الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنَّهُ لَعِلْم لِلسَّاعَةِ } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْهَاء الَّتِي فِي قَوْله : { وَإِنَّهُ } وَمَا الْمَعْنِيّ بِهَا , وَمَنْ ذَكَرَ مَا هِيَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ مِنْ ذِكْر عِيسَى , وَهِيَ عَائِدَة عَلَيْهِ. وَقَالُوا : مَعْنَى الْكَلَام : وَإِنَّ عِيسَى ظُهُوره عِلْم يُعْلَم بِهِ مَجِيء السَّاعَة ; لِأَنَّ ظُهُوره مِنْ أَشْرَاطهَا وَنُزُوله إِلَى الْأَرْض دَلِيل عَلَى فَنَاء الدُّنْيَا , وَإِقْبَال الْآخِرَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23935 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَاصِم , عَنْ أَبِي رَزِين , عَنْ يَحْيَى , عَنِ ابْن عَبَّاس , " وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ " قَالَ : خُرُوج عِيسَى ابْن مَرْيَم. * - حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ شُعْبَة , عَنْ عَاصِم , عَنْ أَبِي رَزِين , عَنِ ابْن عَبَّاس بِمِثْلِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : نُزُول عِيسَى ابْن مَرْيَم . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل الْأَحْمَسِيّ , قَالَ : ثنا غَالِب بْن قَائِد , قَالَ : ثنا قَيْس , عَنْ عَاصِم , عَنْ أَبِي رَزِين , عَنِ ابْن عَبَّاس , أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ " وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ " قَالَ : نُزُول عِيسَى ابْن مَرْيَم . * -حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا ابْن عَطِيَّة , عَنْ فُضَيْل بْن مَرْزُوق , عَنْ جَابِر , قَالَ : كَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول : مَا أَدْرِي عَلِمَ النَّاس بِتَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَة , أَمْ لَمْ يَفْطِنُوا لَهَا ؟ " وَإِنَّهُ لَعِلْم لِلسَّاعَةِ " قَالَ : نُزُول عِيسَى ابْن مَرْيَم . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنِ ابْن عَبَّاس : " وَإِنَّهُ لَعِلْم لِلسَّاعَةِ " قَالَ : نُزُول عِيسَى ابْن مَرْيَم. 23936 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك وَعَوْف عَنِ الْحَسَن أَنَّهُمَا قَالَا فِي قَوْله : { وَإِنَّهُ لَعِلْم لِلسَّاعَةِ } قَالَا : نُزُول عِيسَى ابْن مَرْيَم وَقَرَأَهَا أَحَدهمَا " وَإِنَّهُ لَعَلَم لِلسَّاعَةِ " . 23937 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَإِنَّهُ لَعِلْم لِلسَّاعَةِ } قَالَ : آيَة لِلسَّاعَةِ خُرُوج عِيسَى ابْن مَرْيَم قَبْل يَوْم الْقِيَامَة . 23938 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة " وَإِنَّهُ لَعِلْم لِلسَّاعَةِ " قَالَ : نُزُول عِيسَى ابْن مَرْيَم عِلْم لِلسَّاعَةِ : الْقِيَامَة . * - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : " وَإِنَّهُ لَعِلْم لِلسَّاعَةِ " قَالَ : نُزُول عِيسَى ابْن مَرْيَم عِلْم لِلسَّاعَةِ . 23939 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ { وَإِنَّهُ لَعِلْم لِلسَّاعَةِ } قَالَ : خُرُوج عِيسَى ابْن مَرْيَم قَبْل يَوْم الْقِيَامَة . 23940 - حُدِّثْت عَنِ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَإِنَّهُ لَعِلْم لِلسَّاعَةِ } يَعْنِي خُرُوج عِيسَى ابْن مَرْيَم وَنُزُوله مِنْ السَّمَاء قَبْل يَوْم الْقِيَامَة. 23941 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَإِنَّهُ لَعِلْم لِلسَّاعَةِ } قَالَ : نُزُول عِيسَى ابْن مَرْيَم عِلْم لِلسَّاعَةِ حِين يَنْزِل . وَقَالَ آخَرُونَ : الْهَاء الَّتِي فِي قَوْله : { وَإِنَّهُ } مِنْ ذِكْر الْقُرْآن , وَقَالُوا : مَعْنَى الْكَلَام : وَإِنَّ هَذَا الْقُرْآن لَعِلْم لِلسَّاعَةِ يُعْلِمكُمْ بِقِيَامِهَا , وَيُخْبِركُمْ عَنْهَا وَعَنْ أَهْوَالهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23942 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : كَانَ الْحَسَن يَقُول : " وَإِنَّهُ لَعِلْم لِلسَّاعَةِ " هَذَا الْقُرْآن. * - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة قَالَ : كَانَ نَاس يَقُولُونَ : الْقُرْآن عِلْم لِلسَّاعَةِ. وَاجْتَمَعَتْ قُرَّاء الْأَمْصَار فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَإِنَّهُ لَعِلْم لِلسَّاعَةِ } عَلَى كَسْر الْعَيْن مِنْ الْعِلْم , وَرُوِيَ عَنِ ابْن عَبَّاس مَا ذَكَرْت عَنْهُ فِي فَتْحهَا , وَعَنْ قَتَادَة وَالضَّحَّاك . وَالصَّوَاب مِنَ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ : الْكَسْر فِي الْعَيْن ; لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنَ الْقُرَّاء عَلَيْهِ . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَة أُبَيّ , وَإِنَّهُ لَذِكْر لِلسَّاعَةِ , فَذَلِكَ مُصَحِّح قِرَاءَة الَّذِينَ قَرَءُوا بِكَسْرِ الْعَيْن مِنْ قَوْله : { لَعِلْم } .
وَقَوْله : { فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا } يَقُول : فَلَا تَشُكَّن فِيهَا وَفِي مَجِيئِهَا أَيّهَا النَّاس . كَمَا : 23943 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا } قَالَ : تَشُكُّونَ فِيهَا.
وَقَوْله : { وَاتَّبِعُونِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَطِيعُونِ فَاعْمَلُوا بِمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ , وَانْتَهُوا عَمَّا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ , { هَذَا صِرَاط مُسْتَقِيم } يَقُول : اتِّبَاعكُمْ إِيَّايَ أَيّهَا النَّاس فِي أَمْرِي وَنَهْي صِرَاط مُسْتَقِيم , يَقُول : طَرِيق لَا اعْوِجَاج فِيهِ , بَلْ هُوَ قَوِيم .
وَقَوْله : { فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا } يَقُول : فَلَا تَشُكَّن فِيهَا وَفِي مَجِيئِهَا أَيّهَا النَّاس . كَمَا : 23943 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا } قَالَ : تَشُكُّونَ فِيهَا.
وَقَوْله : { وَاتَّبِعُونِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَطِيعُونِ فَاعْمَلُوا بِمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ , وَانْتَهُوا عَمَّا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ , { هَذَا صِرَاط مُسْتَقِيم } يَقُول : اتِّبَاعكُمْ إِيَّايَ أَيّهَا النَّاس فِي أَمْرِي وَنَهْي صِرَاط مُسْتَقِيم , يَقُول : طَرِيق لَا اعْوِجَاج فِيهِ , بَلْ هُوَ قَوِيم .
وَقَوْله : { وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَان } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَلَا يُعْدِلَنكُمْ الشَّيْطَان عَنْ طَاعَتِي فِيمَا آمُركُمْ وَأَنْهَاكُمْ , فَتُخَالِفُوهُ إِلَى غَيْره , وَتَجُورُوا عَنْ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم فَتَضِلُّوا { إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوّ مُبِين } يَقُول : إِنَّ الشَّيْطَان لَكُمْ عَدُوّ يَدْعُوكُمْ إِلَى مَا فِيهِ هَلَاككُمْ , وَيَصُدّكُمْ عَنْ قَصْد السَّبِيل , لِيُورِدكُمْ الْمَهَالِك , مُبِين قَدْ أَبَانَ لَكُمْ عَدَاوَته , بِامْتِنَاعِهِ مِنْ السُّجُود لِأَبِيكُمْ آدَم , وَإِدْلَائِهِ بِالْغُرُورِ حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنَ الْجَنَّة حَسَدًا وَبَغْيًا .
وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بَنِي إِسْرَائِيل بِالْبَيِّنَاتِ , يَعْنِي بِالْوَاضِحَاتِ مِنْ الْأَدِلَّة , وَقِيلَ : عَنَى بِالْبَيِّنَاتِ : الْإِنْجِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23944 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ } أَيْ بِالْإِنْجِيلِ. وَقَوْله : { قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ } قِيلَ : عَنَى بِالْحِكْمَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِع : النُّبُوَّة. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23945 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ } قَالَ : النُّبُوَّة. وَقَدْ بَيَّنْت مَعْنَى الْحِكْمَة فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا بِشَوَاهِدِهِ , وَذَكَرْت اخْتِلَاف الْمُخْتَلِفِينَ فِي تَأْوِيله , فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَته.
وَقَوْله : { وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْض الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ } يَقُول : وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ مَعْشَر بَنِي إِسْرَائِيل بَعْض الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ مِنْ أَحْكَام التَّوْرَاة . كَمَا : 23946 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْض الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ } قَالَ : مِنْ تَبْدِيل التَّوْرَاة . وَقَدْ قِيلَ : مَعْنَى الْبَعْض فِي هَذَا الْمَوْضِع بِمَعْنَى الْكُلّ , وَجَعَلُوا ذَلِكَ نَظِير قَوْل لَبِيد : تَرَّاكُ أَمْكِنَة إِذَا لَمْ أَرْضهَا أَوْ يَعْتَلِقْ بَعْض النُّفُوس حِمَامُهَا قَالُوا : الْمَوْت لَا يَعْتَلِق بَعْض النُّفُوس , وَإِنَّمَا الْمَعْنَى : أَوْ يَعْتَلِق النُّفُوس حِمَامهَا , وَلَيْسَ لِمَا قَالَ هَذَا الْقَائِل كَبِير مَعْنَى ; لِأَنَّ عِيسَى إِنَّمَا قَالَ لَهُمْ : { وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْض الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ } , لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ بَيْنهمْ اخْتِلَاف كَثِير فِي أَسْبَاب دِينهمْ وَدُنْيَاهُمْ , فَقَالَ لَهُمْ : أُبَيِّن لَكُمْ بَعْض ذَلِكَ , وَهُوَ أَمْر دِينهمْ دُون مَا هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ مِنْ أَمْر دُنْيَاهُمْ , فَلِذَلِكَ خَصَّ مَا أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ يُبَيِّنهُ لَهُمْ , وَأَمَّا قَوْل لَبِيد : " أَوْ يَعْتَلِق بَعْض النُّفُوس " , فَإِنَّهُ إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ أَيْضًا كَذَلِكَ ; لِأَنَّهُ أَرَادَ : أَوْ يَعْتَلِق نَفْسه حِمَامهَا , فَنَفْسه مِنْ بَيْن النُّفُوس لَا شَكَّ أَنَّهَا بَعْض لَا كُلّ.
وَقَوْله : { فَاتَّقُوا اللَّه وَأَطِيعُونِ } يَقُول : فَاتَّقُوا رَبّكُمْ أَيّهَا النَّاس بِطَاعَتِهِ , وَخَافُوهُ بِاجْتِنَابِ مَعَاصِيه , وَأَطِيعُونِ فِيمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ مِنْ اتِّقَاء اللَّه وَاتِّبَاع أَمْره , وَقَبُول نَصِيحَتِي لَكُمْ .
وَقَوْله : { وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْض الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ } يَقُول : وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ مَعْشَر بَنِي إِسْرَائِيل بَعْض الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ مِنْ أَحْكَام التَّوْرَاة . كَمَا : 23946 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْض الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ } قَالَ : مِنْ تَبْدِيل التَّوْرَاة . وَقَدْ قِيلَ : مَعْنَى الْبَعْض فِي هَذَا الْمَوْضِع بِمَعْنَى الْكُلّ , وَجَعَلُوا ذَلِكَ نَظِير قَوْل لَبِيد : تَرَّاكُ أَمْكِنَة إِذَا لَمْ أَرْضهَا أَوْ يَعْتَلِقْ بَعْض النُّفُوس حِمَامُهَا قَالُوا : الْمَوْت لَا يَعْتَلِق بَعْض النُّفُوس , وَإِنَّمَا الْمَعْنَى : أَوْ يَعْتَلِق النُّفُوس حِمَامهَا , وَلَيْسَ لِمَا قَالَ هَذَا الْقَائِل كَبِير مَعْنَى ; لِأَنَّ عِيسَى إِنَّمَا قَالَ لَهُمْ : { وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْض الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ } , لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ بَيْنهمْ اخْتِلَاف كَثِير فِي أَسْبَاب دِينهمْ وَدُنْيَاهُمْ , فَقَالَ لَهُمْ : أُبَيِّن لَكُمْ بَعْض ذَلِكَ , وَهُوَ أَمْر دِينهمْ دُون مَا هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ مِنْ أَمْر دُنْيَاهُمْ , فَلِذَلِكَ خَصَّ مَا أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ يُبَيِّنهُ لَهُمْ , وَأَمَّا قَوْل لَبِيد : " أَوْ يَعْتَلِق بَعْض النُّفُوس " , فَإِنَّهُ إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ أَيْضًا كَذَلِكَ ; لِأَنَّهُ أَرَادَ : أَوْ يَعْتَلِق نَفْسه حِمَامهَا , فَنَفْسه مِنْ بَيْن النُّفُوس لَا شَكَّ أَنَّهَا بَعْض لَا كُلّ.
وَقَوْله : { فَاتَّقُوا اللَّه وَأَطِيعُونِ } يَقُول : فَاتَّقُوا رَبّكُمْ أَيّهَا النَّاس بِطَاعَتِهِ , وَخَافُوهُ بِاجْتِنَابِ مَعَاصِيه , وَأَطِيعُونِ فِيمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ مِنْ اتِّقَاء اللَّه وَاتِّبَاع أَمْره , وَقَبُول نَصِيحَتِي لَكُمْ .
وَقَوْله : { إِنَّ اللَّه هُوَ رَبِّي وَرَبّكُمْ فَاعْبُدُوهُ } يَقُول : إِنَّ اللَّه الَّذِي يَسْتَوْجِب عَلَيْنَا إِفْرَاده بِالْأُلُوهِيَّةِ وَإِخْلَاص الطَّاعَة لَهُ , رَبِّي وَرَبّكُمْ جَمِيعًا , فَاعْبُدُوهُ وَحْده , لَا تُشْرِكُوا مَعَهُ فِي عِبَادَته شَيْئًا , فَإِنَّهُ لَا يَصْلُح , وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْبَد شَيْء سِوَاهُ .
وَقَوْله : { هَذَا صِرَاط مُسْتَقِيم } يَقُول : هَذَا الَّذِي أَمَرْتُكُمْ بِهِ مِنْ اتِّقَاء اللَّه وَطَاعَتِي , وَإِفْرَاد اللَّه بِالْأُلُوهِيَّةِ , هُوَ الطَّرِيق الْمُسْتَقِيم , وَهُوَ دِين اللَّه الَّذِي لَا يَقْبَل مِنْ أَحَد مِنْ عِبَاده غَيْره .
وَقَوْله : { هَذَا صِرَاط مُسْتَقِيم } يَقُول : هَذَا الَّذِي أَمَرْتُكُمْ بِهِ مِنْ اتِّقَاء اللَّه وَطَاعَتِي , وَإِفْرَاد اللَّه بِالْأُلُوهِيَّةِ , هُوَ الطَّرِيق الْمُسْتَقِيم , وَهُوَ دِين اللَّه الَّذِي لَا يَقْبَل مِنْ أَحَد مِنْ عِبَاده غَيْره .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَاب مِنْ بَيْنهمْ } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيِّينَ بِالْأَحْزَابِ , الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّه فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ : الْجَمَاعَة الَّتِي تَنَاظَرَتْ فِي أَمْر عِيسَى , وَاخْتَلَفَتْ فِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23947 -حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَاب مِنْ بَيْنهمْ } قَالَ : هُمُ الْأَرْبَعَة الَّذِينَ أَخْرَجَهُمْ بَنُو إِسْرَائِيل يَقُولُونَ فِي عِيسَى . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُمُ الْيَهُود وَالنَّصَارَى. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23948 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : { فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَاب مِنْ بَيْنهمْ } قَالَ : الْيَهُود وَالنَّصَارَى . وَالصَّوَاب مِنَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : مَعْنَى ذَلِكَ : فَاخْتَلَفَ الْفِرَق الْمُخْتَلِفُونَ فِي عِيسَى ابْن مَرْيَم مِنْ بَيْن مَنْ دَعَاهُمْ عِيسَى إِلَى مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ مِنْ اتِّقَاء اللَّه وَالْعَمَل بِطَاعَتِهِ , وَهُمُ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , وَمَنْ اخْتَلَفَ فِيهِ مِنَ النَّصَارَى ; لِأَنَّ جَمِيعهمْ كَانُوا أَحْزَابًا مُبْتَسِلِينَ , مُخْتَلِفِي الْأَهْوَاء مَعَ بَيَانه لَهُمْ أَمْر نَفْسه , وَقَوْله لَهُمْ : { إِنَّ اللَّه هُوَ رَبِّي وَرَبّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاط مُسْتَقِيم } .
وَقَوْله : { فَوَيْل لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَاب يَوْم أَلِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره فَالْوَادِي السَّائِل مِنْ الْقَيْح وَالصَّدِيد فِي جَهَنَّم لِلَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ , الَّذِينَ قَالُوا فِي عِيسَى ابْن مَرْيَم بِخِلَافِ مَا وَصَفَ عِيسَى بِهِ نَفْسه فِي هَذِهِ الْآيَة { مِنْ عَذَاب يَوْم أَلِيم } يَقُول : مِنْ عَذَاب يَوْم مُؤْلِم , وَوَصَفَ الْيَوْم بِالْإِيلَامِ , إِذْ كَانَ الْعَذَاب الَّذِي يُؤْلِمهُمْ فِيهِ , وَذَلِكَ يَوْم الْقِيَامَة . كَمَا : 23949 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ { مِنْ عَذَاب يَوْم أَلِيم } قَالَ : مِنْ عَذَاب يَوْم الْقِيَامَة .
وَقَوْله : { فَوَيْل لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَاب يَوْم أَلِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره فَالْوَادِي السَّائِل مِنْ الْقَيْح وَالصَّدِيد فِي جَهَنَّم لِلَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ , الَّذِينَ قَالُوا فِي عِيسَى ابْن مَرْيَم بِخِلَافِ مَا وَصَفَ عِيسَى بِهِ نَفْسه فِي هَذِهِ الْآيَة { مِنْ عَذَاب يَوْم أَلِيم } يَقُول : مِنْ عَذَاب يَوْم مُؤْلِم , وَوَصَفَ الْيَوْم بِالْإِيلَامِ , إِذْ كَانَ الْعَذَاب الَّذِي يُؤْلِمهُمْ فِيهِ , وَذَلِكَ يَوْم الْقِيَامَة . كَمَا : 23949 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ { مِنْ عَذَاب يَوْم أَلِيم } قَالَ : مِنْ عَذَاب يَوْم الْقِيَامَة .
وَقَوْله : { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَة أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَة } يَقُول : هَلْ يَنْظُر هَؤُلَاءِ الْأَحْزَاب الْمُخْتَلِفُونَ فِي عِيسَى ابْن مَرْيَم , الْقَائِلُونَ فِيهِ الْبَاطِل مِنَ الْقَوْل , إِلَّا السَّاعَة الَّتِي فِيهَا تَقُوم الْقِيَامَة فَجْأَة { وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ } يَقُول : وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ بِمَجِيئِهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : الْمُتَخَالُّونَ يَوْم الْقِيَامَة عَلَى مَعَاصِي اللَّه فِي الدُّنْيَا , بَعْضهمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ , يَتَبَرَّأ بَعْضهمْ مِنْ بَعْض , إِلَّا الَّذِينَ كَانُوا تَخَالُّوا فِيهَا عَلَى تَقْوَى اللَّه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23950 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { الْأَخِلَّاء يَوْمئِذٍ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ } فَكُلّ خُلَّة عَلَى مَعْصِيَة اللَّه فِي الدُّنْيَا مُتَعَادُونَ . 23951 -حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله { الْأَخِلَّاء يَوْمئِذٍ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ } فَكُلّ خُلَّة هِيَ عَدَاوَة إِلَّا خُلَّة الْمُتَّقِينَ . 23952 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : خَلِيلَانِ مُؤْمِنَانِ , وَخَلِيلَانِ كَافِرَانِ , فَمَاتَ أَحَد الْمُؤْمِنَيْنِ فَقَالَ : يَا رَبّ إِنَّ فُلَانًا كَانَ يَأْمُرنِي بِطَاعَتِك وَطَاعَة رَسُولك , وَيَأْمُرنِي بِالْخَيْرِ , وَيَنْهَانِي عَنِ الشَّرّ وَيُخْبِرنِي أَنِّي مُلَاقِيك يَا رَبّ فَلَا تُضِلّهُ بَعْدِي وَاهْدِهِ كَمَا هَدَيْتنِي وَأَكْرِمْهُ كَمَا أَكْرَمْتنِي , فَإِذَا مَاتَ خَلِيله الْمُؤْمِن جَمَعَ بَيْنهمَا فَيَقُول : لِيُثْنِ أَحَدكُمَا عَلَى صَاحِبه فَيَقُول : يَا رَبّ إِنَّهُ كَانَ يَأْمُرنِي بِطَاعَتِك وَطَاعَة رَسُولك , وَيَأْمُرنِي بِالْخَيْرِ , وَيَنْهَانِي عَنْ الشَّرّ , وَيُخْبِرنِي أَنِّي مُلَاقِيك , فَيَقُول : نِعْمَ الْخَلِيل , وَنِعْمَ الْأَخ , وَنِعْمَ الصَّاحِب ; قَالَ : وَيَمُوت أَحَد الْكَافِرَيْنِ فَيَقُول : يَا رَبّ إِنَّ فُلَانًا كَانَ يَنْهَانِي عَنْ طَاعَتك وَطَاعَة رَسُولك , وَيَأْمُرنِي بِالشَّرِّ , وَيَنْهَانِي عَنْ الْخَيْر , وَيُخْبِرنِي أَنِّي غَيْر مُلَاقِيك , فَيَقُول : بِئْسَ الْأَخ , وَبِئْسَ الْخَلِيل , وَبِئْسَ الصَّاحِب .
وَقَوْله : { يَا عِبَاد لَا خَوْف عَلَيْكُمْ الْيَوْم وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ } وَفِي هَذَا الْكَلَام مَحْذُوف اسْتَغْنَى بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ , وَمَعْنَى الْكَلَام : الْأَخِلَّاء يَوْمئِذٍ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ , فَإِنَّهُمْ يُقَال لَهُمْ : يَا عِبَادِي لَا خَوْف عَلَيْكُمُ الْيَوْم مِنْ عِقَابِي , فَإِنِّي قَدْ أَمَّنْتُكُمْ مِنْهُ بِرِضَايَ عَنْكُمْ , وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ عَلَى فِرَاق الدُّنْيَا فَإِنَّ الَّذِي قَدِمْتُمْ عَلَيْهِ خَيْر لَكُمْ مِمَّا فَارَقْتُمُوهُ مِنْهَا . وَذُكِرَ أَنَّ النَّاس يُنَادَوْنَ هَذَا النِّدَاء يَوْم الْقِيَامَة , فَيَطْمَع فِيهَا مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلهَا حَتَّى يَسْمَع قَوْله : { الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ } فَيَيْأَس مِنْهَا عِنْد ذَلِكَ . 23953 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ سَمِعْت أَنَّ النَّاس حِين يُبْعَثُونَ لَيْسَ مِنْهُمْ أَحَد إِلَّا فَزِعَ , فَيُنَادِي مُنَادٍ : يَا عِبَاد اللَّه لَا خَوْف عَلَيْكُمُ الْيَوْم وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ , فَيَرْجُوهَا النَّاس كُلّهمْ , قَالَ : فَيُتْبِعهَا { الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ } قَالَ : فَيَيْأَس النَّاس مِنْهَا غَيْر الْمُسْلِمِينَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ } وَقَوْله : { الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَا عِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا وَهُمُ الَّذِينَ صَدَّقُوا بِكِتَابِ اللَّه وَرُسُله , وَعَمِلُوا بِمَا جَاءَتْهُمْ بِهِ رُسُلهمْ , وَكَانُوا مُسْلِمِينَ , يَقُول : وَكَانُوا أَهْل خُضُوع لِلَّهِ بِقُلُوبِهِمْ , وَقَبُول مِنْهُمْ لِمَا جَاءَتْهُمْ بِهِ رُسُلهمْ عَنْ رَبّهمْ عَلَى دِين إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , حُنَفَاء لَا يَهُود وَلَا نَصَارَى , وَلَا أَهْل أَوْثَان .
وَقَوْله : { ادْخُلُوا الْجَنَّة أَنْتُمْ وَأَزْوَاجكُمْ تُحْبَرُون } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : ادْخُلُوا الْجَنَّة أَنْتُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ وَأَزْوَاجكُمْ مَغْبُوطِينَ بِكَرَامَةِ اللَّه , مَسْرُورِينَ بِمَا أَعْطَاكُمُ الْيَوْم رَبّكُمْ . وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { تُحْبَرُون } وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا قَدْ قِيلَ فِي ذَلِكَ فِيمَا مَضَى , وَبَيَّنَّا الصَّحِيح مِنَ الْقَوْل فِيهِ عِنْدنَا بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع , غَيْر أَنَّا نَذْكُر بَعْض مَا لَمْ يُذْكَر هُنَالِكَ مِنْ أَقْوَال أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23954 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { ادْخُلُوا الْجَنَّة أَنْتُمْ وَأَزْوَاجكُمْ تُحْبَرُون } : أَيْ تُنَعَّمُونَ . * - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { تُحْبَرُون } قَالَ : تُنَعَّمُونَ. 23955 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : { تُحْبَرُون } قَالَ : تُكْرَمُونَ . 23956 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { أَنْتُمْ وَأَزْوَاجكُمْ تُحْبَرُون } قَالَ : تُنَعَّمُونَ .
يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يُطَاف عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يُطَاف عَلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِهِ فِي الدُّنْيَا إِذَا دَخَلُوا الْجَنَّة فِي الْآخِرَة بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَب , وَهِيَ جَمْع لِلْكَثِيرِ مِنْ الصَّحْفَة , وَالصَّحْفَة : الْقَصْعَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23957 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ { يُطَاف عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَب } قَالَ : الْقِصَاع . 23958 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يَمَان , عَنْ أَشْعَث بْن إِسْحَاق , عَنْ جَعْفَر , عَنْ شُعْبَة , قَالَ : " إِنَّ أَدْنَى أَهْل الْجَنَّة مَنْزِلَة , مَنْ لَهُ قَصْر فِيهِ سَبْعُونَ أَلْف خَادِم , فِي يَد كُلّ خَادِم صَحْفَة سِوَى مَا فِي يَد صَاحِبهَا , لَوْ فَتَحَ بَابه فَضَافَهُ أَهْل الدُّنْيَا لَأَوْسَعَهُمْ ". 23959 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب الْقُمِّيّ , جَعْفَر , عَنْ سَعِيد , قَالَ : " إِنَّ أَخَسّ أَهْل الْجَنَّة مَنْزِلًا مَنْ لَهُ سَبْعُونَ أَلْف خَادِم , مَعَ كُلّ خَادِم صَحْفَة مِنْ ذَهَب , لَوْ نَزَلَ بِهِ جَمِيع أَهْل الْأَرْض لَأَوْسَعَهُمْ , لَا يَسْتَعِين عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ مِنْ غَيْره , وَذَلِكَ فِي قَوْل اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيد } 50 35 وَلَهُمْ { فِيهَا مَا تَشْتَهِيه الْأَنْفُس وَتَلَذّ الْأَعْيُن } " . 23960 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَبِي أَيُّوب الْأَزْدِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , قَالَ : " مَا أَحَد مِنْ أَهْل الْجَنَّة إِلَّا يَسْعَى عَلَيْهِ أَلْف غُلَام , كُلّ غُلَام عَلَى عَمَل مَا عَلَيْهِ صَاحِبه " .
وَقَوْله : { وَأَكْوَاب } وَهِيَ جَمْع كُوب , وَالْكُوب : الْإِبْرِيق الْمُسْتَدِير الرَّأْس , الَّذِي لَا أُذُن لَهُ وَلَا خُرْطُوم , وَإِيَّاهُ عَنَى الْأَعْشَى بِقَوْلِهِ : صَرِيفَيَّةٌ طَيِّبٌ طَعْمُهَا لَهَا زَبَد بَيْن كُوب وَدَنّ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23961 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ { وَأَكْوَاب } قَالَ : الْأَكْوَاب الَّتِي لَيْسَتْ لَهَا آذَان. وَمَعْنَى الْكَلَام : يُطَاف عَلَيْهِمْ فِيهَا بِالطَّعَامِ فِي صِحَاف مِنْ ذَهَب , وَبِالشُّرْبِ فِي أَكْوَاب مِنْ ذَهَب , فَاسْتَغْنَى بِذِكْرِ الصِّحَاف وَالْأَكْوَاب مِنْ ذِكْر الطَّعَام وَالشَّرَاب , الَّذِي يَكُون فِيهَا لِمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ بِمَعْنَاهُ " وَفِيهَا مَا تَشْتَهِي الْأَنْفُس وَتَلَذّ الْأَعْيُن " يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَكُمْ فِي الْجَنَّة مَا تَشْتَهِي نُفُوسكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ , وَتَلَذّ أَعْيُنكُمْ { وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } يَقُول : وَأَنْتُمْ فِيهَا مَاكِثُونَ , لَا تَخْرُجُونَ مِنْهَا أَبَدًا . كَمَا : 23962 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَلْقَمَة بْن مَرْثَد , عَنِ ابْن سَابِط أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُول اللَّه إِنِّي أُحِبّ الْخَيْل , فَهَلْ فِي الْجَنَّة خَيْل ؟ فَقَالَ : " إِنْ يُدْخِلك الْجَنَّة إِنْ شَاءَ , فَلَا تَشَاء أَنْ تَرْكَب فَرَسًا مِنْ يَاقُوتَة حَمْرَاء تَطِير بِك فِي أَيّ الْجَنَّة شِئْت إِلَّا فَعَلْت " , فَقَالَ أَعْرَابِيّ : يَا رَسُول اللَّه إِنِّي أُحِبّ الْإِبِل , فَهَلْ فِي الْجَنَّة إِبِل ؟ فَقَالَ : " يَا أَعْرَابِيّ إِنْ يُدْخِلك اللَّه الْجَنَّة إِنْ شَاءَ اللَّه , فَفِيهَا مَا اشْتَهَتْ نَفْسك , وَلَذَّتْ عَيْنَاك " . 23963 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عَرَفَة , قَالَ : ثنا عُمَر بْن عَبْد الرَّحْمَن الْأَبَّار , عَنْ مُحَمَّد بْن سَعْد الْأَنْصَارِيّ , عَنْ أَبِي ظَبْيَة السَّلَفِيّ , قَالَ : إِنَّ السِّرْب مِنْ أَهْل الْجَنَّة لَتُظِلّهُمْ السَّحَابَة , قَالَ : فَتَقُول : مَا أُمْطِرُكُمْ ؟ قَالَ : فَمَا يَدْعُو دَاعٍ مِنَ الْقَوْم بِشَيْءٍ إِلَّا أَمْطَرَتْهُمْ , حَتَّى إِنَّ الْقَائِل مِنْهُمْ لَيَقُولَ : أَمْطِرِينَا كَوَاعِب أَتْرَابًا . 23964 - حَدَّثَنَا ابْن عَرَفَة , قَالَ : ثنا مَرْوَان بْن مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي الْوَلِيد , قَالَ : قِيلَ لِمُجَاهِدٍ فِي الْجَنَّة سَمَاع ؟ قَالَ : إِنَّ فِيهَا لَشَجَرًا يُقَال لَهُ الْعِيص , لَهُ سَمَاع لَمْ يَسْمَع السَّامِعُونَ إِلَى مِثْله . 23965 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا زَيْد بْن حُبَاب , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُعَاوِيَة بْن صَالِح , قَالَ : ثني سُلَيْمَان بْن عَامِر , قَالَ : سَمِعْت أَبَا أُمَامَة , يَقُول : " إِنَّ الرَّجُل مِنْ أَهْل الْجَنَّة لَيَشْتَهِي الطَّائِر وَهُوَ يَطِير , فَيَقَع مُتَفَلِّقًا نَضِيجًا فِي كَفّه , فَيَأْكُل مِنْهُ حَتَّى تَنْتَهِي نَفْسه , ثُمَّ يَطِير , وَيَشْتَهِي الشَّرَاب , فَيَقَع الْإِبْرِيق فِي يَده , وَيَشْرَب مِنْهُ مَا يُرِيد , ثُمَّ يَرْجِع إِلَى مَكَانه . وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيه الْأَنْفُس } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالشَّام : { مَا تَشْتَهِيه } بِزِيَادَةِ هَاء , وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي مَصَاحِفهمْ , وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْعِرَاق " تَشْتَهِي " بِغَيْرِ هَاء , وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مَصَاحِفهمْ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِد , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب .
وَقَوْله : { وَأَكْوَاب } وَهِيَ جَمْع كُوب , وَالْكُوب : الْإِبْرِيق الْمُسْتَدِير الرَّأْس , الَّذِي لَا أُذُن لَهُ وَلَا خُرْطُوم , وَإِيَّاهُ عَنَى الْأَعْشَى بِقَوْلِهِ : صَرِيفَيَّةٌ طَيِّبٌ طَعْمُهَا لَهَا زَبَد بَيْن كُوب وَدَنّ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23961 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ { وَأَكْوَاب } قَالَ : الْأَكْوَاب الَّتِي لَيْسَتْ لَهَا آذَان. وَمَعْنَى الْكَلَام : يُطَاف عَلَيْهِمْ فِيهَا بِالطَّعَامِ فِي صِحَاف مِنْ ذَهَب , وَبِالشُّرْبِ فِي أَكْوَاب مِنْ ذَهَب , فَاسْتَغْنَى بِذِكْرِ الصِّحَاف وَالْأَكْوَاب مِنْ ذِكْر الطَّعَام وَالشَّرَاب , الَّذِي يَكُون فِيهَا لِمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ بِمَعْنَاهُ " وَفِيهَا مَا تَشْتَهِي الْأَنْفُس وَتَلَذّ الْأَعْيُن " يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَكُمْ فِي الْجَنَّة مَا تَشْتَهِي نُفُوسكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ , وَتَلَذّ أَعْيُنكُمْ { وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } يَقُول : وَأَنْتُمْ فِيهَا مَاكِثُونَ , لَا تَخْرُجُونَ مِنْهَا أَبَدًا . كَمَا : 23962 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَلْقَمَة بْن مَرْثَد , عَنِ ابْن سَابِط أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُول اللَّه إِنِّي أُحِبّ الْخَيْل , فَهَلْ فِي الْجَنَّة خَيْل ؟ فَقَالَ : " إِنْ يُدْخِلك الْجَنَّة إِنْ شَاءَ , فَلَا تَشَاء أَنْ تَرْكَب فَرَسًا مِنْ يَاقُوتَة حَمْرَاء تَطِير بِك فِي أَيّ الْجَنَّة شِئْت إِلَّا فَعَلْت " , فَقَالَ أَعْرَابِيّ : يَا رَسُول اللَّه إِنِّي أُحِبّ الْإِبِل , فَهَلْ فِي الْجَنَّة إِبِل ؟ فَقَالَ : " يَا أَعْرَابِيّ إِنْ يُدْخِلك اللَّه الْجَنَّة إِنْ شَاءَ اللَّه , فَفِيهَا مَا اشْتَهَتْ نَفْسك , وَلَذَّتْ عَيْنَاك " . 23963 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عَرَفَة , قَالَ : ثنا عُمَر بْن عَبْد الرَّحْمَن الْأَبَّار , عَنْ مُحَمَّد بْن سَعْد الْأَنْصَارِيّ , عَنْ أَبِي ظَبْيَة السَّلَفِيّ , قَالَ : إِنَّ السِّرْب مِنْ أَهْل الْجَنَّة لَتُظِلّهُمْ السَّحَابَة , قَالَ : فَتَقُول : مَا أُمْطِرُكُمْ ؟ قَالَ : فَمَا يَدْعُو دَاعٍ مِنَ الْقَوْم بِشَيْءٍ إِلَّا أَمْطَرَتْهُمْ , حَتَّى إِنَّ الْقَائِل مِنْهُمْ لَيَقُولَ : أَمْطِرِينَا كَوَاعِب أَتْرَابًا . 23964 - حَدَّثَنَا ابْن عَرَفَة , قَالَ : ثنا مَرْوَان بْن مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي الْوَلِيد , قَالَ : قِيلَ لِمُجَاهِدٍ فِي الْجَنَّة سَمَاع ؟ قَالَ : إِنَّ فِيهَا لَشَجَرًا يُقَال لَهُ الْعِيص , لَهُ سَمَاع لَمْ يَسْمَع السَّامِعُونَ إِلَى مِثْله . 23965 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا زَيْد بْن حُبَاب , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُعَاوِيَة بْن صَالِح , قَالَ : ثني سُلَيْمَان بْن عَامِر , قَالَ : سَمِعْت أَبَا أُمَامَة , يَقُول : " إِنَّ الرَّجُل مِنْ أَهْل الْجَنَّة لَيَشْتَهِي الطَّائِر وَهُوَ يَطِير , فَيَقَع مُتَفَلِّقًا نَضِيجًا فِي كَفّه , فَيَأْكُل مِنْهُ حَتَّى تَنْتَهِي نَفْسه , ثُمَّ يَطِير , وَيَشْتَهِي الشَّرَاب , فَيَقَع الْإِبْرِيق فِي يَده , وَيَشْرَب مِنْهُ مَا يُرِيد , ثُمَّ يَرْجِع إِلَى مَكَانه . وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيه الْأَنْفُس } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالشَّام : { مَا تَشْتَهِيه } بِزِيَادَةِ هَاء , وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي مَصَاحِفهمْ , وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْعِرَاق " تَشْتَهِي " بِغَيْرِ هَاء , وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مَصَاحِفهمْ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِد , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَتِلْكَ الْجَنَّة الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يُقَال لَهُمْ : وَهَذِهِ الْجَنَّة الَّتِي أَوْرَثَكُمُوهَا اللَّه عَنْ أَهْل النَّار الَّذِينَ أَدْخَلَهُمْ جَهَنَّم بِمَا كُنْتُمْ فِي الدُّنْيَا تَعْمَلُونَ مِنَ الْخَيْرَات .
{ لَكُمْ فِيهَا } يَقُول : لَكُمْ فِي الْجَنَّة فَاكِهَة كَثِيرَة مِنْ كُلّ نَوْع { مِنْهَا تَأْكُلُونَ } يَقُول : مِنَ الْفَاكِهَة تَأْكُلُونَ مَا اشْتَهَيْتُمْ.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَاب جَهَنَّم خَالِدُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره { إِنَّ الْمُجْرِمِينَ } وَهُمُ الَّذِينَ اجْتَرَمُوا فِي الدُّنْيَا الْكُفْر بِاللَّهِ , فَاجْتَرَمُوا بِهِ فِي الْآخِرَة { فِي عَذَاب جَهَنَّم خَالِدُونَ } يَقُول : هُمْ فِيهِ مَاكِثُونَ .
لَا يَفْتُر عَنْهُمْ , يَقُول : لَا يُخَفِّف عَنْهُمْ الْعَذَاب وَأَصْل الْفُتُور : الضَّعْف { وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ } يَقُول : وَهُمْ فِي عَذَاب جَهَنَّم مُبْلِسُونَ , وَالْهَاء فِي فِيهِ مِنْ ذِكْر الْعَذَاب , وَيُذْكَر أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : " وَهُمْ فِيهَا مُبْلِسُونَ " وَالْمَعْنَى : وَهُمْ فِي جَهَنَّم مُبْلِسُونَ , وَالْمُبْلِس فِي هَذَا الْمَوْضِع : هُوَ الْآيِس مِنَ النَّجَاة الَّذِي قَدْ قَنِطَ فَاسْتَسْلَمَ لِلْعَذَابِ وَالْبَلَاء. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23966 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ } : أَيْ مُسْتَسْلِمُونَ . * - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ } قَالَ : آيِسُونَ. وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 23967 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ } مُتَغَيِّر حَالهمْ . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مَعْنَى الْإِبْلَاس بِشَوَاهِدِهِ , وَذِكْر الْمُخْتَلِفِينَ فِيهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .
وَقَوْله : { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَا ظَلَمْنَا هَؤُلَاءِ الْمُجْرِمِينَ بِفِعْلِنَا بِهِمْ مَا أَخْبَرْنَاكُمْ أَيّهَا النَّاس أَنَّا فَعَلْنَا بِهِمْ مِنْ التَّعْذِيب بِعَذَابِ جَهَنَّم { وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ } بِعِبَادَتِهِمْ فِي الدُّنْيَا غَيْر مَنْ كَانَ عَلَيْهِمْ عِبَادَته , وَكُفْرهمْ بِاللَّهِ , وَجُحُودهمْ تَوْحِيده .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَنَادَوْا يَا مَالِك لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبّك قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَنَادَى هَؤُلَاءِ الْمُجْرِمُونَ بَعْد مَا أَدْخَلَهُمْ اللَّه جَهَنَّم , فَنَالَهُمْ فِيهَا مِنَ الْبَلَاء مَا نَالَهُمْ , مَالِكًا خَازِن جَهَنَّم { يَا مَالِك لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبّك } قَالَ : لِيُمِتْنَا رَبّك , فَيَفْرُغ مِنْ إِمَاتَتنَا , فَذُكِرَ أَنَّ مَالِكًا لَا يُجِيبهُمْ فِي وَقْت قِيلهمْ لَهُ ذَلِكَ , وَيَدَعهُمْ أَلْف عَام بَعْد ذَلِكَ , ثُمَّ يُجِيبهُمْ , فَيَقُول لَهُمْ : { إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ } . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23968 - حَدَّثَنَا ابْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ أَبِي الْحَسَن , عَنْ ابْن عَبَّاس { وَنَادَوْا يَا مَالِك لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبّك } فَأَجَابَهُمْ بَعْد أَلْف سَنَة { إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ } . 23969 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ رَجُل مِنْ جِيرَانه يُقَال لَهُ الْحَسَن , عَنْ نَوْف فِي قَوْله : { وَنَادَوْا يَا مَالِك لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبّك } قَالَ : يَتْرُكهُمْ مِائَة سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ , ثُمَّ يُنَادِيهِمْ فَيَقُول : يَا أَهْل النَّار إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ . 23970 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا ابْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , قَالَ : { وَنَادَوْا يَا مَالِك لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبّك } قَالَ : فَخَلَّى عَنْهُمْ أَرْبَعِينَ عَامًا لَا يُجِيبهُمْ , ثُمَّ أَجَابَهُمْ : { إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ } : { قَالُوا رَبّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ } 23 107 فَخَلَّى عَنْهُمْ مِثْلَيْ الدُّنْيَا , ثُمَّ أَجَابَهُمْ : { اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ } 23 108 قَالَ : فَوَاللَّهِ مَا نَبَسَ الْقَوْم بَعْد الْكَلِمَة , إِنْ كَانَ إِلَّا الزَّفِير وَالشَّهِيق . * - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَبِي أَيُّوب الْأَزْدِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , قَالَ : إِنَّ أَهْل جَهَنَّم يَدْعُونَ مَالِكًا أَرْبَعِينَ عَامًا فَلَا يُجِيبهُمْ , ثُمَّ يَقُول : { إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ } , ثُمَّ يُنَادُونَ رَبّهمْ { رَبّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ } 23 107 فَيَدَعهُمْ أَوْ يُخَلِّي عَنْهُمْ مِثْل الدُّنْيَا , ثُمَّ يَرُدّ عَلَيْهِمْ { اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ } 23 108 قَالَ : فَمَا نَبَسَ الْقَوْم بَعْد ذَلِكَ بِكَلِمَةٍ إِنْ كَانَ إِلَّا الزَّفِير وَالشَّهِيق فِي نَار جَهَنَّم. * - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَمْرو , عَنْ عَطَاء , عَنِ الْحَسَن , عَنْ نَوْف { وَنَادَوْا يَا مَالِك لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبّك } قَالَ : يَتْرُكهُمْ مِائَة سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ , ثُمَّ نَادَاهُمْ فَاسْتَجَابُوا لَهُ , فَقَالَ : إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ . 23971 -حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط عَنِ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : { وَنَادَوْا يَا مَالِك لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبّك } قَالَ : مَالِك خَازِن النَّار , قَالَ : فَمَكَثُوا أَلْف سَنَة مِمَّا تَعُدُّونَ , قَالَ : فَأَجَابَهُمْ بَعْد أَلْف عَام : إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ . 23972 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { وَنَادَوْا يَا مَالِك لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبّك } قَالَ : يُمِيتنَا , الْقَضَاء هَا هُنَا الْمَوْت , فَأَجَابَهُمْ { إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ } .
وَقَوْله : { لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ } يَقُول : لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ يَا مَعْشَر قُرَيْش رَسُولنَا مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ . كَمَا : 23973 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ , { لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ } , قَالَ : الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَلَكِنَّ أَكْثَركُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَكِنَّ أَكْثَرهمْ لِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْحَقّ كَارِهُونَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَمْ أَبْرَمَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْش أَمْرًا فَأَحْكَمُوهُ , يَكِيدُونَ بِهِ الْحَقّ الَّذِي جِئْنَاهُمْ بِهِ , فَإِنَّا مُحْكِمُونَ لَهُمْ مَا يُخْزِيهِمْ , وَيُذِلّهُمْ مِنَ النَّكَال. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23974 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ } قَالَ : مُجْمِعُونَ : إِنْ كَادُوا شَرًّا كِدْنَا مِثْله . 23975 -حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ } قَالَ : أَمْ أَجْمَعُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُجْمِعُونَ . 23976 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ } قَالَ : أَمْ أَحْكَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُحْكِمُونَ لِأَمْرِنَا.
أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ↓
وَقَوْله : { أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَع سِرّهمْ وَنَجْوَاهُمْ } يَقُول : أَمْ يَظُنّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ أَنَّا لَا نَسْمَع مَا أَخْفَوْا عَنِ النَّاس مِنْ مَنْطِقهمْ , وَتَشَاوَرُوا بَيْنهمْ وَتَنَاجَوْا بِهِ دُون غَيْرهمْ , فَلَا نُعَاقِبهُمْ عَلَيْهِ لِخَفَائِهِ عَلَيْنَا .
وَقَوْله : { بَلَى وَرُسُلنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : بَلْ نَحْنُ نَعْلَم مَا تَنَاجَوْا بِهِ بَيْنهمْ , وَأَخْفَوْهُ عَنْ النَّاس مِنْ سِرّ كَلَامهمْ , وَحَفَظَتُنَا لَدَيْهِمْ , يَعْنِي عِنْدهمْ يَكْتُبُونَ مَا نَطَقُوا بِهِ مِنْ مَنْطِق , وَتَكَلَّمُوا بِهِ مِنْ كَلَامهمْ . وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي نَفَر ثَلَاثَة تَدَارَءُوا فِي سَمَاع اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَلَام عِبَاده. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23977 - حَدَّثَنِي عَمْرو بْن سَعِيد بْن يَسَار الْقُرَشِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو قُتَيْبَة , قَالَ : ثنا عَاصِم بْن مُحَمَّد الْعُمَرِيّ , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , قَالَ : بَيْنَا ثَلَاثَة بَيْن الْكَعْبَة وَأَسْتَارهَا , قُرَشِيَّانِ وَثَقَفِيّ , أَوْ ثَقَفِيَّانِ وَقُرَشِيّ , فَقَالَ وَاحِد مِنْ الثَّلَاثَة : أَتَرَوْنَ اللَّه يَسْمَع كَلَامنَا ؟ فَقَالَ الْأَوَّل : إِذَا جَهَرْتُمْ سَمِعَ , وَإِذَا أَسْرَرْتُمْ لَمْ يَسْمَع , قَالَ الثَّانِي : إِنْ كَانَ يَسْمَع إِذَا أَعْلَنْتُمْ , فَإِنَّهُ يَسْمَع إِذَا أَسْرَرْتُمْ , قَالَ : فَنَزَلَتْ { أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَع سِرّهمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ } . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْله : { بَلَى وَرُسُلنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23978 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { بَلَى وَرُسُلنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ } قَالَ : الْحَفَظَة . 23979 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { بَلَى وَرُسُلنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ } : أَيْ عِنْدهمْ .
وَقَوْله : { بَلَى وَرُسُلنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : بَلْ نَحْنُ نَعْلَم مَا تَنَاجَوْا بِهِ بَيْنهمْ , وَأَخْفَوْهُ عَنْ النَّاس مِنْ سِرّ كَلَامهمْ , وَحَفَظَتُنَا لَدَيْهِمْ , يَعْنِي عِنْدهمْ يَكْتُبُونَ مَا نَطَقُوا بِهِ مِنْ مَنْطِق , وَتَكَلَّمُوا بِهِ مِنْ كَلَامهمْ . وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي نَفَر ثَلَاثَة تَدَارَءُوا فِي سَمَاع اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَلَام عِبَاده. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23977 - حَدَّثَنِي عَمْرو بْن سَعِيد بْن يَسَار الْقُرَشِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو قُتَيْبَة , قَالَ : ثنا عَاصِم بْن مُحَمَّد الْعُمَرِيّ , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , قَالَ : بَيْنَا ثَلَاثَة بَيْن الْكَعْبَة وَأَسْتَارهَا , قُرَشِيَّانِ وَثَقَفِيّ , أَوْ ثَقَفِيَّانِ وَقُرَشِيّ , فَقَالَ وَاحِد مِنْ الثَّلَاثَة : أَتَرَوْنَ اللَّه يَسْمَع كَلَامنَا ؟ فَقَالَ الْأَوَّل : إِذَا جَهَرْتُمْ سَمِعَ , وَإِذَا أَسْرَرْتُمْ لَمْ يَسْمَع , قَالَ الثَّانِي : إِنْ كَانَ يَسْمَع إِذَا أَعْلَنْتُمْ , فَإِنَّهُ يَسْمَع إِذَا أَسْرَرْتُمْ , قَالَ : فَنَزَلَتْ { أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَع سِرّهمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ } . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْله : { بَلَى وَرُسُلنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23978 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { بَلَى وَرُسُلنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ } قَالَ : الْحَفَظَة . 23979 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { بَلَى وَرُسُلنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ } : أَيْ عِنْدهمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَد فَأَنَا أَوَّل الْعَابِدِينَ } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَد فَأَنَا أَوَّل الْعَابِدِينَ } فَقَالَ بَعْضهمْ : فِي مَعْنَى ذَلِكَ : قُلْ يَا مُحَمَّد إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَد فِي قَوْلكُمْ وَزَعْمكُمْ أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ , فَأَنَا أَوَّل الْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ فِي تَكْذِيبكُمْ , وَالْجَاحِدِينَ مَا قُلْتُمْ مِنْ أَنَّ لَهُ وَلَدًا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23980 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَد } كَمَا تَقُولُونَ { فَأَنَا أَوَّل الْعَابِدِينَ } الْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ , فَقُولُوا مَا شِئْتُمْ. 23981 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { فَأَنَا أَوَّل الْعَابِدِينَ } قَالَ : قُلْ إِنْ كَانَ لِلَّهِ وَلَد فِي قَوْلكُمْ , فَأَنَا أَوَّل مَنْ عَبَدَ اللَّه وَوَحَّدَهُ وَكَذَّبَكُمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : قُلْ مَا كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَد , فَأَنَا أَوَّل الْعَابِدِينَ لَهُ بِذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23982 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنِ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَد فَأَنَا أَوَّل الْعَابِدِينَ } يَقُول : لَمْ يَكُنْ لِلرَّحْمَنِ وَلَد فَأَنَا أَوَّل الشَّاهِدِينَ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ نَفْي , وَمَعْنَى إِنْ الْجَحْد , وَتَأْوِيل ذَلِكَ مَا كَانَ ذَلِكَ , وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُون . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23983 -حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَد فَأَنَا أَوَّل الْعَابِدِينَ } قَالَ قَتَادَة : وَهَذِهِ كَلِمَة مِنْ كَلَام الْعَرَب { إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَد } : أَيْ إِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ , وَلَا يَنْبَغِي . 23984 -حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَد فَأَنَا أَوَّل الْعَابِدِينَ } قَالَ : هَذَا الْإِنْكَاف مَا كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَد , نَكُفّ اللَّه أَنْ يَكُون لَهُ وَلَد , وَإِنْ مِثْلُ " مَا " إِنَّمَا هِيَ : مَا كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَد , لَيْسَ لِلرَّحْمَنِ وَلَد , مِثْل قَوْله : { وَإِنْ كَانَ مَكْرهمْ لَتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَال } 14 46 إِنَّمَا هِيَ : مَا كَانَ مَكْرهمْ لَتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَال , فَالَّذِي أَنْزَلَ اللَّه مِنْ كِتَابه وَقَضَاهُ مِنْ قَضَائِهِ أَثْبَت مِنَ الْجِبَال , و " إِنْ " هِيَ " مَا " إِنْ كَانَ مَا كَانَ تَقُول الْعَرَب : إِنْ كَانَ , وَمَا كَانَ الَّذِي تَقُول , وَفِي قَوْله : { فَأَنَا أَوَّل الْعَابِدِينَ } أَوَّل مَنْ يَعْبُد اللَّه بِالْإِيمَانِ وَالتَّصْدِيق أَنَّهُ لَيْسَ لِلرَّحْمَنِ وَلَد عَلَى هَذَا أَعْبُد اللَّه . 23985 - حَدَّثَنِي ابْن عَبْد الرَّحِيم الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن أَبِي سَلَمَة , قَالَ : سَأَلْت ابْن مُحَمَّد , عَنْ قَوْل اللَّه : { إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَد } قَالَ : مَا كَانَ . 23986 -حَدَّثَنِي ابْن عَبْد الرَّحِيم الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : سَأَلْت زَيْد بْن أَسْلَمَ , عَنْ قَوْل اللَّه : { قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَد } قَالَ : هَذَا قَوْل الْعَرَب مَعْرُوف , إِنْ كَانَ : مَا كَانَ , إِنْ كَانَ هَذَا الْأَمْر قَطُّ , ثُمَّ قَالَ : وَقَوْله : وَإِنْ كَانَ : مَا كَانَ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى " إِنْ " فِي هَذَا الْمَوْضِع مَعْنَى الْمُجَازَاة , قَالُوا : وَتَأْوِيل الْكَلَام : لَوْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَد , كُنْت أَوَّل مَنْ عَبَدَهُ بِذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23987 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَد فَأَنَا أَوَّل الْعَابِدِينَ } قَالَ : لَوْ كَانَ لَهُ وَلَد كُنْت أَوَّل مَنْ عَبَدَهُ بِأَنَّ لَهُ وَلَدًا , وَلَكِنْ لَا وَلَد لَهُ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَد , فَأَنَا أَوَّل الْآنِفِينَ ذَلِكَ , وَوَجَّهُوا مَعْنَى الْعَابِدِينَ إِلَى الْمُنْكِرِينَ الْآبِينَ , مِنْ قَوْل الْعَرَب : قَدْ عَبِدَ فُلَان مِنْ هَذَا الْأَمْر إِذَا أَنِفَ مِنْهُ وَغَضِبَ وَأَبَاهُ , فَهُوَ يَعْبَد عَبَدًا , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : أَلَا هَوِيَتْ أُمّ الْوَلِيد وَأَصْبَحَتْ لِمَا أَبْصَرَتْ فِي الرَّأْس مِنِّي تَعَبَّدُ وَكَمَا قَالَ الْآخَر : مَتَى مَا يَشَأْ ذُو الْوُدّ يَصْرِم خَلِيله وَيَعْبَد عَلَيْهِ لَا مَحَالَة ظَالِمَا 23988 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , ثني قَالَ : ابْن أَبِي ذِئْب , عَنْ أَبِي قُسَيْط , عَنْ بَعْجَة بْن زَيْد الْجُهَنِيّ , أَنَّ امْرَأَة مِنْهُمْ دَخَلَتْ عَلَى زَوْجهَا , وَهُوَ رَجُل مِنْهُمْ أَيْضًا , فَوَلَدَتْ لَهُ فِي سِتَّة أَشْهُر , فَذَكَرَ ذَلِكَ لِعُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُرْجَم , فَدَخَلَ عَلَيْهِ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَقَالَ : إِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُول فِي كِتَابه : { وَحَمْله وَفِصَاله ثَلَاثُونَ شَهْرًا } 46 15 وَقَالَ : { وَفِصَاله فِي عَامَيْنِ } 31 14 14 قَالَ : فَوَاللَّهِ مَا عَبِد عُثْمَان أَنْ بَعَثَ إِلَيْهَا تُرَدّ . قَالَ يُونُس , قَالَ ابْن وَهْب : عَبِد : اسْتَنْكَفَ. وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى : { إِنْ } الشَّرْط الَّذِي يَقْتَضِي الْجَزَاء عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ عَنِ السُّدِّيّ , وَذَلِكَ أَنَّ " إِنْ " لَا تَعْدُو فِي هَذَا الْمَوْضِع أَحَد مَعْنَيَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَكُون الْحَرْف الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الشَّرْط الَّذِي يَطْلُب الْجَزَاء , أَوْ تَكُون بِمَعْنَى الْجَحْد , وَهَبْ إِذَا وَجَّهْت إِلَى الْجَحْد لَمْ يَكُنْ لِلْكَلَامِ كَبِير مَعْنَى ; لِأَنَّهُ يَصِير بِمَعْنَى : قُلْ مَا كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَد , وَإِذَا صَارَ بِذَلِكَ الْمَعْنَى أَوْهَمَ أَهْل الْجَهْل مِنْ أَهْل الشِّرْك بِاللَّهِ أَنَّهُ إِنَّمَا نَفَى بِذَلِكَ عَنِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَكُون لَهُ وَلَد قَبْل بَعْض الْأَوْقَات , ثُمَّ أَحْدَثَ لَهُ الْوَلَد بَعْد أَنْ لَمْ يَكُنْ , مَعَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ لَقَدَرَ الَّذِينَ أَمَرَ اللَّه نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُول لَهُمْ : مَا كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَد , فَأَنَا أَوَّل الْعَابِدِينَ أَنْ يَقُولُوا لَهُ صَدَقْت , وَهُوَ كَمَا قُلْت , وَنَحْنُ لَمْ نَزْعُم أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ لَهُ وَلَد , وَإِنَّمَا قُلْنَا : لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَد , ثُمَّ خَلَقَ الْجِنّ فَصَاهَرَهُمْ , فَحَدَثَ لَهُ مِنْهُمْ وَلَد , كَمَا أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَهُ , وَلَمْ يَكُنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لِيَحْتَجّ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى مُكَذِّبِيهِ مِنَ الْحُجَّة بِمَا يَقْدِرُونَ عَلَى الطَّعْن فِيهِ , وَإِذْ كَانَ فِي تَوْجِيهنَا " إِنْ " إِلَى مَعْنَى الْجَحْد مَا ذَكَرْنَا , فَالَّذِي هُوَ أَشْبَه الْمَعْنَيَيْنِ بِهَا الشَّرْط . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَبَيِّنَة صِحَّة مَا نَقُول مِنْ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : قُلْ يَا مُحَمَّد لِمُشْرِكِي قَوْمك الزَّاعِمِينَ أَنَّ الْمَلَائِكَة بَنَات اللَّه : إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَد فَأَنَا أَوَّل عَابِدِيهِ بِذَلِكَ مِنْكُمْ , وَلَكِنَّهُ لَا وَلَد لَهُ , فَأَنَا أَعْبُدهُ بِأَنَّهُ لَا وَلَد لَهُ , وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُون لَهُ . وَإِذَا وُجِّهَ الْكَلَام إِلَى مَا قُلْنَا مِنْ هَذَا الْوَجْه لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْه الشَّكّ , وَلَكِنْ عَلَى وَجْه الْإِلْطَاف مِنَ الْكَلَام وَحُسْن الْخِطَاب , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ { قُلِ اللَّه وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَال مُبِين } 34 24 وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْحَقّ مَعَهُ , وَأَنَّ مُخَالِفِيهِ فِي الضَّلَال الْمُبِين .
وَقَوْله : { سُبْحَان رَبّ السَّمَوَات وَالْأَرْض } يَقُول تَعَالَى ذِكْره تَبْرِئَة وَتَنْزِيهًا لِمَالِك السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَالك الْعَرْش الْمُحِيط بِذَلِكَ كُلّه , وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ خَلْق مِمَّا يَصِفهُ بِهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ الْكَذِب , وَيُضِيفُونَ إِلَيْهِ مِنَ الْوَلَد وَغَيْر ذَلِكَ مِنَ الْأَشْيَاء الَّتِي لَا يَنْبَغِي أَنْ تُضَاف إِلَيْهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23989 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { رَبّ الْعَرْش عَمَّا يَصِفُونَ } : أَيْ يَكْذِبُونَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمهمُ الَّذِي يُوعَدُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَذَرْ يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الْمُفْتَرِينَ عَلَى اللَّه , الْوَاصِفَة بِأَنَّ لَهُ وَلَدًا يَخُوضُوا فِي بَاطِلهمْ , وَيَلْعَبُوا فِي دُنْيَاهُمْ { حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمهمُ الَّذِي يُوعَدُونَ } وَذَلِكَ يَوْم يُصْلِيهِمْ اللَّه بِفِرْيَتِهِمْ عَلَيْهِ جَهَنَّم , وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة . كَمَا : 23990 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنِ السُّدِّيّ { حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمهمُ الَّذِي يُوعَدُونَ } قَالَ : يَوْم الْقِيَامَة .
وَقَوْله : { وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَه وَفِي الْأَرْض إِلَه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاللَّه الَّذِي لَهُ الْأُلُوهَة فِي السَّمَاء مَعْبُود , وَفِي الْأَرْض مَعْبُود كَمَا هُوَ فِي السَّمَاء مَعْبُود , لَا شَيْء سِوَاهُ تَصْلُح عِبَادَته ; يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَأَفْرِدُوا لِمَنْ هَذِهِ صِفَته الْعِبَادَة , وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا غَيْره . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23991 - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَه وَفِي الْأَرْض إِلَه } قَالَ : يُعْبَد فِي السَّمَاء , وَيُعْبَد فِي الْأَرْض. * - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَه وَفِي الْأَرْض إِلَه } أَيْ يُعْبَد فِي السَّمَاء وَفِي الْأَرْض .
وَقَوْله : { وَهُوَ الْحَكِيم الْعَلِيم } يَقُول : وَهُوَ الْحَكِيم فِي تَدْبِير خَلْقه , وَتَسْخِيرهمْ لِمَا يَشَاء , الْعَلِيم بِمَصَالِحِهِمْ .
وَقَوْله : { وَهُوَ الْحَكِيم الْعَلِيم } يَقُول : وَهُوَ الْحَكِيم فِي تَدْبِير خَلْقه , وَتَسْخِيرهمْ لِمَا يَشَاء , الْعَلِيم بِمَصَالِحِهِمْ .
وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ↑
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره , وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَان السَّمَوَات السَّبْع وَالْأَرْض , وَمَا بَيْنهمَا مِنَ الْأَشْيَاء كُلّهَا , جَارٍ عَلَى جَمِيع ذَلِكَ حُكْمه , مَاضٍ فِيهِمْ قَضَاؤُهُ . يَقُول : فَكَيْفَ يَكُون لَهُ شَرِيكًا مَنْ كَانَ فِي سُلْطَانه وَحُكْمه فِيهِ نَافِد .
يَقُول : وَعِنْده عِلْم السَّاعَة الَّتِي تَقُوم فِيهَا الْقِيَامَة , وَيُحْشَر فِيهَا الْخَلْق مِنْ قُبُورهمْ لِمَوْقِفِ الْحِسَاب .
قَوْله : { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } يَقُول : وَإِلَيْهِ أَيّهَا النَّاس تُرَدُّونَ مِنْ بَعْد مَمَاتكُمْ , فَتَصِيرُونَ إِلَيْهِ , فَيُجَازِي الْمُحْسِن بِإِحْسَانِهِ , وَالْمُسِيء بِإِسَاءَتِهِ .
يَقُول : وَعِنْده عِلْم السَّاعَة الَّتِي تَقُوم فِيهَا الْقِيَامَة , وَيُحْشَر فِيهَا الْخَلْق مِنْ قُبُورهمْ لِمَوْقِفِ الْحِسَاب .
قَوْله : { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } يَقُول : وَإِلَيْهِ أَيّهَا النَّاس تُرَدُّونَ مِنْ بَعْد مَمَاتكُمْ , فَتَصِيرُونَ إِلَيْهِ , فَيُجَازِي الْمُحْسِن بِإِحْسَانِهِ , وَالْمُسِيء بِإِسَاءَتِهِ .
وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا يَمْلِك الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونه الشَّفَاعَة } اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَا يَمْلِك عِيسَى وَعُزَيْر وَالْمَلَائِكَة الَّذِينَ يَعْبُدهُمْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِالسَّاعَةِ , الشَّفَاعَة عِنْد اللَّه لِأَحَدٍ , إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ , فَوَحَّدَ اللَّه وَأَطَاعَهُ , بِتَوْحِيدِ عِلْم مِنْهُ وَصِحَّة بِمَا جَاءَتْ بِهِ رُسُله . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23992 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَلَا يَمْلِك الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونه الشَّفَاعَة } قَالَ : عِيسَى , وَعُزَيْر , وَالْمَلَائِكَة .
قَوْله : { إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ } قَالَ : كَلِمَة الْإِخْلَاص , وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّه حَقّ , وَعِيسَى وَعُزَيْر وَالْمَلَائِكَة يَقُول : لَا يَشْفَع عِيسَى وَعُزَيْر وَالْمَلَائِكَة إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ , وَهُوَ يَعْلَم الْحَقّ . وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِذَلِكَ : وَلَا تَمْلِك الْآلِهَة الَّتِي يَدْعُوهَا الْمُشْرِكُونَ وَيَعْبُدُونَهَا مِنْ دُون اللَّه الشَّفَاعَة إِلَّا عِيسَى وَعُزَيْر وَذَوُوهمَا , وَالْمَلَائِكَة الَّذِينَ شَهِدُوا بِالْحَقِّ , فَأَقَرُّوا بِهِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ حَقِيقَة مَا شَهِدُوا بِهِ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23993 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَلَا يَمْلِك الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونه الشَّفَاعَة إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } : الْمَلَائِكَة وَعِيسَى وَعُزَيْر , قَدْ عُبِدُوا مِنْ دُون اللَّه وَلَهُمْ شَفَاعَة عِنْد اللَّه وَمَنْزِلَة . * - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ } قَالَ : الْمَلَائِكَة وَعِيسَى ابْن مَرْيَم وَعُزَيْر , فَإِنَّ لَهُمْ عِنْد اللَّه شَهَادَة. وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَمْلِك الَّذِينَ يَعْبُدهُمُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ دُون اللَّه الشَّفَاعَة عِنْده لِأَحَدٍ , إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ , وَشَهَادَته بِالْحَقِّ : هُوَ إِقْرَاره بِتَوْحِيدِ اللَّه , يَعْنِي بِذَلِكَ : إِلَّا مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ , وَهُمْ يَعْلَمُونَ حَقِيقَة تَوْحِيده , وَلَمْ يُخَصِّص بِأَنَّ الَّذِي لَا يَمْلِك مُلْك الشَّفَاعَة مِنْهُمْ بَعْض مَنْ كَانَ يُعْبَد مِنْ دُون اللَّه , فَذَلِكَ عَلَى جَمِيع مَنْ كَانَ تُعْبَد قُرَيْش مِنْ دُون اللَّه يَوْم نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة وَغَيْرهمْ , وَقَدْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يُعْبَد مِنْ دُون اللَّه الْآلِهَة , وَكَانَ فِيهِمْ مَنْ يُعْبَد مِنْ دُونه الْمَلَائِكَة وَغَيْرهمْ , فَجَمِيع أُولَئِكَ دَاخِلُونَ فِي قَوْله : وَلَا يَمْلِك الَّذِينَ يَدْعُو قُرَيْش وَسَائِر الْعَرَب مِنْ دُون اللَّه الشَّفَاعَة عِنْد اللَّه , ثُمَّ اسْتَثْنَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } وَهُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ شَهَادَة الْحَقّ فَيُوَحِّدُونَ اللَّه , وَيَخْلُصُونَ لَهُ الْوَحْدَانِيَّة , عَلَى عِلْم مِنْهُمْ وَيَقِين بِذَلِكَ , أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَة عِنْده بِإِذْنِهِ لَهُمْ بِهَا , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى } 21 28 فَأَثْبَتَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِلْمَلَائِكَةِ وَعِيسَى وَعُزَيْر مُلْكهمْ مِنَ الشَّفَاعَة مَا نَفَاهُ عَنْ الْآلِهَة وَالْأَوْثَان بِاسْتِثْنَائِهِ الَّذِي اسْتَثْنَاهُ .
قَوْله : { إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ } قَالَ : كَلِمَة الْإِخْلَاص , وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّه حَقّ , وَعِيسَى وَعُزَيْر وَالْمَلَائِكَة يَقُول : لَا يَشْفَع عِيسَى وَعُزَيْر وَالْمَلَائِكَة إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ , وَهُوَ يَعْلَم الْحَقّ . وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِذَلِكَ : وَلَا تَمْلِك الْآلِهَة الَّتِي يَدْعُوهَا الْمُشْرِكُونَ وَيَعْبُدُونَهَا مِنْ دُون اللَّه الشَّفَاعَة إِلَّا عِيسَى وَعُزَيْر وَذَوُوهمَا , وَالْمَلَائِكَة الَّذِينَ شَهِدُوا بِالْحَقِّ , فَأَقَرُّوا بِهِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ حَقِيقَة مَا شَهِدُوا بِهِ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23993 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَلَا يَمْلِك الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونه الشَّفَاعَة إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } : الْمَلَائِكَة وَعِيسَى وَعُزَيْر , قَدْ عُبِدُوا مِنْ دُون اللَّه وَلَهُمْ شَفَاعَة عِنْد اللَّه وَمَنْزِلَة . * - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ } قَالَ : الْمَلَائِكَة وَعِيسَى ابْن مَرْيَم وَعُزَيْر , فَإِنَّ لَهُمْ عِنْد اللَّه شَهَادَة. وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَمْلِك الَّذِينَ يَعْبُدهُمُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ دُون اللَّه الشَّفَاعَة عِنْده لِأَحَدٍ , إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ , وَشَهَادَته بِالْحَقِّ : هُوَ إِقْرَاره بِتَوْحِيدِ اللَّه , يَعْنِي بِذَلِكَ : إِلَّا مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ , وَهُمْ يَعْلَمُونَ حَقِيقَة تَوْحِيده , وَلَمْ يُخَصِّص بِأَنَّ الَّذِي لَا يَمْلِك مُلْك الشَّفَاعَة مِنْهُمْ بَعْض مَنْ كَانَ يُعْبَد مِنْ دُون اللَّه , فَذَلِكَ عَلَى جَمِيع مَنْ كَانَ تُعْبَد قُرَيْش مِنْ دُون اللَّه يَوْم نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة وَغَيْرهمْ , وَقَدْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يُعْبَد مِنْ دُون اللَّه الْآلِهَة , وَكَانَ فِيهِمْ مَنْ يُعْبَد مِنْ دُونه الْمَلَائِكَة وَغَيْرهمْ , فَجَمِيع أُولَئِكَ دَاخِلُونَ فِي قَوْله : وَلَا يَمْلِك الَّذِينَ يَدْعُو قُرَيْش وَسَائِر الْعَرَب مِنْ دُون اللَّه الشَّفَاعَة عِنْد اللَّه , ثُمَّ اسْتَثْنَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } وَهُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ شَهَادَة الْحَقّ فَيُوَحِّدُونَ اللَّه , وَيَخْلُصُونَ لَهُ الْوَحْدَانِيَّة , عَلَى عِلْم مِنْهُمْ وَيَقِين بِذَلِكَ , أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَة عِنْده بِإِذْنِهِ لَهُمْ بِهَا , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى } 21 28 فَأَثْبَتَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِلْمَلَائِكَةِ وَعِيسَى وَعُزَيْر مُلْكهمْ مِنَ الشَّفَاعَة مَا نَفَاهُ عَنْ الْآلِهَة وَالْأَوْثَان بِاسْتِثْنَائِهِ الَّذِي اسْتَثْنَاهُ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَئِنْ سَأَلْتهمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّه فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَئِنْ سَأَلْت يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ مِنْ قَوْمك : مَنْ خَلَقَهُمْ ؟ لَيَقُولُنَّ : اللَّه خَلَقَنَا . { فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ } فَأَيّ وَجْه يُصْرَفُونَ عَنْ عِبَادَة الَّذِي خَلَقَهُمْ , وَيُحْرَمُونَ إِصَابَة الْحَقّ فِي عِبَادَته .
وَقَوْله : { وَقِيلِهِ يَا رَبّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْم لَا يُؤْمِنُونَ } اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَقِيله } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَمَكَّة وَالْبَصْرَة " وَقِيله " بِالنَّصْبِ , وَإِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ ذَلِكَ , كَانَ لَهُ وَجْهَانِ فِي التَّأْوِيل : أَحَدهمَا الْعَطْف عَلَى قَوْله : { أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَع سِرّهمْ وَنَجْوَاهُمْ } 43 80 وَنَسْمَع قِيله يَا رَبّ , وَالثَّانِي : أَنْ يُضْمَر لَهُ نَاصِب , فَيَكُون مَعْنَاهُ حِينَئِذٍ : وَقَالَ قَوْله : { يَا رَبّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْم لَا يُؤْمِنُونَ } وَشَكَا مُحَمَّد شَكْوَاهُ إِلَى رَبّه , وَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة { وَقِيله } بِالْخَفْضِ عَلَى مَعْنَى : وَعِنْده عِلْم السَّاعَة , وَعِلْم قِيله . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي قِرَاءَة الْأَمْصَار صَحِيحَتَا الْمَعْنَى فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب , فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَنْ : وَقَالَ مُحَمَّد قِيله شَاكِيًا إِلَى رَبّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَوْمه الَّذِينَ كَذَّبُوهُ , وَمَا يَلْقَى مِنْهُمْ : يَا رَبّ إِنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَمَرْتنِي بِإِنْذَارِهِمْ وَأَرْسَلْتنِي إِلَيْهِمْ لِدُعَائِهِمْ إِلَيْك , قَوْم لَا يُؤْمِنُونَ . كَمَا : 23994 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَقِيله يَا رَبّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْم لَا يُؤْمِنُونَ } قَالَ : فَأَبَرّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَوْل مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 23995 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَقِيله يَا رَبّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْم لَا يُؤْمِنُونَ } قَالَ : هَذَا قَوْل نَبِيّكُمْ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَشْكُو قَوْمه إِلَى رَبّه . * - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { وَقِيله يَا رَبّ } قَالَ : هُوَ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْم لَا يُؤْمِنُونَ } .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَام فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , جَوَابًا لَهُ عَنْ دُعَائِهِ إِيَّاهُ إِذْ قَالَ : " يَا رَبّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْم لَا يُؤْمِنُونَ " { فَاصْفَحْ عَنْهُمْ } يَا مُحَمَّد , وَأَعْرِضْ عَنْ أَذَاهُمْ { وَقُلْ } لَهُمْ { سَلَام } عَلَيْكُمْ وَرَفْع سَلَام بِضَمِيرِ عَلَيْكُمْ أَوْ لَكُمْ . وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة " فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ " بِالتَّاءِ عَلَى وَجْه الْخِطَاب , بِمَعْنَى : أَمَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُول ذَلِكَ لِلْمُشْرِكِينَ , مَعَ قَوْله : { سَلَام } , وَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة وَبَعْض قُرَّاء مَكَّة { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } بِالْيَاءِ عَلَى وَجْه الْخَبَر , وَأَنَّهُ وَعِيد مِنَ اللَّه لِلْمُشْرِكِينَ , فَتَأْوِيله عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَة : { فَاصْفَحْ عَنْهُمْ } يَا مُحَمَّد { وَقُلْ سَلَام }. ثُمَّ ابْتَدَأَ تَعَالَى ذِكْره الْوَعِيد لَهُمْ , فَقَالَ { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } مَا يَلْقَوْنَ مِنَ الْبَلَاء وَالنَّكَال وَالْعَذَاب عَلَى كُفْرهمْ , ثُمَّ نَسَخَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ هَذِهِ الْآيَة , وَأَمَرَ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِتَالِهِمْ . كَمَا : 23996 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَام } قَالَ : اصْفَحْ عَنْهُمْ , ثُمَّ أَمَرَهُ بِقِتَالِهِمْ . 23997 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُعَزِّي نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَام فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } . آخِر تَفْسِير سُورَة الزُّخْرُف.