وَقَوْله : { إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَات الْجِيَاد } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّهُ تَوَّاب إِلَى اللَّه مِنْ خَطِيئَته الَّتِي أَخْطَأَهَا , إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَات ; فَإِذْ مِنْ صِلَة أَوَّاب , وَالصَّافِنَات : جَمْع الصَّافِن مِنْ الْخَيْل , وَالْأُنْثَى : صَافِنَة , وَالصَّافِن مِنْهَا عِنْد بَعْض الْعَرَب : الَّذِي يَجْمَع بَيْن يَدَيْهِ , وَيُثْنِي طَرَف سُنْبُك إِحْدَى رِجْلَيْهِ , وَعِنْد آخَرِينَ : الَّذِي يَجْمَع يَدَيْهِ . وَزَعَمَ الْفَرَّاء أَنَّ الصَّافِن : هُوَ الْقَائِم , يُقَال مِنْهُ : صَفَنَتْ الْخَيْل تَصْفِن صُفُونًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22954 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { الصَّافِنَات الْجِيَاد } قَالَ : صُفُون الْفَرَس : رَفْع إِحْدَى يَدَيْهِ حَتَّى يَكُون عَلَى طَرَف الْحَافِر . * - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : صَفَنَ الْفَرَس : رَفَعَ إِحْدَى يَدَيْهِ حَتَّى يَكُون عَلَى طَرَف الْحَافِر . 22955 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَات الْجِيَاد } يَعْنِي : الْخَيْل , وَصُفُونهَا : قِيَامهَا وَبَسْطهَا قَوَائِمهَا . 22956 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : الصَّافِنَات , قَالَ : الْخَيْل . 22957 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { الصَّافِنَات الْجِيَاد } قَالَ : الْخَيْل أَخْرَجَهَا الشَّيْطَان لِسُلَيْمَان , مِنْ مَرْج مِنْ مُرُوج الْبَحْر. قَالَ : الْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحَمِير تَصْفِن , وَالصَّفْن أَنْ تَقُوم عَلَى ثَلَاث , وَتَرْفَع رِجْلًا وَاحِدَة حَتَّى يَكُون طَرَف الْحَافِر عَلَى الْأَرْض. 22958 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : الصَّافِنَات : الْخَيْل , وَكَانَتْ لَهَا أَجْنِحَة . وَأَمَّا الْجِيَاد , فَإِنَّهَا السِّرَاع , وَاحِدهَا : جَوَاد , كَمَا : 22959 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَهُ . ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : الْجِيَاد : قَالَ : السِّرَاع . وَذُكِرَ أَنَّهَا كَانَتْ عِشْرِينَ فَرَسًا ذَوَات أَجْنِحَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22960 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمِّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ , فِي قَوْله : { إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَات الْجِيَاد } قَالَ : كَانَتْ عِشْرِينَ فَرَسًا ذَات أَجْنِحَة .
وَقَوْله : { فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْت حُبّ الْخَيْر عَنْ ذِكْر رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ } وَفِي هَذَا الْكَلَام مَحْذُوف اُسْتُغْنِيَ بِدَلَالَةِ الظَّاهِر عَلَيْهِ مِنْ ذِكْره : فَلَهِيَ عَنْ الصَّلَاة حَتَّى فَاتَتْهُ , فَقَالَ : إِنِّي أَحْبَبْت حُبّ الْخَيْر . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْت حُبّ الْخَيْر } : أَيْ أَحْبَبْت حُبًّا لِلْخَيْرِ , ثُمَّ أُضِيفَ الْحُبّ إِلَى الْخَيْر , وَعَنَى بِالْخَيْرِ فِي هَذَا الْمَوْضِع الْخَيْل ; وَالْعَرَب فِيمَا بَلَغَنِي تُسَمِّي الْخَيْل الْخَيْر , وَالْمَال أَيْضًا يُسَمُّونَهُ الْخَيْر . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22961 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , { فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْت حُبّ الْخَيْر } : أَيْ الْمَال وَالْخَيْل , أَوْ الْخَيْر مِنْ الْمَال . 22962 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ { قَالَ إِنِّي أَحْبَبْت حُبّ الْخَيْر } قَالَ : الْخَيْل . 22963 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { إِنِّي أَحْبَبْت حُبّ الْخَيْر } قَالَ : الْمَال . وَقَوْله : { عَنْ ذِكْر رَبِّي } يَقُول : إِنِّي أَحْبَبْت حُبّ الْخَيْر حَتَّى سَهَوْت عَنْ ذِكْر رَبِّي وَأَدَاء فَرِيضَته . وَقِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ كَانَ صَلَاة الْعَصْر . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22964- حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { عَنْ ذِكْر رَبِّي } عَنْ صَلَاة الْعَصْر . 22965 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { عَنْ ذِكْر رَبِّي } قَالَ . صَلَاة الْعَصْر . 22966 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم , قَالَ : ثنا أَبُو زُرْعَة , قَالَ : ثنا حَيْوَة بْن شُرَيْح , قَالَ : ثنا أَبُو صَخْر , أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا مُعَاوِيَة الْبَجَلِيّ مِنْ أَهْل الْكُوفَة يَقُول : سَمِعْت أَبَا الصَّهْبَاء الْبَكْرِيّ يَقُول : سَأَلْت عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب , عَنْ الصَّلَاة الْوُسْطَى , فَقَالَ : هِيَ الْعَصْر , وَهِيَ الَّتِي فُتِنَ بِهَا سُلَيْمَان بْن دَاوُد . وَقَوْله : { حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ } يَقُول : حَتَّى تَوَارَتْ الشَّمْس بِالْحِجَابِ , يَعْنِي : تَغَيَّبَتْ فِي مُغَيَّبهَا كَمَا : 22967 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثنا مِيكَائِيل , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , قَالَ : قَالَ اِبْن مَسْعُود , فِي قَوْله : { إِنِّي أَحْبَبْت حُبّ الْخَيْر عَنْ ذِكْر رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ } قَالَ : تَوَارَتْ الشَّمْس مِنْ وَرَاء يَاقُوتَة خَضْرَاء , فَخَضِرَة السَّمَاء مِنْهَا . 22968 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ } حَتَّى دَلَكَتْ بَرَاح . قَالَ قَتَادَة : فَوَاَللَّهِ مَا نَازَعَتْهُ بَنُو إِسْرَائِيل وَلَا كَابَرُوهُ , وَلَكِنْ وَلَّوْهُ مِنْ ذَلِكَ مَا وَلَّاهُ اللَّه. 22969 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ } حَتَّى غَابَتْ .
وَقَوْله : { رُدُّوهَا عَلَيَّ } يَقُول : رُدُّوا عَلَيَّ الْخَيْل الَّتِي عُرِضَتْ عَلَيَّ , فَشَغَلَتْنِي عَنْ الصَّلَاة , فَكُرُّوهَا عَلَيَّ , كَمَا : 22970 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { رُدُّوهَا عَلَيَّ } قَالَ : الْخَيْل .
وَقَوْله : { فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاق } يَقُول : فَجَعَلَ يَمْسَح مِنْهَا السُّوق , وَهِيَ جَمْع السَّاق , وَالْأَعْنَاق . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى مَسَحَ سُلَيْمَان بِسُوقِ هَذِهِ الْخَيْل الْجِيَاد وَأَعْنَاقهَا , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ عَقَرَهَا وَضَرَبَ أَعْنَاقهَا , مِنْ قَوْلهمْ : مَسَحَ عِلَاوَته : إِذَا ضَرَبَ عُنُقه. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22971 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاق } قَالَ : قَالَ الْحَسَن : قَالَ لَا وَاَللَّه لَا تَشْغَلِينِي عَنْ عِبَادَة رَبِّي آخِر مَا عَلَيْك , قَالَ قَوْلهمَا فِيهِ , يَعْنِي قَتَادَة وَالْحَسَن قَالَ : فَكَسَفَ عَرَاقِيبهَا , وَضَرَبَ أَعْنَاقهَا . 22972 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاق } فَضَرَبَ سُوقهَا وَأَعْنَاقهَا . 22973 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن بُزَيْع , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , عَنْ عَوْف , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : أَمَرَ بِهَا فَعَقَرَتْ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ جَعَلَ يَمْسَح أَعْرَافهَا وَعَرَاقِيبهَا بِيَدِهِ حُبًّا لَهَا. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22974 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاق } يَقُول : جَعَلَ يَمْسَح أَعْرَاف الْخَيْل وَعَرَاقِيبهَا : حُبًّا لَهَا . وَهَذَا الْقَوْل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَشْبَه بِتَأْوِيلِ الْآيَة , لِأَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ إِنْ شَاءَ اللَّه لِيُعَذِّب حَيَوَانًا بِالْعَرْقَبَةِ , وَيَهْلِك مَالًا مِنْ مَاله بِغَيْرِ سَبَب , سِوَى أَنَّهُ اِشْتَغَلَ عَنْ صَلَاته بِالنَّظَرِ إِلَيْهَا , وَلَا ذَنْب لَهَا بِاشْتِغَالِهِ بِالنَّظَرِ إِلَيْهَا .
وَقَوْله : { فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاق } يَقُول : فَجَعَلَ يَمْسَح مِنْهَا السُّوق , وَهِيَ جَمْع السَّاق , وَالْأَعْنَاق . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى مَسَحَ سُلَيْمَان بِسُوقِ هَذِهِ الْخَيْل الْجِيَاد وَأَعْنَاقهَا , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ عَقَرَهَا وَضَرَبَ أَعْنَاقهَا , مِنْ قَوْلهمْ : مَسَحَ عِلَاوَته : إِذَا ضَرَبَ عُنُقه. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22971 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاق } قَالَ : قَالَ الْحَسَن : قَالَ لَا وَاَللَّه لَا تَشْغَلِينِي عَنْ عِبَادَة رَبِّي آخِر مَا عَلَيْك , قَالَ قَوْلهمَا فِيهِ , يَعْنِي قَتَادَة وَالْحَسَن قَالَ : فَكَسَفَ عَرَاقِيبهَا , وَضَرَبَ أَعْنَاقهَا . 22972 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاق } فَضَرَبَ سُوقهَا وَأَعْنَاقهَا . 22973 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن بُزَيْع , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , عَنْ عَوْف , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : أَمَرَ بِهَا فَعَقَرَتْ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ جَعَلَ يَمْسَح أَعْرَافهَا وَعَرَاقِيبهَا بِيَدِهِ حُبًّا لَهَا. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22974 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاق } يَقُول : جَعَلَ يَمْسَح أَعْرَاف الْخَيْل وَعَرَاقِيبهَا : حُبًّا لَهَا . وَهَذَا الْقَوْل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَشْبَه بِتَأْوِيلِ الْآيَة , لِأَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ إِنْ شَاءَ اللَّه لِيُعَذِّب حَيَوَانًا بِالْعَرْقَبَةِ , وَيَهْلِك مَالًا مِنْ مَاله بِغَيْرِ سَبَب , سِوَى أَنَّهُ اِشْتَغَلَ عَنْ صَلَاته بِالنَّظَرِ إِلَيْهَا , وَلَا ذَنْب لَهَا بِاشْتِغَالِهِ بِالنَّظَرِ إِلَيْهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَان وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيّه جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَقَدْ اِبْتَلَيْنَا سُلَيْمَان وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيّه جَسَدًا شَيْطَانًا مُتَمَثِّلًا بِإِنْسَانٍ , ذَكَرُوا أَنَّ اِسْمه صَخْر . وَقِيلَ : إِنَّ اِسْمه آصِف. وَقِيلَ : إِنَّ اِسْمه آصِر . وَقِيلَ : إِنَّ اِسْمه حبقيق . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22975- حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيّه جَسَدًا } قَالَ : هُوَ صَخْر الْجِنِّيّ تَمَثَّلَ عَلَى كُرْسِيّه جَسَدًا . 22976 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثنى أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَان وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيّه جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ } قَالَ : الْجَسَد : الشَّيْطَان الَّذِي كَانَ دَفَعَ إِلَيْهِ سُلَيْمَان خَاتَمه , فَقَذَفَهُ فِي الْبَحْر , وَكَانَ مُلْك سُلَيْمَان فِي خَاتَمه , وَكَانَ اِسْم الْجِنِّيّ صَخْرًا . 22977 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد , قَالَ : ثنا مُبَارَك , عَنْ الْحَسَن { وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيّه جَسَدًا } قَالَ : شَيْطَانًا . 22978 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر { وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيّه جَسَدًا } قَالَ : شَيْطَانًا . 22979 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيّه جَسَدًا } قَالَ : شَيْطَانًا يُقَال لَهُ آصِر. 22980 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { عَلَى كُرْسِيّه جَسَدًا } قَالَ : شَيْطَانًا يُقَال لَهُ آصِف , فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَان : كَيْفَ تَفْتِنُونَ النَّاس ؟ قَالَ : أَرِنِي خَاتَمك أُخْبِرك . فَلَمَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ نَبَذَهُ آصِف فِي الْبَحْر , فَسَاحَ سُلَيْمَان وَذَهَبَ مُلْكه , وَقَعَدَ آصِف عَلَى كُرْسِيّه , وَمَنَعَهُ اللَّه نِسَاء سُلَيْمَان , فَلَمْ يَقْرَبهُنَّ , وَأَنْكَرْنَهُ ; قَالَ : فَكَانَ سُلَيْمَان يَسْتَطْعِم فَيَقُول : أَتَعْرِفُونَنِي أَطْعِمُونِي أَنَا سُلَيْمَان , فَيُكَذِّبُونَهُ , حَتَّى أَعْطَتْهُ اِمْرَأَة يَوْمًا حُوتًا يُطَيِّب بَطْنه , فَوَجَدَ خَاتَمه فِي بَطْنه , فَرَجَعَ إِلَيْهِ مُلْكه , وَفَرَّ آصِف فَدَخَلَ الْبَحْر فَارًّا . * -حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد بِنَحْوِهِ , غَيْر أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثه : فَيَقُول : لَوْ تَعْرِفُونِي أَطْعَمْتُمُونِي . 22981 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَان وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيّه جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ } قَالَ : حَدَّثَنَا قَتَادَة أَنَّ سُلَيْمَان أَمَرَ بِبِنَاءِ بَيْت الْمَقْدِسِ , فَقِيلَ لَهُ : اِبْنِهِ وَلَا يُسْمَع فِيهِ صَوْت حَدِيد , قَالَ : فَطَلَبَ ذَلِكَ فَلَمْ يَقْدِر عَلَيْهِ , فَقِيلَ لَهُ : إِنَّ شَيْطَانًا فِي الْبَحْر يُقَال لَهُ صَخْر شِبْه الْمَارِد , قَالَ : فَطَلَبَهُ , وَكَانَتْ عَيْن فِي الْبَحْر يُرِدْهَا فِي كُلّ سَبْعَة أَيَّام مَرَّة , فَنُزِحَ مَاؤُهَا وَجُعِلَ فِيهَا خَمْر , فَجَاءَ يَوْم وُرُوده فَإِذَا هُوَ بِالْخَمْرِ , فَقَالَ : إِنَّك لَشَرَاب طَيِّب , إِلَّا أَنَّك تُصْبِينَ الْحَلِيم , وَتَزِيدِينَ الْجَاهِل جَهْلًا , قَالَ : ثُمَّ رَجَعَ حَتَّى عَطِشَ عَطَشًا شَدِيدًا , ثُمَّ أَتَاهَا فَقَالَ : إِنَّك لَشَرَاب طَيِّب , إِلَّا أَنَّك تُصْبِينَ الْحَلِيم , وَتَزِيدِينَ الْجَاهِل جَهْلًا ; قَالَ : ثُمَّ شَرِبَهَا حَتَّى غَلَبَتْ عَلَى عَقْله , قَالَ : فَأُرِيَ الْخَاتَم أَوْ خَتَمَ بِهِ بَيْن كَتِفَيْهِ , فَذَلَّ , قَالَ : فَكَانَ مُلْكه فِي خَاتَمه , فَأَتَى بِهِ سُلَيْمَان , فَقَالَ : إِنَّا قَدْ أَمَرْنَا بِبِنَاءِ هَذَا الْبَيْت . وَقِيلَ لَنَا : لَا يُسْمَعْنَ فِيهِ صَوْت حَدِيد , قَالَ : فَأَتَى بِبَيْضِ الْهُدْهُد , فَجَعَلَ عَلَيْهِ زُجَاجَة , فَجَاءَ الْهُدْهُد , فَدَارَ حَوْلهَا , فَجَعَلَ يَرَى بَيْضه وَلَا يَقْدِر عَلَيْهِ , فَذَهَبَ فَجَاءَ بِالْمَاسِ , فَوَضَعَهُ عَلَيْهِ , فَقَطَعَهَا بِهِ حَتَّى أَفْضَى إِلَى بَيْضه , فَأَخَذَ الْمَاس , فَجَعَلُوا يَقْطَعُونَ بِهِ الْحِجَارَة , فَكَانَ سُلَيْمَان إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُل الْخَلَاء أَوْ الْحَمَّام لَمْ يَدْخُلهَا بِخَاتَمِهِ ; فَانْطَلَقَ يَوْمًا إِلَى الْحَمَّام , وَذَلِكَ الشَّيْطَان صَخْر مَعَهُ , وَذَلِكَ عِنْد مُقَارَفَة ذَنْب قَارَفَ فِيهِ بَعْض نِسَائِهِ , قَالَ : فَدَخَلَ الْحَمَّام , وَأَعْطَى الشَّيْطَان خَاتَمه , فَأَلْقَاهُ فِي الْبَحْر , فَالْتَقَمَتْهُ سَمَكَة , وَنُزِعَ مُلْك سُلَيْمَان مِنْهُ , وَأُلْقِيَ عَلَى الشَّيْطَان شِبْه سُلَيْمَان ; قَالَ : فَجَاءَ فَقَعَدَ عَلَى كُرْسِيّه وَسَرِيره , وَسُلِّطَ عَلَى مُلْك سُلَيْمَان كُلّه غَيْر نِسَائِهِ ; قَالَ : فَجَعَلَ يَقْضِي بَيْنهمْ , وَجَعَلُوا يُنْكِرُونَ مِنْهُ أَشْيَاء حَتَّى قَالُوا : لَقَدْ فُتِنَ نَبِيّ اللَّه ; وَكَانَ فِيهِمْ رَجُل يُشَبِّهُونَهُ بِعُمَر بْن الْخَطَّاب فِي الْقُوَّة , فَقَالَ : وَاَللَّه لَأُجَرِّبَنهُ ; قَالَ : فَقَالَ لَهُ : يَا نَبِيّ اللَّه , وَهُوَ يَرَى إِلَّا أَنَّهُ نَبِيّ اللَّه , أَحَدنَا تُصِيبهُ الْجَنَابَة فِي اللَّيْلَة الْبَارِدَة , فَيَدَع الْغُسْل عَمْدًا حَتَّى تَطْلُع الشَّمْس , أَتَرَى عَلَيْهِ بَأْسًا ؟ قَالَ : لَا , قَالَ : فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ أَرْبَعِينَ لَيْلَة حَتَّى وَجَدَ نَبِيّ اللَّه خَاتَمه فِي بَطْن سَمَكَة , فَأَقْبَلَ فَجَعَلَ لَا يَسْتَقْبِلهُ جِنِّيّ وَلَا طَيْر إِلَّا سَجَدَ لَهُ , حَتَّى اِنْتَهَى إِلَيْهِمْ { وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيّه جَسَدًا } قَالَ : هُوَ الشَّيْطَان صَخْر . 22982 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : { وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَان } قَالَ : لَقَدْ اِبْتَلَيْنَا { وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيّه جَسَدًا } قَالَ : الشَّيْطَان حِينَ جَلَسَ عَلَى كُرْسِيّه أَرْبَعِينَ يَوْمًا ; قَالَ : كَانَ لِسُلَيْمَان مِئَة اِمْرَأَة , وَكَانَتْ اِمْرَأَة مِنْهُنَّ يُقَال لَهَا جَرَادَة , وَهِيَ آثَر نِسَائِهِ عِنْده , وَآمَنهُنَّ عِنْده , وَكَانَ إِذَا أَجْنَبَ أَوْ أَتَى حَاجَة نَزَعَ خَاتَمه , وَلَمْ يَأْتَمِن عَلَيْهِ أَحَد مِنْ النَّاس غَيْرهَا ; فَجَاءَتْهُ يَوْمًا مِنْ الْأَيَّام , فَقَالَتْ : إِنَّ أَخِي بَيْنه وَبَيْن فُلَان خُصُومَة , وَأَنَا أُحِبّ أَنْ تَقْضِي لَهُ إِذَا جَاءَك , فَقَالَ لَهَا : نَعَمْ , وَلَمْ يَفْعَل , فَابْتُلِيَ وَأَعْطَاهَا خَاتَمه , وَدَخَلَ الْمَخْرَج , فَخَرَجَ الشَّيْطَان فِي صُورَته , فَقَالَ لَهَا : هَاتِي الْخَاتَم , فَأَعْطَتْهُ , فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ عَلَى مَجْلِس سُلَيْمَان , وَخَرَجَ سُلَيْمَان بَعْد , فَسَأَلَهَا أَنْ تُعْطِيه خَاتَمه , فَقَالَتْ : أَلَمْ تَأْخُذهُ قَبْل ؟ قَالَ : لَا , وَخَرَجَ مَكَانه تَائِهًا ; قَالَ : وَمَكَثَ الشَّيْطَان يَحْكُم بَيْن النَّاس أَرْبَعِينَ يَوْمًا . قَالَ : فَأَنْكَرَ النَّاس أَحْكَامه , فَاجْتَمَعَ قُرَّاء بَنِي إِسْرَائِيل وَعُلَمَاؤُهُمْ , فَجَاءُو ا حَتَّى دَخَلُوا عَلَى نِسَائِهِ , فَقَالُوا : إِنَّا قَدْ أَنْكَرْنَا هَذَا , فَإِنْ كَانَ سُلَيْمَان فَقَدْ ذَهَبَ عَقْله , وَأَنْكَرْنَا أَحْكَامه . قَالَ : فَبَكَى النِّسَاء عِنْد ذَلِكَ , قَالَ : فَأَقْبَلُوا يَمْشُونَ حَتَّى أَتَوْهُ , فَأَحْدَقُوا بِهِ , ثُمَّ نَشَرُوا التَّوْرَاة , فَقَرَءُوا ; قَالَ : فَطَارَ مِنْ بَيْن أَيْدِيهمْ حَتَّى وَقَعَ عَلَى شُرْفَة وَالْخَاتَم مَعَهُ , ثُمَّ طَارَ حَتَّى ذَهَبَ إِلَى الْبَحْر , فَوَقَعَ الْخَاتَم مِنْهُ فِي الْبَحْر , فَابْتَلَعَهُ حُوت مِنْ حِيتَان الْبَحْر . قَالَ : وَأَقْبَلَ سُلَيْمَان فِي حَاله الَّتِي كَانَ فِيهَا حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى صَيَّاد مِنْ صَيَّادِي الْبَحْر وَهُوَ جَائِع , وَقَدْ اِشْتَدَّ جُوعه , فَاسْتَطْعَمَهُمْ مِنْ صَيْدهمْ , قَالَ : إِنِّي أَنَا سُلَيْمَان , فَقَامَ إِلَيْهِ بَعْضهمْ فَضَرَبَهُ بِعَصَا فَشَجَّهُ , فَجَعَلَ يَغْسِل دَمه وَهُوَ عَلَى شَاطِئ الْبَحْر , فَلَامَ الصَّيَّادُونَ صَاحِبهمْ الَّذِي ضَرَبَهُ , فَقَالُوا : بِئْسَ مَا صَنَعْت حَيْثُ ضَرَبْته , قَالَ : إِنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ سُلَيْمَان , قَالَ : فَأَعْطُوهُ سَمَكَتَيْنِ مِمَّا قَدْ مَذِرَ عِنْدهمْ , وَلَمْ يَشْغَلهُ مَا كَانَ بِهِ مِنْ الضَّرَر , حَتَّى قَامَ إِلَى شَطّ الْبَحْر , فَشَقَّ بُطُونهمَا , فَجَعَلَ يَغْسِل . .. , فَوَجَدَ خَاتَمه فِي بَطْن إِحْدَاهُمَا , فَأَخَذَهُ فَلَبِسَهُ , فَرَدَّ اللَّه عَلَيْهِ بَهَاءَهُ وَمُلْكه , وَجَاءَتْ الطَّيْر حَتَّى حَامَتْ عَلَيْهِ , فَعَرَفَ الْقَوْم أَنَّهُ سُلَيْمَان , فَقَامَ الْقَوْم يَعْتَذِرُونَ مِمَّا صَنَعُوا , فَقَالَ : مَا أَحْمَدكُمْ عَلَى عُذْركُمْ , وَلَا أَلُومكُمْ عَلَى مَا كَانَ مِنْكُمْ , كَانَ هَذَا الْأَمْر لَا بُدّ مِنْهُ , قَالَ : فَجَاءَ حَتَّى أَتَى مُلْكه , فَأَرْسَلَ إِلَى الشَّيْطَان فَجِيءَ بِهِ , وَسُخِّرَ لَهُ الرِّيح وَالشَّيَاطِين يَوْمئِذٍ , وَلَمْ تَكُنْ سُخِّرَتْ لَهُ قَبْل ذَلِكَ , وَهُوَ قَوْله : { وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّك أَنْتَ الْوَهَّاب } قَالَ : وَبَعَثَ إِلَى الشَّيْطَان , فَأُتِيَ بِهِ , فَأَمَرَ بِهِ فَجُعِلَ فِي صُنْدُوق مِنْ حَدِيد , ثُمَّ أُطْبِقَ عَلَيْهِ فَأُقْفِلَ عَلَيْهِ بِقُفْلٍ , وَخُتِمَ عَلَيْهِ بِخَاتَمِهِ , ثُمَّ أُمِرَ بِهِ , فَأُلْقِيَ فِي الْبَحْر , فَهُوَ فِيهِ حَتَّى تَقُوم السَّاعَة , وَكَانَ اِسْمه حبقيق . وَقَوْله : { ثُمَّ أَنَابَ } سُلَيْمَان , فَرَجَعَ إِلَى مُلْكه مِنْ بَعْد مَا زَالَ عَنْهُ مُلْكه فَذَهَبَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22983- حُدِّثْت عَنْ الْمُحَارِبِيّ , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , فِي قَوْله : { ثُمَّ أَنَابَ } قَالَ : دَخَلَ سُلَيْمَان عَلَى اِمْرَأَة تَبِيع السَّمَك , فَاشْتَرَى مِنْهَا سَمَكَة , فَشَقَّ بَطْنهَا , فَوَجَدَ خَاتَمه , فَجَعَلَ لَا يَمُرّ عَلَى شَجَر وَلَا حَجَر وَلَا شَيْء إِلَّا سَجَدَ لَهُ , حَتَّى أَتَى مُلْكه وَأَهْله , فَذَلِكَ قَوْله ; { ثُمَّ أَنَابَ } يَقُول : ثُمَّ رَجَعَ . 22984 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { ثُمَّ أَنَابَ } وَأَقْبَلَ , يَعْنِي سُلَيْمَان .
قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ↓
قَوْله : { قَالَ رَبّ اِغْفِرْ لِي وَهْب لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ سُلَيْمَان رَاغِبًا إِلَى رَبّه : رَبّ اُسْتُرْ عَلَيَّ ذَنْبِي الَّذِي أَذْنَبْت بَيْنِي وَبَيْنك , فَلَا تُعَاقِبنِي بِهِ { وَهْب لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي } لَا يَسْلُبنِيهِ أَحَدكُمَا كَمَا سَلَبَنِيهِ قَبْل هَذِهِ الشَّيْطَان . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22985 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { قَالَ رَبّ اِغْفِرْ لِي وَهْب لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي } يَقُول : مُلْكًا لَا أَسْلُبهُ كَمَا سَلَبْته . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة يُوَجِّه مَعْنَى قَوْله : { لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي } إِلَى : أَنْ لَا يَكُون لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي , كَمَا قَالَ اِبْن أَحْمَر : مَا أُمّ غُفْر عَلَى دَعْجَاء ذِي عَلَق يَنْفِي الْقَرَامِيد عَنْهَا الْأَعْصَم الْوَقِل فِي رَأْس حَلْقَاء مِنْ عَنْقَاء مُشْرِفَة لَا يَنْبَغِي دُونهَا سَهْل وَلَا جَبَل بِمَعْنَى : لَا يَكُون فَوْقهَا سَهْل وَلَا جَبَل أَحْصَن مِنْهَا.
وَقَوْله : { إِنَّك أَنْتَ الْوَهَّاب } يَقُول : إِنَّك وَهَّاب مَا تَشَاء لِمَنْ تَشَاء بِيَدِك خَزَائِن كُلّ شَيْء تَفْتَح مِنْ ذَلِكَ مَا أَرَدْت لِمَنْ أَرَدْت .
وَقَوْله : { إِنَّك أَنْتَ الْوَهَّاب } يَقُول : إِنَّك وَهَّاب مَا تَشَاء لِمَنْ تَشَاء بِيَدِك خَزَائِن كُلّ شَيْء تَفْتَح مِنْ ذَلِكَ مَا أَرَدْت لِمَنْ أَرَدْت .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيح تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَاسْتَجَبْنَا لَهُ دُعَاءَهُ , فَأَعْطَيْنَاهُ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْده { فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيح } مَكَان الْخَيْل الَّتِي شَغَلَتْهُ عَنْ الصَّلَاة { تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً } يَعْنِي : رَخْوَة لَيِّنَة , وَهِيَ مِنْ الرَّخَاوَة , كَمَا : 22986 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن بُزَيْع , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنْ الْحَسَن , أَنَّ نَبِيّ اللَّه سُلَيْمَان صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا عُرِضَتْ عَلَيْهِ الْخَيْل , فَشَغَلَهُ النَّظَر إِلَيْهَا عَنْ صَلَاة الْعَصْر { حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ } فَغَضِبَ لِلَّهِ , فَأَمَرَ بِهَا فَعُقِرَتْ , فَأَبْدَلَهُ اللَّه مَكَانهَا أَسْرَع مِنْهَا , سَخَّرَ الرِّيح تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ شَاءَ , فَكَانَ يَغْدُو مِنْ إِيلِيَاء , وَيَقِيل بِقَزْوِين , ثُمَّ يَرُوح مِنْ قَزْوِين وَيَبِيت بِكَابُل . 22987 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَهْب لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي } فَإِنَّهُ دَعَا يَوْم دَعَا وَلَمْ يَكُنْ فِي مُلْكه الرِّيح , وَكُلّ بَنَّاء وَغَوَّاص مِنْ الشَّيَاطِين , فَدَعَا رَبّه عِنْد تَوْبَته وَاسْتِغْفَاره , فَوَهَبَ اللَّه لَهُ مَا سَأَلَ , فَتَمَّ مُلْكه . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الرُّخَاء , فَقَالَ فِيهِ بَعْضهمْ نَحْو الَّذِي قُلْنَا فِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22988- حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء } قَالَ : طَيِّبَة . * - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد بِنَحْوِهِ . 22989 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيح تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ } قَالَ : سَرِيعَة طَيِّبَة , قَالَ : لَيْسَتْ بِعَاصِفَةٍ وَلَا بَطِيئَة . 22990 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { رُخَاء } قَالَ : الرُّخَاء اللَّيِّنَة . 22991 -حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَامِر , قَالَ : ثنا قُرَّة , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ } قَالَ : لَيْسَتْ بِعَاصِفَةٍ , وَلَا الْهَيِّنَة بَيْن ذَلِكَ رُخَاء . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : مُطِيعَة لِسُلَيْمَان . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22992 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { رُخَاء } يَقُول : مُطِيعَة لَهُ . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس { تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء } قَالَ : يَعْنِي بِالرَّخَاءِ : الْمُطِيعَة . 22993 -حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو النُّعْمَان الْحَكَم بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء } قَالَ : مُطِيعَة . 22994 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { رُخَاء } يَقُول : مُطِيعَة . 22995 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { رُخَاء } قَالَ : طَوْعًا . وَقَوْله : { حَيْثُ أَصَابَ } يَقُول : حَيْثُ أَرَادَ , مِنْ قَوْلهمْ : أَصَابَ اللَّه بِك خَيْرًا : أَيْ أَرَادَ اللَّه بِك خَيْرًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 22996- حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { حَيْثُ أَصَابَ } يَقُول : حَيْثُ أَرَادَ . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { حَيْثُ أَصَابَ } يَقُول : حَيْثُ أَرَادَ , اِنْتَهَى عَلَيْهَا. 22997 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ . ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { حَيْثُ أَصَابَ } قَالَ : حَيْثُ شَاءَ. 22998 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو النُّعْمَان الْحَكَم بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { حَيْثُ أَصَابَ } قَالَ : حَيْثُ أَرَادَ. 22999 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { حَيْثُ أَصَابَ } قَالَ : إِلَى حَيْثُ أَرَادَ . 23000 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { حَيْثُ أَصَابَ } قَالَ : حَيْثُ أَرَادَ . 23001 -حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ بَعْض أَهْل الْعِلْم , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه { حَيْثُ أَصَابَ } : أَيْ حَيْثُ أَرَادَ . 23002 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { حَيْثُ أَصَابَ } قَالَ : حَيْثُ أَرَادَ . 23002 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { حَيْثُ أَصَابَ } قَالَ : حَيْثُ أَرَادَ .
وَقَوْله : { وَالشَّيَاطِين كُلّ بَنَّاء وَغَوَّاص } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَسَخَّرْنَا لَهُ الشَّيَاطِين سَلَّطْنَاهُ عَلَيْهَا مَكَان مَا اِبْتَلَيْنَاهُ بِاَلَّذِي أَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيّه مِنْهَا يَسْتَعْمِلهَا فِيمَا يَشَاء مِنْ أَعْمَاله مِنْ بَنَّاء وَغَوَّاص ; فَالْبُنَاة مِنْهَا يَصْنَعُونَ مَحَارِيب وَتَمَاثِيل , وَالْغَاصَّة يَسْتَخْرِجُونَ لَهُ الْحُلِيّ مِنْ الْبِحَار , وَآخَرُونَ يَنْحِتُونَ لَهُ جِفَانًا وَقُدُورًا , وَالْمَرَدَة فِي الْأَغْلَال مُقَرَّنُونَ , كَمَا : 23004 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَالشَّيَاطِين كُلّ بَنَّاء وَغَوَّاص } قَالَ : يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِنْ مَحَارِيب وَتَمَاثِيل , وَغَوَّاص يَسْتَخْرِجُونَ الْحُلِيّ مِنْ الْبَحْر { وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَاد } قَالَ : مَرَدَة الشَّيَاطِين فِي الْأَغْلَال . 23005 - حَدَّثَنَا عَنْ الْمُحَارِبِيّ , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك { وَالشَّيَاطِين كُلّ بَنَّاء وَغَوَّاص } قَالَ : لَمْ يَكُنْ هَذَا فِي مُلْك دَاوُد , أَعْطَاهُ اللَّه مُلْك دَاوُد وَزَادَهُ الرِّيح { وَالشَّيَاطِين كُلّ بَنَّاء وَغَوَّاص وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَاد } يَقُول : فِي السَّلَاسِل. 23006 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { الْأَصْفَاد } قَالَ : تُجْمَع الْيَدَيْنِ إِلَى عُنُقه , وَالْأَصْفَاد : جَمْع صَفَد وَهِيَ الْأَغْلَال .
وَقَوْله : { وَالشَّيَاطِين كُلّ بَنَّاء وَغَوَّاص } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَسَخَّرْنَا لَهُ الشَّيَاطِين سَلَّطْنَاهُ عَلَيْهَا مَكَان مَا اِبْتَلَيْنَاهُ بِاَلَّذِي أَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيّه مِنْهَا يَسْتَعْمِلهَا فِيمَا يَشَاء مِنْ أَعْمَاله مِنْ بَنَّاء وَغَوَّاص ; فَالْبُنَاة مِنْهَا يَصْنَعُونَ مَحَارِيب وَتَمَاثِيل , وَالْغَاصَّة يَسْتَخْرِجُونَ لَهُ الْحُلِيّ مِنْ الْبِحَار , وَآخَرُونَ يَنْحِتُونَ لَهُ جِفَانًا وَقُدُورًا , وَالْمَرَدَة فِي الْأَغْلَال مُقَرَّنُونَ , كَمَا : 23004 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَالشَّيَاطِين كُلّ بَنَّاء وَغَوَّاص } قَالَ : يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِنْ مَحَارِيب وَتَمَاثِيل , وَغَوَّاص يَسْتَخْرِجُونَ الْحُلِيّ مِنْ الْبَحْر { وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَاد } قَالَ : مَرَدَة الشَّيَاطِين فِي الْأَغْلَال . 23005 - حُدِّثْنَا عَنْ الْمُحَارِبِيّ , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك { وَالشَّيَاطِين كُلّ بَنَّاء وَغَوَّاص } قَالَ : لَمْ يَكُنْ هَذَا فِي مُلْك دَاوُد , أَعْطَاهُ اللَّه مُلْك دَاوُد وَزَادَهُ الرِّيح { وَالشَّيَاطِين كُلّ بَنَّاء وَغَوَّاص وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَاد } يَقُول : فِي السَّلَاسِل. 23006 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { الْأَصْفَاد } قَالَ : تُجْمَع الْيَدَيْنِ إِلَى عُنُقه , وَالْأَصْفَاد : جَمْع صَفَد وَهِيَ الْأَغْلَال .
وَقَوْله : { هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِك بِغَيْرِ حِسَاب } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمُشَار إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ : { هَذَا } مِنْ الْعَطَاء , وَأَيّ عَطَاء أُرِيدَ بِقَوْلِهِ : عَطَاؤُنَا , فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِهِ الْمُلْك الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23007 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِك بِغَيْرِ حِسَاب } قَالَ : قَالَ الْحَسَن : الْمُلْك الَّذِي أَعْطَيْنَاك فَأَعْطِ مَا شِئْت وَامْنَعْ مَا شِئْت. 23008 - حُدِّثْت عَنْ الْمُحَارِبِيّ , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك { هَذَا عَطَاؤُنَا } : هَذَا مُلْكنَا. وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ تَسْخِيره لَهُ الشَّيَاطِين , وَقَالُوا : وَمَعْنَى الْكَلَام : هَذَا الَّذِي أَعْطَيْنَاك مِنْ كُلّ بَنَّاء وَغَوَّاص مِنْ الشَّيَاطِين , وَغَيْرهمْ عَطَاؤُنَا. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23009 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَاب } قَالَ : هَؤُلَاءِ الشَّيَاطِين اِحْبِسْ مَنْ شِئْت مِنْهُمْ فِي وَثَاقك وَفِي عَذَابك أَوْ سَرِّحْ مَنْ شِئْت مِنْهُمْ تَتَّخِذ عِنْده يَدًا , اِصْنَعْ مَا شِئْت . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ مَا كَانَ أُوتِيَ مِنْ الْقُوَّة عَلَى الْجِمَاع . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23010 - حُدِّثْت عَنْ أَبِي يُوسُف , عَنْ سَعِيد بْن طَرِيف , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَ سُلَيْمَان فِي ظَهْره مَاء مِئَة رَجُل , وَكَانَ لَهُ ثَلَاث مِئَة اِمْرَأَة وَتِسْع مِئَة سَرِيَّة { هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَاب } وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ الْقَوْل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْحَسَن وَالضَّحَّاك مِنْ أَنَّهُ عَنِيَ بِالْعَطَاءِ مَا أَعْطَاهُ مِنْ الْمُلْك تَعَالَى ذِكْره , وَذَلِكَ أَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ذَكَرَ ذَلِكَ عَقِيب خَبَره عَنْ مَسْأَلَة نَبِيّه سُلَيْمَان صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ إِيَّاهُ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْده , فَأُخْبِرَ أَنَّهُ سُخِّرَ لَهُ مَا لَمْ يُسَخَّر لِأَحَدٍ مِنْ بَنِي آدَم , وَذَلِكَ تَسْخِيره لَهُ الرِّيح وَالشَّيَاطِين عَلَى مَا وَصَفْت , ثُمَّ قَالَ لَهُ عَزَّ ذِكْره : هَذَا الَّذِي أَعْطَيْنَاك مِنْ الْمُلْك , وَتَسْخِيرنَا مَا سَخَّرْنَا لَك عَطَاؤُنَا , وَوَهَبْنَا لَك مَا سَأَلْتنَا أَنْ نَهَبهُ لَك مِنْ الْمُلْك الَّذِي لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدك { فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَاب } وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله { فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَاب } فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ. فَأَعْطِ مَنْ شِئْت مَا شِئْت مِنْ الْمُلْك الَّذِي آتَيْنَاك , وَامْنَعْ مَا شِئْت مِنْهُ مَا شِئْت , لَا حِسَاب عَلَيْك فِي ذَلِكَ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23011 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : قَالَ الْحَسَن { فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَاب } الْمُلْك الَّذِي أَعْطَيْنَاك , فَأَعْطِ مَا شِئْت وَامْنَعْ مَا شِئْت , فَلَيْسَ عَلَيْك تَبِعَة وَلَا حِسَاب . 23012 - حُدِّثْت عَنْ الْمُحَارِبِيّ , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك { فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَاب } سَأَلَ مُلْكًا هَنِيئًا لَا يُحَاسَب بِهِ يَوْم الْقِيَامَة , فَقَالَ : مَا أَعْطَيْت , وَمَا أَمْسَكْت , فَلَا حَرَج عَلَيْك. 23013 -حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عِكْرِمَة { فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَاب } قَالَ : أَعْطِ أَوْ أَمْسِكْ , فَلَا حِسَاب عَلَيْك . 23014 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { فَامْنُنْ } قَالَ : أَعْطِ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَاب . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : أَعْتِقْ مِنْ هَؤُلَاءِ الشَّيَاطِين الَّذِينَ سَخَّرْنَاهُمْ لَك مِنْ الْخِدْمَة , أَوْ مِنْ الْوَثَاق مِمَّنْ كَانَ مِنْهُمْ مُقَرَّنًا فِي الْأَصْفَاد مَنْ شِئْت وَاحْبِسْ مَنْ شِئْت فَلَا حَرَج عَلَيْك فِي ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23015 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِك بِغَيْرِ حِسَاب } يَقُول : هَؤُلَاءِ الشَّيَاطِين اِحْبِسْ مَنْ شِئْت مِنْهُمْ فِي وَثَاقك وَفِي عَذَابك , وَسَرِّحْ مَنْ شِئْت مِنْهُمْ تَتَّخِذ عِنْده يَدًا , اِصْنَعْ مَا شِئْت لَا حِسَاب عَلَيْك فِي ذَلِكَ . 23016 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس { فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِك بِغَيْرِ حِسَاب } يَقُول : أَعْتِقْ مِنْ الْجِنّ مَنْ شِئْت , وَأَمْسِك مَنْ شِئْت . 23017 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَاب } قَالَ : تَمُنّ عَلَى مَنْ تَشَاء مِنْهُمْ فَتُعْتِقهُ , وَتُمْسِك مَنْ شِئْت فَتَسْتَخْدِمهُ لَيْسَ عَلَيْك فِي ذَلِكَ حِسَاب. وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : هَذَا الَّذِي أَعْطَيْنَاك مِنْ الْقُوَّة عَلَى الْجِمَاع عَطَاؤُنَا , فَجَامِع مَنْ شِئْت مِنْ نِسَائِك وَجَوَارِيك مَا شِئْت بِغَيْرِ حِسَاب , وَاتْرُكْ جِمَاع مَنْ شِئْت مِنْهُنَّ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ مِنْ الْمُقَدَّم وَالْمُؤَخَّر. وَمَعْنَى الْكَلَام : هَذَا عَطَاؤُنَا بِغَيْرِ حِسَاب , فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ. وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : " هَذَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ عَطَاؤُنَا بِغَيْرِ حِسَاب " . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب مِنْ الْبَصْرِيِّينَ يَقُول فِي قَوْله : { بِغَيْرِ حِسَاب } وَجْهَانِ ; أَحَدهمَا : بِغَيْرِ جَزَاء وَلَا ثَوَاب , وَالْآخَر : مِنَّة وَلَا قِلَّة . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرْته عَنْ أَهْل التَّأْوِيل مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ : لَا يُحَاسَب عَلَى مَا أُعْطِيَ مِنْ ذَلِكَ الْمُلْك وَالسُّلْطَان . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ هُوَ الصَّوَاب لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل عَلَيْهِ .
وَقَوْله : { وَإِنَّ لَهُ عِنْدنَا لَزُلْفَى وَحُسْن مَآب } يَقُول : وَإِنَّ لِسُلَيْمَان عِنْدنَا لَقُرْبَة بِإِنَابَتِهِ إِلَيْنَا وَتَوْبَته وَطَاعَته لَنَا , وَحُسْن مَآب : يَقُول : وَحُسْن مَرْجِع وَمَصِير فِي الْآخِرَة , كَمَا : 23018 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَإِنَّ لَهُ عِنْدنَا لَزُلْفَى وَحُسْن مَآب } : أَيْ مَصِير . إِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَمَا وَجْه رَغْبَة سُلَيْمَان إِلَى رَبّه فِي الْمُلْك , وَهُوَ نَبِيّ مِنْ الْأَنْبِيَاء , وَإِنَّمَا يَرْغَب فِي الْمُلْك أَهْل الدُّنْيَا الْمُؤْثِرُونَ لَهَا عَلَى الْآخِرَة ؟ أَمْ مَا وَجْه مَسْأَلَته إِيَّاهُ , إِذْ سَأَلَهُ ذَلِكَ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْده , وَمَا كَانَ يَضُرّهُ أَنْ يَكُون كُلّ مَنْ بَعْده يُؤْتَى مِثْل الَّذِي أُوتِيَ مِنْ ذَلِكَ ؟ أَكَانَ بِهِ بُخْل بِذَلِكَ , فَلَمْ يَكُنْ مِنْ مُلْكه , يُعْطِي ذَلِكَ مَنْ يُعْطَاهُ , أَمْ حَسَد لِلنَّاسِ , كَمَا ذُكِرَ عَنْ الْحَجَّاج بْن يُوسُف ; فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ قَرَأَ قَوْله : { وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي } فَقَالَ : إِنْ كَانَ لَحَسُودًا , فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ أَخْلَاق الْأَنْبِيَاء ! قِيلَ : أَمَّا رَغْبَته إِلَى رَبّه فِيمَا يَرْغَب إِلَيْهِ مِنْ الْمُلْك , فَلَمْ تَكُنْ إِنْ شَاءَ اللَّه بِهِ رَغْبَة فِي الدُّنْيَا , وَلَكِنْ إِرَادَة مِنْهُ أَنْ يَعْلَم مَنْزِلَته مِنْ اللَّه فِي إِجَابَته فِيمَا رَغِبَ إِلَيْهِ فِيهِ , وَقَبُوله تَوْبَته , وَإِجَابَته دُعَاءَهُ. وَأَمَّا مَسْأَلَته رَبّه مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْده , فَإِنَّا قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا مَضَى قَبْل قَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : هَبْ لِي مُلْكًا لَا أَسْلُبهُ كَمَا سَلَبْته قَبْل . وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ عِنْد هَؤُلَاءِ : هَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي أَنْ يَسْلُبنِيهِ. وَقَدْ يُتَّجَه ذَلِكَ أَنْ يَكُون بِمَعْنَى : لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ سِوَايَ مِنْ أَهْل زَمَانِي , فَيَكُون حُجَّة وَعِلْمًا لِي عَلَى نُبُوَّتِي وَأَنِّي رَسُولك إِلَيْهِمْ مَبْعُوث , إِذْ كَانَتْ الرُّسُل لَا بُدّ لَهَا مِنْ أَعْلَام تُفَارِق بِهَا سَائِر النَّاس سِوَاهُمْ. وَيُتَّجَه أَيْضًا لِأَنْ يَكُون مَعْنَاهُ : وَهْب لِي مُلْكًا تَخُصّنِي بِهِ , لَا تُعْطِيه أَحَدًا غَيْرِي تَشْرِيفًا مِنْك لِي بِذَلِكَ , وَتَكْرِمَة , لِتُبَيِّن مَنْزِلَتِي مِنْك بِهِ مِنْ مَنَازِل مَنْ سِوَايَ , وَلَيْسَ فِي وَجْه مِنْ هَذِهِ الْوُجُوه مِمَّا ظَنَّهُ الْحَجَّاج فِي مَعْنَى ذَلِكَ شَيْء .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاذْكُرْ عَبْدنَا أَيُّوب إِذْ نَادَى رَبّه أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَان بِنُصْبٍ وَعَذَاب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَاذْكُرْ } أَيْضًا يَا مُحَمَّد } عَبْدنَا أَيُّوب إِذْ نَادَى رَبّه } مُسْتَغِيثًا بِهِ فِيمَا نَزَلَ بِهِ مِنْ الْبَلَاء : يَا رَبّ { أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَان بِنُصْبٍ } فَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { بِنُصْبٍ } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار خَلَا أَبِي جَعْفَر الْقَارِئ : { بِنُصْبٍ } بِضَمِّ النُّون وَسُكُون الصَّاد , وَقَرَأَ ذَلِكَ أَبُو جَعْفَر : بِضَمِّ النُّون وَالصَّاد كِلَيْهِمَا , وَقَدْ حُكِيَ عَنْهُ بِفَتْحِ النُّون وَالصَّاد ; وَالنُّصْب وَالنَّصَب بِمَنْزِلَةِ الْحُزْن وَالْحَزَن , وَالْعُدْم وَالْعَدَم , وَالرُّشْد وَالرَّشَد , وَالصُّلْب وَالصَّلَب. وَكَانَ الْفَرَّاء يَقُول : إِذَا ضُمَّ أَوَّله لَمْ يَثْقُل , لِأَنَّهُمْ جَعَلُوهُمَا عَلَى سَمْتَيْنِ : إِذَا فَتَحُوا أَوَّله ثَقَّلُوا , وَإِذَا ضَمُّوا أَوَّله خَفَّفُوا . قَالَ : وَأَنْشَدَنِي بَعْض الْعَرَب : لَئِنْ بَعَثَتْ أُمّ الْحُمَيْدَيْنِ مَائِرًا لَقَدْ غَنَيَتْ فِي غَيْر بُؤْس وَلَا جُحْد مِنْ قَوْلهمْ : جَحِدَ عَيْشه : إِذَا ضَاقَ وَاشْتَدَّ ; قَالَ : فَلَمَّا قَالَ جُحْد خَفَّفَ . وَقَالَ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب مِنْ الْبَصْرِيِّينَ : النُّصُب مِنْ الْعَذَاب . وَقَالَ : الْعَرَب تَقُول : أَنَصَبَنِي : عَذَّبَنِي وَبَرَّحَ بِي . قَالَ : وَبَعْضهمْ يَقُول : نَصَبَنِي , وَاسْتُشْهِدَ لِقِيلِهِ ذَلِكَ بِقَوْلِ بِشْر بْن أَبِي خَازِم : تَعَنَّاك نَصْب مِنْ أُمَيْمَة مُنْصِب كَذِي الشَّجْو لَمَّا يَسْلَهُ وَسَيَذْهَبُ وَقَالَ : يَعْنِي بِالنَّصْبِ : الْبَلَاء وَالشَّرّ ; وَمِنْهُ قَوْل نَابِغَة بَنِي ذُبْيَان : كِلِينِي لِهَمِّ يَا أُمَيْمَة نَاصِب وَلَيْل أُقَاسِيه بَطِيء الْكَوَاكِب قَالَ : وَالنَّصَب إِذَا فُتِحَتْ وَحُرِّكَتْ حُرُوفهَا كَانَتْ مِنْ الْإِعْيَاء. وَالنَّصْب إِذَا فُتِحَ أَوَّله وَسُكِّنَ ثَانِيه : وَاحِد أَنْصَاب الْحَرَم , وَكُلّ مَا نُصِبَ عَلَمًا , وَكَأَنَّ مَعْنَى النُّصْب فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْعِلَّة الَّتِي نَالَتْهُ فِي جَسَده وَالْعَنَاء الَّذِي لَاقَى فِيهِ , وَالْعَذَاب فِي ذَهَاب مَاله . وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدنَا مَا عَلَيْهِ قُرَّاء الْأَمْصَار , وَذَلِكَ الضَّمّ فِي النُّون وَالسُّكُون فِي الصَّاد . وَأَمَّا التَّأْوِيل فَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِيهِ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23019 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَاذْكُرْ عَبْدنَا أَيُّوب } حَتَّى بَلَغَ : { بِنُصْبٍ وَعَذَاب } : ذَهَاب الْمَال وَالْأَهْل , وَالضُّرّ الَّذِي أَصَابَهُ فِي جَسَده , قَالَ : اُبْتُلِيَ سَبْع سِنِينَ وَأَشْهُرًا مُلْقًى عَلَى كُنَاسَة لِبَنِي إِسْرَائِيل تَخْتَلِف الدَّوَابّ فِي جَسَده , فَفَرَّجَ اللَّه عَنْهُ , وَعَظَّمَ لَهُ الْأَجْر , وَأَحْسَنَ عَلَيْهِ الثَّنَاء. 23020 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ . ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { مَسَّنِيَ الشَّيْطَان بِنُصْبٍ وَعَذَاب } قَالَ . نُصْب فِي جَسَدِي , وَعَذَاب فِي مَالِي . 23021 - حُدِّثْت عَنْ الْمُحَارِبِيّ , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَان بِنُصْبٍ } يَعْنِي : الْبَلَاء فِي الْجَسَد { وَعَذَاب } قَوْله : { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَة فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } 42 30
وَقَوْله : { اُرْكُضْ بِرِجْلِك } وَمَعْنَى الْكَلَام : إِذْ نَادَى رَبّه مُسْتَغِيثًا بِهِ , أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَان بِبَلَاءٍ فِي جَسَدِي , وَعَذَاب بِذَهَابِ مَالِي وَوَلَدِي , فَاسْتَجَبْنَا لَهُ , وَقُلْنَا لَهُ : اُرْكُضْ بِرِجْلِك الْأَرْض : أَيْ حَرِّكْهَا وَادْفَعْهَا بِرِجْلِك , وَالرَّكْض : حَرَكَة الرِّجْل , يُقَال مِنْهُ : رَكَضَتْ الدَّابَّة , وَلَا تَرْكُض ثَوْبك بِرِجْلِك . وَقِيلَ : إِنَّ الْأَرْض الَّتِي أُمِرَ أَيُّوب أَنْ يَرْكُضهَا بِرِجْلِهِ : الْجَابِيَة. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23022 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { اُرْكُضْ بِرِجْلِك . .. } الْآيَة , قَالَ : ضَرَبَ بِرِجْلِهِ الْأَرْض , أَرْضًا يُقَال لَهَا الْجَابِيَة .
وَقَوْله : { هَذَا مُغْتَسَل بَارِد وَشَرَاب } ذُكِرَ أَنَّهُ نَبَعَتْ لَهُ حِين ضَرَبَ بِرِجْلِهِ الْأَرْض عَيْنَانِ , فَشَرِبَ مِنْ إِحْدَاهُمَا , وَاغْتَسَلَ مِنْ الْأُخْرَى . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23023- حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : ضَرَبَ بِرِجْلِهِ الْأَرْض , فَإِذَا عَيْنَانِ تَنْبُعَانِ , فَشَرِبَ مِنْ إِحْدَاهُمَا , وَاغْتَسَلَ مِنْ الْأُخْرَى . 23024 -حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ بَعْض أَهْل الْعِلْم , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه { اُرْكُضْ بِرِجْلِك هَذَا مُغْتَسَل بَارِد وَشَرَاب } قَالَ : فَرَكَضَ بِرِجْلِهِ , فَانْفَجَرَتْ لَهُ عَيْن . فَدَخَلَ فِيهَا وَاغْتَسَلَ , فَأَذْهَبَ اللَّه عَنْهُ كُلّ مَا كَانَ مِنْ الْبَلَاء . 23025 - حَدَّثَنِي بِشْر بْن آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو قُتَيْبَة , قَالَ : ثنا أَبُو هِلَال , قَالَ : سَمِعْت الْحَسَن , فِي قَوْل اللَّه : { اُرْكُضْ بِرِجْلِك } فَرَكَضَ بِرِجْلِهِ , فَنَبَعَتْ عَيْن فَاغْتَسَلَ مِنْهَا , ثُمَّ مَشَى نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا , ثُمَّ رَكَضَ بِرِجْلِهِ , فَنَبَعَتْ عَيْن , فَشَرِبَ مِنْهَا , فَذَلِكَ قَوْله : { اُرْكُضْ بِرِجْلِك هَذَا مُغْتَسَل بَارِد وَشَرَاب } وَعَنَى بِقَوْلِهِ : { مُغْتَسَل } : مَا يُغْتَسَل بِهِ مِنْ الْمَاء , يُقَال مِنْهُ : هَذَا مُغْتَسَل , وَغَسُول لِلَّذِي يُغْتَسَل بِهِ مِنْ الْمَاء . وَقَوْله : { وَشَرَاب } يَعْنِي : وَيُشْرَب مِنْهُ , وَالْمَوْضِع الَّذِي يُغْتَسَل فِيهِ يُسَمَّى مُغْتَسَلًا.
وَقَوْله : { هَذَا مُغْتَسَل بَارِد وَشَرَاب } ذُكِرَ أَنَّهُ نَبَعَتْ لَهُ حِين ضَرَبَ بِرِجْلِهِ الْأَرْض عَيْنَانِ , فَشَرِبَ مِنْ إِحْدَاهُمَا , وَاغْتَسَلَ مِنْ الْأُخْرَى . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23023- حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : ضَرَبَ بِرِجْلِهِ الْأَرْض , فَإِذَا عَيْنَانِ تَنْبُعَانِ , فَشَرِبَ مِنْ إِحْدَاهُمَا , وَاغْتَسَلَ مِنْ الْأُخْرَى . 23024 -حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ بَعْض أَهْل الْعِلْم , عَنْ وَهْب بْن مُنَبِّه { اُرْكُضْ بِرِجْلِك هَذَا مُغْتَسَل بَارِد وَشَرَاب } قَالَ : فَرَكَضَ بِرِجْلِهِ , فَانْفَجَرَتْ لَهُ عَيْن . فَدَخَلَ فِيهَا وَاغْتَسَلَ , فَأَذْهَبَ اللَّه عَنْهُ كُلّ مَا كَانَ مِنْ الْبَلَاء . 23025 - حَدَّثَنِي بِشْر بْن آدَم , قَالَ : ثنا أَبُو قُتَيْبَة , قَالَ : ثنا أَبُو هِلَال , قَالَ : سَمِعْت الْحَسَن , فِي قَوْل اللَّه : { اُرْكُضْ بِرِجْلِك } فَرَكَضَ بِرِجْلِهِ , فَنَبَعَتْ عَيْن فَاغْتَسَلَ مِنْهَا , ثُمَّ مَشَى نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا , ثُمَّ رَكَضَ بِرِجْلِهِ , فَنَبَعَتْ عَيْن , فَشَرِبَ مِنْهَا , فَذَلِكَ قَوْله : { اُرْكُضْ بِرِجْلِك هَذَا مُغْتَسَل بَارِد وَشَرَاب } وَعَنَى بِقَوْلِهِ : { مُغْتَسَل } : مَا يُغْتَسَل بِهِ مِنْ الْمَاء , يُقَال مِنْهُ : هَذَا مُغْتَسَل , وَغَسُول لِلَّذِي يُغْتَسَل بِهِ مِنْ الْمَاء . وَقَوْله : { وَشَرَاب } يَعْنِي : وَيُشْرَب مِنْهُ , وَالْمَوْضِع الَّذِي يُغْتَسَل فِيهِ يُسَمَّى مُغْتَسَلًا.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْله وَمِثْلهمْ مَعَهُمْ رَحْمَة مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَاب } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى قَوْله : { وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْله وَمِثْلهمْ مَعَهُمْ } وَقَدْ ذَكَرْنَا اِخْتِلَافهمْ فِي ذَلِكَ وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل عِنْدنَا فِيهِ فِي سُورَة الْأَنْبِيَاء بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . فَتَأْوِيل الْكَلَام : فَاغْتَسَلَ وَشَرِبَ , فَفَرَّجْنَا عَنْهُ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ الْبَلَاء , وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْله , مِنْ زَوْجَة وَوَلَد { وَمِثْلهمْ مَعَهُمْ رَحْمَة مِنَّا } لَهُ وَرَأْفَة { وَذِكْرَى } يَقُول : وَتَذْكِيرًا لِأُولِي الْعُقُول , لِيَعْتَبِرُوا بِهَا فَيَتَّعِظُوا . وَقَدْ : 23026 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي نَافِع بْن يَزِيد , عَنْ عُقَيْل , عَنْ اِبْن شِهَاب , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ نَبِيّ اللَّه أَيُّوب لَبِثَ بِهِ بَلَاؤُهُ ثَمَانِي عَشْرَة سَنَة , فَرَفَضَهُ الْقَرِيب وَالْبَعِيد , إِلَّا رَجُلَانِ مِنْ إِخْوَانه كَانَا مِنْ أَخَصّ إِخْوَانه بِهِ , كَانَا يَغْدُوَانِ إِلَيْهِ وَيَرُوحَانِ , فَقَالَ أَحَدهمَا لِصَاحِبِهِ : تَعْلَم وَاَللَّه لَقَدْ أَذْنَبَ أَيُّوب ذَنْبًا مَا أَذْنَبَهُ أَحَد مِنْ الْعَالَمِينَ , قَالَ لَهُ صَاحِبه : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ : مِنْ ثَمَانِي عَشَرَة سَنَة لَمْ يَرْحَمهُ اللَّه فَيَكْشِف مَا بِهِ ; فَلَمَّا رَاحَا إِلَيْهِ لَمْ يَصْبِر الرَّجُل حَتَّى ذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ , فَقَالَ أَيُّوب : لَا أَدْرِي مَا تَقُول , غَيْر أَنَّ اللَّه يَعْلَم أَنِّي كُنْت أَمُرّ عَلَى رَجُلَيْنِ يَتَنَازَعَانِ فَيَذْكُرَانِ اللَّه , فَأَرْجِع إِلَى بَيْتِي فَأُكَفِّر عَنْهُمَا كَرَاهِيَة أَنْ يُذْكَر اللَّه إِلَّا فِي حَقّ ; قَالَ : وَكَانَ يَخْرُج إِلَى حَاجَته , فَإِذَا قَضَاهَا أَمْسَكَتْ اِمْرَأَته بِيَدِهِ حَتَّى يَبْلُغ فَلَمَّا كَانَ ذَات يَوْم أَبْطَأَ عَلَيْهَا , وَأُوحِيَ إِلَى أَيُّوب فِي مَكَانه : { أَنْ اُرْكُضْ بِرِجْلِك هَذَا مُغْتَسَل بَارِد وَشَرَاب } فَاسْتَبْطَأَتْهُ , فَتَلَقَّتْهُ تَنْظُر , فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا قَدْ أَذْهَبَ اللَّه مَا بِهِ مِنْ الْبَلَاء , وَهُوَ عَلَى أَحْسَن مَا كَانَ ; فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ : أَيْ بَارَكَ اللَّه فِيك , هَلْ رَأَيْت نَبِيّ اللَّه هَذَا الْمُبْتَلَى , فَوَاَللَّهِ عَلَى ذَلِكَ مَا رَأَيْت أَحَدًا أَشْبَه بِهِ مِنْك إِذْ كَانَ صَحِيحًا ؟ قَالَ : فَإِنِّي أَنَا هُوَ ; قَالَ : وَكَانَ لَهُ أَنْدَرَانِ : أَنْدَر لِلْقَمْحِ , وَأَنْدَر لِلشَّعِيرِ , فَبَعَثَ اللَّه سَحَابَتَيْنِ , فَلَمَّا كَانَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى أَنْدَر الْقَمْح , أَفْرَغَتْ فِيهِ الذَّهَب حَتَّى فَاضَ , وَأَفْرَغَتْ الْأُخْرَى فِي أَنْدَر الشَّعِير الْوَرِق حَتَّى فَاضَ " . 23027 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْله وَمِثْلهمْ مَعَهُمْ } قَالَ : قَالَ الْحَسَن وَقَتَادَة : فَأَحْيَاهُمْ اللَّه بِأَعْيَانِهِمْ , وَزَادَهُمْ مِثْلهمْ . 23028 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَوْف , قَالَ : ثنا أَبُو الْمُغِيرَة , قَالَ : ثنا صَفْوَان , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن جُبَيْر , قَالَ : لَمَّا اُبْتُلِيَ نَبِيّ اللَّه أَيُّوب صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَالِهِ وَوَلَده وَجَسَده , وَطُرِحَ فِي مَزْبَلَة , جَعَلَتْ اِمْرَأَته تَخْرُج تَكْسِب عَلَيْهِ مَا تُطْعِمهُ , فَحَسَدَهُ الشَّيْطَان عَلَى ذَلِكَ , وَكَانَ يَأْتِي أَصْحَاب الْخُبْز وَالشَّوِيّ الَّذِينَ كَانُوا يَتَصَدَّقُونَ عَلَيْهَا , فَيَقُول : اُطْرُدُوا هَذِهِ الْمَرْأَة الَّتِي تَغْشَاكُمْ , فَإِنَّهَا تُعَالِج صَاحِبهَا وَتَلْمِسهُ بِيَدِهَا , فَالنَّاس يَتَقَذَّرُونَ طَعَامكُمْ مِنْ أَجْل أَنَّهَا تَأْتِيكُمْ وَتَغْشَاكُمْ عَلَى ذَلِكَ ; وَكَانَ يَلْقَاهَا إِذَا خَرَجَتْ كَالْمَحْزُونِ لِمَا لَقِيَ أَيُّوب , فَيَقُول : لَجَّ صَاحِبك , فَأَبَى إِلَّا مَا أَتَى , فَوَاَللَّهِ لَوْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَة لَكَشَفَ عَنْهُ كُلّ ضُرّ , وَلَرَجَعَ إِلَيْهِ مَاله وَوَلَده , فَتَجِيء , فَتُخْبِر أَيُّوب , فَيَقُول لَهَا : لَقِيَك عَدُوّ اللَّه فَلَقَّنَك هَذَا الْكَلَام ; وَيْلك , إِنَّمَا مَثَلك كَمَثَلِ الْمَرْأَة الزَّانِيَة إِذَا جَاءَ صَدِيقهَا بِشَيْءٍ قَبَّلَتْهُ وَأَدْخَلَتْهُ , وَإِنْ لَمْ يَأْتِهَا بِشَيْءٍ طَرَدَتْهُ , وَأَغْلَقَتْ بَابهَا عَنْهُ ! لَمَّا أَعْطَانَا اللَّه الْمَال وَالْوَلَد آمَنَّا بِهِ , وَإِذَا قَبَضَ الَّذِي لَهُ مِنَّا نَكْفُر بِهِ , وَنُبَدِّل غَيْره ! إِنْ أَقَامَنِي اللَّه مِنْ مَرَضِي هَذَا لَأَجْلِدَنك مِئَة , قَالَ : فَلِذَلِكَ قَالَ اللَّه : { وَخُذْ بِيَدِك ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَث }
وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ↓
وَقَوْله : { وَخُذْ بِيَدِك ضِغْثًا } يَقُول : وَقُلْنَا لِأَيُّوب : خُذْ بِيَدِك ضِغْثًا , وَهُوَ مَا يُجْمَع مِنْ شَيْء مِثْل حُزْمَة الرُّطَبَة , وَكَمِلْءِ الْكَفّ مِنْ الشَّجَر أَوْ الْحَشِيش وَالشَّمَارِيخ وَنَحْو ذَلِكَ مِمَّا قَامَ عَلَى سَاق ; وَمِنْهُ قَوْل عَوْف بْن الْخَرِع : وَأَسْفَل مِنِّي نَهْدَة قَدْ رَبَطْتهَا وَأَلْقَيْت ضِغْثًا مِنْ خَلًّا مُتَطَيِّب وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23029- حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثني عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة عَنْ عَلِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَخُذْ بِيَدِك ضِغْثًا } يَقُول : حُزْمَة . 23030 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَخُذْ بِيَدِك ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَث } قَالَ : أُمِرَ أَنْ يَأْخُذ ضِغْثًا مِنْ رُطَبَة بِقَدْرِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَيَضْرِب بِهِ . 23031 -حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , فِي قَوْله : { وَخُذْ بِيَدِك ضِغْثًا } قَالَ : عِيدَانًا رُطَبَة . 23032 -حَدَّثَنَا أَبُو هِشَام الرِّفَاعِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم بْن الْمُهَاجِر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس { وَخُذْ بِيَدِك ضِغْثًا } قَالَ : هُوَ الْأَثْل . 23033- حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَخُذْ بِيَدِك ضِغْثًا } . . الْآيَة , قَالَ : كَانَتْ اِمْرَأَته قَدْ عَرَضَتْ لَهُ بِأَمْرٍ , وَأَرَادَهَا إِبْلِيس عَلَى شَيْء , فَقَالَ : لَوْ تَكَلَّمَتْ بِكَذَا وَكَذَا , وَإِنَّمَا حَمَلَهَا عَلَيْهَا الْجَزَع , فَحَلَفَ نَبِيّ اللَّه : لَئِنْ اللَّه شَفَاهُ لَيَجْلِدَنهَا مِئَة جَلْدَة ; قَالَ : فَأُمِرَ بِغُصْنٍ فِيهِ تِسْعَة وَتِسْعُونَ قَضِيبًا , وَالْأَصْل تَكْمِلَة الْمِئَة , فَضَرَبَهَا ضَرْبَة وَاحِدَة , فَأَبَرَّ نَبِيّ اللَّه , وَخَفَّفَ اللَّه عَنْ أُمَّته , وَاَللَّه رَحِيم . 23034 -حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَخُذْ بِيَدِك ضِغْثًا } يَعْنِي : ضِغْثًا مِنْ الشَّجَر الرُّطَب , كَانَ حَلَفَ عَلَى يَمِين , فَأَخَذَ مِنْ الشَّجَر عَدَد مَا حَلَفَ عَلَيْهِ , فَضَرَبَ بِهِ ضَرْبَة وَاحِدَة , فَبَرَّتْ يَمِينه , وَهُوَ الْيَوْم فِي النَّاس يَمِين أَيُّوب , مَنْ أَخَذَ بِهَا فَهُوَ حَسَن . 23035 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَخُذْ بِيَدِك ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَث } قَالَ : ضِغْثًا وَاحِدًا مِنْ الْكَلَأ فِيهِ أَكْثَر مِنْ مِئَة عُود , فَضَرَبَ بِهِ ضَرْبَة وَاحِدَة , فَذَلِكَ مِئَة ضَرْبَة . 23036 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَوْف , قَالَ : ثنا أَبُو الْمُغِيرَة , قَالَ : ثنا صَفْوَان , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن جُبَيْر { وَخُذْ بِيَدِك ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ } يَقُول : فَاضْرِبْ زَوْجَتك بِالضِّغْثِ , لِتَبَرّ فِي يَمِينك الَّتِي حَلَفْت بِهَا عَلَيْهَا أَنْ تَضْرِبهَا { وَلَا تَحْنَث } يَقُول : وَلَا تَحْنَث فِي يَمِينك .
وَقَوْله : { إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْد } يَقُول : إِنَّا وَجَدْنَا أَيُّوب صَابِرًا عَلَى الْبَلَاء , لَا يَحْمِلهُ الْبَلَاء عَلَى الْخُرُوج عَنْ طَاعَة اللَّه , وَالدُّخُول فِي مَعْصِيَته { نِعْمَ الْعَبْد إِنَّهُ أَوَّاب } يَقُول : إِنَّهُ عَلَى طَاعَة اللَّه مُقْبِل , وَإِلَى رِضَاهُ رَجَّاع .
وَقَوْله : { إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْد } يَقُول : إِنَّا وَجَدْنَا أَيُّوب صَابِرًا عَلَى الْبَلَاء , لَا يَحْمِلهُ الْبَلَاء عَلَى الْخُرُوج عَنْ طَاعَة اللَّه , وَالدُّخُول فِي مَعْصِيَته { نِعْمَ الْعَبْد إِنَّهُ أَوَّاب } يَقُول : إِنَّهُ عَلَى طَاعَة اللَّه مُقْبِل , وَإِلَى رِضَاهُ رَجَّاع .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاذْكُرْ عِبَادنَا إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَار } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { عِبَادنَا } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار : { وَاذْكُرْ عِبَادنَا } عَلَى الْجِمَاع غَيْر اِبْن كَثِير , فَإِنَّهُ ذُكِرَ عَنْهُ أَنَّهُ قَرَأَهُ : " وَاذْكُرْ عَبْدنَا " عَلَى التَّوْحِيد , كَأَنَّهُ يُوَجِّه الْكَلَام إِلَى أَنَّ إِسْحَاق وَيَعْقُوب مِنْ ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم , وَأَنَّهُمَا ذُكِرَا مِنْ بَعْده. 23037 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو , عَنْ عَطَاء , سَمِعَ اِبْن عَبَّاس يَقْرَأ : " وَاذْكُرْ عَبْدنَا إِنَّ إِبْرَاهِيم " قَالَ : إِنَّمَا ذَكَرَ إِبْرَاهِيم , ثُمَّ ذَكَرَ وَلَده بَعْده. وَالصَّوَاب عِنْده مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ , قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ عَلَى الْجِمَاع , عَلَى أَنَّ إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب بَيَان عَنْ الْعِبَاد , وَتَرْجَمَة عَنْهُ , لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهِ . وَقَوْله : { أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَار } وَيَعْنِي بِالْأَيْدِي : الْقُوَّة , يَقُول : أَهْل الْقُوَّة عَلَى عِبَادَة اللَّه وَطَاعَته . وَيَعْنِي بِالْأَبْصَارِ : أَنَّهُمْ أَهْل أَبْصَار الْقُلُوب , يَعْنِي بِهِ : أُولِي الْعُقُول لِلْحَقِّ. وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ فِي ذَلِكَ نَحْوًا مِمَّا قُلْنَا فِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23038 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { أُولِي الْأَيْدِي } يَقُول : أُولِي الْقُوَّة وَالْعِبَادَة , وَالْأَبْصَار يَقُول : الْفِقْه فِي الدِّين . 23039 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَار } قَالَ : فُضِّلُوا بِالْقُوَّةِ وَالْعِبَادَة . 23040 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة { أُولِي الْأَيْدِي } قَالَ : الْقُوَّة . 23041 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { أُولِي الْأَيْدِي } قَالَ : الْقُوَّة فِي أَمْر اللَّه . 23042 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَمْرو , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد { أُولِي الْأَيْدِي } قَالَ : الْأَيْدِي : الْقُوَّة فِي أَمْر اللَّه , { وَالْأَبْصَار } : الْعُقُول . 23043 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَار } قَالَ : الْقُوَّة فِي طَاعَة اللَّه , { وَالْأَبْصَار } : قَالَ : الْبَصَر فِي الْحَقّ . 23044 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَار } يَقُول : أُعْطُوا قُوَّة فِي الْعِبَادَة , وَبَصَرًا فِي الدِّين . 23045 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَار } قَالَ : الْأَيْدِي : الْقُوَّة فِي طَاعَة اللَّه , وَالْأَبْصَار : الْبَصَر بِعُقُولِهِمْ فِي دِينهمْ . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَار } قَالَ : الْأَيْدِي : الْقُوَّة , وَالْأَبْصَار : الْعُقُول . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَمَا الْأَيْدِي مِنْ الْقُوَّة , وَالْأَيْدِي إِنَّمَا هِيَ جَمْع يَد , وَالْيَد جَارِحَة , وَمَا الْعُقُول مِنْ الْأَبْصَار , وَإِنَّمَا الْأَبْصَار جَمْع بَصَر ؟ قِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ مَثَل , وَذَلِكَ أَنَّ بِالْيَدِ الْبَطْش , وَبِالْبَطْشِ تُعْرَف قُوَّة الْقَوِيّ , فَلِذَلِكَ قِيلَ لِلْقَوِيِّ : ذُو يَد ; وَأَمَّا الْبَصَر , فَإِنَّهُ عُنِيَ بِهِ بَصَر الْقَلْب , وَبِهِ تُنَال مَعْرِفَة الْأَشْيَاء , فَلِذَلِكَ قِيلَ لِلرَّجُلِ الْعَالِم بِالشَّيْءِ : يَصِير بِهِ . وَقَدْ يُمْكِن أَنْ يَكُون عُنِيَ بِقَوْلِهِ : { أُولِي الْأَيْدِي } : أُولِي الْأَيْدِي عِنْد اللَّه بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَة , فَجَعَلَ اللَّه أَعْمَالهمْ الصَّالِحَة الَّتِي عَمِلُوهَا فِي الدُّنْيَا أَيْدِيًا لَهُمْ عِنْد اللَّه تَمْثِيلًا لَهَا بِالْيَدِ , تَكُون عِنْد الرَّجُل الْآخَر . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ عَبْد اللَّه أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ : " أُولِي الْأَيْد " بِغَيْرِ يَاء , وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون ذَلِكَ مِنْ التَّأْيِيد , وَأَنْ يَكُون بِمَعْنَى الْأَيْدِي , وَلَكِنَّهُ أَسْقَطَ مِنْهُ الْيَاء , كَمَا قِيلَ : { يَوْم يُنَادِي الْمُنَادِ } 50 41 .
وَقَوْله عَزَّ وَجَلَّ : { إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّا خَصَصْنَاهُمْ بِخَاصَّةِ : ذَكَرَ الدَّار . وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّار } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة : " بِخَالِصَةِ ذِكْرَى الدَّار " بِإِضَافَةِ خَالِصَة إِلَى ذِكْرَى الدَّار , بِمَعْنَى : أَنَّهُمْ أَخْلِصُوا بِخَالِصَةِ الذِّكْرَى , وَالذِّكْرَى إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ غَيْر الْخَالِصَة , كَمَا الْمُتَكَبِّر إِذَا قُرِئَ : " عَلَى كُلّ قَلْب مُتَكَبِّر " بِإِضَافَةِ الْقَلْب إِلَى الْمُتَكَبِّر , هُوَ الَّذِي لَهُ الْقَلْب وَلَيْسَ بِالْقَلْبِ . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْعِرَاق : { بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّار } بِتَنْوِينِ قَوْله : { خَالِصَة } وَرَدّ ذِكْرَى عَلَيْهَا , عَلَى أَنَّ الدَّار هِيَ الْخَالِصَة , فَرَدُّوا الذِّكْر وَهِيَ مَعْرِفَة عَلَى خَالِصَة , وَهِيَ نَكِرَة , كَمَا قِيلَ : لَشَرّ مَآب : جَهَنَّم , فَرَدَّ جَهَنَّم وَهِيَ مَعْرِفَة عَلَى الْمَآب وَهِيَ نَكِرَة . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قَرَأَة الْأَمْصَار , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل , فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ هِيَ ذِكْرَى الدَّار : أَيْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُذَكِّرُونَ النَّاس الدَّار الْآخِرَة , وَيَدْعُونَهُمْ إِلَى طَاعَة اللَّه , وَالْعَمَل لِلدَّارِ الْآخِرَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23046 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّار } قَالَ : بِهَذِهِ أَخْلَصَهُمْ اللَّه , كَانُوا يَدْعُونَ إِلَى الْآخِرَة وَإِلَى اللَّه . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ أَخْلَصَهُمْ بِعَمَلِهِمْ لِلْآخِرَةِ وَذِكْرهمْ لَهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23047 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن الْحَسَن الْأَزْدِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّار } قَالَ : بِذِكْرِ الْآخِرَة فَلَيْسَ لَهُمْ هُمْ غَيْرهَا. 23048 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّار } قَالَ : بِذِكْرِهِمْ الدَّار الْآخِرَة , وَعَمَلهمْ لِلْآخِرَةِ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِأَفْضَل مَا فِي الْآخِرَة ; وَهَذَا التَّأْوِيل عَلَى قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ بِالْإِضَافَةِ . وَأَمَّا الْقَوْلَانِ الْأَوَّلَانِ فَعَلَى تَأْوِيل قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ بِالتَّنْوِينِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23049 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : " إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّار " قَالَ : بِأَفْضَل مَا فِي الْآخِرَة أَخْلَصْنَاهُمْ بِهِ , وَأَعْطَيْنَاهُمْ إِيَّاهُ ; قَالَ : وَالدَّار : الْجَنَّة , وَقَرَأَ : { تِلْكَ الدَّار الْآخِرَة نَجْعَلهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْض } 28 83 قَالَ : الْجَنَّة , وَقَرَأَ : { وَلَنِعْمَ دَار الْمُتَّقِينَ } 16 30 قَالَ : هَذَا كُلّه الْجَنَّة , وَقَالَ : أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَيْرِ الْآخِرَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : خَالِصَة عُقْبَى الدَّار . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23050 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ شَرِيك , عَنْ سَالِم الْأَفْطَس , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر { بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّار } قَالَ : عُقْبَى الدَّار. وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : بِخَالِصَةٍ أَهْل الدَّار. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23051 - حُدِّثْت عَنْ اِبْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : ثني اِبْن أَبِي نَجِيح , أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُول : { بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّار } هُمْ أَهْل الدَّار ; وَذُو الدَّار , كَقَوْلِك : ذُو الْكُلَاع , وَذُو يَزِن. وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب مِنْ الْبَصْرِيِّينَ يَتَأَوَّل ذَلِكَ عَلَى الْقِرَاءَة بِالتَّنْوِينِ { بِخَالِصَةٍ } عَمَل فِي ذِكْر الْآخِرَة. وَأَوْلَى الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عَلَى قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ بِالتَّنْوِينِ أَنْ يُقَال : مَعْنَاهُ : إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ هِيَ ذِكْرَى الدَّار الْآخِرَة , فَعَمِلُوا لَهَا فِي الدُّنْيَا , فَأَطَاعُوا اللَّه وَرَاقَبُوهُ ; وَقَدْ يَدْخُل فِي وَصْفهمْ بِذَلِكَ أَنْ يَكُون مِنْ صِفَتهمْ أَيْضًا الدُّعَاء إِلَى اللَّه وَإِلَى الدَّار الْآخِرَة , لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ طَاعَة اللَّه , وَالْعَمَل لِلدَّارِ الْآخِرَة , غَيْر أَنَّ مَعْنَى الْكَلِمَة مَا ذُكِرَتْ . وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ بِالْإِضَافَةِ , فَأَنْ يُقَال : مَعْنَاهُ : إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةِ مَا ذُكِرَ فِي الدَّار الْآخِرَة ; فَلَمَّا لَمْ تُذْكَر " فِي " أُضِيفَتْ الذِّكْرَى إِلَى الدَّار كَمَا قَدْ بَيَّنَّا قَبْل فِي مَعْنَى قَوْله : { لَا يَسْأَم الْإِنْسَان مِنْ دُعَاء الْخَيْر } 41 49 , وَقَوْله : { بِسُؤَالِ نَعْجَتك إِلَى نِعَاجه } 38 24
وَقَوْله : { وَإِنَّهُمْ عِنْدنَا لَمِنْ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَار } يَقُول : وَإِنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرْنَا عِنْدنَا لَمِنْ الَّذِينَ اِصْطَفَيْنَاهُمْ لِذِكْرَى الْآخِرَة الْأَخْيَار , الَّذِينَ اِخْتَرْنَاهُمْ لِطَاعَتِنَا وَرِسَالَتنَا إِلَى خَلْقنَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيل وَاَلْيَسَع وَذَا الْكِفْل وَكُلّ مِنْ الْأَخْيَار } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّد إِسْمَاعِيل وَاَلْيَسَع وَذَا الْكِفْل , وَمَا أَبْلَوْا فِي طَاعَة اللَّه , فَتَأَسَّ بِهِمْ , وَاسْلُكْ مِنْهَاجهمْ فِي الصَّبْر عَلَى مَا نَالَك فِي اللَّه , وَالنَّفَاذ لِبَلَاغِ رِسَالَته . وَقَدْ بَيَّنَّا قَبْل مِنْ أَخْبَار إِسْمَاعِيل وَاَلْيَسَع وَذَا الْكِفْل فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا مَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَالْكِفْل فِي كَلَام الْعَرَب : الْحَظّ وَالْجَدّ .
وَقَوْله : { هَذَا ذِكْر } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَذَا الْقُرْآن الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْك يَا مُحَمَّد ذِكْر لَك وَلِقَوْمِك , ذَكَّرْنَاك وَإِيَّاهُمْ بِهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23052 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { هَذَا ذِكْر } قَالَ : الْقُرْآن .
وَقَوْله : { وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْن مَآب } يَقُول : وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ اِتَّقُوا اللَّه فَخَافُوهُ بِأَدَاءِ فَرَائِضه , وَاجْتِنَاب مَعَاصِيه , لَحُسْن مَرْجِع يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ فِي الْآخِرَة , وَمَصِير يَصِيرُونَ إِلَيْهِ. ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْره عَنْ ذَلِكَ الَّذِي وَعَدَهُ مِنْ حُسْن الْمَآب مَا هُوَ , فَقَالَ : { جَنَّات عَدْن مُفَتَّحَة لَهُمْ الْأَبْوَاب } 23053 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْن مَآب } قَالَ : لَحُسْن مُنْقَلَب.
وَقَوْله : { وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْن مَآب } يَقُول : وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ اِتَّقُوا اللَّه فَخَافُوهُ بِأَدَاءِ فَرَائِضه , وَاجْتِنَاب مَعَاصِيه , لَحُسْن مَرْجِع يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ فِي الْآخِرَة , وَمَصِير يَصِيرُونَ إِلَيْهِ. ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْره عَنْ ذَلِكَ الَّذِي وَعَدَهُ مِنْ حُسْن الْمَآب مَا هُوَ , فَقَالَ : { جَنَّات عَدْن مُفَتَّحَة لَهُمْ الْأَبْوَاب } 23053 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْن مَآب } قَالَ : لَحُسْن مُنْقَلَب.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { جَنَّات عَدْن مُفَتَّحَة لَهُمْ الْأَبْوَاب } قَوْله تَعَالَى ذِكْره : { جَنَّات عَدْن } : بَيَان عَنْ حُسْن الْمَآب , وَتَرْجَمَة عَنْهُ , وَمَعْنَاهُ : بَسَاتِين إِقَامَة . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ , وَذَكَرْنَا مَا فِيهِ مِنْ الِاخْتِلَاف فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع. وَقَدْ : 23054 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { جَنَّات عَدْن } قَالَ : سَأَلَ عُمَر كَعْبًا مَا عَدْن ؟ قَالَ : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ , قُصُور فِي الْجَنَّة مِنْ ذَهَب يَسْكُنهَا النَّبِيُّونَ وَالصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء وَأَئِمَّة الْعَدْل . وَقَوْله : { مُفَتَّحَة لَهُمْ الْأَبْوَاب } يَعْنِي : مُفَتَّحَة لَهُمْ أَبْوَابهَا ; وَأُدْخِلَتْ الْأَلِف وَاللَّام فِي الْأَبْوَاب بَدَلًا مِنْ الْإِضَافَة , كَمَا قِيلَ : { فَإِنَّ الْجَنَّة هِيَ الْمَأْوَى } 79 41 بِمَعْنَى : هِيَ مَأْوَاهُ , وَكَمَا قَالَ الشَّاعِر : مَا وَلَدَتْكُمْ حَيَّة اِبْنَة مَالِك سِفَاحًا وَمَا كَانَتْ أَحَادِيث كَاذِب وَلَكِنْ نَرَى أَقْدَامنَا فِي نِعَالكُمْ وَآنُفنَا بَيْن اللِّحَى وَالْحَوَاجِب بِمَعْنَى : بَيْن لِحَاكُم وَحَوَاجِبكُمْ ; وَلَوْ كَانَتْ الْأَبْوَاب جَاءَتْ بِالنَّصْبِ لَمْ يَكُنْ لَحْنًا , وَكَانَ نَصْبه عَلَى تَوْجِيه الْمُفَتَّحَة فِي اللَّفْظ إِلَى جَنَّات , وَإِنْ كَانَ فِي الْمَعْنَى لِلْأَبْوَابِ , وَكَانَ كَقَوْلِ الشَّاعِر : وَمَا قَوْمِي بِثَعْلَبَة بْن سَعْد وَلَا بِفَزَارَة الشِّعْر الرِّقَابَا ثُمَّ نُوِّنَتْ مُفَتَّحَة , وَنُصِبَتْ الْأَبْوَاب . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَمَا فِي قَوْله : { مُفَتَّحَة لَهُمْ الْأَبْوَاب } مِنْ فَائِدَة خَبَر حَتَّى ذَكَرَ ذَلِكَ ؟ قِيلَ : فَإِنَّ الْفَائِدَة فِي ذَلِكَ إِخْبَار اللَّه تَعَالَى عَنْهَا أَنَّ أَبْوَابهَا تُفَتَّح لَهُمْ بِغَيْرِ فَتْح سُكَّانهَا إِيَّاهَا , بِمُعَانَاةٍ بِيَدٍ وَلَا جَارِحَة , وَلَكِنَّ بِالْأَمْرِ فِيمَا ذُكِرَ , كَمَا : 23055 -حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الْوَلِيد الرَّمْلِيّ , قَالَ : ثنا اِبْن نُفَيْل , قَالَ : ثنا اِبْن دُعَيْج , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { مُفَتَّحَة لَهُمْ الْأَبْوَاب } قَالَ : أَبْوَاب تُكَلَّم , فَتُكَلَّم : اِنْفَتِحِي , اِنْغَلِقِي .
وَقَوْله : { مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَة وَشَرَاب } يَقُول : مُتَّكِئِينَ فِي جَنَّات عَدْن , عَلَى سُرُر يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ , يَعْنِي بِثِمَارٍ مِنْ ثِمَار الْجَنَّة كَثِيرَة , وَشَرَاب مِنْ شَرَابهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَعِنْدهمْ قَاصِرَات الطَّرْف أَتْرَاب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : عِنْد هَؤُلَاءِ الْمُتَّقِينَ الَّذِينَ أَكْرَمَهُمْ اللَّه بِمَا وَصَفَ فِي هَذِهِ الْآيَة مِنْ إِسْكَانهمْ جَنَّات عَدْن { قَاصِرَات الطَّرْف } يَعْنِي : نِسَاء قَصُرَتْ أَطْرَافهنَّ عَلَى أَزْوَاجهنَّ , فَلَا يُرِدْنَ غَيْرهمْ , وَلَا يَمْدُدْنَ أَعْيُنهنَّ إِلَى سِوَاهُمْ , كَمَا : 23056 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَعِنْدهمْ قَاصِرَات الطَّرْف } قَالَ : قَصَرْنَ طَرْفهمْ عَلَى أَزْوَاجهمْ , فَلَا يُرِدْنَ غَيْرهمْ . 230570 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { قَاصِرَات الطَّرْف } قَالَ : قَصَرْنَ أَبْصَارهنَّ وَقُلُوبهنَّ وَأَسْمَاعهنَّ عَلَى أَزْوَاجهنَّ , قَلَّا يُرِدْنَ غَيْرهمْ . وَقَوْله : { أَتْرَاب } يَعْنِي : أَسْنَان وَاحِدَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل عَلَى اِخْتِلَاف بَيْن أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23058 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { قَاصِرَات الطَّرْف أَتْرَاب } قَالَ : أَمْثَال . 23059 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { أَتْرَاب } سِنّ وَاحِدَة . 23060 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { أَتْرَاب } قَالَ : مُسْتَوِيَات . قَالَ : وَقَالَ بَعْضهمْ : مُتَوَاخِيَات لَا يَتَبَاغَضْنَ , وَلَا يَتَعَادَيْنَ , وَلَا يَتَغَايَرْنَ , وَلَا يَتَحَاسَدْنَ .
وَقَوْله : { هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَاب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَذَا الَّذِي يَعِدكُمْ اللَّه فِي الدُّنْيَا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِهِ مِنْ الْكَرَامَة لِمَنْ أَدْخَلَهُ اللَّه الْجَنَّة مِنْكُمْ فِي الْآخِرَة , كَمَا : 23061 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَاب } قَالَ : هُوَ فِي الدُّنْيَا لِيَوْمِ الْقِيَامَة .
وَقَوْله : { إِنَّ هَذَا لَرِزْقنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَاد } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ هَذَا الَّذِي أَعْطَيْنَا هَؤُلَاءِ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّات عَدْن مِنْ الْفَاكِهَة الْكَثِيرَة وَالشَّرَاب , وَالْقَاصِرَات الطَّرْف , وَمَكَّنَاهُمْ فِيهَا مِنْ الْوُصُول إِلَى اللَّذَّات وَمَا اِشْتَهَتْهُ فِيهَا أَنْفُسهمْ لِرِزْقِنَا , رَزَقْنَاهُمْ فِيهَا كَرَامَة مِنَّا لَهُمْ { مَا لَهُ مِنْ نَفَاد } يَقُول : لَيْسَ لَهُ عَنْهُمْ اِنْقِطَاع وَلَا لَهُ فَنَاء , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كُلَّمَا أَخَذُوا ثَمَرَة مِنْ ثِمَار شَجَرَة مِنْ أَشْجَارهَا , فَأَكَلُوهَا , عَادَتْ مَكَانهَا أُخْرَى مِثْلهَا , فَذَلِكَ لَهُمْ دَائِم أَبَدًا , لَا يَنْقَطِع اِنْقِطَاع مَا كَانَ أَهْل الدُّنْيَا أُوتُوهُ فِي الدُّنْيَا , فَانْقَطَعَ بِالْفَنَاءِ , وَنَفِدَ بِالْإِنْفَادِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23062- حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { إِنَّ هَذَا لَرِزْقنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَاد } قَالَ : رِزْق الْجَنَّة , كُلَّمَا أُخِذَ مِنْهُ شَيْء عَادَ مِثْله مَكَانه , وَرِزْق الدُّنْيَا لَهُ نَفَاد . 23063 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { مَا لَهُ مِنْ نَفَاد } : أَيْ مَا لَهُ اِنْقِطَاع .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرّ مَآب } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { هَذَا } : الَّذِي وَصَفْت لِهَؤُلَاءِ الْمُتَّقِينَ : ثُمَّ اِسْتَأْنَفَ جَلَّ وَعَزَّ الْخَبَر عَنْ الْكَافِرِينَ بِهِ الَّذِينَ طَغَوْا عَلَيْهِ وَبَغَوْا , فَقَالَ : { وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ } وَهُمْ الَّذِينَ تَمَرَّدُوا عَلَى رَبّهمْ , فَعَصَوْا أَمْره مَعَ إِحْسَانه إِلَيْهِمْ { لَشَرّ مَآب } يَقُول : لَشَرّ مَرْجِع وَمَصِير يَصِيرُونَ إِلَيْهِ فِي الْآخِرَة بَعْد خُرُوجهمْ مِنْ الدُّنْيَا , كَمَا : 23064 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرّ مَآب } قَالَ : لَشَرّ مُنْقَلَب .
ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى ذِكْره : مَا ذَلِكَ الَّذِي إِلَيْهِ يَنْقَلِبُونَ وَيَصِيرُونَ فِي الْآخِرَة , فَقَالَ : { جَهَنَّم يَصْلَوْنَهَا } فَتَرْجَمَ عَنْ جَهَنَّم بِقَوْلِهِ : { لَشَرّ مَآب } وَمَعْنَى الْكَلَام : إِنَّ لِلْكَافِرِينَ لَشَرّ مَصِير يَصِيرُونَ إِلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة , لِأَنَّ مَصِيرهمْ إِلَى جَهَنَّم , وَإِلَيْهَا مُنْقَلَبهمْ بَعْد وَفَاتهمْ { فَبِئْسَ الْمِهَاد } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَبِئْسَ الْفِرَاش الَّذِي اِفْتَرَشُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ جَهَنَّم.
وَقَوْله : { هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيم وَغَسَّاق } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَذَا حَمِيم , وَهُوَ الَّذِي قَدْ أُغْلِيَ حَتَّى اِنْتَهَى حَرّه , وَغَسَّاق فَلْيَذُوقُوهُ ; فَالْحَمِيم مَرْفُوع بِهَذَا , وَقَوْله : { فَلْيَذُوقُوهُ } مَعْنَاهُ التَّأْخِير , لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام مَا ذَكَرْت , وَهُوَ : هَذَا حَمِيم وَغَسَّاق فَلْيَذُوقُوهُ . وَقَدْ يُتَّجَه إِلَى أَنْ يَكُون هَذَا مُكْتَفِيًا بِقَوْلِهِ فَلْيَذُوقُوهُ ثُمَّ يُبْتَدَأ فَيُقَال : حَمِيم وَغَسَّاق , بِمَعْنَى : مِنْهُ حَمِيم وَمِنْهُ غَسَّاق ; كَمَا قَالَ الشَّاعِر : حَتَّى إِذَا أَضَاءَ الصُّبْح فِي غَلَس وَغُودِرَ الْبَقْل مَلْوِيّ وَمَحْصُود وَإِذَا وُجِّهَ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى جَازَ فِي هَذَا النَّصْب وَالرَّفْع . النَّصْب : عَلَى أَنْ يُضْمَر قَبْلهَا لَهَا نَاصِب , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : زِيَادَتنَا نُعْمَان لَا تَحْرِمَنَّنَا وَا تَّقِ اللَّه فِينَا وَالْكِتَاب الَّذِي تَتْلُو وَالرَّفْع بِالْهَاءِ فِي قَوْله : { فَلْيَذُوقُوهُ } كَمَا يُقَال : اللَّيْلَ فَبَادِرُوهُ , وَاللَّيْلُ فَبَادِرُوهُ. 23065- حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيم وَغَسَّاق } قَالَ : الْحَمِيم : الَّذِي قَدْ اِنْتَهَى حَرّه . 23066 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : الْحَمِيم دُمُوع أَعْيُنهمْ , تُجْمَع فِي حِيَاض النَّار فَيُسْقَوْنَهُ . وَقَوْله : { وَغَسَّاق } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَته , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز وَالْبَصْرَة وَبَعْض الْكُوفِيِّينَ وَالشَّام بِالتَّخْفِيفِ : " وَغَسَّاق " وَقَالُوا : هُوَ اِسْم مَوْضُوع . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة : { وَغَسَّاق } مُشَدَّدَة , وَوَجَّهُوهُ إِلَى أَنَّهُ صِفَة مِنْ قَوْلهمْ : غَسَق يَغْسِق غُسُوقًا : إِذَا سَالَ , وَقَالُوا : إِنَّمَا مَعْنَاهُ : أَنَّهُمْ يُسْقَوْنَ الْحَمِيم , وَمَا يَسِيل مِنْ صَدِيدهمْ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا عُلَمَاء مِنْ الْقُرَّاء , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب , وَإِنْ كَانَ التَّشْدِيد فِي السِّين أَتَمّ عِنْدنَا فِي ذَلِكَ , لِأَنَّ الْمَعْرُوف ذَلِكَ فِي الْكَلَام , وَإِنْ كَانَ الْآخَر غَيْر مَدْفُوعَة صِحَّته . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ مَا يَسِيل مِنْ جُلُودهمْ مِنْ الصَّدِيد وَالدَّم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23067 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيم وَغَسَّاق } قَالَ : كُنَّا نُحَدِّث أَنَّ الْغَسَّاق : مَا يَسِيل مِنْ بَيْن جِلْده وَلَحْمه . 23068 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : الْغَسَّاق : الَّذِي يَسِيل مِنْ أَعْيُنهمْ مِنْ دُمُوعهمْ , يُسْقَوْنَهُ مَعَ الْحَمِيم . 23069 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : الْغَسَّاق : مَا يَسِيل مِنْ سُرْمهمْ , وَمَا يَسْقُط مِنْ جُلُودهمْ . 23070 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد { الْغَسَّاق } : الصَّدِيد الَّذِي يُجْمَع مِنْ جُلُودهمْ مِمَّا تُصْهِرهُمْ النَّار فِي حِيَاض يَجْتَمِع فِيهَا فَيَسْقُونَهُ . 23071 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن عُثْمَان بْن صَالِح السَّهْمِيّ , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثنا اِبْن لَهِيعَة , قَالَ : ثني أَبُو قَبِيل أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُبَيْرَة الزِّيَادِيّ يَقُول : سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن عَمْرو يَقُول : أَيّ شَيْء الْغَسَّاق ؟ قَالُوا : اللَّه أَعْلَم , فَقَالَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو : هُوَ الْقَيْح الْغَلِيظ , لَوْ أَنَّ قَطْرَة مِنْهُ تُهْرَاق فِي الْمَغْرِب لَأَنْتَنَتْ أَهْل الْمَشْرِق , وَلَوْ تُهْرَاق فِي الْمَشْرِق لَأَنْتَنَتْ أَهْل الْمَغْرِب . 23072 -قَالَ يَحْيَى بْن عُثْمَان , قَالَ أَبِي : ثنا اِبْن لَهِيعَة مَرَّة أُخْرَى , فَقَالَ : ثنا أَبُو قَبِيل , عَنْ عَبْد اللَّه بْن هُبَيْرَة , وَلَمْ يَذْكُر لَنَا أَبَا هُبَيْرَة. 23073 - حَدَّثَنَا اِبْن عَوْف , قَالَ : ثنا أَبُو الْمُغِيرَة , قَالَ : ثنا صَفْوَان , قَالَ : ثنا أَبُو يَحْيَى عَطِيَّة الْكُلَاعِيّ , أَنَّ كَعْبًا كَانَ يَقُول : هَلْ تَدْرُونَ مَا غَسَّاق ؟ قَالُوا : لَا وَاَللَّه , قَالَ : عَيْن فِي جَهَنَّم يَسِيل إِلَيْهَا حُمَة كُلّ ذَات حُمَة مِنْ حَيَّة أَوْ عَقْرَب أَوْ غَيْرهَا , فَيُسْتَنْقَع فَيُؤْتَى بِالْآدَمِيِّ , فَيُغْمَس فِيهَا غَمْسَة وَاحِدَة , فَيَخْرُج وَقَدْ سَقَطَ جِلْده وَلَحْمه عَنْ الْعِظَام . حَتَّى يَتَعَلَّق جِلْده فِي كَعْبَيْهِ وَعَقِبَيْهِ , وَيَنْجَرّ لَحْمه كَجَرِّ الرَّجُل ثَوْبه . وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ الْبَارِد الَّذِي لَا يُسْتَطَاع مِنْ بَرْده. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23074 - حُدِّثْت عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد { وَغَسَّاق } قَالَ : بَارِد لَا يُسْتَطَاع , أَوْ قَالَ : بَرْد لَا يُسْتَطَاع . 23075 -حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك { هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيم وَغَسَّاق } قَالَ : يُقَال : الْغَسَّاق : أَبْرَد الْبَرْد , وَيَقُول آخَرُونَ : لَا ; بَلْ هُوَ أَنْتَن النَّتْن . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ الْمُنْتِن . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23076 - حُدِّثْت عَنْ الْمُسَيِّب , عَنْ إِبْرَاهِيم النُّكْرِيّ , عَنْ صَالِح بْن حَيَّان , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن بُرَيْدَة , قَالَ : الْغَسَّاق : الْمُنْتِن , وَهُوَ بِالطُّخَارِيّة. 23077 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثني عَمْرو بْن الْحَارِث , عَنْ دَرَّاج , عَنْ أَبِي الْهَيْثَم , عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ , أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَوْ أَنَّ دَلْوًا مِنْ غَسَّاق يُهْرَاق فِي الدُّنْيَا لَأَنْتَنَ أَهْل الدُّنْيَا " . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : هُوَ مَا يَسِيل مِنْ صَدِيدهمْ , لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَغْلَب مِنْ مَعْنَى الْغُسُوق , وَإِنْ كَانَ لِلْآخَرِ وَجْه صَحِيح .
وَقَوْله : { وَآخَر مِنْ شَكْله أَزْوَاج } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْكُوفَة { وَآخَر مِنْ شَكْله أَزْوَاج } عَلَى التَّوْحِيد , بِمَعْنَى : هَذَا حَمِيم وَغَسَّاق فَلْيَذُوقُوهُ , وَعَذَاب آخَر مِنْ نَحْو الْحَمِيم أَلْوَان وَأَنْوَاع , كَمَا يُقَال : لَك عَذَاب مِنْ فُلَان : ضُرُوب وَأَنْوَاع ; وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون مُرَادًا بِالْأَزْوَاجِ الْخَبَر عَنْ الْحَمِيم وَالْغَسَّاق , وَآخَر مِنْ شَكْله , وَذَلِكَ ثَلَاثَة , فَقِيلَ أَزْوَاج , يُرَاد أَنْ يَنْعَت بِالْأَزْوَاجِ تِلْكَ الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض الْمَكِّيِّينَ وَبَعْض الْبَصْرِيِّينَ : " وَأُخَر " عَلَى الْجِمَاع , وَكَأَنَّ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ عِنْده لَا يَصْلُح أَنْ يَكُون الْأَزْوَاج وَهِيَ جَمْع نَعْتًا لِوَاحِدٍ , فَلِذَلِكَ جَمْع أُخَر , لِتَكُونَ الْأَزْوَاج نَعْتًا لَهَا ; وَالْعَرَب لَا تَمْنَع أَنْ يُنْعَت الِاسْم إِذَا كَانَ فِعْلًا بِالْكَثِيرِ وَالْقَلِيل وَالِاثْنَيْنِ كَمَا بَيَّنَّا , فَتَقُول : عَذَاب فُلَان أَنْوَاع , وَنَوْعَانِ مُخْتَلِفَانِ . وَأَعْجَب الْقِرَاءَتَيْنِ إِلَى أَنْ أَقْرَأ بِهَا : { وَآخَر } عَلَى التَّوْحِيد , وَإِنْ كَانَتْ الْأُخْرَى صَحِيحَة لِاسْتِفَاضَةِ الْقِرَاءَة بِهَا فِي قُرَّاء الْأَمْصَار ; وَإِنَّمَا اِخْتَرْنَا التَّوْحِيد لِأَنَّهُ أَصَحّ مَخْرَجًا فِي الْعَرَبِيَّة , وَأَنَّهُ فِي التَّفْسِير بِمَعْنَى التَّوْحِيد. وَقِيلَ إِنَّهُ الزَّمْهَرِير . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23078 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ مُرَّة , عَنْ عَبْد اللَّه { وَآخَر مِنْ شَكْله أَزْوَاج } قَالَ الزَّمْهَرِير. * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ مُرَّة , عَنْ عَبْد اللَّه , بِمِثْلِهِ . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة , عَنْ سُفْيَان , عَنْ السُّدِّيّ , عَمَّنْ أَخْبَرَهُ عَنْ عَبْد اللَّه بِمِثْلِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : عَذَاب الزَّمْهَرِير. * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , قَالَ : هُوَ الزَّمْهَرِير . 23079 - حُدِّثْت عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ مُبَارَك بْن فَضَالَة , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : ذَكَرَ اللَّه الْعَذَاب , فَذَكَرَ السَّلَاسِل وَالْأَغْلَال , وَمَا يَكُون فِي الدُّنْيَا , ثُمَّ قَالَ : { وَآخَر مِنْ شَكْله أَزْوَاج } قَالَ : وَآخَر لَمْ يُرَ فِي الدُّنْيَا. وَأَمَّا قَوْله : { مِنْ شَكْله } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : مِنْ ضَرْبه , وَنَحْوه يَقُول الرَّجُل لِلرَّجُلِ : مَا أَنْتَ مِنْ شَكْلِي , بِمَعْنَى : مَا أَنْتَ مِنْ ضَرْبِي بِفَتْحِ الشِّين . وَأَمَّا الشَّكْل فَإِنَّهُ مِنْ الْمَرْأَة مَا عَلَّقَتْ مِمَّا تَتَحَسَّن بِهِ , وَهُوَ الدَّلّ أَيْضًا مِنْهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23080 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَآخَر مِنْ شَكْله أَزْوَاج } يَقُول : مِنْ نَحْوه . 23081 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَآخَر مِنْ شَكْله أَزْوَاج } مِنْ نَحْوه . 23082 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَآخَر مِنْ شَكْله أَزْوَاج } قَالَ : مِنْ كُلّ شَكْل ذَلِكَ الْعَذَاب الَّذِي سَمَّى اللَّه , أَزْوَاج لَمْ يُسَمِّهَا اللَّه , قَالَ : وَالشَّكْل : الشَّبِيه . وَقَوْله : { أَزْوَاج } يَعْنِي : أَلْوَان وَأَنْوَاع . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23083- حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِي رَجَاء , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { وَآخَر مِنْ شَكْله أَزْوَاج } قَالَ : أَلْوَان مِنْ الْعَذَاب . 23084 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { أَزْوَاج } زَوْج زَوْج مِنْ الْعَذَاب . 23085 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { أَزْوَاج } قَالَ : أَزْوَاج مِنْ الْعَذَاب فِي النَّار .
وَقَوْله : { هَذَا فَوْج مُقْتَحِم مَعَكُمْ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { هَذَا فَوْج } هَذَا فِرْقَة وَجَمَاعَة مُقْتَحِمَة مَعَكُمْ أَيّهَا الطَّاغُونَ النَّار , وَذَلِكَ دُخُول أُمَّة مِنْ الْأُمَم الْكَافِرَة بَعْد أُمَّة ; { لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّار } وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه عَنْ قِيل الطَّاغِينَ الَّذِينَ كَانُوا قَدْ دَخَلُوا النَّار قَبْل هَذَا الْفَوْج الْمُقْتَحِم لِلْفَوْجِ الْمُقْتَحِم فِيهَا عَلَيْهِمْ , لَا مَرْحَبًا بِهِمْ , وَلَكِنَّ الْكَلَام اِتَّصَلَ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَوْل وَاحِد , كَمَا قِيلَ : { يُرِيد أَنْ يُخْرِجكُمْ مِنْ أَرْضكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } 7 110 فَاتَّصَلَ قَوْل فِرْعَوْن بِقَوْلِ مَلَئِهِ , وَهَذَا كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ أَهْل النَّار : { كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّة لَعَنَتْ أُخْتهَا } 7 38 وَيَعْنِي بِقَوْلِهِمْ : { لَا مَرْحَبًا بِهِمْ } لَا اِتَّسَعَتْ بِهِمْ مَدَاخِلهمْ , كَمَا قَالَ أَبُو الْأَسْوَد : لَا مَرْحَب وَادِيك غَيْر مُضَيَّق وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23086 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { هَذَا فَوْج مُقْتَحِم مَعَكُمْ } فِي النَّار { لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّار قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ } . . حَتَّى بَلَغَ : { فَبِئْسَ الْقَرَار } قَالَ : هَؤُلَاءِ التُّبَّاع يَقُولُونَ لِلرُّءُوسِ. 23087 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { هَذَا فَوْج مُقْتَحِم مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ } قَالَ : الْفَوْج : الْقَوْم الَّذِينَ يَدْخُلُونَ فَوْجًا بَعْد فَوْج , وَقَرَأَ : { كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّة لَعَنَتْ أُخْتهَا } 7 38 الَّتِي كَانَتْ قَبْلهَا . وَقَوْله : { إِنَّهُمْ صَالُوا النَّار } يَقُول : إِنَّهُمْ وَارِدُو النَّار وَدَاخِلُوهَا .
{ قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ } يَقُول : قَالَ الْفَوْج الْوَارِدُونَ جَهَنَّم عَلَى الطَّاغِينَ الَّذِينَ وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ صِفَتهمْ لَهُمْ : بَلْ أَنْتُمْ أَيّهَا الْقَوْم لَا مَرْحَبًا بِكُمْ : أَيْ لَا اِتَّسَعَتْ بِكُمْ أَمَاكِنكُمْ , { أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا } يَعْنُونَ : أَنْتُمْ قَدَّمْتُمْ لَنَا سُكْنَى هَذَا الْمَكَان , وَصِلِي النَّار بِإِضْلَالِكُمْ إِيَّانَا , وَدُعَائِكُمْ لَنَا إِلَى الْكُفْر بِاَللَّهِ , وَتَكْذِيب رُسُله , حَتَّى ضَلَلْنَا بِاتِّبَاعِكُمْ , فَاسْتَوْجَبْنَا سُكْنَى جَهَنَّم الْيَوْم , فَذَلِكَ تَقْدِيمهمْ لَهُمْ مَا قَدَّمُوا فِي الدُّنْيَا مِنْ عَذَاب اللَّه لَهُمْ فِي الْآخِرَة { فَبِئْسَ الْقَرَار } يَقُول : فَبِئْسَ الْمَكَان يَسْتَقِرّ فِيهِ جَهَنَّم