ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْله : { فَسَلَام لَك مِنْ أَصْحَاب الْيَمِين } فَقَالَ أَهْل التَّأْوِيل فِيهِ مَا : 26030 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَاب الْيَمِين } فَسَلَام لَك مِنْ أَصْحَاب الْيَمِين قَالَ : سَلَام مِنْ عِنْد اللَّه , وَسَلَّمَتْ عَلَيْهِ مَلَائِكَة اللَّه . 26004 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَاب الْيَمِين فَسَلَام لَك مِنْ أَصْحَاب الْيَمِين } قَالَ : سَلَام مِمَّا يَكْرَه . وَأَمَّا أَهْل الْعَرَبِيَّة , فَإِنَّهُمْ اِخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة { وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَاب الْيَمِين فَسَلَام لَك مِنْ أَصْحَاب الْيَمِين } : أَيْ فَيُقَال سَلَام لَك . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : قَوْله : { فَسَلَام لَك مِنْ أَصْحَاب الْيَمِين } : أَيْ فَذَلِكَ مُسَلَّم لَك أَنَّك مِنْ أَصْحَاب الْيَمِين , وَأُلْقِيَتْ " أَنَّ " وَنَوَى مَعْنَاهَا , كَمَا تَقُول : أَنْتَ مُصَدِّق مُسَافِر عَنْ قَلِيل , إِذَا كَانَ قَدْ قَالَ : إِنِّي مُسَافِر عَنْ قَلِيل , وَكَذَلِكَ يَجِب مَعْنَاهُ أَنَّك مُسَافِر عَنْ قَلِيل , وَمُصَدِّق عَنْ قَلِيل . قَالَ : وَقَوْله : { فَسَلَام لَك } مَعْنَاهُ : فَسَلَام لَك أَنْتَ مِنْ أَصْحَاب الْيَمِين . قَالَ : وَقَدْ يَكُون كَالدُّعَاءِ لَهُ , كَقَوْلِهِ : فَسُقْيًا لَك مِنْ الرِّجَال . قَالَ : وَإِنْ رَفَعَتْ السَّلَام فَهُوَ دُعَاء , وَاَللَّه أَعْلَم بِصَوَابِهِ . وَقَالَ آخَر مِنْهُمْ قَوْله : { فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُقَرَّبِينَ } فَإِنَّهُ جَمَعَ بَيْن جَوَابَيْنِ , لِيُعْلَم أَنَّ أَمَّا جَزَاء . قَالَ : وَأَمَّا قَوْله : { فَسَلَام لَك مِنْ أَصْحَاب الْيَمِين } قَالَ : وَهَذَا أَصْل الْكَلِمَة مُسَلَّم لَك هَذَا , ثُمَّ حُذِفَتْ " أَنَّ " وَأُقِيم " مِنْ " مَقَامهَا . قَالَ : وَقَدْ قِيلَ : فَسَلَام لَك أَنْتَ مِنْ أَصْحَاب الْيَمِين , فَهُوَ عَلَى ذَاكَ : أَيْ سَلَام لَك , قَالَ : أَنْتَ مِنْ أَصْحَاب الْيَمِين , وَهَذَا كُلّه عَلَى كَلَامَيْنِ . قَالَ : وَقَدْ قِيلَ مُسَلَّم : أَيْ كَمَا تَقُول : فَسَلَام لَك مِنْ الْقَوْم , كَمَا تَقُول : فَسُقْيًا لَك مِنْ الْقَوْم , فَتَكُون كَلِمَة وَاحِدَة . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : مَعْنَاهُ : فَسَلَام لَك إِنَّك مِنْ أَصْحَاب الْيَمِين , ثُمَّ حُذِفَتْ وَاجْتُزِئَ بِدَلَالَةِ مِنْ عَلَيْهَا مِنْهَا , فَسَلِمْت مِنْ عَذَاب اللَّه , وَمِمَّا تَكْرَه , لِأَنَّك مِنْ أَصْحَاب الْيَمِين .
وَقَوْله : { وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُل مِنْ حَمِيم } يَقُول تَعَالَى : وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمَيِّت مِنْ الْمُكَذِّبِينَ بِآيَاتِ اللَّه , الْجَائِرِينَ عَنْ سَبِيله , فَلَهُ نُزُل مِنْ حَمِيم قَدْ أُغْلِيَ حَتَّى اِنْتَهَى حَرّه , فَهُوَ شَرَابه .
وَقَوْله : { وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُل مِنْ حَمِيم } يَقُول تَعَالَى : وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمَيِّت مِنْ الْمُكَذِّبِينَ بِآيَاتِ اللَّه , الْجَائِرِينَ عَنْ سَبِيله , فَلَهُ نُزُل مِنْ حَمِيم قَدْ أُغْلِيَ حَتَّى اِنْتَهَى حَرّه , فَهُوَ شَرَابه .
{ وَتَصْلِيَة جَحِيم } يَقُول : وَحَرِيق النَّار يُحْرَق بِهَا ; وَالتَّصْلِيَة : التَّفْعِلَة مِنْ صَلَّاهُ اللَّه النَّار فَهُوَ يُصَلِّيه تَصْلِيَة , وَذَلِكَ إِذَا أَحْرَقَهُ بِهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقّ الْيَقِين } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ هَذَا الَّذِي أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ أَيّهَا النَّاس مِنْ الْخَبَر عَنْ الْمُقَرَّبِينَ وَأَصْحَاب الْيَمِين , وَعَنْ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ , وَمَا إِلَيْهِ صَائِرَة أُمُورهمْ { لَهُوَ حَقّ الْيَمِين } يَقُول : لَهُوَ الْحَقّ مِنْ الْخَبَر الْيَقِين لَا شَكَّ فِيهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 26005 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقّ الْيَقِين } قَالَ : الْخَبَر الْيَقِين . 26006 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُل مِنْ حَمِيم وَتَصْلِيَة جَحِيم إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقّ الْيَقِين } حَتَّى خَتَمَ , إِنَّ اللَّه تَعَالَى لَيْسَ تَارِكًا أَحَدًا مِنْ خَلْقه حَتَّى يُوقِفهُ عَلَى الْيَقِين مِنْ هَذَا الْقُرْآن . فَأَمَّا الْمُؤْمِن فَأَيْقَنَ فِي الدُّنْيَا , فَنَفَعَهُ ذَلِكَ يَوْم الْقِيَام . وَأَمَّا الْكَافِر , فَأَيْقَنَ يَوْم الْقِيَامَة حِين لَا يَنْفَعهُ . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي وَجْه إِضَافَة الْحَقّ إِلَى الْيَقِين , وَالْحَقّ يَقِين , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة , قَالَ : حَقّ الْيَقِين , فَأَضَافَ الْحَقّ إِلَى الْيَقِين , كَمَا قَالَ : { ذَلِكَ دِين الْقَيِّمَة } 98 5 أَيْ ذَلِكَ دِين الْمِلَّة الْقَيِّمَة , وَذَلِكَ حَقّ الْأَمْر الْيَقِين . قَالَ : وَأَمَّا هَذَا رَجُل السَّوْء , فَلَا يَكُون فِيهِ هَذَا الرَّجُل السَّوْء , كَمَا يَكُون فِي الْحَقّ الْيَقِين , لِأَنَّ السَّوْء لَيْسَ بِالرَّجُلِ , وَالْيَقِين هُوَ الْحَقّ . وَقَالَ بَعْض أَهْل الْكُوفَة : الْيَقِين نَعْت لِلْحَقِّ , كَأَنَّهُ قَالَ : الْحَقّ الْيَقِين , وَالدِّين الْقَيِّم , فَقَدْ جَاءَ مِثْله فِي كَثِير مِنْ الْكَلَام وَالْقُرْآن { وَلَدَار الْآخِرَة } 12 109 16 30 { وَالدَّار الْآخِرَة } 7 169 33 29 قَالَ : فَإِذَا أُضِيف تُوُهِّمَ بِهِ غَيْر الْأَوَّل .
وَقَوْله : { فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبّك الْعَظِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَسَبِّحْ بِتَسْمِيَةِ رَبّك الْعَظِيم بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى .