عَلَى ذَلِك رِيح مِائَة عَام وَبَرْد مِائَة عَام وَحَرّ مِائَة عَام , لَمْ تَتَغَيَّر وَلَمْ تُنْتَقَض شَيْئًا , وَقَدْ نَحَلَ جِسْم إرميا مِنْ الْبِلَى , فَأَنْبَتَ اللَّه لَهُ لَحْمًا جَدِيدًا , وَنَشَزَ عِظَامه وَهُوَ يَنْظُر , فَقَالَ لَهُ اللَّه : { اُنْظُرْ إلَى طَعَامك وَشَرَابك لَمْ يَتَسَنَّه وَانْظُرْ إلَى حِمَارك وَلِنَجْعَلك آيَة لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إلَى الْعِظَام كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَم أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } . 4618 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل أَنَّهُ سَمِعَ وَهْب بْن مُنَبِّه يَقُول فِي قَوْله : { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا } إنَّ إرميا لَمَّا خَرِبَ بَيْت الْمَقْدِس وَحُرِّقَتْ الْكُتُب , وَقَفَ فِي نَاحِيَة الْجَبَل , فَقَالَ : { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا فَأَمَاتَهُ اللَّه مِائَة عَام } ثُمَّ رَدَّ اللَّه مَنْ رَدَّ مِنْ بَنِي إسْرَائِيل عَلَى رَأْس سَبْعِينَ سَنَة مِنْ حِين أَمَاتَهُ يَعْمُرُونَهَا ثَلَاثِينَ سَنَة تَمَام الْمِائَة ; فَلَمَّا ذَهَبَتْ الْمِائَة رَدَّ اللَّه رُوحه وَقَدْ عَمُرَتْ عَلَى حَالهَا الْأُولَى , فَجَعَلَ يَنْظُر إلَى الْعِظَام كَيْفَ تَلْتَام بَعْضهَا إلَى بَعْض , ثُمَّ نَظَرَ إلَى الْعِظَام كَيْفَ تُكْسَى عَصَبًا وَلَحْمًا . { فَلَمَّا تَبَيَّنَ } لَهُ ذَلِك { قَالَ أَعْلَم أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } فَقَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { اُنْظُرْ إلَى طَعَامك وَشَرَابك لَمْ يَتَسَنَّه } قَالَ : فَكَانَ طَعَامه تِينًا فِي مِكْتَل , وَقُلَّة فِيهَا مَاء . 4619 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيه وَهِيَ خَاوِيه عَلَى عُرُوشهَا } وَذَلِك أَنَّ عُزَيْرًا مَرَّ جَائِيًا مِنْ الشَّام عَلَى حِمَار لَهُ مَعَهُ عَصِير وَعِنَب وَتِين ; فَلَمَّا مَرَّ بِالْقَرْيَةِ فَرَآهَا , وَقَفَ عَلَيْهَا وَقَلَّبَ يَده وَقَالَ : كَيْفَ يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا ؟ لَيْسَ تَكْذِيبًا مِنْهُ وَشَكًّا . فَأَمَاتَهُ اللَّه وَأَمَاتَ حِمَاره , فَهَلَكَا وَمَرَّ عَلَيْهِمَا مِائَة سَنَة . ثُمَّ إنَّ اللَّه أَحْيَا عُزَيْرًا فَقَالَ لَهُ : كَمْ لَبِثْت ؟ قَالَ لَهُ : لَبِثْت يَوْمًا أَوْ بَعْض . قِيلَ لَهُ : بَلْ لَبِثْت مِائَة عَام , فَانْظُرْ إلَى طَعَامك مِنْ التِّين وَالْعِنَب , وَشَرَابك مِنْ الْعَصِير { لَمْ يُتَسَنَّه } . الْآيَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْت قَالَ لَبِثْت يَوْمًا أَوْ بَعْض يَوْم قَالَ بَلْ مِائَة عَام } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { ثُمَّ بَعَثَهُ } ثُمَّ أَثَارَهُ حَيًّا مِنْ بَعْد مَمَاته . وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى مَعْنَى الْبَعْث فِيمَا مَضَى قَبْل . وَأَمَّا مَعْنَى قَوْله : { كَمْ لَبِثْت } فَإِنَّ كَمْ اسْتِفْهَام فِي كَلَام الْعَرَب عَنْ مَبْلَغ الْعَدَد , وَهُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِع نُصِبَ ب " لَبِثْت " , وَتَأْوِيله : قَالَ اللَّه لَهُ : كَمْ قَدْر الزَّمَان الَّذِي لَبِثْت مَيِّتًا قَبْل . أَنْ أَبْعَثك مِنْ مَمَاتك حَيًّا ؟ قَالَ الْمَبْعُوث بَعْد مَمَاته : لَبِثْت مَيِّتًا إلَى أَنْ بَعَثْتنِي حَيًّا يَوْمًا وَاحِدًا أَوْ بَعْض يَوْم . وَذَكَرَ أَنَّ الْمَبْعُوث هُوَ إرميا أَوْ عُزَيْر , أَوْ مَنْ كَانَ مِمَّنْ أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُ هَذَا الْخَبَر . وَإِنَّمَا قَالَ : { لَبِثْت يَوْمًا أَوْ بَعْض يَوْم } لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره كَانَ قَبَضَ رُوحه أَوَّل النَّهَار , ثُمَّ رَدَّ رُوحه آخِر النَّهَار بَعْد الْمِائَة عَام فَقِيلَ لَهُ : كَمْ لَبِثْت ؟ قَالَ : لَبِثْت يَوْمًا ; وَهُوَ يَرَى أَنَّ الشَّمْس قَدْ غَرَبَتْ فَكَانَ ذَلِك عِنْده يَوْمًا لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ قَبَضَ رُوحه أَوَّل النَّهَار وَسُئِلَ عَنْ مِقْدَار لُبْثه مَيِّتًا آخِر النَّهَار وَهُوَ يَرَى أَنَّ الشَّمْس قَدْ غَرَبَتْ , فَقَالَ : لَبِثْت يَوْمًا , ثُمَّ رَأَى بَقِيَّة مِنْ الشَّمْس قَدْ بَقِيَتْ لَمْ تَغْرُب , فَقَالَ : أَوْ بَعْض يَوْم , بِمَعْنَى : بَلْ بَعْض يَوْم , كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْره : { وَأَرْسَلْنَاهُ إلَى مِائَة أَلْف أَوْ يَزِيدُونَ } 37 147 بِمَعْنَى : بَلْ يَزِيدُونَ . فَكَانَ قَوْله : { أَوْ بَعْض يَوْم } رُجُوعًا مِنْهُ عَنْ قَوْله : { لَبِثْت يَوْمًا } . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِك قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4620 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثِنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْت قَالَ لَبِثْت يَوْمًا أَوْ بَعْض يَوْم } قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ مَاتَ ضُحًى , ثُمَّ بَعَثَهُ قَبْل غَيْبُوبَة الشَّمْس , فَقَالَ : لَبِثْت يَوْمًا . ثُمَّ الْتَفَتَ فَرَأَى بَقِيَّة مِنْ الشَّمْس , فَقَالَ : أَوْ بَعْض يَوْم . فَقَالَ : بَلْ لَبِثْت مِائَة عَام . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ : { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا } قَالَ : مَرَّ عَلَى قَرْيَة فَتَعَجَّبَ , فَقَالَ : أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا ! فَأَمَاتَهُ اللَّه أَوَّل النَّهَار , فَلَبِثَ مِائَة عَام , ثُمَّ بَعَثَهُ فِي آخِر النَّهَار , فَقَالَ : كَمْ لَبِثْت ؟ قَالَ : لَبِثْت يَوْمًا أَوْ بَعْض يَوْم , قَالَ : بَلْ لَبِثْت مِائَة عَام . 4621 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : قَالَ الرَّبِيع : أَمَاتَهُ اللَّه مِائَة عَام , ثُمَّ بَعَثَهُ , قَالَ : كَمْ لَبِثْت ؟ قَالَ : لَبِثْت يَوْمًا أَوْ بَعْض يَوْم . قَالَ : بَلْ لَبِثْت مِائَة عَام . 4622 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ , ثَنِيّ حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : لَمَّا وَقَفَ عَلَى بَيْت الْمَقْدِس وَقَدْ خَرَّبَهُ بُخْتُنَصَّرَ , قَالَ : أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا ! كَيْفَ يُعِيدهَا كَمَا كَانَتْ ؟ فَأَمَاتَهُ اللَّه . قَالَ : وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ مَاتَ ضُحًى , وَبُعِثَ قَبْل غُرُوب الشَّمْس بَعْد مِائَة عَام , فَقَالَ : كَمْ لَبِثْت ؟ قَالَ : يَوْمًا . فَلَمَّا رَأَى الشَّمْس , قَالَ : أَوْ بَعْض يَوْم .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَانْطُرْ إلَى طَعَامك وَشَرَابك لَمْ يَتَسَنَّه } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { فَانْطُرْ إلَى طَعَامك وَشَرَابك لَمْ يَتَسَنَّه } لَمْ تُغَيِّرهُ السُّنُونَ الَّتِي أَتَتْ عَلَيْهِ . وَكَانَ طَعَامه فِيمَا ذَكَرَ بَعْضهمْ سَلَّة تِين وَعِنَب وَشَرَابه قُلَّة مَاء . وَقَالَ بَعْضهمْ : بَلْ كَانَ طَعَامه سَلَّة عِنَب وَسَلَّة تِين وَشَرَابه زِقّ مِنْ عَصِير . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَ طَعَامه سَلَّة تِين , وَشَرَابه دَنّ خَمْر أَوْ زُكْرَة خَمْر . وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا مَضَى قَوْل بَعْضهمْ فِي ذَلِك وَنَذْكُر مَا فِيهِ فِيمَا يُسْتَقْبَل إنْ شَاءَ اللَّه . وَأَمَّا قَوْله { لَمْ يَتَسَنَّه } فَفِيهِ وَجْهَانِ مِنْ الْقِرَاءَة : أَحَدهمَا : " لَمْ يَتَسَنَّ " بِحَذْفِ الْهَاء فِي الْوَصْل وَإِثْبَاتهَا فِي الْوَقْف . وَمَنْ قَرَأَهُ كَذَلِك فَإِنَّهُ يَجْعَل الْهَاء فِي يَتَسَنَّه زَائِدَة صِلَة كَقَوْلِهِ : { فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ } 6 90 وَجَعَلَ فَعَلْت مِنْهُ : تَسَنَّيْت تَسَنِّيًا , وَاعْتُلَّ فِي ذَلِك بِأَنَّ السِّنَة تُجْمَع سَنَوَات , فَيَكُون تَفَعَّلْت عَلَى نَهْجه . وَمَنْ قَالَ فِي السَّنَه سُنَيْنَة فَجَائِز عَلَى ذَلِك وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا أَنْ يَكُون تَسَنَّنْت تَفَعَّلْت , أَبْدَلْت النُّون يَاء لَمَّا كَثُرَتْ النُّونَات كَمَا قَالُوا : تَظَنَّيْت وَأَصْله الظَّنّ ; وَقَدْ قَالَ قَوْم . هُوَ مَأْخُوذ مِنْ قَوْله : { مِنْ حَمَإٍ مَسْنُون } 15 26 وَهُوَ الْمُتَغَيِّر . وَذَلِك أَيْضًا إذَا كَانَ كَذَلِك , فَهُوَ أَيْضًا مِمَّا بُدِّلَتْ نُونه يَاء , وَهُوَ قِرَاءَة عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة . وَالْآخَر مِنْهُمَا : إثْبَات الْهَاء فِي الْوَصْل وَالْوَقْف , وَمَنْ قَرَأَهُ كَذَلِك فَإِنَّهُ يَجْعَل الْهَاء فِي يَتَسَنَّه لَامَ الْفِعْل وَيَحْمِلهَا مَجْزُومَة بِلَمْ , وَيَحْصُل فَعَلْت مِنْهُ تَسَنَّهْت , وَيَفْعَل : أَتَسَنَّهُ تَسَنُّهًا , وَقَالَ فِي تَصْغِير السَّنَه : سُنَيْهَة , وَمِنْهُ : أَسْنَهْت عِنْد الْقَوْم , وَتَسَنَّهْت عِنْدهمْ : إذَا أَقَمْت سَنَة , هَذِهِ قِرَاءَة عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْحِجَاز . وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة عِنْدِي فِي ذَلِك , إثْبَات الْهَاء فِي الْوَصْل وَالْوَقْف , لِأَنَّهَا مُثْبَتَة فِي مُصْحَف الْمُسْلِمِينَ , وَلِإِثْبَاتِهَا وَجْه صَحِيح فِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ فِي ذَلِك . وَمَعْنَى قَوْله : { لَمْ يَتَسَنَّه } لَمْ يَأْتِ عَلَيْهِ السُّنُونَ فَيَتَغَيَّر , عَلَى لُغَة مَنْ قَالَ : أَسْنَهْت عِنْدكُمْ أَسْنه : إذَا أَقَامَ سَنَة , وَكَمَا قَالَ الشَّاعِر : وَلَيْسَتْ بِسَنْهَاءٍ وَلَا رُجَبِّيَّةٍ وَلَكِنْ عَرَايَا فِي السِّنِينَ الْجَوَائِح فَجَعَلَ الْهَاء فِي السَّنَة أَصَلَا , وَهِيَ اللُّغَة الْفُصْحَى , وَغَيْر جَائِز حَذْف حَرْف مِنْ كِتَاب اللَّه فِي حَال وَقْف أَوْ وَصْل لِإِثْبَاتِهِ وَجْه مَعْرُوف فِي كَلَامهَا . فَإِنْ اعْتَلَّ مُعْتَلّ بِأَنَّ الْمُصْحَف قَدْ أُلْحِقَتْ فِيهِ حُرُوف هُنَّ زَوَائِد عَلَى نِيَّة الْوَقْف , وَالْوَجْه فِي الْأَصْل عِنْد الْقِرَاءَة حَذْفهنَّ , وَذَلِك كَقَوْلِهِ : { فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ } 6 90 وَقَوْله : { يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ } 69 25 فَإِنَّ ذَلِك هُوَ مِمَّا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَكّ أَنَّهُ مِنْ الزَّوَائِد , وَأَنَّهُ أُلْحِقَ عَلَى نِيَّة الْوَقْف . فَأَمَّا مَا كَانَ مُحْتَمِلًا أَنْ يَكُون أَصْلًا لِلْحَرْفِ غَيْر زَائِد فَغَيْر جَائِز , وَهُوَ فِي مُصْحَف الْمُسْلِمِينَ مُثْبَت صَرْفه إلَى أَنَّهُ مِنْ الزَّوَائِد وَالصِّلَات . عَلَى أَنَّ ذَلِك وَإِنْ كَانَ زَائِدًا فِيمَا لَا شَكَّ أَنَّهُ مِنْ الزَّوَائِد , فَإِنَّ الْعَرَب قَدْ تَصِل الْكَلَام بِزَائِدٍ , فَتَنْطِق بِهِ عَلَى نَحْو مَنْطِقهَا بِهِ فِي حَال الْقَطْع , فَيَكُون وَصْلهَا إيَّاهُ وَقَطْعهَا سَوَاء . وَذَلِكَ مِنْ فِعْلهَا دِلَالَة عَلَى صِحَّة قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ جَمِيع ذَلِك بِإِثْبَاتِ الْهَاء فِي الْوَصْل وَالْوَقْف , غَيْر أَنَّ ذَلِك وَإِنْ كَانَ كَذَلِك فَلِقَوْلِهِ : { لَمْ يَتَسَنَّه } حُكْم مُفَارِق حُكْم مَا كَانَ هَاؤُهُ زَائِدًا لَا شَكَّ فِي زِيَادَته فِيهِ . وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا , مِنْ أَنَّ الْهَاء فِي يَتَسَنَّه مِنْ لُغَة مَنْ قَالَ : " قَدْ أَسْنَهْت " و " الْمُسَانَهَة " , مَا : 4623 - حُدِّثْت بِهِ عَنْ الْقَاسِم بْن سَلَام , قَالَ : ثنا ابْن مَهْدِيّ , عَنْ أَبِي الْجَرَّاح , عَنْ سُلَيْمَان بْن عُمَيْر , قَالَ : ثَنِيّ هَانِئ مَوْلَى عُثْمَان , قَالَ : كُنْت الرَّسُول بَيْن عُثْمَان وَزَيْد بْن ثَابِت , فَقَالَ زَيْد : سَلْهُ عَنْ قَوْله : لَمْ يَتَسَنَّ , أَوْ لَمْ يَتَسَنَّه ؟ فَقَالَ عُثْمَان : اجْعَلُوا فِيهَا هَاء . 4624 - حُدِّثْت عَنْ الْقَاسِم , وَحَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مُحَمَّد الْعَطَّار , عَنْ الْقَاسِم , وَحَدَّثَنَا أَحْمَد وَالْعَطَّار جَمِيعًا , عَنْ الْقَاسِم , قَالَ : ثنا ابْن مَهْدِيّ , عَنْ ابْن الْمُبَارَك , قَالَ : ثني أَبُو وَائِل شَيْخ مِنْ أَهْل الْيَمَن عَنْ هَانِئ الْبَرْبَرِيّ , قَالَ : كُنْت عِنْد عُثْمَان وَهُمْ يَعْرِضُونَ الْمَصَاحِف , فَأَرْسَلَنِي بِكَتِفِ شَاة إلَى أُبَيِّ بْن كَعْب فِيهَا : " لَمْ يَتَسَنَّ " و " فَأَمْهَلَ الْكَافِرِينَ " و " لَا تَبْدِيل لِلْخَلْقِ " . قَالَ : فَدَعَا بِالدَّوَاةِ , فَمَحَا إحْدَى اللَّامَيْنِ وَكَتَبَ : { لَا تَبْدِيل لِخَلْقِ اللَّه } 30 30 وَمَحَا " فَأَمْهَلَ " وَكَتَبَ : { فَمَهِّلْ الْكَافِرِينَ } 86 17 وَكَتَبَ : " لَمْ يَتَسَنَّه " أَلْحَقَ فِيهَا الْهَاء . وَلَوْ كَانَ ذَلِك مِنْ " يَتَسَنَّى " أَوْ " يَتَسَنَّن " لَمَا أَلْحَقَ فِيهِ أُبَيّ هَاء لَا مَوْضِع لَهَا فِيهِ , وَلَا أَمَرَ عُثْمَان بِإِلْحَاقِهَا فِيهَا . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ زَيْد بْن ثَابِت فِي ذَلِك نَحْو الَّذِي رُوِيَ فِيهِ عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله { لَمْ يَتَسَنَّه } فَقَالَ بَعْضهمْ بِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِيهِ مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ لَمْ يَتَغَيَّر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4625 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة بْن الْمُفَضَّل , عَنْ مُحَمَّد بْن إسْحَاق , عَمَّنْ لَا يَتَّهِم , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه : { لَمْ يَتَسَنَّه } لَمْ يَتَغَيَّر . 4626 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { لَمْ يَتَسَنَّه } لَمْ يَتَغَيَّر . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنٍ قَتَادَةَ , مِثْله . 4627 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَانْظُرْ إلَى طَعَامك وَشَرَابك لَمْ يَتَسَنَّه } يَقُول : فَانْظُرْ إلَى طَعَامك مِنْ التِّين وَالْعِنَب , وَشَرَابك مِنْ الْعَصِير لَمْ يَتَسَنَّه , يَقُول : لَمْ يَتَغَيَّر فَيَحْمُض التِّين وَالْعِنَب , وَلَمْ يَخْتَمِر الْعَصِير هُمَا حُلْوَانِ كَمَا هُمَا . وَذَلِك أَنَّهُ مَرَّ جَائِيًا مِنْ الشَّام عَلَى حِمَار لَهُ مَعَهُ عَصِير وَعِنَب وَتِين , فَأَمَاتَهُ اللَّه , وَأَمَاتَ حِمَاره , وَمَرَّ عَلَيْهِمَا مِائَة سَنَة . 4628 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { فَانْظُرْ إلَى طَعَامك وَشَرَابك لَمْ يَتَسَنَّه } يَقُول : لَمْ يَتَغَيَّر , وَقَدْ أَتَى عَلَيْهِ مِائَة عَام . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : أَخْبَرَنَا إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , بِنَحْوِهِ . 4629 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثَنِيّ مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { لَمْ يَتَسَنَّه } لَمْ يَتَغَيَّر . 4630 - حَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ النَّضْر , عَنْ عِكْرِمَة : { لَمْ يَتَسَنَّه } لَمْ يَتَغَيَّر . 4631 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { لَمْ يَتَسَنَّه } لَمْ يَتَغَيَّر فِي مِائَة سَنَة . 4632 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي بَكْر بْن مُضَر , قَالَ : يَزْعُمُونَ فِي بَعْض الْكُتُب أَنَّ إرميا كَانَ بِإِيلِيَا حِين خَرَّبَهَا بُخْتُنَصَّرَ , فَخَرَجَ مِنْهَا إلَى مِصْر فَكَانَ بِهَا , فَأَوْحَى اللَّه إلَيْهِ أَنْ اُخْرُجْ مِنْهَا إلَى بَيْت الْمَقْدِس . فَأَتَاهَا فَإِذَا هِيَ خَرِبَة , فَنَظَرَ إلَيْهَا فَقَالَ : أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا ! فَأَمَاتَهُ اللَّه مِائَة عَام ثُمَّ بَعَثَهُ , فَإِذَا حِمَاره حَيّ قَائِم عَلَى رِبَاطه , وَإِذَا طَعَامه سَلّ عِنَب وَسَلّ تِين لَمْ يَتَغَيَّر عَنْ حَاله . قَالَ يُونُس : قَالَ لَنَا سَلْم الْخَوَّاص : كَانَ طَعَامه وَشَرَابه سَلّ عِنَب وَسَلّ تِين وَزِقّ عَصِير . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِك : لَمْ يَنْتُن . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4633 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد قَوْله : { لَمْ يَتَسَنَّه } لَمْ يَنْتُن . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثِنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 4634 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثِنَا الْحَسَن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد قَوْله : { إلَى طَعَامك } قَالَ : سَلّ تِين , { وَشَرَابك } دَنّ خَمْر , { لَمْ يَتَسَنَّه } يَقُول : لَمْ يَنْتُن . وَأَحْسَب أَنَّ مُجَاهَدًا وَالرَّبِيع وَمَنْ قَالَ فِي ذَلِك بِقَوْلِهِمَا رَأَوْا أَنَّ قَوْله : { لَمْ يَتَسَنَّه } مِنْ قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { مِنْ حَمَإٍ مَسْنُون } 15 26 بِمَعْنَى الْمُتَغَيِّر الرِّيح بِالنَّتِنِ مِنْ قَوْل الْقَائِل : تَسَنَّنَ . وَقَدْ بَيَّنْت الدِّلَالَة فِيمَا مَضَى عَلَى أَنَّ ذَلِك لَيْسَ كَذَلِك . فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّهُ مِنْ الْآسِن مِنْ قَوْل الْقَائِل : أَسِنَ هَذَا الْمَاء يَأْسُن أَسْنًا , كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { فِيهَا أَنْهَار مِنْ مَاء غَيْر آسِن } 47 15 فَإِنَّهُ ذَلِك لَوْ كَانَ كَذَلِك لَكَانَ الْكَلَام : فَانْطُرْ إلَى طَعَامك وَشَرَابك لَمْ يَتَأَسَّن , وَلَمْ يَكُنْ يَتَسَنَّه . فَإِنَّهُ مِنْهُ , غَيْر أَنَّهُ تَرَكَ هَمْزَة , قِيلَ : فَإِنَّهُ وَإِنْ تَرَكَ هَمْزه فَغَيْر جَائِز تَشْدِيد نُونه , لِأَنَّ النُّون غَيْر مُشَدَّدَة , وَهِيَ فِي يَتَسَنَّه مُشَدَّدَة , وَلَوْ نَطَقَ مِنْ يَتَأَسَّن بِتَرْكِ الْهَمْزَة لَقِيلَ يَتَسَنَّ بِتَخْفِيفِ نُونه بِغَيْرِ هَاء تَلْحَق فِيهِ , فَفِي ذَلِك بَيَان وَاضِح أَنَّهُ غَيْر جَائِز أَنْ يَكُون مِنْ الْأَسَن .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَانْظُرْ إلَى حِمَارك } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَانْظُرْ إلَى حِمَارك } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِك : وَانْظُرْ إلَى إحْيَائِي حِمَارك , وَإِلَى عِظَامه كَيْفَ أُنْشِزُهَا ثُمَّ أَكْسُوهَا لَحْمًا . ثُمَّ اخْتَلَفَ مُتَأَوِّلُو ذَلِك فِي هَذَا التَّأْوِيل , فَقَالَ بَعْضهمْ : قَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره ذَلِك لَهُ بَعْد أَنْ أَحْيَاهُ خَلْقًا سَوِيًّا , ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُحْيِيَ حِمَاره ; تَعْرِيفًا مِنْهُ تَعَالَى ذِكْره لَهُ كَيْفِيَّة إحْيَائِهِ الْقَرْيَة الَّتِي رَآهَا خَاوِيَة عَلَى عُرُوشهَا , فَقَالَ : { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا } مُسْتَنْكِرًا إحْيَاء اللَّه إيَّاهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4635 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَمَّنْ لَا يُتَّهَم , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه , قَالَ : بَعَثَهُ اللَّه فَقَالَ : { كَمْ لَبِثْت قَالَ لَبِثْت يَوْمًا أَوْ بَعْض يَوْم } إلَى قَوْله : { ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا } قَالَ : فَنَظَرَ إلَى حِمَاره يَتَّصِل بَعْض إلَى بَعْض , وَقَدْ كَانَ مَاتَ مَعَهُ بِالْعُرُوقِ وَالْعَصَب , ثُمَّ كَسَا ذَلِك مِنْهُ اللَّحْم حَتَّى اسْتَوَى ثُمَّ جَرَى فِيهِ الرُّوح , فَقَامَ يَنْهَق . وَنَظَرَ إلَى عَصِيره وَتِينه , فَإِذَا هُوَ عَلَى هَيْئَته حِين وَضَعَهُ لَمْ يَتَغَيَّر . فَلَمَّا عَايَنَ مِنْ قُدْرَة اللَّه مَا عَايَنَ , قَالَ : { أَعْلَم أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } . 4636 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : ثُمَّ إنَّ اللَّه أَحْيَا عُزَيْرًا , فَقَالَ : كَمْ لَبِثْت ؟ قَالَ : لَبِثْت يَوْمًا أَوْ بَعْض يَوْم . قَالَ : بَلْ لَبِثْت مِائَة عَام , فَانْظُرْ إلَى طَعَامك وَشَرَابك لَمْ يَتَسَنَّه , وَانْظُرْ إلَى حِمَارك قَدْ هَلَكَ وَبَلِيَتْ عِظَامه , وَانْظُرْ إلَى عِظَامه كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا . فَبَعَثَ اللَّه رِيحًا , فَجَاءَتْ بِعِظَامِ الْحِمَار مِنْ كُلّ سَهْل وَجَبَل ذَهَبَتْ بِهِ الطَّيْر وَالسِّبَاع , فَاجْتَمَعَتْ , فَرُكِّبَ بَعْضهَا فِي بَعْض وَهُوَ يَنْظُر , فَصَارَ حِمَارًا مِنْ عِظَام لَيْسَ لَهُ لَحْم وَلَا دَم . ثُمَّ إنَّ اللَّه كَسَا الْعِظَام لَحْمًا وَدَمًا , فَقَامَ حِمَارًا مِنْ لَحْم وَدَم وَلَيْسَ فِيهِ رُوح . ثُمَّ أَقْبَلَ مَلَك يَمْشِي حَتَّى أَخَذَ بِمَنْخِرِ الْحِمَار , فَنَفَخَ فِيهِ فَنَهَقَ الْحِمَار , فَقَالَ : أَعْلَم أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير . فَتَأْوِيل الْكَلَام عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ قَائِل هَذَا الْقَوْل : وَانْظُرْ إلَى إحْيَائِنَا حِمَارك , وَإِلَى عِظَامه كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا , وَلِنَجْعَلك آيَة لِلنَّاسِ . فَيَكُون فِي قَوْله : { وَانْظُرْ إلَى حِمَارك } مَتْرُوك مِنْ الْكَلَام , اُسْتُغْنِيَ بِدَلَالَةِ ظَاهِره عَلَيْهِ مِنْ ذِكْره , وَتَكُون الْأَلِف وَاللَّام فِي قَوْله : { وَانْظُرْ إلَى الْعِظَام } بَدَلًا مِنْ الْهَاء الْمُرَادَة فِي الْمَعْنَى , لِأَنَّ مَعْنَاهُ : وَانْظُرْ إلَى عِظَامه : يَعْنِي إلَى عِظَام الْحِمَار . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : بَلْ قَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره ذَلِك لَهُ بَعْد أَنْ نَفَخَ فِيهِ الرُّوح فِي عَيْنه , قَالُوا : وَهِيَ أَوَّل عُضْو مِنْ أَعْضَائِهِ نَفَخَ اللَّه فِيهِ الرُّوح , وَذَلِك بَعْد أَنْ سَوَّاهُ خَلْقًا سَوِيًّا , وَقَبْل أَنْ يُحْيِيَ حِمَاره . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4637 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثِنَا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : كَانَ هَذَا رَجُلًا مِنْ بَنِي إسْرَائِيل نَفَخَ الرُّوح فِي عَيْنَيْهِ , فَنَظَرَ إلَى خَلْقه كُلّه حِين يُحْيِيه اللَّه , وَإِلَى حِمَاره حِين يُحْيِيهِ اللَّه . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . 4638 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : بَدَأَ بِعَيْنَيْهِ فَنَفَخَ فِيهِمَا الرُّوح , ثُمَّ بِعِظَامِهِ فَأَنْشَزَهَا , ثُمَّ وَصَلَ بَعْضهَا إلَى بَعْض , ثُمَّ كَسَاهَا الْعَصَب , ثُمَّ الْعُرُوق , ثُمَّ اللَّحْم . ثُمَّ نَظَرَ إلَى حِمَاره , فَإِذَا حِمَاره قَدْ بَلِيَ وَابْيَضَّتْ عِظَامه فِي الْمَكَان الَّذِي رَبَطَهُ فِيهِ , فَنُودِيَ : يَا عِظَام اجْتَمِعِي , فَإِنَّ اللَّه مُنَزِّل عَلَيْك رُوحًا ! فَسَعَى كُلّ عَظْم إلَى صَاحِبه , فَوَصَلَ الْعِظَام , ثُمَّ الْعَصَب , ثُمَّ الْعُرُوق . ثُمَّ اللَّحْم , ثُمَّ الْجِلْد , ثُمَّ الشَّعْر , وَكَانَ حِمَاره جَذَعًا , فَأَحْيَاهُ اللَّه كَبِيرًا قَدْ تَشَنَّنَ , فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ إلَّا الْجِلْد مِنْ طُول الزَّمَن , وَكَانَ طَعَامه سَلّ عِنَب وَشَرَابه دَنّ خَمْر . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِد : نَفَخَ الرُّوح فِي عَيْنَيْهِ , ثُمَّ نَظَرَ بِهِمَا إلَى خَلْقه كُلّه حِين نَشَرَهُ اللَّه , وَإِلَى حِمَاره حِين يُحْيِيه اللَّه . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ جَعَلَ اللَّه الرُّوح فِي رَأْسه وَبَصَره وَجَسَده مَيِّتًا , فَرَأَى حِمَاره قَائِمًا كَهَيْئَتِهِ يَوْم رَبْطه وَطَعَامه وَشَرَابه كَهَيْئَتِهِ يَوْم حَلَّ الْبُقْعَة , ثُمَّ قَالَ اللَّه لَهُ : اُنْظُرْ إلَى عِظَام نَفْسك كَيْفَ نُنْشِزُهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4639 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَهْل بْن عَسْكَر , قَالَ : ثنا إسْمَاعِيل بْن عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : ثني عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل أَنَّهُ سَمِعَ وَهْب بْن مُنَبِّه يَقُول : رَدَّ اللَّه رُوح الْحَيَاة فِي عَيْن إرميا وَآخِر جَسَده مَيِّت , فَنَظَرَ إلَى طَعَامه وَشَرَابه لَمْ يَتَسَنَّه , وَنَظَرَ إلَى حِمَاره وَاقِفًا كَهَيْئَتِهِ يَوْم رَبْطه , لَمْ يَطْعَم وَلَمْ يَشْرَب , وَنَظَرَ إلَى الرِّمَّة فِي عُنُق الْحِمَار لَمْ تَتَغَيَّر جَدِيدَة . 4640 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { فَأَمَاتَهُ اللَّه مِائَة عَام ثُمَّ بَعَثَهُ } فَنَظَرَ إلَى حِمَاره قَائِمًا قَدْ مَكَثَ مِائَة عَام , وَإِلَى طَعَامه لَمْ يَتَغَيَّر قَدْ أَتَى عَلَيْهِ مِائَة عَام , { وَانْظُرْ إلَى الْعِظَام كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا } فَكَانَ أَوَّل شَيْء أَحْيَا اللَّه مِنْهُ رَأْسه , فَجَعَلَ يَنْظُر إلَى سَائِر خَلْقه يَخْلُق . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { فَأَمَاتَهُ اللَّه مِائَة عَام ثُمَّ بَعَثَهُ } فَنَظَرَ إلَى حِمَاره قَائِمًا , وَإِلَى طَعَامه وَشَرَابه لَمْ يَتَغَيَّر , فَكَانَ أَوَّل شَيْء خُلِقَ مِنْهُ رَأْسه , فَجَعَلَ يَنْظُر إلَى كُلّ شَيْء مِنْهُ يُوصِل بَعْضه إلَى بَعْض . فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ , قَالَ : أَعْلَم أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير . 4641 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ , قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ أَوَّل مَا خَلَقَ اللَّه مِنْهُ رَأْسه , ثُمَّ رُكِّبَتْ فِيهِ عَيْنَاهُ , ثُمَّ قِيلَ لَهُ : اُنْظُرْ ! فَجَعَلَ يَنْظُر , فَجَعَلَتْ عِظَامه تَوَاصَلُ بَعْضهَا إلَى بَعْض , وَبِعَيْنِ نَبِيّ اللَّه عَلَيْهِ السِّلَام كَانَ ذَلِك . فَقَالَ : أَعْلَم أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير . 4642 - حُدِّثْنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثِنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { وَانْظُرْ إلَى طَعَامك وَشَرَابك لَمْ يَتَسَنَّه وَانْظُرْ إلَى حِمَارك } وَكَانَ حِمَاره عِنْده كَمَا هُوَ , { وَلِنَجْعَلك آيَة لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إلَى الْعِظَام كَيْفَ نُنْشِزُهَا } . قَالَ الرَّبِيع : ذُكِرَ لَنَا وَاَللَّه أَعْلَم أَنَّهُ أَوَّل مَا خُلِقَ مِنْهُ عَيْنَاهُ , ثُمَّ قِيلَ اُنْظُرْ , فَجَعَلَ يَنْظُر إلَى الْعِظَام يَتَوَاصَل بَعْضهَا إلَى بَعْض وَذَلِك بِعَيْنَيْهِ . فَقِيلَ : أَعْلَم أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير . 4643 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن زَيْد قَالَ قَوْله : { وَانْظُرْ إلَى طَعَامك وَشَرَابك لَمْ يَتَسَنَّه وَانْظُرْ إلَى حِمَارك } وَاقِفًا عَلَيْك مُنْذُ مِائَة سَنَة , { وَلِنَجْعَلك آيَة لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إلَى الْعِظَام } يَقُول : وَانْظُرْ إلَى عِظَامك كَيْفَ نُحْيِيهَا حِين سَأَلْتنَا كَيْفَ نُحْيِي هَذِهِ الْأَرْض بَعْد مَوْتهَا . قَالَ : فَجَعَلَ اللَّه الرُّوح فِي بَصَره وَفِي لِسَانه , ثُمَّ قَالَ : اُدْعُ الْآن بِلِسَانِك الَّذِي جَعَلَ اللَّه فِيهِ الرُّوح , وَانْظُرْ بِبَصَرِك ! قَالَ : فَكَانَ يَنْظُر إلَى الْجُمْجُمَة , قَالَ : فَنَادَى : لِيَلْحَق كُلّ عَظْم بِأَلِيفِهِ , قَالَ : فَجَاءَ كُلّ عَظْم إلَى صَاحِبه , حَتَّى اتَّصَلَتْ وَهُوَ يَرَاهَا , حَتَّى أَنَّ الْكَسْرَة مِنْ الْعَظْم لَتَأْتِي إلَى الْمَوْضِع الَّذِي انْكَسَرَتْ مِنْهُ , فَتُلْصَق بِهِ حَتَّى وَصَلَ إلَى جُمْجُمَته , وَهُوَ يَرَى ذَلِك . فَلَمَّا اتَّصَلَتْ شَدَّهَا بِالْعَصَبِ وَالْعُرُوق , وَأَجْرَى عَلَيْهَا اللَّحْم وَالْجِلْد , ثُمَّ نَفَخَ فِيهَا الرُّوح , ثُمَّ قَالَ : { اُنْظُرْ إلَى الْعِظَام كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ } ذَلِك { قَالَ أَعْلَم أَنَّ اللَّه عَلَى شَيْء قَدِير } . قَالَ : ثُمَّ أُمِرَ فَنَادَى تِلْكَ الْعِظَام الَّتِي قَالَ : { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا } كَمَا نَادَى عِظَام نَفْسه , ثُمَّ أَحْيَاهَا اللَّه كَمَا أَحْيَاهُ . 4644 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي بَكْر بْن مُضَر , قَالَ : يَزْعُمُونَ فِي بَعْض الْكُتُب أَنَّ اللَّه أَمَاتَ إرميا مِائَة عَام , ثُمَّ بَعَثَهُ , فَإِذَا حِمَاره حَيّ قَائِم عَلَى رِبَاطه . قَالَ : وَرَدَّ اللَّه إلَيْهِ بَصَره وَجَعَلَ الرُّوح فِيهِ قَبْل أَنْ يُبْعَث بِثَلَاثِينَ سَنَة , ثُمَّ نَظَرَ إلَى بَيْت الْمَقْدِس وَكَيْفَ عُمِّرَ وَمَا حَوْله . قَالَ : فَيَقُولُونَ وَاَللَّه أَعْلَم : إنَّهُ الَّذِي قَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَة وَهِيَ خَاوِيَة . .. } آيَة . وَمَعْنَى الْآيَة عَلَى تَأْوِيل هَؤُلَاءِ : وَانْظُرْ إلَى حِمَارك , وَلِنَجْعَلك آيَة لِلنَّاسِ , وَانْظُرْ إلَى عِظَامك كَيْفَ نُنْشِزُهَا بَعْد بِلَاهَا , ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا , فَنُحْيِيهَا بِحَيَاتِك , فَتَعَلَّمْ كَيْفَ يُحْيِي اللَّه الْقُرَى وَأَهْلهَا بَعْد مَمَاتهَا . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي هَذِهِ الْآيَة بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : إنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره بَعَثَ قَائِل { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا } مِنْ مَمَاته , ثُمَّ أَرَاهُ نَظِير مَا اسْتَنْكَرَ مِنْ إحْيَاء اللَّه الْقَرْيَة الَّتِي مَرَّ بِهَا بَعْد مَمَاتهَا عِيَانًا مِنْ نَفْسه وَطَعَامه وَحِمَاره , فَحَمَلَ تَعَالَى ذِكْره مَا أَرَاهُ مِنْ إحْيَائِهِ نَفْسه وَحِمَاره مَثَلًا لِمَا اسْتَنْكَرَ مِنْ إحْيَائِهِ أَهْل الْقَرْيَة الَّتِي مَرَّ بِهَا خَاوِيه عَلَى عُرُوشهَا , وَحَمَلَ مَا أَرَاهُ مِنْ الْعِبْرَة فِي طَعَامه وَشَرَابه عِبْرَة لَهُ وَحُجَّة عَلَيْهِ فِي كَيْفِيَّة إحْيَائِهِ مَنَازِل الْقَرْيَة وَجِنَانهَا , وَذَلِك هُوَ مَعْنَى قَوْل مُجَاهِد الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَبْل . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِك أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَة , لِأَنَّ قَوْله : { وَانْظُرْ إلَى الْعِظَام } إنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى : وَانْظُرْ إلَى الْعِظَام الَّتِي تَرَاهَا بِبَصَرِك كَيْفَ نُنْشِزُهَا , ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا , وَقَدْ كَانَ حِمَاره أَدْرَكَهُ مِنْ الْبِلَى فِي قَوْل أَهْل التَّأْوِيل جَمِيعًا نَظِير الَّذِي لَحِقَ عِظَام مَنْ خُوطِبَ بِهَذَا الْخِطَاب , فَلَمْ يُمْكِن صَرْف مَعْنَى قَوْله : { وَانْظُرْ إلَى الْعِظَام } إلَى أَنَّهُ أَمَرَ لَهُ بِالنَّظَرِ إلَى عِظَام الْحِمَار دُون عِظَام الْمَأْمُور بِالنَّظَرِ إلَيْهَا , وَلَا إلَى أَنَّهُ أَمَرَ لَهُ بِالنَّطْرِ إلَى عِظَام نَفْسه دُون عِظَام الْحِمَار . وَإِذَا كَانَ ذَلِك كَذَلِك , وَكَانَ الْبِلَى قَدْ لَحِقَ عِظَامه وَعِظَام حِمَاره , كَانَ الْأَوْلَى بِالتَّأْوِيلِ أَنْ يَكُون الْأَمْر بِالنَّظَرِ إلَى كُلّ مَا أَدْرَكَهُ طَرَفه مِمَّا قَدْ كَانَ الْبِلَى لَحِقَهُ لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره جَعَلَ جَمِيع ذَلِكَ عَلَيْهِ حُجَّة وَلَهُ عِبْرَة وَعِظَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلِنَجْعَلك آيَة لِلنَّاسِ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِك : { وَلِنَجْعَلك آيَة لِلنَّاسِ } أَمَتْنَاك مِائَة عَام ثُمَّ بَعَثْنَاك . وَإِنَّمَا أُدْخِلَتْ الْوَاو مَعَ اللَّام الَّتِي فِي قَوْله : { وَلِنَجْعَلك آيَة لِلنَّاسِ } وَهُوَ بِمَعْنَى " كَيْ " , لِأَنَّ فِي دُخُولهَا فِي كَيْ وَأَخَوَاتهَا دِلَالَة عَلَى أَنَّهَا شَرْط لِفِعْلٍ بَعْدهَا , يَعْنِي : وَلِنَجْعَلك كَذَا وَكَذَا فَعَلْنَا ذَلِك , وَلَوْ لَمْ تَكُنْ قَبْل اللَّام أَعْنِي لَامَ كَيْ وَاو كَانَتْ اللَّام شَرْطًا لِلْفِعْلِ الَّذِي قَبْلهَا , وَكَانَ يَكُون مَعْنَاهُ : وَانْظُرْ إلَى حِمَارك , لِنَجْعَلك آيَة لِلنَّاسِ . وَإِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ : { وَلِنَجْعَلك آيَة } وَلِنَجْعَلك حُجَّة عَلَى مَنْ جَهِلَ قُدْرَتِي , وَشَكَّ فِي عَظَمَتِي , وَأَنَا الْقَادِر عَلَى فِعْل مَا أَشَاءَ مِنْ إمَاتَة وَإِحْيَاء , وَإِنْشَاء , وَإِنْعَام وَإِذْلَال , وَإِقْتَار وَإِغْنَاء , بِيَدِي ذَلِك كُلّه , لَا يَمْلِكهُ أَحَد دُونِي , وَلَا يَقْدِر عَلَيْهِ غَيْرِي . وَكَانَ بَعْض أَهْل التَّأْوِيل يَقُول : كَانَ آيَة لِلنَّاسِ بِأَنَّهُ جَاءَ بَعْد مِائَة عَام إلَى وَلَده وَوَلَد وَلَده شَابًّا وَهُمْ شُيُوخ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4645 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : أَخْبَرَنَا إسْحَاق , قَالَ : ثنا قَبِيصَة بْن عُقْبَة , عَنْ سُفْيَان , قَالَ : سَمِعْت الْأَعْمَش يَقُول : { وَلِنَجْعَلك آيَة لِلنَّاسِ } قَالَ : جَاءَ شَابًّا وَوَلَده شُيُوخ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِك أَنَّهُ جَاءَ وَقَدْ هَلَكَ مَنْ يَعْرِفهُ , فَكَانَ آيَة لِمَنْ قَدِمَ عَلَيْهِ مِنْ قَوْمه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4646 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ , ثنا عَمْرو , قَالَ : ثِنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : رَجَعَ إلَى أَهْله , فَوَجَدَ دَاره قَدْ بِيعَتْ وَبُنِيَتْ , وَهَلَكَ مَنْ كَانَ يَعْرِفهُ , فَقَالَ : اُخْرُجُوا مِنْ دَارِي ! قَالُوا : وَمَنْ أَنْت ؟ قَالَ : أَنَا عُزَيْر . قَالُوا : أَلَيْسَ قَدْ هَلَكَ عُزَيْر مُنْذُ كَذَا وَكَذَا ؟ قَالَ : فَإِنَّ عُزَيْرًا أَنَا هُوَ , كَانَ مِنْ حَالِي وَكَانَ . فَلَمَّا عَرَفُوا ذَلِك , خَرَجُوا لَهُ مِنْ الدَّار وَدَفَعُوهَا إلَيْهِ . وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَة مِنْ الْقَوْل , أَنْ يُقَال : إنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره , أَخْبَرَ أَنَّهُ حَمَلَ الَّذِي وَصَفَ صِفَته فِي هَذِهِ الْآيَة حُجَّة لِلنَّاسِ , فَكَانَ ذَلِك حُجَّة عَلَى مَنْ عَرَفَهُ مِنْ وَلَده وَقَوْمه مِمَّنْ عَلِمَ مَوْته , وَإِحْيَاء اللَّه إيَّاهُ بَعْد مَمَاته , وَعَلَى مَنْ بُعِثَ إلَيْهِ مِنْهُمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَانْظُرْ إلَى الْعِظَام كَيْفَ نُنْشِزُهَا } قَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى قَبْل عَلَى أَنَّ الْعِظَام الَّتِي أَمَرَ بِالنَّظَرِ إلَيْهَا هِيَ عِظَام نَفْسه وَحِمَاره , وَذَكَرْنَا اخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ فِي تَأْوِيل ذَلِك وَمَا يَعْنِي كُلّ قَائِل بِمَا قَالَهُ فِي ذَلِك بِمَا أَغْنَى عَنْ إعَادَته . وَأَمَّا قَوْله : { كَيْفَ نُنْشِزُهَا } فَإِنَّ الْقُرَّاء اخْتَلَفَتْ فِي قِرَاءَته , فَقَرَأَ بَعْضهمْ : { وَانْظُرْ إلَى الْعِظَام كَيْفَ نُنْشِزُهَا } بِضَمِّ النُّون وَبِالزَّايِ , وَذَلِك قِرَاءَة عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ , بِمَعْنَى : وَانْظُرْ كَيْفَ نُرَكِّب بَعْضهَا عَلَى بَعْض , وَنَنْقُل ذَلِكَ إلَى مَوَاضِع مِنْ الْجِسْم . وَأَصْل النَّشْز : الِارْتِفَاع , وَمِنْهُ قِيلَ : قَدْ نَشَزَ الْغُلَام إذَا ارْتَفَعَ طُوله وَشَبَّ , وَمِنْهُ نُشُوز الْمَرْأَة عَلَى زَوْجهَا , وَمِنْ ذَلِك قِيلَ لِلْمَكَانِ الْمُرْتَفِع مِنْ الْأَرْض : نَشَز وَنَشْز وَنِشَاز , فَإِذَا أَرَدْت أَنَّك رَفَعْته , قُلْت : أَنْشَزْته إنْشَازًا , وَنَشَزَ هُوَ : إذَا ارْتَفَعَ . فَمَعْنَى قَوْله : { وَانْظُرْ إلَى الْعِظَام كَيْفَ نُنْشِزُهَا } فِي قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِك بِالزَّايِ : كَيْفَ نَرْفَعهَا مِنْ أَمَاكِنهَا مِنْ الْأَرْض فَنَرُدّهَا إلَى أَمَاكِنهَا مِنْ الْجِسْم . وَمِمَّنْ تَأَوَّلَ ذَلِك هَذَا التَّأْوِيل جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4647 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { كَيْفَ نُنْشِزُهَا } كَيْفَ نُخْرِجهَا . 4648 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثِنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { كَيْفَ نُنْشِزُهَا } قَالَ : نُحَرِّكهَا . وَقَرَأَ ذَلِك آخَرُونَ : " وَانْظُرْ إلَى الْعِظَام كَيْفَ نُنْشِرُها " بِضَمِّ النُّون , قَالُوا مِنْ قَوْل الْقَائِل : أَنْشَرَ اللَّه الْمَوْتَى فَهُوَ يُنْشِرُهُمْ إنْشَارًا . وَذَلِكَ قِرَاءَة عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة , بِمَعْنَى : وَانْظُرْ إلَى الْعِظَام كَيْفَ نُحْيِيهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4649 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثِنَا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : " كَيْفَ نُنْشِرُهَا " قَالَ : اُنْظُرْ إلَيْهَا حِين يُحْيِيهَا اللَّه . * - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 4650 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ مِثْله . 4651 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : " وَانْظُرْ إلَى الْعِظَام كَيْفَ نُنْشِرُهَا " قَالَ : كَيْفَ نُحْيِيهَا . وَاحْتَجَّ بَعْض قُرَّاء ذَلِك بِالرَّاءِ وَضَمّ نُون أَوَّله بِقَوْلِهِ : { ثُمَّ إذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ } فَرَأَى أَنَّ مِنْ الصَّوَاب إلْحَاق قَوْله : " وَانْظُرْ إلَى الْعِظَام كَيْفَ نُنْشِرُها " بِهِ . وَقَرَأَ ذَلِك بَعْضهمْ : " وَانْظُرْ إلَى الْعِظَام كَيْفَ نَنْشُرهَا " بِفَتْحِ النُّون مِنْ أَوَّله وَبِالرَّاءِ ; كَأَنَّهُ وَجَّهَ ذَلِك إلَى مِثْل مَعْنَى نَشْرِ الشَّيْء وَطَيّه . وَذَلِك قِرَاءَة غَيْر مَحْمُودَة , لِأَنَّ الْعَرَب لَا تَقُول : نُشِرَ الْمَوْتَى , وَإِنَّمَا تَقُول : أَنْشَرَ اللَّه الْمَوْتَى , فَنُشِرُوا هُمْ بِمَعْنَى : أَحْيَاهُمْ فَحَيُوا هُمْ . وَيَدُلّ عَلَى ذَلِك قَوْله : { ثُمَّ إذَا شَاءَ الشَّرّ } وَقَوْله : { آلِهَة مِنْ الْأَرْض هُمْ يُنْشَرُونَ } . وَعَلَى أَنَّهُ إذَا أُرِيدَ بِهِ حَيِيَ , الْمَيِّت وَعَاشَ بَعْد مَمَاته , قِيلَ : نُشِرَ , وَمِنْهُ قَوْل أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَة : حَتَّى يَقُول النَّاس مِمَّا رَأَوْا يَا عَجَبًا لِلْمَيِّتِ النَّاشِر وَرُوِيَ سَمَاعًا مِنْ الْعَرَب : كَانَ بِهِ جَرَب فَنُشِرَ , إذَا عَادَ وَحَيِيَ . وَالْقَوْل في ذلك عِنْدِي أَنَّ مَعْنَى الْإِنْشَار وَمَعْنَى الْإِنْشَاز مُتَقَارِبَانِ , لِأَنَّ مَعْنَى الْإِنْشَاز : التَّرْكِيب وَالْإِثْبَات وَرَدّ الْعِظَام مِنْ الْعِظَام وَإِعَادَتهَا لَا شَكَّ أَنَّهُ رَدّهَا إلَى أَمَاكِنهَا وَمَوَاضِعهَا مِنْ الْجَسَد بَعْد مُفَارَقَتهَا إيَّاهَا . فَهُمَا وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي اللَّفْظ , فَمُتَقَارِبَا الْمَعْنَى , وَقَدْ جَاءَتْ بِالْقِرَاءَةِ بِهِمَا الْأُمَّة مَجِيئًا يَقْطَع الْعُذْر وَيُوجِب الْحُجَّة , فَبِأَيِّهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب لِانْقِيَادِ مَعْنَيَيْهِمَا , وَلَا حُجَّة تُوجِب لِإِحْدَاهُمَا مِنْ الْقَضَاء بِالصَّوَابِ عَلَى الْأُخْرَى . فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّ الْإِنْشَار إذَا كَانَ إحْيَاء فَهُوَ بِالصَّوَابِ أَوْلَى , لِأَنَّ الْمَأْمُور بِالنَّظَرِ إلَى الْعِظَام وَهِيَ تُنْشَر إنَّمَا أُمِرَ بِهِ لِيَرَى عِيَانًا مَا أَنْكَرَهُ بِقَوْلِهِ : { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا } فَإِنَّ إحْيَاء الْعِظَام لَا شَكَّ فِي هَذَا الْمَوْضِع إنَّمَا عَنَى بِهِ رَدّهَا إلَى أَمَاكِنهَا مِنْ جَسَد الْمَنْظُور إلَيْهِ , وَهُوَ يَحْيَا , لَا إعَادَة الرُّوح الَّتِي كَانَتْ فَارَقَتْهَا عِنْد الْمَمَات . وَاَلَّذِي يَدُلّ عَلَى ذَلِك قَوْله : { ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا } وَلَا شَكَّ أَنَّ الرُّوح إنَّمَا نُفِخَتْ فِي الْعِظَام الَّتِي أُنْشِرَتْ بَعْد أَنْ كُسِيَتْ اللَّحْم . وَإِذَا كَانَ ذَلِك كَذَلِك , وَكَانَ مَعْنَى الْإِنْشَاز تَرْكِيب الْعِظَام وَرَدّهَا إلَى أَمَاكِنهَا مِنْ الْجَسَد , وَكَانَ ذَلِك مَعْنَى الْإِنْشَار , وَكَانَ مَعْلُومًا اسْتِوَاء مَعْنَيَيْهِمَا , وَأَنَّهُمَا مُتَّفِقَا الْمَعْنَى لَا مُخْتَلِفَاهُ , فَفِي ذَلِك إبَانَة عَنْ صِحَّة مَا قُلْنَا فِيهِ . وَأَمَّا الْقِرَاءَة الثَّالِثَة فَغَيْر جَائِزَة الْقِرَاءَة بِهَا عِنْدِي , وَهِيَ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : " كَيْفَ نُنْشِرُها " بِفَتْحِ النُّون وَبِالرَّاءِ , لِشُذُوذِهَا عَنْ قِرَاءَة الْمُسْلِمِينَ وَخُرُوجهَا عَنْ الصَّحِيح الْفَصِيح مِنْ كَلَام الْعَرَب .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِك : { ثُمَّ نَكْسُوهَا } أَيْ الْعِظَام لَحْمًا . وَالْهَاء الَّتِي فِي قَوْله : { ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا } مِنْ ذِكْر الْعِظَام . وَمَعْنَى نَكْسُوهَا : نُلْبِسهَا وَنُوَارِيهَا بِهِ كَمَا يُوَارِي جَسَدَ الْإِنْسَان كِسْوَتُهُ الَّتِي يَلْبَسهَا , وَكَذَلِك تَفْعَل الْعَرَب , تَجْعَل كُلّ شَيْء غَطَّى شَيْئًا وَوَارَاهُ لِبَاسًا لَهُ وَكِسْوَة , وَمِنْهُ قَوْل النَّابِغَة الْجَعْدِيّ : فَالْحَمْد لِلَّهِ إذْ لَمْ يَأْتِنِي أَجَلِي حَتَّى اكْتَسَيْت مِنْ الْإِسْلَام سِرْبَالًا فَجَعَلَ الْإِسْلَام إذْ غَطَّى الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فَوَارَاهُ وَأَذْهَبَهُ كِسْوَة لَهُ وَسِرْبَالًا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَم أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ } فَلَمَّا اتَّضَحَ لَهُ عِيَانًا مَا كَانَ مُسْتَنْكَرًا مِنْ قُدْرَة اللَّه وَعَظَمَته عِنْده قَبْل عِيَانه ذَلِكَ , قَالَ : أَعْلَم الْآن بَعْد الْمُعَايَنَة وَالْإِيضَاح وَالْبَيَان أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير . ثُمَّ اخْتَلَفَتْ الْقِرَاءَة فِي قِرَاءَة قَوْله : { قَالَ أَعْلَم أَنَّ اللَّه } . فَقَرَأَهُ بَعْضهمْ : " قَالَ أَعْلَم " عَلَى مَعْنَى الْأَمْر بِوَصْلِ الْأَلِف مِنْ " أَعْلَم " , وَجَزْم الْمِيم مِنْهَا . وَهِيَ قِرَاءَة عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْكُوفَة , وَيَذْكُرُونَ أَنَّهَا فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : " قِيلَ أَعْلَم " عَلَى وَجْه الْأَمْر مِنْ اللَّه لِلَّذِي أُحْيِيَ بَعْد مَمَاته , فَأُمِرَ بِالنَّطْرِ إلَى مَا يُحْيِيه اللَّه بَعْد مَمَاته . وَكَذَلِك رُوِيَ عَنْ ابْن عَبَّاس . 4652 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن يُوسُف التَّغْلِبِيّ , قَالَ : ثِنَا الْقَاسِم بْن سَلَام , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ هَارُونَ , قَالَ : هِيَ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : " قِيلَ أَعْلَم أَنَّ اللَّه " عَلَى وَجْه الْأَمْر . 4653 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ ابْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ - أَحْسَبهُ , شَكَّ أَبُو جَعْفَر الطَّبَرِيّ - سَمِعْت ابْن عَبَّاس يَقْرَأ : " فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَم " قَالَ : إنَّمَا قِيلَ ذَلِك لَهُ . 4654 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : ذُكِرَ لَنَا وَاَللَّه أَعْلَم أَنَّهُ قِيلَ لَهُ اُنْظُرْ ! فَجَعَلَ يَنْظُر إلَى الْعِظَام كَيْفَ يَتَوَاصَل بَعْضهَا إلَى بَعْض وَذَلِك بِعَيْنَيْهِ , فَقِيلَ : أَعْلَم أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير . فَعَلَى هَذَا الْقَوْل تَأْوِيل ذَلِك : فَلَمَّا تَبَيَّنَ مِنْ أَمْر اللَّه وَقُدْرَته , قَالَ اللَّه لَهُ : أَعْلَم الْآن أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير . وَلَوْ صَرَفَ مُتَأَوِّل قَوْله : وَقَالَ أَعْلَم . وَقَدْ قَرَأَهُ عَلَى وَجْه الْأَمْر إلَى أَنَّهُ مِنْ قِبَل الْمُخْبَر عَنْهُ بِمَا اقْتَصَّ فِي هَذِهِ الْآيَة مِنْ قِصَّته كَانَ وَجْهًا صَحِيحًا , وَكَانَ ذَلِك كَمَا يَقُول الْقَائِل : أَعْلَم أَنْ قَدْ كَانَ كَذَا وَكَذَا , عَلَى وَجْه الْأَمْر مِنْهُ لِغَيْرِهِ وَهُوَ يَعْنِي بِهِ نَفْسه . وَقَرَأَ ذَلِك آخَرُونَ : { قَالَ أَعْلَم } عَلَى وَجْه الْخَبَر عَنْ نَفْسه لِلْمُتَكَلِّمِ بِهِ بِهَمْزِ أَلِف أَعْلَم وَقَطْعهَا وَرَفْع الْمِيم . بِمَعْنَى : فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ مِنْ قُدْرَة اللَّه وَعَظِيم سُلْطَانه بِمُعَايَنَتِهِ مَا عَايَنَهُ , قَالَ أَلَيْسَ ذَلِك : أَعْلَم الْآن أَنَا أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير . وَبِذَلِك قَرَأَ عَامَّة أَهْل الْمَدِينَة وَبَعْض قُرَّاء أَهْل الْعِرَاق , وَبِذَلِك مِنْ التَّأْوِيل تَأَوَّلَهُ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4655 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثِنَا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق , عَمَّنْ لَا يُتَّهَم , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه , قَالَ : لَمَّا عَايَنَ مِنْ قُدْرَة اللَّه مَا عَايَنَ , قَالَ : { أَعْلَم أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } . 4656 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل أَنَّهُ سَمِعَ وَهْب بْن مُنَبِّه يَقُول : { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَم أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } . 4657 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثِنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ , قَالَ : يَعْنِي نَبِيّ اللَّه عَلَيْهِ السَّلَام , يَعْنِي إنْشَاز الْعِظَام , فَقَالَ : أَعْلَم أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير . 4658 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : قَالَ عُزَيْر عِنْد ذَلِك - يَعْنِي عِنْد مُعَايَنَة إحْيَاء اللَّه حِمَاره - { أَعْلَم أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } . 4659 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : جَعَلَ يَنْظُر إلَى كُلّ شَيْء مِنْهُ يُوصَل بَعْضه إلَى بَعْض , { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَم أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } . 4660 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , نَحْوه . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِك قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : " أَعْلَم " بِوَصْلِ الْأَلِف وَجَزْم الْمِيم عَلَى وَجْه الْأَمْر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لِلَّذِي قَدْ أَحْيَاهُ بَعْد مَمَاته بِالْأَمْرِ بِأَنْ يَعْلَم أَنَّ اللَّه الَّذِي أَرَاهُ بِعَيْنَيْهِ مَا أَرَاهُ مِنْ عَظِيم قُدْرَته وَسُلْطَانه مِنْ إحْيَائِهِ إيَّاهُ وَحِمَاره بَعْد مَوْت مِائَة عَام وَبَلَائِهِ حَتَّى عَادَا كَهَيْئَتِهِمَا يَوْم قَبَضَ أَرْوَاحهمَا , وَحَفِظَ عَلَيْهِ طَعَامه وَشَرَابه مِائَة عَام حَتَّى رَدَّهُ عَلَيْهِ كَهَيْئَتِهِ يَوْم وَضْعه غَيْر مُتَغَيِّر عَلَى كُلّ شَيْء قَادِر كَذَلِكَ . وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا قِرَاءَة ذَلِك كَذَلِك وَحَكَمْنَا لَهُ بِالصَّوَابِ دُون غَيْره ; لِأَنَّ مَا قَبْله مِنْ الْكَلَام أَمْر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره قَوْلًا لِلَّذِي أَحْيَاهُ اللَّه بَعْد مَمَاته وَخِطَابًا لَهُ بِهِ , وَذَلِك قَوْله : { فَانْظُرْ إلَى طَعَامك وَشَرَابك لَمْ يَتَسَنَّه وَانْظُرْ إلَى حِمَارك . .. وَانْظُرْ إلَى الْعِظَام كَيْفَ نُنْشِزُهَا } فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ ذَلِك جَوَابًا عَنْ مَسْأَلَته رَبّه : { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا } ! قَالَ اللَّه لَهُ : اعْلَمْ أَنَّ اللَّه الَّذِي فَعَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاء عَلَى مَا رَأَيْت عَلَى غَيْر ذَلِك مِنْ الْأَشْيَاء قَدِير كَقُدْرَتِهِ عَلَى مَا رَأَيْت وَأَمْثَاله , كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْره لِخَلِيلِهِ إبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بَعْد أَنْ أَجَابَهُ عَنْ مَسْأَلَته إيَّاهُ فِي قَوْله : { رَبّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى } : { وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّه عَزِيز حَكِيم } 2 260 فَأَمَرَ إبْرَاهِيم بِأَنْ يَعْلَم بَعْد أَنْ أَرَاهُ كَيْفِيَّة إحْيَائِهِ الْمَوْتَى أَنَّهُ عَزِيز حَكِيم , فَكَذَلِكَ أَمَرَ الَّذِي سَأَلَ فَقَالَ : { أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّه بَعْد مَوْتهَا } بَعْد أَنْ أَرَاهُ كَيْفِيَّة إحْيَائِهِ إيَّاهَا أَنْ يَعْلَم أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير .
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ قَالَ إبْرَاهِيم رَبّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنّ قَلْبِي } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِك : أَلَمْ تَرَ إذْ قَالَ إبْرَاهِيم رَبّ أَرِنِي . وَإِنَّمَا صَلَحَ أَنْ يَعْطِف بِقَوْلِهِ : . { وَإِذْ قَالَ إبْرَاهِيم } عَلَى قَوْله : { أَوْ كَاَلَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَة } وَقَوْله : { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِي حَاجّ إبْرَاهِيم فِي رَبّه } لِأَنَّ قَوْله : { أَلَمْ تَرَ } لَيْسَ مَعْنَاهُ : أَلَمْ تَرَ بِعَيْنَيْك , وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ : أَلَمْ تَرَ بِقَلْبِك , فَمَعْنَاهُ : أَلَمْ تَعْلَم فَتَذْكُر , فَهُوَ وَإِنْ كَانَ لَفْظه لَفْظ الرُّؤْيَة فَيُعْطَف عَلَيْهِ أَحْيَانًا بِمَا يُوَافِق لَفْظه مِنْ الْكَلَام , وَأَحْيَانًا بِمَا يُوَافِق مَعْنَاهُ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي سَبَب مَسْأَلَة إبْرَاهِيم رَبّه أَنْ يُرِيه كَيْفَ يُحْيِي الْمَوْت ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَتْ مَسْأَلَته ذَلِك رَبّه , أَنَّهُ رَأَى دَابَّة قَدْ تَقَسَّمَتْهَا السِّبَاع وَالطَّيْر , فَسَأَلَ رَبّه أَنَّ يُرِيه كَيْفِيَّة إحْيَائِهِ إيَّاهَا مَعَ تَفَرُّق لُحُومهَا فِي بُطُون طَيْر الْهَوَاء وَسِبَاع الْأَرْض لِيَرَى ذَلِك عِيَانًا , فَيَزْدَاد يَقِينًا بِرُؤْيَتِهِ ذَلِك عِيَانًا إلَى عِلْمه بِهِ خَبَرًا , فَأَرَاهُ اللَّه ذَلِك مَثَلًا بِمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4661 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ , قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { وَإِذْ قَالَ إبْرَاهِيم رَبّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى } ذُكِرَ لَنَا أَنَّ خَلِيل اللَّه إبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى عَلَى دَابَّة تَوَزَّعَتْهَا الدَّوَابّ وَالسِّبَاع , فَقَالَ : { رَبّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنّ قَلْبِي } . 4662 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحَسَن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { رَبّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى } قَالَ : مَرَّ إبْرَاهِيم عَلَى دَابَّة مَيِّت قَدْ بَلِيَ وَتَقَسَّمَتْهُ الرِّيَاح وَالسِّبَاع , فَقَامَ يَنْظُر , فَقَالَ : سُبْحَان اللَّه , كَيْفَ يُحْيِي اللَّه هَذَا ؟ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ اللَّه قَادِر عَلَى ذَلِك , فَذَلِك قَوْله : { رَبّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى } . 4663 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : بَلَغَنِي أَنَّ إبْرَاهِيم بَيْنَا هُوَ يَسِير عَلَى الطَّرِيق , إذَا هُوَ بِجِيفَةِ حِمَار عَلَيْهَا السِّبَاع وَالطَّيْر قَدْ تَمَزَّعَتْ لَحْمهَا وَبَقِيَ عِظَامهَا . فَلَمَّا ذَهَبَتْ السِّبَاع , وَطَارَتْ الطَّيْر عَلَى الْجِبَال وَالْآكَام , فَوَقَفَ وَتَعَجَّبَ ثُمَّ قَالَ : رَبّ قَدْ عَلِمْت لَتَجْمَعَنَّهَا مِنْ بُطُون هَذِهِ السِّبَاع وَالطَّيْر { رَبّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى } وَلَكِنْ لَيْسَ الْخَبَر كَالْمُعَايَنَةِ . 4664 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : مَرَّ إبْرَاهِيم بِحُوتٍ نِصْفه فِي الْبَرّ , وَنِصْفه فِي الْبَحْر , فَمَا كَانَ مِنْهُ فِي الْبَحْر فَدَوَابّ الْبَحْر تَأْكُلهُ , وَمَا كَانَ مِنْهُ فِي الْبَرّ فَالسِّبَاع وَدَوَابّ الْبَرّ تَأْكُلهُ , فَقَالَ لَهُ الْخَبِيث : يَا إبْرَاهِيم مَتَى يَجْمَع اللَّه هَذَا مِنْ بُطُون هَؤُلَاءِ ؟ فَقَالَ : يَا رَبّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى ! قَالَ : أَوَلَمْ تُؤْمِن ؟ قَالَ : بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنّ قَلْبِي . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَ سَبَب مَسْأَلَته رَبّه ذَلِك , الْمُنَاظَرَة وَالْمُحَاجَّة الَّتِي جَرَتْ بَيْنه وَبَيْن نُمْرُود فِي ذَلِك . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4665 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثِنَا سَلَمَة , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن إسْحَاق , قَالَ : لَمَّا جَرَى بَيْن إبْرَاهِيم وَبَيْن قَوْمه مَا جَرَى مِمَّا قَصَّهُ اللَّه فِي سُورَة الْأَنْبِيَاء , قَالَ نُمْرُود فِيمَا يَذْكُرُونَ لِإِبْرَاهِيم : أَرَأَيْت إلَهك هَذَا الَّذِي تَعْبُد وَتَدْعُو إلَى عِبَادَته وَتَذْكُر مِنْ قُدْرَته الَّتِي تُعَظِّمهُ بِهَا عَلَى غَيْره مَا هُوَ ؟ قَالَ لَهُ إبْرَاهِيم : رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيت . قَالَ نُمْرُود : أَنَا أُحْيِي وَأُمِيت . فَقَالَ لَهُ إبْرَاهِيم : كَيْفَ تُحْيِي وَتُمِيت ؟ ثُمَّ ذَكَرَ مَا قَصَّ اللَّه مِنْ مُحَاجَّته إيَّاهُ . قَالَ : فَقَالَ إبْرَاهِيم عِنْد ذَلِك : { رَبّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنّ قَلْبِي } مِنْ غَيْر شَكَّ فِي اللَّه تَعَالَى ذِكْره وَلَا فِي قُدْرَته , وَلَكِنَّهُ أَحَبَّ أَنْ يَعْلَم ذَلِك وَتَاقَ إلَيْهِ قَلْبه , فَقَالَ : لِيَطْمَئِنّ قَلْبِي , أَيْ مَا تَاقَ إلَيْهِ إذَا هُوَ عَلِمَهُ . وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ , أَعْنِي الْأَوَّل وَهَذَا الْآخَر , مُتَقَارِبَا الْمَعْنَى فِي أَنَّ مَسْأَلَة إبْرَاهِيم رَبّه أَنْ يُرِيه كَيْفَ يُحْيِي الْمَوْتَى كَانَتْ لِيَرَى عِيَانًا مَا كَانَ عِنْده مِنْ عِلْم ذَلِك خَبَرًا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَتْ مَسْأَلَته ذَلِك رَبّه عِنْد الْبِشَارَة الَّتِي أَتَتْهُ مِنْ اللَّه بِأَنَّهُ اتَّخَذَهُ خَلِيلًا , فَسَأَلَ رَبّه أَنْ يُرِيه عَاجِلًا مِنْ الْعَلَامَة لَهُ عَلَى ذَلِك لِيَطْمَئِنّ قَلْبه بِأَنَّهُ قَدْ اصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ خَلِيلًا , وَيَكُون ذَلِك لِمَا عِنْده مِنْ الْيَقِين مُؤَيِّدًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4666 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : لَمَّا اتَّخَذَ اللَّه إبْرَاهِيم خَلِيلًا سَأَلَ مَلَك الْمَوْت رَبّه أَنْ يَأْذَن لَهُ أَنْ يُبَشِّر إبْرَاهِيم بِذَلِكَ , فَأَذِنَ لَهُ , فَأَتَى إبْرَاهِيم وَلَيْسَ فِي الْبَيْت فَدَخَلَ دَاره , وَكَانَ إبْرَاهِيم أَغْيَر النَّاس , إنْ خَرَجَ أَغْلَقَ الْبَاب ; فَلَمَّا جَاءَ وَجَدَ فِي دَاره رَجُلًا , فَثَارَ إلَيْهِ لِيَأْخُذهُ , قَالَ : مَنْ أَذِنَ لَك أَنْ تَدْخُل دَارِي ؟ قَالَ مَلَك الْمَوْت : أَذِنَ لِي رَبّ هَذِهِ الدَّار , قَالَ إبْرَاهِيم : صَدَقْت ! وَعَرَفَ أَنَّهُ مَلَك الْمَوْت , قَالَ : مَنْ أَنْت ؟ قَالَ : أَنَا مَلَك الْمَوْت جِئْتُك أُبَشِّرك بِأَنَّ اللَّه قَدْ اتَّخَذَك خَلِيلًا . فَحَمِدَ اللَّه وَقَالَ : يَا مَلَك الْمَوْت أَرِنِي الصُّورَة الَّتِي تَقْبِض فِيهَا أَنْفَاس الْكُفَّار . قَالَ : يَا إبْرَاهِيم لَا تُطِيق ذَلِكَ . قَالَ : بَلَى . قَالَ : فَأَعْرِضْ ! فَأَعْرَضَ إبْرَاهِيم ثُمَّ نَظَرَ إلَيْهِ , فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ أَسْوَد تَنَال رَأْسه السَّمَاء يَخْرَج مِنْ فِيهِ لَهَب النَّار , لَيْسَ مِنْ شَعْرَة فِي جَسَده إلَّا فِي صُورَة رَجُل أَسْوَد يَخْرَج مِنْ فِيهِ وَمَسَامِعه لَهَب النَّار . فَغُشِيَ عَلَى إبْرَاهِيم , ثُمَّ أَفَاقَ وَقَدْ تَحَوَّلَ مَلَك الْمَوْت فِي الصُّورَة الْأُولَى , فَقَالَ : يَا مَلَك الْمَوْت لَوْ لَمْ يَلْقَ الْكَافِر عِنْد الْمَوْت مِنْ الْبَلَاء وَالْحُزْن إلَّا صُورَتك لَكَفَاهُ , فَأَرِنِي كَيْفَ تَقْبِض أَنْفَاس الْمُؤْمِنِينَ ! قَالَ : فَأَعْرِضْ ! فَأَعْرَضَ إبْرَاهِيم ثُمَّ الْتَفَتَ , فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ شَابّ أَحْسَن النَّاس وَجْهًا وَأَطْيَبه رِيحًا , فِي ثِيَاب بِيض , فَقَالَ : يَا مَلَك الْمَوْت لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُؤْمِنِ عِنْد رَبّه مِنْ قُرَّة الْعَيْن وَالْكَرَامَة إلَّا صُورَتك هَذِهِ لَكَانَ يَكْفِيه . فَانْطَلَقَ مَلَك الْمَوْت , وَقَامَ إبْرَاهِيم يَدْعُو رَبّه يَقُول : { رَبّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى } حَتَّى أَعْلَم أَنِّي خَلِيلك { قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن } بِأَنِّي خَلِيلك , يَقُول تُصَدَّق , { قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنّ قَلْبِي } بِخُلُولَتِك . 4667 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن ثَابِت , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنّ قَلْبِي } قَالَ : بِالْخُلَّةِ . وَقَالَ آخَرُونَ : قَالَ ذَلِك لِرَبِّهِ لِأَنَّهُ شَكَّ فِي قُدْرَة اللَّه عَلَى إحْيَاء الْمَوْتَى . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4668 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ أَيُّوب فِي قَوْله : { وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنّ قَلْبِي } قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : مَا فِي الْقُرْآن آيَة أَرْجَى عِنْدِي مِنْهَا . 4669 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثِنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : سَمِعْت زَيْد بْن عَلِيّ يُحَدِّث عَنْ رَجُل , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : أَتَعِدُ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس وَعَبْد اللَّه بْن عَمْرو أَنْ يَجْتَمِعَا , قَالَ : وَنَحْنُ يَوْمئِذٍ شَبَبَة , فَقَالَ أَحَدهمَا لِصَاحِبِهِ : أَيّ آيَة فِي كِتَاب اللَّه أَرْجَى لِهَذِهِ الْأُمَّة ؟ فَقَالَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسهمْ } 39 53 حَتَّى خَتَمَ الْآيَة , فَقَالَ ابْن عَبَّاس : أَمَا إنْ كُنْت تَقُول إنَّهَا , وَإِنَّ أَرْجَى مِنْهَا لِهَذِهِ الْأُمَّة قَوْل إبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { رَبّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنّ قَلْبِي } . 4670 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثني الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : سَأَلْت عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح , عَنْ قَوْله : { وَإِذْ قَالَ إبْرَاهِيم رَبّ أَرِنِي كَيْف تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنّ قَلْبِي } قَالَ : دَخَلَ قَلْب إبْرَاهِيم بَعْض مَا يَدْخُل قُلُوب النَّاس , فَقَالَ : { رَبّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى . .. قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَة مِنْ الطَّيْر } لِيُرِيَهُ . 4671 - حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْن يَحْيَى بْن أَبَانَ الْمِصْرِيّ , قَالَا : ثِنَا سَعِيد بْن تَلِيد , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن الْقَاسِم , قَالَ : ثني بَكْر بْن مُضَر , عَنْ عَمْرو بْن الْحَارِث , عَنْ يُونُس بْن يَزِيد , عَنْ ابْن شِهَاب , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " نَحْنُ أَحَقّ بِالشَّكِّ مِنْ إبْرَاهِيم , قَالَ : رَبّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى , قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ؟ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنّ قَلْبِي " . * - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُس عَنْ ابْن شِهَاب وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : فَذَكَرَ نَحْوه . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِتَأْوِيلِ الْآيَة , مَا صَحَّ بِهِ الْخَبَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى أَنَّهُ قَالَ , وَهُوَ قَوْله : " نَحْنُ أَحَقّ بِالشَّكِّ مِنْ إبْرَاهِيم , قَالَ رَبّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى , قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن " وَإِنْ تَكُون مَسْأَلَته رَبّه مَا سَأَلَهُ أَنْ يُرِيه مِنْ إحْيَاء الْمَوْتَى لِعَارِضٍ مِنْ الشَّيْطَان عَرَضَ فِي قَلْبه , كَاَلَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ ابْن زَيْد آنِفًا مِنْ أَنَّ إبْرَاهِيم لَمَّا رَأَى الْحُوت الَّذِي بَعْضه فِي الْبَرّ وَبَعْضه فِي الْبَحْر قَدْ تَعَاوَرَهُ دَوَابّ الْبَرّ وَدَوَابّ الْبَحْر وَطَيْر الْهَوَاء , أَلْقَى الشَّيْطَان فِي نَفْسه فَقَالَ : مَتَى يَجْمَع اللَّه هَذَا مِنْ بُطُون هَؤُلَاءِ ؟ فَسَأَلَ إبْرَاهِيم حِينَئِذٍ رَبّه أَنْ يُرِيه كَيْفَ يُحْيِي الْمَوْتَى لِيُعَايِن ذَلِك عِيَانًا , فَلَا يَقْدِر بَعْد ذَلِك الشَّيْطَان أَنْ يُلْقِيَ فِي قَلْبه مِثْل الَّذِي أُلْقِيَ فِيهِ عِنْد رُؤْيَته مَا رَأَى مِنْ ذَلِك , فَقَالَ لَهُ رَبّه : { أَوَلَمْ تُؤْمِن } يَقُول : أَوَلَمْ تُصَدِّق يَا إبْرَاهِيم بِأَنِّي عَلَى ذَلِك قَادِر ؟ قَالَ : بَلَى يَا رَبّ , لَكِنْ سَأَلْتُك أَنْ تُرِينِي ذَلِكَ لِيَطْمَئِنّ قَلْبِي , فَلَا يَقْدِر الشَّيْطَان أَنْ يُلْقِيَ فِي قَلْبِي مِثْل الَّذِي فَعَلَ عِنْد رُؤْيَتِي هَذَا الْحُوت . 4672 - حَدَّثَنِي بِذَلِك يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , عَنْ ابْن زَيْد . وَمَعْنَى قَوْله : { لِيَطْمَئِنّ قَلْبِي } لِيَسْكُن وَيَهْدَأ بِالْيَقِينِ الَّذِي يَسْتَيْقِنهُ . وَهَذَا التَّأْوِيل الَّذِي . قُلْنَاهُ فِي ذَلِك هُوَ تَأْوِيل الَّذِينَ وَجَّهُوا مَعْنَى قَوْله : { لِيَطْمَئِنّ قَلْبِي } إلَى أَنَّهُ لِيَزْدَادَ إيمَانًا , أَوْ إلَى أَنَّهُ لِيُوَفَّق . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : لِيُوَفَّق , أَوْ لِيَزْدَادَ يَقِينًا أَوْ إيمَانًا : 4673 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم , عَنْ سُفْيَان , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { لِيَطْمَئِنّ قَلْبِي } قَالَ : لِيُوَفَّق . 4674 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان . وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي الْهَيْثَم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { لِيَطْمَئِنّ قَلْبِي } قَالَ : لِيَزْدَادَ يَقِينِي . 4675 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثِنَا إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنّ قَلْبِي } يَقُول : لِيَزْدَادَ يَقِينًا . 4676 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنّ قَلْبِي } قَالَ : وَأَرَادَ نَبِيّ اللَّه إبْرَاهِيم لِيَزْدَادَ يَقِينًا إلَى يَقِينه . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : قَالَ مَعْمَر وَقَالَ قَتَادَةُ : لِيَزْدَادَ يَقِينًا . 4677 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنّ قَلْبِي } قَالَ : أَرَادَ إبْرَاهِيم أَنَّ يَزْدَاد يَقِينًا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن كَثِير الْبَصْرِيّ , قَالَ : ثنا إسْرَائِيل , قَالَ : ثنا أَبُو الْهَيْثَم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { لِيَطْمَئِنّ قَلْبِي } قَالَ : لِيَزْدَادَ يَقِينِي . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْفَضْل بْن دُكَيْن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي الْهَيْثَم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنّ قَلْبِي } قَالَ : لِيَزْدَادَ يَقِينًا . 4678 - حَدَّثَنَا صَالِح بْن مِسْمَار , قَالَ : ثنا زَيْد بْن الْحُبَابِ , قَالَ : ثنا خَلَف بْن خَلِيفَة , قَالَ : ثنا لَيْث بْن أَبِي سُلَيْم , عَنْ مُجَاهِد وَإِبْرَاهِيم فِي قَوْله : { لِيَطْمَئِنّ قَلْبِي } قَالَ : لِأَزْدَادَ إيمَانًا مَعَ إيمَانِي . * - حَدَّثَنَا صَالِح , قَالَ : ثنا زَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا زِيَاد , عَنْ عَبْد اللَّه الْعَامِرِيّ , قَالَ : ثِنَا لَيْث , عَنْ أَبِي الْهَيْثَم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر فِي قَوْل اللَّه : { لِيَطْمَئِنّ قَلْبِي } قَالَ : لِأَزْدَادَ إيمَانًا مَعَ إيمَانِي . وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا مَضَى قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى قَوْله : { لِيَطْمَئِنّ قَلْبِي } بِأَنِّي خَلِيلك . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى قَوْله : { لِيَطْمَئِنّ قَلْبِي } لِأَعْلَم أَنَّك تُجِيبنِي إذَا دَعَوْتُك وَتُعْطِينِي إذَا سَأَلْتُك . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4679 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { لِيَطْمَئِنّ قَلْبِي } قَالَ : أَعْلَم أَنَّك تُجِيبنِي إذَا دَعَوْتُك , وَتُعْطِينِي إذَا سَأَلْتُك . وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن } فَإِنَّهُ : أَوَلَمْ تُصَدِّق ؟ كَمَا : 4680 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَوْله : { أَوَلَمْ تُؤْمِن } قَالَ : أَوَلَمْ تُوقِن بِأَنِّي خَلِيلك ؟ 4681 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { أَوَلَمْ تُؤْمِن } قَالَ : أَوَلَمْ تُوقِن.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَة مِنْ الطَّيْر } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِك : قَالَ اللَّه لَهُ : فَخُذْ أَرْبَعَة مِنْ الطَّيْر . فَذَكَرَ أَنَّ الْأَرْبَعَة مِنْ الطَّيْر : الدِّيك , وَالطَّاوُوس , وَالْغُرَاب , وَالْحَمَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4682 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثِنَا سَلَمَة , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن إسْحَاق , عَنْ بَعْض أَهْل الْعِلْم : أَنَّ أَهْل الْكِتَاب الْأَوَّل يَذْكُرُونَ أَنَّهُ أَخَذَ طَاوُوسًا , وَدِيكًا , وَغُرَابًا , وَحَمَامًا . 4683 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الْأَرْبَعَة مِنْ الطَّيْر : الدِّيك , وَالطَّاوُوس , وَالْغُرَاب , وَالْحَمَام . 4684 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج : { قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَة مِنْ الطَّيْر } قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : زَعَمُوا أَنَّهُ دِيك , وَغُرَاب , وَطَاوُوس , وَحَمَامَة . 4685 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَة مِنْ الطَّيْر } قَالَ : فَأَخَذَ طَاوُوسًا , وَحَمَامًا , وَغُرَابًا , وَدِيكًا ; مُخَالِفًا أَجْنَاسهَا وَأَلْوَانهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَصُرْهُنّ إلَيْك } . اخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِك , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْحِجَاز وَالْبَصْرَة : { فَصُرْهُنّ إلَيْك } بِضَمِّ الصَّاد مِنْ قَوْل قَائِل : صِرْت إلَى هَذَا الْأَمْر : إذَا مِلْت إلَيْهِ أَصُوَر صُوَرًا , وَيُقَال : إنِّي إلَيْكُمْ لَأَصُور أَيْ مُشْتَاق مَائِل , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : اللَّه يَعْلَم أَنَّا فِي تَلَفُّتنَا يَوْم الْفِرَاق إلَى أَحْبَابنَا صُوَر وَهُوَ جَمْع أَصْوَر وَصَوْرَاء وَصُوَر , مِثْل أَسْوَد وَسَوْدَاء . وَمِنْهُ قَوْل الطِّرِمَّاح : عَفَائِف إلَّا ذَاكَ أَوْ أَنْ يَصُورهَا هَوَى وَالْهَوَى لِلْعَاشِقِينَ صَرُوع يَعْنِي بِقَوْلِهِ : " أَوْ أَنْ يَصُورهَا هَوًى " : يَمِيلهَا . فَمَعْنَى قَوْله : { فَصُرْهُنّ إلَيْك } اُضْمُمْهُنَّ إلَيْك وَوَجِّهْهُنَّ إلَيْك وَوَجِّهْهُنَّ نَحْوك , كَمَا يُقَال : صُرْ وَجْهك إلَيَّ , أَيْ أَقْبِلْ بِهِ إلَيَّ . وَمِنْ وَجْه قَوْله : { فَصُرْهُنّ إلَيْك } إلَى هَذَا التَّأْوِيل كَانَ فِي الْكَلَام عِنْده مَتْرُوك قَدْ تُرِكَ ذِكْره اسْتِغْنَاء بِدِلَالَةِ الظَّاهِر عَلَيْهِ , وَيَكُون مَعْنَاهُ حِينَئِذٍ عِنْده , قَالَ : فَخُذْ أَرْبَعَة مِنْ الطَّيْر فَصُرْهُنّ إلَيْك , ثُمَّ قَطِّعْهُنَّ , ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلّ جَبَل مِنْهُنَّ جُزْءًا . وَقَدْ يُحْتَمَل أَنْ يَكُون مَعْنَى ذَلِك إذَا قُرِئَ كَذَلِكَ بِضَمِّ الصَّاد : قَطِّعْهُنَّ , كَمَا قَالَ تَوْبَة بْن الْحِمْيَر : فَلَمَّا جَذَبْت الْحَبْل أَطَّتْ نُسُوعه بِأَطْرَافِ عِيدَان شَدِيد أُسُورُهَا فَأَدْنَتْ لِيَ الْأَسْبَاب حَتَّى بَلَغْتهَا بِنَهْضِي وَقَدْ كَانَ ارْتِقَائِي يَصُورهَا يَعْنِي يَقْطَعهَا . وَإِذَا كَانَ ذَلِك تَأْوِيل قَوْله : فَصُرْهُنّ , وَيَكُون إلَيْك مِنْ صِلَة " خُذْ " . وَقَرَأَ ذَلِك جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْكُوفَة : " فَصِرْهُنَّ إلَيْك " بِالْكَسْرِ , بِمَعْنَى قَطِّعْهُنَّ . وَقَدْ زَعَمَ جَمَاعَة مِنْ نَحْوِيِّي الْكُوفَة أَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ فَصُرْهُنّ وَلَا فَصِرْهُنَّ , بِمَعْنَى قَطِّعْهُنَّ فِي كَلَام الْعَرَب , وَأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ كَسْر الصَّاد مِنْهَا لُغَة فِي هُذَيْلٍ وَسُلَيْم ; وَأَنْشَدُوا لِبَعْضِ بَنِي سُلَيْم : وَفَرْع يَصِير الْجِيد وَحْف كَأَنَّهُ عَلَى اللِّيت قِنْوَان الْكُرُوم الدَّوَالِح يَعْنِي بِقَوْلِهِ يَصِير : يَمِيل , وَأَنَّ أَهْل هَذِهِ اللُّغَة يَقُولُونَ : صَارُوهُ وَهُوَ يَصِيرهُ صَيْرًا , وَصِرْ وَجْهك إلَيَّ : أَيْ أَمِلْهُ , كَمَا تَقُول : صُرْهُ . وَزَعَمَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة أَنَّهُ لَا يَعْرِف لِقَوْلِهِ : { فَصُرْهُنّ } وَلَا لِقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ : " فَصُرْهُنّ " بِضَمِّ الصَّاد وَكَسْرهَا وَجْهًا فِي التَّقْطِيع , إلَّا أَنْ يَكُون " فَصُرْهُنّ إلَيْك " فِي قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ بِكَسْرِ الصَّاد مِنْ الْمَقْلُوب , وَذَلِكَ أَنْ تَكُون لَام فِعْله جُعِلَتْ مَكَان عَيْنه , وَعَيْنه مَكَان لَامه , فَيَكُون مِنْ صَرَى يَصْرِي صَرْيًا , فَإِنَّ الْعَرَب تَقُول : بَاتَ يَصْرِي فِي حَوْضه : إذَا اسْتَقَى , ثُمَّ قَطَعَ وَاسْتَقَى , وَمِنْ ذَلِك قَوْل الشَّاعِر : صَرَتْ نَطْرَة لَوْ صَادَفَتْ جَوْز دَارِع غَدًا وَالْعَوَاصِي مِنْ دَم الْجَوْف تَنْعَر صِرْت : قَطَعْت نَظْرَة . وَمِنْهُ قَوْل الْآخَر : يَقُولُونَ إنَّ الشَّام يَقْتُل أَهْله فَمَنْ لِي إذَا لَمْ آتِهِ بِخُلُودِ تَعَرَّبَ آبَائِي فَهَلَّا صَرَاهُمْ مِنْ الْمَوْت أَنْ لَمْ يَذْهَبُوا وَجُدُودِي يَعْنِي قَطَّعَهُمْ , ثُمَّ نُقِلَتْ يَاؤُهَا الَّتِي هِيَ لَامَ الْفِعْل فَجُعِلَتْ عَيْنًا لِلْفِعْلِ , وَحُوِّلَتْ عَيْنهَا فَجُعِلَتْ لَامهَا , فَقِيلَ صَارَ يَصِير , كَمَا قِيلَ : عَثِيَ يَعْثَى عَثًا , ثُمَّ حُوِّلَتْ لَامهَا , فَجُعِلَتْ عَيْنهَا , فَقِيلَ عَاثَ يَعِيث . فَأَمَّا نَحْوِيُّو الْبَصْرَة فَإِنَّهُمْ قَالُوا : { فَصُرْهُنّ إلَيْك } سَوَاء مَعْنَاهُ إذَا قُرِئَ بِالضَّمِّ مِنْ الصَّاد وَبِالْكَسْرِ فِي أَنَّهُ مَعْنِيّ بِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِع التَّقْطِيع , قَالُوا : وَهُمَا لُغَتَانِ : إحْدَاهُمَا صَارَ يَصُور , وَالْأُخْرَى صَارَ يَصِير , وَاسْتَشْهَدُوا عَلَى ذَلِك بِبَيْتِ تَوْبَة بْن الْحِمْيَر الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْل , وَبِبَيْتِ الْمُعَلَّى بْن جَمَال الْعَبْدِيّ : وَجَاءَتْ خِلْعَة دُهْس صَفَايَا يَصُور عُنُوقُهَا أَحْوَى زَنِيم بِمَعْنَى يُفَرِّق عُنُوقَهَا وَيُقَطِّعهَا , وَبِبَيْتِ خَنْسَاء : لَظَلَتْ الشُّمّ مِنْهَا وَهِيَ تَنْصَار يَعْنِي بِالشُّمِّ : الْجِبَال أَنَّهَا تَتَصَدَّع وَتَتَفَرَّق . وَبِبَيْتِ أَبِي ذُؤَيْب : فَانْصُرْنَ مِنْ فَزَع وَسَدَّ فُرُوجه غُبْر ضَوَارٍ وَافَيَانِ وَأَجْدَع قَالُوا : فَلِقَوْلِ الْقَائِل : صُرْت الشَّيْء مَعْنَيَانِ : أَمَلْته , وَقَطَعْته , وَحَكَوْا سَمَاعًا : صُرْنَا بِهِ الْحُكْم : فَصَّلْنَا بِهِ الْحُكْم . وَهَذَا الْقَوْل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْبَصْرِيِّينَ مِنْ أَنَّ مَعْنَى الضَّمّ فِي الصَّاد مِنْ قَوْله : { فَصُرْهُنّ إلَيْك } وَالْكَسْر سَوَاء بِمَعْنًى وَاحِد , وَأَنَّهُمَا لُغَتَانِ مَعْنَاهُمَا فِي هَذَا الْمَوْضِع فَقَطِّعْهُنَّ , وَأَنَّ مَعْنَى إلَيْك تَقْدِيمهَا قَبْل فَصُرْهُنّ مِنْ أَجْل أَنَّهَا صِلَة قَوْله : " فَخُذْ " , أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ قَوْل الَّذِينَ حَكَيْنَا قَوْلهمْ مِنْ نَحْوِيِّي الْكُوفِيِّينَ الَّذِي أَنْكَرُوا أَنْ يَكُون لِلتَّقْطِيعِ فِي ذَلِك وَجْه مَفْهُوم إلَّا عَلَى مَعْنَى الْقَلْب الَّذِي ذَكَرْت , لِإِجْمَاعِ أَهْل التَّأْوِيل عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { فَصُرْهُنّ } غَيْر خَارِج مِنْ أَحَد مَعْنَيَيْنِ : إمَّا قَطِّعْهُنَّ , وَإِمَّا اُضْمُمْهُنَّ إلَيْك , بِالْكَسْرِ قُرِئَ ذَلِك أَوْ بِالضَّمِّ . فَفِي إجْمَاع جَمِيعهمْ عَلَى ذَلِك عَلَى غَيْر مُرَاعَاة مِنْهُمْ كَسْر الصَّاد وَضَمّهَا , وَلَا تَفْرِيق مِنْهُمْ بَيْن مَعْنَيَيْ الْقِرَاءَتَيْنِ أَعْنِي الْكَسْر وَالضَّمّ , أَوْضَحَ الدَّلِيل عَلَى صِحَّة قَوْل الْقَائِلِينَ مِنْ نَحْوِيِّي أَهْل الْبَصْرَة فِي ذَلِك مَا حَكَيْنَا عَنْهُمْ مِنْ الْقَوْل , وَخَطَأ قَوْل نَحْوِيِّي الْكُوفِيِّينَ ; لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا إنَّمَا تَأَوَّلُوا قَوْله : { فَصُرْهُنّ } بِمَعْنَى فَقَطِّعْهُنَّ , عَلَى أَنَّ أَصْل الْكَلَام فاصرهن , ثُمَّ قُلِبَتْ فَقِيلَ فَصُرْهُنّ بِكَسْرِ الصَّاد لِتُحَوَّل يَاء فاصرهن مَكَان رَائِهِ , وَانْتِقَال رَائِهِ مَكَان يَائِهِ , لَكَانَ لَا شَكَّ مَعَ مَعْرِفَتهمْ بِلُغَتِهِمْ وَعِلْمهمْ بِمَنْطِقِهِمْ , قَدْ فَصَلُوا بَيْن مَعْنَى ذَلِك إذَا قُرِئَ بِكُسَّرِ صَاده , وَبَيْنه إذَا قُرِئَ بِضَمِّهَا , إذْ كَانَ غَيْر جَائِز لِمَنْ قَلَبَ فاصرهن إلَى فَصُرْهُنّ أَنْ يَقْرَأهُ فَصُرْهُنّ بِضَمِّ الصَّاد , وَهُمْ مَعَ اخْتِلَاف قِرَاءَتهمْ ذَلِك قَدْ تَأَوَّلُوهُ تَأْوِيلًا وَاحِدًا عَلَى أَحَد الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَا . فَفِي ذَلِك أَوْضَح الدَّلِيل عَلَى خَطَأ قَوْل مَنْ قَالَ : إنَّ ذَلِك إذَا قُرِئَ بِكَسْرِ الصَّاد بِتَأْوِيلِ التَّقْطِيع مَقْلُوب مِنْ صَرَى يَصْرِي إلَى صَارَ يَصِير , وَجَهِلَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ قَوْل الْقَائِل صَارَ يَصُور وَصَارَ يَصِير غَيْر مَعْرُوف فِي كَلَام الْعَرَب بِمَعْنَى قَطَعَ . ذِكْر مَنْ حَضَرْنَا قَوْله فِي تَأْوِيل قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { فَصُرْهُنّ } أَنَّهُ بِمَعْنَى فَقَطِّعْهُنَّ . 4686 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بْن عَبْد الْجَبَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن الصَّلْت , قَالَ : ثِنَا أَبُو كُدَيْنَة , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس : { فَصُرْهُنّ } قَالَ : هِيَ نَبَطِيَّة فَشَقِّقْهُنّ . 4687 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي جَمْرَة , عَنْ ابْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { فَخُذْ أَرْبَعَة مِنْ الطَّيْر فَصُرْهُنّ إلَيْك } قَالَ : إنَّمَا هُوَ مِثْل . قَالَ : قَطِّعْهُنَّ ثُمَّ اجْعَلْهُنَّ فِي أَرْبَاع الدُّنْيَا , رُبُعًا هَهُنَا , وَرُبُعًا هَهُنَا , ثُمَّ اُدْعُهُنَّ يَأْتِينَك سَعْيًا . 4688 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : { فَصُرْهُنّ } قَالَ : قَطِّعْهُنَّ . 4689 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك فِي قَوْله : { فَصُرْهُنّ إلَيْك } يَقُول : قَطِّعْهُنَّ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك , مِثْله . 4690 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثِنَا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ أَشْعَث , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد : { فَصُرْهُنّ } قَالَ : قَالَ جُنَاح ذه عِنْد رَأَسَ ذه , وَرَأْس ذه عِنْد جَنَاح ذه . 4691 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : زَعَمَ أَبُو عَمْرو , عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْله : { فَصُرْهُنّ إلَيْك } قَالَ : قَالَ عِكْرِمَة بِالنَّبَطِيَّةِ : قَطِّعْهُنَّ . 4692 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثِنَا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إسْرَائِيل , عَنْ يَحْيَى , عَنْ مُجَاهِد : { فَصُرْهُنّ إلَيْك } قَالَ : قَطِّعْهُنَّ . 4693 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَصُرْهُنّ إلَيْك } انْتِفْهُنّ بِرِيشِهِنَّ وَلُحُومهنَّ تَمْزِيقًا , ثُمَّ اخْلِطْ لُحُومهنَّ بِرِيشِهِنَّ . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَصُرْهُنّ إلَيْك } قَالَ : انْتِفْهُنّ بِرِيشِهِنَّ وَلُحُومهنَّ تَمْزِيقًا . 4694 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن معاذ , قَالَ : ثنا يزيد بن زُرَيْعٍ , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { فَصْرُهُنّ إلَيْك } أُمِرَ نَبِيّ اللَّه عَلَيْهِ السَّلَام أَنْ يَأْخُذ أَرْبَعَة مِنْ الطَّيْر فَيَذْبَحهُنَّ , ثُمَّ يَخْلِط بَيْن لُحُومهنَّ وَرِيشهنَّ وَدِمَائِهِنَّ . 4695 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { فَصُرْهُنّ إلَيْك } قَالَ : فَمَزِّقْهُنَّ , قَالَ : أُمِرَ أَنْ يَخْلِط الدِّمَاء بِالدِّمَاءِ , وَالرِّيش بِالرِّيشِ , ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلّ جَبَل مِنْهُنَّ جُزْءًا . 4696 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك : { فَصُرْهُنّ إلَيْك } يَقُول : فَشَقِّقْهُنّ وَهُوَ بِالنَّبَطِيَّةِ صَرَى , وَهُوَ التَّشْقِيق . 4697 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثِنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَصُرْهُنّ إلَيْك } يَقُول قَطِّعْهُنَّ . 4698 - حُدِّثْنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { فَصُرْهُنّ إلَيْك } يَقُول قَطِّعْهُنَّ إلَيْك وَمَزِّقْهُنَّ تَمْزِيقًا . 4699 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق : { فَصُرْهُنّ إلَيْك } أَيْ قَطِّعْهُنَّ , وَهُوَ الصَّوْر فِي كَلَام الْعَرَب . فَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَقْوَال مَنْ رَوَيْنَا فِي تَأْوِيل قَوْله : { فَصُرْهُنّ إلَيْك } أَنَّهُ بِمَعْنَى فَقَطِّعْهُنَّ إلَيْك , دِلَالَة وَاضِحَة عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا فِي ذَلِك , وَفَسَاد قَوْل مَنْ خَالَفْنَا فِيهِ . وَإِذْ كَانَ ذَلِك كَذَلِكَ , فَسَوَاء قَرَأَ الْقَارِئ ذَلِك بِضَمِّ الصَّاد فَصُرْهُنّ إلَيْك أَوْ كَسْرهَا فَصِرْهُنَّ إذْ كَانَتْ اللُّغَتَانِ مَعْرُوفَتَيْنِ بِمَعْنًى وَاحِد , غَيْر أَنَّ الْأَمْر وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ , فَإِنَّ أَحَبَّهُمَا إلَيَّ أَنْ أَقْرَأ بِهِ " فَصُرْهُنّ إلَيْك " بِضَمِّ الصَّاد , لِأَنَّهَا أَعْلَى اللُّغَتَيْنِ وَأَشْهَرهمَا وَأَكْثَرهمَا فِي إحْيَاء الْعَرَب . وَعِنْد نَفَر قَلِيل مِنْ أَهْل التَّأْوِيل أَنَّهَا بِمَعْنَى أَوْثِقْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4700 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثَنِيّ أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { فَصُرْهُنّ إلَيْك } صُرْهُنّ : أَوْثِقْهُنَّ . 4701 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِيّ حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ قَوْله : { فَصُرْهُنّ إلَيْك } قَالَ : اُضْمُمْهُنَّ إلَيْك . 4702 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { فَصُرْهُنّ إلَيْك } قَالَ : اجْمَعْهُنَّ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلّ جَبَل مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ اُدْعُهُنَّ يَأْتِينَك سَعْيًا } . اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلّ جَبَل مِنْهُنَّ جُزْءًا } فَقَالَ بَعْضهمْ : يَعْنِي بِذَلِك عَلَى كُلّ رَبَع مِنْ أَرُبَاع الدُّنْيَا جُزْءًا مِنْهُنَّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4703 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي جَمْرَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : { ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلّ جَبَل مِنْهُنَّ جُزْءًا } قَالَ : اجْعَلْهُنَّ فِي أَرْبَاع الدُّنْيَا : رُبُعًا هَهُنَا , وَرُبُعًا هَهُنَا , وَرُبُعًا هَهُنَا , وَرُبُعًا هَهُنَا , ثُمَّ اُدْعُهُنَّ يَأْتِينَك سَعْيًا . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثَنِيّ أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلّ جَبَل مِنْهُنَّ جُزْءًا } قَالَ : لَمَّا أَوْثَقهنَّ ذَبَّحَهُنّ , ثُمَّ جَعَلَ عَلَى كُلّ جَبَل مِنْهُنَّ جُزْءًا . 4704 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثِنَا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : قَالَ : أَمَرَ نَبِيّ اللَّه أَنْ يَأْخُذ أَرْبَعَة مِنْ الطَّيْر فَيَذْبَحهُنَّ , ثُمَّ يَخْلِط بَيْن لُحُومهنَّ وَرِيشهنَّ وَدِمَائِهِنَّ , ثُمَّ يُجْزِئهُنَّ عَلَى أَرْبَعَة أَجْبُل , فَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ شَكَّلَ عَلَى أَجْنِحَتهنَّ , وَأَمْسَكَ بِرُءُوسِهِنَّ بِيَدِهِ , فَجَعَلَ الْعَظْم يَذْهَب إلَى الْعَظْم , وَالرِّيشَة إلَى الرِّيشَة , وَالْبُضْعَة إلَى الْبُضْعَة , وَذَلِكَ بِعَيْنِ خَلِيل اللَّه إبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ثُمَّ دَعَاهُنَّ فَأَتَيْنَهُ سَعْيًا عَلَى أَرَجُلهنَّ , وَيَلْقَى كُلّ طَيْر بِرَأْسِهِ . وَهَذَا مَثَل آتَاهُ اللَّه إبْرَاهِيم . يَقُول : كَمَا بَعَثَ هَذِهِ الْأَطْيَار مِنْ هَذِهِ الْأَجْبُل الْأَرْبَعَة , كَذَلِكَ يَبْعَث اللَّه النَّاس يَوْم الْقِيَامَة مِنْ أَرْبَاع الْأَرْض وَنَوَاحِيهَا . 4705 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : ذَبَحَهُنَّ , ثُمَّ قَطَّعَهُنَّ , ثُمَّ خَلَطَ بَيْن لُحُومهنَّ وَرِيشهنَّ , ثُمَّ قَسَّمَهُنَّ عَلَى أَرْبَعَة أَجْزَاء , فَجَعَلَ عَلَى كُلّ جَبَل مِنْهُنَّ جُزْءًا , فَجَعَلَ الْعَظْم يَذْهَب إلَى الْعَظْم , وَالرِّيشَة إلَى الرِّيشَة , وَالْبُضْعَة إلَى الْبُضْعَة , وَذَلِكَ بِعَيْنِ خَلِيل اللَّه إبْرَاهِيم , ثُمَّ دَعَاهُنَّ فَأَتَيْنَهُ سَعْيًا , يَقُول : شَدَا عَلَى أَرْجُلهنَّ . وَهَذَا مَثَل أَرَاهُ اللَّه إبْرَاهِيم , يَقُول : كَمَا بَعَثْت هَذِهِ الْأَطْيَار مِنْ هَذِهِ الْأَجْبُل الْأَرْبَعَة , كَذَلِكَ يَبْعَث اللَّه النَّاس يَوْم الْقِيَامَة مِنْ أَرْبَاع الْأَرْض وَنَوَاحِيهَا . 4706 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثنا ابْن إسْحَاق , عَنْ بَعْض أَهْل الْعِلْم : أَنَّ أَهْل الْكِتَاب يَذْكُرُونَ أَنَّهُ أَخَذَ الْأَطْيَار الْأَرْبَعَة , ثُمَّ قَطَعَ كُلّ طَيْر بِأَرْبَعَةِ أَجْزَاء , ثُمَّ عَمَدَ إلَى أَرْبَعَة أَجْبَال , فَجَعَلَ عَلَى كُلّ جَبَل رُبُعًا مِنْ كُلّ طَائِر , فَكَانَ عَلَى كُلّ جَبَل رُبُع مِنْ الطَّاوُوس , وَرُبُع مِنْ الدِّيك , وَرُبُع مِنْ الْغُرَاب وَرُبُع مِنْ الْحَمَام . ثُمَّ دَعَاهُنَّ فَقَالَ : تَعَالَيْنَ بِإِذْنِ اللَّه كَمَا كُنْتُمْ ! فَوَثَبَ كُلّ رُبُع مِنْهَا إلَى صَاحِبه حَتَّى اجْتَمَعْنَ , فَكَانَ كُلّ طَائِر كَمَا كَانَ قَبْل أَنْ يَقْطَعهُ , ثُمَّ أَقْبَلْنَ إلَيْهِ سَعْيًا , كَمَا قَالَ اللَّه . وَقِيلَ : يَا إبْرَاهِيم هَكَذَا يَجْمَع اللَّه الْعِبَاد , وَيُحْيِي الْمَوْتَى لِلْبَعْثِ مِنْ مَشَارِق الْأَرْض وَمَغَارِبهَا , وَشَامهَا وَيَمَنهَا . فَأَرَاهُ اللَّه إحْيَاء الْمَوْتَى بِقُدْرَتِهِ , حَتَّى عَرَفَ ذَلِك بِغَيْرِ مَا قَالَ نُمْرُود مِنْ الْكَذِب وَالْبَاطِل . 4707 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلّ جَبَل مِنْهُنَّ جُزْءًا } قَالَ : فَأَخَذَ طَاوُوسًا , وَحَمَامَة , وَغُرَابًا , وَدِيكًا , ثُمَّ قَالَ : فَرِّقْهُنَّ , اجْعَلْ رَأْس كُلّ وَاحِد وَجُؤْشُوش الْآخَر وَجَنَاحَيْ الْآخَر وَرِجْلَيْ الْآخَر مَعَهُ ! فَقَطِّعْهُنَّ وَفَرِّقْهُنَّ أَرْبَاعًا عَلَى الْجِبَال , ثُمَّ دَعَاهُنَّ فَجِئْنَهُ جَمِيعًا , فَقَالَ اللَّه : كَمَا نَادَيْتهنَّ فَجِئْنَك , فَكَمَا أَحْيَيْت هَؤُلَاءِ وَجَمَعْتهنَّ بَعْد هَذَا , فَكَذَلِكَ أَجْمَع هَؤُلَاءِ أَيْضًا ; يَعْنِي الْمَوْتَى . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِك : ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلّ جَبَل مِنْ الْأَجْبَال الَّتِي كَانَتْ الْأَطْيَار وَالسِّبَاع الَّتِي كَانَتْ تَأْكُل مِنْ لَحْم الدَّابَّة الَّتِي رَآهَا إبْرَاهِيم مَيِّتَة , فَسَأَلَ إبْرَاهِيم عِنْد رُؤْيَته إيَّاهَا أَنَّ يُرِيَهُ كَيْفَ يُحْيِيهَا وَسَائِر الْأَمْوَات غَيْرهَا . وَقَالُوا : كَانَتْ سَبْعَة أَجْبَال . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4708 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِيّ حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : لَمَّا قَالَ إبْرَاهِيم مَا قَالَ عِنْد رُؤْيَته الدَّابَّة الَّتِي تَفَرَّقَتْ الطَّيْر وَالسِّبَاع عَنْهَا حِين دَنَا مِنْهَا , وَسَأَلَ رَبّه مَا سَأَلَ , قَالَ : فَخُذْ أَرْبَعَة مِنْ الطَّيْر - قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : فَذَبَحَهَا - ثُمَّ أَخْلَطَ بَيْن دِمَائِهِنَّ وَرِيشهنَّ وَلُحُومهنَّ , ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلّ جَبَل مِنْهُنَّ جُزْءًا حَيْثُ رَأَيْت الطَّيْر ذَهَبَتْ وَالسِّبَاع ! قَالَ : فَجَعَلَهُنَّ سَبْعَة أَجْزَاء , وَأَمْسَكَ رُءُوسهنَّ عِنْده , ثُمَّ دَعَاهُنَّ بِإِذْنِ اللَّه , فَنَظَرَ إلَى كُلّ قَطْرَة مِنْ دَم تَطِير إلَى الْقَطْرَة الْأُخْرَى , وَكُلّ رِيشَة تَطِير إلَى الرِّيشَة الْأُخْرَى , وَكُلّ بُضْعَةٍ وَكُلّ عَظْم يَطِير بَعْضه إلَى بَعْض مِنْ رُءُوس الْجِبَال , حَتَّى لَقِيَتْ كُلّ جُثَّة بَعْضهَا بَعْضًا فِي السَّمَاء , ثُمَّ أَقْبَلْنَ يَسْعَيْنَ حَتَّى وَصَلَتْ رَأْسهَا . 4709 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : فَخُذْ أَرْبَعَة مِنْ الطَّيْر فَصُرْهُنّ إلَيْك , ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى سَبْعَة أَجْبَال , فَاجْعَلْ عَلَى كُلّ جَبَل مِنْهُنَّ جُزْءًا , ثُمَّ اُدْعُهُنَّ يَأْتِينَك سَعْيًا ! فَأَخَذَ إبْرَاهِيم أَرْبَعَة مِنْ الطَّيْر , فَقَطَّعَهُنَّ أَعْضَاء , لَمْ يَجْعَل عُضْوًا مِنْ طَيْر مَعَ صَاحِبه , ثُمَّ جَعَلَ رَأْس هَذَا مَعَ رِجْل هَذَا , وَصَدْر هَذَا مَعَ جَنَاح هَذَا , وَقَسَّمَهُنَّ عَلَى سَبْعَة أَجْبَال , ثُمَّ دَعَاهُنَّ فَطَارَ كُلّ عُضْو إلَى صَاحِبه , ثُمَّ أَقْبَلْنَ إلَيْهِ جَمِيعًا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ أَمَرَهُ اللَّه أَنْ يَجْعَل ذَلِك عَلَى كُلّ جَبَل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4710 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلّ جَبَل مِنْهُنَّ جُزْءًا } قَالَ : ثُمَّ بَدَّدَهُنَّ عَلَى كُلّ جَبَل يَأْتِينَك سَعْيًا , وَكَذَلِكَ يُحْيِي اللَّه الْمَوْتَى . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثِنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ثُمَّ اجْعَلْهُنَّ أَجْزَاء عَلَى كُلّ جَبَل , ثُمَّ اُدْعُهُنَّ يَأْتِينَك سَعْيًا , كَذَلِكَ يَحْيَى اللَّه الْمَوْتَى ; هُوَ مِثْل ضَرَبَهُ اللَّه لِإِبْرَاهِيم . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ مُجَاهِد : { ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلّ جَبَل مِنْهُنَّ جُزْءًا } ثُمَّ بَدَّدَهُنَّ أَجْزَاء عَلَى كُلّ جَبَل , ثُمَّ اُدْعُهُنَّ : تَعَالَيْنَ بِإِذْنِ اللَّه ! فَكَذَلِكَ يُحْيِي اللَّه الْمَوْتَى ; مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِإِبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 4711 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : أَمَرَهُ أَنْ يُخَالِف بَيْن قَوَائِمهنَّ وَرُءُوسهنَّ وَأَجْنِحَتهنَّ , ثُمَّ يَجْعَل عَلَى كُلّ جَبَل مِنْهُنَّ جُزْءًا . * - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلّ جَبَل مِنْهُنَّ جُزْءًا } فَخَالَفَ إبْرَاهِيم بَيْن قَوَائِمهنَّ وَأَجْنِحَتهنَّ . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَات بِالْآيَةِ مَا قَالَهُ مُجَاهِد , وَهُوَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَمَرَ إبْرَاهِيم بِتَفْرِيقِ أَعْضَاء الْأَطْيَار الْأَرْبَعَة بَعْد تَقْطِيعه إيَّاهُنَّ عَلَى جَمِيع الْأَجْبَال الَّتِي كَانَ يصل إبْرَاهِيم فِي وَقْت تَكْلِيف اللَّه إيَّاهُ تَفْرِيق ذَلِك وَتَبْدِيدهَا عَلَيْهَا أَجْزَاء , لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره قَالَ لَهُ : { ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلّ جَبَل مِنْهُنَّ جُزْءًا } وَالْكُلّ حَرْف يَدُلّ عَلَى الْإِحَاطَة بِمَا أُضِيفَ إلَيْهِ لَفْظه وَاحِد وَمَعْنَاهُ الْجَمْع . فَإِذَا كَانَ ذَلِك كَذَلِكَ فَلَنْ يَجُوز أَنْ تَكُون الْجِبَال الَّتِي أَمَرَ اللَّه إبْرَاهِيم بِتَفْرِيقِ أَجْزَاء الْأَطْيَار الْأَرْبَعَة عَلَيْهَا خَارِجَة مِنْ أَحَد مَعْنَيَيْنِ : إمَّا أَنْ تَكُون بَعْضًا أَوْ جَمِيعًا ; فَإِنْ كَانَتْ بَعْضًا فَغَيْر جَائِز أَنْ يَكُون ذَلِك الْبَعْض إلَّا مَا كَانَ لِإِبْرَاهِيم السَّبِيل إلَى تَفْرِيق أَعْضَاء الْأَطْيَار الْأَرْبَعَة عَلَيْهِ . أَوْ يَكُون جَمِيعًا , فَيَكُون أَيْضًا كَذَلِكَ . وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُ أَمَرَهُ بِأَنْ يَجْعَل ذَلِك عَلَى كُلّ جَبَل , وَذَلِك إمَّا كُلّ جَبَل وَقَدْ عَرَفَهُنَّ إبْرَاهِيم بِأَعْيَانِهِنَّ , وَإِمَّا مَا فِي الْأَرْض مِنْ الْجِبَال . فَأَمَّا قَوْل مَنْ قَالَ : إنَّ ذَلِك أَرْبَعَة أَجْبُل , وَقَوْل مَنْ قَالَ : هُنَّ سَبْعَة ; فَلَا دِلَالَة عِنْدنَا عَلَى صِحَّة شَيْء مِنْ ذَلِك فَنَسْتَجِيز الْقَوْل بِهِ . وَإِنَّمَا أَمَرَ اللَّه إبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْعَل الْأَطْيَار الْأَرْبَعَة أَجْزَاء مُتَفَرِّقَة عَلَى كُلّ جَبَل لِيُرِيَ إبْرَاهِيم قُدْرَته عَلَى جَمْع أَجْزَائِهِنَّ وَهُنَّ مُتَفَرِّقَات مُتَبَدِّدَات فِي أَمَاكِن مُخْتَلِفَة شَتَّى , حَتَّى يُؤَلِّف بَعْضهنَّ إلَى بَعْض , فَيَعُدْنَ كَهَيْئَتِهِنَّ قَبْل تَقْطِيعهنَّ وَتَمْزِيقهنَّ وَقَبْل تَفْرِيق أَجْزَائِهِنَّ عَلَى الْجِبَال أَطْيَارًا أَحِيَاء يَطِرْنَ , فَيَطْمَئِنّ قَلْب إبْرَاهِيم وَيَعْلَم أَنَّ كَذَلِكَ يَجْمَع اللَّه أَوْصَال الْمَوْتَى لِبَعْثِ الْقِيَامَة وَتَأْلِيفه أَجَزَاءَهُمْ بَعْد الْبِلَى وَرَدّ كُلّ عُضْو مِنْ أَعْضَائِهِمْ إلَى مَوْضِعه كَاَلَّذِي كَانَ قَبْل الرَّدّ . وَالْجُزْء مِنْ كُلّ شَيْء هُوَ الْبَعْض مِنْهُ كَانَ مُنْقَسِمًا جَمِيعه عَلَيْهِ عَلَى صِحَّة أَوْ غَيْر مُنْقَسِم , فَهُوَ بِذَلِك مِنْ مَعْنَاهُ مُخَالِف مَعْنَى السَّهْم ; لِأَنَّ السَّهْم مِنْ الشَّيْء : هُوَ الْبَعْض الْمُنْقَسِم عَلَيْهِ جَمِيعه عَلَى صِحَّة , وَلِذَلِك كَثُرَ اسْتِعْمَال النَّاس فِي كَلَامهمْ عِنْد ذِكْرهمْ أَنْصِبَاءَهُمْ مِنْ الْمَوَارِيث السِّهَام دُون الْأَجْزَاء . وَأَمَّا قَوْله : { ثُمَّ اُدْعُهُنَّ } فَإِنَّ مَعْنَاهُ مَا ذَكَرْت آنِفًا عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ قَالَ : هُوَ أَنَّهُ أُمِرَ أَنْ يَقُول لِأَجْزَاءِ الْأَطْيَار بَعْد تَفْرِيقهنَّ عَلَى كُلّ جَبَل تَعَالَيْنَ بِإِذْنِ اللَّه . فَإِنْ قَالَ قَائِل : أُمِرَ إبْرَاهِيم أَنْ يَدْعُوهُنَّ وَهُنَّ مُمَزَّقَات أَجْزَاء عَلَى رُءُوس الْجِبَال أَمْوَاتًا , أَمْ بَعْد مَا أُحْيِينَ ؟ فَإِنْ كَانَ أُمِرَ أَنْ يَدْعُوَهُنَّ وَهُنَّ مُمَزَّقَات لَا أَرْوَاح فِيهِنَّ , فَمَا وَجْه أَمْر مَنْ لَا حَيَاة فِيهِ بِالْإِقْبَالِ ؟ وَإِنْ كَانَ أُمِرَ بِدُعَائِهِنَّ بَعْد مَا أُحْيِينَ , فَمَا كَانَتْ حَاجَة إبْرَاهِيم إلَى دُعَائِهِنَّ وَقَدْ أَبْصَرَهُنَّ يُنْشَرْنَ عَلَى رُءُوس الْجِبَال ؟ قِيلَ : إنَّ أَمْر اللَّه تَعَالَى ذِكْره إبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدُعَائِهِنَّ وَهُنَّ أَجْزَاء مُتَفَرِّقَات إنَّمَا هُوَ أَمْر تَكْوِين , كَقَوْلِ اللَّه لِلَّذِينَ مَسَخَهُمْ قِرَدَة بَعْد مَا كَانُوا إنْسًا : { كُونُوا قِرَدَة خَاسِئِينَ } 2 65 لَا أَمْر عِبَادَة , فَيَكُون مُحَالًا إلَّا بَعْد وُجُود الْمَأْمُور الْمُتَعَبَّد .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّه عَزِيز حَكِيم } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِك : وَاعْلَمْ يَا إبْرَاهِيم أَنَّ الَّذِي أَحْيَا هَذِهِ الْأَطْيَار بَعْد تَمْزِيقك إيَّاهُنَّ , وَتَفْرِيقك أَجْزَاءَهُنَّ عَلَى الْجِبَال , فَجَمَعَهُنَّ وَرَدَّ إلَيْهِنَّ الرُّوح , حَتَّى أَعَادَهُنَّ كَهَيْئَتِهِنَّ قَبْل تَفْرِيقهنَّ , { عَزِيز } فِي بَطْشه إذَا بَطَشَ بِمَنْ بَطَشَ مِنْ الْجَبَابِرَة وَالْمُتَكَبِّرَة الَّذِينَ خَالَفُوا أَمْره , وَعَصَوْا رُسُله , وَعَبَدُوا غَيْره , وَفِي نِقْمَته حَتَّى يَنْتَقِم مِنْهُمْ , { حُكِيَ } فِي أَمْره . 4712 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثنا ابْن إسْحَاق : { وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّه عَزِيز حَكِيم } قَالَ : عَزِيز فِي بَطْشه , حَكِيم فِي أَمْره . 4713 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثِنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّه عَزِيز } فِي نِقْمَته { حَكِيم } فِي أَمْره .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَة مِنْ الطَّيْر } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِك : قَالَ اللَّه لَهُ : فَخُذْ أَرْبَعَة مِنْ الطَّيْر . فَذَكَرَ أَنَّ الْأَرْبَعَة مِنْ الطَّيْر : الدِّيك , وَالطَّاوُوس , وَالْغُرَاب , وَالْحَمَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4682 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثِنَا سَلَمَة , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن إسْحَاق , عَنْ بَعْض أَهْل الْعِلْم : أَنَّ أَهْل الْكِتَاب الْأَوَّل يَذْكُرُونَ أَنَّهُ أَخَذَ طَاوُوسًا , وَدِيكًا , وَغُرَابًا , وَحَمَامًا . 4683 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الْأَرْبَعَة مِنْ الطَّيْر : الدِّيك , وَالطَّاوُوس , وَالْغُرَاب , وَالْحَمَام . 4684 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج : { قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَة مِنْ الطَّيْر } قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : زَعَمُوا أَنَّهُ دِيك , وَغُرَاب , وَطَاوُوس , وَحَمَامَة . 4685 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَة مِنْ الطَّيْر } قَالَ : فَأَخَذَ طَاوُوسًا , وَحَمَامًا , وَغُرَابًا , وَدِيكًا ; مُخَالِفًا أَجْنَاسهَا وَأَلْوَانهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَصُرْهُنّ إلَيْك } . اخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِك , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْحِجَاز وَالْبَصْرَة : { فَصُرْهُنّ إلَيْك } بِضَمِّ الصَّاد مِنْ قَوْل قَائِل : صِرْت إلَى هَذَا الْأَمْر : إذَا مِلْت إلَيْهِ أَصُوَر صُوَرًا , وَيُقَال : إنِّي إلَيْكُمْ لَأَصُور أَيْ مُشْتَاق مَائِل , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : اللَّه يَعْلَم أَنَّا فِي تَلَفُّتنَا يَوْم الْفِرَاق إلَى أَحْبَابنَا صُوَر وَهُوَ جَمْع أَصْوَر وَصَوْرَاء وَصُوَر , مِثْل أَسْوَد وَسَوْدَاء . وَمِنْهُ قَوْل الطِّرِمَّاح : عَفَائِف إلَّا ذَاكَ أَوْ أَنْ يَصُورهَا هَوَى وَالْهَوَى لِلْعَاشِقِينَ صَرُوع يَعْنِي بِقَوْلِهِ : " أَوْ أَنْ يَصُورهَا هَوًى " : يَمِيلهَا . فَمَعْنَى قَوْله : { فَصُرْهُنّ إلَيْك } اُضْمُمْهُنَّ إلَيْك وَوَجِّهْهُنَّ إلَيْك وَوَجِّهْهُنَّ نَحْوك , كَمَا يُقَال : صُرْ وَجْهك إلَيَّ , أَيْ أَقْبِلْ بِهِ إلَيَّ . وَمِنْ وَجْه قَوْله : { فَصُرْهُنّ إلَيْك } إلَى هَذَا التَّأْوِيل كَانَ فِي الْكَلَام عِنْده مَتْرُوك قَدْ تُرِكَ ذِكْره اسْتِغْنَاء بِدِلَالَةِ الظَّاهِر عَلَيْهِ , وَيَكُون مَعْنَاهُ حِينَئِذٍ عِنْده , قَالَ : فَخُذْ أَرْبَعَة مِنْ الطَّيْر فَصُرْهُنّ إلَيْك , ثُمَّ قَطِّعْهُنَّ , ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلّ جَبَل مِنْهُنَّ جُزْءًا . وَقَدْ يُحْتَمَل أَنْ يَكُون مَعْنَى ذَلِك إذَا قُرِئَ كَذَلِكَ بِضَمِّ الصَّاد : قَطِّعْهُنَّ , كَمَا قَالَ تَوْبَة بْن الْحِمْيَر : فَلَمَّا جَذَبْت الْحَبْل أَطَّتْ نُسُوعه بِأَطْرَافِ عِيدَان شَدِيد أُسُورُهَا فَأَدْنَتْ لِيَ الْأَسْبَاب حَتَّى بَلَغْتهَا بِنَهْضِي وَقَدْ كَانَ ارْتِقَائِي يَصُورهَا يَعْنِي يَقْطَعهَا . وَإِذَا كَانَ ذَلِك تَأْوِيل قَوْله : فَصُرْهُنّ , وَيَكُون إلَيْك مِنْ صِلَة " خُذْ " . وَقَرَأَ ذَلِك جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْكُوفَة : " فَصِرْهُنَّ إلَيْك " بِالْكَسْرِ , بِمَعْنَى قَطِّعْهُنَّ . وَقَدْ زَعَمَ جَمَاعَة مِنْ نَحْوِيِّي الْكُوفَة أَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ فَصُرْهُنّ وَلَا فَصِرْهُنَّ , بِمَعْنَى قَطِّعْهُنَّ فِي كَلَام الْعَرَب , وَأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ كَسْر الصَّاد مِنْهَا لُغَة فِي هُذَيْلٍ وَسُلَيْم ; وَأَنْشَدُوا لِبَعْضِ بَنِي سُلَيْم : وَفَرْع يَصِير الْجِيد وَحْف كَأَنَّهُ عَلَى اللِّيت قِنْوَان الْكُرُوم الدَّوَالِح يَعْنِي بِقَوْلِهِ يَصِير : يَمِيل , وَأَنَّ أَهْل هَذِهِ اللُّغَة يَقُولُونَ : صَارُوهُ وَهُوَ يَصِيرهُ صَيْرًا , وَصِرْ وَجْهك إلَيَّ : أَيْ أَمِلْهُ , كَمَا تَقُول : صُرْهُ . وَزَعَمَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة أَنَّهُ لَا يَعْرِف لِقَوْلِهِ : { فَصُرْهُنّ } وَلَا لِقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ : " فَصُرْهُنّ " بِضَمِّ الصَّاد وَكَسْرهَا وَجْهًا فِي التَّقْطِيع , إلَّا أَنْ يَكُون " فَصُرْهُنّ إلَيْك " فِي قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ بِكَسْرِ الصَّاد مِنْ الْمَقْلُوب , وَذَلِكَ أَنْ تَكُون لَام فِعْله جُعِلَتْ مَكَان عَيْنه , وَعَيْنه مَكَان لَامه , فَيَكُون مِنْ صَرَى يَصْرِي صَرْيًا , فَإِنَّ الْعَرَب تَقُول : بَاتَ يَصْرِي فِي حَوْضه : إذَا اسْتَقَى , ثُمَّ قَطَعَ وَاسْتَقَى , وَمِنْ ذَلِك قَوْل الشَّاعِر : صَرَتْ نَطْرَة لَوْ صَادَفَتْ جَوْز دَارِع غَدًا وَالْعَوَاصِي مِنْ دَم الْجَوْف تَنْعَر صِرْت : قَطَعْت نَظْرَة . وَمِنْهُ قَوْل الْآخَر : يَقُولُونَ إنَّ الشَّام يَقْتُل أَهْله فَمَنْ لِي إذَا لَمْ آتِهِ بِخُلُودِ تَعَرَّبَ آبَائِي فَهَلَّا صَرَاهُمْ مِنْ الْمَوْت أَنْ لَمْ يَذْهَبُوا وَجُدُودِي يَعْنِي قَطَّعَهُمْ , ثُمَّ نُقِلَتْ يَاؤُهَا الَّتِي هِيَ لَامَ الْفِعْل فَجُعِلَتْ عَيْنًا لِلْفِعْلِ , وَحُوِّلَتْ عَيْنهَا فَجُعِلَتْ لَامهَا , فَقِيلَ صَارَ يَصِير , كَمَا قِيلَ : عَثِيَ يَعْثَى عَثًا , ثُمَّ حُوِّلَتْ لَامهَا , فَجُعِلَتْ عَيْنهَا , فَقِيلَ عَاثَ يَعِيث . فَأَمَّا نَحْوِيُّو الْبَصْرَة فَإِنَّهُمْ قَالُوا : { فَصُرْهُنّ إلَيْك } سَوَاء مَعْنَاهُ إذَا قُرِئَ بِالضَّمِّ مِنْ الصَّاد وَبِالْكَسْرِ فِي أَنَّهُ مَعْنِيّ بِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِع التَّقْطِيع , قَالُوا : وَهُمَا لُغَتَانِ : إحْدَاهُمَا صَارَ يَصُور , وَالْأُخْرَى صَارَ يَصِير , وَاسْتَشْهَدُوا عَلَى ذَلِك بِبَيْتِ تَوْبَة بْن الْحِمْيَر الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْل , وَبِبَيْتِ الْمُعَلَّى بْن جَمَال الْعَبْدِيّ : وَجَاءَتْ خِلْعَة دُهْس صَفَايَا يَصُور عُنُوقُهَا أَحْوَى زَنِيم بِمَعْنَى يُفَرِّق عُنُوقَهَا وَيُقَطِّعهَا , وَبِبَيْتِ خَنْسَاء : لَظَلَتْ الشُّمّ مِنْهَا وَهِيَ تَنْصَار يَعْنِي بِالشُّمِّ : الْجِبَال أَنَّهَا تَتَصَدَّع وَتَتَفَرَّق . وَبِبَيْتِ أَبِي ذُؤَيْب : فَانْصُرْنَ مِنْ فَزَع وَسَدَّ فُرُوجه غُبْر ضَوَارٍ وَافَيَانِ وَأَجْدَع قَالُوا : فَلِقَوْلِ الْقَائِل : صُرْت الشَّيْء مَعْنَيَانِ : أَمَلْته , وَقَطَعْته , وَحَكَوْا سَمَاعًا : صُرْنَا بِهِ الْحُكْم : فَصَّلْنَا بِهِ الْحُكْم . وَهَذَا الْقَوْل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْبَصْرِيِّينَ مِنْ أَنَّ مَعْنَى الضَّمّ فِي الصَّاد مِنْ قَوْله : { فَصُرْهُنّ إلَيْك } وَالْكَسْر سَوَاء بِمَعْنًى وَاحِد , وَأَنَّهُمَا لُغَتَانِ مَعْنَاهُمَا فِي هَذَا الْمَوْضِع فَقَطِّعْهُنَّ , وَأَنَّ مَعْنَى إلَيْك تَقْدِيمهَا قَبْل فَصُرْهُنّ مِنْ أَجْل أَنَّهَا صِلَة قَوْله : " فَخُذْ " , أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ قَوْل الَّذِينَ حَكَيْنَا قَوْلهمْ مِنْ نَحْوِيِّي الْكُوفِيِّينَ الَّذِي أَنْكَرُوا أَنْ يَكُون لِلتَّقْطِيعِ فِي ذَلِك وَجْه مَفْهُوم إلَّا عَلَى مَعْنَى الْقَلْب الَّذِي ذَكَرْت , لِإِجْمَاعِ أَهْل التَّأْوِيل عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { فَصُرْهُنّ } غَيْر خَارِج مِنْ أَحَد مَعْنَيَيْنِ : إمَّا قَطِّعْهُنَّ , وَإِمَّا اُضْمُمْهُنَّ إلَيْك , بِالْكَسْرِ قُرِئَ ذَلِك أَوْ بِالضَّمِّ . فَفِي إجْمَاع جَمِيعهمْ عَلَى ذَلِك عَلَى غَيْر مُرَاعَاة مِنْهُمْ كَسْر الصَّاد وَضَمّهَا , وَلَا تَفْرِيق مِنْهُمْ بَيْن مَعْنَيَيْ الْقِرَاءَتَيْنِ أَعْنِي الْكَسْر وَالضَّمّ , أَوْضَحَ الدَّلِيل عَلَى صِحَّة قَوْل الْقَائِلِينَ مِنْ نَحْوِيِّي أَهْل الْبَصْرَة فِي ذَلِك مَا حَكَيْنَا عَنْهُمْ مِنْ الْقَوْل , وَخَطَأ قَوْل نَحْوِيِّي الْكُوفِيِّينَ ; لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا إنَّمَا تَأَوَّلُوا قَوْله : { فَصُرْهُنّ } بِمَعْنَى فَقَطِّعْهُنَّ , عَلَى أَنَّ أَصْل الْكَلَام فاصرهن , ثُمَّ قُلِبَتْ فَقِيلَ فَصُرْهُنّ بِكَسْرِ الصَّاد لِتُحَوَّل يَاء فاصرهن مَكَان رَائِهِ , وَانْتِقَال رَائِهِ مَكَان يَائِهِ , لَكَانَ لَا شَكَّ مَعَ مَعْرِفَتهمْ بِلُغَتِهِمْ وَعِلْمهمْ بِمَنْطِقِهِمْ , قَدْ فَصَلُوا بَيْن مَعْنَى ذَلِك إذَا قُرِئَ بِكُسَّرِ صَاده , وَبَيْنه إذَا قُرِئَ بِضَمِّهَا , إذْ كَانَ غَيْر جَائِز لِمَنْ قَلَبَ فاصرهن إلَى فَصُرْهُنّ أَنْ يَقْرَأهُ فَصُرْهُنّ بِضَمِّ الصَّاد , وَهُمْ مَعَ اخْتِلَاف قِرَاءَتهمْ ذَلِك قَدْ تَأَوَّلُوهُ تَأْوِيلًا وَاحِدًا عَلَى أَحَد الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَا . فَفِي ذَلِك أَوْضَح الدَّلِيل عَلَى خَطَأ قَوْل مَنْ قَالَ : إنَّ ذَلِك إذَا قُرِئَ بِكَسْرِ الصَّاد بِتَأْوِيلِ التَّقْطِيع مَقْلُوب مِنْ صَرَى يَصْرِي إلَى صَارَ يَصِير , وَجَهِلَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ قَوْل الْقَائِل صَارَ يَصُور وَصَارَ يَصِير غَيْر مَعْرُوف فِي كَلَام الْعَرَب بِمَعْنَى قَطَعَ . ذِكْر مَنْ حَضَرْنَا قَوْله فِي تَأْوِيل قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { فَصُرْهُنّ } أَنَّهُ بِمَعْنَى فَقَطِّعْهُنَّ . 4686 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بْن عَبْد الْجَبَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن الصَّلْت , قَالَ : ثِنَا أَبُو كُدَيْنَة , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ ابْن عَبَّاس : { فَصُرْهُنّ } قَالَ : هِيَ نَبَطِيَّة فَشَقِّقْهُنّ . 4687 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي جَمْرَة , عَنْ ابْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { فَخُذْ أَرْبَعَة مِنْ الطَّيْر فَصُرْهُنّ إلَيْك } قَالَ : إنَّمَا هُوَ مِثْل . قَالَ : قَطِّعْهُنَّ ثُمَّ اجْعَلْهُنَّ فِي أَرْبَاع الدُّنْيَا , رُبُعًا هَهُنَا , وَرُبُعًا هَهُنَا , ثُمَّ اُدْعُهُنَّ يَأْتِينَك سَعْيًا . 4688 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : { فَصُرْهُنّ } قَالَ : قَطِّعْهُنَّ . 4689 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك فِي قَوْله : { فَصُرْهُنّ إلَيْك } يَقُول : قَطِّعْهُنَّ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك , مِثْله . 4690 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثِنَا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ أَشْعَث , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد : { فَصُرْهُنّ } قَالَ : قَالَ جُنَاح ذه عِنْد رَأَسَ ذه , وَرَأْس ذه عِنْد جَنَاح ذه . 4691 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : زَعَمَ أَبُو عَمْرو , عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْله : { فَصُرْهُنّ إلَيْك } قَالَ : قَالَ عِكْرِمَة بِالنَّبَطِيَّةِ : قَطِّعْهُنَّ . 4692 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثِنَا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إسْرَائِيل , عَنْ يَحْيَى , عَنْ مُجَاهِد : { فَصُرْهُنّ إلَيْك } قَالَ : قَطِّعْهُنَّ . 4693 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَصُرْهُنّ إلَيْك } انْتِفْهُنّ بِرِيشِهِنَّ وَلُحُومهنَّ تَمْزِيقًا , ثُمَّ اخْلِطْ لُحُومهنَّ بِرِيشِهِنَّ . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَصُرْهُنّ إلَيْك } قَالَ : انْتِفْهُنّ بِرِيشِهِنَّ وَلُحُومهنَّ تَمْزِيقًا . 4694 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن معاذ , قَالَ : ثنا يزيد بن زُرَيْعٍ , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { فَصْرُهُنّ إلَيْك } أُمِرَ نَبِيّ اللَّه عَلَيْهِ السَّلَام أَنْ يَأْخُذ أَرْبَعَة مِنْ الطَّيْر فَيَذْبَحهُنَّ , ثُمَّ يَخْلِط بَيْن لُحُومهنَّ وَرِيشهنَّ وَدِمَائِهِنَّ . 4695 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { فَصُرْهُنّ إلَيْك } قَالَ : فَمَزِّقْهُنَّ , قَالَ : أُمِرَ أَنْ يَخْلِط الدِّمَاء بِالدِّمَاءِ , وَالرِّيش بِالرِّيشِ , ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلّ جَبَل مِنْهُنَّ جُزْءًا . 4696 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك : { فَصُرْهُنّ إلَيْك } يَقُول : فَشَقِّقْهُنّ وَهُوَ بِالنَّبَطِيَّةِ صَرَى , وَهُوَ التَّشْقِيق . 4697 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثِنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَصُرْهُنّ إلَيْك } يَقُول قَطِّعْهُنَّ . 4698 - حُدِّثْنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { فَصُرْهُنّ إلَيْك } يَقُول قَطِّعْهُنَّ إلَيْك وَمَزِّقْهُنَّ تَمْزِيقًا . 4699 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ ابْن إسْحَاق : { فَصُرْهُنّ إلَيْك } أَيْ قَطِّعْهُنَّ , وَهُوَ الصَّوْر فِي كَلَام الْعَرَب . فَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَقْوَال مَنْ رَوَيْنَا فِي تَأْوِيل قَوْله : { فَصُرْهُنّ إلَيْك } أَنَّهُ بِمَعْنَى فَقَطِّعْهُنَّ إلَيْك , دِلَالَة وَاضِحَة عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا فِي ذَلِك , وَفَسَاد قَوْل مَنْ خَالَفْنَا فِيهِ . وَإِذْ كَانَ ذَلِك كَذَلِكَ , فَسَوَاء قَرَأَ الْقَارِئ ذَلِك بِضَمِّ الصَّاد فَصُرْهُنّ إلَيْك أَوْ كَسْرهَا فَصِرْهُنَّ إذْ كَانَتْ اللُّغَتَانِ مَعْرُوفَتَيْنِ بِمَعْنًى وَاحِد , غَيْر أَنَّ الْأَمْر وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ , فَإِنَّ أَحَبَّهُمَا إلَيَّ أَنْ أَقْرَأ بِهِ " فَصُرْهُنّ إلَيْك " بِضَمِّ الصَّاد , لِأَنَّهَا أَعْلَى اللُّغَتَيْنِ وَأَشْهَرهمَا وَأَكْثَرهمَا فِي إحْيَاء الْعَرَب . وَعِنْد نَفَر قَلِيل مِنْ أَهْل التَّأْوِيل أَنَّهَا بِمَعْنَى أَوْثِقْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4700 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثَنِيّ أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { فَصُرْهُنّ إلَيْك } صُرْهُنّ : أَوْثِقْهُنَّ . 4701 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِيّ حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ قَوْله : { فَصُرْهُنّ إلَيْك } قَالَ : اُضْمُمْهُنَّ إلَيْك . 4702 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { فَصُرْهُنّ إلَيْك } قَالَ : اجْمَعْهُنَّ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلّ جَبَل مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ اُدْعُهُنَّ يَأْتِينَك سَعْيًا } . اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلّ جَبَل مِنْهُنَّ جُزْءًا } فَقَالَ بَعْضهمْ : يَعْنِي بِذَلِك عَلَى كُلّ رَبَع مِنْ أَرُبَاع الدُّنْيَا جُزْءًا مِنْهُنَّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4703 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي جَمْرَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : { ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلّ جَبَل مِنْهُنَّ جُزْءًا } قَالَ : اجْعَلْهُنَّ فِي أَرْبَاع الدُّنْيَا : رُبُعًا هَهُنَا , وَرُبُعًا هَهُنَا , وَرُبُعًا هَهُنَا , وَرُبُعًا هَهُنَا , ثُمَّ اُدْعُهُنَّ يَأْتِينَك سَعْيًا . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثَنِيّ أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلّ جَبَل مِنْهُنَّ جُزْءًا } قَالَ : لَمَّا أَوْثَقهنَّ ذَبَّحَهُنّ , ثُمَّ جَعَلَ عَلَى كُلّ جَبَل مِنْهُنَّ جُزْءًا . 4704 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثِنَا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : قَالَ : أَمَرَ نَبِيّ اللَّه أَنْ يَأْخُذ أَرْبَعَة مِنْ الطَّيْر فَيَذْبَحهُنَّ , ثُمَّ يَخْلِط بَيْن لُحُومهنَّ وَرِيشهنَّ وَدِمَائِهِنَّ , ثُمَّ يُجْزِئهُنَّ عَلَى أَرْبَعَة أَجْبُل , فَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ شَكَّلَ عَلَى أَجْنِحَتهنَّ , وَأَمْسَكَ بِرُءُوسِهِنَّ بِيَدِهِ , فَجَعَلَ الْعَظْم يَذْهَب إلَى الْعَظْم , وَالرِّيشَة إلَى الرِّيشَة , وَالْبُضْعَة إلَى الْبُضْعَة , وَذَلِكَ بِعَيْنِ خَلِيل اللَّه إبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ثُمَّ دَعَاهُنَّ فَأَتَيْنَهُ سَعْيًا عَلَى أَرَجُلهنَّ , وَيَلْقَى كُلّ طَيْر بِرَأْسِهِ . وَهَذَا مَثَل آتَاهُ اللَّه إبْرَاهِيم . يَقُول : كَمَا بَعَثَ هَذِهِ الْأَطْيَار مِنْ هَذِهِ الْأَجْبُل الْأَرْبَعَة , كَذَلِكَ يَبْعَث اللَّه النَّاس يَوْم الْقِيَامَة مِنْ أَرْبَاع الْأَرْض وَنَوَاحِيهَا . 4705 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , قَالَ : ذَبَحَهُنَّ , ثُمَّ قَطَّعَهُنَّ , ثُمَّ خَلَطَ بَيْن لُحُومهنَّ وَرِيشهنَّ , ثُمَّ قَسَّمَهُنَّ عَلَى أَرْبَعَة أَجْزَاء , فَجَعَلَ عَلَى كُلّ جَبَل مِنْهُنَّ جُزْءًا , فَجَعَلَ الْعَظْم يَذْهَب إلَى الْعَظْم , وَالرِّيشَة إلَى الرِّيشَة , وَالْبُضْعَة إلَى الْبُضْعَة , وَذَلِكَ بِعَيْنِ خَلِيل اللَّه إبْرَاهِيم , ثُمَّ دَعَاهُنَّ فَأَتَيْنَهُ سَعْيًا , يَقُول : شَدَا عَلَى أَرْجُلهنَّ . وَهَذَا مَثَل أَرَاهُ اللَّه إبْرَاهِيم , يَقُول : كَمَا بَعَثْت هَذِهِ الْأَطْيَار مِنْ هَذِهِ الْأَجْبُل الْأَرْبَعَة , كَذَلِكَ يَبْعَث اللَّه النَّاس يَوْم الْقِيَامَة مِنْ أَرْبَاع الْأَرْض وَنَوَاحِيهَا . 4706 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثنا ابْن إسْحَاق , عَنْ بَعْض أَهْل الْعِلْم : أَنَّ أَهْل الْكِتَاب يَذْكُرُونَ أَنَّهُ أَخَذَ الْأَطْيَار الْأَرْبَعَة , ثُمَّ قَطَعَ كُلّ طَيْر بِأَرْبَعَةِ أَجْزَاء , ثُمَّ عَمَدَ إلَى أَرْبَعَة أَجْبَال , فَجَعَلَ عَلَى كُلّ جَبَل رُبُعًا مِنْ كُلّ طَائِر , فَكَانَ عَلَى كُلّ جَبَل رُبُع مِنْ الطَّاوُوس , وَرُبُع مِنْ الدِّيك , وَرُبُع مِنْ الْغُرَاب وَرُبُع مِنْ الْحَمَام . ثُمَّ دَعَاهُنَّ فَقَالَ : تَعَالَيْنَ بِإِذْنِ اللَّه كَمَا كُنْتُمْ ! فَوَثَبَ كُلّ رُبُع مِنْهَا إلَى صَاحِبه حَتَّى اجْتَمَعْنَ , فَكَانَ كُلّ طَائِر كَمَا كَانَ قَبْل أَنْ يَقْطَعهُ , ثُمَّ أَقْبَلْنَ إلَيْهِ سَعْيًا , كَمَا قَالَ اللَّه . وَقِيلَ : يَا إبْرَاهِيم هَكَذَا يَجْمَع اللَّه الْعِبَاد , وَيُحْيِي الْمَوْتَى لِلْبَعْثِ مِنْ مَشَارِق الْأَرْض وَمَغَارِبهَا , وَشَامهَا وَيَمَنهَا . فَأَرَاهُ اللَّه إحْيَاء الْمَوْتَى بِقُدْرَتِهِ , حَتَّى عَرَفَ ذَلِك بِغَيْرِ مَا قَالَ نُمْرُود مِنْ الْكَذِب وَالْبَاطِل . 4707 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلّ جَبَل مِنْهُنَّ جُزْءًا } قَالَ : فَأَخَذَ طَاوُوسًا , وَحَمَامَة , وَغُرَابًا , وَدِيكًا , ثُمَّ قَالَ : فَرِّقْهُنَّ , اجْعَلْ رَأْس كُلّ وَاحِد وَجُؤْشُوش الْآخَر وَجَنَاحَيْ الْآخَر وَرِجْلَيْ الْآخَر مَعَهُ ! فَقَطِّعْهُنَّ وَفَرِّقْهُنَّ أَرْبَاعًا عَلَى الْجِبَال , ثُمَّ دَعَاهُنَّ فَجِئْنَهُ جَمِيعًا , فَقَالَ اللَّه : كَمَا نَادَيْتهنَّ فَجِئْنَك , فَكَمَا أَحْيَيْت هَؤُلَاءِ وَجَمَعْتهنَّ بَعْد هَذَا , فَكَذَلِكَ أَجْمَع هَؤُلَاءِ أَيْضًا ; يَعْنِي الْمَوْتَى . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِك : ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلّ جَبَل مِنْ الْأَجْبَال الَّتِي كَانَتْ الْأَطْيَار وَالسِّبَاع الَّتِي كَانَتْ تَأْكُل مِنْ لَحْم الدَّابَّة الَّتِي رَآهَا إبْرَاهِيم مَيِّتَة , فَسَأَلَ إبْرَاهِيم عِنْد رُؤْيَته إيَّاهَا أَنَّ يُرِيَهُ كَيْفَ يُحْيِيهَا وَسَائِر الْأَمْوَات غَيْرهَا . وَقَالُوا : كَانَتْ سَبْعَة أَجْبَال . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4708 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِيّ حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : لَمَّا قَالَ إبْرَاهِيم مَا قَالَ عِنْد رُؤْيَته الدَّابَّة الَّتِي تَفَرَّقَتْ الطَّيْر وَالسِّبَاع عَنْهَا حِين دَنَا مِنْهَا , وَسَأَلَ رَبّه مَا سَأَلَ , قَالَ : فَخُذْ أَرْبَعَة مِنْ الطَّيْر - قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : فَذَبَحَهَا - ثُمَّ أَخْلَطَ بَيْن دِمَائِهِنَّ وَرِيشهنَّ وَلُحُومهنَّ , ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلّ جَبَل مِنْهُنَّ جُزْءًا حَيْثُ رَأَيْت الطَّيْر ذَهَبَتْ وَالسِّبَاع ! قَالَ : فَجَعَلَهُنَّ سَبْعَة أَجْزَاء , وَأَمْسَكَ رُءُوسهنَّ عِنْده , ثُمَّ دَعَاهُنَّ بِإِذْنِ اللَّه , فَنَظَرَ إلَى كُلّ قَطْرَة مِنْ دَم تَطِير إلَى الْقَطْرَة الْأُخْرَى , وَكُلّ رِيشَة تَطِير إلَى الرِّيشَة الْأُخْرَى , وَكُلّ بُضْعَةٍ وَكُلّ عَظْم يَطِير بَعْضه إلَى بَعْض مِنْ رُءُوس الْجِبَال , حَتَّى لَقِيَتْ كُلّ جُثَّة بَعْضهَا بَعْضًا فِي السَّمَاء , ثُمَّ أَقْبَلْنَ يَسْعَيْنَ حَتَّى وَصَلَتْ رَأْسهَا . 4709 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : فَخُذْ أَرْبَعَة مِنْ الطَّيْر فَصُرْهُنّ إلَيْك , ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى سَبْعَة أَجْبَال , فَاجْعَلْ عَلَى كُلّ جَبَل مِنْهُنَّ جُزْءًا , ثُمَّ اُدْعُهُنَّ يَأْتِينَك سَعْيًا ! فَأَخَذَ إبْرَاهِيم أَرْبَعَة مِنْ الطَّيْر , فَقَطَّعَهُنَّ أَعْضَاء , لَمْ يَجْعَل عُضْوًا مِنْ طَيْر مَعَ صَاحِبه , ثُمَّ جَعَلَ رَأْس هَذَا مَعَ رِجْل هَذَا , وَصَدْر هَذَا مَعَ جَنَاح هَذَا , وَقَسَّمَهُنَّ عَلَى سَبْعَة أَجْبَال , ثُمَّ دَعَاهُنَّ فَطَارَ كُلّ عُضْو إلَى صَاحِبه , ثُمَّ أَقْبَلْنَ إلَيْهِ جَمِيعًا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ أَمَرَهُ اللَّه أَنْ يَجْعَل ذَلِك عَلَى كُلّ جَبَل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4710 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلّ جَبَل مِنْهُنَّ جُزْءًا } قَالَ : ثُمَّ بَدَّدَهُنَّ عَلَى كُلّ جَبَل يَأْتِينَك سَعْيًا , وَكَذَلِكَ يُحْيِي اللَّه الْمَوْتَى . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثِنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : ثُمَّ اجْعَلْهُنَّ أَجْزَاء عَلَى كُلّ جَبَل , ثُمَّ اُدْعُهُنَّ يَأْتِينَك سَعْيًا , كَذَلِكَ يَحْيَى اللَّه الْمَوْتَى ; هُوَ مِثْل ضَرَبَهُ اللَّه لِإِبْرَاهِيم . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ مُجَاهِد : { ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلّ جَبَل مِنْهُنَّ جُزْءًا } ثُمَّ بَدَّدَهُنَّ أَجْزَاء عَلَى كُلّ جَبَل , ثُمَّ اُدْعُهُنَّ : تَعَالَيْنَ بِإِذْنِ اللَّه ! فَكَذَلِكَ يُحْيِي اللَّه الْمَوْتَى ; مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِإِبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 4711 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : أَمَرَهُ أَنْ يُخَالِف بَيْن قَوَائِمهنَّ وَرُءُوسهنَّ وَأَجْنِحَتهنَّ , ثُمَّ يَجْعَل عَلَى كُلّ جَبَل مِنْهُنَّ جُزْءًا . * - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلّ جَبَل مِنْهُنَّ جُزْءًا } فَخَالَفَ إبْرَاهِيم بَيْن قَوَائِمهنَّ وَأَجْنِحَتهنَّ . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَات بِالْآيَةِ مَا قَالَهُ مُجَاهِد , وَهُوَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَمَرَ إبْرَاهِيم بِتَفْرِيقِ أَعْضَاء الْأَطْيَار الْأَرْبَعَة بَعْد تَقْطِيعه إيَّاهُنَّ عَلَى جَمِيع الْأَجْبَال الَّتِي كَانَ يصل إبْرَاهِيم فِي وَقْت تَكْلِيف اللَّه إيَّاهُ تَفْرِيق ذَلِك وَتَبْدِيدهَا عَلَيْهَا أَجْزَاء , لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره قَالَ لَهُ : { ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلّ جَبَل مِنْهُنَّ جُزْءًا } وَالْكُلّ حَرْف يَدُلّ عَلَى الْإِحَاطَة بِمَا أُضِيفَ إلَيْهِ لَفْظه وَاحِد وَمَعْنَاهُ الْجَمْع . فَإِذَا كَانَ ذَلِك كَذَلِكَ فَلَنْ يَجُوز أَنْ تَكُون الْجِبَال الَّتِي أَمَرَ اللَّه إبْرَاهِيم بِتَفْرِيقِ أَجْزَاء الْأَطْيَار الْأَرْبَعَة عَلَيْهَا خَارِجَة مِنْ أَحَد مَعْنَيَيْنِ : إمَّا أَنْ تَكُون بَعْضًا أَوْ جَمِيعًا ; فَإِنْ كَانَتْ بَعْضًا فَغَيْر جَائِز أَنْ يَكُون ذَلِك الْبَعْض إلَّا مَا كَانَ لِإِبْرَاهِيم السَّبِيل إلَى تَفْرِيق أَعْضَاء الْأَطْيَار الْأَرْبَعَة عَلَيْهِ . أَوْ يَكُون جَمِيعًا , فَيَكُون أَيْضًا كَذَلِكَ . وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُ أَمَرَهُ بِأَنْ يَجْعَل ذَلِك عَلَى كُلّ جَبَل , وَذَلِك إمَّا كُلّ جَبَل وَقَدْ عَرَفَهُنَّ إبْرَاهِيم بِأَعْيَانِهِنَّ , وَإِمَّا مَا فِي الْأَرْض مِنْ الْجِبَال . فَأَمَّا قَوْل مَنْ قَالَ : إنَّ ذَلِك أَرْبَعَة أَجْبُل , وَقَوْل مَنْ قَالَ : هُنَّ سَبْعَة ; فَلَا دِلَالَة عِنْدنَا عَلَى صِحَّة شَيْء مِنْ ذَلِك فَنَسْتَجِيز الْقَوْل بِهِ . وَإِنَّمَا أَمَرَ اللَّه إبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْعَل الْأَطْيَار الْأَرْبَعَة أَجْزَاء مُتَفَرِّقَة عَلَى كُلّ جَبَل لِيُرِيَ إبْرَاهِيم قُدْرَته عَلَى جَمْع أَجْزَائِهِنَّ وَهُنَّ مُتَفَرِّقَات مُتَبَدِّدَات فِي أَمَاكِن مُخْتَلِفَة شَتَّى , حَتَّى يُؤَلِّف بَعْضهنَّ إلَى بَعْض , فَيَعُدْنَ كَهَيْئَتِهِنَّ قَبْل تَقْطِيعهنَّ وَتَمْزِيقهنَّ وَقَبْل تَفْرِيق أَجْزَائِهِنَّ عَلَى الْجِبَال أَطْيَارًا أَحِيَاء يَطِرْنَ , فَيَطْمَئِنّ قَلْب إبْرَاهِيم وَيَعْلَم أَنَّ كَذَلِكَ يَجْمَع اللَّه أَوْصَال الْمَوْتَى لِبَعْثِ الْقِيَامَة وَتَأْلِيفه أَجَزَاءَهُمْ بَعْد الْبِلَى وَرَدّ كُلّ عُضْو مِنْ أَعْضَائِهِمْ إلَى مَوْضِعه كَاَلَّذِي كَانَ قَبْل الرَّدّ . وَالْجُزْء مِنْ كُلّ شَيْء هُوَ الْبَعْض مِنْهُ كَانَ مُنْقَسِمًا جَمِيعه عَلَيْهِ عَلَى صِحَّة أَوْ غَيْر مُنْقَسِم , فَهُوَ بِذَلِك مِنْ مَعْنَاهُ مُخَالِف مَعْنَى السَّهْم ; لِأَنَّ السَّهْم مِنْ الشَّيْء : هُوَ الْبَعْض الْمُنْقَسِم عَلَيْهِ جَمِيعه عَلَى صِحَّة , وَلِذَلِك كَثُرَ اسْتِعْمَال النَّاس فِي كَلَامهمْ عِنْد ذِكْرهمْ أَنْصِبَاءَهُمْ مِنْ الْمَوَارِيث السِّهَام دُون الْأَجْزَاء . وَأَمَّا قَوْله : { ثُمَّ اُدْعُهُنَّ } فَإِنَّ مَعْنَاهُ مَا ذَكَرْت آنِفًا عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ قَالَ : هُوَ أَنَّهُ أُمِرَ أَنْ يَقُول لِأَجْزَاءِ الْأَطْيَار بَعْد تَفْرِيقهنَّ عَلَى كُلّ جَبَل تَعَالَيْنَ بِإِذْنِ اللَّه . فَإِنْ قَالَ قَائِل : أُمِرَ إبْرَاهِيم أَنْ يَدْعُوهُنَّ وَهُنَّ مُمَزَّقَات أَجْزَاء عَلَى رُءُوس الْجِبَال أَمْوَاتًا , أَمْ بَعْد مَا أُحْيِينَ ؟ فَإِنْ كَانَ أُمِرَ أَنْ يَدْعُوَهُنَّ وَهُنَّ مُمَزَّقَات لَا أَرْوَاح فِيهِنَّ , فَمَا وَجْه أَمْر مَنْ لَا حَيَاة فِيهِ بِالْإِقْبَالِ ؟ وَإِنْ كَانَ أُمِرَ بِدُعَائِهِنَّ بَعْد مَا أُحْيِينَ , فَمَا كَانَتْ حَاجَة إبْرَاهِيم إلَى دُعَائِهِنَّ وَقَدْ أَبْصَرَهُنَّ يُنْشَرْنَ عَلَى رُءُوس الْجِبَال ؟ قِيلَ : إنَّ أَمْر اللَّه تَعَالَى ذِكْره إبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدُعَائِهِنَّ وَهُنَّ أَجْزَاء مُتَفَرِّقَات إنَّمَا هُوَ أَمْر تَكْوِين , كَقَوْلِ اللَّه لِلَّذِينَ مَسَخَهُمْ قِرَدَة بَعْد مَا كَانُوا إنْسًا : { كُونُوا قِرَدَة خَاسِئِينَ } 2 65 لَا أَمْر عِبَادَة , فَيَكُون مُحَالًا إلَّا بَعْد وُجُود الْمَأْمُور الْمُتَعَبَّد .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّه عَزِيز حَكِيم } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِك : وَاعْلَمْ يَا إبْرَاهِيم أَنَّ الَّذِي أَحْيَا هَذِهِ الْأَطْيَار بَعْد تَمْزِيقك إيَّاهُنَّ , وَتَفْرِيقك أَجْزَاءَهُنَّ عَلَى الْجِبَال , فَجَمَعَهُنَّ وَرَدَّ إلَيْهِنَّ الرُّوح , حَتَّى أَعَادَهُنَّ كَهَيْئَتِهِنَّ قَبْل تَفْرِيقهنَّ , { عَزِيز } فِي بَطْشه إذَا بَطَشَ بِمَنْ بَطَشَ مِنْ الْجَبَابِرَة وَالْمُتَكَبِّرَة الَّذِينَ خَالَفُوا أَمْره , وَعَصَوْا رُسُله , وَعَبَدُوا غَيْره , وَفِي نِقْمَته حَتَّى يَنْتَقِم مِنْهُمْ , { حُكِيَ } فِي أَمْره . 4712 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثنا ابْن إسْحَاق : { وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّه عَزِيز حَكِيم } قَالَ : عَزِيز فِي بَطْشه , حَكِيم فِي أَمْره . 4713 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثِنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّه عَزِيز } فِي نِقْمَته { حَكِيم } فِي أَمْره .
مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَثَل الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ فِي سَبِيل اللَّه كَمَثَلِ حَبَّة أَنْبَتَتْ سَبْع سَنَابِل فِي كُلّ سُنْبُلَة مِائَة حَبَّة } وَهَذِهِ الْآيَة مَرْدُودَة إلَى قَوْله : { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِض اللَّه قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَة وَاَللَّه يَقْبِض وَيَبْسُط وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } . 2 245 وَالْآيَات الَّتِي بَعْدهَا إلَى قَوْله : { مَثَل الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ فِي سَبِيل اللَّه } مِنْ قَصَص بَنِي إسْرَائِيل وَخَبَرهمْ مَعَ طَالُوت وَجَالُوت , وَمَا بَعْد ذَلِك مِنْ نَبَإِ الَّذِي حَاجَّ إبْرَاهِيم مَعَ إبْرَاهِيم , وَأَمْر الَّذِي مَرَّ عَلَى الْقَرْيَة الْخَاوِيَة عَلَى عُرُوشهَا , وَقِصَّة إبْرَاهِيم وَمَسْأَلَته رَبّه مَا سَأَلَ مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ ; اعْتِرَاضٌ مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره بِمَا اعْتَرَضَ بِهِ مِنْ قَصَصهمْ بَيَّنَ ذَلِك احْتِجَاجًا مِنْهُ بِبَعْضِهِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَانُوا يُكَذِّبُونَ بِالْبَعْثِ وَقِيَام السَّاعَة , وَحَضًّا مِنْهُ بِبَعْضِهِ لِلْمُؤْمِنَيْنِ عَلَى الْجِهَاد فِي سَبِيله الَّذِي أَمَرَهُمْ بِهِ فِي قَوْله : { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه سَمِيع عَلِيم } . يُعَرِّفهُمْ فِيهِ أَنَّهُ نَاصِرهمْ وَإِنْ قَلَّ عَدَدهمْ وَكَثُرَ عَدَد عَدُوّهُمْ , وَيَعِدهُمْ النُّصْرَة عَلَيْهِمْ , وَيُعَلِّمهُمْ سُنَّته فِيمَنْ كَانَ عَلَى مِنْهَاجهمْ مِنْ ابْتِغَاء رِضْوَان اللَّه أَنَّهُ مُؤَيِّدهمْ , وَفِيمَنْ كَانَ عَلَى سَبِيل أَعْدَائِهِمْ مِنْ الْكُفَّار بِأَنَّهُ خَاذِلهمْ وَمُفَرِّق جَمْعهمْ وَمُوهِن كَيْدهمْ , وَقَطْعًا مِنْهُ بِبَعْضِ عُذْر الْيَهُود الَّذِينَ كَانُوا بَيْن ظَهْرَانِي مُهَاجَر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بِمَا أَطْلَعَ نَبِيّه عَلَيْهِ مِنْ خَفِيّ أُمُورهمْ , وَمَكْتُوم أَسْرَار أَوَائِلهمْ وَأَسْلَافهمْ الَّتِي لَمْ يَعْلَمهَا سِوَاهُمْ , لِيَعْلَمُوا أَنَّ مَا آتَاهُمْ بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْد اللَّه , وَأَنَّهُ لَيْسَ بِتَخَرُّصٍ وَلَا اخْتِلَاق , وَإِعْذَارًا مِنْهُ بِهِ إلَى أَهْل النِّفَاق مِنْهُمْ , لِيَحْذَرُوا بِشَكِّهِمْ فِي أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُحِلّ بِهِمْ مِنْ بَأْسه وَسَطْوَته , مِثْل الَّذِي أَحَلَّهُمَا بِأَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ كَانُوا فِي الْقَرْيَة الَّتِي أَهْلَكَهَا , فَتَرَكهَا خَاوِيَة عَلَى عُرُوشهَا . ثُمَّ عَادَ تَعَالَى ذِكْره إلَى الْخَبَر عَنْ الَّذِي يُقْرِض اللَّه قَرْضًا حَسَنًا , وَمَا عِنْده لَهُ مِنْ الثَّوَاب عَلَى قَرْضه , فَقَالَ : { مَثَل الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ فِي سَبِيل اللَّه }
يَعْنِي بِذَلِك : مَثَل الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ عَلَى أَنْفُسهمْ فِي جِهَاد أَعْدَاء اللَّه بِأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالهمْ , { كَمَثَلِ حَبَّة } مِنْ حَبَّات الْحِنْطَة أَوْ الشَّعِير , أَوْ غَيْر ذَلِك مِنْ نَبَات الْأَرْض الَّتِي تُسَنْبِل سُنْبُلَة بَذَرَهَا زَارِع . " فَأَنْبَتَتْ " , يَعْنِي فَأَخْرَجَتْ { سَبْع سَنَابِل فِي كُلّ سُنْبُلَة مِائَة حَبَّة } , يَقُول : فَكَذَلِكَ الْمُنْفِق مَاله عَلَى نَفْسه فِي سَبِيل اللَّه , لَهُ أَجْره سَبْعمِائَةِ ضِعْف عَلَى الْوَاحِد مِنْ نَفَقَته . كَمَا : 4714 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { كَمَثَلِ حَبَّة أَنْبَتَتْ سَبْع سَنَابِل فِي كُلّ سُنْبُلَة مِائَة حَبَّة } فَهَذَا لِمَنْ أَنْفَقَ فِي سَبِيل اللَّه , فَلَهُ سَبْعمِائَةِ . 4715 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { مَثَل الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ فِي سَبِيل اللَّه كَمَثَلِ حَبَّة أَنْبَتَتْ سَبْع سَنَابِل فِي كُلّ سُنْبُلَة مِائَة حَبَّة وَاَللَّه يُضَاعِف لِمَنْ يَشَاء } قَالَ : هَذَا الَّذِي يُنْفِق عَلَى نَفْسه فِي سَبِيل اللَّه وَيُخْرِج . 4716 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { مَثَل الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ فِي سَبِيل اللَّه كَمَثَلِ حَبَّة أَنْبَتَتْ سَبْع سَنَابِل فِي كُلّ سُنْبُلَة مِائَة حَبَّة } . الْآيَة . فَكَانَ مَنْ بَايَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْهِجْرَة , وَرَابَطَ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ , وَلَمْ يَلْقَ وَجْهًا إلَّا بِإِذْنِهِ , كَانَتْ الْحَسَنَة لَهُ بِسَبْعِمِائَةِ ضِعْف , وَمَنْ بَايَعَ عَلَى الْإِسْلَام كَانَتْ الْحَسَنَة لَهُ عَشْر أَمْثَالهَا . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَهَلْ رَأَيْت سُنْبُلَة فِيهَا مِائَة حَبَّة أَوْ بَلَغَتْك فَضُرِبَ بِهَا الْمَثَل الْمُنْفِق فِي سَبِيل اللَّه مَاله ؟ قِيلَ : إنْ يَكُنْ ذَلِك مَوْجُودًا فَهُوَ ذَاكَ , وَإِلَّا فَجَائِز أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ : كَمَثَلِ سُنْبُلَة أَنْبَتَتْ سَبْع سَنَابِل فِي كُلّ سُنْبُلَة مِائَة حَبَّة , إنْ جَعَلَ اللَّه ذَلِك فِيهَا . وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ : فِي كُلّ سُنْبُلَة مِائَة حَبَّة ; يَعْنِي أَنَّهَا إذَا هِيَ بُذِرَتْ أَنْبَتَتْ مِائَة حَبَّة , فَيَكُون مَا حَدَّثَ عَنْ الْبَذْر الَّذِي كَانَ مِنْهَا مِنْ الْمِائَة الْحَبَّة مُضَافًا إلَيْهَا لِأَنَّهُ كَانَ عَنْهَا . وَقَدْ تَأَوَّلَ ذَلِك عَلَى هَذَا الْوَجْه بَعْض أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4717 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثِنَا إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك قَوْله : { مَثَل الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ فِي سَبِيل اللَّه كَمَثَلِ حَبَّة أَنْبَتَتْ سَبْع سَنَابِل فِي كُلّ سُنْبُلَة مِائَة حَبَّة } قَالَ : كُلّ سُنْبُلَة أَنْبَتَتْ مِائَة حَبَّة , فَهَذَا لِمَنْ أَنْفَقَ فِي سَبِيل اللَّه , { وَاَللَّه يُضَاعِف لِمَنْ يَشَاء وَاَللَّه وَاسِع عَلِيم } .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَللَّه يُضَاعِف لِمَنْ يَشَاء } . اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَاَللَّه يُضَاعِف لِمَنْ يَشَاء } . فَقَالَ بَعْضهمْ : اللَّه يُضَاعِف لِمَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده أَجْر حَسَنَاته بَعْد الَّذِي أَعْطَى الْمُنْفِق فِي سَبِيله مِنْ التَّضْعِيف الْوَاحِدَة سَبْعمِائَةِ . فَأَمَّا الْمُنْفِق فِي غَيْر سَبِيله , فَلَا نَفَقَة مَا وَعَدَهُ مِنْ تَضْعِيف السَّبْعمِائَةِ بِالْوَاحِدَةِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4718 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : هَذَا يُضَاعَف لِمَنْ أَنْفَقَ فِي سَبِيل اللَّه , يَعْنِي السَّبْعمِائَةِ ; { وَاَللَّه يُضَاعِف لِمَنْ يَشَاء وَاَللَّه وَاسِع عَلِيم } يَعْنِي لِغَيْرِ الْمُنْفِق
فِي سَبِيله . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِك : وَاَللَّه يُضَاعِف لِمَنْ يَشَاء مِنْ الْمُنْفِقِينَ فِي سَبِيله عَلَى السَّبْعمِائَةِ إلَى أَلْفَيْ أَلْف ضِعْف . وَهَذَا قَوْل ذُكِرَ عَنْ ابْن عَبَّاس مِنْ وَجْه لَمْ أَجِد إسْنَاده فَتَرَكْت ذِكْره . وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ قَوْله : { وَاَللَّه يُضَاعِف لِمَنْ يَشَاء } وَاَللَّه يُضَاعِف عَلَى السَّبْعمِائَةِ إلَى مَا يَشَاء مِنْ التَّضْعِيف لِمَنْ يَشَاء مِنْ الْمُنْفِقِينَ فِي سَبِيله ; لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ ذِكْر الثَّوَاب وَالتَّضْعِيف لِغَيْرِ الْمُنْفِق فِي سَبِيل اللَّه فَيَجُوز لَنَا تَوْجِيه مَا وَعَدَ تَعَالَى ذِكْره فِي هَذِهِ الْآيَة مِنْ التَّضْعِيف إلَى أَنَّهُ عُدَّة مِنْهُ عَلَى الْعَمَل عَلَى غَيْر النَّفَقَة فِي سَبِيل اللَّه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَللَّه وَاسِع عَلِيم } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِك : وَاَللَّه وَاسِع أَنَّ يَزِيد مَنْ يَشَاء مِنْ خَلْقه الْمُنْفِقِينَ فِي سَبِيله عَلَى أَضْعَاف السَّبْعمِائَةِ الَّتِي
وَعَدَهُ أَنَّ يَزِيدهُ , عَلِيم مَنْ يَسْتَحِقّ مِنْهُمْ الزِّيَادَة . كَمَا : 4719 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَاَللَّه يُضَاعِف لِمَنْ يَشَاء وَاَللَّه وَاسِع عَلِيم } قَالَ : وَاسِع أَنْ يَزِيد مِنْ سِعَته , عَلِيم عَالِم بِمَنْ يَزِيدهُ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِك : وَاَللَّه وَاسِع لِتَلِك الْأَضْعَاف , عَلِيم بِمَا يُنْفِق الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ فِي طَاعَة اللَّه .
يَعْنِي بِذَلِك : مَثَل الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ عَلَى أَنْفُسهمْ فِي جِهَاد أَعْدَاء اللَّه بِأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالهمْ , { كَمَثَلِ حَبَّة } مِنْ حَبَّات الْحِنْطَة أَوْ الشَّعِير , أَوْ غَيْر ذَلِك مِنْ نَبَات الْأَرْض الَّتِي تُسَنْبِل سُنْبُلَة بَذَرَهَا زَارِع . " فَأَنْبَتَتْ " , يَعْنِي فَأَخْرَجَتْ { سَبْع سَنَابِل فِي كُلّ سُنْبُلَة مِائَة حَبَّة } , يَقُول : فَكَذَلِكَ الْمُنْفِق مَاله عَلَى نَفْسه فِي سَبِيل اللَّه , لَهُ أَجْره سَبْعمِائَةِ ضِعْف عَلَى الْوَاحِد مِنْ نَفَقَته . كَمَا : 4714 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { كَمَثَلِ حَبَّة أَنْبَتَتْ سَبْع سَنَابِل فِي كُلّ سُنْبُلَة مِائَة حَبَّة } فَهَذَا لِمَنْ أَنْفَقَ فِي سَبِيل اللَّه , فَلَهُ سَبْعمِائَةِ . 4715 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { مَثَل الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ فِي سَبِيل اللَّه كَمَثَلِ حَبَّة أَنْبَتَتْ سَبْع سَنَابِل فِي كُلّ سُنْبُلَة مِائَة حَبَّة وَاَللَّه يُضَاعِف لِمَنْ يَشَاء } قَالَ : هَذَا الَّذِي يُنْفِق عَلَى نَفْسه فِي سَبِيل اللَّه وَيُخْرِج . 4716 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { مَثَل الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ فِي سَبِيل اللَّه كَمَثَلِ حَبَّة أَنْبَتَتْ سَبْع سَنَابِل فِي كُلّ سُنْبُلَة مِائَة حَبَّة } . الْآيَة . فَكَانَ مَنْ بَايَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْهِجْرَة , وَرَابَطَ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ , وَلَمْ يَلْقَ وَجْهًا إلَّا بِإِذْنِهِ , كَانَتْ الْحَسَنَة لَهُ بِسَبْعِمِائَةِ ضِعْف , وَمَنْ بَايَعَ عَلَى الْإِسْلَام كَانَتْ الْحَسَنَة لَهُ عَشْر أَمْثَالهَا . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَهَلْ رَأَيْت سُنْبُلَة فِيهَا مِائَة حَبَّة أَوْ بَلَغَتْك فَضُرِبَ بِهَا الْمَثَل الْمُنْفِق فِي سَبِيل اللَّه مَاله ؟ قِيلَ : إنْ يَكُنْ ذَلِك مَوْجُودًا فَهُوَ ذَاكَ , وَإِلَّا فَجَائِز أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ : كَمَثَلِ سُنْبُلَة أَنْبَتَتْ سَبْع سَنَابِل فِي كُلّ سُنْبُلَة مِائَة حَبَّة , إنْ جَعَلَ اللَّه ذَلِك فِيهَا . وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ : فِي كُلّ سُنْبُلَة مِائَة حَبَّة ; يَعْنِي أَنَّهَا إذَا هِيَ بُذِرَتْ أَنْبَتَتْ مِائَة حَبَّة , فَيَكُون مَا حَدَّثَ عَنْ الْبَذْر الَّذِي كَانَ مِنْهَا مِنْ الْمِائَة الْحَبَّة مُضَافًا إلَيْهَا لِأَنَّهُ كَانَ عَنْهَا . وَقَدْ تَأَوَّلَ ذَلِك عَلَى هَذَا الْوَجْه بَعْض أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4717 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثِنَا إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك قَوْله : { مَثَل الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ فِي سَبِيل اللَّه كَمَثَلِ حَبَّة أَنْبَتَتْ سَبْع سَنَابِل فِي كُلّ سُنْبُلَة مِائَة حَبَّة } قَالَ : كُلّ سُنْبُلَة أَنْبَتَتْ مِائَة حَبَّة , فَهَذَا لِمَنْ أَنْفَقَ فِي سَبِيل اللَّه , { وَاَللَّه يُضَاعِف لِمَنْ يَشَاء وَاَللَّه وَاسِع عَلِيم } .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَللَّه يُضَاعِف لِمَنْ يَشَاء } . اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَاَللَّه يُضَاعِف لِمَنْ يَشَاء } . فَقَالَ بَعْضهمْ : اللَّه يُضَاعِف لِمَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده أَجْر حَسَنَاته بَعْد الَّذِي أَعْطَى الْمُنْفِق فِي سَبِيله مِنْ التَّضْعِيف الْوَاحِدَة سَبْعمِائَةِ . فَأَمَّا الْمُنْفِق فِي غَيْر سَبِيله , فَلَا نَفَقَة مَا وَعَدَهُ مِنْ تَضْعِيف السَّبْعمِائَةِ بِالْوَاحِدَةِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4718 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : هَذَا يُضَاعَف لِمَنْ أَنْفَقَ فِي سَبِيل اللَّه , يَعْنِي السَّبْعمِائَةِ ; { وَاَللَّه يُضَاعِف لِمَنْ يَشَاء وَاَللَّه وَاسِع عَلِيم } يَعْنِي لِغَيْرِ الْمُنْفِق
فِي سَبِيله . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِك : وَاَللَّه يُضَاعِف لِمَنْ يَشَاء مِنْ الْمُنْفِقِينَ فِي سَبِيله عَلَى السَّبْعمِائَةِ إلَى أَلْفَيْ أَلْف ضِعْف . وَهَذَا قَوْل ذُكِرَ عَنْ ابْن عَبَّاس مِنْ وَجْه لَمْ أَجِد إسْنَاده فَتَرَكْت ذِكْره . وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ قَوْله : { وَاَللَّه يُضَاعِف لِمَنْ يَشَاء } وَاَللَّه يُضَاعِف عَلَى السَّبْعمِائَةِ إلَى مَا يَشَاء مِنْ التَّضْعِيف لِمَنْ يَشَاء مِنْ الْمُنْفِقِينَ فِي سَبِيله ; لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ ذِكْر الثَّوَاب وَالتَّضْعِيف لِغَيْرِ الْمُنْفِق فِي سَبِيل اللَّه فَيَجُوز لَنَا تَوْجِيه مَا وَعَدَ تَعَالَى ذِكْره فِي هَذِهِ الْآيَة مِنْ التَّضْعِيف إلَى أَنَّهُ عُدَّة مِنْهُ عَلَى الْعَمَل عَلَى غَيْر النَّفَقَة فِي سَبِيل اللَّه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَللَّه وَاسِع عَلِيم } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِك : وَاَللَّه وَاسِع أَنَّ يَزِيد مَنْ يَشَاء مِنْ خَلْقه الْمُنْفِقِينَ فِي سَبِيله عَلَى أَضْعَاف السَّبْعمِائَةِ الَّتِي
وَعَدَهُ أَنَّ يَزِيدهُ , عَلِيم مَنْ يَسْتَحِقّ مِنْهُمْ الزِّيَادَة . كَمَا : 4719 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { وَاَللَّه يُضَاعِف لِمَنْ يَشَاء وَاَللَّه وَاسِع عَلِيم } قَالَ : وَاسِع أَنْ يَزِيد مِنْ سِعَته , عَلِيم عَالِم بِمَنْ يَزِيدهُ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِك : وَاَللَّه وَاسِع لِتَلِك الْأَضْعَاف , عَلِيم بِمَا يُنْفِق الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ فِي طَاعَة اللَّه .
الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ فِي سَبِيل اللَّه ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِك : الْمُعْطِي مَاله الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيل اللَّه مَعُونَة لَهُمْ عَلَى جِهَاد أَعْدَاء اللَّه . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : الَّذِينَ يُعِينُونَ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيل اللَّه بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ وَفِي حُمُولَاتهمْ , وَغَيْر ذَلِك مِنْ مُؤَنهمْ , ثُمَّ لَمْ يُتْبِع نَفَقَته الَّتِي أَنْفَقَهَا عَلَيْهِمْ مَنًّا عَلَيْهِمْ بِإِنْفَاقِ ذَلِك عَلَيْهِمْ وَلَا أَذًى لَهُمْ ; فَامْتِنَانه بِهِ عَلَيْهِمْ بِأَنْ يُظْهِر لَهُمْ أَنَّهُ قَدْ اصْطَنَعَ إلَيْهِمْ بِفِعْلِهِ , وَعَطَائِهِ الَّذِي أَعْطَاهُمُوهُ , تَقْوِيَة لَهُمْ عَلَى جِهَاد عَدُوّهُمْ مَعْرُوفًا , وَيُبْدِي ذَلِك إمَّا بِلِسَانٍ أَوْ فِعْل . وَأَمَّا الْأَذَى فَهُوَ شِكَايَته إيَّاهُمْ بِسَبَبِ مَا أَعْطَاهُمْ وَقَوَّاهُمْ مِنْ النَّفَقَة فِي سَبِيل اللَّه أَنَّهُمْ لَمْ يَقُومُوا بِالْوَاجِبِ عَلَيْهِمْ فِي الْجِهَاد , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْقَوْل الَّذِي يُؤْذِي بِهِ مِنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ . وَإِنَّمَا شَرَطَ ذَلِك فِي الْمُنْفِق فِي سَبِيل اللَّه , وَأَوْجَبَ الْأَجْر لِمَنْ كَانَ غَيْر مَانّ وَلَا مُؤْذٍ مَنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ فِي سَبِيل اللَّه , لِأَنَّ النَّفَقَة الَّتِي هِيَ فِي سَبِيل اللَّه مِمَّا اُبْتُغِيَ بِهِ وَجْه اللَّه , وَطُلِبَ بِهِ مَا عِنْده , فَإِذَا كَانَ مَعْنَى النَّفَقَة فِي سَبِيل اللَّه هُوَ مَا وَصَفْنَا , فَلَا وَجْه لِمَنِّ الْمُنْفِق عَلَى مَنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ , لِأَنَّهُ لَا يَد لَهُ قَبْله وَلَا صَنِيعَة يَسْتَحِقّ بِهَا عَلَيْهِ إنْ لَمْ يُكَافِئهُ عَلَيْهَا الْمَنّ وَالْأَذَى , إذْ كَانَتْ نَفَقَته مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ احْتِسَابًا وَابْتِغَاء ثَوَاب اللَّه وَطَلَب مَرْضَاته وَعَلَى اللَّه مَثُوبَته دُون مَنْ أَنْفَقَ ذَلِك عَلَيْهِ . وَبِنَحْوِ الْمَعْنَى الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِك قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4720 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ فِي سَبِيل اللَّه ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرهمْ عِنْد رَبّهمْ وَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } عَلِمَ اللَّه أَنَّ أُنَاسًا يَمُنُّونَ بِعَطِيَّتِهِمْ , فَكَرِهَ ذَلِك وَقَدَّمَ فِيهِ فَقَالَ : { قَوْل مَعْرُوف وَمَغْفِرَة خَيْر مِنْ صَدَقَة يَتْبَعهَا أَذًى وَاَللَّه غَنِيّ حَلِيم } . 2 263 4721 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : قَالَ لِلْآخَرِينَ - يَعْنِي : قَالَ اللَّه لِلْآخَرِينَ , وَهُمْ الَّذِينَ لَا يَخْرُجُونَ فِي جِهَاد عَدُوّهُمْ - : الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ فِي سَبِيل اللَّه , ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى . قَالَ : فَشَرَطَ عَلَيْهِمْ . قَالَ : وَالْخَارِج لَمْ يَشْتَرِط عَلَيْهِ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا , يَعْنِي بِالْخَارِجِ الْخَارِج فِي الْجِهَاد الَّذِي ذَكَرَ اللَّه فِي قَوْله : { مَثَل الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ فِي سَبِيل اللَّه كَمَثَلِ حَبَّة } . الْآيَة . قَالَ ابْن زَيْد : وَكَانَ أَبِي يَقُول : إنْ أَذِنَ لَك أَنْ تُعْطِيَ مِنْ هَذَا شَيْئًا , أَوْ تَقْوَى فَقَوِيت فِي سَبِيل اللَّه , فَظَنَنْت أَنَّهُ يَثْقُل عَلَيْهِ سَلَامك فَكُفَّ سَلَامك عَنْهُ . قَالَ ابْن زَيْد : فَهُوَ خَيْر مِنْ السَّلَام . قَالَ : وَقَالَتْ امْرَأَة لِأَبِي : يَا أَبَا أُسَامَة , تَدُلّنِي عَلَى رَجُل يَخْرَج فِي سَبِيل اللَّه حَقًّا , فَإِنَّهُمْ لَا يَخْرُجُونَ إلَّا لِيَأْكُلُوا الْفَوَاكِه ! عِنْدِي جُعْبَة وَأَسْهُم فِيهَا . فَقَالَ لَهَا : لَا بَارَكَ اللَّه لَك فِي جُعْبَتِك , وَلَا فِي أَسْهُمك , فَقَدْ آذَيْتهمْ قَبْل أَنْ تُعْطِيَهُمْ ! قَالَ : وَكَانَ رَجُل يَقُول لَهُمْ : اُخْرُجُوا وَكُلُوا الْفَوَاكِه . 4722 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثِنَا إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك قَوْله : { لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى } قَالَ : أَنْ لَا يُنْفِق الرَّجُل مَاله خَيْر مِنْ أَنْ يُنْفِقهُ ثُمَّ يُتْبِعهُ مَنًّا وَأَذًى .
وَأَمَّا قَوْله : { لَهُمْ أَجْرهمْ عِنْد رَبّهمْ } فَإِنَّهُ يَعْنِي لِلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ فِي سَبِيل اللَّه عَلَى مَا بُيِّنَ . وَالْهَاء وَالْمِيم فِي لَهُمْ عَائِدَة عَلَى " الَّذِينَ " . وَمَعْنَى قَوْله : { لَهُمْ أَجْرهمْ عِنْد رَبّهمْ } لَهُمْ ثَوَابهمْ
وَجَزَاؤُهُمْ
عَلَى نَفَقَتهمْ الَّتِي أَنْفَقُوهَا فِي سَبِيل اللَّه , ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَهَا مَنًّا وَلَا أَذًى .
وَقَوْله : { وَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } يَقُول : وَهُمْ مَعَ مَا لَهُمْ مِنْ الْجَزَاء وَالثَّوَاب عَلَى نَفَقَتهمْ الَّتِي أَنْفَقُوهَا عَلَى مَا شَرَطْنَا ; لَا خَوْف عَلَيْهِمْ عِنْد مَقْدَمهمْ عَلَى اللَّه , وَفِرَاقهمْ الدُّنْيَا , وَلَا فِي
أَهْوَال
الْقِيَامَة , وَأَنْ يَنَالهُمْ مِنْ مَكَارِههَا , أَوْ يُصِيبهُمْ فِيهَا مِنْ عِقَاب اللَّه , وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ عَلَى مَا خَلَّفُوا وَرَاءَهُمْ فِي الدُّنْيَا ..
وَأَمَّا قَوْله : { لَهُمْ أَجْرهمْ عِنْد رَبّهمْ } فَإِنَّهُ يَعْنِي لِلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ فِي سَبِيل اللَّه عَلَى مَا بُيِّنَ . وَالْهَاء وَالْمِيم فِي لَهُمْ عَائِدَة عَلَى " الَّذِينَ " . وَمَعْنَى قَوْله : { لَهُمْ أَجْرهمْ عِنْد رَبّهمْ } لَهُمْ ثَوَابهمْ
وَجَزَاؤُهُمْ
عَلَى نَفَقَتهمْ الَّتِي أَنْفَقُوهَا فِي سَبِيل اللَّه , ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَهَا مَنًّا وَلَا أَذًى .
وَقَوْله : { وَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } يَقُول : وَهُمْ مَعَ مَا لَهُمْ مِنْ الْجَزَاء وَالثَّوَاب عَلَى نَفَقَتهمْ الَّتِي أَنْفَقُوهَا عَلَى مَا شَرَطْنَا ; لَا خَوْف عَلَيْهِمْ عِنْد مَقْدَمهمْ عَلَى اللَّه , وَفِرَاقهمْ الدُّنْيَا , وَلَا فِي
أَهْوَال
الْقِيَامَة , وَأَنْ يَنَالهُمْ مِنْ مَكَارِههَا , أَوْ يُصِيبهُمْ فِيهَا مِنْ عِقَاب اللَّه , وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ عَلَى مَا خَلَّفُوا وَرَاءَهُمْ فِي الدُّنْيَا ..
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَوْل مَعْرُوف وَمَغْفِرَة خَيْر مِنْ صَدَقَة يَتْبَعهَا أَذًى } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { قَوْل مَعْرُوف } قَوْل جَمِيل , وَدُعَاء الرَّجُل لِأَخِيهِ الْمُسْلِم . { وَمَغْفِرَة } يَعْنِي : وَسِتْر مِنْهُ عَلَيْهِ لِمَا عَلِمَ مِنْ خُلَّته وَسُوء حَالَته , خَيْر عِنْد اللَّه مِنْ صَدَقَة يَتَصَدَّقهَا عَلَيْهِ يَتْبَعهَا أَذًى , يَعْنِي يَشْتَكِيه عَلَيْهَا وَيُؤْذِيهِ
بِسَبَبِهَا . كَمَا : 4723 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثِنَا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { قَوْل مَعْرُوف وَمَغْفِرَة خَيْر مِنْ صَدَقَة يَتْبَعهَا أَذًى } يَقُول : أَنْ يُمْسِك مَاله خَيْر مِنْ أَنْ يُنْفِق مَاله ثُمَّ يُتْبِعهُ مَنًّا وَأَذًى .
وَأَمَّا قَوْله : { غَنِيّ حَلِيم } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَاَللَّه غَنِيّ عَمَّا يَتَصَدَّقُونَ بِهِ , حَلِيم حِين لَا يُعَجِّل بِالْعُقُوبَةِ عَلَى مَنْ يَمُنّ بِصَدَقَتِهِ مِنْكُمْ , وَيُؤْذِي فِيهَا مَنْ يَتَصَدَّق بِهَا عَلَيْهِ . وَرُوِيَ عَنْ ابْن
عَبَّاس فِي ذَلِك مَا : 4724 - حَدَّثَنَا بِهِ الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : الْغَنِيّ : الَّذِي كَمُلَ فِي غِنَاهُ , وَالْحَلِيم : الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي حِلْمه .
بِسَبَبِهَا . كَمَا : 4723 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثِنَا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { قَوْل مَعْرُوف وَمَغْفِرَة خَيْر مِنْ صَدَقَة يَتْبَعهَا أَذًى } يَقُول : أَنْ يُمْسِك مَاله خَيْر مِنْ أَنْ يُنْفِق مَاله ثُمَّ يُتْبِعهُ مَنًّا وَأَذًى .
وَأَمَّا قَوْله : { غَنِيّ حَلِيم } فَإِنَّهُ يَعْنِي : وَاَللَّه غَنِيّ عَمَّا يَتَصَدَّقُونَ بِهِ , حَلِيم حِين لَا يُعَجِّل بِالْعُقُوبَةِ عَلَى مَنْ يَمُنّ بِصَدَقَتِهِ مِنْكُمْ , وَيُؤْذِي فِيهَا مَنْ يَتَصَدَّق بِهَا عَلَيْهِ . وَرُوِيَ عَنْ ابْن
عَبَّاس فِي ذَلِك مَا : 4724 - حَدَّثَنَا بِهِ الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس : الْغَنِيّ : الَّذِي كَمُلَ فِي غِنَاهُ , وَالْحَلِيم : الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي حِلْمه .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَاَلَّذِي يُنْفِق مَاله رِئَاء النَّاس وَلَا يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } صَدِّقُوا اللَّه وَرَسُوله , { لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتكُمْ } , يَقُول : لَا تُبْطِلُوا أُجُور صَدَقَاتكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى , كَمَا أَبْطَلَ كُفْر الَّذِي يُنْفِق مَاله { رِئَاء النَّاس } , وَهُوَ مُرَاءَاته إيَّاهُمْ بِعَمَلِهِ ; وَذَلِك أَنْ يُنْفِق مَاله فِيمَا يَرَى النَّاس فِي الظَّاهِر أَنَّهُ يُرِيد اللَّه تَعَالَى ذِكْره فَيَحْمَدُونَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ مُرِيد بِهِ غَيْر اللَّه وَلَا طَالِب مِنْهُ الثَّوَاب وَإِنَّمَا يُنْفِقهُ كَذَلِكَ ظَاهِرًا لِيَحْمَدهُ النَّاس عَلَيْهِ فَيَقُولُوا : هُوَ سَخِيّ كَرِيم , وَهُوَ رَجُل صَالِح , فَيُحْسِنُوا عَلَيْهِ بِهِ الثَّنَاء وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ مَا هُوَ مُسْتَبْطَن مِنْ النِّيَّة فِي إنْفَاقه مَا أَنْفَقَ , فَلَا يَدْرُونَ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ التَّكْذِيب بِاَللَّهِ تَعَالَى ذِكْره وَالْيَوْم الْآخِر . وَأَمَّا قَوْله : { وَلَا يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : وَلَا يُصَدِّق بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّه وَرُبُوبِيَّته , وَلَا بِأَنَّهُ مَبْعُوث بَعْد مَمَاته فَمُجَازًى عَلَى عَمَله , فَيَجْعَل عَمَله لِوَجْهِ اللَّه وَطَلَب ثَوَابه وَمَا عِنْده فِي مَعَاده . وَهَذِهِ صِفَة الْمُنَافِق ; وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ مُنَافِق , لِأَنَّ الْمُظْهِر كُفْره وَالْمُعْلِن شِرْكه مَعْلُوم أَنَّهُ لَا يَكُون بِشَيْءٍ مِنْ أَعْمَاله مُرَائِيًا , لِأَنَّ الْمُرَائِيَ هُوَ الَّذِي يُرَائِي النَّاس بِالْعَمَلِ الَّذِي هُوَ فِي الظَّاهِر لِلَّهِ وَفِي الْبَاطِن عَامِله مُرَاده بِهِ حَمْد النَّاس عَلَيْهِ , وَالْكَافِر لَا يُخَيَّل عَلَى أَحَد أَمْره أَنَّ أَفَعَالَهُ كُلّهَا إنَّمَا هِيَ لِلشَّيْطَانِ - إذَا كَانَ مُعْلِنًا كُفْره - لَا لِلَّهِ , وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَغَيْر كَائِن مُرَائِيًا بِأَعْمَالِهِ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِك قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4725 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ أَبُو هَانِئ الْخَوْلَانِيّ , عَنْ عَمْرو بْن حُرَيْثٍ , قَالَ : إنَّ الرَّجُل يَغْزُو , لَا يَسْرِق وَلَا يَزْنِي , وَلَا يَغُلّ , لَا يَرْجِع بِالْكَفَافِ ! فَقِيلَ لَهُ : لِمَ ذَاكَ ؟ قَالَ : فَإِنَّ الرَّجُل لِيَخْرُج فَإِذَا أَصَابَهُ مِنْ بَلَاء اللَّه الَّذِي قَدْ حَكَمَ عَلَيْهِ سَبَّ وَلَعَنَ إمَامه , وَلَعَنَ سَاعَة غَزَا , وَقَالَ : لَا أَعُود لِغَزْوَةٍ مَعَهُ أَبَدًا ! فَهَذَا عَلَيْهِ , وَلَيْسَ لَهُ مِثْل النَّفَقَة فِي سَبِيل اللَّه يَتْبَعهَا مِنْ وَأَذَى , فَقَدْ ضَرَبَ اللَّه مِثْلهَا فِي الْقُرْآن : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى } حَتَّى خَتَمَ الْآيَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَثَله كَمَثَلِ صَفْوَان عَلَيْهِ تُرَاب فَأَصَابَهُ وَابِل فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْء مِمَّا كَسَبُوا وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الْكَافِرِينَ } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِك : فَمَثَل هَذَا الَّذِي يُنْفِق مَاله رِئَاء النَّاس , وَلَا يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر . وَالْهَاء فِي قَوْله : { فَمَثَله } عَائِدَة عَلَى " الَّذِي " . { كَمَثَلِ صَفْوَان } وَالصَّفْوَان وَاحِد وَجَمْع , فَمَنْ جَعَلَهُ جَمْعًا فَالْوَاحِدَة صَفْوَانَة بِمَنْزِلَةِ تَمْرَة وَتَمْر وَنَخْلَة وَنَخْل , وَمَنْ جَعَلَهُ وَاحِدًا جَمْعه صَفْوَان وَصِفِيّ وَصُفِيّ , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : مَوَاقِع الطَّيْر عَلَى الصُّفِيّ وَالصَّفْوَان هُوَ الصَّفَا , وَهِيَ الْحِجَارَة الْمُلْس . وَقَوْله : { عَلَيْهِ تُرَاب } يَعْنِي عَلَى الصَّفْوَان تُرَاب , { فَأَصَابَهُ } يَعْنِي أَصَابَ الصَّفْوَان , { وَابِل } : وَهُوَ الْمَطَر الشَّدِيد الْعَظِيم , كَمَا قَالَ امْرُؤُ الْقَيْس : سَاعَة ثُمَّ انْتَحَاهَا وَابِل سَاقِط الْأَكْنَاف وَاهٍ مُنْهَمِرْ يُقَال مِنْهُ : وَبَلَتَ السَّمَاء فَهِيَ تَبُلُ وَبْلًا , وَقَدْ وَبِلَتْ الْأَرْض فَهِيَ تَوْبَل . وَقَوْله : { فَتَرَكَهُ صَلْدًا } يَقُول : فَتَرَكَ الْوَابِل الصَّفْوَان صَلْدًا ; وَالصَّلْد مِنْ الْحِجَارَة : الصَّلْب الَّذِي لَا شَيْء عَلَيْهِ مِنْ نَبَات وَلَا غَيْره , وَهُوَ مِنْ الْأَرَضِين مَا لَا يَنْبُت فِيهِ شَيْء , وَكَذَلِك مِنْ
الرُّءُوس , كَمَا قَالَ رُؤْبَة : لَمَّا رَأَتْنِي خَلَقَ الْمُمَوَّه بَرَّاق أَصْلَاد الْحَبِين الْأَجْلَه وَمِنْ ذَلِك يُقَال لِلْقِدْرِ الثَّخِينَة الْبَطِيئَة الْغَلْي : قِدْر صَلُود , وَقَدْ صَلَدَتْ تَصْلُد صُلُودًا , وَمِنْهُ قَوْل تَأَبَّطَ شَرًّا : وَلَسْت بِجِلْبٍ جِلْب لَيْل وَقِرَّة وَلَا بِصَفَا صَلْد عَنْ الْخَيْر مَغْزِل ثُمَّ رَجَعَ تَعَالَى ذِكْره إلَى ذِكْر الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ ضَرَبَ الْمَثَل لِأَعْمَالِهِمْ , فَقَالَ : فَكَذَلِكَ أَعْمَالهمْ بِمَنْزِلَةِ الصَّفْوَان الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ تُرَاب , فَأَصَابَهُ الْوَابِل مِنْ الْمَطَر , فَذَهَبَ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ التُّرَاب , فَتَرَكَهُ نَقِيًّا لَا تُرَاب عَلَيْهِ وَلَا شَيْء يَرَاهُمْ الْمُسْلِمُونَ فِي الظَّاهِر أَنَّ لَهُمْ أَعْمَالًا كَمَا يَرَى التُّرَاب عَلَى هَذَا الصَّفْوَان بِمَا يُرَاءُونَهُمْ بِهِ , فَإِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة وَصَارُوا إلَى اللَّه اضْمَحَلَّ ذَلِك كُلّه , لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ كَمَا ذَهَبَ الْوَابِل مِنْ الْمَطَر بِمَا كَانَ عَلَى الصَّفْوَان مِنْ التُّرَاب , فَتَرَكَهُ أَمْلَس لَا شَيْء عَلَيْهِ , فَذَلِكَ قَوْله : لَا يَقْدِرُونَ , يَعْنِي بِهِ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ رِئَاء النَّاس , وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِر , يَقُول : لَا يَقْدِرُونَ يَوْم الْقِيَامَة عَلَى ثَوَاب شَيْء مِمَّا كَسَبُوا فِي الدُّنْيَا , لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْمَلُوا لِمَعَادِهِمْ وَلَا لِطَلَبِ مَا عِنْد اللَّه فِي الْآخِرَة , وَلَكِنَّهُمْ عَمِلُوهُ رِئَاء النَّاس وَطَلَب حَمْدهمْ , وَإِنَّمَا حَظّهمْ مِنْ أَعْمَالهمْ مَا أَرَادُوهُ وَطَلَبُوهُ بِهَا . ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْم الْكَافِرِينَ , يَقُول : لَا يُسَدِّدهُمْ لِإِصَابَةِ الْحَقّ فِي نَفَقَاتهمْ وَغَيْرهَا فَيُوَفِّقهُمْ لَهَا , وَهُمْ لِلْبَاطِلِ عَلَيْهَا مُؤْثِرُونَ , وَلَكِنَّهُ تَرَكَهُمْ فِي ضَلَالَتهمْ يَعْمَهُونَ , فَقَالَ تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنَيْنِ : لَا تَكُونُوا كَالْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ هَذَا الْمَثَل صِفَة أَعْمَالهمْ , فَتُبْطِلُوا أُجُور صَدَقَاتكُمْ بِمَنِّكُمْ عَلَى مَنْ تَصَدَّقْتُمْ بِهَا عَلَيْهِ وَأَذَاكُمْ لَهُمْ , كَمَا أَبْطَلَ أَجْر نَفَقَة الْمُنَافِق الَّذِي أَنْفَقَ مَاله رِئَاء النَّاس , وَهُوَ غَيْر مُؤْمِن بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر عِنْد اللَّه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِك قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4726 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثِنَا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى } فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { عَلَى شَيْء مِمَّا كَسَبُوا } فَهَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِأَعْمَالِ الْكُفَّار يَوْم الْقِيَامَة يَقُول : لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْء مِمَّا كَسَبُوا يَوْمئِذٍ , كَمَا تَرَكَ هَذَا الْمَطَر الصَّفَاة الْحَجَر لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء أَنْقَى مَا كَانَ . 4727 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثِنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتكُمْ بِالْمَنِّ } إلَى قَوْله : { وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الْكَافِرِينَ } هَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِأَعْمَالِ الْكَافِرِينَ يَوْم الْقِيَامَة , يَقُول : لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْء مِمَّا كَسَبُوا يَوْمئِذٍ , كَمَا تَرَكَ هَذَا الْمَطَر الصَّفَا نَقِيًّا لَا شَيْء عَلَيْهِ . 4728 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثِنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى } إلَى قَوْله : { عَلَى شَيْء مِمَّا كَسَبُوا } أَمَا الصَّفْوَان الَّذِي عَلَيْهِ تُرَاب فَأَصَابَهُ الْمَطَر , فَذَهَبَ تُرَابه فَتَرَكَهُ صَلْدًا , فَكَذَا هَذَا الَّذِي يُنْفِق مَاله رِيَاء النَّاس ذَهَبَ الرِّيَاء بِنَفَقَتِهِ , كَمَا ذَهَبَ هَذَا الْمَطَر بِتُرَابِ هَذَا الصَّفَا فَتَرَكَهُ نَقِيًّا , فَكَذَلِك تَرَكَهُ الرِّيَاء لَا يَقْدِر عَلَى شَيْء مِمَّا قَدَّمَ ; فَقَالَ لِلْمُؤْمِنَيْنِ : { لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى } فَتَبْطُل كَمَا بَطَلَتْ صَدَقَة الرِّيَاء . 4729 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : أَنْ لَا يُنْفِق الرَّجُل مَاله , خَيْر مِنْ أَنْ يُنْفِقهُ ثُمَّ يُتْبِعهُ مَنًّا وَأَذًى . فَضَرَبَ اللَّه مَثَله كَمَثَلِ كَافِر أَنْفَقَ مَاله لَا يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِر , فَضَرَبَ اللَّه مَثَلهمَا جَمِيعًا { كَمَثَلِ صَفْوَان عَلَيْهِ تُرَاب فَأَصَابَهُ وَابِل فَتَرَكَهُ صَلْدًا } فَكَذَلِك مَنْ أَنْفَقَ مَاله ثُمَّ أَتْبَعَهُ مَنًّا وَأَذًى . 4730 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثَنِيّ عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى } إلَى : { كَمَثَلِ صَفْوَان عَلَيْهِ تُرَاب فَأَصَابَهُ وَابِل فَتَرَكَهُ صَلْدًا } لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء , وَكَذَلِكَ الْمُنَافِق يَوْم الْقِيَامَة لَا يَقْدِر عَلَى شَيْء مِمَّا كَسَبَ . 4731 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِيّ حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ فِي قَوْله : { لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى } قَالَ : يَمُنّ بِصَدَقَتِهِ وَيُؤْذِيه فِيهَا حَتَّى يُبْطِلهَا . 4732 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى } فَقَرَأَ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى } حَتَّى بَلَغَ : { لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْء مِمَّا كَسَبُوا } ثُمَّ قَالَ : أَتَرَى الْوَابِل يَدَع مِنْ التُّرَاب عَلَى الصَّفْوَان شَيْئًا ؟ فَكَذَلِك مَنّك وَأَذَاك لَمْ يَدَع مِمَّا أَنْفَقْت شَيْئًا . وَقَرَأَ قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى } وَقَرَأَ : { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَة } . فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ } . 2 270 : 272 الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { صَفْوَان } قَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الصَّفْوَان بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة , غَيْر أَنَّا أَرَدْنَا ذِكْر مَنْ قَالَ مِثْل قَوْلنَا فِي ذَلِك مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . 4733 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِيّ أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { كَمَثَلِ صَفْوَان } كَمَثَلِ الصَّفَاة . 4734 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { كَمَثَلِ صَفْوَان } وَالصَّفْوَان : الصَّفَا . 4735 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله . 4736 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : أَمَّا صَفْوَان , فَهُوَ الْحَجَر الَّذِي يُسَمَّى الصَّفَاة . 4737 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثِنَا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ , مِثْله . 4738 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { صَفْوَان } يَعْنِي الْحَجَر . الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَصَابَهُ وَابِل } . قَدْ مَضَى الْبَيَان عَنْهُ , وَهَذَا ذِكْر مَنْ قَالَ قَوْلنَا فِيهِ : 4739 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثِنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : أَمَا وَابِل : فَمَطَر شَدِيد . 4740 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { فَأَصَابَهُ وَابِل } وَالْوَابِل : الْمَطَر الشَّدِيد . 4741 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثِنَا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ , مِثْله . 4742 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله . الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَتَرَكَهُ صَلْدًا } . ذِكْر مَنْ قَالَ نَحْو مَا قُلْنَا فِي ذَلِك : 4743 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَتَرَكَهُ صَلْدًا } يَقُول نَقِيًّا . 4744 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { فَتَرَكَهُ صَلْدًا } قَالَ : تَرَكهَا نَقِيَّة لَيْسَ عَلَيْهَا شَيْء . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ ابْن عَبَّاس قَوْله : { فَتَرَكَهُ صَلْدًا } قَالَ : لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء . 4745 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { صَلْدًا } فَتَرَكَهُ جَرْدًا . 4746 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ : { فَتَرَكَهُ صَلْدًا } لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثِنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { فَتَرَكَهُ صَلْدًا } لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَثَله كَمَثَلِ صَفْوَان عَلَيْهِ تُرَاب فَأَصَابَهُ وَابِل فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْء مِمَّا كَسَبُوا وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الْكَافِرِينَ } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِك : فَمَثَل هَذَا الَّذِي يُنْفِق مَاله رِئَاء النَّاس , وَلَا يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر . وَالْهَاء فِي قَوْله : { فَمَثَله } عَائِدَة عَلَى " الَّذِي " . { كَمَثَلِ صَفْوَان } وَالصَّفْوَان وَاحِد وَجَمْع , فَمَنْ جَعَلَهُ جَمْعًا فَالْوَاحِدَة صَفْوَانَة بِمَنْزِلَةِ تَمْرَة وَتَمْر وَنَخْلَة وَنَخْل , وَمَنْ جَعَلَهُ وَاحِدًا جَمْعه صَفْوَان وَصِفِيّ وَصُفِيّ , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : مَوَاقِع الطَّيْر عَلَى الصُّفِيّ وَالصَّفْوَان هُوَ الصَّفَا , وَهِيَ الْحِجَارَة الْمُلْس . وَقَوْله : { عَلَيْهِ تُرَاب } يَعْنِي عَلَى الصَّفْوَان تُرَاب , { فَأَصَابَهُ } يَعْنِي أَصَابَ الصَّفْوَان , { وَابِل } : وَهُوَ الْمَطَر الشَّدِيد الْعَظِيم , كَمَا قَالَ امْرُؤُ الْقَيْس : سَاعَة ثُمَّ انْتَحَاهَا وَابِل سَاقِط الْأَكْنَاف وَاهٍ مُنْهَمِرْ يُقَال مِنْهُ : وَبَلَتَ السَّمَاء فَهِيَ تَبُلُ وَبْلًا , وَقَدْ وَبِلَتْ الْأَرْض فَهِيَ تَوْبَل . وَقَوْله : { فَتَرَكَهُ صَلْدًا } يَقُول : فَتَرَكَ الْوَابِل الصَّفْوَان صَلْدًا ; وَالصَّلْد مِنْ الْحِجَارَة : الصَّلْب الَّذِي لَا شَيْء عَلَيْهِ مِنْ نَبَات وَلَا غَيْره , وَهُوَ مِنْ الْأَرَضِين مَا لَا يَنْبُت فِيهِ شَيْء , وَكَذَلِك مِنْ
الرُّءُوس , كَمَا قَالَ رُؤْبَة : لَمَّا رَأَتْنِي خَلَقَ الْمُمَوَّه بَرَّاق أَصْلَاد الْحَبِين الْأَجْلَه وَمِنْ ذَلِك يُقَال لِلْقِدْرِ الثَّخِينَة الْبَطِيئَة الْغَلْي : قِدْر صَلُود , وَقَدْ صَلَدَتْ تَصْلُد صُلُودًا , وَمِنْهُ قَوْل تَأَبَّطَ شَرًّا : وَلَسْت بِجِلْبٍ جِلْب لَيْل وَقِرَّة وَلَا بِصَفَا صَلْد عَنْ الْخَيْر مَغْزِل ثُمَّ رَجَعَ تَعَالَى ذِكْره إلَى ذِكْر الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ ضَرَبَ الْمَثَل لِأَعْمَالِهِمْ , فَقَالَ : فَكَذَلِكَ أَعْمَالهمْ بِمَنْزِلَةِ الصَّفْوَان الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ تُرَاب , فَأَصَابَهُ الْوَابِل مِنْ الْمَطَر , فَذَهَبَ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ التُّرَاب , فَتَرَكَهُ نَقِيًّا لَا تُرَاب عَلَيْهِ وَلَا شَيْء يَرَاهُمْ الْمُسْلِمُونَ فِي الظَّاهِر أَنَّ لَهُمْ أَعْمَالًا كَمَا يَرَى التُّرَاب عَلَى هَذَا الصَّفْوَان بِمَا يُرَاءُونَهُمْ بِهِ , فَإِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة وَصَارُوا إلَى اللَّه اضْمَحَلَّ ذَلِك كُلّه , لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ كَمَا ذَهَبَ الْوَابِل مِنْ الْمَطَر بِمَا كَانَ عَلَى الصَّفْوَان مِنْ التُّرَاب , فَتَرَكَهُ أَمْلَس لَا شَيْء عَلَيْهِ , فَذَلِكَ قَوْله : لَا يَقْدِرُونَ , يَعْنِي بِهِ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ رِئَاء النَّاس , وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِر , يَقُول : لَا يَقْدِرُونَ يَوْم الْقِيَامَة عَلَى ثَوَاب شَيْء مِمَّا كَسَبُوا فِي الدُّنْيَا , لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْمَلُوا لِمَعَادِهِمْ وَلَا لِطَلَبِ مَا عِنْد اللَّه فِي الْآخِرَة , وَلَكِنَّهُمْ عَمِلُوهُ رِئَاء النَّاس وَطَلَب حَمْدهمْ , وَإِنَّمَا حَظّهمْ مِنْ أَعْمَالهمْ مَا أَرَادُوهُ وَطَلَبُوهُ بِهَا . ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْم الْكَافِرِينَ , يَقُول : لَا يُسَدِّدهُمْ لِإِصَابَةِ الْحَقّ فِي نَفَقَاتهمْ وَغَيْرهَا فَيُوَفِّقهُمْ لَهَا , وَهُمْ لِلْبَاطِلِ عَلَيْهَا مُؤْثِرُونَ , وَلَكِنَّهُ تَرَكَهُمْ فِي ضَلَالَتهمْ يَعْمَهُونَ , فَقَالَ تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنَيْنِ : لَا تَكُونُوا كَالْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ هَذَا الْمَثَل صِفَة أَعْمَالهمْ , فَتُبْطِلُوا أُجُور صَدَقَاتكُمْ بِمَنِّكُمْ عَلَى مَنْ تَصَدَّقْتُمْ بِهَا عَلَيْهِ وَأَذَاكُمْ لَهُمْ , كَمَا أَبْطَلَ أَجْر نَفَقَة الْمُنَافِق الَّذِي أَنْفَقَ مَاله رِئَاء النَّاس , وَهُوَ غَيْر مُؤْمِن بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر عِنْد اللَّه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِك قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4726 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثِنَا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى } فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { عَلَى شَيْء مِمَّا كَسَبُوا } فَهَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِأَعْمَالِ الْكُفَّار يَوْم الْقِيَامَة يَقُول : لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْء مِمَّا كَسَبُوا يَوْمئِذٍ , كَمَا تَرَكَ هَذَا الْمَطَر الصَّفَاة الْحَجَر لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء أَنْقَى مَا كَانَ . 4727 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثِنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتكُمْ بِالْمَنِّ } إلَى قَوْله : { وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الْكَافِرِينَ } هَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِأَعْمَالِ الْكَافِرِينَ يَوْم الْقِيَامَة , يَقُول : لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْء مِمَّا كَسَبُوا يَوْمئِذٍ , كَمَا تَرَكَ هَذَا الْمَطَر الصَّفَا نَقِيًّا لَا شَيْء عَلَيْهِ . 4728 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثِنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى } إلَى قَوْله : { عَلَى شَيْء مِمَّا كَسَبُوا } أَمَا الصَّفْوَان الَّذِي عَلَيْهِ تُرَاب فَأَصَابَهُ الْمَطَر , فَذَهَبَ تُرَابه فَتَرَكَهُ صَلْدًا , فَكَذَا هَذَا الَّذِي يُنْفِق مَاله رِيَاء النَّاس ذَهَبَ الرِّيَاء بِنَفَقَتِهِ , كَمَا ذَهَبَ هَذَا الْمَطَر بِتُرَابِ هَذَا الصَّفَا فَتَرَكَهُ نَقِيًّا , فَكَذَلِك تَرَكَهُ الرِّيَاء لَا يَقْدِر عَلَى شَيْء مِمَّا قَدَّمَ ; فَقَالَ لِلْمُؤْمِنَيْنِ : { لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى } فَتَبْطُل كَمَا بَطَلَتْ صَدَقَة الرِّيَاء . 4729 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : أَنْ لَا يُنْفِق الرَّجُل مَاله , خَيْر مِنْ أَنْ يُنْفِقهُ ثُمَّ يُتْبِعهُ مَنًّا وَأَذًى . فَضَرَبَ اللَّه مَثَله كَمَثَلِ كَافِر أَنْفَقَ مَاله لَا يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِر , فَضَرَبَ اللَّه مَثَلهمَا جَمِيعًا { كَمَثَلِ صَفْوَان عَلَيْهِ تُرَاب فَأَصَابَهُ وَابِل فَتَرَكَهُ صَلْدًا } فَكَذَلِك مَنْ أَنْفَقَ مَاله ثُمَّ أَتْبَعَهُ مَنًّا وَأَذًى . 4730 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثَنِيّ عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى } إلَى : { كَمَثَلِ صَفْوَان عَلَيْهِ تُرَاب فَأَصَابَهُ وَابِل فَتَرَكَهُ صَلْدًا } لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء , وَكَذَلِكَ الْمُنَافِق يَوْم الْقِيَامَة لَا يَقْدِر عَلَى شَيْء مِمَّا كَسَبَ . 4731 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِيّ حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ فِي قَوْله : { لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى } قَالَ : يَمُنّ بِصَدَقَتِهِ وَيُؤْذِيه فِيهَا حَتَّى يُبْطِلهَا . 4732 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله : { لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى } فَقَرَأَ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى } حَتَّى بَلَغَ : { لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْء مِمَّا كَسَبُوا } ثُمَّ قَالَ : أَتَرَى الْوَابِل يَدَع مِنْ التُّرَاب عَلَى الصَّفْوَان شَيْئًا ؟ فَكَذَلِك مَنّك وَأَذَاك لَمْ يَدَع مِمَّا أَنْفَقْت شَيْئًا . وَقَرَأَ قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى } وَقَرَأَ : { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَة } . فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ } . 2 270 : 272 الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { صَفْوَان } قَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الصَّفْوَان بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة , غَيْر أَنَّا أَرَدْنَا ذِكْر مَنْ قَالَ مِثْل قَوْلنَا فِي ذَلِك مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . 4733 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِيّ أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { كَمَثَلِ صَفْوَان } كَمَثَلِ الصَّفَاة . 4734 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { كَمَثَلِ صَفْوَان } وَالصَّفْوَان : الصَّفَا . 4735 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله . 4736 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : أَمَّا صَفْوَان , فَهُوَ الْحَجَر الَّذِي يُسَمَّى الصَّفَاة . 4737 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثِنَا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ , مِثْله . 4738 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { صَفْوَان } يَعْنِي الْحَجَر . الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَصَابَهُ وَابِل } . قَدْ مَضَى الْبَيَان عَنْهُ , وَهَذَا ذِكْر مَنْ قَالَ قَوْلنَا فِيهِ : 4739 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثِنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : أَمَا وَابِل : فَمَطَر شَدِيد . 4740 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { فَأَصَابَهُ وَابِل } وَالْوَابِل : الْمَطَر الشَّدِيد . 4741 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثِنَا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ , مِثْله . 4742 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , مِثْله . الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَتَرَكَهُ صَلْدًا } . ذِكْر مَنْ قَالَ نَحْو مَا قُلْنَا فِي ذَلِك : 4743 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَتَرَكَهُ صَلْدًا } يَقُول نَقِيًّا . 4744 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { فَتَرَكَهُ صَلْدًا } قَالَ : تَرَكهَا نَقِيَّة لَيْسَ عَلَيْهَا شَيْء . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ ابْن عَبَّاس قَوْله : { فَتَرَكَهُ صَلْدًا } قَالَ : لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء . 4745 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { صَلْدًا } فَتَرَكَهُ جَرْدًا . 4746 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ : { فَتَرَكَهُ صَلْدًا } لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثِنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { فَتَرَكَهُ صَلْدًا } لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء .
وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَثَل الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّه وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَمَثَل الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ فَيَصَدَّقُونَ بِهَا وَيَحْمِلُونَ عَلَيْهَا فِي سَبِيل اللَّه وَيُقَوُّونَ بِهَا أَهْل الْحَاجَة مِنْ الْغُزَاة وَالْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيل اللَّه وَفِي غَيْر ذَلِك مِنْ طَاعَات اللَّه طَلَب مَرْضَاته . { وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } يَعْنِي بِذَلِكَ : وَتَثْبِيتًا لَهُمْ عَلَى إنْفَاق ذَلِكَ فِي طَاعَة اللَّه وَتَحْقِيقًا , مِنْ قَوْل الْقَائِل : ثَبَّتّ فُلَانًا فِي هَذَا الْأَمْر : إذْ صَحَّحْت عَزْمه وَحَقَّقْته وَقَوَّيْت فِيهِ رَأْيه أُثَبِّتهُ تَثْبِيتًا , كَمَا قَالَ ابْن رَوَاحَة : فَثَبَّتَ اللَّه مَا آتَاك مِنْ حَسَن تَثْبِيت مُوسَى وَنَصْرًا كَاَلَّذِي نُصِرُوا وَإِنَّمَا عَنَى اللَّه جَلَّ وَعَزَّ بِذَلِكَ , أَنَّ أَنْفُسهمْ كَانَتْ مُوقِنَة مُصَدِّقَة بِوَعْدِ اللَّه إيَّاهَا فِيمَا أَنْفَقَتْ فِي طَاعَته بِغَيْرِ مَنّ وَلَا أَذًى , فَثَبَّتَهُمْ فِي إنْفَاق أَمْوَالهمْ ابْتِغَاء مَرْضَاة اللَّه , وَصَحَّحَ عَزْمهمْ وَآرَاءَهُمْ يَقِينًا مِنْهَا بِذَلِكَ ,
وَتَصْدِيقًا بِوَعْدِ اللَّه إيَّاهَا مَا وَعَدَهَا . وَلِذَلِكَ قَالَ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْل التَّأْوِيل فِي قَوْله : { وَتَثْبِيتًا } وَتَصْدِيقًا , وَمَنْ قَالَ مِنْهُمْ وَيَقِينًا , لِأَنَّ تَثْبِيت أَنْفُس الْمُنْفِقِينَ أَمْوَالهمْ ابْتِغَاء مَرْضَاة اللَّه إيَّاهُمْ , إنَّمَا كَانَ عَنْ يَقِين مِنْهَا وَتَصْدِيق بِوَعْدِ اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْ أَهْل التَّأْوِيل : 4747 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثِنَا يَحْيَى , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي مُوسَى , عَنْ الشَّعْبِيّ : { وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } قَالَ : تَصْدِيقًا وَيَقِينًا . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي مُوسَى , عَنْ الشَّعْبِيّ : { وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } قَالَ : وَتَصْدِيقًا مِنْ أَنْفُسهمْ ثَبَات وَنُصْرَة . 4748 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } قَالَ : يَقِينًا مِنْ أَنْفُسهمْ . قَالَ : التَّثْبِيت الْيَقِين . 4749 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : ثِنَا عَلِيّ بْن مَعْبَد , عَنْ أَبِي مُعَاوِيَة , عَنْ إسْمَاعِيل , عَنْ أَبِي صَالِح فِي قَوْله : { وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } يَقُول : يَقِينًا مِنْ عِنْد أَنْفُسهمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى قَوْله : { وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَثَبَّتُونَ فِي الْمَوْضِع الَّذِي يَضَعُونَ فِيهِ صَدَقَاتهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4750 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمِّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } قَالَ : يَتَثَبَّتُونَ أَيْنَ يَضَعُونَ أَمْوَالهمْ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : ثنا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ عُثْمَان بْن الْأَسْوَد , عَنْ مُجَاهِد : { وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } فَقُلْت لَهُ : مَا ذَلِكَ التَّثْبِيت ؟ قَالَ : يَتَثَبَّتُونَ أَيْنَ يَضَعُونَ أَمْوَالهمْ . * - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أبي , عَنْ عُثْمَان بْن الْأَسْوَد , عَنْ مُجَاهِد : { وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } قَالَ : كَانُوا يَتَثَبَّتُونَ أَيْنَ يَضَعُونَهَا . 4751 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثِنَا أَبِي , عَنْ عَلِيّ بْن عَلِيّ بْن رِفَاعَة , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } قَالَ : كَانُوا يَتَثَبَّتُونَ أَيْنَ يَضَعُونَ أَمْوَالهمْ , يَعْنِي زَكَاتهمْ . 4752 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثِنَا سُوِيد , قَالَ : ثنا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ عَلِيّ بْن عَلِيّ , قَالَ : سَمِعْت الْحَسَن قَرَأَ : { ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّه وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } قَالَ : كَانَ الرَّجُل إذَا هَمَّ بِصَدَقَةٍ تَثَبَّتَ , فَإِنْ كَانَ لِلَّهِ مَضَى , وَإِنْ خَالَطَهُ شَكّ أَمْسَكَ . وَهَذَا التَّأْوِيل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ مُجَاهِد وَالْحَسَن تَأْوِيل بَعِيد الْمَعْنَى مِمَّا يَدُلّ عَلَيْهِ ظَاهِر التِّلَاوَة , وَذَلِك أَنَّهُمْ تَأَوَّلُوا قَوْله : { وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } بِمَعْنَى : وَتَثَبُّتًا , فَزَعَمُوا أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا قِيلَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَوْم كَانُوا يَتَثَبَّتُونَ أَيْنَ يَضَعُونَ أَمْوَالهمْ . وَلَوْ كَانَ التَّأْوِيل كَذَلِكَ , لَكَانَ : وَتَثَبُّتًا مِنْ أَنْفُسهمْ ; لِأَنَّ الْمَصْدَر مِنْ الْكَلَام إنْ كَانَ عَلَى تَفَعَّلْت التَّفَعُّل , فَيُقَال : تَكَرَّمْت تَكَرُّمًا , وَتَكَلَّمْت تَكَلُّمًا , وَكَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { أَوْ يَأْخُذهُمْ عَلَى تَخَوُّف } 16 47 مِنْ قَوْل الْقَائِل : تَخَوَّفَ فُلَان هَذَا الْأَمْر تَخَوُّفًا . فَكَذَلِكَ قَوْله : { وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } لَوْ كَانَ مِنْ تَثَبَّتَ الْقَوْم فِي وَضْع صَدَقَاتهمْ مَوَاضِعهَا لَكَانَ الْكَلَام : " وَتَثَبُّتًا مِنْ أَنْفُسهمْ " , لَا " وَتَثْبِيتًا " , وَلَكِنَّ مَعْنَى ذَلِك مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ وَتَثْبِيت مِنْ أَنْفُس الْقَوْم إيَّاهُمْ بِصِحَّةِ الْعَزْم وَالْيَقِين بِوَعْدِ اللَّه تَعَالَى ذِكْره . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا تُنْكِر أَنْ يَكُون ذَلِك نَظِير قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَتَبَتَّلْ إلَيْهِ تَبْتِيلًا } 73 8 وَلَمْ يَقُلْ : تَبَتُّلًا ؟ قِيلَ : إنَّ هَذَا مُخَالِف لِذَلِكَ , وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا إنَّمَا جَازَ أَنْ يُقَال فِيهِ : " تَبْتِيلًا " لِظُهُورِ " وَتَبَتَّلْ إلَيْهِ " , فَكَانَ فِي ظُهُوره دِلَالَة عَلَى مَتْرُوك مِنْ الْكَلَام الَّذِي مِنْهُ قِيلَ : تَبْتِيلًا , وَذَلِكَ أَنَّ الْمَتْرُوك هُوَ : " تَبَتَّلْ فَيُبَتِّلُك اللَّه إلَيْهِ تَبْتِيلًا " , وَقَدْ تَفَعَّلَ الْعَرَب مِثْل ذَلِك أَحْيَانًا تُخَرَّج الْمَصَادِر عَلَى غَيْر أَلْفَاظ الْأَفْعَال الَّتِي تَقَدَّمَتْهَا إذَا كَانَتْ الْأَفْعَال الْمُتَقَدِّمَة تَدُلّ عَلَى مَا أُخْرِجَتْ مِنْهُ , كَمَا قَالَ جَلَّ وَعَزَّ : { وَاَللَّه أَنْبَتَكُمْ مِنْ الْأَرْض نَبَاتًا } 71 17 وَقَالَ : { وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا } 3 37 وَالنَّبَات : مَصْدَر نَبَتَ , وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِك لِمَجِيءِ أَنْبَتَ قَبْله , فَدَلَّ عَلَى الْمَتْرُوك الَّذِي مِنْهُ قِيلَ نَبَاتًا , وَالْمَعْنَى : وَاَللَّه أَنْبَتَكُمْ فَنَبَتُّمْ مِنْ الْأَرْض نَبَاتًا . وَلَيْسَ قَوْله : { وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } كَلَامًا يَجُوز أَنْ يَكُون مُتَوَهِّمًا بِهِ أَنَّهُ مَعْدُول عَنْ بِنَائِهِ . وَمَعْنَى الْكَلَام : وَيَتَثَبَّتُونَ فِي وَضْع الصَّدَقَات مَوَاضِعهَا , فَيُصْرَف إلَى الْمَعَانِي الَّتِي صُرِفَ إلَيْهَا قَوْله : { وَتَبَتَّلْ إلَيْهِ تَبْتِيلًا } وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَادِر الْمَعْدُولَة عَنْ الْأَفْعَال الَّتِي هِيَ ظَاهِرَة قَبْلهَا . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى قَوْله : { وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } احْتِسَابًا مِنْ أَنْفُسهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4753 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } يَقُول : احْتِسَابًا مِنْ أَنْفُسهمْ . وَهَذَا الْقَوْل أَيْضًا بَعِيد الْمَعْنَى مِنْ مَعْنَى التَّثْبِيت , لِأَنَّ التَّثْبِيت لَا يُعْرَف فِي شَيْء مِنْ الْكَلَام بِمَعْنَى الِاحْتِسَاب , إلَّا أَنْ يَكُون أَرَادَ مُفَسِّره كَذَلِكَ أَنَّ أَنْفُس الْمُنْفِقِينَ كَانَتْ مُحْتَسِبَة فِي تَثْبِيتهَا أَصْحَابهَا . فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَانَ عِنْده مَعْنَى الْكَلَام , فَلَيْسَ الِاحْتِسَاب بِمَعْنًى حِينَئِذٍ لِلتَّثْبِيتِ فَيُتَرْجَم عَنْهُ بِهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كَمَثَلِ جَنَّة بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِل فَآتَتْ أُكُلهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِل فَطَلّ } يَعْنِي بِذَلِك جَلَّ وَعَزَّ : وَمَثَل الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ , فَيَتَصَدَّقُونَ بِهَا , وَيُسَبِّلُونَهَا فِي طَاعَة
اللَّه بِغَيْرِ مَنّ عَلَى مَنْ تَصَدَّقُوا بِهَا عَلَيْهِ وَلَا أَذًى مِنْهُمْ لَهُمْ بِهَا ابْتِغَاء رِضْوَان اللَّه وَتَصْدِيقًا مِنْ أَنْفُسهمْ بِوَعْدِهِ , { كَمَثَلِ جَنَّة } وَالْجَنَّة : الْبُسْتَان . وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى أَنَّ الْجَنَّة الْبُسْتَان بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة مِنْ إعَادَته . { بِرَبْوَةٍ } وَالرَّبْوَة مِنْ الْأَرْض : مَا نَشَزَ مِنْهَا فَارْتَفَعَ عَنْ السَّيْل . وَإِنَّمَا وَصَفَهَا بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ , لِأَنَّ مَا ارْتَفَعَ عَنْ الْمَسَايِل وَالْأَوْدِيَة أَغْلَظَ , وَجِنَان مَا غَلُظَ مِنْ الْأَرْض أَحْسَن وَأَزْكَى ثَمَرًا وَغَرْسًا وَزَرْعًا مِمَّا رَقَّ مِنْهَا , وَلِذَلِكَ قَالَ أُعْشَى بَنِي ثَعْلَبَة فِي وَصْف رَوْضَة : مَا رَوْضَة مِنْ رِيَاض الْحَزْن مُعْشِبَة خَضْرَاء جَادَ عَلَيْهَا مُسْبِل هَطِل فَوَصَفَهَا بِأَنَّهَا مِنْ رِيَاض الْحَزْن , لِأَنَّ الْحُزُون : غَرْسهَا وَنَبَاتهَا أَحْسَن وَأَقْوَى مِنْ غُرُوس الْأَوْدِيَة وَالتِّلَاع وَزُرُوعهَا . وَفِي الرَّبْوَة لُغَات ثَلَاث , وَقَدْ قَرَأَ بِكُلِّ لُغَة مِنْهُنَّ جَمَاعَة مِنْ الْقُرَّاء , وَهِيَ " رُبْوَة " بِضَمِّ الرَّاء , وَبِهَا قَرَأَتْ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْحِجَاز وَالْعِرَاق . و " رَبْوَة " بِفَتْحِ الرَّاء , وَبِهَا قَرَأَ بَعْض أَهْل الشَّام , وَبَعْض أَهْل الْكُوفَة , وَيُقَال إنَّهَا لُغَة لِتَمِيمٍ . و " رِبْوَة " بِكَسْرِ الرَّاء , وَبِهَا قَرَأَ فِيمَا ذُكِرَ ابْن عَبَّاس . وَغَيْر جَائِز عِنْدِي أَنْ يُقْرَأ ذَلِكَ إلَّا بِإِحْدَى اللُّغَتَيْنِ : إمَّا بِفَتْحِ الرَّاء , وَإِمَّا بِضَمِّهَا , لِأَنَّ قِرَاءَة النَّاس فِي أَمْصَارهمْ بِإِحْدَاهُمَا . وَأَنَا لِقِرَاءَتِهَا بِضَمِّهَا أَشَدّ إيثَارًا مِنِّي بِفَتْحِهَا , لِأَنَّهَا أَشْهَر اللُّغَتَيْنِ فِي الْعَرَب ; فَأَمَّا الْكَسْر فَإِنَّ فِي رَفْض الْقِرَاءَة بِهِ دِلَالَة وَاضِحَة عَلَى أَنَّ الْقِرَاءَة بِهِ غَيْر جَائِزَة . وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ الرَّبْوَة لِأَنَّهَا رَبَتْ فَغَلُظَتْ وَعَلَتْ , مِنْ قَوْل الْقَائِل : رَبَا هَذَا الشَّيْء يَرْبُو : إذَا انْفَتَحَ فَعَظُمَ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4754 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثِنَا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { كَمَثَلِ جَنَّة بِرَبْوَةٍ } قَالَ : الرَّبْوَة : الْمَكَان الظَّاهِر الْمُسْتَوِي . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد : هِيَ الْأَرْض الْمُسْتَوِيَة الْمُرْتَفِعَة . 4755 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثِنَا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { كَمَثَلِ جَنَّة بِرَبْوَةٍ } يَقُولَا : بِنَشِزٍ مِنْ الْأَرْض . 4756 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { كَمَثَلِ جَنَّة بِرَبْوَةٍ } وَالرَّبْوَة : الْمَكَان الْمُرْتَفِع الَّذِي لَا تَجْرِي فِيهِ الْأَنْهَار وَاَلَّذِي فِيهِ الْجِنَان . 4757 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ قَوْله : { بِرَبْوَةٍ } بِرَابِيَةٍ مِنْ الْأَرْض . 4758 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { كَمَثَلِ جَنَّة بِرَبْوَةٍ } وَالرَّبْوَة النَّشِزُ مِنْ الْأَرْض . 4759 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ ابْن عَبَّاس : { كَمَثَلِ جَنَّة بِرَبْوَةٍ } قَالَ : الْمَكَان الْمُرْتَفِع الَّذِي لَا تَجْرِي فِيهِ الْأَنْهَار . وَكَانَ آخَرُونَ يَقُولُونَ : هِيَ الْمُسْتَوِيَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4760 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { كَمَثَلِ جَنَّة بِرَبْوَةٍ } قَالَ : هِيَ الْأَرْض الْمُسْتَوِيَة الَّتِي تَعْلُو فَوْق الْمِيَاه . وَأَمَّا قَوْله : { أَصَابَهَا وَابِل } فَإِنَّهُ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَصَابَ الْجَنَّة الَّتِي بِالرَّبْوَةِ مِنْ الْأَرْض وَابِل مِنْ الْمَطَر , وَهُوَ الشَّدِيد الْعَظِيم الْقَطْر مِنْهُ . وَقَوْله : { فَآتَتْ أُكُلهَا ضِعْفَيْنِ } فَإِنَّهُ يَعْنِي الْجَنَّة أَنَّهَا أَضْعَفَ ثَمَرهَا ضِعْفَيْنِ حِين أَصَابَهَا الْوَابِل مِنْ الْمَطَر , وَالْأَكْل : هُوَ الشَّيْء الْمَأْكُول , وَهُوَ مِثْل الرُّعْب وَالْهُزْء وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْمَاء الَّتِي تَأْتِي عَلَى فُعْل ; وَأَمَّا الْمَأْكُول بِفَتْحِ الْأَلِف وَتَسْكِين الْكَاف , فَهُوَ فِعْل الْآكِل , يُقَال مِنْهُ : أَكَلْت أَكْلًا , وَأَكَلْت أَكْلَة وَاحِدَة , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : وَمَا أَكْلَة أَكَلْتهَا بِغَنِيمَةٍ وَلَا جَوْعَة إنْ جُعْتهَا بِغَرَامِ فَفَتَحَ الْأَلِف لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْفِعْل . وَيَدُلّك عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ قَوْله : " وَلَا جَوْعَة " , وَإِنْ ضُمَّتْ الْأَلِف مِنْ " الْأَكْلَة " كَانَ مَعْنَاهُ : الطَّعَام الَّذِي أَكَلْته , فَيَكُون مَعْنَى ذَلِكَ حِينَئِذٍ : مَا طَعَام أَكَلْته بِغَنِيمَةٍ . وَأَمَّا قَوْله : { فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِل فَطَلّ } فَإِنَّ الطَّلّ : هُوَ النَّدَى وَاللَّيِّن مِنْ الْمَطَر . كَمَا : 4761 - حَدَّثَنَا عَبَّاس بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : { فَطَلّ } نَدًى . عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس . 4762 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثِنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : أَمَّا الطَّلّ : فَالنَّدَى . 4763 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثِنَا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِل فَطَلّ } أَيْ طَشّ . 4764 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثِنَا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { فَطَلّ } قَالَ : الطَّلّ : الرَّذَاذ مِنْ الْمَطَر , يَعْنِي اللَّيِّن مِنْهُ . 4765 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { فَطَلّ } أَيْ طَشّ . وَإِنَّمَا يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِهَذَا الْمَثَل كَمَا أَضَعَفْت ثَمَرَة هَذِهِ الْجَنَّة الَّتِي وَصَفْت صِفَتهَا حِين جَادَ الْوَابِل فَإِنْ أَخْطَأَ هَذَا الْوَابِل فَالطَّلّ كَذَلِكَ يُضَعِّف اللَّه صَدَقَة الْمُتَصَدِّق وَالْمُنْفِق مَاله ابْتِغَاء مَرْضَاته وَتَثْبِيتًا مِنْ نَفْسه مِنْ غَيْر مَنّ وَلَا أَذًى , قَلَّتْ نَفَقَته أَوْ كَثُرَتْ لَا تَخِيب وَلَا تُخَلَّف نَفَقَته , كَمَا تُضَعَّف الْجَنَّة الَّتِي وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ صِفَتهَا قَلَّ مَا أَصَابَهَا مِنْ الْمَطَر أَوْ كَثُرَ لَا يُخَلَّف خَيْرهَا بِحَالٍ مِنْ الْأَحْوَال . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَة أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4766 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ قَوْله : { فَآتَتْ أُكُلهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِل فَطَلّ } يَقُول : كَمَا أَضْعَفْت ثَمَرَة تِلْكَ الْجَنَّة , فَكَذَلِكَ تُضَاعَف ثَمَرَة هَذَا الْمُنْفِق ضِعْفَيْنِ . 4767 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { فَآتَتْ أُكُلهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِل فَطَلّ } هَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِعَمَلِ الْمُؤْمِن , يَقُول : لَيْسَ لِخَيْرِهِ خُلْف , كَمَا لَيْسَ لِخَيْرِ هَذِهِ الْجَنَّة خُلْف عَلَى أَيّ حَال , إمَّا وَابِل , وَإِمَّا طَلّ . 4768 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثِنَا إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : هَذَا مِثْل مَنْ أَنْفَقَ مَاله ابْتِغَاء مَرْضَاةِ اللَّه . 4769 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ ابْتِغَاء مَرْضَاة اللَّه } . الْآيَة , قَالَ : هَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِعَمَلِ الْمُؤْمِن . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ قِيلَ : { فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِل فَطَلّ } وَهَذَا خَبَر عَنْ أَمْر قَدْ مَضَى ؟ قِيلَ : يُرَاد فِيهِ : كَانَ , وَمَعْنَى الْكَلَام : فَآتَتْ أُكُلهَا ضِعْفَيْنِ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَابِل أَصَابَهَا , أَصَابَهَا طَلّ , وَذَلِك فِي الْكَلَام نَحْو قَوْل الْقَائِل : حَبَسْت فَرَسَيْنِ , فَإِنْ لَمْ أَحْبِسْ اثْنَيْنِ فَوَاحِدًا بِقِيمَتِهِ , بِمَعْنَى : إلَّا أَكُنْ , لَا بُدّ مِنْ إضْمَار " كَانَ " , لِأَنَّهُ خَبَر ; وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : إذَا مَا انْتَسَبْنَا لَمْ تَلِدنِي لَئِيمَة وَلَمْ تَجِدِي مِنْ أَنْ تُقِرِّي بِهَا بُدًّا
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَللَّه بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير } . يَعْنِي بِذَلِكَ : وَاَللَّه بِمَا تَعْمَلُونَ أَيّهَا النَّاس فِي نَفَقَاتكُمْ الَّتِي تُنْفِقُونَهَا بَصِير , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهَا وَلَا مِنْ أَعْمَالكُمْ فِيهَا وَفِي غَيْرهَا شَيْء يُعْلَم
مِنْ الْمُنْفِق مِنْكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى وَالْمُنْفِق ابْتِغَاء مَرْضَاة اللَّه , وَتَثْبِيتًا مِنْ نَفْسه , فَيُحْصِي عَلَيْكُمْ حَتَّى يُجَازِيَ جَمِيعكُمْ جَزَاءَهُ عَلَى عَمَله , إنْ خَيْرًا فَخَيْرًا , وَإِنْ شَرًّا فَشَرًّا . وَإِنَّمَا يَعْنِي بِهَذَا الْقَوْل جَلَّ ذِكْره , التَّحْذِير مِنْ عِقَابه فِي النَّفَقَات الَّتِي يُنْفِقهَا عِبَاده , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَعْمَال أَنْ يَأْتِيَ أَحَد مِنْ خَلْقه مَا قَدْ تَقَدَّمَ فِيهِ بِالنَّهْيِ عَنْهُ , أَوْ يُفَرِّط فِيمَا قَدْ أَمَرَ بِهِ , لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَرْأًى مِنْ اللَّه وَمَسْمَع , يَعْلَمهُ وَيُحْصِيهِ عَلَيْهِمْ , وَهُوَ لِخَلْقِهِ بِالْمِرْصَادِ .
وَتَصْدِيقًا بِوَعْدِ اللَّه إيَّاهَا مَا وَعَدَهَا . وَلِذَلِكَ قَالَ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْل التَّأْوِيل فِي قَوْله : { وَتَثْبِيتًا } وَتَصْدِيقًا , وَمَنْ قَالَ مِنْهُمْ وَيَقِينًا , لِأَنَّ تَثْبِيت أَنْفُس الْمُنْفِقِينَ أَمْوَالهمْ ابْتِغَاء مَرْضَاة اللَّه إيَّاهُمْ , إنَّمَا كَانَ عَنْ يَقِين مِنْهَا وَتَصْدِيق بِوَعْدِ اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْ أَهْل التَّأْوِيل : 4747 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثِنَا يَحْيَى , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي مُوسَى , عَنْ الشَّعْبِيّ : { وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } قَالَ : تَصْدِيقًا وَيَقِينًا . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي مُوسَى , عَنْ الشَّعْبِيّ : { وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } قَالَ : وَتَصْدِيقًا مِنْ أَنْفُسهمْ ثَبَات وَنُصْرَة . 4748 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } قَالَ : يَقِينًا مِنْ أَنْفُسهمْ . قَالَ : التَّثْبِيت الْيَقِين . 4749 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : ثِنَا عَلِيّ بْن مَعْبَد , عَنْ أَبِي مُعَاوِيَة , عَنْ إسْمَاعِيل , عَنْ أَبِي صَالِح فِي قَوْله : { وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } يَقُول : يَقِينًا مِنْ عِنْد أَنْفُسهمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى قَوْله : { وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَثَبَّتُونَ فِي الْمَوْضِع الَّذِي يَضَعُونَ فِيهِ صَدَقَاتهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِك : 4750 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمِّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } قَالَ : يَتَثَبَّتُونَ أَيْنَ يَضَعُونَ أَمْوَالهمْ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : ثنا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ عُثْمَان بْن الْأَسْوَد , عَنْ مُجَاهِد : { وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } فَقُلْت لَهُ : مَا ذَلِكَ التَّثْبِيت ؟ قَالَ : يَتَثَبَّتُونَ أَيْنَ يَضَعُونَ أَمْوَالهمْ . * - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أبي , عَنْ عُثْمَان بْن الْأَسْوَد , عَنْ مُجَاهِد : { وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } قَالَ : كَانُوا يَتَثَبَّتُونَ أَيْنَ يَضَعُونَهَا . 4751 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثِنَا أَبِي , عَنْ عَلِيّ بْن عَلِيّ بْن رِفَاعَة , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } قَالَ : كَانُوا يَتَثَبَّتُونَ أَيْنَ يَضَعُونَ أَمْوَالهمْ , يَعْنِي زَكَاتهمْ . 4752 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثِنَا سُوِيد , قَالَ : ثنا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ عَلِيّ بْن عَلِيّ , قَالَ : سَمِعْت الْحَسَن قَرَأَ : { ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّه وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } قَالَ : كَانَ الرَّجُل إذَا هَمَّ بِصَدَقَةٍ تَثَبَّتَ , فَإِنْ كَانَ لِلَّهِ مَضَى , وَإِنْ خَالَطَهُ شَكّ أَمْسَكَ . وَهَذَا التَّأْوِيل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ مُجَاهِد وَالْحَسَن تَأْوِيل بَعِيد الْمَعْنَى مِمَّا يَدُلّ عَلَيْهِ ظَاهِر التِّلَاوَة , وَذَلِك أَنَّهُمْ تَأَوَّلُوا قَوْله : { وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } بِمَعْنَى : وَتَثَبُّتًا , فَزَعَمُوا أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا قِيلَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَوْم كَانُوا يَتَثَبَّتُونَ أَيْنَ يَضَعُونَ أَمْوَالهمْ . وَلَوْ كَانَ التَّأْوِيل كَذَلِكَ , لَكَانَ : وَتَثَبُّتًا مِنْ أَنْفُسهمْ ; لِأَنَّ الْمَصْدَر مِنْ الْكَلَام إنْ كَانَ عَلَى تَفَعَّلْت التَّفَعُّل , فَيُقَال : تَكَرَّمْت تَكَرُّمًا , وَتَكَلَّمْت تَكَلُّمًا , وَكَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { أَوْ يَأْخُذهُمْ عَلَى تَخَوُّف } 16 47 مِنْ قَوْل الْقَائِل : تَخَوَّفَ فُلَان هَذَا الْأَمْر تَخَوُّفًا . فَكَذَلِكَ قَوْله : { وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } لَوْ كَانَ مِنْ تَثَبَّتَ الْقَوْم فِي وَضْع صَدَقَاتهمْ مَوَاضِعهَا لَكَانَ الْكَلَام : " وَتَثَبُّتًا مِنْ أَنْفُسهمْ " , لَا " وَتَثْبِيتًا " , وَلَكِنَّ مَعْنَى ذَلِك مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ وَتَثْبِيت مِنْ أَنْفُس الْقَوْم إيَّاهُمْ بِصِحَّةِ الْعَزْم وَالْيَقِين بِوَعْدِ اللَّه تَعَالَى ذِكْره . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا تُنْكِر أَنْ يَكُون ذَلِك نَظِير قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَتَبَتَّلْ إلَيْهِ تَبْتِيلًا } 73 8 وَلَمْ يَقُلْ : تَبَتُّلًا ؟ قِيلَ : إنَّ هَذَا مُخَالِف لِذَلِكَ , وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا إنَّمَا جَازَ أَنْ يُقَال فِيهِ : " تَبْتِيلًا " لِظُهُورِ " وَتَبَتَّلْ إلَيْهِ " , فَكَانَ فِي ظُهُوره دِلَالَة عَلَى مَتْرُوك مِنْ الْكَلَام الَّذِي مِنْهُ قِيلَ : تَبْتِيلًا , وَذَلِكَ أَنَّ الْمَتْرُوك هُوَ : " تَبَتَّلْ فَيُبَتِّلُك اللَّه إلَيْهِ تَبْتِيلًا " , وَقَدْ تَفَعَّلَ الْعَرَب مِثْل ذَلِك أَحْيَانًا تُخَرَّج الْمَصَادِر عَلَى غَيْر أَلْفَاظ الْأَفْعَال الَّتِي تَقَدَّمَتْهَا إذَا كَانَتْ الْأَفْعَال الْمُتَقَدِّمَة تَدُلّ عَلَى مَا أُخْرِجَتْ مِنْهُ , كَمَا قَالَ جَلَّ وَعَزَّ : { وَاَللَّه أَنْبَتَكُمْ مِنْ الْأَرْض نَبَاتًا } 71 17 وَقَالَ : { وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا } 3 37 وَالنَّبَات : مَصْدَر نَبَتَ , وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِك لِمَجِيءِ أَنْبَتَ قَبْله , فَدَلَّ عَلَى الْمَتْرُوك الَّذِي مِنْهُ قِيلَ نَبَاتًا , وَالْمَعْنَى : وَاَللَّه أَنْبَتَكُمْ فَنَبَتُّمْ مِنْ الْأَرْض نَبَاتًا . وَلَيْسَ قَوْله : { وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } كَلَامًا يَجُوز أَنْ يَكُون مُتَوَهِّمًا بِهِ أَنَّهُ مَعْدُول عَنْ بِنَائِهِ . وَمَعْنَى الْكَلَام : وَيَتَثَبَّتُونَ فِي وَضْع الصَّدَقَات مَوَاضِعهَا , فَيُصْرَف إلَى الْمَعَانِي الَّتِي صُرِفَ إلَيْهَا قَوْله : { وَتَبَتَّلْ إلَيْهِ تَبْتِيلًا } وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَادِر الْمَعْدُولَة عَنْ الْأَفْعَال الَّتِي هِيَ ظَاهِرَة قَبْلهَا . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى قَوْله : { وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } احْتِسَابًا مِنْ أَنْفُسهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4753 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسهمْ } يَقُول : احْتِسَابًا مِنْ أَنْفُسهمْ . وَهَذَا الْقَوْل أَيْضًا بَعِيد الْمَعْنَى مِنْ مَعْنَى التَّثْبِيت , لِأَنَّ التَّثْبِيت لَا يُعْرَف فِي شَيْء مِنْ الْكَلَام بِمَعْنَى الِاحْتِسَاب , إلَّا أَنْ يَكُون أَرَادَ مُفَسِّره كَذَلِكَ أَنَّ أَنْفُس الْمُنْفِقِينَ كَانَتْ مُحْتَسِبَة فِي تَثْبِيتهَا أَصْحَابهَا . فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَانَ عِنْده مَعْنَى الْكَلَام , فَلَيْسَ الِاحْتِسَاب بِمَعْنًى حِينَئِذٍ لِلتَّثْبِيتِ فَيُتَرْجَم عَنْهُ بِهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كَمَثَلِ جَنَّة بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِل فَآتَتْ أُكُلهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِل فَطَلّ } يَعْنِي بِذَلِك جَلَّ وَعَزَّ : وَمَثَل الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ , فَيَتَصَدَّقُونَ بِهَا , وَيُسَبِّلُونَهَا فِي طَاعَة
اللَّه بِغَيْرِ مَنّ عَلَى مَنْ تَصَدَّقُوا بِهَا عَلَيْهِ وَلَا أَذًى مِنْهُمْ لَهُمْ بِهَا ابْتِغَاء رِضْوَان اللَّه وَتَصْدِيقًا مِنْ أَنْفُسهمْ بِوَعْدِهِ , { كَمَثَلِ جَنَّة } وَالْجَنَّة : الْبُسْتَان . وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى أَنَّ الْجَنَّة الْبُسْتَان بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة مِنْ إعَادَته . { بِرَبْوَةٍ } وَالرَّبْوَة مِنْ الْأَرْض : مَا نَشَزَ مِنْهَا فَارْتَفَعَ عَنْ السَّيْل . وَإِنَّمَا وَصَفَهَا بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ , لِأَنَّ مَا ارْتَفَعَ عَنْ الْمَسَايِل وَالْأَوْدِيَة أَغْلَظَ , وَجِنَان مَا غَلُظَ مِنْ الْأَرْض أَحْسَن وَأَزْكَى ثَمَرًا وَغَرْسًا وَزَرْعًا مِمَّا رَقَّ مِنْهَا , وَلِذَلِكَ قَالَ أُعْشَى بَنِي ثَعْلَبَة فِي وَصْف رَوْضَة : مَا رَوْضَة مِنْ رِيَاض الْحَزْن مُعْشِبَة خَضْرَاء جَادَ عَلَيْهَا مُسْبِل هَطِل فَوَصَفَهَا بِأَنَّهَا مِنْ رِيَاض الْحَزْن , لِأَنَّ الْحُزُون : غَرْسهَا وَنَبَاتهَا أَحْسَن وَأَقْوَى مِنْ غُرُوس الْأَوْدِيَة وَالتِّلَاع وَزُرُوعهَا . وَفِي الرَّبْوَة لُغَات ثَلَاث , وَقَدْ قَرَأَ بِكُلِّ لُغَة مِنْهُنَّ جَمَاعَة مِنْ الْقُرَّاء , وَهِيَ " رُبْوَة " بِضَمِّ الرَّاء , وَبِهَا قَرَأَتْ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْحِجَاز وَالْعِرَاق . و " رَبْوَة " بِفَتْحِ الرَّاء , وَبِهَا قَرَأَ بَعْض أَهْل الشَّام , وَبَعْض أَهْل الْكُوفَة , وَيُقَال إنَّهَا لُغَة لِتَمِيمٍ . و " رِبْوَة " بِكَسْرِ الرَّاء , وَبِهَا قَرَأَ فِيمَا ذُكِرَ ابْن عَبَّاس . وَغَيْر جَائِز عِنْدِي أَنْ يُقْرَأ ذَلِكَ إلَّا بِإِحْدَى اللُّغَتَيْنِ : إمَّا بِفَتْحِ الرَّاء , وَإِمَّا بِضَمِّهَا , لِأَنَّ قِرَاءَة النَّاس فِي أَمْصَارهمْ بِإِحْدَاهُمَا . وَأَنَا لِقِرَاءَتِهَا بِضَمِّهَا أَشَدّ إيثَارًا مِنِّي بِفَتْحِهَا , لِأَنَّهَا أَشْهَر اللُّغَتَيْنِ فِي الْعَرَب ; فَأَمَّا الْكَسْر فَإِنَّ فِي رَفْض الْقِرَاءَة بِهِ دِلَالَة وَاضِحَة عَلَى أَنَّ الْقِرَاءَة بِهِ غَيْر جَائِزَة . وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ الرَّبْوَة لِأَنَّهَا رَبَتْ فَغَلُظَتْ وَعَلَتْ , مِنْ قَوْل الْقَائِل : رَبَا هَذَا الشَّيْء يَرْبُو : إذَا انْفَتَحَ فَعَظُمَ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4754 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثِنَا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { كَمَثَلِ جَنَّة بِرَبْوَةٍ } قَالَ : الرَّبْوَة : الْمَكَان الظَّاهِر الْمُسْتَوِي . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد : هِيَ الْأَرْض الْمُسْتَوِيَة الْمُرْتَفِعَة . 4755 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثِنَا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { كَمَثَلِ جَنَّة بِرَبْوَةٍ } يَقُولَا : بِنَشِزٍ مِنْ الْأَرْض . 4756 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { كَمَثَلِ جَنَّة بِرَبْوَةٍ } وَالرَّبْوَة : الْمَكَان الْمُرْتَفِع الَّذِي لَا تَجْرِي فِيهِ الْأَنْهَار وَاَلَّذِي فِيهِ الْجِنَان . 4757 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ قَوْله : { بِرَبْوَةٍ } بِرَابِيَةٍ مِنْ الْأَرْض . 4758 - حَدَّثَنَا عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { كَمَثَلِ جَنَّة بِرَبْوَةٍ } وَالرَّبْوَة النَّشِزُ مِنْ الْأَرْض . 4759 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ ابْن عَبَّاس : { كَمَثَلِ جَنَّة بِرَبْوَةٍ } قَالَ : الْمَكَان الْمُرْتَفِع الَّذِي لَا تَجْرِي فِيهِ الْأَنْهَار . وَكَانَ آخَرُونَ يَقُولُونَ : هِيَ الْمُسْتَوِيَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4760 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { كَمَثَلِ جَنَّة بِرَبْوَةٍ } قَالَ : هِيَ الْأَرْض الْمُسْتَوِيَة الَّتِي تَعْلُو فَوْق الْمِيَاه . وَأَمَّا قَوْله : { أَصَابَهَا وَابِل } فَإِنَّهُ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَصَابَ الْجَنَّة الَّتِي بِالرَّبْوَةِ مِنْ الْأَرْض وَابِل مِنْ الْمَطَر , وَهُوَ الشَّدِيد الْعَظِيم الْقَطْر مِنْهُ . وَقَوْله : { فَآتَتْ أُكُلهَا ضِعْفَيْنِ } فَإِنَّهُ يَعْنِي الْجَنَّة أَنَّهَا أَضْعَفَ ثَمَرهَا ضِعْفَيْنِ حِين أَصَابَهَا الْوَابِل مِنْ الْمَطَر , وَالْأَكْل : هُوَ الشَّيْء الْمَأْكُول , وَهُوَ مِثْل الرُّعْب وَالْهُزْء وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْمَاء الَّتِي تَأْتِي عَلَى فُعْل ; وَأَمَّا الْمَأْكُول بِفَتْحِ الْأَلِف وَتَسْكِين الْكَاف , فَهُوَ فِعْل الْآكِل , يُقَال مِنْهُ : أَكَلْت أَكْلًا , وَأَكَلْت أَكْلَة وَاحِدَة , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : وَمَا أَكْلَة أَكَلْتهَا بِغَنِيمَةٍ وَلَا جَوْعَة إنْ جُعْتهَا بِغَرَامِ فَفَتَحَ الْأَلِف لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْفِعْل . وَيَدُلّك عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ قَوْله : " وَلَا جَوْعَة " , وَإِنْ ضُمَّتْ الْأَلِف مِنْ " الْأَكْلَة " كَانَ مَعْنَاهُ : الطَّعَام الَّذِي أَكَلْته , فَيَكُون مَعْنَى ذَلِكَ حِينَئِذٍ : مَا طَعَام أَكَلْته بِغَنِيمَةٍ . وَأَمَّا قَوْله : { فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِل فَطَلّ } فَإِنَّ الطَّلّ : هُوَ النَّدَى وَاللَّيِّن مِنْ الْمَطَر . كَمَا : 4761 - حَدَّثَنَا عَبَّاس بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا حَجَّاج , قَالَ : قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : { فَطَلّ } نَدًى . عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس . 4762 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثِنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : أَمَّا الطَّلّ : فَالنَّدَى . 4763 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثِنَا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِل فَطَلّ } أَيْ طَشّ . 4764 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثِنَا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { فَطَلّ } قَالَ : الطَّلّ : الرَّذَاذ مِنْ الْمَطَر , يَعْنِي اللَّيِّن مِنْهُ . 4765 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { فَطَلّ } أَيْ طَشّ . وَإِنَّمَا يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِهَذَا الْمَثَل كَمَا أَضَعَفْت ثَمَرَة هَذِهِ الْجَنَّة الَّتِي وَصَفْت صِفَتهَا حِين جَادَ الْوَابِل فَإِنْ أَخْطَأَ هَذَا الْوَابِل فَالطَّلّ كَذَلِكَ يُضَعِّف اللَّه صَدَقَة الْمُتَصَدِّق وَالْمُنْفِق مَاله ابْتِغَاء مَرْضَاته وَتَثْبِيتًا مِنْ نَفْسه مِنْ غَيْر مَنّ وَلَا أَذًى , قَلَّتْ نَفَقَته أَوْ كَثُرَتْ لَا تَخِيب وَلَا تُخَلَّف نَفَقَته , كَمَا تُضَعَّف الْجَنَّة الَّتِي وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ صِفَتهَا قَلَّ مَا أَصَابَهَا مِنْ الْمَطَر أَوْ كَثُرَ لَا يُخَلَّف خَيْرهَا بِحَالٍ مِنْ الْأَحْوَال . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَة أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4766 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ قَوْله : { فَآتَتْ أُكُلهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِل فَطَلّ } يَقُول : كَمَا أَضْعَفْت ثَمَرَة تِلْكَ الْجَنَّة , فَكَذَلِكَ تُضَاعَف ثَمَرَة هَذَا الْمُنْفِق ضِعْفَيْنِ . 4767 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { فَآتَتْ أُكُلهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِل فَطَلّ } هَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِعَمَلِ الْمُؤْمِن , يَقُول : لَيْسَ لِخَيْرِهِ خُلْف , كَمَا لَيْسَ لِخَيْرِ هَذِهِ الْجَنَّة خُلْف عَلَى أَيّ حَال , إمَّا وَابِل , وَإِمَّا طَلّ . 4768 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثِنَا إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : هَذَا مِثْل مَنْ أَنْفَقَ مَاله ابْتِغَاء مَرْضَاةِ اللَّه . 4769 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ ابْتِغَاء مَرْضَاة اللَّه } . الْآيَة , قَالَ : هَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِعَمَلِ الْمُؤْمِن . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ قِيلَ : { فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِل فَطَلّ } وَهَذَا خَبَر عَنْ أَمْر قَدْ مَضَى ؟ قِيلَ : يُرَاد فِيهِ : كَانَ , وَمَعْنَى الْكَلَام : فَآتَتْ أُكُلهَا ضِعْفَيْنِ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَابِل أَصَابَهَا , أَصَابَهَا طَلّ , وَذَلِك فِي الْكَلَام نَحْو قَوْل الْقَائِل : حَبَسْت فَرَسَيْنِ , فَإِنْ لَمْ أَحْبِسْ اثْنَيْنِ فَوَاحِدًا بِقِيمَتِهِ , بِمَعْنَى : إلَّا أَكُنْ , لَا بُدّ مِنْ إضْمَار " كَانَ " , لِأَنَّهُ خَبَر ; وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : إذَا مَا انْتَسَبْنَا لَمْ تَلِدنِي لَئِيمَة وَلَمْ تَجِدِي مِنْ أَنْ تُقِرِّي بِهَا بُدًّا
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَللَّه بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير } . يَعْنِي بِذَلِكَ : وَاَللَّه بِمَا تَعْمَلُونَ أَيّهَا النَّاس فِي نَفَقَاتكُمْ الَّتِي تُنْفِقُونَهَا بَصِير , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهَا وَلَا مِنْ أَعْمَالكُمْ فِيهَا وَفِي غَيْرهَا شَيْء يُعْلَم
مِنْ الْمُنْفِق مِنْكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى وَالْمُنْفِق ابْتِغَاء مَرْضَاة اللَّه , وَتَثْبِيتًا مِنْ نَفْسه , فَيُحْصِي عَلَيْكُمْ حَتَّى يُجَازِيَ جَمِيعكُمْ جَزَاءَهُ عَلَى عَمَله , إنْ خَيْرًا فَخَيْرًا , وَإِنْ شَرًّا فَشَرًّا . وَإِنَّمَا يَعْنِي بِهَذَا الْقَوْل جَلَّ ذِكْره , التَّحْذِير مِنْ عِقَابه فِي النَّفَقَات الَّتِي يُنْفِقهَا عِبَاده , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَعْمَال أَنْ يَأْتِيَ أَحَد مِنْ خَلْقه مَا قَدْ تَقَدَّمَ فِيهِ بِالنَّهْيِ عَنْهُ , أَوْ يُفَرِّط فِيمَا قَدْ أَمَرَ بِهِ , لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَرْأًى مِنْ اللَّه وَمَسْمَع , يَعْلَمهُ وَيُحْصِيهِ عَلَيْهِمْ , وَهُوَ لِخَلْقِهِ بِالْمِرْصَادِ .
أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَيَوَدُّ أَحَدكُمْ أَنْ تَكُون لَهُ جَنَّة مِنْ نَخِيل وَأَعْنَاب تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار لَهُ فِيهَا مِنْ كُلّ الثَّمَرَات وَأَصَابَهُ الْكِبَر وَلَهُ ذُرِّيَّة ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إعْصَار فِيهِ نَار فَاحْتَرَقَتْ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَاَلَّذِي يُنْفِق مَاله رِئَاء النَّاس وَلَا يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر فَمَثَله كَمَثَلِ صَفْوَان عَلَيْهِ تُرَاب فَأَصَابَهُ وَابِل فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْء مِمَّا كَسَبُوا } { أَيَوَدُّ أَحَدكُمْ أَنْ تَكُون لَهُ جَنَّة مِنْ نَخِيل وَأَعْنَاب تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار لَهُ فِيهَا مِنْ كُلّ الثَّمَرَات وَأَصَابَهُ الْكِبَر } . الْآيَة . وَمَعْنَى قَوْله : { أَيَوَدُّ أَحَدكُمْ } أَيُحِبُّ أَحَدكُمْ أَنْ تَكُون لَهُ جَنَّة - يَعْنِي بُسْتَانًا مِنْ نَخِيل وَأَعْنَاب - تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار - يَعْنِي مِنْ تَحْت الْجَنَّة - وَلَهُ فِيهَا مِنْ كُلّ الثَّمَرَات . وَالْهَاء فِي قَوْله : { لَهُ } عَائِدَة عَلَى أَحَد , وَالْهَاء وَالْأَلِف فِي : { فِيهَا } عَلَى الْجَنَّة , { وَأَصَابَهُ } يَعْنِي وَأَصَابَ أَحَدكُمْ الْكِبَر , { وَلَهُ ذُرِّيَّة ضُعَفَاء } . وَإِنَّمَا جَعَلَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْبُسْتَان مِنْ النَّخِيل وَالْأَعْنَاب , الَّذِي قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ : أَيَوَدُّ أَحَدكُمْ أَنْ تَكُون لَهُ مَثَلًا لِنَفَقَةِ الْمُنَافِق الَّتِي يُنْفِقهَا رِيَاء النَّاس , لَا ابْتِغَاء مَرْضَاة اللَّه , فَالنَّاس بِمَا يَظْهَر لَهُمْ مِنْ صَدَقَته , وَإِعْطَائِهِ لِمَا يُعْطِي وَعَمَله الظَّاهِر , يُثْنُونَ عَلَيْهِ وَيَحْمَدُونَهُ بِعَمَلِهِ ذَلِكَ أَيَّام حَيَاته فِي حُسْنه كَحُسْنِ الْبُسْتَان وَهِيَ الْجَنَّة الَّتِي ضَرَبَهَا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِعَمَلِهِ مَثَلًا مِنْ نَخِيل وَأَعْنَاب , لَهُ فِيهَا مِنْ كُلّ الثَّمَرَات , لِأَنَّ عَمَله ذَلِكَ الَّذِي يَعْمَلهُ فِي الظَّاهِر فِي الدُّنْيَا , لَهُ فِيهِ مِنْ كُلّ خَيْر مِنْ عَاجِل الدُّنْيَا , يَدْفَع بِهِ عَنْ نَفْسه وَدَمه وَمَاله وَذُرِّيَّته , وَيَكْتَسِب بِهِ الْمَحْمَدَة وَحُسْن الثَّنَاء عِنْد النَّاس , وَيَأْخُذ بِهِ سَهْمه مِنْ الْمَغْنَم مَعَ أَشْيَاء كَثِيرَة يَكْثُر إحْصَاؤُهَا , فَلَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ كُلّ خَيْر فِي الدُّنْيَا , كَمَا وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْجَنَّة الَّتِي وَصَفَ مَثَلًا بِعَمَلِهِ , بِأَنَّ فِيهَا مِنْ كُلّ الثَّمَرَات , ثُمَّ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَأَصَابَهُ الْكِبَر وَلَهُ ذُرِّيَّة ضُعَفَاء } يَعْنِي أَنَّ صَاحِب الْجَنَّة أَصَابَهُ الْكِبَر وَلَهُ ذُرِّيَّة ضُعَفَاء صِغَار أَطْفَال , { فَأَصَابَهَا } يَعْنِي فَأَصَابَ الْجَنَّة إعْصَار فِيهِ نَار , { فَاحْتَرَقَتْ } يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ جَنَّته تِلْكَ أَحْرَقَتْهَا الرِّيح الَّتِي فِيهَا النَّار فِي حَال حَاجَته إلَيْهَا , وَضَرُورَته إلَى ثَمَرَتهَا بِكِبَرِهِ وَضَعْفه عَنْ عِمَارَتهَا , وَفِي حَال صِغَر وَلَده وَعَجْزه عَنْ إحْيَائِهَا وَالْقِيَام عَلَيْهَا , فَبَقِيَ لَا شَيْء لَهُ أَحْوَج مَا كَانَ إلَى جَنَّته وَثِمَارهَا بِالْآفَةِ الَّتِي أَصَابَتْهَا مِنْ الْإِعْصَار الَّذِي فِيهِ النَّار . يَقُول : فَكَذَلِك الْمُنْفِق مَاله رِئَاء النَّاس , أَطْفَأَ اللَّه نُوره , وَأَذْهَبَ بَهَاء عَمَله , وَأَحْبَطَ أَجْره حَتَّى لَقِيَهُ , وَعَادَ إلَيْهِ أَحْوَج مَا كَانَ إلَى عَمَله , حِين لَا مُسْتَعْتِب لَهُ وَلَا إقَالَة مِنْ ذُنُوبه وَلَا تَوْبَة , وَاضْمَحَلَّ عَمَله كَمَا احْتَرَقَتْ الْجَنَّة الَّتِي وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ صِفَتهَا عِنْد كِبَر صَاحِبهَا وَطُفُولَة ذُرِّيَّته أَحْوَج مَا كَانَ إلَيْهَا فَبَطَلَتْ مَنَافِعهَا عَنْهُ . وَهَذَا الْمَثَل الَّذِي ضَرَبَهُ اللَّه لِلْمُنْفِقِينَ أَمْوَالهمْ رِيَاء النَّاس فِي هَذِهِ الْآيَة نَظِير الْمَثَل الْآخَر الَّذِي ضَرَبَهُ لَهُمْ بِقَوْلِهِ : { فَمَثَله كَمَثَلِ صَفْوَان عَلَيْهِ تُرَاب فَأَصَابَهُ وَابِل فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْء مِمَّا كَسَبُوا } . وَقَدْ تَنَازَعَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل هَذِهِ الْآيَة , إلَّا أَنَّ مَعَانِيَ قَوْلهمْ فِي ذَلِكَ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ تَصَارِيفهمْ فِيهَا عَائِدَة إلَى الْمَعْنَى الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , وَأَحْسَنهمْ إبَانَة لِمَعْنَاهَا وَأَقْرَبهمْ إلَى الصَّوَاب قَوْلًا فِيهَا السُّدِّيّ . 4770 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { أَيَوَدُّ أَحَدكُمْ أَنْ تَكُون لَهُ جَنَّة مِنْ نَخِيل وَأَعْنَاب تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار لَهُ فِيهَا مِنْ كُلّ الثَّمَرَات وَأَصَابَهُ الْكِبَر وَلَهُ ذُرِّيَّة ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إعْصَار فِيهِ نَار فَاحْتَرَقَتْ } هَذَا مَثَل آخَر لِنَفَقَةِ الرِّيَاء , أَنَّهُ يُنْفِق مَاله يُرَائِي النَّاس بِهِ , فَيَذْهَب مَاله مِنْهُ وَهُوَ يُرَائِي , فَلَا يَأْجُرهُ اللَّه فِيهِ , فَإِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة وَاحْتَاجَ إلَى نَفَقَته , وَجَدَهَا قَدْ أَحْرَقَهَا الرِّيَاء , فَذَهَبَتْ كَمَا أَنْفَقَ هَذَا الرَّجُل عَلَى جَنَّته , حَتَّى إذَا بَلَغَتْ وَكَثُرَ عِيَاله وَاحْتَاجَ إلَى جَنَّته جَاءَتْ رِيح فِيهَا سَمُوم فَأَحْرَقَتْ جَنَّته , فَلَمْ يَجِد مِنْهَا شَيْئًا , فَكَذَلِكَ الْمُنْفِق رِيَاء . 4771 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { أَيَوَدُّ أَحَدكُمْ أَنْ تَكُون لَهُ جَنَّة مِنْ نَخِيل وَأَعْنَاب } كَمَثَلِ الْمُفَرِّط فِي طَاعَة اللَّه حَتَّى يَمُوت , قَالَ يَقُول : أَيَوَدُّ أَحَدكُمْ أَنْ يَكُون لَهُ دُنْيَا لَا يَعْمَل فِيهَا بِطَاعَةِ اللَّه , كَمَثَلِ هَذَا الَّذِي لَهُ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار , لَهُ فِيهَا مِنْ كُلّ الثَّمَرَات , وَأَصَابَهُ الْكِبَر , وَلَهُ ذُرِّيَّة ضُعَفَاء , فَأَصَابَهَا إعْصَار فِيهِ نَار فَاحْتَرَقَتْ , فَمَثَله بَعْد مَوْته كَمَثَلِ هَذَا حِين أُحْرِقَتْ جَنَّته وَهُوَ كَبِير , لَا يُغْنِي عَنْهَا شَيْئًا , وَوَلَده صِغَار لَا يُغْنُونَ عَنْهَا شَيْئًا , وَكَذَلِكَ الْمُفَرِّط بَعْد الْمَوْت كُلّ شَيْء عَلَيْهِ حَسْرَة . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 4772 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء , قَالَ : سَأَلَ عُمَر النَّاس عَنْ هَذِهِ الْآيَة فَمَا وَجَدَ أَحَدًا يَشْفِيهِ , حَتَّى قَالَ ابْن عَبَّاس وَهُوَ خَلْفه : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ إنِّي أَجِد فِي نَفْسِي مِنْهَا شَيْئًا , قَالَ : فَتَلَفَّتَ إلَيْهِ , فَقَالَ : تَحَوَّلْ هَهُنَا ! لِمَ تُحَقِّر نَفْسك ؟ قَالَ : هَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ : أَيَوَدُّ أَحَدكُمْ أَنْ يَعْمَل عُمْره بِعَمَلِ أَهْل الْخَيْر وَأَهْل السَّعَادَة , حَتَّى إذَا كَانَ أَحْوَج مَا يَكُون إلَى أَنْ يَخْتِمهُ بِخَيْرٍ حِين فَنِيَ عُمْره , وَاقْتَرَبَ أَجَله , خُتِمَ ذَلِكَ بِعَمَلٍ مِنْ عَمَل أَهْل الشَّقَاء فَأَفْسَدَهُ كُلّه فَحَرْقه أَحْوَج مَا كَانَ إلَيْهِ . 4773 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ مُحَمَّد بْن سُلَيْم , عَنْ ابْن أَبِي مُلَيْكَة : أَنَّ عُمَر تَلَا هَذِهِ الْآيَة : { أَيَوَدُّ أَحَدكُمْ أَنْ تَكُون لَهُ جَنَّة مِنْ نَخِيل وَأَعْنَاب } قَالَ : هَذَا مَثَل ضُرِبَ لِإِنْسَانٍ يَعْمَل عَمَلًا صَالِحًا , حَتَّى إذَا كَانَ عِنْده آخِر عُمْره أَحْوَج مَا يَكُون إلَيْهِ , عَمِلَ عَمَل السُّوء . 4774 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثِنَا سُوَيْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : سَمِعْت أَبَا بَكْر بْن أَبِي مُلَيْكَةَ يُخْبِر عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُول : سَأَلَ عُمَر أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : فِيمَ تَرَوْنَ أُنْزِلَتْ { أَيَوَدُّ أَحَدكُمْ أَنْ تَكُون لَهُ جَنَّة مِنْ نَخِيل وَأَعْنَاب } ؟ فَقَالُوا : اللَّه أَعْلَم ! فَغَضِبَ عُمَر , فَقَالَ : قُولُوا نَعْلَم أَوْ لَا نَعْلَم ! فَقَالَ ابْن عَبَّاس : فِي نَفْسِي مِنْهَا شَيْء يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ . فَقَالَ عُمَر : قُلْ يَا ابْن أَخِي وَلَا تُحَقِّر نَفْسك ! قَالَ ابْن عَبَّاس : ضَرَبْت مَثَلًا لِعَمَلٍ . قَالَ عُمَر : أَيّ عَمَل ؟ قَالَ : لِعَمَلٍ . فَقَالَ عُمَر : رَجُل عَنِيَ بِعَمَلِ الْحَسَنَات , ثُمَّ بَعَثَ اللَّه لَهُ الشَّيْطَان , فَعَمِلَ بِالْمَعَاصِي حَتَّى أَغْرَقَ أَعْمَاله كُلّهَا قَالَ : وَسَمِعْت عَبْد اللَّه بْن أَبِي مُلَيْكَةَ يُحَدِّث نَحْو هَذَا عَنْ ابْن عَبَّاس , سَمِعَهُ مِنْهُ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثِنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : سَمِعْت أَبَا بَكْر بْن أَبِي مُلَيْكَةَ يُخْبِر أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْد بْن عُمَيْر , قَالَ : ابْن جُرَيْجٍ : وَسَمِعْت عَبْد اللَّه بْن أَبِي مُلَيْكَةَ , قَالَ : سَمِعْت ابْن عَبَّاس , قَالَا جَمِيعًا : إنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب سَأَلَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ نَحْوه , إلَّا أَنَّهُ قَالَ عُمَر : لِلرَّجُلِ يَعْمَل بِالْحَسَنَاتِ , ثُمَّ يُبْعَث لَهُ الشَّيْطَان فَيَعْمَل بِالْمَعَاصِي . 4775 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : سَأَلْت عَطَاء عَنْهَا . ثُمَّ قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : وَأَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن كَثِير , عَنْ مُجَاهِد , قَالَا : ضُرِبَتْ مَثَلًا لِلْأَعْمَالِ . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : وَقَالَ ابْن عَبَّاس : ضُرِبَتْ مَثَلًا لِلْعَمَلِ يَبْدَأ فَيَعْمَل عَمَلًا صَالِحًا , فَيَكُون مَثَلًا لِلْجَنَّةِ الَّتِي مِنْ نَخِيل وَأَعْنَاب تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار , لَهُ فِيهَا مِنْ كُلّ الثَّمَرَات , ثُمَّ يُسِيء فِي آخِر عُمْره , فَيَتَمَادَى عَلَى الْإِسَاءَة حَتَّى يَمُوت عَلَى ذَلِكَ , فَيَكُون الْإِعْصَار الَّذِي فِيهِ النَّار الَّتِي أَحْرَقَتْ الْجَنَّة , مَثَلًا لِإِسَاءَتِهِ الَّتِي مَاتَ وَهُوَ عَلَيْهَا . قَالَ ابْن عَبَّاس : الْجَنَّة عَيْشه وَعَيْش وَلَده فَاحْتَرَقَتْ , فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَدْفَع عَنْ جَنَّته مِنْ أَجْل كِبَره , وَلَمْ يَسْتَطِعْ ذُرِّيَّته أَنَّ يَدْفَعُوا عَنْ جَنَّتهمْ مِنْ أَجْل صِغَرهمْ حَتَّى احْتَرَقَتْ . يَقُول : هَذَا مَثَله تَلَقَّاهُ وَهُوَ أَفْقَر مَا كَانَ إلَيَّ , فَلَا يَجِد لَهُ عِنْدِي شَيْئًا , وَلَا يَسْتَطِيع أَنْ يَدْفَع عَنْ نَفْسه مِنْ عَذَاب اللَّه شَيْئًا , وَلَا يَسْتَطِيع مِنْ كِبَره وَصِغَر أَوْلَاده أَنْ يَعْمَلُوا جَنَّة , كَذَلِكَ لَا تَوْبَة إذَا انْقَطَعَ الْعَمَل حِين مَاتَ . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد : سَمِعْت ابْن عَبَّاس قَالَ : هُوَ مِثْل الْمُفَرِّط فِي طَاعَة اللَّه حَتَّى يَمُوت . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ وَقَالَ مُجَاهِد : أَيَوَدُّ أَحَدكُمْ أَنْ تَكُون لَهُ دُنْيَا لَا يَعْمَل فِيهَا بِطَاعَةِ اللَّه , كَمَثَلِ هَذَا الَّذِي لَهُ جَنَّة , فَمَثَله بَعْد مَوْته كَمَثَلِ هَذَا حِين أُحْرِقَتْ جَنَّته وَهُوَ كَبِير لَا يُغْنِي عَنْهَا شَيْئًا وَأَوْلَاده صِغَار وَلَا يُغْنُونَ عَنْهُ شَيْئًا , وَكَذَلِكَ الْمُفَرِّط بَعْد الْمَوْت كُلّ شَيْء عَلَيْهِ حَسْرَة . 4776 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { أَيَوَدُّ أَحَدكُمْ أَنْ تَكُون لَهُ جَنَّة مِنْ نَخِيل وَأَعْنَاب تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار } . الْآيَة . يَقُول : أَصَابَهَا رِيح فِيهَا سَمُوم شَدِيدَة , كَذَلِكَ يُبَيِّن اللَّه لَكُمْ الْآيَات لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ , فَهَذَا مَثَل . فَاعْقِلُوا عَنْ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ أَمْثَاله , فَإِنَّهُ قَالَ : { وَتِلْكَ الْأَمْثَال نَضْرِبهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلهَا إلَّا الْعَالِمُونَ } . 29 43 هَذَا رَجُل كَبُرَتْ سِنّه وَدَقَّ عَظْمه وَكَثُرَ عِيَاله , ثُمَّ احْتَرَقَتْ جَنَّته عَلَى بَقِيَّة ذَلِكَ كَأَحْوَج مَا يَكُون إلَيْهِ . يَقُول : أَيُحِبُّ أَحَدكُمْ أَنْ يَضِلّ عَنْهُ عَمَله يَوْم الْقِيَامَة كَأَحْوَج مَا يَكُون إلَيْهِ ؟ 4777 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { أَيَوَدُّ أَحَدكُمْ أَنْ تَكُون لَهُ جَنَّة } إلَى قَوْله : { فَاحْتَرَقَتْ } يَقُول : فَذَهَبَتْ جَنَّته كَأَحْوَج مَا كَانَ إلَيْهَا حِين كَبِرَتْ سِنّه وَضَعُفَ عَنْ الْكَسْب , وَلَهُ ذُرِّيَّة ضُعَفَاء لَا يَنْفَعُونَهُ . قَالَ : وَكَانَ الْحَسَن يَقُول : فَاحْتَرَقَتْ فَذَهَبَتْ أَحْوَج مَا كَانَ إلَيْهَا , فَذَلِك قَوْله : أَيَوَدُّ أَحَدكُمْ أَنْ يَذْهَب عَمَله أَحْوَج مَا كَانَ إلَيْهِ . 4778 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثَنِيّ عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس : ضَرَبَ اللَّه مَثَلًا حَسَنًا , وَكُلّ أَمْثَاله حَسَن تَبَارَكَ وَتَعَالَى . وَقَالَ : قَالَ أَيُّوب . { أَيَوَدُّ أَحَدكُمْ أَنْ تَكُون لَهُ جَنَّة مِنْ نَخِيل } إلَى قَوْله : { فِيهَا مِنْ كُلّ الثَّمَرَات } يَقُول : صَنَعَهُ فِي شَبِيبَته فَأَصَابَهُ الْكِبَر وَلَهُ ذُرِّيَّة ضُعَفَاء عِنْد آخِر عُمْره , فَجَاءَهُ إعْصَار فِيهِ نَار , فَأُحْرِقَ بُسْتَانه , فَلَمْ يَكُنْ عِنْده قُوَّة أَنْ يَغْرِس مِثْله , وَلَمْ يَكُنْ عِنْد نَسْله خَيْر يَعُودُونَ عَلَيْهِ . وَكَذَلِكَ الْكَافِر يَوْم الْقِيَامَة إذَا رُدَّ إلَى اللَّه تَعَالَى لَيْسَ لَهُ خَيْر فَيُسْتَعْتَب كَمَا لَيْسَ لَهُ قُوَّة فَيَغْرِس مِثْل بُسْتَانه , وَلَا يَجِد خَيْرًا قَدَّمَ لِنَفْسِهِ يَعُود عَلَيْهِ , كَمَا لَمْ يُغْنِ عَنْ هَذَا وَلَده , وَحُرِمَ أَجْره عِنْد أَفْقَر مَا كَانَ إلَيْهِ كَمَا حُرِمَ هَذَا جَنَّته عِنْد أَفْقَر مَا كَانَ إلَيْهَا عِنْد كِبَره وَضَعْف ذُرِّيَّته . وَهُوَ مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِر فِيمَا أُوتَيَا فِي الدُّنْيَا , كَيْفَ نَجَّى الْمُؤْمِن فِي الْآخِرَة , وَذَخَرَ لَهُ مِنْ الْكَرَامَة وَالنَّعِيم , وَخَزَّنَ عَنْهُ الْمَال فِي الدُّنْيَا , وَبَسَطَ لِلْكَافِرِ فِي الدُّنْيَا مِنْ الْمَال مَا هُوَ مُنْقَطِع , وَخَزَّنَ لَهُ مِنْ الشَّرّ مَا لَيْسَ بِمُفَارِقِهِ أَبَدًا وَيَخْلُد فِيهَا مُهَانًا , مِنْ أَجْل أَنَّهُ فَخَرَ عَلَى صَاحِبه وَوَثِقَ بِمَا عِنْده وَلَمْ يَسْتَيْقِن أَنَّهُ مُلَاقٍ رَبّه . 4779 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { أَيَوَدُّ أَحَدكُمْ أَنْ تَكُون لَهُ جَنَّة } . الْآيَة . قَالَ : هَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه { أَيَوَدُّ أَحَدكُمْ أَنْ تَكُون لَهُ جَنَّة مِنْ نَخِيل وَأَعْنَاب . .. فِيهَا مِنْ كُلّ الثَّمَرَات } وَالرَّجُل قَدْ كَبِرَ سِنّه وَضَعُفَ وَلَهُ أَوْلَاد صِغَار , وَابْتَلَاهُمْ اللَّه فِي جَنَّتهمْ , فَبَعَثَ اللَّه عَلَيْهَا إعْصَارًا فِيهِ نَار فَاحْتَرَقَتْ , فَلَمْ يَسْتَطِعْ الرَّجُل أَنْ يَدْفَع عَنْ جَنَّته مِنْ الْكِبَر , وَلَا وَلَده لِصِغَرِهِمْ , فَذَهَبَتْ جَنَّته أَحْوَج مَا كَانَ إلَيْهَا . يَقُول : أَيُحِبُّ أَحَدكُمْ أَنْ يَعِيش فِي الضَّلَالَة وَالْمَعَاصِي حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمَوْت , فَيَجِيء يَوْم الْقِيَامَة قَدْ ضَلَّ عَنْهُ عَمَله أَحْوَج مَا كَانَ إلَيْهِ , فَيَقُول ابْن آدَم : أَتَيْتنِي أَحْوَج مَا كُنْت قَطّ إلَى خَيْر , فَأَيْنَ مَا قَدَّمْت لِنَفْسِك ؟ 4780 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : وَقَرَأَ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى } ثُمَّ ضَرَبَ ذَلِكَ مَثَلًا , فَقَالَ : { أَيَوَدُّ أَحَدكُمْ أَنْ تَكُون لَهُ جَنَّة مِنْ نَخِيل وَأَعْنَاب } حَتَّى بَلَغَ { فَأَصَابَهَا إعْصَار فِيهِ نَار فَاحْتَرَقَتْ } قَالَ : جَرَتْ أَنَهَارهَا وَثِمَارهَا , وَلَهُ ذُرِّيَّة ضُعَفَاء , فَأَصَابَهَا إعْصَار فِيهِ نَار فَاحْتَرَقَتْ , أَيَوَدُّ أَحَدكُمْ هَذَا ؟ فَمَا يَحْمِل أَحَدكُمْ أَنْ يُخْرِج مِنْ صَدَقَته وَنَفَقَته حَتَّى إذَا كَانَ لَهُ عِنْدِي جَنَّة وَجَرَتْ أَنْهَارهَا وَثِمَارهَا , وَكَانَتْ لِوَلَدِهِ وَوَلَد وَلَده أَصَابَهَا رِيح إعْصَار فَحَرَقَهَا . 4781 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثِنَا زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { أَيَوَدُّ أَحَدكُمْ أَنْ تَكُون لَهُ جَنَّة مِنْ نَخِيل وَأَعْنَاب تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار } رَجُل غَرَسَ بُسْتَانًا فِيهِ مِنْ كُلّ الثَّمَرَات , فَأَصَابَهُ الْكِبَر , وَلَهُ ذُرِّيَّة ضُعَفَاء , فَأَصَابَهَا إعْصَار فِيهِ نَار فَاحْتَرَقَتْ , فَلَا يَسْتَطِيع أَنْ يَدْفَع عَنْ بُسْتَانه مِنْ كِبَره , وَلَمْ يَسْتَطِعْ ذُرِّيَّته أَنَّ يَدْفَعُوا عَنْ بُسْتَانه , فَذَهَبَتْ مَعِيشَته وَمَعِيشَة ذُرِّيَّته . فَهَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِلْكَافِرِ , يَقُول : يَلْقَانِي يَوْم الْقِيَامَة وَهُوَ أَحْوَج مَا يَكُون إلَى خَيْر يُصِيبهُ , فَلَا يَجِد لَهُ عِنْدِي خَيْرًا وَلَا يَسْتَطِيع أَنْ يَدْفَع عَنْ نَفْسه مِنْ عَذَاب اللَّه شَيْئًا . وَإِنَّمَا دَلَّلْنَا أَنَّ الَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ , لِأَنَّ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ تَقَدَّمَ إلَى عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ بِالنَّهْيِ عَنْ الْمَنّ وَالْأَذَى فِي صَدَقَاتهمْ . ثُمَّ ضَرَبَ مَثَلًا لِمَنْ مَنَّ وَأَذَى مَنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِصَدَقَةٍ , فَمَثَّلَهُ بِالْمُرَائِي مِنْ الْمُنَافِقِينَ , الْمُنْفِقِينَ أَمْوَالهمْ رِيَاء النَّاس . وَكَانَتْ قِصَّة هَذِهِ الْآيَة وَمَا قَبْلهَا مِنْ الْمَثَل نَظِيرَة مَا ضَرَبَ لَهُمْ مِنْ الْمَثَل قَبْلهَا , فَكَانَ إلْحَاقهَا بِنَظِيرَتِهَا أَوْلَى مِنْ حَمْل تَأْوِيلهَا عَلَى أَنَّهُ مِثْل مَا لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْر قَبْلهَا وَلَا مَعَهَا . فَإِنَّ قَالَ لَنَا قَائِل : وَكَيْفَ قِيلَ : { وَأَصَابَهُ الْكِبَر } وَهُوَ فِعْل مَاضٍ فَعَطَفَ بِهِ عَلَى قَوْله { أَيَوَدُّ أَحَدكُمْ } ؟ قِيلَ ; إنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ , لِأَنَّ قَوْله : { أَيَوَدُّ } يَصِحّ أَنْ يُوضَع فِيهِ " لَوْ " مَكَان " أَنَّ " فَلَمَّا صَلَحَتْ بِلَوْ وَأَنْ وَمَعْنَاهُمَا جَمِيعًا الِاسْتِقْبَال , اسْتَجَازَتْ الْعَرَب أَنَّ يَرُدُّوا " فَعَلَ " بِتَأْوِيلِ " لَوْ " عَلَى " يَفْعَل " مَعَ " أَنَّ " , فَلِذَلِك قَالَ : فَأَصَابَهَا , وَهُوَ فِي مَذْهَبه بِمَنْزِلَةِ " لَوْ " إذَا ضَارَعَتْ " أَنَّ " فِي مَعْنَى الْجَزَاء , فَوُضِعَتْ فِي مَوَاضِعهَا , وَأُجِيبَتْ " أَنَّ " بِجَوَابِ " لَوْ " و " لَوْ " بِجَوَابِ " أَنَّ " , فَكَأَنَّهُ قِيلَ : أَيَوَدُّ أَحَدكُمْ لَوْ كَانَتْ لَهُ جَنَّة مِنْ نَخِيل وَأَعْنَاب , تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار , لَهُ فِيهَا مِنْ كُلّ الثَّمَرَات وَأَصَابَهُ الْكِبَر . فَإِنْ قَالَ : وَكَيْفَ قِيلَ هَهُنَا : وَلَهُ ذُرِّيَّة ضُعَفَاء ؟ وَقَالَ فِي النِّسَاء : { وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفهمْ ذُرِّيَّة ضِعَافًا } ؟ 4 9 قِيلَ : لِأَنَّ " فَعِيلًا " يُجْمَع عَلَى " فُعَلَاء " و " فِعَال " , فَيُقَال : رَجُل ظَرِيف مِنْ قَوْم ظُرَفَاء وَظِرَاف . وَأَمَّا الْإِعْصَار : فَإِنَّهُ الرِّيح الْعَاصِف , تَهُبّ مِنْ الْأَرْض إلَى السَّمَاء كَأَنَّهَا عَمُود , تَجْمَع أَعَاصِير ; وَمِنْهُ قَوْل يَزِيد بْن مفرغ الْحِمْيَرِيّ : أَنَاس أَجَارُونَا فَكَانَ جِوَارهمْ أَعَاصِير مِنْ سُوء الْعِرَاق الْمُنْذِر وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { إعْصَار فِيهِ نَار فَاحْتَرَقَتْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : رِيح فِيهَا سَمُوم شَدِيدَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4782 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن بَزِيع , قَالَ : ثنا يُوسُف بْن خَالِد السَّمْتِيّ , قَالَ : ثنا نَافِع بْن مَالِك , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { إعْصَار فِيهِ نَار } رِيح فِيهَا سَمُوم شَدِيدَة . 4783 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن عَطِيَّة , قَالَ : ثنا إسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ التَّمِيمِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي : { إعْصَار فِيهِ نَار } قَالَ : السَّمُوم الْحَارَّة الَّتِي خُلِقَ مِنْهَا الْجَانّ الَّتِي تُحْرِق . 4784 - حَدَّثَنَا حُمَيْد , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثِنَا شَرِيك , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ التَّمِيمِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس { فَأَصَابَهَا إعْصَار فِيهِ نَار فَاحْتَرَقَتْ } قَالَ : هِيَ السَّمُوم الْحَارَّة . 4785 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحِمَّانِيّ , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَنْ التَّمِيمِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { إعْصَار فِيهِ نَار فَاحْتَرَقَتْ } الَّتِي تَقْتُل . 4786 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إسْحَاق , عَمَّنْ ذَكَرَهُ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : إنَّ السَّمُوم الَّتِي خُلِقَ مِنْهَا الْجَانّ جُزْء مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ النَّار . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثَنِيّ عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { إعْصَار فِيهِ نَار فَاحْتَرَقَتْ } هِيَ رِيح فِيهَا سَمُوم شَدِيد . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثِنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : { إعْصَار فِيهِ نَار } قَالَ : سَمُوم شَدِيد . 4787 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { إعْصَار فِيهِ نَار } يَقُول : أَصَابَهَا رِيح فِيهَا سَمُوم شَدِيدَة . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ , نَحْوه . 4788 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { إعْصَار فِيهِ نَار فَاحْتَرَقَتْ } أَمَا الْإِعْصَار فَالرِّيح , وَأَمَّا النَّار فَالسَّمُوم . 4789 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثِنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع : { إعْصَار فِيهِ نَار } يَقُول : رِيح فِيهَا سَمُوم شَدِيد . وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ رِيح فِيهَا بَرْد شَدِيد . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4790 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , قَالَ : كَانَ الْحَسَن يَقُول فِي قَوْله : { إعْصَار فِيهِ نَار فَاحْتَرَقَتْ } فِيهَا صِرّ وَبَرْد . 4791 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو زُهَيْر , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { إعْصَار فِيهِ نَار فَاحْتَرَقَتْ } يَعْنِي بِالْإِعْصَارِ رِيح فِيهَا بَرْد .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كَذَلِكَ يُبَيِّن اللَّه لَكُمْ الْآيَات لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } . يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : كَمَا بَيَّنَ لَكُمْ رَبّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَمْر النَّفَقَة فِي سَبِيله , وَكَيْفَ وَجَّهَهَا , وَمَا لَكُمْ وَمَا لَيْسَ لَكُمْ فِعْله فِيهَا , كَذَلِكَ يُبَيِّن لَكُمْ الْآيَات سِوَى ذَلِكَ , فَيُعَرِّفكُمْ أَحْكَامهَا وَحَلَالهَا وَحَرَامهَا , وَيُوَضِّح لَكُمْ حُجَجهَا , إنْعَامًا مِنْهُ بِذَلِكَ عَلَيْكُمْ { لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } يَقُول : لِتَتَفَكَّرُوا بِعُقُولِكُمْ فَتَتَدَبَّرُوا وَتَعْتَبِرُوا بِحُجَجِ اللَّه فِيهَا , وَتَعْمَلُوا بِمَا فِيهَا مِنْ أَحْكَامهَا , فَتُطِيعُوا اللَّه بِهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ
قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4792 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد : { لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } قَالَ : تُطِيعُونَ . 4793 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { كَذَلِكَ يُبَيِّن اللَّه لَكُمْ الْآيَات لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } يَعْنِي فِي زَوَال الدُّنْيَا وَفَنَائِهَا , وَإِقْبَال الْآخِرَة وَبَقَائِهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كَذَلِكَ يُبَيِّن اللَّه لَكُمْ الْآيَات لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } . يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : كَمَا بَيَّنَ لَكُمْ رَبّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَمْر النَّفَقَة فِي سَبِيله , وَكَيْفَ وَجَّهَهَا , وَمَا لَكُمْ وَمَا لَيْسَ لَكُمْ فِعْله فِيهَا , كَذَلِكَ يُبَيِّن لَكُمْ الْآيَات سِوَى ذَلِكَ , فَيُعَرِّفكُمْ أَحْكَامهَا وَحَلَالهَا وَحَرَامهَا , وَيُوَضِّح لَكُمْ حُجَجهَا , إنْعَامًا مِنْهُ بِذَلِكَ عَلَيْكُمْ { لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } يَقُول : لِتَتَفَكَّرُوا بِعُقُولِكُمْ فَتَتَدَبَّرُوا وَتَعْتَبِرُوا بِحُجَجِ اللَّه فِيهَا , وَتَعْمَلُوا بِمَا فِيهَا مِنْ أَحْكَامهَا , فَتُطِيعُوا اللَّه بِهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ
قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4792 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد : { لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } قَالَ : تُطِيعُونَ . 4793 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس : { كَذَلِكَ يُبَيِّن اللَّه لَكُمْ الْآيَات لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } يَعْنِي فِي زَوَال الدُّنْيَا وَفَنَائِهَا , وَإِقْبَال الْآخِرَة وَبَقَائِهَا .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَات مَا كَسَبْتُمْ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَدِّقُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله وَآيِ كِتَابه . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { أَنْفِقُوا } زَكُّوا وَتَصَدَّقُوا . كَمَا : 4794 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثِنَا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَات مَا كَسَبْتُمْ } يَقُول : تَصَدَّقُوا . الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مِنْ طَيِّبَات مَا كَسَبْتُمْ } . يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : زَكُّوا مِنْ طَيِّب مَا كَسَبْتُمْ بِتَصَرُّفِكُمْ إمَّا بِتِجَارَةٍ , وَإِمَّا بِصَنَاعَةٍ مِنْ الذَّهَب وَالْفِضَّة , وَيَعْنِي بِالطَّيِّبَاتِ : الْجِيَاد . يَقُول : زَكُّوا أَمْوَالكُمْ الَّتِي اكْتَسَبْتُمُوهَا حَلَالًا ,
وَأَعْطُوا فِي زَكَاتكُمْ الذَّهَب وَالْفِضَّة , الْجِيَاد مِنْهَا دُون الرَّدِيء . كَمَا : 4795 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , عَنْ شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد فِي هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَات مَا كَسَبْتُمْ } قَالَ : مِنْ التِّجَارَة . * - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا زَيْد بْن الْحُبَابِ , قَالَ : وَأَخْبَرَنِي شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنِي حَاتِم بْن بَكْر الضَّبِّيّ , قَالَ : ثنا وَهْب , عَنْ شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَات مَا كَسَبْتُمْ } قَالَ : التِّجَارَة الْحَلَال . 4796 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَعْقِل : { أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَات مَا كَسَبْتُمْ } قَالَ : لَيْسَ فِي مَال الْمُؤْمِن مِنْ خَبِيث , وَلَكِنْ لَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث مِنْهُ تُنْفِقُونَ . 4797 - حَدَّثَنِي عِصَام بْن رَوَّاد بْن الْجَرَّاح , قَالَ : ثِنَا أَبِي , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْهُذَلِيّ , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِين , عَنْ عُبَيْدَة , قَالَ : سَأَلْت عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ عَنْ قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَات مَا كَسَبْتُمْ } قَالَ : مِنْ الذَّهَب وَالْفِضَّة . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { مِنْ طَيِّبَات مَا كَسَبْتُمْ } قَالَ : التِّجَارَة . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 4798 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِيّ مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَات مَا كَسَبْتُمْ } يَقُول : مِنْ أَطْيَب أَمْوَالكُمْ وَأَنْفَسه . 4799 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثِنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَات مَا كَسَبْتُمْ } قَالَ : مِنْ الذَّهَب وَالْفِضَّة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْض } . يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَأَنْفِقُوا أَيْضًا مِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْض , فَتَصَدَّقُوا وَزَكُّوا مِنْ النَّخْل وَالْكَرْم وَالْحِنْطَة وَالشَّعِير , وَمَا أُوجِبَتْ فِيهِ الصَّدَقَة مِنْ نَبَات الْأَرْض . كَمَا : 4800 - حَدَّثَنِي عِصَام بْن رَوَّاد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْهُذَلِيّ , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِين , عَنْ عُبَيْدَة , قَالَ : سَأَلْت عَلِيًّا صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ عَنْ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْض } قَالَ : يَعْنِي مِنْ الْحَبّ وَالثَّمَر وَكُلّ شَيْء عَلَيْهِ زَكَاة . 4801 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد قَوْله : {
وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْض } قَالَ : النَّخْل . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِيّ حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد : { وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْض } قَالَ : مِنْ ثَمَر النَّخْل . 4802 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثِنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : ثِنَا شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَات مَا كَسَبْتُمْ } قَالَ : مِنْ التِّجَارَة , { وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْض } مِنْ الثِّمَار . 4803 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثِنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْض } قَالَ : هَذَا فِي التَّمْر وَالْحَبّ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث } وَلَا تَعَمَّدُوا وَلَا تَقْصِدُوا . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : " وَلَا تَأَمَّمُوا " , مِنْ أَمَّمْت , وَهَذِهِ مِنْ تَيَمَّمْت , وَالْمَعْنَى وَاحِد وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْأَلْفَاظ , يُقَال : تَأَمَّمْت فُلَانًا وَتَيَمَّمْته وَأَمَّمْته , بِمَعْنَى : قَصَدْته وَتَعَمَّدْته , كَمَا قَالَ مَيْمُون بْن قَيْس الْأَعْشَى : تَيَمَّمْت قَيْسًا وَكَمْ دُونه مِنْ الْأَرْض مِنْ مَهْمَهٍ ذِي شَزَنْ 4804 - وَكَمَا حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث } وَلَا تَعَمَّدُوا . 4805 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ : { وَلَا تَيَمَّمُوا } لَا تَعَمَّدُوا . * - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ قَتَادَةَ , مِثْله . الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث مِنْهُ تُنْفِقُونَ } . يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالْخَبِيثِ : الرَّدِيء غَيْر الْجَيِّد , يَقُول : لَا تَعَمَّدُوا الرَّدِيء مِنْ أَمْوَالكُمْ فِي صَدَقَاتكُمْ , فَتَصَدَّقُوا مِنْهُ , وَلَكِنْ تَصَدَّقُوا مِنْ الطَّيِّب الْجَيِّد . وَذَلِك أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي سَبَب رَجُل مِنْ الْأَنْصَار عَلَّقَ قُنْوًا مِنْ حَشَف فِي الْمَوْضِع الَّذِي كَانَ الْمُسْلِمُونَ يُعَلِّقُونَ صَدَقَة ثِمَارهمْ صَدَقَة مِنْ تَمْره . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4806 - حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن عَمْرو بْن مُحَمَّد الْعَنْقَزِيّ , قَالَ : ثِنَا أَبِي , عَنْ أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ عَدِيّ بْن ثَابِت , عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلّ { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَات مَا
كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْض } إلَى قَوْله : { وَاَللَّه غَنِيّ حَمِيد } قَالَ : نَزَلَتْ فِي الْأَنْصَار , كَانَتْ الْأَنْصَار إذَا كَانَ أَيَّام جِذَاذ النَّخْل أَخْرَجَتْ مِنْ حِيطَانهَا أَقْنَاء الْبُسْر , فَعَلَّقُوهُ عَلَى حَبْل بَيْن الْأُسطُوانتين فِي مَسْجِد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَيَأْكُل فُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ مِنْهُ , فَيَعْمِد الرَّجُل مِنْهُمْ إلَى الْحَشَف فَيُدْخِلهُ مَعَ أَقْنَاء الْبُسْر , يَظُنّ أَنَّ ذَلِكَ جَائِز , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِيمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ : { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث مِنْهُ تُنْفِقُونَ } قَالَ لَا تَيَمَّمُوا الْحَشَف مِنْهُ تُنْفِقُونَ . * - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , زَعَمَ السُّدِّيّ , عَنْ عَدِيّ بْن ثَابِت , عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب بِنَحْوِهِ , إلَّا أَنَّهُ قَالَ : فَكَانَ يَعْمِد بَعْضهمْ , فَيُدْخِل قُنْو الْحَشَف , وَيَظُنّ أَنَّهُ جَائِز عَنْهُ فِي كَثْرَة مَا يُوضَع مِنْ الْأَقْنَاء , فَنَزَلَ فِيمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ : { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث مِنْهُ تُنْفِقُونَ } الْقُنْو الَّذِي قَدْ حَشَفَ , وَلَوْ أُهْدِيَ إلَيْكُمْ مَا قَبِلْتُمُوهُ . 4807 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمِّل , قَالَ : ثِنَا سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك , عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب , قَالَ : كَانُوا يَجِيئُونَ فِي الصَّدَقَة بِأَرْدَأ تَمْرهمْ وَأَرْدَأ طَعَامهمْ , فَنَزَلَتْ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَات مَا كَسَبْتُمْ . .. } الْآيَة . 4808 - حَدَّثَنِي عِصَام بْن رَوَّاد , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْهُذَلِيّ , عَنْ ابْن سِيرِين , عَنْ عُبَيْدَة السَّلْمَانِيّ , قَالَ : سَأَلْت عَلِيًّا عَنْ قَوْل اللَّه : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَات مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْض وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث مِنْهُ تُنْفِقُونَ } قَالَ : فَقَالَ عَلِيّ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة , كَانَ الرَّجُل يَعْمِد إلَى التَّمْر فَيَصْرِمهُ , فَيَعْزِل الْجَيِّد نَاحِيَة , فَإِذَا جَاءَ صَاحِب الصَّدَقَة أَعْطَاهُ مِنْ الرَّدِيء , فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث مِنْهُ تُنْفِقُونَ } . 4809 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : ثَنِيّ عَبْد الْجَلِيل بْن حُمَيْد الْيَحْصُبِيّ , أَنَّ ابْن شِهَاب حَدَّثَهُ , قَالَ : ثني أَبُو أُمَامَةَ بْن سَهْل بْن حُنَيْفٍ فِي الْآيَة الَّتِي قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث مِنْهُ تُنْفِقُونَ } قَالَ : هُوَ الْجُعْرُور , وَلَوْن حبيق , فَنَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُؤْخَذ فِي الصَّدَقَة . 4810 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث مِنْهُ تُنْفِقُونَ } قَالَ : كَانُوا يَتَصَدَّقُونَ , يَعْنِي مِنْ النَّخْل بِحَشَفِهِ وَشِرَاره , فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ وَأُمِرُوا أَنْ يَتَصَدَّقُوا بِطَيِّبِهِ . 4811 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَات مَا كَسَبْتُمْ } إلَى قَوْله : { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه غَنِيّ حَمِيد } ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الرَّجُل كَانَ يَكُون لَهُ الْحَائِطَانِ عَلَى عَهْد نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَيَعْمِد إلَى أَرْدَئِهِمَا تَمْرًا فَيَتَصَدَّق بِهِ وَيَخْلِط فِيهِ مِنْ الْحَشَف , فَعَابَ اللَّه ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَنَهَاهُمْ عَنْهُ . 4812 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث مِنْهُ تُنْفِقُونَ } قَالَ : تَعْمِد إلَى رَذَالَةِ مَالِكَ فَتَصَّدَّق بِهِ , وَلَسْت بِآخِذِهِ إلَّا أَنْ تُغْمِض فِيهِ . 4813 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ يَزِيد بْن إبْرَاهِيم , عَنْ الْحَسَن قَالَ : كَانَ الرَّجُل يَتَصَدَّق بِرَذَالَةِ مَاله , فَنَزَلَتْ : { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث مِنْهُ تُنْفِقُونَ } . 4814 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِيّ حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن كَثِير أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهَدًا يَقُول : { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث مِنْهُ تُنْفِقُونَ } قَالَ : فِي الْأَقْنَاء الَّتِي تُعَلَّق , فَرَأَى فِيهَا حَشَفًا , فَقَالَ : " مَا هَذَا ؟ " . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : سَمِعْت عَطَاء يَقُول : عَلَّقَ إنْسَان حَشَفًا فِي الْأَقْنَاء الَّتِي تُعَلَّق بِالْمَدِينَةِ , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا هَذَا ؟ بِئْسَمَا عَلَّقَ هَذَا ! " فَنَزَلَتْ : { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث مِنْهُ تُنْفِقُونَ } . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث مِنْ الْحَرَام مِنْهُ تُنْفِقُونَ , وَتَدَّعُوا أَنْ تُنْفِقُوا الْحَلَال الطَّيِّب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4815 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : وَسَأَلْته عَنْ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث مِنْهُ تُنْفِقُونَ } قَالَ : الْخَبِيث : الْحَرَام , لَا تَتَيَمَّمْه : تُنْفِق مِنْهُ , فَإِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَا يَقْبَلهُ . وَتَأْوِيل الْآيَة : هُوَ التَّأْوِيل الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَمَّنْ حَكَيْنَا مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتِّفَاق أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ دُون الَّذِي قَالَهُ ابْن زَيْد .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ } . يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَلَسْتُمْ بِآخِذِي الْخَبِيث فِي حُقُوقكُمْ . وَالْهَاء فِي قَوْله : { بِآخِذِيهِ } مِنْ ذِكْر الْخَبِيث . { إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ } يَعْنِي إلَّا أَنْ تَتَجَافَوْا فِي أَخْذكُمْ إيَّاهُ عَنْ بَعْض الْوَاجِب لَكُمْ مِنْ حَقّكُمْ , فَتَرَخَّصُوا فِيهِ لِأَنْفُسِكُمْ , يُقَال مِنْهُ : أَغْمَضَ فُلَان لِفُلَانٍ عَنْ بَعْض حَقّه فَهُوَ يُغْمِض , وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل الطِّرِمَّاح بْن حَكِيم : لَمْ يَفُتْنَا بِالْوِتْرِ قَوْم وَلِلضَّيْ يْم رِجَال يَرْضَوْنَ بِالْإِغْمَاضِ وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَسْتُمْ بِآخِذِي الرَّدِيء مِنْ غُرَمَائِكُمْ فِي وَاجِب حُقُوقكُمْ قَبْلهمْ إلَّا عَنْ إغْمَاض مِنْكُمْ لَهُمْ فِي الْوَاجِب لَكُمْ عَلَيْهِمْ .
ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4816 - حَدَّثَنَا عِصَام بْن رَوَّاد . قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْهُذَلِيّ , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِين , عَنْ عُبَيْدَة قَالَ : سَأَلْت عَلِيًّا عَنْهُ , فَقَالَ : { وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ } يَقُول : وَلَا يَأْخُذ أَحَدكُمْ هَذَا الرَّدِيء حَتَّى يُهْضَم لَهُ . 4817 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمِّل , قَالَ : ثِنَا سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك , عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب : { وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ } يَقُول : لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُل فَأَعْطَاهُ ذَلِكَ لَمْ يَأْخُذهُ إلَّا أَنْ يَرَى أَنَّهُ قَدْ نَقَصَهُ مِنْ حَقّه . 4818 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثِنَا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ } . يَقُول : لَوْ كَانَ لَكُمْ عَلَى أَحَد حَقّ فَجَاءَكُمْ بِحَقٍّ دُون حَقّكُمْ , لَمْ تَأْخُذُوا بِحِسَابِ الْجَيِّد حَتَّى تُنْقِصُوهُ , فَذَلِك قَوْله : { إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ } فَكَيْفَ تَرْضَوْنَ لِي مَا لَا تَرْضَوْنَ لِأَنْفُسِكُمْ , وَحَقِّي عَلَيْكُمْ مِنْ أَطْيَب أَمْوَالكُمْ وَأَنْفَسهَا ؟ وَهُوَ قَوْله : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } . 3 92 4819 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ } قَالَ : لَا تَأْخُذُونَهُ مِنْ غُرَمَائِكُمْ وَلَا فِي بُيُوعكُمْ إلَّا بِزِيَادَةٍ عَلَى الطَّيِّب فِي الْكَيْل . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِيّ أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَات مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْض وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ } وَذَلِك أَنَّ رِجَالًا كَانُوا يُعْطُونَ زَكَاة أَمْوَالهمْ مِنْ التَّمْر , فَكَانُوا يُعْطُونَ الْحَشَف فِي الزَّكَاة , فَقَالَ : لَوْ كَانَ بَعْضهمْ يَطْلُب بَعْضًا ثُمَّ قَضَاهُ لَمْ يَأْخُذهُ إلَّا أَنْ يَرَى أَنَّهُ قَدْ أَغْمَضَ عَنْهُ حَقّه . 4820 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ } يَقُول : لَوْ كَانَ لَك عَلَى رَجُل دَيْن فَقَضَاك أَرْدَأ مِمَّا كَانَ لَك عَلَيْهِ هَلْ كُنْت تَأْخُذ ذَلِكَ مِنْهُ إلَّا وَأَنْت لَهُ كَارِه ؟ 4821 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثِنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَات مَا كَسَبْتُمْ } إلَى قَوْله : { إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ } قَالَ : كَانُوا حِين أَمَرَ اللَّه أَنْ يُؤَدُّوا الزَّكَاة يَجِيء الرَّجُل مِنْ الْمُنَافِقِينَ بِأَرْدَأ طَعَام لَهُ مِنْ تَمْر وَغَيْره , فَكَرِهَ اللَّه ذَلِكَ , وَقَالَ : { أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَات مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْض } يَقُول : لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ . يَقُول : لَمْ يَكُنْ رَجُل مِنْكُمْ لَهُ حَقّ عَلَى رَجُل فَيُعْطِيهِ دُون حَقّه فَيَأْخُذهُ إلَّا وَهُوَ يَعْلَم أَنَّهُ قَدْ نَقَصَهُ , فَلَا تَرْضَوْا لِي مَا لَا تَرْضَوْنَ لِأَنْفُسِكُمْ , فَيَأْخُذ شَيْئًا وَهُوَ مُغْمِض عَلَيْهِ أَنْقَص مِنْ حَقّه . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَسْتُمْ بِآخِذِي هَذَا الرَّدِيء الْخَبِيث إذَا اشْتَرَيْتُمُوهُ مِنْ أَهْله بِسِعْرِ الْجَيِّد إلَّا بِإِغْمَاضٍ مِنْهُمْ لَكُمْ فِي ثَمَنه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4822 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ عِمْرَان بْن حُدَيْر , عَنْ الْحَسَن : { وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ } قَالَ : لَوْ وَجَدْتُمُوهُ فِي السُّوق يُبَاع مَا أَخَذْتُمُوهُ حَتَّى يُهْضَم لَكُمْ مِنْ ثَمَنه . 4823 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثِنَا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ } يَقُول : لَسْتُمْ بِآخِذِي هَذَا الرَّدِيء بِسِعْرِ هَذَا الطَّيِّب إلَّا أَنْ يُغْمِض لَكُمْ فِيهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ : وَلَسْتُمْ بِآخِذِي هَذَا الرَّدِيء الْخَبِيث لَوْ أُهْدِيَ لَكُمْ إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ , فَتَأْخُذُوهُ وَأَنْتَمِ لَهُ كَارِهُونَ عَلَى اسْتِحْيَاء مِنْكُمْ مِمَّنْ أَهْدَاهُ لَكُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4824 - حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن عَمْرو بْن مُحَمَّد الْعَنْقَزِيّ , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ عَدِيّ بْن ثَابِت , عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب : { وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ } قَالَ : لَوْ أُهْدِيَ لَكُمْ مَا قَبِلْتُمُوهُ إلَّا عَلَى اسْتِحْيَاء مِنْ صَاحِبه أَنَّهُ بَعَثَ إلَيْك بِمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ حَاجَة . * - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثِنَا أَسْبَاط , قَالَ : زَعَمَ السُّدِّيّ , عَنْ عَدِيّ بْن ثَابِت , عَنْ الْبَرَاء نَحْوه , إلَّا أَنَّهُ قَالَ : إلَّا عَلَى اسْتِحْيَاء مِنْ صَاحِبه وَغَيْظًا أَنَّهُ بَعَثَ إلَيْك بِمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ حَاجَة . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَسْتُمْ بِآخِذِي هَذَا الرَّدِيء مِنْ حَقّكُمْ إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا مِنْ حَقّكُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4825 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَطَاء , عَنْ ابْن مَعْقِل : { وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ } يَقُول : وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ مِنْ حَقّ هُوَ لَكُمْ , إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ , يَقُول : أَغْمَضَ لَك مِنْ حَقّك . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَسْتُمْ بِآخِذِي الْحَرَام إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا عَلَى مَا فِيهِ مِنْ الْإِثْم عَلَيْكُمْ فِي أَخْذه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4826 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : ثِنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : وَسَأَلْته عَنْ قَوْله : { وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ } قَالَ : يَقُول : لَسْت آخِذًا ذَلِكَ الْحَرَام حَتَّى تُغْمِض عَلَى مَا فِيهِ مِنْ الْإِثْم - قَالَ : وَفِي كَلَام الْعَرَب : أَمَا وَاَللَّه لَقَدْ أَخَذَهُ وَلَقَدْ أَغْمَضَ عَلَى مَا فِيهِ - وَهُوَ يَعْلَم أَنَّهُ حَرَام بَاطِل . وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ عِنْدنَا أَنْ يُقَال : إنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ حَثَّ عِبَاده عَلَى الصَّدَقَة وَأَدَاء الزَّكَاة مِنْ أَمْوَالهمْ وَفَرَضَهَا عَلَيْهِمْ فِيهَا , فَصَارَ مَا فَرَضَ مِنْ ذَلِكَ فِي أَمْوَالهمْ حَقًّا لِأَهْلِ سُهْمَان الصَّدَقَة , ثُمَّ أَمَرَهُمْ تَعَالَى ذِكْره أَنْ يُخْرِجُوا مِنْ الطَّيِّب , وَهُوَ الْجَيِّد مِنْ أَمْوَالهمْ , الطَّيِّب , وَذَلِك أَنَّ أَهْل السُّهْمَان شُرَكَاء أَرْبَاب الْأَمْوَال فِي أَمْوَالهمْ بِمَا وَجَبَ لَهُمْ فِيهَا مِنْ الصَّدَقَة بَعْد وُجُوبهَا , فَلَا شَكّ أَنَّ كُلّ شَرِيكَيْنِ فِي مَال فَلِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا بِقَدْرِ مِلْكه , وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا مَنْع شَرِيكه مِنْ حَقّه مِنْ الْمِلْك الَّذِي هُوَ فِيهِ شَرِيكه بِإِعْطَائِهِ بِمِقْدَارِ حَقّه مِنْهُ مِنْ غَيْره , مِمَّا هُوَ أَرْدَأ مِنْهُ أَوْ أَخَسّ , فَكَذَلِك الْمُزَكِّي مَاله حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَ أَهْل السُّهْمَان مِمَّا وَجَبَ لَهُمْ فِي مَاله مِنْ الطَّيِّب الْجَيِّد مِنْ الْحَقّ , فَصَارُوا فِيهِ شُرَكَاء مِنْ الْخَبِيث الرَّدِيء غَيْره , وَيَمْنَعهُمْ مَا هُوَ لَهُمْ مِنْ حُقُوقهمْ فِي الطَّيِّب مِنْ مَاله الْجَيِّد , كَمَا لَوْ كَانَ مَال رَبّ الْمَال رَدِيئًا كُلّه غَيْر جَيِّد , فَوَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاة وَصَارَ أَهْل سُهْمَان الصَّدَقَة فِيهِ شُرَكَاء بِمَا أَوْجَبَ اللَّه لَهُمْ فِيهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيهِمْ الطَّيِّب الْجَيِّد مِنْ غَيْر مَاله الَّذِي مِنْهُ حَقّهمْ , فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِأَرْبَابِ الْأَمْوَال : زَكُّوا مِنْ جَيِّد أَمْوَالكُمْ الْجَيِّد , وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث الرَّدِيء , تُعْطُونَهُ أَهْل سُهْمَان الصَّدَقَة , وَتَمْنَعُونَهُمْ الْوَاجِب لَهُمْ مِنْ الْجَيِّد الطَّيِّب فِي أَمْوَالكُمْ , وَلَسْتُمْ بِآخِذِي الرَّدِيء لِأَنْفُسِكُمْ مَكَان الْجَيِّد الْوَاجِب لَكُمْ قَبْل مَنْ وَجَبَ لَكُمْ عَلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ شُرَكَائِكُمْ وَغُرَمَائِكُمْ وَغَيْرهمْ إلَّا عَنْ إغْمَاض مِنْكُمْ وَهَضْم لَهُمْ وَكَرَاهَة مِنْكُمْ لِأَخْذِهِ . يَقُول : وَلَا تَأْتُوا مِنْ الْفِعْل إلَى مَنْ وَجَبَ لَهُ فِي أَمْوَالكُمْ حَقّ مَا لَا تَرْضَوْنَ مِنْ غَيْركُمْ أَنْ يَأْتِيه إلَيْكُمْ فِي حُقُوقكُمْ الْوَاجِبَة لَكُمْ فِي أَمْوَالهمْ ; فَأَمَّا إذَا تَطَوَّعَ الرَّجُل بِصَدَقَةٍ غَيْر مَفْرُوضَة فَإِنِّي وَإِنْ كَرِهْت لَهُ أَنْ يُعْطِيَ فِيهَا إلَّا أَجْوَد مَاله وَأَطْيَبه ; لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَحَقّ مَنْ تُقُرِّبَ إلَيْهِ بِأَكْرَم الْأَمْوَال وَأَطْيَبهَا , وَالصَّدَقَة قُرْبَان الْمُؤْمِن , فَلَسْت أُحَرِّم عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِي فِيهَا غَيْر الْجَيِّد , لِأَنَّ مَا دُون الْجَيِّد رُبَّمَا كَانَ أَعَمّ نَفْعًا لِكَثْرَتِهِ , أَوْ لِعِظَمِ خَطَره , وَأَحْسَن مَوْقِعًا مِنْ الْمِسْكَيْنِ , وَمِمَّنْ أُعْطِيَهُ قُرْبَة إلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الْجَيِّد , لِقِلَّتِهِ أَوْ لِصِغَرِ خَطَره وَقِلَّة جَدْوَى نَفْعه عَلَى مَنْ أُعْطِيَهُ . وَبِمِثْلِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَة أَهْل الْعِلْم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4827 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي الشَّوَارِب , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ , قَالَ : ثِنَا سَلَمَة بْن عَلْقَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِين , قَالَ : سَأَلْت عُبَيْدَة عَنْ هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَات مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْض وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ } قَالَ : ذَلِكَ فِي الزَّكَاة , الدِّرْهَم الزَّائِف أَحَبّ إلَيَّ مِنْ التَّمْرَة . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثِنَا ابْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا سَلَمَة بْن عَلْقَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِين , قَالَ : سَأَلْت عُبَيْدَة عَنْ ذَلِكَ , فَقَالَ : إنَّمَا ذَلِكَ فِي الزَّكَاة , وَالدِّرْهَم الزَّائِف أَحَبّ إلَيَّ مِنْ التَّمْرَة . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن إدْرِيس , عَنْ هِشَام , عَنْ ابْن سِيرِين , قَالَ : سَأَلْت عُبَيْدَة عَنْ هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَات مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْض وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ } فَقَالَ عُبَيْدَة : إنَّمَا هَذَا فِي الْوَاجِب , وَلَا بَأْس أَنْ يَتَطَوَّع الرَّجُل بِالتَّمْرَةِ , وَالدِّرْهَم الزَّائِف خَيْر مِنْ التَّمْرَة . 4828 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثِنَا ابْن إدْرِيس , عَنْ هِشَام , عَنْ ابْن سِيرِين فِي قَوْله : { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث مِنْهُ تُنْفِقُونَ } قَالَ : إنَّمَا هَذَا فِي الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة , فَأَمَّا التَّطَوُّع فَلَا بَأْس أَنْ يَتَصَدَّق الرَّجُل بِالدِّرْهَمِ الزَّائِف , وَالدِّرْهَم الزَّائِف خَيْر مِنْ التَّمْرَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه غَنِيّ حَمِيد } . يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَاعْلَمُوا أَيّهَا النَّاس أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ غَنِيّ عَنْ صَدَقَاتكُمْ وَعَنْ غَيْرهَا , وَإِنَّمَا أَمَرَكُمْ بِهَا , وَفَرَضَهَا فِي أَمْوَالكُمْ , رَحْمَة مِنْهُ لَكُمْ لِيُغْنِيَ بِهَا عَائِلكُمْ , وَيُقَوِّيَ بِهَا ضَعِيفكُمْ , وَيُجْزِل لَكُمْ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَة مَثُوبَتكُمْ , لَا مِنْ حَاجَة بِهِ فِيهَا إلَيْكُمْ . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ
: { حَمِيد } أَنَّهُ مَحْمُود عِنْد خَلْقه بِمَا أَوْلَاهُمْ مِنْ نِعَمه , وَبَسَطَ لَهُمْ مِنْ فَضْله . كَمَا : 4829 - حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن عَمْرو بْن مُحَمَّد الْعَنْقَزِيّ , قَالَ : ثِنَا أَبِي , عَنْ أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ عَدِيّ بْن ثَابِت , عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب فِي قَوْله : { وَاَللَّه غَنِيّ حَمِيد } عَنْ صَدَقَاتكُمْ .
وَأَعْطُوا فِي زَكَاتكُمْ الذَّهَب وَالْفِضَّة , الْجِيَاد مِنْهَا دُون الرَّدِيء . كَمَا : 4795 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , عَنْ شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد فِي هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَات مَا كَسَبْتُمْ } قَالَ : مِنْ التِّجَارَة . * - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا زَيْد بْن الْحُبَابِ , قَالَ : وَأَخْبَرَنِي شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنِي حَاتِم بْن بَكْر الضَّبِّيّ , قَالَ : ثنا وَهْب , عَنْ شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا آدَم , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَات مَا كَسَبْتُمْ } قَالَ : التِّجَارَة الْحَلَال . 4796 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَعْقِل : { أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَات مَا كَسَبْتُمْ } قَالَ : لَيْسَ فِي مَال الْمُؤْمِن مِنْ خَبِيث , وَلَكِنْ لَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث مِنْهُ تُنْفِقُونَ . 4797 - حَدَّثَنِي عِصَام بْن رَوَّاد بْن الْجَرَّاح , قَالَ : ثِنَا أَبِي , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْهُذَلِيّ , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِين , عَنْ عُبَيْدَة , قَالَ : سَأَلْت عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ عَنْ قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَات مَا كَسَبْتُمْ } قَالَ : مِنْ الذَّهَب وَالْفِضَّة . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { مِنْ طَيِّبَات مَا كَسَبْتُمْ } قَالَ : التِّجَارَة . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 4798 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِيّ مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَات مَا كَسَبْتُمْ } يَقُول : مِنْ أَطْيَب أَمْوَالكُمْ وَأَنْفَسه . 4799 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثِنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَات مَا كَسَبْتُمْ } قَالَ : مِنْ الذَّهَب وَالْفِضَّة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْض } . يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَأَنْفِقُوا أَيْضًا مِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْض , فَتَصَدَّقُوا وَزَكُّوا مِنْ النَّخْل وَالْكَرْم وَالْحِنْطَة وَالشَّعِير , وَمَا أُوجِبَتْ فِيهِ الصَّدَقَة مِنْ نَبَات الْأَرْض . كَمَا : 4800 - حَدَّثَنِي عِصَام بْن رَوَّاد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْهُذَلِيّ , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِين , عَنْ عُبَيْدَة , قَالَ : سَأَلْت عَلِيًّا صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ عَنْ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْض } قَالَ : يَعْنِي مِنْ الْحَبّ وَالثَّمَر وَكُلّ شَيْء عَلَيْهِ زَكَاة . 4801 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد قَوْله : {
وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْض } قَالَ : النَّخْل . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِيّ حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد : { وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْض } قَالَ : مِنْ ثَمَر النَّخْل . 4802 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثِنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : ثِنَا شُعْبَة , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَات مَا كَسَبْتُمْ } قَالَ : مِنْ التِّجَارَة , { وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْض } مِنْ الثِّمَار . 4803 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثِنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْض } قَالَ : هَذَا فِي التَّمْر وَالْحَبّ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث } . يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث } وَلَا تَعَمَّدُوا وَلَا تَقْصِدُوا . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : " وَلَا تَأَمَّمُوا " , مِنْ أَمَّمْت , وَهَذِهِ مِنْ تَيَمَّمْت , وَالْمَعْنَى وَاحِد وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْأَلْفَاظ , يُقَال : تَأَمَّمْت فُلَانًا وَتَيَمَّمْته وَأَمَّمْته , بِمَعْنَى : قَصَدْته وَتَعَمَّدْته , كَمَا قَالَ مَيْمُون بْن قَيْس الْأَعْشَى : تَيَمَّمْت قَيْسًا وَكَمْ دُونه مِنْ الْأَرْض مِنْ مَهْمَهٍ ذِي شَزَنْ 4804 - وَكَمَا حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث } وَلَا تَعَمَّدُوا . 4805 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ : { وَلَا تَيَمَّمُوا } لَا تَعَمَّدُوا . * - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ قَتَادَةَ , مِثْله . الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث مِنْهُ تُنْفِقُونَ } . يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالْخَبِيثِ : الرَّدِيء غَيْر الْجَيِّد , يَقُول : لَا تَعَمَّدُوا الرَّدِيء مِنْ أَمْوَالكُمْ فِي صَدَقَاتكُمْ , فَتَصَدَّقُوا مِنْهُ , وَلَكِنْ تَصَدَّقُوا مِنْ الطَّيِّب الْجَيِّد . وَذَلِك أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي سَبَب رَجُل مِنْ الْأَنْصَار عَلَّقَ قُنْوًا مِنْ حَشَف فِي الْمَوْضِع الَّذِي كَانَ الْمُسْلِمُونَ يُعَلِّقُونَ صَدَقَة ثِمَارهمْ صَدَقَة مِنْ تَمْره . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4806 - حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن عَمْرو بْن مُحَمَّد الْعَنْقَزِيّ , قَالَ : ثِنَا أَبِي , عَنْ أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ عَدِيّ بْن ثَابِت , عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلّ { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَات مَا
كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْض } إلَى قَوْله : { وَاَللَّه غَنِيّ حَمِيد } قَالَ : نَزَلَتْ فِي الْأَنْصَار , كَانَتْ الْأَنْصَار إذَا كَانَ أَيَّام جِذَاذ النَّخْل أَخْرَجَتْ مِنْ حِيطَانهَا أَقْنَاء الْبُسْر , فَعَلَّقُوهُ عَلَى حَبْل بَيْن الْأُسطُوانتين فِي مَسْجِد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَيَأْكُل فُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ مِنْهُ , فَيَعْمِد الرَّجُل مِنْهُمْ إلَى الْحَشَف فَيُدْخِلهُ مَعَ أَقْنَاء الْبُسْر , يَظُنّ أَنَّ ذَلِكَ جَائِز , فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِيمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ : { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث مِنْهُ تُنْفِقُونَ } قَالَ لَا تَيَمَّمُوا الْحَشَف مِنْهُ تُنْفِقُونَ . * - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , زَعَمَ السُّدِّيّ , عَنْ عَدِيّ بْن ثَابِت , عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب بِنَحْوِهِ , إلَّا أَنَّهُ قَالَ : فَكَانَ يَعْمِد بَعْضهمْ , فَيُدْخِل قُنْو الْحَشَف , وَيَظُنّ أَنَّهُ جَائِز عَنْهُ فِي كَثْرَة مَا يُوضَع مِنْ الْأَقْنَاء , فَنَزَلَ فِيمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ : { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث مِنْهُ تُنْفِقُونَ } الْقُنْو الَّذِي قَدْ حَشَفَ , وَلَوْ أُهْدِيَ إلَيْكُمْ مَا قَبِلْتُمُوهُ . 4807 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمِّل , قَالَ : ثِنَا سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك , عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب , قَالَ : كَانُوا يَجِيئُونَ فِي الصَّدَقَة بِأَرْدَأ تَمْرهمْ وَأَرْدَأ طَعَامهمْ , فَنَزَلَتْ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَات مَا كَسَبْتُمْ . .. } الْآيَة . 4808 - حَدَّثَنِي عِصَام بْن رَوَّاد , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْهُذَلِيّ , عَنْ ابْن سِيرِين , عَنْ عُبَيْدَة السَّلْمَانِيّ , قَالَ : سَأَلْت عَلِيًّا عَنْ قَوْل اللَّه : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَات مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْض وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث مِنْهُ تُنْفِقُونَ } قَالَ : فَقَالَ عَلِيّ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة , كَانَ الرَّجُل يَعْمِد إلَى التَّمْر فَيَصْرِمهُ , فَيَعْزِل الْجَيِّد نَاحِيَة , فَإِذَا جَاءَ صَاحِب الصَّدَقَة أَعْطَاهُ مِنْ الرَّدِيء , فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث مِنْهُ تُنْفِقُونَ } . 4809 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : ثَنِيّ عَبْد الْجَلِيل بْن حُمَيْد الْيَحْصُبِيّ , أَنَّ ابْن شِهَاب حَدَّثَهُ , قَالَ : ثني أَبُو أُمَامَةَ بْن سَهْل بْن حُنَيْفٍ فِي الْآيَة الَّتِي قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث مِنْهُ تُنْفِقُونَ } قَالَ : هُوَ الْجُعْرُور , وَلَوْن حبيق , فَنَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُؤْخَذ فِي الصَّدَقَة . 4810 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث مِنْهُ تُنْفِقُونَ } قَالَ : كَانُوا يَتَصَدَّقُونَ , يَعْنِي مِنْ النَّخْل بِحَشَفِهِ وَشِرَاره , فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ وَأُمِرُوا أَنْ يَتَصَدَّقُوا بِطَيِّبِهِ . 4811 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَات مَا كَسَبْتُمْ } إلَى قَوْله : { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه غَنِيّ حَمِيد } ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الرَّجُل كَانَ يَكُون لَهُ الْحَائِطَانِ عَلَى عَهْد نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَيَعْمِد إلَى أَرْدَئِهِمَا تَمْرًا فَيَتَصَدَّق بِهِ وَيَخْلِط فِيهِ مِنْ الْحَشَف , فَعَابَ اللَّه ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَنَهَاهُمْ عَنْهُ . 4812 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث مِنْهُ تُنْفِقُونَ } قَالَ : تَعْمِد إلَى رَذَالَةِ مَالِكَ فَتَصَّدَّق بِهِ , وَلَسْت بِآخِذِهِ إلَّا أَنْ تُغْمِض فِيهِ . 4813 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ يَزِيد بْن إبْرَاهِيم , عَنْ الْحَسَن قَالَ : كَانَ الرَّجُل يَتَصَدَّق بِرَذَالَةِ مَاله , فَنَزَلَتْ : { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث مِنْهُ تُنْفِقُونَ } . 4814 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِيّ حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن كَثِير أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهَدًا يَقُول : { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث مِنْهُ تُنْفِقُونَ } قَالَ : فِي الْأَقْنَاء الَّتِي تُعَلَّق , فَرَأَى فِيهَا حَشَفًا , فَقَالَ : " مَا هَذَا ؟ " . قَالَ ابْن جُرَيْجٍ : سَمِعْت عَطَاء يَقُول : عَلَّقَ إنْسَان حَشَفًا فِي الْأَقْنَاء الَّتِي تُعَلَّق بِالْمَدِينَةِ , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا هَذَا ؟ بِئْسَمَا عَلَّقَ هَذَا ! " فَنَزَلَتْ : { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث مِنْهُ تُنْفِقُونَ } . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث مِنْ الْحَرَام مِنْهُ تُنْفِقُونَ , وَتَدَّعُوا أَنْ تُنْفِقُوا الْحَلَال الطَّيِّب . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4815 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : وَسَأَلْته عَنْ قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث مِنْهُ تُنْفِقُونَ } قَالَ : الْخَبِيث : الْحَرَام , لَا تَتَيَمَّمْه : تُنْفِق مِنْهُ , فَإِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَا يَقْبَلهُ . وَتَأْوِيل الْآيَة : هُوَ التَّأْوِيل الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَمَّنْ حَكَيْنَا مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتِّفَاق أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ دُون الَّذِي قَالَهُ ابْن زَيْد .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ } . يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَلَسْتُمْ بِآخِذِي الْخَبِيث فِي حُقُوقكُمْ . وَالْهَاء فِي قَوْله : { بِآخِذِيهِ } مِنْ ذِكْر الْخَبِيث . { إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ } يَعْنِي إلَّا أَنْ تَتَجَافَوْا فِي أَخْذكُمْ إيَّاهُ عَنْ بَعْض الْوَاجِب لَكُمْ مِنْ حَقّكُمْ , فَتَرَخَّصُوا فِيهِ لِأَنْفُسِكُمْ , يُقَال مِنْهُ : أَغْمَضَ فُلَان لِفُلَانٍ عَنْ بَعْض حَقّه فَهُوَ يُغْمِض , وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل الطِّرِمَّاح بْن حَكِيم : لَمْ يَفُتْنَا بِالْوِتْرِ قَوْم وَلِلضَّيْ يْم رِجَال يَرْضَوْنَ بِالْإِغْمَاضِ وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَسْتُمْ بِآخِذِي الرَّدِيء مِنْ غُرَمَائِكُمْ فِي وَاجِب حُقُوقكُمْ قَبْلهمْ إلَّا عَنْ إغْمَاض مِنْكُمْ لَهُمْ فِي الْوَاجِب لَكُمْ عَلَيْهِمْ .
ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4816 - حَدَّثَنَا عِصَام بْن رَوَّاد . قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر الْهُذَلِيّ , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِين , عَنْ عُبَيْدَة قَالَ : سَأَلْت عَلِيًّا عَنْهُ , فَقَالَ : { وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ } يَقُول : وَلَا يَأْخُذ أَحَدكُمْ هَذَا الرَّدِيء حَتَّى يُهْضَم لَهُ . 4817 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمِّل , قَالَ : ثِنَا سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك , عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب : { وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ } يَقُول : لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُل فَأَعْطَاهُ ذَلِكَ لَمْ يَأْخُذهُ إلَّا أَنْ يَرَى أَنَّهُ قَدْ نَقَصَهُ مِنْ حَقّه . 4818 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثِنَا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ } . يَقُول : لَوْ كَانَ لَكُمْ عَلَى أَحَد حَقّ فَجَاءَكُمْ بِحَقٍّ دُون حَقّكُمْ , لَمْ تَأْخُذُوا بِحِسَابِ الْجَيِّد حَتَّى تُنْقِصُوهُ , فَذَلِك قَوْله : { إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ } فَكَيْفَ تَرْضَوْنَ لِي مَا لَا تَرْضَوْنَ لِأَنْفُسِكُمْ , وَحَقِّي عَلَيْكُمْ مِنْ أَطْيَب أَمْوَالكُمْ وَأَنْفَسهَا ؟ وَهُوَ قَوْله : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } . 3 92 4819 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ } قَالَ : لَا تَأْخُذُونَهُ مِنْ غُرَمَائِكُمْ وَلَا فِي بُيُوعكُمْ إلَّا بِزِيَادَةٍ عَلَى الطَّيِّب فِي الْكَيْل . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِيّ أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَات مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْض وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ } وَذَلِك أَنَّ رِجَالًا كَانُوا يُعْطُونَ زَكَاة أَمْوَالهمْ مِنْ التَّمْر , فَكَانُوا يُعْطُونَ الْحَشَف فِي الزَّكَاة , فَقَالَ : لَوْ كَانَ بَعْضهمْ يَطْلُب بَعْضًا ثُمَّ قَضَاهُ لَمْ يَأْخُذهُ إلَّا أَنْ يَرَى أَنَّهُ قَدْ أَغْمَضَ عَنْهُ حَقّه . 4820 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع قَوْله : { وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ } يَقُول : لَوْ كَانَ لَك عَلَى رَجُل دَيْن فَقَضَاك أَرْدَأ مِمَّا كَانَ لَك عَلَيْهِ هَلْ كُنْت تَأْخُذ ذَلِكَ مِنْهُ إلَّا وَأَنْت لَهُ كَارِه ؟ 4821 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثِنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَات مَا كَسَبْتُمْ } إلَى قَوْله : { إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ } قَالَ : كَانُوا حِين أَمَرَ اللَّه أَنْ يُؤَدُّوا الزَّكَاة يَجِيء الرَّجُل مِنْ الْمُنَافِقِينَ بِأَرْدَأ طَعَام لَهُ مِنْ تَمْر وَغَيْره , فَكَرِهَ اللَّه ذَلِكَ , وَقَالَ : { أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَات مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْض } يَقُول : لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ . يَقُول : لَمْ يَكُنْ رَجُل مِنْكُمْ لَهُ حَقّ عَلَى رَجُل فَيُعْطِيهِ دُون حَقّه فَيَأْخُذهُ إلَّا وَهُوَ يَعْلَم أَنَّهُ قَدْ نَقَصَهُ , فَلَا تَرْضَوْا لِي مَا لَا تَرْضَوْنَ لِأَنْفُسِكُمْ , فَيَأْخُذ شَيْئًا وَهُوَ مُغْمِض عَلَيْهِ أَنْقَص مِنْ حَقّه . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَسْتُمْ بِآخِذِي هَذَا الرَّدِيء الْخَبِيث إذَا اشْتَرَيْتُمُوهُ مِنْ أَهْله بِسِعْرِ الْجَيِّد إلَّا بِإِغْمَاضٍ مِنْهُمْ لَكُمْ فِي ثَمَنه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4822 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ عِمْرَان بْن حُدَيْر , عَنْ الْحَسَن : { وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ } قَالَ : لَوْ وَجَدْتُمُوهُ فِي السُّوق يُبَاع مَا أَخَذْتُمُوهُ حَتَّى يُهْضَم لَكُمْ مِنْ ثَمَنه . 4823 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثِنَا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ } يَقُول : لَسْتُمْ بِآخِذِي هَذَا الرَّدِيء بِسِعْرِ هَذَا الطَّيِّب إلَّا أَنْ يُغْمِض لَكُمْ فِيهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ : وَلَسْتُمْ بِآخِذِي هَذَا الرَّدِيء الْخَبِيث لَوْ أُهْدِيَ لَكُمْ إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ , فَتَأْخُذُوهُ وَأَنْتَمِ لَهُ كَارِهُونَ عَلَى اسْتِحْيَاء مِنْكُمْ مِمَّنْ أَهْدَاهُ لَكُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4824 - حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن عَمْرو بْن مُحَمَّد الْعَنْقَزِيّ , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ عَدِيّ بْن ثَابِت , عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب : { وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ } قَالَ : لَوْ أُهْدِيَ لَكُمْ مَا قَبِلْتُمُوهُ إلَّا عَلَى اسْتِحْيَاء مِنْ صَاحِبه أَنَّهُ بَعَثَ إلَيْك بِمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ حَاجَة . * - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثِنَا أَسْبَاط , قَالَ : زَعَمَ السُّدِّيّ , عَنْ عَدِيّ بْن ثَابِت , عَنْ الْبَرَاء نَحْوه , إلَّا أَنَّهُ قَالَ : إلَّا عَلَى اسْتِحْيَاء مِنْ صَاحِبه وَغَيْظًا أَنَّهُ بَعَثَ إلَيْك بِمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ حَاجَة . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَسْتُمْ بِآخِذِي هَذَا الرَّدِيء مِنْ حَقّكُمْ إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا مِنْ حَقّكُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4825 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَطَاء , عَنْ ابْن مَعْقِل : { وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ } يَقُول : وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ مِنْ حَقّ هُوَ لَكُمْ , إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ , يَقُول : أَغْمَضَ لَك مِنْ حَقّك . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَسْتُمْ بِآخِذِي الْحَرَام إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا عَلَى مَا فِيهِ مِنْ الْإِثْم عَلَيْكُمْ فِي أَخْذه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4826 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : ثِنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : وَسَأَلْته عَنْ قَوْله : { وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ } قَالَ : يَقُول : لَسْت آخِذًا ذَلِكَ الْحَرَام حَتَّى تُغْمِض عَلَى مَا فِيهِ مِنْ الْإِثْم - قَالَ : وَفِي كَلَام الْعَرَب : أَمَا وَاَللَّه لَقَدْ أَخَذَهُ وَلَقَدْ أَغْمَضَ عَلَى مَا فِيهِ - وَهُوَ يَعْلَم أَنَّهُ حَرَام بَاطِل . وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ عِنْدنَا أَنْ يُقَال : إنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ حَثَّ عِبَاده عَلَى الصَّدَقَة وَأَدَاء الزَّكَاة مِنْ أَمْوَالهمْ وَفَرَضَهَا عَلَيْهِمْ فِيهَا , فَصَارَ مَا فَرَضَ مِنْ ذَلِكَ فِي أَمْوَالهمْ حَقًّا لِأَهْلِ سُهْمَان الصَّدَقَة , ثُمَّ أَمَرَهُمْ تَعَالَى ذِكْره أَنْ يُخْرِجُوا مِنْ الطَّيِّب , وَهُوَ الْجَيِّد مِنْ أَمْوَالهمْ , الطَّيِّب , وَذَلِك أَنَّ أَهْل السُّهْمَان شُرَكَاء أَرْبَاب الْأَمْوَال فِي أَمْوَالهمْ بِمَا وَجَبَ لَهُمْ فِيهَا مِنْ الصَّدَقَة بَعْد وُجُوبهَا , فَلَا شَكّ أَنَّ كُلّ شَرِيكَيْنِ فِي مَال فَلِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا بِقَدْرِ مِلْكه , وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا مَنْع شَرِيكه مِنْ حَقّه مِنْ الْمِلْك الَّذِي هُوَ فِيهِ شَرِيكه بِإِعْطَائِهِ بِمِقْدَارِ حَقّه مِنْهُ مِنْ غَيْره , مِمَّا هُوَ أَرْدَأ مِنْهُ أَوْ أَخَسّ , فَكَذَلِك الْمُزَكِّي مَاله حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَ أَهْل السُّهْمَان مِمَّا وَجَبَ لَهُمْ فِي مَاله مِنْ الطَّيِّب الْجَيِّد مِنْ الْحَقّ , فَصَارُوا فِيهِ شُرَكَاء مِنْ الْخَبِيث الرَّدِيء غَيْره , وَيَمْنَعهُمْ مَا هُوَ لَهُمْ مِنْ حُقُوقهمْ فِي الطَّيِّب مِنْ مَاله الْجَيِّد , كَمَا لَوْ كَانَ مَال رَبّ الْمَال رَدِيئًا كُلّه غَيْر جَيِّد , فَوَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاة وَصَارَ أَهْل سُهْمَان الصَّدَقَة فِيهِ شُرَكَاء بِمَا أَوْجَبَ اللَّه لَهُمْ فِيهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيهِمْ الطَّيِّب الْجَيِّد مِنْ غَيْر مَاله الَّذِي مِنْهُ حَقّهمْ , فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِأَرْبَابِ الْأَمْوَال : زَكُّوا مِنْ جَيِّد أَمْوَالكُمْ الْجَيِّد , وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث الرَّدِيء , تُعْطُونَهُ أَهْل سُهْمَان الصَّدَقَة , وَتَمْنَعُونَهُمْ الْوَاجِب لَهُمْ مِنْ الْجَيِّد الطَّيِّب فِي أَمْوَالكُمْ , وَلَسْتُمْ بِآخِذِي الرَّدِيء لِأَنْفُسِكُمْ مَكَان الْجَيِّد الْوَاجِب لَكُمْ قَبْل مَنْ وَجَبَ لَكُمْ عَلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ شُرَكَائِكُمْ وَغُرَمَائِكُمْ وَغَيْرهمْ إلَّا عَنْ إغْمَاض مِنْكُمْ وَهَضْم لَهُمْ وَكَرَاهَة مِنْكُمْ لِأَخْذِهِ . يَقُول : وَلَا تَأْتُوا مِنْ الْفِعْل إلَى مَنْ وَجَبَ لَهُ فِي أَمْوَالكُمْ حَقّ مَا لَا تَرْضَوْنَ مِنْ غَيْركُمْ أَنْ يَأْتِيه إلَيْكُمْ فِي حُقُوقكُمْ الْوَاجِبَة لَكُمْ فِي أَمْوَالهمْ ; فَأَمَّا إذَا تَطَوَّعَ الرَّجُل بِصَدَقَةٍ غَيْر مَفْرُوضَة فَإِنِّي وَإِنْ كَرِهْت لَهُ أَنْ يُعْطِيَ فِيهَا إلَّا أَجْوَد مَاله وَأَطْيَبه ; لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَحَقّ مَنْ تُقُرِّبَ إلَيْهِ بِأَكْرَم الْأَمْوَال وَأَطْيَبهَا , وَالصَّدَقَة قُرْبَان الْمُؤْمِن , فَلَسْت أُحَرِّم عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِي فِيهَا غَيْر الْجَيِّد , لِأَنَّ مَا دُون الْجَيِّد رُبَّمَا كَانَ أَعَمّ نَفْعًا لِكَثْرَتِهِ , أَوْ لِعِظَمِ خَطَره , وَأَحْسَن مَوْقِعًا مِنْ الْمِسْكَيْنِ , وَمِمَّنْ أُعْطِيَهُ قُرْبَة إلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الْجَيِّد , لِقِلَّتِهِ أَوْ لِصِغَرِ خَطَره وَقِلَّة جَدْوَى نَفْعه عَلَى مَنْ أُعْطِيَهُ . وَبِمِثْلِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَة أَهْل الْعِلْم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4827 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي الشَّوَارِب , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ , قَالَ : ثِنَا سَلَمَة بْن عَلْقَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِين , قَالَ : سَأَلْت عُبَيْدَة عَنْ هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَات مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْض وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ } قَالَ : ذَلِكَ فِي الزَّكَاة , الدِّرْهَم الزَّائِف أَحَبّ إلَيَّ مِنْ التَّمْرَة . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثِنَا ابْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا سَلَمَة بْن عَلْقَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِين , قَالَ : سَأَلْت عُبَيْدَة عَنْ ذَلِكَ , فَقَالَ : إنَّمَا ذَلِكَ فِي الزَّكَاة , وَالدِّرْهَم الزَّائِف أَحَبّ إلَيَّ مِنْ التَّمْرَة . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن إدْرِيس , عَنْ هِشَام , عَنْ ابْن سِيرِين , قَالَ : سَأَلْت عُبَيْدَة عَنْ هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَات مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْض وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ } فَقَالَ عُبَيْدَة : إنَّمَا هَذَا فِي الْوَاجِب , وَلَا بَأْس أَنْ يَتَطَوَّع الرَّجُل بِالتَّمْرَةِ , وَالدِّرْهَم الزَّائِف خَيْر مِنْ التَّمْرَة . 4828 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثِنَا ابْن إدْرِيس , عَنْ هِشَام , عَنْ ابْن سِيرِين فِي قَوْله : { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيث مِنْهُ تُنْفِقُونَ } قَالَ : إنَّمَا هَذَا فِي الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة , فَأَمَّا التَّطَوُّع فَلَا بَأْس أَنْ يَتَصَدَّق الرَّجُل بِالدِّرْهَمِ الزَّائِف , وَالدِّرْهَم الزَّائِف خَيْر مِنْ التَّمْرَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه غَنِيّ حَمِيد } . يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَاعْلَمُوا أَيّهَا النَّاس أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ غَنِيّ عَنْ صَدَقَاتكُمْ وَعَنْ غَيْرهَا , وَإِنَّمَا أَمَرَكُمْ بِهَا , وَفَرَضَهَا فِي أَمْوَالكُمْ , رَحْمَة مِنْهُ لَكُمْ لِيُغْنِيَ بِهَا عَائِلكُمْ , وَيُقَوِّيَ بِهَا ضَعِيفكُمْ , وَيُجْزِل لَكُمْ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَة مَثُوبَتكُمْ , لَا مِنْ حَاجَة بِهِ فِيهَا إلَيْكُمْ . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ
: { حَمِيد } أَنَّهُ مَحْمُود عِنْد خَلْقه بِمَا أَوْلَاهُمْ مِنْ نِعَمه , وَبَسَطَ لَهُمْ مِنْ فَضْله . كَمَا : 4829 - حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن عَمْرو بْن مُحَمَّد الْعَنْقَزِيّ , قَالَ : ثِنَا أَبِي , عَنْ أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ عَدِيّ بْن ثَابِت , عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب فِي قَوْله : { وَاَللَّه غَنِيّ حَمِيد } عَنْ صَدَقَاتكُمْ .
الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الشَّيْطَان يَعِدكُمْ الْفَقْر وَيَأْمُركُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاَللَّه يَعِدكُمْ مَغْفِرَة مِنْهُ وَفَضْلًا } يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْره : الشَّيْطَان يَعِدكُمْ أَيّهَا النَّاس - بِالصَّدَقَةِ وَأَدَائِكُمْ الزَّكَاة الْوَاجِبَة عَلَيْكُمْ فِي أَمْوَالكُمْ - أَنْ تَفْتَقِرُوا , { وَيَأْمُركُمْ بِالْفَحْشَاءِ } يَعْنِي : وَيَأْمُركُمْ بِمَعَاصِي اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , وَتَرْك طَاعَته { وَاَللَّه يَعِدكُمْ مَغْفِرَة مِنْهُ } يَعْنِي أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَعِدكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ , أَنْ يَسْتُر عَلَيْكُمْ فَحْشَاءَكُمْ بِصَفْحِهِ لَكُمْ عَنْ عُقُوبَتكُمْ عَلَيْهَا , فَيَغْفِر لَكُمْ ذُنُوبكُمْ بِالصَّدَقَةِ الَّتِي تَتَصَدَّقُونَ . { وَفَضْلًا } يَعْنِي : وَيَعِدكُمْ أَنْ يُخْلِف عَلَيْكُمْ مِنْ صَدَقَتكُمْ , فَيَتَفَضَّل عَلَيْكُمْ مِنْ عَطَايَاهُ وَيُسْبِغ عَلَيْكُمْ فِي أَرْزَاقكُمْ . كَمَا : 4830 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثِنَا الْحُسَيْن بْن وَاقِد , عَنْ يَزِيد النَّحْوِيّ , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَالَ : اثْنَانِ مِنْ اللَّه , وَاثْنَانِ مِنْ الشَّيْطَان , الشَّيْطَان يَعِدكُمْ الْفَقْر يَقُول : لَا تُنْفِقْ مَالَك , وَأَمْسِكْهُ عَلَيْك , فَإِنَّك تَحْتَاج إلَيْهِ , وَيَأْمُركُمْ بِالْفَحْشَاءِ ; وَاَللَّه يَعِدكُمْ مَغْفِرَة مِنْهُ عَلَى هَذِهِ الْمَعَاصِي وَفَضْلًا فِي الرِّزْق . 4831 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثِنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { الشَّيْطَان يَعِدكُمْ الْفَقْر وَيَأْمُركُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاَللَّه يَعِدكُمْ
مَغْفِرَة مِنْهُ وَفَضْلًا } يَقُول : مَغْفِرَة لِفَحْشَائِكُمْ , وَفَضْلًا لِفَقْرِكُمْ . 4832 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثِنَا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ مُرَّة , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً مِنْ ابْن آدَم وَلِلْمَلَكِ لَمَّة : فَأَمَّا لَمَّة الشَّيْطَان : فَإِيعَاد بِالشَّرِّ , وَتَكْذِيب بِالْحَقِّ ; وَأَمَّا لَمَّة الْمَلَك : فَإِيعَاد بِالْخَيْرِ , وَتَصْدِيق بِالْحَقِّ . فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ اللَّه وَلْيَحْمَدْ اللَّه , وَمَنْ وَجَدَ الْأُخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان " , ثُمَّ قَرَأَ { الشَّيْطَان يَعِدكُمْ الْفَقْر وَيَأْمُركُمْ بِالْفَحْشَاءِ } . 4833 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الْحَكِيم بْن بَشِير بْن سُلَيْمَان , قَالَ : ثِنَا عَمْرو , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ مُرَّة , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : إنَّ لِلْإِنْسَانِ مِنْ الْمَلَك لَمَّة , وَمِنْ الشَّيْطَان لَمَّة ; فَاللَّمَّة مِنْ الْمَلَك : إيعَاد بِالْخَيْرِ , وَتَصْدِيق بِالْحَقِّ , وَاللَّمَّة مِنْ الشَّيْطَان : إيعَاد بِالشَّرِّ , وَتَكْذِيب بِالْحَقِّ . وَتَلَا عَبْد اللَّه : { الشَّيْطَان يَعِدكُمْ الْفَقْر وَيَأْمُركُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاَللَّه يَعِدكُمْ مَغْفِرَة مِنْهُ وَفَضْلًا } . قَالَ عَمْرو : وَسَمِعْنَا فِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّهُ كَانَ يُقَال : إذَا أَحَسَّ أَحَدكُمْ مِنْ لَمَّة الْمَلَك شَيْئًا فَلْيَحْمَدْ اللَّه , وَلْيَسْأَلْهُ مِنْ فَضْله , وَإِذَا أَحَسَّ مِنْ لَمَّة الشَّيْطَان شَيْئًا , فَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّه وَلْيَتَعَوَّذْ مِنْ الشَّيْطَان . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثِنَا ابْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ أَبِي الْأَحْوَص , أَوْ عَنْ مُرَّة , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه : أَلَا إنَّ لِلْمَلَكِ لَمَّة , وَلِلشَّيْطَانِ لَمَّة ; فَلَمَّة الْمَلَك : إيعَاد بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيق بِالْحَقِّ , وَلَمَّة الشَّيْطَان إيعَاد بِالشَّرِّ وَتَكْذِيب بِالْحَقِّ ; وَذَلِكُمْ بِأَنَّ اللَّه يَقُول : { الشَّيْطَان يَعِدكُمْ الْفَقْر وَيَأْمُركُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاَللَّه يَعِدكُمْ مَغْفِرَة مِنْهُ وَفَضْلًا وَاَللَّه وَاسِع عَلِيم } فَإِذَا وَجَدْتُمْ مِنْ هَذِهِ شَيْئًا فَاحْمَدُوا اللَّه عَلَيْهِ , وَإِذَا وَجَدْتُمْ مِنْ هَذِهِ شَيْئًا فَتَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن عُتْبَةَ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود فِي قَوْله : { الشَّيْطَان يَعِدكُمْ الْفَقْر وَيَأْمُركُمْ بِالْفَحْشَاءِ } قَالَ : إنَّ لِلْمَلَكِ لَمَّة , وَلِلشَّيْطَانِ لَمَّة ; فَلَمَّة الْمَلَك ; إيعَاد بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيق بِالْحَقِّ , فَمَنْ وَجَدَهَا فَلْيَحْمَدْ اللَّه ; وَلَمَّة الشَّيْطَان : إيعَاد بِالشَّرِّ وَتَكْذِيب بِالْحَقِّ , فَمَنْ وَجَدَهَا فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا حَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثِنَا حَمَّاد بْن سَلَمَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ أَنَّ ابْن مَسْعُود قَالَ : إنَّ لِلْمَلَكِ لَمَّة , وَلِلشَّيْطَانِ لَمَّة ; فَلَمَّة الْمَلَك : إيعَاد بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيق بِالْحَقِّ , وَلَمَّة الشَّيْطَان : إيعَاد بِالشَّرِّ وَتَكْذِيب بِالْحَقِّ . فَمَنْ أَحَسَّ مِنْ لَمَّة الْمَلَك شَيْئًا فَلْيَحْمَدْ اللَّه عَلَيْهِ , وَمَنْ أَحَسَّ مِنْ لَمَّة الشَّيْطَان شَيْئًا فَلْيَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْهُ . ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَة : { الشَّيْطَان يَعِدكُمْ الْفَقْر وَيَأْمُركُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاَللَّه يَعِدكُمْ مَغْفِرَة مِنْهُ وَفَضْلًا وَاَللَّه وَاسِع عَلِيم } . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ فِطْر , عَنْ الْمُسَيِّب بْن رَافِع , عَنْ عَامِر بْن عَبْدَة , عَنْ عَبْد اللَّه , بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثِنَا جَرِير , عَنْ عَطَاء , عَنْ مُرَّة بْن شَرَاحِيلَ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , قَالَ : إنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّة , وَلِلْمَلَكِ لَمَّة , فَأَمَّا لَمَّة الشَّيْطَان فَتَكْذِيب بِالْحَقِّ وَإِيعَاد بِالشَّرِّ . وَأَمَّا لَمَّة الْمَلَك : فَإِيعَاد بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيق بِالْحَقِّ . فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ اللَّه وَلْيَحْمَدْ اللَّه عَلَيْهِ . وَمَنْ وَجَدَ الْأُخْرَى فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ الشَّيْطَان . ثُمَّ قَرَأَ : { الشَّيْطَان يَعِدكُمْ الْفَقْر وَيَأْمُركُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاَللَّه يَعُدْكُمْ مَغْفِرَة مِنْهُ وَفَضْلًا } .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَللَّه وَاسِع عَلِيم } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : وَاَللَّه وَاسِع الْفَضْل الَّذِي يَعِدكُمْ أَنْ يُعْطِيكُمُوهُ مِنْ فَضْله وَسَعَة خَزَائِنه , عَلِيم بِنَفَقَاتِكُمْ وَصَدَقَاتكُمْ الَّتِي تُنْفِقُونَ وَتَصَدَّقُونِ بِهَا , يُحْصِيهَا لَكُمْ حَتَّى
يُجَازِيَكُمْ بِهَا عِنْد مَقْدَمكُمْ عَلَيْهِ فِي آخِرَتكُمْ .
مَغْفِرَة مِنْهُ وَفَضْلًا } يَقُول : مَغْفِرَة لِفَحْشَائِكُمْ , وَفَضْلًا لِفَقْرِكُمْ . 4832 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثِنَا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ مُرَّة , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً مِنْ ابْن آدَم وَلِلْمَلَكِ لَمَّة : فَأَمَّا لَمَّة الشَّيْطَان : فَإِيعَاد بِالشَّرِّ , وَتَكْذِيب بِالْحَقِّ ; وَأَمَّا لَمَّة الْمَلَك : فَإِيعَاد بِالْخَيْرِ , وَتَصْدِيق بِالْحَقِّ . فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ اللَّه وَلْيَحْمَدْ اللَّه , وَمَنْ وَجَدَ الْأُخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان " , ثُمَّ قَرَأَ { الشَّيْطَان يَعِدكُمْ الْفَقْر وَيَأْمُركُمْ بِالْفَحْشَاءِ } . 4833 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الْحَكِيم بْن بَشِير بْن سُلَيْمَان , قَالَ : ثِنَا عَمْرو , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ مُرَّة , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : إنَّ لِلْإِنْسَانِ مِنْ الْمَلَك لَمَّة , وَمِنْ الشَّيْطَان لَمَّة ; فَاللَّمَّة مِنْ الْمَلَك : إيعَاد بِالْخَيْرِ , وَتَصْدِيق بِالْحَقِّ , وَاللَّمَّة مِنْ الشَّيْطَان : إيعَاد بِالشَّرِّ , وَتَكْذِيب بِالْحَقِّ . وَتَلَا عَبْد اللَّه : { الشَّيْطَان يَعِدكُمْ الْفَقْر وَيَأْمُركُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاَللَّه يَعِدكُمْ مَغْفِرَة مِنْهُ وَفَضْلًا } . قَالَ عَمْرو : وَسَمِعْنَا فِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّهُ كَانَ يُقَال : إذَا أَحَسَّ أَحَدكُمْ مِنْ لَمَّة الْمَلَك شَيْئًا فَلْيَحْمَدْ اللَّه , وَلْيَسْأَلْهُ مِنْ فَضْله , وَإِذَا أَحَسَّ مِنْ لَمَّة الشَّيْطَان شَيْئًا , فَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّه وَلْيَتَعَوَّذْ مِنْ الشَّيْطَان . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثِنَا ابْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ أَبِي الْأَحْوَص , أَوْ عَنْ مُرَّة , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه : أَلَا إنَّ لِلْمَلَكِ لَمَّة , وَلِلشَّيْطَانِ لَمَّة ; فَلَمَّة الْمَلَك : إيعَاد بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيق بِالْحَقِّ , وَلَمَّة الشَّيْطَان إيعَاد بِالشَّرِّ وَتَكْذِيب بِالْحَقِّ ; وَذَلِكُمْ بِأَنَّ اللَّه يَقُول : { الشَّيْطَان يَعِدكُمْ الْفَقْر وَيَأْمُركُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاَللَّه يَعِدكُمْ مَغْفِرَة مِنْهُ وَفَضْلًا وَاَللَّه وَاسِع عَلِيم } فَإِذَا وَجَدْتُمْ مِنْ هَذِهِ شَيْئًا فَاحْمَدُوا اللَّه عَلَيْهِ , وَإِذَا وَجَدْتُمْ مِنْ هَذِهِ شَيْئًا فَتَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن عُتْبَةَ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود فِي قَوْله : { الشَّيْطَان يَعِدكُمْ الْفَقْر وَيَأْمُركُمْ بِالْفَحْشَاءِ } قَالَ : إنَّ لِلْمَلَكِ لَمَّة , وَلِلشَّيْطَانِ لَمَّة ; فَلَمَّة الْمَلَك ; إيعَاد بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيق بِالْحَقِّ , فَمَنْ وَجَدَهَا فَلْيَحْمَدْ اللَّه ; وَلَمَّة الشَّيْطَان : إيعَاد بِالشَّرِّ وَتَكْذِيب بِالْحَقِّ , فَمَنْ وَجَدَهَا فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا حَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثِنَا حَمَّاد بْن سَلَمَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ أَنَّ ابْن مَسْعُود قَالَ : إنَّ لِلْمَلَكِ لَمَّة , وَلِلشَّيْطَانِ لَمَّة ; فَلَمَّة الْمَلَك : إيعَاد بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيق بِالْحَقِّ , وَلَمَّة الشَّيْطَان : إيعَاد بِالشَّرِّ وَتَكْذِيب بِالْحَقِّ . فَمَنْ أَحَسَّ مِنْ لَمَّة الْمَلَك شَيْئًا فَلْيَحْمَدْ اللَّه عَلَيْهِ , وَمَنْ أَحَسَّ مِنْ لَمَّة الشَّيْطَان شَيْئًا فَلْيَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْهُ . ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَة : { الشَّيْطَان يَعِدكُمْ الْفَقْر وَيَأْمُركُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاَللَّه يَعِدكُمْ مَغْفِرَة مِنْهُ وَفَضْلًا وَاَللَّه وَاسِع عَلِيم } . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا سُوَيْد بْن نَصْر , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن الْمُبَارَك , عَنْ فِطْر , عَنْ الْمُسَيِّب بْن رَافِع , عَنْ عَامِر بْن عَبْدَة , عَنْ عَبْد اللَّه , بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثِنَا جَرِير , عَنْ عَطَاء , عَنْ مُرَّة بْن شَرَاحِيلَ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , قَالَ : إنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّة , وَلِلْمَلَكِ لَمَّة , فَأَمَّا لَمَّة الشَّيْطَان فَتَكْذِيب بِالْحَقِّ وَإِيعَاد بِالشَّرِّ . وَأَمَّا لَمَّة الْمَلَك : فَإِيعَاد بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيق بِالْحَقِّ . فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ اللَّه وَلْيَحْمَدْ اللَّه عَلَيْهِ . وَمَنْ وَجَدَ الْأُخْرَى فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ الشَّيْطَان . ثُمَّ قَرَأَ : { الشَّيْطَان يَعِدكُمْ الْفَقْر وَيَأْمُركُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاَللَّه يَعُدْكُمْ مَغْفِرَة مِنْهُ وَفَضْلًا } .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَللَّه وَاسِع عَلِيم } . يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : وَاَللَّه وَاسِع الْفَضْل الَّذِي يَعِدكُمْ أَنْ يُعْطِيكُمُوهُ مِنْ فَضْله وَسَعَة خَزَائِنه , عَلِيم بِنَفَقَاتِكُمْ وَصَدَقَاتكُمْ الَّتِي تُنْفِقُونَ وَتَصَدَّقُونِ بِهَا , يُحْصِيهَا لَكُمْ حَتَّى
يُجَازِيَكُمْ بِهَا عِنْد مَقْدَمكُمْ عَلَيْهِ فِي آخِرَتكُمْ .
يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يُؤْتِي الْحِكْمَة مَنْ يَشَاء وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَة فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : يُؤْتِي اللَّه الْإِصَابَة فِي الْقَوْل وَالْفِعْل مَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده , وَمَنْ يُؤْتَ الْإِصَابَة فِي ذَلِكَ مِنْهُمْ , فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : الْحِكْمَة الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه فِي هَذَا الْمَوْضِع هِيَ الْقُرْآن وَالْفِقْه بِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4834 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَة فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا } يَعْنِي الْمَعْرِفَة بِالْقُرْآنِ , نَاسِخه وَمَنْسُوخه , وَمُحْكَمه وَمُتَشَابِهه , وَمُقَدَّمه وَمُؤَخَّره , وَحَلَاله وَحَرَامه , وَأَمْثَاله . 4835 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله : { يُؤْتِي الْحِكْمَة مَنْ يَشَاء } قَالَ : الْحِكْمَة : الْقُرْآن , وَالْفِقْه فِي الْقُرْآن . * - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { يُؤْتِي الْحِكْمَة مَنْ يَشَاء وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَة فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا } وَالْحِكْمَة : الْفِقْه فِي الْقُرْآن . 4836 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الْهِلَالِيّ , قَالَ : ثِنَا مُسْلِم بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا مَهْدِيّ بْن مَيْمُون , قَالَ : ثنا شُعَيْب بْن الْحَبْحَاب , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَة فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا } قَالَ : الْكِتَاب وَالْفَهْم فِيهِ . 4837 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد قَوْله : { يُؤْتِي الْحِكْمَة مَنْ يَشَاء . .. } الْآيَة , قَالَ : لَيْسَتْ بِالنُّبُوَّةِ , وَلَكِنَّهُ الْقُرْآن وَالْعِلْم وَالْفِقْه . 4838 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِيّ حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ : قَالَ ابْن عَبَّاس : الْفِقْه فِي الْقُرْآن . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى الْحِكْمَة : الْإِصَابَة فِي الْقَوْل وَالْفِعْل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4839 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثِنَا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , قَالَ : سَمِعْت مُجَاهَدًا قَالَ : { وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَة } قَالَ : الْإِصَابَة . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { يُؤْتِي الْحِكْمَة مَنْ
يَشَاء } قَالَ : يُؤْتِي إصَابَته مَنْ يَشَاء . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثِنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { يُؤْتِي الْحِكْمَة مَنْ يَشَاء } قَالَ : الْكِتَاب , يُؤْتِي إصَابَته . وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ الْعِلْم بِالدِّينِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4840 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { يُؤْتِي الْحِكْمَة مَنْ يَشَاء } الْعَقْل فِي الدِّين , وَقَرَأَ : { وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَة فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا } . 4841 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : الْحِكْمَة : الْعَقْل . 4842 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قُلْت لِمَالِك : وَمَا الْحِكْمَة ؟ قَالَ : الْمَعْرِفَة بِالدِّينِ , وَالْفِقْه فِيهِ , وَالِاتِّبَاع لَهُ . وَقَالَ آخَرُونَ : الْحِكْمَة : الْفَهْم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4843 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي حَمْزَة , عَنْ إبْرَاهِيم , قَالَ : الْحِكْمَة : هِيَ الْفَهْم . وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ الْخَشْيَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4844 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثِنَا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { يُؤْتِي الْحِكْمَة مَنْ يَشَاء وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَة . .. } الْآيَة , قَالَ : الْحِكْمَة : الْخَشْيَة , لِأَنَّ رَأْس كُلّ شَيْء خَشْيَة اللَّه , وَقَرَأَ : { إنَّمَا يَخْشَى اللَّه مِنْ عِبَاده الْعُلَمَاء } . 35 28 وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ النُّبُوَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4845 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ قَوْله : { يُؤْتِي الْحِكْمَة مَنْ يَشَاء وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَة . .. } الْآيَة . قَالَ : الْحِكْمَة : هِيَ النُّبُوَّة . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مَعْنَى الْحِكْمَة , وَأَنَّهَا مَأْخُوذَة مِنْ الْحُكْم وَفَصْل الْقَضَاء , وَأَنَّهَا الْإِصَابَة بِمَا دَلَّ عَلَى صِحَّته , فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ تَكْرِيره فِي هَذَا الْمَوْضِع . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ مَعْنَاهُ , كَانَ جَمِيع الْأَقْوَال الَّتِي قَالَهَا الْقَائِلُونَ الَّذِينَ ذَكَرْنَا قَوْلهمْ فِي ذَلِكَ دَاخِلًا فِيمَا قُلْنَا مِنْ ذَلِكَ , لِأَنَّ الْإِصَابَة فِي الْأُمُور إنَّمَا تَكُون عَنْ فَهُمْ بِهَا وَعِلْم وَمَعْرِفَة . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ الْمُصِيب عَنْ فَهُمْ مِنْهُ بِمَوَاضِع الصَّوَاب فِي أُمُوره فَاهِمًا خَاشِيًا لِلَّهِ فَقِيهًا عَالِمًا , وَكَانَتْ النُّبُوَّة مِنْ أَقْسَامه , لِأَنَّ الْأَنْبِيَاء مُسَدَّدُونَ مُفَهَّمُونَ , وَمُوَفَّقُونَ لِإِصَابَةِ الصَّوَاب فِي بَعْض الْأُمُور , وَالنُّبُوَّة بَعْض مَعَانِي الْحِكْمَة . فَتَأْوِيل الْكَلَام : يُؤْتِي اللَّه إصَابَة الصَّوَاب فِي الْقَوْل وَالْفِعْل مَنْ يَشَاء , وَمَنْ يُؤْتِهِ اللَّه ذَلِكَ فَقَدْ آتَاهُ خَيْرًا كَثِيرًا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا يَذَّكَّر إلَّا
أَوُلُوا الْأَلْبَاب } . يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَمَا يَتَّعِظ بِمَا وَعَظَ بِهِ رَبّه فِي هَذِهِ الْآيَات الَّتِي وَعَظَ فِيهَا الْمُنْفِقِينَ أَمْوَالهمْ بِمَا وَعَظَ بِهِ غَيْرهمْ فِيهَا , وَفِي غَيْرهَا مِنْ آيِ كِتَابه , فَيَذْكُر وَعْده وَوَعِيده فِيهَا , فَيَنْزَجِر عَمَّا زَجَرَهُ عَنْهُ رَبّه , وَيُطِيعهُ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ , { إلَّا أَوُلُوا الْأَلْبَاب } , يَعْنِي : إلَّا أَوُلُوا الْعُقُول الَّذِينَ عَقَلُوا عَنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَمْره وَنَهْيه . فَأَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ الْمَوَاعِظ غَيْر نَافِعَة إلَّا أُولِي الْحِجَا وَالْحُلُوم , وَأَنَّ الذِّكْرَى غَيْر نَاهِيَة إلَّا أَهْل النُّهَى وَالْعُقُول .
يَشَاء } قَالَ : يُؤْتِي إصَابَته مَنْ يَشَاء . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثِنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { يُؤْتِي الْحِكْمَة مَنْ يَشَاء } قَالَ : الْكِتَاب , يُؤْتِي إصَابَته . وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ الْعِلْم بِالدِّينِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4840 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : { يُؤْتِي الْحِكْمَة مَنْ يَشَاء } الْعَقْل فِي الدِّين , وَقَرَأَ : { وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَة فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا } . 4841 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد : الْحِكْمَة : الْعَقْل . 4842 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قُلْت لِمَالِك : وَمَا الْحِكْمَة ؟ قَالَ : الْمَعْرِفَة بِالدِّينِ , وَالْفِقْه فِيهِ , وَالِاتِّبَاع لَهُ . وَقَالَ آخَرُونَ : الْحِكْمَة : الْفَهْم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4843 - حَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي حَمْزَة , عَنْ إبْرَاهِيم , قَالَ : الْحِكْمَة : هِيَ الْفَهْم . وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ الْخَشْيَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4844 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثِنَا إسْحَاق , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله : { يُؤْتِي الْحِكْمَة مَنْ يَشَاء وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَة . .. } الْآيَة , قَالَ : الْحِكْمَة : الْخَشْيَة , لِأَنَّ رَأْس كُلّ شَيْء خَشْيَة اللَّه , وَقَرَأَ : { إنَّمَا يَخْشَى اللَّه مِنْ عِبَاده الْعُلَمَاء } . 35 28 وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ النُّبُوَّة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 4845 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ قَوْله : { يُؤْتِي الْحِكْمَة مَنْ يَشَاء وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَة . .. } الْآيَة . قَالَ : الْحِكْمَة : هِيَ النُّبُوَّة . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مَعْنَى الْحِكْمَة , وَأَنَّهَا مَأْخُوذَة مِنْ الْحُكْم وَفَصْل الْقَضَاء , وَأَنَّهَا الْإِصَابَة بِمَا دَلَّ عَلَى صِحَّته , فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ تَكْرِيره فِي هَذَا الْمَوْضِع . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ مَعْنَاهُ , كَانَ جَمِيع الْأَقْوَال الَّتِي قَالَهَا الْقَائِلُونَ الَّذِينَ ذَكَرْنَا قَوْلهمْ فِي ذَلِكَ دَاخِلًا فِيمَا قُلْنَا مِنْ ذَلِكَ , لِأَنَّ الْإِصَابَة فِي الْأُمُور إنَّمَا تَكُون عَنْ فَهُمْ بِهَا وَعِلْم وَمَعْرِفَة . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ الْمُصِيب عَنْ فَهُمْ مِنْهُ بِمَوَاضِع الصَّوَاب فِي أُمُوره فَاهِمًا خَاشِيًا لِلَّهِ فَقِيهًا عَالِمًا , وَكَانَتْ النُّبُوَّة مِنْ أَقْسَامه , لِأَنَّ الْأَنْبِيَاء مُسَدَّدُونَ مُفَهَّمُونَ , وَمُوَفَّقُونَ لِإِصَابَةِ الصَّوَاب فِي بَعْض الْأُمُور , وَالنُّبُوَّة بَعْض مَعَانِي الْحِكْمَة . فَتَأْوِيل الْكَلَام : يُؤْتِي اللَّه إصَابَة الصَّوَاب فِي الْقَوْل وَالْفِعْل مَنْ يَشَاء , وَمَنْ يُؤْتِهِ اللَّه ذَلِكَ فَقَدْ آتَاهُ خَيْرًا كَثِيرًا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا يَذَّكَّر إلَّا
أَوُلُوا الْأَلْبَاب } . يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَمَا يَتَّعِظ بِمَا وَعَظَ بِهِ رَبّه فِي هَذِهِ الْآيَات الَّتِي وَعَظَ فِيهَا الْمُنْفِقِينَ أَمْوَالهمْ بِمَا وَعَظَ بِهِ غَيْرهمْ فِيهَا , وَفِي غَيْرهَا مِنْ آيِ كِتَابه , فَيَذْكُر وَعْده وَوَعِيده فِيهَا , فَيَنْزَجِر عَمَّا زَجَرَهُ عَنْهُ رَبّه , وَيُطِيعهُ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ , { إلَّا أَوُلُوا الْأَلْبَاب } , يَعْنِي : إلَّا أَوُلُوا الْعُقُول الَّذِينَ عَقَلُوا عَنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَمْره وَنَهْيه . فَأَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ الْمَوَاعِظ غَيْر نَافِعَة إلَّا أُولِي الْحِجَا وَالْحُلُوم , وَأَنَّ الذِّكْرَى غَيْر نَاهِيَة إلَّا أَهْل النُّهَى وَالْعُقُول .
وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ↓
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيل قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَة أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِين مِنْ أَنْصَار} يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُه : وَأَيّ نَفَقَة أَنْفَقْتُم, يَعْنِي أَيّ صَدَقَة تَصَدَّقْتُمْ, أَوْ أَيّ نَذْر نَذَرْتُمْ; يَعْنِي بِالنَّذْرِ: مَا أَوْجَبَهُ الْمَرْء عَلَى نَفْسِهِ تَبَرُّرًا فِي طَاعَة اللَّه, وَتَقَرُّبًا بِهِ إِلَيْه, مِنْ صَدَقَة أَوْ عَمَل خَيْر, {فَإِن اللَّهَ يَعْلَمُه} أَيْ أَنَّ جَمِيع ذَلِكَ بِعِلْمِ اللَّهِ, لَا يَعْزُب عَنْهُ مِنْهُ شَيْء, وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ قَلِيل وَلَا كَثِير, وَلَكِنَّه يُحْصِيهِ أَيُّهَا النَّاس عَلَيْكُمْ حَتَّى يُجَازِيَكُمْ جَمِيعَكُمْ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ, فَمَنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ مِنْكُمْ وَصَدَقَتُهُ وَنَذْرُهُ ابْتِغَاء مَرْضَاة اللَّه وَتَثْبِيتًا مِنْ نَفْسِه, جَازَاه بِالَّذِي وَعَدَهُ مِنْ التَّضْعِيف; وَمَنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ وَصَدَقَتُهُ رِيَاء النَّاس وَنَذْروُهُ لِلشَّيْطَان جَازَاه بِالَّذِي أَوْعَدَه مِنْ الْعِقَاب وَأَلِيم الْعَذَاب. كَالَّذِي: 4846 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَة أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْر فَإِنَّ اللَّه يَعْلَمهُ } وَيُحْصِيه . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . ثُمَّ أَوْعَدَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مَنْ كَانَتْ نَفَقَته رِيَاء وَنُذُوره طَاعَة لِلشَّيْطَانِ , فَقَالَ : { وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَار } يَعْنِي : وَمَا لِمَنْ أَنْفَقَ مَاله رِيَاء النَّاس وَفِي مَعْصِيَة اللَّه , وَكَانَتْ نُذُوره لِلشَّيْطَانِ وَفِي طَاعَته , { مِنْ أَنْصَار } . وَهُمْ جَمْع نَصِير , كَمَا الْأَشْرَاف جَمْع شَرِيف . وَيَعْنِي
بِقَوْلِهِ : { مِنْ أَنْصَار } مَنْ يَنْصُرهُمْ مِنْ اللَّه يَوْم الْقِيَامَة , فَيَدْفَع عَنْهُمْ عِقَابه يَوْمئِذٍ بِقُوَّةٍ وَشِدَّة بَطْش وَلَا بِفِدْيَةٍ . وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ الظَّالِم : هُوَ الْوَاضِع لِلشَّيْءِ فِي غَيْر مَوْضِعه . وَإِنَّمَا سَمَّى اللَّه الْمُنْفِق رِيَاء النَّاس , وَالنَّاذِر فِي غَيْر طَاعَته ظَالِمًا , لِوَضْعِهِ إنْفَاق مَاله فِي غَيْر مَوْضِعه وَنَذْره فِي غَيْر مَاله وَضَعَهُ فِيهِ , فَكَانَ ذَلِكَ ظُلْمه . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : فَكَيْفَ قَالَ : { فَإِنَّ اللَّه يَعْلَمهُ } وَلَمْ يَقُلْ : يَعْلَمهُمَا , وَقَدْ ذَكَرَ النَّذْر وَالنَّفَقَة ؟ قِيلَ : إنَّمَا قَالَ : { فَإِنَّ اللَّه يَعْلَمهُ } لِأَنَّهُ أَرَادَ : فَإِنَّ اللَّه يَعْلَم مَا أَنْفَقْتُمْ أَوْ نَذَرْتُمْ , فَلِذَلِكَ وَحَّدَ الْكِنَايَة .
بِقَوْلِهِ : { مِنْ أَنْصَار } مَنْ يَنْصُرهُمْ مِنْ اللَّه يَوْم الْقِيَامَة , فَيَدْفَع عَنْهُمْ عِقَابه يَوْمئِذٍ بِقُوَّةٍ وَشِدَّة بَطْش وَلَا بِفِدْيَةٍ . وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ الظَّالِم : هُوَ الْوَاضِع لِلشَّيْءِ فِي غَيْر مَوْضِعه . وَإِنَّمَا سَمَّى اللَّه الْمُنْفِق رِيَاء النَّاس , وَالنَّاذِر فِي غَيْر طَاعَته ظَالِمًا , لِوَضْعِهِ إنْفَاق مَاله فِي غَيْر مَوْضِعه وَنَذْره فِي غَيْر مَاله وَضَعَهُ فِيهِ , فَكَانَ ذَلِكَ ظُلْمه . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : فَكَيْفَ قَالَ : { فَإِنَّ اللَّه يَعْلَمهُ } وَلَمْ يَقُلْ : يَعْلَمهُمَا , وَقَدْ ذَكَرَ النَّذْر وَالنَّفَقَة ؟ قِيلَ : إنَّمَا قَالَ : { فَإِنَّ اللَّه يَعْلَمهُ } لِأَنَّهُ أَرَادَ : فَإِنَّ اللَّه يَعْلَم مَا أَنْفَقْتُمْ أَوْ نَذَرْتُمْ , فَلِذَلِكَ وَحَّدَ الْكِنَايَة .