الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالُوا رَبّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّار } وَهَذَا أَيْضًا قَوْل الْفَوْج الْمُقْتَحِم عَلَى الطَّاغِينَ , وَهُمْ كَانُوا أَتْبَاع الطَّاغِينَ فِي الدُّنْيَا , يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَقَالَ الْأَتْبَاع : { رَبّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا } يَعْنُونَ : مَنْ قَدَّمَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا بِدُعَائِهِمْ إِلَى الْعَمَل الَّذِي يُوجِب لَهُمْ النَّار الَّتِي وَرَدُوهَا , وَسُكْنَى الْمَنْزِل الَّذِي سَكَنُوهُ مِنْهَا . وَيَعْنُونَ بِقَوْلِهِمْ { هَذَا } : الْعَذَاب الَّذِي وَرَدْنَاهُ { فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّار } يَقُولُونَ : فَأَضْعِفْ لَهُ الْعَذَاب فِي النَّار عَلَى الْعَذَاب الَّذِي هُوَ فِيهِ فِيهَا , وَهَذَا أَيْضًا مِنْ دُعَاء الْأَتْبَاع لِلْمَتْبُوعِينَ.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدّهُمْ مِنْ الْأَشْرَار } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ الطَّاغُونَ الَّذِينَ وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ صِفَتهمْ فِي هَذِهِ الْآيَات , وَهُمْ فِيمَا ذُكِرَ أَبُو جَهْل وَالْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة وَذَوُوهمَا : { مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا } يَقُول : مَا بَالنَا لَا نَرَى مَعَنَا فِي النَّار رِجَالًا { كُنَّا نَعُدّهُمْ مِنْ الْأَشْرَار } يَقُول : كُنَّا نَعُدّهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ أَشْرَارنَا , وَعَنَوْا بِذَلِكَ فِيمَا ذُكِرَ صُهَيْبًا وَخَبَّابًا وَبِلَالًا وَسُلَيْمَان . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23088- حَدَّثَنِي مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدّهُمْ مِنْ الْأَشْرَار } قَالَ : ذَاكَ أَبُو جَهْل بْن هِشَام وَالْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة , وَذُكِرَ أُنَاسًا صُهَيْبًا وَعَمَّارًا وَخَبَّابًا , كُنَّا نَعُدّهُمْ مِنْ الْأَشْرَار فِي الدُّنْيَا . * - حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت لَيْثًا يَذْكُر عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدّهُمْ مِنْ الْأَشْرَار } قَالَ : قَالُوا : أَيْنَ سُلَيْمَان ؟ أَيْنَ خَبَّاب ؟ أَيْنَ بِلَال ؟ .
وَقَوْله : { أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَته , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالشَّام وَبَعْض قُرَّاء الْكُوفَة : { أَتَّخَذْنَاهُمْ } بِفَتْحِ الْأَلِف مِنْ أَتَّخَذْنَاهُمْ , وَقَطَعَهَا عَلَى وَجْه الِاسْتِفْهَام , وَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة وَالْبَصْرَة , وَبَعْض قُرَّاء مَكَّة بِوَصْلِ الْأَلِف مِنْ الْأَشْرَار : " اِتَّخَذْنَاهُمْ " . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى قَبْل , أَنَّ كُلّ اِسْتِفْهَام كَانَ بِمَعْنَى التَّعَجُّب وَالتَّوْبِيخ , فَإِنَّ الْعَرَب تَسْتَفْهِم فِيهِ أَحْيَانًا , وَتُخْرِجُهُ عَلَى وَجْه الْخَبَر أَحْيَانًا . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ بِالْوَصْلِ عَلَى غَيْر وَجْه الِاسْتِفْهَام , لِتَقَدُّمِ الِاسْتِفْهَام قَبْل ذَلِكَ فِي قَوْله : { مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا } فَيَصِير قَوْله : " اِتَّخَذْنَاهُمْ " بِالْخَبَرِ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ لِلِاسْتِفْهَامِ وَجْه مَفْهُوم لِمَا وَصَفْت قَبْل مِنْ أَنَّهُ بِمَعْنَى التَّعَجُّب . وَإِذْ كَانَ الصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ مَا اِخْتَرْنَا لِمَا وَصَفْنَا , فَمَعْنَى الْكَلَام : وَقَالَ الطَّاغُونَ : مَا لَنَا لَا نَرَى سُلَيْمَان وَبِلَالًا وَخَبَّابًا الَّذِينَ كُنَّا نَعُدّهُمْ فِي الدُّنْيَا أَشْرَارًا , اِتَّخَذْنَاهُمْ فِيهَا سِخْرِيًّا نَهْزَأ بِهِمْ فِيهَا مَعَنَا الْيَوْم فِي النَّار ؟ . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِالْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْل الْبَصْرَة يَقُول : مَنْ كَسَرَ السِّين مِنْ السِّخْرِيّ , فَإِنَّهُ يُرِيد بِهِ الْهُزْء , يُرِيد يَسْخَر بِهِ , وَمَنْ ضَمَّهَا فَإِنَّهُ يَجْعَلهُ مِنْ السُّخْرَة , يَسْتَسْخِرُونَهُم : يَسْتَذِلُّونَهُمْ , أَزَاغَتْ عَنْهُمْ أَبْصَارنَا وَهُمْ مَعَنَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23089 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد { أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمْ الْأَبْصَار } يَقُول : أَهُمْ فِي النَّار لَا نَعْرِف مَكَانهمْ ؟ . 23090 - وَحُدِّثْت عَنْ الْمُحَارِبِيّ , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك { قَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدّهُمْ مِنْ الْأَشْرَار } قَالَ : هُمْ قَوْم كَانُوا يَسْخَرُونَ مِنْ مُحَمَّد وَأَصْحَابه , فَانْطُلِقَ بِهِ وَبِأَصْحَابِهِ إِلَى الْجَنَّة وَذُهِبَ بِهِمْ إِلَى النَّار ف { قَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدّهُمْ مِنْ الْأَشْرَار أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمْ الْأَبْصَار } يَقُولُونَ : أَزَاغَتْ أَبْصَارنَا عَنْهُمْ فَلَا نَدْرِي أَيْنَ هُمْ ؟. 23091 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا } قَالَ : أَخْطَأْنَاهُمْ { أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمْ الْأَبْصَار } وَلَا نَرَاهُمْ ؟ . 23092 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدّهُمْ مِنْ الْأَشْرَار } قَالَ : فَقَدُوا أَهْل الْجَنَّة { أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا } فِي الدُّنْيَا { أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمْ الْأَبْصَار } وَهُمْ مَعَنَا فِي النَّار .
وَقَوْله : { إِنَّ ذَلِكَ لَحَقّ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ هَذَا الَّذِي أَخْبَرْتُكُمْ أَيّهَا النَّاس مِنْ الْخَبَر عَنْ تَرَاجُع أَهْل النَّار , وَلَعْن بَعْضهمْ بَعْضًا , وَدُعَاء بَعْضهمْ عَلَى بَعْض فِي النَّار لَحَقّ يَقِين , فَلَا تَشُكُّوا فِي ذَلِكَ , وَلَكِنْ اِسْتَيْقِنُوهُ تَخَاصُم أَهْل النَّار .
وَقَوْله : { تَخَاصُم } رَدّ عَلَى قَوْله : { لَحَقّ } وَمَعْنَى الْكَلَام : إِنَّ تَخَاصُم أَهْل النَّار الَّذِي أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ لَحَقّ . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة مِنْ أَهْل الْبَصْرَة يُوَجِّه مَعْنَى قَوْله : { أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمْ الْأَبْصَار } إِلَى : بَلْ زَاغَتْ عَنْهُمْ . 23093 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { إِنَّ ذَلِكَ لَحَقّ تَخَاصُم أَهْل النَّار } فَقَرَأَ : { تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَال مُبِين إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ } 26 97 : 98 وَقَرَأَ : { يَوْم نَحْشُرهُمْ جَمِيعًا } 10 28 ... حَتَّى بَلَغَ : { إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتكُمْ لَغَافِلِينَ } 10 29 قَالَ : إِنْ كُنْتُمْ تَعْبُدُونَنَا كَمَا تَقُولُونَ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتكُمْ لَغَافِلِينَ , مَا كُنَّا نَسْمَع وَلَا نُبْصِر , قَالَ : وَهَذِهِ الْأَصْنَام , قَالَ : هَذِهِ خُصُومَة أَهْل النَّار , وَقَرَأَ : { وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } 6 24 قَالَ : وَضَلَّ عَنْهُمْ يَوْم الْقِيَامَة مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ فِي الدُّنْيَا .
وَقَوْله : { تَخَاصُم } رَدّ عَلَى قَوْله : { لَحَقّ } وَمَعْنَى الْكَلَام : إِنَّ تَخَاصُم أَهْل النَّار الَّذِي أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ لَحَقّ . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة مِنْ أَهْل الْبَصْرَة يُوَجِّه مَعْنَى قَوْله : { أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمْ الْأَبْصَار } إِلَى : بَلْ زَاغَتْ عَنْهُمْ . 23093 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { إِنَّ ذَلِكَ لَحَقّ تَخَاصُم أَهْل النَّار } فَقَرَأَ : { تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَال مُبِين إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ } 26 97 : 98 وَقَرَأَ : { يَوْم نَحْشُرهُمْ جَمِيعًا } 10 28 ... حَتَّى بَلَغَ : { إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتكُمْ لَغَافِلِينَ } 10 29 قَالَ : إِنْ كُنْتُمْ تَعْبُدُونَنَا كَمَا تَقُولُونَ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتكُمْ لَغَافِلِينَ , مَا كُنَّا نَسْمَع وَلَا نُبْصِر , قَالَ : وَهَذِهِ الْأَصْنَام , قَالَ : هَذِهِ خُصُومَة أَهْل النَّار , وَقَرَأَ : { وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ } 6 24 قَالَ : وَضَلَّ عَنْهُمْ يَوْم الْقِيَامَة مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ فِي الدُّنْيَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِر وَمَا مِنْ إِلَه إِلَّا اللَّه الْوَاحِد الْقَهَّار } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { قُلْ } يَا مُحَمَّد لِمُشْرِكِي قَوْمك . { إِنَّمَا أَنَا مُنْذِر } لَكُمْ يَا مَعْشَر قُرَيْش بَيْن يَدَيْ عَذَاب شَدِيد , أُنْذِركُمْ عَذَاب اللَّه وَسَخَطه أَنْ يَحُلّ بِكُمْ عَلَى كُفْركُمْ بِهِ , فَأَحْذَرُوهُ وَبَادِرُوا حُلُوله بِكُمْ بِالتَّوْبَةِ { وَمَا مِنْ إِلَه إِلَّا اللَّه الْوَاحِد الْقَهَّار } يَقُول : وَمَا مِنْ مَعْبُود تَصْلُح لَهُ الْعِبَادَة , وَتَنْبَغِي لَهُ الرُّبُوبِيَّة , إِلَّا اللَّه الَّذِي يَدِين لَهُ كُلّ شَيْء , وَيَعْبُدهُ كُلّ خَلْق , الْوَاحِد الَّذِي لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُون لَهُ فِي مُلْكه شَرِيك , وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُون لَهُ صَاحِبَة , الْقَهَّار لِكُلِّ مَا دُونه بِقُدْرَتِهِ ,
رَبّ السَّمَوَات وَالْأَرْض , يَقُول : مَالِك السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا مِنْ الْخَلْق ; يَقُول : فَهَذَا الَّذِي هَذِهِ صِفَته , هُوَ الْإِلَه الَّذِي لَا إِلَه سِوَاهُ , لَا الَّذِي لَا يَمْلِك شَيْئًا , وَلَا يَضُرّ , وَلَا يَنْفَع. وَقَوْله : { الْعَزِيز الْغَفَّار } يَقُول : الْعَزِيز فِي نِقْمَته مِنْ أَهْل الْكُفْر بِهِ , الْمُدَّعِينَ مَعَهُ إِلَهًا غَيْره , الْغَفَّار لِذُنُوبِ مَنْ تَابَ مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرهمْ مِنْ كُفْره وَمَعَاصِيه , فَأَنَابَ إِلَى الْإِيمَان بِهِ , وَالطَّاعَة لَهُ بِالِانْتِهَاءِ إِلَى أَمْره وَنَهْيه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ هُوَ نَبَأ عَظِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { قُلْ } يَا مُحَمَّد لِقَوْمِك الْمُكَذِّبِيكَ فِيمَا جِئْتهمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه مِنْ هَذَا الْقُرْآن , الْقَائِلِينَ لَك فِيهِ : إِنْ هَذَا إِلَّا اِخْتِلَاق { هُوَ نَبَأ عَظِيم } يَقُول : هَذَا الْقُرْآن خَبَر عَظِيم . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23094- حَدَّثَنِي عَبْد الْأَعْلَى بْن وَاصِل الْأَسَدِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ شِبْل بْن عِبَاد , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { قُلْ هُوَ نَبَأ عَظِيم أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ } قَالَ : الْقُرْآن . 23095 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا هِشَام , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ شُرَيْح , أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ : أَتَقْضِي عَلَيَّ بِالنَّبَأِ ؟ قَالَ : فَقَالَ لَهُ شُرَيْح : أَوَ لَيْسَ الْقُرْآن نَبَأ ؟ قَالَ : وَتَلَا هَذِهِ الْآيَة : { قُلْ هُوَ نَبَأ عَظِيم } قَالَ : وَقَضَى عَلَيْهِ . 23096 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { قُلْ هُوَ نَبَأ عَظِيم أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ } قَالَ : الْقُرْآن .
وَقَوْله : { أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ } يَقُول : أَنْتُمْ عَنْهُ مُنْصَرِفُونَ لَا تَعْمَلُونَ بِهِ , وَلَا تُصَدِّقُونَ بِمَا فِيهِ مِنْ حِجَج اللَّه وَآيَاته.
وَقَوْله : { مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْم بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى } يَقُول لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِمُشْرِكِي قَوْمك : { مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْم بِالْمَلَأِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ } فِي شَأْن آدَم مِنْ قَبْل أَنْ يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي فَيُعْلِمنِي ذَلِكَ , يَقُول : فَفِي إِخْبَارِي لَكُمْ عَنْ ذَلِكَ دَلِيل وَاضِح عَلَى أَنَّ هَذَا الْقُرْآن وَحْي مِنْ اللَّه وَتَنْزِيل مِنْ عِنْده , لِأَنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ عِلْم ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عِنْدِي قَبْل نُزُول هَذَا الْقُرْآن , وَلَا هُوَ مِمَّا شَاهَدْته فَعَايَنْته , وَلَكِنِّي عَلِمْت ذَلِكَ بِإِخْبَارِ اللَّه إِيَّايَ بِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23097 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْم بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ } قَالَ : الْمَلَأ الْأَعْلَى : الْمَلَائِكَة حِين شُووِرُوا فِي خَلْق آدَم , فَاخْتَصَمُوا فِيهِ , وَقَالُوا : لَا تَجْعَل فِي الْأَرْض خَلِيفَة . 23098 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ } هُوَ : { إِذْ قَالَ رَبّك لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة } 2 30 . 23099- حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْم بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى } قَالَ : هُمْ الْمَلَائِكَة , كَانَتْ خُصُومَتهمْ فِي شَأْن آدَم حِين قَالَ رَبّك لِلْمَلَائِكَةِ : { إِنِّي خَالِق بَشَرًا مِنْ طِين } . . حَتَّى بَلَغَ { سَاجِدِينَ } وَحِين قَالَ : { إِنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة } 2 30 ... حَتَّى بَلَغَ { وَيَسْفِك الدِّمَاء } 2 30 فَفِي هَذَا اِخْتَصَمَ الْمَلَأ الْأَعْلَى .
وَقَوْله : { إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِير مُبِين } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِمُشْرِكِي قُرَيْش : مَا يُوحِي اللَّه إِلَيَّ عِلْم مَا لَا عِلْم لِي بِهِ , مِنْ نَحْو الْعِلْم بِالْمَلَأِ الْأَعْلَى وَاخْتِصَامهمْ فِي أَمْر آدَم إِذَا أَرَادَ خَلْقه , إِلَّا لِأَنِّي إِنَّمَا أَنَا نَذِير مُبِين ; " فَإِنَّمَا " عَلَى هَذَا التَّأْوِيل فِي مَوْضِع خَفْض عَلَى قَوْل مَنْ كَانَ يَرَى أَنَّ مِثْل هَذَا الْحَرْف الَّذِي ذَكَرْنَا لَا بُدّ لَهُ مِنْ حَرْف خَافِض , فَسَوَاء إِسْقَاط خَافِضه مِنْهُ وَإِثْبَاته . وَإِمَّا عَلَى قَوْل مَنْ رَأَى أَنَّ مِثْل هَذَا يُنْصَب إِذَا أُسْقِطَ مِنْهُ الْخَافِض , فَإِنَّهُ عَلَى مَذْهَبه نَصْب , وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَقَدْ يُتَّجَه لِهَذَا الْكَلَام وَجْه آخَر , وَهُوَ أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ : مَا يُوحِي اللَّه إِلَيَّ إِنْذَاركُمْ. وَإِذَا وَجْه الْكَلَام إِلَى هَذَا الْمَعْنَى , كَانَتْ " أَنَّمَا " فِي مَوْضِع رَفْع , لِأَنَّ الْكَلَام يَصِير حِينَئِذٍ بِمَعْنَى : مَا يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا الْإِنْذَار. قَوْله : { إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِير مُبِين } يَقُول : إِلَّا أَنِّي نَذِير لَكُمْ مُبِين لَكُمْ إِلَّا إِنْذَاركُمْ . وَقِيلَ : إِلَّا أَنَّمَا أَنَا , وَلَمْ يَقُلْ : إِلَّا أَنَّمَا أَنَّك , وَالْخَبَر مِنْ مُحَمَّد عَنْ اللَّه , لِأَنَّ الْوَحْي قَوْل , فَصَارَ فِي مَعْنَى الْحِكَايَة , كَمَا يُقَال فِي الْكَلَام : أَخْبِرُونِي أَنِّي مُسِيء , وَأَخْبِرُونِي أَنَّك مُسِيء بِمَعْنًى وَاحِد , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : رَجُلَانِ مِنْ ضَبَّة أَخْبَرَانَا أَنَّا رَأَيْنَا رَجُلًا عُرْيَانَا بِمَعْنَى : أَخْبَرَانَا أَنَّهُمَا رَأَيَا , وَجَازَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْخَبَر أَصْله حِكَايَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِذْ قَالَ رَبّك لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِق بَشَرًا مِنْ طِين } وَقَوْله : { إِذْ قَالَ رَبّك } مِنْ صِلَة قَوْله : { إِذْ يَخْتَصِمُونَ } وَتَأْوِيل الْكَلَام : مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْم بِالْمَلَأِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ حِين قَالَ رَبّك يَا مُحَمَّد { لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِق بَشَرًا مِنْ طِين } يَعْنِي بِذَلِكَ خُلِقَ آدَم .
وَقَوْله : { فَإِذَا سَوَّيْته وَنَفَخْت فِيهِ مِنْ رُوحِي } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَإِذَا سَوَّيْت خَلْقه , وَعَدَلْت صُورَته , وَنَفَخْت فِيهِ مِنْ رُوحِي , قِيلَ : عَنَى بِذَلِكَ : وَنَفَخْت فِيهِ مِنْ قُدْرَتِي . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23100 - حُدِّثْت عَنْ الْمُسَيِّب بْن شَرِيك , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك { وَنَفَخْت فِيهِ مِنْ رُوحِي } قَالَ : مِنْ قُدْرَتِي .
{ فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ } يَقُول : فَاسْجُدُوا لَهُ وَخِرُّوا لَهُ سُجَّدًا .
{ فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ } يَقُول : فَاسْجُدُوا لَهُ وَخِرُّوا لَهُ سُجَّدًا .
وَقَوْله : { فَسَجَدَ الْمَلَائِكَة كُلّهمْ أَجْمَعُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَلَمَّا سَوَّى اللَّه خَلْق ذَلِكَ الْبَشَر , وَهُوَ آدَم , وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحه , سَجَدَ لَهُ الْمَلَائِكَة كُلّهمْ أَجْمَعُونَ , يَعْنِي بِذَلِكَ : الْمَلَائِكَة الَّذِينَ هُمْ فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض .
{ إِلَّا إِبْلِيس اِسْتَكْبَرَ } يَقُول : غَيْر إِبْلِيس , فَإِنَّهُ لَمْ يَسْجُد , اِسْتَكْبَرَ عَنْ السُّجُود لَهُ تَعَظُّمًا وَتَكَبُّرًا
{ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ } يَقُول : وَكَانَ بِتَعَظُّمِهِ ذَلِكَ , وَتَكَبُّره عَلَى رَبّه وَمَعْصِيَته أَمْره , مِمَّنْ كَفَرَ فِي عِلْم اللَّه السَّابِق , فَجَحَدَ رُبُوبِيَّته , وَأَنْكَرَ مَا عَلَيْهِ الْإِقْرَار لَهُ بِهِ مِنْ الْإِذْعَان بِالطَّاعَةِ , كَمَا : 23101 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : قَالَ أَبُو بَكْر فِي : { إِلَّا إِبْلِيس اِسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ } قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَ فِي عِلْم اللَّه مِنْ الْكَافِرِينَ .
{ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ } يَقُول : وَكَانَ بِتَعَظُّمِهِ ذَلِكَ , وَتَكَبُّره عَلَى رَبّه وَمَعْصِيَته أَمْره , مِمَّنْ كَفَرَ فِي عِلْم اللَّه السَّابِق , فَجَحَدَ رُبُوبِيَّته , وَأَنْكَرَ مَا عَلَيْهِ الْإِقْرَار لَهُ بِهِ مِنْ الْإِذْعَان بِالطَّاعَةِ , كَمَا : 23101 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : قَالَ أَبُو بَكْر فِي : { إِلَّا إِبْلِيس اِسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ } قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَ فِي عِلْم اللَّه مِنْ الْكَافِرِينَ .
قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ يَا إِبْلِيس مَا مَنَعَك أَنْ تَسْجُد لِمَا خَلَقْت بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْت أَمْ كُنْت مِنْ الْعَالِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { قَالَ } اللَّه لِإِبْلِيس , إِذْ لَمْ يَسْجُد لِآدَم , وَخَالَفَ أَمْره : { يَا إِبْلِيس مَا مَنَعَك أَنْ تَسْجُد } يَقُول : أَيّ شَيْء مَنَعَك مِنْ السُّجُود { لِمَا خَلَقْت بِيَدَيَّ } يَقُول : لِخَلْقِ يَدِي ; يُخْبِر تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ أَنَّهُ خَلَقَ آدَم بِيَدَيْهِ , كَمَا : 23102 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : أَخْبَرَنِي عُبَيْد المكتب , قَالَ : سَمِعْت مُجَاهِدًا يُحَدِّث عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : خَلَقَ اللَّه أَرْبَعَة بِيَدِهِ : الْعَرْش , وَعَدْن , وَالْقَلَم , وَآدَم , ثُمَّ قَالَ لِكُلِّ شَيْء كُنْ فَكَانَ . وَقَوْله : { أَسْتَكْبَرْت } يَقُول لِإِبْلِيس : تَعَظَّمْت عَنْ السُّجُود لِآدَم , فَتَرَكْت السُّجُود لَهُ اِسْتِكْبَارًا عَلَيْهِ , وَلَمْ تَكُنْ مِنْ الْمُتَكَبِّرِينَ الْعَالِينَ قَبْل ذَلِكَ { أَمْ كُنْت مِنْ الْعَالِينَ } يَقُول : أَمْ كُنْت كَذَلِكَ مِنْ قَبْل ذَا عُلُوّ وَتَكَبُّر عَلَى رَبّك .
{ قَالَ أَنَا خَيْر مِنْهُ خَلَقْتنِي مِنْ نَار } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : قَالَ إِبْلِيس لِرَبِّهِ : فَعَلْت ذَلِكَ فَلَمْ أَسْجُد لِلَّذِي أَمَرْتنِي بِالسُّجُودِ لَهُ لِأَنِّي خَيْر مِنْهُ وَكُنْت خَيْرًا لِأَنَّك خَلَقْتنِي مِنْ نَار وَخَلَقْته مِنْ طِين , وَالنَّار تَأْكُل الطِّين وَتُحْرِقهُ , فَالنَّار خَيْر مِنْهُ , يَقُول : لَمْ أَفْعَل ذَلِكَ اِسْتِكْبَارًا عَلَيْك , وَلَا لِأَنِّي كُنْت مِنْ الْعَالِينَ , وَلَكِنِّي فَعَلْته مِنْ أَجْل أَنِّي أَشْرَف مِنْهُ ; وَهَذَا تَقْرِيع مِنْ اللَّه لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَبَوْا الِانْقِيَاد لَهُ , وَاتِّبَاع مَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه اِسْتِكْبَارًا عَنْ أَنْ يَكُونُوا تَبَعًا لِرَجُلٍ مِنْهُمْ حِين قَالُوا : { أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْر مِنْ بَيْننَا } 38 8 و { هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَر مِثْلكُمْ } 21 3 فَقَصَّ عَلَيْهِمْ تَعَالَى قِصَّة إِبْلِيس وَإِهْلَاكه بِاسْتِكْبَارِهِ عَنْ السُّجُود لِآدَم بِدَعْوَاهُ أَنَّهُ خَيْر مِنْهُ , مِنْ أَجْل أَنَّهُ خُلِقَ مِنْ نَار , وَخُلِقَ آدَم مِنْ طِين , حَتَّى صَارَ شَيْطَانًا رَجِيمًا , وَحَقَّتْ عَلَيْهِ مِنْ اللَّه لَعْنَته , مُحَذِّرهمْ بِذَلِكَ أَنْ يَسْتَحِقُّوا بِاسْتِكْبَارِهِمْ عَلَى مُحَمَّد , وَتَكْذِيبهمْ إِيَّاهُ فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه حَسَدًا , وَتَعَظُّمًا مِنْ اللَّعْن وَالسُّخْط مَا اِسْتَحَقَّهُ إِبْلِيس بِتَكَبُّرِهِ عَنْ السُّجُود لِآدَم .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّك رَجِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِإِبْلِيس : { فَاخْرُجْ مِنْهَا } يَعْنِي مِنْ الْجَنَّة { فَإِنَّك رَجِيم } يَقُول : فَإِنَّك مَرْجُوم بِالْقَوْمِ , مَشْتُوم مَلْعُون , كَمَا : 23103 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّك رَجِيم } قَالَ : وَالرَّجِيم : اللَّعِين. 23104 - حُدِّثْت عَنْ الْمُحَارِبِيّ , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك بِمِثْلِهِ.
وَقَوْله : { وَإِنَّ عَلَيْك لَعْنَتِي } يَقُول : وَإِنَّ لَك طَرْدِي مِنْ الْجَنَّة { إِلَى يَوْم الدِّين } يَعْنِي : إِلَى يَوْم مُجَازَاة الْعِبَاد وَمُحَاسَبَتهمْ
{ قَالَ رَبّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْم يُبْعَثُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ إِبْلِيس لِرَبِّهِ : رَبّ فَإِذْ لَعَنْتنِي , وَأَخْرَجْتنِي مِنْ جَنَّتك { فَأَنْظِرْنِي } يَقُول : فَأَخِّرْنِي فِي الْأَجَل , وَلَا تُهْلِكنِي { إِلَى يَوْم يُبْعَثُونَ } يَقُول : إِلَى يَوْم تَبْعَث خَلْقك مِنْ قُبُورهمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ فَإِنَّك مِنْ الْمُنْظَرِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ اللَّه لِإِبْلِيس : فَإِنَّك مِمَّنْ أَنْظَرْته إِلَى يَوْم الْوَقْت الْمَعْلُوم , وَذَلِكَ الْوَقْت الَّذِي جَعَلَهُ اللَّه أَجَلًا لِهَلَاكِهِ . وَقَدْ بَيَّنْت وَقْت ذَلِكَ فِيمَا مَضَى عَلَى اِخْتِلَاف أَهْل الْعِلْم فِيهِ ;
يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ اللَّه لِإِبْلِيس : فَإِنَّك مِمَّنْ أَنْظَرْته إِلَى يَوْم الْوَقْت الْمَعْلُوم , وَذَلِكَ الْوَقْت الَّذِي جَعَلَهُ اللَّه أَجَلًا لِهَلَاكِهِ . وَقَدْ بَيَّنْت وَقْت ذَلِكَ فِيمَا مَضَى عَلَى اِخْتِلَاف أَهْل الْعِلْم فِيهِ ;
وَقَالَ : { فَبِعِزَّتِك لَأُغْوِيَنهمْ أَجْمَعِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ إِبْلِيس : فَبِعِزَّتِك : أَيْ بِقُدْرَتِك وَسُلْطَانك وَقَهْرك مَا دُونك مِنْ خَلْقك { لَأُغْوِيَنهمْ أَجْمَعِينَ } يَقُول : لَأُضِلَّن بَنِي آدَم أَجْمَعِينَ . 23105 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { قَالَ فَبِعِزَّتِك لَأُغْوِيَنهمْ أَجْمَعِينَ } قَالَ : عَلِمَ عَدُوّ اللَّه أَنَّهُ لَيْسَتْ لَهُ عِزَّة .
{ إِلَّا عِبَادك مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ } يَقُول : إِلَّا مَنْ أَخْلَصْته مِنْهُمْ لِعِبَادَتِك , وَعَصَمْته مِنْ إِضْلَالِي , فَلَمْ تَجْعَل لِي عَلَيْهِ سَبِيلًا , فَإِنِّي لَا أَقْدِر عَلَى إِضْلَاله وَإِغْوَائِهِ.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ فَالْحَقّ وَالْحَقّ أَقُول } عِ اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { قَالَ فَالْحَقّ وَالْحَقّ أَقُول } فَقَرَأَهُ بَعْض أَهْل الْحِجَاز وَعَامَّة الْكُوفِيِّينَ بِرَفْعِ الْحَقّ الْأَوَّل , وَنَصْب الثَّانِي . وَفِي رَفْع الْحَقّ الْأَوَّل إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ وَجْهَانِ : أَحَدهمَا رَفْعه بِضَمِيرِ لِلَّهِ الْحَقّ , أَوْ أَنَا الْحَقّ وَأَقُول الْحَقّ . وَالثَّانِي : أَنْ يَكُون مَرْفُوعًا بِتَأْوِيلِ قَوْله : { لَأَمْلَأَن } فَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام حِينَئِذٍ : فَالْحَقّ أَنْ أَمْلَأ جَهَنَّم مِنْك , كَمَا يَقُول : عَزْمَة صَادِقَة لَآتِيَنَّك , فَرَفَعَ عَزْمَة بِتَأْوِيلِ لَآتِيَنَّك , لِأَنَّ تَأْوِيله أَنْ آتِيك , كَمَا قَالَ : { ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْد مَا رَأَوْا الْآيَات لِيَسْجُنُنَّهُ } 12 35 فَلَا بُدّ لِقَوْلِهِ : { بَدَا لَهُمْ } مِنْ مَرْفُوع , وَهُوَ مُضْمَر فِي الْمَعْنَى . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْبَصْرَة وَبَعْض الْمَكِّيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ بِنَصْبِ الْحَقّ الْأَوَّل وَالثَّانِي كِلَيْهِمَا , بِمَعْنَى : حَقًّا لَأَمْلَأَن جَهَنَّم وَالْحَقّ أَقُول , ثُمَّ أُدْخِلَتْ الْأَلِف وَاللَّام عَلَيْهِ , وَهُوَ مَنْصُوب , لِأَنَّ دُخُولهمَا إِذَا كَانَ كَذَلِكَ مَعْنَى الْكَلَام وَخُرُوجهمَا مِنْهُ سَوَاء , كَمَا سَوَاء قَوْلهمْ : حَمْدًا لِلَّهِ , وَالْحَمْد لِلَّهِ عِنْدهمْ إِذَا نُصِبَ . وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون نَصْبه عَلَى وَجْه الْإِغْرَاء بِمَعْنَى : اِلْزَمُوا الْحَقّ , وَاتَّبِعُوا الْحَقّ , وَالْأَوَّل أَشْبَهَ لِأَنَّهُ خِطَاب مِنْ اللَّه لِإِبْلِيس بِمَا هُوَ فَاعِل بِهِ وَبِتُبَّاعِهِ . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قَرَأَة الْأَمْصَار , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب , لِصِحَّةِ مَعْنَيَيْهِمَا . وَأَمَّا الْحَقّ الثَّانِي , فَلَا اِخْتِلَاف فِي نَصْبه بَيْن قُرَّاء الْأَمْصَار كُلّهمْ , بِمَعْنَى : وَأَقُول الْحَقّ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23106- حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { فَالْحَقّ وَالْحَقّ أَقُول } يَقُول اللَّه : أَنَا الْحَقّ , وَالْحَقّ أَقُول . 23107 - وَحُدِّثْت عَنْ اِبْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد { فَالْحَقّ وَالْحَقّ أَقُول } يَقُول اللَّه : الْحَقّ مِنِّي , وَأَقُول الْحَقّ . * -حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن يُوسُف , قَالَ : ثنا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ هَارُون , قَالَ : ثنا أَبَان بْن تَغْلِب , عَنْ طَلْحَة الْيَامِيّ , عَنْ مُجَاهِد , أَنَّهُ قَرَأَهَا { فَالْحَقُّ } بِالرَّفْعِ { وَالْحَقَّ أَقُول } نَصْبًا وَقَالَ : يَقُول اللَّه : أَنَا الْحَقّ , وَالْحَقّ أَقُول . 23108 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : { الْحَقّ وَالْحَقّ أَقُول } قَالَ : قَسَمَ أَقْسَمَ اللَّه بِهِ.
وَقَوْله : { لَأَمْلَأَن جَهَنَّم مِنْك } يَقُول لِإِبْلِيس : لَأَمْلَأَن جَهَنَّم مِنْك وَمِمَّنْ تَبِعَك مِنْ بَنِي آدَم أَجْمَعِينَ .
وَقَوْله : { قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْر } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِمُشْرِكِي قَوْمك , الْقَائِلِينَ لَك { أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْر مِنْ بَيْننَا } : مَا أَسْأَلكُمْ عَلَى هَذَا الذِّكْر وَهُوَ الْقُرْآن الَّذِي أَتَيْتُكُمْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه أَجْرًا , يَعْنِي ثَوَابًا وَجَزَاء { وَمَا أَنَا مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ } يَقُول : وَمَا أَنَا مِمَّنْ يَتَكَلَّف تَخَرُّصه وَافْتِرَاءَهُ , فَتَقُولُونَ : { إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْك اِفْتَرَاهُ } 25 4 و { إِنْ هَذَا إِلَّا اِخْتِلَاق } 38 38 كَمَا : 23109 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { قُلْ مَا أَسْأَلكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْر وَمَا أَنَا مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ } قَالَ : لَا أَسْأَلكُمْ عَلَى الْقُرْآن أَجْرًا تُعْطُونِي شَيْئًا , وَمَا أَنَا مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ أَتَخَرَّص وَأَتَكَلَّف مَا لَمْ يَأْمُرنِي اللَّه بِهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْر لِلْعَالَمِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمك : { إِنْ هُوَ } يَعْنِي : مَا هَذَا الْقُرْآن { إِلَّا ذِكْر } يَقُول : إِلَّا تَذْكِير مِنْ اللَّه { لِلْعَالَمِينَ } مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْس , ذَكَّرَهُمْ رَبّهمْ إِرَادَة اِسْتِنْقَاذ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنْهُمْ مِنْ الْهَلَكَة .
وَقَوْله : { وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْد حِين } يَقُول : وَلَتَعْلَمُنَّ أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ مِنْ قُرَيْش نَبَأَهُ , يَعْنِي : نَبَأ هَذَا الْقُرْآن , وَهُوَ خَبَره , يَعْنِي حَقِيقَة مَا فِيهِ مِنْ الْوَعْد وَالْوَعِيد بَعْد حِين. وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23110 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ } قَالَ : صَدَّقَ هَذَا الْحَدِيث نَبَأ مَا كَذَّبُوا بِهِ . , قِيلَ : { نَبَأَهُ } حَقِيقَة أَمْر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَبِيّ . ثُمَّ اِخْتَلَفُوا فِي مُدَّة الْحِين الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه فِي هَذَا الْمَوْضِع : مَا هِيَ , وَمَا نِهَايَتهَا ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : نِهَايَتهَا الْمَوْت . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23111 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْد حِين } : أَيْ بَعْد الْمَوْت ; وَقَالَ الْحَسَن : يَا اِبْن آدَم عِنْد الْمَوْت يَأْتِيك الْخَبَر الْيَقِين . وَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَتْ نِهَايَتهَا إِلَى يَوْم بَدْر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23112 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : { وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْد حِين } قَالَ : يَوْم بَدْر . وَقَالَ بَعْضهمْ : يَوْم الْقِيَامَة . وَقَالَ بَعْضهمْ : نِهَايَتهَا الْقِيَامَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23113 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْد حِين } قَالَ : يَوْم الْقِيَامَة يَعْلَمُونَ نَبَأ مَا كَذَّبُوا بِهِ بَعْد حِين مِنْ الدُّنْيَا وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة . وَقَرَأَ : { لِكُلِّ نَبَأ مُسْتَقَرّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } 6 67 قَالَ : وَهَذَا أَيْضًا الْأَخِرَة يَسْتَقِرّ فِيهَا الْحَقّ , وَيَبْطُل الْبَاطِل. وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه أَعْلَمَ الْمُشْرِكِينَ الْمُكَذِّبِينَ بِهَذَا الْقُرْآن أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ نَبَأَهُ بَعْد حِين مِنْ غَيْر حَدّ مِنْهُ لِذَلِكَ الْحِين بِحَدٍّ , وَقَدْ عَلِمَ نَبَأَهُ مِنْ أَحْيَائِهِمْ الَّذِينَ عَاشُوا إِلَى ظُهُور حَقِيقَته , وَوُضُوح صِحَّته فِي الدُّنْيَا , وَمِنْهُمْ مِنْ عَلِمَ حَقِيقَة ذَلِكَ بِهَلَاكِهِ بِبَدْرٍ , وَقَبْل ذَلِكَ , وَلَا حَدّ عِنْد الْعَرَب لِلْحِين , لَا يُجَاوِز وَلَا يَقْصُر عَنْهُ . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا قَوْل فِيهِ أَصَحّ مِنْ أَنْ يُطْلَق كَمَا أَطْلَقَهُ اللَّه مِنْ غَيْر حَصْر ذَلِكَ عَلَى وَقْت دُون وَقْت . وَبِنَحْوِ الَّذِينَ قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23114 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا أَيُّوب , قَالَ : قَالَ عِكْرِمَة : سُئِلْت عَنْ رَجُل حَلَفَ أَنْ لَا يَصْنَع كَذَا وَكَذَا إِلَى حِين , فَقُلْت : إِنَّ مِنْ الْحِين حِينًا لَا يُدْرَك , وَمِنْ الْحِين حِين يُدْرَك , فَالْحِين الَّذِي لَا يُدْرَك قَوْله : { وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْد حِين } وَالْحِين الَّذِي يُدْرَك قَوْله : { تُؤْتِي أُكُلهَا كُلّ حِين بِإِذْنِ رَبّهَا } 14 25 وَذَلِكَ مِنْ حِين تُصْرَم النَّخْلَة إِلَى حِين تَطْلُع , وَذَلِكَ سِتَّة أَشْهُر. آخِر تَفْسِير سُورَة ص