وَإِذَا جَاؤُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَقَد دَّخَلُواْ بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِذَا جَاءَكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ مِنْ الْيَهُود , قَالُوا لَكُمْ : " آمَنَّا " : أَيْ صَدَّقْنَا بِمَا جَاءَ بِهِ نَبِيّكُمْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَاتَّبَعْنَاهُ عَلَى دِينه , وَهُمْ مُقِيمُونَ عَلَى كُفْرهمْ وَضَلَالَتهمْ , قَدْ دَخَلُوا عَلَيْكُمْ بِكُفْرِهِمْ الَّذِي يَعْتَقِدُونَهُ بِقُلُوبِهِمْ وَيُضْمِرُونَهُ فِي صُدُورهمْ , وَهُمْ يُبْدُونَ كَذِبًا التَّصْدِيق لَكُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ . { وَقَدْ خَرَجُوا بِهِ } يَقُول : وَقَدْ خَرَجُوا بِالْكُفْرِ مِنْ عِنْدكُمْ كَمَا دَخَلُوا بِهِ عَلَيْكُمْ لَمْ يَرْجِعُوا بِمَجِيئِهِمْ إِلَيْكُمْ عَنْ كُفْرهمْ وَضَلَالَتهمْ , يَظُنُّونَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلهمْ يَخْفَى عَلَى اللَّه جَهْلًا مِنْهُمْ بِاَللَّهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9538 حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا } الْآيَة : أُنَاس مِنْ الْيَهُود كَانُوا يَدْخُلُونَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَيُخْبِرُونَهُ أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ رَاضُونَ بِاَلَّذِي جَاءَ بِهِ , وَهُمْ مُتَمَسِّكُونَ بِضَلَالَتِهِمْ وَالْكُفْر , وَكَانُوا يَدْخُلُونَ بِذَلِكَ وَيَخْرُجُونَ بِهِ مِنْ عِنْد نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 9539 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ } قَالَ : هَؤُلَاءِ نَاس مِنْ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يَهُود . يَقُول : دَخَلُوا كُفَّارًا وَخَرَجُوا كُفَّارًا . 9540 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ } وَإِنَّهُمْ دَخَلُوا وَهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِالْحَقِّ وَتُسِرّ قُلُوبهمْ الْكُفْر , فَقَالَ : دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ . 9541 حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ } { وَقَالَتْ طَائِفَة مِنْ أَهْل الْكِتَاب آمِنُوا بِاَلَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْه النَّار وَاكْفُرُوا آخِره لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } ; فَإِذَا رَجَعُوا إِلَى كُفَّارهمْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب وَشَيَاطِينهمْ , رَجَعُوا بِكُفْرِهِمْ . وَهَؤُلَاءِ أَهْل الْكِتَاب مِنْ يَهُود . 9542 حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير : { وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ } أَيْ إِنَّهُ مِنْ عِنْدهمْ .
يَقُول : وَاَللَّه أَعْلَم بِمَا كَانُوا عِنْد قَوْلهمْ لَكِنْ بِأَلْسِنَتِهِمْ : آمَنَّا بِاَللَّهِ وَبِمُحَمَّدٍ وَصَدَّقْنَا بِمَا جَاءَ بِهِ , يَكْتُمُونَ مِنْهُمْ بِمَا يُضْمِرُونَهُ مِنْ الْكُفْر بِأَنْفُسِهِمْ .
يَقُول : وَاَللَّه أَعْلَم بِمَا كَانُوا عِنْد قَوْلهمْ لَكِنْ بِأَلْسِنَتِهِمْ : آمَنَّا بِاَللَّهِ وَبِمُحَمَّدٍ وَصَدَّقْنَا بِمَا جَاءَ بِهِ , يَكْتُمُونَ مِنْهُمْ بِمَا يُضْمِرُونَهُ مِنْ الْكُفْر بِأَنْفُسِهِمْ .
وَتَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْم وَالْعُدْوَان وَأَكْلهمْ السُّحْت } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَتَرَى يَا مُحَمَّد كَثِيرًا مِنْ هَؤُلَاءِ الْيَهُود الَّذِينَ قَصَصْت عَلَيْك نَبَأَهُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل { يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْم وَالْعُدْوَان } يَقُول : يَعْجَلُونَ بِمُوَاقَعَةِ الْإِثْم . وَقِيلَ : إِنَّ الْإِثْم فِي هَذَا الْمَوْضِع مَعْنِيٌّ بِهِ الْكُفْر . 9543 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي قَوْله : { وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْم وَالْعُدْوَان } قَالَ : الْإِثْم : الْكُفْر . 9544 حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْم وَالْعُدْوَان } وَكَانَ هَذَا فِي حُكَّام الْيَهُود بَيْن أَيْدِيكُمْ . 9545 حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : . { يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْم وَالْعُدْوَان } قَالَ : هَؤُلَاءِ الْيَهُود ; { لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ لَوْلَا يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ } إِلَى قَوْله : { لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } قَالَ : يَصْنَعُونَ وَيَعْمَلُونَ وَاحِد . قَالَ لِهَؤُلَاءِ حِين لَمْ يُنْهَوْا , كَمَا قَالَ لِهَؤُلَاءِ حِين عَمِلُوا . قَالَ : وَهَذَا الْقَوْل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ السُّدِّيّ وَإِنْ كَانَ قَوْلًا غَيْر مَدْفُوع جَوَاز صِحَّته , فَإِنَّ الَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْكَلَام أَنْ يَكُون الْقَوْم مَوْصُوفِينَ بِأَنَّهُمْ يُسَارِعُونَ فِي جَمِيع مَعَاصِي اللَّه لَا يَتَحَاشَوْنَ مِنْ شَيْء مِنْهَا لَا مِنْ كُفْر وَلَا مِنْ غَيْره ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَمَّ فِي وَصْفهمْ بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ مِنْ أَنَّهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْم وَالْعُدْوَان مِنْ غَيْر أَنْ يَخُصّ بِذَلِكَ إِثْمًا دُون إِثْم . وَأَمَّا الْعُدْوَان , فَإِنَّهُ مُجَاوَزَة الْحَدّ الَّذِي حَدَّهُ اللَّه لَهُمْ فِي كُلّ مَا حَدَّهُ لَهُمْ . وَتَأْوِيل ذَلِكَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْيَهُود الَّذِينَ وَصَفَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَات بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ تَعَالَى ذِكْره , يُسَارِع كَثِير مِنْهُمْ فِي مَعَاصِي اللَّه وَخِلَاف أَمْره , وَيَتَعَدَّوْنَ حُدُوده الَّتِي حَدَّ لَهُمْ فِيمَا أَحَلَّ لَهُمْ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ فِي أَكْلهمْ السُّحْت , وَذَلِكَ الرِّشْوَة الَّتِي يَأْخُذُونَهَا مِنْ النَّاس عَلَى الْحُكْم بِخِلَافِ حُكْم اللَّه فِيهِمْ .
يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } يَقُول : أُقْسِم لَبِئْسَ الْعَمَل مَا كَانَ هَؤُلَاءِ الْيَهُود يَعْمَلُونَ فِي مُسَارَعَتهمْ فِي الْإِثْم وَالْعُدْوَان وَأَكْلهمْ السُّحْت .
يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } يَقُول : أُقْسِم لَبِئْسَ الْعَمَل مَا كَانَ هَؤُلَاءِ الْيَهُود يَعْمَلُونَ فِي مُسَارَعَتهمْ فِي الْإِثْم وَالْعُدْوَان وَأَكْلهمْ السُّحْت .
لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَوْلَا يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَار عَنْ قَوْلهمْ الْإِثْم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَلَّا يَنْهَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْم وَالْعُدْوَان وَأَكْل الرُّشَا فِي الْحُكْم مِنْ الْيَهُود مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل رَبَّانِيُّوهُمْ , وَهُمْ أَئِمَّتهمْ الْمُؤْمِنُونَ , وَسَاسَتهمْ الْعُلَمَاء بِسِيَاسَتِهِمْ وَأَحْبَارهمْ , وَهُمْ عُلَمَاؤُهُمْ وَقُوَّادهمْ ; { عَنْ قَوْلهمْ الْإِثْم } يَعْنِي : عَنْ قَوْل الْكَذِب وَالزُّور ; وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَحْكُمُونَ فِيهِمْ بِغَيْرِ حُكْم اللَّه , وَيَكْتُبُونَ كُتُبًا بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ : هَذَا مِنْ حُكْم اللَّه , وَهَذَا مِنْ كُتُبه . يَقُول اللَّه : { فَوَيْل لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهمْ وَوَيْل لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ } .
وَأَمَّا قَوْله : { وَأَكْلهمْ السُّحْت } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ الرِّشْوَة الَّتِي كَانُوا يَأْخُذُونَهَا عَلَى حُكْمهمْ بِغَيْرِ كِتَاب اللَّه لِمَنْ حَكَمُوا لَهُ بِهِ . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الرَّبَّانِيِّينَ وَالْأَحْبَار وَمَعْنَى السُّحْت بِشَوَاهِد ذَلِكَ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .
وَأَمَّا قَوْله : { لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } وَهَذَا قَسَم مِنْ اللَّه أَقْسَمَ بِهِ , يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أُقْسِم لَبِئْسَ الصَّنِيع كَانَ يَصْنَع هَؤُلَاءِ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَار فِي تَرْكهمْ نَهْي الَّذِينَ يُسَارِعُونَ مِنْهُمْ فِي الْإِثْم وَالْعُدْوَان وَأَكْل السُّحْت عَمَّا كَانُوا يَفْعَلُونَ مِنْ ذَلِكَ . وَكَانَ الْعُلَمَاء يَقُولُونَ : مَا فِي الْقُرْآن آيَة أَشَدّ تَوْبِيخًا لِلْعُلَمَاءِ مِنْ هَذِهِ الْآيَة وَلَا أَخْوَف عَلَيْهِمْ مِنْهَا . 9546 حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن دَاوُد , قَالَ : ثنا سَلَمَة بْن نُبَيْط , عَنْ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم فِي قَوْله : { لَوْلَا يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَار عَنْ قَوْلهمْ الْإِثْم } قَالَ : مَا فِي الْقُرْآن آيَة أَخْوَف عِنْدِي مِنْهَا أَنَّا لَا نَنْهَى . 9547 حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن عَطِيَّة , قَالَ : ثنا قَيْس , عَنْ الْعَلَاء بْن الْمُسَيِّب , عَنْ خَالِد بْن دِينَار , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : مَا فِي الْقُرْآن آيَة أَشَدّ تَوْبِيخًا مِنْ هَذِهِ الْآيَة : { لَوْلَا يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَار عَنْ قَوْلهمْ الْإِثْم وَأَكْلهمْ السُّحْت لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } قَالَ : كَذَا قَرَأَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9548 حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سَلَمَة بْن نُبَيْط , عَنْ الضَّحَّاك : { لَوْلَا يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَار عَنْ قَوْلهمْ الْإِثْم وَأَكْلهمْ السُّحْت لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } . 9549 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { لَوْلَا يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَار عَنْ قَوْلهمْ الْإِثْم وَأَكْلهمْ السُّحْت لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } يَعْنِي الرَّبَّانِيِّينَ أَنَّهُمْ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ .
وَأَمَّا قَوْله : { وَأَكْلهمْ السُّحْت } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ الرِّشْوَة الَّتِي كَانُوا يَأْخُذُونَهَا عَلَى حُكْمهمْ بِغَيْرِ كِتَاب اللَّه لِمَنْ حَكَمُوا لَهُ بِهِ . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الرَّبَّانِيِّينَ وَالْأَحْبَار وَمَعْنَى السُّحْت بِشَوَاهِد ذَلِكَ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .
وَأَمَّا قَوْله : { لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } وَهَذَا قَسَم مِنْ اللَّه أَقْسَمَ بِهِ , يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أُقْسِم لَبِئْسَ الصَّنِيع كَانَ يَصْنَع هَؤُلَاءِ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَار فِي تَرْكهمْ نَهْي الَّذِينَ يُسَارِعُونَ مِنْهُمْ فِي الْإِثْم وَالْعُدْوَان وَأَكْل السُّحْت عَمَّا كَانُوا يَفْعَلُونَ مِنْ ذَلِكَ . وَكَانَ الْعُلَمَاء يَقُولُونَ : مَا فِي الْقُرْآن آيَة أَشَدّ تَوْبِيخًا لِلْعُلَمَاءِ مِنْ هَذِهِ الْآيَة وَلَا أَخْوَف عَلَيْهِمْ مِنْهَا . 9546 حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن دَاوُد , قَالَ : ثنا سَلَمَة بْن نُبَيْط , عَنْ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم فِي قَوْله : { لَوْلَا يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَار عَنْ قَوْلهمْ الْإِثْم } قَالَ : مَا فِي الْقُرْآن آيَة أَخْوَف عِنْدِي مِنْهَا أَنَّا لَا نَنْهَى . 9547 حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن عَطِيَّة , قَالَ : ثنا قَيْس , عَنْ الْعَلَاء بْن الْمُسَيِّب , عَنْ خَالِد بْن دِينَار , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : مَا فِي الْقُرْآن آيَة أَشَدّ تَوْبِيخًا مِنْ هَذِهِ الْآيَة : { لَوْلَا يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَار عَنْ قَوْلهمْ الْإِثْم وَأَكْلهمْ السُّحْت لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } قَالَ : كَذَا قَرَأَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9548 حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سَلَمَة بْن نُبَيْط , عَنْ الضَّحَّاك : { لَوْلَا يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَار عَنْ قَوْلهمْ الْإِثْم وَأَكْلهمْ السُّحْت لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } . 9549 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { لَوْلَا يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَار عَنْ قَوْلهمْ الْإِثْم وَأَكْلهمْ السُّحْت لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } يَعْنِي الرَّبَّانِيِّينَ أَنَّهُمْ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ .
وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ↓
الْقَوْم فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَتْ الْيَهُود يَد اللَّه مَغْلُولَة غُلَّتْ أَيْدِيهمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا } وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ جَرَاءَة الْيَهُود عَلَى رَبّهمْ وَوَصْفهمْ إِيَّاهُ بِمَا لَيْسَ مِنْ صِفَته , تَوْبِيخًا لَهُمْ بِذَلِكَ وَتَعْرِيفًا مِنْهُ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِيم جَهْلهمْ وَاغْتِرَارهمْ بِهِ وَإِنْكَارهمْ جَمِيع جَمِيل أَيَادِيه عِنْدهمْ وَكَثْرَة صَفْحه عَنْهُمْ وَعَفْوه عَنْ عَظِيم إِجْرَامهمْ , وَاحْتِجَاجًا لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ لَهُ نَبِيّ مَبْعُوث وَرَسُول مُرْسَل أَنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَنْبَاء الَّتِي أَنْبَأَهُمْ بِهَا كَانَتْ مِنْ خَفِيّ عُلُومهمْ وَمَكْنُونهَا الَّتِي لَا يَعْلَمهَا إِلَّا أَحْبَارهمْ وَعُلَمَاؤُهُمْ دُون غَيْرهمْ مِنْ الْيَهُود فَضْلًا فَأَطْلَعَ اللَّه عَلَى ذَلِكَ نَبِيّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُقَرِّر عِنْدهمْ صِدْقه وَيَقْطَع بِذَلِكَ حُجَّتهمْ . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَقَالَتْ الْيَهُود } مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل { يَد اللَّه مَغْلُولَة } يَعْنُونَ : أَنَّ خَيْر اللَّه مُمْسِك , وَعَطَاءَهُ مَحْبُوس عَنْ الِاتِّسَاع عَلَيْهِمْ , كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْره فِي تَأْدِيب نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَلَا تَجْعَل يَدك مَغْلُولَة إِلَى عُنُقك وَلَا تَبْسُطهَا كُلّ الْبَسْط } . وَإِنَّمَا وَصَفَ تَعَالَى ذِكْره الْيَد بِذَلِكَ , وَالْمَعْنَى : الْعَطَاء ; لِأَنَّ عَطَاء النَّاس وَبَذْل مَعْرُوفهمْ الْغَالِب بِأَيْدِيهِمْ , فَجَرَى اِسْتِعْمَال النَّاس فِي وَصْف بَعْضهمْ بَعْضًا إِذَا وَصَفُوهُ بِجُودٍ وَكَرَم أَوْ بِبُخْلٍ وَشُحّ وَضِيق , بِإِضَافَةِ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ صِفَة الْمَوْصُوف إِلَى يَدَيْهِ , كَمَا قَالَ الْأَعْشَى فِي مَدْح رَجُل : يَدَاك يَدَا مَجْد فَكَفّ مُفِيدَة وَكَفّ إِذَا مَا ضَنَّ بِالزَّادِ تُنْفِق فَأَضَافَ مَا كَانَ صِفَة صَاحِب الْيَد مِنْ إِنْفَاق وَإِفَادَة إِلَى الْيَد ; وَمِثْل ذَلِكَ مِنْ كَلَام الْعَرَب فِي أَشْعَارهَا وَأَمْثَالهَا أَكْثَر مِنْ أَنْ يُحْصَى . فَخَاطَبَهُمْ اللَّه بِمَا يَتَعَارَفُونَهُ , وَيَتَحَاوَرُونَهُ بَيْنهمْ فِي كَلَامهمْ , فَقَالَ : { وَقَالَتْ الْيَهُود يَد اللَّه مَغْلُولَة } يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا : إِنَّ اللَّه يَبْخَل عَلَيْنَا وَيَمْنَعنَا فَضْله فَلَا يَفْضُل , كَالْمَغْلُولَةِ يَده الَّذِي لَا يَقْدِر أَنْ يَبْسُطهَا بِعَطَاءٍ وَلَا بَذْل مَعْرُوف . تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا قَالَ أَعْدَاء اللَّه ! فَقَالَ اللَّه مُكَذِّبهمْ وَمُخْبِرهمْ بِسَخَطِهِ عَلَيْهِمْ : { غُلَّتْ أَيْدِيهمْ } يَقُول : أُمْسِكَتْ أَيْدِيهمْ عَنْ الْخَيْرَات , وَقُبِضَتْ عَنْ الِانْبِسَاط بِالْعَطِيَّاتِ , وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا , وَأُبْعِدُوا مِنْ رَحْمَة اللَّه وَفَضْله بِاَلَّذِي قَالُوا مِنْ الْكُفْر وَافْتَرَوْا عَلَى اللَّه وَوَصَفُوهُ بِهِ مِنْ الْكَذِب , وَالْإِفْك . { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ } يَقُول : بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ بِالْبَذْلِ وَالْإِعْطَاء وَأَرْزَاق عِبَاده وَأَقْوَات خَلْقه , غَيْر مَغْلُولَتَيْنِ وَلَا مَقْبُوضَتَيْنِ . { يُنْفِق كَيْفَ يَشَاء } يَقُول : يُعْطِي هَذَا وَيَمْنَع هَذَا فَيُقَتِّر عَلَيْهِ . وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9550 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَقَالَتْ الْيَهُود يَد اللَّه مَغْلُولَة غُلَّتْ أَيْدِيهمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا } . قَالَا : لَيْسَ يَعْنُونَ بِذَلِكَ أَنَّ يَد اللَّه مُوثَقَة , وَلَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ : إِنَّهُ بَخِيل أَمْسَكَ مَا عِنْده . تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا ! 9551 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { يَد اللَّه مَغْلُولَة } قَالَ : لَقَدْ يُجْهِدنَا اللَّه يَا بَنِي إِسْرَائِيل حَتَّى جَعَلَ اللَّه يَده إِلَى نَحْره . وَكَذَبُوا ! * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { يَد اللَّه مَغْلُولَة } قَالَ : الْيَهُود تَقُول : لَقَدْ يُجْهِدنَا اللَّه يَا بَنِي إِسْرَائِيل وَيَا أَهْل الْكِتَاب حَتَّى إِنَّ يَده إِلَى نَحْره . بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ , يُنْفِق كَيْفَ يَشَاء . 9552 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَقَالَتْ الْيَهُود يَد اللَّه مَغْلُولَة غُلَّتْ أَيْدِيهمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا } إِلَى : { وَاَللَّه لَا يُحِبّ الْمُفْسِدِينَ } . أَمَّا قَوْله { يَد اللَّه مَغْلُولَة } قَالُوا : اللَّه بَخِيل غَيْر جَوَاد , قَالَ اللَّه : { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِق كَيْفَ يَشَاء } . 9553 حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَقَالَتْ الْيَهُود يَد اللَّه مَغْلُولَة أَيْدِيهمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِق كَيْفَ يَشَاء } قَالُوا : إِنَّ اللَّه وَضَعَ يَده عَلَى صَدْره فَلَا يَبْسُطهَا حَتَّى يَرُدّ عَلَيْنَا مُلْكنَا . 9554 حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ عِكْرِمَة : { وَقَالَتْ الْيَهُود يَد اللَّه مَغْلُولَة } الْآيَة , نَزَلَتْ فِي فِنْحَاص الْيَهُودِيّ . 9555 حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو تُمَيْلَة , عَنْ عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , عَنْ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم , قَوْله : { يَد اللَّه مَغْلُولَة } يَقُولُونَ : إِنَّهُ بَخِيل لَيْسَ بِجَوَادٍ ! قَالَ اللَّه : { غُلَّتْ أَيْدِيهمْ } أُمْسِكَتْ أَيْدِيهمْ عَنْ النَّفَقَة وَالْخَيْر . ثُمَّ قَالَ يَعْنِي نَفْسه : { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِق كَيْفَ يَشَاء } وَقَالَ : { لَا تَجْعَل يَدك مَغْلُولَة } يَقُول : لَا تُمْسِك يَدك عَنْ النَّفَقَة .
وَاخْتَلَفَ أَهْل الْجَدَل فِي تَأْوِيل قَوْله : { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ } فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ نِعْمَتَاهُ , وَقَالَ : ذَلِكَ بِمَعْنَى : يَد اللَّه عَلَى خَلْقه , وَذَلِكَ نِعَمه عَلَيْهِمْ ; وَقَالَ : إِنَّ الْعَرَب تَقُول : لَك عِنْدِي يَد , يَعْنُونَ بِذَلِكَ : نِعْمَة . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : عَنَى بِذَلِكَ الْقُوَّة , وَقَالُوا : ذَلِكَ نَظِير قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { وَاذْكُرْ عِبَادنَا إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب أُولِي الْأَيْدِي } . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : بَلْ يَده مُلْكه ; وَقَالَ : مَعْنَى قَوْله : { وَقَالَتْ الْيَهُود يَد اللَّه مَغْلُولَة } مُلْكه وَخَزَائِنه . قَالُوا : وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْعَرَب لِلْمَمْلُوكِ : هُوَ مِلْك يَمِينه , وَفُلَان بِيَدِهِ عُقْدَة نِكَاح فُلَانَة : أَيْ يَمْلِك ذَلِكَ , وَكَقَوْلِ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { فَقَدِّمُوا بَيْن يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَة } . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : بَلْ يَد اللَّه صِفَة مِنْ صِفَاته هِيَ يَد , غَيْر أَنَّهَا لَيْسَتْ بِجَارِحَةٍ كَجَوَارِح بَنِي آدَم . قَالُوا : وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَخْبَرَ عَنْ خُصُوصِيَّة آدَم بِمَا خَصَّهُ بِهِ مِنْ خَلْقه إِيَّاهُ بِيَدِهِ . قَالُوا : وَلَوْ كَانَ لِخُصُوصِيَّةِ آدَم بِذَلِكَ وَجْه مَفْهُوم , إِذْ كَانَ جَمِيع خَلْقه مَخْلُوقِينَ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَته فِي خَلْقه تَعُمُّهُ وَهُوَ لِجَمِيعِهِمْ مَالِك . قَالُوا : وَإِذَا كَانَ تَعَالَى ذِكْره قَدْ خَصَّ آدَم بِذِكْرِهِ خَلْقه إِيَّاهُ بِيَدِهِ دُون غَيْره مِنْ عِبَاده , كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ إِنَّمَا خَصَّهُ بِذَلِكَ لِمَعْنًى بِهِ فَارَقَ غَيْره مِنْ سَائِر الْخَلْق . قَالُوا : وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , بَطَلَ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى الْيَد مِنْ اللَّه الْقُوَّة وَالنِّعْمَة أَوْ الْمُلْك فِي هَذَا الْمَوْضِع . قَالُوا : وَأَحْرَى أَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَمَا قَالَ الزَّاعِمُونَ إِنَّ يَد اللَّه فِي قَوْله : { وَقَالَتْ الْيَهُود يَد اللَّه مَغْلُولَة } هِيَ نِعْمَته , لَقِيلَ : بَلْ يَده مَبْسُوطَة , وَلَمْ يَقُلْ : بَلْ يَدَاهُ , لِأَنَّ نِعْمَة اللَّه لَا تُحْصَى بِكَثْرَةٍ ; وَبِذَلِكَ جَاءَ التَّنْزِيل , يَقُول اللَّه تَعَالَى : { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَة اللَّه لَا تُحْصُوهَا } قَالُوا : وَلَوْ كَانَتْ نِعْمَتَيْنِ كَانَتَا مُحْصَاتَيْنِ . قَالُوا : فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ النِّعْمَتَيْنِ بِمَعْنَى النِّعَم الْكَثِيرَة , فَذَلِكَ مِنْهُ خَطَأ ; وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَب قَدْ تُخْرِج الْجَمِيع بِلَفْظِ الْوَاحِد لِأَدَاءِ الْوَاحِد عَنْ جَمِيع جِنْسه , وَذَلِكَ كَقَوْلِ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { وَالْعَصْر إِنَّ الْإِنْسَان لَفِي خُسْر } , وَكَقَوْلِهِ : { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَان } , وَقَوْله : { وَكَانَ الْكَافِر عَلَى رَبّه ظَهِيرًا } . قَالَ : فَلَمْ يُرَدْ بِالْإِنْسَانِ وَالْكَافِر فِي هَذِهِ الْأَمَاكِن إِنْسَان بِعَيْنِهِ , وَلَا كَافِر مُشَار إِلَيْهِ حَاضِر , بَلْ عُنِيَ بِهِ جَمِيع الْإِنْس وَجَمِيع الْكُفَّار , وَلَكِنَّ الْوَاحِد أَدَّى عَنْ جِنْسه كَمَا تَقُول الْعَرَب : مَا أَكْثَر الدِّرْهَم فِي أَيْدِي النَّاس , وَكَذَلِكَ قَوْله : { وَكَانَ الْكَافِر } مَعْنَاهُ : وَكَانَ الَّذِينَ كَفَرُوا . قَالُوا : فَأَمَّا إِذَا ثُنِّيَ الِاسْم , فَلَا يُؤَدِّي عَنْ الْجِنْس , وَلَا يُؤَدِّي إِلَّا عَنْ اِثْنَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا دُون الْجَمِيع وَدُون غَيْرهمَا . قَالُوا : وَخَطَأ فِي كَلَام الْعَرَب أَنْ يُقَال : مَا أَكْثَر الدِّرْهَمَيْنِ فِي أَيْدِي النَّاس ! بِمَعْنَى : مَا أَكْثَر الدَّرَاهِم فِي أَيْدِيهمْ . قَالُوا : وَذَلِكَ أَنَّ الدِّرْهَم إِذَا ثُنِّيَ لَا يُؤَدِّي فِي كَلَامهَا إِلَّا عَنْ اِثْنَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا . قَالُوا : وَغَيْر مُحَال : مَا أَكْثَر الدِّرْهَم فِي أَيْدِي النَّاس ! وَمَا أَكْثَر الدَّرَاهِم فِي أَيْدِيهمْ ! لِأَنَّ الْوَاحِد يُؤَدِّي عَنْ الْجَمِيع . قَالُوا : فَفِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ } مَعَ إِعْلَامه عِبَاده أَنَّ نِعَمه لَا تُحْصَى , وَمَعَ مَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّهُ غَيْر مَعْقُول فِي كَلَام الْعَرَب أَنَّ اِثْنَيْنِ يُؤَدِّيَانِ عَنْ الْجَمِيع , مَا يُنْبِئ عَنْ خَطَأ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى الْيَد فِي هَذَا الْمَوْضِع : النِّعْمَة , وَصِحَّة قَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّ يَد اللَّه هِيَ لَهُ صِفَة . قَالُوا : وَبِذَلِكَ تَظَاهَرَتْ الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَالَ بِهِ الْعُلَمَاء وَأَهْل التَّأْوِيل . وَأَمَّا قَوْله : { يُنْفِق كَيْفَ يَشَاء } يَقُول : يَرْزُق كَيْفَ يَشَاء .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك طُغْيَانًا وَكُفْرًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ هَذَا الَّذِي أَطْلَعْنَاك عَلَيْهِ مِنْ خَفِيّ أُمُور هَؤُلَاءِ الْيَهُود مِمَّا لَا يَعْلَمهُ إِلَّا عُلَمَاؤُهُمْ وَأَحْبَارهمْ , اِحْتِجَاجًا عَلَيْهِمْ لِصِحَّةِ نُبُوَّتك , وَقَطْعًا لِعُذْرِ قَائِل مِنْهُمْ أَنْ يَقُول : مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِير وَلَا نَذِير , لَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك طُغْيَانًا وَكُفْرًا , يَعْنِي بِالطُّغْيَانِ : الْغُلُوّ فِي إِنْكَار مَا قَدْ عَلِمُوا صِحَّته مِنْ نُبُوَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّمَادِي فِي ذَلِكَ . { وَكُفْرًا } يَقُول : وَيَزِيدهُمْ مَعَ غُلُوّهُمْ فِي إِنْكَار ذَلِكَ جُحُودهمْ عَظَمَة اللَّه وَوَصْفهمْ إِيَّاهُ بِغَيْرِ صِفَته , بِأَنْ يَنْسُبُوهُ إِلَى الْبُخْل , وَيَقُولُوا : { يَد اللَّه مَغْلُولَة } . وَإِنَّمَا أَعْلَمَ تَعَالَى ذِكْره نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ أَهْل عُتُوّ وَتَمَرُّد عَلَى رَبّهمْ , وَأَنَّهُمْ لَا يُذْعِنُونَ لِحَقٍّ وَإِنْ عَلِمُوا صِحَّته , وَلَكِنَّهُمْ يُعَانِدُونَهُ ; يُسَلِّي بِذَلِكَ نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُوجِدَة بِهِمْ فِي ذَهَابهمْ عَنْ اللَّه وَتَكْذِيبهمْ إِيَّاهُ . وَقَدْ بَيَّنْت مَعْنَى الطُّغْيَان فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9556 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك طُغْيَانًا وَكُفْرًا } حَمَلَهُمْ حَسَد مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْعَرَب عَلَى أَنْ كَفَرُوا بِهِ , وَهُمْ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَلْقَيْنَا بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَأَلْقَيْنَا بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة } بَيْن الْيَهُود وَ النَّصَارَى . كَمَا : 9557 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَأَلْقَيْنَا بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة } الْيَهُود وَالنَّصَارَى . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ قِيلَ : { وَأَلْقَيْنَا بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء } جُعِلَتْ الْهَاء وَالْمِيم فِي قَوْله { بَيْنهمْ } كِنَايَة عَنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , وَلَمْ يَجْرِ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ذِكْر ؟ قِيلَ : قَدْ جَرَى لَهُمْ ذِكْر , وَذَلِكَ قَوْله : { لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض } جَرَى الْخَبَر فِي بَعْض الْآي عَنْ الْفَرِيقَيْنِ وَفِي بَعْض عَنْ أَحَدهمَا , إِلَى أَنْ اِنْتَهَى إِلَى قَوْله : { وَأَلْقَيْنَا بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء } , ثُمَّ قَصَدَ بِقَوْلِهِ : { أَلْقَيْنَا بَيْنهمْ } الْخَبَر عَنْ الْفَرِيقَيْنِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : كُلَّمَا جَمَعَ أَمْرهمْ عَلَى شَيْء فَاسْتَقَامَ وَاسْتَوَى فَأَرَادُوا مُنَاهَضَة مَنْ نَاوَأَهُمْ , شَتَّتَهُ اللَّه عَلَيْهِمْ وَأَفْسَدَهُ , لِسُوءِ فِعَالهمْ وَخُبْث نِيَّاتهمْ . كَاَلَّذِي : 9558 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , فِي قَوْله : { لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْض مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا فَإِذَا جَاءَ وَعْد أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْس شَدِيد فَجَاسُوا خِلَال الدِّيَار وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّة عَلَيْهِمْ } . قَالَ : كَانَ الْفَسَاد الْأَوَّل , فَبَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ عَدُوًّا , فَاسْتَبَاحُوا الدِّيَار وَاسْتَنْكَحُوا النِّسَاء وَاسْتَعْبَدُوا الْوِلْدَان وَخَرَّبُوا الْمَسْجِد . فَغَبَرُوا زَمَانًا , ثُمَّ بَعَثَ اللَّه فِيهِمْ نَبِيًّا , وَعَادَ أَمْرهمْ إِلَى أَحْسَن مَا كَانَ . ثُمَّ كَانَ الْفَسَاد الثَّانِي بِقَتْلِهِمْ الْأَنْبِيَاء , حَتَّى قَتَلُوا يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا , فَبَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ بُخْتَنَصَّرَ , قَتَلَ مَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ وَسَبَى مَنْ سَبَى وَخَرَّبَ الْمَسْجِد , فَكَانَ بُخْتَنَصَّرَ لِلْفَسَادِ الثَّانِي . قَالَ : وَالْفَسَاد : الْمَعْصِيَة . ثُمَّ قَالَ : { فَإِذَا جَاءَ وَعْد الْأَخِرَة لِيَسُوءُوا وُجُوهكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِد كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّل مَرَّة } إِلَى قَوْله : { وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا } فَبَعَثَ اللَّه لَهُمْ عُزَيْرًا , وَقَدْ كَانَ عَلِمَ التَّوْرَاة وَحَفِظَهَا فِي صَدْره , وَكَتَبَهَا لَهُمْ . فَقَامَ بِهَا ذَلِكَ الْقَرْن , وَلَبِثُوا وَنَسُوا . وَمَاتَ عُزَيْر , وَكَانَتْ أَحْدَاث , وَنَسُوا الْعَهْد , وَبَخَّلُوا رَبّهمْ , وَقَالُوا : { يَد اللَّه مَغْلُولَة غُلَّتْ أَيْدِيهمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِق كَيْفَ يَشَاء } وَقَالُوا فِي عُزَيْز : إِنَّ اللَّه اِتَّخَذَهُ وَلَدًا . وَكَانُوا يَعِيبُونَ ذَلِكَ عَلَى النَّصَارَى فِي قَوْلهمْ فِي الْمَسِيح , فَخَالَفُوا مَا نَهَوْا عَنْهُ وَعَمِلُوا بِمَا كَانُوا يُكَفِّرُونَ عَلَيْهِ . فَسَبَقَ مِنْ اللَّه كَلِمَة عِنْد ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَدُوّ آخِر الدَّهْر , فَقَالَ : { كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطَفَاهَا اللَّه وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْض فَسَادًا وَاَللَّه لَا يُحِبّ الْمُفْسِدِينَ } , فَبَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ الْمَجُوس الثَّلَاثَة أَرْبَابًا , فَلَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ وَالْمَجُوس عَلَى رِقَابهمْ وَهُمْ يَقُولُونَ : يَا لَيْتَنَا أَدْرَكْنَا هَذَا النَّبِيّ الَّذِي نَجِدهُ مَكْتُوبًا عِنْدنَا , عَسَى اللَّه أَنْ يَفُكّنَا بِهِ مِنْ الْمَجُوس وَالْعَذَاب الْهُون ! فَبُعِثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَاسْمُهُ مُحَمَّد , وَاسْمُهُ فِي الْإِنْجِيل أَحْمَد ; { فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ } , قَالَ : { فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ } وَقَالَ : { فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَب } . 9559 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّه } هُمْ الْيَهُود . 9560 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّه وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْض فَسَادًا } أُولَئِكَ أَعْدَاء اللَّه الْيَهُود , كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّه , فَلَنْ تَلْقَى الْيَهُود بِبَلَدٍ إِلَّا وَجَدْتهمْ مِنْ أَذَلّ أَهْله , لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَام حِين جَاءَ وَهُمْ تَحْت أَيْدِي الْمَجُوس أَبْغَض خَلْقه إِلَيْهِ . 9561 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّه } قَالَ : كُلَّمَا أَجْمَعُوا أَمْرهمْ عَلَى شَيْء فَرَّقَهُ اللَّه , وَأَطْفَأَ حَدّهمْ وَنَارهمْ , وَقَذَفَ فِي قُلُوبهمْ الرُّعْب . وَقَالَ مُجَاهِد بِمَا : 9562 حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد قَوْله : { كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّه } قَالَ : حَرْب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْض فَسَادًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَيَعْمَل هَؤُلَاءِ الْيَهُود وَالنَّصَارَى بِمَعْصِيَةِ اللَّه , فَيَكْفُرُونَ بِآيَاتِهِ وَيُكَذِّبُونَ رُسُله وَيُخَالِفُونَ أَمْره وَنَهْيه , وَذَلِكَ سَعْيهمْ فِيهَا بِالْفَسَادِ .
يَقُول : وَاَللَّه لَا يُحِبّ مَنْ كَانَ عَامِلًا بِمَعَاصِيهِ فِي أَرْضه .
وَاخْتَلَفَ أَهْل الْجَدَل فِي تَأْوِيل قَوْله : { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ } فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ نِعْمَتَاهُ , وَقَالَ : ذَلِكَ بِمَعْنَى : يَد اللَّه عَلَى خَلْقه , وَذَلِكَ نِعَمه عَلَيْهِمْ ; وَقَالَ : إِنَّ الْعَرَب تَقُول : لَك عِنْدِي يَد , يَعْنُونَ بِذَلِكَ : نِعْمَة . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : عَنَى بِذَلِكَ الْقُوَّة , وَقَالُوا : ذَلِكَ نَظِير قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { وَاذْكُرْ عِبَادنَا إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب أُولِي الْأَيْدِي } . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : بَلْ يَده مُلْكه ; وَقَالَ : مَعْنَى قَوْله : { وَقَالَتْ الْيَهُود يَد اللَّه مَغْلُولَة } مُلْكه وَخَزَائِنه . قَالُوا : وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْعَرَب لِلْمَمْلُوكِ : هُوَ مِلْك يَمِينه , وَفُلَان بِيَدِهِ عُقْدَة نِكَاح فُلَانَة : أَيْ يَمْلِك ذَلِكَ , وَكَقَوْلِ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { فَقَدِّمُوا بَيْن يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَة } . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : بَلْ يَد اللَّه صِفَة مِنْ صِفَاته هِيَ يَد , غَيْر أَنَّهَا لَيْسَتْ بِجَارِحَةٍ كَجَوَارِح بَنِي آدَم . قَالُوا : وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَخْبَرَ عَنْ خُصُوصِيَّة آدَم بِمَا خَصَّهُ بِهِ مِنْ خَلْقه إِيَّاهُ بِيَدِهِ . قَالُوا : وَلَوْ كَانَ لِخُصُوصِيَّةِ آدَم بِذَلِكَ وَجْه مَفْهُوم , إِذْ كَانَ جَمِيع خَلْقه مَخْلُوقِينَ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَته فِي خَلْقه تَعُمُّهُ وَهُوَ لِجَمِيعِهِمْ مَالِك . قَالُوا : وَإِذَا كَانَ تَعَالَى ذِكْره قَدْ خَصَّ آدَم بِذِكْرِهِ خَلْقه إِيَّاهُ بِيَدِهِ دُون غَيْره مِنْ عِبَاده , كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ إِنَّمَا خَصَّهُ بِذَلِكَ لِمَعْنًى بِهِ فَارَقَ غَيْره مِنْ سَائِر الْخَلْق . قَالُوا : وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , بَطَلَ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى الْيَد مِنْ اللَّه الْقُوَّة وَالنِّعْمَة أَوْ الْمُلْك فِي هَذَا الْمَوْضِع . قَالُوا : وَأَحْرَى أَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَمَا قَالَ الزَّاعِمُونَ إِنَّ يَد اللَّه فِي قَوْله : { وَقَالَتْ الْيَهُود يَد اللَّه مَغْلُولَة } هِيَ نِعْمَته , لَقِيلَ : بَلْ يَده مَبْسُوطَة , وَلَمْ يَقُلْ : بَلْ يَدَاهُ , لِأَنَّ نِعْمَة اللَّه لَا تُحْصَى بِكَثْرَةٍ ; وَبِذَلِكَ جَاءَ التَّنْزِيل , يَقُول اللَّه تَعَالَى : { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَة اللَّه لَا تُحْصُوهَا } قَالُوا : وَلَوْ كَانَتْ نِعْمَتَيْنِ كَانَتَا مُحْصَاتَيْنِ . قَالُوا : فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ النِّعْمَتَيْنِ بِمَعْنَى النِّعَم الْكَثِيرَة , فَذَلِكَ مِنْهُ خَطَأ ; وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَب قَدْ تُخْرِج الْجَمِيع بِلَفْظِ الْوَاحِد لِأَدَاءِ الْوَاحِد عَنْ جَمِيع جِنْسه , وَذَلِكَ كَقَوْلِ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { وَالْعَصْر إِنَّ الْإِنْسَان لَفِي خُسْر } , وَكَقَوْلِهِ : { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَان } , وَقَوْله : { وَكَانَ الْكَافِر عَلَى رَبّه ظَهِيرًا } . قَالَ : فَلَمْ يُرَدْ بِالْإِنْسَانِ وَالْكَافِر فِي هَذِهِ الْأَمَاكِن إِنْسَان بِعَيْنِهِ , وَلَا كَافِر مُشَار إِلَيْهِ حَاضِر , بَلْ عُنِيَ بِهِ جَمِيع الْإِنْس وَجَمِيع الْكُفَّار , وَلَكِنَّ الْوَاحِد أَدَّى عَنْ جِنْسه كَمَا تَقُول الْعَرَب : مَا أَكْثَر الدِّرْهَم فِي أَيْدِي النَّاس , وَكَذَلِكَ قَوْله : { وَكَانَ الْكَافِر } مَعْنَاهُ : وَكَانَ الَّذِينَ كَفَرُوا . قَالُوا : فَأَمَّا إِذَا ثُنِّيَ الِاسْم , فَلَا يُؤَدِّي عَنْ الْجِنْس , وَلَا يُؤَدِّي إِلَّا عَنْ اِثْنَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا دُون الْجَمِيع وَدُون غَيْرهمَا . قَالُوا : وَخَطَأ فِي كَلَام الْعَرَب أَنْ يُقَال : مَا أَكْثَر الدِّرْهَمَيْنِ فِي أَيْدِي النَّاس ! بِمَعْنَى : مَا أَكْثَر الدَّرَاهِم فِي أَيْدِيهمْ . قَالُوا : وَذَلِكَ أَنَّ الدِّرْهَم إِذَا ثُنِّيَ لَا يُؤَدِّي فِي كَلَامهَا إِلَّا عَنْ اِثْنَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا . قَالُوا : وَغَيْر مُحَال : مَا أَكْثَر الدِّرْهَم فِي أَيْدِي النَّاس ! وَمَا أَكْثَر الدَّرَاهِم فِي أَيْدِيهمْ ! لِأَنَّ الْوَاحِد يُؤَدِّي عَنْ الْجَمِيع . قَالُوا : فَفِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ } مَعَ إِعْلَامه عِبَاده أَنَّ نِعَمه لَا تُحْصَى , وَمَعَ مَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّهُ غَيْر مَعْقُول فِي كَلَام الْعَرَب أَنَّ اِثْنَيْنِ يُؤَدِّيَانِ عَنْ الْجَمِيع , مَا يُنْبِئ عَنْ خَطَأ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَى الْيَد فِي هَذَا الْمَوْضِع : النِّعْمَة , وَصِحَّة قَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّ يَد اللَّه هِيَ لَهُ صِفَة . قَالُوا : وَبِذَلِكَ تَظَاهَرَتْ الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَالَ بِهِ الْعُلَمَاء وَأَهْل التَّأْوِيل . وَأَمَّا قَوْله : { يُنْفِق كَيْفَ يَشَاء } يَقُول : يَرْزُق كَيْفَ يَشَاء .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك طُغْيَانًا وَكُفْرًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ هَذَا الَّذِي أَطْلَعْنَاك عَلَيْهِ مِنْ خَفِيّ أُمُور هَؤُلَاءِ الْيَهُود مِمَّا لَا يَعْلَمهُ إِلَّا عُلَمَاؤُهُمْ وَأَحْبَارهمْ , اِحْتِجَاجًا عَلَيْهِمْ لِصِحَّةِ نُبُوَّتك , وَقَطْعًا لِعُذْرِ قَائِل مِنْهُمْ أَنْ يَقُول : مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِير وَلَا نَذِير , لَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك طُغْيَانًا وَكُفْرًا , يَعْنِي بِالطُّغْيَانِ : الْغُلُوّ فِي إِنْكَار مَا قَدْ عَلِمُوا صِحَّته مِنْ نُبُوَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّمَادِي فِي ذَلِكَ . { وَكُفْرًا } يَقُول : وَيَزِيدهُمْ مَعَ غُلُوّهُمْ فِي إِنْكَار ذَلِكَ جُحُودهمْ عَظَمَة اللَّه وَوَصْفهمْ إِيَّاهُ بِغَيْرِ صِفَته , بِأَنْ يَنْسُبُوهُ إِلَى الْبُخْل , وَيَقُولُوا : { يَد اللَّه مَغْلُولَة } . وَإِنَّمَا أَعْلَمَ تَعَالَى ذِكْره نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ أَهْل عُتُوّ وَتَمَرُّد عَلَى رَبّهمْ , وَأَنَّهُمْ لَا يُذْعِنُونَ لِحَقٍّ وَإِنْ عَلِمُوا صِحَّته , وَلَكِنَّهُمْ يُعَانِدُونَهُ ; يُسَلِّي بِذَلِكَ نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُوجِدَة بِهِمْ فِي ذَهَابهمْ عَنْ اللَّه وَتَكْذِيبهمْ إِيَّاهُ . وَقَدْ بَيَّنْت مَعْنَى الطُّغْيَان فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9556 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك طُغْيَانًا وَكُفْرًا } حَمَلَهُمْ حَسَد مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْعَرَب عَلَى أَنْ كَفَرُوا بِهِ , وَهُمْ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَلْقَيْنَا بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَأَلْقَيْنَا بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة } بَيْن الْيَهُود وَ النَّصَارَى . كَمَا : 9557 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَأَلْقَيْنَا بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة } الْيَهُود وَالنَّصَارَى . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ قِيلَ : { وَأَلْقَيْنَا بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء } جُعِلَتْ الْهَاء وَالْمِيم فِي قَوْله { بَيْنهمْ } كِنَايَة عَنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , وَلَمْ يَجْرِ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ذِكْر ؟ قِيلَ : قَدْ جَرَى لَهُمْ ذِكْر , وَذَلِكَ قَوْله : { لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض } جَرَى الْخَبَر فِي بَعْض الْآي عَنْ الْفَرِيقَيْنِ وَفِي بَعْض عَنْ أَحَدهمَا , إِلَى أَنْ اِنْتَهَى إِلَى قَوْله : { وَأَلْقَيْنَا بَيْنهمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء } , ثُمَّ قَصَدَ بِقَوْلِهِ : { أَلْقَيْنَا بَيْنهمْ } الْخَبَر عَنْ الْفَرِيقَيْنِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : كُلَّمَا جَمَعَ أَمْرهمْ عَلَى شَيْء فَاسْتَقَامَ وَاسْتَوَى فَأَرَادُوا مُنَاهَضَة مَنْ نَاوَأَهُمْ , شَتَّتَهُ اللَّه عَلَيْهِمْ وَأَفْسَدَهُ , لِسُوءِ فِعَالهمْ وَخُبْث نِيَّاتهمْ . كَاَلَّذِي : 9558 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع , فِي قَوْله : { لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْض مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا فَإِذَا جَاءَ وَعْد أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْس شَدِيد فَجَاسُوا خِلَال الدِّيَار وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّة عَلَيْهِمْ } . قَالَ : كَانَ الْفَسَاد الْأَوَّل , فَبَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ عَدُوًّا , فَاسْتَبَاحُوا الدِّيَار وَاسْتَنْكَحُوا النِّسَاء وَاسْتَعْبَدُوا الْوِلْدَان وَخَرَّبُوا الْمَسْجِد . فَغَبَرُوا زَمَانًا , ثُمَّ بَعَثَ اللَّه فِيهِمْ نَبِيًّا , وَعَادَ أَمْرهمْ إِلَى أَحْسَن مَا كَانَ . ثُمَّ كَانَ الْفَسَاد الثَّانِي بِقَتْلِهِمْ الْأَنْبِيَاء , حَتَّى قَتَلُوا يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا , فَبَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ بُخْتَنَصَّرَ , قَتَلَ مَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ وَسَبَى مَنْ سَبَى وَخَرَّبَ الْمَسْجِد , فَكَانَ بُخْتَنَصَّرَ لِلْفَسَادِ الثَّانِي . قَالَ : وَالْفَسَاد : الْمَعْصِيَة . ثُمَّ قَالَ : { فَإِذَا جَاءَ وَعْد الْأَخِرَة لِيَسُوءُوا وُجُوهكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِد كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّل مَرَّة } إِلَى قَوْله : { وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا } فَبَعَثَ اللَّه لَهُمْ عُزَيْرًا , وَقَدْ كَانَ عَلِمَ التَّوْرَاة وَحَفِظَهَا فِي صَدْره , وَكَتَبَهَا لَهُمْ . فَقَامَ بِهَا ذَلِكَ الْقَرْن , وَلَبِثُوا وَنَسُوا . وَمَاتَ عُزَيْر , وَكَانَتْ أَحْدَاث , وَنَسُوا الْعَهْد , وَبَخَّلُوا رَبّهمْ , وَقَالُوا : { يَد اللَّه مَغْلُولَة غُلَّتْ أَيْدِيهمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِق كَيْفَ يَشَاء } وَقَالُوا فِي عُزَيْز : إِنَّ اللَّه اِتَّخَذَهُ وَلَدًا . وَكَانُوا يَعِيبُونَ ذَلِكَ عَلَى النَّصَارَى فِي قَوْلهمْ فِي الْمَسِيح , فَخَالَفُوا مَا نَهَوْا عَنْهُ وَعَمِلُوا بِمَا كَانُوا يُكَفِّرُونَ عَلَيْهِ . فَسَبَقَ مِنْ اللَّه كَلِمَة عِنْد ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَدُوّ آخِر الدَّهْر , فَقَالَ : { كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطَفَاهَا اللَّه وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْض فَسَادًا وَاَللَّه لَا يُحِبّ الْمُفْسِدِينَ } , فَبَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ الْمَجُوس الثَّلَاثَة أَرْبَابًا , فَلَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ وَالْمَجُوس عَلَى رِقَابهمْ وَهُمْ يَقُولُونَ : يَا لَيْتَنَا أَدْرَكْنَا هَذَا النَّبِيّ الَّذِي نَجِدهُ مَكْتُوبًا عِنْدنَا , عَسَى اللَّه أَنْ يَفُكّنَا بِهِ مِنْ الْمَجُوس وَالْعَذَاب الْهُون ! فَبُعِثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَاسْمُهُ مُحَمَّد , وَاسْمُهُ فِي الْإِنْجِيل أَحْمَد ; { فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ } , قَالَ : { فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ } وَقَالَ : { فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَب } . 9559 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّه } هُمْ الْيَهُود . 9560 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّه وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْض فَسَادًا } أُولَئِكَ أَعْدَاء اللَّه الْيَهُود , كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّه , فَلَنْ تَلْقَى الْيَهُود بِبَلَدٍ إِلَّا وَجَدْتهمْ مِنْ أَذَلّ أَهْله , لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَام حِين جَاءَ وَهُمْ تَحْت أَيْدِي الْمَجُوس أَبْغَض خَلْقه إِلَيْهِ . 9561 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّه } قَالَ : كُلَّمَا أَجْمَعُوا أَمْرهمْ عَلَى شَيْء فَرَّقَهُ اللَّه , وَأَطْفَأَ حَدّهمْ وَنَارهمْ , وَقَذَفَ فِي قُلُوبهمْ الرُّعْب . وَقَالَ مُجَاهِد بِمَا : 9562 حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد قَوْله : { كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّه } قَالَ : حَرْب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْض فَسَادًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَيَعْمَل هَؤُلَاءِ الْيَهُود وَالنَّصَارَى بِمَعْصِيَةِ اللَّه , فَيَكْفُرُونَ بِآيَاتِهِ وَيُكَذِّبُونَ رُسُله وَيُخَالِفُونَ أَمْره وَنَهْيه , وَذَلِكَ سَعْيهمْ فِيهَا بِالْفَسَادِ .
يَقُول : وَاَللَّه لَا يُحِبّ مَنْ كَانَ عَامِلًا بِمَعَاصِيهِ فِي أَرْضه .
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ أَنَّ أَهْل الْكِتَاب آمَنُوا وَاتَّقَوْا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَلَوْ أَنَّ أَهْل الْكِتَاب } وَهُمْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى , { آمَنُوا } بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَدَّقُوهُ وَاتَّبَعُوا مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ . { وَاتَّقَوْا } مَا نَهَاهُمْ اللَّه عَنْهُ فَاجْتَنَبُوهُ . { لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتهمْ } وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9563 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَلَوْ أَنَّ أَهْل الْكِتَاب آمَنُوا وَاتَّقَوْا } يَقُول : آمَنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّه , وَاتَّقَوْا مَا حَرَّمَ اللَّه . { لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتهمْ } .
يَقُول : مَحَوْنَا عَنْهُمْ ذُنُوبهمْ , فَغَطَّيْنَا عَلَيْهَا وَلَمْ نَفْضَحهُمْ بِهَا .
يَقُول : وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ بَسَاتِين يَنْعَمُونَ فِيهَا فِي الْآخِرَة .
يَقُول : مَحَوْنَا عَنْهُمْ ذُنُوبهمْ , فَغَطَّيْنَا عَلَيْهَا وَلَمْ نَفْضَحهُمْ بِهَا .
يَقُول : وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ بَسَاتِين يَنْعَمُونَ فِيهَا فِي الْآخِرَة .
وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبّهمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقهمْ وَمِنْ تَحْت أَرْجُلهمْ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل } وَلَوْ أَنَّهُمْ عَمِلُوا بِمَا فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل , { وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبّهمْ } يَقُول : وَعَمِلُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبّهمْ مِنْ الْفُرْقَان الَّذِي جَاءَهُمْ بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ يُقِيمُونَ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَمَا أُنْزِلَ إِلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مَعَ اِخْتِلَاف هَذِهِ الْكُتُب وَنَسْخ بَعْضهَا بَعْضًا ؟ قِيلَ : وَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ فِي بَعْض أَحْكَامهَا وَشَرَائِعهَا , فَهِيَ مُتَّفِقَة فِي الْأَمْر بِالْإِيمَانِ بِرُسُلِ اللَّه وَالتَّصْدِيق بِمَا جَاءَتْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه ; فَمَعْنَى إِقَامَتهمْ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَمَا أُنْزِلَ إِلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَصْدِيقهمْ بِمَا فِيهَا وَالْعَمَل بِمَا هِيَ مُتَّفِقَة فِيهِ وَكُلّ وَاحِد مِنْهَا فِي الْخَبَر الَّذِي فُرِضَ الْعَمَل بِهِ . وَأَمَّا مَعْنَى قَوْله : { لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقهمْ وَمِنْ تَحْت أَرْجُلهمْ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : لَأَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاء قَطْرهَا , فَأَنْبَتَتْ لَهُمْ بِهِ الْأَرْض حَبّهَا وَنَبَاتهَا فَأَخْرَجَ ثِمَارهَا . وَأَمَّا قَوْله : { وَمِنْ تَحْت أَرْجُلهمْ } فَإِنَّهُ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : لَأَكَلُوا مِنْ بَرَكَة مَا تَحْت أَقْدَامهمْ مِنْ الْأَرْض , وَذَلِكَ مَا تُخْرِجهُ الْأَرْض مِنْ حَبّهَا وَنَبَاتهَا وَثِمَارهَا , وَسَائِر مَا يُؤْكَل مِمَّا تُخْرِجهُ الْأَرْض . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9564 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبّهمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقهمْ } يَعْنِي : لَأَرْسَلَ السَّمَاء عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا . { وَمِنْ تَحْت أَرْجُلهمْ } تُخْرِج الْأَرْض بَرَكَتهَا . 9565 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبّهمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقهمْ وَمِنْ تَحْت أَرْجُلهمْ } يَقُول : إِذًا لَأَعْطَتْهُمْ السَّمَاء بَرَكَتهَا وَالْأَرْض نَبَاتهَا . 9566 حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبّهمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقهمْ وَمِنْ تَحْت أَرْجُلهمْ } يَقُول : لَوْ عَمِلُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِمَّا جَاءَهُمْ بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ الْمَطَر فَأَنْبَتَ الثَّمَر . 9567 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبّهمْ } أَمَّا إِقَامَتهمْ التَّوْرَاة : فَالْعَمَل بِهَا , وَأَمَّا مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبّهمْ : فَمُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ . يَقُول : { لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقهمْ وَمِنْ تَحْت أَرْجُلهمْ } أَمَّا مِنْ فَوْقهمْ : فَأَرْسَلْت عَلَيْهِمْ مَطَرًا , وَأَمَّا مِنْ تَحْت أَرْجُلهمْ , يَقُول : لَأَنْبَتّ لَهُمْ مِنْ الْأَرْض مِنْ رِزْقِي مَا يُغْنِيهِمْ . 9568 حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقهمْ وَمِنْ تَحْت أَرْجُلهمْ } قَالَ : بَرَكَات السَّمَاء وَالْأَرْض . قَالَ اِبْن جُرَيْج : لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقهمْ الْمَطَر , وَمِنْ تَحْت أَرْجُلهمْ مِنْ نَبَات الْأَرْض . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { مِنْ فَوْقهمْ وَمِنْ تَحْت أَرْجُلهمْ } يَقُول : لَأَكَلُوا مِنْ الرِّزْق الَّذِي يَنْزِل مِنْ السَّمَاء , { وَمِنْ تَحْت أَرْجُلهمْ } يَقُول : مِنْ الْأَرْض . وَكَانَ بَعْضهمْ يَقُول : إِنَّمَا أُرِيدَ بِقَوْلِهِ : { لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقهمْ وَمِنْ تَحْت أَرْجُلهمْ } التَّوْسِعَة , كَمَا يَقُول الْقَائِل : هُوَ فِي خَيْر مِنْ فَرْقه إِلَى قَدَمه . وَتَأْوِيل أَهْل التَّأْوِيل بِخِلَافِ مَا ذَكَرْنَا , هَذَا الْقَوْل , وَكَفَى بِذَلِكَ شَهِيدًا عَلَى فَسَاده .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مِنْهُمْ أُمَّة مُقْتَصِدَة } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { مِنْهُمْ أُمَّة } مِنْهُمْ جَمَاعَة . { مُقْتَصِدَة } يَقُول : مُقْتَصِدَة فِي الْقَوْل فِي عِيسَى اِبْن مَرْيَم قَائِلَة فِيهِ الْحَقّ إِنَّهُ رَسُول اللَّه وَكَلِمَته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم وَرُوح مِنْهُ , لَا غَالِيَة قَائِلَة إِنَّهُ اِبْن اللَّه , تَعَالَى عَمَّا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ ! وَلَا مُقَصِّرَة قَائِلَة هُوَ لِغَيْرِ رَشْدَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9569 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { مِنْهُمْ أُمَّة مُقْتَصِدَة } وَهُمْ مُسْلِمَة أَهْل الْكِتَاب ; { وَكَثِير مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ } . 9570 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن كَثِير , أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُول : تَفَرَّقَتْ بَنُو إِسْرَائِيل فِرَقًا , فَقَالَتْ فِرْقَة : عِيسَى هُوَ اِبْن اللَّه , وَقَالَتْ فِرْقَة : هُوَ اللَّه , وَقَالَتْ فِرْقَة : هُوَ عَبْد اللَّه وَرُوحه ; وَهِيَ الْمُقْتَصِدَة , وَهِيَ مُسْلِمَة أَهْل الْكِتَاب . 9571 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ اللَّه : { مِنْهُمْ أُمَّة مُقْتَصِدة } يَقُول : عَلَى كِتَابه وَأَمْره . ثُمَّ ذَمَّ أَكْثَر الْقَوْم , فَقَالَ : { وَكَثِير مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ } . 9572 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { مِنْهُمْ أُمَّة مُقْتَصِدَة } يَقُول : مُؤْمِنَة . 9573 حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { مِنْهُمْ أُمَّة مُقْتَصِدَة وَكَثِير مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ } قَالَ : الْمُقْتَصِدَة أَهْل طَاعَة اللَّه . قَالَ : وَهَؤُلَاءِ أَهْل الْكِتَاب . 9574 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , فِي قَوْله : { مِنْهُمْ أُمَّة مُقْتَصِدَة وَكَثِير مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ } قَالَ : فَهَذِهِ الْأُمَّة الْمُقْتَصِدَة الَّذِينَ لَا هُمْ فَسَقُوا فِي الدِّين وَلَا هُمْ غَلَوْا . قَالَ . وَالْغُلُوّ : الرَّغْبَة , وَالْفِسْق : التَّقْصِير عَنْهُ .
يَعْنِي مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل مِنْ أَهْل الْكِتَاب , الْيَهُود وَالنَّصَارَى .
يَقُول : كَثِير مِنْهُمْ سَيِّئ عَمَلهمْ , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَكْفُرُونَ بِاَللَّهِ , فَتُكَذِّب النَّصَارَى بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَزْعُم أَنَّ الْمَسِيح اِبْن اللَّه , وَتُكَذِّب الْيَهُود بِعِيسَى وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّه عَلَيْهِمَا , فَقَالَ اللَّه تَعَالَى فِيهِمْ ذَامًّا لَهُمْ : { سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ } فِي ذَلِكَ مِنْ فِعْلهمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مِنْهُمْ أُمَّة مُقْتَصِدَة } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { مِنْهُمْ أُمَّة } مِنْهُمْ جَمَاعَة . { مُقْتَصِدَة } يَقُول : مُقْتَصِدَة فِي الْقَوْل فِي عِيسَى اِبْن مَرْيَم قَائِلَة فِيهِ الْحَقّ إِنَّهُ رَسُول اللَّه وَكَلِمَته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم وَرُوح مِنْهُ , لَا غَالِيَة قَائِلَة إِنَّهُ اِبْن اللَّه , تَعَالَى عَمَّا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ ! وَلَا مُقَصِّرَة قَائِلَة هُوَ لِغَيْرِ رَشْدَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9569 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { مِنْهُمْ أُمَّة مُقْتَصِدَة } وَهُمْ مُسْلِمَة أَهْل الْكِتَاب ; { وَكَثِير مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ } . 9570 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن كَثِير , أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُول : تَفَرَّقَتْ بَنُو إِسْرَائِيل فِرَقًا , فَقَالَتْ فِرْقَة : عِيسَى هُوَ اِبْن اللَّه , وَقَالَتْ فِرْقَة : هُوَ اللَّه , وَقَالَتْ فِرْقَة : هُوَ عَبْد اللَّه وَرُوحه ; وَهِيَ الْمُقْتَصِدَة , وَهِيَ مُسْلِمَة أَهْل الْكِتَاب . 9571 حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ اللَّه : { مِنْهُمْ أُمَّة مُقْتَصِدة } يَقُول : عَلَى كِتَابه وَأَمْره . ثُمَّ ذَمَّ أَكْثَر الْقَوْم , فَقَالَ : { وَكَثِير مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ } . 9572 حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { مِنْهُمْ أُمَّة مُقْتَصِدَة } يَقُول : مُؤْمِنَة . 9573 حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { مِنْهُمْ أُمَّة مُقْتَصِدَة وَكَثِير مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ } قَالَ : الْمُقْتَصِدَة أَهْل طَاعَة اللَّه . قَالَ : وَهَؤُلَاءِ أَهْل الْكِتَاب . 9574 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , فِي قَوْله : { مِنْهُمْ أُمَّة مُقْتَصِدَة وَكَثِير مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ } قَالَ : فَهَذِهِ الْأُمَّة الْمُقْتَصِدَة الَّذِينَ لَا هُمْ فَسَقُوا فِي الدِّين وَلَا هُمْ غَلَوْا . قَالَ . وَالْغُلُوّ : الرَّغْبَة , وَالْفِسْق : التَّقْصِير عَنْهُ .
يَعْنِي مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل مِنْ أَهْل الْكِتَاب , الْيَهُود وَالنَّصَارَى .
يَقُول : كَثِير مِنْهُمْ سَيِّئ عَمَلهمْ , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَكْفُرُونَ بِاَللَّهِ , فَتُكَذِّب النَّصَارَى بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَزْعُم أَنَّ الْمَسِيح اِبْن اللَّه , وَتُكَذِّب الْيَهُود بِعِيسَى وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّه عَلَيْهِمَا , فَقَالَ اللَّه تَعَالَى فِيهِمْ ذَامًّا لَهُمْ : { سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ } فِي ذَلِكَ مِنْ فِعْلهمْ .
يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الرَّسُول بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك وَإِنْ لَمْ تَفْعَل فَمَا بَلَّغَتْ رِسَالَته } وَهَذَا أَمْر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بِإِبْلَاغِ هَؤُلَاءِ الْيَهُود وَالنَّصَارَى مِنْ أَهْل الْكِتَابَيْنِ الَّذِينَ قَصَّ اللَّه تَعَالَى قَصَصهمْ فِي هَذِهِ السُّورَة وَذَكَرَ فِيهَا مَعَايِبهمْ وَخُبْث أَدْيَانهمْ وَاجْتِرَاءَهُمْ عَلَى رَبّهمْ وَتَوَثُّبهمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ وَتَبْدِيلهمْ كِتَابه وَتَحْرِيفهمْ إِيَّاهُ وَرَدَاءَة مَطَاعِمهمْ وَمَآكِلهمْ ; وَسَائِر الْمُشْرِكِينَ غَيْرهمْ , مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ فِيهِمْ مِنْ مَعَايِبهمْ وَالْإِزْرَاء عَلَيْهِمْ وَالتَّقْصِير بِهِمْ وَالتَّهْجِين لَهُمْ , وَمَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَنَهَاهُمْ عَنْهُ , وَأَنْ لَا يُشْعِر نَفْسه حَذَرًا مِنْهُمْ أَنْ يُصِيبهُ فِي نَفْسه مَكْرُوه , مَا قَامَ فِيهِمْ بِأَمْرِ اللَّه , وَلَا جَزَعًا مِنْ كَثْرَة عَدَدهمْ وَقِلَّة عَدَد مَنْ مَعَهُ , وَأَنْ لَا يَتَّقِي أَحَدًا فِي ذَات اللَّه , فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى كَافِيه كُلّ أَحَد مِنْ خَلْقه , وَدَافِع عَنْهُ مَكْرُوه كُلّ مَنْ يَتَّقِي مَكْرُوهه . وَأَعْلَمهُ تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُ إِنْ قَصَّرَ عَنْ إِبْلَاغ شَيْء مِمَّا أُنْزِلَ إِلَيْهِ إِلَيْهِمْ , فَهُوَ فِي تَرْكه تَبْلِيغ ذَلِكَ وَإِنْ قَلَّ مَا لَمْ يَبْلُغ مِنْهُ , فَهُوَ فِي عَظِيم مَا رَكِبَ بِذَلِكَ مِنْ الذَّنْب بِمَنْزِلَتِهِ لَوْ لَمْ يَبْلُغ مِنْ تَنْزِيله شَيْئًا . وَبِمَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9575 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { يَا أَيّهَا الرَّسُول بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك وَإِنْ لَمْ تَفْعَل فَمَا بَلَّغْت رِسَالَته } يَعْنِي : إِنْ كَتَمْت آيَة مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْك مِنْ رَبّك , لَمْ تُبَلِّغ رِسَالَتِي . 9576 حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { يَا أَيّهَا الرَّسُول بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك } الْآيَة , أَخْبَرَ اللَّه نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَيَكْفِيهِ النَّاس وَيَعْصِمهُ مِنْهُمْ , وَأَمَرَهُ بِالْبَلَاغِ . ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهُ : لَوْ اِحْتَجَبْت ! فَقَالَ : " وَاَللَّه لَأُبْدِيَنَّ عَقِبِي لِلنَّاسِ مَا صَاحَبْتهمْ " . 9577 حَدَّثَنِي الْحَارِث بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا سُفْيَان الثَّوْرِيّ , عَنْ رَجُل , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك } قَالَ : " إِنَّمَا أَنَا وَاحِد , كَيْفَ أَصْنَع ؟ تَجْتَمِع عَلَيَّ النَّاس ! " فَنَزَلَتْ : { وَإِنْ لَمْ تَفْعَل فَمَا بَلَّغْت رِسَالَته } الْآيَة . 9578 حَدَّثَنَا هَنَّاد وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ ثَعْلَبَة , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { يَا أَيّهَا الرَّسُول بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك وَإِنْ لَمْ تَفْعَل فَمَا بَلَّغْت رِسَالَته وَاَللَّه يَعْصِمك مِنْ النَّاس } قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَحْرُسُونِي إِنَّ رَبِّي قَدْ عَصَمَنِي " . 9579 حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ الْجَرِيرِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن شَقِيق : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَقِبهُ نَاس مِنْ أَصْحَابه , فَلَمَّا نَزَلَتْ : { وَاَللَّه يَعْصِمك مِنْ النَّاس } خَرَجَ فَقَالَ : " يَا أَيّهَا النَّاس اِلْحَقُوا بِمُلَاحِقِكُمْ , فَإِنَّ اللَّه قَدْ عَصَمَنِي مِنْ النَّاس " . 9580 حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ عَاصِم بْن مُحَمَّد , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , قَالَ : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَارَسُهُ أَصْحَابه , فَأَنْزَلَ اللَّه : { يَا أَيّهَا الرَّسُول بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك وَإِنْ لَمْ تَفْعَل فَمَا بَلَّغْت رِسَالَته } إِلَى آخِرهَا . 9581 حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُسْلِم بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا الْحَارِث بْن عُبَيْدَة أَبُو قُدَامَة الْإِيَادِيّ , قَالَ : ثنا سَعِيد الْجَرِيرِيّ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن شَقِيق , عَنْ عَائِشَة , قَالَتْ : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْرَس , حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَاَللَّه يَعْصِمك مِنْ النَّاس } قَالَتْ : فَأَخْرَجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسه مِنْ الْقُبَّة , فَقَالَ : " أَيّهَا النَّاس اِنْصَرِفُوا , فَإِنَّ اللَّه قَدْ عَصَمَنِي " . 9582 حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَبْد الْحَمِيد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَاصِم , عَنْ الْقُرَظِيّ : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا زَالَ يُحْرَس حَتَّى أَنْزَلَ اللَّه : { وَاَللَّه يَعْصِمك مِنْ النَّاس } . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : نَزَلَتْ بِسَبَبِ أَعْرَابِيّ كَانَ هَمَّ بِقَتْلِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَكَفَاهُ اللَّه إِيَّاهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9583 حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا أَبُو مَعْشَر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ وَغَيْره , قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَزَلَ مَنْزِلًا اِخْتَارَ لَهُ أَصْحَابه شَجَرَة ظَلِيلَة , فَيَقِيل تَحْتهَا , فَأَتَاهُ أَعْرَابِيّ , فَاخْتَرَطَ سَيْفه ثُمَّ قَالَ : مَنْ يَمْنَعك مِنِّي ؟ قَالَ : " اللَّه " . فَرَعَدَت يَد الْأَعْرَابِيّ , وَسَقَطَ السَّيْف مِنْهُ . قَالَ : وَضَرَبَ بِرَأْسِهِ الشَّجَرَة حَتَّى اِنْتَثَرَ دِمَاغه , فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَاَللَّه يَعْصِمك مِنْ النَّاس } . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ لِأَنَّهُ كَانَ يَخَاف قُرَيْشًا , فَأُومِنَ مِنْ ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9584 حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهَاب قُرَيْشًا , فَلَمَّا نَزَلَتْ : { وَاللَّه يَعْصِمك مِنْ النَّاس } اِسْتَلْقَى ثُمَّ قَالَ : " مَنْ شَاءَ فَلْيَخْذُلْنِي ! " مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا . 9585 حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ أَبِي خَالِد , عَنْ عَامِر , عَنْ مَسْرُوق , قَالَ : قَالَتْ عَائِشَة : مَنْ حَدَّثَك أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَمَ شَيْئًا مِنْ الْوَحْي فَقَدْ كَذَبَ . ثُمَّ قَرَأَتْ : { يَا أَيّهَا الرَّسُول بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك } الْآيَة . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ الْمُغِيرَة , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : قَالَتْ عَائِشَة : مَنْ قَالَ إِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَمَ فَقَدْ كَذَبَ وَأَعْظَمَ الْفِرْيَة عَلَى اللَّه , قَالَ اللَّه : { يَا أَيّهَا الرَّسُول بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك } الْآيَة . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : أَخْبَرَنَا دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ مَسْرُوق , قَالَ : قَالَتْ عَائِشَة : مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَمَ شَيْئًا مِنْ كِتَاب اللَّه فَقَدْ أَعْظَم عَلَى اللَّه الْفِرْيَة , وَاَللَّه يَقُول : { يَا أَيّهَا الرَّسُول بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك } الْآيَة . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني اللَّيْث , قَالَ : ثني خَالِد , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي هِلَال , عَنْ مُحَمَّد بْن الْحَمِيم , عَنْ مَسْرُوق بْن الْأَجْدَع , قَالَ : دَخَلْت عَلَى عَائِشَة يَوْمًا , فَسَمِعْتهَا تَقُول : لَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَة مَنْ قَالَ : إِنَّ مُحَمَّدًا كَتَمَ شَيْئًا مِنْ الْوَحْي , وَاَللَّه يَقُول : { يَا أَيّهَا الرَّسُول بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك } .
وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَاَللَّه يَعْصِمك مِنْ النَّاس } يَمْنَعك مِنْ أَنْ يَنَالُوك بِسُوءٍ , وَأَصْله مِنْ عِصَام الْقِرْبَة , وَهُوَ مَا تُوكَأُ بِهِ مِنْ سَيْر وَخَيْط , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : وَقُلْت عَلَيْكُمْ مَالِكًا إِنَّ مَالِكًا سَيَعْصِمُكُمْ إِنْ كَانَ فِي النَّاس عَاصِم يَعْنِي : يَمْنَعكُمْ .
وَأَمَّا قَوْله : { إِنَّ اللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الْكَافِرِينَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : إِنَّ اللَّه لَا يُوَفِّق لِلرُّشْدِ مَنْ حَادَ عَنْ سَبِيل الْحَقّ وَجَارَ عَنْ قَصْد السَّبِيل وَجَحَدَ مَا جِئْته بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , وَلَمْ يَنْتَهِ إِلَى أَمْر اللَّه وَطَاعَته فِيمَا فَرَضَ عَلَيْهِ وَأَوْجَبَهُ .
وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَاَللَّه يَعْصِمك مِنْ النَّاس } يَمْنَعك مِنْ أَنْ يَنَالُوك بِسُوءٍ , وَأَصْله مِنْ عِصَام الْقِرْبَة , وَهُوَ مَا تُوكَأُ بِهِ مِنْ سَيْر وَخَيْط , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : وَقُلْت عَلَيْكُمْ مَالِكًا إِنَّ مَالِكًا سَيَعْصِمُكُمْ إِنْ كَانَ فِي النَّاس عَاصِم يَعْنِي : يَمْنَعكُمْ .
وَأَمَّا قَوْله : { إِنَّ اللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الْكَافِرِينَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : إِنَّ اللَّه لَا يُوَفِّق لِلرُّشْدِ مَنْ حَادَ عَنْ سَبِيل الْحَقّ وَجَارَ عَنْ قَصْد السَّبِيل وَجَحَدَ مَا جِئْته بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه , وَلَمْ يَنْتَهِ إِلَى أَمْر اللَّه وَطَاعَته فِيمَا فَرَضَ عَلَيْهِ وَأَوْجَبَهُ .
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ يَا أَهْل الْكِتَاب لَسْتُمْ عَلَى شَيْء حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبّكُمْ } وَهَذَا أَمْر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِبْلَاغِ الْيَهُود وَالنَّصَارَى الَّذِينَ كَانُوا بَيْن ظَهْرَانَيْ مُهَاجَره , يَقُول تَعَالَى ذِكْره لَهُ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْيَهُود وَالنَّصَارَى : { يَا أَهْل الْكِتَاب } التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل , لَسْتُمْ عَلَى شَيْء مِمَّا تَدَّعُونَ أَنَّكُمْ عَلَيْهِ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْشَر الْيَهُود , وَلَا مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ عِيسَى مَعْشَر النَّصَارَى , حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبّكُمْ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْفُرْقَان , فَتَعْمَلُوا بِذَلِكَ كُلّه وَتُؤْمِنُوا بِمَا فِيهِ مِنْ الْإِيمَان بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَصْدِيقه , وَتُقِرُّوا بِأَنَّ كُلّ ذَلِكَ مِنْ عِنْد اللَّه , فَلَا تُكَذِّبُوا بِشَيْءٍ مِنْهُ وَلَا تُفَرِّقُوا بَيْن رُسُل اللَّه فَتُؤْمِنُوا بِبَعْضٍ وَتَكْفُرُوا بِبَعْضٍ , فَإِنَّ الْكُفْر بِوَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ كُفْر بِجَمِيعِهِ ; لِأَنَّ كُتُب اللَّه يُصَدِّق بَعْضهَا بَعْضًا , فَمَنْ كَذَّبَ بِبَعْضِهَا فَقَدْ كَذَّبَ بِجَمِيعِهَا . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ جَاءَ الْأَثَر : 9586 حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ وَأَبُو كُرَيْب , قَالَا : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد مَوْلَى زَيْد بْن ثَابِت , عَنْ عِكْرِمَة , أَوْ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : جَاءَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَافِع بْن حَارِثَة , وَسَلَّام بْن مِشْكَم , وَمَالِك بْن الصَّيْف , وَرَافِع بْن حُرَيْمِلَة , فَقَالُوا : يَا مُحَمَّد أَلَسْت تَزْعُم أَنَّك عَلَى مِلَّة إِبْرَاهِيم وَدِينه , وَتُؤْمِن بِمَا عِنْدنَا مِنْ التَّوْرَاة , وَتَشْهَد أَنَّهَا مِنْ اللَّه حَقّ ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " بَلَى , وَلَكِنَّكُمْ أَحْدَثْتُمْ وَجَحَدْتُمْ مَا فِيهَا مِمَّا أُخِذَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْمِيثَاق , وَكَتَمْتُمْ مِنْهَا مَا أُمِرْتُمْ أَنْ تُبَيِّنُوهُ لِلنَّاسِ , وَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ أَحْدَاثكُمْ ! " قَالُوا : فَإِنَّا نَأْخُذ بِمَا فِي أَيْدِينَا , فَإِنَّا عَلَى الْحَقّ وَالْهُدَى , وَلَا نُؤْمِن بِك وَلَا نَتَّبِعك . فَأَنْزَلَ اللَّه : { قُلْ يَا أَهْل الْكِتَاب لَسْتُمْ عَلَى شَيْء حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاة , وَالْإِنْجِيل وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبّكُمْ } إِلَى : { فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْم الْكَافِرِينَ } . 9587 حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { قُلْ يَا أَهْل الْكِتَاب لَسْتُمْ عَلَى شَيْء حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبّكُمْ } قَالَ : فَقَدْ صِرْنَا مِنْ أَهْل الْكِتَاب ; التَّوْرَاة لِلْيَهُودِ وَالْإِنْجِيل لِلنَّصَارَى . وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبّكُمْ , وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا مِنْ رَبّنَا . أَيْ لَسْتُمْ عَلَى شَيْء حَتَّى تُقِيمُوا حَتَّى تَعْمَلُوا بِمَا فِيهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك طُغْيَانًا وَكُفْرًا } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك طُغْيَانًا وَكُفْرًا } وَأَقْسَمَ لَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَؤُلَاءِ الْيَهُود وَالنَّصَارَى الَّذِينَ قَصَّ , قَصَصهمْ فِي هَذِهِ الْآيَات الْكِتَابُ الَّذِي أَنْزَلْته إِلَيْك يَا مُحَمَّد طُغْيَانًا , يَقُول : تَجَاوُزًا وَغُلُوًّا فِي التَّكْذِيب لَك عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ لَك مِنْ ذَلِكَ قَبْل نُزُول الْفُرْقَان , { كُفْرًا } يَقُول : وَجُحُودًا لِنُبُوَّتِك . وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى الْبَيَان عَنْ مَعْنَى الطُّغْيَان فِيمَا مَضَى قَبْل .
وَأَمَّا قَوْله : { فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْم الْكَافِرِينَ } يَعْنِي : يَقُول { فَلَا تَأْسَ } فَلَا تَحْزَن , يُقَال : أَسِيَ فُلَان عَلَى كَذَا : إِذَا حَزِنَ يَأْسَى أَسًى , وَمِنْهُ قَوْل الرَّاجِز : وَانْحَلَبَتْ عَيْنَاهُ مِنْ فَرْط الْأَسَى يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ : لَا تَحْزَن يَا مُحَمَّد عَلَى تَكْذِيب هَؤُلَاءِ الْكُفَّار مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل لَك , فَإِنَّ مِثْل ذَلِكَ مِنْهُمْ عَادَة وَخُلُق فِي أَنْبِيَائِهِمْ , فَكَيْفَ فِيك ؟ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9588 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك طُغْيَانًا وَكُفْرًا } قَالَ : الْفُرْقَان . يَقُول : فَلَا تَحْزَن . 9589 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْم الْكَافِرِينَ } قَالَ : لَا تَحْزَن .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك طُغْيَانًا وَكُفْرًا } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك طُغْيَانًا وَكُفْرًا } وَأَقْسَمَ لَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَؤُلَاءِ الْيَهُود وَالنَّصَارَى الَّذِينَ قَصَّ , قَصَصهمْ فِي هَذِهِ الْآيَات الْكِتَابُ الَّذِي أَنْزَلْته إِلَيْك يَا مُحَمَّد طُغْيَانًا , يَقُول : تَجَاوُزًا وَغُلُوًّا فِي التَّكْذِيب لَك عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ لَك مِنْ ذَلِكَ قَبْل نُزُول الْفُرْقَان , { كُفْرًا } يَقُول : وَجُحُودًا لِنُبُوَّتِك . وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى الْبَيَان عَنْ مَعْنَى الطُّغْيَان فِيمَا مَضَى قَبْل .
وَأَمَّا قَوْله : { فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْم الْكَافِرِينَ } يَعْنِي : يَقُول { فَلَا تَأْسَ } فَلَا تَحْزَن , يُقَال : أَسِيَ فُلَان عَلَى كَذَا : إِذَا حَزِنَ يَأْسَى أَسًى , وَمِنْهُ قَوْل الرَّاجِز : وَانْحَلَبَتْ عَيْنَاهُ مِنْ فَرْط الْأَسَى يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ : لَا تَحْزَن يَا مُحَمَّد عَلَى تَكْذِيب هَؤُلَاءِ الْكُفَّار مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل لَك , فَإِنَّ مِثْل ذَلِكَ مِنْهُمْ عَادَة وَخُلُق فِي أَنْبِيَائِهِمْ , فَكَيْفَ فِيك ؟ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9588 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك طُغْيَانًا وَكُفْرًا } قَالَ : الْفُرْقَان . يَقُول : فَلَا تَحْزَن . 9589 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْم الْكَافِرِينَ } قَالَ : لَا تَحْزَن .
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَاَلَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّه وَرَسُوله , وَهُمْ أَهْل الْإِسْلَام , { وَاَلَّذِينَ هَادُوا } وَهُمْ الْيَهُود وَالصَّابِئُونَ . وَقَدْ بَيَّنَّا أَمْرهمْ . { وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ } مِنْهُمْ { بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخَر } فَصَدَّقَ بِالْبَعْثِ بَعْد الْمَمَات , وَعَمِلَ مِنْ الْعَمَل صَالِحًا لِمَعَادِهِ , { فَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ } فِيمَا قَدِمُوا عَلَيْهِ مِنْ أَهْوَال الْقِيَامَة , { وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } عَلَى مَا خَلَّفُوا وَرَاءَهُمْ مِنْ الدُّنْيَا وَعَيْشهَا بَعْد مُعَايَنَتهمْ مَا أَمَرَهُمْ اللَّه بِهِ مِنْ جَزِيل ثَوَابه . وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْه الْإِعْرَاب فِيهِ فِيمَا مَضَى قَبْلُ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته .
لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُواْ وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاق بَنِي إِسْرَائِيل وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُول بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسهمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أُقْسِم لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاق بَنِي إِسْرَائِيل عَلَى الْإِخْلَاص وَتَوْحِيدنَا , وَالْعَمَل بِمَا أَمَرْنَاهُمْ بِهِ , وَالِانْتِهَاء عَمَّا نَهَيْنَاهُمْ عَنْهُ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ بِذَلِكَ رُسُلًا , وَوَعَدْنَاهُمْ عَلَى أَلْسُن رُسُلنَا إِلَيْهِمْ عَلَى الْعَمَل بِطَاعَتِنَا الْجَزِيل مِنْ الثَّوَاب , وَأَوْعَدْنَاهُمْ عَلَى الْعَمَل بِمَعْصِيَتِنَا الشَّدِيد مِنْ الْعِقَاب , كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُول لَنَا بِمَا لَا تَشْتَهِيه نُفُوسهمْ وَلَا يُوَافِق مَحَبَّتهمْ كَذَّبُوا مِنْهُمْ فَرِيقًا وَيَقْتُلُونَ مِنْهُمْ فَرِيقًا , نَقْضًا لِمِيثَاقِنَا الَّذِي أَخَذْنَاهُ عَلَيْهِمْ , وَجَرَاءَة عَلَيْنَا وَعَلَى خِلَاف أَمْرنَا .
وَحَسِبُواْ أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُواْ وَصَمُّواْ ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُون فِتْنَة } يَقُول تَعَالَى : وَظَنَّ هَؤُلَاءِ الْإِسْرَائِيلِيُّونَ الَّذِينَ وَصَفَ تَعَالَى ذِكْره صِفَتهمْ أَنَّهُ أَخَذَ مِيثَاقهمْ وَأَنَّهُ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ رُسُلًا , وَأَنَّهُمْ كَانُوا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُول بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسهمْ كَذَّبُوا فَرِيقًا وَقَتَلُوا فَرِيقًا , أَنْ لَا يَكُون مِنْ اللَّه لَهُمْ اِبْتِلَاء وَاخْتِبَار بِالشَّدَائِدِ مِنْ الْعُقُوبَات بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9590 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَحَسِبُوا أَنْ لَا تَكُون فِتْنَة } الْآيَة , يَقُول : حَسِبَ الْقَوْم أَنْ لَا يَكُون بَلَاء فَعَمُوا وَصَمُّوا , كُلَّمَا عَرَضَ بَلَاء اُبْتُلُوا بِهِ هَلَكُوا فِيهِ . 9591 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَحَسِبُوا أَنْ لَا تَكُون فِتْنَة فَعَمُوا وَصَمُّوا } يَقُول : حَسِبُوا أَنْ لَا يُبْتَلَوْا , فَعَمُوا عَنْ الْحَقّ وَصَمُّوا . 9592 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ مُبَارَك , عَنْ الْحَسَن : { وَحَسِبُوا أَنْ لَا تَكُون فِتْنَة } قَالَ بَلَاء . 9593 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَحَسِبُوا أَنْ لَا تَكُون فِتْنَة } قَالَ : الشِّرْك . 9594 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { وَحَسِبُوا أَنْ لَا تَكُون فِتْنَة فَعَمُوا وَصَمُّوا } قَالَ : الْيَهُود . 9595 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { فَعَمُوا وَصَمُّوا } قَالَ : يَهُود . قَالَ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير , قَالَ : هَذِهِ الْآيَة لِبَنِي إِسْرَائِيل . قَالَ : وَالْفِتْنَة : الْبَلَاء وَالتَّمْحِيص .
يَقُول : فَعَمُوا عَنْ الْحَقّ وَالْوَفَاء بِالْمِيثَاقِ الَّذِي أَخَذْته عَلَيْهِمْ مِنْ إِخْلَاص عِبَادَتِي , وَالِانْتِهَاء إِلَى أَمْرِي وَنَهْيِي , وَالْعَمَل بِطَاعَتِي بِحُسْبَانِهِمْ ذَلِكَ وَظَنّهمْ , وَصَمُّوا عَنْهُ .
ثُمَّ تُبْت عَلَيْهِمْ , يَقُول : ثُمَّ هَدَيْتهمْ بِلُطْفٍ مِنِّي لَهُمْ , حَتَّى أَنَابُوا وَرَجَعُوا عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ مَعْصِيَتِي وَخِلَاف أَمْرِيّ , وَالْعَمَل بِمَا أَكْرَههُ مِنْهُمْ إِلَى الْعَمَل بِمَا أُحِبّهُ , وَالِانْتِهَاء إِلَى طَاعَتِي وَأَمْرِي وَنَهْيِي .
يَقُول : ثُمَّ عَمُوا أَيْضًا عَنْ الْحَقّ وَالْوَفَاء بِمِيثَاقِي الَّذِي أَخَذْته عَلَيْهِمْ مِنْ الْعَمَل بِطَاعَتِي وَالِانْتِهَاء إِلَى أَمْرِي وَاجْتِنَاب مَعَاصِيِيّ , { وَصَمُّوا كَثِير مِنْهُمْ } يَقُول : عَمَى كَثِير مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كُنْت أَخَذْت مِيثَاقهمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل بِاتِّبَاعِ رُسُلِي وَالْعَمَل بِمَا أَنْزَلْت إِلَيْهِمْ مِنْ كُتُبِي عَنْ الْحَقّ , وَصَمُّوا بَعْد تَوْبَتِي عَلَيْهِمْ وَاسْتِنْقَاذِي إِيَّاهُمْ مِنْ الْهَلَكَة .
يَقُول : بَصِير فَيَرَى أَعْمَالهمْ خَيْرهَا وَشَرّهَا , فَيُجَازِيهِمْ يَوْم الْقِيَامَة بِجَمِيعِهَا , إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ .
يَقُول : فَعَمُوا عَنْ الْحَقّ وَالْوَفَاء بِالْمِيثَاقِ الَّذِي أَخَذْته عَلَيْهِمْ مِنْ إِخْلَاص عِبَادَتِي , وَالِانْتِهَاء إِلَى أَمْرِي وَنَهْيِي , وَالْعَمَل بِطَاعَتِي بِحُسْبَانِهِمْ ذَلِكَ وَظَنّهمْ , وَصَمُّوا عَنْهُ .
ثُمَّ تُبْت عَلَيْهِمْ , يَقُول : ثُمَّ هَدَيْتهمْ بِلُطْفٍ مِنِّي لَهُمْ , حَتَّى أَنَابُوا وَرَجَعُوا عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ مَعْصِيَتِي وَخِلَاف أَمْرِيّ , وَالْعَمَل بِمَا أَكْرَههُ مِنْهُمْ إِلَى الْعَمَل بِمَا أُحِبّهُ , وَالِانْتِهَاء إِلَى طَاعَتِي وَأَمْرِي وَنَهْيِي .
يَقُول : ثُمَّ عَمُوا أَيْضًا عَنْ الْحَقّ وَالْوَفَاء بِمِيثَاقِي الَّذِي أَخَذْته عَلَيْهِمْ مِنْ الْعَمَل بِطَاعَتِي وَالِانْتِهَاء إِلَى أَمْرِي وَاجْتِنَاب مَعَاصِيِيّ , { وَصَمُّوا كَثِير مِنْهُمْ } يَقُول : عَمَى كَثِير مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كُنْت أَخَذْت مِيثَاقهمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل بِاتِّبَاعِ رُسُلِي وَالْعَمَل بِمَا أَنْزَلْت إِلَيْهِمْ مِنْ كُتُبِي عَنْ الْحَقّ , وَصَمُّوا بَعْد تَوْبَتِي عَلَيْهِمْ وَاسْتِنْقَاذِي إِيَّاهُمْ مِنْ الْهَلَكَة .
يَقُول : بَصِير فَيَرَى أَعْمَالهمْ خَيْرهَا وَشَرّهَا , فَيُجَازِيهِمْ يَوْم الْقِيَامَة بِجَمِيعِهَا , إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ .
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّه هُوَ الْمَسِيح اِبْن مَرْيَم } وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ بَعْض مَا فُتِنَ بِهِ الْإِسْرَائِيلِيِّينَ الَّذِينَ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ حَسِبُوا أَنْ لَا تَكُون فِتْنَة . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَكَانَ مِمَّا اِبْتَلَيْتهمْ وَاخْتَبَرْتهمْ بِهِ فَنَقَضُوا فِيهِ مِيثَاقِي وَغَيَّرُوا عَهْدِي الَّذِي كُنْت أَخَذْته عَلَيْهِمْ , بِأَنْ لَا يَعْبُدُوا سِوَايَ وَلَا يَتَّخِذُوا رَبًّا غَيْرِي , وَأَنْ يُوَحِّدُونِي , وَيَنْتَهُوا إِلَى طَاعَتِي ; عَبْدِي عِيسَى اِبْن مَرْيَم , فَإِنِّي خَلَقْته وَأَجْرَيْت عَلَى يَده نَحْو الَّذِي أَجْرَيْت النَّصَارَى , عَلَيْهِمْ غَضَب اللَّه ! يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره : فَلَمَّا اِخْتَبَرْتهمْ وَابْتَلَيْتهمْ بِمَا اِبْتَلَيْتهمْ بِهِ أَشْرَكُوا بِي قَالُوا لِخَلْقٍ مِنْ خَلْقِي وَعَبْد مِثْلهمْ مِنْ عَبِيدِي وَبَشَر نَحْوهمْ مَعْرُوف نَسَبه وَأَصْله مَوْلُود مِنْ الْبَشَر يَدْعُوهُمْ إِلَى تَوْحِيدِي وَيَأْمُرهُمْ بِعِبَادَتِي وَطَاعَتِي وَيُقِرّ لَهُمْ بِأَنِّي رَبّه وَرَبّهمْ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي شَيْئًا , هُوَ إِلَههمْ ; جَهْلًا مِنْهُمْ اللَّه وَكُفْرًا بِهِ , وَلَا يَنْبَغِي لِلَّهِ أَنْ يَكُون وَالِدًا وَلَا مَوْلُودًا .
وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَقَالَ الْمَسِيح يَا بَنِي إِسْرَائِيل اُعْبُدُوا اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ } يَقُول : اِجْعَلُوا الْعِبَادَة وَالتَّذَلُّل لِلَّذِي لَهُ يَذِلّ كُلّ شَيْء وَلَهُ يَخْضَع كُلّ مَوْجُود , رَبِّي وَرَبّكُمْ , يَقُول : مَالِكِي وَمَالِككُمْ , وَسَيِّدِي وَسَيِّدكُمْ , الَّذِي خَلَقَنِي وَإِيَّاكُمْ .
{إِنَّهُ مَنْ يُشْرِك بِاَللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِ الْجَنَّة } أَنْ يَسْكُنهَا فِي الْآخِرَة
يَقُول : وَمَرْجِعه وَمَكَانه الَّذِي يَأْوِي إِلَيْهِ وَيَصِير فِي مَعَاده , مَنْ جَعَلَ لِلَّهِ شَرِيكًا فِي عِبَادَته نَار جَهَنَّم .
يَقُول : وَلَيْسَ لِمَنْ فَعَلَ غَيْر مَا أَبَاحَ اللَّه لَهُ وَعَبَدَ غَيْر الَّذِي لَهُ عِبَادَة الْخَلْق ,
يَنْصُرُونَهُ يَوْم الْقِيَامَة مِنْ اللَّه , فَيُنْقِذُونَهُ مِنْهُ إِذَا أَوْرَدَهُ جَهَنَّم .
وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَقَالَ الْمَسِيح يَا بَنِي إِسْرَائِيل اُعْبُدُوا اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ } يَقُول : اِجْعَلُوا الْعِبَادَة وَالتَّذَلُّل لِلَّذِي لَهُ يَذِلّ كُلّ شَيْء وَلَهُ يَخْضَع كُلّ مَوْجُود , رَبِّي وَرَبّكُمْ , يَقُول : مَالِكِي وَمَالِككُمْ , وَسَيِّدِي وَسَيِّدكُمْ , الَّذِي خَلَقَنِي وَإِيَّاكُمْ .
{إِنَّهُ مَنْ يُشْرِك بِاَللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِ الْجَنَّة } أَنْ يَسْكُنهَا فِي الْآخِرَة
يَقُول : وَمَرْجِعه وَمَكَانه الَّذِي يَأْوِي إِلَيْهِ وَيَصِير فِي مَعَاده , مَنْ جَعَلَ لِلَّهِ شَرِيكًا فِي عِبَادَته نَار جَهَنَّم .
يَقُول : وَلَيْسَ لِمَنْ فَعَلَ غَيْر مَا أَبَاحَ اللَّه لَهُ وَعَبَدَ غَيْر الَّذِي لَهُ عِبَادَة الْخَلْق ,
يَنْصُرُونَهُ يَوْم الْقِيَامَة مِنْ اللَّه , فَيُنْقِذُونَهُ مِنْهُ إِذَا أَوْرَدَهُ جَهَنَّم .
لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّه ثَالِث ثَلَاثَة } وَهَذَا أَيْضًا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ فَرِيق آخَر مِنْ الْإِسْرَائِيلِيِّينَ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتهمْ فِي الْآيَات قَبْل أَنَّهُ لَمَّا اِبْتَلَاهُمْ بَعْد حُسْبَانهمْ أَنَّهُمْ لَا يُبْتَلَوْنَ وَلَا يُفْتَنُونَ , قَالُوا كُفْرًا بِرَبِّهِمْ وَشِرْكًا : اللَّه ثَالِث ثَلَاثَة . وَهَذَا قَوْل كَانَ عَلَيْهِ جَمَاهِير النَّصَارَى قَبْل اِفْتِرَاق الْيَعْقُوبِيَّة وَالْمَلْكَانِيَّة وَالنُّسْطُورِيَّة , كَانُوا فِيمَا بَلَغَنَا يَقُولُونَ : الْإِلَه الْقَدِيم جَوْهَر وَاحِد يَعُمّ ثَلَاثَة أَقَانِيم : أَبًا وَالِدًا غَيْر مَوْلُود , وَابْنًا مَوْلُودًا غَيْر وَالِد , وَزَوْجًا مُتَتَبَّعَة بَيْنهمَا . وَقَدْ قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل نَحْو قَوْلنَا فِي أَنَّهُ عَنَى بِهَذِهِ الْآيَات : النَّصَارَى . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9596 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّه ثَالِث ثَلَاثَة } قَالَ : قَالَتْ النَّصَارَى : هُوَ الْمَسِيح وَأُمّه , فَذَلِكَ قَوْل اللَّه تَعَالَى : { أَأَنْت قُلْت لِلنَّاسِ اِتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُون اللَّه } 5 116 . 9597 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد : { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّه ثَالِث ثَلَاثَة } نَحْوه .
يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره مُكَذِّبًا لَهُمْ فِيمَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ : { وَمَا مِنْ إِلَه إِلَّا إِلَه وَاحِد } يَقُول : مَا لَكُمْ مَعْبُود أَيّهَا النَّاس إِلَّا مَعْبُود وَاحِد , وَهُوَ الَّذِي لَيْسَ بِوَالِدٍ لِشَيْءٍ وَلَا مَوْلُود , بَلْ هُوَ خَالِق كُلّ وَالِد وَمَوْلُود .
يَقُول : إِنْ لَمْ يَنْتَهُوا قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة عَمَّا يَقُولُونَ مِنْ قَوْلهمْ : اللَّه ثَالِث ثَلَاثَة ,
يَقُول : لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ يَقُولُونَ هَذِهِ الْمَقَالَة , وَاَلَّذِينَ يَقُولُونَ الْمَقَالَة الْأُخْرَى هُوَ الْمَسِيح اِبْن مَرْيَم ; لِأَنَّ الْفَرِيقَيْنِ كِلَاهُمَا كَفَرَة مُشْرِكُونَ , فَلِذَلِكَ رَجَعَ فِي الْوَعِيد بِالْعَذَابِ إِلَى الْعُمُوم . وَلَمْ يَقُلْ : " لَيَمَسَّنَّهُمْ عَذَاب أَلِيم " , لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ قِيلَ كَذَلِكَ صَارَ الْوَعِيد مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره خَاصًّا لِقَائِلِ الْقَوْل الثَّانِي , وَهُمْ الْقَائِلُونَ : اللَّه ثَالِث ثَلَاثَة , وَلَمْ يَدْخُل فِيهِمْ الْقَائِلُونَ : الْمَسِيح هُوَ اللَّه . فَعَمَّ بِالْوَعِيدِ تَعَالَى ذِكْره كُلّ كَافِر , لِيَعْلَم الْمُخَاطَبُونَ بِهَذِهِ الْآيَات أَنَّ وَعِيد اللَّه قَدْ شَمِلَ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل وَمَنْ كَانَ مِنْ الْكُفَّار عَلَى مِثْل الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَإِنْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفْت فَعَلَى مَنْ عَادَتْ الْهَاء وَالْمِيم اللَّتَانِ فِي قَوْله : " مِنْهُمْ " ؟ قِيلَ : عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفْنَا : وَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ هَؤُلَاءِ الْإِسْرَائِيلِيُّونَ عَمَّا يَقُولُونَ فِي اللَّه مِنْ عَظِيم الْقَوْل , لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ يَقُولُونَ مِنْهُمْ إِنَّ الْمَسِيح هُوَ اللَّه وَاَلَّذِينَ يَقُولُونَ إِنَّ اللَّه ثَالِث ثَلَاثَة وَكُلّ كَافِر سَلَكَ سَبِيلهمْ عَذَاب أَلِيم بِكُفْرِهِمْ بِاَللَّهِ .
يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره مُكَذِّبًا لَهُمْ فِيمَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ : { وَمَا مِنْ إِلَه إِلَّا إِلَه وَاحِد } يَقُول : مَا لَكُمْ مَعْبُود أَيّهَا النَّاس إِلَّا مَعْبُود وَاحِد , وَهُوَ الَّذِي لَيْسَ بِوَالِدٍ لِشَيْءٍ وَلَا مَوْلُود , بَلْ هُوَ خَالِق كُلّ وَالِد وَمَوْلُود .
يَقُول : إِنْ لَمْ يَنْتَهُوا قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة عَمَّا يَقُولُونَ مِنْ قَوْلهمْ : اللَّه ثَالِث ثَلَاثَة ,
يَقُول : لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ يَقُولُونَ هَذِهِ الْمَقَالَة , وَاَلَّذِينَ يَقُولُونَ الْمَقَالَة الْأُخْرَى هُوَ الْمَسِيح اِبْن مَرْيَم ; لِأَنَّ الْفَرِيقَيْنِ كِلَاهُمَا كَفَرَة مُشْرِكُونَ , فَلِذَلِكَ رَجَعَ فِي الْوَعِيد بِالْعَذَابِ إِلَى الْعُمُوم . وَلَمْ يَقُلْ : " لَيَمَسَّنَّهُمْ عَذَاب أَلِيم " , لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ قِيلَ كَذَلِكَ صَارَ الْوَعِيد مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره خَاصًّا لِقَائِلِ الْقَوْل الثَّانِي , وَهُمْ الْقَائِلُونَ : اللَّه ثَالِث ثَلَاثَة , وَلَمْ يَدْخُل فِيهِمْ الْقَائِلُونَ : الْمَسِيح هُوَ اللَّه . فَعَمَّ بِالْوَعِيدِ تَعَالَى ذِكْره كُلّ كَافِر , لِيَعْلَم الْمُخَاطَبُونَ بِهَذِهِ الْآيَات أَنَّ وَعِيد اللَّه قَدْ شَمِلَ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل وَمَنْ كَانَ مِنْ الْكُفَّار عَلَى مِثْل الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَإِنْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفْت فَعَلَى مَنْ عَادَتْ الْهَاء وَالْمِيم اللَّتَانِ فِي قَوْله : " مِنْهُمْ " ؟ قِيلَ : عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذْ كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفْنَا : وَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ هَؤُلَاءِ الْإِسْرَائِيلِيُّونَ عَمَّا يَقُولُونَ فِي اللَّه مِنْ عَظِيم الْقَوْل , لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ يَقُولُونَ مِنْهُمْ إِنَّ الْمَسِيح هُوَ اللَّه وَاَلَّذِينَ يَقُولُونَ إِنَّ اللَّه ثَالِث ثَلَاثَة وَكُلّ كَافِر سَلَكَ سَبِيلهمْ عَذَاب أَلِيم بِكُفْرِهِمْ بِاَللَّهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّه وَيَسْتَغْفِرُونَهُ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَفَلَا يَرْجِع هَذَانِ الْفَرِيقَانِ الْكَافِرَانِ , الْقَائِل أَحَدهمَا : إِنَّ اللَّه هُوَ الْمَسِيح اِبْن مَرْيَم ; وَالْآخَر الْقَائِل : إِنَّ اللَّه ثَالِث ثَلَاثَة , عَمَّا قَالَا مِنْ ذَلِكَ , وَيَتُوبَانِ بِمَا قَالَا وَقَطَعَا بِهِ مِنْ كُفْرهمَا , وَيَسْأَلَانِ رَبّهمَا الْمَغْفِرَة مِمَّا قَالَا .
وَاَللَّه غَفُور لِذُنُوبِ التَّائِبِينَ مِنْ خَلْقه , الْمُنِيبِينَ إِلَى طَاعَته بَعْد مَعْصِيَتهمْ , رَحِيم بِهِمْ فِي قَبُوله تَوْبَتهمْ وَمُرَاجَعَتهمْ إِلَى مَا يُحِبّ مِمَّا يَكْرَه , فَيَصْفَح بِذَلِكَ مِنْ فِعْلهمْ عَمَّا سَلَفَ مِنْ إِجْرَامهمْ قَبْل ذَلِكَ .
وَاَللَّه غَفُور لِذُنُوبِ التَّائِبِينَ مِنْ خَلْقه , الْمُنِيبِينَ إِلَى طَاعَته بَعْد مَعْصِيَتهمْ , رَحِيم بِهِمْ فِي قَبُوله تَوْبَتهمْ وَمُرَاجَعَتهمْ إِلَى مَا يُحِبّ مِمَّا يَكْرَه , فَيَصْفَح بِذَلِكَ مِنْ فِعْلهمْ عَمَّا سَلَفَ مِنْ إِجْرَامهمْ قَبْل ذَلِكَ .
مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَا الْمَسِيح اِبْن مَرْيَم إِلَّا رَسُول قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْله الرُّسُل } وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره اِحْتِجَاجًا لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فِرَق النَّصَارَى فِي قَوْلهمْ فِي الْمَسِيح . يَقُول مُكَذِّبًا لِلْيَعْقُوبِيَّةِ فِي قِيلهمْ : هُوَ اللَّه , وَالْآخَرِينَ فِي قِيلهمْ : هُوَ اِبْن اللَّه : لَيْسَ الْقَوْل كَمَا قَالَ هَؤُلَاءِ الْكَفَرَة فِي الْمَسِيح , وَلَكِنَّهُ اِبْن مَرْيَم وَلَدَتْهُ وِلَادَة الْأُمَّهَات أَبْنَاءَهُنَّ , وَذَلِكَ مِنْ صِفَة الْبَشَر لَا مِنْ صِفَة خَالِق الْبَشَر , وَإِنَّمَا هُوَ لِلَّهِ رَسُول كَسَائِرِ رُسُله الَّذِينَ كَانُوا قَبْله فَمَضَوْا وَخَلَوْا , أَجْرَى عَلَى يَده مَا شَاءَ أَنْ يُجْرِيه عَلَيْهَا مِنْ الْآيَات وَالْعِبَر بِحُجَّةٍ لَهُ عَلَى صِدْقه وَعَلَى أَنَّهُ لِلَّهِ رَسُول إِلَى مَنْ أَرْسَلَهُ إِلَيْهِ مِنْ خَلْقه , كَمَا أَجْرَى عَلَى أَيْدِي مَنْ قَبْله مِنْ الرُّسُل مِنْ الْآيَات وَالْعِبَر حُجَّة لَهُمْ عَلَى حَقِيقَة صِدْقهمْ فِي أَنَّهُمْ لِلَّهِ رُسُل .
يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأُمّ الْمَسِيح صِدِّيقَة , وَالصِّدِّيقَة : الْفِعِّيلَة مِنْ الصِّدْق , وَكَذَلِكَ قَوْلهمْ فُلَان صِدِّيق : فِعِّيل مِنْ الصِّدْق , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى ذِكْره : { وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء } . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ أَبَا بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ إِنَّمَا قِيلَ لَهُ الصِّدِّيق لِصِدْقِهِ , وَقَدْ قِيلَ : إِنَّمَا سُمِّيَ صِدِّيقًا لِتَصْدِيقِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيره فِي لَيْلَة وَاحِدَة إِلَى بَيْت الْمَقْدِس مِنْ مَكَّة وَعَوْده إِلَيْهَا .
وَقَوْله : { كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَام } خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ الْمَسِيح وَأُمّه أَنَّهُمَا كَانَا أَهْل حَاجَة إِلَى مَا يَغْذُوهُمَا وَتَقُوم بِهِ أَبْدَانهمَا مِنْ الْمَطَاعِم وَالْمَشَارِب كَسَائِرِ الْبَشَر مِنْ بَنِي آدَم . فَإِنَّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ , فَغَيْر كَائِن إِلَهًا ; لِأَنَّ الْمُحْتَاج إِلَى الْغِذَاء قِوَامه بِغَيْرِهِ , وَفِي قِوَامه بِغَيْرِهِ وَحَاجَته إِلَى مَا يُقِيمهُ دَلِيل وَاضِح عَلَى عَجْزه , وَالْعَاجِز لَا يَكُون إِلَّا مَرْبُوبًا لَا رَبًّا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اُنْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّن لَهُمْ الْآيَات } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد : اُنْظُرْ يَا مُحَمَّد كَيْفَ نُبَيِّن لِهَؤُلَاءِ الْكَفَرَة مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى الْآيَات , وَهِيَ الْأَدِلَّة وَالْأَعْلَام وَالْحُجَج عَلَى بُطُولِ مَا يَقُولُونَ فِي أَنْبِيَاء اللَّه , وَفِي فِرْيَتهمْ عَلَى اللَّه , وَادِّعَائِهِمْ لَهُ وَلَدًا , وَشَهَادَتهمْ لِبَعْضِ خَلْقه بِأَنَّهُ لَهُمْ رَبّ وَإِلَه , ثُمَّ لَا يَرْتَدِعُونَ عَنْ كَذِبهمْ وَبَاطِل قِيلهمْ , وَلَا يَنْزَجِرُونَ عَنْ فِرْيَتهمْ عَلَى رَبّهمْ وَعَظِيم جَهْلهمْ , مَعَ وُرُود الْحُجَج الْقَاطِعَة عُذْرهمْ عَلَيْهِمْ .
يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ثُمَّ اُنْظُرْ يَا مُحَمَّد أَنَّى يُؤْفَكُونَ ؟ يَقُول : ثُمَّ اُنْظُرْ مَعَ تَبِيننَا لَهُمْ آيَاتنَا عَلَى بُطُولِ قَوْلهمْ : أَيّ وَجْه يَصْرِفُونَ عَنْ بَيَاننَا الَّذِي بَيَّنْته لَهُمْ , وَكَيْفَ عَنْ الْهُدَى الَّذِي نَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ مِنْ الْحَقّ يَضِلُّونَ ؟ وَالْعَرَب تَقُول لِكُلِّ مَصْرُوف عَنْ شَيْء : هُوَ مَأْفُوك عَنْهُ , يُقَال : قَدْ أَفَكْت فُلَانًا عَنْ كَذَا : أَيْ صَرَفْته عَنْهُ , فَأَنَا آفِكهُ أَفْكًا , وَهُوَ مَأْفُوك , وَقَدْ أُفِكَتْ الْأَرْض : إِذَا صُرِفَ عَنْهَا الْمَطَر .
يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأُمّ الْمَسِيح صِدِّيقَة , وَالصِّدِّيقَة : الْفِعِّيلَة مِنْ الصِّدْق , وَكَذَلِكَ قَوْلهمْ فُلَان صِدِّيق : فِعِّيل مِنْ الصِّدْق , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى ذِكْره : { وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء } . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ أَبَا بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ إِنَّمَا قِيلَ لَهُ الصِّدِّيق لِصِدْقِهِ , وَقَدْ قِيلَ : إِنَّمَا سُمِّيَ صِدِّيقًا لِتَصْدِيقِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيره فِي لَيْلَة وَاحِدَة إِلَى بَيْت الْمَقْدِس مِنْ مَكَّة وَعَوْده إِلَيْهَا .
وَقَوْله : { كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَام } خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ الْمَسِيح وَأُمّه أَنَّهُمَا كَانَا أَهْل حَاجَة إِلَى مَا يَغْذُوهُمَا وَتَقُوم بِهِ أَبْدَانهمَا مِنْ الْمَطَاعِم وَالْمَشَارِب كَسَائِرِ الْبَشَر مِنْ بَنِي آدَم . فَإِنَّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ , فَغَيْر كَائِن إِلَهًا ; لِأَنَّ الْمُحْتَاج إِلَى الْغِذَاء قِوَامه بِغَيْرِهِ , وَفِي قِوَامه بِغَيْرِهِ وَحَاجَته إِلَى مَا يُقِيمهُ دَلِيل وَاضِح عَلَى عَجْزه , وَالْعَاجِز لَا يَكُون إِلَّا مَرْبُوبًا لَا رَبًّا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اُنْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّن لَهُمْ الْآيَات } . يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد : اُنْظُرْ يَا مُحَمَّد كَيْفَ نُبَيِّن لِهَؤُلَاءِ الْكَفَرَة مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى الْآيَات , وَهِيَ الْأَدِلَّة وَالْأَعْلَام وَالْحُجَج عَلَى بُطُولِ مَا يَقُولُونَ فِي أَنْبِيَاء اللَّه , وَفِي فِرْيَتهمْ عَلَى اللَّه , وَادِّعَائِهِمْ لَهُ وَلَدًا , وَشَهَادَتهمْ لِبَعْضِ خَلْقه بِأَنَّهُ لَهُمْ رَبّ وَإِلَه , ثُمَّ لَا يَرْتَدِعُونَ عَنْ كَذِبهمْ وَبَاطِل قِيلهمْ , وَلَا يَنْزَجِرُونَ عَنْ فِرْيَتهمْ عَلَى رَبّهمْ وَعَظِيم جَهْلهمْ , مَعَ وُرُود الْحُجَج الْقَاطِعَة عُذْرهمْ عَلَيْهِمْ .
يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ثُمَّ اُنْظُرْ يَا مُحَمَّد أَنَّى يُؤْفَكُونَ ؟ يَقُول : ثُمَّ اُنْظُرْ مَعَ تَبِيننَا لَهُمْ آيَاتنَا عَلَى بُطُولِ قَوْلهمْ : أَيّ وَجْه يَصْرِفُونَ عَنْ بَيَاننَا الَّذِي بَيَّنْته لَهُمْ , وَكَيْفَ عَنْ الْهُدَى الَّذِي نَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ مِنْ الْحَقّ يَضِلُّونَ ؟ وَالْعَرَب تَقُول لِكُلِّ مَصْرُوف عَنْ شَيْء : هُوَ مَأْفُوك عَنْهُ , يُقَال : قَدْ أَفَكْت فُلَانًا عَنْ كَذَا : أَيْ صَرَفْته عَنْهُ , فَأَنَا آفِكهُ أَفْكًا , وَهُوَ مَأْفُوك , وَقَدْ أُفِكَتْ الْأَرْض : إِذَا صُرِفَ عَنْهَا الْمَطَر .
قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه مَا لَا يَمْلِك لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا } وَهَذَا أَيْضًا اِحْتِجَاج مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّصَارَى الْقَائِلِينَ فِي الْمَسِيح مَا وَصَفَ مِنْ قِيلهمْ فِيهِ قَبْل . يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْكَفَرَة مِنْ النَّصَارَى الزَّاعِمِينَ أَنَّ الْمَسِيح رَبّهمْ وَالْقَائِلِينَ إِنَّ اللَّه ثَالِث ثَلَاثَة : أَتَعْبُدُونَ سِوَى اللَّه الَّذِي يَمْلِك ضُرّكُمْ وَنَفْعكُمْ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَرَزَقَكُمْ وَهُوَ يُحْيِكُمْ وَيُمِيتكُمْ , شَيْئًا لَا يَمْلِك لَكُمْ شَرًّا وَلَا نَفْعًا ؟ يُخْبِرهُمْ تَعَالَى ذِكْره أَنَّ الْمَسِيح الَّذِي زَعَمَ مَنْ زَعَمَ مِنْ النَّصَارَى أَنَّهُ إِلَه , وَاَلَّذِي زَعَمَ مَنْ زَعَمَ مِنْهُمْ أَنَّهُ لِلَّهِ اِبْن , لَا يَمْلِك لَهُمْ ضَرًّا يَدْفَعهُ عَنْهُمْ إِنْ أَحَلَّهُ اللَّهُ بِهِمْ , وَلَا نَفْعًا يَجْلِبهُ إِلَيْهِمْ إِنْ لَمْ يَقْضِهِ اللَّه لَهُمْ . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَكَيْفَ يَكُون رَبًّا وَإِلَهًا مَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَته ؟ بَلْ الرَّبّ الْمَعْبُود الَّذِي بِيَدِهِ كُلّ شَيْء وَالْقَادِر عَلَى كُلّ شَيْء , فَإِيَّاهُ فَاعْبُدُوا وَأَخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَة دُون غَيْره مِنْ الْعَجَزَة الَّذِينَ لَا يَنْفَعُونَكُمْ وَلَا يَضُرُّونَ .
وَأَمَّا قَوْله : { وَاَللَّه هُوَ السَّمِيع الْعَلِيم } فَإِنَّهُ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : وَاَللَّه هُوَ السَّمِيع لِاسْتِغْفَارِهِمْ لَوْ اِسْتَغْفَرُوهُ مِنْ قِيلهمْ مَا أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَهُ فِي الْمَسِيح , وَلِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَنْطِقهمْ وَمَنْطِق خَلْقه , الْعَلِيم بِتَوْبَتِهِمْ لَوْ تَابُوا مِنْهُ , وَبِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورهمْ .
وَأَمَّا قَوْله : { وَاَللَّه هُوَ السَّمِيع الْعَلِيم } فَإِنَّهُ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : وَاَللَّه هُوَ السَّمِيع لِاسْتِغْفَارِهِمْ لَوْ اِسْتَغْفَرُوهُ مِنْ قِيلهمْ مَا أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَهُ فِي الْمَسِيح , وَلِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَنْطِقهمْ وَمَنْطِق خَلْقه , الْعَلِيم بِتَوْبَتِهِمْ لَوْ تَابُوا مِنْهُ , وَبِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورهمْ .
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ يَا أَهْل الْكِتَاب لَا تَغْلُوا فِي دِينكُمْ غَيْر الْحَقّ } وَهَذَا خِطَاب مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قُلْ يَا مُحَمَّد لِهَؤُلَاءِ الْغَالِيَة مِنْ النَّصَارَى فِي الْمَسِيح : { يَا أَهْل الْكِتَاب } يَعْنِي بِالْكِتَابِ : الْإِنْجِيل , { لَا تَغْلُوا فِي دِينكُمْ } يَقُول : لَا تُفَرِّطُوا فِي الْقَوْل فِيمَا تَدِينُونَ بِهِ مِنْ أَمْر الْمَسِيح , فَتُجَاوِزُوا فِيهِ الْحَقّ إِلَى الْبَاطِل , فَتَقُولُوا فِيهِ : هُوَ اللَّه , أَوْ هُوَ اِبْنه ; وَلَكِنْ قُولُوا : هُوَ عَبْد اللَّه كَلِمَته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم وَرُوح مِنْهُ .
وَيَقُول : وَلَا تَتَّبِعُوا أَيْضًا فِي الْمَسِيح أَهْوَاء الْيَهُود الَّذِينَ قَدْ ضَلُّوا قَبْلكُمْ عَنْ سَبِيل الْهُدَى فِي الْقَوْل فِيهِ , فَتَقُولُونَ فِيهِ كَمَا قَالُوا : هُوَ لِغَيْرِ رَشْدَة , وَتَبْهَتُوا أُمّه كَمَا يَبْهَتُونَهَا بِالْفِرْيَةِ , وَهِيَ صِدِّيقَة .
يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَضَلَّ هَؤُلَاءِ الْيَهُود كَثِيرًا مِنْ النَّاس , فَحَادُوا بِهِمْ عَنْ طَرِيق الْحَقّ وَحَمَلُوهُمْ عَلَى الْكُفْر بِاَللَّهِ وَالتَّكْذِيب بِالْمَسِيحِ .
يَقُول: وَضَلَّ هَؤُلَاءِ الْيَهُود عَنْ قَصْد الطَّرِيق , وَرَكِبُوا غَيْر مَحَجَّة الْحَقّ وَإِنَّمَا يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ كُفْرهمْ بِاَللَّهِ وَتَكْذِيبهمْ رُسُله عِيسَى وَمُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَذَهَابهمْ عَنْ الْإِيمَان وَبُعْدهمْ مِنْهُ . وَذَلِكَ كَانَ ضَلَالهمْ الَّذِي وَصَفَهُمْ اللَّه بِهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9598 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { وَضَلُّوا عَنْ سَوَاء السَّبِيل } قَالَ : يَهُود . 9599 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { تَتَّبِعُوا أَهْوَاء قَوْم قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْل وَأَضَلُّوا كَثِيرًا } فَهُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ ضَلُّوا وَأَضَلُّوا أَتْبَاعهمْ . { وَضَلُّوا عَنْ سَوَاء السَّبِيل } عَنْ عَدْل السَّبِيل .
وَيَقُول : وَلَا تَتَّبِعُوا أَيْضًا فِي الْمَسِيح أَهْوَاء الْيَهُود الَّذِينَ قَدْ ضَلُّوا قَبْلكُمْ عَنْ سَبِيل الْهُدَى فِي الْقَوْل فِيهِ , فَتَقُولُونَ فِيهِ كَمَا قَالُوا : هُوَ لِغَيْرِ رَشْدَة , وَتَبْهَتُوا أُمّه كَمَا يَبْهَتُونَهَا بِالْفِرْيَةِ , وَهِيَ صِدِّيقَة .
يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَضَلَّ هَؤُلَاءِ الْيَهُود كَثِيرًا مِنْ النَّاس , فَحَادُوا بِهِمْ عَنْ طَرِيق الْحَقّ وَحَمَلُوهُمْ عَلَى الْكُفْر بِاَللَّهِ وَالتَّكْذِيب بِالْمَسِيحِ .
يَقُول: وَضَلَّ هَؤُلَاءِ الْيَهُود عَنْ قَصْد الطَّرِيق , وَرَكِبُوا غَيْر مَحَجَّة الْحَقّ وَإِنَّمَا يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ كُفْرهمْ بِاَللَّهِ وَتَكْذِيبهمْ رُسُله عِيسَى وَمُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَذَهَابهمْ عَنْ الْإِيمَان وَبُعْدهمْ مِنْهُ . وَذَلِكَ كَانَ ضَلَالهمْ الَّذِي وَصَفَهُمْ اللَّه بِهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9598 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { وَضَلُّوا عَنْ سَوَاء السَّبِيل } قَالَ : يَهُود . 9599 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { تَتَّبِعُوا أَهْوَاء قَوْم قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْل وَأَضَلُّوا كَثِيرًا } فَهُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ ضَلُّوا وَأَضَلُّوا أَتْبَاعهمْ . { وَضَلُّوا عَنْ سَوَاء السَّبِيل } عَنْ عَدْل السَّبِيل .
لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل عَلَى لِسَان دَاوُد وَعِيسَى اِبْن مَرْيَم ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ لِهَؤُلَاءِ النَّصَارَى الَّذِينَ وَصَفَ تَعَالَى ذِكْره صِفَتهمْ : لَا تَغْلُوا فَتَقُولُوا فِي الْمَسِيح غَيْر الْحَقّ , وَلَا تَقُولُوا فِيهِ مَا قَالَتْ الْيَهُود الَّذِينَ قَدْ لَعَنَهُمْ اللَّه عَلَى لِسَان أَنْبِيَائِهِ وَرُسُله دَاوُد وَعِيسَى اِبْن مَرْيَم . وَكَانَ لَعْن اللَّه إِيَّاهُمْ عَلَى أَلْسِنَتهمْ , كَاَلَّذِي : 9600 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل عَلَى لِسَان دَاوُد وَعِيسَى اِبْن مَرْيَم } قَالَ : لُعِنُوا بِكُلِّ لِسَان , لُعِنُوا عَلَى عَهْد مُوسَى فِي التَّوْرَاة , وَلُعِنُوا عَلَى عَهْد دَاوُد فِي الزَّبُور , وَلُعِنُوا عَلَى عَهْد عِيسَى فِي الْإِنْجِيل , وَلُعِنُوا عَلَى عَهْد مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُرْآن . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل عَلَى لِسَان دَاوُد وَعِيسَى اِبْن مَرْيَم } يَقُول : لُعِنُوا فِي الْإِنْجِيل عَلَى لِسَان عِيسَى اِبْن مَرْيَم , وَلُعِنُوا فِي الزَّبُور عَلَى لِسَان دَاوُد . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ خُصَيْف , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل عَلَى لِسَان دَاوُد وَعِيسَى اِبْن مَرْيَم } قَالَ : خَالِطُوهُمْ بَعْد النَّهْي فِي تِجَارَاتهمْ , فَضَرَبَ اللَّه قُلُوب بَعْضهمْ بِبَعْضٍ , فَهُمْ مَلْعُونُونَ عَلَى لِسَان دَاوُد وَعِيسَى اِبْن مَرْيَم . 9601 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ حُصَيْن , عَنْ مُجَاهِد : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل عَلَى لِسَان دَاوُد وَعِيسَى اِبْن مَرْيَم } قَالَ : لُعِنُوا عَلَى لِسَان دَاوُد فَصَارُوا قِرَدَة , وَلُعِنُوا عَلَى لِسَان عِيسَى فَصَارُوا خَنَازِير . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل } بِكُلِّ لِسَان ; لُعِنُوا عَلَى عَهْد مُوسَى فِي التَّوْرَاة , وَعَلَى عَهْد دَاوُد فِي الزَّبُور , وَعَلَى عَهْد عِيسَى فِي الْإِنْجِيل , وَلُعِنُوا عَلَى لِسَان مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُرْآن . قَالَ اِبْن جُرَيْج , وَقَالَ آخَرُونَ : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنُو إِسْرَائِيل عَلَى لِسَان دَاوُد } عَلَى عَهْده , فَلُعِنُوا بِدَعْوَتِهِ . قَالَ : مَرَّ دَاوُد عَلَى نَفَر مِنْهُمْ وَهُمْ فِي بَيْت , فَقَالَ مَنْ فِي الْبَيْت ؟ قَالُوا : خَنَازِير , قَالَ : اللَّهُمَّ اِجْعَلْهُمْ خَنَازِير ! فَكَانُوا خَنَازِير ; ثُمَّ أَصَابَتْهُمْ لَعْنَته . وَدَعَا عَلَيْهِمْ عِيسَى فَقَالَ : اللَّهُمَّ اِلْعَنْ مَنْ اِفْتَرَى عَلَيَّ وَعَلَى أُمِّي , وَاجْعَلْهُمْ قِرَدَة خَاسِئِينَ ! 9602 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل } الْآيَة , لَعَنَهُمْ اللَّه عَلَى لِسَان دَاوُد فِي زَمَانه فَجَعَلَهُمْ قِرَدَة خَاسِئِينَ , وَفِي الْإِنْجِيل عَلَى لِسَان عِيسَى فَجَعَلَهُمْ خَنَازِير . 9603 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن بَزِيع , قَالَ : ثنا أَبُو مُحْصَن حُصَيْن بْن نُمَيْر , عَنْ حُصَيْن , يَعْنِي اِبْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ أَبِي مَالِك , قَالَ : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل عَلَى لِسَان دَاوُد } قَالَ : مُسِخُوا عَلَى لِسَان دَاوُد قِرَدَة , وَعَلَى لِسَان عِيسَى خَنَازِير . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ , ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك , مِثْله . 9604 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد الْمُحَارِبِيّ , عَنْ الْعَلَاء بْن الْمُسَيِّب , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ سَالِم الْأَفْطَس , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , عَنْ اِبْن مَسْعُود , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ الرَّجُل مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل كَانَ إِذَا رَأَى أَخَاهُ عَلَى الذَّنْب نَهَاهُ عَنْهُ تَعْذِيرًا , فَإِذَا كَانَ مِنْ الْغَد لَمْ يَمْنَعهُ مَا رَأَى مِنْهُ أَنْ يَكُون أَكِيلهُ وَخَلِيطه وَشَرِيبه , فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ مِنْهُمْ ضَرَبَ بِقُلُوبِ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض , وَلَعَنَهُمْ عَلَى لِسَان نَبِيّهمْ دَاوُد وَعِيسَى اِبْن مَرْيَم ; ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ " . ثُمَّ قَالَ : " وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ , وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَر , وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَيْ الْمُسِيء , وَلَتَأْطِرُنَّهُ عَلَى الْحَقّ أَطْرًا أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّه قُلُوب بَعْضكُمْ عَلَى بَعْض , وَلَيَلْعَنَنَّكُم كَمَا لَعَنَهُمْ " . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن بَشِير بْن سُلَيْمَان , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن قَيْس الْمُلَائِيّ , عَنْ عَلِيّ بْن بَذِيمَة , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : لَمَّا فَشَا الْمُنْكَر فِي بَنِي إِسْرَائِيل , جَعَلَ الرَّجُل يَلْقَى الرَّجُل فَيَقُول : يَا هَذَا اِتَّقِ اللَّه ! ثُمَّ لَا يَمْنَعهُ ذَلِكَ أَنْ يُؤَاكِلهُ وَيُشَارِبهُ . فَلَمَّا رَأَى اللَّه ذَلِكَ مِنْهُمْ ضَرَبَ بِقُلُوبِ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض , ثُمَّ أَنْزَلَ فِيهِمْ كِتَابًا : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل عَلَى لِسَان دَاوُد وَعِيسَى اِبْن مَرْيَم ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَر فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّكِئًا , فَجَلَسَ وَقَالَ : " كَلَّا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى تَأْطِرُوا الظَّالِم عَلَى الْحَقّ أَطْرًا " . * - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَهْل الرَّمْلِيّ , قَالَ : ثنا الْمُؤَمَّل بْن إِسْمَاعِيل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن بَذِيمَة عَنْ أَبِي عُبَيْدَة - أَظُنّهُ عَنْ مَسْرُوق - عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيل لَمَّا ظَهَرَ مِنْهُمْ الْمُنْكَر جَعَلَ الرَّجُل يَرَى أَخَاهُ وَجَاره وَصَاحِبه عَلَى الْمُنْكَر فَيَنْهَاهُ , ثُمَّ لَا يَمْنَعهُ ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُون أَكِيلهُ وَشَرِيبه وَنَدِيمه , فَضَرَبَ اللَّه قُلُوب بَعْضهمْ عَلَى بَعْض , وَلُعِنُوا عَلَى لِسَان دَاوُد وَعِيسَى اِبْن مَرْيَم ; ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ إِلَى { فَاسِقُونَ } " . قَالَ عَبْد اللَّه : وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّكِئًا فَاسْتَوَى جَالِسًا , فَغَضِبَ وَقَالَ : " لَا وَاَللَّه حَتَّى تَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْ الظَّالِم فَتَأْطِرُوهُ عَلَى الْحَقّ أَطْرًا " . - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ ثنا اِبْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان عَنْ عَلِيّ بْن بَذِيمَة , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيل لَمَّا وَقَعَ فِيهِمْ النَّقْص كَانَ الرَّجُل يَرَى أَخَاهُ عَلَى الرَّيْب فَيَنْهَاهُ عَنْهُ , فَإِذَا كَانَ الْغَد لَمْ يَمْنَعهُ مَا رَأَى مِنْهُ أَنْ يَكُون أَكِيلهُ وَشَرِيبه وَخَلِيطه ; فَضَرَبَ اللَّه قُلُوب بَعْضهمْ بِبَعْضٍ , وَنَزَلَ فِيهِمْ الْقُرْآن , فَقَالَ : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل عَلَى لِسَان دَاوُد وَعِيسَى اِبْن مَرْيَم } حَتَّى بَلَغَ : { وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ } " قَالَ : وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّكِئًا , فَجَلَسَ وَقَالَ : " لَا حَتَّى تَأْخُذُوا يَدَيْ الظَّالِم فَتَأْطِرُوهُ عَلَى الْحَقّ أَطْرًا " . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد , قَالَ : أَمْلَاهُ عَلَيَّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن أَبِي الْوَضَّاح , عَنْ عَلِيّ بْن بَذِيمَة , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , عَنْ عَبْد اللَّه , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَلِيّ بْن بَذِيمَة , قَالَ : سَمِعْت أَبَا عُبَيْدَة يَقُول : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَذَكَرَ نَحْوه غَيْر أَنَّهُمَا قَالَا فِي حَدِيثهمَا : وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّكِئًا , فَاسْتَوَى جَالِسًا ثُمَّ قَالَ : " كَلَّا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى تَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْ الظَّالِم , فَتَأْطِرُوهُ عَلَى الْحَقّ أَطْرًا " . 9605 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْنُ زَيْد فِي قَوْله : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل عَلَى لِسَان دَاوُد وَعِيسَى اِبْن مَرْيَم } قَالَ : فَقَالَ : لُعِنُوا فِي الْإِنْجِيل وَفِي الزَّبُور . وَقَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ رَحَى الْإِيمَان قَدْ دَارَتْ , فَدُورُوا مَعَ الْقُرْآن حَيْثُ دَارَ , فَإِنَّهُ قَدْ فَرَغَ اللَّه مِمَّا اِفْتَرَضَ فِيهِ . وَإِنَّهُ كَانَتْ أُمَّة مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل كَانُوا أَهْل عَدْل , يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَر , فَأَخَذَهُمْ قَوْمهمْ فَنَشَرُوهُمْ بِالْمَنَاشِيرِ , وَصَلَبُوهُمْ عَلَى الْخُشُب , وَبَقِيَتْ مِنْهُمْ بَقِيَّة , فَلَمْ يَرْضَوْا حَتَّى دَاخَلُوا الْمُلُوك وَجَالَسُوهُمْ , ثُمَّ لَمْ يَرْضَوْا حَتَّى وَاكَلُوهُمْ , فَضَرَبَ اللَّه تِلْكَ الْقُلُوب بَعْضهَا بِبَعْضٍ فَجَعَلَهَا وَاحِدَة " , فَذَلِكَ قَوْل اللَّه تَعَالَى : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل عَلَى لِسَان دَاوُد } إِلَى { ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ } مَاذَا كَانَتْ مَعْصِيَتهمْ ؟ قَالَ : " كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَر فَعَلُوهُ , لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ " . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَن : لَعَنَ اللَّه الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ الْيَهُود بِاَللَّهِ عَلَى لِسَان دَاوُد وَعِيسَى اِبْن مَرْيَم , وَلُعِنَ وَاَللَّه آبَاؤُهُمْ عَلَى لِسَان دَاوُد وَعِيسَى اِبْن مَرْيَم , بِمَا عَصَوْا اللَّه فَخَالَفُوا أَمْره وَكَانُوا يَعْتَدُونَ , يَقُول : وَكَانُوا يَتَجَاوَزُونَ حُدُوده .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَر فَعَلُوهُ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : كَانَ هَؤُلَاءِ الْيَهُود الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّه { لَا يَتَنَاهَوْنَ } يَقُول : لَا يَنْتَهُونَ عَنْ مُنْكَر فَعَلُوهُ , وَلَا يَنْهَى بَعْضهمْ بَعْضًا . وَيَعْنِي بِالْمُنْكَرِ : الْمَعَاصِي الَّتِي كَانُوا يَعْصُونَ اللَّه بِهَا . فَتَأْوِيل الْكَلَام : كَانُوا لَا يَنْتَهُونَ عَنْ مُنْكَر أَتَوْهُ . كَمَا : 9606 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَر فَعَلُوهُ } لَا تَتَنَاهَى أَنْفُسهمْ بَعْد أَنْ وَقَعُوا فِي الْكُفْر .
وَهَذَا قَسَم مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره , يَقُول : أُقْسِم لَبِئْسَ الْفِعْل كَانُوا يَفْعَلُونَ فِي تَرْكهمْ الِانْتِهَاء عَنْ مَعَاصِي اللَّه تَعَالَى وَرُكُوب مَحَارِمه وَقَتْل أَنْبِيَاء اللَّه وَرُسُله !
وَهَذَا قَسَم مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره , يَقُول : أُقْسِم لَبِئْسَ الْفِعْل كَانُوا يَفْعَلُونَ فِي تَرْكهمْ الِانْتِهَاء عَنْ مَعَاصِي اللَّه تَعَالَى وَرُكُوب مَحَارِمه وَقَتْل أَنْبِيَاء اللَّه وَرُسُله !
تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : تَرَى يَا مُحَمَّد كَثِيرًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا , يَقُول : يَتَوَلَّوْنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ عَبَدَة الْأَوْثَان , يُعَادُونَ أَوْلِيَاء اللَّه وَرُسُله .
يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أُقْسِم لَبِئْسَ الشَّيْء الَّذِي قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسهمْ أَمَامهمْ إِلَى مَعَادهمْ فِي الْآخِرَة .
فِي مَوْضِع رَفْع تَرْجَمَة عَنْ " مَا " الَّذِي فِي قَوْله : { لَبِئْسَ مَا }
يَقُول : وَفِي عَذَاب اللَّه يَوْم الْقِيَامَة هُمْ خَالِدُونَ , دَائِم مَقَامهمْ وَمُكْثهمْ فِيهِ .
يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أُقْسِم لَبِئْسَ الشَّيْء الَّذِي قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسهمْ أَمَامهمْ إِلَى مَعَادهمْ فِي الْآخِرَة .
فِي مَوْضِع رَفْع تَرْجَمَة عَنْ " مَا " الَّذِي فِي قَوْله : { لَبِئْسَ مَا }
يَقُول : وَفِي عَذَاب اللَّه يَوْم الْقِيَامَة هُمْ خَالِدُونَ , دَائِم مَقَامهمْ وَمُكْثهمْ فِيهِ .
وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّه وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالنَّبِيّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل { يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالنَّبِيّ } يَقُول : يُصَدِّقُونَ بِاَللَّهِ وَيُقِرُّونَ بِهِ وَيُوَحِّدُونَهُ وَيُصَدِّقُونَ نَبِيّه مُحَمَّدًا , بِأَنَّهُ لِلَّهِ نَبِيّ مَبْعُوث وَرَسُول مُرْسَل . { وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ } يَقُول : يُقِرُّونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْد اللَّه مِنْ آي الْفُرْقَان .
يَقُول : مَا اِتَّخَذُوهُمْ أَصْحَابًا وَأَنْصَارًا مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ . وَكَانَ مُجَاهِد يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 9607 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالنَّبِيّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اِتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء } قَالَ : الْمُنَافِقُونَ .
يَقُول : لَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ أَهْل خُرُوج عَنْ طَاعَة اللَّه إِلَى مَعْصِيَته وَأَهْل اِسْتِحْلَال لِمَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ الْقَوْل وَالْفِعْل .
يَقُول : مَا اِتَّخَذُوهُمْ أَصْحَابًا وَأَنْصَارًا مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ . وَكَانَ مُجَاهِد يَقُول فِي ذَلِكَ مَا : 9607 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالنَّبِيّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اِتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء } قَالَ : الْمُنَافِقُونَ .
يَقُول : لَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ أَهْل خُرُوج عَنْ طَاعَة اللَّه إِلَى مَعْصِيَته وَأَهْل اِسْتِحْلَال لِمَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ الْقَوْل وَالْفِعْل .
لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَتَجِدَنَّ أَشَدّ النَّاس عَدَاوَة لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُود وَاَلَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبهمْ مَوَدَّة لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَتَجِدَنَّ } يَا مُحَمَّد { أَشَدّ النَّاس عَدَاوَة } لِلَّذِينَ صَدَّقُوك وَاتَّبَعُوك وَصَدَّقُوا بِمَا جِئْتهمْ بِهِ مِنْ أَهْل الْإِسْلَام , { الْيَهُود وَاَلَّذِينَ أَشْرَكُوا } يَعْنِي عَبَدَة الْأَوْثَان الَّذِينَ اِتَّخَذُوا الْأَوْثَان آلِهَة يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُون اللَّه . { وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبهمْ مَوَدَّة لِلَّذِينَ آمَنُوا } يَقُول : وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَب النَّاس مَوَدَّة وَمَحَبَّة . وَالْمَوَدَّة : الْمَفْعَلَة , مِنْ قَوْل الرَّجُل : وَدِدْت كَذَا أَوُدّه وُدًّا وَوِدًّا وَوَدًّا وَمَوَدَّة : إِذَا أَحْبَبْته . { لِلَّذِينَ آمَنُوا } , يَقُول : لِلَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّه وَرَسُوله مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . { الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ } عَنْ قَبُول الْحَقّ وَاتِّبَاعه وَالْإِذْعَان بِهِ . وَقِيلَ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَة وَاَلَّتِي بَعْدهَا نَزَلَتْ فِي نَفَر قَدِمُوا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَصَارَى الْحَبَشَة , فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآن أَسْلَمُوا وَاتَّبَعُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقِيلَ : إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي النَّجَاشِيّ مَلِك الْحَبَشَة وَأَصْحَاب لَهُ أَسْلَمُوا مَعَهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9608 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي الشَّوَارِب , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَاحِد بْن زِيَاد , قَالَ : ثنا خُصَيْف , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : بَعَثَ النَّجَاشِيّ وَفْدًا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمُوا . قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى فِيهِمْ : { لَتَجِدَنَّ أَشَدّ النَّاس عَدَاوَة لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُود وَاَلَّذِينَ أَشْرَكُوا } إِلَى آخِر الْآيَة . قَالَ : فَرَجَعُوا إِلَى النَّجَاشِيّ فَأَخْبَرُوهُ , فَأَسْلَمَ النَّجَاشِيّ , فَلَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا حَتَّى مَاتَ . قَالَ : فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ أَخَاكُمْ النَّجَاشِيّ قَدْ مَاتَ , فَصَلُّوا عَلَيْهِ ! " فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ وَالنَّجَاشِيّ بِالْحَبَشَةِ . 9609 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبهمْ مَوَدَّة لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى } قَالَ : هُمْ الْوَفْد الَّذِينَ جَاءُوا مَعَ جَعْفَر وَأَصْحَابه مِنْ أَرْض الْحَبَشَة . 9610 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبهمْ مَوَدَّة لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى } قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمَكَّة خَافَ عَلَى أَصْحَابه مِنْ الْمُشْرِكِينَ , فَبَعَثَ جَعْفَر بْن أَبِي طَالِب وَابْن مَسْعُود وَعُثْمَان بْن مَظْعُون فِي رَهْط مِنْ أَصْحَابه إِلَى النَّجَاشِيّ مَلِك الْحَبَشَة ; فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْمُشْرِكِينَ , بَعَثُوا عَمْرو بْن الْعَاص فِي رَهْط مِنْهُمْ ذُكِرَ أَنَّهُمْ سَبَقُوا أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى النَّجَاشِيّ , فَقَالُوا : إِنَّهُ خَرَجَ فِينَا رَجُل سَفَّهُ عُقُول قُرَيْش وَأَحْلَامهَا زَعَمَ أَنَّهُ نَبِيّ , وَإِنَّهُ بَعَثَ إِلَيْك رَهْطًا لِيُفْسِدُوا عَلَيْك قَوْمك , فَأَحْبَبْنَا أَنْ نَأْتِيك وَنُخْبِرك خَبَرهمْ . قَالَ : إِنْ جَاءُونِي نَظَرْت فِيمَا يَقُولُونَ . فَقَدِمَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَقَامُوا بِبَابِ النَّجَاشِيّ , فَقَالُوا : أَتَأْذَنُ لِأَوْلِيَاءِ اللَّه ؟ فَقَالَ : اِئْذَنْ لَهُمْ , فَمَرْحَبًا بِأَوْلِيَاءِ اللَّه ! فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ سَلَّمُوا , فَقَالَ لَهُ الرَّهْط مِنْ الْمُشْرِكِينَ : أَلَا تَرَى أَيّهَا الْمَلِك أَنَّا صَدَقْنَاك , لَمْ يُحَيُّوك بِتَحِيَّتِك الَّتِي تُحَيَّا بِهَا ؟ فَقَالَ لَهُمْ : مَا مَنَعَكُمْ أَنْ تُحَيُّونِي بِتَحِيَّتِي ؟ فَقَالُوا : إِنَّا حَيَّيْنَاك بِتَحِيَّةِ أَهْل الْجَنَّة وَتَحِيَّة الْمَلَائِكَة . قَالَ لَهُمْ : مَا يَقُول صَاحِبكُمْ فِي عِيسَى وَأُمّه ؟ قَالَ : يَقُول : هُوَ عَبْد اللَّه وَكَلِمَة مِنْ اللَّه أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم وَرُوح مِنْهُ , وَيَقُول فِي مَرْيَم : إِنَّهَا الْعَذْرَاء الْبَتُول . قَالَ : فَأَخَذَ عُودًا مِنْ الْأَرْض , فَقَالَ : مَا زَادَ عِيسَى وَأُمّه عَلَى مَا قَالَ صَاحِبكُمْ قَدْر هَذَا الْعُود ! فَكَرِهَ الْمُشْرِكُونَ قَوْله , وَتَغَيَّرَتْ وُجُوههمْ . قَالَ لَهُمْ : هَلْ تَعْرِفُونَ شَيْئًا مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ ؟ قَالُوا : نَعَمْ . قَالَ : اِقْرَءُوا ! فَقَرَءُوا , وَهُنَالِكَ مِنْهُمْ قِسِّيسُونَ وَرُهْبَان وَسَائِر النَّصَارَى , فَعَرَفَتْ كُلّ مَا قَرَءُوا , وَانْحَدَرَتْ دُمُوعهمْ مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقّ . قَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُول } الْآيَة . 9611 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثني أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ , : { وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبهمْ مَوَدَّة لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى } الْآيَة . قَالَ : بَعَثَ النَّجَاشِيّ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِثْنَيْ عَشَر رَجُلًا مِنْ الْحَبَشَة , سَبْعَة قِسِّيسِينَ وَخَمْسَة رُهْبَانًا , يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَيَسْأَلُونَهُ . فَلَمَّا لَقُوهُ فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ مَا أَنْزَلَ اللَّه بَكَوْا وَآمَنُوا , فَأَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِ فِيهِمْ : { وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُول تَرَى أَعْيُنهمْ تَفِيض مِنْ الدَّمْع مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقّ يَقُولُونَ رَبّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } فَآمَنُوا ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى النَّجَاشِيّ . فَهَاجَرَ النَّجَاشِيّ مَعَهُمْ , فَمَاتَ فِي الطَّرِيق , فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ وَاسْتَغْفَرُوا لَهُ . 9612 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَى حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ عَطَاء فِي قَوْله : { وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبهمْ مَوَدَّة لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى } الْآيَة , هُمْ نَاس مِنْ الْحَبَشَة آمَنُوا , إِذْ جَاءَتْهُمْ مُهَاجِرَة الْمُؤْمِنِينَ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هَذِهِ صِفَة قَوْم كَانُوا عَلَى شَرِيعَة عِيسَى مِنْ أَهْل الْإِيمَان ; فَلَمَّا بَعَثَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمَنُوا بِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9613 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبهمْ مَوَدَّة لِلَّذِينَ آمَنُوا } , فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } أُنَاس مِنْ أَهْل الْكِتَاب كَانُوا عَلَى شَرِيعَة مِنْ الْحَقّ مِمَّا جَاءَ بِهِ عِيسَى , يُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَنْتَهُونَ إِلَيْهِ ; فَلَمَّا بَعَثَ اللَّه نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَّقُوا بِهِ وَآمَنُوا , وَعَرَفُوا الَّذِي جَاءَ بِهِ أَنَّهُ الْحَقّ , فَأَثْنَى عَلَيْهِمْ مَا تَسْمَعُونَ . وَالصَّوَاب فِي ذَلِكَ مِنْ الْقَوْل عِنْدِي أَنَّ اللَّه تَعَالَى وَصَفَ صِفَة قَوْم قَالُوا : إِنَّا نَصَارَى , أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجِدهُمْ أَقْرَب النَّاس وِدَادًا لِأَهْلِ الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَرَسُوله , وَلَمْ يُسَمِّ لَنَا أَسْمَاءَهُمْ . وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون أُرِيدَ بِذَلِكَ أَصْحَاب النَّجَاشِيّ , وَيَجُوز أَنْ يَكُون أُرِيدَ بِهِ قَوْم كَانُوا عَلَى شَرِيعَة عِيسَى فَأَدْرَكَهُمْ الْإِسْلَام فَأَسْلَمُوا لَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآن وَعَرَفُوا أَنَّهُ الْحَقّ , وَلَمْ يَسْتَكْبِرُوا عَنْهُ .
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا } فَإِنَّهُ يَقُول : قَرُبَتْ مَوَدَّة هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَ اللَّه صِفَتهمْ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَجْل أَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا . وَالْقِسِّيسُونَ : جَمْع قِسِّيس , وَقَدْ يُجْمَع الْقِسِّيس : " قُسُوس " ; لِأَنَّ الْقُسّ وَالْقِسِّيس بِمَعْنًى وَاحِد . وَكَانَ اِبْن زَيْد يَقُول فِي الْقِسِّيس بِمَا : 9614 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : حَدَّثَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : الْقِسِّيسُونَ : عُبَّادهمْ . وَأَمَّا الرُّهْبَان , فَإِنَّهُ يَكُون وَاحِدًا وَجَمْعًا ; فَأَمَّا إِذَا كَانَ جَمْعًا , فَإِنَّ وَاحِدهمْ يَكُون رَاهِبًا , وَيَكُون الرَّاهِب حِينَئِذٍ فَاعِلًا مِنْ قَوْل الْقَائِل : رَهِبَ اللَّه فُلَان , بِمَعْنَى : خَافَهُ , يَرْهَبهُ رَهَبًا وَرَهْبًا , ثُمَّ يُجْمَع الرَّاهِب رُهْبَان , مِثْل رَاكِب وَرُكْبَان , وَفَارِس وَفُرْسَان . وَمِنْ الدَّلِيل عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَكُون عِنْد الْعَرَب جَمْعًا قَوْل الشَّاعِر : رُهْبَان مَدْيَن لَوْ رَأَوْك تَنَزَّلُوا وَالْعُصْم مِنْ شَعَف الْعُقُول الْفَادِر وَقَدْ يَكُون الرُّهْبَان وَاحِدًا , وَإِذَا كَانَ وَاحِدًا كَانَ جَمْعه رَهَابِين , مِثْل قُرْبَان وَقَرَابِين , وَجُرْدَان وَجَرَادِين . وَيَجُوز جَمْعه أَيْضًا رَهَابِنَة إِذَا كَانَ كَذَلِكَ . وَمِنْ الدَّلِيل عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَكُون عِنْد الْعَرَب وَاحِدًا قَوْل الشَّاعِر : لَوْ عَايَنَتْ رُهْبَان دَيْر فِي الْقُلَل لَانْحَدَرَ الرُّهْبَان يَمْشِي وَنَزَل وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ : { ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا } فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ قَوْم كَانُوا اِسْتَجَابُوا لِعِيسَى اِبْن مَرْيَم حِين دَعَاهُمْ , وَاتَّبَعُوهُ عَلَى شَرِيعَته . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9615 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ حُصَيْن عَمَّنْ حَدَّثَهُ , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : { ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا } قَالَ : كَانُوا نَوَاتِيَّ فِي الْبَحْر - يَعْنِي مَلَّاحِينَ - قَالَ : فَمَرَّ بِهِمْ عِيسَى اِبْن مَرْيَم , فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَام فَأَجَابُوهُ . قَالَ : فَذَلِكَ قَوْله : { قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا } . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ الْقَوْم الَّذِينَ كَانَ النَّجَاشِيّ بَعَثَهُمْ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9616 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام بْن سَلْم , قَالَ : ثنا عَنْبَسَة عَمَّنْ حَدَّثَهُ , عَنْ أَبِي صَالِح فِي قَوْله : { ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا } قَالَ : سِتَّة وَسِتُّونَ , أَوْ سَبْعَة وَسِتُّونَ , أَوْ اِثْنَانِ وَسِتُّونَ مِنْ الْحَبَشَة , كُلّهمْ صَاحِب صَوْمَعَة , عَلَيْهِمْ ثِيَاب الصُّوف . 9617 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , عَنْ سُفْيَان , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا } قَالَ : بَعَثَ النَّجَاشِيّ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسِينَ أَوْ سَبْعِينَ مِنْ خِيَارهمْ , فَجَعَلُوا يَبْكُونَ , فَقَالَ : هُمْ هَؤُلَاءِ . 9618 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا قَيْس , عَنْ سَالِم الْأَفْطَس , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا } قَالَ : هُمْ رُسُل النَّجَاشِيّ الَّذِينَ أَرْسَلَ بِإِسْلَامِهِ وَإِسْلَام قَوْمه , كَانُوا سَبْعِينَ رَجُلًا اِخْتَارَهُمْ الْخَيِّر فَالْخَيِّر . فَدَخَلُوا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ : { يس وَالْقُرْآن الْحَكِيم } فَبَكَوْا وَعَرَفُوا الْحَقّ , فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِمْ : { ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا , وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ } , وَأَنْزَلَ فِيهِمْ : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب مِنْ قَبْله هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ } إِلَى قَوْله : { يُؤْتَوْنَ أَجْرهمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا } . وَالصَّوَاب فِي ذَلِكَ مِنْ الْقَوْل عِنْدنَا أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَخْبَرَ عَنْ النَّفَر الَّذِينَ أَثْنَى عَلَيْهِمْ مِنْ النَّصَارَى بِقُرْبِ مَوَدَّتهمْ لِأَهْلِ الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَرَسُوله , أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ مِنْهُمْ لِأَنَّ مِنْهُمْ أَهْل اِجْتِهَاد فِي الْعِبَادَة وَتَرْهِيب فِي الدِّيَارَات وَالصَّوَامِع , وَأَنَّ مِنْهُمْ عُلَمَاء بِكُتُبِهِمْ . وَأَهْل تِلَاوَة لَهَا , فَهُمْ لَا يَبْعُدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لِتَوَاضُعِهِمْ لِلْحَقِّ إِذَا عَرَفُوهُ , وَلَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ قَبُوله إِذَا تَبَيَّنُوهُ لِأَنَّهُمْ أَهْل دِين وَاجْتِهَاد فِيهِ وَنَصِيحَة لِأَنْفُسِهِمْ فِي ذَات اللَّه , وَلَيْسُوا كَالْيَهُودِ الَّذِينَ قَدْ دَرِبُوا بِقَتْلِ الْأَنْبِيَاء وَالرُّسُل وَمُعَانَدَة اللَّه فِي أَمْره وَنَهْيه وَتَحْرِيف تَنْزِيله الَّذِي أَنْزَلَهُ فِي كُتُبه .
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا } فَإِنَّهُ يَقُول : قَرُبَتْ مَوَدَّة هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَ اللَّه صِفَتهمْ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَجْل أَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا . وَالْقِسِّيسُونَ : جَمْع قِسِّيس , وَقَدْ يُجْمَع الْقِسِّيس : " قُسُوس " ; لِأَنَّ الْقُسّ وَالْقِسِّيس بِمَعْنًى وَاحِد . وَكَانَ اِبْن زَيْد يَقُول فِي الْقِسِّيس بِمَا : 9614 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : حَدَّثَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : الْقِسِّيسُونَ : عُبَّادهمْ . وَأَمَّا الرُّهْبَان , فَإِنَّهُ يَكُون وَاحِدًا وَجَمْعًا ; فَأَمَّا إِذَا كَانَ جَمْعًا , فَإِنَّ وَاحِدهمْ يَكُون رَاهِبًا , وَيَكُون الرَّاهِب حِينَئِذٍ فَاعِلًا مِنْ قَوْل الْقَائِل : رَهِبَ اللَّه فُلَان , بِمَعْنَى : خَافَهُ , يَرْهَبهُ رَهَبًا وَرَهْبًا , ثُمَّ يُجْمَع الرَّاهِب رُهْبَان , مِثْل رَاكِب وَرُكْبَان , وَفَارِس وَفُرْسَان . وَمِنْ الدَّلِيل عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَكُون عِنْد الْعَرَب جَمْعًا قَوْل الشَّاعِر : رُهْبَان مَدْيَن لَوْ رَأَوْك تَنَزَّلُوا وَالْعُصْم مِنْ شَعَف الْعُقُول الْفَادِر وَقَدْ يَكُون الرُّهْبَان وَاحِدًا , وَإِذَا كَانَ وَاحِدًا كَانَ جَمْعه رَهَابِين , مِثْل قُرْبَان وَقَرَابِين , وَجُرْدَان وَجَرَادِين . وَيَجُوز جَمْعه أَيْضًا رَهَابِنَة إِذَا كَانَ كَذَلِكَ . وَمِنْ الدَّلِيل عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَكُون عِنْد الْعَرَب وَاحِدًا قَوْل الشَّاعِر : لَوْ عَايَنَتْ رُهْبَان دَيْر فِي الْقُلَل لَانْحَدَرَ الرُّهْبَان يَمْشِي وَنَزَل وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِقَوْلِهِ : { ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا } فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ قَوْم كَانُوا اِسْتَجَابُوا لِعِيسَى اِبْن مَرْيَم حِين دَعَاهُمْ , وَاتَّبَعُوهُ عَلَى شَرِيعَته . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9615 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ حُصَيْن عَمَّنْ حَدَّثَهُ , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : { ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا } قَالَ : كَانُوا نَوَاتِيَّ فِي الْبَحْر - يَعْنِي مَلَّاحِينَ - قَالَ : فَمَرَّ بِهِمْ عِيسَى اِبْن مَرْيَم , فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَام فَأَجَابُوهُ . قَالَ : فَذَلِكَ قَوْله : { قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا } . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ الْقَوْم الَّذِينَ كَانَ النَّجَاشِيّ بَعَثَهُمْ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9616 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام بْن سَلْم , قَالَ : ثنا عَنْبَسَة عَمَّنْ حَدَّثَهُ , عَنْ أَبِي صَالِح فِي قَوْله : { ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا } قَالَ : سِتَّة وَسِتُّونَ , أَوْ سَبْعَة وَسِتُّونَ , أَوْ اِثْنَانِ وَسِتُّونَ مِنْ الْحَبَشَة , كُلّهمْ صَاحِب صَوْمَعَة , عَلَيْهِمْ ثِيَاب الصُّوف . 9617 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , عَنْ سُفْيَان , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا } قَالَ : بَعَثَ النَّجَاشِيّ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسِينَ أَوْ سَبْعِينَ مِنْ خِيَارهمْ , فَجَعَلُوا يَبْكُونَ , فَقَالَ : هُمْ هَؤُلَاءِ . 9618 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا قَيْس , عَنْ سَالِم الْأَفْطَس , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا } قَالَ : هُمْ رُسُل النَّجَاشِيّ الَّذِينَ أَرْسَلَ بِإِسْلَامِهِ وَإِسْلَام قَوْمه , كَانُوا سَبْعِينَ رَجُلًا اِخْتَارَهُمْ الْخَيِّر فَالْخَيِّر . فَدَخَلُوا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ : { يس وَالْقُرْآن الْحَكِيم } فَبَكَوْا وَعَرَفُوا الْحَقّ , فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِمْ : { ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا , وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ } , وَأَنْزَلَ فِيهِمْ : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب مِنْ قَبْله هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ } إِلَى قَوْله : { يُؤْتَوْنَ أَجْرهمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا } . وَالصَّوَاب فِي ذَلِكَ مِنْ الْقَوْل عِنْدنَا أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَخْبَرَ عَنْ النَّفَر الَّذِينَ أَثْنَى عَلَيْهِمْ مِنْ النَّصَارَى بِقُرْبِ مَوَدَّتهمْ لِأَهْلِ الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَرَسُوله , أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ مِنْهُمْ لِأَنَّ مِنْهُمْ أَهْل اِجْتِهَاد فِي الْعِبَادَة وَتَرْهِيب فِي الدِّيَارَات وَالصَّوَامِع , وَأَنَّ مِنْهُمْ عُلَمَاء بِكُتُبِهِمْ . وَأَهْل تِلَاوَة لَهَا , فَهُمْ لَا يَبْعُدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لِتَوَاضُعِهِمْ لِلْحَقِّ إِذَا عَرَفُوهُ , وَلَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ قَبُوله إِذَا تَبَيَّنُوهُ لِأَنَّهُمْ أَهْل دِين وَاجْتِهَاد فِيهِ وَنَصِيحَة لِأَنْفُسِهِمْ فِي ذَات اللَّه , وَلَيْسُوا كَالْيَهُودِ الَّذِينَ قَدْ دَرِبُوا بِقَتْلِ الْأَنْبِيَاء وَالرُّسُل وَمُعَانَدَة اللَّه فِي أَمْره وَنَهْيه وَتَحْرِيف تَنْزِيله الَّذِي أَنْزَلَهُ فِي كُتُبه .
وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُول تَرَى أَعْيُنهمْ تَفِيض مِنْ الدَّمْع مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقّ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِذَا سَمِعَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى الَّذِينَ وَصَفْت لَك يَا مُحَمَّد صِفَتهمْ أَنَّك تَجِدهُمْ أَقْرَب النَّاس مَوَدَّة لِلَّذِينَ آمَنُوا , مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ الْكِتَاب يُتْلَى , { تَرَى أَعْيُنهمْ تَفِيض مِنْ الدَّمْع } وَفَيْض الْعَيْن مِنْ الدَّمْع : اِمْتِلَاؤُهَا مِنْهُ ثُمَّ سَيَلَانه مِنْهَا كَفَيْضِ النَّهْر مِنْ الْمَاء , وَفَيْض الْإِنَاء , وَذَلِكَ سَيَلَانه عَنْ شِدَّة اِمْتِلَائِهِ ; وَمِنْهُ قَوْل الْأَعْشَى : فَفَاضَتْ دُمُوعِي فَطَلُّ الشَّئُو نِ إِمَّا وَكِيفًا وَإِمَّا اِنْحِدَارَا وَقَوْله : { مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقّ } يَقُول : فَيْض دُمُوعهمْ لِمَعْرِفَتِهِمْ بِأَنَّ الَّذِي يُتْلَى عَلَيْهِمْ مِنْ كِتَاب اللَّه الَّذِي أَنْزَلَهُ إِلَى رَسُول اللَّه حَقّ . كَمَا : 9619 - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا أَسْبَاط بْن نَصْر الْهَمْدَانِيّ , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن عَبْد الرَّحْمَن السُّدِّيّ , قَالَ : بَعَثَ النَّجَاشِيّ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثْنَيْ عَشَر رَجُلًا يَسْأَلُونَهُ وَيَأْتُونَهُ بِخَبَرِهِ , فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآن فَبَكَوْا . وَكَانَ مِنْهُمْ سَبْعَة رُهْبَان وَخَمْسَة قِسِّيسُونَ , أَوْ خَمْسَة رُهْبَان وَسَبْعَة قِسِّيسُونَ , فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِمْ : { وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُول تَرَى أَعْيُنهمْ تَفِيض مِنْ الدَّمْع } إِلَى آخِر الْآيَة . 9620 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا عُمَر بْن عَلِيّ بْن مُقَدِّم , قَالَ : سَمِعْت هِشَام بْن عُرْوَة يُحَدِّث عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , قَالَ : نَزَلَتْ فِي النَّجَاشِيّ وَأَصْحَابه : { وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُول تَرَى أَعْيُنهمْ تَفِيض مِنْ الدَّمْع } . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عَبْدَة بْن سُلَيْم , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , فِي قَوْله : { تَرَى أَعْيُنهمْ تَفِيض مِنْ الدَّمْع مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقّ } قَالَ : ذَلِكَ فِي النَّجَاشِيّ . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة أُنْزِلَتْ فِي النَّجَاشِيّ : { وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُول تَرَى أَعْيُنهمْ تَفِيض مِنْ الدَّمْع } 9621 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : قَالَ اِبْن إِسْحَاق , سَأَلْت الزُّهْرِيّ عَنْ الْآيَات : { ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُول تَرَى أَعْيُنهمْ تَفِيض مِنْ الدَّمْع } الْآيَة . وَقَوْله { وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا } قَالَ : مَا زِلْت أَسْمَع عُلَمَاءَنَا يَقُولُونَ : نَزَلَتْ فِي النَّجَاشِيّ وَأَصْحَابه .
وَأَمَّا قَوْله : { يَقُولُونَ } فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ بِلَفْظِ اِسْم كَانَ نَصْبًا عَلَى الْحَال ; لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُول تَرَى أَعْيُنهمْ تَفِيض مِنْ الدَّمْع مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقّ , قَائِلِينَ رَبّنَا آمَنَّا . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْره : { يَقُولُونَ رَبّنَا آمَنَّا } أَنَّهُمْ يَقُولُونَ : يَا رَبّنَا صَدَّقْنَا لَمَّا سَمِعْنَا مَا أَنْزَلْته إِلَى نَبِيّك مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كِتَابك , وَأَقْرَرْنَا بِهِ أَنَّهُ مِنْ عِنْدك وَأَنَّهُ الْحَقّ لَا شَكّ فِيهِ .
وَأَمَّا قَوْله : { فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره فِي تَأْوِيله , مَا : 9622 - حَدَّثَنَا بِهِ هَنَّاد قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي وَابْن نُمَيْر جَمِيعًا , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : { فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } قَالَ : أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 9623 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } مَعَ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } يَعْنُونَ بِالشَّاهِدِينَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّته . * - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } قَالَ مُحَمَّد وَأُمَّته , أَنَّهُمْ شَهِدُوا أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ . وَشَهِدُوا أَنَّ الرُّسُل قَدْ بَلَّغَتْ . * - حَدَّثَنَا الرَّبِيع : قَالَ : ثنا أَسَد بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا , قَالَ : ثني إِسْرَائِيل , عَنْ سِمَاك عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْل حَدِيث الْحَارِث بْن عَبْد الْعَزِيز , غَيْر أَنَّهُ قَالَ : وَشَهِدُوا لِلرُّسُلِ أَنَّهُمْ قَدْ بَلَّغُوا . فَكَأَنَّ مُتَنَاوِل هَذَا التَّأْوِيل قَصَدَ بِتَأْوِيلِهِ هَذَا إِلَى مَعْنَى قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس وَيَكُون الرَّسُول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } فَذَهَبَ اِبْن عَبَّاس إِلَى الشَّاهِدِينَ هُمْ الشُّهَدَاء فِي قَوْله : { لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس } وَهُمْ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَإِذَا كَانَ التَّأْوِيل ذَلِكَ , كَانَ مَعْنَى الْكَلَام : يَقُولُونَ رَبّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ لِأَنْبِيَائِك يَوْم الْقِيَامَة أَنَّهُمْ قَدْ بَلَّغُوا أُمَمهمْ رِسَالَاتك . وَلَوْ قَالَ قَائِل : مَعْنَى ذَلِكَ : فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ مَا أَنْزَلْته إِلَى رَسُولك مِنْ الْكُتُب حَقّ , كَانَ صَوَابًا ; لِأَنَّ ذَلِكَ خَاتِمَة قَوْله : { وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُول تَرَى أَعْيُنهمْ تَفِيض مِنْ الدَّمْع مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقّ يَقُولُونَ رَبّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } وَذَلِكَ صِفَة مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لَهُمْ بِإِيمَانِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا مِنْ كِتَاب اللَّه , فَتَكُون مَسْأَلَتهمْ أَيْضًا اللَّه أَنْ يَجْعَلهُمْ مِمَّنْ صَحَّتْ عِنْده شَهَادَتهمْ بِذَلِكَ , وَيُلْحِقهُمْ فِي الثَّوَاب وَالْجَزَاء مَنَازِلهمْ . وَمَعْنَى الْكِتَاب فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْجَعْل , يَقُول : فَاجْعَلْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ , وَأَثْبِتْنَا مَعَهُمْ فِي عِدَادهمْ .
وَأَمَّا قَوْله : { يَقُولُونَ } فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ بِلَفْظِ اِسْم كَانَ نَصْبًا عَلَى الْحَال ; لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُول تَرَى أَعْيُنهمْ تَفِيض مِنْ الدَّمْع مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقّ , قَائِلِينَ رَبّنَا آمَنَّا . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْره : { يَقُولُونَ رَبّنَا آمَنَّا } أَنَّهُمْ يَقُولُونَ : يَا رَبّنَا صَدَّقْنَا لَمَّا سَمِعْنَا مَا أَنْزَلْته إِلَى نَبِيّك مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كِتَابك , وَأَقْرَرْنَا بِهِ أَنَّهُ مِنْ عِنْدك وَأَنَّهُ الْحَقّ لَا شَكّ فِيهِ .
وَأَمَّا قَوْله : { فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره فِي تَأْوِيله , مَا : 9622 - حَدَّثَنَا بِهِ هَنَّاد قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي وَابْن نُمَيْر جَمِيعًا , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : { فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } قَالَ : أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 9623 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } مَعَ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } يَعْنُونَ بِالشَّاهِدِينَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّته . * - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } قَالَ مُحَمَّد وَأُمَّته , أَنَّهُمْ شَهِدُوا أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ . وَشَهِدُوا أَنَّ الرُّسُل قَدْ بَلَّغَتْ . * - حَدَّثَنَا الرَّبِيع : قَالَ : ثنا أَسَد بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا , قَالَ : ثني إِسْرَائِيل , عَنْ سِمَاك عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْل حَدِيث الْحَارِث بْن عَبْد الْعَزِيز , غَيْر أَنَّهُ قَالَ : وَشَهِدُوا لِلرُّسُلِ أَنَّهُمْ قَدْ بَلَّغُوا . فَكَأَنَّ مُتَنَاوِل هَذَا التَّأْوِيل قَصَدَ بِتَأْوِيلِهِ هَذَا إِلَى مَعْنَى قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس وَيَكُون الرَّسُول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } فَذَهَبَ اِبْن عَبَّاس إِلَى الشَّاهِدِينَ هُمْ الشُّهَدَاء فِي قَوْله : { لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس } وَهُمْ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَإِذَا كَانَ التَّأْوِيل ذَلِكَ , كَانَ مَعْنَى الْكَلَام : يَقُولُونَ رَبّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ لِأَنْبِيَائِك يَوْم الْقِيَامَة أَنَّهُمْ قَدْ بَلَّغُوا أُمَمهمْ رِسَالَاتك . وَلَوْ قَالَ قَائِل : مَعْنَى ذَلِكَ : فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ مَا أَنْزَلْته إِلَى رَسُولك مِنْ الْكُتُب حَقّ , كَانَ صَوَابًا ; لِأَنَّ ذَلِكَ خَاتِمَة قَوْله : { وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُول تَرَى أَعْيُنهمْ تَفِيض مِنْ الدَّمْع مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقّ يَقُولُونَ رَبّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } وَذَلِكَ صِفَة مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لَهُمْ بِإِيمَانِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا مِنْ كِتَاب اللَّه , فَتَكُون مَسْأَلَتهمْ أَيْضًا اللَّه أَنْ يَجْعَلهُمْ مِمَّنْ صَحَّتْ عِنْده شَهَادَتهمْ بِذَلِكَ , وَيُلْحِقهُمْ فِي الثَّوَاب وَالْجَزَاء مَنَازِلهمْ . وَمَعْنَى الْكِتَاب فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْجَعْل , يَقُول : فَاجْعَلْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ , وَأَثْبِتْنَا مَعَهُمْ فِي عِدَادهمْ .
وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنْ الْحَقّ وَنَطْمَع أَنْ يُدْخِلنَا رَبّنَا مَعَ الْقَوْم الصَّالِحِينَ } وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتهمْ فِي هَذِهِ الْآيَات , أَنَّهُمْ إِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى رَسُوله مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كِتَابه , آمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوا كِتَاب اللَّه , وَقَالُوا : مَا لَنَا لَا نُؤْمِن بِاَللَّهِ ؟ يَقُول : لَا نُقِرّ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّه { وَمَا جَاءَنَا مِنْ الْحَقّ } يَقُول : وَمَا جَاءَنَا مِنْ عِنْد اللَّه مِنْ كِتَابه وَآي تَنْزِيله , وَنَحْنُ نَطْمَع بِإِيمَانِنَا بِذَلِكَ { أَنْ يُدْخِلنَا رَبّنَا مَعَ الْقَوْم الصَّالِحِينَ } يَعْنِي بِالْقَوْمِ الصَّالِحِينَ : الْمُؤْمِنِينَ بِاَللَّهِ الْمُطِيعِينَ لَهُ , الَّذِينَ اِسْتَحَقُّوا مِنْ اللَّه الْجَنَّة بِطَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ . وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ : وَنَحْنُ نَطْمَع أَنْ يُدْخِلنَا رَبّنَا مَعَ أَهْل طَاعَته مَدَاخِلهمْ مِنْ جَنَّته يَوْم الْقِيَامَة , وَيُلْحِق مَنَازِلنَا بِمَنَازِلِهِمْ وَدَرَجَاتنَا بِدَرَجَاتِهِمْ فِي جَنَّاته . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9624 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِن بِاَللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنْ الْحَقّ وَنَطْمَع أَنْ يُدْخِلنَا رَبّنَا مَعَ الْقَوْم الصَّالِحِينَ } قَالَ : " الْقَوْم الصَّالِحُونَ " : رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه .
فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ ↑
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَثَابَهُمْ اللَّه بِمَا قَالُوا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَجَزَاهُمْ اللَّه بِقَوْلِهِمْ : رَبّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ , وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِن بِاَللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنْ الْحَقّ , وَنَطْمَع أَنْ يُدْخِلنَا رَبّنَا مَعَ الْقَوْم الصَّالِحِينَ
يَعْنِي : بَسَاتِين تَجْرِي مِنْ تَحْت أَشْجَارهَا الْأَنْهَار
يَقُول : دَائِمًا فِيهَا مُكْثهمْ , لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا وَلَا يُحَوَّلُونَ عَنْهَا .
يَقُول : وَهَذَا الَّذِي جَزَيْت هَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ بِمَا وَصَفْت عَنْهُمْ مِنْ قِيلهمْ عَلَى مَا قَالُوا مِنْ الْجَنَّات الَّتِي هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ , جَزَاء كُلّ مُحْسِن فِي قِيله وَفِعْله . وَإِحْسَان الْمُحْسِن فِي ذَلِكَ أَنْ يُوَحِّد اللَّه تَوْحِيدًا خَالِصًا مَحْضًا لَا شِرْك فِيهِ , وَيُقِرّ بِأَنْبِيَاءِ اللَّه وَمَا جَاءَتْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه مِنْ الْكُتُب , وَيُؤَدِّي فَرَائِضه , وَيَجْتَنِب مَعَاصِيه , فَذَلِكَ كَمَال إِحْسَان الْمُحْسِنِينَ الَّذِينَ قَالَ اللَّه تَعَالَى : { جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار خَالِدِينَ فِيهَا }
يَعْنِي : بَسَاتِين تَجْرِي مِنْ تَحْت أَشْجَارهَا الْأَنْهَار
يَقُول : دَائِمًا فِيهَا مُكْثهمْ , لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا وَلَا يُحَوَّلُونَ عَنْهَا .
يَقُول : وَهَذَا الَّذِي جَزَيْت هَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ بِمَا وَصَفْت عَنْهُمْ مِنْ قِيلهمْ عَلَى مَا قَالُوا مِنْ الْجَنَّات الَّتِي هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ , جَزَاء كُلّ مُحْسِن فِي قِيله وَفِعْله . وَإِحْسَان الْمُحْسِن فِي ذَلِكَ أَنْ يُوَحِّد اللَّه تَوْحِيدًا خَالِصًا مَحْضًا لَا شِرْك فِيهِ , وَيُقِرّ بِأَنْبِيَاءِ اللَّه وَمَا جَاءَتْ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه مِنْ الْكُتُب , وَيُؤَدِّي فَرَائِضه , وَيَجْتَنِب مَعَاصِيه , فَذَلِكَ كَمَال إِحْسَان الْمُحْسِنِينَ الَّذِينَ قَالَ اللَّه تَعَالَى : { جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار خَالِدِينَ فِيهَا }
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَاب الْجَحِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَمَّا الَّذِينَ جَحَدُوا تَوْحِيد اللَّه , وَأَنْكَرُوا نُبُوَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَذَّبُوا بِآيَاتِ كِتَابه , فَإِنَّ أُولَئِكَ أَصْحَاب الْجَحِيم , يَقُول : هُمْ سُكَّانهَا وَاللَّابِثُونَ فِيهَا . وَالْجَحِيم : مَا اِشْتَدَّ مِنْ النَّار , وَهُوَ الْجَاحِم وَالْجَحِيم .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَا أَيّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّه وَرَسُوله , وَأَقَرُّوا بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ نَبِيّهمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ حَقّ مِنْ عِنْد اللَّه { لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ } يَعْنِي بِالطَّيِّبَاتِ : اللَّذِيذَات الَّتِي تَشْتَهِيهَا النُّفُوس وَتَمِيل إِلَيْهَا الْقُلُوب , فَتَمْنَعُوهَا إِيَّاهَا , كَاَلَّذِي فَعَلَهُ الْقِسِّيسُونَ وَالرُّهْبَان , فَحَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسهمْ النِّسَاء وَالْمَطَاعِم الطَّيِّبَة وَالْمَشَارِب اللَّذِيذَة , وَحَبَسَ فِي الصَّوَامِع بَعْضهمْ أَنْفُسهمْ , وَسَاحَ فِي الْأَرْض بَعْضهمْ . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَلَا تَفْعَلُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ كَمَا فَعَلَ أُولَئِكَ , وَلَا تَعْتَدُوا حَدّ اللَّه الَّذِي حَدَّ لَكُمْ فِيمَا أَحَلَّ لَكُمْ وَفِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ فَتُجَاوِزُوا حَدّه الَّذِي حَدّه , فَتُخَالِفُوا بِذَلِكَ طَاعَته , فَإِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ مَنْ اِعْتَدَى حَدّه الَّذِي حَدّه لِخَلْقِهِ فِيمَا أَحَلَّ لَهُمْ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9625 - حَدَّثَنِي أَبُو حُصَيْن عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن يُونُس , قَالَ : ثنا عَبْثَر أَبُو زُبَيْد , قَالَ : ثنا حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك فِي هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ } الْآيَة , قَالَ : عُثْمَان بْن مَظْعُون وَأُنَاس مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ النِّسَاء , وَامْتَنَعُوا مِنْ الطَّعَام الطَّيِّب , وَأَرَادَ بَعْضهمْ أَنْ يَقْطَع ذَكَرَهُ , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة . 9626 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثني خَالِد الْحَذَّاء , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : كَانَ أُنَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمُّوا بِالْخِصَاءِ وَتَرْك اللَّحْم وَالنِّسَاء , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّه لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } . 9627 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ خَالِد , عَنْ عِكْرِمَة : أَنَّ رِجَالًا أَرَادُوا كَذَا وَكَذَا , وَأَرَادُوا كَذَا وَكَذَا , وَأَنْ يَخْتَصُوا , فَنَزَلَتْ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ } إِلَى قَوْله : { الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ } . 9628 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ } قَالَ : كَانُوا حَرَّمُوا الطِّيب وَاللَّحْم , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى هَذَا فِيهِمْ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ , قَالَ : ثنا خَالِد , عَنْ عِكْرِمَة : أَنَّ أُنَاسًا قَالُوا : لَا نَتَزَوَّج , وَلَا نَأْكُل , وَلَا نَفْعَل كَذَا وَكَذَا . فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّه لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } . 9629 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ أَيُّوب , عَنْ أَبِي قِلَابَة قَالَ : أَرَادَ أُنَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْفُضُوا الدُّنْيَا وَيَتْرُكُوا النِّسَاء وَيَتَرَهَّبُوا , فَقَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَلَّظَ فِيهِمْ الْمَقَالَة , ثُمَّ قَالَ : " إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ بِالتَّشْدِيدِ , شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسهمْ فَشَدَّدَ اللَّه عَلَيْهِمْ , فَأُولَئِكَ بَقَايَاهُمْ فِي الدِّيَار وَالصَّوَامِع , اُعْبُدُوا اللَّه وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا , وَحُجُّوا وَاعْتَمِرُوا , وَاسْتَقِيمُوا يَسْتَقِمْ لَكُمْ ! " . قَالَ : وَنَزَلَتْ فِيهِمْ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ } الْآيَة . 9630 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي أُنَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَرَادُوا أَنْ يَتَخَلَّوْا مِنْ اللِّبَاس وَيَتْرُكُوا النِّسَاء وَيَتَزَهَّدُوا , مِنْهُمْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَعُثْمَان بْن مَظْعُون . 9631 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ زِيَاد بْن فَيَّاض , عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا آمُركُمْ أَنْ تَكُونُوا قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا " . 9632 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا جَامِع بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ } الْآيَة ; ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَضُوا النِّسَاء وَاللَّحْم وَأَرَادُوا أَنْ يَتَّخِذُوا الصَّوَامِع ; فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : " لَيْسَ فِي دِينِي تَرْك النِّسَاء وَاللَّحْم , وَلَا اِتِّخَاذ الصَّوَامِع " . وَخُبِّرْنَا أَنَّ ثَلَاثَة نَفَر عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِتَّفَقُوا , فَقَالَ أَحَدهمْ : أَمَّا أَنَا فَأَقُوم اللَّيْل لَا أَنَام , وَقَالَ أَحَدهمْ : أَمَّا أَنَا فَأَصُوم النَّهَار فَلَا أُفْطِر , وَقَالَ الْآخَر : أَمَّا أَنَا فَلَا آتِي النِّسَاء . فَبَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ , فَقَالَ : " أَلَمْ أُنَبَّأ أَنَّكُمْ اتَّفَقْتُمْ عَلَى كَذَا ؟ " قَالُوا : بَلَى يَا رَسُول اللَّه , وَمَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْر . قَالَ : " لَكِنِّي أَقُوم وَأَنَام وَأَصُوم وَأُفْطِر وَآتِي النِّسَاء , فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي " . وَكَانَ فِي بَعْض الْقِرَاءَة : " مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتك فَلَيْسَ مِنْ أُمَّتك وَقَدْ ضَلَّ عَنْ سَوَاء السَّبِيل " . وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عِلِّيّه وَسَلَّمَ قَالَ لِأُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابه : " إِنَّ مَنْ قَبْلكُمْ شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسهمْ فَشَدَّدَ اللَّه عَلَيْهِمْ , فَهَؤُلَاءِ إِخْوَانهمْ فِي الدُّور وَالصَّوَامِع , اُعْبُدُوا اللَّه وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا , وَأَقِيمُوا الصَّلَاة , وَآتُوا الزَّكَاة , وَصُومُوا رَمَضَان , وَحُجُّوا وَاعْتَمِرُوا , وَاسْتَقِيمُوا يَسْتَقِمْ لَكُمْ " . 9633 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ } وَذَلِكَ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ يَوْمًا , فَذَكَّرَ النَّاس , ثُمَّ قَامَ وَلَمْ يَزِدْهُمْ عَلَى التَّخْوِيف , فَقَالَ أُنَاس مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا عَشَرَة , مِنْهُمْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب , وَعُثْمَان بْن مَظْعُون : مَا حَقّنَا إِنْ لَمْ نُحْدِث عَمَلًا ! فَإِنَّ النَّصَارَى قَدْ حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسهمْ , فَنَحْنُ نُحَرِّم . فَحَرَّمَ بَعْضهمْ أَكْلَ اللَّحْم وَالْوَدَك وَأَنْ يَأْكُل بِالنَّهَارِ , وَحَرَّمَ بَعْضهمْ النَّوْم , وَحَرَّمَ بَعْضهمْ النِّسَاء , فَكَانَ عُثْمَان بْن مَظْعُون مِمَّنْ حَرَّمَ النِّسَاء , وَكَانَ لَا يَدْنُو مِنْ أَهْله وَلَا يَدْنُونَ مِنْهُ , فَأَتَتْ اِمْرَأَته عَائِشَة وَكَانَ يُقَال لَهَا : الْحَوْلَاء , فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَة وَمَنْ عِنْدهَا مِنْ نِسَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا بَالك يَا حَوْلَاء مُتَغَيِّرَة اللَّوْن , لَا تَمْتَشِطِينَ وَلَا تَطَّيَّبِينَ ؟ فَقَالَتْ : وَكَيْفَ أَتَطَيَّب وَأَمْتَشِط وَمَا وَقَعَ عَلَيَّ زَوْجِي وَلَا رَفَعَ عَنِّي ثَوْبًا مُنْذُ كَذَا وَكَذَا ! فَجَعَلْنَ يَضْحَكْنَ مِنْ كَلَامهَا , فَدَخَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ يَضْحَكْنَ , فَقَالَ : وَمَا يُضْحِككُنَّ ؟ " قَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه , الْحَوْلَاء سَأَلْتهَا عَنْ أَمْرهَا , فَقَالَتْ : مَا رَفَعَ عَنِّي زَوْجِي ثَوْبًا مُنْذُ كَذَا وَكَذَا . فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَدَعَاهُ , فَقَالَ : " مَا بَالك يَا عُثْمَان ؟ قَالَ : إِنِّي تَرَكْته لِلَّهِ لِكَيْ أَتَخَلَّى لِلْعِبَادَةِ . وَقَصَّ عَلَيْهِ أَمْره , وَكَانَ عُثْمَان قَدْ أَرَادَ أَنْ يَجُبّ نَفْسه , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَقْسَمْت عَلَيْك إِلَّا رَجَعْت فَوَاقَعْت أَهْلك ! " فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه إِنِّي صَائِم . قَالَ : " أَفْطِرْ ! " فَأَفْطَرَ وَأَتَى أَهْله . فَرَجَعَتْ الْحَوْلَاء إِلَى عَائِشَة قَدْ اِكْتَحَلَتْ وَامْتَشَطَتْ وَتَطَيَّبَتْ . فَضَحِكَتْ عَائِشَة فَقَالَتْ : مَا بَالك يَا حَوْلَاء ؟ فَقَالَتْ : إِنَّهُ أَتَاهَا أَمْس . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَا بَال أَقْوَام حَرَّمُوا النِّسَاء وَالطَّعَام وَالنَّوْم ؟ أَلَا إِنِّي أَنَام وَأَقُوم وَأُفْطِر وَأَصُوم وَأَنْكِح النِّسَاء , فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي " . فَنَزَلَتْ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا } يَقُول لِعُثْمَان : لَا تَجُبّ نَفْسك , فَإِنَّ هَذَا هُوَ الِاعْتِدَاء وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُكَفِّرُوا أَيْمَانهمْ , فَقَالَ : { لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان } 9634 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ } قَالَهُ : هُمْ رَهْط مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا : نَقْطَع مَذَاكِيرنَا , وَنَتْرُك شَهَوَات الدُّنْيَا . وَنَسِيح فِي الْأَرْض كَمَا تَفْعَل الرُّهْبَان . فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُمْ . فَقَالُوا : نَعَمْ , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَكِنِّي أَصُوم وَأُفْطِر وَأُصَلِّي وَأَنَام وَأَنْكِح النِّسَاء , فَمَنْ أَخَذَ بِسُنَّتِي فَهُوَ مِنِّي , وَمَنْ لَمْ يَأْخُذ بِسُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي " . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ } وَذَلِكَ أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ عُثْمَان بْن مَظْعُون حَرَّمُوا النِّسَاء وَاللَّحْم عَلَى أَنْفُسهمْ , وَأَخَذُوا الشِّفَار لِيَقْطَعُوا مَذَاكِيرهمْ لِكَيْ تَنْقَطِع الشَّهْوَة وَيَتَفَرَّغُوا لِعِبَادَةِ رَبّهمْ . فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : " مَا أَرَدْتُمْ ؟ " فَقَالُوا : أَرَدْنَا أَنْ تَنْقَطِع الشَّهْوَة عَنَّا وَنَتَفَرَّغ لِعِبَادَةِ رَبّنَا وَنَلْهُو عَنْ النِّسَاء . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَمْ أُومَرْ بِذَلِكَ , وَلَكِنِّي أُمِرْت فِي دِينِي أَنْ أَتَزَوَّج النِّسَاء " . فَقَالُوا : نُطِيع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَأَنْزَلَ اللَّه : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ , وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ } إِلَى قَوْله : { الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ } 9635 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : أَرَادَ رِجَال مِنْهُمْ عُثْمَان بْن مَظْعُون وَعَبْد اللَّه بْن عَمْرو أَنْ يَتَبَتَّلُوا وَيَخْصُوا أَنْفُسهمْ , وَيَلْبَسُوا الْمُسُوح , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة إِلَى قَوْله : { وَاتَّقُوا اللَّه الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ } قَالَ اِبْن جُرَيْج عَنْ عِكْرِمَة : إِنَّ عُثْمَان بْن مَظْعُون , وَعَلِيّ بْن أَبِي طَالِب , وَابْن مَسْعُود , وَالْمِقْدَاد بْن الْأَسْوَد , وَسَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَة فِي أَصْحَاب تَبَتَّلُوا , فَجَلَسُوا فِي الْبُيُوت وَاعْتَزَلُوا النِّسَاء وَلَبِسُوا الْمُسُوح وَحَرَّمُوا طَيِّبَات الطَّعَام وَاللِّبَاس , إِلَّا مَا أَكَلَ وَلَبِسَ أَهْل السِّيَاحَة مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , وَهَمُّوا بِالِاخْتِصَاءِ , وَأَجْمَعُوا لِقِيَامِ اللَّيْل وَصِيَام النَّهَار , فَنَزَلَتْ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ } يَقُول . لَا تَسْتَنُّوا بِغَيْرِ سُنَّة الْمُسْلِمِينَ , يُرِيد مَا حَرَّمُوا مِنْ النِّسَاء وَالطَّعَام وَاللِّبَاس , وَمَا أَجْمَعُوا لَهُ مِنْ صِيَام النَّهَار وَقِيَام اللَّيْل , وَمَا هَمُّوا لَهُ مِنْ الْإِخْصَاء . فَلَمَّا نَزَلَتْ فِيهِمْ بَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُول اللَّه , فَقَالَ : " إِنَّ لِأَنْفُسِكُمْ حَقًّا , وَإِنَّ لِأَعْيُنِكُمْ حَقًّا , صُومُوا وَأَفْطِرُوا وَصَلُّوا وَنَامُوا ! فَلَيْسَ مِنَّا مَنْ تَرَكَ سُنَّتنَا " . فَقَالُوا : اللَّهُمَّ أَسْلَمْنَا وَاتَّبَعْنَا مَا أَنْزَلْت 9636 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , عَنْ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ } قَالَ : قَالَ أُبَيّ : ضَافَ عَبْدَ اللَّه بْن رَوَاحَة ضَيْفٌ , فَانْقَلَبَ اِبْن رَوَاحَة وَلَمْ يَتَعَشَّ , فَقَالَ لِأَهْلِهِ : مَا عَشَّيْتِهِ ؟ فَقَالَتْ : كَانَ الطَّعَام قَلِيلًا فَانْتَظَرْت أَنْ تَأْتِي . قَالَ : فَحَبَسْت ضَيْفِي مِنْ أَجْلِي ؟ فَطَعَامك عَلَيَّ حَرَام إِنْ ذُقْته ! قَالَتْ هِيَ . وَهُوَ عَلَيَّ حَرَام إِنْ ذُقْته إِنْ لَمْ تَذُقْهُ ! وَقَالَ الضَّيْف : هُوَ عَلَيَّ حَرَام إِنْ ذُقْته إِنْ لَمْ تَذُوقُوهُ ! فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ , قَالَ اِبْن رَوَاحَة : قَرِّبِي طَعَامك , كُلُوا بِسْمِ اللَّه ! وَغَدَا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَخْبَرَهُ , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَدْ أَحْسَنْت ! " فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ } وَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي إِيمَانكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان } إِذَا قُلْت : وَاَللَّه لَا أَذُوقهُ , فَذَلِكَ الْعَقْد . 9637 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , إِنِّي إِذَا أَصَبْت مِنْ اللَّحْم اِنْتَشَرْت وَأَخَذَتْنِي شَهْوَتِي , فَحَرَّمْت اللَّحْم . فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ } 9638 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا خَالِد الْحَذَّاء , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : هَمَّ أُنَاس مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَرْكِ النِّسَاء وَالْخِصَاء , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ } الْآيَة . وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الِاعْتِدَاء الَّذِي قَالَ تَعَالَى ذِكْره : { وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ } فَقَالَ بَعْضهمْ : الِاعْتِدَاء الَّذِي نَهَى اللَّه عَنْهُ فِي هَذَا الْمَوْضِع هُوَ مَا كَانَ عُثْمَان بْن مَظْعُون هَمَّ بِهِ مِنْ جَبّ نَفْسه , فَنُهِيَ عَنْ ذَلِكَ , وَقِيلَ لَهُ : هَذَا هُوَ الِاعْتِدَاء . وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ السُّدِّيّ . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثني أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْهُ بِهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ هُوَ مَا كَانَ الْجَمَاعَة مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمُّوا بِهِ مِنْ تَحْرِيم النِّسَاء وَالطَّعَام وَاللِّبَاس وَالنَّوْم , فَنُهُوا أَنْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ وَأَنْ يَسْتَنُّوا بِغَيْرِ سُنَّة نَبِيّهمْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ عِكْرِمَة . 9639 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْهُ وَقَالَ بَعْضهمْ : بَلْ ذَلِكَ نَهْي مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَنْ يُتَجَاوَز الْحَلَال إِلَى الْحَرَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9640 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ عَاصِم , عَنْ الْحَسَن : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا } قَالَ : لَا تَعْتَدُوا إِلَى مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ . وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَعْنَى الِاعْتِدَاء : تَجَاوُز الْمَرْء مَا لَهُ إِلَى مَا لَيْسَ لَهُ فِي كُلّ شَيْء , فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره قَدْ عَمَّ بِقَوْلِهِ : { لَا تَعْتَدُوا } النَّهْي عَنْ الْعُدْوَان كُلّه , كَانَ الْوَاجِب أَنْ يَكُون مَحْكُومًا لِمَا عَمَّهُ بِالْعُمُومِ حَتَّى يَخُصّهُ مَا يَجِب التَّسْلِيم لَهُ . وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَدَّى حَدَّ اللَّه تَعَالَى فِي شَيْء مِنْ الْأَشْيَاء مِمَّا أَحَلَّ أَوْ حَرَّمَ , فَمَنْ تَعَدَّاهُ فَهُوَ دَاخِل فِي جُمْلَة مَنْ قَالَ تَعَالَى ذِكْره : { إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ } وَغَيْر مُسْتَحِيل أَنْ تَكُون الْآيَة نَزَلَتْ فِي أَمْر عُثْمَان بْن مَظْعُون وَالرَّهْط الَّذِينَ هَمُّوا مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا هَمُّوا بِهِ مِنْ تَحْرِيم بَعْض مَا أَحَلَّ اللَّه لَهُمْ عَلَى أَنْفُسهمْ , وَيَكُون مُرَادًا بِحُكْمِهَا كُلّ مَنْ كَانَ فِي مِثْل مَعْنَاهُمْ مِمَّنْ حَرَّمَ عَلَى نَفْسه مَا أَحَلَّ اللَّه لَهُ أَوْ أَحَلَّ مَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِ أَوْ تَجَاوَزَ حَدًّا حَدَّهُ اللَّه لَهُ , وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ هَمُّوا بِمَا هَمُّوا بِهِ مِنْ تَحْرِيم بَعْض مَا أُحِلَّ لَهُمْ عَلَى أَنْفُسهمْ إِنَّمَا عُوتِبُوا عَلَى مَا هَمُّوا بِهِ مِنْ تَجَاوُزهمْ مَا سُنَّ لَهُمْ وَحُدَّ إِلَى غَيْره .
وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّبًا وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّه حَلَالًا طَيِّبًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِهَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ نَهَاهُمْ أَنْ يُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَهُمْ : كُلُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ رِزْق اللَّه الَّذِي رَزَقَكُمْ وَأَحَلَّهُ لَكُمْ حَلَالًا طَيِّبًا . كَمَا : 9641 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة : { وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّه حَلَالًا طَيِّبًا } يَعْنِي : مَا أَحَلَّ اللَّه لَهُمْ مِنْ الطَّعَام .
وَأَمَّا قَوْله : { وَاتَّقُوا اللَّه } فَإِنَّهُ يَقُول : وَخَافُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْ تَعْتَدُوا فِي حُدُوده , فَتُحِلُّوا مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ وَتُحَرِّمُوا مَا أَحَلَّ لَكُمْ , وَاحْذَرُوهُ فِي ذَلِكَ أَنْ تُخَالِفُوهُ فَيُنْزِل بِكُمْ سَخَطه , أَوْ تَسْتَوْجِبُوا بِهِ عُقُوبَته .
يَقُول : الَّذِي أَنْتُمْ بِوَحْدَانِيِّهِ مُقِرُّونَ وَبِرُبُوبِيَّتِهِ مُصَدِّقُونَ .
وَأَمَّا قَوْله : { وَاتَّقُوا اللَّه } فَإِنَّهُ يَقُول : وَخَافُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْ تَعْتَدُوا فِي حُدُوده , فَتُحِلُّوا مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ وَتُحَرِّمُوا مَا أَحَلَّ لَكُمْ , وَاحْذَرُوهُ فِي ذَلِكَ أَنْ تُخَالِفُوهُ فَيُنْزِل بِكُمْ سَخَطه , أَوْ تَسْتَوْجِبُوا بِهِ عُقُوبَته .
يَقُول : الَّذِي أَنْتُمْ بِوَحْدَانِيِّهِ مُقِرُّونَ وَبِرُبُوبِيَّتِهِ مُصَدِّقُونَ .
لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلَّذِينَ كَانُوا حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسهمْ الطَّيِّبَات مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانُوا حَرَّمُوا ذَلِكَ بِأَيْمَانٍ حَلَفُوا بِهَا , فَنَهَاهُمْ عَنْ تَحْرِيمهَا , وَقَالَ لَهُمْ : لَا يُؤَاخِذكُمْ رَبّكُمْ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ . كَمَا : 9642 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ } فِي الْقَوْم الَّذِينَ كَانُوا حَرَّمُوا النِّسَاء وَاللَّحْم عَلَى أَنْفُسهمْ , قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , كَيْفَ نَصْنَع بِأَيْمَانِنَا الَّتِي حَلَفْنَا عَلَيْهَا ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ } الْآيَة . فَهَذَا يَدُلّ عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ الْقَوْم كَانُوا حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسهمْ بِأَيْمَانٍ حَلَفُوا بِهَا , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة بِسَبَبِهِمْ .
وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز وَبَعْض الْبَصْرِيِّينَ : { وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان } بِتَشْدِيدِ الْقَاف , بِمَعْنَى : وَكَّدْتُمْ الْأَيْمَان وَرَدَّدْتُمُوهَا ; وَقُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : " بِمَا عَقَدْتُمْ الْأَيْمَان " بِتَخْفِيفِ الْقَاف , بِمَعْنَى : أَوْجَبْتُمُوهَا عَلَى أَنْفُسكُمْ , وَعَزَمَتْ عَلَيْهَا قُلُوبكُمْ . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ بِتَخْفِيفِ الْقَاف , وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَب لَا تَكَاد تَسْتَعْمِل فَعَّلْت فِي الْكَلَام , إِلَّا فِيمَا يَكُون فِيهِ تَرَدُّد مَرَّة بَعْد مَرَّة , مِثْل قَوْلهمْ : شَدَّدْت عَلَى فُلَان فِي كَذَا إِذَا كَرَّرَ عَلَيْهِ الشَّدّ مَرَّة بَعْد أُخْرَى , فَإِذَا أَرَادُوا الْخَبَر عَنْ فِعْل مَرَّة وَاحِدَة قِيلَ : شَدَدْت عَلَيْهِ بِالتَّخْفِيفِ . وَقَدْ أَجْمَعَ الْجَمِيع لَا خِلَاف بَيْنهمْ أَنَّ الْيَمِين الَّتِي تَجِب بِالْحِنْثِ فِيهَا الْكَفَّارَة تَلْزَم بِالْحِنْثِ فِي حَلِف مَرَّة وَاحِدَة وَإِنْ لَمْ يُكَرِّرهَا الْحَالِف مَرَّات , وَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ اللَّه مُؤَاخِذ الْحَالِف الْعَاقِد قَلْبه عَلَى حَلِفه وَإِنْ لَمْ يُكَرِّرهُ وَلَمْ يُرَدِّدهُ ; وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِتَشْدِيدِ الْقَاف مِنْ عَقَّدْتُمْ وَجْه مَفْهُوم . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَن : لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ أَيْمَانكُمْ بِمَا لَغَوْتُمْ فِيهِ , وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ بِمَا أَوْجَبْتُمُوهُ عَلَى أَنْفُسكُمْ مِنْهَا وَعَقَدَتْ عَلَيْهِ قُلُوبكُمْ . وَقَدْ بَيَّنَّا الْيَمِين الَّتِي هِيَ لَغْو وَاَلَّتِي اللَّه مُؤَاخِذ الْعَبْد بِهَا , وَاَلَّتِي فِيهَا الْحِنْث وَاَلَّتِي لَا حِنْث فِيهَا , فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا فَكَرِهْنَا إِعَادَة ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِع .
وَأَمَّا قَوْله : { بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان } فَإِنَّ هَنَّادًا : 9643 - حَدَّثَنَا قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان } قَالَ : بِمَا تَعَمَّدْتُمْ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 9644 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن : { وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان } يَقُول : مَا تَعَمَّدْت فِيهِ الْمَأْثَم , فَعَلَيْك فِيهِ الْكَفَّارَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى . { فَكَفَّارَته إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْهَاء الَّتِي فِي قَوْله : { فَكَفَّارَته } عَلَى مَا هِيَ عَائِدَة , وَمَنْ ذَكَرَ مَا ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ عَائِدَة عَلَى " مَا " الَّتِي فِي قَوْله : { بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان } ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9645 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ عَوْف , عَنْ الْحَسَن فِي هَذِهِ الْآيَة : { لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ } قَالَ : هُوَ أَنْ تَحْلِف عَلَى الشَّيْء وَأَنْتَ يُخَيَّل إِلَيْك أَنَّهُ كَمَا حَلَفْت وَلَيْسَ كَذَلِكَ , فَلَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه , فَلَا كَفَّارَة , وَلَكِنَّ الْمُؤَاخَذَة وَالْكَفَّارَة فِيمَا حَلَفْت عَلَيْهِ عَلَى عِلْم . 9646 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : اللَّغْو لَيْسَ فِيهِ كَفَّارَة { وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان } قَالَ : مَا عَقَّدَ فِيهِ يَمِينه فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَة . 9647 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك , قَالَ : الْأَيْمَان ثَلَاث : يَمِين تُكَفَّر , وَيَمِين لَا تُكَفَّر , وَيَمِين لَا يُؤَاخَذ بِهَا صَاحِبهَا . فَأَمَّا الْيَمِين الَّتِي تُكَفَّر , فَالرَّجُل يَحْلِف عَلَى الْأَمْر لَا يَفْعَلهُ ثُمَّ يَفْعَلهُ , فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَة . وَأَمَّا الْيَمِين الَّتِي لَا تُكَفَّر : فَالرَّجُل يَحْلِف عَلَى الْأَمْر يَتَعَمَّد فِيهِ الْكَذِب , فَلَيْسَ فِيهِ كَفَّارَة . وَأَمَّا الْيَمِين الَّتِي لَا يُؤَاخَذ بِهَا صَاحِبهَا : فَالرَّجُل يَحْلِف عَلَى الْأَمْر يَرَى أَنَّهُ كَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَلَا يَكُون كَذَلِكَ , فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ كَفَّارَة , وَهُوَ اللَّغْو . 9648 - حَدَّثَنَا يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن أَبِي لَيْلَى , عَنْ عَطَاء , قَالَ : قَالَتْ عَائِشَة : لَغْو الْيَمِين مَا لَمْ يَعْقِد عَلَيْهِ الْحَالِف قَلْبه . 9649 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا هِشَام , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : لَيْسَ فِي لَغْو الْيَمِين كَفَّارَة . 9650 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُس , عَنْ اِبْن شِهَاب , أَنَّ عُرْوَة حَدَّثَهُ أَنَّ عَائِشَة قَالَتْ : أَيْمَان الْكَفَّارَة كُلّ يَمِين حَلَفَ فِيهَا الرَّجُل عَلَى جِدّ مِنْ الْأُمُور فِي غَضَب أَوْ غَيْره لَيَفْعَلَنَّ لَيَتْرُكَنَّ , فَذَلِكَ عَقْد الْأَيْمَان الَّتِي فَرَضَ اللَّه فِيهَا الْكَفَّارَة , وَقَالَ تَعَالَى ذِكْره : { لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان } . 9651 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد , وَعَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , قَالَا : لَيْسَ فِي لَغْو الْيَمِين كَفَّارَة . 9652 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا جَامِع بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن : { وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان } يَقُول : مَا تَعَمَّدْت فِيهِ الْمَأْثَم فَعَلَيْك فِيهِ الْكَفَّارَة . قَالَ : وَقَالَ قَتَادَة : أَمَّا اللَّغْو فَلَا كَفَّارَة فِيهِ . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عَبْدَة , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : لَا كَفَّارَة فِي لَغْو الْيَمِين . 9653 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَمْرو الْعَنْقَزِيّ , عَنْ أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : لَيْسَ فِي لَغْو الْيَمِين كَفَّارَة . فَمَعْنَى الْكَلَام عَلَى هَذَا التَّأْوِيل : لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ , وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان , فَكَفَّارَة مَا عَقَّدْتُمْ مِنْهَا : إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين . وَقَالَ آخَرُونَ : الْهَاء فِي قَوْله : { فَكَفَّارَته } عَائِدَة عَلَى اللَّغْو , وَهِيَ كِنَايَة عَنْهُ . قَالُوا : وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام : لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ إِذَا كَفَّرْتُمُوهُ , وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ إِذَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان فَأَقَمْتُمْ عَلَى الْمُضِيّ عَلَيْهِ بِتَرْكِ الْحِنْث وَالْكَفَّارَة فِيهِ , وَالْإِقَامَة عَلَى الْمُضِيّ عَلَيْهِ غَيْر جَائِزَة لَكُمْ , فَكَفَّارَة اللَّغْو مِنْهَا إِذَا حَنِثْتُمْ فِيهِ : إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9654 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ } قَالَ : هُوَ الرَّجُل يَحْلِف عَلَى أَمْر ضِرَار أَنْ يَفْعَلهُ فَلَا يَفْعَلهُ فَيَرَى الَّذِي هُوَ خَيْر مِنْهُ , فَأَمَرَهُ اللَّه أَنْ يُكَفِّر عَنْ يَمِينه وَيَأْتِي هُوَ خَيْر . وَقَالَ مَرَّة أُخْرَى قَوْله : { لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ } إِلَى قَوْله : { بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان } قَالَ : وَاللَّغْو مِنْ الْيَمِين هِيَ الَّتِي تُكَفَّر لَا يُؤَاخِذ اللَّه بِهَا , وَلَكِنْ مَنْ أَقَامَ عَلَى تَحْرِيم مَا أَحَلَّ اللَّه لَهُ وَلَمْ يَتَحَوَّل عَنْهُ وَلَمْ يُكَفِّر عَنْ يَمِينه , فَتِلْكَ الَّتِي يُؤَاخَذ بِهَا . 9655 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا حَفْص بْن غِيَاث , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَوْله : { لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ } قَالَ : هُوَ الَّذِي يَحْلِف عَلَى الْمَعْصِيَة فَلَا يَفِي , فَيُكَفِّر . 9656 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ } قَالَ : هُوَ الرَّجُل يَحْلِف عَلَى الْمَعْصِيَة فَلَا يُؤَاخِذهَا اللَّه تَعَالَى , يُكَفِّر عَنْ يَمِينه وَيَأْتِي الَّذِي هُوَ خَيْر { وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان } الرَّجُل يَحْلِف عَلَى الْمَعْصِيَة ثُمَّ يُقِيم عَلَيْهَا , فَكَفَّارَته إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين . 9657 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : أَخْبَرَنَا دَاوُد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ فِي لَغْو الْيَمِين : هِيَ الْيَمِين فِي الْمَعْصِيَة , فَقَالَ : أَوَلَا تَقْرَأ فَتَفْهَم ؟ قَالَ : { لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان } قَالَ : فَلَا يُؤَاخِذهُ بِالْإِلْغَاءِ , وَلَكِنْ يُؤَاخِذهُ بِالْمَقَامِ عَلَيْهَا . قَالَ : وَقَالَ : { وَلَا تَجْعَلُوا اللَّه عُرْضَة لِأَيْمَانِكُمْ } . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : { لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ } قَالَ : هُوَ الرَّجُل يَحْلِف عَلَى الْمَعْصِيَة فَلَا يُؤَاخِذهُ اللَّه بِتَرْكِهَا إِنْ تَرَكَهَا . قُلْت : وَكَيْفَ يَصْنَع ؟ قَالَ : يُكَفِّر يَمِينه , وَيَتْرُك الْمَعْصِيَة . 9658 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , فِي قَوْله : { لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ } قَالَ : الْيَمِين الْمُكَفَّرَة . 9659 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : اللَّغْو : يَمِين لَا يُؤَاخَذ بِهَا صَاحِبهَا , وَفِيهَا كَفَّارَة . وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى عِنْدِي بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ , أَنْ تَكُون الْهَاء فِي قَوْله : { فَكَفَّارَته } عَائِدَة عَلَى " مَا " الَّتِي فِي قَوْله : { بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان } لِمَا قَدَّمْنَا فِيمَا مَضَى قَبْل أَنَّ مَنْ لَزِمَتْهُ فِي يَمِينه كَفَّارَة وَأُوخِذَ بِهَا , غَيْر جَائِز أَنْ يُقَال لِمَنْ قَدْ أُوخِذَ : لَا يُؤَاخِذهُ اللَّه بِاللَّغْوِ ; وَفِي قَوْله تَعَالَى : { لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ } دَلِيل وَاضِح أَنَّهُ لَا يَكُون مُؤَاخَذ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوه مَنْ أَخْبَرَنَا تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُ غَيْر مُؤَاخَذ . فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّهُ إِنَّمَا عَنَى تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ } بِالْعُقُوبَةِ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَة إِذَا حَنِثْتُمْ وَكَفَّرْتُمْ , لَا أَنَّهُ لَا يُؤَاخِذهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا بِتَكْفِيرٍ ; فَإِنَّ إِخْبَار اللَّه تَعَالَى ذِكْره وَأَمْره وَنَهْيه فِي كِتَابه عَلَى الظَّاهِر الْعَامّ عِنْدنَا بِمَا قَدْ دَلَّلْنَا عَلَى صِحَّة الْقَوْل بِهِ فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَته , دُون الْبَاطِن الْعَامّ الَّذِي لَا دَلَالَة عَلَى خُصُوصه فِي عَقْل وَلَا خَبَر وَلَا دَلَالَة مِنْ عَقْل وَلَا خَبَر , أَنَّهُ عَنَى تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ } بَعْض مَعَانِي الْمُؤَاخَذَة دُون جَمِيعهَا . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ مَنْ لَزِمَتْهُ كَفَّارَة فِي يَمِين حَنِثَ فِيهَا مُؤَاخَذًا بِهَا بِعُقُوبَةٍ فِي مَاله عَاجِلَة , كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ غَيْر الَّذِي أَخْبَرَنَا تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُ لَا يُؤَاخِذهُ بِهَا . وَإِذَا كَانَ الصَّحِيح مِنْ التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ مَا قُلْنَا بِاَلَّذِي عَلَيْهِ دَلَّلْنَا , فَمَعْنَى الْكَلَام إِذَن : لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه أَيّهَا النَّاس بِلَغْوٍ مِنْ الْقَوْل وَالْأَيْمَان إِذَا لَمْ تَتَعَمَّدُوا بِهَا مَعْصِيَة اللَّه تَعَالَى وَلَا خِلَاف أَمْره وَلَمْ تَقْصِدُوا بِهَا إِثْمًا , وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ بِمَا تَعَمَّدْتُمْ بِهِ الْإِثْم وَأَوْجَبْتُمُوهُ عَلَى أَنْفُسكُمْ وَعَزَمَتْ عَلَيْهِ قُلُوبكُمْ , وَيُكَفِّر ذَلِكَ عَنْكُمْ , فَيُغَطِّي عَلَى سَيِّئ مَا كَانَ مِنْكُمْ مِنْ كَذِب وَزُور قَوْل وَيَمْحُوهُ عَنْكُمْ , فَلَا يُتْبِعكُمْ بِهِ رَبّكُمْ ; إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } أَعْدَله . كَمَا : 9660 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : سَمِعْت عَطَاء يَقُول فِي هَذِهِ الْآيَة : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتهمْ } قَالَ عَطَاء : أَوْسَطه : أَعْدَله , وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى قَوْله : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : مِنْ أَوْسَط مَا يُطْعِم مِنْ أَجْنَاس الطَّعَام الَّذِي يَقْتَاتهُ أَهْل بَلَد الْمُكَفِّر أَهَالِيهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9661 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : أَخْبَرَنَا شَرِيك , عَنْ عَبْد اللَّه بْن حَنَش , عَنْ الْأَسْوَد , قَالَ : سَأَلْته عَنْ : { أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } قَالَ : الْخُبْز وَالتَّمْر وَالزَّيْت وَالسَّمْن , وَأَفْضَله اللَّحْم . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَبْد اللَّه بْن حَنَش , قَالَ : سَأَلْت الْأَسْوَد بْن يَزِيد , عَنْ ذَلِكَ , فَقَالَ : الْخُبْز وَالتَّمْر . زَادَ هَنَّاد فِي حَدِيثه : الزَّيْت , قَالَ : وَأَحْسَبهُ الْخَلّ . 9662 - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ عَاصِم الْأَحْوَل , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ اِبْن عُمَر فِي قَوْله : { أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } قَالَ : مِنْ أَوْسَط مَا يُطْعِم أَهْله الْخُبْز وَالتَّمْر , وَالْخُبْز وَالسَّمْن وَالْخُبْز وَالزَّيْت , وَمِنْ أَفْضَل مَا يُطْعِمهُمْ : الْخُبْز وَاللَّحْم . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن فُضَيْل , عَنْ لَيْث , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ اِبْن عُمَر : { أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } الْخُبْز وَاللَّحْم , وَالْخُبْز وَالسَّمْن , وَالْخُبْز وَالْجُبْن , وَالْخُبْز وَالْخَلّ . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَبْد اللَّه بْن حَنَش , قَالَ : سَأَلْت الْأَسْوَد بْن يَزِيد عَنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ ؟ قَالَ : الْخُبْز وَالتَّمْر . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى , قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن حَنَش , قَالَ : سَأَلْت الْأَسْوَد بْن يَزِيد , فَذَكَرَ مِثْله . 9663 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ , عَنْ عَبِيدَة السَّلْمَانِيّ : { أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } قَالَ : الْخُبْز وَالسَّمْن . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سَعِيد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , قَالَ : سَأَلْت عَبِيدَة عَنْ ذَلِكَ , فَذَكَرَ مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَزْهَر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عَوْن , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ , عَنْ عَبِيدَة : { أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } الْخُبْز وَالسَّمْن . 9664 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ يَزِيد بْن إِبْرَاهِيم , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , قَالَ : كَانُوا يَقُولُونَ : أَفْضَله الْخُبْز وَاللَّحْم , وَأَوْسَطه : الْخُبْز وَالسَّمْن , وَأَخَسّه : الْخُبْز وَالتَّمْر . 9665 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : خُبْز وَلَحْم , أَوْ خُبْز وَسَمْن , أَوْ خُبْز وَلَبَن . 9666 - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا عُمَر بْن هَارُون , عَنْ أَبِي مُصْلِح , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } قَالَ : الْخُبْز وَاللَّحْم وَالْمَرَقَة . 9667 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا زَائِدَة , عَنْ يَحْيَى بْن حِبَّان الطَّائِيّ , قَالَ : كُنْت عِنْد شُرَيْح , فَأَتَاهُ رَجُل , فَقَالَ : إِنِّي حَلَفْت عَلَى يَمِين فَأَثِمْت ! قَالَ شُرَيْح : مَا حَمَلَك عَلَى ذَلِكَ ؟ قَالَ : قَدَرٌ عَلَيَّ , فَمَا أَوْسَط مَا أُطْعِم أَهْلِي ؟ قَالَ لَهُ شُرَيْح . الْخُبْز وَالزَّيْت وَالْخَلّ طَيِّب . قَالَ : فَأَعَادَ عَلَيْهِ , فَقَالَ لَهُ شُرَيْح ذَلِكَ ثَلَاث مِرَار لَا يَزِيدهُ شُرَيْح عَلَى ذَلِكَ . فَقَالَ لَهُ : أَرَأَيْت إِنْ أَطْعَمْت الْخُبْز وَاللَّحْم ؟ قَالَ : ذَاكَ أَرْفَع طَعَام أَهْلك وَطَعَام النَّاس . 9668 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر , عَنْ حَجَّاج , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ الْحَارِث , عَنْ عَلِيّ , قَالَ فِي كَفَّارَة الْيَمِين : يُغَدِّيهِمْ وَيُعَشِّيهِمْ خُبْزًا وَزَيْتًا , أَوْ خُبْزًا وَسَمْنًا . أَوْ خَلًّا وَزَيْتًا . 9669 - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَابْن وَكِيع , قَالَا . ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ زِبْرِقَان , عَنْ أَبِي رَزِين : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } خُبْز وَزَيْت وَخَلّ . 9670 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , عَنْ هِشَام بْن مُحَمَّد , قَالَ : أَكْلَة وَاحِدَة خُبْز وَلَحْم . قَالَ : وَهُوَ مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ , وَإِنَّكُمْ لَتَأْكُلُونَ الْخَبِيص وَالْفَاكِهَة . 9671 - حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , وَحَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ هِشَام , عَنْ الْحَسَن قَالَ فِي كَفَّارَة الْيَمِين : يَجْزِيك أَنْ تُطْعِم عَشَرَة مَسَاكِين أَكْلَة وَاحِدَة خُبْزًا وَلَحْمًا , فَإِنْ لَمْ تَجِد فَخُبْزًا وَسَمْنًا وَلَبَنًا , فَإِنْ لَمْ تَجِد فَخُبْزًا وَخَلًّا وَزَيْتًا حَتَّى يَشْبَعُوا . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن نُمَيْر , عَنْ زِبْرِقَان , قَالَ : سَأَلْت أَبَا رَزِين , عَنْ كَفَّارَة الْيَمِين مَا يُطْعِم ؟ قَالَ : خُبْزًا وَخَلًّا وَزَيْتًا مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ , وَذَلِكَ قَدْر قُوتهمْ يَوْمًا وَاحِدًا . ثُمَّ اِخْتَلَفَ قَائِلُو ذَلِكَ فِي مَبْلَغه . فَقَالَ بَعْضهمْ : مَبْلَغ ذَلِكَ نِصْف صَاع مِنْ حِنْطَة . أَوْ صَاع مِنْ سَائِر الْحُبُوب غَيْرهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9672 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عُمَر , قَالَ : إِنِّي أَحْلِف عَلَى الْيَمِين ثُمَّ يَبْدُو لِي , فَإِذَا رَأَيْتنِي قَدْ فَعَلْت ذَلِكَ فَأُطْعِم عَشَرَة مَسَاكِين لِكُلِّ مِسْكِين مُدَّانِ مِنْ حِنْطَة . 9673 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , وَيَعْلَى عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ شَقِيق , عَنْ يَسَار بْن نُمَيْر , قَالَ : قَالَ عُمَر : إِنِّي أَحْلِف أَنْ لَا أُعْطِي أَقْوَامًا ثُمَّ يَبْدُو لِي أَنْ أُعْطِيهِمْ , فَإِذَا رَأَيْتنِي فَعَلْت ذَلِكَ , فَأَطْعِمْ عَنِّي عَشَرَة مَسَاكِين بَيْن كُلّ مِسْكِينَيْنِ صَاعًا مِنْ بُرّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْر . 9674 - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَمُحَمَّد بْن الْعَلَاء قَالَا : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ اِبْن أَبِي لَيْلَى , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن سَلَمَة , عَنْ عَلِيّ , قَالَ : كَفَّارَة الْيَمِين إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين , لِكُلِّ مِسْكِين نِصْف صَاع مِنْ حِنْطَة . 9675 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } نِصْف صَاع بُرّ لِكُلِّ مِسْكِين . 9676 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا حَفْص عَنْ عَبْد الْكَرِيم الْجَزَرِيّ , قَالَ : قُلْت لِسَعِيدِ بْن جُبَيْر : أَجْمَعهُمْ ؟ قَالَ : لَا , أَعْطِهِمْ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَة , مُدًّا لِطَعَامِهِ وَمُدًّا لِإِدَامِهِ . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَبْد الْكَرِيم الْجَزَرِيّ , قَالَ : قُلْت لِسَعِيدٍ , فَذَكَرَ نَحْوه . 9677 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو زَيْد , عَنْ حُصَيْن , قَالَ : سَأَلْت الشَّعْبِيّ , عَنْ كَفَّارَة الْيَمِين , فَقَالَ : مَكُّوكَيْنِ : مَكُّوكًا لِطَعَامِهِ , وَمَكُّوكًا لِإِدَامِهِ . 9678 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا هِشَام , عَنْ عَطَاء , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : لِكُلِّ مِسْكِين مُدَّيْنِ . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ هِشَام , عَنْ عَطَاء , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : لِكُلِّ مِسْكِين مُدَّيْنِ مِنْ بُرّ فِي كَفَّارَة الْيَمِين . 9679 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : مُدَّانِ مِنْ طَعَام لِكُلِّ مِسْكِين . 9680 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا سَعْد بْن يَزِيد أَبُو سَلَمَة , قَالَ : سَأَلْت جَابِر بْن زَيْد عَنْ إِطْعَام الْمِسْكِين فِي كَفَّارَة الْيَمِين , فَقَالَ : أَكْلَة . قُلْت : فَإِنَّ الْحَسَن يَقُول : مَكُّوك بُرّ , وَمَكُّوك تَمْر , فَمَا تَرَى فِي مَكُّوك بُرّ ؟ فَقَالَ : إِنْ مَكُّوك بُرّ لَا , أَوْ مَكُّوك تَمْر لَا . قَالَ يَعْقُوب : قَالَ اِبْن عُلَيَّة وَقَالَ أَبُو سَلَمَة بِيَدِهِ , كَأَنَّهُ يَرَاهُ حَسَنًا , وَقَلَّبَ أَبُو سَلَمَة يَده . 9681 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ هِشَام , عَنْ الْحَسَن : أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي كَفَّارَة الْيَمِين فِيمَا وَجَبَ فِيهِ الطَّعَام : مَكُّوك تَمْر , وَمَكُّوك بُرّ لِكُلِّ مِسْكِين . 9682 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ الْحَسَن قَالَ , قَالَ : إِنْ جَمَعَهُمْ أَشْبَعَهُمْ إِشْبَاعَة وَاحِدَة , وَإِنْ أَعْطَاهُمْ أَعْطَاهُمْ مَكُّوكًا مَكُّوكًا . * - حَدَّثَنَا يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ يُونُس , قَالَ : كَانَ الْحَسَن يَقُول : فَإِنْ أَعْطَاهُمْ فِي أَيْدِيهمْ فَمَكُّوك بُرّ وَمَكُّوك تَمْر . 9683 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك فِي كَفَّارَة الْيَمِين : نِصْف صَاع لِكُلِّ مِسْكِين . 9684 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الْحَكَم , فِي قَوْله : { إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } قَالَ : إِطْعَام نِصْف صَاع لِكُلِّ مِسْكِين . 9685 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا زَائِدَة , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : { أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } نِصْف صَاع . 9686 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ الْفَضْل بْن خَالِد , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم يَقُول فِي قَوْله : { فَكَفَّارَته إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين } قَالَ : الطَّعَام لِكُلِّ مِسْكِين : نِصْف صَاع مِنْ تَمْر أَوْ بُرّ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَبْلَغ ذَلِكَ مِنْ كُلّ شَيْء مِنْ الْحُبُوب مُدّ وَاحِد . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9687 - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَأَبُو كُرَيْب , قَالَا : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ هِشَام الدَّسْتُوَائِيّ , عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير , عَنْ أَبِي سَلَمَة , عَنْ زَيْد بْن ثَابِت , أَنَّهُ قَالَ فِي كَفَّارَة الْيَمِين : مُدّ مِنْ حِنْطَة لِكُلِّ مِسْكِين . 9688 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ فِي كَفَّارَة الْيَمِين : مُدّ مِنْ حِنْطَة لِكُلِّ مِسْكِينٍ رُبُعه إِدَامه . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَأَبُو كُرَيْب , قَالَا : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , نَحْوه . 9689 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ اِبْن عَجْلَان , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر : إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين لِكُلِّ مِسْكِين مُدّ . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَأَبُو كُرَيْب , قَالَا : ثنا وَكِيع , قَالَ : ثنا الْعُمَرِيّ , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : مُدّ مِنْ حِنْطَة لِكُلِّ مِسْكِين . 9690 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر : أَنَّهُ كَانَ يُكَفِّر الْيَمِين بِعَشَرَةِ أَمِدَاد بِالْمُدِّ الْأَصْغَر . 9691 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن مَهْدِيّ , عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ عُبَيْد اللَّه , عَنْ الْقَاسِم وَسَالِم فِي كَفَّارَة الْيَمِين : مَا يُطْعِم ؟ قَالَا : مُدّ لِكُلِّ مِسْكِين . 9692 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ سُلَيْمَان بْن يَسَار , قَالَ : كَانَ النَّاس إِذَا كَفَّرَ أَحَدُهُمْ , كَفَّرَ بِعَشَرَةِ أَمْدَاد بِالْمُدِّ الْأَصْغَر . 9693 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عُمَر بْن هَارُون , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء فِي قَوْله : { إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين } قَالَ : عَشَرَة أَمْدَاد لِعَشَرَةِ مَسَاكِين . 9694 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا جَامِع بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن : { إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } قَالَ : كَانَ يُقَال : الْبُرّ وَالتَّمْر , لِكُلِّ مِسْكِين مُدّ مِنْ تَمْر وَمُدّ مِنْ بُرّ . 9695 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَهَنَّاد , قَالَا : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ مَالِك بْن مِغْوَل , عَنْ عَطَاء , قَالَ : مُدّ لِكُلِّ مِسْكِين . 9696 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } قَالَ : مِنْ أَوْسَط مَا تَعُولُونَهُمْ . قَالَ : وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ رَأَوْا أَوْسَط ذَلِكَ مُدًّا بِمُدِّ رَسُول اللَّه مِنْ حِنْطَة . قَالَ ابْن زَيْد : هُوَ الْوَسَط مِمَّا يَقُوت بِهِ أَهْله , لَيْسَ بِأَدْنَاهُ وَلَا بِأَرْفَعِهِ . 9697 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْن عَبْد اللَّه بْن سَالِم , عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } قَالَ : مُدّ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ غَدَاء وَعَشَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9698 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر , عَنْ حَجَّاج , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ الْحَارِث , عَنْ عَلِيّ , قَالَ فِي كَفَّارَة الْيَمِين : يُغَدِّيهِمْ وَيُعَشِّيهِمْ . 9699 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عُمَر بْن هَارُون , عَنْ مُوسَى بْن عُبَيْدَة , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ فِي كَفَّارَة الْيَمِين قَالَ : غَدَاء وَعَشَاء . 9700 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ يُونُس , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : يُغَدِّيهِمْ وَيُعَشِّيهِمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } مِنْ أَوْسَط مَا يُطْعِم الْمُكَفِّر أَهْله . قَالَ : إِنْ كَانَ مِمَّنْ يُشْبِع أَهْله أَشْبَع الْمَسَاكِين الْعَشَرَة , وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُشْبِعهُمْ لِعَجْزِهِ عَنْ ذَلِكَ أَطْعَمَ الْمَسَاكِين عَلَى قَدْر مَا يَفْعَل مِنْ ذَلِكَ بِأَهْلِهِ فِي عُسْره وَيُسْره . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9701 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { فَكَفَّارَته إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } قَالَ : إِنْ كُنْت تُشْبِع أَهْلك فَأَشْبِعْ الْمَسَاكِين , وَإِلَّا فَعَلَى مَا تُطْعِم أَهْلك بِقَدْرِهِ . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَكَفَّارَته إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } وَهُوَ أَنْ تُطْعِم كُلّ مِسْكِين مِنْ نَحْو مَا تُطْعِم أَهْلك مِنْ الشِّبَع , أَوْ نِصْف صَاع مِنْ بُرّ . 9702 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ عَامِر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : مِنْ عُسْرهمْ وَيُسْرهمْ . 9703 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ عَامِر , قَالَ : مِنْ عُسْرهمْ وَيُسْرهمْ . 9704 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ سُلَيْمَان بْن أَبِي الْمُغِيرَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } قَالَ : قُوتهمْ . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَأَبُو كُرَيْب , قَالَا : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ سُلَيْمَان الْعَبْسِيّ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } قَالَ : قُوتهمْ . 9705 - حَدَّثَنَا أَبُو حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام بْن سَلْم , قَالَ : ثنا عَنْبَسَة , عَنْ سُلَيْمَان بْن عُبَيْد الْعَبْسِيّ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر فِي قَوْله : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } قَالَ : كَانُوا يُفَضِّلُونَ الْحُرّ عَلَى الْعَبْد وَالْكَبِير عَلَى الصَّغِير , فَنَزَلَتْ : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } . * - حَدَّثَنَا الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ . ثنا قَيْس بْن الرَّبِيع , عَنْ سَالِم الْأَفْطَس , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : كَانُوا يُطْعِمُونَ الْكَبِير مَا لَا يُطْعِمُونَ الصَّغِير , وَيُطْعِمُونَ الْحُرّ مَا لَا يُطْعِمُونَ الْعَبْد , فَقَالَ : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } . 9706 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : ثنا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , فِي قَوْله : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } قَالَ : إِنْ كُنْت تُشْبِع أَهْلك فَأَشْبِعْهُمْ , وَإِنْ كُنْت لَا تُشْبِعهُمْ , فَعَلَى قَدْر ذَلِكَ . * - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا شَيْبَان النَّحْوِيّ , عَنْ جَابِر , عَنْ عَامِر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } قَالَ : مِنْ عُسْرهمْ وَيُسْرهمْ . 9707 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : ثنا سُفْيَان عَنْ سُلَيْمَان , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَ الرَّجُل يَقُوت بَعْض أَهْله قُوتًا دُونًا وَبَعْضهمْ قُوتًا فِيهِ سَعَة , فَقَالَ اللَّه : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } الْخُبْز وَالزَّيْت . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي تَأْوِيل قَوْله : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } عِنْدنَا قَوْل مَنْ قَالَ : مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ فِي الْقِلَّة وَالْكَثْرَة . وَذَلِكَ أَنَّ أَحْكَام رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكَفَّارَات كُلّهَا بِذَلِكَ وَرَدَتْ , وَذَلِكَ كَحُكْمِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَفَّارَة الْحَلْق مِنْ الْأَذَى بِفَرَقٍ مِنْ طَعَام بَيْن سِتَّة مَسَاكِين لِكُلِّ مِسْكِين نِصْف صَاع , وَكَحُكْمِهِ فِي كَفَّارَة الْوَطْء فِي شَهْر رَمَضَان بِخَمْسَة عَشَر صَاعًا بَيْن سِتِّينَ مِسْكِينًا لِكُلِّ مِسْكِين رُبُع صَاع . وَلَا يُعْرَف لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْء مِنْ الْكَفَّارَات أَمَرَ بِإِطْعَامِ خُبْز وَإِدَام وَلَا بِغَدَاءٍ وَعَشَاء . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَتْ كَفَّارَة الْيَمِين إِحْدَى الْكَفَّارَات الَّتِي تَلْزَم مَنْ لَزِمَتْهُ , كَانَ سَبِيلهَا سَبِيل مَا تَوَلَّى الْحُكْم فِيهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنَّ الْوَاجِب عَلَى مُكَفِّرهَا مِنْ الطَّعَام مِقْدَار لِلْمَسَاكِينِ الْعَشَرَة , مَحْدُود بِكَيْلٍ دُون جَمْعهمْ عَلَى غَدَاء أَوْ عَشَاء مَخْبُوز مَأْدُوم , إِذْ كَانَتْ سُنَّته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَائِر الْكَفَّارَات كَذَلِكَ . فَإِذْ كَانَ صَحِيحًا مَا قُلْنَا بِمَا بِهِ اِسْتَشْهَدْنَا , فَبَيِّنٌ أَنَّ تَأْوِيل الْكَلَام : وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان , فَكَفَّارَته إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين مِنْ أَعْدَل إِطْعَامكُمْ أَهْلِيكُمْ , وَأَنَّ " مَا " الَّتِي فِي قَوْله : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } بِمَعْنَى الْمَصْدَر , لَا بِمَعْنَى الْأَسْمَاء . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَأَعْدَل أَقْوَات الْمُوَسِّع عَلَى أَهْله مُدَّانِ , وَذَلِكَ نِصْف صَاع فِي رُبُعه إِدَامُهُ , وَذَلِكَ أَعْلَى مَا حَكَمَ بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَفَّارَة فِي إِطْعَام مَسَاكِين , وَأَعْدَل أَقْوَات الْمُقَتِّر عَلَى أَهْله مُدّ وَذَلِكَ رُبُع صَاع , وَهُوَ أَدْنَى مَا حَكَمَ بِهِ فِي كَفَّارَة فِي إِطْعَام مَسَاكِين . وَأَمَّا الَّذِينَ رَأَوْا إِطْعَام الْمَسَاكِين فِي كَفَّارَة الْيَمِين الْخُبْز وَاللَّحْم وَمَا ذَكَرْنَا عَنْهُمْ قَبْل , وَاَلَّذِينَ رَأَوْا أَنْ يُغَدُّوا أَوْ يُعَشُّوا , وَاَلَّذِينَ رَأَوْا أَنْ يُغَدَّوْا وَيُعَشَّوْا , فَإِنَّهُمْ ذَهَبُوا إِلَى تَأْوِيل قَوْله : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } مِنْ أَوْسَط الطَّعَام الَّذِي تُطْعِمُونَهُ أَهْلِيكُمْ , فَجَعَلُوا " مَا " الَّتِي فِي قَوْله : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } اِسْمًا لَا مَصْدَرًا , فَأَوْجَبُوا عَلَى الْمُكَفِّر إِطْعَام الْمَسَاكِين مِنْ أَعْدَل مَا يُطْعِم أَهْله مِنْ الْأَغْذِيَة . وَذَلِكَ مَذْهَب لَوْلَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ سُنَن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكَفَّارَات غَيْرهَا الَّتِي يَجِب إِلْحَاق أَشْكَالهَا بِهَا , وَأَنَّ كَفَّارَة الْيَمِين لَهَا نَظِيرَة وَشَبِيهَة يَجِب إِلْحَاقهَا بِهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوْ كِسْوَتهمْ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : فَكَفَّارَة مَا عَقَّدْتُمْ مِنْ الْأَيْمَان إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين أَوْ كِسْوَتهمْ . يَقُول إِمَّا أَنْ تُطْعِمُوهُمْ أَوْ تَكْسُوهُمْ , وَالْخِيَار فِي ذَلِكَ إِلَى الْمُكَفِّر . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْكِسْوَة الَّتِي عَنَى اللَّه بِقَوْلِهِ : { أَوْ كِسْوَتهمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ كِسْوَة ثَوْب وَاحِد . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9708 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي كِسْوَة الْمَسَاكِين فِي كَفَّارَة الْيَمِين : أَدْنَاهُ ثَوْب . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : أَدْنَاهُ ثَوْبٌ , وَأَعْلَاهُ مَا شِئْت . 9709 - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَأَبُو كُرَيْب , قَالَا : ثنا وَكِيع , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ الْحَسَن , قَالَ فِي كَفَّارَة الْيَمِين فِي قَوْله : { أَوْ كِسْوَتهمْ } ثَوْب لِكُلِّ مِسْكِين . 9710 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن مَهْدِيّ , عَنْ وُهَيْب , عَنْ اِبْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ : { أَوْ كِسْوَتهمْ } قَالَ : ثَوْب . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عُبَيْدَة , وَحَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا جَرِير جَمِيعًا , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { أَوْ كِسْوَتهمْ } قَالَ : ثَوْب . 9711 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { أَوْ كِسْوَتهمْ } قَالَ : ثَوْب ثَوْب . قَالَ مَنْصُور : الْقَمِيص , أَوْ الرِّدَاء , أَوْ الْإِزَار . 9712 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَهَنَّاد , قَالَا : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أُبَيّ , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ أَبِي جَعْفَر , فِي قَوْله : { أَوْ كِسْوَتهمْ } قَالَ : كِسْوَة الشِّتَاء وَالصَّيْف ثَوْب ثَوْب . 9713 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : قَالَ ثنا عُمَر بْن هَارُون , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء فِي قَوْله : { أَوْ كِسْوَتهمْ } قَالَ : ثَوْب ثَوْب لِكُلِّ مِسْكِين . 9714 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عَبْدَة بْن سَلْمَان , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة , عَنْ أَبِي مَعْشَر , عَنْ إِبْرَاهِيم , فِي قَوْله : { أَوْ كِسْوَتهمْ } قَالَ : إِذَا كَسَاهُمْ ثَوْبًا ثَوْبًا أَجْزَأَ عَنْهُ . 9715 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن سُلَيْمَان الرَّازِيّ . عَنْ اِبْن سِنَان , عَنْ حَمَّاد , قَالَ : ثَوْب أَوْ ثَوْبَانِ , وَثَوْب لَا بُدّ مِنْهُ . 9716 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : ثَوْب ثَوْب لِكُلِّ إِنْسَان , وَقَدْ كَانَتْ الْعَبَاءَة تَقْضِي يَوْمئِذٍ مِنْ الْكِسْوَة . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , عَنْ مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { أَوْ كِسْوَتهمْ } قَالَ : الْكِسْوَة : عَبَاءَة لِكُلِّ مِسْكِين أَوْ شَمْلَة . 9717 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ . ثنا إِسْرَائِيل . عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك , قَالَ : ثَوْب , أَوْ قَمِيص , أَوْ رِدَاء , أَوْ إِزَار . 9718 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : إِنْ اِخْتَارَ صَاحِب الْيَمِين الْكِسْوَة , كَسَا عَشَرَة أُنَاسِيّ كُلّ إِنْسَان عَبَاءَة . 9719 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : سَمِعْت عَطَاء يَقُول فِي قَوْله : { أَوْ كِسْوَتهمْ } الْكِسْوَة : ثَوْب ثَوْب . وَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ : الْكِسْوَة ثَوْبَيْنِ ثَوْبَيْنِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9720 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عُبَيْدَة , وَحَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ . ثنا أَبُو مُعَاوِيَة جَمِيعًا , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , فِي قَوْله : { أَوْ كِسْوَتهمْ } قَالَ : عَبَاءَة وَعِمَامَة . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَأَبُو كُرَيْب , قَالَا : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ . ثنا أَبِي . عَنْ سُفْيَان , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : عِمَامَة يَلُفّ بِهَا رَأْسه , وَعَبَاءَة يَلْتَحِف بِهَا . 9721 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الْأَنْصَارِيّ , عَنْ أَشْعَث , عَنْ الْحَسَن وَابْن سِيرِينَ , قَالَا : ثَوْبَيْنِ ثَوْبَيْنِ . 9722 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , عَنْ يُونُس , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : ثَوْبَيْنِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ يُونُس , عَنْ الْحَسَن , مِثْله . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَهَنَّاد , قَالَا : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ يُونُس بْن عُبَيْد , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : ثَوْبَانِ ثَوْبَانِ لِكُلِّ مِسْكِين . 9723 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ عَاصِم الْأَحْوَل , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ أَبِي مُوسَى : أَنَّهُ حَلَفَ عَلَى يَمِين , كَسَا ثَوْبَيْنِ مِنْ مُعَقَّدَة الْبَحْرَيْنِ . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَأَبُو كُرَيْب , قَالَا : ثنا وَكِيع , عَنْ يَزِيد بْن إِبْرَاهِيم , عَنْ اِبْن سِيرِينَ : أَنَّ أَبَا مُوسَى كَسَا ثَوْبَيْنِ مِنْ مُعَقَّدَة الْبَحْرَيْنِ . 9724 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ هِشَام , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى : أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ حَلَفَ عَلَى يَمِين , فَرَأَى أَنْ يُكَفِّر فَفَعَلَ , وَكَسَا سَمُرَةُ ثَوْبَيْنِ ثَوْبَيْنِ . 9725 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , عَنْ هِشَام , عَنْ مُحَمَّد : أَنَّ أَبَا مُوسَى حَلَفَ عَلَى يَمِين فَكَفَّرَ , فَكَسَا عَشَرَة مَسَاكِين ثَوْبَيْنِ ثَوْبَيْنِ . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : عَبَاءَة وَعِمَامَة لِكُلِّ مِسْكِين . 9726 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , مِثْله . 9727 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , قَالَ : قَالَ رَجُل عِنْد سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : " أَوْ كَأُسْوَتِهِمْ " فَقَالَ سَعِيد : لَا إِنَّمَا هِيَ : " أَوْ كِسْوَتهمْ " . قَالَ : فَقُلْت : يَا أَبَا مُحَمَّد مَا كِسْوَتهمْ ؟ قَالَ : لِكُلِّ مِسْكِين عَبَاءَة وَعِمَامَة , عَبَاءَة يَلْتَحِف بِهَا , وَعِمَامَة يَشُدّ بِهَا رَأْسه . 9728 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ الْفَضْل بْن خَالِد , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سَلْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { أَوْ كِسْوَتهمْ } قَالَ : الْكِسْوَة لِكُلِّ مِسْكِين : رِدَاء وَإِزَار , كَنَحْوِ مَا يَجِد مِنْ الْمَيْسَرَة وَالْفَاقَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ : كِسْوَتهمْ : ثَوْب جَامِع , كَالْمِلْحَفَةِ وَالْكِسَاء وَالشَّيْء الَّذِي يَصْلُح لِلُّبْسِ وَالنَّوْم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9729 - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : الْكِسْوَة : ثَوْب جَامِع . 9730 - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَابْن وَكِيع قَالَا : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , فِي قَوْله : 34 { أَوْ كِسْوَتهمْ } قَالَ : ثَوْب جَامِع . قَالَ : وَقَالَ مُغِيرَة : وَالثَّوْب الْجَامِع الْمِلْحَفَة أَوْ الْكِسَاء أَوْ نَحْوه , وَلَا نَرَى الدِّرْع وَالْقَمِيص وَالْخِمَار وَنَحْوه جَامِعًا . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثَوْب جَامِع . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثَوْب جَامِع . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم : { أَوْ كِسْوَتهمْ } قَالَ : ثَوْب جَامِع لِكُلِّ مِسْكِين . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان وَشُعْبَة , عَنْ الْمُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم فِي قَوْله : { أَوْ كِسْوَتهمْ } قَالَ : ثَوْب جَامِع . 9731 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ شُعْبَة , عَنْ الْمُغِيرَة , مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِذَلِكَ كِسْوَة إِزَار وَرِدَاء وَقَمِيص . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9732 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , عَنْ بُرْدَة , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ فِي الْكِسْوَة فِي الْكَفَّارَة : إِزَار , وَرِدَاء , وَقَمِيص . وَقَالَ آخَرُونَ : كُلّ مَا كَسَا فَيَجْزِي , وَالْآيَة عَلَى عُمُومهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9733 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عَبْد السَّلَام بْن حَرْب , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : يَجْزِي فِي كَفَّارَة الْيَمِين كُلّ شَيْء إِلَّا التُّبَّان . 9734 - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَأَبُو كُرَيْب , قَالَا : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَشْعَث , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : يُجْزِئُ عِمَامَة فِي كَفَّارَة الْيَمِين . 9735 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أُوَيْس الصَّيْرَفِيّ , عَنْ أَبِي الْهَيْثَم , قَالَ : قَالَ سَلْمَان : نِعْمَ الثَّوْب التُّبَّان . 9736 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الشَّيْبَانِيّ , عَنْ الْحَكَم , قَالَ : عِمَامَة يَلُفّ بِهَا رَأْسه . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدنَا بِالصِّحَّةِ وَأَشْبَههَا بِتَأْوِيلِ الْقُرْآن قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى بِقَوْلِهِ : { أَوْ كِسْوَتهمْ } مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اِسْم كِسْوَة مِمَّا يَكُون ثَوْبًا فَصَاعِدًا , لِأَنَّ مَا دُون الثَّوْب لَا خِلَاف بَيْن جَمِيع الْحُجَّة أَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا دَخَلَ فِي حُكْم الْآيَة , فَكَانَ مَا دُون قَدْر ذَلِكَ خَارِجًا مِنْ أَنْ يَكُون اللَّه تَعَالَى عَنَاهُ بِالنَّقْلِ الْمُسْتَفِيض , وَالثَّوْب وَمَا فَوْقه دَاخِل فِي حُكْم الْآيَة , إِذْ لَمْ يَأْتِ مِنْ اللَّه تَعَالَى وَحْي وَلَا مِنْ رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَر وَلَمْ يَكُنْ مِنْ الْأُمَّة إِجْمَاع بِأَنَّهُ غَيْر دَاخِل فِي حُكْمهَا , وَغَيْر جَائِز إِخْرَاج مَا كَانَ ظَاهِر الْآيَة مُحْتَمِله مِنْ حُكْم الْآيَة إِلَّا بِحُجَّةٍ يَجِب التَّسْلِيم لَهَا , وَلَا حُجَّة بِذَلِكَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوْ تَحْرِير رَقَبَة } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : أَوْ فَكّ عَبْد مِنْ أَسْر الْعُبُودَة وَذُلّهَا . وَأَصْل التَّحْرِير : الْفَكّ مِنْ الْأَسْر , وَمِنْهُ قَوْل الْفَرَزْدَق بْن غَالِب : أَبَنِي غُدَانَة إِنَّنِي حَرَّرْتُكُمْ فَوَهَبْتُكُمْ لِعَطِيَّةَ بْن جِعَال يَعْنِي بِقَوْلِهِ : " حَرَّرْتُكُمْ " : فَكَكْت رِقَابكُمْ مِنْ ذُلّ الْهِجَاء وَلُزُوم الْعَار . وَقِيلَ : تَحْرِير رَقَبَة , وَالْمُحَرِّر صَاحِب الرَّقَبَة ; لِأَنَّ الْعَرَب كَانَ مِنْ شَأْنهَا إِذَا أَسَرَتْ أَسِيرًا أَنْ تَجْمَع يَدَيْهِ إِلَى عُنُقه بِقَيْدٍ أَوْ حَبْل أَوْ غَيْر ذَلِكَ , وَإِذَا أَطْلَقَتْهُ مِنْ الْأَسْر أَطْلَقَتْ يَدَيْهِ وَحَلَّتْهُمَا مِمَّا كَانَتَا بِهِ مَشْدُودَتَيْنِ إِلَى الرَّقَبَة . فَجَرَى الْكَلَام عِنْد إِطْلَاقهمْ الْأَسِير , بِالْخَبَرِ عَنْ فَكّ يَدَيْهِ عَنْ رَقَبَته , وَهُمْ يُرِيدُونَ الْخَبَر عَنْ إِطْلَاقه مِنْ أَسْرِهِ , كَمَا يُقَال : قَبَضَ فُلَان يَده عَنْ فُلَان : إِذَا أَمْسَكَ يَده عَنْ نُوَالِهِ ; وَبَسَطَ فِيهِ لِسَانه : إِذَا قَالَ فِيهِ سُوءًا , فَيُضَاف الْفِعْل إِلَى الْجَارِحَة الَّتِي يَكُون بِهَا ذَلِكَ الْفِعْل دُون فَاعِله , لِاسْتِعْمَالِ النَّاس ذَلِكَ بَيْنهمْ وَعِلْمهمْ بِمَعْنَى ذَلِكَ ; فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { أَوْ تَحْرِير رَقَبَة } أُضِيفَ التَّحْرِير إِلَى الرَّقَبَة وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ غُلّ فِي رَقَبَته وَلَا شَدّ يَد إِلَيْهَا , وَكَانَ الْمُرَاد بِالتَّحْرِيرِ نَفْس الْعَبْد بِمَا وَصَفْنَا مِنْ جَرْي اِسْتِعْمَال النَّاس ذَلِكَ بَيْنهمْ لِمَعْرِفَتِهِمْ بِمَعْنَاهُ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : أَفَكُلّ الرِّقَاب مَعْنِيٌّ بِذَلِكَ أَوْ بَعْضهَا ؟ قِيلَ : بَلْ مَعْنِيّ بِذَلِكَ كُلّ رَقَبَة كَانَتْ سَلِيمَة مِنْ الْإِقْعَاد وَالْعَمَى وَالْخَرَس وَقَطْع الْيَدَيْنِ أَوْ شَلَلهمَا وَالْجُنُون الْمُطْبِق , وَنَظَائِر ذَلِكَ , فَإِنَّ مَنْ كَانَ بِهِ ذَلِكَ أَوْ شَيْء مِنْهُ مِنْ الرِّقَاب , فَلَا خِلَاف بَيْن الْجَمِيع مِنْ الْحُجَّة أَنَّهُ لَا يَجْزِي فِي كَفَّارَة الْيَمِين . فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لَمْ يَعْنِهِ بِالتَّحْرِيرِ فِي هَذِهِ الْآيَة . فَأَمَّا الصَّغِير وَالْكَبِير وَالْمُسْلِم وَالْكَافِر , فَإِنَّهُمْ مَعْنِيُّونَ بِهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْعِلْم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9737 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , أَنَّهُ كَانَ يَقُول : مَنْ كَانَتْ عَلَيْهِ رَقَبَة وَاجِبَة , فَاشْتَرَى نَسَمَة , قَالَ : إِذَا أَنْقَذَهَا مِنْ عَمَل أَجْزَأَتْهُ , وَلَا يَجُوز عِتْق مَنْ لَا يَعْمَل ; فَأَمَّا الَّذِي يَعْمَل , كَالْأَعْوَرِ وَنَحْوه . وَأَمَّا الَّذِي لَا يَعْمَل فَلَا يَجْزِي كَالْأَعْمَى وَالْمُقْعَد . 9738 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ يُونُس , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : كَانَ يَكْرَه عِتْق الْمُخَبَّل فِي شَيْء مِنْ الْكَفَّارَات . 9739 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم : أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى عِتْق الْمَغْلُوب عَلَى عَقْله يُجْزِئ فِي شَيْء مِنْ الْكَفَّارَات . وَقَالَ بَعْضهمْ : لَا يُجْزِئ فِي الْكَفَّارَة مِنْ الرِّقَاب إِلَّا صَحِيح , وَيُجْزِئ الصَّغِير فِيهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9740 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , قَالَ : لَا يُجْزِئ فِي الرَّقَبَة إِلَّا صَحِيح . 9741 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , قَالَ : يُجْزِئ الْمَوْلُود فِي الْإِسْلَام مِنْ رَقَبَة . 9742 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : مَا كَانَ فِي الْقُرْآن مِنْ رَقَبَة مُؤْمِنَة فَلَا يُجْزِئ إِلَّا مَا صَامَ وَصَلَّى , وَمَا كَانَ لَيْسَ بِمُؤْمِنَةٍ فَالصَّبِيّ يُجْزِئ . وَقَالَ بَعْضهمْ : لَا يُقَال لِلْمَوْلُودِ رَقَبَة إِلَّا بَعْد مُدَّة تَأْتِي عَلَيْهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9743 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن يَزِيد الرِّفَاعِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا بْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ مُحَمَّد بْن شُعَيْب بْن شَابُور , عَنْ النُّعْمَان بْن الْمُنْذِر , عَنْ سُلَيْمَان , قَالَ : إِذَا وُلِدَ الصَّبِيّ فَهُوَ نَسَمَة , وَإِذَا اِنْقَلَبَ ظَهْرًا لِبَطْنٍ فَهُوَ رَقَبَة , وَإِذَا صَلَّى فَهُوَ مُؤْمِنَة . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَمَّ بِذِكْرِ الرَّقَبَة كُلّ رَقَبَة , فَأَيّ رَقَبَة حَرَّرَهَا الْمُكَفِّر يَمِينه فِي كَفَّارَته فَقَدْ أَدَّى مَا كُلِّفَ , إِلَّا مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْحُجَّة مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى لَمْ يَعْنِهِ بِالتَّحْرِيرِ , فَذَلِكَ خَارِج مِنْ حُكْم الْآيَة , وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَجَائِز تَحْرِيره فِي الْكَفَّارَة بِظَاهِرِ التَّنْزِيل . وَالْمُكَفِّر مُخَيَّر فِي تَكْفِير يَمِينه الَّتِي حَنِثَ فِيهَا بِإِحْدَى هَذِهِ الْحَالَات الثَّلَاث الَّتِي سَمَّاهَا اللَّه فِي كِتَابه , وَذَلِكَ : إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين مِنْ أَوْسَط مَا يُطْعِم أَهْله , أَوْ كِسْوَتهمْ , أَوْ تَحْرِير رَقَبَة , بِإِجْمَاعِ مِنْ الْجَمِيع لَا خِلَاف بَيْنهمْ فِي ذَلِكَ . فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ ذَلِكَ إِجْمَاع مِنْ الْجَمِيع لَيْسَ كَمَا قُلْنَا لِمَا : 9744 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي الشَّوَارِب , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَاحِد بْن زِيَاد , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان الشَّيْبَانِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو الضُّحَى , عَنْ مَسْرُوق , قَالَ : جَاءَ نُعْمَان بْن مُقْرِن إِلَى عَبْد اللَّه , فَقَالَ : إِنِّي آلَيْت مِنْ النِّسَاء وَالْفِرَاش ! فَقَرَأَ عَبْد اللَّه هَذِهِ الْآيَة : { لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ } قَالَ : فَقَالَ نُعْمَان : إِنَّمَا سَأَلْتُك لِكَوْنِي أَتَيْت عَلَى هَذِهِ الْآيَة . فَقَالَ عَبْد اللَّه : اِئْتِ النِّسَاء وَنَمْ وَاعْتِقْ رَقَبَة , فَإِنَّك مُوسِر . * - حَدَّثَنِي يُونُس , أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثني جَرِير بْن حَازِم أَنَّ سُلَيْمَان الْأَعْمَش حَدَّثَهُ عَنْ إِبْرَاهِيم بْن يَزِيد النَّخَعِيّ , عَنْ هَمَّام بْن الْحَارِث : أَنَّ نُعْمَان بْن مُقْرِن سَأَلَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , فَقَالَ : إِنِّي حَلَفْت أَنْ لَا أَنَام عَلَى فِرَاشِي سَنَة ! فَقَالَ اِبْن مَسْعُود : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ } كَفِّرْ عَنْ يَمِينك وَنَمْ عَلَى فِرَاشك ! قَالَ : بِمَ أُكَفِّر عَنْ يَمِينِي ؟ قَالَ : أَعْتِقْ رَقَبَة فَإِنَّك مُوسِر . وَنَحْو هَذَا مِنْ الْأَخْبَار الَّتِي رُوِيَت عَنْ اِبْن مَسْعُود وَابْن عُمَر وَغَيْرهمَا , فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْهُمْ كَانَ عَلَى وَجْه الِاسْتِحْبَاب لِمَنْ أَمَرُوهُ بِالتَّكْفِيرِ بِمَا أَمَرُوهُ بِالتَّكْفِيرِ بِهِ مِنْ الرِّقَاب , لَا عَلَى أَنَّهُ كَانَ لَا يَجْزِي عِنْدهمْ التَّكْفِير لِلْمُوسِرِ إِلَّا بِالرَّقَبَةِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُل أَحَد عَنْ أَحَد مِنْهُمْ أَنَّهُ قَالَ لَا يَجْزِي الْمُوسِر التَّكْفِير إِلَّا بِالرَّقَبَةِ . وَالْجَمِيع مِنْ عُلَمَاء الْأَمْصَار قَدِيمهمْ وَحَدِيثهمْ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ التَّكْفِير بِغَيْرِ الرِّقَاب جَائِز لِلْمُوسِرِ , فَفِي ذَلِكَ مُكْتَفًى عَنْ الِاسْتِشْهَاد عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ بِغَيْرِهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ لَمْ يَجِد فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَمَنْ لَمْ يَجِد لِكَفَّارَةِ يَمِينه الَّتِي لَزِمَهُ تَكْفِيرهَا مِنْ الطَّعَام وَالْكِسْوَة وَالرِّقَاب مَا يُكَفِّرهَا بِهِ عَلَى مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِ وَأَوْجَبْنَاهُ فِي كِتَابنَا وَعَلَى لِسَان رَسُولنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام } يَقُول : فَعَلَيْهِ صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي مَعْنَى قَوْله : { فَمَنْ لَمْ يَجِد } وَمَتَى يَسْتَحِقّ الْحَانِث فِي يَمِينه الَّذِي قَدْ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَة اِسْم غَيْر وَاجِد حَتَّى يَكُون مِمَّنْ لَهُ الصِّيَام فِي ذَلِكَ ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْحَانِثِ فِي وَقْت تَكْفِيره عَنْ يَمِينه إِلَّا قَدْر قُوته وَقُوت عِيَاله يَوْمه وَلَيْلَته فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُكَفِّر بِالصِّيَامِ , فَإِنْ كَانَ عِنْده فِي ذَلِكَ الْوَقْت قُوته وَقُوت عِيَاله يَوْمه وَلَيْلَته وَمِنْ الْفَضْل مَا يُطْعِم عَشَرَة مَسَاكِين أَوْ مَا يَكْسُوهُمْ , لَزِمَهُ التَّكْفِير بِالْإِطْعَامِ أَوْ الْكِسْوَة وَلَمْ يَجْزِهِ الصِّيَام حِينَئِذٍ . وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ الشَّافِعِيّ . حَدَّثَنَا بِذَلِكَ عَنْهُ الرَّبِيع . وَهَذَا الْقَوْل قَصَدَ إِنْ شَاءَ اللَّه - مَنْ أَوْجَبَ الطَّعَام عَلَى مَنْ كَانَ عِنْده دِرْهَمَانِ - مَنْ أَوْجَبَهُ عَلَى مَنْ عِنْده ثَلَاثَة دَرَاهِم . وَبِنَحْوِ ذَلِكَ : 9745 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ عَبْد الْكَرِيم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَّا ثَلَاثَة دَرَاهِم أَطْعَمَ . قَالَ : يَعْنِي فِي الْكَفَّارَة . 9746 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني مُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , قَالَ : قُلْت لِعُمَر بْن رَاشِد : الرَّجُل يَحْلِف , وَلَا يَكُون عِنْده مِنْ الطَّعَام إِلَّا بِقَدْرِ مَا يُكَفِّر ؟ قَالَ : كَانَ قَتَادَة يَقُول : يَصُوم ثَلَاثَة أَيَّام . 9747 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , قَالَ : ثنا يُونُس بْن عُبَيْد , عَنْ الْحَسَن قَالَ : إِذَا كَانَ عِنْده دِرْهَمَانِ . 9748 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا مُعْتَمِر , عَنْ حَمَّاد , عَنْ عَبْد الْكَرِيم بْن أَبِي أُمَيَّة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : ثَلَاثَة دَرَاهِم . وَقَالَ آخَرُونَ : جَائِز لِمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْده مِئَتَا دِرْهَم أَنْ يَصُوم وَهُوَ مِمَّنْ لَا يَجِد . وَقَالَ آخَرُونَ : جَائِز لِمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْده فَضْل عَنْ رَأْس مَاله يَتَصَرَّف بِهِ لِمَعَاشِهِ مَا يُكَفِّر بِهِ بِالْإِطْعَامِ أَنْ يَصُوم , إِلَّا أَنْ يَكُون لَهُ كِفَايَة مِنْ الْمَال مَا يَتَصَرَّف بِهِ لِمَعَاشِهِ وَمِنْ الْفَضْل عَنْ ذَلِكَ مَا يُكَفِّر بِهِ عَنْ يَمِينه . وَهَذَا قَوْل كَانَ يَقُولهُ بَعْض مُتَأَخِّرِي الْمُتَفَقِّهَة . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا , أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْده فِي حَال حِنْثه فِي يَمِينه إِلَّا قَدْر قُوته وَقُوت عِيَاله يَوْمه وَلَيْلَته لَا فَضْل لَهُ عَنْ ذَلِكَ , يَصُوم ثَلَاثَة أَيَّام , وَهُوَ مِمَّنْ دَخَلَ فِي جُمْلَة مَنْ لَا يَجِد مَا يُطْعِم أَوْ يَكْسُو أَوْ يُعْتِق . وَإِنْ كَانَ عِنْده فِي ذَلِكَ الْوَقْت مِنْ الْفَضْل عَنْ قُوته وَقُوت عِيَاله يَوْمه وَلَيْلَته مَا يُطْعِم أَوْ يَكْسُو عَشَرَة مَسَاكِين أَوْ يُعْتِق رَقَبَة , فَلَا يَجْزِيه حِينَئِذٍ الصَّوْم ; لِأَنَّ إِحْدَى الْحَالَات الثَّلَاث حِينَئِذٍ مِنْ إِطْعَام أَوْ كِسْوَة أَوْ عِتْق حَقّ قَدْ أَوْجَبَهُ اللَّه تَعَالَى فِي مَاله وُجُوب الدِّين , وَقَدْ قَامَتْ الْحُجَّة بِأَنَّ الْمُفْلِس إِذَا فَرَّقَ مَاله بَيْن غُرَمَائِهِ أَنَّهُ لَا يَتْرُك ذَلِكَ الْيَوْم إِلَّا مَا لَا بُدّ لَهُ مِنْ قُوته وَقُوت عِيَاله يَوْمه وَلَيْلَته , فَكَذَلِكَ حُكْم الْمُعْدِم بِالدِّينِ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّه تَعَالَى فِي مَاله بِسَبَبِ الْكَفَّارَة الَّتِي لَزِمَتْ مَاله . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي صِفَة الصَّوْم الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّه فِي كَفَّارَة الْيَمِين , فَقَالَ بَعْضهمْ : صِفَته أَنْ يَكُون مُوَاصِلًا بَيْن الْأَيَّام الثَّلَاثَة غَيْر مُفَرِّقهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9749 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْعَلَاء , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : كُلّ صَوْم فِي الْقُرْآن فَهُوَ مُتَتَابِع إِلَّا قَضَاء رَمَضَان , فَإِنَّهُ عِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر . 9750 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَهَنَّاد , قَالَا : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , قَالَ : كَانَ أُبَيّ بْن كَعْب يَقْرَأ : " صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات " . * - حَدَّثَنَا عَبْد الْأَعْلَى بْن وَاصِل الْأَسَدِيّ , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب , أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : . " فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات " . 9751 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , عَنْ قَزَعَة بْن سُوَيْد , عَنْ سَيْف بْن سُلَيْمَان , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : " فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات " . 9752 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ ابْن عَوْن , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : فِي قِرَاءَتنَا : " فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات " . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ اِبْن عَوْن , عَنْ إِبْرَاهِيم , مِثْله . 9753 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم : فِي قِرَاءَة أَصْحَاب عَبْد اللَّه : " فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات " . 9754 - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَأَبُو كُرَيْب , قَالَا : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ جَابِر , عَنْ عَامِر , قَالَ : فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : " فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات " . 9755 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن حُمَيْد , عَنْ مَعْمَر , عَنْ أَبِي إِسْحَاق : فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : " فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات " . 9756 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن حُمَيْد , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الْأَعْمَش , قَالَ : كَانَ أَصْحَاب عَبْد اللَّه يَقْرَءُونَ : " فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات " . 9757 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , قَالَ : سَمِعْت سُفْيَان , يَقُول : إِذَا فَرَّقَ صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام لَمْ يَجْزِهِ . قَالَ : وَسَمِعْته يَقُول فِي رَجُل صَامَ فِي كَفَّارَة يَمِين ثُمَّ أَفْطَرَ , قَالَ : يَسْتَقْبِل الصَّوْم . 9758 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا جَامِع بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام } قَالَ : إِذَا لَمْ يَجِد طَعَامًا ; وَكَانَ فِي بَعْض الْقِرَاءَة : " فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات " . وَبِهِ كَانَ يَأْخُذ قَتَادَة . 9759 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : هُوَ بِالْخِيَارِ فِي هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة الْأَوَّل فَالْأَوَّل , فَإِنْ لَمْ يَجِد مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات . وَقَالَ آخَرُونَ : جَائِز لِمَنْ صَامَهُنَّ أَنْ يَصُومهُنَّ كَيْفَ شَاءَ مُجْتَمِعَات وَمُفْتَرِقَات . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9760 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَشْهَب , قَالَ : قَالَ مَالِك : كُلّ مَا ذَكَرَ اللَّه فِي الْقُرْآن مِنْ الصِّيَام , فَأَنْ يُصَام تِبَاعًا أَعْجَب , فَإِنْ فَرَّقَهَا رَجَوْت أَنْ تَجْزِي عَنْهُ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَى مَنْ لَزِمَتْهُ كَفَّارَة يَمِين إِذَا لَمْ يَجِد إِلَى تَكْفِيرهَا بِالْإِطْعَامِ أَوْ الْكِسْوَة أَوْ الْعِتْق سَبِيلًا , أَنْ يُكَفِّرهَا بِصِيَامِ ثَلَاثَة أَيَّام , وَلَمْ يَشْرِط فِي ذَلِكَ مُتَتَابِعَة , فَكَيْفَمَا صَامَهُنَّ الْمُكَفِّر مُفَرَّقَة وَمُتَتَابِعَة أَجْزَأَهُ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى إِنَّمَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام , فَكَيْفَمَا أَتَى بِصَوْمِهِنَّ أَجْزَأَ . فَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ أُبَيّ وَابْن مَسْعُود مِنْ قِرَاءَتهمَا " فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات " فَذَلِكَ خِلَاف مَا فِي مَصَاحِفنَا , وَغَيْر جَائِز لَنَا أَنْ نَشْهَد بِشَيْءٍ لَيْسَ فِي مَصَاحِفنَا مِنْ الْكَلَام أَنَّهُ مِنْ كِتَاب اللَّه . غَيْر أَنِّي أَخْتَار لِلصَّائِمِ فِي كَفَّارَة الْيَمِين أَنْ يُتَابِع بَيْن الْأَيَّام الثَّلَاثَة وَلَا يُفَرِّق , لِأَنَّهُ لَا خِلَاف بَيْن الْجَمِيع أَنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَجْزَأَ ذَلِكَ عَنْهُ مِنْ كَفَّارَته . وَهُمْ فِي غَيْر ذَلِكَ مُخْتَلِفُونَ , فَفِعْلُ مَا لَا يُخْتَلَف فِي جَوَازه أَحَبّ إِلَيَّ وَإِنْ كَانَ الْآخَر جَائِزًا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ كَفَّارَة أَيْمَانكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { ذَلِكَ } هَذَا الَّذِي ذَكَرْت لَكُمْ أَنَّهُ { كَفَّارَة أَيْمَانكُمْ } مِنْ إِطْعَام الْعَشَرَة الْمَسَاكِين أَوْ كِسْوَتهمْ أَوْ تَحْرِير الرَّقَبَة , وَصِيَام الثَّلَاثَة الْأَيَّام إِذَا لَمْ تَجِدُوا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا هُوَ كَفَّارَة أَيْمَانكُمْ الَّتِي عَقَّدْتُمُوهَا { إِذَا حَلَفْتُمْ }
{ وَاحْفَظُوا } أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا { أَيْمَانكُمْ } أَنْ تَحْنَثُوا فِيهَا ثُمَّ تُضَيِّعُوا الْكَفَّارَة فِيهَا بِمَا وَصَفْته لَكُمْ .
كَمَا بَيَّنَ لَكُمْ كَفَّارَة أَيْمَانكُمْ , كَذَلِكَ يُبَيِّن اللَّه لَكُمْ جَمِيع آيَاته , يَعْنِي : أَعْلَام دِينه , فَيُوضِّحهَا لَكُمْ , لِئَلَّا يَقُول الْمُضَيِّع الْمُفَرِّط فِيمَا أَلْزَمَهُ اللَّه : لَمْ أَعْلَم حُكْم اللَّه فِي ذَلِكَ .
يَقُول : لِتَشْكُرُوا اللَّه عَلَى هِدَايَته إِيَّاكُمْ وَتَوْفِيقه لَكُمْ .
وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز وَبَعْض الْبَصْرِيِّينَ : { وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان } بِتَشْدِيدِ الْقَاف , بِمَعْنَى : وَكَّدْتُمْ الْأَيْمَان وَرَدَّدْتُمُوهَا ; وَقُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : " بِمَا عَقَدْتُمْ الْأَيْمَان " بِتَخْفِيفِ الْقَاف , بِمَعْنَى : أَوْجَبْتُمُوهَا عَلَى أَنْفُسكُمْ , وَعَزَمَتْ عَلَيْهَا قُلُوبكُمْ . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ بِتَخْفِيفِ الْقَاف , وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَب لَا تَكَاد تَسْتَعْمِل فَعَّلْت فِي الْكَلَام , إِلَّا فِيمَا يَكُون فِيهِ تَرَدُّد مَرَّة بَعْد مَرَّة , مِثْل قَوْلهمْ : شَدَّدْت عَلَى فُلَان فِي كَذَا إِذَا كَرَّرَ عَلَيْهِ الشَّدّ مَرَّة بَعْد أُخْرَى , فَإِذَا أَرَادُوا الْخَبَر عَنْ فِعْل مَرَّة وَاحِدَة قِيلَ : شَدَدْت عَلَيْهِ بِالتَّخْفِيفِ . وَقَدْ أَجْمَعَ الْجَمِيع لَا خِلَاف بَيْنهمْ أَنَّ الْيَمِين الَّتِي تَجِب بِالْحِنْثِ فِيهَا الْكَفَّارَة تَلْزَم بِالْحِنْثِ فِي حَلِف مَرَّة وَاحِدَة وَإِنْ لَمْ يُكَرِّرهَا الْحَالِف مَرَّات , وَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ اللَّه مُؤَاخِذ الْحَالِف الْعَاقِد قَلْبه عَلَى حَلِفه وَإِنْ لَمْ يُكَرِّرهُ وَلَمْ يُرَدِّدهُ ; وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِتَشْدِيدِ الْقَاف مِنْ عَقَّدْتُمْ وَجْه مَفْهُوم . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَن : لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ أَيْمَانكُمْ بِمَا لَغَوْتُمْ فِيهِ , وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ بِمَا أَوْجَبْتُمُوهُ عَلَى أَنْفُسكُمْ مِنْهَا وَعَقَدَتْ عَلَيْهِ قُلُوبكُمْ . وَقَدْ بَيَّنَّا الْيَمِين الَّتِي هِيَ لَغْو وَاَلَّتِي اللَّه مُؤَاخِذ الْعَبْد بِهَا , وَاَلَّتِي فِيهَا الْحِنْث وَاَلَّتِي لَا حِنْث فِيهَا , فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا فَكَرِهْنَا إِعَادَة ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِع .
وَأَمَّا قَوْله : { بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان } فَإِنَّ هَنَّادًا : 9643 - حَدَّثَنَا قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان } قَالَ : بِمَا تَعَمَّدْتُمْ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 9644 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن : { وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان } يَقُول : مَا تَعَمَّدْت فِيهِ الْمَأْثَم , فَعَلَيْك فِيهِ الْكَفَّارَة .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى . { فَكَفَّارَته إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْهَاء الَّتِي فِي قَوْله : { فَكَفَّارَته } عَلَى مَا هِيَ عَائِدَة , وَمَنْ ذَكَرَ مَا ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ عَائِدَة عَلَى " مَا " الَّتِي فِي قَوْله : { بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان } ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9645 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ عَوْف , عَنْ الْحَسَن فِي هَذِهِ الْآيَة : { لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ } قَالَ : هُوَ أَنْ تَحْلِف عَلَى الشَّيْء وَأَنْتَ يُخَيَّل إِلَيْك أَنَّهُ كَمَا حَلَفْت وَلَيْسَ كَذَلِكَ , فَلَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه , فَلَا كَفَّارَة , وَلَكِنَّ الْمُؤَاخَذَة وَالْكَفَّارَة فِيمَا حَلَفْت عَلَيْهِ عَلَى عِلْم . 9646 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : اللَّغْو لَيْسَ فِيهِ كَفَّارَة { وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان } قَالَ : مَا عَقَّدَ فِيهِ يَمِينه فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَة . 9647 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك , قَالَ : الْأَيْمَان ثَلَاث : يَمِين تُكَفَّر , وَيَمِين لَا تُكَفَّر , وَيَمِين لَا يُؤَاخَذ بِهَا صَاحِبهَا . فَأَمَّا الْيَمِين الَّتِي تُكَفَّر , فَالرَّجُل يَحْلِف عَلَى الْأَمْر لَا يَفْعَلهُ ثُمَّ يَفْعَلهُ , فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَة . وَأَمَّا الْيَمِين الَّتِي لَا تُكَفَّر : فَالرَّجُل يَحْلِف عَلَى الْأَمْر يَتَعَمَّد فِيهِ الْكَذِب , فَلَيْسَ فِيهِ كَفَّارَة . وَأَمَّا الْيَمِين الَّتِي لَا يُؤَاخَذ بِهَا صَاحِبهَا : فَالرَّجُل يَحْلِف عَلَى الْأَمْر يَرَى أَنَّهُ كَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَلَا يَكُون كَذَلِكَ , فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ كَفَّارَة , وَهُوَ اللَّغْو . 9648 - حَدَّثَنَا يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن أَبِي لَيْلَى , عَنْ عَطَاء , قَالَ : قَالَتْ عَائِشَة : لَغْو الْيَمِين مَا لَمْ يَعْقِد عَلَيْهِ الْحَالِف قَلْبه . 9649 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا هِشَام , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : لَيْسَ فِي لَغْو الْيَمِين كَفَّارَة . 9650 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُس , عَنْ اِبْن شِهَاب , أَنَّ عُرْوَة حَدَّثَهُ أَنَّ عَائِشَة قَالَتْ : أَيْمَان الْكَفَّارَة كُلّ يَمِين حَلَفَ فِيهَا الرَّجُل عَلَى جِدّ مِنْ الْأُمُور فِي غَضَب أَوْ غَيْره لَيَفْعَلَنَّ لَيَتْرُكَنَّ , فَذَلِكَ عَقْد الْأَيْمَان الَّتِي فَرَضَ اللَّه فِيهَا الْكَفَّارَة , وَقَالَ تَعَالَى ذِكْره : { لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان } . 9651 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد , وَعَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , قَالَا : لَيْسَ فِي لَغْو الْيَمِين كَفَّارَة . 9652 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا جَامِع بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن : { وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان } يَقُول : مَا تَعَمَّدْت فِيهِ الْمَأْثَم فَعَلَيْك فِيهِ الْكَفَّارَة . قَالَ : وَقَالَ قَتَادَة : أَمَّا اللَّغْو فَلَا كَفَّارَة فِيهِ . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عَبْدَة , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : لَا كَفَّارَة فِي لَغْو الْيَمِين . 9653 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَمْرو الْعَنْقَزِيّ , عَنْ أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : لَيْسَ فِي لَغْو الْيَمِين كَفَّارَة . فَمَعْنَى الْكَلَام عَلَى هَذَا التَّأْوِيل : لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ , وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان , فَكَفَّارَة مَا عَقَّدْتُمْ مِنْهَا : إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين . وَقَالَ آخَرُونَ : الْهَاء فِي قَوْله : { فَكَفَّارَته } عَائِدَة عَلَى اللَّغْو , وَهِيَ كِنَايَة عَنْهُ . قَالُوا : وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام : لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ إِذَا كَفَّرْتُمُوهُ , وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ إِذَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان فَأَقَمْتُمْ عَلَى الْمُضِيّ عَلَيْهِ بِتَرْكِ الْحِنْث وَالْكَفَّارَة فِيهِ , وَالْإِقَامَة عَلَى الْمُضِيّ عَلَيْهِ غَيْر جَائِزَة لَكُمْ , فَكَفَّارَة اللَّغْو مِنْهَا إِذَا حَنِثْتُمْ فِيهِ : إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9654 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ } قَالَ : هُوَ الرَّجُل يَحْلِف عَلَى أَمْر ضِرَار أَنْ يَفْعَلهُ فَلَا يَفْعَلهُ فَيَرَى الَّذِي هُوَ خَيْر مِنْهُ , فَأَمَرَهُ اللَّه أَنْ يُكَفِّر عَنْ يَمِينه وَيَأْتِي هُوَ خَيْر . وَقَالَ مَرَّة أُخْرَى قَوْله : { لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ } إِلَى قَوْله : { بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان } قَالَ : وَاللَّغْو مِنْ الْيَمِين هِيَ الَّتِي تُكَفَّر لَا يُؤَاخِذ اللَّه بِهَا , وَلَكِنْ مَنْ أَقَامَ عَلَى تَحْرِيم مَا أَحَلَّ اللَّه لَهُ وَلَمْ يَتَحَوَّل عَنْهُ وَلَمْ يُكَفِّر عَنْ يَمِينه , فَتِلْكَ الَّتِي يُؤَاخَذ بِهَا . 9655 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا حَفْص بْن غِيَاث , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَوْله : { لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ } قَالَ : هُوَ الَّذِي يَحْلِف عَلَى الْمَعْصِيَة فَلَا يَفِي , فَيُكَفِّر . 9656 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ } قَالَ : هُوَ الرَّجُل يَحْلِف عَلَى الْمَعْصِيَة فَلَا يُؤَاخِذهَا اللَّه تَعَالَى , يُكَفِّر عَنْ يَمِينه وَيَأْتِي الَّذِي هُوَ خَيْر { وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان } الرَّجُل يَحْلِف عَلَى الْمَعْصِيَة ثُمَّ يُقِيم عَلَيْهَا , فَكَفَّارَته إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين . 9657 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : أَخْبَرَنَا دَاوُد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ فِي لَغْو الْيَمِين : هِيَ الْيَمِين فِي الْمَعْصِيَة , فَقَالَ : أَوَلَا تَقْرَأ فَتَفْهَم ؟ قَالَ : { لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان } قَالَ : فَلَا يُؤَاخِذهُ بِالْإِلْغَاءِ , وَلَكِنْ يُؤَاخِذهُ بِالْمَقَامِ عَلَيْهَا . قَالَ : وَقَالَ : { وَلَا تَجْعَلُوا اللَّه عُرْضَة لِأَيْمَانِكُمْ } . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : { لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ } قَالَ : هُوَ الرَّجُل يَحْلِف عَلَى الْمَعْصِيَة فَلَا يُؤَاخِذهُ اللَّه بِتَرْكِهَا إِنْ تَرَكَهَا . قُلْت : وَكَيْفَ يَصْنَع ؟ قَالَ : يُكَفِّر يَمِينه , وَيَتْرُك الْمَعْصِيَة . 9658 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , قَالَ : أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , فِي قَوْله : { لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ } قَالَ : الْيَمِين الْمُكَفَّرَة . 9659 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : اللَّغْو : يَمِين لَا يُؤَاخَذ بِهَا صَاحِبهَا , وَفِيهَا كَفَّارَة . وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى عِنْدِي بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ , أَنْ تَكُون الْهَاء فِي قَوْله : { فَكَفَّارَته } عَائِدَة عَلَى " مَا " الَّتِي فِي قَوْله : { بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان } لِمَا قَدَّمْنَا فِيمَا مَضَى قَبْل أَنَّ مَنْ لَزِمَتْهُ فِي يَمِينه كَفَّارَة وَأُوخِذَ بِهَا , غَيْر جَائِز أَنْ يُقَال لِمَنْ قَدْ أُوخِذَ : لَا يُؤَاخِذهُ اللَّه بِاللَّغْوِ ; وَفِي قَوْله تَعَالَى : { لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ } دَلِيل وَاضِح أَنَّهُ لَا يَكُون مُؤَاخَذ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوه مَنْ أَخْبَرَنَا تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُ غَيْر مُؤَاخَذ . فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّهُ إِنَّمَا عَنَى تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ } بِالْعُقُوبَةِ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَة إِذَا حَنِثْتُمْ وَكَفَّرْتُمْ , لَا أَنَّهُ لَا يُؤَاخِذهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا بِتَكْفِيرٍ ; فَإِنَّ إِخْبَار اللَّه تَعَالَى ذِكْره وَأَمْره وَنَهْيه فِي كِتَابه عَلَى الظَّاهِر الْعَامّ عِنْدنَا بِمَا قَدْ دَلَّلْنَا عَلَى صِحَّة الْقَوْل بِهِ فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَته , دُون الْبَاطِن الْعَامّ الَّذِي لَا دَلَالَة عَلَى خُصُوصه فِي عَقْل وَلَا خَبَر وَلَا دَلَالَة مِنْ عَقْل وَلَا خَبَر , أَنَّهُ عَنَى تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُمْ } بَعْض مَعَانِي الْمُؤَاخَذَة دُون جَمِيعهَا . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ مَنْ لَزِمَتْهُ كَفَّارَة فِي يَمِين حَنِثَ فِيهَا مُؤَاخَذًا بِهَا بِعُقُوبَةٍ فِي مَاله عَاجِلَة , كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ غَيْر الَّذِي أَخْبَرَنَا تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُ لَا يُؤَاخِذهُ بِهَا . وَإِذَا كَانَ الصَّحِيح مِنْ التَّأْوِيل فِي ذَلِكَ مَا قُلْنَا بِاَلَّذِي عَلَيْهِ دَلَّلْنَا , فَمَعْنَى الْكَلَام إِذَن : لَا يُؤَاخِذكُمْ اللَّه أَيّهَا النَّاس بِلَغْوٍ مِنْ الْقَوْل وَالْأَيْمَان إِذَا لَمْ تَتَعَمَّدُوا بِهَا مَعْصِيَة اللَّه تَعَالَى وَلَا خِلَاف أَمْره وَلَمْ تَقْصِدُوا بِهَا إِثْمًا , وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ بِمَا تَعَمَّدْتُمْ بِهِ الْإِثْم وَأَوْجَبْتُمُوهُ عَلَى أَنْفُسكُمْ وَعَزَمَتْ عَلَيْهِ قُلُوبكُمْ , وَيُكَفِّر ذَلِكَ عَنْكُمْ , فَيُغَطِّي عَلَى سَيِّئ مَا كَانَ مِنْكُمْ مِنْ كَذِب وَزُور قَوْل وَيَمْحُوهُ عَنْكُمْ , فَلَا يُتْبِعكُمْ بِهِ رَبّكُمْ ; إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } أَعْدَله . كَمَا : 9660 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : سَمِعْت عَطَاء يَقُول فِي هَذِهِ الْآيَة : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتهمْ } قَالَ عَطَاء : أَوْسَطه : أَعْدَله , وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى قَوْله : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : مِنْ أَوْسَط مَا يُطْعِم مِنْ أَجْنَاس الطَّعَام الَّذِي يَقْتَاتهُ أَهْل بَلَد الْمُكَفِّر أَهَالِيهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9661 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : أَخْبَرَنَا شَرِيك , عَنْ عَبْد اللَّه بْن حَنَش , عَنْ الْأَسْوَد , قَالَ : سَأَلْته عَنْ : { أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } قَالَ : الْخُبْز وَالتَّمْر وَالزَّيْت وَالسَّمْن , وَأَفْضَله اللَّحْم . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَبْد اللَّه بْن حَنَش , قَالَ : سَأَلْت الْأَسْوَد بْن يَزِيد , عَنْ ذَلِكَ , فَقَالَ : الْخُبْز وَالتَّمْر . زَادَ هَنَّاد فِي حَدِيثه : الزَّيْت , قَالَ : وَأَحْسَبهُ الْخَلّ . 9662 - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ عَاصِم الْأَحْوَل , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ اِبْن عُمَر فِي قَوْله : { أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } قَالَ : مِنْ أَوْسَط مَا يُطْعِم أَهْله الْخُبْز وَالتَّمْر , وَالْخُبْز وَالسَّمْن وَالْخُبْز وَالزَّيْت , وَمِنْ أَفْضَل مَا يُطْعِمهُمْ : الْخُبْز وَاللَّحْم . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن فُضَيْل , عَنْ لَيْث , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ اِبْن عُمَر : { أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } الْخُبْز وَاللَّحْم , وَالْخُبْز وَالسَّمْن , وَالْخُبْز وَالْجُبْن , وَالْخُبْز وَالْخَلّ . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَبْد اللَّه بْن حَنَش , قَالَ : سَأَلْت الْأَسْوَد بْن يَزِيد عَنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ ؟ قَالَ : الْخُبْز وَالتَّمْر . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى , قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن حَنَش , قَالَ : سَأَلْت الْأَسْوَد بْن يَزِيد , فَذَكَرَ مِثْله . 9663 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ , عَنْ عَبِيدَة السَّلْمَانِيّ : { أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } قَالَ : الْخُبْز وَالسَّمْن . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سَعِيد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , قَالَ : سَأَلْت عَبِيدَة عَنْ ذَلِكَ , فَذَكَرَ مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَزْهَر , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن عَوْن , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ , عَنْ عَبِيدَة : { أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } الْخُبْز وَالسَّمْن . 9664 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ يَزِيد بْن إِبْرَاهِيم , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , قَالَ : كَانُوا يَقُولُونَ : أَفْضَله الْخُبْز وَاللَّحْم , وَأَوْسَطه : الْخُبْز وَالسَّمْن , وَأَخَسّه : الْخُبْز وَالتَّمْر . 9665 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : خُبْز وَلَحْم , أَوْ خُبْز وَسَمْن , أَوْ خُبْز وَلَبَن . 9666 - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا عُمَر بْن هَارُون , عَنْ أَبِي مُصْلِح , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } قَالَ : الْخُبْز وَاللَّحْم وَالْمَرَقَة . 9667 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا زَائِدَة , عَنْ يَحْيَى بْن حِبَّان الطَّائِيّ , قَالَ : كُنْت عِنْد شُرَيْح , فَأَتَاهُ رَجُل , فَقَالَ : إِنِّي حَلَفْت عَلَى يَمِين فَأَثِمْت ! قَالَ شُرَيْح : مَا حَمَلَك عَلَى ذَلِكَ ؟ قَالَ : قَدَرٌ عَلَيَّ , فَمَا أَوْسَط مَا أُطْعِم أَهْلِي ؟ قَالَ لَهُ شُرَيْح . الْخُبْز وَالزَّيْت وَالْخَلّ طَيِّب . قَالَ : فَأَعَادَ عَلَيْهِ , فَقَالَ لَهُ شُرَيْح ذَلِكَ ثَلَاث مِرَار لَا يَزِيدهُ شُرَيْح عَلَى ذَلِكَ . فَقَالَ لَهُ : أَرَأَيْت إِنْ أَطْعَمْت الْخُبْز وَاللَّحْم ؟ قَالَ : ذَاكَ أَرْفَع طَعَام أَهْلك وَطَعَام النَّاس . 9668 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر , عَنْ حَجَّاج , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ الْحَارِث , عَنْ عَلِيّ , قَالَ فِي كَفَّارَة الْيَمِين : يُغَدِّيهِمْ وَيُعَشِّيهِمْ خُبْزًا وَزَيْتًا , أَوْ خُبْزًا وَسَمْنًا . أَوْ خَلًّا وَزَيْتًا . 9669 - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَابْن وَكِيع , قَالَا . ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ زِبْرِقَان , عَنْ أَبِي رَزِين : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } خُبْز وَزَيْت وَخَلّ . 9670 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , عَنْ هِشَام بْن مُحَمَّد , قَالَ : أَكْلَة وَاحِدَة خُبْز وَلَحْم . قَالَ : وَهُوَ مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ , وَإِنَّكُمْ لَتَأْكُلُونَ الْخَبِيص وَالْفَاكِهَة . 9671 - حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , وَحَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ هِشَام , عَنْ الْحَسَن قَالَ فِي كَفَّارَة الْيَمِين : يَجْزِيك أَنْ تُطْعِم عَشَرَة مَسَاكِين أَكْلَة وَاحِدَة خُبْزًا وَلَحْمًا , فَإِنْ لَمْ تَجِد فَخُبْزًا وَسَمْنًا وَلَبَنًا , فَإِنْ لَمْ تَجِد فَخُبْزًا وَخَلًّا وَزَيْتًا حَتَّى يَشْبَعُوا . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن نُمَيْر , عَنْ زِبْرِقَان , قَالَ : سَأَلْت أَبَا رَزِين , عَنْ كَفَّارَة الْيَمِين مَا يُطْعِم ؟ قَالَ : خُبْزًا وَخَلًّا وَزَيْتًا مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ , وَذَلِكَ قَدْر قُوتهمْ يَوْمًا وَاحِدًا . ثُمَّ اِخْتَلَفَ قَائِلُو ذَلِكَ فِي مَبْلَغه . فَقَالَ بَعْضهمْ : مَبْلَغ ذَلِكَ نِصْف صَاع مِنْ حِنْطَة . أَوْ صَاع مِنْ سَائِر الْحُبُوب غَيْرهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9672 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عُمَر , قَالَ : إِنِّي أَحْلِف عَلَى الْيَمِين ثُمَّ يَبْدُو لِي , فَإِذَا رَأَيْتنِي قَدْ فَعَلْت ذَلِكَ فَأُطْعِم عَشَرَة مَسَاكِين لِكُلِّ مِسْكِين مُدَّانِ مِنْ حِنْطَة . 9673 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , وَيَعْلَى عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ شَقِيق , عَنْ يَسَار بْن نُمَيْر , قَالَ : قَالَ عُمَر : إِنِّي أَحْلِف أَنْ لَا أُعْطِي أَقْوَامًا ثُمَّ يَبْدُو لِي أَنْ أُعْطِيهِمْ , فَإِذَا رَأَيْتنِي فَعَلْت ذَلِكَ , فَأَطْعِمْ عَنِّي عَشَرَة مَسَاكِين بَيْن كُلّ مِسْكِينَيْنِ صَاعًا مِنْ بُرّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْر . 9674 - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَمُحَمَّد بْن الْعَلَاء قَالَا : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ اِبْن أَبِي لَيْلَى , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن سَلَمَة , عَنْ عَلِيّ , قَالَ : كَفَّارَة الْيَمِين إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين , لِكُلِّ مِسْكِين نِصْف صَاع مِنْ حِنْطَة . 9675 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } نِصْف صَاع بُرّ لِكُلِّ مِسْكِين . 9676 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا حَفْص عَنْ عَبْد الْكَرِيم الْجَزَرِيّ , قَالَ : قُلْت لِسَعِيدِ بْن جُبَيْر : أَجْمَعهُمْ ؟ قَالَ : لَا , أَعْطِهِمْ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَة , مُدًّا لِطَعَامِهِ وَمُدًّا لِإِدَامِهِ . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ عَبْد الْكَرِيم الْجَزَرِيّ , قَالَ : قُلْت لِسَعِيدٍ , فَذَكَرَ نَحْوه . 9677 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو زَيْد , عَنْ حُصَيْن , قَالَ : سَأَلْت الشَّعْبِيّ , عَنْ كَفَّارَة الْيَمِين , فَقَالَ : مَكُّوكَيْنِ : مَكُّوكًا لِطَعَامِهِ , وَمَكُّوكًا لِإِدَامِهِ . 9678 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا هِشَام , عَنْ عَطَاء , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : لِكُلِّ مِسْكِين مُدَّيْنِ . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ هِشَام , عَنْ عَطَاء , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : لِكُلِّ مِسْكِين مُدَّيْنِ مِنْ بُرّ فِي كَفَّارَة الْيَمِين . 9679 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : مُدَّانِ مِنْ طَعَام لِكُلِّ مِسْكِين . 9680 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا سَعْد بْن يَزِيد أَبُو سَلَمَة , قَالَ : سَأَلْت جَابِر بْن زَيْد عَنْ إِطْعَام الْمِسْكِين فِي كَفَّارَة الْيَمِين , فَقَالَ : أَكْلَة . قُلْت : فَإِنَّ الْحَسَن يَقُول : مَكُّوك بُرّ , وَمَكُّوك تَمْر , فَمَا تَرَى فِي مَكُّوك بُرّ ؟ فَقَالَ : إِنْ مَكُّوك بُرّ لَا , أَوْ مَكُّوك تَمْر لَا . قَالَ يَعْقُوب : قَالَ اِبْن عُلَيَّة وَقَالَ أَبُو سَلَمَة بِيَدِهِ , كَأَنَّهُ يَرَاهُ حَسَنًا , وَقَلَّبَ أَبُو سَلَمَة يَده . 9681 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ هِشَام , عَنْ الْحَسَن : أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي كَفَّارَة الْيَمِين فِيمَا وَجَبَ فِيهِ الطَّعَام : مَكُّوك تَمْر , وَمَكُّوك بُرّ لِكُلِّ مِسْكِين . 9682 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ الْحَسَن قَالَ , قَالَ : إِنْ جَمَعَهُمْ أَشْبَعَهُمْ إِشْبَاعَة وَاحِدَة , وَإِنْ أَعْطَاهُمْ أَعْطَاهُمْ مَكُّوكًا مَكُّوكًا . * - حَدَّثَنَا يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ يُونُس , قَالَ : كَانَ الْحَسَن يَقُول : فَإِنْ أَعْطَاهُمْ فِي أَيْدِيهمْ فَمَكُّوك بُرّ وَمَكُّوك تَمْر . 9683 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك فِي كَفَّارَة الْيَمِين : نِصْف صَاع لِكُلِّ مِسْكِين . 9684 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الْحَكَم , فِي قَوْله : { إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } قَالَ : إِطْعَام نِصْف صَاع لِكُلِّ مِسْكِين . 9685 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا زَائِدَة , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : { أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } نِصْف صَاع . 9686 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ الْفَضْل بْن خَالِد , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم يَقُول فِي قَوْله : { فَكَفَّارَته إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين } قَالَ : الطَّعَام لِكُلِّ مِسْكِين : نِصْف صَاع مِنْ تَمْر أَوْ بُرّ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَبْلَغ ذَلِكَ مِنْ كُلّ شَيْء مِنْ الْحُبُوب مُدّ وَاحِد . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9687 - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَأَبُو كُرَيْب , قَالَا : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ هِشَام الدَّسْتُوَائِيّ , عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير , عَنْ أَبِي سَلَمَة , عَنْ زَيْد بْن ثَابِت , أَنَّهُ قَالَ فِي كَفَّارَة الْيَمِين : مُدّ مِنْ حِنْطَة لِكُلِّ مِسْكِين . 9688 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ فِي كَفَّارَة الْيَمِين : مُدّ مِنْ حِنْطَة لِكُلِّ مِسْكِينٍ رُبُعه إِدَامه . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَأَبُو كُرَيْب , قَالَا : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , نَحْوه . 9689 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ اِبْن عَجْلَان , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر : إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين لِكُلِّ مِسْكِين مُدّ . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَأَبُو كُرَيْب , قَالَا : ثنا وَكِيع , قَالَ : ثنا الْعُمَرِيّ , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : مُدّ مِنْ حِنْطَة لِكُلِّ مِسْكِين . 9690 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر : أَنَّهُ كَانَ يُكَفِّر الْيَمِين بِعَشَرَةِ أَمِدَاد بِالْمُدِّ الْأَصْغَر . 9691 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن مَهْدِيّ , عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ عُبَيْد اللَّه , عَنْ الْقَاسِم وَسَالِم فِي كَفَّارَة الْيَمِين : مَا يُطْعِم ؟ قَالَا : مُدّ لِكُلِّ مِسْكِين . 9692 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ سُلَيْمَان بْن يَسَار , قَالَ : كَانَ النَّاس إِذَا كَفَّرَ أَحَدُهُمْ , كَفَّرَ بِعَشَرَةِ أَمْدَاد بِالْمُدِّ الْأَصْغَر . 9693 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عُمَر بْن هَارُون , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء فِي قَوْله : { إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين } قَالَ : عَشَرَة أَمْدَاد لِعَشَرَةِ مَسَاكِين . 9694 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا جَامِع بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ الْحَسَن : { إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } قَالَ : كَانَ يُقَال : الْبُرّ وَالتَّمْر , لِكُلِّ مِسْكِين مُدّ مِنْ تَمْر وَمُدّ مِنْ بُرّ . 9695 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَهَنَّاد , قَالَا : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ مَالِك بْن مِغْوَل , عَنْ عَطَاء , قَالَ : مُدّ لِكُلِّ مِسْكِين . 9696 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } قَالَ : مِنْ أَوْسَط مَا تَعُولُونَهُمْ . قَالَ : وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ رَأَوْا أَوْسَط ذَلِكَ مُدًّا بِمُدِّ رَسُول اللَّه مِنْ حِنْطَة . قَالَ ابْن زَيْد : هُوَ الْوَسَط مِمَّا يَقُوت بِهِ أَهْله , لَيْسَ بِأَدْنَاهُ وَلَا بِأَرْفَعِهِ . 9697 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْن عَبْد اللَّه بْن سَالِم , عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } قَالَ : مُدّ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ غَدَاء وَعَشَاء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9698 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر , عَنْ حَجَّاج , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ الْحَارِث , عَنْ عَلِيّ , قَالَ فِي كَفَّارَة الْيَمِين : يُغَدِّيهِمْ وَيُعَشِّيهِمْ . 9699 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عُمَر بْن هَارُون , عَنْ مُوسَى بْن عُبَيْدَة , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ فِي كَفَّارَة الْيَمِين قَالَ : غَدَاء وَعَشَاء . 9700 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ يُونُس , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : يُغَدِّيهِمْ وَيُعَشِّيهِمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } مِنْ أَوْسَط مَا يُطْعِم الْمُكَفِّر أَهْله . قَالَ : إِنْ كَانَ مِمَّنْ يُشْبِع أَهْله أَشْبَع الْمَسَاكِين الْعَشَرَة , وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُشْبِعهُمْ لِعَجْزِهِ عَنْ ذَلِكَ أَطْعَمَ الْمَسَاكِين عَلَى قَدْر مَا يَفْعَل مِنْ ذَلِكَ بِأَهْلِهِ فِي عُسْره وَيُسْره . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9701 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { فَكَفَّارَته إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } قَالَ : إِنْ كُنْت تُشْبِع أَهْلك فَأَشْبِعْ الْمَسَاكِين , وَإِلَّا فَعَلَى مَا تُطْعِم أَهْلك بِقَدْرِهِ . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَكَفَّارَته إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } وَهُوَ أَنْ تُطْعِم كُلّ مِسْكِين مِنْ نَحْو مَا تُطْعِم أَهْلك مِنْ الشِّبَع , أَوْ نِصْف صَاع مِنْ بُرّ . 9702 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ عَامِر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : مِنْ عُسْرهمْ وَيُسْرهمْ . 9703 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ عَامِر , قَالَ : مِنْ عُسْرهمْ وَيُسْرهمْ . 9704 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ سُلَيْمَان بْن أَبِي الْمُغِيرَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } قَالَ : قُوتهمْ . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَأَبُو كُرَيْب , قَالَا : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ سُلَيْمَان الْعَبْسِيّ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } قَالَ : قُوتهمْ . 9705 - حَدَّثَنَا أَبُو حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام بْن سَلْم , قَالَ : ثنا عَنْبَسَة , عَنْ سُلَيْمَان بْن عُبَيْد الْعَبْسِيّ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر فِي قَوْله : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } قَالَ : كَانُوا يُفَضِّلُونَ الْحُرّ عَلَى الْعَبْد وَالْكَبِير عَلَى الصَّغِير , فَنَزَلَتْ : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } . * - حَدَّثَنَا الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ . ثنا قَيْس بْن الرَّبِيع , عَنْ سَالِم الْأَفْطَس , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : كَانُوا يُطْعِمُونَ الْكَبِير مَا لَا يُطْعِمُونَ الصَّغِير , وَيُطْعِمُونَ الْحُرّ مَا لَا يُطْعِمُونَ الْعَبْد , فَقَالَ : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } . 9706 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : ثنا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , فِي قَوْله : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } قَالَ : إِنْ كُنْت تُشْبِع أَهْلك فَأَشْبِعْهُمْ , وَإِنْ كُنْت لَا تُشْبِعهُمْ , فَعَلَى قَدْر ذَلِكَ . * - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا شَيْبَان النَّحْوِيّ , عَنْ جَابِر , عَنْ عَامِر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } قَالَ : مِنْ عُسْرهمْ وَيُسْرهمْ . 9707 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : ثنا سُفْيَان عَنْ سُلَيْمَان , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَ الرَّجُل يَقُوت بَعْض أَهْله قُوتًا دُونًا وَبَعْضهمْ قُوتًا فِيهِ سَعَة , فَقَالَ اللَّه : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } الْخُبْز وَالزَّيْت . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي تَأْوِيل قَوْله : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } عِنْدنَا قَوْل مَنْ قَالَ : مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ فِي الْقِلَّة وَالْكَثْرَة . وَذَلِكَ أَنَّ أَحْكَام رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكَفَّارَات كُلّهَا بِذَلِكَ وَرَدَتْ , وَذَلِكَ كَحُكْمِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَفَّارَة الْحَلْق مِنْ الْأَذَى بِفَرَقٍ مِنْ طَعَام بَيْن سِتَّة مَسَاكِين لِكُلِّ مِسْكِين نِصْف صَاع , وَكَحُكْمِهِ فِي كَفَّارَة الْوَطْء فِي شَهْر رَمَضَان بِخَمْسَة عَشَر صَاعًا بَيْن سِتِّينَ مِسْكِينًا لِكُلِّ مِسْكِين رُبُع صَاع . وَلَا يُعْرَف لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْء مِنْ الْكَفَّارَات أَمَرَ بِإِطْعَامِ خُبْز وَإِدَام وَلَا بِغَدَاءٍ وَعَشَاء . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَتْ كَفَّارَة الْيَمِين إِحْدَى الْكَفَّارَات الَّتِي تَلْزَم مَنْ لَزِمَتْهُ , كَانَ سَبِيلهَا سَبِيل مَا تَوَلَّى الْحُكْم فِيهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنَّ الْوَاجِب عَلَى مُكَفِّرهَا مِنْ الطَّعَام مِقْدَار لِلْمَسَاكِينِ الْعَشَرَة , مَحْدُود بِكَيْلٍ دُون جَمْعهمْ عَلَى غَدَاء أَوْ عَشَاء مَخْبُوز مَأْدُوم , إِذْ كَانَتْ سُنَّته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَائِر الْكَفَّارَات كَذَلِكَ . فَإِذْ كَانَ صَحِيحًا مَا قُلْنَا بِمَا بِهِ اِسْتَشْهَدْنَا , فَبَيِّنٌ أَنَّ تَأْوِيل الْكَلَام : وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَان , فَكَفَّارَته إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين مِنْ أَعْدَل إِطْعَامكُمْ أَهْلِيكُمْ , وَأَنَّ " مَا " الَّتِي فِي قَوْله : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } بِمَعْنَى الْمَصْدَر , لَا بِمَعْنَى الْأَسْمَاء . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَأَعْدَل أَقْوَات الْمُوَسِّع عَلَى أَهْله مُدَّانِ , وَذَلِكَ نِصْف صَاع فِي رُبُعه إِدَامُهُ , وَذَلِكَ أَعْلَى مَا حَكَمَ بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَفَّارَة فِي إِطْعَام مَسَاكِين , وَأَعْدَل أَقْوَات الْمُقَتِّر عَلَى أَهْله مُدّ وَذَلِكَ رُبُع صَاع , وَهُوَ أَدْنَى مَا حَكَمَ بِهِ فِي كَفَّارَة فِي إِطْعَام مَسَاكِين . وَأَمَّا الَّذِينَ رَأَوْا إِطْعَام الْمَسَاكِين فِي كَفَّارَة الْيَمِين الْخُبْز وَاللَّحْم وَمَا ذَكَرْنَا عَنْهُمْ قَبْل , وَاَلَّذِينَ رَأَوْا أَنْ يُغَدُّوا أَوْ يُعَشُّوا , وَاَلَّذِينَ رَأَوْا أَنْ يُغَدَّوْا وَيُعَشَّوْا , فَإِنَّهُمْ ذَهَبُوا إِلَى تَأْوِيل قَوْله : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } مِنْ أَوْسَط الطَّعَام الَّذِي تُطْعِمُونَهُ أَهْلِيكُمْ , فَجَعَلُوا " مَا " الَّتِي فِي قَوْله : { مِنْ أَوْسَط مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } اِسْمًا لَا مَصْدَرًا , فَأَوْجَبُوا عَلَى الْمُكَفِّر إِطْعَام الْمَسَاكِين مِنْ أَعْدَل مَا يُطْعِم أَهْله مِنْ الْأَغْذِيَة . وَذَلِكَ مَذْهَب لَوْلَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ سُنَن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكَفَّارَات غَيْرهَا الَّتِي يَجِب إِلْحَاق أَشْكَالهَا بِهَا , وَأَنَّ كَفَّارَة الْيَمِين لَهَا نَظِيرَة وَشَبِيهَة يَجِب إِلْحَاقهَا بِهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوْ كِسْوَتهمْ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : فَكَفَّارَة مَا عَقَّدْتُمْ مِنْ الْأَيْمَان إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين أَوْ كِسْوَتهمْ . يَقُول إِمَّا أَنْ تُطْعِمُوهُمْ أَوْ تَكْسُوهُمْ , وَالْخِيَار فِي ذَلِكَ إِلَى الْمُكَفِّر . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْكِسْوَة الَّتِي عَنَى اللَّه بِقَوْلِهِ : { أَوْ كِسْوَتهمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ كِسْوَة ثَوْب وَاحِد . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9708 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي كِسْوَة الْمَسَاكِين فِي كَفَّارَة الْيَمِين : أَدْنَاهُ ثَوْب . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : أَدْنَاهُ ثَوْبٌ , وَأَعْلَاهُ مَا شِئْت . 9709 - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَأَبُو كُرَيْب , قَالَا : ثنا وَكِيع , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ الْحَسَن , قَالَ فِي كَفَّارَة الْيَمِين فِي قَوْله : { أَوْ كِسْوَتهمْ } ثَوْب لِكُلِّ مِسْكِين . 9710 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن مَهْدِيّ , عَنْ وُهَيْب , عَنْ اِبْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ : { أَوْ كِسْوَتهمْ } قَالَ : ثَوْب . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عُبَيْدَة , وَحَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا جَرِير جَمِيعًا , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { أَوْ كِسْوَتهمْ } قَالَ : ثَوْب . 9711 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { أَوْ كِسْوَتهمْ } قَالَ : ثَوْب ثَوْب . قَالَ مَنْصُور : الْقَمِيص , أَوْ الرِّدَاء , أَوْ الْإِزَار . 9712 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَهَنَّاد , قَالَا : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أُبَيّ , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ أَبِي جَعْفَر , فِي قَوْله : { أَوْ كِسْوَتهمْ } قَالَ : كِسْوَة الشِّتَاء وَالصَّيْف ثَوْب ثَوْب . 9713 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : قَالَ ثنا عُمَر بْن هَارُون , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء فِي قَوْله : { أَوْ كِسْوَتهمْ } قَالَ : ثَوْب ثَوْب لِكُلِّ مِسْكِين . 9714 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عَبْدَة بْن سَلْمَان , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة , عَنْ أَبِي مَعْشَر , عَنْ إِبْرَاهِيم , فِي قَوْله : { أَوْ كِسْوَتهمْ } قَالَ : إِذَا كَسَاهُمْ ثَوْبًا ثَوْبًا أَجْزَأَ عَنْهُ . 9715 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن سُلَيْمَان الرَّازِيّ . عَنْ اِبْن سِنَان , عَنْ حَمَّاد , قَالَ : ثَوْب أَوْ ثَوْبَانِ , وَثَوْب لَا بُدّ مِنْهُ . 9716 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : ثَوْب ثَوْب لِكُلِّ إِنْسَان , وَقَدْ كَانَتْ الْعَبَاءَة تَقْضِي يَوْمئِذٍ مِنْ الْكِسْوَة . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , عَنْ مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { أَوْ كِسْوَتهمْ } قَالَ : الْكِسْوَة : عَبَاءَة لِكُلِّ مِسْكِين أَوْ شَمْلَة . 9717 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ . ثنا إِسْرَائِيل . عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك , قَالَ : ثَوْب , أَوْ قَمِيص , أَوْ رِدَاء , أَوْ إِزَار . 9718 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : إِنْ اِخْتَارَ صَاحِب الْيَمِين الْكِسْوَة , كَسَا عَشَرَة أُنَاسِيّ كُلّ إِنْسَان عَبَاءَة . 9719 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : سَمِعْت عَطَاء يَقُول فِي قَوْله : { أَوْ كِسْوَتهمْ } الْكِسْوَة : ثَوْب ثَوْب . وَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ : الْكِسْوَة ثَوْبَيْنِ ثَوْبَيْنِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9720 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عُبَيْدَة , وَحَدَّثَنَا ابْن وَكِيع , قَالَ . ثنا أَبُو مُعَاوِيَة جَمِيعًا , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , فِي قَوْله : { أَوْ كِسْوَتهمْ } قَالَ : عَبَاءَة وَعِمَامَة . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَأَبُو كُرَيْب , قَالَا : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ . ثنا أَبِي . عَنْ سُفْيَان , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : عِمَامَة يَلُفّ بِهَا رَأْسه , وَعَبَاءَة يَلْتَحِف بِهَا . 9721 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الْأَنْصَارِيّ , عَنْ أَشْعَث , عَنْ الْحَسَن وَابْن سِيرِينَ , قَالَا : ثَوْبَيْنِ ثَوْبَيْنِ . 9722 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , عَنْ يُونُس , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : ثَوْبَيْنِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ يُونُس , عَنْ الْحَسَن , مِثْله . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَهَنَّاد , قَالَا : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ يُونُس بْن عُبَيْد , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : ثَوْبَانِ ثَوْبَانِ لِكُلِّ مِسْكِين . 9723 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ عَاصِم الْأَحْوَل , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ أَبِي مُوسَى : أَنَّهُ حَلَفَ عَلَى يَمِين , كَسَا ثَوْبَيْنِ مِنْ مُعَقَّدَة الْبَحْرَيْنِ . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَأَبُو كُرَيْب , قَالَا : ثنا وَكِيع , عَنْ يَزِيد بْن إِبْرَاهِيم , عَنْ اِبْن سِيرِينَ : أَنَّ أَبَا مُوسَى كَسَا ثَوْبَيْنِ مِنْ مُعَقَّدَة الْبَحْرَيْنِ . 9724 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ هِشَام , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى : أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ حَلَفَ عَلَى يَمِين , فَرَأَى أَنْ يُكَفِّر فَفَعَلَ , وَكَسَا سَمُرَةُ ثَوْبَيْنِ ثَوْبَيْنِ . 9725 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , عَنْ هِشَام , عَنْ مُحَمَّد : أَنَّ أَبَا مُوسَى حَلَفَ عَلَى يَمِين فَكَفَّرَ , فَكَسَا عَشَرَة مَسَاكِين ثَوْبَيْنِ ثَوْبَيْنِ . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : عَبَاءَة وَعِمَامَة لِكُلِّ مِسْكِين . 9726 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , مِثْله . 9727 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , قَالَ : قَالَ رَجُل عِنْد سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : " أَوْ كَأُسْوَتِهِمْ " فَقَالَ سَعِيد : لَا إِنَّمَا هِيَ : " أَوْ كِسْوَتهمْ " . قَالَ : فَقُلْت : يَا أَبَا مُحَمَّد مَا كِسْوَتهمْ ؟ قَالَ : لِكُلِّ مِسْكِين عَبَاءَة وَعِمَامَة , عَبَاءَة يَلْتَحِف بِهَا , وَعِمَامَة يَشُدّ بِهَا رَأْسه . 9728 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ الْفَضْل بْن خَالِد , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سَلْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { أَوْ كِسْوَتهمْ } قَالَ : الْكِسْوَة لِكُلِّ مِسْكِين : رِدَاء وَإِزَار , كَنَحْوِ مَا يَجِد مِنْ الْمَيْسَرَة وَالْفَاقَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ : كِسْوَتهمْ : ثَوْب جَامِع , كَالْمِلْحَفَةِ وَالْكِسَاء وَالشَّيْء الَّذِي يَصْلُح لِلُّبْسِ وَالنَّوْم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9729 - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : الْكِسْوَة : ثَوْب جَامِع . 9730 - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَابْن وَكِيع قَالَا : ثنا اِبْن فُضَيْل , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , فِي قَوْله : 34 { أَوْ كِسْوَتهمْ } قَالَ : ثَوْب جَامِع . قَالَ : وَقَالَ مُغِيرَة : وَالثَّوْب الْجَامِع الْمِلْحَفَة أَوْ الْكِسَاء أَوْ نَحْوه , وَلَا نَرَى الدِّرْع وَالْقَمِيص وَالْخِمَار وَنَحْوه جَامِعًا . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثَوْب جَامِع . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثَوْب جَامِع . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم : { أَوْ كِسْوَتهمْ } قَالَ : ثَوْب جَامِع لِكُلِّ مِسْكِين . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان وَشُعْبَة , عَنْ الْمُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم فِي قَوْله : { أَوْ كِسْوَتهمْ } قَالَ : ثَوْب جَامِع . 9731 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ شُعْبَة , عَنْ الْمُغِيرَة , مِثْله . وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِذَلِكَ كِسْوَة إِزَار وَرِدَاء وَقَمِيص . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9732 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , عَنْ بُرْدَة , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ فِي الْكِسْوَة فِي الْكَفَّارَة : إِزَار , وَرِدَاء , وَقَمِيص . وَقَالَ آخَرُونَ : كُلّ مَا كَسَا فَيَجْزِي , وَالْآيَة عَلَى عُمُومهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9733 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عَبْد السَّلَام بْن حَرْب , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : يَجْزِي فِي كَفَّارَة الْيَمِين كُلّ شَيْء إِلَّا التُّبَّان . 9734 - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَأَبُو كُرَيْب , قَالَا : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَشْعَث , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : يُجْزِئُ عِمَامَة فِي كَفَّارَة الْيَمِين . 9735 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أُوَيْس الصَّيْرَفِيّ , عَنْ أَبِي الْهَيْثَم , قَالَ : قَالَ سَلْمَان : نِعْمَ الثَّوْب التُّبَّان . 9736 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الشَّيْبَانِيّ , عَنْ الْحَكَم , قَالَ : عِمَامَة يَلُفّ بِهَا رَأْسه . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدنَا بِالصِّحَّةِ وَأَشْبَههَا بِتَأْوِيلِ الْقُرْآن قَوْل مَنْ قَالَ : عَنَى بِقَوْلِهِ : { أَوْ كِسْوَتهمْ } مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اِسْم كِسْوَة مِمَّا يَكُون ثَوْبًا فَصَاعِدًا , لِأَنَّ مَا دُون الثَّوْب لَا خِلَاف بَيْن جَمِيع الْحُجَّة أَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا دَخَلَ فِي حُكْم الْآيَة , فَكَانَ مَا دُون قَدْر ذَلِكَ خَارِجًا مِنْ أَنْ يَكُون اللَّه تَعَالَى عَنَاهُ بِالنَّقْلِ الْمُسْتَفِيض , وَالثَّوْب وَمَا فَوْقه دَاخِل فِي حُكْم الْآيَة , إِذْ لَمْ يَأْتِ مِنْ اللَّه تَعَالَى وَحْي وَلَا مِنْ رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَر وَلَمْ يَكُنْ مِنْ الْأُمَّة إِجْمَاع بِأَنَّهُ غَيْر دَاخِل فِي حُكْمهَا , وَغَيْر جَائِز إِخْرَاج مَا كَانَ ظَاهِر الْآيَة مُحْتَمِله مِنْ حُكْم الْآيَة إِلَّا بِحُجَّةٍ يَجِب التَّسْلِيم لَهَا , وَلَا حُجَّة بِذَلِكَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوْ تَحْرِير رَقَبَة } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : أَوْ فَكّ عَبْد مِنْ أَسْر الْعُبُودَة وَذُلّهَا . وَأَصْل التَّحْرِير : الْفَكّ مِنْ الْأَسْر , وَمِنْهُ قَوْل الْفَرَزْدَق بْن غَالِب : أَبَنِي غُدَانَة إِنَّنِي حَرَّرْتُكُمْ فَوَهَبْتُكُمْ لِعَطِيَّةَ بْن جِعَال يَعْنِي بِقَوْلِهِ : " حَرَّرْتُكُمْ " : فَكَكْت رِقَابكُمْ مِنْ ذُلّ الْهِجَاء وَلُزُوم الْعَار . وَقِيلَ : تَحْرِير رَقَبَة , وَالْمُحَرِّر صَاحِب الرَّقَبَة ; لِأَنَّ الْعَرَب كَانَ مِنْ شَأْنهَا إِذَا أَسَرَتْ أَسِيرًا أَنْ تَجْمَع يَدَيْهِ إِلَى عُنُقه بِقَيْدٍ أَوْ حَبْل أَوْ غَيْر ذَلِكَ , وَإِذَا أَطْلَقَتْهُ مِنْ الْأَسْر أَطْلَقَتْ يَدَيْهِ وَحَلَّتْهُمَا مِمَّا كَانَتَا بِهِ مَشْدُودَتَيْنِ إِلَى الرَّقَبَة . فَجَرَى الْكَلَام عِنْد إِطْلَاقهمْ الْأَسِير , بِالْخَبَرِ عَنْ فَكّ يَدَيْهِ عَنْ رَقَبَته , وَهُمْ يُرِيدُونَ الْخَبَر عَنْ إِطْلَاقه مِنْ أَسْرِهِ , كَمَا يُقَال : قَبَضَ فُلَان يَده عَنْ فُلَان : إِذَا أَمْسَكَ يَده عَنْ نُوَالِهِ ; وَبَسَطَ فِيهِ لِسَانه : إِذَا قَالَ فِيهِ سُوءًا , فَيُضَاف الْفِعْل إِلَى الْجَارِحَة الَّتِي يَكُون بِهَا ذَلِكَ الْفِعْل دُون فَاعِله , لِاسْتِعْمَالِ النَّاس ذَلِكَ بَيْنهمْ وَعِلْمهمْ بِمَعْنَى ذَلِكَ ; فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { أَوْ تَحْرِير رَقَبَة } أُضِيفَ التَّحْرِير إِلَى الرَّقَبَة وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ غُلّ فِي رَقَبَته وَلَا شَدّ يَد إِلَيْهَا , وَكَانَ الْمُرَاد بِالتَّحْرِيرِ نَفْس الْعَبْد بِمَا وَصَفْنَا مِنْ جَرْي اِسْتِعْمَال النَّاس ذَلِكَ بَيْنهمْ لِمَعْرِفَتِهِمْ بِمَعْنَاهُ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : أَفَكُلّ الرِّقَاب مَعْنِيٌّ بِذَلِكَ أَوْ بَعْضهَا ؟ قِيلَ : بَلْ مَعْنِيّ بِذَلِكَ كُلّ رَقَبَة كَانَتْ سَلِيمَة مِنْ الْإِقْعَاد وَالْعَمَى وَالْخَرَس وَقَطْع الْيَدَيْنِ أَوْ شَلَلهمَا وَالْجُنُون الْمُطْبِق , وَنَظَائِر ذَلِكَ , فَإِنَّ مَنْ كَانَ بِهِ ذَلِكَ أَوْ شَيْء مِنْهُ مِنْ الرِّقَاب , فَلَا خِلَاف بَيْن الْجَمِيع مِنْ الْحُجَّة أَنَّهُ لَا يَجْزِي فِي كَفَّارَة الْيَمِين . فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لَمْ يَعْنِهِ بِالتَّحْرِيرِ فِي هَذِهِ الْآيَة . فَأَمَّا الصَّغِير وَالْكَبِير وَالْمُسْلِم وَالْكَافِر , فَإِنَّهُمْ مَعْنِيُّونَ بِهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْعِلْم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9737 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , أَنَّهُ كَانَ يَقُول : مَنْ كَانَتْ عَلَيْهِ رَقَبَة وَاجِبَة , فَاشْتَرَى نَسَمَة , قَالَ : إِذَا أَنْقَذَهَا مِنْ عَمَل أَجْزَأَتْهُ , وَلَا يَجُوز عِتْق مَنْ لَا يَعْمَل ; فَأَمَّا الَّذِي يَعْمَل , كَالْأَعْوَرِ وَنَحْوه . وَأَمَّا الَّذِي لَا يَعْمَل فَلَا يَجْزِي كَالْأَعْمَى وَالْمُقْعَد . 9738 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ يُونُس , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : كَانَ يَكْرَه عِتْق الْمُخَبَّل فِي شَيْء مِنْ الْكَفَّارَات . 9739 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم : أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى عِتْق الْمَغْلُوب عَلَى عَقْله يُجْزِئ فِي شَيْء مِنْ الْكَفَّارَات . وَقَالَ بَعْضهمْ : لَا يُجْزِئ فِي الْكَفَّارَة مِنْ الرِّقَاب إِلَّا صَحِيح , وَيُجْزِئ الصَّغِير فِيهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9740 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , قَالَ : لَا يُجْزِئ فِي الرَّقَبَة إِلَّا صَحِيح . 9741 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , قَالَ : يُجْزِئ الْمَوْلُود فِي الْإِسْلَام مِنْ رَقَبَة . 9742 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : مَا كَانَ فِي الْقُرْآن مِنْ رَقَبَة مُؤْمِنَة فَلَا يُجْزِئ إِلَّا مَا صَامَ وَصَلَّى , وَمَا كَانَ لَيْسَ بِمُؤْمِنَةٍ فَالصَّبِيّ يُجْزِئ . وَقَالَ بَعْضهمْ : لَا يُقَال لِلْمَوْلُودِ رَقَبَة إِلَّا بَعْد مُدَّة تَأْتِي عَلَيْهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9743 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن يَزِيد الرِّفَاعِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا بْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ مُحَمَّد بْن شُعَيْب بْن شَابُور , عَنْ النُّعْمَان بْن الْمُنْذِر , عَنْ سُلَيْمَان , قَالَ : إِذَا وُلِدَ الصَّبِيّ فَهُوَ نَسَمَة , وَإِذَا اِنْقَلَبَ ظَهْرًا لِبَطْنٍ فَهُوَ رَقَبَة , وَإِذَا صَلَّى فَهُوَ مُؤْمِنَة . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَمَّ بِذِكْرِ الرَّقَبَة كُلّ رَقَبَة , فَأَيّ رَقَبَة حَرَّرَهَا الْمُكَفِّر يَمِينه فِي كَفَّارَته فَقَدْ أَدَّى مَا كُلِّفَ , إِلَّا مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْحُجَّة مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى لَمْ يَعْنِهِ بِالتَّحْرِيرِ , فَذَلِكَ خَارِج مِنْ حُكْم الْآيَة , وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَجَائِز تَحْرِيره فِي الْكَفَّارَة بِظَاهِرِ التَّنْزِيل . وَالْمُكَفِّر مُخَيَّر فِي تَكْفِير يَمِينه الَّتِي حَنِثَ فِيهَا بِإِحْدَى هَذِهِ الْحَالَات الثَّلَاث الَّتِي سَمَّاهَا اللَّه فِي كِتَابه , وَذَلِكَ : إِطْعَام عَشَرَة مَسَاكِين مِنْ أَوْسَط مَا يُطْعِم أَهْله , أَوْ كِسْوَتهمْ , أَوْ تَحْرِير رَقَبَة , بِإِجْمَاعِ مِنْ الْجَمِيع لَا خِلَاف بَيْنهمْ فِي ذَلِكَ . فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ ذَلِكَ إِجْمَاع مِنْ الْجَمِيع لَيْسَ كَمَا قُلْنَا لِمَا : 9744 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي الشَّوَارِب , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَاحِد بْن زِيَاد , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان الشَّيْبَانِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو الضُّحَى , عَنْ مَسْرُوق , قَالَ : جَاءَ نُعْمَان بْن مُقْرِن إِلَى عَبْد اللَّه , فَقَالَ : إِنِّي آلَيْت مِنْ النِّسَاء وَالْفِرَاش ! فَقَرَأَ عَبْد اللَّه هَذِهِ الْآيَة : { لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ الْمُعْتَدِينَ } قَالَ : فَقَالَ نُعْمَان : إِنَّمَا سَأَلْتُك لِكَوْنِي أَتَيْت عَلَى هَذِهِ الْآيَة . فَقَالَ عَبْد اللَّه : اِئْتِ النِّسَاء وَنَمْ وَاعْتِقْ رَقَبَة , فَإِنَّك مُوسِر . * - حَدَّثَنِي يُونُس , أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثني جَرِير بْن حَازِم أَنَّ سُلَيْمَان الْأَعْمَش حَدَّثَهُ عَنْ إِبْرَاهِيم بْن يَزِيد النَّخَعِيّ , عَنْ هَمَّام بْن الْحَارِث : أَنَّ نُعْمَان بْن مُقْرِن سَأَلَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , فَقَالَ : إِنِّي حَلَفْت أَنْ لَا أَنَام عَلَى فِرَاشِي سَنَة ! فَقَالَ اِبْن مَسْعُود : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ } كَفِّرْ عَنْ يَمِينك وَنَمْ عَلَى فِرَاشك ! قَالَ : بِمَ أُكَفِّر عَنْ يَمِينِي ؟ قَالَ : أَعْتِقْ رَقَبَة فَإِنَّك مُوسِر . وَنَحْو هَذَا مِنْ الْأَخْبَار الَّتِي رُوِيَت عَنْ اِبْن مَسْعُود وَابْن عُمَر وَغَيْرهمَا , فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْهُمْ كَانَ عَلَى وَجْه الِاسْتِحْبَاب لِمَنْ أَمَرُوهُ بِالتَّكْفِيرِ بِمَا أَمَرُوهُ بِالتَّكْفِيرِ بِهِ مِنْ الرِّقَاب , لَا عَلَى أَنَّهُ كَانَ لَا يَجْزِي عِنْدهمْ التَّكْفِير لِلْمُوسِرِ إِلَّا بِالرَّقَبَةِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُل أَحَد عَنْ أَحَد مِنْهُمْ أَنَّهُ قَالَ لَا يَجْزِي الْمُوسِر التَّكْفِير إِلَّا بِالرَّقَبَةِ . وَالْجَمِيع مِنْ عُلَمَاء الْأَمْصَار قَدِيمهمْ وَحَدِيثهمْ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ التَّكْفِير بِغَيْرِ الرِّقَاب جَائِز لِلْمُوسِرِ , فَفِي ذَلِكَ مُكْتَفًى عَنْ الِاسْتِشْهَاد عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ بِغَيْرِهِ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَنْ لَمْ يَجِد فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَمَنْ لَمْ يَجِد لِكَفَّارَةِ يَمِينه الَّتِي لَزِمَهُ تَكْفِيرهَا مِنْ الطَّعَام وَالْكِسْوَة وَالرِّقَاب مَا يُكَفِّرهَا بِهِ عَلَى مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِ وَأَوْجَبْنَاهُ فِي كِتَابنَا وَعَلَى لِسَان رَسُولنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام } يَقُول : فَعَلَيْهِ صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي مَعْنَى قَوْله : { فَمَنْ لَمْ يَجِد } وَمَتَى يَسْتَحِقّ الْحَانِث فِي يَمِينه الَّذِي قَدْ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَة اِسْم غَيْر وَاجِد حَتَّى يَكُون مِمَّنْ لَهُ الصِّيَام فِي ذَلِكَ ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْحَانِثِ فِي وَقْت تَكْفِيره عَنْ يَمِينه إِلَّا قَدْر قُوته وَقُوت عِيَاله يَوْمه وَلَيْلَته فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُكَفِّر بِالصِّيَامِ , فَإِنْ كَانَ عِنْده فِي ذَلِكَ الْوَقْت قُوته وَقُوت عِيَاله يَوْمه وَلَيْلَته وَمِنْ الْفَضْل مَا يُطْعِم عَشَرَة مَسَاكِين أَوْ مَا يَكْسُوهُمْ , لَزِمَهُ التَّكْفِير بِالْإِطْعَامِ أَوْ الْكِسْوَة وَلَمْ يَجْزِهِ الصِّيَام حِينَئِذٍ . وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ الشَّافِعِيّ . حَدَّثَنَا بِذَلِكَ عَنْهُ الرَّبِيع . وَهَذَا الْقَوْل قَصَدَ إِنْ شَاءَ اللَّه - مَنْ أَوْجَبَ الطَّعَام عَلَى مَنْ كَانَ عِنْده دِرْهَمَانِ - مَنْ أَوْجَبَهُ عَلَى مَنْ عِنْده ثَلَاثَة دَرَاهِم . وَبِنَحْوِ ذَلِكَ : 9745 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ عَبْد الْكَرِيم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَّا ثَلَاثَة دَرَاهِم أَطْعَمَ . قَالَ : يَعْنِي فِي الْكَفَّارَة . 9746 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني مُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , قَالَ : قُلْت لِعُمَر بْن رَاشِد : الرَّجُل يَحْلِف , وَلَا يَكُون عِنْده مِنْ الطَّعَام إِلَّا بِقَدْرِ مَا يُكَفِّر ؟ قَالَ : كَانَ قَتَادَة يَقُول : يَصُوم ثَلَاثَة أَيَّام . 9747 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , قَالَ : ثنا يُونُس بْن عُبَيْد , عَنْ الْحَسَن قَالَ : إِذَا كَانَ عِنْده دِرْهَمَانِ . 9748 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا مُعْتَمِر , عَنْ حَمَّاد , عَنْ عَبْد الْكَرِيم بْن أَبِي أُمَيَّة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : ثَلَاثَة دَرَاهِم . وَقَالَ آخَرُونَ : جَائِز لِمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْده مِئَتَا دِرْهَم أَنْ يَصُوم وَهُوَ مِمَّنْ لَا يَجِد . وَقَالَ آخَرُونَ : جَائِز لِمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْده فَضْل عَنْ رَأْس مَاله يَتَصَرَّف بِهِ لِمَعَاشِهِ مَا يُكَفِّر بِهِ بِالْإِطْعَامِ أَنْ يَصُوم , إِلَّا أَنْ يَكُون لَهُ كِفَايَة مِنْ الْمَال مَا يَتَصَرَّف بِهِ لِمَعَاشِهِ وَمِنْ الْفَضْل عَنْ ذَلِكَ مَا يُكَفِّر بِهِ عَنْ يَمِينه . وَهَذَا قَوْل كَانَ يَقُولهُ بَعْض مُتَأَخِّرِي الْمُتَفَقِّهَة . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا , أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْده فِي حَال حِنْثه فِي يَمِينه إِلَّا قَدْر قُوته وَقُوت عِيَاله يَوْمه وَلَيْلَته لَا فَضْل لَهُ عَنْ ذَلِكَ , يَصُوم ثَلَاثَة أَيَّام , وَهُوَ مِمَّنْ دَخَلَ فِي جُمْلَة مَنْ لَا يَجِد مَا يُطْعِم أَوْ يَكْسُو أَوْ يُعْتِق . وَإِنْ كَانَ عِنْده فِي ذَلِكَ الْوَقْت مِنْ الْفَضْل عَنْ قُوته وَقُوت عِيَاله يَوْمه وَلَيْلَته مَا يُطْعِم أَوْ يَكْسُو عَشَرَة مَسَاكِين أَوْ يُعْتِق رَقَبَة , فَلَا يَجْزِيه حِينَئِذٍ الصَّوْم ; لِأَنَّ إِحْدَى الْحَالَات الثَّلَاث حِينَئِذٍ مِنْ إِطْعَام أَوْ كِسْوَة أَوْ عِتْق حَقّ قَدْ أَوْجَبَهُ اللَّه تَعَالَى فِي مَاله وُجُوب الدِّين , وَقَدْ قَامَتْ الْحُجَّة بِأَنَّ الْمُفْلِس إِذَا فَرَّقَ مَاله بَيْن غُرَمَائِهِ أَنَّهُ لَا يَتْرُك ذَلِكَ الْيَوْم إِلَّا مَا لَا بُدّ لَهُ مِنْ قُوته وَقُوت عِيَاله يَوْمه وَلَيْلَته , فَكَذَلِكَ حُكْم الْمُعْدِم بِالدِّينِ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّه تَعَالَى فِي مَاله بِسَبَبِ الْكَفَّارَة الَّتِي لَزِمَتْ مَاله . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي صِفَة الصَّوْم الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّه فِي كَفَّارَة الْيَمِين , فَقَالَ بَعْضهمْ : صِفَته أَنْ يَكُون مُوَاصِلًا بَيْن الْأَيَّام الثَّلَاثَة غَيْر مُفَرِّقهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9749 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْعَلَاء , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : كُلّ صَوْم فِي الْقُرْآن فَهُوَ مُتَتَابِع إِلَّا قَضَاء رَمَضَان , فَإِنَّهُ عِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر . 9750 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَهَنَّاد , قَالَا : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , قَالَ : كَانَ أُبَيّ بْن كَعْب يَقْرَأ : " صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات " . * - حَدَّثَنَا عَبْد الْأَعْلَى بْن وَاصِل الْأَسَدِيّ , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب , أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : . " فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات " . 9751 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , عَنْ قَزَعَة بْن سُوَيْد , عَنْ سَيْف بْن سُلَيْمَان , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : " فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات " . 9752 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن الْمُبَارَك , عَنْ ابْن عَوْن , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : فِي قِرَاءَتنَا : " فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات " . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ اِبْن عَوْن , عَنْ إِبْرَاهِيم , مِثْله . 9753 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم : فِي قِرَاءَة أَصْحَاب عَبْد اللَّه : " فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات " . 9754 - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَأَبُو كُرَيْب , قَالَا : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ جَابِر , عَنْ عَامِر , قَالَ : فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : " فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات " . 9755 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن حُمَيْد , عَنْ مَعْمَر , عَنْ أَبِي إِسْحَاق : فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : " فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات " . 9756 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن حُمَيْد , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الْأَعْمَش , قَالَ : كَانَ أَصْحَاب عَبْد اللَّه يَقْرَءُونَ : " فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات " . 9757 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع , قَالَ : سَمِعْت سُفْيَان , يَقُول : إِذَا فَرَّقَ صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام لَمْ يَجْزِهِ . قَالَ : وَسَمِعْته يَقُول فِي رَجُل صَامَ فِي كَفَّارَة يَمِين ثُمَّ أَفْطَرَ , قَالَ : يَسْتَقْبِل الصَّوْم . 9758 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا جَامِع بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام } قَالَ : إِذَا لَمْ يَجِد طَعَامًا ; وَكَانَ فِي بَعْض الْقِرَاءَة : " فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات " . وَبِهِ كَانَ يَأْخُذ قَتَادَة . 9759 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : هُوَ بِالْخِيَارِ فِي هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة الْأَوَّل فَالْأَوَّل , فَإِنْ لَمْ يَجِد مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات . وَقَالَ آخَرُونَ : جَائِز لِمَنْ صَامَهُنَّ أَنْ يَصُومهُنَّ كَيْفَ شَاءَ مُجْتَمِعَات وَمُفْتَرِقَات . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9760 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَشْهَب , قَالَ : قَالَ مَالِك : كُلّ مَا ذَكَرَ اللَّه فِي الْقُرْآن مِنْ الصِّيَام , فَأَنْ يُصَام تِبَاعًا أَعْجَب , فَإِنْ فَرَّقَهَا رَجَوْت أَنْ تَجْزِي عَنْهُ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَى مَنْ لَزِمَتْهُ كَفَّارَة يَمِين إِذَا لَمْ يَجِد إِلَى تَكْفِيرهَا بِالْإِطْعَامِ أَوْ الْكِسْوَة أَوْ الْعِتْق سَبِيلًا , أَنْ يُكَفِّرهَا بِصِيَامِ ثَلَاثَة أَيَّام , وَلَمْ يَشْرِط فِي ذَلِكَ مُتَتَابِعَة , فَكَيْفَمَا صَامَهُنَّ الْمُكَفِّر مُفَرَّقَة وَمُتَتَابِعَة أَجْزَأَهُ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى إِنَّمَا أَوْجَبَ عَلَيْهِ صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام , فَكَيْفَمَا أَتَى بِصَوْمِهِنَّ أَجْزَأَ . فَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ أُبَيّ وَابْن مَسْعُود مِنْ قِرَاءَتهمَا " فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات " فَذَلِكَ خِلَاف مَا فِي مَصَاحِفنَا , وَغَيْر جَائِز لَنَا أَنْ نَشْهَد بِشَيْءٍ لَيْسَ فِي مَصَاحِفنَا مِنْ الْكَلَام أَنَّهُ مِنْ كِتَاب اللَّه . غَيْر أَنِّي أَخْتَار لِلصَّائِمِ فِي كَفَّارَة الْيَمِين أَنْ يُتَابِع بَيْن الْأَيَّام الثَّلَاثَة وَلَا يُفَرِّق , لِأَنَّهُ لَا خِلَاف بَيْن الْجَمِيع أَنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَجْزَأَ ذَلِكَ عَنْهُ مِنْ كَفَّارَته . وَهُمْ فِي غَيْر ذَلِكَ مُخْتَلِفُونَ , فَفِعْلُ مَا لَا يُخْتَلَف فِي جَوَازه أَحَبّ إِلَيَّ وَإِنْ كَانَ الْآخَر جَائِزًا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ كَفَّارَة أَيْمَانكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { ذَلِكَ } هَذَا الَّذِي ذَكَرْت لَكُمْ أَنَّهُ { كَفَّارَة أَيْمَانكُمْ } مِنْ إِطْعَام الْعَشَرَة الْمَسَاكِين أَوْ كِسْوَتهمْ أَوْ تَحْرِير الرَّقَبَة , وَصِيَام الثَّلَاثَة الْأَيَّام إِذَا لَمْ تَجِدُوا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا هُوَ كَفَّارَة أَيْمَانكُمْ الَّتِي عَقَّدْتُمُوهَا { إِذَا حَلَفْتُمْ }
{ وَاحْفَظُوا } أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا { أَيْمَانكُمْ } أَنْ تَحْنَثُوا فِيهَا ثُمَّ تُضَيِّعُوا الْكَفَّارَة فِيهَا بِمَا وَصَفْته لَكُمْ .
كَمَا بَيَّنَ لَكُمْ كَفَّارَة أَيْمَانكُمْ , كَذَلِكَ يُبَيِّن اللَّه لَكُمْ جَمِيع آيَاته , يَعْنِي : أَعْلَام دِينه , فَيُوضِّحهَا لَكُمْ , لِئَلَّا يَقُول الْمُضَيِّع الْمُفَرِّط فِيمَا أَلْزَمَهُ اللَّه : لَمْ أَعْلَم حُكْم اللَّه فِي ذَلِكَ .
يَقُول : لِتَشْكُرُوا اللَّه عَلَى هِدَايَته إِيَّاكُمْ وَتَوْفِيقه لَكُمْ .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْر وَالْمَيْسِر وَالْأَنْصَاب وَالْأَزْلَام رِجْس مِنْ عَمَل الشَّيْطَان } وَهَذَا بَيَان مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لِلَّذِينَ حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسهمْ النِّسَاء وَالنَّوْم وَاللَّحْم مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشَبُّهًا مِنْهُمْ بِالْقِسِّيسِينَ وَالرُّهْبَان , فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِمْ عَلَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابه يَنْهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ , فَقَالَ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَات مَا أَحَلَّ اللَّه لَكُمْ } فَنَهَاهُمْ بِذَلِكَ عَنْ تَحْرِيم مَا أَحَلَّ اللَّه لَهُمْ مِنْ الطَّيِّبَات . ثُمَّ قَالَ : وَلَا تَعْتَدُوا أَيْضًا فِي حُدُودِي , فَتُحِلُّوا مَا حَرَّمْت عَلَيْكُمْ , فَإِنَّ ذَلِكَ لَكُمْ غَيْر جَائِز كَمَا غَيْر جَائِز لَكُمْ تَحْرِيم مَا حَلَّلْت , وَإِنِّي لَا أُحِبّ الْمُعْتَدِينَ . ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ عَنْ الَّذِي حَرَّمَ عَلَيْهِمْ مِمَّا إِذَا اِسْتَحَلُّوهُ , وَتَقَدَّمُوا عَلَيْهِ كَانُوا مِنْ الْمُعْتَدِينَ فِي حُدُوده , فَقَالَ لَهُمْ : يَا أَيّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّه وَرَسُوله , إِنَّ الْخَمْر الَّتِي تَشْرَبُونَهَا وَالْمَيْسِر الَّذِي تَتَيَاسَرُونَهُ وَالْأَنْصَاب الَّتِي تَذْبَحُونَ عِنْدهَا وَالْأَزْلَام الَّتِي تَسْتَقْسِمُونَ بِهَا { رِجْس } يَقُول : إِثْم وَنَتْن , سَخِطَهُ اللَّه وَكَرِهَهُ لَكُمْ { مِنْ عَمَل الشَّيْطَان } يَقُول : شُرْبكُمْ الْخَمْر , وَقِمَاركُمْ عَلَى الْجُزُر , وَذَبْحكُمْ لِلْأَنْصَابِ , وَاسْتِقْسَامكُمْ بِالْأَزْلَامِ مِنْ تَزْيِين الشَّيْطَان لَكُمْ , وَدُعَائِهِ إِيَّاكُمْ إِلَيْهِ , وَتَحْسِينه لَكُمْ , لَا مِنْ الْأَعْمَال الَّتِي نَدَبَكُمْ إِلَيْهَا رَبّكُمْ , وَلَا مِمَّا يَرْضَاهُ لَكُمْ , بَلْ هُوَ مِمَّا يَسْخَطهُ لَكُمْ . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْخَمْر وَالْمَيْسِر وَالْأَزْلَام فِيمَا مَضَى فَكَرِهْنَا إِعَادَته . وَأَمَّا الْأَنْصَاب , فَإِنَّهَا جَمْع نُصُب , وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى النُّصُب بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي مَعْنَى الرِّجْس فِي هَذَا الْمَوْضِع , مَا : 9761 - حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { رِجْس مِنْ عَمَل الشَّيْطَان } يَقُول : سُخْط . وَقَالَ اِبْن زَيْد فِي ذَلِكَ , مَا : 9762 - حَدَّثَنِي بِهِ يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { رِجْس مِنْ عَمَل الشَّيْطَان } قَالَ : الرِّجْس : الشَّرّ .
يَقُول : فَاتْرُكُوهُ وَارْفُضُوهُ , وَلَا تَعْمَلُوهُ .
يَقُول : لِكَيْ تَنْجَحُوا فَتُدْرِكُوا الْفَلَاح عِنْد رَبّكُمْ , بِتَرْكِكُمْ ذَلِكَ .
يَقُول : فَاتْرُكُوهُ وَارْفُضُوهُ , وَلَا تَعْمَلُوهُ .
يَقُول : لِكَيْ تَنْجَحُوا فَتُدْرِكُوا الْفَلَاح عِنْد رَبّكُمْ , بِتَرْكِكُمْ ذَلِكَ .