الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4
إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَسورة المائدة الآية رقم 91
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّمَا يُرِيد الشَّيْطَان أَنْ يُوقِع بَيْنكُمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْر وَالْمَيْسِر وَيَصُدّكُمْ عَنْ ذِكْر اللَّه وَعَنْ الصَّلَاة فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّمَا يُرِيد لَكُمْ الشَّيْطَان شُرْب الْخَمْر وَالْمُيَاسَرَة بِالْقِدَاحِ وَيُحَسِّن ذَلِكَ لَكُمْ إِرَادَة مِنْهُ أَنْ يُوقِع بَيْنكُمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء فِي شُرْبكُمْ الْخَمْر وَمُيَاسَرَتكُمْ بِالْقِدَاحِ , لِيُعَادِيَ بَعْضكُمْ بَعْضًا , وَيُبْغِض بَعْضكُمْ إِلَى بَعْض , فَيُشَتِّت أَمْركُمْ بَعْد تَأْلِيف اللَّه بَيْنكُمْ بِالْإِيمَانِ وَجَمْعه بَيْنكُمْ بِأُخُوَّةِ الْإِسْلَام . { وَيَصُدّكُمْ عَنْ ذِكْر اللَّه } يَقُول : وَيَصْرِفكُمْ بِغَلَبَةِ هَذِهِ الْخَمْر بِسُكْرِهَا إِيَّاكُمْ عَلَيْكُمْ وَبِاشْتِغَالِكُمْ بِهَذَا الْمَيْسِر عَنْ ذِكْر اللَّه الَّذِي بِهِ صَلَاح دُنْيَاكُمْ وَآخِرَتكُمْ , وَعَنْ الصَّلَاة الَّتِي فَرَضَهَا عَلَيْكُمْ رَبّكُمْ . { فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } يَقُول : فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ عَنْ شُرْب هَذِهِ , وَالْمُيَاسَرَة بِهَذَا , وَعَامِلُونَ بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ رَبّكُمْ مِنْ أَدَاء مَا فَرَضَ عَلَيْكُمْ مِنْ الصَّلَاة لِأَوْقَاتِهَا , وَلُزُوم ذِكْره الَّذِي بِهِ نُجْح طَلَبَاتكُمْ فِي عَاجِل دُنْيَاكُمْ وَآخِرَتكُمْ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة , فَقَالَ بَعْضهمْ : نَزَلَتْ بِسَبَبِ كَانَ مِنْ عُمَر بْن الْخِطَاب , وَهُوَ أَنَّهُ ذَكَرَ مَكْرُوه عَاقِبَة شُرْبهَا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَسَأَلَ اللَّه تَحْرِيمهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9763 - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي مَيْسَرَة , قَالَ : قَالَ عُمَر : اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْر بَيَانًا شَافِيًا ! قَالَ : فَنَزَلَتْ الْآيَة الَّتِي فِي الْبَقَرَة : { يَسْأَلُونَك عَنْ الْخَمْر وَالْمَيْسِر قُلْ فِيهِمَا إِثْم كَبِير وَمَنَافِع لِلنَّاسِ } قَالَ : فَدُعِيَ عُمَر فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ , فَقَالَ : اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْر بَيَانًا شَافِيًا ! فَنَزَلَتْ الْآيَة الَّتِي فِي النِّسَاء : { لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاة وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ } قَالَ : وَكَانَ مُنَادِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَادِي إِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاة : لَا يَقْرَبَنَّ الصَّلَاةَ السَّكْرَانُ ! قَالَ : فَدُعِيَ عُمَر , فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ , فَقَالَ : اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْر بَيَانًا شَافِيًا ! قَالَ : فَنَزَلَتْ الْآيَة الَّتِي فِي الْمَائِدَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْر وَالْمَيْسِر وَالْأَنْصَاب وَالْأَزْلَام رِجْس } إِلَى قَوْله : { فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } فَلَمَّا اِنْتَهَى إِلَى قَوْله : { فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } قَالَ عُمَر : اِنْتَهَيْنَا اِنْتَهَيْنَا ! * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي مَيْسَرَة , قَالَ : قَالَ عُمَر : اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْر بَيَانًا شَافِيًا , فَإِنَّهَا تَذْهَب بِالْعَقْلِ وَالْمَال ! ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو حَدِيث وَكِيع . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ زَكَرِيَّا , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي مَيْسَرَة , قَالَ : قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب : اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا ! فَذَكَرَ نَحْوه . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِيهِ وَإِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي مَيْسَرَة , عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب , مِثْله . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا زَكَرِيَّا بْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي مَيْسَرَة , عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب , مِثْله . 9764 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثني أَبُو مَعْشَر الْمَدَنِيّ , عَنْ مُحَمَّد بْن قَيْس , قَالَ : لَمَّا قَدِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة أَتَاهُ النَّاس , وَقَدْ كَانُوا يَشْرَبُونَ الْخَمْر وَيَأْكُلُونَ الْمَيْسِر , فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { يَسْأَلُونَك عَنْ الْخَمْر وَالْمَيْسِر قُلْ فِيهِمَا إِثْم كَبِير وَمَنَافِع لِلنَّاسِ وَإِثْمهَا أَكْبَر مِنْ نَفْعهمَا } فَقَالُوا : هَذَا شَيْء قَدْ جَاءَ فِيهِ رُخْصَة , نَأْكُل الْمَيْسِر وَنَشْرَب الْخَمْر , وَنَسْتَغْفِر مِنْ ذَلِكَ . حَتَّى أَتَى رَجُل صَلَاة الْمَغْرِب , فَجَعَلَ يَقْرَأ : قُلْ يَا أَيّهَا الْكَافِرُونَ , أَعْبُد مَا تَعْبُدُونَ , وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُد . فَجَعَلَ لَا يُجَوِّد ذَلِكَ وَلَا يَدْرِي مَا يَقْرَأ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاة وَأَنْتُمْ سُكَارَى } فَكَانَ النَّاس يَشْرَبُونَ الْخَمْر حَتَّى يَجِيء وَقْت الصَّلَاة فَيَدَعُونَ شُرْبهَا , فَيَأْتُونَ الصَّلَاة وَهُمْ يَعْلَمُونَ مَا يَقُولُونَ . فَلَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { إِنَّمَا الْخَمْر وَالْمَيْسِر وَالْأَنْصَاب وَالْأَزْلَام } إِلَى قَوْله : { فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } فَقَالُوا : اِنْتَهَيْنَا يَا رَبّ ! وَقَالَ آخَرُونَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة بِسَبَبِ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص , وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ لَاحَى رَجُلًا عَلَى شَرَاب لَهُمَا , فَضَرَبَهُ صَاحِبه بِلَحْيِ جَمَل , فَفَزَرَ أَنْفه , فَنَزَلَتْ فِيهِمَا . ذِكْر الرِّوَايَة بِذَلِكَ : 9765 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة عَنْ سِمَاك بْن حَرْب , عَنْ مُصْعَب بْن سَعْد عَنْ أَبِيهِ سَعْد , أَنَّهُ قَالَ : صَنَعَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار طَعَامًا فَدَعَانَا قَالَ : فَشَرِبْنَا الْخَمْر حَتَّى اِنْتَشَيْنَا , فَتَفَاخَرَتْ الْأَنْصَار وَقُرَيْش , فَقَالَتْ الْأَنْصَار : نَحْنُ أَفْضَل مِنْكُمْ . قَالَ : فَأَخَذَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار لَحْي جَمَل فَضَرَبَ بِهِ أَنْف سَعْد فَفَزَرَهُ , فَكَانَ سَعْد أَفْزَر الْأَنْف . قَالَ : فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْر وَالْمَيْسِر } إِلَى آخِر الْآيَة . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ سِمَاك , عَنْ مُصْعَب بْن سَعْد , قَالَ : قَالَ سَعْد : شَرِبْت مَعَ قَوْم مِنْ الْأَنْصَار , فَضَرَبْت رَجُلًا مِنْهُمْ - أَظُنّ بِفَكِّ جَمَل - فَكَسَرْته , فَأَتَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْته , فَلَمْ أَلْبَث أَنْ نَزَلَ تَحْرِيم الْخَمْر : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْر وَالْمَيْسِر } إِلَى آخِر الْآيَة . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ سِمَاك , عَنْ مُصْعَب بْن سَعْد , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : شَرِبْت الْخَمْر مَعَ قَوْم مِنْ الْأَنْصَار , فَذَكَرَ نَحْوه . 9766 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرو بْن الْحَارِث أَنَّ اِبْن شِهَاب أَخْبَرَهُ أَنَّ سَالِم بْن عَبْد اللَّه حَدَّثَهُ : أَنَّ أَوَّل مَا حُرِّمَتْ الْخَمْر , أَنَّ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص وَأَصْحَابًا لَهُ شَرِبُوا , فَاقْتَتَلُوا , فَكَسَرُوا أَنْف سَعْد , فَأَنْزَلَ اللَّه : { إِنَّمَا الْخَمْر وَالْمَيْسِر } الْآيَة . وَقَالَ آخَرُونَ : نَزَلَتْ فِي قَبِيلَتَيْنِ مِنْ قَبَائِل الْأَنْصَار . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9767 - حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن عَلِيّ الصُّدَائِيّ , قَالَ : ثنا حَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا رَبِيعَة بْن كُلْثُوم , عَنْ جُبَيْر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : نَزَلَ تَحْرِيم الْخَمْر فِي قَبِيلَتَيْنِ مِنْ قَبَائِل الْأَنْصَار , شَرِبُوا حَتَّى إِذَا ثَمِلُوا عَبِثَ بَعْضهمْ بِبَعْضٍ ; فَلَمَّا أَنْ صَحَوْا جَعَلَ الرَّجُل مِنْهُمْ يَرَى الْأَثَر بِوَجْهِهِ وَلِحْيَته , فَيَقُول : فَعَلَ بِي هَذَا أَخِي فُلَان - وَكَانُوا إِخْوَة لَيْسَ فِي قُلُوبهمْ ضَغَائِن - وَاَللَّه لَوْ كَانَ بِي رَءُوفًا رَحِيمًا مَا فَعَلَ بِي هَذَا ! حَتَّى وَقَعَتْ فِي قُلُوبهمْ الضَّغَائِن , فَأَنْزَلَ اللَّه : { إِنَّمَا الْخَمْر وَالْمَيْسِر } إِلَى قَوْله : { فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } فَقَالَ نَاس مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ : هِيَ رِجْس , وَهِيَ فِي بَطْن فُلَان قُتِلَ يَوْم بَدْر , وَقُتِلَ فُلَان يَوْم أُحُد , فَأَنْزَلَ اللَّه : { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات جُنَاح فِيمَا طَعِمُوا } الْآيَة . 9768 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن خَلْف , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن مُحَمَّد الْجَرْمِيّ , عَنْ أَبِي تُمَيْلَة , عَنْ سَلَّام مَوْلَى حَفْص بْن أَبِي قَيْس , عَنْ أَبِي بُرَيْدَة , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : بَيْنَمَا نَحْنُ قُعُود عَلَى شَرَاب لَنَا وَنَحْنُ نَشْرَب الْخَمْر حِلًّا , إِذْ قُمْت حَتَّى آتِيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُسَلِّم عَلَيْهِ , وَقَدْ نَزَلَ تَحْرِيم الْخَمْر : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْر وَالْمَيْسِر وَالْأَنْصَاب وَالْأَزْلَام رِجْس مِنْ عَمَل الشَّيْطَان } إِلَى آخِر الْآيَتَيْنِ : { فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } , فَجِئْت إِلَى أَصْحَابِي فَقَرَأْتهَا عَلَيْهِمْ , إِلَى قَوْله : { فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } قَالَ : وَبَعْض الْقَوْم شُرْبته فِي يَده قَدْ شَرِبَ بَعْضًا وَبَقِيَ بَعْض فِي الْإِنَاء , فَقَالَ بِالْإِنَاءِ تَحْت شَفَته الْعُلْيَا كَمَا يَفْعَل الْحَجَّام , ثُمَّ صَبُّوا مَا فِي بَاطِيَتهمْ , فَقَالُوا : اِنْتَهَيْنَا رَبّنَا , اِنْتَهَيْنَا رَبّنَا ! وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا كَانَتْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء كَانَتْ تَكُون بَيْن الَّذِينَ نَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَة بِسَبَبِ الْمَيْسِر لَا بِسَبَبِ السُّكْر الَّذِي يَحْدُث لَهُمْ مِنْ شُرْب الْخَمْر , فَلِذَلِكَ نَهَاهُمْ اللَّه عَنْ الْمَيْسِر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9769 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا جَامِع بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع قَالَ بِشْر : وَقَدْ سَمِعْته مِنْ يَزِيد - وَحَدَّثَنِيهِ - قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : كَانَ الرَّجُل فِي الْجَاهِلِيَّة يُقَامِر عَلَى أَهْله وَمَاله , فَيَقْعُد حَزِينًا سَلِيبًا يَنْظُر إِلَى مَاله فِي يَدَيْ غَيْره , فَكَانَتْ تُورِث بَيْنهمْ عَدَاوَة وَبَغْضَاء , فَنَهَى اللَّه عَنْ ذَلِكَ وَقَدَّمَ فِيهِ ; وَاَللَّه أَعْلَم بِاَلَّذِي يُصْلِح خَلْقه . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ سَمَّى هَذِهِ الْأَشْيَاء الَّتِي سَمَّاهَا فِي هَذِهِ الْآيَة رِجْسًا وَأَمَرَ بِاجْتِنَابِهَا . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة , وَجَائِز أَنْ يَكُون نُزُولهَا كَانَ بِسَبَبِ دُعَاء عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي أَمْر الْخَمْر , وَجَائِز أَنْ يَكُون ذَلِكَ كَانَ بِسَبَبِ مَا نَالَ سَعْدًا مِنْ الْأَنْصَارِيّ عِنْد اِنْتِشَائِهِمَا مِنْ الشَّرَاب , وَجَائِز أَنْ يَكُون كَانَ مِنْ أَجْل مَا كَانَ يَلْحَق أَحَدهمْ عِنْد ذَهَاب مَاله بِالْقِمَارِ مِنْ عَدَاوَة مَنْ يُسْره وَبُغْضه . وَلَيْسَ عِنْدنَا بِأَيِّ ذَلِكَ كَانَ خَيْر قَاطِع لِلْعُذْرِ , غَيْر أَنَّهُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ , فَقَدْ لَزِمَ حُكْم الْآيَة جَمِيع أَهْل التَّكْلِيف , وَغَيْر ضَائِرهمْ الْجَهْل بِالسَّبَبِ الَّذِي لَهُ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة , فَالْخَمْر وَالْمَيْسِر وَالْأَنْصَاب وَالْأَزْلَام رِجْس مِنْ عَمَل الشَّيْطَان فَرْض عَلَى جَمِيع مَنْ بَلَغَتْهُ الْآيَة مِنْ التَّكْلِيف اِجْتِنَاب جَمِيع ذَلِكَ , كَمَا قَالَ تَعَالَى : { فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }
وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُسورة المائدة الآية رقم 92
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَطِيعُوا اللَّه وَأَطِيعُوا الرَّسُول } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّمَا الْخَمْر وَالْمَيْسِر وَالْأَنْصَاب وَالْأَزْلَام رِجْس مِنْ عَمَل الشَّيْطَان فَاجْتَنِبُوهُ , وَأَطِيعُوا اللَّه وَأَطِيعُوا الرَّسُول فِي اِجْتِنَابكُمْ ذَلِكَ وَاتِّبَاعكُمْ أَمْره فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ مِنْ الِانْزِجَار عَمَّا زَجَرَكُمْ عَنْهُ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي الَّتِي بَيَّنَهَا لَكُمْ فِي هَذِهِ الْآيَة وَغَيْرهَا , وَخَالِفُوا الشَّيْطَان فِي أَمْره إِيَّاكُمْ بِمَعْصِيَةِ اللَّه فِي ذَلِكَ وَفِي غَيْره , فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَبْغِي لَكُمْ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء بَيْنكُمْ بِالْخَمْرِ وَالْمَيْسِر .

يَقُول : وَاتَّقُوا اللَّه وَرَاقِبُوهُ أَنْ يَرَاكُمْ عِنْد مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ مِنْ هَذِهِ الْأُمُور الَّتِي حَرَّمَهَا عَلَيْكُمْ فِي هَذِهِ الْآيَة وَغَيْرهَا , أَوْ يَفْقِدكُمْ عِنْد مَا أَمَرَكُمْ بِهِ فَتُوبِقُوا أَنْفُسكُمْ وَتُهْلِكُوهَا .

يَقُول : فَإِنْ أَنْتُمْ لَمْ تَعْمَلُوا بِمَا أَمَرْنَاكُمْ بِهِ وَتَنْتَهُوا عَمَّا نَهَيْنَاكُمْ عَنْهُ وَرَجَعْتُمْ مُدْبِرِينَ عَمَّا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْإِيمَان وَالتَّصْدِيق بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَاتِّبَاع مَا جَاءَكُمْ بِهِ نَبِيّكُمْ .

يَقُول : فَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى مَنْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَيْكُمْ بِالنِّذَارَةِ غَيْر إِبْلَاغكُمْ الرِّسَالَة الَّتِي أُرْسِلَ بِهَا إِلَيْكُمْ , مُبَيَّنَة لَكُمْ بَيَانًا يُوَضِّح لَكُمْ سَبِيل الْحَقّ وَالطَّرِيق الَّذِي أُمِرْتُمْ أَنْ تَسْلُكُوهُ ; وَأَمَّا الْعِقَاب عَلَى التَّوْلِيَة وَالِانْتِقَام بِالْمَعْصِيَةِ , فَعَلَى الْمُرْسَل إِلَيْهِ دُون الرُّسُل . وَهَذَا مِنْ اللَّه تَعَالَى وَعِيد لِمَنْ تَوَلَّى عَنْ أَمْره وَنَهْيه , يَقُول لَهُمْ تَعَالَى ذِكْره : فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ عَنْ أَمْرِي وَنَهْيِي , فَتَوَقَّعُوا عِقَابِي وَاحْذَرُوا سَخَطِي .
لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَسورة المائدة الآية رقم 93
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات جُنَاح فِيمَا طَعِمُوا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْقَوْمِ الَّذِينَ قَالُوا إِذْ أَنْزَلَ اللَّه تَحْرِيم الْخَمْر بِقَوْلِهِ : { إِنَّمَا الْخَمْر وَالْمَيْسِر وَالْأَنْصَاب وَالْأَزْلَام رِجْس مِنْ عَمَل الشَّيْطَان فَاجْتَنِبُوهُ } - : كَيْفَ بِمَنْ هَلَكَ مِنْ إِخْوَاننَا وَهُمْ يَشْرَبُونَهَا وَبِنَا وَقَدْ كُنَّا نَشْرَبهَا : { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات } مِنْكُمْ حَرَج فِيمَا شَرِبُوا مِنْ ذَلِكَ فِي الْحَال الَّتِي لَمْ يَكُنْ اللَّه تَعَالَى حَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ , وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِيمَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِ , جَاءَتْ الْأَخْبَار عَنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9770 - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ وَأَبُو كُرَيْب , قَالَا : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : لَمَّا نَزَلَ تَحْرِيم الْخَمْر قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , فَكَيْفَ بِأَصْحَابِنَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُوَ يَشْرَبُونَ الْخَمْر ؟ فَنَزَلَتْ : { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات جُنَاح } الْآيَة . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ إِسْرَائِيل بِإِسْنَادِهِ , نَحْوه . 9771 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثني عَبْد الْكَبِير بْن عَبْد الْمَجِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبَّاد بْن رَاشِد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَنَس بْن مَالِك , قَالَ : بَيْنَا أَنَا أُدِير الْكَأْس عَلَى أَبِي طَلْحَة وَأَبِي عُبَيْدَة بْن الْجَرَّاح وَمُعَاذ بْن جَبَل وَسُهَيْل بْن بَيْضَاء وَأَبِي دُجَانَة , حَتَّى مَالَتْ رُءُوسهمْ مِنْ خَلِيط بُسْر وَتَمْر , فَسَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي : أَلَا إِنَّ الْخَمْر قَدْ حُرِّمَتْ ! قَالَ : فَمَا دَخَلَ عَلَيْنَا دَاخِل وَلَا خَرَجَ مِنَّا خَارِج حَتَّى أَهْرَقْنَا الشَّرَاب وَكَسَرْنَا الْقِلَال . وَتَوَضَّأَ بَعْضنَا وَاغْتَسَلَ بَعْضنَا فَأَصَبْنَا مِنْ طِيب أُمّ سُلَيْم ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الْمَسْجِد , وَإِذَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْر وَالْمَيْسِر وَالْأَنْصَاب وَالْأَزْلَام رِجْس مِنْ عَمَل الشَّيْطَان فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } إِلَى قَوْله : { فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } فَقَالَ رَجُل : يَا رَسُول اللَّه , فَمَا مَنْزِلَة مَنْ مَاتَ مِنَّا وَهُوَ يَشْرَبهَا ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات جُنَاح فِيمَا طَعِمُوا } الْآيَة . فَقَالَ رَجُل لِقَتَادَةَ : سَمِعْته مِنْ أَنَس بْن مَالِك ؟ قَالَ : نَعَمْ , وَقَالَ رَجُل لِأَنَسِ بْن مَالِك : أَنْتَ سَمِعْته مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : نَعَمْ , وَحَدَّثَنِي مَنْ لَمْ يَكْذِب , وَاَللَّه مَا كُنَّا نَكْذِب وَلَا نَدْرِي مَا الْكَذِب . 9772 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ الْبَرَاء , قَالَ : لَمَّا حُرِّمَتْ الْخَمْر قَالُوا : كَيْفَ بِأَصْحَابِنَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يَشْرَبُونَ الْخَمْر ؟ فَنَزَلَتْ : { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات جُنَاح فِيمَا طَعِمُوا } الْآيَة . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , قَالَ : قَالَ الْبَرَاء : مَاتَ نَاس مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ يَشْرَبُونَ الْخَمْر , فَلَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمهَا , قَالَ أُنَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَكَيْفَ بِأَصْحَابِنَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يَشْرَبُونَهَا ؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات } الْآيَة . 9773 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا دَاوُد , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : نَزَلَتْ : { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات جُنَاح فِيمَا طَعِمُوا } فِيمَنْ قُتِلَ بِبَدْرٍ وَأُحُد مَعَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 9774 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا خَالِد بْن مَخْلَد , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن مُسْهِر , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ عَلْقَمَة , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات جُنَاح فِيمَا طَعِمُوا } قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " قِيلَ لِي أَنْتَ مِنْهُمْ " . 9775 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا جَامِع بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات جُنَاح فِيمَا طَعِمُوا } إِلَى قَوْله : { وَاَللَّه يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ } لَمَّا أَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره تَحْرِيم الْخَمْر فِي سُورَة الْمَائِدَة بَعْد سُورَة الْأَحْزَاب , قَالَ فِي ذَلِكَ رِجَال مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أُصِيبَ فُلَان يَوْم بَدْر وَفُلَان يَوْم أُحُد وَهُمْ يَشْرَبُونَهَا , فَنَحْنُ نَشْهَد أَنَّهُمْ مِنْ أَهْل الْجَنَّة ! فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات جُنَاح فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اِتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات ثُمَّ اِتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اِتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاَللَّه يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ } يَقُول : شَرِبَهَا الْقَوْم عَلَى تَقْوًى مِنْ اللَّه وَإِحْسَان وَهِيَ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ حَلَال , ثُمَّ حُرِّمَتْ بَعْدهمْ , فَلَا جُنَاح عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ . 9776 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات جُنَاح فِيمَا طَعِمُوا } قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , مَا نَقُول لِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ مَضَوْا , كَانُوا يَشْرَبُونَ الْخَمْر وَيَأْكُلُونَ الْمَيْسِر ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه : { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات جُنَاح فِيمَا طَعِمُوا } يَعْنِي قَبْل التَّحْرِيم إِذَا كَانُوا مُحْسِنِينَ مُتَّقِينَ . وَقَالَ مَرَّة أُخْرَى : لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات جُنَاح فِيمَا طَعِمُوا مِنْ الْحَرَام قَبْل أَنْ يُحَرَّم عَلَيْهِمْ إِذَا مَا اِتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا بَعْد مَا حُرِّمَ وَهُوَ قَوْله : { فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَة مِنْ رَبّه فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ } . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات جُنَاح فِيمَا طَعِمُوا } يَعْنِي بِذَلِكَ رِجَالًا مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتُوا وَهُمْ يَشْرَبُونَ الْخَمْر قَبْل أَنْ تُحَرَّم الْخَمْر , فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ فِيهَا جُنَاح قَبْل أَنْ تُحَرَّم , فَلَمَّا حُرِّمَتْ قَالُوا : كَيْفَ تَكُون عَلَيْنَا حَرَامًا وَقَدْ مَاتَ إِخْوَاننَا وَهُمْ يَشْرَبُونَهَا ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات جُنَاح فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اِتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات } يَقُول : لَيْسَ عَلَيْهِمْ حَرَج فِيمَا كَانُوا يَشْرَبُونَ قَبْل أَنْ أُحَرِّمهَا إِذَا كَانُوا مُحْسِنِينَ مُتَّقِينَ , وَاَللَّه يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ . 9777 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات جُنَاح فِيمَا طَعِمُوا } لِمَنْ كَانَ يَشْرَب الْخَمْر مِمَّنْ قُتِلَ مَعَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَدْرٍ وَأُحُد . 9778 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ الْفَضْل بْن خَالِد , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , عَنْ الضَّحَّاك , قَوْله : { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات جُنَاح } الْآيَة : هَذَا فِي شَأْن الْخَمْر حِين حُرِّمَت , سَأَلُوا نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالُوا : إِخْوَاننَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يَشْرَبُونَهَا ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة .

يَقُول : إِذَا مَا اِتَّقَى اللَّه الْأَحْيَاء مِنْهُمْ , فَخَافُوهُ وَرَاقَبُوهُ فِي اِجْتِنَابهمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ مِنْهُ وَصَدَّقُوا اللَّه وَرَسُوله فِيمَا أَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ , فَأَطَاعُوهُمَا فِي ذَلِكَ كُلّه .

يَقُول : وَاكْتَسَبُوا مِنْ الْأَعْمَال مَا يَرْضَاهُ اللَّه فِي ذَلِكَ مِمَّا كَلَّفَهُمْ بِذَلِكَ رَبّهمْ .

يَقُول : ثُمَّ خَافُوا اللَّه وَرَاقَبُوهُ بِاجْتِنَابِهِمْ مَحَارِمه بَعْد ذَلِكَ التَّكْلِيف أَيْضًا , فَثَبَتُوا عَلَى اِتِّقَاء اللَّه فِي ذَلِكَ وَالْإِيمَان بِهِ , وَلَمْ يُغَيِّرُوا وَلَمْ يُبَدِّلُوا .

يَقُول : ثُمَّ خَافُوا اللَّه , فَدَعَاهُمْ خَوْفهمْ اللَّه إِلَى الْإِحْسَان . وَذَلِكَ الْإِحْسَان هُوَ الْعَمَل بِمَا لَمْ يَفْرِضهُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْأَعْمَال , وَلَكِنَّهُ نَوَافِل تَقَرَّبُوا بِهَا إِلَى رَبّهمْ طَلَب رِضَاهُ وَهَرَبًا مِنْ عِقَابه . فَالِاتِّقَاء الْأَوَّل : هُوَ الِاتِّقَاء بِتَلَقِّي أَمْر اللَّه بِالْقَبُولِ وَالتَّصْدِيق وَالدَّيْنُونَة بِهِ وَالْعَمَل ; وَالِاتِّقَاء الثَّانِي : الِاتِّقَاء بِالثَّبَاتِ عَلَى التَّصْدِيق وَتَرْك التَّبْدِيل وَالتَّغْيِير ; وَالِاتِّقَاء الثَّالِث : هُوَ الِاتِّقَاء بِالْإِحْسَانِ وَالتَّقَرُّب بِنَوَافِل الْأَعْمَال . فَإِنْ قَالَ قَائِل : مَا الدَّلِيل عَلَى أَنَّ الِاتِّقَاء الثَّالِث هُوَ الِاتِّقَاء بِالنَّوَافِلِ دُون أَنْ يَكُون ذَلِكَ بِالْفَرَائِضِ ؟ قِيلَ : إِنَّهُ تَعَالَى ذِكْره قَدْ أَخْبَرَ عَنْ وَضْعه الْجُنَاح عَنْ شَارِبِي الْخَمْر الَّتِي شَرِبُوهَا قَبْل تَحْرِيمه إِيَّاهَا إِذَا هُمْ اِتَّقَوْا اللَّه فِي شُرْبهَا بَعْد تَحْرِيمهَا وَصَدَّقُوا اللَّه وَرَسُوله فِي تَحْرِيمهَا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات مِنْ الْفَرَائِض . وَلَا وَجْه لِتَكْرِيرِ ذَلِكَ , وَقَدْ مَضَى ذِكْره فِي آيَة وَاحِدَة .

يَقُول : وَاَللَّه يُحِبّ الْمُتَقَرِّبِينَ إِلَيْهِ بِنَوَافِل الْأَعْمَال الَّتِي يَرْضَاهَا .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌسورة المائدة الآية رقم 94
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّه بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْد تَنَالهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَا أَيّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّه وَرَسُوله { لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّه بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْد } يَقُول : لَيَخْتَبِرَنَّكُم اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْد , يَعْنِي : بِبَعْضِ الصَّيْد . وَإِنَّمَا أَخْبَرَهُمْ تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُ يَبْلُوهُمْ بِشَيْءٍ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُهُمْ بِصَيْدِ الْبَحْر وَإِنَّمَا اِبْتَلَاهُمْ بِصَيْدِ الْبَرّ , فَالِابْتِلَاء بِبَعْضٍ لَمْ يَمْتَنِع . وَقَوْله : { تَنَالهُ أَيْدِيكُمْ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : إِمَّا بِالْيَدِ , كَالْبَيْضِ وَالْفِرَاخ ; وَإِمَّا بِإِصَابَةِ النَّبْل وَالرِّمَاح , وَذَلِكَ كَالْحُمُرِ وَالْبَقَر وَالظِّبَاء , فَيَمْتَحِنكُمْ بِهِ فِي حَال إِحْرَامكُمْ بِعُمْرَتِكُمْ أَوْ بِحَجِّكُمْ . وَبِنَحْوِ ذَلِكَ قَالَتْ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9779 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّه بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْد تَنَالهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحكُمْ } قَالَ : { أَيْدِيكُمْ } صِغَار الصَّيْد , أَخْذ الْفِرَاخ وَالْبَيْض . وَ " الرِّمَاح " , قَالَ : كِبَار الصَّيْد . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ دَاوُد , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { تَنَالهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحكُمْ } قَالَ : النَّبْل , وَرِمَاحكُمْ تَنَال كَبِير الصَّيْد , وَأَيْدِيكُمْ تَنَال صَغِير الصَّيْد , أَخْذ الْفِرَاخ وَالْبَيْض . 9780 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ حُمَيْد الْأَعْرَج , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّه بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْد تَنَالهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحكُمْ } قَالَ : مَا لَا يَسْتَطِيع أَنْ يَفِرّ مِنْ الصَّيْد . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد وَعَبْد الرَّحْمَن , قَالَا : ثنا سُفْيَان , عَنْ حُمَيْد الْأَعْرَج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 9781 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحكُمْ } قَالَ : هُوَ الضَّعِيف مِنْ الصَّيْد وَصَغِيره , يَبْتَلِي اللَّه تَعَالَى بِهِ عِبَاده فِي إِحْرَامهمْ حَتَّى لَوْ شَاءُوا نَالُوهُ بِأَيْدِيهِمْ , فَنَهَاهُمْ اللَّه أَنْ يَقْرَبُوهُ . * - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا سُفْيَان الثَّوْرِيّ , عَنْ حُمَيْد الْأَعْرَج , وَلَيْث عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّه بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْد تَنَالهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحكُمْ } قَالَ : الْفِرَاخ وَالْبَيْض , وَمَا لَا يَسْتَطِيع أَنْ يَفِرّ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لِيَعْلَم اللَّه مَنْ يَخَافهُ بِالْغَيْبِ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : لَيَخْتَبِرَنَّكُم اللَّه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الصَّيْد فِي حَال إِحْرَامكُمْ , كَيْ يَعْلَم أَهْل طَاعَة اللَّه وَالْإِيمَان بِهِ وَالْمُنْتَهُونَ إِلَى حُدُوده وَأَمْره وَنَهْيه , مِنْ الَّذِي يَخَاف اللَّه , فَيَتَّقِي مَا نَهَاهُ عَنْهُ وَيَجْتَنِبهُ خَوْف عِقَابه بِالْغَيْبِ , بِمَعْنَى : فِي الدُّنْيَا بِحَيْثُ لَا يَرَاهُ . وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْغَيْب إِنَّمَا هُوَ مَصْدَر قَوْل الْقَائِل : غَابَ عَنِّي هَذَا الْأَمْر فَهُوَ يَغِيب غَيْبًا وَغَيْبَة , وَأَنَّ مَا لَمْ يُعَايَن فَإِنَّ الْعَرَب تُسَمِّيه غَيْبًا . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَن : لِيَعْلَم أَوْلِيَاء اللَّه مَنْ يَخَاف اللَّه فَيَتَّقِي مَحَارِمه الَّتِي حَرَّمَهَا عَلَيْهِ مِنْ الصَّيْد وَغَيْره , بِحَيْثُ لَا يَرَاهُ وَلَا يُعَايِنهُ .

وَأَمَّا قَوْله : { فَمَنْ اِعْتَدَى بَعْد ذَلِكَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : فَمَنْ تَجَاوَزَ حَدّ اللَّه الَّذِي حَدَّهُ لَهُ بَعْد اِبْتِلَائِهِ بِتَحْرِيمِ الصَّيْد عَلَيْهِ وَهُوَ حَرَام , فَاسْتَحَلَّ مَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِ مِنْهُ بِأَخْذِهِ وَقَتْله ;

{ فَلَهُ عَذَاب } مِنْ اللَّه { أَلِيم } يَعْنِي : مُؤْلِمٌ مُوجِعٌ .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍسورة المائدة الآية رقم 95
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْد وَأَنْتُمْ حُرُم وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَا أَيّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّه وَرَسُوله { لَا تَقْتُلُوا الصَّيْد } الَّذِي بَيَّنْت لَكُمْ , وَهُوَ صَيْد الْبَرّ دُون صَيْد الْبَحْر ; { وَأَنْتُمْ حُرُم } يَقُول : وَأَنْتُمْ مُحْرِمُونَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَة وَالْحُرُم : جَمْع حَرَام , وَالذَّكَر وَالْأُنْثَى فِيهِ بِلَفْظٍ وَاحِد , تَقُول : هَذَا رَجُل حَرَام وَهَذِهِ اِمْرَأَة حَرَام , فَإِذَا قِيلَ مُحْرِم , قِيلَ لِلْمَرْأَةِ مُحْرِمَة . وَالْإِحْرَام : هُوَ الدُّخُول فِيهِ , يُقَال : أَحْرَمَ الْقَوْم : إِذَا دَخَلُوا فِي الشَّهْر الْحَرَام , أَوْ فِي الْحُرُم . فَتَأْوِيل الْكَلَام : لَا تَقْتُلُوا الصَّيْد وَأَنْتُمْ مُحْرِمُونَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَة . وَقَوْله : { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } فَإِنَّ هَذَا إِعْلَام مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْرُهُ عِبَادَهُ حُكْم الْقَاتِل مِنْ الْمُحْرِمِينَ الصَّيْد الَّذِي نَهَاهُ عَنْ قَتْله مُتَعَمِّدًا . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي صِفَة الْعَمْد الَّذِي أَوْجَبَ اللَّه عَلَى صَاحِبه بِهِ الْكَفَّارَة وَالْجَزَاء فِي قَتْله الصَّيْد . فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ الْعَمْد لِقَتْلِ الصَّيْد مَعَ نِسْيَان قَاتِله إِحْرَامه فِي حَال قَتْله , وَقَالَ : إِنْ قَتَلَهُ وَهُوَ ذَاكِر إِحْرَامه مُتَعَمِّدًا قَتْله فَلَا حُكْم عَلَيْهِ وَأَمْره إِلَى اللَّه . قَالُوا : وَهَذَا أَجَلّ أَمْرًا مِنْ أَنْ يَحْكُم عَلَيْهِ أَوْ يَكُون لَهُ كَفَّارَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9782 - حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد . { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم } مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ مُتَعَمِّدًا لِقَتْلِهِ , فَذَلِكَ الَّذِي يَحْكُم عَلَيْهِ . فَإِنْ قَتَلَهُ ذَاكِرًا لِحُرْمِهِ مُتَعَمِّدًا لِقَتْلِهِ , لَمْ يُحْكَم عَلَيْهِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع وَابْن حُمَيْد , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد فِي الَّذِي يَقْتُل الصَّيْد مُتَعَمِّدًا , وَهُوَ يَعْلَم أَنَّهُ مُحْرِم وَمُتَعَمِّد قَتْله , قَالَ : لَا يُحْكَم عَلَيْهِ , وَلَا حَجّ لَهُ .

وَقَوْله : { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } قَالَ : هُوَ الْعَمْد الْمُكَفَّر , وَفِيهِ الْكَفَّارَة وَالْخَطَأ أَنْ يُصِيبهُ , وَهُوَ نَاسٍ إِحْرَامه , مُتَعَمِّدًا لِقَتْلِهِ , أَوْ يُصِيبهُ وَهُوَ يُرِيد غَيْره , فَذَلِكَ يُحْكَم عَلَيْهِ مَرَّة . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { لَا تَقْتُلُوا الصَّيْد وَأَنْتُمْ حُرُم وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } غَيْر نَاسٍ لِحُرْمِهِ وَلَا مُرِيد غَيْره , فَقَدْ حَلَّ وَلَيْسَتْ لَهُ رُخْصَة . وَمَنْ قَتَلَهُ نَاسِيًا أَوْ أَرَادَ غَيْره فَأَخْطَأَ بِهِ , فَذَلِكَ الْعَمْد الْمُكَفَّر . * - حَدَّثَنَا يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } قَالَ : مُتَعَمِّدًا لِقَتْلِهِ , نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ . * - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن طَلْحَة الْيَرْبُوعِيّ , قَالَ : ثنا الْفُضَيْل بْن عِيَاض , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الْعَمْد هُوَ الْخَطَأ الْمُكَفَّر . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عَرَفَة , قَالَ : ثنا يُونُس بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَاحِد بْن زِيَاد , قَالَ : ثنا لَيْث قَالَ : قَالَ مُجَاهِد : قَوْل اللَّه : { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم } قَالَ : فَالْعَمْد الَّذِي ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى أَنْ يُصِيب الصَّيْد وَهُوَ يُرِيد غَيْره فَيُصِيبهُ , فَهَذَا الْعَمْد الْمُكَفَّر ; فَأَمَّا الَّذِي يُصِيبهُ غَيْر نَاسٍ وَلَا مُرِيد لِغَيْرِهِ , فَهَذَا لَا يُحْكَم عَلَيْهِ , هَذَا أَجَلّ مِنْ أَنْ يُحْكَم عَلَيْهِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , وَمُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَا : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , عَنْ شُعْبَة , عَنْ الْهَيْثَم , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد , أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } قَالَ : يَقْتُلهُ مُتَعَمِّدًا لِقَتْلِهِ , نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ الْهَيْثَم , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 9783 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج : { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } غَيْر نَاس لِحُرْمِهِ وَلَا مُرِيد غَيْره , فَقَدْ حَلَّ وَلَيْسَتْ لَهُ رُخْصَة . وَمَنْ قَتَلَهُ نَاسِيًا لِحُرْمِهِ أَوْ أَرَادَ غَيْره فَأَخْطَأَ بِهِ , فَذَلِكَ الْعَمْد الْمُكَفَّر . 9784 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا سَهْل بْن يُوسُف , عَنْ عَمْرو , عَنْ الْحَسَن : { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } لِلصَّيْدِ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ , { فَمَنْ اِعْتَدَى بَعْد ذَلِكَ } مُتَعَمِّدًا لِلصَّيْدِ يَذْكُر إِحْرَامه . * - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن أَبِي عَدِيّ , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن مُسْلِم , قَالَ : كَانَ الْحَسَن يُفْتِي فِيمَنْ قَتَلَ الصَّيْد مُتَعَمِّدًا ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ : لَمْ يَحْكُم عَلَيْهِ . قَالَ إِسْمَاعِيل , وَقَالَ حَمَّاد عَنْ إِبْرَاهِيم , مِثْل ذَلِكَ . 9785 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَفَّان بْن مُسْلِم , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , قَالَ : أَمَرَنِي جَعْفَر بْن أَبِي وَحْشِيَّة أَنْ أَسْأَل عَمْرو بْن دِينَار عَنْ هَذِهِ الْآيَة : { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم } . الْآيَة , فَسَأَلْته , فَقَالَ : كَانَ عَطَاء يَقُول : هُوَ بِالْخِيَارِ أَيّ ذَلِكَ شَاءَ فَعَلَ , إِنْ شَاءَ أَهْدَى وَإِنْ شَاءَ أَطْعَمَ وَإِنْ شَاءَ صَامَ . فَأَخْبَرْت بِهِ جَعْفَرًا , وَقُلْت : مَا سَمِعْت فِيهِ ؟ فَتَلَكَّأَ سَاعَة ثُمَّ جَعَلَ يَضْحَك , وَلَا يُخْبِرنِي , ثُمَّ قَالَ : كَانَ سَعِيد بْن جُبَيْر يَقُول : يُحْكَم عَلَيْهِ مِنْ النَّعَم هَدْيًا بَالِغ الْكَعْبَة , فَإِنْ لَمْ يَجِد يُحْكَم عَلَيْهِ ثَمَنه , فَقُوِّمَ طَعَامًا فَتَصَدَّقَ بِهِ , فَإِنْ لَمْ يَجِد عَلَيْهِ حُكْم الصِّيَام فِيهِ مِنْ ثَلَاثَة أَيَّام إِلَى عَشَرَة . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي مَرْيَم , قَالَ : أَخْبَرَنَا نَافِع بْن يَزِيد , قَالَ أَخْبَرَنِي اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد : { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } غَيْر نَاسٍ لِحُرْمِهِ وَلَا مُرِيد غَيْره فَقَدْ حَلَّ وَلَيْسَتْ لَهُ رُخْصَة , وَمَنْ قَتَلَهُ نَاسِيًا أَوْ أَرَادَ غَيْره فَأَخْطَأَ بِهِ , فَذَلِكَ الْعَمْد الْمُكَفَّر . 9786 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : أَمَّا الَّذِي يَتَعَمَّد فِيهِ لِلصَّيْدِ وَهُوَ نَاسٍ لِحُرْمِهِ أَوْ جَاهِل أَنَّ قَتْله غَيْر مُحَرَّم , فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُحْكَم عَلَيْهِمْ . فَأَمَّا مَنْ قَتَلَهُ مُتَعَمِّدًا بَعْد نَهْي اللَّه وَهُوَ يَعْرِف أَنَّهُ مُحْرِم وَأَنَّهُ حَرَام , فَذَلِكَ يُوَكَّل إِلَى نِقْمَة اللَّه , وَذَلِكَ الَّذِي حَمَلَ اللَّه عَلَيْهِ النِّقْمَة . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } قَالَ : مُتَعَمِّدًا لِقَتْلِهِ , نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ هُوَ الْعَمْد مِنْ الْمُحْرِم لِقَتْلِ الصَّيْد ذَاكِرًا لِحُرْمِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9787 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , قَالَ : يُحْكَم عَلَيْهِ فِي الْعَمْد وَالْخَطَأ وَالنِّسْيَان . 9788 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : ثنا اِبْن جُرَيْج , وَحَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ طَاوُس : وَاَللَّه مَا قَالَ اللَّه إِلَّا : { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } . 9789 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنِي بَعْض أَصْحَابنَا عَنْ الزُّهْرِيّ أَنَّهُ قَالَ : نَزَلَ الْقُرْآن بِالْعَمْدِ , وَجَرَتْ السُّنَّة فِي الْخَطَأ . يَعْنِي فِي الْمُحْرِم يُصِيب الصَّيْد . 9790 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْد وَأَنْتُمْ حُرُم } قَالَ : إِنْ قَتَلَهُ مُتَعَمِّدًا أَوْ نَاسِيًا حُكِمَ عَلَيْهِ , وَإِنْ عَادَ مُتَعَمِّدًا عُجِّلَتْ لَهُ الْعُقُوبَة , إِلَّا أَنْ يَعْفُو اللَّه . 9791 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : إِنَّمَا جُعِلَتْ الْكَفَّارَة فِي الْعَمْد , وَلَكِنْ غُلِّظَ عَلَيْهِمْ فِي الْخَطَأ كَيْ يَتَّقُوا . * - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة وَوَكِيع , قَالَا : ثنا الْأَعْمَش , عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , نَحْوه . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي مَرْيَم , قَالَ : أَخْبَرَنَا نَافِع بْن يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : كَانَ طَاوُس يَقُول : وَاَللَّه مَا قَالَ اللَّه إِلَّا : { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا , أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى حَرَّمَ قَتْل صَيْد الْبَرّ عَلَى كُلّ مُحْرِم فِي حَال إِحْرَامه مَا دَامَ حَرَامًا , بِقَوْلِهِ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْد } ثُمَّ بَيَّنَ حُكْم مَنْ قَتَلَ مَا قَتَلَ مِنْ ذَلِكَ فِي حَال إِحْرَامه مُتَعَمِّدًا لِقَتْلِهِ , وَلَمْ يُخَصِّص بِهِ الْمُتَعَمِّد قَتْله فِي حَال نِسْيَانه إِحْرَامه , وَلَا الْمُخْطِئ فِي قَتْله فِي حَال ذِكْره إِحْرَامه , بَلْ عَمَّ فِي التَّنْزِيل بِإِيجَابِ الْجَزَاء كُلّ قَاتِل صَيْد فِي حَال إِحْرَامه مُتَعَمِّدًا . وَغَيْر جَائِز إِحَالَة ظَاهِر التَّنْزِيل إِلَى بَاطِنٍ مِنْ التَّأْوِيل لَا دَلَالَة عَلَيْهِ مِنْ نَصّ كِتَاب وَلَا خَبَر لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا إِجْمَاع مِنْ الْأُمَّة وَلَا دَلَالَة مِنْ بَعْض هَذِهِ الْوُجُوه . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَسَوَاء كَانَ قَاتِل الصَّيْد مِنْ الْمُحْرِمِينَ عَامِدًا قَتْلَهُ ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ , أَوْ عَامِدًا قَتْلَهُ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ , أَوْ قَاصِدًا غَيْره فَقَتَلَهُ ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ , فِي أَنَّ عَلَى جَمِيعهمْ مِنْ الْجَزَاء مَا قَالَ رَبّنَا تَعَالَى وَهُوَ : { مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم يَحْكُم بِهِ ذَوَا عَدْل } مِنْ الْمُسْلِمِينَ { أَوْ كَفَّارَة طَعَام مَسَاكِين أَوْ عَدْل ذَلِكَ صِيَامًا } وَهَذَا قَوْل عَطَاء وَالزُّهْرِيّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْهُمَا , دُون الْقَوْل الَّذِي قَالَهُ مُجَاهِد . وَأَمَّا مَا يَلْزَم بِالْخَطَأِ قَاتِله , فَقَدْ بَيَّنَّا الْقَوْل فِيهِ فِي كِتَابنَا وَكِتَاب لَطِيف الْقَوْل فِي أَحْكَام الشَّرَائِع " بِمَا أَغْنَى عَنْ ذِكْره فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَلَيْسَ هَذَا الْمَوْضِع مَوْضِع ذِكْره ; لِأَنَّ قَصْدنَا فِي هَذَا الْكِتَاب الْإِبَانَة عَنْ تَأْوِيل التَّنْزِيل , وَلَيْسَ فِي التَّنْزِيل لِلْخَطَإِ ذِكْر فَنَذْكُر أَحْكَامه .

وَأَمَّا قَوْله : { فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ } يَعْنِي بِذَلِكَ : جَزَاء الصَّيْد الْمَقْتُول ; يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَعَلَى قَاتِل الصَّيْد جَزَاء الصَّيْد الْمَقْتُول مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَة عَبْد اللَّه : " فَجَزَاؤُهُ مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم " . وَقَدْ اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَبَعْض الْبَصْرِيِّينَ : " فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم " بِإِضَافَةِ الْجَزَاء إِلَى الْمِثْل وَخَفْض الْمِثْل . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : { فَجَزَاءٌ مِثْل مَا قَتَلَ } بِتَنْوِينِ " الْجَزَاء " وَرَفْع " الْمِثْل " بِتَأْوِيلِ : فَعَلَيْهِ جَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { فَجَزَاءٌ مِثْل مَا قَتَلَ } بِتَنْوِينِ الْجَزَاء . وَرَفْع الْمِثْل , لِأَنَّ الْجَزَاء هُوَ الْمِثْل , فَلَا وَجْه لِإِضَافَةِ الشَّيْء إِلَى نَفْسه . وَأَحْسِب أَنَّ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ بِالْإِضَافَةِ , رَأَوْا أَنَّ الْوَاجِب عَلَى قَاتِل الصَّيْد أَنْ يَجْزِي مِثْله مِنْ الصَّيْد بِمِثْلٍ مِنْ النَّعَم ; وَلَيْسَ ذَلِكَ كَاَلَّذِي ذَهَبُوا إِلَيْهِ , بَلْ الْوَاجِب عَلَى قَاتِله أَنْ يَجْزِي الْمَقْتُول نَظِيره مِنْ النَّعَم . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَالْمِثْل هُوَ الْجَزَاء الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّه تَعَالَى عَلَى قَاتِل الصَّيْد , وَلَنْ يُضَاف الشَّيْء إِلَى نَفْسه , وَلِذَلِكَ لَمْ يَقْرَأ ذَلِكَ قَارِئ عَلِمْنَاهُ بِالتَّنْوِينِ وَنَصْب الْمِثْل . وَلَوْ كَانَ الْمِثْل غَيْر الْجَزَاء لَجَازَ فِي الْمِثْل النَّصْب إِذَا نَوَّنَ الْجَزَاء , كَمَا نَصَبَ الْيَتِيم إِذْ كَانَ غَيْر الْإِطْعَام فِي قَوْله : { أَوْ إِطْعَام فِي يَوْم ذِي مَسْغَبَة يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَة } وَكَمَا نَصَبَ الْأَمْوَات وَالْأَحْيَاء وَنَوَّنَ الْكِفَات فِي قَوْله : { أَلَمْ نَجْعَل الْأَرْض كِفَاتًا أَحْيَاء وَأَمْوَاتًا } إِذْ كَانَ الْكِفَات غَيْر الْأَحْيَاء وَالْأَمْوَات . وَكَذَلِكَ الْجَزَاء , لَوْ كَانَ غَيْر الْمِثْل لَاتَّسَعَتْ الْقِرَاءَة فِي الْمِثْل بِالنَّصْبِ إِذَا نَوَّنَ الْجَزَاء , وَلَكِنَّ ذَلِكَ ضَاقَ فَلَمْ يَقْرَأهُ أَحَد بِتَنْوِينِ الْجَزَاء وَنَصْب الْمِثْل , إِذْ كَانَ الْمِثْل هُوَ الْجَزَاء , وَكَانَ مَعْنَى الْكَلَام : وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا , فَعَلَيْهِ جَزَاء هُوَ مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي صِفَة الْجَزَاء , وَكَيْفَ يَجْزِي قَاتِل الصَّيْد مِنْ الْمُحْرِمِينَ مَا قَتَلَ بِمِثْلِهِ مِنْ النَّعَم . فَقَالَ بَعْضهمْ : يَنْظُر إِلَى أَشْبَه الْأَشْيَاء بِهِ شَبَهًا مِنْ النَّعَم , فَيَجْزِيه بِهِ وَيُهْدِيه إِلَى الْكَعْبَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9792 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم } قَالَ : أَمَّا جَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم , فَإِنْ قَتَلَ نَعَامَة أَوْ حِمَارًا فَعَلَيْهِ بَدَنَة , وَإِنْ قَتَلَ بَقَرَة أَوْ أَيِّلًا أَوْ أَرْوَى فَعَلَيْهِ بَقَرَة , أَوْ قَتَلَ غَزَالًا أَوْ أَرْنَبًا فَعَلَيْهِ شَاة . وَإِنْ قَتَلَ ضَبًّا أَوْ حِرْبَاء أَوْ يَرْبُوعًا , فَعَلَيْهِ سَخْلَة قَدْ أَكَلَتْ الْعُشْب وَشَرِبَتْ اللَّبَن . 9793 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون بْن الْمُغِيرَة , عَنْ أَبِي مُجَاهِد , قَالَ : سُئِلَ عَطَاء : أَيُغْرَمُ فِي صَغِير الصَّيْد كَمَا يُغْرَم فِي كَبِيره ؟ قَالَ : أَلَيْسَ يَقُول اللَّه تَعَالَى : { فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم } . 9794 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد : { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم } قَالَ : عَلَيْهِ مِنْ النَّعَم مِثْله . 9795 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مِقْسَم , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم } قَالَ : إِذَا أَصَابَ الْمُحْرِم الصَّيْد وَجَبَ عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ مِنْ النَّعَم , فَإِنْ وَجَدَ جَزَاءَهُ ذَبَحَهُ فَتَصَدَّقَ بِهِ , فَإِنْ لَمْ يَجِد جَزَاءَهُ قُوِّمَ الْجَزَاء دَرَاهِم ثُمَّ قُوِّمَ الدَّرَاهِم حِنْطَة ثُمَّ صَامَ مَكَان كُلّ نِصْف صَاع يَوْمًا . قَالَ : وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِالطَّعَامِ الصَّوْم , فَإِذَا وَجَدَ طَعَامًا وَجَدَ جَزَاء . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع وَابْن حُمَيْد , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مِقْسَم , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم يَحْكُم بِهِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغ الْكَعْبَة أَوْ كَفَّارَة طَعَام مَسَاكِين أَوْ عَدْل ذَلِكَ صِيَامًا } قَالَ : إِذَا أَصَابَ الْمُحْرِم الصَّيْد حُكِمَ عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ مِنْ النَّعَم , فَإِنْ لَمْ يَجِد نُظِرَ كَمْ ثَمَنه - قَالَ اِبْن حُمَيْد : نُظِرَ كَمْ قِيمَته - فَقُوِّمَ عَلَيْهِ ثَمَنه طَعَامًا , فَصَامَ مَكَان كُلّ نِصْف صَاع يَوْمًا , أَوْ كَفَّارَة طَعَام مَسَاكِين , أَوْ عَدْل ذَلِكَ صِيَامًا . قَالَ : إِنَّمَا أُرِيدَ بِالطَّعَامِ : الصِّيَام , فَإِذَا وَجَدَ الطَّعَام وَجَدَ جَزَاءَهُ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , عَنْ سُفْيَان بْن حُسَيْن , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مِقْسَم , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم } فَإِنْ لَمْ يَجِد هَدْيًا , قُوِّمَ الْهَدْي عَلَيْهِ طَعَامًا وَصَامَ عَنْ كُلّ صَاع يَوْمَيْنِ . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد . قَالَ : ثنا عَبْد بْن حُمَيْد , عَنْ مَنْصُور , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مِقْسَم , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم يَحْكُم بِهِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغ الْكَعْبَة } قَالَ : إِذَا أَصَابَ الرَّجُل الصَّيْد حُكِمَ عَلَيْهِ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْده قُوِّمَ عَلَيْهِ ثَمَنه طَعَامًا ثُمَّ صَامَ لِكُلِّ نِصْف صَاع يَوْمًا . 9796 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَيَعْقُوب , قَالَا : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الْمَلِك بْن عُمَيْر , عَنْ قَبِيصَة بْن جَابِر , قَالَ : اِبْتَدَرْت وَصَاحِب لِي ظَبْيًا فِي الْعَقَبَة , فَأَصَبْته . فَأَتَيْت عُمَر بْن الْخَطَّاب فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ , فَأَقْبَلَ عَلَى رَجُل إِلَى جَنْبه , فَنَظَرَا فِي ذَلِكَ , فَقَالَ : اِذْبَحْ كَبْشًا . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُصَيْن , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنِي قَبِيصَة بْن جَابِر نَحْوًا مِمَّا حَدَّثَ بِهِ عَبْد الْمَلِك . 9797 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ الْمَسْعُودِيّ , عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن عُمَيْر , عَنْ قَبِيصَة بْن جَابِر , قَالَ : قَتَلَ صَاحِب لِي ظَبْيًا وَهُوَ مُحْرِم , فَأَمَرَهُ عُمَر أَنْ يَذْبَح شَاة فَيَتَصَدَّق بِلَحْمِهَا وَيَسْقِي إِهَابهَا . 9798 - حَدَّثَنِي هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ بَكْر بْن عَبْد اللَّه الْمُزَنِيّ , قَالَ : قَتَلَ رَجُل مِنْ الْأَعْرَاب وَهُوَ مُحْرِم ظَبْيًا , فَسَأَلَ عُمَر , فَقَالَ لَهُ عُمَر : أَهْدِ شَاة . 9799 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ حُصَيْن , وَحَدَّثَنَا أَبُو هِشَام الرِّفَاعِيّ , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , قَالَ : ثنا حُصَيْن , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : قَالَ قَبِيصَة بْن جَابِر : أَصَبْت ظَبْيًا وَأَنَا مُحْرِم , فَأَتَيْت عُمَر فَسَأَلْته عَنْ ذَلِكَ , فَأَرْسَلَ إِلَى عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف , فَقُلْت : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ أَمْره أَهْوَن مِنْ ذَلِكَ ! قَالَ : فَضَرَبَنِي بِالدِّرَّةِ حَتَّى سَابَقْته عَدْوًا . قَالَ : ثُمَّ قَالَ : قَتَلْت الصَّيْد وَأَنْتَ مُحْرِم ثُمَّ تَغْمِص الْفُتْيَا ؟ قَالَ : فَجَاءَ عَبْد الرَّحْمَن , فَحَكَمَا شَاة . 9800 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم } قَالَ : إِذَا قَتَلَ الْمُحْرِم شَيْئًا مِنْ الصَّيْد حُكِمَ عَلَيْهِ , فَإِنْ قَتَلَ ظَبْيًا أَوْ نَحْوه فَعَلَيْهِ شَاة تُذْبَح بِمَكَّة , فَإِنْ لَمْ يَجِد فَإِطْعَام سِتَّة مَسَاكِين , فَإِنْ لَمْ يَجِد فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام , فَإِنْ قَتَلَ أَيِّلًا أَوْ نَحْوه فَعَلَيْهِ بَقَرَة ; وَإِنْ قَتَلَ نَعَامَة أَوْ حِمَار وَحْش أَوْ نَحْوه فَعَلَيْهِ بَدَنَة مِنْ الْإِبِل . 9801 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ : أَرَأَيْت إِنْ قَتَلْت صَيْدًا فَإِذَا هُوَ أَعْوَر أَوْ أَعْرَج أَوْ مَنْقُوص أَغْرَم مِثْله ؟ قَالَ : نَعَمْ , إِنْ شِئْت . قُلْت : أُوفِي أَحَبّ إِلَيْك ؟ قَالَ : نَعَمْ . وَقَالَ عَطَاء : وَإِنْ قَتَلْت وَلَد الظَّبْي فَفِيهِ وَلَد شَاة , وَإِنْ قَتَلْت وَلَد بَقَرَة وَحْشِيَّة فَفِيهِ وَلَد بَقَرَة إِنْسِيَّة مِثْله , فَكُلّ ذَلِكَ عَلَى ذَلِكَ . 9802 - حَدَّثَنِي عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ الْفَضْل بْن خَالِد , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان الْبَاهِلِيّ , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم يَقُول : { فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم } مَا كَانَ مِنْ صَيْد الْبَرّ مِمَّا لَيْسَ لَهُ قَرْن الْحِمَار وَالنَّعَامَة فَعَلَيْهِ مِثْله مِنْ الْإِبِل , وَمَا كَانَ ذَا قَرْن مِنْ صَيْد الْبَرّ مِنْ وَعْل أَوْ أَيِّل فَجَزَاؤُهُ مِنْ الْبَقَر , وَمَا كَانَ مِنْ ظَبْي فَمِنْ الْغَنَم مِثْله , وَمَا كَانَ مِنْ أَرْنَب فَفِيهَا ثنيَّة , وَمَا كَانَ مِنْ يَرْبُوع وَشَبَهه فَفِيهِ حَمَل صَغِير , وَمَا كَانَ مِنْ جَرَادَة أَوْ نَحْوهَا فَفِيهِ قَبْضَة مِنْ طَعَام , وَمَا كَانَ مِنْ طَيْر الْبَرّ فَفِيهِ أَنْ يُقَوَّم وَيُتَصَدَّق بِثَمَنِهِ , وَإِنْ شَاءَ صَامَ لِكُلٍّ نِصْف صَاع يَوْمًا . وَإِنْ أَصَابَ فَرْخ طَيْر بَرِّيَّة أَوْ بَيْضهَا فَالْقِيمَة فِيهَا طَعَام أَوْ صَوْم عَلَى الَّذِي يَكُون فِي الطَّيْر . غَيْر أَنَّهُ قَدْ ذُكِرَ فِي بَيْض النَّعَام إِذَا أَصَابَهَا الْمُحْرِم أَنْ يَحْمِل الْفَحْل عَلَى عِدَّة مَنْ أَصَابَ مِنْ الْبَيْض عَلَى بِكَارَةِ الْإِبِل , فَمَا لَقَّحَ مِنْهَا أَهْدَاهُ إِلَى الْبَيْت , وَمَا فَسَدَ مِنْهَا فَلَا شَيْء فِيهِ . 9803 - حَدَّثَنَا اِبْن الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي مَرْيَم , قَالَ : أَخْبَرَنَا نَافِع , قَالَ : أَخْبَرَنِي اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد : مَنْ قَتَلَهُ - يَعْنِي الصَّيْد - نَاسِيًا , أَوْ أَرَادَ غَيْره فَأَخْطَأَ بِهِ , فَذَلِكَ الْعَمْد الْمُكَفَّر , فَعَلَيْهِ مِثْله هَدْيًا بَالِغ الْكَعْبَة , فَإِنْ لَمْ يَجِد اِبْتَاعَ بِثَمَنِهِ طَعَامًا , فَإِنْ لَمْ يَجِد صَامَ عَنْ كُلّ مُدّ يَوْمًا . وَقَالَ عَطَاء : فَإِنْ أَصَابَ إِنْسَان نَعَامَة , كَانَ لَهُ إِنْ كَانَ ذَا يَسَار مَا شَاءَ , إِنْ شَاءَ يُهْدِي جَزُورًا أَوْ عَدْلهَا طَعَامًا أَوْ عَدْلهَا صِيَامًا , أَيّهنَّ شَاءَ ; مِنْ أَجْل قَوْله : { فَجَزَاء } أَوْ كَذَا قَالَ : فَكُلّ شَيْء فِي الْقُرْآن أَوْ أَوْ , فَلْيَخْتَرْ مِنْهُ صَاحِبه مَا شَاءَ . 9804 - حَدَّثَنَا اِبْن الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي مَرْيَم , قَالَ : أَخْبَرَنَا نَافِع , قَالَ : أَخْبَرَنِي اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي الْحَسَن بْن مُسْلِم , قَالَ : مَنْ أَصَابَ مِنْ الصَّيْد مَا يَبْلُغ أَنْ يَكُون شَاة فَصَاعِدًا , فَذَلِكَ الَّذِي قَالَ اللَّه تَعَالَى : { فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم } وَأَمَّا { كَفَّارَة طَعَام مَسَاكِين } فَذَلِكَ الَّذِي لَا يَبْلُغ أَنْ يَكُون فِيهِ هَدْي , الْعُصْفُور يُقْتَل فَلَا يَكُون فِيهِ . قَالَ : أَوْ عَدْل ذَلِكَ صِيَامًا , عَدْل النَّعَامَة , أَوْ عَدْل الْعُصْفُور , أَوْ عَدْل ذَلِكَ كُلّه . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ يُقَوَّم الصَّيْد الْمَقْتُول قِيمَته مِنْ الدَّرَاهِم , ثُمَّ يَشْتَرِي الْقَاتِل بِقِيمَتِهِ نِدًّا مِنْ النَّعَم , ثُمَّ يُهْدِيه إِلَى الْكَعْبَة ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9805 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْدَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : مَا أَصَابَ الْمُحْرِم مِنْ شَيْء حُكِمَ فِيهِ قِيمَته . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ حَمَّاد , قَالَ : سَمِعْت إِبْرَاهِيم يَقُول : فِي كُلّ شَيْء مِنْ الصَّيْد ثَمَنه . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَأْوِيل الْآيَة , مَا قَالَ عُمَر وَابْن عَبَّاس وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمَا : إِنَّ الْمَقْتُول مِنْ الصَّيْد يَجْزِي بِمِثْلِهِ مِنْ النَّعَم , كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى : { فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم } وَغَيْر جَائِز أَنْ يَكُون مِثْل الَّذِي قَتَلَ مِنْ الصَّيْد دَرَاهِم وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى : { مِنْ النَّعَم } لِأَنَّ الدَّرَاهِم لَيْسَتْ مِنْ النَّعَم فِي شَيْء . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَإِنَّ الدَّرَاهِم وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِثْلًا لِلْمَقْتُولِ مِنْ الصَّيْد , فَإِنَّهُ يَشْتَرِي بِهَا الْمِثْل مِنْ النَّعَم , فَيُهْدِيه الْقَاتِل , فَيَكُون بِفِعْلِهِ ذَلِكَ كَذَلِكَ جَازِيًا بِمَا قَتَلَ مِنْ الصَّيْد مِثْلًا مِنْ النَّعَم ؟ قِيلَ لَهُ : أَفَرَأَيْت إِنْ كَانَ الْمَقْتُول مِنْ الصَّيْد صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا أَوْ سَلِيمًا , أَوْ كَانَ الْمَقْتُول مِنْ الصَّيْد كَبِيرًا أَوْ سَلِيمًا بِقِيمَتِهِ مِنْ النَّعَم إِلَّا صَغِيرًا أَوْ مَعِيبًا , أَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِي بِقِيمَتِهِ خِلَافه وَخِلَاف صِفَته فَيُهْدِيه , أَمْ لَا يَجُوز ذَلِكَ لَهُ , وَهُوَ لَا يَجُوز إِلَّا خِلَافه ؟ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يَجُوز لَهُ أَنْ يَشْتَرِي بِقِيمَتِهِ إِلَّا مِثْله , تُرِكَ قَوْله فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّ أَهْل هَذِهِ الْمَقَالَة يَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَا يَجُوز لَهُ أَنْ يَشْتَرِي بِقِيمَتِهِ ذَلِكَ فَيُهْدِيه إِلَّا مَا يَجُوز فِي الضَّحَايَا , وَإِذَا أَجَازُوا شِرَى مِثْل الْمَقْتُول مِنْ الصَّيْد بِقِيمَتِهِ وَإِهْدَاءَهَا وَقَدْ يَكُون الْمَقْتُول صَغِيرًا مَعِيبًا , أَجَازُوا فِي الْهَدْي مَا لَا يَجُوز فِي الْأَضَاحِيّ , وَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يَجُوز أَنْ يَشْتَرِي بِقِيمَتِهِ فَيُهْدِيه إِلَّا مَا يَجُوز فِي الضَّحَايَا أَوْضَحَ بِذَلِكَ مِنْ قَوْله الْخِلَافَ لِظَاهِرِ التَّنْزِيل ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَى قَاتِل الصَّيْد مِنْ الْمُحْرِمِينَ عَمْدًا الْمِثْل مِنْ النَّعَم إِذَا وَجَدُوهُ , وَقَدْ زَعَمَ قَائِل هَذِهِ الْمَقَالَة أَنَّهُ لَا يَجِب عَلَيْهِ الْمِثْل مِنْ النَّعَم وَهُوَ إِلَى ذَلِكَ وَاجِد سَبِيلًا . وَيُقَال لِقَائِلِ ذَلِكَ : أَرَأَيْت إِنْ قَالَ قَائِل آخَر : مَا عَلَى قَاتِل مَا لَا تَبْلُغ مِنْ الصَّيْد قِيمَته مَا يُصَاب بِهِ مِنْ النَّعَم مَا يَجُوز فِي الْأَضَاحِيّ مِنْ إِطْعَام وَلَا صِيَام ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى إِنَّمَا خَيَّرَ قَاتِل الصَّيْد مِنْ الْمُحْرِمِينَ فِي أَحَد الثَّلَاثَة الْأَشْيَاء الَّتِي سَمَّاهَا فِي كِتَابه , فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَى وَاحِد مِنْ ذَلِكَ سَبِيل سَقَطَ عَنْهُ فَرْض الْآخَرِينَ ; لِأَنَّ الْخِيَار إِنَّمَا كَانَ لَهُ وَلَهُ إِلَى الثَّلَاثَة سَبِيل ; فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَى بَعْض ذَلِكَ سَبِيل بَطَلَ فَرْض الْجَزَاء عَنْهُ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّنْ عُنِيَ بِالْآيَةِ ; نَظِير الَّذِي قُلْت أَنْتَ إِنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ الْمَقْتُول مِنْ الصَّيْد يَبْلُغ قِيمَته مَا يُصَاب مِنْ النَّعَم مِمَّا يَجُوز فِي الضَّحَايَا , فَقَدْ سَقَطَ فَرْض الْجَزَاء بِالْمِثْلِ مِنْ النَّعَم عَنْهُ , وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْجَزَاء بِالْإِطْعَامِ أَوْ الصِّيَام ; هَلْ بَيْنك وَبَيْنه فَرْق مِنْ أَصْل أَوْ نَظِير ؟ فَلَنْ يَقُول فِي أَحَدهمَا قَوْلًا إِلَّا أُلْزِمَ فِي الْآخَر مِثْله .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَحْكُم بِهِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغ الْكَعْبَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَحْكُم بِذَلِكَ الْجَزَاء الَّذِي هُوَ مِثْل الْمَقْتُول مِنْ الصَّيْد مِنْ النَّعَم عَدْلَانِ مِنْكُمْ , يَعْنِي : فَقِيهَانِ عَالِمَانِ مِنْ أَهْل الدِّين وَالْفَضْل . { هَدْيًا } يَقُول : يَقْضِي بِالْجَزَاءِ ذَوَا عَدْل أَنْ يُهْدَى فَيَبْلُغ الْكَعْبَة . وَالْهَاء فِي قَوْله " يَحْكُم بِهِ " عَائِدَة عَلَى الْجَزَاء , وَوَجْه حُكْم الْعَدْلَيْنِ إِذَا أَرَادَا أَنْ يَحْكُمَا بِمِثْلِ الْمَقْتُول مِنْ الصَّيْد مِنْ النَّعَم عَلَى الْقَاتِل أَنْ يَنْظُرَا إِلَى الْمَقْتُول وَيَسْتَوْصِفَاهُ , فَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ أَصَابَ ظَبْيًا صَغِيرًا حَكَمَا عَلَيْهِ مِنْ وَلَد الضَّأْن بِنَظِيرِ ذَلِكَ الَّذِي قَتَلَهُ فِي السِّنّ وَالْجِسْم , فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ كَبِيرًا حَكَمَا عَلَيْهِ مِنْ الضَّأْن بِكَبِيرٍ , وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَصَابَ حِمَار وَحْش حَكَمَا عَلَيْهِ بِبَقَرَةٍ إِنْ كَانَ الَّذِي أَصَابَ كَبِيرًا مِنْ الْبَقَر , وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَصَغِيرًا , وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُول ذَكَرًا فَمِثْله مِنْ ذُكُور الْبَقَر , وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَمِثْله مِنْ الْبَقَر أُنْثَى , ثُمَّ كَذَلِكَ يَنْظُرَانِ إِلَى أَشْبَه الْأَشْيَاء بِالْمَقْتُولِ مِنْ الصَّيْد شَبَهًا مِنْ النَّعَم فَيَحْكُمَانِ عَلَيْهِ بِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى . وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ , قَالَ أَهْل التَّأْوِيل عَلَى اِخْتِلَاف فِي ذَلِكَ بَيْنهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِيهِ : 9806 - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ بَكْر بْن عَبْد اللَّه الْمُزَنِيّ , قَالَ : كَانَ رَجُلَانِ مِنْ الْأَعْرَاب مُحْرِمَيْنِ , فَأَحَاشَ أَحَدهمَا ظَبْيًا فَقَتَلَهُ الْآخَر , فَأَتَيَا عُمَر وَعِنْده عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف , فَقَالَ لَهُ عُمَر : وَمَا تَرَى ؟ قَالَ : شَاة . قَالَ : وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ , اِذْهَبَا فَأَهْدِيَا شَاة فَلَمَّا مَضَيَا , قَالَ أَحَدهمَا لِصَاحِبِهِ : مَا دَرَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ مَا يَقُول حَتَّى سَأَلَ صَاحِبه . فَسَمِعَهَا عُمَر , فَرَدَّهُمَا فَقَالَ : هَلْ تَقْرَآنِ سُورَة الْمَائِدَة ؟ فَقَالَا : لَا . فَقَرَأَهَا عَلَيْهِمَا : { يَحْكُم بِهِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } ثُمَّ قَالَ : اِسْتَعَنْت بِصَاحِبِي هَذَا . 9807 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَيَعْقُوب , قَالَا : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الْمَلِك بْن عُمَيْر , عَنْ قَبِيصَة بْن جَابِر , قَالَ : اِبْتَدَرْت أَنَا وَصَاحِب لِي ظَبْيًا فِي الْعَقَبَة , فَأَصَبْته . فَأَتَيْت عُمَر بْن الْخَطَّاب , فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ , فَأَقْبَلَ عَلَى رَجُل إِلَى جَنْبه , فَنَظَرَا فِي ذَلِكَ . قَالَ : فَقَالَ : اِذْبَحْ كَبْشًا ! قَالَ يَعْقُوب فِي حَدِيثه : فَقَالَ لِي اِذْبَحْ شَاة . فَانْصَرَفْت فَأَتَيْت صَاحِبِي , قُلْت : إِنَّ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَدْرِ مَا يَقُول ! فَقَالَ صَاحِبِي : اِنْحَرْ نَاقَتك ! فَسَمِعَهَا عُمَر بْن الْخَطَّاب , فَأَقْبَلَ عَلَيَّ ضَرْبًا بِالدِّرَّةِ , وَقَالَ : تَقْتُل الصَّيْد وَأَنْتَ مُحْرِم وَتَغْمِص الْفُتْيَا ! إِنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول فِي كِتَابه : { يَحْكُم بِهِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } هَذَا اِبْن عَوْف وَأَنَا عُمَر . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُصَيْن , عَنْ الشَّعْبِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنِي قَبِيصَة بْن جَابِر , بِنَحْوِ مَا حَدَّثَ بِهِ عَبْد الْمَلِك . 9808 - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَأَبُو هِشَام , قَالَا : ثنا وَكِيع , عَنْ الْمَسْعُودِيّ , عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن عُمَيْر , عَنْ قَبِيصَة بْن جَابِر , قَالَ : خَرَجْنَا حُجَّاجًا فَكُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا الْغَدَاة , اِقْتَدَرْنَا رَوَاحِلنَا نَتَمَاشَى نَتَحَدَّثُ . قَالَ : فَبَيْنَمَا نَحْنُ ذَات غَدَاة إِذْ سَنَحَ لَنَا ظَبْي أَوْ بَرِحَ , فَرَمَاهُ رَجُل مِنَّا بِحَجَرٍ , فَمَا أَخْطَأَ خُشَشَاءه , فَرَكِبَ رَدْعَهُ مَيِّتًا . قَالَ : فَعَظَّمْنَا عَلَيْهِ ; فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّة , خَرَجْت مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا عُمَر , فَقَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّة , قَالَ : وَإِذَا إِلَى جَنْبه رَجُل كَأَنَّ وَجْهه قُلْب فِضَّة - يَعْنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف - فَالْتَفَتَ إِلَى صَاحِبه فَكَلَّمَهُ ; قَالَ : ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الرَّجُل , قَالَ : أَعَمْدًا قَتَلْته أَمْ خَطَأ ؟ قَالَ الرَّجُل : لَقَدْ تَعَمَّدْت رَمْيه , وَمَا أَرَدْت قَتْله . فَقَالَ عُمَر : مَا أَرَاك إِلَّا قَدْ أَشْرَكْت بَيْن الْعَمْد وَالْخَطَأ , اِعْمِدْ إِلَى شَاة فَاذْبَحْهَا , وَتَصَدَّقْ بِلَحْمِهَا , وَأَسْقِ إِهَابهَا ! قَالَ : فَقُمْنَا مِنْ عِنْده , فَقُلْت : أَيّهَا الرَّجُل عَظِّمْ شَعَائِر اللَّه فَمَا دَرَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ مَا يُفْتِيك حَتَّى سَأَلَ صَاحِبه , اِعْمِدْ إِلَى نَاقَتك فَانْحَرْهَا ! فَفَعَلَ ذَاكَ . قَالَ قَبِيصَة : وَلَا أَذْكُر الْآيَة مِنْ سُورَة الْمَائِدَة : { يَحْكُم بِهِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } قَالَ : فَبَلَغَ عُمَر مَقَالَتِي , فَلَمْ يَفْجَأنَا إِلَّا وَمَعَهُ الدِّرَّة , قَالَ : فَعَلَا صَاحِبِي ضَرْبًا بِالدِّرَّةِ , وَجَعَلَ يَقُول : أَقَتَلْت فِي الْحَرَم وَسَفَّهْت الْحُكْم ! قَالَ : ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ فَقُلْت : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ , لَا أُحِلّ لَك الْيَوْم شَيْئًا يَحْرُم عَلَيْك مِنِّي . قَالَ : يَا قَبِيصَة بْن جَابِر , إِنِّي أَرَاك شَابّ السِّنّ فَسِيح الصَّدْر بَيِّن اللِّسَان , وَإِنَّ الشَّابّ يَكُون فِيهِ تِسْعَة أَخْلَاق حَسَنَة وَخُلُق سَيِّئ , فَيُفْسِد الْخُلُق السَّيِّئ الْأَخْلَاق الْحَسَنَة , فَإِيَّاكَ وَعَثَرَات الشَّبَاب ! 9809 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ مُخَارِق , عَنْ طَارِق , قَالَ : . أَوْطَأَ أَرْبَدُ ضَبًّا فَقَتَلَهُ وَهُوَ مُحْرِم , فَأَتَى عُمَر لِيَحْكُم عَلَيْهِ , فَقَالَ لَهُ عُمَر : اُحْكُمْ مَعِي ! فَحَكَمَا فِيهِ جَدْيًا قَدْ جَمَعَ الْمَاء وَالشَّجَر , ثُمَّ قَالَ عُمَر : { يَحْكُم بِهِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } . 9810 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا جَامِع بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ صَيْدًا , فَأَتَى اِبْن عُمَر فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ وَعِنْده عَبْد اللَّه بْن صَفْوَان , فَقَالَ اِبْن عُمَر لِابْنِ صَفْوَان : إِمَّا أَنْ أَقُول فَتُصَدِّقنِي , وَإِمَّا أَنْ تَقُول فَأُصَدِّقك ! فَقَالَ اِبْن صَفْوَان : بَلْ أَنْتَ فَقُلْ ! فَقَالَ اِبْن عُمَر , وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ عَبْد اللَّه بْن صَفْوَان . 9811 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا هِشَام , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ شُرَيْح , أَنَّهُ قَالَ : لَوْ وَجَدْت حُكْمًا عَدْلًا لَحَكَمْت فِي الثَّعْلَب جَدْيًا , وَجَدْي أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ الثَّعْلَب . 9812 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَبِي مِجْلَز : أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ اِبْن عُمَر عَنْ رَجُل أَصَابَ صَيْدًا وَهُوَ مُحْرِم , وَعِنْده اِبْن صَفْوَان , فَقَالَ لَهُ اِبْن عُمَر : إِمَّا أَنْ تَقُول فَأُصَدِّقك , أَوْ أَقُول فَتُصَدِّقنِي ! قَالَ : قُلْ وَأُصَدِّقك . 9813 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور , عَنْ أَبِي وَائِل , قَالَ : أَخْبَرَنِي اِبْن جَرِير الْبَجَلِيّ , قَالَ : أَصَبْت ظَبْيًا وَأَنَا مُحْرِم , فَذَكَرْت ذَلِكَ لِعُمَر , فَقَالَ : اِئْتِ رَجُلَيْنِ مِنْ إِخْوَانك فَلْيَحْكُمَا عَلَيْك ! فَأَتَيْت عَبْد الرَّحْمَن وَسَعْدًا , فَحَكَمَا عَلَيَّ تَيْسًا أَعْفَر . قَالَ أَبُو جَعْفَر : الْأَعْفَر : الْأَبْيَض . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَر , مِثْله . 9814 - حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْحَاق , عَنْ شَرِيك , عَنْ أَشْعَث بْن سَوَّار , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , قَالَ : كَانَ رَجُل عَلَى نَاقَة وَهُوَ مُحْرِم , فَأَبْصَرَ ظَبْيًا يَأْوِي إِلَى أَكَمَة , فَقَالَ : لِأَنْظُر أَنَا أَسْبِق إِلَى هَذِهِ الْأَكَمَة أَمْ هَذَا الظَّبْي ؟ فَوَقَعَت عَنْز مِنْ الظِّبَاء تَحْت قَوَائِم نَاقَته فَقَتَلَتْهَا . فَأَتَى عُمَر , فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ , فَحَكَمَ عَلَيْهِ هُوَ وَابْن عَوْف عَنْزًا عَفْرَاء . قَالَ : وَهِيَ الْبَيْضَاء . 9815 - يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَيُّوب , عَنْ مُحَمَّد : أَنَّ رَجُلًا أَوْطَأَ ظَبْيًا وَهُوَ مُحْرِم . فَأَتَى عُمَر فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ وَإِلَى جَنْبه عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف , فَأَقْبَلَ عَلَى عَبْد الرَّحْمَن فَكَلَّمَهُ , ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الرَّجُل , فَقَالَ : أَهْدِ عَنْزًا عَفْرَاء ! 9816 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم أَنَّهُ كَانَ يَقُول : مَا أَصَابَ الْمُحْرِم مِنْ شَيْء لَمْ يَمْضِ فِيهِ حُكُومَة , اِسْتَقْبَلَ بِهِ , فَيَحْكُم فِيهِ ذَوَا عَدْل . 9817 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني وَهْب بْن جَرِير , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ يَعْلَى , عَنْ عَمْرو بْن حَبَشِيّ قَالَ : سَمِعْت رَجُلًا يَسْأَل عَبْد اللَّه بْن عُمَر عَنْ رَجُل أَصَابَ وَلَد أَرْنَب فَقَالَ : فِيهِ وَلَد مَاعِز فِيمَا أَرَى أَنَا . ثُمَّ قَالَ لِي : أَكَذَاك ؟ فَقُلْت : أَنْتَ أَعْلَم مِنِّي . فَقَالَ : قَالَ اللَّه تَعَالَى : { يَحْكُم لَهُ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } . 9818 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , وَسَهْل بْن يُوسُف , عَنْ حُمَيْد , عَنْ بَكْر : أَنَّ رَجُلَيْنِ أَبْصَرَا ظَبْيًا وَهُمَا مُحْرِمَانِ , فَتَرَاهَنَا , وَجَعَلَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا لِمَنْ سَبَقَ إِلَيْهِ . فَسَبَقَ إِلَيْهِ أَحَدهمَا , فَرَمَاهُ بِعَصَاهُ فَقَتَلَهُ . فَلَمَّا قَدِمَا مَكَّة , أَتَيَا عُمَر يَخْتَصِمَانِ إِلَيْهِ وَعِنْده عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف . فَذَكَرَا ذَلِكَ لَهُ , فَقَالَ عُمَر : هَذَا قِمَار , وَلَا أُجِيزهُ ! ثُمَّ نَظَرَ إِلَى عَبْد الرَّحْمَن , فَقَالَ : مَا تَرَى ؟ قَالَ : شَاة . فَقَالَ عُمَر : وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ . فَلَمَّا قَفَّى الرَّجُلَانِ مِنْ عِنْد عُمَر , قَالَ أَحَدهمَا لِصَاحِبِهِ : مَا دَرَى عُمَر مَا يَقُول حَتَّى سَأَلَ الرَّجُل ! فَرَدَّهُمَا عُمَر فَقَالَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى لَمْ يَرْضَ بِعُمَر وَحْده فَقَالَ : { يَحْكُم بِهِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } وَأَنَا عُمَر , وَهَذَا عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ يَنْظُر الْعَدْلَانِ إِلَى الصَّيْد الْمَقْتُول فَيُقَوِّمَانِهِ قِيمَته دَرَاهِم , ثُمَّ يَأْمُرَانِ الْقَاتِل أَنْ يَشْتَرِي بِذَلِكَ مِنْ النَّعَم هَدْيًا . فَالْحَاكِمَانِ فِي قَوْل هَؤُلَاءِ بِالْقِيمَةِ , وَإِنَّمَا يَحْتَاج إِلَيْهِمَا لِتَقْوِيمِ الصَّيْد قِيمَته فِي الْمَوْضِع الَّذِي أَصَابَهُ فِيهِ . وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ فِيمَا مَضَى قَبْل أَنَّهُ كَانَ يَقُول : مَا أَصَابَ الْمُحْرِم مِنْ شَيْء حُكِمَ فِيهِ قِيمَته , وَهُوَ قَوْل جَمَاعَة مِنْ مُتَفَقِّهَة الْكُوفِيِّينَ . وَأَمَّا قَوْله : { هَدْيًا } فَإِنَّهُ مَصْدَر عَلَى الْحَال مِنْ الْهَاء الَّتِي فِي قَوْله : { يَحْكُم بِهِ } , وَقَوْله : { بَالِغ الْكَعْبَة } مِنْ نَعْت الْهَدْي وَصِفَته . وَإِنَّمَا جَازَ أَنْ يُنْعَت بِهِ وَهُوَ مُضَاف إِلَى مَعْرِفَة ; لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى النَّكِرَة , وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { بَالِغ الْكَعْبَة } يَبْلُغ الْكَعْبَة , فَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُضَافًا فَمَعْنَاهُ التَّنْوِين ; لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الِاسْتِقْبَال , وَهُوَ نَظِير قَوْله : { هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا } فَوَصَفَ بِقَوْلِهِ : " مُمْطِرنَا " عَارِضًا ; لِأَنَّ فِي " مُمْطِرنَا " مَعْنَى التَّنْوِين ; لِأَنَّ تَأْوِيله الِاسْتِقْبَال , فَمَعْنَاهُ : هَذَا عَارِض يُمْطِرنَا , فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْله : { هَدْيًا بَالِغ الْكَعْبَة } .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوْ كَفَّارَة طَعَام مَسَاكِين } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَوْ عَلَيْهِ كَفَّارَة طَعَام مَسَاكِين . وَالْكَفَّارَة مَعْطُوفَة عَلَى " الْجَزَاء " فِي قَوْله : { فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم } وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة : { أَوْ كَفَّارَةُ طَعَامِ مَسَاكِين } بِالْإِضَافَةِ . وَأَمَّا قُرَّاء أَهْل الْعِرَاق , فَإِنَّ عَامَّتهمْ قَرَءُوا ذَلِكَ بِتَنْوِينِ الْكَفَّارَة وَرَفَعَ الطَّعَام : { أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِين } وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدنَا بِالصَّوَابِ , قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ بِتَنْوِينِ الْكَفَّارَة وَرَفْع الطَّعَام , لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي قَوْله : { فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم } وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى قَوْله : { أَوْ كَفَّارَة طَعَام مَسَاكِين } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْقَاتِل وَهُوَ مُحْرِم صَيْدًا عَمْدًا , لَا يَخْلُو مِنْ وُجُوب بَعْض هَذِهِ الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة الَّتِي ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى مِنْ مِثْل الْمَقْتُول هَدْيًا بَالِغ الْكَعْبَة , أَوْ طَعَام مِسْكِين كَفَّارَة لِمَا فَعَلَ , أَوْ عَدْل ذَلِكَ صِيَامًا ; لِأَنَّهُ مُخَيَّر فِي أَيّ ذَلِكَ شَاءَ فَعَلَ , . أَنَّهُ بِأَيِّهَا كَانَ كَفَّرَ فَقَدْ أَدَّى الْوَاجِب عَلَيْهِ ; وَإِنَّمَا ذَلِكَ إِعْلَام مِنْ اللَّه تَعَالَى عِبَاده أَنَّ قَاتِل ذَلِكَ كَمَا وَصَفَ لَنْ يَخْرُج حُكْمه مِنْ إِحْدَى الْخِلَال الثَّلَاثَة . قَالُوا : فَحُكْمه إِنْ كَانَ عَلَى الْمِثْل قَادِرًا أَنْ يُحْكَم عَلَيْهِ بِمِثْلِ الْمَقْتُول مِنْ النَّعَم , لَا يَجْزِيه غَيْر ذَلِكَ مَا دَامَ لِلْمِثْلِ وَاجِدًا . قَالُوا : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَاجِدًا , أَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَقْتُولِ مِثْل مِنْ النَّعَم , فَكَفَّارَته حِينَئِذٍ إِطْعَام مَسَاكِين . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9819 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم يَحْكُم بِهِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغ الْكَعْبَة أَوْ كَفَّارَة طَعَام مَسَاكِين أَوْ عَدْل ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْره } قَالَ : إِذَا قَتَلَ الْمُحْرِم شَيْئًا مِنْ الصَّيْد حُكِمَ عَلَيْهِ فِيهِ , فَإِنْ قَتَلَ ظَبْيًا أَوْ نَحْوه فَعَلَيْهِ شَاة تُذْبَح بِمَكَّة . فَإِنْ لَمْ يَجِدهَا , فَإِطْعَام سِتَّة مَسَاكِين . فَإِنْ لَمْ يَجِد فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام . وَإِنْ قَتَلَ أَيِّلًا أَوْ نَحْوه , فَعَلَيْهِ بَقَرَة . فَإِنْ لَمْ يَجِد , أَطْعَمَ عِشْرِينَ مِسْكِينًا , فَإِنْ لَمْ يَجِد صَامَ عِشْرِينَ يَوْمًا . وَإِنْ قَتَلَ نَعَامَة أَوْ حِمَار وَحْش أَوْ نَحْوه , فَعَلَيْهِ بَدَنَة مِنْ الْإِبِل . فَإِنْ لَمْ يَجِد أَطْعَمَ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا , فَإِنْ لَمْ يَجِد صَامَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا . وَالطَّعَام مُدّ مُدّ يُشْبِعهُمْ . 9820 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْد وَأَنْتُمْ حُرُم } إِلَى قَوْله : { يَحْكُم بِهِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } فَالْكَفَّارَة مِنْ قَتْل مَا دُون الْأَرْنَب إِطْعَام . 9821 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مِقْسَم , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : إِذَا أَصَابَ الْمُحْرِم الصَّيْد حُكِمَ عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ مِنْ النَّعَم , فَإِنْ وَجَدَ جَزَاء ذَبَحَهُ فَتَصَدَّقَ بِهِ , وَإِنْ لَمْ يَجِد جَزَاءَهُ قُوِّمَ الْجَزَاء دَرَاهِم , ثُمَّ قُوِّمَتْ الدَّرَاهِم حِنْطَة , ثُمَّ صَامَ مَكَان كُلّ صَاع يَوْمًا . قَالَ : إِنَّمَا أُرِيدَ بِالطَّعَامِ : الصَّوْم , فَإِذَا وَجَدَ طَعَامًا وَجَدَ جَزَاء . 9822 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ زُهَيْر , عَنْ جَابِر , عَنْ عَطَاء وَمُجَاهِد وَعَامِر : { أَوْ عَدْل ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ } قَالَ : إِنَّمَا الطَّعَام لِمَنْ لَمْ يَجِد الْهَدْي . 9823 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم أَنَّهُ كَانَ يَقُول : إِذَا أَصَابَ الْمُحْرِم شَيْئًا مِنْ الصَّيْد عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ مِنْ النَّعَم , فَإِنْ لَمْ يَجِد قُوِّمَ الْجَزَاء دَرَاهِم , ثُمَّ قُوِّمَتْ الدَّرَاهِم طَعَامًا , ثُمَّ صَامَ لِكُلِّ نِصْف صَاع يَوْمًا . 9824 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ حَمَّاد , قَالَ : إِذَا أَصَابَ الْمُحْرِم الصَّيْد فَحُكِمَ عَلَيْهِ , فَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ مَا لَا يُتِمّ نِصْف صَاع صَامَ لَهُ يَوْمًا , وَلَا يَكُون الصَّوْم إِلَّا عَلَى مَنْ لَمْ يَجِد ثَمَن هَدْي فَيُحْكَم عَلَيْهِ الطَّعَام . فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْده طَعَام يَتَصَدَّق بِهِ , حُكِمَ عَلَيْهِ الصَّوْم , فَصَامَ مَكَان كُلّ نِصْف صَاع يَوْمًا . { كَفَّارَة طَعَام مَسَاكِين } قَالَ : فِيمَا لَا يَبْلُغ ثَمَن هَدْي . { أَوْ عَدْل ذَلِكَ صِيَامًا } مِنْ الْجَزَاء إِذَا لَمْ يَجِد مَا يَشْتَرِي بِهِ هَدْيًا , أَوْ مَا يَتَصَدَّق بِهِ , مِمَّا لَا يَبْلُغ ثَمَن هَدْي , حُكِمَ عَلَيْهِ الصِّيَام مَكَان كُلّ نِصْف صَاع يَوْمًا . 9825 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد : { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم } قَالَ : عَلَيْهِ مِنْ النَّعَم مِثْله هَدْيًا بَالِغ الْكَعْبَة , وَمَنْ لَمْ يَجِد اِبْتَاعَ بِقِيمَتِهِ طَعَامًا , فَيُطْعِم كُلّ مِسْكِين مُدَّيْنِ , فَإِنْ لَمْ يَجِد صَامَ عَنْ كُلّ مُدَّيْنِ يَوْمًا . 9826 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } إِلَى قَوْله : { وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِم اللَّه مِنْهُ } قَالَ : إِذَا قَتَلَ صَيْدًا فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم , فَإِنْ لَمْ يَجِد مَا حُكِمَ عَلَيْهِ قُوِّمَ الْفِدَاء كَمْ هُوَ دِرْهَمًا , وَقُدِّرَ ثَمَن ذَلِكَ بِالطَّعَامِ عَلَى الْمِسْكِين , فَصَامَ عَنْ كُلّ مِسْكِين يَوْمًا , وَلَا يَحِلّ طَعَام الْمِسْكِين ; لِأَنَّ مَنْ وَجَدَ طَعَام الْمِسْكِين فَهُوَ يَجِد الْفِدَاء . 9827 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ لِي الْحَسَن بْن مُسْلِم : مَنْ أَصَابَ الصَّيْد مِمَّا جَزَاؤُهُ شَاة , فَذَلِكَ الَّذِي قَالَ اللَّه تَعَالَى : { فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم يَحْكُم بِهِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } وَمَا كَانَ مِنْ كَفَّارَة طَعَام مِسْكِين مِثْل الْعُصْفُورَة يَقْتُل وَلَا يَبْلُغ أَنْ يَكُون فِيهِ هَدْي { أَوْ عَدْل ذَلِكَ صِيَامًا } قَالَ عَدْل النَّعَامَة أَوْ الْعُصْفُور , أَوْ عَدْل ذَلِكَ كُلّه . فَذَكَرْت ذَلِكَ لِعَطَاءٍ , فَقَالَ : كُلّ شَيْء فِي الْقُرْآن " أَوْ أَوْ " , فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يَخْتَار مَا شَاءَ . 9828 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , قَالَ : أَخْبَرَنَا سُفْيَان بْن حُسَيْن , عَنْ الْحَكَم , عَنْ مَقْسِم , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله { لَا تَقْتُلُوا الصَّيْد وَأَنْتُمْ حُرُم وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم } فَإِنْ لَمْ يَجِد جَزَاء , قُوِّمَ عَلَيْهِ الْجَزَاء طَعَامًا ثُمَّ صَاع لِكُلِّ صَاع يَوْمَيْنِ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أَنَّ لِلْقَاتِلِ صَيْدًا عَمْدًا وَهُوَ مُحْرِم الْخِيَار بَيْن إِحْدَى الْكَفَّارَات الثَّلَاث وَهِيَ الْجَزَاء بِمِثْلِهِ مِنْ النَّعَم وَالطَّعَام وَالصَّوْم . قَالُوا : وَإِنَّمَا تَأْوِيل قَوْله : { فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم أَوْ كَفَّارَة طَعَام مَسَاكِين أَوْ عَدْل ذَلِكَ صِيَامًا } فَعَلَيْهِ أَنْ يَجْزِي بِمِثْلِهِ مِنْ النَّعَم , أَوْ يُكَفِّر بِإِطْعَامِ مَسَاكِين أَوْ بِعَدْلِ الطَّعَام مِنْ الصِّيَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9829 - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم يَحْكُم لَهُ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغ الْكَعْبَة أَوْ كَفَّارَة طَعَام مَسَاكِين أَوْ عَدْل ذَلِكَ صِيَامًا } قَالَ : إِنْ أَصَابَ إِنْسَان مُحْرِم نَعَامَة , فَإِنَّ لَهُ إِنْ كَانَ ذَا يَسَار أَنْ يُهْدِي مَا شَاءَ جَزُورًا أَوْ عَدْلهَا طَعَامًا أَوْ عَدْلهَا صِيَامًا . قَالَ : كُلّ شَيْء فِي الْقُرْآن " أَوْ أَوْ " , فَلْيَخْتَرْ مِنْهُ صَاحِبه مَا شَاءَ . 9830 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حَجَّاج , عَنْ عَطَاء , فِي قَوْله : { فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم } قَالَ : " مَا كَانَ فِي الْقِرَآن أَوْ كَذَا أَوْ كَذَا " , فَصَاحِبه فِيهِ بِالْخِيَارِ , أَيّ ذَلِكَ شَاءَ فَعَلَ . 9831 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَسْبَاط وَعَبْد الْأَعْلَى , عَنْ دَاوُد , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : مَا كَانَ فِي الْقُرْآن " أَوْ أَوْ " , فَهُوَ فِيهِ بِالْخِيَارِ , وَمَا كَانَ " فَمَنْ لَمْ يَجِد " فَالْأَوَّل , ثُمَّ الَّذِي يَلِيه . 9832 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حَفْص , عَنْ عَمْرو , عَنْ الْحَسَن , مِثْله . 9833 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا لَيْث , عَنْ عَطَاء وَمُجَاهِد , أَنَّهُمَا قَالَا فِي قَوْله : { فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم } قَالَا : مَا كَانَ فِي الْقُرْآن " أَوْ كَذَا أَوْ كَذَا " , فَصَاحِبه فِيهِ بِالْخِيَارِ أَيّ ذَلِكَ شَاءَ فَعَلَ . 9834 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : مَا كَانَ فِي الْقُرْآن " أَوْ كَذَا أَوْ كَذَا " , فَصَاحِبه فِيهِ بِالْخِيَارِ , أَيّ ذَلِكَ شَاءَ فَعَلَ . 9834 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو حَمْزَة , عَنْ الْحَسَن . قَالَ : وَأَخْبَرَنَا عُبَيْدَة , عَنْ إِبْرَاهِيم قَالَا : كُلّ شَيْء فِي الْقُرْآن " أَوْ أَوْ " , فَهُوَ بِالْخِيَارِ , أَيّ ذَلِكَ شَاءَ فَعَلَ . 9836 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا حَفْص , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : كُلّ شَيْء فِي الْقُرْآن " أَوْ أَوْ " فَصَاحِبه مُخَيَّر فِيهِ , وَكُلّ شَيْء فَمَنْ لَمْ يَجِد فَالْأَوَّل , ثُمَّ الَّذِي يَلِيه . وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِتَخْيِيرِ قَاتِل الصَّيْد مِنْ الْمُحْرِمِينَ بَيْن الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة فِي صِفَة اللَّازِم لَهُ مِنْ التَّكْفِير بِالْإِطْعَامِ وَالصَّوْم إِذَا اِخْتَارَ الْكَفَّارَة بِأَحَدِهِمَا دُون الْهَدْي , فَقَالَ بَعْضهمْ : إِذَا اِخْتَارَ التَّكْفِير بِذَلِكَ , فَإِنَّ الْوَاجِب عَلَيْهِ أَنْ يُقَوَّم الْمِثْل مِنْ النَّعَم طَعَامًا , ثُمَّ يَصُوم مَكَان كُلّ مُدّ يَوْمًا ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9837 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ : مَا { أَوْ عَدْل ذَلِكَ صِيَامًا } ؟ قَالَ : إِنْ أَصَابَ مَا عَدْله شَاة أُقِيمَتْ الشَّاة طَعَامًا , ثُمَّ جُعِلَ مَكَان كُلّ مُدّ يَوْمًا يَصُومهُ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ الْوَاجِب عَلَيْهِ إِذَا أَرَادَ التَّكْفِير بِالْإِطْعَامِ أَوْ الصَّوْم , أَنْ يُقَوِّم الصَّيْد الْمَقْتُول طَعَامًا , ثُمَّ يَتَصَدَّق بِالطَّعَامِ إِنْ اِخْتَارَ الصَّدَقَة , وَإِنْ اِخْتَارَ الصَّوْم صَامَ . ثُمَّ اِخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي الصَّوْم , فَقَالَ بَعْضهمْ : يَصُوم لِكُلِّ مُدّ يَوْمًا . وَقَالَ آخَرُونَ : يَصُوم مَكَان كُلّ نِصْف صَاع يَوْمًا . وَقَالَ آخَرُونَ : يَصُوم مَكَان كُلّ صَاع يَوْمًا . ذِكْر مَنْ قَالَ : الْمُتَقَوِّم لِإِطْعَامٍ هُوَ الصَّيْد الْمَقْتُول : 9838 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا جَامِع بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ قَتَادَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْد } الْآيَة , قَالَ : كَانَ قَتَادَة يَقُول : يَحْكُمَانِ فِي النَّعَم , فَإِنْ كَانَ لَيْسَ صَيْده مَا يَبْلُغ ذَلِكَ , نَظَرُوا ثَمَنه فَقَوَّمُوهُ طَعَامًا , ثُمَّ صَامَ مَكَان كُلّ صَاع يَوْمَيْنِ . وَقَالَ آخَرُونَ : لَا مَعْنَى لِلتَّكْفِيرِ بِالْإِطْعَامِ ; لِأَنَّ مَنْ وَجَدَ سَبِيلًا إِلَى التَّكْفِير بِالْإِطْعَامِ , فَهُوَ وَاجِد إِلَى الْجَزَاء بِالْمِثْلِ مِنْ النَّعَم سَبِيلًا , وَمَنْ وَجَدَ إِلَى الْجَزَاء بِالْمِثْلِ مِنْ النَّعَم سَبِيلًا لَمْ يُجْزِهِ التَّكْفِير بِغَيْرِهِ . قَالُوا : وَإِنَّمَا ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره الْكَفَّارَة بِالْإِطْعَامِ فِي هَذَا الْمَوْضِع لِيَدُلّ عَلَى صِفَة التَّكْفِير بِالصَّوْمِ لَا أَنَّهُ جَعَلَ التَّكْفِير بِالْإِطْعَامِ إِحْدَى الْكَفَّارَات الَّتِي يُكَفَّر بِهَا قَتْل الصَّيْد , وَقَدْ ذَكَرْنَا تَأْوِيل ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْل . وَأَوْلَى الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ عِنْدِي فِي قَوْله اللَّه تَعَالَى : { فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم } أَنْ يَكُون مُرَادًا بِهِ : فَعَلَى قَاتِله مُتَعَمِّدًا مِثْل الَّذِي قَتَلَ مِنْ النَّعَم , لَا الْقِيمَة إِنْ اِخْتَارَ أَنْ يَجْزِيه بِالْمِثْلِ مِنْ النَّعَم ; وَذَلِكَ أَنَّ الْقِيمَة إِنَّمَا هِيَ مِنْ الدَّنَانِير أَوْ الدَّرَاهِم أَوْ الدَّنَانِير لَيْسَتْ لِلصَّيْدِ بِمِثْلٍ , وَاَللَّه تَعَالَى إِنَّمَا أَوْجَبَ الْجَزَاء مِثْلًا مِنْ النَّعَم . وَأَوْلَى الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ عِنْدِي فِي قَوْله . { أَوْ كَفَّارَة طَعَام مَسَاكِين أَوْ عَدْل ذَلِكَ صِيَامًا } أَنْ يَكُون تَخْيِيرًا , وَأَنْ يَكُون لِلْقَاتِلِ الْخِيَار فِي تَكْفِيره بِقَتْلِهِ الصَّيْد وَهُوَ مُحْرِم بِأَيِّ هَذِهِ الْكَفَّارَات الثَّلَاث شَاءَ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى جَعَلَ مَا أَوْجَبَ فِي قَتْل الصَّيْد مِنْ الْجَزَاء وَالْكَفَّارَة عُقُوبَة لِفِعْلِهِ , وَتَكْفِيرًا لِذَنْبِهِ فِي إِتْلَافه مَا أَتْلَفَ مِنْ الصَّيْد الَّذِي كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِ إِتْلَافه فِي حَال إِحْرَامه , وَقَدْ كَانَ حَلَالًا لَهُ قَبْل حَال إِحْرَامه , كَمَا جَعَلَ الْفِدْيَة مِنْ صِيَام أَوْ صَدَقَة أَوْ نُسُك فِي حَلْق الشَّعْر الَّذِي حَلَقَهُ الْمُحْرِم فِي حَال إِحْرَامه , وَقَدْ كَانَ لَهُ حَلْقه قَبْل حَال إِحْرَامه , ثُمَّ مُنِعَ مِنْ حَلْقه فِي حَال إِحْرَامه نَظِير الصَّيْد , ثُمَّ جَعَلَ عَلَيْهِ إِنْ حَلَقَهُ جَزَاء مِنْ حَلْقه إِيَّاهُ , فَأَجْمَعَ الْجَمِيع عَلَى أَنَّهُ فِي حَلْقه إِيَّاهُ إِذَا حَلَقَهُ مِنْ إِيذَائِهِ مُخَيَّر فِي تَكْفِيره , فَعَلَيْهِ ذَلِكَ بِأَيِّ الْكَفَّارَات الثَّلَاث شَاءَ , فَمِثْله إِنْ شَاءَ اللَّه قَاتِل الصَّيْد مِنْ الْمُحْرِمِينَ , وَأَنَّهُ مُخَيَّر فِي تَكْفِيره قَتْله الصَّيْد بِأَيِّ الْكَفَّارَات الثَّلَاث شَاءَ , لَا فَرْق بَيْن ذَلِكَ . وَمَنْ أَبَى مَا قُلْنَا فِيهِ , قِيلَ لَهُ : حُكْم اللَّه تَعَالَى عَلَى قَاتِل الصَّيْد بِالْمِثْلِ مِنْ النَّعَم , أَوْ كَفَّارَة طَعَام مَسَاكِين ; أَوْ عَدْله صِيَامًا , كَمَا حَكَمَ عَلَى الْحَالِق بِفِدْيَةٍ مِنْ صِيَام أَوْ صَدَقَة أَوْ نُسُك , فَزَعَمْت أَنَّ أَحَدهمَا مُخَيَّر فِي تَكْفِير مَا جَعَلَ مِنْهُ , عِوَض لِأَيِّ الثَّلَاث شَاءَ , وَأَنْكَرْت أَنْ يَكُون ذَلِكَ لِلْآخَرِ , فَهَلْ بَيْنك وَبَيْن مَنْ عَكَسَ عَلَيْك الْأَمْر فِي ذَلِكَ فَجَعَلَ الْخِيَار فِيهِ حَيْثُ أَبَيْت وَأَبَى حَيْثُ جَعَلْته لَهُ فَرْقٌ مِنْ أَصْل أَوْ نَظِير ؟ فَلَنْ يَقُول فِي أَحَدهمَا قَوْلًا , إِلَّا أُلْزِمَ فِي الْآخَر مِثْله . ثُمَّ اِخْتَلَفُوا فِي صِفَة التَّقْوِيم إِذَا أَرَادَ التَّكْفِير بِالْإِطْعَامِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : يُقَوَّم الصَّيْد قِيمَته بِالْمَوْضِعِ الَّذِي أَصَابَهُ فِيهِ , وَهُوَ قَوْل إِبْرَاهِيم النَّخَعِيّ , وَحَمَّاد , وَأَبِي حَنِيفَة , وَأَبِي يُوسُف , وَمُحَمَّد , وَقَدْ ذَكَرْت الرِّوَايَة عَنْ إِبْرَاهِيم وَحَمَّاد فِيمَا مَضَى بِمَا يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ , وَهُوَ نَصّ قَوْل أَبِي حَنِيفَة وَأَصْحَابه . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ يُقَوَّم ذَلِكَ بِسِعْرِ الْأَرْض الَّتِي يُكَفِّر بِهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9839 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ عَامِر , قَالَ فِي مُحْرِم أَصَابَ صَيْدًا بِخُرَاسَان , قَالَ : يُكَفِّر بِمَكَّة أَوْ بِمِنًى , وَقَالَ : يُقَوَّم الطَّعَام بِسِعْرِ الْأَرْض الَّتِي يُكَفِّر بِهَا . 9840 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو يَمَان , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ جَابِر , عَنْ الشَّعْبِيّ , فِي رَجُل أَصَابَ صَيْدًا بِخُرَاسَان , قَالَ : يُحْكُم عَلَيْهِ بِمَكَّة . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا , أَنَّ قَاتِل الصَّيْد إِذَا جَزَاهُ بِمِثْلِهِ مِنْ النَّعَم , فَإِنَّمَا يَجْزِيه بِنَظِيرِهِ فِي خَلْق وَقَدْره فِي جِسْمه مِنْ أَقْرَب الْأَشْيَاء بِهِ شَبَهًا مِنْ الْأَنْعَام , فَإِذَا جَزَاهُ بِالْإِطْعَامِ قَوَّمَهُ قِيمَته بِمَوْضِعِهِ الَّذِي أَصَابَهُ فِيهِ ; لِأَنَّهُ هُنَالِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّكْفِير بِالْإِطْعَامِ , ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَطْعَمَ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي أَصَابَهُ فِيهِ وَإِنْ شَاءَ بِمَكَّة وَإِنْ شَاءَ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَوَاضِع حَيْثُ شَاءَ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى إِنَّمَا شَرَطَ بُلُوغ الْكَعْبَة بِالْهَدْيِ فِي قَتْل الصَّيْد دُون غَيْره مِنْ جَزَائِهِ , فَلِلْجَازِي بِغَيْرِ الْهَدْي أَنْ يَجْزِيه بِالْإِطْعَامِ وَالصَّوْم حَيْثُ شَاءَ مِنْ الْأَرْض . وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْعِلْم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9841 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَرُوبَة , عَنْ أَبِي مَعْشَر , عَنْ إِبْرَاهِيم قَالَ : مَا كَانَ مِنْ دَم فَبِمَكَّة , وَمَا كَانَ مِنْ صَدَقَة أَوْ صَوْم حَيْثُ شَاءَ . وَقَدْ خَالَفَ ذَلِكَ مُخَالِفُونَ , فَقَالُوا : لَا يُجْزِئ الْهَدْي وَالْإِطْعَام إِلَّا بِمَكَّة , فَأَمَّا الصَّوْم فَإِنْ كَفَّرَ بِهِ يَصُوم حَيْثُ شَاءَ مِنْ الْأَرْض . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9842 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ قَيْس بْن سَعْد , عَنْ عَطَاء , قَالَ : الدَّم وَالطَّعَام بِمَكَّة , وَالصِّيَام حَيْثُ شَاءَ . 9843 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ مَالِك بْن مِغْوَل , عَنْ عَطَاء , قَالَ : كَفَّارَة الْحَجّ بِمَكَّة . 9844 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ : أَيْنَ يَتَصَدَّق بِالطَّعَامِ إِنْ بَدَا لَهُ ؟ قَالَ : بِمَكَّة مِنْ أَجْل أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْهَدْي , قَالَ : { فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم أَوْ هَدْيًا بَالِغ الْكَعْبَة } مِنْ أَجْل أَنَّهُ أَصَابَهُ فِي حَرَم - يُرِيد الْبَيْت - فَجَزَاؤُهُ عِنْد الْبَيْت . فَأَمَّا الْهَدْي , فَإِنَّهُ جَرَّاء مَا قَتَلَ مِنْ الصَّيْد , فَلَنْ يُجْزِئهُ مِنْ كَفَّارَة مَا قَتَلَ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يُبْلِغهُ الْكَعْبَة طَيِّبًا , وَيَنْحَرهُ أَوْ يَذْبَحهُ , وَيَتَصَدَّق بِهِ عَلَى مَسَاكِين الْحَرَم . وَيَعْنِي بِالْكَعْبَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْحَرَم كُلّه , وَلِمَنْ قَدِمَ بِهَدْيِهِ الْوَاجِب مِنْ جَزَاء الصَّيْد أَنْ يَنْحَرهُ فِي كُلّ وَقْت شَاءَ قَبْل يَوْم النَّحْر وَبَعْده , وَيُطْعِمهُ ; وَكَذَلِكَ إِنْ كَفَّرَ بِالطَّعَامِ فَلَهُ أَنْ يُكَفِّر بِهِ مَتَى أَحَبَّ وَحَيْثُ أَحَبَّ , وَإِنْ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ فَكَذَلِكَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل , خَلَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ اِخْتِلَافهمْ فِي التَّكْفِير بِالْإِطْعَامِ عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9845 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ : { أَوْ عَدْل ذَلِكَ صِيَامًا } هَلْ لِصِيَامِهِ وَقْت ؟ قَالَ : لَا , إِذْ شَاءَ وَحَيْثُ شَاءَ , وَتَعْجِيله أَحَبّ إِلَيَّ . 9846 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ : رَجُل أَصَابَ صَيْدًا فِي الْحَجّ أَوْ الْعُمْرَة , فَأَرْسَلَ بِجَزَائِهِ إِلَى الْحَرَم فِي الْمُحَرَّم أَوْ غَيْره مِنْ الشُّهُور , أَيُجْزِئُ عَنْهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ثُمَّ قَرَأَ : { هَدْيًا بَالِغ الْكَعْبَة } قَالَ هَنَّاد : قَالَ يَحْيَى : وَبِهِ نَأْخُذ . 9847 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج وَابْن أَبِي سُلَيْم , عَنْ عَطَاء , قَالَ : إِذَا قَدِمْت مَكَّة بِجَزَاءِ صَيْد فَانْحَرْهُ , فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول : { هَدْيًا بَالِغ الْكَعْبَة } إِلَّا أَنْ يَقْدَم فِي الْعَشْر , فَيُؤَخِّر إِلَى يَوْم النَّحْر . 9848 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : ثنا اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , قَالَ : يَتَصَدَّق الَّذِي يُصِيب الصَّيْد بِمَكَّة , فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول : { هَدْيًا بَالِغ الْكَعْبَة } .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوْ عَدْل ذَلِكَ صِيَامًا } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : أَوْ عَلَى قَاتِل الصَّيْد مُحْرِمًا عَدْل الصَّيْد الْمَقْتُول مِنْ الصِّيَام , وَذَلِكَ أَنْ يُقَوَّم الصَّيْد حَيًّا غَيْر مُتَقَوِّل قِيمَته مِنْ الطَّعَام بِالْمَوْضِعِ الَّذِي قَتَلَهُ فِيهِ الْمُحْرِم , ثُمَّ يَصُوم مَكَان كُلّ مُدّ يَوْمًا ; وَذُكِرَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَلَ الْمُدّ مِنْ الطَّعَام بِصَوْمِ يَوْم فِي كَفَّارَة الْمُوَاقِع فِي شَهْر رَمَضَان . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَهَلَّا جَعَلْت مَكَان كُلّ صَاع فِي جَزَاء الصَّيْد صَوْم يَوْم قِيَاسًا عَلَى حُكْم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَظِيره , وَذَلِكَ حُكْمه عَلَى كَعْب بْن عُجْرَة , إِذْ أَمَرَهُ أَنْ يُطْعِم إِنْ كَفَّرَ بِالْإِطْعَامِ فَرَقًا مِنْ طَعَام وَذَلِكَ ثَلَاثَة آصُع بَيْن سِتَّة مَسَاكِين , فَإِنْ كَفَّرَ بِالصِّيَامِ أَنْ يَصُوم ثَلَاثَة أَيَّام , فَجَعَلَ الْأَيَّام الثَّلَاثَة فِي الصَّوْم عَدْلًا مِنْ إِطْعَام ثَلَاثَة آصُع , فَإِنَّ ذَلِكَ بِالْكَفَّارَةِ فِي جَزَاء الصَّيْد أَشْبَه مِنْ الْكَفَّارَة فِي قَتْل الصَّيْد بِكَفَّارَةِ الْمُوَاقِع اِمْرَأَته فِي شَهْر رَمَضَان ؟ قِيلَ : إِنَّ الْقِيَاس إِنَّمَا هُوَ رَدّ الْفُرُوع الْمُخْتَلِف فِيهَا إِلَى نَظَائِرهَا مِنْ الْأُصُول الْمُجْمَع عَلَيْهَا , وَلَا خِلَاف بَيْن الْجَمِيع مِنْ الْحُجَّة , أَنَّهُ لَا يُجْزِئ مُكَفِّرًا كَفَّرَ فِي قَتْل الصَّيْد بِالصَّوْمِ , أَنْ يَعْدِل صَوْم يَوْم بِصَاعِ طَعَام . فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ غَيْر جَائِز خِلَافهَا فِيمَا حَدَثَ بِهِ مِنْ الدِّين مُجْمِعَة عَلَيْهِ صَحَّ بِذَلِكَ أَنَّ حُكْم مُعَادَلَة الصَّوْم الطَّعَام فِي قَتْل الصَّيْد مُخَالِف حُكْم مُعَادَلَته إِيَّاهُ فِي كَفَّارَة الْحَلْق , إِذَا كَانَ غَيْر جَائِز , وَدَاخِل عَلَى آخَر قِيَاسًا ; وَإِنَّمَا يَجُوز أَنْ يُقَاسَ الْفَرْع عَلَى الْأَصْل , وَسَوَاء قَالَ قَائِل : هَلَّا رَدَدْت حُكْم الصَّوْم فِي كَفَّارَة قَتْل الصَّيْد عَلَى حُكْمه فِي حَلْق الْأَذَى فِيمَا يَعْدِل بِهِ مِنْ الطَّعَام ; وَآخَر قَالَ : هَلَّا رَدَدْت حُكْم الصَّوْم فِي الْحَلْق عَلَى حُكْمه فِي كَفَّارَة قَتْل الصَّيْد فِيمَا يُعْدَل بِهِ مِنْ الطَّعَام , فَتُوجِب عَلَيْهِ مَكَان كُلّ مُدّ , أَوْ مَكَان كُلّ نِصْف صَاع صَوْم يَوْم . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى قَبْلُ أَنَّ الْعَدْل فِي كَلَام الْعَرَب بِالْفَتْحِ , وَهُوَ قَدْر الشَّيْء مِنْ غَيْر جِنْسه , وَأَنَّ الْعَدْل هُوَ قَدْره مِنْ جِنْسه . وَقَدْ كَانَ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب يَقُول : الْعَدْل مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : عَدَلْت بِهَذَا عَدْلًا حَسَنًا . قَالَ : وَالْعَدْل أَيْضًا بِالْفَتْحِ : الْمِثْل , وَلَكِنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْن الْعَدْل فِي هَذَا وَبَيْن عِدْل الْمَتَاع , بِأَنْ كَسَرُوا الْعَيْن مِنْ عِدْل الْمَتَاع , وَفَتَحُوهَا مِنْ قَوْلهمْ : { وَلَا يُقْبَل مِنْهَا عَدْلٌ } وَقَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { أَوْ عَدْل ذَلِكَ صِيَامًا } كَمَا قَالُوا : اِمْرَأَة رَزَان , وَحَجَر رَزِين . وَقَالَ بَعْضهمْ : الْعَدْل : هُوَ الْقِسْط فِي الْحَقّ , وَالْعِدْل بِالْكَسْرِ : الْمِثْل , وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِشَوَاهِد فِيمَا مَضَى . وَأَمَّا نَصْب " الصِّيَام " فَإِنَّهُ عَلَى التَّفْسِير كَمَا يُقَال عِنْدِي مِلْء زِقّ سَمْنًا , وَقَدْر رِطْل عَسَلًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9849 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ : مَا عَدْل ذَلِكَ صِيَامًا ؟ قَالَ : عَدْل الطَّعَام مِنْ الصِّيَام . قَالَ : لِكُلٍّ يَوْمًا يُؤْخَذ زَعَمَ بِصِيَامِ رَمَضَان وَبِالظِّهَارِ . وَزَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ رَأْي يَرَاهُ وَلَمْ يَسْمَعهُ مِنْ أَحَد , وَلَمْ تَمْضِ بِهِ سُنَّة . قَالَ : ثُمَّ عَاوَدْته بَعْد ذَلِكَ بِحِينٍ , قُلْت : مَا عَدْل ذَلِكَ صِيَامًا ؟ قَالَ : إِنْ أَصَابَ مَا عَدْله شَاة , قُوِّمَتْ طَعَامًا ثُمَّ صَامَ مَكَان كُلّ مُدّ يَوْمًا . قَالَ : وَلَمْ أَسْأَلهُ : هَذَا رَأْي أَوْ سُنَّة مَسْنُونَة ؟ 9850 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ : { أَوْ عَدْل ذَلِكَ صِيَامًا } قَالَ : بِصَوْمِ ثَلَاثَة أَيَّام , إِلَى عَشَرَة أَيَّام . 9851 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ حَمَّاد : { أَوْ عَدْل ذَلِكَ صِيَامًا } مِنْ الْجَزَاء إِذَا لَمْ يَجِد مَا يَشْتَرِي بِهِ هَدْيًا أَوْ مَا يَتَصَدَّق بِهِ مِمَّا لَا يَبْلُغ ثَمَن هَدْي , حُكِمَ عَلَيْهِ الصِّيَام مَكَان كُلّ نِصْف صَاع يَوْمًا . 9852 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { أَوْ عَدْل ذَلِكَ صِيَامًا } قَالَ : إِذْ قَتَلَ الْمُحْرِم شَيْئًا مِنْ الصَّيْد حُكِمَ عَلَيْهِ فِيهِ , فَإِنْ قَتَلَ ظَبْيًا أَوْ نَحْوه فَعَلَيْهِ شَاة تُذْبَح بِمَكَّة , فَإِنْ لَمْ يَجِد فَإِطْعَام سِتَّة مَسَاكِين , فَإِنْ لَمْ يَجِد فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام . وَإِنْ قَتَلَ أَيِّلًا أَوْ نَحْوه فَعَلَيْهِ بَقَرَة , فَإِنْ لَمْ يَجِد أَطْعَمَ عِشْرِينَ مِسْكِينًا , فَإِنْ لَمْ يَجِد صَامَ عِشْرِينَ يَوْمًا وَإِنْ قَتَلَ نَعَامَة أَوْ حِمَار وَحْش أَوْ نَحْوه , فَعَلَيْهِ بَدَنَة مِنْ الْإِبِل , فَإِنْ لَمْ يَجِد أَطْعَمَ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا , فَإِنْ لَمْ يَجِد صَامَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا , وَالطَّعَام مُدّ مُدّ يُشْبِعهُمْ . 9853 - حَدَّثَنَا اِبْن الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن أَبِي سَلَمَة , عَنْ سَعِيد , الْمُحْرِم يُصِيب الصَّيْد فَيَكُون عَلَيْهِ الْفِدْيَة شَاة , أَوْ الْبَقَرَة أَوْ الْبَدَنَة , فَإِنْ لَمْ يَجِد فَمَا عَدْل ذَلِكَ مِنْ الصِّيَام أَوْ الصَّدَقَة ؟ قَالَ : ثَمَن ذَلِكَ ; فَإِنْ لَمْ يَجِد ثَمَنه قُوِّمَ ثَمَنُهُ طَعَامًا يَتَصَدَّق بِهِ لِكُلِّ مِسْكِين مُدّ , ثُمَّ يَصُوم لِكُلِّ مُدّ يَوْمًا .


الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لِيَذُوقَ وَبَال أَمْره } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : أَوْجَبْت عَلَى قَاتِل الصَّيْد مُحْرِمًا مَا أَوْجَبْت مِنْ الْحَقّ أَوْ الْكَفَّارَة الَّذِي ذَكَرْت فِي هَذِهِ الْآيَة , كَيْ يَذُوق وَبَال أَمْره وَعَذَابه , يَعْنِي " بِأَمْرِهِ " : ذَنْبه وَفِعْله الَّذِي فَعَلَهُ مِنْ قَتْلِهِ مَا نَهَاهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْ قَتْلِهِ فِي حَال إِحْرَامه يَقُول : فَأَلْزَمْتُهُ الْكَفَّارَة الَّتِي أَلْزَمْتُهُ إِيَّاهَا , لِأُذِيقَهُ عُقُوبَة ذَنْبه بِإِلْزَامِهِ الْغَرَامَة , وَالْعَمَل بِبَدَنِهِ مِمَّا يُتْعِبهُ وَيَشُقّ عَلَيْهِ . وَأَصْل الْوَبَال : الشِّدَّة فِي الْمَكْرُوه . وَمِنْهُ قَوْل اللَّه : { فَعَصَى فِرْعَوْن الرَّسُول فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا } وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ : { لِيَذُوقَ وَبَال أَمْرِهِ } أَنَّ الْكَفَّارَات اللَّازِمَة فِي الْأَمْوَال وَالْأَبْدَانِ عُقُوبَات مِنْهُ لِخَلْقِهِ , وَإِنْ كَانَتْ تَمْحِيصًا لَهُمْ , وَكَفَّارَة لِذُنُوبِهِمْ الَّتِي كَفَّرُوهَا بِهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9854 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : أَمَّا وَبَال أَمْرِهِ , فَعُقُوبَة أَمْره .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { عَفَا اللَّه عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِم اللَّه مِنْهُ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَفَا اللَّه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ عَمَّا سَلَفَ مِنْكُمْ فِي جَاهِلِيَّتكُمْ مِنْ إِصَابَتكُمْ الصَّيْد وَأَنْتُمْ حُرُم وَقَتْلكُمُوهُ , فَلَا يُؤَاخِذكُمْ بِمَا كَانَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ قَبْل تَحْرِيمه إِيَّاهُ عَلَيْكُمْ , وَلَا يَلْزَمكُمْ لَهُ كَفَّارَة فِي مَال وَلَا نَفْس , وَلَكِنْ مَنْ عَادَ مِنْكُمْ لِقَتْلِهِ وَهُوَ مُحْرِم بَعْد تَحْرِيمه بِالْمَعْنَى الَّذِي يَقْتُلهُ فِي حَال كُفْره وَقَبْل تَحْرِيمه عَلَيْهِ مِنْ اِسْتِحْلَاله قَتْله , فَيَنْتَقِم اللَّه مِنْهُ . وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون ذَلِكَ فِي مَعْنَاهُ : مَنْ عَادَ لِقَتْلِهِ بَعْد تَحْرِيمه فِي الْإِسْلَام فَيَنْتَقِم اللَّه مِنْهُ فِي الْآخِرَة , فَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ عَلَيْهِ مِنْ الْجَزَاء وَالْكَفَّارَة فِيهَا مَا بَيَّنْت . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضهمْ نَحْو الَّذِي قُلْنَا فِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9855 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ : مَا { عَفَا اللَّه عَمَّا سَلَفَ } ؟ قَالَ : عَمَّا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة , قَالَ : قُلْت : وَمَا { وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِم اللَّه مِنْهُ } ؟ قَالَ : مَنْ عَادَ فِي الْإِسْلَام , فَيَنْتَقِم اللَّه مِنْهُ , وَعَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ الْكَفَّارَة . 9856 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ , فَذَكَرَ نَحْوه , وَزَادَ فِيهِ , وَقَالَ : وَإِنْ عَادَ فَقَتَلَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَة . قُلْت : هَلْ فِي الْعَوْد مِنْ حَدّ يُعْلَم ؟ قَالَ : لَا , قُلْت : فَتَرَى حَقًّا عَلَى الْإِمَام أَنْ يُعَاقِبهُ ؟ قَالَ : هُوَ ذَنْب أَذْنَبه فِيمَا بَيْنه وَبَيْن اللَّه , وَلَكِنْ يَفْتَدِي . * - حَدَّثَنَا سُفْيَان , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بَكْر , وَأَبُو خَالِد , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء : { وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِم اللَّه مِنْهُ } قَالَ : فِي الْإِسْلَام , وَعَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ الْكَفَّارَة , قُلْت : عَلَيْهِ مِنْ الْإِمَام عُقُوبَة ؟ قَالَ : لَا . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء : { عَفَا اللَّه عَمَّا سَلَفَ } عَمَّا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة , { وَمَنْ عَادَ } قَالَ : فِي الْإِسْلَام , { فَيَنْتَقِم اللَّه مِنْهُ } وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَة . قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ : فَعَلَيْهِ مِنْ الْإِمَام عُقُوبَة ؟ قَالَ : لَا . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , قَالَ : يُحْكَم عَلَيْهِ فِي الْخَطَإِ وَالْعَمْد وَالنِّسْيَان ; وَكُلَّمَا أَصَابَ ; قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { عَفَا اللَّه عَمَّا سَلَف } قَالَ : مَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة , { وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِم اللَّه مِنْهُ } مَعَ الْكَفَّارَة . قَالَ سُفْيَان : قَالَ اِبْن جُرَيْج : فَقُلْت : أَيُعَاقِبُهُ السُّلْطَان ؟ قَالَ : لَا . 9857 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بَكْر وَأَبُو خَالِد , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ : { عَفَا اللَّه عَمَّا سَلَف } ؟ قَالَ : عَمَّا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة . 9858 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح , أَنَّهُ قَالَ : يُحْكَم عَلَيْهِ كُلَّمَا عَادَ . 9859 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : كُلَّمَا أَصَابَ الْمُحْرِم الصَّيْد نَاسِيًا حُكِمَ عَلَيْهِ . 9860 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن طَلْحَة الْيَرْبُوعِيّ , قَالَ : ثنا فُضَيْل بْن عِيَاض , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : كُلَّمَا أَصَابَ الصَّيْدَ الْمُحْرِمُ حُكِمَ عَلَيْهِ . * - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن عُيَيْنَة , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ عَطَاء , قَالَ : مَنْ قَتَلَ الصَّيْد ثُمَّ عَادَ حُكِمَ عَلَيْهِ . 9861 - حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن عُيَيْنَة , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : يُحْكَمُ عَلَيْهِ فَيَخْلَع , أَوْ يَتْرُك . 9862 - حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثنا دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : الَّذِي يُصِيب الصَّيْد وَهُوَ مُحْرِم فَيُحْكَم عَلَيْهِ ثُمَّ يَعُود ؟ قَالَ : يُحْكَم عَلَيْهِ . 9863 - حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا كَثِير بْن هِشَام , قَالَ : ثنا الْفُرَات بْن سَلْمَان , عَنْ عَبْد الْكَرِيم , عَنْ عَطَاء , قَالَ : يُحْكَم عَلَيْهِ كُلَّمَا عَادَ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : عَفَا اللَّه عَمَّا سَلَف مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّة , وَمَنْ عَادَ فِي الْإِسْلَام فَيَنْتَقِم اللَّه مِنْهُ بِإِلْزَامِهِ الْكَفَّارَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9864 - حَدَّثَنِي اِبْن الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثنا عَمْرو , عَنْ زُهَيْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر وَعَطَاء , فِي قَوْله اللَّه تَعَالَى : { وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِم اللَّه مِنْهُ } قَالَا : يَنْتَقِم اللَّه , يَعْنِي بِالْجَزَاءِ . { عَفَا اللَّه عَمَّا سَلَفَ } فِي الْجَاهِلِيَّة . وَقَالَ آخَرُونَ : فِي ذَلِكَ : عَفَا اللَّه عَمَّا سَلَف مِنْ قَتْل مَنْ قَتَلَ مِنْكُمْ الصَّيْد حَرَامًا فِي أَوَّل مَرَّة , وَمَنْ عَادَ ثَانِيَة لِقَتْلِهِ بَعْد أُولَى حَرَامًا , فَاَللَّه وَلِيّ الِانْتِقَام مِنْهُ دُون كَفَّارَة تَلْزَمهُ لِقَتْلِهِ إِيَّاهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9865 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : مَنْ قَتَلَ شَيْئًا مِنْ الصَّيْد خَطَأ وَهُوَ مُحْرِم , حُكِمَ عَلَيْهِ فِيهِ مَرَّة وَاحِدَة , فَإِنْ عَادَ يُقَال لَهُ : يَنْتَقِم اللَّه مِنْك , كَمَا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . 9866 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن طَلْحَة الْيَرْبُوعِيّ , قَالَ : ثنا فُضَيْل بْن عِيَاض , عَنْ هِشَام , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ . إِذَا أَصَابَ الْمُحْرِم الصَّيْد حُكِمَ عَلَيْهِ , فَإِنْ عَادَ لَمْ يُحْكَم عَلَيْهِ , وَكَانَ ذَلِكَ إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , إِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ . ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : { وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِم اللَّه مِنْهُ وَاَللَّهُ عَزِيز ذُو اِنْتِقَام } . 9867 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عَامِر , قَالَ : جَاءَ رَجُل إِلَى شُرَيْح , فَقَالَ : إِنِّي أَصَبْت صَيْدًا وَأَنَا مُحْرِم . فَقَالَ : هَلْ أَصَبْت قَبْل ذَلِكَ شَيْئًا ؟ قَالَ : لَا . قَالَ : لَوْ قُلْت نَعَمْ وَكَلْتُك إِلَى اللَّه , يَكُون هُوَ يَنْتَقِم مِنْك , إِنَّهُ عَزِيز ذُو اِنْتِقَام ! قَالَ دَاوُد : فَذَكَرْت ذَلِكَ لِسَعِيدِ بْن جُبَيْر , فَقَالَ : بَلْ يَحْكُم عَلَيْهِ , أَوْ يَخْلَع . 9868 - حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِب وَعَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَا : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : إِذَا أَصَابَ الرَّجُل الصَّيْد وَهُوَ مُحْرِم , وَقِيلَ لَهُ أَصَبْت صَيْدًا مِثْل هَذَا ؟ قَالَ : فَإِنْ قَالَ : نَعَمْ , قِيلَ لَهُ : اِذْهَبْ , فَيَنْتَقِم اللَّه مِنْك ! وَإِنْ قَالَ لَا , حَكَمَ عَلَيْهِ . 9869 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ شُعْبَة , عَنْ سُلَيْمَان , عَنْ إِبْرَاهِيم فِي الَّذِي يَقْتُل الصَّيْد , ثُمَّ يَعُود , قَالَ : كَانُوا يَقُولُونَ : مَنْ عَادَ لَا يُحْكَم عَلَيْهِ , أَمْره إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . * - حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ الشَّعْبِيّ : أَنَّ رَجُلًا أَتَى شُرَيْحًا , فَقَالَ : أَصَبْت صَيْدًا . قَالَ : أَصَبْت قَبْله صَيْدًا ؟ قَالَ : لَا , قَالَ : أَمَا إِنَّك لَوْ قُلْت نَعَمْ , لَمْ أَحْكُم عَلَيْك . * - حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ الشَّعْبِيّ , عَنْ شُرَيْح , مِثْله . * - حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ الْأَشْعَث , عَنْ مُحَمَّد , عَنْ شُرَيْح فِي الَّذِي يُصِيب الصَّيْد , قَالَ : يُحْكَم عَلَيْهِ , فَإِنْ عَادَ اِنْتَقَمَ اللَّه مِنْهُ . 9870 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام بْن سَلْم , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم يَحْكُم بِهِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } قَالَ : يُحْكَم عَلَيْهِ فِي الْعَمْد مَرَّة وَاحِدَة , فَإِنْ عَادَ لَمْ يُحْكَم عَلَيْهِ وَقِيلَ لَهُ : اِذْهَبْ يَنْتَقِم اللَّه مِنْك , وَيُحْكَم عَلَيْهِ فِي الْخَطَأ أَبَدًا . 9871 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ خُصَيْف , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : رَخَّصَ فِي قَتْل الصَّيْد مَرَّة , فَمَنْ عَادَ لَمْ يَدَعهُ اللَّه تَعَالَى حَتَّى يَنْتَقِم مِنْهُ . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ خُصَيْف , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , مِثْله . * - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد وَابْن أَبِي عَدِيّ جَمِيعًا , عَنْ هِشَام , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِيمَنْ أَصَابَ صَيْدًا , فَحُكِمَ عَلَيْهِ , ثُمَّ أَعَادَ , قَالَ : لَا يُحْكَم , يَنْتَقِم اللَّه مِنْهُ . 9872 - حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : إِنَّمَا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } يَقُول : مُتَعَمِّدًا لِقَتْلِهِ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ , فَذَلِكَ الَّذِي يُحْكَم عَلَيْهِ , فَإِنْ عَادَ لَا يُحْكَم عَلَيْهِ , وَقِيلَ لَهُ : يَنْتَقِم اللَّه مِنْك . * - حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا كَثِير بْن هِشَام , قَالَ : ثنا الْفُرَات بْن سَلْمَان , عَنْ عَبْد الْكَرِيم , عَنْ مُجَاهِد : إِنْ عَادَ لَمْ يُحْكَم عَلَيْهِ , وَقِيلَ لَهُ : يَنْتَقِم اللَّه مِنْك . 9873 - حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا الْأَشْعَث , عَنْ الْحَسَن . فِي الَّذِي يُصِيب الصَّيْد , فَيُحْكَم عَلَيْهِ ثُمَّ يَعُود , قَالَ : لَا يُحْكَم عَلَيْهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : عَفَا اللَّه عَمَّا سَلَفَ مِنْ قَتْلكُمْ الصَّيْد قَبْل تَحْرِيم اللَّه تَعَالَى ذَلِكَ عَلَيْكُمْ , وَمَنْ عَادَ لِقَتْلِهِ بَعْد تَحْرِيم اللَّه إِيَّاهُ عَلَيْهِ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ ذَلِكَ عَلَيْهِ , عَامِدًا لِقَتْلِهِ , ذَاكِرًا لِإِحْرَامِهِ , فَإِنَّ اللَّه هُوَ الْمُنْتَقِم مِنْهُ , وَلَا كَفَّارَة لِذَنْبِهِ ذَلِكَ , وَلَا جَزَاء يَلْزَمهُ لَهُ فِي الدُّنْيَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9874 - حَدَّثَنَا يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِم اللَّه مِنْهُ } قَالَ : مَنْ عَادَ بَعْد نَهْي اللَّه بَعْد أَنْ يَعْرِف أَنَّهُ مُحْرِم وَأَنَّهُ ذَاكِر لِحُرْمِهِ لَمْ يَنْبَغِ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْكُم عَلَيْهِ , وَوَكَلُوهُ إِلَى نِقْمَة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . فَأَمَّا الَّذِي يَتَعَمَّد قَتْل الصَّيْد وَهُوَ نَاسٍ لِحُرْمِهِ , أَوْ جَاهِل أَنَّ قَتْله مُحَرَّم , فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُحْكَم عَلَيْهِمْ . فَأَمَّا مَنْ قَتَلَهُ مُتَعَمِّدًا بَعْد نَهْي اللَّه وَهُوَ يَعْرِف أَنَّهُ مُحْرِم وَأَنَّهُ حَرَام , فَذَلِكَ يُوَكَّل إِلَى نِقْمَة اللَّه , فَذَلِكَ الَّذِي جَعَلَ اللَّه عَلَيْهِ النِّقْمَة . وَهَذَا شَبِيه بِقَوْلِ مُجَاهِد الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ . وَقَالَ آخَرُونَ : عُنِيَ بِذَلِكَ شَخْص بِعَيْنِهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9875 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا مُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , قَالَ : ثنا زَيْد أَبُو الْمُعَلَّى : أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ صَيْدًا وَهُوَ مُحْرِم , فَتُجُوِّزَ لَهُ عَنْهُ . ثُمَّ عَادَ , فَأَرْسَلَ اللَّه عَلَيْهِ نَارًا فَأَحْرَقَتْهُ , فَذَلِكَ قَوْله : { وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِم اللَّه مِنْهُ } قَالَ : فِي الْإِسْلَام 34 . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدنَا , قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : وَمَنْ عَادَ فِي الْإِسْلَام لِقَتْلِهِ بَعْد نَهْي اللَّه تَعَالَى عَنْهُ , فَيَنْتَقِم اللَّه مِنْهُ , وَعَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ الْكَفَّارَة ; لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَخْبَرَ أَنَّهُ يَنْتَقِم مِنْهُ لَمْ يُخْبِرنَا , وَقَدْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ فِي قَتْله الصَّيْد عَمْدًا مَا أَوْجَبَ مِنْ الْجَزَاء أَوْ الْكَفَّارَة بِقَوْلِهِ : { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم } أَنَّهُ قَدْ أَزَالَ عَنْهُ الْكَفَّارَة فِي الْمَرَّة الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة , بَلْ أَعْلَمَ عِبَاده مَا أَوْجَبَ مِنْ الْحُكْم عَلَى قَاتِل الصَّيْد مِنْ الْمُحْرِمِينَ عَمْدًا , ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ مُنْتَقِم مِمَّنْ عَادَ , وَلَمْ يَقُلْ : وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا . فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّ الْكَفَّارَة مُزِيلَة لِلْعِقَابِ , وَلَوْ كَانَتْ الْكَفَّارَة لَازِمَة لَهُ فِي الدُّنْيَا لَبَطَلَ الْعِقَاب فِي الْآخِرَة , فَقَدْ ظَنَّ خَطَأ . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُخَالِف بَيْن عُقُوبَات مَعَاصِيه بِمَا شَاءَ , وَأَحَبَّ فَيَزِيد فِي عُقُوبَته عَلَى بَعْض مَعَاصِيه مِمَّا يَنْقُص مِنْ بَعْض , وَيَنْقُص مِنْ بَعْض مِمَّا يَزِيد فِي بَعْض , كَاَلَّذِي فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ فِي مُخَالَفَته بَيْن عُقُوبَته الزَّانِي الْبِكْر وَالزَّانِي الثَّيِّب الْمُحْصَن , وَبَيْن سَارِق رُبُع دِينَار وَبَيْن سَارِق أَقَلّ مِنْ ذَلِكَ ; فَكَذَلِكَ خَالَفَ بَيْن عُقُوبَته قَاتِل الصَّيْد مِنْ الْمُحْرِمِينَ عَمْدًا اِبْتِدَاء وَبَيْن عُقُوبَته عَوْدًا بَعْد بَدْء , فَأَوْجَبَ عَلَى الْبَادِئ الْمِثْل مِنْ النَّعَم , أَوْ الْكَفَّارَة بِالْإِطْعَامِ , أَوْ الْعَدْل مِنْ الصِّيَام , وَجَعَلَ ذَلِكَ عُقُوبَة جُرْمه بِقَوْلِهِ : { لِيَذُوقَ وَبَال أَمْره } وَجَعَلَ عَلَى الْعَائِد بَعْد الْبَدْء , وَزَادَهُ مِنْ عُقُوبَته مَا أَخْبَرَ عِبَاده أَنَّهُ فَاعِل مِنْ الِانْتِقَام تَغْلِيظًا مِنْهُ لِلْعَوْدِ بَعْد الْبَدْء . وَلَوْ كَانَتْ عُقُوبَاته عَلَى الْأَشْيَاء مُتَّفِقَة , لَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُون حَدّ فِي شَيْء مُخَالِفًا حَدًّا فِي غَيْره , وَلَا عِقَاب فِي الْآخِرَة أَغْلَظ مِنْ عِقَاب , وَذَلِكَ خِلَاف مَا جَاءَ بِهِ مُحْكَم الْفُرْقَان . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض الزَّاعِمِينَ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَنْ عَادَ فِي الْإِسْلَام بَعْد نَهْي اللَّه عَنْ قَتْله لِقَتْلِهِ بِالْمَعْنَى الَّذِي كَانَ الْقَوْم يَقْتُلُونَهُ فِي جَاهِلِيَّتهمْ , فَعَفَا لَهُمْ عَنْهُ عِنْد تَحْرِيم قَتْله عَلَيْهِمْ , وَذَلِكَ قَتْله عَلَى اِسْتِحْلَال قَتْله . قَالَ : فَأَمَّا إِذَا قَتَلَهُ عَلَى غَيْر ذَلِكَ الْوَجْه , وَذَلِكَ أَنْ يَقْتُلهُ عَلَى وَجْه الْفُسُوق لَا عَلَى وَجْه الِاسْتِحْلَال , فَعَلَيْهِ الْجَزَاء وَالْكَفَّارَة كُلَّمَا عَادَ . وَهَذَا قَوْل لَا نَعْلَم قَائِلًا قَالَهُ مِنْ أَهْل التَّأْوِيل , وَكَفَى خَطَأ بِقَوْلِهِ خُرُوجه عَنْ أَقْوَال أَهْل الْعِلْم لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى خَطَئِهِ دَلَالَة سِوَاهُ , فَكَيْفَ وَظَاهِر التَّنْزِيل يُنْبِئ عَنْ فَسَاده ؟ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه عَمَّ بِقَوْلِهِ : { وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِم اللَّه مِنْهُ } كُلّ عَائِد لِقَتْلِ الصَّيْد بِالْمَعْنَى الَّذِي تَقَدَّمَ النَّهْي مِنْهُ بِهِ فِي أَوَّل الْآيَة , وَلَمْ يَخُصّ بِهِ عَائِدًا مِنْهُمْ دُون عَائِد , فَمَنْ اِدَّعَى فِي التَّنْزِيل مَا لَيْسَ فِي ظَاهِره كُلِّفَ الْبُرْهَان عَلَى دَعْوَاهُ مِنْ الْوَجْه الَّذِي يَجِب التَّسْلِيم لَهُ . وَأَمَّا مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَنْ عَادَ فِي قَتْله مُتَعَمِّدًا بَعْد بَدْء لِقَتْلٍ تَقَدَّمَ مِنْهُ فِي حَال إِحْرَامه فَيَنْتَقِم اللَّه مِنْهُ , فَإِنَّ مَعْنَى قَوْله : { عَفَا اللَّه عَمَّا سَلَفَ } إِنَّمَا هُوَ : عَفَا اللَّه عَمَّا سَلَفَ مِنْ ذَنْبه بِقَتْلِهِ الصَّيْد بَدْءًا , فَإِنَّ فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { لِيَذُوقَ وَبَال أَمْره } دَلِيلًا وَاضِحًا عَلَى أَنَّ الْقَوْل فِي ذَلِكَ غَيْر مَا قَالَ ; لِأَنَّ الْعَفْو عَنْ الْجُرْم تَرْك الْمُؤَاخَذَة بِهِ , وَمَنْ أُذِيقَ وَبَال جُرْمه فَقَدْ عُوقِبَ بِهِ , وَغَيْر جَائِز أَنْ يُقَال لِمَنْ عُوقِبَ قَدْ عُفِيَ عَنْهُ , وَخَبَر اللَّه أَصْدَق مِنْ أَنْ يَقَع فِيهِ تَنَاقُض . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا يُنْكِر أَنْ يَكُون قَاتِل الصَّيْد مِنْ الْمُحْرِمِينَ فِي أَوَّل مَرَّة قَدْ أُذِيقَ وَبَال أَمْره بِمَا أُلْزِمَ مِنْ الْجَزَاء وَالْكَفَّارَة , وَعُفِيَ لَهُ مِنْ الْعُقُوبَة بِأَكْثَر مِنْ ذَلِكَ مِمَّا كَانَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُعَاقِبهُ بِهِ ؟ قِيلَ لَهُ : فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا أَنْ يَكُون تَأْوِيل الْآيَة عِنْدك وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِقَوْلِ أَهْل التَّأْوِيل , فَمَا يُنْكِر أَنْ يَكُون الِانْتِقَام الَّذِي أَوْعَدَهُ اللَّه عَلَى الْعَوْد بَعْد الْبَدْء , هُوَ تِلْكَ الزِّيَادَة الَّتِي عَفَاهَا عَنْهُ فِي أَوَّل مَرَّة مِمَّا كَانَ لَهُ فِعْله بِهِ مَعَ الَّذِي أَذَاقَهُ مِنْ وَبَال أَمْره , فَيُذِيقهُ فِي عَوْده بَعْد الْبَدْء وَبَال أَمْره الَّذِي أَذَاقَهُ الْمَرَّة الْأُولَى , وَيَتْرُك عَفْوه عَمَّا عَفَا عَنْهُ فِي الْبَدْء , فَيُؤَاخِذهُ بِهِ ؟ فَلَمْ يَقُلْ فِي ذَلِكَ شَيْئًا إِلَّا أُلْزِمَ فِي الْآخَر مِثْله .


الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَللَّه عَزِيز ذُو اِنْتِقَام } يَقُول عَزَّ وَجَلَّ : وَاَللَّه مَنِيع فِي سُلْطَانه , لَا يَقْهَرهُ قَاهِر , وَلَا يَمْنَعهُ مِنْ الِانْتِقَام مِمَّنْ اِنْتَقَمَ مِنْهُ , وَلَا مِنْ عُقُوبَة مَنْ أَرَادَ عُقُوبَته مَانِع , لِأَنَّ الْخَلْق خَلْقه , وَالْأَمْر أَمْره , لَهُ الْعِزَّة وَالْمَنَعَة . وَأَمَّا قَوْله : { ذُو اِنْتِقَام } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : مُعَاقَبَته لِمَنْ عَصَاهُ عَلَى مَعْصِيَته إِيَّاهُ .
أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَسورة المائدة الآية رقم 96
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { أُحِلَّ لَكُمْ } أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ { صَيْد الْبَحْر } وَهُوَ مَا صِيدَ طَرِيًّا . كَمَا : 9876 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُمَر بْن أَبِي سَلَمَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب فِي قَوْله : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر } قَالَ : صَيْده : مَا صِيدَ مِنْهُ . 9877 - حَدَّثَنِي اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ سِمَاك , قَالَ : حُدِّثْت , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : خَطَبَ أَبُو بَكْر النَّاس , فَقَالَ : أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر . قَالَ : فَصَيْده : مَا أَخَذَ . 9878 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر } قَالَ : صَيْده : مَا صِيدَ مِنْهُ . 9879 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بْن عُمَر بْن خَالِد الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن سَلَمَة الْحَرَّانِيّ , عَنْ خُصَيْف , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر } قَالَ : صَيْده الطَّرِيّ . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا الْهُذَيْل بْن بِلَال , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن عُبَيْد بْن عُمَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر } قَالَ : صَيْده : مَا صِيدَ . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس { أُحِلَّ لَك صَيْد الْبَحْر } قَالَ : الطَّرِيّ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا الْحَسَن بْن عِكْرِمَة بْن الْجُعْفِيّ - أَوْ الْحُسَيْن , شَكّ أَبُو جَعْفَر - عَنْ الْحَكَم بْن أَبَان , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : كَانَ اِبْن عَبَّاس يَقُول : صَيْد الْبَحْر : مَا اِصْطَادَهُ . 9880 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { أُحِلَّ لَك صَيْد الْبَحْر } قَالَ : الطَّرِيّ . 9881 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ الْحَجَّاج , عَنْ الْعَلَاء بْن بَدْر , عَنْ أَبِي سَلَمَة , قَالَ : صَيْد الْبَحْر : مَا صِيدَ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر } قَالَ : الطَّرِيّ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر } قَالَ : السَّمَك الطَّرِيّ . 9882 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر } أَمَّا صَيْد الْبَحْر : فَهُوَ السَّمَك الطَّرِيّ , هِيَ الْحِيتَان . 9883 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : صَيْده : مَا اِصْطَدْته طَرِيًّا . قَالَ مَعْمَر : وَقَالَ قَتَادَة : صَيْده : مَا اِصْطَدْته . 9884 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه : { أُحِلَّ لَك صَيْد الْبَحْر } قَالَ : حِيتَانه . 9885 - حَدَّثَنَا اِبْن الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثنا عُمَر بْن أَبِي سَلَمَة , قَالَ : سُئِلَ سَعِيد عَنْ صَيْد الْبَحْر , فَقَالَ : قَالَ مَكْحُول : قَالَ زَيْد بْن ثَابِت : صَيْده : مَا اِصْطَدْت . 9886 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { أُحِلَّ لَك صَيْد الْبَحْر وَطَعَامه مَتَاعًا لَك وَلِلسَّيَّارَةِ } قَالَ : يَصْطَاد الْمُحْرِم وَالْمُحِلّ مِنْ الْبَحْر , وَيَأْكُل مِنْ صَيْده . 9887 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَبْد الْحَمِيد , قَالَ : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : قَالَ أَبُو بَكْر : طَعَام الْبَحْر : كُلّ مَا فِيهِ . وَقَالَ جَابِر بْن عَبْد اللَّه : مَا حَسِرَ عَنْهُ فَكُلْ . وَقَالَ : كُلْ مَا فِيهِ ; يَعْنِي : جَمِيع مَا صِيدَ . 9888 - حَدَّثَنَا سَعِيد بْن الرَّبِيع , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَمْرو , سَمِعَ عِكْرِمَة يَقُول : قَالَ أَبُو بَكْر : { وَطَعَامه مَتَاعًا لَك وَلِلسَّيَّارَةِ } قَالَ : هُوَ كُلّ مَا فِيهِ . وَعَنَى بِالْبَحْرِ فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْأَنْهَار كُلّهَا ; وَالْعَرَب تُسَمِّي الْأَنْهَار بِحَارًا , كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْره : { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرّ وَالْبَحْر } . فَتَأْوِيل الْكَلَام : أُحِلَّ لَكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ طَرِيّ سَمَك الْأَنْهَار الَّذِي صِدْتُمُوهُ فِي حَال حِلّكُمْ وَحُرْمكُمْ , وَمَا لَمْ تَصِيدُوهُ مِنْ طَعَامه الَّذِي قَتَلَهُ ثُمَّ رَمَى بِهِ إِلَى سَاحِله .

وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى قَوْله : { وَطَعَامه } فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ : مَا قَذَفَ بِهِ إِلَى سَاحِله مَيِّتًا , نَحْو الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9889 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ سِمَاك , قَالَ : حُدِّثْت , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : خَطَبَ أَبُو بَكْر النَّاس , فَقَالَ : أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ , وَطَعَامه : مَا قَذَفَ . 9890 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُمَر بْن أَبِي سَلَمَة , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : كُنْت بِالْبَحْرَيْنِ , فَسَأَلُونِي عَمَّا قَذَفَ الْبَحْر , قَالَ : فَأَفْتَيْتهمْ أَنْ يَأْكُلُوا . فَلَمَّا قَدِمْت عَلَى عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , ذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ , فَقَالَ لِي : بِمَ أَفْتَيْتهمْ ؟ قَالَ : قُلْت : أَفْتَيْتهمْ أَنْ يَأْكُلُوا , قَالَ : لَوْ أَفْتَيْتهمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ لَعَلَوْتُك بِالدِّرَّةِ . قَالَ : ثُمَّ قَالَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ فِي كِتَابه : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ } فَصَيْده : مَا صِيدَ مِنْهُ , وَطَعَامه : مَا قَذَفَ . 9891 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ } قَالَ : طَعَامه : مَا قَذَفَ . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ , عَنْ أَبِي مِجْلَز , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر وَطَعَامه } قَالَ : طَعَامه : مَا قَذَفَ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر , عَنْ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ , عَنْ أَبِي مِجْلَز , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . 9892 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حُسَيْن بْن عَلِيّ , عَنْ زَائِدَة , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : طَعَامه : كُلّ مَا أَلْقَاهُ الْبَحْر . 9893 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا الْحَسَن بْن عَلِيّ - أَوْ الْحُسَيْن بْن عَلَى الْجُعْفِيّ , شَكَّ أَبُو جَعْفَر - عَنْ الْحَكَم بْن أَبَان , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : طَعَامه : مَا لَفَظَ مِنْ مَيْتَته . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا الْهُذَيْل بْن بِلَال . قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن عُبَيْد بْن عُمَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر وَطَعَامه } قَالَ . طَعَامه : مَا وُجِدَ عَلَى السَّاحِل مَيِّتًا . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ , عَنْ أَبِي مِجْلَز , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : طَعَامه : مَا قَذَفَ بِهِ . 9894 - حَدَّثَنَا سَعِيد بْن الرَّبِيع , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ عَمْرو , سَمِعَ عِكْرِمَة يَقُول : قَالَ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : { وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ } قَالَ : طَعَامه : هُوَ كُلّ مَا فِيهِ . 9895 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الضَّحَّاك بْن مَخْلَد , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرو بْن دِينَار عَنْ عِكْرِمَة مَوْلَى اِبْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَ أَبُو بَكْر : { وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ } قَالَ : طَعَامه : مَيْتَته . قَالَ عَمْرو : وَسَمِعَ أَبَا الشَّعْثَاء يَقُول : مَا كُنْت أَحْسِب طَعَامه إِلَّا مَالِحه . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثني الضَّحَّاك بْن مَخْلَد , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْر بْن حَفْص بْن عُمَر بْن سَعْد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : . { وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ } قَالَ : طَعَامه : مَيْتَته . 9896 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , عَنْ عُثْمَان , عَنْ عِكْرِمَة : { وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ } قَالَ : طَعَامه : مَا قَذَفَ . 9897 - حَدَّثَنَا بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مَعْمَر بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت عَبِيد اللَّه , عَنْ نَافِع , قَالَ : جَاءَ عَبْد الرَّحْمَن إِلَى عَبْد اللَّه , فَقَالَ : الْبَحْر قَدْ أَلْقَى حِيتَانًا كَثِيرَة ؟ قَالَ : فَنَهَاهُ عَنْ أَكْلهَا , ثُمَّ قَالَ : يَا نَافِع هَاتِ الْمُصْحَف ! فَأَتَيْته بِهِ , فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ } قَالَ : قُلْت : طَعَامه : هُوَ الَّذِي أَلْقَاهُ . قَالَ : فَالْحَقْهُ , فَمُرْهُ بِأَكْلِهِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب , قَالَ : ثنا أَيُّوب , عَنْ نَافِع أَنَّ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي هُرَيْرَة سَأَلَ اِبْن عُمَر , فَقَالَ : إِنَّ الْبَحْر قَذَفَ حِيتَانًا كَثِيرَة مَيِّتَة أَفَنَأْكُلهَا ؟ قَالَ : لَا تَأْكُلُوهَا ! فَلَمَّا رَجَعَ عَبْد اللَّه إِلَى أَهْله , أَخَذَ الْمُصْحَف , فَقَرَأَ سُورَة الْمَائِدَة , فَأَتَى عَلَى هَذِهِ الْآيَة : { وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ } قَالَ : اِذْهَبْ , فَقُلْ لَهُ فَلْيَأْكُلْهُ , فَإِنَّهُ طَعَامه . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَيُّوب , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر , بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الضَّحَّاك بْن مَخْلَد , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرو بْن دِينَار , عَنْ عِكْرِمَة , مَوْلَى اِبْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : { وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ } قَالَ : مَيْتَته , قَالَ عَمْرو : سَمِعْت أَبَا الشَّعْثَاء يَقُول : مَا كُنْت أَحْسِب طَعَامه : إِلَّا مَالِحه . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الضَّحَّاك بْن مَخْلَد , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنَا نَافِع أَنَّ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي هُرَيْرَة سَأَلَ اِبْن عُمَر عَنْ حِيتَان كَثِيرَة أَلْقَاهَا الْبَحْر , أَمَيْتَة هِيَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ! فَنَهَاهُ عَنْهَا . ثُمَّ دَخَلَ الْبَيْت , فَدَعَا بِالْمُصْحَفِ , فَقَرَأَ تِلْكَ الْآيَة : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ } قَالَ : طَعَامه : كُلّ شَيْء أُخْرِجَ مِنْهُ فَكُلْهُ فَلَيْسَ بِهِ بَأْس , وَكُلّ شَيْء فِيهِ يُؤْكَل مَيْتًا أَوْ بِسَاحِلِهِ . 9898 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , قَالَ قَتَادَة : طَعَامه : مَا قَذَفَ مِنْهُ . 9899 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو خَالِد , عَنْ لَيْث , عَنْ شَهْر , عَنْ أَبِي أَيُّوب , قَالَ : مَا لَفَظَ الْبَحْر فَهُوَ طَعَامه , وَإِنْ كَانَ مَيْتًا . 9900 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَحْوَص , عَنْ لَيْث , عَنْ شَهْر , قَالَ : سُئِلَ أَبُو أَيُّوب عَنْ قَوْل اللَّه تَعَالَى : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر وَطَعَامه مَتَاعًا } قَالَ : هُوَ مَا لَفَظَ الْبَحْر . وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِقَوْلِهِ : { وَطَعَامه } الْمَلِيح مِنْ السَّمَك . فَيَكُون تَأْوِيل الْكَلَام عَلَى ذَلِكَ مِنْ تَأْوِيلهمْ : أُحِلَّ لَكُمْ سَمَك الْبَحْر وَمَلِيحه فِي كُلّ حَال , إِحْلَالكُمْ وَإِحْرَامكُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9901 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بْن عَمْرو بْن خَالِد الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن سَلَمَة , عَنْ خُصَيْف , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَطَعَامه } قَالَ : طَعَامه الْمَالِح مِنْهُ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ } يَعْنِي بِطَعَامِهِ : مَالِحه , وَمَا قَذَفَ الْبَحْر مِنْ مَالِحه . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَطَعَامه مَتَاعًا لَك } وَهُوَ الْمَالِح . 9902 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَجْمَع التَّيْمِيّ , عَنْ عِكْرِمَة , فِي قَوْله : { مَتَاعًا لَكُمْ } قَالَ : الْمَلِيح . 9903 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ سَالِم الْأَفْطَس وَأَبِي حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : الْمَلِيح . 9904 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم : { وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ } قَالَ : الْمَلِيح وَمَا لَفَظَ . 9905 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ } قَالَ : يَأْتِي الرَّجُل أَهْل الْبَحْر فَيَقُول : " أَطْعِمُونِي " , فَإِنْ قَالَ : " غَرِيضًا " , أَلْقَوْا شَبَكَتْهُمْ فَصَادُوا لَهُ , وَإِنْ قَالَ : " أَطْعِمُونِي مِنْ طَعَامكُمْ " , أَطْعَمُوهُ مِنْ سَمَكهمْ الْمَالِح . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل : عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر وَطَعَامه } قَالَ : الْمَنْبُوذ , السَّمَك الْمَالِح . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { وَطَعَامه } قَالَ : الْمَالِح . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم : { وَطَعَامه } قَالَ : هُوَ مَالِحه . ثُمَّ قَالَ : مَا قَذَفَ . 9906 - حَدَّثَنَا اِبْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا جَامِع بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَطَعَامه } قَالَ : مَمْلُوح السَّمَك . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : أَخْبَرَنِي الثَّوْرِيّ , عَنْ مَنْصُور , قَالَ : كَانَ إِبْرَاهِيم يَقُول : طَعَامه : السَّمَك الْمَلِيح . ثُمَّ قَالَ بَعْد : مَا قَذَفَ بِهِ . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : { طَعَامه } الْمَلِيح . 9907 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ عَبْد الْكَرِيم , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : { طَعَامه } السَّمَك الْمَلِيح . 9908 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ } قَالَ : الصَّيِّر . قَالَ شُعْبَة : فَقُلْت لِأَبِي بِشْر : مَا الصَّيِّر ؟ قَالَ : الْمَالِح . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا هِشَام بْن الْوَلِيد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ جَعْفَر بْن أَبِي وَحْشِيَّة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَوْله : { وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ } قَالَ : الصَّيِّر . قَالَ : قُلْت : مَا الصَّيِّر ؟ قَالَ : الْمَالِح . 9909 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ } قَالَ : أَمَّا طَعَامه فَهُوَ الْمَالِح . 9910 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : { وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ } قَالَ : طَعَامه : مَا تَزَوَّدْت مَمْلُوحًا فِي سَفَرك . 9911 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَبْد الْحَمِيد وَسَعِيد بْن الرَّبِيع الرَّازِيّ , قَالَا : ثنا سُفْيَان عَنْ عَمْرو , قَالَ : قَالَ جَابِر بْن زَيْد : كُنَّا نَتَحَدَّث أَنَّ طَعَامه مَلِيحه , وَنَكْرَه الطَّافِي مِنْهُ . وَقَالَ آخَرُونَ : { طَعَامه } مَا فِيهِ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9912 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ عَمْرو , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : طَعَام الْبَحْر : مَا فِيهِ . 9913 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ حُرَيْث , عَنْ عِكْرِمَة : { وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ } قَالَ : مَا جَاءَ بِهِ الْبَحْر بِوَجْهٍ . 9914 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ حَسَن بْن صَالِح , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : طَعَامه : كُلّ مَا صِيدَ مِنْهُ . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ عِنْدنَا , قَوْل مَنْ قَالَ : طَعَامه : مَا قَذَفَهُ الْبَحْر أَوْ حَسِرَ عَنْهُ فَوُجِدَ مَيِّتًا عَلَى سَاحِله . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذَكَرَ قَبْله صَيْد الَّذِي يُصَاد , فَقَالَ : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر } فَاَلَّذِي يَجِب أَنْ يُعْطَف عَلَيْهِ فِي الْمَفْهُوم مَا لَمْ يُصَدْ مِنْهُ , فَقَالَ : أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد مَا صِدْتُمُوهُ مِنْ الْبَحْر وَمَا لَمْ تَصِيدُوهُ مِنْهُ . وَأَمَّا الْمَلِيح , فَإِنَّهُ مَا كَانَ مِنْهُ مِلْح بَعْد الِاصْطِيَاد , فَقَدْ دَخَلَ فِي جُمْلَة قَوْله : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر } فَلَا وَجْه لِتَكْرِيرِهِ , إِذْ لَا فَائِدَة فِيهِ . وَقَدْ أَعْلَمَ عِبَادَهُ تَعَالَى إِحْلَاله مَا صِيدَ مِنْ الْبَحْر بِقَوْلِهِ { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر } فَلَا فَائِدَة أَنْ يُقَال لَهُمْ بَعْد ذَلِكَ : وَمَلِيحه الَّذِي صِيدَ حَلَال لَكُمْ ; لِأَنَّ مَا صِيدَ مِنْهُ فَقَدْ بَيَّنَ تَحْلِيله طَرِيًّا كَانَ أَوْ مَلِيحًا بِقَوْلِهِ : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر } وَاَللَّه يَتَعَالَى عَنْ أَنْ يُخَاطِب عِبَاده بِمَا لَا يُفِيدهُمْ بِهِ فَائِدَة . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا خَبَر , وَإِنْ كَانَ بَعْض نَقَلَته يَقِف بِهِ عَلَى نَاقِله عَنْهُ مِنْ الصَّحَابَة , وَذَلِكَ مَا : 9915 - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا عَبْدَة بْن سُلَيْمَان , عَنْ مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو سَلَمَة , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ } قَالَ : " طَعَامه : مَا لَفَظَهُ مَيِّتًا فَهُوَ طَعَامه " . وَقَدْ وَقَفَ هَذَا الْحَدِيث بَعْضهمْ عَلَى أَبِي هُرَيْرَة . 9916 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَمْرو , عَنْ أَبِي سَلَمَة , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة فِي قَوْله : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر وَطَعَامه } قَالَ : طَعَامه : مَا لَفَظَهُ مَيِّتًا .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { مَتَاعًا لَكُمْ } مَنْفَعَة لِمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُقِيمًا أَوْ حَاضِرًا فِي بَلَده يَسْتَمْتِع بِأَكْلِهِ وَيَنْتَفِع بِهِ . { وَلِلسَّيَّارَةِ } يَقُول : وَمَنْفَعَة أَيْضًا وَمُتْعَة لِلسَّائِرِينَ مِنْ أَرْض إِلَى أَرْض , وَمُسَافِرِينَ يَتَزَوَّدُونَهُ فِي سَفَرِهِمْ مَلِيحًا . وَالسَّيَّارَة : جَمْع سَيَّار . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9917 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو إِسْحَاق , عَنْ عِكْرِمَة , أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْله : { مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ } قَالَ : لِمَنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْبَحْر , { وَلِلسَّيَّارَةِ } السَّفْر . 9918 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ } مَا قَذَفَ الْبَحْر , وَمَا يَتَزَوَّدُونَ فِي أَسْفَارهمْ مِنْ هَذَا الْمَالِح . يَتَأَوَّلهَا عَلَى هَذَا . * - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا جَامِع عَنْ حَمَّاد , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ } مَمْلُوح السَّمَك مَا يَتَزَوَّدُونَ فِي أَسْفَارهمْ . 9919 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بْن عَمْرو بْن خَالِد الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثنا مِسْكِين بْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا عَبْد السَّلَام بْن حَبِيب النَّجَّارِيّ , عَنْ الْحَسَن فِي قَوْله : { وَلِلسَّيَّارَةِ } قَالَ : هُمْ الْمُحْرِمُونَ . 9920 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ } أَمَّا طَعَامه : فَهُوَ الْمَالِح مِنْهُ , بَلَاغ يَأْكُل مِنْهُ السَّيَّارَة فِي الْأَسْفَار . 9921 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ } قَالَ : طَعَامه : مَالِحه وَمَا قَذَفَ الْبَحْر مِنْهُ يَتَزَوَّدُهُ الْمُسَافِر . وَقَالَ مَرَّة أُخْرَى : مَالِحه وَمَا قَذَفَ الْبَحْر , فَمَالِحه يَتَزَوَّدُهُ الْمُسَافِر . 9922 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ } يَعْنِي الْمَالِح فَيَتَزَوَّدُهُ . وَكَانَ مُجَاهِد يَقُول فِي ذَلِكَ بِمَا : 9923 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَر , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ } قَالَ : أَهْل الْقُرَى , { وَلِلسَّيَّارَةِ } أَهْل الْأَمْصَار . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { مَتَاعًا لَكُمْ } قَالَ لِأَهْلِ الْقُرَى , { وَلِلسَّيَّارَةِ } قَالَ : أَهْل الْأَمْصَار وَأَجْنَاس النَّاس كُلّهمْ . وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُجَاهِد مِنْ أَنَّ السَّيَّارَة هُمْ أَهْل الْأَمْصَار لَا وَجْه لَهُ مَفْهُوم , إِلَّا أَنْ يَكُون أَرَادَ بِقَوْلِهِ هُمْ أَهْل الْأَمْصَار : هُمْ الْمُسَافِرُونَ مِنْ أَهْل الْأَمْصَار , فَيَجِب أَنْ يَدْخُل فِي ذَلِكَ كُلّ سَيَّارَة مِنْ أَهْل الْأَمْصَار كَانُوا أَوْ مِنْ أَهْل الْقُرَى , فَأَمَّا السَّيَّارَة فَلَا يَشْمَل الْمُقِيمِينَ فِي أَمْصَارهمْ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ صَيْد الْبَرّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره : وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ صَيْد الْبَرّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا , يَقُول : مَا كُنْتُمْ مُحْرِمِينَ لَمْ تَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامكُمْ . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي الْمَعْنَى الَّذِي عَنَى اللَّه تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَحَرَّمَ عَلَيْكُمْ صَيْد الْبَرّ } فَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ : أَنَّهُ حَرَّمَ عَلَيْنَا كُلّ مَعَانِي صَيْد الْبَرّ مِنْ اِصْطِيَاد وَأَكْل وَقَتْل وَبَيْع وَشِرَاء وَإِمْسَاك وَتَمَلُّك . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9924 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ يَزِيد بْن أَبِي زِيَاد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث , عَنْ نَوْفَل , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : حَجَّ عُثْمَان بْن عَفَّان , فَحَجّ عَلِيّ مَعَهُ . قَالَ : فَأُتِيَ عُثْمَان بِلَحْمِ صَيْد صَادَهُ حَلَال , فَأَكَلَ مِنْهُ وَلَمْ يَأْكُل عَلِيّ , فَقَالَ عُثْمَان : وَاَللَّه مَا صِدْنَا وَلَا أَمَرْنَا وَلَا أَشَرْنَا ! فَقَالَ عَلِيّ : { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْد الْبَرّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } . 9925 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون بْن الْمُغِيرَة , عَنْ عَمْرو بْن أَبِي قَيْس , عَنْ سِمَاك , عَنْ صُبَيْح بْن عُبَيْد اللَّه الْعَبْسِيّ , قَالَ : بَعَثَ عُثْمَان بْن عَفَّان أَبَا سُفْيَان بْن الْحَارِث عَلَى الْعَرُوض , فَنَزَلَ قَدِيدًا , فَمَرَّ بِهِ رَجُل مِنْ أَهْل الشَّام مَعَهُ بَازٍ وَصَقْر , فَاسْتَعَارَهُ مِنْهُ , فَاصْطَادَ بِهِ مِنْ الْيَعَاقِيب , فَجَعَلَهُنَّ فِي حَظِيرَة . فَلَمَّا مَرَّ بِهِ عُثْمَان طَبَخَهُنَّ , ثُمَّ قَدَّمَهُنَّ إِلَيْهِ , فَقَالَ عُثْمَان : كُلُوا ! فَقَالَ بَعْضهمْ : حَتَّى يَجِيء عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب . فَلَمَّا جَاءَ فَرَأَى مَا بَيْن أَيْدِيهمْ , قَالَ عَلِيّ : إِنَّا لَنْ نَأْكُل مِنْهُ ! فَقَالَ عُثْمَان : مَالَك لَا تَأْكُل ؟ فَقَالَ : هُوَ صَيْد , وَلَا يَحِلّ أَكْله وَأَنَا مُحْرِم . فَقَالَ عُثْمَان : بَيِّنْ لَنَا ! فَقَالَ عَلِيّ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْد وَأَنْتُمْ حُرُم } فَقَالَ عُثْمَان : أَوَنَحْنُ قَتَلْنَاهُ ؟ فَقَرَأَ عَلَيْهِ : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْك صَيْد الْبَرّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } . 9926 - حَدَّثَنَا تَمِيم بْن الْمُنْتَصِر وَعَبْد الْحَمِيد بْن بَيَان الْقَنَّاد , قَالَا : أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاق الْأَزْرَق , عَنْ شَرِيك , عَنْ سِمَاك بْن حَرْب , عَنْ صُبَيْح بْن عُبَيْد اللَّه الْعَبْسِيّ , قَالَ : اِسْتَعْمَلَ عُثْمَان بْن عَفَّان أَبَا سُفْيَان بْن الْحَارِث عَلَى الْعَرُوض . ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه , وَزَادَ فِيهِ : . قَالَ : فَمَكَثَ عُثْمَان مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَمْكُث , ثُمَّ أَتَى فَقِيلَ لَهُ بِمَكَّة : هَلْ لَك فِي اِبْن أَبِي طَالِب أُهْدِيَ لَهُ صَفِيف حِمَار فَهُوَ يَأْكُل مِنْهُ ! فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُثْمَان وَسَأَلَهُ عَنْ أَكْل الصَّفِيف , فَقَالَ : أَمَّا أَنْتَ فَتَأْكُل , وَأَمَّا نَحْنُ فَتَنْهَانَا ؟ فَقَالَ : إِنَّهُ صِيدَ عَام أَوَّل , وَأَنَا حَلَال , فَلَيْسَ عَلَيَّ بِأَكْلِهِ بَأْسٌ , وَصَيْد ذَلِكَ - يَعْنِي الْيَعَاقِيب - وَأَنَا مُحْرِم , وَذُبِحْنَ وَأَنَا حَرَام . 9927 - حَدَّثَنَا عِمْرَان بْن مُوسَى الْقَزَّاز , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَارِث بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا يُونُس , عَنْ الْحَسَن : أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب لَمْ يَكُنْ يَرَى بَأْسًا بِلَحْمِ الصَّيْد لِلْمُحْرِمِ , وَكَرِهَهُ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . 9928 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن بَزِيع , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : أَنَّ عَلِيًّا كَرِهَ لَحْم الصَّيْد لِلْمُحْرِمِ عَلَى كُلّ حَال . 9929 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ يَزِيد بْن أَبِي زِيَاد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث : أَنَّهُ شَهِدَ عُثْمَان وَعَلِيًّا أُتِيَا بِلَحْمٍ , فَأَكَلَ عُثْمَان وَلَمْ يَأْكُل عَلِيّ , فَقَالَ عُثْمَان : أَنَحْنُ صِدْنَا أَوْ صِيدَ لَنَا ؟ فَقَرَأَ عَلَيَّ هَذِهِ الْآيَة : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْد الْبَرّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } . 9930 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا عُمَر بْن أَبِي سَلَمَة , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : حَجَّ عُثْمَان بْن عَفَّان , فَحَجّ مَعَهُ عَلِيّ , فَأُتِيَ بِلَحْمِ صَيْد صَادَهُ حَلَال , فَأَكَلَ مِنْهُ وَهُوَ مُحْرِم , وَلَمْ يَأْكُل مِنْهُ عَلِيّ , فَقَالَ عُثْمَان : إِنَّهُ صِيدَ قَبْل أَنْ نُحْرِم . فَقَالَ لَهُ عَلِيّ : وَنَحْنُ قَدْ بَدَا لَنَا وَأَهَالِينَا لَنَا حَلَال , أَفَيَحْلِلْنَ لَنَا الْيَوْم . 9931 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون , عَنْ عَمْرو , عَنْ عَبْد الْكَرِيم , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث بْن نَوْفَل : أَنَّ عَلِيًّا أُتِيَ بِشِقِّ عَجُز حِمَار وَهُوَ مُحْرِم , فَقَالَ : إِنِّي مُحْرِم . 9932 - حَدَّثَنَا اِبْن بَزِيع , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ يَعْلَى بْن حَكِيم , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّهُ كَانَ يَكْرَههُ عَلَى كُلّ حَال مَا كَانَ مُحْرِمًا . 9933 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنَا نَافِع أَنَّ اِبْن عُمَر كَانَ يَكْرَه كُلّ شَيْء مِنْ الصَّيْد وَهُوَ حَرَام , أُخِذَ لَهُ أَوْ لَمْ يُؤْخَذ لَهُ , وَشِيقَة وَغَيْرهَا . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد الْقَطَّان , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : أَخْبَرَنِي نَافِع : أَنَّ اِبْن عُمَر كَانَ لَا يَأْكُل الصَّيْد وَهُوَ مُحْرِم وَإِنْ صَادَهُ الْحَلَال . 9934 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي الْحَسَن بْن مُسْلِم بْن يَنَّاق : أَنَّ طَاوُسًا كَانَ يَنْهَى الْحَرَام عَنْ أَكْلِ الصَّيْد وَشِيقَة وَغَيْرهَا صِيدَ لَهُ أَوْ لَمْ يُصَدْ لَهُ . 9935 - حَدَّثَنَا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا خَالِد بْن الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْأَشْعَث , قَالَ : قَالَ الْحَسَن : إِذَا صَادَ الصَّيْد ثُمَّ أَحْرَمَ لَمْ يَأْكُل مِنْ لَحْمه حَتَّى يَحِلّ . فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ وَهُوَ مُحْرِم لَمْ يَرَ الْحَسَن عَلَيْهِ شَيْئًا . 9936 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام وَهَارُون عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ سَالِم , قَالَ : سَأَلْت سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ الصَّيْد يَصِيدهُ الْحَلَال , أَيَأْكُلُ مِنْهُ الْمُحْرِم ؟ فَقَالَ : سَأَذْكُرُ لَك مِنْ ذَلِكَ , إِنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْد وَأَنْتُمْ حُرُم } فَنَهَى عَنْ قَتْله , ثُمَّ قَالَ : { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِثْل مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَم } ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْد الْبَحْر وَطَعَامه مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ } قَالَ : يَأْتِي الرَّجُل أَهْل الْبَحْر فَيَقُول : أَطْعِمُونِي ! فَإِنْ قَالَ : " غَرِيضًا " , أَلْقَوْا شَبَكَتهمْ فَصَادُوا لَهُ , وَإِنْ قَالَ : أَطْعِمُونِي مِنْ طَعَامكُمْ ! أَطْعَمُوهُ مِنْ سَمَكهمْ الْمَالِح . ثُمَّ قَالَ : { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْد الْبَرّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } وَهُوَ عَلَيْك حَرَام , صِدْته أَوْ صَادَهُ حَلَال . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا عَنَى اللَّه تَعَالَى بِقَوْلِهِ : { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْد الْبَرّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } مَا اِسْتَحْدَثَ الْمُحْرِم صَيْده فِي حَال إِحْرَامه أَوْ ذَبْحه , أَوْ اِسْتَحْدَثَ لَهُ ذَلِكَ فِي تِلْكَ الْحَال . فَأَمَّا مَا ذَبَحَهُ حَلَال وَلِلْحَلَالِ فَلَا بَأْس بِأَكْلِهِ لِلْمُحْرِمِ , وَكَذَلِكَ مَا كَانَ فِي مِلْكه قَبْل حَال إِحْرَامه فَغَيْر مُحَرَّم عَلَيْهِ إِمْسَاكه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9937 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن بَزِيع , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا سَعِيد , قَالَ : ثنا قَتَادَة , أَنَّ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب حَدَّثَهُ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ صَيْد صَادَهُ حَلَال أَيَأْكُلُهُ الْمُحْرِم ؟ قَالَ : فَأَفْتَاهُ هُوَ بِأَكْلِهِ , ثُمَّ لَقِيَ عُمَر بْن الْخَطَّاب فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْره , فَقَالَ : لَوْ أَفْتَيْتهمْ بِغَيْرِ هَذَا لَأَوْجَعْت لَك رَأْسك ! 9938 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَبْدَة الضَّبِّيّ , قَالَ : ثنا أَبُو عَوَانَة , عَنْ عُمَر بْن أَبِي سَلَمَة , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : نَزَلَ عُثْمَان بْن عَفَّان الْعَرْج وَهُوَ مُحْرِم , فَأَهْدَى صَاحِب الْعَرْج لَهُ قَطًا , قَالَ : فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ : كُلُوا فَإِنَّهُ إِنَّمَا اُصْطِيدَ عَلَى اِسْمِي ! قَالَ : فَأَكَلُوا وَلَمْ يَأْكُل . 9939 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار وَابْن الْمُثَنَّى , قَالَا : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : أَنَّ أَبَا هُرَيْرَة كَانَ بِالرَّبْذَةِ , فَسَأَلُوهُ عَنْ لَحْم صَيْد صَادَهُ حَلَال . ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو حَدِيث اِبْن بَزِيع عَنْ بِشْر . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , عَنْ عُمَر , نَحْوه . 9940 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ شُعْبَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي الشَّعْثَاء , قَالَ : سَأَلْت اِبْن عُمَر عَنْ لَحْم صَيْد يُهْدِيه الْحَلَال إِلَى الْحَرَام , فَقَالَ : أَكَلَهُ عُمَر , وَكَانَ لَا يَرَى بِهِ بَأْسًا . قَالَ : قُلْت : تَأْكُلهُ ؟ قَالَ : عُمَر خَيْر مِنِّي . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ شُعْبَة , قَالَ : ثنا أَبُو إِسْحَاق . عَنْ أَبِي الشَّعْثَاء , قَالَ : سَأَلْت اِبْن عُمَر عَنْ صَيْد صَادَهُ حَلَال يَأْكُل مِنْهُ حَرَام ؟ قَالَ : كَانَ عُمَر يَأْكُلهُ . قَالَ : قُلْت : فَأَنْتَ ؟ قَالَ : كَانَ عُمَر خَيْرًا مِنِّي . 9941 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ هِشَام , عَنْ يَحْيَى , عَنْ أَبِي سَلَمَة , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : اِسْتَفْتَانِي رَجُل مِنْ أَهْل الشَّام فِي لَحْم صَيْد أَصَابَهُ وَهُوَ مُحْرِم , فَأَمَرْته أَنْ يَأْكُلهُ . فَأَتَيْت عُمَر بْن الْخَطَّاب فَقُلْت لَهُ : إِنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْل الشَّام اِسْتَفْتَانِي فِي لَحْم صَيْد أَصَابَهُ وَهُوَ مُحْرِم . قَالَ : فَمَا أَفْتَيْته ؟ قَالَ : قُلْت : أَفْتَيْته أَنْ يَأْكُلهُ . قَالَ : فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَفْتَيْته بِغَيْرِ ذَلِكَ لَعَلَوْتُك بِالدِّرَّةِ ! وَقَالَ عُمَر : إِنَّمَا نُهِيت أَنْ تَصْطَادهُ . 9942 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مُصْعَب بْن الْمِقْدَام , قَالَ : ثنا خَارِجَة عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ , عَنْ عَطَاء , عَنْ كَعْب , قَالَ : أَقْبَلْت فِي أُنَاس مُحْرِمِينَ , فَأَصَبْنَا لَحْم حِمَار وَحْش , فَسَأَلَنِي النَّاس عَنْ أَكْله , فَأَفْتَيْتهمْ بِأَكْلِهِ وَهُمْ مُحْرِمُونَ . فَقَدِمْنَا عَلَى عُمَر , فَأَخْبَرُوهُ أَنِّي أَفْتَيْتهمْ بِأَكْلِ حِمَار الْوَحْش وَهُمْ مُحْرِمُونَ , فَقَالَ عُمَر : قَدْ أَمَّرْته عَلَيْكُمْ حَتَّى تَرْجِعُوا . 9943 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : مَرَرْت بِالرَّبْذَةِ , فَسَأَلَنِي أَهْلهَا عَنْ الْمُحْرِم يَأْكُل مَا صَادَهُ الْحَلَال , فَأَفْتَيْتهمْ أَنْ يَأْكُلُوهُ . فَلَقِيت عُمَر بْن الْخَطَّاب , فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ , قَالَ : فَبِمَ أَفْتَيْتهمْ ؟ قَالَ : أَفْتَيْتهمْ أَنْ يَأْكُلُوا . قَالَ : لَوْ أَفْتَيْتهمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ لَخَالَفْتُك . 9944 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , عَنْ يُونُس , عَنْ أَبِي الشَّعْثَاء الْكِنْدِيّ , قَالَ : قُلْت لِابْنِ عُمَر : كَيْفَ تَرَى فِي قَوْم حَرَام لَقُوا قَوْمًا حَلَالًا وَمَعَهُمْ لَحْم صَيْد , فَإِمَّا بَاعُوهُمْ وَإِمَّا أَطْعَمُوهُمْ ؟ فَقَالَ : حَلَال . 9945 - حَدَّثَنَا سَعِيد بْن يَحْيَى الْأُمَوِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا هِشَام , يَعْنِي اِبْن عُرْوَة , قَالَ : ثنا عُرْوَة , عَنْ يَحْيَى بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن حَاطِب , أَنَّ عَبْد الرَّحْمَن حَدَّثَهُ : أَنَّهُ اِعْتَمَرَ مَعَ عُثْمَان بْن عَفَّان فِي رَكْب فِيهِمْ عَمْرو بْن الْعَاص حَتَّى نَزَلُوا بِالرَّوْحَاءِ , فَقُرِّبَ إِلَيْهِمْ طَيْر وَهُمْ مُحْرِمُونَ , فَقَالَ لَهُمْ عُثْمَان : كُلُوا فَإِنِّي غَيْر آكِله ! فَقَالَ عَمْرو بْن الْعَاص : أَتَأْمُرُنَا بِمَا لَسْت آكِلًا ؟ فَقَالَ عُثْمَان : إِنِّي لَوْلَا أَظُنّ أَنَّهُ صِيدَ مِنْ أَجْلِي لَأَكَلْت . فَأَكَلَ الْقَوْم . 9946 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ الزُّبَيْر كَانَ يَتَزَوَّد لُحُوم الْوَحْش وَهُوَ مُحْرِم . 9947 - حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد بْن بَيَان , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْحَاق , عَنْ شَرِيك , عَنْ سِمَاك بْن حَرْب , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : مَا صِيدَ أَوْ ذُبِحَ وَأَنْتَ حَلَال فَهُوَ لَك حَلَال , وَمَا صِيدَ أَوْ ذُبِحَ وَأَنْتَ حَرَام فَهُوَ عَلَيْك حَرَام . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون , عَنْ عَمْرو , عَنْ سِمَاك , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : مَا صِيدَ مِنْ شَيْء وَأَنْتَ حَرَام فَهُوَ عَلَيْك حَرَام , وَمَا صِيدَ مِنْ شَيْء وَأَنْتَ حَلَال فَهُوَ لَك حَلَال . 9948 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْد الْبَرّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } فَجَعَلَ الصَّيْد حَرَامًا عَلَى الْمُحْرِم صَيْده وَأَكْله مَا دَامَ حَرَامًا , وَإِنْ كَانَ الصَّيْد صِيدَ قَبْل أَنْ يُحْرِم الرَّجُل فَهُوَ حَلَال , وَإِنْ صَادَهُ حَرَام لِحَلَالٍ فَلَا يَحِلّ لَهُ أَكْله . 9949 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : سَأَلْت أَبَا بِشْر عَنْ الْمُحْرِم يَأْكُل مِمَّا صَادَهُ الْحَلَال , قَالَ : كَانَ سَعِيد بْن جُبَيْر وَمُجَاهِد يَقُولَانِ : مَا صِيدَ قَبْل أَنْ يُحْرِم أَكَلَ مِنْهُ , وَمَا صِيدَ بَعْد مَا أَحْرَمَ لَمْ يَأْكُل مِنْهُ . 9950 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : كَانَ عَطَاء يَقُول إِذَا سُئِلَ فِي الْعَلَانِيَة أَيَأْكُلُ الْحَرَام الْوَشِيقَة وَالشَّيْء الْيَابِس ؟ يَقُول بَيْنِي وَبَيْنه : لَا أَسْتَطِيع أَنْ أُبَيِّن لَك فِي مَجْلِس , إِنْ ذُبِحَ قَبْل أَنْ يُحْرِم فَكُلْ , وَإِلَّا فَلَا تَبِعْ لَحْمه وَلَا تَبْتَعْ . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا عَنَى اللَّه تَعَالَى بِقَوْلِهِ : { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْد الْبَرّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ اِصْطِيَاده . قَالُوا : فَأَمَّا شِرَاؤُهُ مِنْ مَالِك يَمْلِكهُ وَذَبْحه وَأَكْله بَعْد أَنْ يَكُون مِلْكه إِيَّاهُ عَلَى غَيْر وَجْه الِاصْطِيَاد لَهُ وَبَيْعه وَشِرَاؤُهُ جَائِز . قَالُوا : وَالنَّهْي مِنْ اللَّه تَعَالَى عَنْ صَيْده فِي حَال الْإِحْرَام دُون سَائِر الْمَعَانِي ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9951 - حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن شَبُّويَة , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي مَرْيَم , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن أَيُّوب , قَالَ : أَخْبَرَنِي يَحْيَى , أَنَّ أَبَا سَلَمَة اِشْتَرَى قَطًا وَهُوَ بِالْعَرْجِ وَهُوَ مُحْرِم وَمَعَهُ مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر , فَأَكَلَهُ . فَعَابَ عَلَيْهِ ذَلِكَ النَّاس . وَالصَّوَاب فِي ذَلِكَ مِنْ الْقَوْل عِنْدنَا أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى عَمَّ تَحْرِيم كُلّ مَعَانِي صَيْد الْبَرّ عَلَى الْمُحْرِم فِي حَال إِحْرَامه مِنْ غَيْر أَنْ يَخُصّ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا دُون شَيْء , فَكُلّ مَعَانِي الصَّيْد حَرَام عَلَى الْمُحْرِم مَا دَامَ حَرَامًا بَيْعه وَشِرَاؤُهُ وَاصْطِيَاده وَقَتْله وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ مَعَانِيه , إِلَّا أَنْ يَجِدهُ مَذْبُوحًا قَدْ ذَبَحَهُ حَلَال لِحَلَالٍ , فَيَحِلّ لَهُ حِينَئِذٍ أَكْله , لِلثَّابِتِ مِنْ الْخَبَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , الَّذِي : 9952 - حَدَّثَنَاهُ يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , عَنْ اِبْن جُرَيْج . وَحَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن أَبِي زِيَاد , قَالَ : ثنا مَكِّيّ بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا عَبْد الْمَلِك بْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر , عَنْ مُعَاذ بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عُثْمَان , عَنْ أَبِيهِ عَبْد الرَّحْمَن بْن عُثْمَان , قَالَ : كُنَّا مَعَ طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّه وَنَحْنُ حُرُم , فَأُهْدِيَ لَنَا طَائِر , فَمِنَّا مَنْ أَكَلَ وَمِنَّا مَنْ تَوَرَّعَ فَلَمْ يَأْكُل . فَلَمَّا اِسْتَيْقَظَ طَلْحَة وَفَّقَ مَنْ أَكَلَ , وَقَالَ : أَكَلْنَاهُ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَمَا أَنْتَ قَائِل فِيمَا رُوِيَ عَنْ الصَّعْب بْن جَثَّامَة : أَنَّهُ أَهْدَى إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِجْل حِمَار وَحْش يَقْطُر دَمًا , فَرَدَّهُ فَقَالَ : " إِنَّا حُرُم " . وَفِيمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَة : " أَنَّ وَشِيقَة ظَبْي أُهْدِيَتْ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِم , فَرَدَّهَا " , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْأَخْبَار ؟ قِيلَ : إِنَّهُ لَيْسَ فِي وَاحِد مِنْ هَذِهِ الْأَخْبَار الَّتِي جَاءَتْ بِهَذَا الْمَعْنَى بَيَان أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ مِنْ ذَلِكَ مَا رَدَّ وَقَدْ ذَبَحَهُ الذَّابِح إِذْ ذَبَحَهُ , وَهُوَ حَلَال لِحَلَالٍ , ثُمَّ أَهْدَاهُ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ حَرَام فَرَدَّهُ وَقَالَ : إِنَّهُ لَا يَحِلّ لَنَا لِأَنَّا حُرُم ; وَإِنَّمَا ذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَحْم صَيْد فَرَدَّهُ , وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون رَدَّهُ ذَلِكَ مِنْ أَجْل أَنَّ ذَابِحه ذَبَحَهُ أَوْ صَائِده صَادَهُ مِنْ أَجْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِم , وَقَدْ بَيَّنَ خَبَر جَابِر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ : " لَحْم صَيْد الْبَرّ لِلْمُحْرِمِ حَلَال , إِلَّا مَا صَادَ أَوْ صِيدَ لَهُ " . مَعْنَى ذَلِكَ كُلّه . فَإِنْ كَانَ كِلَا الْخَبَرَيْنِ صَحِيحًا مَخْرَجهمَا , فَوَاجِب التَّصْدِيق بِهِمَا وَتَوْجِيه كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى الصَّحِيح مِنْ وَجْه , وَأَنْ يُقَال رَدَّهُ مَا رَدَّ مِنْ ذَلِكَ مِنْ أَجْل أَنَّهُ كَانَ صِيدَ مِنْ أَجْله , وَإِذْنه فِي كُلّ مَا أَذِنَ فِي أَكْله مِنْهُ مِنْ أَجْل أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ صِيدَ لِمُحْرِمٍ وَلَا صَادَهُ مُحْرِم , فَيَصِحّ مَعْنَى الْخَبَرَيْنِ كِلَيْهِمَا . وَاخْتَلَفُوا فِي صِفَة الصَّيْد الَّذِي عَنَى اللَّه تَعَالَى بِالتَّحْرِيمِ فِي قَوْله : { وَحُرِّمَ عَلَيْك صَيْد الْبَرّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } فَقَالَ بَعْضهمْ : صَيْد الْبَرّ : كُلّ مَا كَانَ يَعِيش فِي الْبَرّ وَالْبَحْر ; وَإِنَّمَا صَيْد الْبَحْر مَا كَانَ يَعِيش فِي الْمَاء دُون الْبَرّ وَيَأْوِي إِلَيْهِ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9953 - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ عِمْرَان بْن حُدَيْر , عَنْ أَبِي مِجْلَز : { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْد الْبَرّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } قَالَ : مَا كَانَ يَعِيش فِي الْبَرّ وَالْبَحْر لَا يَصِيدهُ , وَمَا كَانَ حَيَاته فِي الْمَاء فَذَاكَ 34 . 9954 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْحَجَّاج , عَنْ عَطَاء , قَالَ : مَا كَانَ يَعِيش فِي الْبَرّ فَأَصَابَهُ الْمُحْرِم فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ , نَحْو السُّلَحْفَاة وَالسَّرَطَان وَالضَّفَادِع . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا هَارُون بْن الْمُغِيرَة , عَنْ عَمْرو بْن أَبِي قَيْس , عَنْ الْحَجَّاج , عَنْ عَطَاء , قَالَ : كُلّ شَيْء عَاشَ فِي الْبَرّ وَالْبَحْر , فَأَصَابَهُ الْمُحْرِم فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَة . 9955 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَأَبُو السَّائِب , قَالَا : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن أَبِي زِيَاد , عَنْ عَبْد الْمَلِك , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : خَرَجْنَا حُجَّاجًا مَعَنَا رَجُل مِنْ أَهْل السَّوَاد مَعَهُ شُصُوص طَيْر مَاء , فَقَالَ لَهُ أَبِي حِين أَحْرَمْنَا : اِعْزِلْ هَذَا عَنَّا ! 9956 - وَحَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْب مَرَّة أُخْرَى , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت يَزِيد بْن أَبِي زِيَاد , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ عَطَاء : أَنَّهُ كَرِهَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَذْبَح الدَّجَاج الزِّنْجِيّ ; لِأَنَّ لَهُ أَصْلًا فِي الْبَرّ . وَقَالَ بَعْضهمْ : صَيْد الْبَرّ مَا كَانَ كَوْنه فِي الْبَرّ أَكْثَر مِنْ كَوْنه فِي الْبَحْر ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9957 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ اِبْن جُرَيْج : أَخْبَرَنَاهُ , قَالَ : سَأَلْت عَطَاء عَنْ اِبْن الْمَاء , أَصَيْد بَرّ , أَمْ بَحْر ؟ وَعَنْ أَشْبَاهه , فَقَالَ : حَيْثُ يَكُون أَكْثَر فَهُوَ صَيْده . 9958 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني وَكِيع , عَنْ سُفْيَان , عَنْ رَجُل , عَنْ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح , قَالَ : أَكْثَر مَا يَكُون حَيْثُ يُفَرِّخ , فَهُوَ مِنْهُ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاتَّقُوا اللَّه الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } وَهَذَا تَقَدُّم مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره إِلَى خَلْقه بِالْحَذَرِ مِنْ عِقَابه عَلَى مَعَاصِيه , يَقُول تَعَالَى : وَاخْشَوْا اللَّه أَيّهَا النَّاس , وَاحْذَرُوهُ بِطَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ مِنْ فَرَائِضه وَفِيمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْآيَات الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ النَّهْي عَنْ الْخَمْر وَالْمَيْسِر وَالْأَنْصَاب وَالْأَزْلَام , وَعَنْ إِصَابَة صَيْد الْبَرّ وَقَتْله فِي حَال إِحْرَامكُمْ , وَفِي غَيْرهَا , فَإِنَّ لِلَّهِ مَصِيركُمْ وَمَرْجِعكُمْ فَيُعَاقِبكُمْ بِمَعْصِيَتِكُمْ إِيَّاهُ , وَمُجَازِيكُمْ فَمُثِيبكُمْ عَلَى طَاعَتكُمْ لَهُ .
جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌسورة المائدة الآية رقم 97
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { جَعَلَ اللَّه الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام قِيَامًا لِلنَّاسِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : صَيَّرَ اللَّه الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام قِوَامًا لِلنَّاسِ الَّذِينَ لَا قِوَام لَهُمْ , مِنْ رَئِيس يَحْجِز قَوِيّهمْ عَنْ ضَعِيفهمْ وَمُسِيئهُمْ عَنْ مُحْسِنهمْ وَظَالِمهمْ عَنْ مَظْلُومهمْ { وَالشَّهْر الْحَرَام وَالْهَدْي وَالْقَلَائِد } فَحَجَزَ بِكُلِّ وَاحِد مِنْ ذَلِكَ بَعْضهمْ عَنْ بَعْض , إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ قِيَام غَيْره , وَجَعَلَهَا مَعَالِم لِدِينِهِمْ وَمَصَالِح أُمُورهمْ . وَالْكَعْبَة سُمِّيَتْ فِيمَا قِيلَ كَعْبَة لِتَرْبِيعِهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9959 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد قَالَ : إِنَّمَا سُمِّيَتْ الْكَعْبَة لِأَنَّهَا مُرَبَّعَة . 9960 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا هَاشِم بْن الْقَاسِم , عَنْ أَبِي سَعِيد الْمُؤَدِّب , عَنْ النَّضْر بْن عَرَبِيّ , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : إِنَّمَا سُمِّيَتْ الْكَعْبَة لِتَرْبِيعِهَا . وَقِيلَ { قِيَامًا لِلنَّاسِ } بِالْيَاءِ , وَهُوَ مِنْ ذَوَات الْوَاو , لِكَسْرَةِ الْقَاف وَهِيَ فَاء الْفِعْل , فَجُعِلَتْ الْعَيْن مِنْهُ بِالْكَسْرَةِ يَاء , كَمَا قِيلَ فِي مَصْدَر : " قُمْت " قِيَامًا , وَ " صُمْت " صِيَامًا , فَحُوِّلَتْ الْعَيْن مِنْ الْفِعْل وَهِيَ وَاو يَاء لِكَسْرَةِ فَائِهِ , وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْأَصْل : قُمْت قِوَامًا , وَصُمْت صِوَامًا . وَكَذَلِكَ قَوْله : { جَعَلَ اللَّه الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام قِيَامًا لِلنَّاسِ } فَحُوِّلَتْ وَاوهَا يَاء , إِذْ هِيَ " قِوَام " . وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مِنْ كَلَامهمْ مَقُولًا عَلَى أَصْله الَّذِي هُوَ أَصْله , قَالَ الرَّاجِز : قِوَام دُنْيَا وَقِوَام دِين فَجَاءَ بِهِ بِالْوَاوِ عَلَى أَصْله . وَجَعَلَ تَعَالَى ذِكْره الْكَعْبَة وَالشَّهْر الْحَرَام وَالْهَدْي وَالْقَلَائِد قِوَامًا لِمَنْ كَانَ يَحْتَرِم ذَلِكَ مِنْ الْعَرَب وَيُعَظِّمهُ , بِمَنْزِلَةِ الرَّئِيس الَّذِي يَقُوم بِهِ أَمْر أَتْبَاعه . وَأَمَّا الْكَعْبَة فَالْحَرَم كُلّه , وَسَمَّاهَا اللَّه تَعَالَى حَرَامًا لِتَحْرِيمِهِ إِيَّاهَا أَنْ يُصَاد صَيْدهَا أَوْ يُخْتَلَى خَلَاهَا أَوْ يُعْضَد شَجَرهَا . وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى قَبْل .

وَقَوْله : { وَالشَّهْر الْحَرَام وَالْهَدْي وَالْقَلَائِد } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَجَعَلَ الشَّهْر الْحَرَام وَالْهَدْي وَالْقَلَائِد أَيْضًا قِيَامًا لِلنَّاسِ , كَمَا جَعَلَ الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام لَهُمْ قِيَامًا . وَالنَّاس الَّذِينَ جَعَلَ ذَلِكَ لَهُمْ قِيَامًا مُخْتَلَف فِيهِمْ , فَقَالَ بَعْضهمْ : جَعَلَ اللَّه ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّة قِيَامًا لِلنَّاسِ كُلّهمْ . وَقَالَ بَعْضهمْ : بَلْ عَنَى بِهِ الْعَرَب خَاصَّة . وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيل الْقِوَام قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ : عَنَى اللَّه تَعَالَى بِقَوْلِهِ : { جَعَلَ اللَّه الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام قِيَامًا لِلنَّاسِ } الْقِوَام عَلَى نَحْو مَا قُلْنَا : 9961 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَنْ سَمِعَ خُصَيْفًا يُحَدِّث عَنْ مُجَاهِد فِي : { جَعَلَ اللَّه الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام قِيَامًا لِلنَّاسِ } قَالَ : قِوَامًا لِلنَّاسِ . 9962 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ خُصَيْف , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { قِيَامًا لِلنَّاسِ } قَالَ : صَلَاحًا لِدِينِهِمْ . 9963 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا دَاوُد , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد فِي : { جَعَلَ اللَّه الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام قِيَامًا لِلنَّاسِ } قَالَ : حِين لَا يَرْجُونَ جَنَّة وَلَا يَخَافُونَ نَارًا , فَشَدَّدَ اللَّه ذَلِكَ بِالْإِسْلَامِ . * - حَدَّثَنِي هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي الْهَيْثَم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَوْله : { جَعَلَ اللَّه الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام قِيَامًا لِلنَّاسِ } قَالَ : شِدَّة لِدِينِهِمْ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي الْهَيْثَم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , مِثْله . 9964 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { جَعَلَ اللَّه الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام قِيَامًا لِلنَّاسِ } قَالَ : قِيَامهَا أَنْ يَأْمَن مَنْ تَوَجَّهَ إِلَيْهَا . 9965 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { جَعَلَ اللَّه الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْر الْحَرَام وَالْهَدْي وَالْقَلَائِد } يَعْنِي قِيَامًا لِدِينِهِمْ , وَمَعَالِم لِحَجِّهِمْ . 9966 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { جَعَلَ اللَّه الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْر الْحَرَام وَالْهَدْي وَالْقَلَائِد } جَعَلَ اللَّه هَذِهِ الْأَرْبَعَة قِيَامًا لِلنَّاسِ , هُوَ قِوَام أَمْرهمْ . وَهَذِهِ الْأَقْوَال وَإِنْ اِخْتَلَفَتْ مِنْ قَائِلهَا أَلْفَاظهَا , فَإِنَّ مَعَانِيهَا آيِلَة إِلَى مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنْ أَنَّ الْقِوَام لِلشَّيْءِ هُوَ الَّذِي بِهِ صَلَاحه , كَالْمَلِكِ الْأَعْظَم قِوَام رَعِيَّته وَمَنْ فِي سُلْطَانه ; لِأَنَّهُ مُدَبِّر أَمْرهمْ وَحَاجِز ظَالِمهمْ عَنْ مَظْلُومهمْ وَالدَّافِع عَنْهُمْ مَكْرُوه مَنْ بَغَاهُمْ وَعَادَاهُمْ . وَكَذَلِكَ كَانَتْ الْكَعْبَة وَالشَّهْر الْحَرَام وَالْهَدْي وَالْقَلَائِد قِوَام أَمْر الْعَرَب الَّذِي كَانَ بِهِ صَلَاحهمْ فِي الْجَاهِلِيَّة , وَهِيَ فِي الْإِسْلَام لِأَهْلِهِ مَعَالِم حَجّهمْ وَمَنَاسِكهمْ وَمُتَوَجِّههمْ لِصَلَاتِهِمْ وَقِبْلَتهمْ الَّتِي بِاسْتِقْبَالِهَا يَتِمّ فَرْضهمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَتْ جَمَاعَة أَهْل التَّأْوِيل ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9967 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا جَامِع بْن حَمَّاد , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { جَعَلَ اللَّه الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْر الْحَرَام وَالْهَدْي وَالْقَلَائِد } حَوَاجِز أَبْقَاهَا اللَّه بَيْن النَّاس فِي الْجَاهِلِيَّة ; فَكَانَ الرَّجُل لَوْ جَرّ كُلّ جَرِيرَة ثُمَّ لَجَأَ إِلَى الْحَرَم لَمْ يُتَنَاوَل وَلَمْ يُقْرَب . وَكَانَ الرَّجُل لَوْ لَقِيَ قَاتِل أَبِيهِ فِي الشَّهْر الْحَرَام لَمْ يَعْرِض لَهُ وَلَمْ يَقْرَبهُ . وَكَانَ الرَّجُل إِذَا أَرَادَ الْبَيْت تَقَلَّدَ قِلَادَة مِنْ شَعْر فَأَحْمَتْهُ وَمَنَعَتْهُ مِنْ النَّاس , وَكَانَ إِذَا نَفَرَ تَقَلَّدَ قِلَادَة مِنْ الْإِذْخِر أَوْ مِنْ لِحَاء السَّمُر , فَمَنَعَتْهُ مِنْ النَّاس حَتَّى يَأْتِي أَهْله ; حَوَاجِز أَبْقَاهَا اللَّه بَيْن النَّاس فِي الْجَاهِلِيَّة . 9968 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { جَعَلَ اللَّه الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْر الْحَرَام وَالْهَدْي وَالْقَلَائِد } قَالَ . كَانَ النَّاس كُلّهمْ فِيهِمْ مُلُوك تَدْفَع بَعْضهمْ عَنْ بَعْض . قَالَ : وَلَمْ يَكُنْ فِي الْعَرَب مُلُوك تَدْفَع بَعْضهمْ عَنْ بَعْض , فَجَعَلَ اللَّه تَعَالَى لَهُمْ الْبَيْت الْحَرَام قِيَامًا يَدْفَع بَعْضهمْ عَنْ بَعْض بِهِ , وَالشَّهْر الْحَرَام كَذَلِكَ يَدْفَع اللَّه بَعْضهمْ عَنْ بَعْض بِالْأَشْهُرِ الْحُرُم وَالْقَلَائِد . قَالَ : وَيَلْقَى الرَّجُل قَاتِل أَخِيهِ أَوْ اِبْن عَمّه فَلَا يَعْرِض لَهُ . وَهَذَا كُلّه قَدْ نُسِخَ . 9969 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَالْقَلَائِد } كَانَ نَاس يَتَقَلَّدُونَ لِحَاء الشَّجَر فِي الْجَاهِلِيَّة إِذَا أَرَادُوا الْحَجّ , فَيَعْرِفُونَ بِذَلِكَ . وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى الْبَيَان عَنْ ذِكْر الشَّهْر الْحَرَام وَالْهَدْي وَالْقَلَائِد فِيمَا مَضَى . بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّه يَعْلَم مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض وَأَنَّ اللَّه بِكُلِّ شَيْء عَلِيم } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { ذَلِكَ } تَصْيِيره الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْر الْحَرَام وَالْهَدْي وَالْقَلَائِد . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : صَيَّرْت لَكُمْ أَيّهَا النَّاس ذَلِكَ قِيَامًا كَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ مَنْ أَحْدَثَ لَكُمْ لِمَصَالِح دُنْيَاكُمْ مَا أَحْدَثَ مِمَّا بِهِ قِوَامكُمْ , عِلْمًا مِنْهُ بِمَنَافِعِكُمْ وَمَضَارّكُمْ أَنَّهُ كَذَلِكَ يَعْلَم جَمِيع مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض مِمَّا فِيهِ صَلَاح عَاجِلكُمْ وَآجِلكُمْ , وَلِتَعْلَمُوا أَنَّهُ بِكُلِّ شَيْء عَلِيم , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ أُمُوركُمْ وَأَعْمَالكُمْ , وَهُوَ مُحْصِيهَا عَلَيْكُمْ حَتَّى يُجَازِي الْمُحْسِن مِنْكُمْ بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيء مِنْكُمْ بِإِسَاءَتِهِ .
اعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌسورة المائدة الآية رقم 98
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اِعْلَمُوا أَنَّ اللَّه شَدِيد الْعِقَاب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : اِعْلَمُوا أَيّهَا النَّاس أَنَّ رَبّكُمْ الَّذِي يَعْلَم مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض , وَلَا يَخْفَ عَلَيْهِ شَيْء مِنْ سَرَائِر أَعْمَالكُمْ وَعَلَانِيَتهَا , وَهُوَ يُحْصِيهَا عَلَيْكُمْ لَمُجَازِيكُمْ بِهَا , شَدِيد عِقَابه مَنْ عَصَاهُ وَتَمَرَّدَ عَلَيْهِ عَلَى مَعْصِيَته إِيَّاهُ ,

وَهُوَ غَفُور الذُّنُوب مَنْ أَطَاعَهُ وَأَنَابَ إِلَيْهِ فَسَاتِر عَلَيْهِ وَتَارِك فَضِيحَته بِهَا , رَحِيم بِهِ أَنْ يُعَاقِبهُ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبه بَعْد إِنَابَته وَتَوْبَته مِنْهَا .
مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَسورة المائدة الآية رقم 99
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَا عَلَى الرَّسُول إِلَّا الْبَلَاغ } وَهَذَا مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره تَهْدِيد لِعِبَادِهِ وَوَعِيد , يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَيْسَ عَلَى رَسُولنَا الَّذِي أَرْسَلْنَاهُ إِلَيْكُمْ أَيّهَا النَّاس بِإِنْذَارِكُمْ عِقَابنَا بَيْن يَدَيْ عَذَاب شَدِيد وَإِعْذَارنَا إِلَيْكُمْ بِمَا فِيهِ قَطْع حُجَجكُمْ , إِلَّا أَنْ يُؤَدِّي إِلَيْكُمْ رِسَالَتنَا , ثُمَّ إِلَيْنَا الثَّوَاب عَلَى الطَّاعَة , وَعَلَيْنَا الْعِقَاب عَلَى الْمَعْصِيَة .

يَقُول : وَغَيْر خَفِيّ عَلَيْنَا الْمُطِيع مِنْكُمْ الْقَابِل رِسَالَتنَا الْعَامِل بِمَا أَمَرْته بِالْعَمَلِ بِهِ مِنْ الْعَاصِي التَّارِك الْعَمَل بِمَا أَمَرْته بِالْعَمَلِ بِهِ ; لِأَنَّا نَعْلَم مَا عَمِلَهُ الْعَامِل مِنْكُمْ فَأَظْهَرَهُ بِجَوَارِحِهِ وَنَطَقَ بِهِ لِسَانه . { وَمَا تَكْتُمُونَ } يَعْنِي : مَا تُخْفُونَهُ فِي أَنْفُسكُمْ مِنْ إِيمَان وَكُفْر أَوْ يَقِين وَشَكّ وَنِفَاق . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ ضَمَائِر الصُّدُور وَظَوَاهِر أَعْمَال النُّفُوس , مِمَّا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض . وَبِيَدِهِ الثَّوَاب وَالْعِقَاب , فَحَقِيق أَنْ يُتَّقَى وَأَنْ يُطَاع فَلَا يُعْصَى .
قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَسورة المائدة الآية رقم 100
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيث وَالطَّيِّب وَلَوْ أَعْجَبَك كَثْرَة الْخَبِيث } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْ يَا مُحَمَّد لَا يَعْتَدِل الرَّدِيء وَالْجَيِّد , وَالصَّالِح وَالطَّالِح , وَالْمُطِيع وَالْعَاصِي . { وَلَوْ أَعْجَبَك كَثْرَة الْخَبِيث } يَقُول : لَا يَعْتَدِل الْعَاصِي وَالْمُطِيع لِلَّهِ عِنْد اللَّه وَلَوْ كَثُرَ أَهْل الْمَعَاصِي فَعَجِبْت مِنْ كَثْرَتهمْ ; لِأَنَّ أَهْل طَاعَة اللَّه هُمْ الْمُفْلِحُونَ الْفَائِزُونَ بِثَوَابِ اللَّه يَوْم الْقِيَامَة وَإِنْ قَلُّوا دُون أَهْل مَعْصِيَته , وَإِنَّ أَهْل مَعَاصِيه هُمْ الْأَخْسَرُونَ الْخَائِبُونَ وَإِنْ كَثُرُوا . يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَلَا تَعْجَبَنَّ مِنْ كَثْرَة مَنْ يَعْصِي اللَّه فَيُمْهِلهُ وَلَا يُعَاجِلهُ بِالْعُقُوبَةِ فَإِنَّ الْعُقْبَى الصَّالِحَة لِأَهْلِ طَاعَة اللَّه عِنْده دُونهمْ . كَمَا : 9970 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { لَا يَسْتَوِي الْخَبِيث وَالطَّيِّب وَلَوْ أَعْجَبَك كَثْرَة الْخَبِيث } قَالَ : الْخَبِيث : هُمْ الْمُشْرِكُونَ وَالطَّيِّب : هُمْ الْمُؤْمِنُونَ . وَهَذَا الْكَلَام وَإِنْ كَانَ مَخْرَجه مَخْرَج الْخِطَاب لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَالْمُرَاد بِهِ بَعْض أَتْبَاعه , يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله : { فَاتَّقُوا اللَّه يَا أُولِي الْأَلْبَاب لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَاتَّقُوا اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاتَّقُوا اللَّه بِطَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ , وَاحْذَرُوا أَنْ يَسْتَحْوِذ عَلَيْكُمْ الشَّيْطَان بِإِعْجَابِكُمْ كَثْرَة الْخَبِيث , فَتَصِيرُوا مِنْهُمْ .

يَعْنِي بِذَلِكَ : أَهْل الْعُقُول وَالْحِجَا , الَّذِينَ عَقَلُوا عَنْ اللَّه آيَاته , وَعَرَفُوا مَوَاقِع حُجَجِهِ .

يَقُول : اِتَّقُوا اللَّه لِتُفْلِحُوا : أَيْ كَيْ تَنْجَحُوا فِي طُلْبَتكُمْ مَا عِنْده .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌسورة المائدة الآية رقم 101
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة أُنْزِلَتْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبَبِ مَسَائِل كَانَ يَسْأَلهَا إِيَّاهُ أَقْوَام , اِمْتِحَانًا لَهُ أَحْيَانًا , وَاسْتِهْزَاء أَحْيَانًا , فَيَقُول لَهُ بَعْضهمْ : مَنْ أَبِي ؟ وَيَقُول لَهُ بَعْضهمْ إِذَا ضَلَّتْ نَاقَته : أَيْنَ نَاقَتِي ؟ فَقَالَ لَهُمْ تَعَالَى ذِكْره : لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء مِنْ ذَلِكَ , كَمَسْأَلَةِ عَبْد اللَّه بْن حُذَافَة إِيَّاهُ مَنْ أَبُوهُ , { إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } يَقُول : إِنْ أَبَدَيْنَا لَكُمْ حَقِيقَة مَا تَسْأَلُونَ عَنْهُ سَاءَكُمْ إِبْدَاؤُهَا وَإِظْهَارهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ تَظَاهَرَتْ الْأَخْبَار عَنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر الرِّوَايَة بِذَلِكَ : 9971 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا بَعْض بَنِي نُفَيْل , قَالَ : ثنا زُهَيْر بْن مُعَاوِيَة , قَالَ : ثنا أَبُو الْجُوَيْرِيَة , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس لِأَعْرَابِيٍّ مِنْ بَنِي سُلَيْم : هَلْ تَدْرِي فِيمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَة { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } حَتَّى فَرَغَ مِنْ الْآيَة , فَقَالَ : كَانَ قَوْم يَسْأَلُونَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْتِهْزَاء , فَيَقُول الرَّجُل : مَنْ أَبِي ؟ وَالرَّجُل تَضِلّ نَاقَته فَيَقُول : أَيْنَ نَاقَتِي ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَة . 9972 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو عَامِر وَأَبُو دَاوُد , قَالَا : ثنا هِشَام , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَنَس , قَالَ : سَأَلَ النَّاس رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَحْفَوْهُ بِالْمَسْأَلَةِ , فَصَعِدَ الْمِنْبَر ذَات يَوْم , فَقَالَ : " لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْء إِلَّا بَيَّنْته لَكُمْ " . قَالَ أَنَس : فَجَعَلْت أَنْظُر يَمِينًا وَشِمَالًا , فَأَرَى كُلّ إِنْسَان لَافًّا ثَوْبه يَبْكِي ; فَأَنْشَأَ رَجُل كَانَ ذَا لَاحَى يُدْعَى إِلَى غَيْر أَبِيهِ , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , مَنْ أَبِي ؟ فَقَالَ : " أَبُوك حُذَافَة " . قَالَ : فَأَنْشَأَ عُمَر فَقَالَ : رَضِينَا بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا , وَأَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ سُوء الْفِتَن ! فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَمْ أَرَ فِي الشَّرّ وَالْخَيْر كَالْيَوْمِ قَطُّ , إِنَّهُ صُوِّرَتْ لِي الْجَنَّة وَالنَّار حَتَّى رَأَيْتهمَا وَرَاء الْحَائِط " . وَكَانَ قَتَادَة يَذْكُر هَذَا الْحَدِيث عِنْد هَذِهِ الْآيَة : { لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } 9973 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن مَعْمَر الْبَحْرَانِيّ , قَالَ : ثنا رَوْح بْن عُبَادَة , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : أَخْبَرَنِي مُوسَى بْن أَنَس , قَالَ : سَمِعْت أَنَسًا يَقُول : قَالَ رَجُل : يَا رَسُول اللَّه مَنْ أَبِي ؟ قَالَ : " أَبُوك فُلَان " . قَالَ : فَنَزَلَتْ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } * - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } قَالَ : فَحَدَّثَنَا أَنَّ أَنَس بْن مَالِك حَدَّثَهُمْ : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلُوهُ حَتَّى أَحْفَوْهُ بِالْمَسْأَلَةِ , فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ ذَات يَوْم فَصَعِدَ الْمِنْبَر , فَقَالَ : " لَا تَسْأَلُونِي الْيَوْم عَنْ شَيْء إِلَّا بَيَّنْته لَكُمْ " ! فَأَشْفَقَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُون بَيْن يَدَيْهِ أَمْر قَدْ حَضَرَ , فَجَعَلْت لَا أَلْتَفِتُ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا إِلَّا وَجَدْت كُلًّا لَافًّا رَأْسه فِي ثَوْبه يَبْكِي . فَأَنْشَأَ رَجُل كَانَ يُلَاحِي فَيُدْعَى إِلَى غَيْر أَبِيهِ , فَقَالَ : يَا نَبِيّ اللَّه مَنْ أَبِي ؟ قَالَ : " أَبُوك حُذَافَة " . قَالَ : ثُمَّ قَامَ عُمَر - أَوْ قَالَ : فَأَنْشَأَ عُمَر - فَقَالَ : رَضِينَا بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا عَائِذًا بِاَللَّهِ - أَوْ قَالَ : أَعُوذ بِاَللَّهِ - مِنْ سُوء الْفِتَن . قَالَ : وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَمْ أَرَ فِي الْخَيْر وَالشَّرّ كَالْيَوْمِ قَطُّ , صُوِّرَتْ لِيَ الْجَنَّة وَالنَّار حَتَّى رَأَيْتهمَا دُون الْحَائِط " . 9974 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن هِشَام وَسُفْيَان بْن وَكِيع , قَالَا : ثنا مُعَاذ , قَالَ : ثنا اِبْن عَوْن , قَالَ : سَأَلْت عِكْرِمَة مَوْلَى اِبْن عَبَّاس عَنْ قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } قَالَ : ذَاكَ يَوْم قَامَ فِيهِمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : " لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْء إِلَّا أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ " قَالَ : فَقَامَ رَجُل , فَكَرِهَ الْمُسْلِمُونَ مَقَامه يَوْمَئِذٍ , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه مَنْ أَبِي ؟ قَالَ : " أَبُوك حُذَافَة " قَالَ : فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة . 9975 - حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ اِبْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ قَالَ : نَزَلَتْ : { لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } فِي رَجُل قَالَ : يَا رَسُول اللَّه مَنْ أَبِي ؟ قَالَ : " أَبُوك فُلَان " . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : سَأَلُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَكْثَرُوا عَلَيْهِ , فَقَامَ مُغْضَبًا خَطِيبًا , فَقَالَ : " سَلُونِي فَوَاَللَّهِ لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْء مَا دُمْت فِي مَقَامِي إِلَّا حَدَّثْتُكُمْ ! " فَقَامَ رَجُل فَقَالَ : مَنْ أَبِي ؟ قَالَ : " أَبُوك حُذَافَة " وَاشْتَدَّ غَضَبه وَقَالَ : " سَلُونِي ! " فَلَمَّا رَأَى النَّاس ذَلِكَ كَثُرَ بُكَاؤُهُمْ , فَجَثَا عُمَر عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ : رَضِينَا بِاَللَّهِ رَبًّا , قَالَ مَعْمَر : قَالَ الزُّهْرِيّ : قَالَ أَنَس مِثْل ذَلِكَ : فَجَثَا عُمَر عَلَى رُكْبَتَيْهِ , فَقَالَ : رَضِينَا بِاَللَّهِ رَبًّا , وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا , وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَمَا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ , لَقَدْ صُوِّرَتْ لِيَ الْجَنَّة وَالنَّار آنِفًا فِي عُرْض هَذَا الْحَائِط , فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِي الْخَيْر وَالشَّرّ " . قَالَ الزُّهْرِيّ : فَقَالَتْ أُمّ عَبْد اللَّه بْن حُذَافَة : مَا رَأَيْت وَلَدًا أَعَقّ مِنْك قَطُّ , أَتَأْمَنُ أَنْ تَكُون أُمّك قَارَفَتْ مَا قَارَفَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة , فَتَفْضَحهَا عَلَى رُءُوس النَّاس ! فَقَالَ : وَاَللَّه لَوْ أَلْحَقَنِي بِعَبْدٍ أَسْوَد لَلَحِقْته . 9976 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } قَالَ : غَضِبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا مِنْ الْأَيَّام فَقَامَ خَطِيبًا , فَقَالَ : " سَلُونِي فَإِنَّكُمْ لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْء إِلَّا أَنْبَأْتُكُمْ بِهِ ! " فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُل مِنْ قُرَيْش مِنْ بَنِي سَهْم يُقَال لَهُ عَبْد اللَّه بْن حُذَافَة , وَكَانَ يُطْعَن فِيهِ , قَالَ : فَقَالَ يَا رَسُول اللَّه مَنْ أَبِي ؟ قَالَ : " أَبُوك فُلَان " فَدَعَاهُ لِأَبِيهِ فَقَامَ إِلَيْهِ عُمَر , فَقَبَّلَ رِجْله وَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , رَضِينَا بِاَللَّهِ رَبًّا , وَبِك نَبِيًّا , وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا , وَبِالْقُرْآنِ إِمَامًا , فَاعْفُ عَنَّا عَفَا اللَّه عَنْك ! فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى رَضِيَ , فَيَوْمئِذٍ قَالَ : " الْوَلَد لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَر " . 9977 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا قَيْس , عَنْ أَبِي حُصَيْن , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ غَضْبَان مُحْمَارٌّ وَجْهُهُ , حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَر , فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُل , فَقَالَ أَيْنَ أَبِي ؟ قَالَ : " فِي النَّار " فَقَامَ آخَر فَقَالَ : مَنْ أَبِي ؟ قَالَ : " أَبُوك حُذَافَة " . فَقَامَ عُمَر بْن الْخَطَّاب فَقَالَ : رَضِينَا بِاَللَّهِ رَبًّا , وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا , وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا , وَبِالْقُرْآنِ إِمَامًا , إِنَّا يَا رَسُول اللَّه حَدِيثُو عَهْد بِجَاهِلِيَّةٍ وَشِرْك , وَاَللَّه يَعْلَم مَنْ آبَاؤُنَا . قَالَ : فَسَكَنَ غَضَبُهُ , وَنَزَلَتْ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } وَقَالَ آخَرُونَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْل مَسْأَلَة سَائِل سَأَلَهُ عَنْ شَيْء فِي أَمْر الْحَجّ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9978 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مَنْصُور بْن وَرْدَان الْأَسَدِيّ , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجُّ الْبَيْت مَنْ اِسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه أَفِي كُلّ عَام ؟ فَسَكَتَ , ثُمَّ قَالُوا : أَفِي كُلّ عَام ؟ فَسَكَتَ , ثُمَّ قَالَ : " لَا , وَلَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَتْ " فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } 9979 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن سُلَيْمَان , عَنْ إِبْرَاهِيم بْن مُسْلِم الْهَجَرِيّ , عَنْ اِبْن عِيَاض , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّه كَتَبَ عَلَيْكُمْ الْحَجّ " فَقَالَ رَجُل : أَفِي كُلّ عَام يَا رَسُول اللَّه ؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ , حَتَّى عَادَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا . فَقَالَ : " مَنْ السَّائِل ؟ " فَقَالَ فُلَان , فَقَالَ : " وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَتْ , وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَيْكُمْ مَا أَطَقْتُمُوهُ , وَلَوْ تَرَكْتُمُوهُ لَكَفَرْتُمْ " . فَأَنْزَلَ اللَّه هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } حَتَّى خَتَمَ الْآيَة . 9980 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحَسَن بْن شَقِيق , قَالَ سَمِعْت أَبِي , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْحُسَيْن بْن وَاقِد , عَنْ مُحَمَّد بْن زِيَاد , قَالَ : سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَة يَقُول : خَطَبَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " يَا أَيّهَا النَّاس , كَتَبَ اللَّه عَلَيْكُمْ الْحَجّ " . فَقَامَ مُحْصِن الْأَسَدِيّ , فَقَالَ : أَفِي كُلّ عَام يَا رَسُول اللَّه ؟ فَقَالَ : " أَمَّا إِنِّي لَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَتْ , وَلَوْ وَجَبَتْ ثُمَّ تَرَكْتُمْ لَضَلَلْتُمْ . اُسْكُتُوا عَنِّي مَا سَكَتّ عَنْكُمْ , فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافهمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ " فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } إِلَى آخِر الْآيَة . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن بْن وَاقِد , عَنْ مُحَمَّد بْن زِيَاد , قَالَ : سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَة يَقُول : خَطَبَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَذَكَرَ مِثْله , إِلَّا أَنَّهُ قَامَ : فَقَامَ عُكَّاشَة بْن مُحْصِن الْأَسَدِيّ . 9981 - حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْن يَحْيَى بْن أَبَان الْمِصْرِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو زَيْد عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي الْعُمْر , قَالَ : ثنا أَبُو مُطِيع مُعَاوِيَة بْن يَحْيَى , عَنْ صَفْوَان بْن عَمْرو , قَالَ : ثني سُلَيْم بْن عَامِر , قَالَ : سَمِعْت أَبَا أُمَامَة الْبَاهِلِيّ يَقُول : قَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاس فَقَالَ : " كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْحَجّ ! " فَقَامَ رَجُل مِنْ الْأَعْرَاب , فَقَالَ : أَفِي كُلّ عَام ؟ قَالَ : فَعَلَا كَلَام رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْكَتَ وَأَغْضَبَ وَاسْتَغْضَبَ . فَمَكَثَ طَوِيلًا ثُمَّ تَكَلَّمَ فَقَالَ : مَنْ السَّائِل ؟ " فَقَالَ الْأَعْرَابِيّ : أَنَا ذَا , فَقَالَ : " وَيْحك مَاذَا يُؤْمِنك أَنْ أَقُول نَعَمْ , وَلَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَتْ , وَلَوْ وَجَبَتْ لَكَفَرْتُمْ ؟ أَلَا إِنَّهُ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلكُمْ أَئِمَّة الْحَرَج , وَاَللَّه لَوْ أَنِّي أَحْلَلْت لَكُمْ جَمِيع مَا فِي الْأَرْض وَحَرَّمْت عَلَيْكُمْ مِنْهَا مَوْضِع خُفّ لَوَقَعْتُمْ فِيهِ ! " قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى عِنْد ذَلِكَ { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء } إِلَى آخِر الْآيَة . 9982 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } وَذَلِكَ أَنَّ رَسُول اللَّه أَذَّنَ فِي النَّاس , فَقَالَ : " يَا قَوْم , كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْحَجّ ! " فَقَامَ رَجُل مِنْ بَنِي أَسَد فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , أَفِي كُلّ عَام ؟ فَأُغْضِبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَضَبًا شَدِيدًا , فَقَالَ " وَاَلَّذِي نَفْس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَتْ , وَلَوْ وَجَبَتْ مَا اِسْتَطَعْتُمْ , وَإِذَنْ لَكَفَرْتُمْ ! فَاتْرُكُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ , فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَافْعَلُوا , وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْء فَانْتَهُوا عَنْهُ " . فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } نَهَاهُمْ أَنْ يَسْأَلُوا عَنْ مِثْل الَّذِي سَأَلَتْ النَّصَارَى مِنْ الْمَائِدَة , فَأَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ ; فَنَهَى اللَّه تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ , وَقَالَ : لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء إِنْ نَزَلَ الْقُرْآن فِيهَا بِتَغْلِيظٍ سَاءَكُمْ ذَلِكَ , وَلَكِنْ اِنْتَظَرُوا فَإِذَا نَزَلَ الْقُرْآن فَإِنَّكُمْ لَا تَسْأَلُونَ عَنْ شَيْء إِلَّا وَجَدْتُمْ تِبْيَانه . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , قَالَ : ثنا عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس , قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِين يُنَزَّل الْقُرْآن تُبْدَ لَكُمْ } قَالَ : لَمَّا أُنْزِلَتْ آيَة الْحَجّ , نَادَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاس , فَقَالَ " يَا أَيّهَا النَّاس , إِنَّ اللَّه قَدْ كَتَبَ عَلَيْكُمْ الْحَجّ فَحُجُّوا " فَقَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , أَعَامًا وَاحِدًا أَمْ كُلّ عَام ؟ فَقَالَ " لَا بَلْ عَامًا وَاحِدًا , وَلَوْ قُلْت كُلّ عَام لَوَجَبَتْ , وَلَوْ وَجَبَتْ لَكَفَرْتُمْ " ثُمَّ قَالَ اللَّه تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } قَالَ : سَأَلُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَشْيَاء فَوَعَظَهُمْ , فَانْتَهَوْا . 9983 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } قَالَ : ذَكَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجّ , فَقِيلَ : أَوَاجِب هُوَ يَا رَسُول اللَّه كُلّ عَام ؟ قَالَ : " لَا , لَوْ قُلْتهَا لَوَجَبَتْ , وَلَوْ وَجَبَتْ مَا أَطَقْتُمْ , وَلَوْ لَمْ تُطِيقُوا لَكَفَرْتُمْ " ثُمَّ قَالَ : " سَلُونِي فَلَا يَسْأَلنِي رَجُل فِي مَجْلِسِي هَذَا عَنْ شَيْء إِلَّا أَخْبَرْته , وَإِنْ سَأَلَنِي عَنْ أَبِيهِ " فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُل , فَقَالَ : مَنْ أَبِي ؟ قَالَ : " أَبُوك حُذَافَة بْن قَيْس " فَقَامَ عُمَر , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَضِينَا بِاَللَّهِ رَبًّا , وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا , وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا , وَنَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ غَضَبه وَغَضَب رَسُوله . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ سَأَلُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْبَحِيرَة وَالسَّائِبَة وَالْوَصِيلَة وَالْحَامِي ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 9984 - حَدَّثَنِي إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم بْن حَبِيب بْن الشَّهِيد , قَالَ : ثنا عَتَّاب بْن بَشِير , عَنْ خُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس { لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء } قَالَ : هِيَ الْبَحِيرَة وَالسَّائِبَة وَالْوَصِيلَة وَالْحَام . أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُول بَعْد ذَلِكَ : مَا جَعَلَ اللَّه مِنْ كَذَا وَلَا كَذَا ؟ قَالَ : وَأَمَّا عِكْرِمَة فَإِنَّهُ قَالَ : إِنَّهُمْ كَانُوا يَسْأَلُونَهُ عَنْ الْآيَات فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ . ثُمَّ قَاَلَ : { قَدْ سَأَلَهَا قَوْم مِنْ قَبْلكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ } قَالَ : فَقُلْت : قَدْ حَدَّثَنِي مُجَاهِد بِخِلَافِ هَذَا عَنْ اِبْن عَبَّاس , فَمَا لَك تَقُول هَذَا ؟ فَقَالَ هَيْهَ . 9985 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , عَنْ اِبْن عَوْن , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ الْأَعْمَش , قَالَ : هُوَ الَّذِي سَأَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ أَبِي ؟ . وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : هُمْ الَّذِينَ سَأَلُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْبَحِيرَة وَالسَّائِبَة . وَأَوْلَى الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قَوْل مَنْ قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة مِنْ أَجْل إِكْثَار السَّائِلِينَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسَائِل , كَمَسْأَلَةِ اِبْن حُذَافَة إِيَّاهُ مَنْ أَبُوهُ , وَمَسْأَلَة سَائِله إِذْ قَالَ : " إِنَّ اللَّه فَرَضَ عَلَيْكُمْ الْحَجّ " : أَفِي كُلّ عَام ؟ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِل , لِتَظَاهُرِ الْأَخْبَار بِذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَعَامَّة أَهْل التَّأْوِيل , وَأَمَّا الْقَوْل الَّذِي رَوَاهُ مُجَاهِد عَنْ اِبْن عَبَّاس , فَقَوْل غَيْر بَعِيد مِنْ الصَّوَاب , وَلَكِنَّ الْأَخْبَار الْمُتَظَاهِرَة عَنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ بِخِلَافِهِ , وَكَرِهْنَا الْقَوْل بِهِ مِنْ أَجْل ذَلِكَ . عَلَى أَنَّهُ غَيْر مُسْتَنْكَر أَنْ تَكُون الْمَسْأَلَة عَنْ الْبَحِيرَة وَالسَّائِبَة وَالْوَصِيلَة وَالْحَام كَانَتْ فِيمَا سَأَلُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ مِنْ الْمَسَائِل الَّتِي كَرِهَ اللَّه لَهُمْ السُّؤَال عَنْهَا , كَمَا كَرِهَ اللَّه لَهُمْ الْمَسْأَلَة عَنْ الْحَجّ , أَكُلّ عَام هُوَ أَمْ عَامًا وَاحِدًا ؟ وَكَمَا كَرِهَ لِعَبْدِ اللَّه بْن حُذَافَة مَسْأَلته عَنْ أَبِيهِ , فَنَزَلَتْ الْآيَة بِالنَّهْيِ عَنْ الْمَسَائِل كُلّهَا , فَأَخْبَرَ كُلّ مُخْبِر مِنْهُمْ بِبَعْضِ مَا نَزَلَتْ الْآيَة مِنْ أَجْله وَأَجْل غَيْره . وَهَذَا الْقَوْل أَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصِّحَّةِ ; لِأَنَّ مَخَارِج الْأَخْبَار بِجَمِيعِ الْمَعَانِي الَّتِي ذُكِرَتْ صِحَاح , فَتَوْجِيههَا إِلَى الصَّوَاب مِنْ وُجُوههَا أَوْلَى .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِين يُنَزَّل الْقُرْآن تُبْدَ لَكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلَّذِينَ نَهَاهُمْ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عَنْ مَسْأَلَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْ مَسْأَلَتهمْ إِيَّاهُ عَنْهُ , مِنْ فَرَائِض لَمْ يَفْرِضهَا اللَّه عَلَيْهِمْ , وَتَحْلِيل أُمُور لَمْ يُحْلِلْهَا لَهُمْ , وَتَحْرِيم أَشْيَاء لَمْ يُحَرِّمهَا عَلَيْهِمْ قَبْل نُزُول الْقُرْآن بِذَلِكَ : أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ السَّائِلُونَ عَمَّا سَأَلُوا عَنْهُ رَسُولِي مِمَّا لَمْ أُنْزِلَ بِهِ كِتَابًا وَلَا وَحْيًا , لَا تَسْأَلُوا عَنْهُ , فَإِنَّكُمْ إِنْ أَظْهَرَ ذَلِكَ لَكُمْ تِبْيَان بِوَحْيٍ وَتَنْزِيل سَاءَكُمْ ; لِأَنَّ التَّنْزِيل بِذَلِكَ إِذَا جَاءَكُمْ إِنَّمَا يَجِيئكُمْ بِمَا فِيهِ اِمْتِحَانكُمْ وَاخْتِبَاركُمْ , إِمَّا بِإِيجَابِ عَمَل عَلَيْكُمْ , وَلُزُوم فَرْض لَكُمْ , وَفِي ذَلِكَ عَلَيْكُمْ مَشَقَّة وَلُزُوم مُؤْنَة وَكُلْفَة ; وَإِمَّا بِتَحْرِيمِ مَا لَوْ لَمْ يَأْتِكُمْ بِتَحْرِيمِهِ وَحْي كُنْتُمْ مِنْ التَّقَدُّم عَلَيْهِ فِي فُسْحَة وَسَعَة ; وَإِمَّا بِتَحْلِيلِ مَا تَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمه , وَفِي ذَلِكَ لَكُمْ مَسَاءَة لِنَقْلِكُمْ عَمَّا كُنْتُمْ تَرَوْنَهُ حَقًّا إِلَى مَا كُنْتُمْ تَرَوْنَهُ بَاطِلًا , وَلَكِنَّكُمْ إِنْ سَأَلْتُمْ عَنْهَا بَعْد نُزُول الْقُرْآن بِهَا وَبَعْد اِبْتِدَائِكُمْ شَأْن أَمْرهَا فِي كِتَابِي إِلَى رَسُولِي إِلَيْكُمْ , بَيَّنَ لَكُمْ مَا أَنْزَلْته إِلَيْهِ مِنْ إِتْيَان كِتَابِي وَتَأْوِيل تَنْزِيلِي وَوَحْيِي وَذَلِكَ نَظِير الْخَبَر الَّذِي رُوِيَ عَنْ بَعْض أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , الَّذِي : 9986 - حَدَّثَنَا بِهِ هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ مَكْحُول , عَنْ أَبِي ثَعْلَبَة الْخُشَنِيّ , قَالَ : " إِنَّ اللَّه تَعَالَى فَرَضَ فَرَائِض فَلَا تُضَيِّعُوهَا , وَنَهَى عَنْ أَشْيَاء فَلَا تَنْتَهِكُوهَا , وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا , وَعَفَا عَنْ أَشْيَاء مِنْ غَيْر نِسْيَان فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا " . 9987 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء , قَالَ : كَانَ عُبَيْد بْن عُمَيْر يَقُول : إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَحَلَّ وَحَرَّمَ , فَمَا أَحَلَّ فَاسْتَحِلُّوهُ وَمَا حَرَّمَ فَاجْتَنِبُوهُ , وَتَرَكَ مِنْ ذَلِكَ أَشْيَاء لَمْ يُحِلّهَا وَلَمْ يُحَرِّمهَا فَذَلِكَ عَفْو مِنْ اللَّه عَفَاهُ ثُمَّ يَتْلُو : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الضَّحَّاك , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَطَاء , عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر , أَنَّهُ كَانَ يَقُول : إِنَّ اللَّه حَرَّمَ وَأَحَلَّ , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ رُوِيَ الْخَبَر عَنْ اِبْن عَبَّاس الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا . وَذَلِكَ مَا : 9988 - حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء } إِنْ نَزَلَ الْقُرْآن فِيهَا بِتَغْلِيظٍ سَاءَكُمْ ذَلِكَ , وَلَكِنْ اِنْتَظِرُوا فَإِذَا نَزَلَ الْقُرْآن , فَإِنَّكُمْ لَا تَسْأَلُونَ عَنْ شَيْء إِلَّا وَجَدْتُمْ تِبْيَانه .

وَأَمَّا قَوْله : { عَفَا اللَّه عَنْهَا } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : عَفَا اللَّه لَكُمْ عَنْ مَسْأَلَتكُمْ عَنْ الْأَشْيَاء الَّتِي سَأَلْتُمْ عَنْهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَرِهَ اللَّه لَكُمْ مَسْأَلَتكُمْ إِيَّاهُ عَنْهَا , أَنْ يُؤَاخِذكُمْ بِهَا , أَوْ يُعَاقِبكُمْ عَلَيْهَا , إِنْ عَرَفَ مِنْهَا تَوْبَتكُمْ وَإِنَابَتكُمْ .

يَقُول : وَاَللَّه سَاتِر ذُنُوب مَنْ تَابَ مِنْهَا , فَتَارِك أَنْ يَفْضَحهُ فِي الْآخِرَة { حَلِيم } أَنْ يُعَاقِبهُ بِهَا لِتَغَمُّدِهِ التَّائِب مِنْهَا بِرَحْمَتِهِ وَعَفْوه , عَنْ عُقُوبَته عَلَيْهَا .
قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَسورة المائدة الآية رقم 102
تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَدْ سَأَلَهَا قَوْم مِنْ قَبْلكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَدْ سَأَلَ الْآيَات قَوْم مِنْ قَبْلكُمْ : فَلَمَّا آتَاهُمُوهَا اللَّه , أَصْبَحُوا بِهَا جَاحِدِينَ مُنْكِرِينَ أَنْ تَكُون دَلَالَة عَلَى حَقِيقَة مَا اِحْتَجَّ بِهَا عَلَيْهِمْ , وَبُرْهَانًا عَلَى صِحَّة مَا جَعَلْت بُرْهَانًا عَلَى تَصْحِيحه , كَقَوْمِ صَالِح الَّذِينَ سَأَلُوا الْآيَة ; فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ النَّاقَة آيَة عَقَرُوهَا , وَكَاَلَّذِينَ سَأَلُوا عِيسَى مَائِدَة تَنْزِل عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاء : فَلَمَّا أُعْطَوْهَا كَفَرُوا بِهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ , فَحَذَّرَ اللَّه تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ بِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْلُكُوا سَبِيل مَنْ قَبْلهمْ مِنْ الْأُمَم الَّتِي هَلَكَتْ بِكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّه لَمَّا جَاءَتْهُمْ عِنْد مَسْأَلتهُمُوهَا , فَقَالَ لَهُمْ : لَا تَسْأَلُوا الْآيَات , وَلَا تَبْحَثُوا عَنْ أَشْيَاء إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ , فَقَدْ سَأَلَ الْآيَات مِنْ قَبْلكُمْ قَوْم ; فَلَمَّا أُوتُوهَا أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ . كَاَلَّذِي : 9989 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاء إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } نَهَاهُمْ أَنْ يَسْأَلُوا عَنْ مِثْل الَّذِي سَأَلَتْ النَّصَارَى مِنْ الْمَائِدَة , فَأَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ , فَنَهَى اللَّه عَنْ ذَلِكَ . 9990 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { قَدْ سَأَلَهَا قَوْم مِنْ قَبْلكُمْ } قَدْ سَأَلَ الْآيَات قَوْم مِنْ قَبْلكُمْ , وَذَلِكَ حِين قِيلَ لَهُ : غَيْر لَنَا الصَّفَا ذَهَبًا .
مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَائِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَسورة المائدة الآية رقم 103
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَا جَعَلَ اللَّه مِنْ بَحِيرَة وَلَا سَائِبَة وَلَا وَصِيلَة وَلَا حَامٍ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : مَا بَحَّرَ اللَّه بَحِيرَة , وَلَا سَيَّبَ سَائِبَة , وَلَا وَصَلَ وَصِيلَة , وَلَا حَمَى حَامِيًا , وَلَكِنَّكُمْ الَّذِينَ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ أَيّهَا الْكَفَرَة , فَحَرَّمْتُمُوهُ اِفْتِرَاء عَلَى رَبّكُمْ . كَاَلَّذِي : 9991 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الْحَكَم , قَالَ : ثني أَبِي وَشُعَيْب بْن اللَّيْث , عَنْ اللَّيْث , عَنْ اِبْن الْهَادِ : وَحَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن يُوسُف , قَالَ : ثني اللَّيْث , قَالَ : ثني اِبْن الْهَادِ , عَنْ اِبْن شِهَاب , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " رَأَيْت عَمْرو بْن عَامِر الْخُزَاعِيّ يَجُرّ قُصْبه فِي النَّار , وَكَانَ أَوَّل مَنْ سَيَّبَ السَّائِبَة " . 9992 - حَدَّثَنَا هَنَّاد بْن السَّرِيّ , قَالَ : ثنا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن الْحَارِث , عَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول لِأَكْثَم بْن الْجَوْن : " يَا أَكْثَم , رَأَيْت عَمْرو بْن لُحَيّ بْن قَمَعَة بْن خِنْدَف يَجُرّ قُصْبه فِي النَّار , فَمَا رَأَيْت رَجُلًا أَشْبَهَ بِرَجُلٍ مِنْك بِهِ وَلَا بِهِ مِنْك ! " فَقَالَ أَكْثَم : أَخْشَى أَنْ يَضُرّنِي شَبَهه يَا رَسُول اللَّه . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا , إِنَّك مُؤْمِن وَهُوَ كَافِر , إِنَّهُ أَوَّل مَنْ غَيَّرَ دِين إِسْمَاعِيل ; وَبَحَّرَ الْبَحِيرَة , وَسَيَّبَ السَّائِبَة , وَحَمَى الْحَامِي " . 9993 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا يُونُس , قَالَ : ثني هِشَام بْن سَعْد , عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " قَدْ عَرَفْت أَوَّل مَنْ بَحَّرَ الْبَحَائِر ; رَجُل مِنْ مُدْلِج , كَانَتْ لَهُ نَاقَتَانِ , فَجَدَعَ آذَانهمَا وَحَرَّمَ أَلْبَانهمَا وَظُهُورهمَا وَقَالَ : هَاتَانِ لِلَّهِ , ثُمَّ اِحْتَاجَ إِلَيْهِمَا فَشَرِبَ أَلْبَانهمَا وَرَكِبَ ظُهُورهمَا " قَالَ : " فَلَقَدْ رَأَيْته فِي النَّار يُؤْذِي أَهْل النَّار رِيح قُصْبه " . 9994 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا عُبَيْدَة , عَنْ مُحَمَّد بْن عَمْرو , عَنْ أَبِي سَلَمَة , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " عُرِضَتْ عَلَيَّ النَّار فَرَأَيْت فِيهَا عَمْرو بْن فُلَان بْن فُلَان بْن خِنْدَف يَجُرّ قُصْبه فِي النَّار , وَهُوَ أَوَّل مَنْ غَيَّرَ دِين إِبْرَاهِيم وَسَيَّبَ السَّائِبَة , وَأَشْبَهَ مَنْ رَأَيْت بِهِ أَكْثَم بْن الْجَوْن " . فَقَالَ أَكْثَم : يَا رَسُول اللَّه , أَيَضُرُّنِي شَبَهه ؟ قَالَ : " لَا ; لِأَنَّك مُسْلِم , وَإِنَّهُ كَافِر " . 9995 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : رَأَيْت عَمْرو بْن عَامِر الْخُزَاعِيّ يَجُرّ قُصْبه فِي النَّار , وَهُوَ أَوَّل مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِب . 9996 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنِّي لَأَعْرِف أَوَّل مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِب وَأَوَّل مَنْ غَيَّرَ عَهْد إِبْرَاهِيم " قَالُوا : مَنْ هُوَ يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : " عَمْرو بْن لُحَيّ أَخُو بَنِي كَعْب , لَقَدْ رَأَيْته يَجُرّ قُصْبه فِي النَّار , يُؤْذِي رِيحه أَهْل النَّار . وَإِنِّي لَأَعْرِف أَوَّل مَنْ بَحَّرَ الْبَحَائِر " . قَالُوا : مَنْ هُوَ يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : " رَجُل مِنْ بَنِي مُدْلِج كَانَتْ لَهُ نَاقَتَانِ , فَجَدَعَ آذَانهمَا وَحَرَّمَ أَلْبَانهمَا , ثُمَّ شَرِبَ أَلْبَانهمَا بَعْد ذَلِكَ , فَلَقَدْ رَأَيْته فِي النَّار هُوَ وَهُمَا يَعَضَّانِهِ بِأَفْوَاهِهِمَا , وَيَخْبِطَانِهِ بِأَخْفَافِهِمَا " . وَالْبَحِيرَة : الْفَعِيلَة , مِنْ قَوْل الْقَائِل : بَحَرْت أُذُن هَذِهِ النَّاقَة : إِذَا شَقَّهَا , أَبْحُرهَا بَحْرًا , وَالنَّاقَة مَبْحُورَة , ثُمَّ تُصْرَف الْمَفْعُولَة إِلَى فَعِيلَة , فَيُقَال : هِيَ بَحِيرَة . وَأَمَّا الْبَحِر مِنْ الْإِبِل : فَهُوَ الَّذِي قَدْ أَصَابَهُ دَاء مِنْ كَثْرَة شُرْب الْمَاء , يُقَال مِنْهُ : بَحِرَ الْبَعِير يَبْحَر بَحَرًا , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : لَأَعْلِطَنَّك وَسْمًا لَا تُفَارِقهُ كَمَا يُحَزُّ بِحُمَّى الْمِيسَم الْبَحِر وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى الْبَحِيرَة , جَاءَ الْخَبَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 9997 - حَدَّثَنَا عَبْد الْحَمِيد بْن بَيَان , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن يَزِيد , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد , عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنْ أَبِي الْأَحْوَص , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : دَخَلْت عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَرَأَيْت إِبِلك أَلَسْت تُنْتِجُهَا مُسَلَّمَة آذَانهَا , فَتَأْخُذ الْمُوسَى فَتَجْدَعُهَا تَقُول هَذِهِ بَحِيرَة , وَتَشُقّ آذَانهَا تَقُول هَذِهِ حُرُم ؟ " قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : " فَإِنَّ سَاعِد اللَّه أَشَدّ , وَمُوسَى اللَّه أَحَدّ , كُلّ مَالِك لَك حَلَال لَا يَحْرُم عَلَيْك مِنْهُ شَيْء " . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , قَالَ : سَمِعْت أَبَا الْأَحْوَص , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ أَتَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " هَلْ تُنْتَج إِبِل قَوْمك صِحَاحًا آذَانهَا فَتَعْمَد إِلَى الْمُوسَى فَتَقْطَع آذَانهَا فَتَقُول هَذِهِ بُحْرٌ , وَتَشُقّهَا أَوْ تَشُقّ جُلُودهَا فَتَقُول هَذِهِ حُرُم , فَتُحَرِّمهَا عَلَيْك وَعَلَى أَهْلك ؟ " قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : " فَإِنَّ مَا آتَاك اللَّه لَك حِلّ , وَسَاعِد اللَّه أَشَدّ , وَمُوسَى اللَّه أَحَدّ " وَرُبَّمَا قَالَ : " سَاعِد اللَّه أَشَدّ مِنْ سَاعِدك , وَمُوسَى اللَّه أَحَدّ مِنْ مُوسَاك " . وَأَمَّا السَّائِبَة : فَإِنَّهَا الْمُسَيَّبَة الْمُخَلَّاة , وَكَانَتْ الْجَاهِلِيَّة يَفْعَل ذَلِكَ أَحَدهمْ بِبَعْضِ مَوَاشِيه , فَيُحَرِّم الِانْتِفَاع بِهِ عَلَى نَفْسه , كَمَا كَانَ بَعْض أَهْل الْإِسْلَام يَعْتِق عَبْده سَائِبَة فَلَا يَنْتَفِع بِهِ وَلَا بِوَلَائِهِ . وَأُخْرِجَتْ الْمُسَيَّبَة بِلَفْظِ السَّائِبَة , كَمَا قِيلَ : " عِيشَة رَاضِيَة " , بِمَعْنَى : مَرْضِيَّة . وَأَمَّا الْوَصِيلَة , فَإِنَّ الْأُنْثَى مِنْ نَعَمهمْ فِي الْجَاهِلِيَّة كَانَتْ إِذَا أَتْأَمَتْ بَطْنًا بِذَكَرٍ وَأُنْثَى , قِيلَ : قَدْ وَصَلَتْ الْأُنْثَى أَخَاهَا , بِدَفْعِهَا عَنْهُ الذَّبْح , فَسَمَّوْهَا وَصِيلَة . وَأَمَّا الْحَامِي : فَإِنَّهُ الْفَحْل مِنْ النَّعَم يُحْمَى ظَهْره مِنْ الرُّكُوب , وَالِانْتِفَاع بِسَبَبِ تَتَابُع أَوْلَاد تَحْدُث مِنْ فِحْلَته . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي صِفَات الْمُسَمَّيَات بِهَذِهِ الْأَسْمَاء وَمَا السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله كَانَتْ تَفْعَل ذَلِكَ . ذِكْر الرِّوَايَة بِمَا قِيلَ فِي ذَلِكَ : 9998 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة بْن الْفَضْل , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن الْحَارِث التَّيْمِيّ أَنَّ أَبَا صَالِح السَّمَّان , حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَة يَقُول : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول لِأَكْثَم بْن الْجَوْن الْخُزَاعِيّ : " يَا أَكْثَم رَأَيْت عُمَر بْن لُحَيّ بْن قَمَعَة بْن خِنْدَف يَجُرّ قُصْبه فِي النَّار , فَمَا رَأَيْت مِنْ رَجُل أَشْبَه بِرَجُلٍ مِنْك بِهِ وَلَا بِهِ مِنْك ! " فَقَالَ أَكْثَم : أَيَضُرُّنِي شَبَهه يَا نَبِيّ اللَّه ؟ قَالَ : " لَا ; لِأَنَّك مُؤْمِن وَهُوَ كَافِر , وَإِنَّهُ كَانَ أَوَّل مَنْ غَيَّرَ دِين إِسْمَاعِيل وَنَصَبَ الْأَوْثَان , وَسَيَّبَ السَّوَائِب فِيهِمْ " . وَذَلِكَ أَنَّ النَّاقَة إِذَا تَابَعَتْ ثِنْتَيْ عَشْرَة إِنَاثًا لَيْسَ فِيهَا ذَكَر سُيِّبَتْ , فَلَمْ يَرْكَب ظَهْرهَا وَلَمْ يَجُزّ وَبَرهَا وَلَمْ يَشْرَب لَبَنهَا إِلَّا ضَيْف . فَمَا نَتَجَتْ بَعْد ذَلِكَ مِنْ أُنْثَى شَقَّ أُذُنهَا ثُمَّ خَلَّى سَبِيلهَا مَعَ أُمّهَا فِي الْإِبِل , فَلَمْ يَرْكَب ظَهْرهَا وَلَمْ يَجُزّ وَبَرهَا وَلَمْ يَشْرَب لَبَنهَا إِلَّا ضَيْف , كَمَا فَعَلَ بِأُمِّهَا ; فَهِيَ الْبَحِيرَة اِبْنَة السَّائِبَة . وَالْوَصِيلَة : أَنَّ الشَّاة إِذَا نَتَجَتْ عَشْر إِنَاث مُتَتَابِعَات فِي خَمْسَة أَبْطُن لَيْسَ فِيهِنَّ ذَكَر جُعِلَتْ وَصِيلَة , قَالُوا : وَصَلَتْ , فَكَانَ مَا وَلَدَتْ بَعْد ذَلِكَ لِذُكُورِهِمْ دُون إِنَاثهمْ , إِلَّا أَنْ يَمُوت مِنْهَا شَيْء فَيَشْتَرِكُونَ فِي أَكْله ذُكُورهمْ وَإِنَاثهمْ . وَالْحَامِي : أَنَّ الْفَحْل إِذَا نَتَجَ لَهُ عَشْر إِنَاث مُتَتَابِعَات لَيْسَ بَيْنهنَّ ذَكَر حُمِيَ ظَهْره , وَلَمْ يُرْكَب , وَلَمْ يُجَزّ وَبَره , وَيُخَلَّى فِي إِبِله يَضْرِب فِيهَا , لَا يَنْتَفِع بِهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ . يَقُول اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { مَا جَعَلَ اللَّه مِنْ بَحِيرَة وَلَا سَائِبَة وَلَا وَصِيلَة وَلَا حَامٍ } إِلَى قَوْله : { وَلَا يَهْتَدُونَ } 9999 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار ; قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي الضُّحَى , عَنْ مَسْرُوق فِي هَذِهِ الْآيَة : { مَا جَعَلَ اللَّه مِنْ بَحِيرَة وَلَا سَائِبَة وَلَا وَصِيلَة وَلَا حَامٍ } - قَالَ أَبُو جَعْفَر : سَقَطَ عَلَيَّ فِيمَا أَظُنّ كَلَام مِنْهُ - قَالَ : فَأَتَيْت عَلْقَمَة فَسَأَلْته , فَقَالَ : مَا تُرِيد إِلَى شَيْء كَانَتْ تَصْنَعهُ أَهْل الْجَاهِلِيَّة . 10000 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْن إِبْرَاهِيم الْمَسْعُودِيّ , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدّه , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ مُسْلِم , قَالَ : أَتَيْت عَلْقَمَة , فَسَأَلْته عَنْ قَوْل اللَّه تَعَالَى : { مَا جَعَلَ اللَّه مِنْ بَحِيرَة وَلَا سَائِبَة وَلَا وَصِيلَة وَلَا حَامٍ } فَقَالَ : وَمَا تَصْنَع بِهَذَا ؟ إِنَّمَا هَذَا شَيْء مِنْ فِعْل الْجَاهِلِيَّة ! قَالَ : فَأَتَيْت مَسْرُوقًا , فَسَأَلْته , فَقَالَ : الْبَحِيرَة : كَانَتْ النَّاقَة إِذَا وَلَدَتْ بَطْنًا خَمْسًا أَوْ سَبْعًا , شَقُّوا أُذُنهَا وَقَالُوا : هَذِهِ بَحِيرَة . قَالَ : { وَلَا سَائِبَة } قَالَ : كَانَ الرَّجُل يَأْخُذ بَعْض مَاله , فَيَقُول : هَذِهِ سَائِبَة . قَالَ : { وَلَا وَصِيلَة } قَالَ : كَانُوا إِذَا وَلَدَتْ النَّاقَة الذَّكَر أَكَلَهُ الذُّكُور دُون الْإِنَاث , وَإِذَا وَلَدَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى فِي بَطْن قَالُوا : وَصَلَتْ أَخَاهَا , فَلَا يَأْكُلُونَهُمَا ; قَالَ : فَإِذَا مَاتَ الذَّكَر , أَكَلَهُ الذُّكُور دُون الْإِنَاث . قَالَ : وَلَا حَامٍ , قَالَ : كَانَ الْبَعِير إِذَا وَلَدَ وَوَلَدَ وَلَده , قَالُوا : قَدْ قَضَى هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ , فَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِظَهْرِهِ , قَالُوا : هَذَا حَامٍ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن عُبَيْد , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ مُسْلِم بْن صُبَيْح , قَالَ : سَأَلْت عَلْقَمَة , عَنْ قَوْله : { مَا جَعَلَ اللَّه مِنْ بَحِيرَة وَلَا سَائِبَة } قَالَ : مَا تَصْنَع بِهَذَا ؟ هَذَا شَيْء كَانَ يَفْعَلهُ أَهْل الْجَاهِلِيَّة . 10001 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن يَمَان وَيَحْيَى بْن آدَم , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي الْأَحْوَص : { مَا جَعَلَ اللَّه مِنْ بَحِيرَة } قَالَ : الْبَحِيرَة : الَّتِي قَدْ وَلَّتْ خَمْسَة أَبْطُن ثُمَّ تُرِكَتْ . 10002 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير بْن عَبْد الْحَمِيد , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ الشَّعْبِيّ : { مَا جَعَلَ اللَّه مِنْ بَحِيرَة } قَالَ : الْبَحِيرَة : الْمُخَضْرَمَة . { وَلَا سَائِبَة } وَالسَّائِبَة : مَا سُيِّبَ لِلْهَدْيِ . وَالْوَصِيلَة : إِذَا وَلَدَتْ بَعْد أَرْبَعَة أَبْطُن - فِيمَا يَرَى جَرِير - ثُمَّ وَلَدَتْ الْخَامِس ذَكَرًا وَأُنْثَى وَصَلَتْ أَخَاهَا . وَالْحَام : الَّذِي قَدْ ضَرَبَ أَوْلَاد أَوْلَاده فِي الْإِبِل . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ الشَّعْبِيّ بِنَحْوِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : وَالْوَصِيلَة : الَّتِي وَلَدَتْ بَعْد أَرْبَعَة أَبْطُن ذَكَرًا وَأُنْثَى قَالُوا وَصَلَتْ أَخَاهَا . وَسَائِر الْحَدِيث مِثْل حَدِيث اِبْن حُمَيْد . 10003 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا إِسْحَاق الْأَزْرَق , عَنْ زَكَرِيَّا , عَنْ الشَّعْبِيّ , أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْبَحِيرَة , فَقَالَ : هِيَ الَّتِي تُجْدَع آذَانهَا . وَسُئِلَ عَنْ السَّائِبَة , فَقَالَ : كَانُوا يُهْدُونَ لِآلِهَتِهِمْ الْإِبِل وَالْغَنَم فَيَتْرُكُونَهَا عِنْد آلِهَتهمْ لِتُذْبَح , فَتُخْلَط بِغَنَمِ النَّاس , فَلَا يَشْرَب أَلْبَانهَا إِلَّا الرِّجَال , فَإِذَا مَاتَ مِنْهَا شَيْء أَكَلَهُ الرِّجَال وَالنِّسَاء جَمِيعًا . 10004 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { مَا جَعَلَ اللَّه مِنْ بَحِيرَة } وَمَا مَعَهَا : الْبَحِيرَة مِنْ الْإِبِل , يُحَرِّم أَهْل الْجَاهِلِيَّة وَبَرهَا وَظَهْرهَا وَلَحْمهَا وَلَبَنهَا إِلَّا عَلَى الرِّجَال , فَمَا وَلَدَتْ مِنْ ذَكَر وَأُنْثَى فَهُوَ عَلَى هَيْئَتهَا , وَإِنْ مَاتَتْ اِشْتَرَكَ الرِّجَال وَالنِّسَاء فِي أَكْل لَحْمهَا , فَإِذَا ضَرَبَ الْجَمَل مِنْ وَلَد الْبَحِيرَة فَهُوَ الْحَامِي ; وَالسَّائِبَة مِنْ الْغَنَم عَلَى نَحْو ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهَا مَا وَلَدَتْ مِنْ وَلَد بَيْنهَا وَبَيْن سِتَّة أَوْلَاد كَانَ عَلَى هَيْئَتهَا , فَإِذَا وَلَدَتْ فِي السَّابِع ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى أَوْ ذَكَرَيْنِ , ذَبَحُوهُ فَأَكَلَهُ رِجَالهمْ دُون نِسَائِهِمْ ; وَإِنْ تَوْأَمَتْ أُنْثَى وَذَكَرًا فَهِيَ وَصِيلَة , تُرِكَ ذَبْح الذَّكَر بِالْأُنْثَى , وَإِنْ كَانَتَا أُنْثَيَيْنِ تُرِكَتَا . 10005 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { مَا جَعَلَ اللَّه مِنْ بَحِيرَة وَلَا سَائِبَة } فَالْبَحِيرَة : النَّاقَة , كَانَ الرَّجُل إِذَا وَلَدَتْ خَمْسَة أَبْطُن , فَيَعْمِد إِلَى الْخَامِسَة , فَمَا لَمْ يَكُنْ سَقْبًا , فَيُبَتِّك آذَانهَا , وَلَا يَجُزّ لَهَا وَبَرًا , وَلَا يَذُوق لَهَا لَبَنًا , فَتِلْكَ الْبَحِيرَة . { وَلَا سَائِبَة } كَانَ الرَّجُل يُسَيِّب مِنْ مَاله مَا شَاءَ . { وَلَا وَصِيلَة } فَهِيَ الشَّاة إِذَا وَلَدَتْ سَبْعًا , عَمَدَ إِلَى السَّابِع , فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا ذُبِحَ , وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى تُرِكَتْ , وَإِنْ كَانَ فِي بَطْنهَا اِثْنَانِ ذَكَر وَأُنْثَى فَوَلَدَتْهُمَا , قَالُوا : وَصَلَتْ أَخَاهَا , فَيُتْرَكَانِ جَمِيعًا لَا يُذْبَحَانِ , فَتِلْكَ الْوَصِيلَة . وَقَوْله : { وَلَا حَامٍ } كَانَ الرَّجُل يَكُون لَهُ الْفَحْل فَإِذَا لَقَّحَ عَشْرًا قِيلَ : حَامٍ , فَاتْرُكُوهُ ! . 10006 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { مَا جَعَلَ اللَّه مِنْ بَحِيرَة وَلَا سَائِبَة } لِيُسَيِّبُوهَا لِأَصْنَامِهِمْ . { وَلَا وَصِيلَة } يَقُول : الشَّاة . { وَلَا حَامٍ } يَقُول : الْفَحْل مِنْ الْإِبِل . 10007 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { مَا جَعَلَ اللَّه مِنْ بَحِيرَة وَلَا سَائِبَة وَلَا وَصِيلَة وَلَا حَامٍ } تَشْدِيد شَدَّدَهُ الشَّيْطَان عَلَى أَهْل الْجَاهِلِيَّة فِي أَمْوَالهمْ , وَتَغْلِيظ عَلَيْهِمْ , فَكَانَتْ الْبَحِيرَة مِثْل الْإِبِل إِذَا نَتَجَ الرَّجُل خَمْسًا مِنْ إِبِله نَظَرَ الْبَطْن الْخَامِس , فَإِنْ كَانَتْ سَقْبًا ذُبِحَ فَأَكَلَهُ الرِّجَال دُون النِّسَاء , وَإِنْ كَانَ مَيْتَة اِشْتَرَكَ فِيهِ ذَكَرهمْ وَأُنْثَاهُمْ , وَإِنْ كَانَتْ حَائِلًا وَهِيَ الْأُنْثَى تُرِكَتْ فَبُتِكَتْ أُذُنهَا , فَلَمْ يُجَزّ لَهَا وَبَر وَلَمْ يُشْرَب لَهَا لَبَن وَلَمْ يُرْكَب لَهَا ظَهْر وَلَمْ يُذْكَر لِلَّهِ عَلَيْهَا اِسْم . وَكَانَتْ السَّائِبَة : يُسَيِّبُونَ مَا بَدَا لَهُمْ مِنْ أَمْوَالهمْ , فَلَا تَمْتَنِع مِنْ حَوْض أَنْ تَشْرَع فِيهِ وَلَا مِنْ حِمًى أَنْ تَرْتَع فِيهِ . وَكَانَتْ الْوَصِيلَة مِنْ الشَّاء : مِنْ الْبَطْن السَّابِع , إِذَا كَانَ جَدْيًا ذُبِحَ فَأَكَلَهُ الرِّجَال دُون النِّسَاء , وَإِنْ كَانَ مَيْتَة اِشْتَرَكَ فِيهِ ذَكَرهمْ وَأُنْثَاهُمْ , وَإِنْ جَاءَتْ بِذَكَرٍ وَأُنْثَى قِيلَ وَصَلَتْ أَخَاهَا فَمَنَعَتْهُ الذَّبْح . وَالْحَام : كَانَ الْفَحْل إِذَا رُكِبَ مِنْ بَنِي بَنِيهِ عَشَرَة أَوْ وَلَد وَلَده , قِيلَ حَامٍ , حَمَى ظَهْره , فَلَمْ يُزَمَّ وَلَمْ يُخْطَم وَلَمْ يُرْكَب . 10008 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { مَا جَعَلَ اللَّه مِنْ بَحِيرَة وَلَا سَائِبَة وَلَا وَصِيلَة وَلَا حَامٍ } فَالْبَحِيرَة مِنْ الْإِبِل : كَانَتْ النَّاقَة إِذَا نَتَجَتْ خَمْسَة أَبْطُن , إِنْ كَانَ الْخَامِس سَقْبًا ذَبَحُوهُ فَأَهْدَوْهُ إِلَى آلِهَتهمْ وَكَانَتْ أُمّه مِنْ عَرْض الْإِبِل , وَإِنْ كَانَتْ رُبَعَة اِسْتَحْيَوْهَا , وَشَقُّوا أُذُن أُمّهَا , وَجَزُّوا وَبَرهَا , وَخَلَّوْهَا فِي الْبَطْحَاء , فَلَمْ تَجُزْ لَهُمْ فِي دِيَة , وَلَمْ يَحْلُبُوا لَهَا لَبَنًا , وَلَمْ يَجُزُّوا لَهَا وَبَرًا , وَلَمْ يَحْمِلُوا عَلَى ظَهْرهَا , وَهِيَ مِنْ الْأَنْعَام الَّتِي حُرِّمَتْ ظُهُورهَا . وَأَمَّا السَّائِبَة : فَهُوَ الرَّجُل يُسَيِّب مِنْ مَاله مَا شَاءَ عَلَى وَجْه الشُّكْر إِنْ كَثُرَ مَاله , أَوْ بَرَأَ مِنْ وَجَع , أَوْ رَكِبَ نَاقَة فَأَنْجَحَ , فَإِنَّهُ يُسَمِّي السَّائِبَة يُرْسِلهَا فَلَا يَعْرِض لَهَا أَحَد مِنْ الْعَرَب إِلَّا أَصَابَتْهُ عُقُوبَة فِي الدُّنْيَا . وَأَمَّا الْوَصِيلَة , فَمِنْ الْغَنَم , هِيَ الشَّاة إِذَا وَلَدَتْ ثَلَاثَة أَبْطُن أَوْ خَمْسَة , فَكَانَ آخِر ذَلِكَ جَدْيًا ذَبَحُوهُ وَأَهْدَوْهُ لِبَيْتِ الْآلِهَة , وَإِنْ كَانَتْ عَنَاقًا اِسْتَحْيَوْهَا , وَإِنْ كَانَتْ جَدْيًا وَعَنَاقًا اِسْتَحْيَوْا الْجَدْي مِنْ أَجْل الْعَنَاق , فَإِنَّهَا وَصِيلَة وَصَلَتْ أَخَاهَا . وَأَمَّا الْحَام : فَالْفَحْل يَضْرِب فِي الْإِبِل عَشْر سِنِينَ , وَيُقَال : إِذَا ضَرَبَ وَلَد وَلَدِهِ قِيلَ : قَدْ حَمَى ظَهْره , فَيَتْرُكُونَهُ لَا يُمَسّ , وَلَا يُنْحَر أَبَدًا , وَلَا يُمْنَع مِنْ كَلَإٍ يُرِيدهُ , وَهُوَ مِنْ الْأَنْعَام الَّتِي حُرِّمَتْ ظُهُورهَا . 10009 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ اِبْن الْمُسَيِّب , فِي قَوْله : { مَا جَعَلَ اللَّه مِنْ بَحِيرَة وَلَا سَائِبَة وَلَا وَصِيلَة وَلَا حَامٍ } قَالَ : الْبَحِيرَة مِنْ الْإِبِل الَّتِي يَمْنَع دَرّهَا لِلطَّوَاغِيتِ . وَالسَّائِبَة مِنْ الْإِبِل : كَانُوا يُسَيِّبُونَهَا لِطَوَاغِيتِهِمْ . وَالْوَصِيلَة مِنْ الْإِبِل كَانَتْ النَّاقَة تُبَكِّر بِأُنْثَى , ثُمَّ تُثَنِّي بِأُنْثَى , فَيُسَمُّونَهَا الْوَصِيلَة , يَقُولُونَ : وَصَلَتْ اِثْنَتَيْنِ لَيْسَ بَيْنهمَا ذَكَر , فَكَانُوا يَجْدَعُونَهَا لِطَوَاغِيتِهِمْ , أَوْ يَذْبَحُونَهَا , الشَّكّ مِنْ أَبِي جَعْفَر . وَالْحَام : الْفَحْل مِنْ الْإِبِل , كَانَ يَضْرِب . الضِّرَاب الْمَعْدُود , فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ , قَالُوا : هَذَا حَامٍ , قَدْ حَمَى ظَهْره فَتُرِكَ , فَسَمَّوْهُ الْحَام . قَالَ مَعْمَر , قَالَ قَتَادَة : إِذَا ضَرَبَ عَشَرَة . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : الْبَحِيرَة مِنْ الْإِبِل : كَانَتْ النَّاقَة إِذَا نَتَجَتْ خَمْسَة أَبْطُن , فَإِنْ كَانَ الْخَامِس ذَكَرًا كَانَ لِلرِّجَالِ دُون النِّسَاء , وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى بَتَكُوا آذَانهَا , ثُمَّ أَرْسَلُوهَا , فَلَمْ يَنْحَرُوا لَهَا وَلَدًا , وَلَمْ يَشْرَبُوا لَهَا لَبَنًا , وَلَمْ يَرْكَبُوا لَهَا ظَهْرًا . وَأَمَّا السَّائِبَة , فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُسَيِّبُونَ بَعْض إِبِلهمْ , فَلَا تُمْنَع حَوْضًا أَنْ تَشْرَع فِيهِ , وَلَا مَرْعًى أَنْ تَرْتَع فِيهِ . وَالْوَصِيلَة : الشَّاة : كَانَتْ إِذَا وَلَدَتْ سَبْعَة أَبْطُن , فَإِنْ كَانَ السَّابِع ذَكَرًا ذُبِحَ وَأَكَلَهُ الرِّجَال دُون النِّسَاء , وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى تُرِكَتْ . 10010 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ الْفَضْل بْن خَالِد , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سَلْمَان , عَنْ الضَّحَّاك : { مَا جَعَلَ اللَّه مِنْ بَحِيرَة وَلَا سَائِبَة وَلَا وَصِيلَة وَلَا حَامٍ } أَمَّا الْبَحِيرَة : فَكَانَتْ النَّاقَة إِذَا نَتَجُوهَا خَمْسَة أَبْطُن نَحَرُوا الْخَامِس إِنْ كَانَ سَقْبًا , وَإِنْ كَانَ رُبَعَة شَقُّوا أُذُنهَا وَاسْتَحْيَوْهَا , وَهِيَ بَحِيرَة . وَأَمَّا السَّقْب فَلَا يَأْكُل نِسَاؤُهُمْ مِنْهُ , وَهُوَ خَالِص لِرِجَالِهِمْ , فَإِنْ مَاتَتْ النَّاقَة أَوْ نَتَجُوهَا مَيِّتًا فَرِجَالهمْ وَنِسَاؤُهُمْ فِيهِ سَوَاء يَأْكُلُونَ مِنْهُ . وَأَمَّا السَّائِبَة : فَكَانَ يُسَيِّب الرَّجُل مِنْ مَاله مِنْ الْأَنْعَام , فَيُهْمَل فِي الْحِمَى فَلَا يُنْتَفَع بِظَهْرِهِ وَلَا بِوَلَدِهِ , وَلَا بِلَبَنِهِ , وَلَا بِشَعْرِهِ , وَلَا بِصُوفِهِ . وَأَمَّا الْوَصِيلَة , فَكَانَتْ الشَّاة إِذَا وَلَدَتْ سَبْعَة أَبْطُن ذَبَحُوا السَّابِع إِذَا كَانَ جَدْيًا , وَإِنْ كَانَ عَنَاقًا اِسْتَحْيَوْهُ , وَإِنْ كَانَ جَدْيًا وَعَنَاقًا اِسْتَحْيَوْهُمَا كِلَيْهِمَا , وَقَالُوا : إِنَّ الْجَدْي وَصَلَتْهُ أُخْته , فَحَرَّمَتْهُ عَلَيْنَا . وَأَمَّا الْحَامِي : فَالْفَحْل إِذَا رَكِبُوا أَوْلَاد وَلَده , قَالُوا : قَدْ حَمَى هَذَا ظَهْره , وَأُحْرِزَ أَوْلَاد وَلَده , فَلَا يَرْكَبُونَهُ , وَلَا يَمْنَعُونَهُ مِنْ حِمَى شَجَر , وَلَا حَوْض مَا شَرَعَ فِيهِ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحَوْض لِصَاحِبِهِ , وَكَانَتْ مِنْ إِبِلهمْ طَائِفَة لَا يَذْكُرُونَ اِسْم اللَّه عَلَيْهَا فِي شَيْء مِنْ شَأْنهمْ , لَا إِنْ رَكِبُوا , وَلَا إِنْ حَمَلُوا , وَلَا إِنْ حَلَبُوا , وَلَا إِنْ نَتَجُوا , وَلَا إِنْ بَاعُوا , فَفِي ذَلِكَ أَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { مَا جَعَلَ اللَّه مِنْ بَحِيرَة وَلَا سَائِبَة } إِلَى قَوْله : { وَأَكْثَرهمْ لَا يَعْقِلُونَ } . 10011 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { مَا جَعَلَ اللَّه مِنْ بَحِيرَة وَلَا سَائِبَة وَلَا وَصِيلَة وَلَا حَامٍ } قَالَ : هَذَا شَيْء كَانَتْ تَعْمَل بِهِ أَهْل الْجَاهِلِيَّة , وَقَدْ ذَهَبَ . قَالَ : الْبَحِيرَة : كَانَ الرَّجُل يَجْدَع أُذُنَيْ نَاقَته ثُمَّ يُعْتِقهَا , كَمَا يُعْتِق جَارِيَته وَغُلَامه , لَا تُحْلَب , وَلَا تُرْكَب . وَالسَّائِبَة : يُسَيِّبهَا بِغَيْرِ تَجْدِيع . وَالْحَام : إِذَا نَتَجَ لَهُ سَبْع إِنَاث مُتَوَالِيَات , قَدْ حُمِيَ ظَهْره , وَلَا يُرْكَب , وَلَا يُعْمَل عَلَيْهِ . وَالْوَصِيلَة مِنْ الْغَنَم : إِذَا وَلَدَتْ سَبْع إِنَاث مُتَوَالِيَات حَمَتْ لَحْمهَا أَنْ يُؤْكَل . * - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن يُوسُف , قَالَ : ثنا اللَّيْث بْن سَعْد , قَالَ : ثني اِبْن الْهَادِ , عَنْ اِبْن شِهَاب , قَالَ : قَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : السَّائِبَة : الَّتِي كَانَتْ تُسَيَّب فَلَا يُحْمَل عَلَيْهَا شَيْء . وَالْبَحِيرَة : الَّتِي يُمْنَع دَرّهَا لِلطَّوَاغِيتِ فَلَا يَحْلُبهَا أَحَد . وَالْوَصِيلَة : النَّاقَة الْبِكْر تُبَكِّر أَوَّل نِتَاج الْإِبِل بِأُنْثَى , ثُمَّ تُثَنِّي بَعْد بِأُنْثَى , وَكَانُوا يُسَمُّونَهَا لِلطَّوَاغِيتِ , يَدْعُونَهَا الْوَصِيلَة , إِنْ وَصَلَتْ إِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى . وَالْحَامِي : فَحْل الْإِبِل يَضْرِب الْعَشْر مِنْ الْإِبِل , فَإِذَا نَقَصَ ضِرَابه يَدَعُونَهُ لِلطَّوَاغِيتِ , وَأَعْفَوْهُ مِنْ الْحَمْل , فَلَمْ يَحْمِلُوا عَلَيْهِ شَيْئًا , وَسَمَّوْهُ الْحَامِي . وَهَذِهِ أُمُور كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّة فَأَبْطَلَهَا الْإِسْلَام , فَلَا نَعْرِف قَوْمًا يَعْمَلُونَ بِهَا الْيَوْم . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ مَا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّة تَعْمَل بِهِ لَا يُوصَل إِلَى عِلْمه - إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْإِسْلَام الْيَوْم أَثَر , وَلَا فِي الشِّرْك نَعْرِفهُ - إِلَّا بِخَبَرٍ , وَكَانَتْ الْأَخْبَار عَمَّا كَانُوا يَفْعَلُونَ مِنْ ذَلِكَ مُخْتَلِفَة الِاخْتِلَاف الَّذِي ذَكَرْنَا ; فَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : أَمَّا مَعَانِي هَذِهِ الْأَسْمَاء , فَمَا بَيَّنَّا فِي اِبْتِدَاء الْقَوْل فِي تَأْوِيل هَذِهِ الْآيَة . وَأَمَّا كَيْفَِيَّة عَمَل الْقَوْم فِي ذَلِكَ , فَمَا لَا عِلْم لَنَا بِهِ . وَقَدْ وَرَدَتْ الْأَخْبَار بِوَصْفِ عَمَلهمْ ذَلِكَ عَلَى مَا قَدْ حَكَيْنَا , وَغَيْر ضَائِر الْجَهْل بِذَلِكَ إِذَا كَانَ الْمُرَاد مِنْ عِلْمه الْمُحْتَاج إِلَيْهِ , مُوَصِّلًا إِلَى حَقِيقَته , وَهُوَ أَنَّ الْقَوْم كَانُوا مُحَرِّمِينَ مِنْ أَنْعَامهمْ عَلَى أَنْفُسهمْ مَا لَمْ يُحَرِّمهُ اللَّه اِتِّبَاعًا مِنْهُمْ خُطُوَات الشَّيْطَان , فَوَبَّخَهُمْ اللَّه تَعَالَى بِذَلِكَ , وَأَخْبَرَهُمْ أَنْ كُلّ ذَلِكَ حَلَال , فَالْحَرَام مِنْ كُلّ شَيْء عِنْدنَا , مَا حَرَّمَ اللَّه تَعَالَى وَرَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بِنَصٍّ أَوْ دَلِيل . وَالْحَلَال مِنْهُ : مَا أَحَلَّهُ اللَّه وَرَسُوله كَذَلِكَ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّه الْكَذِب وَأَكْثَرهمْ لَا يَعْقِلُونَ } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنِيّ بِاَلَّذِينَ كَفَرُوا فِي هَذَا الْمَوْضِع وَالْمُرَاد بِقَوْلِهِ : { وَأَكْثَرهمْ لَا يَعْقِلُونَ } فَقَالَ بَعْضهمْ : الْمَعْنِيّ بِاَلَّذِينَ كَفَرُوا : الْيَهُود , وَبِاَلَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ : أَهْل الْأَوْثَان ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10012 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ سُفْيَان , عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْد , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي مُوسَى : { وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّه الْكَذِب } قَالَ : أَهْل الْكِتَاب . { وَأَكْثَرهمْ لَا يَعْقِلُونَ } قَالَ : أَهْل الْأَوْثَان . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُمْ أَهْل مِلَّة وَاحِدَة , وَلَكِنَّ " الْمُفْتَرِينَ " الْمَتْبُوعُونَ , وَ " الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ " : الْأَتْبَاع ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10013 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا خَارِجَة , عَنْ دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ الشَّعْبِيّ فِي قَوْله : { وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّه الْكَذِب وَأَكْثَرهمْ لَا يَعْقِلُونَ } هُمْ الْأَتْبَاع . وَأَمَّا " الَّذِينَ اِفْتَرَوْا " , يَعْقِلُونَ أَنَّهُمْ اِفْتَرَوْا . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدنَا بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّ الْمَعْنِيِّينَ بِقَوْلِهِ : { وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّه الْكَذِب } الَّذِينَ بَحَّرُوا الْبَحَائِر , وَسَيَّبُوا السَّوَائِب , وَوَصَلُوا الْوَصَائِل , وَحَمُوا الْحَوَامِي ; مِثْل عَمْرو بْن لُحَيّ وَأَشْكَاله , مِمَّنْ سَنُّوا لِأَهْلِ الشِّرْك السُّنَن الرَّدِيئَة وَغَيَّرُوا دِين اللَّه دِين الْحَقّ وَأَضَافُوا إِلَى اللَّه تَعَالَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي حَرَّمَ مَا حَرَّمُوا وَأَحَلَّ مَا أَحَلُّوا , اِفْتِرَاء عَلَى اللَّه الْكَذِب وَهُمْ يَعْلَمُونَ , وَاخْتِلَاقًا عَلَيْهِ الْإِفْك وَهُمْ يَعْمَهُونَ . فَكَذَّبَهُمْ اللَّه تَعَالَى فِي قِيلهمْ ذَلِكَ , وَإِضَافَتهمْ إِلَيْهِ مَا أَضَافُوا مِنْ تَحْلِيل مَا أَحَلُّوا وَتَحْرِيم مَا حَرَّمُوا , فَقَالَ تَعَالَى ذِكْره : مَا جَعَلْت مِنْ بَحِيرَة وَلَا سَائِبَة , وَلَكِنَّ الْكُفَّار هُمْ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَيَفْتَرُونَ عَلَى اللَّه الْكَذِب . وَأَنْ يُقَال : إِنَّ الْمَعْنِيِّينَ بِقَوْلِهِ { وَأَكْثَرهمْ لَا يَعْقِلُونَ } هُمْ أَتْبَاع مَنْ سَنَّ لَهُمْ هَذِهِ السُّنَن مِنْ جَهَلَة الْمُشْرِكِينَ , فَهُمْ لَا شَكَّ أَنَّهُمْ أَكْثَر مِنْ الَّذِينَ لَهُمْ سَنُّوا ذَلِكَ ; فَوَصَفَهُمْ اللَّه تَعَالَى بِأَنَّهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْقِلُونَ أَنَّ الَّذِينَ سَنُّوا لَهُمْ تِلْكَ السُّنَن , وَأَخْبَرُوهُمْ أَنَّهَا مِنْ عِنْد اللَّه كَذَبَة فِي إِخْبَارهمْ أَفْكَة , بَلْ ظَنُّوا أَنَّهُمْ فِيمَا يَقُولُونَ مُحِقُّونَ فِي إِخْبَارهمْ صَادِقُونَ . وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام : وَأَكْثَرهمْ لَا يَعْقِلُونَ أَنَّ ذَلِكَ التَّحْرِيم الَّذِي حَرَّمَهُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ وَأَضَافُوهُ إِلَى اللَّه تَعَالَى كَذِب وَبَاطِل . وَهَذَا الْقَوْل الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ نَظِير قَوْل الشَّعْبِيّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ , وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ : عُنِيَ بِاَلَّذِين كَفَرُوا : أَهْل الْكِتَاب , وَذَلِكَ أَنَّ النَّكِير فِي اِبْتِدَاء الْآيَة مِنْ اللَّه تَعَالَى عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَب , فَالْخَتْم بِهِمْ أَوْلَى مِنْ غَيْرهمْ , إِذْ لَمْ يَكُنْ عَرَضَ فِي الْكَلَام مَا يُصْرَف مِنْ أَجْله عَنْهُمْ إِلَى غَيْرهمْ . وَبِنَحْوِ ذَلِكَ كَانَ يَقُول قَتَادَة . 10014 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَأَكْثَرهمْ لَا يَعْقِلُونَ } يَقُول : لَا يَعْقِلُونَ تَحْرِيم الشَّيْطَان الَّذِي يُحَرِّم عَلَيْهِمْ , إِنَّمَا كَانَ مِنْ الشَّيْطَان وَلَا يَعْقِلُونَ .
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَسورة المائدة الآية رقم 104
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّه وَإِلَى الرَّسُول قَالُوا حَسْبنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِذَا قِيلَ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُبَحِّرُونَ الْبَحَائِر وَيُسَيِّبُونَ السَّوَائِب الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ أَنَّهُمْ بِإِضَافَتِهِمْ تَحْرِيم ذَلِكَ إِلَى اللَّه تَعَالَى يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّه الْكَذِب : تَعَالَوْا إِلَى تَنْزِيل اللَّه وَآي كِتَابه وَإِلَى رَسُوله , لِيَتَبَيَّن لَكُمْ كَذِب قِيلكُمْ فِيمَ تُضِيفُونَهُ إِلَى اللَّه تَعَالَى مِنْ تَحْرِيمكُمْ مَا تُحَرِّمُونَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاء , أَجَابُوا مَنْ دَعَاهُمْ إِلَى ذَلِكَ , بِأَنْ يَقُولُوا : حَسْبنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ مِنْ قَبْلنَا آبَاءَنَا يَعْمَلُونَ بِهِ , وَيَقُولُونَ : نَحْنُ لَهُمْ تَبَع وَهُمْ لَنَا أَئِمَّة وَقَادَة , وَقَدْ اِكْتَفَيْنَا بِمَا أَخَذْنَا عَنْهُمْ وَرَضِينَا بِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ تَحْرِيم وَتَحْلِيل . قَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَلَوْ كَانَ آبَاء هَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ هَذِهِ الْمَقَالَة لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا , يَقُول : لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ مَا يُضِيفُونَهُ إِلَى اللَّه تَعَالَى مِنْ تَحْرِيم الْبَحِيرَة وَالسَّائِبَة وَالْوَصِيلَة وَالْحَام كَذِب وَفِرْيَة عَلَى اللَّه , لَا حَقِيقَة لِذَلِكَ وَلَا صِحَّة ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَتْبَاع الْمُفْتَرِينَ الَّذِينَ اِبْتَدَءُوا تَحْرِيم ذَلِكَ اِفْتِرَاء عَلَى اللَّه بِقِيلِهِمْ مَا كَانُوا يَقُولُونَ مِنْ إِضَافَتهمْ إِلَى اللَّه تَعَالَى مَا يُضِيفُونَ مَا كَانُوا فِيمَا هُمْ بِهِ عَامِلُونَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى اِسْتِقَامَة وَصَوَاب , بَلْ كَانُوا عَلَى ضَلَالَة وَخَطَأ .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَسورة المائدة الآية رقم 105
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ } فَأَصْلِحُوهَا , وَاعْمَلُوا فِي خَلَاصهَا مِنْ عِقَاب اللَّه تَعَالَى , وَانْظُرُوا لَهَا فِيمَا يُقَرِّبهَا مِنْ رَبّهَا , فَإِنَّهُ { لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ } يَقُول : لَا يَضُرّكُمْ مَنْ كَفَرَ وَسَلَكَ غَيْر سَبِيل الْحَقّ إِذَا أَنْتُمْ اِهْتَدَيْتُمْ وَآمَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ وَأَطَعْتُمُوهُ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَفِيمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ , فَحَرَّمْتُمْ حَرَامه وَحَلَّلْتُمْ حَلَاله . وَنَصَبَ قَوْله : { أَنْفُسكُمْ } بِالْإِغْرَاءِ , وَالْعَرَب تُغْرِي مِنْ الصِّفَات بِ " عَلَيْك " , وَ " عِنْدك " وَ " دُونك " وَ " إِلَيْك " . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ إِذَا أَمَرْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَيْتُمْ عَنْ الْمُنْكَر فَلَمْ يُقْبَل مِنْكُمْ ذَلِكَ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10015 - حَدَّثَنَا سَوَّار بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثنا أَبُو الْأَشْهَب , عَنْ الْحَسَن : أَنَّ هَذِهِ الْآيَة قُرِئَتْ عَلَى اِبْن مَسْعُود : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مِنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } فَقَالَ اِبْن مَسْعُود : لَيْسَ هَذَا بِزَمَانِهَا , قُولُوهَا مَا قُبِلَتْ مِنْكُمْ فَإِذَا رُدَّتْ عَلَيْكُمْ فَعَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ أَبِي الْأَشْهَب , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : ذُكِرَ عَنْ اِبْن مَسْعُود { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه . * - حَدَّثَنَا يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ يُونُس , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : قَالَ رَجُل لِابْنِ مَسْعُود : أَلَمْ يَقُلْ اللَّه : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } ؟ قَالَ : لَيْسَ هَذَا بِزَمَانِهَا , قُولُوهَا مَا قُبِلَتْ مِنْكُمْ فَإِذَا رُدَّتْ عَلَيْكُمْ فَعَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ . 10016 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عَرَفَة , قَالَ : ثنا شَبَابَة بْن سَوَّار , قَالَ : ثنا الرَّبِيع بْن صُبَيْح , عَنْ سُفْيَان بْن عِقَال , قَالَ : قِيلَ لِابْنِ عُمَر : لَوْ جَلَسْت فِي هَذِهِ الْأَيَّام فَلَمْ تَأْمُر وَلَمْ تَنْهَ , فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول : { عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } ! فَقَالَ اِبْن عُمَر : إِنَّهَا لَيْسَتْ لِي وَلَا لِأَصْحَابِي ; لِأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَلَا فَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ " فَكُنَّا نَحْنُ الشُّهُود وَأَنْتُمْ الْغُيَّب , وَلَكِنَّ هَذِهِ الْآيَة لِأَقْوَامٍ يَجِيئُونَ مِنْ بَعْدنَا إِنْ قَالُوا لَمْ يُقْبَل مِنْهُمْ . 10017 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الْمِقْدَام , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت أَبِي , قَالَ : ثنا قَتَادَة , عَنْ أَبِي مَازِن قَالَ : اِنْطَلَقْت عَلَى عَهْد عُثْمَان إِلَى الْمَدِينَة , فَإِذَا قَوْم مِنْ الْمُسْلِمِينَ جُلُوس , فَقَرَأَ أَحَدهمْ هَذِهِ الْآيَة : { عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ } فَقَالَ أَكْثَرهمْ : لَمْ يَجِيء تَأْوِيل هَذِهِ الْآيَة الْيَوْم . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَاصِم , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ قَتَادَة , عَنْ أَبِي مَازِن , بِنَحْوِهِ . 10018 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر وَأَبُو عَاصِم , قَالَا : ثنا عَوْف , عَنْ سَوَّار بْن شُبَيْب , قَالَ : كُنْت عِنْد اِبْن عُمَر , إِذْ أَتَاهُ رَجُل جَلِيد فِي الْعَيْن , شَدِيد اللِّسَان , فَقَالَ : يَا أَبَا عَبْد الرَّحْمَن نَحْنُ سِتَّة كُلّهمْ قَدْ قَرَءُوا الْقُرْآن فَأَسْرَعَ فِيهِ , وَكُلّهمْ مُجْتَهِد لَا يَأْلُو , وَكُلّهمْ بَغِيض إِلَيْهِ أَنْ يَأْتِي دَنَاءَة , وَهُمْ فِي ذَلِكَ يَشْهَد بَعْضهمْ عَلَى بَعْض بِالشِّرْكِ . فَقَالَ رَجُل مِنْ الْقَوْم : وَأَيّ دَنَاءَة تُرِيد أَكْثَر مِنْ أَنْ يَشْهَد بَعْضهمْ عَلَى بَعْض بِالشِّرْكِ ؟ قَالَ : فَقَالَ الرَّجُل : إِنِّي لَسْت إِيَّاكَ أَسْأَل , أَنَا أَسْأَل الشَّيْخ . فَأَعَادَ عَلَى عَبْد اللَّه الْحَدِيث , فَقَالَ عَبْد اللَّه بْن عُمَر : لَعَلَّك تَرَى لَا أَبَا لَك إِنِّي سَآمُرُك أَنْ تَذْهَب فَتَقْتُلهُمْ ؟ عِظْهُمْ وَانْهَهُمْ , فَإِنْ عَصَوْك فَعَلَيْك بِنَفْسِك , فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّه مَرْجِعكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن : أَنَّ اِبْن مَسْعُود سَأَلَهُ رَجُل عَنْ قَوْله : { عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } قَالَ : إِنَّ هَذَا لَيْسَ بِزَمَانِهَا , إِنَّهَا الْيَوْم مَقْبُولَة , وَلَكِنَّهُ قَدْ أَوْشَكَ أَنْ يَأْتِي زَمَان تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ فَيُصْنَع بِكُمْ كَذَا وَكَذَا - أَوْ قَالَ : فَلَا يُقْبَل مِنْكُمْ - فَحِينَئِذٍ عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ , لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , عَنْ رَجُل قَالَ : كُنْت فِي خِلَافَة عُثْمَان بِالْمَدِينَةِ فِي حَلْقَة فِيهِمْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَإِذَا فِيهِمْ شَيْخ يُسْنِدُونَ إِلَيْهِ , فَقَرَأَ رَجُل : { عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } فَقَالَ الشَّيْخ : إِنَّمَا تَأْوِيلهَا آخِر الزَّمَان . * - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : ثنا أَبُو مَازِن رَجُل مِنْ صَالِحِي الْأَزْد مِنْ بَنِي الْجَدَّانِ , قَالَ : اِنْطَلَقْت فِي حَيَاة عُثْمَان إِلَى الْمَدِينَة , فَقَعَدْت إِلَى حَلْقَة فِيهَا أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَرَأَ رَجُل مِنْ الْقَوْم هَذِهِ الْآيَة { لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } قَالَ : فَقَالَ رَجُل مِنْ أَسَنّ الْقَوْم : دَعْ هَذِهِ الْآيَة , فَإِنَّمَا تَأْوِيلهَا فِي آخِر الزَّمَان . 10019 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا اِبْن فَضَالَة , عَنْ مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ جُبَيْر بْن نُفَيْر , قَالَ : كُنْت فِي حَلْقَة فِيهَا أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَإِنِّي لَأَصْغَر الْقَوْم , فَتَذَاكَرُوا الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر , فَقُلْت أَنَا : أَلَيْسَ اللَّه يَقُول فِي كِتَابه : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } ؟ فَأَقْبَلُوا عَلَيَّ بِلِسَانٍ وَاحِد , وَقَالُوا : تَنْزِع بِآيَةٍ مِنْ الْقُرْآن لَا تَعْرِفهَا وَلَا تَدْرِي مَا تَأْوِيلهَا ! حَتَّى تَمَنَّيْت أَنِّي لَمْ أَكُنْ تَكَلَّمْت . ثُمَّ أَقْبَلُوا يَتَحَدَّثُونَ ; فَلَمَّا حَضَرَ قِيَامهمْ , قَالُوا : إِنَّك غُلَام حَدَث السِّنّ , وَإِنَّك نَزَعْت بِآيَةٍ لَا تَدْرِي مَا هِيَ , وَعَسَى أَنْ تُدْرِك ذَلِكَ الزَّمَان ; إِذَا رَأَيْت شُحًّا مُطَاعًا , وَهَوًى مُتَّبَعًا وَإِعْجَاب كُلّ ذِي رَأْي بِرَأْيِهِ , فَعَلَيْك بِنَفْسِك لَا يَضُرّك مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْت ! . 10020 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا لَيْث بْن هَارُون , قَالَ : ثنا إِسْحَاق الرَّازِيّ , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , فِي قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّه مَرْجِعكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } قَالَ : كَانُوا عِنْد عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود جُلُوسًا , فَكَانَ بَيْن رَجُلَيْنِ مَا يَكُون بَيْن النَّاس , حَتَّى قَامَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى صَاحِبه , فَقَالَ رَجُل مِنْ جُلَسَاء عَبْد اللَّه : أَلَا أَقُوم فَآمُرهُمَا بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهَاهُمَا عَنْ الْمُنْكَر ؟ فَقَالَ آخَر إِلَى جَنْبه : عَلَيْك بِنَفْسِك , فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول : { عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } ! قَالَ : فَسَمِعَهَا اِبْن مَسْعُود , فَقَالَ : مَهْ ! لَمْ يَجِئْ تَأْوِيل هَذِهِ بَعْد , إِنَّ الْقُرْآن أُنْزِلَ حَيْثُ أُنْزِلَ وَمِنْهُ آي قَدْ مَضَى تَأْوِيلهنَّ قَبْل أَنْ يَنْزِلْنَ , وَمِنْهُ مَا وَقَعَ تَأْوِيلهنَّ عَلَى عَهْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمِنْهُ آي قَدْ وَقَعَ تَأْوِيلهنَّ بَعْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَسِيرِ , وَمِنْهُ آي يَقَع تَأْوِيلهنَّ بَعْد الْيَوْم , وَمِنْهُ آي يَقَع تَأْوِيلهنَّ عِنْد السَّاعَة عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ أَمْر السَّاعَة , وَمِنْهُ آي يَقَع تَأْوِيلهنَّ يَوْم الْحِسَاب عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ أَمْر الْحِسَاب وَالْجَنَّة وَالنَّار ; فَمَا دَامَتْ قُلُوبكُمْ وَاحِدَة وَأَهْوَاؤُكُمْ وَاحِدَة وَلَمْ تُلْبَسُوا شِيَعًا وَلَمْ يَذُقْ بَعْضكُمْ بَأْس بَعْض , فَأْمُرُوا وَانْهَوْا ! فَإِذَا اِخْتَلَفَتْ الْقُلُوب وَالْأَهْوَاء وَأُلْبِسْتُمْ شِيَعًا وَذَاقَ بَعْضكُمْ بَأْس بَعْض , فَامْرُؤٌ وَنَفْسه , فَعِنْد ذَلِكَ جَاءَ تَأْوِيل هَذِهِ الْآيَة . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ اِبْن مَسْعُود : أَنَّهُ كَانَ بَيْن رَجُلَيْنِ بَعْض مَا يَكُون بَيْن النَّاس , حَتَّى قَامَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى صَاحِبه , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه . 10021 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن الْمِقْدَام , قَالَ : ثنا حَرَمِيّ , قَالَ : سَمِعْت الْحَسَن يَقُول : تَأَوَّلَ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } فَقَالَ بَعْض أَصْحَابه : دَعُوا هَذِهِ الْآيَة فَلَيْسَتْ لَكُمْ ! . 10022 - حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيل بْن إِسْرَائِيل اللآل الرَّمْلِيّ , قَالَ : ثنا أَيُّوب بْن سُوَيْد , قَالَ : ثنا عُتْبَة بْن أَبِي حَكِيم , عَنْ عَمْرو بْن جَارِيَة اللَّخْمِيّ , عَنْ أَبِي أُمَيَّة الشَّعْبَانِيّ , قَالَ : سَأَلْت أَبَا ثَعْلَبَة الْخُشَنِيّ عَنْ هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ } فَقَالَ : لَقَدْ سَأَلْت عَنْهَا خَبِيرًا , سَأَلْت عَنْهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : " أَبَا ثَعْلَبَة ! اِئْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ , وَتَنَاهَوْا عَنْ الْمُنْكَر , فَإِذَا رَأَيْت دُنْيَا مُؤْثَرَة وَشُحًّا مُطَاعًا وَإِعْجَاب كُلّ ذِي رَأْي بِرَأْيِهِ , فَعَلَيْك نَفْسك ! أَرَى مِنْ بَعْدكُمْ أَيَّام الصَّبْر , لِلْمُتَمَسِّكِ يَوْمئِذٍ بِمِثْلِ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ كَأَجْرِ خَمْسِينَ عَامِلًا " . قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه , كَأَجْرِ خَمْسِينَ عَامِلًا مِنْهُمْ ؟ قَالَ : " لَا , كَأَجْرِ خَمْسِينَ عَامِلًا مِنْكُمْ " . * - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , عَنْ اِبْن الْمُبَارَك وَغَيْره , عَنْ عُتْبَة بْن أَبِي حَكِيم , عَنْ عَمْرو بْن جَارِيَة اللَّخْمِيّ عَنْ أَبِي أُمَيَّة الشَّعْبَانِيّ , قَالَ : سَأَلْت أَبَا ثَعْلَبَة الْخُشَنِيّ : كَيْفَ نَصْنَع بِهَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } ؟ فَقَالَ أَبُو ثَعْلَبَة : سَأَلْت عَنْهَا خَبِيرًا , سَأَلْت عَنْهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : " اِئْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ , وَتَنَاهَوْا عَنْ الْمُنْكَر , حَتَّى إِذَا رَأَيْت شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَإِعْجَاب كُلّ ذِي رَأْي بِرَأْيِهِ , فَعَلَيْك بِخُوَيْصَة نَفْسك , وَذَرْ عَوَامّهمْ فَإِنَّ وَرَاءَكُمْ أَيَّامًا أَجْر الْعَامِل فِيهَا كَأَجْرِ خَمْسِينَ مِنْكُمْ " . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أَنَّ الْعَبْد إِذَا عَمِلَ بِطَاعَةِ اللَّه لَمْ يَضُرّهُ مَنْ ضَلَّ بَعْده وَهَلَكَ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10023 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ } يَقُول : إِذَا مَا الْعَبْد أَطَاعَنِي فِيمَا أَمَرْته مِنْ الْحَلَال وَالْحَرَام , فَلَا يَضُرّهُ مَنْ ضَلَّ بَعْد إِذَا عَمِلَ بِمَا أَمَرْته بِهِ . 10024 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } يَقُول : أَطِيعُوا أَمْرِي , وَاحْفَظُوا وَصِيَّتِي . 10025 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا لَيْث بْن هَارُون , قَالَ : ثنا إِسْحَاق الرَّازَيّ , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ صَفْوَان بْن الْجَوْن , قَالَ : دَخَلَ عَلَيْهِ شَابّ مِنْ أَصْحَاب الْأَهْوَاء , فَذَكَرَ شَيْئًا مِنْ أَمْره , فَقَالَ صَفْوَان : أَلَا أَدُلّك عَلَى خَاصَّة اللَّه الَّتِي خَصَّ بِهَا أَوْلِيَاءَهُ { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ } الْآيَة . 10026 - حَدَّثَنَا عَبْد الْكَرِيم بْن أَبِي عُمَيْر , قَالَ : ثنا أَبُو الْمُطَرِّف الْمَخْزُومِيّ , قَالَ : ثنا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : { عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } مَا لَمْ يَكُنْ سَيْف أَوْ سَوْط . 10027 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا ضَمْرَة بْن رَبِيعَة , قَالَ : تَلَا الْحَسَن هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } فَقَالَ الْحَسَن : الْحَمْد لِلَّهِ بِهَا وَالْحَمْد لِلَّهِ عَلَيْهَا , مَا كَانَ مُؤْمِن فِيمَا مَضَى وَلَا مُؤْمِن فِيمَا بَقِيَ إِلَّا وَإِلَى جَانِبه مُنَافِق يَكْرَه عَمَله . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ } فَاعْمَلُوا بِطَاعَةِ اللَّه { لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } فَأَمَرْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَيْتُمْ عَنْ الْمُنْكَر ذُكِرَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10028 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام بْن سَلْم , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ سَعْد الْبَقَّال , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : { لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } قَالَ : إِذَا أَمَرْت بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَيْت عَنْ الْمُنْكَر , لَا يَضُرّك مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْت . 10029 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ أَبِي الْعُمَيْس , عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيّ , عَنْ حُذَيْفَة : { عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مِنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } قَالَ : إِذَا أَمَرْتُمْ وَنَهَيْتُمْ . 10030 - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ اِبْن أَبِي خَالِد , عَنْ قَيْس بْن أَبِي حَازِم , قَالَ : قَالَ أَبُو بَكْر : تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَة : { لَا يَضُرّكُمْ مِنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } وَإِنَّ النَّاس إِذَا رَأَوْا الظَّالِم - قَالَ اِبْن وَكِيع - : فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ , أَوْشَكَ أَنْ يَعُمّهُمْ اللَّه بِعِقَابِهِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير وَابْن فُضَيْل , عَنْ بَيَان , عَنْ قَيْس , قَالَ : قَالَ أَبُو بَكْر : إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } وَإِنَّ الْقَوْم إِذَا رَأَوْا الظَّالِم فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ , يَعُمّهُمْ اللَّه بِعِقَابِهِ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ إِسْمَاعِيل , عَنْ قَيْس , عَنْ أَبِي بَكْر , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَذَكَرَ نَحْوه . 10031 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } يَقُول : مُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْا عَنْ الْمُنْكَر . قَالَ أَبُو بَكْر بْن أَبِي قُحَافَة : يَا أَيّهَا النَّاس لَا تَغْتَرُّوا بِقَوْلِ اللَّه : { عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ } فَيَقُول أَحَدكُمْ عَلَيَّ نَفْسِي . وَاَللَّه لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَر أَوْ لَتُسْتَعْمَلَنَّ عَلَيْكُمْ شِرَاركُمْ فَلَيَسُومُنَّكُمْ سُوء الْعَذَاب , ثُمَّ لَيَدْعُوَنَّ اللَّهَ خِيَارُكُمْ فَلَا يَسْتَجِيبُ لَهُمْ . * - حَدَّثَنَا أَبُو هِشَام الرِّفَاعِيّ , قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل , قَالَ : ثنا بَيَان , عَنْ قَيْس بْن أَبِي حَازِم , قَالَ : قَالَ أَبُو بَكْر وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَر : يَا أَيّهَا النَّاس إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَة عَلَى غَيْر مَوْضِعهَا : { لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } وَإِنَّ النَّاس إِذَا رَأَوْا الظَّالِم فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ , عَمَّهُمْ اللَّه بِعِقَابِهِ . 10032 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثني عِيسَى بْن الْمُسَيِّب الْبَجَلِيّ , قَالَ : ثنا قَيْس بْن أَبِي حَازِم , قَالَ : سَمِعْت أَبَا بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَقْرَأ هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } فَقَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " إِذَا رَأَى النَّاس الْمُنْكَر فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ وَالظَّالِم فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ , فَيُوشِك أَنْ يَعُمّهُمْ اللَّه مِنْهُ بِعِقَابٍ " . * - حَدَّثَنَا الرَّبِيع , قَالَ : ثنا أَسَد بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن سَالِم , قَالَ : ثنا مَنْصُور بْن دِينَار , عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن مَيْسَرَة , عَنْ قَيْس بْن أَبِي حَازِم , قَالَ : صَعِدَ أَبُو بَكْر الْمِنْبَر , مِنْبَر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَحَمِدَ اللَّه وَأَثْنَى عَلَيْهِ , ثُمَّ قَالَ : يَا أَيّهَا النَّاس إِنَّكُمْ لَتَتْلُونَ آيَة مِنْ كِتَاب اللَّه , وَتَعُدُّونَهَا رُخْصَة وَاَللَّه مَا أَنْزَلَ اللَّه فِي كِتَابه أَشَدّ مِنْهَا : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } وَاَللَّه لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ , وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَر , أَوْ لَيَعُمَّنَّكُمْ اللَّه مِنْهُ بِعِقَابٍ . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سَيَّار , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن إِدْرِيس , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن زَيْد , قَالَ : ثنا مُجَالِد بْن سَعِيد , عَنْ قَيْس بْن أَبِي حَازِم , قَالَ : سَمِعْت أَبَا بَكْر يَقُول وَهُوَ يَخْطُب النَّاس : يَا أَيّهَا النَّاس إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَة , وَلَا تَدْرُونَ مَا هِيَ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } وَإِنِّي سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " إِنَّ النَّاس إِذَا رَأَوْا مُنْكَرًا فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ عَمَّهُمْ اللَّه بِعِقَابٍ " . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَة : لَا يَضُرّكُمْ مَنْ حَادَ عَنْ قَصْد السَّبِيل وَكَفَرَ بِاَللَّهِ مِنْ أَهْل الْكِتَاب ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10033 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : { لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } قَالَ : يَعْنِي : مَنْ ضَلَّ مِنْ أَهْل الْكِتَاب . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر فِي هَذِهِ الْآيَة : { لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } قَالَ : أُنْزِلَتْ فِي أَهْل الْكِتَاب . وَقَالَ آخَرُونَ : عُنِيَ بِذَلِكَ كُلّ مَنْ ضَلَّ عَنْ دِين اللَّه الْحَقّ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10034 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } قَالَ : كَانَ الرَّجُل إِذَا أَسْلَمَ , قَالُوا لَهُ : سَفَّهْت آبَاءَك وَضَلَّلْتهمْ , وَفَعَلْت وَفَعَلْت , وَجَعَلْت آبَاءَك كَذَا وَكَذَا , كَانَ يَنْبَغِي لَك أَنْ تَنْصُرهُمْ وَتَفْعَل ! فَقَالَ اللَّه تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال , وَأَصَحّ التَّأْوِيلَات عِنْدنَا بِتَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَة مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق فِيهَا , وَهُوَ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسكُمْ } اِلْزَمُوا الْعَمَل بِطَاعَةِ اللَّه , وَبِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ , وَانْتَهُوا عَمَّا نَهَاكُمْ اللَّه عَنْهُ . { لَا يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } يَقُول : فَإِنَّهُ لَا يَضُرّكُمْ ضَلَال مَنْ ضَلَّ إِذَا أَنْتُمْ رُمْتُمْ الْعَمَل بِطَاعَةِ اللَّه , وَأَدَّيْتُمْ فِيمَنْ ضَلَّ مِنْ النَّاس مَا أَلْزَمَكُمْ اللَّه بِهِ فِيهِ مِنْ فَرْض الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر , الَّذِي يَرْكَبهُ أَوْ يُحَاوِل رُكُوبه , وَالْأَخْذ عَلَى يَدَيْهِ إِذَا رَامَ ظُلْمًا لِمُسْلِمٍ أَوْ مُعَاهَد وَمَنَعَهُ مِنْهُ فَأَبَى النُّزُوع عَنْ ذَلِكَ , وَلَا ضَيْر عَلَيْكُمْ فِي تَمَادِيهِ فِي غَيّه وَضَلَاله إِذَا أَنْتُمْ اِهْتَدَيْتُمْ وَأَدَّيْتُمْ حَقّ اللَّه تَعَالَى فِيهِ . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَات فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَقُومُوا بِالْقِسْطِ وَيَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرّ وَالتَّقْوَى ; وَمِنْ الْقِيَام بِالْقِسْطِ : الْأَخْذ عَلَى يَد الظَّالِم ; وَمِنْ التَّعَاوُن عَلَى الْبِرّ وَالتَّقْوَى : الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ . وَهَذَا مَعَ مَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَار عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَمْره بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر ; وَلَوْ كَانَ لِلنَّاسِ تَرْك ذَلِكَ , لَمْ يَكُنْ لِلْأَمْرِ بِهِ مَعْنًى إِلَّا فِي الْحَال الَّتِي رَخَّصَ فِيهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْك ذَلِكَ , وَهِيَ حَال الْعَجْز عَنْ الْقِيَام بِهِ بِالْجَوَارِحِ الظَّاهِرَة فَيَكُون مُرَخَّصًا لَهُ تَرْكه إِذَا قَامَ حِينَئِذٍ بِأَدَاءِ فَرْض اللَّه عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بِقَلْبِهِ . وَإِذَا كَانَ مَا وَصَفْنَا مِنْ التَّأْوِيل بِالْآيَةِ أَوْلَى , فَبَيِّنٌ أَنَّهُ قَدْ دَخَلَ فِي مَعْنَى قَوْله : { إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ } مَا قَالَهُ حُذَيْفَة وَسَعِيد بْن الْمُسَيِّب , مِنْ أَنَّ ذَلِكَ : إِذَا أَمَرْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَيْتُمْ عَنْ الْمُنْكَر , وَمَعْنَى مَا رَوَاهُ أَبُو ثَعْلَبَة الْخُشَنِيّ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِلَى اللَّه مَرْجِعكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ عِبَاده : اِعْمَلُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ , وَانْتَهُوا عَمَّا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ , وَمُرُوا أَهْل الزَّيْغ وَالضَّلَال وَمَا حَادَ عَنْ سَبِيلِي بِالْمَعْرُوفِ , وَانْهَوْهُمْ عَنْ الْمُنْكَر ; فَإِنْ قَبِلُوا فَلَهُمْ وَلَكُمْ , وَإِنْ تَمَادَوْا فِي غَيّهمْ وَضَلَالهمْ فَإِنَّ إِلَيَّ مَرْجِع جَمِيعكُمْ وَمَصِيركُمْ فِي الْآخِرَة وَمَصِيرهمْ , وَأَنَا الْعَالِم بِمَا يَعْمَل جَمِيعكُمْ مِنْ خَيْر وَشَرّ , فَأُخْبِر هُنَاكَ كُلّ فَرِيق مِنْكُمْ بِمَا كَانَ يَعْمَلهُ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ أُجَازِيه عَلَى عَمَله الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلَيَّ جَزَاءَهُ حَسْب اِسْتِحْقَاقه , فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيَّ عَمَل عَامِل مِنْكُمْ مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الآثِمِينَسورة المائدة الآية رقم 106
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ حِين الْوَصِيَّة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنكُمْ } يَقُول : لِيَشْهَد بَيْنكُمْ { إِذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت حِين الْوَصِيَّة } يَقُول : وَقْت الْوَصِيَّة .

يَقُول : ذَوَا رَشَد وَعَقْل وَحِجًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ . كَمَا : 10035 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , وَعُبَيْد اللَّه بْن يُوسُف الْجُبَيْرِيّ , قَالَا : ثنا مُؤَمَّل بْن إِسْمَاعِيل , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , فِي قَوْله : { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْل مِنْكُمْ } قَالَ : ذَوَا عَقْل . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِهِ : مِنْ أَهْل مِلَّتكُمْ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10036 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ : شَاهِدَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ . 10037 - حَدَّثَنَا عِمْرَان بْن مُوسَى الْقَزَّاز , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَارِث بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن سُوَيْد , عَنْ يَحْيَى بْن يَعْمَر , فِي قَوْله : { اِثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } مِنْ الْمُسْلِمِينَ . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار وَابْن الْمُثَنَّى , قَالَا : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , فِي قَوْله : { اِثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } قَالَ : اِثْنَانِ مِنْ أَهْل دِينكُمْ . 10038 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ أَشْعَث , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ عَبِيدَة , قَالَ : سَأَلْته , عَنْ قَوْل اللَّه تَعَالَى : { اِثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } قَالَ : مِنْ الْمِلَّة . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ هِشَام , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ عَبِيدَة , بِمِثْلِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِيهِ : مِنْ أَهْل الْمِلَّة . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ هِشَام , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , قَالَ : سَأَلْت عَبِيدَة عَنْ هَذِهِ الْآيَة : { اِثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } قَالَ : مِنْ أَهْل الْمِلَّة . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ اِبْن عَوْن , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ عَبِيدَة , مِثْله . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حُسَيْن , عَنْ زَائِدَة , عَنْ هِشَام , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , قَالَ : سَأَلْت عَبِيدَة , فَذَكَرَ مِثْله . 10039 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن مَهْدِيّ , عَنْ حَمَّاد , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , وَقَالَ : ثنا مَالِك بْن إِسْمَاعِيل , عَنْ حَمَّاد بْن زَيْد , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 10040 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } قَالَ : ذَوَا عَدْل مِنْ أَهْل الْإِسْلَام . 10041 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } قَالَ : مِنْ الْمُسْلِمِينَ . * - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : كَانَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب يَقُول : { اِثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } أَيْ مِنْ أَهْل الْإِسْلَام . وَقَالَ آخَرُونَ : عُنِيَ بِذَلِكَ : ذَوَا عَدْل مِنْ حَيّ الْمُوصِي , وَذَلِكَ قَوْل رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَة وَعَبِيدَة وَعِدَّة غَيْرهمَا . وَاخْتَلَفُوا فِي صِفَة الِاثْنَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا اللَّه فِي هَذِهِ الْآيَة مَا هِيَ , وَمَا هُمَا ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : هُمَا شَاهِدَانِ يَشْهَدَانِ عَلَى وَصِيَّة الْمُوصِي . وَقَالَ آخَرُونَ : هُمَا وَصِيَّانِ . وَتَأْوِيل الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمَا شَاهِدَانِ , قَوْله : { شَهَادَة بَيْنكُمْ } لِيَشْهَد شَاهِدَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ عَلَى وَصِيَّتكُمْ . وَتَأْوِيل الَّذِينَ قَالُوا : هُمَا وَصِيَّانِ لَا شَاهِدَانِ , قَوْله : { شَهَادَة بَيْنكُمْ } بِمَعْنَى الْحُضُور وَالشُّهُود لِمَا يُوصِيهِمَا بِهِ الْمَرِيض , مِنْ قَوْلك : شَهِدْت وَصِيَّة فُلَان , بِمَعْنَى حَضَرْته . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِقَوْلِهِ : { اِثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } تَأْوِيل مَنْ تَأَوَّلَهُ بِمَعْنَى : أَنَّهُمَا مِنْ أَهْل الْمِلَّة دُون مَنْ تَأَوَّلَهُ أَنَّهُمَا مِنْ حَيّ الْمُوصِي . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالْآيَةِ ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى عَمَّ الْمُؤْمِنِينَ بِخِطَابِهِمْ بِذَلِكَ فِي قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت حِين الْوَصِيَّة اِثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } فَغَيْر جَائِز أَنْ يَصْرِف مَا عَمَّهُ اللَّه تَعَالَى إِلَى الْخُصُوص إِلَّا بِحُجَّةٍ يَجِب التَّسْلِيم لَهَا . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَالْوَاجِب أَنْ يَكُون الْعَائِد مِنْ ذِكْرهمْ عَلَى الْعُمُوم , كَمَا كَانَ ذِكْرهمْ اِبْتِدَاء عَلَى الْعُمُوم . وَأَوْلَى الْمَعْنَيَيْنِ بِقَوْلِهِ : { شَهَادَة بَيْنكُمْ } الْيَمِين , لَا الشَّهَادَة الَّتِي يَقُوم بِهَا مِنْ عِنْده شَهَادَة لِغَيْرِهِ لِمَنْ هِيَ عِنْده عَلَى مِنْ هِيَ عَلَيْهِ عِنْد الْحُكَّام ; لِأَنَّا لَا نَعْلَم لِلَّهِ تَعَالَى حُكْمًا يَجِب فِيهِ عَلَى الشَّاهِد الْيَمِين , فَيَكُون جَائِزًا صَرْف الشَّهَادَة فِي هَذَا الْمَوْضِع إِلَى الشَّهَادَة الَّتِي يَقُوم بِهَا بَعْض النَّاس عِنْد الْحُكَّام وَالْأَئِمَّة . وَفِي حُكْم الْآيَة فِي هَذِهِ الْيَمِين عَلَى ذَوَيْ الْعَدْل , وَعَلَى مَنْ قَامَ مَقَامهمْ فِي الْيَمِين بِقَوْلِهِ : { تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْد الصَّلَاة فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ } أَوْضَح الدَّلِيل عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنْ أَنَّ الشَّهَادَة فِيهِ الْأَيْمَان دُون الشَّهَادَة الَّتِي يَقْضِي بِهَا لِلْمَشْهُودِ لَهُ عَلَى الْمَشْهُود عَلَيْهِ , وَفَسَاد مَا خَالَفَهُ . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَهَلْ وَجَدْت فِي حُكْم اللَّه تَعَالَى يَمِينًا تَجِب عَلَى الْمُدَّعِي فَتُوَجِّه قَوْلك فِي الشَّهَادَة فِي هَذَا الْمَوْضِع إِلَى الصِّحَّة ؟ فَإِنْ قُلْت : لَا , تَبَيَّنَ فَسَاد تَأْوِيلك ذَلِكَ عَلَى مَا تَأَوَّلْت ; لِأَنَّهُ يَجِب عَلَى هَذَا التَّأْوِيل أَنْ يَكُون الْمُقْسِمَانِ فِي قَوْله : { فَإِنْ عُثِرَا عَلَى أَنَّهُمَا اِسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامهمَا مِنْ الَّذِينَ اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقّ مِنْ شَهَادَتهمَا } هُمَا الْمُدَّعِيَيْنِ . وَإِنْ قُلْت بَلَى , قِيلَ لَك : وَفِي أَيّ حُكْم اللَّه تَعَالَى وَجَدْت ذَلِكَ ؟ قِيلَ : وَجَدْنَا ذَلِكَ فِي أَكْثَر الْمَعَانِي , وَذَلِكَ فِي حُكْم الرَّجُل يَدَّعِي قِبَل رَجُل مَالًا , فَيُقِرّ بِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قِبَله ذَلِكَ وَيَدَّعِي قَضَاءَهُ , فَيَكُون الْقَوْل قَوْل رَبّ الدِّين , وَالرَّجُل يَعْتَرِف فِي يَد الرَّجُل السِّلْعَة , فَيَزْعُم الْمُعْتَرَفَة فِي يَده أَنَّهُ اِشْتَرَاهَا مِنْ الْمُدَّعِي أَوْ أَنَّ الْمُدَّعِي وَهَبَهَا لَهُ , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْثُر إِحْصَاؤُهُ . وَعَلَى هَذَا الْوَجْه أَوْجَبَ اللَّه تَعَالَى فِي هَذَا الْمَوْضِع الْيَمِين عَلَى الْمُدَّعِيَيْنِ اللَّذَيْنِ عُثِرَا عَلَى الْجَانِيَيْنِ فِيمَا جَنَيَا فِيهِ . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي الرَّافِع قَوْله : { شَهَادَة بَيْنكُمْ } , وَقَوْله : { اِثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : مَعْنَى قَوْله : { شَهَادَة بَيْنكُمْ } شَهَادَة اِثْنَيْنِ ذَوَيْ عَدْل , ثُمَّ أُلْقِيَتْ الشَّهَادَة وَأُقِيمَ الِاثْنَانِ مَقَامهَا , فَارْتَفَعَا بِمَا كَانَتْ الشَّهَادَة بِهِ مُرْتَفِعَة لَوْ جُعِلَتْ فِي الْكَلَام . قَالَ : وَذَلِكَ فِي حَذْف مَا حُذِفَ مِنْهُ وَإِقَامَة مَا أُقِيمَ مَقَام الْمَحْذُوف , نَظِير قَوْله : { وَاسْأَلْ الْقَرْيَة } 12 82 وَإِنَّمَا يُرِيد : وَاسْأَلْ أَهْل الْقَرْيَة , وَانْتَصَبَتْ الْقَرْيَة بِانْتِصَابِ الْأَهْل وَقَامَتْ مَقَامه , ثُمَّ عَطَفَ قَوْله : " أَوْ آخَرَانِ " عَلَى " الِاثْنَيْنِ " . وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : رَفَعَ الِاثْنَيْنِ بِالشَّهَادَةِ : أَيْ لِيَشْهَدكُمْ اِثْنَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ , أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ . وَقَالَ آخَر مِنْهُمْ : رُفِعَتْ الشَّهَادَة بِ " إِذَا حَضَرَ " . وَقَالَ : إِنَّمَا رُفِعَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ قَالَ : " إِذَا حَضَرَ " , فَجَعَلَهَا شَهَادَة مَحْذُوفَة مُسْتَأْنَفَة , لَيْسَتْ بِالشَّهَادَةِ الَّتِي قَدْ رُفِعَتْ لِكُلِّ الْخَلْق ; لِأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى ذِكْره : { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } , وَهَذِهِ شَهَادَة لَا تَقَع إِلَّا فِي هَذَا الْحَال , وَلَيْسَتْ مِمَّا ثَبَتَ . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ , قَوْل مَنْ قَالَ : الشَّهَادَة مَرْفُوعَة بِقَوْلِهِ : { إِذَا حَضَرَ } لِأَنَّ قَوْله : { إِذَا حَضَرَ } بِمَعْنَى : عِنْد حُضُور أَحَدكُمْ الْمَوْت , وَالِاثْنَانِ مَرْفُوع بِالْمَعْنَى الْمُتَوَهَّم , وَهُوَ أَنْ يَشْهَد اِثْنَانِ , فَاكْتُفِيَ مِنْ قِيل أَنْ يَشْهَد بِمَا قَدْ جَرَى مِنْ ذِكْر الشَّهَادَة فِي قَوْله : { شَهَادَة بَيْنكُمْ } وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ ; لِأَنَّ الشَّهَادَة مَصْدَر فِي هَذَا الْمَوْضِع , وَالِاثْنَانِ اِسْم , وَالِاسْم لَا يَكُون مَصْدَرًا , غَيْر أَنَّ الْعَرَب قَدْ تَضَع الْأَسْمَاء مَوَاضِع الْأَفْعَال . فَالْأَمْر وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ , فَصُرِفَ كُلّ ذَلِكَ إِلَى أَصَحّ وُجُوهه مَا وَجَدْنَا إِلَيْهِ سَبِيلًا أَوْلَى بِنَا مِنْ صَرْفه إِلَى أَضْعَفهَا .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ : لِيَشْهَد بَيْنكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت عَدْلَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ , أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْر الْمُسْلِمِينَ . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْر أَهْل مِلَّتكُمْ ; نَحْو الَّذِي قُلْنَا فِيهِ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10042 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , وَبِشْر بْن مُعَاذ , قَالَا : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } مِنْ أَهْل الْكِتَاب . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , وَمُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَا : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , قَالَ : سَمِعْت قَتَادَة يُحَدِّث , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب : { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } مِنْ أَهْل الْكِتَاب . * - حَدَّثَنِي أَبُو حَفْص الْجُبَيْرِيّ عُبَيْد اللَّه بْن يُوسُف , قَالَ : ثنا مُؤَمَّل بْن إِسْمَاعِيل , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , مِثْله . * - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد , مِثْله . 10043 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم وَسُلَيْمَان التَّيْمِيّ , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , أَنَّهُمَا قَالَا فِي قَوْله : { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } قَالَا : مِنْ غَيْر أَهْل مِلَّتكُمْ . 10044 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُغِيرَة , قَالَ : ثني مَنْ سَمِعَ سَعِيد بْن جُبَيْر , يَقُول , مِثْل ذَلِكَ . 10045 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا التَّيْمِيّ , عَنْ أَبِي مِجْلَز , قَالَ : مِنْ غَيْر أَهْل مِلَّتكُمْ . 10046 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , مِثْله . 10047 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : إِنْ كَانَ قُرْبه أَحَد مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَشْهَدَهُمْ , وَإِلَّا أَشْهَدَ رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ . 10048 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا قُتَيْبَة , قَالَ : ثنا هُشَيْم , عَنْ الْمُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , وَسَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } قَالَا : مِنْ غَيْر أَهْل مِلَّتكُمْ . * - حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد : { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } قَالَ : مِنْ أَهْل الْكِتَاب . * - حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن سَوَاء , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , مِثْله . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد , قَالَ : ثنا وَكِيع , وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ شُعْبَة , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , مِثْله . 10049 - حَدَّثَنَا عِمْرَان بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَارِث بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن سُوَيْد , عَنْ يَحْيَى بْن يَعْمَر , فِي قَوْله : { اِثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } مِنْ الْمُسْلِمِينَ , فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مِنْ الْمُسْلِمِينَ , فَمِنْ غَيْر الْمُسْلِمِينَ . 10050 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عَامِر , عَنْ شُرَيْح , فِي هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت حِين الْوَصِيَّة اِثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } قَالَ : إِذَا كَانَ الرَّجُل بِأَرْضِ غُرْبَة وَلَمْ يَجِد مُسْلِمًا يُشْهِدهُ عَلَى وَصِيَّته , فَأَشْهَدَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا , فَشَهَادَتهمْ جَائِزَة . فَإِنْ جَاءَ رَجُلَانِ مُسْلِمَانِ فَشَهِدَا بِخِلَافِ شَهَادَتهمَا , أُجِيزَتْ شَهَادَة الْمُسْلِمِينَ , وَأُبْطِلَتْ شَهَادَة الْآخَرِينَ . 10051 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ شُرَيْح : أَنَّهُ كَانَ لَا يُجِيز شَهَادَة الْيَهُود وَالنَّصَارَى عَلَى مُسْلِم إِلَّا فِي الْوَصِيَّة , وَلَا يُجِيز شَهَادَتهمَا عَلَى الْوَصِيَّة إِلَّا إِذَا كَانُوا فِي سَفَر . * - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة وَوَكِيع , قَالَا : ثنا الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ شُرَيْح , قَالَ : لَا تَجُوز شَهَادَة الْيَهُود وَالنَّصَارَى إِلَّا فِي سَفَر , وَلَا تَجُوز فِي سَفَر إِلَّا فِي وَصِيَّة . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , عَنْ شُرَيْح , نَحْوه . 10052 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر الْأَسَدِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : كَتَبَ هِشَام بْن هُبَيْرَة لِمَسْلَمَةَ عَنْ شَهَادَة الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ , فَكَتَبَ : لَا تَجُوز شَهَادَة الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إِلَّا فِي وَصِيَّة , وَلَا يَجُوز فِي وَصِيَّة إِلَّا أَنْ يَكُون الرَّجُل مُسَافِرًا . 10053 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ أَشْهَب , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ عَبِيدَة , قَالَ : سَأَلْته عَنْ قَوْل اللَّه تَعَالَى : { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } قَالَ : مِنْ غَيْر الْمِلَّة . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ هِشَام , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ عَبِيدَة , بِمِثْلِهِ . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ هِشَام , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , قَالَ : سَأَلْت عَبِيدَة , عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : مِنْ غَيْر أَهْل الْمِلَّة . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ هِشَام , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ عَبِيدَة , قَالَ : مِنْ غَيْر أَهْل الصَّلَاة . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ هِشَام , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ عَبِيدَة , قَالَ : مِنْ غَيْر أَهْل دِينكُمْ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حُسَيْن , عَنْ زَائِدَة , عَنْ هِشَام , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ عَبِيدَة , قَالَ : مِنْ غَيْر أَهْل الْمِلَّة . * - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد , قَالَ : ثنا أَبُو حُرَّة , عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ , عَنْ عَبِيدَة : { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } قَالَ : مِنْ غَيْر أَهْل مِلَّتكُمْ . * - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن عُثْمَان , قَالَ : ثنا هِشَام بْن مُحَمَّد , قَالَ : سَأَلْت سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ قَوْل اللَّه : { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } قَالَ : مِنْ غَيْر أَهْل مِلَّتكُمْ . 10054 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مَالِك بْن إِسْمَاعِيل , عَنْ حَمَّاد بْن زَيْد , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن زَيْد , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : مِنْ غَيْر أَهْل مِلَّتكُمْ . 10055 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } قَالَ : مِنْ غَيْر أَهْل الْإِسْلَام . 10056 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْر بْن عَيَّاش , قَالَ : قَالَ أَبُو إِسْحَاق : { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } قَالَ : مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى . قَالَ : قَالَ شُرَيْح : لَا تَجُوز شَهَادَة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ إِلَّا فِي وَصِيَّة , وَلَا تَجُوز فِي وَصِيَّة إِلَّا فِي سَفَر . 10057 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا , عَنْ الشَّعْبِيّ : أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاة بِدَقُوقَا , وَلَمْ يَجِد أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُشْهِدهُ عَلَى وَصِيَّته , فَأَشْهَدَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْل الْكِتَاب . فَقَدِمَا الْكُوفَة , فَأَتَيَا الْأَشْعَرِيّ فَأَخْبَرَاهُ , وَقَدِمَا بِتَرِكَتِهِ وَوَصِيَّته , فَقَالَ الْأَشْعَرِيّ : هَذَا أَمْر لَمْ يَكُنْ بَعْد الَّذِي كَانَ فِي عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَأَحْلَفَهُمَا , وَأَمْضَى شَهَادَتهمَا . 10058 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مُغِيرَة الْأَزْرَق , عَنْ الشَّعْبِيّ : أَنَّ أَبَا مُوسَى قَضَى بِهَا بِدَقُوقَا . 10059 - حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن الْهَيْثَم , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنْ مُحَمَّد , أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي قَوْله : { اِثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } شَاهِدَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْر الْمُسْلِمِينَ . 10060 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } مِنْ غَيْر أَهْل الْإِسْلَام . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن سَعْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْص , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : مِنْ غَيْر أَهْل الْإِسْلَام . 10061 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن عَيَّاش , قَالَ : قَالَ زَيْد بْن أَسْلَمَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { شَهَادَة بَيْنكُمْ } الْآيَة كُلّهَا . قَالَ : كَانَ ذَلِكَ فِي رَجُل تُوُفِّيَ وَلَيْسَ عِنْده أَحَد مِنْ أَهْل الْإِسْلَام , وَذَلِكَ فِي أَوَّل الْإِسْلَام وَالْأَرْض حَرْب وَالنَّاس كُفَّار , إِلَّا أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه بِالْمَدِينَةِ , وَكَانَ النَّاس يَتَوَارَثُونَ بِالْوَصِيَّةِ , ثُمَّ نُسِخَتْ الْوَصِيَّة وَفُرِضَتْ الْفَرَائِض , وَعَمِلَ الْمُسْلِمُونَ بِهَا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْر حَيّكُمْ وَعَشِيرَتكُمْ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10062 - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن الْهَيْثَم بْن الْجَهْم , قَالَ : ثنا عَوْف , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { اِثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } قَالَ : شَاهِدَانِ مِنْ قَوْمكُمْ وَمِنْ غَيْر قَوْمكُمْ . 10063 - حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد , قَالَ : ثنا صَالِح بْن أَبِي الْأَخْضَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , قَالَ : مَضَتْ السُّنَّة أَنْ لَا تَجُوز شَهَادَة كَافِر فِي حَضَر وَلَا سَفَر , إِنَّمَا هِيَ فِي الْمُسْلِمِينَ . * - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : كَانَ الْحَسَن يَقُول : { اِثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } أَيْ مِنْ عَشِيرَته { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } قَالَ : مِنْ غَيْر عَشِيرَته . 10064 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ ثَابِت بْن زَيْد , عَنْ عَاصِم , عَنْ عِكْرِمَة : { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } قَالَ : مِنْ غَيْر أَهْل حَيّكُمْ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن مَهْدِيّ , عَنْ ثَابِت بْن زَيْد , عَنْ عَاصِم , عَنْ عِكْرِمَة : { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } قَالَ : مِنْ غَيْر حَيّكُمْ . * - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد , قَالَ : ثنا ثَابِت بْن زَيْد , عَنْ عَاصِم الْأَحْوَل , عَنْ عِكْرِمَة فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } قَالَ : مِنْ غَيْر أَهْل حَيّه ; يَعْنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ . * - حَدَّثَنِي الْحَارِث بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا مُبَارَك , عَنْ الْحَسَن : { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } قَالَ : مِنْ غَيْر عَشِيرَتك , وَمِنْ غَيْر قَوْمك كُلّهمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ . 10065 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ أَيُّوب , عَنْ اِبْن سِيرِينَ , عَنْ عَبِيدَة , قَوْله : { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } قَالَ : مُسْلِمِينَ مِنْ غَيْر حَيّكُمْ . 10066 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني اللَّيْث , قَالَ : ثني عُقَيْل , قَالَ : سَأَلْت اِبْن شِهَاب عَنْ قَوْل اللَّه تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت } إِلَى قَوْله : { وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الْفَاسِقِينَ } قُلْت : أَرَأَيْت الِاثْنَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَ اللَّه مِنْ غَيْر أَهْل الْمَرْء الْمُوصِي أَهُمَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَمْ هُمَا مِنْ أَهْل الْكِتَاب ؟ وَأَرَأَيْت الْآخَرَيْنِ اللَّذَيْنِ يَقُومَانِ مَقَامهمَا , أَتَرَاهُمَا مِنْ غَيْر أَهْل الْمَرْء الْمُوصِي ؟ أَمْ هُمَا مِنْ غَيْر الْمُسْلِمِينَ ؟ قَالَ اِبْن شِهَاب : لَمْ نَسْمَع فِي هَذِهِ الْآيَة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَنْ أَئِمَّة الْعَامَّة سُنَّة أَذْكُرهَا , وَقَدْ كُنَّا نَتَذَاكَرهَا أُنَاسًا مِنْ عُلَمَائِنَا أَحْيَانًا , فَلَا يَذْكُرُونَ فِيهَا سُنَّة مَعْلُومَة وَلَا قَضَاء مِنْ إِمَام عَادِل , وَلَكِنَّهُ يَخْتَلِف فِيهَا رَأْيهمْ . وَكَانَ أَعْجَبهُمْ فِيهَا رَأْيًا إِلَيْنَا الَّذِينَ كَانُوا يَقُولُونَ : هِيَ فِيمَا بَيْن أَهْل الْمِيرَاث مِنْ الْمُسْلِمِينَ , يَشْهَد بَعْضهمْ الْمَيِّت الَّذِي يَرِثُونَهُ وَيَغِيب عَنْهُ بَعْضهمْ , وَيَشْهَد مَنْ شَهِدَهُ عَلَى مَا أَوْصَى بِهِ لِذَوِي الْقُرْبَى فَيُخْبِرُونَ مَنْ غَابَ عَنْهُ مِنْهُمْ بِمَا حَضَرُوا مِنْ وَصِيَّة , فَإِنْ سَلَّمُوا جَازَتْ وَصِيَّته وَإِنْ اِرْتَابُوا أَنْ يَكُونُوا بَدَّلُوا قَوْل الْمَيِّت وَآثَرُوا بِالْوَصِيَّةِ مَنْ أَرَادُوا مِمَّنْ لَمْ يُوصِ لَهُمْ الْمَيِّت بِشَيْءٍ حَلَفَ اللَّذَانِ يَشْهَدَانِ عَلَى ذَلِكَ بَعْد الصَّلَاة وَهِيَ صَلَاة الْمُسْلِمِينَ , فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ : إِنْ اِرْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى , وَلَا نَكْتُم شَهَادَة اللَّه , إِنَّا إِذًا لَمِنْ الْآثِمِينَ ! فَإِذَا أَقْسَمَا عَلَى ذَلِكَ جَازَتْ شَهَادَتهمَا وَأَيْمَانهمَا مَا لَمْ يُعْثَر عَلَى أَنَّهُمَا اِسْتَحَقَّا إِثْمًا فِي شَيْء مِنْ ذَلِكَ , فَإِنْ عُثِرَ قَامَ آخَرَانِ مَقَامهمَا مِنْ أَهْل الْمِيرَاث مِنْ الْخَصْم الَّذِينَ يُنْكِرُونَ مَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ الْأَوَّلَانِ الْمُسْتَحْلَفَانِ أَوَّل مَرَّة , فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ : لَشَهَادَتنَا عَلَى تَكْذِيبكُمَا أَوْ إِبْطَال مَا شَهِدْتُمَا بِهِ وَمَا اِعْتَدَيْنَا , إِنَّا إِذَن لَمِنْ الظَّالِمِينَ ! ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْههَا , أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدّ أَيْمَان بَعْد أَيْمَانهمْ الْآيَة . وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدنَا بِالصَّوَابِ تَأْوِيل مَنْ تَأَوَّلَهُ : أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْر أَهْل الْإِسْلَام ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى عَرَّفَ عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ عِنْد الْوَصِيَّة شَهَادَة اِثْنَيْنِ مِنْ عُدُول الْمُؤْمِنِينَ أَوْ اِثْنَيْنِ مِنْ غَيْر الْمُؤْمِنِينَ , وَلَا وَجْه لِأَنْ يُقَال فِي الْكَلَام صِفَة شَهَادَة مُؤْمِنَيْنِ مِنْكُمْ أَوْ رَجُلَيْنِ مِنْ غَيْر عَشِيرَتكُمْ , وَإِنَّمَا يُقَال : صِفَة شَهَادَة رَجُلَيْنِ مِنْ عَشِيرَتكُمْ أَوْ مِنْ غَيْر عَشِيرَتكُمْ , أَوْ رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ مِنْ غَيْر الْمُؤْمِنِينَ . فَإِذْ كَانَ لَا وَجْه لِذَلِكَ فِي الْكَلَام , فَغَيْر جَائِز صَرْف مُغْلَق كَلَام اللَّه تَعَالَى إِلَّا إِلَى أَحْسَن وُجُوهه . وَقَدْ دَلَّلْنَا قَبْل عَلَى أَنَّ قَوْله تَعَالَى : { ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } إِنَّمَا هُوَ مِنْ أَهْل دِينكُمْ وَمِلَّتكُمْ بِمَا فِيهِ كِفَايَة لِمَنْ وُفِّقَ لِفَهْمِهِ . وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ بِمَا دَلَّلْنَا عَلَيْهِ , فَمَعْلُوم أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } إِنَّمَا هُوَ : أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْر أَهْل دِينكُمْ وَمِلَّتكُمْ . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَسَوَاء كَانَ الْآخَرَانِ اللَّذَانِ مِنْ غَيْر أَهْل دِيننَا يَهُودِيَّيْنِ كَانَا أَوْ نَصْرَانِيَّيْنِ أَوْ مَجُوسِيَّيْنِ أَوْ عَابِدِي وَثَن أَوْ عَلَى أَيّ دِين كَانَا , لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى لَمْ يُخَصِّص آخَرَيْنِ مِنْ أَهْل مِلَّة بِعَيْنِهَا دُون مِلَّة بَعْد أَلَّا يَكُونَا مِنْ غَيْر أَهْل الْإِسْلَام .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْض فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة الْمَوْت } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ : صِفَة شَهَادَة بَيْنكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت وَقْت الْوَصِيَّة , أَنْ يَشْهَد اِثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَوْ رَجُلَانِ آخَرَانِ مِنْ غَيْر أَهْل مِلَّتكُمْ , إِنْ أَنْتُمْ سَافَرْتُمْ ذَاهِبِينَ وَرَاجِعِينَ فِي الْأَرْض . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله قِيلَ لِلْمُسَافِرِ الضَّارِب فِي الْأَرْض . { فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة الْمَوْت } يَقُول : فَنَزَلَ بِكُمْ الْمَوْت . وَوَجْه أَكْثَر التَّأْوِيل هَذَا الْمَوْضِع إِلَى مَعْنَى التَّعْقِيب دُون التَّخْيِير وَقَالُوا : مَعْنَاهُ : شَهَادَة بَيْنكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت حِين الْوَصِيَّة اثْنَان ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ , إِنْ وُجِدَا , فَإِنْ لَمْ يُوجَدَا فَآخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ , وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ مَنْ فَعَلَهُ ; لِأَنَّهُ وَجَّهَ مَعْنَى الشَّهَادَة فِي قَوْله : { شَهَادَة بَيْنكُمْ } إِلَى مَعْنَى الشَّهَادَة الَّتِي تُوجِب لِلْقَوْمِ قِيَام صَاحِبهَا عِنْد الْحَاكِم , أَوْ يُبْطِلهَا . ذِكْر بَعْض مَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ : 10067 - حَدَّثَنَا عِمْرَان بْن مُوسَى الْقَزَّاز , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَارِث بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن سُوَيْد , عَنْ يَحْيَى بْن يَعْمَر , فِي قَوْله : { ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } مِنْ الْمُسْلِمِينَ , فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَمِنْ غَيْر الْمُسْلِمِينَ . 10068 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار وَمُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَا : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب فِي قَوْله : { اِثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } قَالَ : اِثْنَانِ مِنْ أَهْل دِينكُمْ , أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب إِذَا كَانَ بِبِلَادٍ لَا يَجِد غَيْرهمْ . 10069 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عَامِر , عَنْ شُرَيْح فِي هَذِهِ الْآيَة : { شَهَادَة بَيْنكُمْ } إِلَى قَوْله : { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } قَالَ : إِذَا كَانَ الرَّجُل بِأَرْضِ غُرْبَة وَلَمْ يَجِد مُسْلِمًا يُشْهِدهُ عَلَى وَصِيَّته , فَأَشْهَدَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا , فَشَهَادَتهمْ جَائِزَة . 10070 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت حِين الْوَصِيَّة اِثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } قَالَ : هَذَا فِي الْحَضَر , { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } فِي السَّفَر , { إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْض فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة الْمَوْت } هَذَا فِي الرَّجُل يُدْرِكهُ الْمَوْت فِي سَفَره وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ أَحَد مِنْ الْمُسْلِمِينَ , فَيَدْعُو رَجُلَيْنِ مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس , فَيُوصِي إِلَيْهِمَا . 10071 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , وَسَعِيد بْن جُبَيْر , أَنَّهُمَا قَالَا فِي هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنكُمْ } الْآيَة , قَالَ : إِذَا حَضَرَ الرَّجُل الْوَفَاة فِي سَفَر , فَيَشْهَد رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ , فَإِنْ لَمْ يَجِد رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَرَجُلَيْنِ مِنْ أَهْل الْكِتَاب . 10072 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنكُمْ } إِلَى قَوْله : { ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } فَهَذَا لِمَنْ مَاتَ وَعِنْده الْمُسْلِمُونَ , فَأَمَرَهُ اللَّه أَنْ يُشْهِد عَلَى وَصِيَّته عَدْلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ . ثُمَّ قَالَ : { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْض فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة الْمَوْت } فَهَذَا لِمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ عِنْده أَحَد مِنْ الْمُسْلِمِينَ , فَأَمَرَهُ اللَّه تَعَالَى بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ مِنْ غَيْر الْمُسْلِمِينَ . وَوَجَّهَ ذَلِكَ آخَرُونَ إِلَى مَعْنَى التَّخْيِير , وَقَالُوا : إِنَّمَا عَنَى بِالشَّهَادَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِع الْأَيْمَان عَلَى الْوَصِيَّة الَّتِي أَوْصَى إِلَيْهِمَا وَائْتِمَان الْمَيِّت إِيَّاهُمَا عَلَى مَا اِئْتَمَنَهُمَا عَلَيْهِ مِنْ مَال لِيُؤَدِّيَاهُ إِلَى وَرَثَته بَعْد وَفَاته إِنْ اُرْتِيبَ بِهِمَا . قَالُوا : وَقَدْ يَأْمَن الرَّجُل عَلَى مَاله مَنْ رَآهُ مَوْضِعًا لِلْأَمَانَةِ , مِنْ مُؤْمِن وَكَافِر , فِي السَّفَر وَالْحَضَر . وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَة عَنْ بَعْض مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْل فِيمَا مَضَى , وَسَنَذْكُرُ بَقِيَّته إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى بَعْد .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْد الصَّلَاة فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ إِنْ اِرْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ : شَهَادَة بَيْنكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت , إِنْ شَهِدَ اِثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ , أَوْ كَانَ أَوْصَى إِلَيْهِمَا , أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ , إِنْ كُنْتُمْ فِي سَفَر فَحَضَرَتْكُمْ الْمَنِيَّة فَأَوْصَيْتُمْ إِلَيْهِمَا وَدَفَعْتُمْ إِلَيْهِمَا مَا كَانَ مَعَكُمْ مِنْ مَال وَتَرِكَة لِوَرَثَتِكُمْ , فَإِذَا أَنْتُمْ أَوْصَيْتُمْ إِلَيْهِمَا وَدَفَعْتُمْ إِلَيْهِمَا مَا كَانَ مَعَكُمْ مِنْ مَال فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة الْمَوْت , فَأَدَّيَا إِلَى وَرَثَتكُمْ مَا اِئْتَمَنْتُمُوهُمَا وَادَّعَوْا عَلَيْهِمَا خِيَانَة خَانَاهَا مِمَّا ائْتُمِنَا عَلَيْهِ , فَإِنَّ الْحُكْم فِيهِمَا حِينَئِذٍ أَنْ تَحْبِسُوهُمَا , يَقُول : تَسْتَوْقِفُونَهُمَا بَعْد الصَّلَاة . وَفِي الْكَلَام مَحْذُوف اُجْتُزِئَ بِدَلَالَةِ مَا ظَهَرَ مِنْهُ عَلَى مَا حُذِفَ , وَهُوَ : فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة الْمَوْت وَقَدْ أَسْنَدْتُمْ وَصِيَّتكُمْ إِلَيْهِمَا وَدَفَعْتُمْ إِلَيْهِمَا مَا كَانَ مَعَكُمْ مِنْ مَال , فَإِنَّكُمْ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْد الصَّلَاة . { فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ إِنْ اِرْتَبْتُمْ } يَقُول : يَحْلِفَانِ بِاَللَّهِ إِنْ اِتَّهَمْتُمُوهُمَا بِخِيَانَةٍ فِيمَا ائْتُمِنَا عَلَيْهِ مِنْ تَغْيِير وَصِيَّة أَوْصَى إِلَيْهِمَا بِهَا , أَوْ تَبْدِيلهَا . وَالِارْتِيَاب : هُوَ الِاتِّهَام . { لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا } يَقُول : يَحْلِفَانِ بِاَللَّهِ لَا نَشْتَرِي بِأَيْمَانِنَا بِاَللَّهِ ثَمَنًا , يَقُول : لَا نَحْلِف كَاذِبِينَ عَلَى عِوَض نَأْخُذهُ عَلَيْهِ وَعَلَى مَال نَذْهَب بِهِ أَوْ لِحَقّ نَجْحَدهُ لِهَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ أَوْصَى إِلَيْنَا وَإِلَيْهِمْ وَصِيَّتهمْ . وَالْهَاء فِي قَوْله " بِهِ " مِنْ ذِكْر اللَّه , وَالْمَعْنِيّ بِهِ الْحَلِف وَالْقَسَم ; وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ قَدْ جَرَى قَبْل ذَلِكَ ذِكْر الْقَسَم بِهِ , فَيُعْرَف مِنْ مَعْنَى الْكَلَام , وَاكْتُفِيَ بِهِ مِنْ إِعَادَة ذِكْر الْقَسَم وَالْحَلِف . { وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى } يَقُول : يُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ لَا نَطْلُب بِإِقْسَامِنَا بِاَللَّهِ عِوَضًا فَنَكْذِب فِيهَا لِأَحَدٍ , وَلَوْ كَانَ الَّذِي نُقْسِم بِهِ لَهُ ذَا قَرَابَة مِنَّا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ رُوِيَ الْخَبَر عَنْ اِبْن عَبَّاس ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10073 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْض فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة الْمَوْت } فَهَذَا لِمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ عِنْده أَحَد مِنْ الْمُسْلِمِينَ , فَأَمَرَهُ اللَّه بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ مِنْ غَيْر الْمُسْلِمِينَ , فَإِنْ اُرْتِيبَ فِي شَهَادَتهمَا اُسْتُحْلِفَا بَعْد الصَّلَاة بِاَللَّهِ : لَمْ نَشْتَرِ بِشَهَادَتِنَا ثَمَنًا قَلِيلًا . وَقَوْله : { تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْد الصَّلَاة } مِنْ صَلَاة الْآخَرَيْنِ . وَمَعْنَى الْكَلَام : أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْد الصَّلَاة إِنْ اِرْتَبْتُمْ بِهِمَا , فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى . وَاخْتَلَفُوا فِي الصَّلَاة الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَة فَقَالَ : { تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْد الصَّلَاة } فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ صَلَاة الْعَصْر ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10074 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا , عَنْ الشَّعْبِيّ : أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاة بِدَقُوقَا , فَلَمْ يَجِد أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُشْهِدهُ عَلَى وَصِيَّته , فَأَشْهَدَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْل الْكِتَاب . قَالَ : فَقَدِمَا الْكُوفَة , فَأَتَيَا الْأَشْعَرِيّ فَأَخْبَرَاهُ , وَقَدِمَا بِتَرِكَتِهِ وَوَصِيَّته , فَقَالَ الْأَشْعَرِيّ : هَذَا أَمْر لَمْ يَكُنْ بَعْد الَّذِي كَانَ فِي عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ : فَأَحْلَفَهُمَا بَعْد الْعَصْر بِاَللَّهِ : مَا خَانَا وَلَا كَذَبَا وَلَا بَدَّلَا وَلَا كَتَمَا وَلَا غَيَّرَا , وَإِنَّهَا لَوَصِيَّة الرَّجُل وَتَرِكَته . قَالَ : فَأَمْضَى شَهَادَتهمَا . 10075 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار وَعَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَا : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } قَالَ : إِذَا كَانَ الرَّجُل بِأَرْضِ الشِّرْك فَأَوْصَى إِلَى رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْل الْكِتَاب , فَإِنَّهُمَا يَحْلِفَانِ بَعْد الْعَصْر . 10076 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , بِمِثْلِهِ . 10077 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنكُمْ } إِلَى : { فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة الْمَوْت } فَهَذَا رَجُل مَاتَ بِغُرْبَةٍ مِنْ الْأَرْض وَتَرَكَ تَرِكَته وَأَوْصَى بِوَصِيَّتِهِ وَشَهِدَ عَلَى وَصِيَّته رَجُلَانِ , فَإِنْ اُرْتِيبَ فِي شَهَادَتهمَا اُسْتُحْلِفَا بَعْد الْعَصْر . وَكَانَ يُقَال عِنْدهَا تَصِير الْأَيْمَان . 10078 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم وَسَعِيد بْن جُبَيْر , أَنَّهُمَا قَالَا فِي هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنكُمْ } قَالَا : إِذَا حَضَرَ الرَّجُل الْوَفَاة فِي سَفَر , فَلْيُشْهِدْ رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ , فَإِنْ لَمْ يَجِد فَرَجُلَيْنِ مِنْ أَهْل الْكِتَاب , فَإِذَا قَدِمَا بِتَرِكَتِهِ , فَإِنْ صَدَّقَهُمَا الْوَرَثَة قُبِلَ قَوْلهمَا , وَإِنْ اِتَّهَمُوهُمَا أُحْلِفَا بَعْد صَلَاة الْعَصْر : بِاَللَّهِ مَا كَذَبْنَا , وَلَا كَتَمْنَا , وَلَا خُنَّا , وَلَا غَيَّرْنَا . * - حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن الْقَطَّان , قَالَ : ثنا زَكَرِيَّا , قَالَ : ثنا عَامِر : أَنَّ رَجُلًا تُوُفِّيَ بِدَقُوقَا , فَلَمْ يَجِد مَنْ يُشْهِدهُ عَلَى وَصِيَّته إِلَّا رَجُلَيْنِ نَصْرَانِيَّيْنِ مِنْ أَهْلهَا , فَأَحْلَفَهُمَا أَبُو مُوسَى دُبُر صَلَاة الْعَصْر فِي مَسْجِد الْكُوفَة بِاَللَّهِ : مَا كَتَمَا وَلَا غَيَّرَا , وَإِنَّ هَذِهِ الْوَصِيَّة . فَأَجَازَهَا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ يُسْتَحْلَفَانِ بَعْد صَلَاة أَهْل دِينهمَا وَمِلَّتهمَا ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10079 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنكُمْ } إِلَى قَوْله : { ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } قَالَ : هَذَا فِي الْوَصِيَّة عِنْد الْمَوْت يُوصِي وَيُشْهِد رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَا لَهُ وَعَلَيْهِ , قَالَ : هَذَا فِي الْحَضَر : { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } فِي السَّفَر { إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْض فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة الْمَوْت } هَذَا الرَّجُل يُدْرِكهُ الْمَوْت فِي سَفَره وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ أَحَد مِنْ الْمُسْلِمِينَ , فَيَدْعُو رَجُلَيْنِ مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس , فَيُوصِي إِلَيْهِمَا وَيَدْفَع إِلَيْهِمَا مِيرَاثه , فَيَقْبَلَانِ بِهِ , فَإِنْ رَضِيَ أَهْل الْمَيِّت الْوَصِيَّة وَعَرَفُوا مَال صَاحِبهمْ تَرَكُوا الرَّجُلَيْنِ , وَإِنْ اِرْتَابُوا رَفَعُوهُمَا إِلَى السُّلْطَان , فَذَلِكَ قَوْله : { تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْد الصَّلَاة إِنْ اِرْتَبْتُمْ } قَالَ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس : كَأَنِّي أَنْظُر إِلَى الْعِلْجَيْنِ حِين اُنْتُهِيَ بِهِمَا إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فِي دَاره , فَفَتَحَ الصَّحِيفَة فَأَنْكَرَ أَهْل الْمَيِّت وَخَوَّنُوهُمَا , فَأَرَادَ أَبُو مُوسَى أَنْ يَسْتَحْلِفهُمَا بَعْد الْعَصْر , فَقُلْت لَهُ : إِنَّهُمَا لَا يُبَالِيَانِ صَلَاة الْعَصْر , وَلَكِنْ اِسْتَحْلِفْهُمَا بَعْد صَلَاتهمَا فِي دِينهمَا , فَيُوقَف الرَّجُلَانِ بَعْد صَلَاتهمَا فِي دِينهمَا , وَيُحْلَفَانِ بِاَللَّهِ لَا نَشْتَرِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى , وَلَا نَكْتُم شَهَادَة اللَّه , إِنَّا إِذَن لِمَنْ الْآثِمِينَ , أَنَّ صَاحِبهمْ لَبِهَذَا أَوْصَى , وَإِنَّ هَذِهِ لَتَرِكَته . فَيَقُول لَهُمَا الْإِمَام قَبْل أَنْ يَحْلِفَا : إِنَّكُمَا إِنْ كُنْتُمَا كَتَمْتُمَا أَوْ خُنْتُمَا فَضَحْتُكُمَا فِي قَوْمكُمَا , وَلَمْ تَجُزْ لَكُمَا شَهَادَة وَعَاقَبْتُكُمَا ; فَإِذَا قَالَ لَهُمَا ذَلِكَ , فَإِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْههَا . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدنَا , قَوْل مَنْ قَالَ : تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْد صَلَاة الْعَصْر ; لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى عَرَّفَ الصَّلَاة فِي هَذَا الْمَوْضِع بِإِدْخَالِ الْأَلِف وَاللَّام فِيهَا , وَلَا تُدْخِلهُمَا الْعَرَب إِلَّا فِي مَعْرُوف , إِمَّا فِي جِنْس , أَوْ فِي وَاحِد مَعْهُود مَعْرُوف عِنْد الْمُتَخَاطِبَيْنِ . فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ , وَكَانَتْ الصَّلَاة فِي هَذَا الْمَوْضِع مُجْمَعًا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْنِ بِهَا جَمِيع الصَّلَوَات , لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُون مُرَادًا بِهَا صَلَاة الْمُسْتَحْلَف مِنْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى ; لِأَنَّ لَهُمْ صَلَوَات لَيْسَتْ وَاحِدَة , فَيَكُون مَعْلُومًا أَنَّهَا الْمَعْنِيَّة بِذَلِكَ . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , صَحَّ أَنَّهَا صَلَاة بِعَيْنِهَا مِنْ صَلَوَات الْمُسْلِمِينَ . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحِيحًا عَنْهُ أَنَّهُ إِذْ لَاعَنَ بَيْن الْعَجْلَانِيَّيْنِ لَاعَنَ بَيْنهمَا بَعْد الْعَصْر دُون غَيْرهَا مِنْ الصَّلَوَات , كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الَّتِي عُنِيَتْ بِقَوْلِهِ : { تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْد الصَّلَاة } هِيَ الصَّلَاة الَّتِي كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَيَّرهَا لِاسْتِحْلَافِ مَنْ أَرَادَ تَغْلِيظ الْيَمِين عَلَيْهِ . هَذَا مَعَ مَا عِنْد أَهْل الْكُفْر بِاَللَّهِ مِنْ تَعْظِيم ذَلِكَ الْوَقْت , وَذَلِكَ لِقُرْبِهِ مِنْ غُرُوب الشَّمْس . وَكَانَ اِبْن زَيْد يَقُول فِي قَوْله : { لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا } مَا : 10080 - حَدَّثَنِي بِهِ يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا } قَالَ : نَأْخُذ بِهِ رَشْوَة .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا نَكْتُم شَهَادَة اللَّه إِنَّا إِذًا لَمِنْ الْآثِمِينَ } اِخْتَلَفَتْ الْقِرَاءَة فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْأَمْصَار : { وَلَا نَكْتُم شَهَادَة اللَّه } بِإِضَافَةِ الشَّهَادَة إِلَى اللَّه , وَخَفْض اِسْم اللَّه تَعَالَى ; يَعْنِي : لَا نَكْتُم شَهَادَةَ اللَّهِ عِنْدنَا . وَذُكِرَ عَنْ الشَّعْبِيّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ كَاَلَّذِي : 10081 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ اِبْن عَوْن , عَنْ عَامِر , أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : { وَلَا نَكْتُم شَهَادَة اللَّه , إِنَّا إِذًا لِمَنْ الْآثِمِينَ } بِقَطْعِ الْأَلِف وَخَفْض اِسْم اللَّه . هَكَذَا حَدَّثَنَا بِهِ بْن وَكِيع . وَكَأَنَّ الشَّعْبِيّ وَجَّهَ مَعْنَى الْكَلَام إِلَى أَنَّهُمَا يُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَا نَكْتُم شَهَادَة عِنْدنَا , ثُمَّ اِبْتَدَأَ يَمِينًا بِاسْتِفْهَامٍ بِاَللَّهِ أَنَّهُمَا إِنْ اِشْتَرَيَا بِأَيْمَانِهِمَا ثَمَنًا أَوْ كَتَمَا شَهَادَته عِنْدهمَا لَمِنْ الْآثِمِينَ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيّ فِي قِرَاءَة ذَلِكَ رِوَايَة تُخَالِف هَذِهِ الرِّوَايَة , وَذَلِكَ مَا : 10082 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن يُوسُف الثَّعْلَبِيّ , قَالَ : ثنا الْقَاسِم بْن سَلَّام , قَالَ : ثنا عَبَّاد بْن عَبَّاد , عَنْ اِبْن عَوْن , عَنْ الشَّعْبِيّ , أَنَّهُ قَرَأَ : { وَلَا نَكْتُم شَهَادَة اللَّه إِنَّا إِذًا لَمِنْ الْآثِمِينَ } قَالَ أَحْمَد , قَالَ أَبُو عُبَيْد : تُنَوَّن شَهَادَة , وَيُخْفَض " اللَّه " عَلَى الِاتِّصَال . قَالَ : وَقَدْ رَوَاهَا بَعْضهمْ بِقَطْعِ الْأَلِف عَلَى الِاسْتِفْهَام . وَحِفْظِي أَنَا لِقِرَاءَةِ الشَّعْبِيّ بِتَرْكِ الِاسْتِفْهَام . وَقَرَأَهَا بَعْضهمْ : " وَلَا نَكْتُم شَهَادَة اللَّه " بِتَنْوِينِ الشَّهَادَة وَنَصْب اِسْم " اللَّه " , بِمَعْنَى : وَلَا نَكْتُم اللَّه شَهَادَة عِنْدنَا . وَأَوْلَى الْقِرَاءَات فِي ذَلِكَ عِنْدنَا بِالصَّوَابِ , قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { وَلَا نَكْتُم شَهَادَة اللَّه } بِإِضَافَةِ الشَّهَادَة إِلَى اِسْم " اللَّه " وَخَفْض اِسْم " اللَّه " ; لِأَنَّهَا الْقِرَاءَة الْمُسْتَفِيضَة فِي قِرَاءَة الْأَمْصَار الَّتِي لَا يَتَنَاكَر صِحَّتهَا الْأُمَّة . وَكَانَ اِبْن زَيْد يَقُول فِي مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَا نَكْتُم شَهَادَة اللَّه وَإِنْ كَانَ صَاحِبهَا بَعِيدًا . 10083 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن زَيْد عَنْهُ .
فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَسورة المائدة الآية رقم 107
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اِسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامهمَا مِنْ الَّذِينَ اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْأَوْلَيَانِ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { فَإِنْ عُثِرَ } فَإِنْ اُطُّلِعَ مِنْهُمَا , أَوْ ظَهَرَ . وَأَصْل الْعَثْر : الْوُقُوع عَلَى الشَّيْء وَالسُّقُوط عَلَيْهِ , وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلهمْ : عَثَرَتْ إِصْبَع فُلَان بِكَذَا : إِذَا صَدَمَته وَأَصَابَتْهُ , وَوَقَعَتْ عَلَيْهِ ; وَمِنْهُ قَوْل الْأَعْشَى مَيْمُون بْن قَيْس : بِذَاتِ لَوْث عَفَرْنَاة إِذَا عَثَرَتْ فَالتَّعْس أَدْنَى لَهَا مِنْ أَنْ أَقُول لَعَا يَعْنِي بِقَوْلِهِ : " عَثَرَتْ " : أَصَابَ مِيسَم خُفّهَا حَجَر أَوْ غَيْره , ثُمَّ يُسْتَعْمَل ذَلِكَ فِي كُلّ وَاقِع عَلَى شَيْء كَانَ عَنْهُ خَفِيًّا , كَقَوْلِهِمْ : " عَثَرَتْ عَلَى الْغَزْل بِأَخَرَةِ , فَلَمْ تَدَع بِنَجْدٍ قَرَدَة " , بِمَعْنَى : وَقَعَتْ . وَأَمَّا قَوْله : { عَلَى أَنَّهُمَا اِسْتَحَقَّا إِثْمًا } فَإِنَّهُ يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَإِنْ اُطُّلِعَ مِنْ الْوَصِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَ اللَّه أَمْرهمَا فِي هَذِهِ الْآيَة بَعْد حَلِفهمَا بِاَللَّهِ : لَا نَشْتَرِي بِأَيْمَانِنَا ثَمَنًا , وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى , وَلَا نَكْتُم شَهَادَة اللَّه عَلَى أَنَّهُمَا اِسْتَحَقَّا إِثْمًا , يَقُول : عَلَى أَنَّهُمَا اِسْتَوْجَبَا بِأَيْمَانِهِمَا الَّتِي حَلَفَا بِهَا إِثْمًا , وَذَلِكَ أَنْ يُطَّلَع عَلَى أَنَّهُمَا كَانَا كَاذِبَيْنِ فِي أَيْمَانهمَا بِاَللَّهِ مَا خُنَّا , وَلَا بَدَّلْنَا , وَلَا غَيَّرْنَا , فَإِنْ وُجِدَا قَدْ خَانَا مِنْ مَال الْمَيِّت شَيْئًا , أَوْ غَيَّرَا وَصِيَّته , أَوْ بَدَّلَا , فَأَثِمَا بِذَلِكَ مِنْ حَلِفهمَا بِرَبِّهِمَا ; { فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامهمَا } يَقُول : يَقُوم حِينَئِذٍ مَقَامهمَا مِنْ وَرَثَة الْمَيِّت الْأَوْلَيَانِ الْمُوصَى إِلَيْهِمَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10084 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } قَالَ : إِذَا كَانَ الرَّجُل بِأَرْضِ الشِّرْك فَأَوْصَى إِلَى رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْل الْكِتَاب , فَإِنَّهُمَا يَحْلِفَانِ بَعْد الْعَصْر , فَإِذَا اُطُّلِعَ عَلَيْهِمَا بَعْد حَلِفهمَا أَنَّهُمَا خَانَا شَيْئًا , حَلَفَ أَوْلِيَاء الْمَيِّت أَنَّهُ كَانَ كَذَا وَكَذَا , ثُمَّ اِسْتَحَقُّوا . 10085 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , بِمِثْلِهِ . 10086 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } مِنْ غَيْر الْمُسْلِمِينَ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْد الصَّلَاة , فَإِنْ اُرْتِيبَ فِي شَهَادَتهمَا , اُسْتُحْلِفَا بَعْد الصَّلَاة بِاَللَّهِ : مَا اِشْتَرَيْنَا بِشَهَادَتِنَا ثَمَنًا قَلِيلًا ; فَإِنْ اُطُّلِعَ الْأَوْلِيَاء عَلَى أَنَّ الْكَافِرَيْنِ كَذَبَا فِي شَهَادَتهمَا , قَامَ رَجُلَانِ مِنْ الْأَوْلِيَاء فَحَلَفَا بِاَللَّهِ : إِنَّ شَهَادَة الْكَافِرَيْنِ بَاطِلَة , وَإِنَّا لَمْ نَعْتَدِ ; فَذَلِكَ قَوْله : { فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اِسْتَحَقَّا إِثْمًا } يَقُول : إِنْ اُطُّلِعَ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَيْنِ كَذَبَا , { فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامهمَا } يَقُول : مِنْ الْأَوْلِيَاء , فَحَلَفَا بِاَللَّهِ : إِنَّ شَهَادَة الْكَافِرَيْنِ بَاطِلَة , وَإِنَّا لَمْ نَعْتَدِ . فَتُرَدّ شَهَادَة الْكَافِرَيْنِ , وَتَجُوز شَهَادَة الْأَوْلِيَاء . 10087 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اِسْتَحَقَّا إِثْمًا } أَيْ اُطُّلِعَ مِنْهُمَا عَلَى خِيَانَة أَنَّهُمَا كَذَبَا أَوْ كَتَمَا . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنَى الَّذِي لَهُ حَكَمَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَلَى الشَّاهِدَيْنِ بِالْأَيْمَانِ فَنَقَلَهَا إِلَى الْآخَرَيْنِ بَعْد أَنْ عُثِرَ عَلَيْهِمَا أَنَّهُمَا اِسْتَحَقَّا إِثْمًا . فَقَالَ بَعْضهمْ : إِنَّمَا أَلْزَمَهُمَا الْيَمِين إِذَا اُرْتِيبَ فِي شَهَادَتهمَا عَلَى الْمَيِّت فِي وَصِيَّته أَنَّهُ أَوْصَى لِغَيْرِ الَّذِي يَجُوز فِي حُكْم الْإِسْلَام , وَذَلِكَ أَنْ يَشْهَدَا أَنَّهُ أَوْصَى بِمَالِهِ كُلّه , أَوْ أَوْصَى أَنْ يُفَضَّل بَعْض وَلَده بِبَعْضِ مَاله ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10088 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت } إِلَى قَوْله : { ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } مِنْ أَهْل الْإِسْلَام , { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } مِنْ غَيْر أَهْل الْإِسْلَام , { إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْض } إِلَى : { فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ } يَقُول : فَيَحْلِفَانِ بِاَللَّهِ بَعْد الصَّلَاة , فَإِنْ حَلَفَا عَلَى شَيْء يُخَالِف مَا أَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى مِنْ الْفَرِيضَة , يَعْنِي اللَّذَيْنِ لَيْسَا مِنْ أَهْل الْإِسْلَام , فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامهمَا مِنْ أَوْلِيَاء الْمَيِّت , فَيَحْلِفَانِ بِاَللَّهِ : مَا كَانَ صَاحِبنَا لَيُوصِي بِهَذَا , أَوْ : إِنَّهُمَا لَكَاذِبَانِ , وَلَشَهَادَتنَا أَحَقّ مِنْ شَهَادَتهمَا . 10089 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : يُوقَف الرَّجُلَانِ بَعْد صَلَاتهمَا فِي دِينهمَا , يَحْلِفَانِ بِاَللَّهِ : لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُم شَهَادَة اللَّه , إِنَّا إِذَن لَمِنْ الْآثِمِينَ إِنَّ صَاحِبكُمْ لَبِهَذَا أَوْصَى , وَإِنَّ هَذِهِ لَتَرِكَته ! فَإِذَا شَهِدَا , وَأَجَازَ الْإِمَام شَهَادَتهمَا عَلَى مَا شَهِدَا , قَالَ لِأَوْلِيَاءِ الرَّجُل : اِذْهَبُوا فَاضْرِبُوا فِي الْأَرْض وَاسْأَلُوا عَنْهُمَا , فَإِنْ أَنْتُمْ وَجَدْتُمْ عَلَيْهِمَا خِيَانَة أَوْ أَحَدًا يَطْعَن عَلَيْهِمَا رَدَدْنَا شَهَادَتهمَا ! فَيَنْطَلِق الْأَوْلِيَاء فَيَسْأَلُونَ , فَإِنْ وَجَدُوا أَحَدًا يَطْعَن عَلَيْهِمَا أَوْ هُمَا غَيْر مَرْضِيَّيْنِ عِنْدهمْ , أَوْ اُطُّلِعَ عَلَى أَنَّهُمَا خَانَا شَيْئًا مِنْ الْمَال وَجَدُوهُ عِنْدهمَا , فَأَقْبَلَ الْأَوْلِيَاء فَشَهِدُوا عِنْد الْإِمَام وَحَلَفُوا بِاَللَّهِ : لَشَهَادَتنَا إِنَّهُمَا لَخَائِنَانِ مُتَّهَمَانِ فِي دِينهمَا مَطْعُون عَلَيْهِمَا أَحَقّ مِنْ شَهَادَتهمَا بِمَا شَهِدَا , وَمَا اِعْتَدَيْنَا . فَذَلِكَ قَوْله : { فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اِسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامهمَا مِنْ الَّذِينَ اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْأَوْلَيَانِ } وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ إِنَّمَا أَلْزَمَ الشَّاهِدَانِ الْيَمِين ; لِأَنَّهُمَا اِدَّعَيَا أَنَّهُ أَوْصَى لَهُمَا بِبَعْضِ الْمَال . وَإِنَّمَا يُنْقَل إِلَى الْآخَرَيْنِ مِنْ أَجْل ذَلِكَ إِذَا اِرْتَابُوا بِدَعْوَاهُمَا ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10090 - حَدَّثَنَا عِمْرَان بْن مُوسَى الْقَزَّاز , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَارِث بْن سَعْد , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن سُوَيْد , عَنْ يَحْيَى بْن يَعْمَر فِي قَوْله : { تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْد الصَّلَاة فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ } قَالَ : زَعَمَا أَنَّهُ أَوْصَى لَهُمَا بِكَذَا وَكَذَا , { فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اِسْتَحَقَّا إِثْمًا } أَيْ بِدَعْوَاهُمَا لِأَنْفُسِهِمَا , { فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامهمَا مِنْ الَّذِينَ اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْأَوْلَيَانِ } أَنَّ صَاحِبنَا لَمْ يُوصِ إِلَيْكُمَا بِشَيْءٍ مِمَّا تَقُولَانِ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا , أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ أُلْزِمَا الْيَمِين فِي ذَلِكَ بِاتِّهَامِ وَرَثَة الْمَيِّت إِيَّاهُمَا فِيمَا دَفَعَ إِلَيْهِمَا الْمَيِّت مِنْ مَاله , وَدَعْوَاهُمْ قِبَلهَا خِيَانَة مَال مَعْلُوم الْمَبْلَغ , وَنُقِلَتْ بَعْد إِلَى الْوَرَثَة عِنْد ظُهُور الرِّيبَة الَّتِي كَانَتْ مِنْ الْوَرَثَة فِيهِمَا , وَصِحَّة التُّهْمَة عَلَيْهِمَا بِشَهَادَةِ شَاهِد عَلَيْهِمَا أَوْ عَلَى أَحَدهمَا , فَيَحْلِف الْوَارِث حِينَئِذٍ مَعَ شَهَادَة الشَّاهِد عَلَيْهِمَا أَوْ عَلَى أَحَدهمَا إِنَّمَا صَحَّحَ دَعْوَاهُ إِذَا حَقَّقَ حَقّه , أَوْ الْإِقْرَار يَكُون مِنْ الشُّهُود بِبَعْضِ مَا اِدَّعَى عَلَيْهِمَا الْوَارِث أَوْ بِجَمِيعِهِ , ثُمَّ دَعْوَاهُمَا فِي الَّذِي أَقَرَّا بِهِ مِنْ مَال الْمَيِّت مَا لَا يُقْبَل فِيهِ دَعْوَاهُمَا إِلَّا بِبَيِّنَةٍ , ثُمَّ لَا يَكُون لَهُمَا عَلَى دَعْوَاهُمَا تِلْكَ بَيِّنَة , فَيُنْقَل حِينَئِذٍ الْيَمِين إِلَى أَوْلِيَاء الْمَيِّت . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ ; لِأَنَّا لَا نَعْلَم مِنْ أَحْكَام الْإِسْلَام حُكْمًا يَجِب فِيهِ الْيَمِين عَلَى الشُّهُود اُرْتِيبَ بِشَهَادَتِهِمَا أَوْ لَمْ يُرْتَبْ بِهَا , فَيَكُون الْحُكْم فِي هَذِهِ الشَّهَادَة نَظِيرًا لِذَلِكَ . وَلَمْ نَجِد ذَلِكَ كَذَلِكَ صَحَّ بِخَبَرٍ عَنْ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا بِإِجْمَاعٍ مِنْ الْأُمَّة , لِأَنَّ اِسْتِحْلَاف الشُّهُود فِي هَذَا الْمَوْضِع مِنْ حُكْم اللَّه تَعَالَى , فَيَكُون أَصْلًا مُسَلَّمًا . وَالْمَقُول إِذَا خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُون أَصْلًا أَوْ نَظِيرًا لِأَصْلٍ فِيمَا تَنَازَعَتْ فِيهِ الْأُمَّة , كَانَ وَاضِحًا فَسَاده . وَإِذَا فَسَدَ هَذَا الْقَوْل بِمَا ذَكَرْنَا , فَالْقَوْل بِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ اُسْتُحْلِفَا مِنْ أَجْل أَنَّهُمَا اِدَّعَيَا عَلَى الْمَيِّت وَصِيَّة لَهُمَا بِمَالٍ مِنْ مَاله أَفْسَدَ مِنْ أَجْل أَنَّ أَهْل الْعِلْم لَا خِلَاف بَيْنهمْ فِي أَنَّ مِنْ حُكْم اللَّه تَعَالَى أَنَّ مُدَّعِيًا لَوْ اِدَّعَى فِي مَال مَيِّت وَصِيَّة أَنَّ الْقَوْل قَوْل وَرَثَة الْمُدَّعِي فِي مَاله الْوَصِيَّة مَعَ أَيْمَانهمْ , دُون قَوْل مُدَّعِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينه , وَذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَة . وَقَدْ جَعَلَ اللَّه تَعَالَى الْيَمِين فِي هَذِهِ الْآيَة عَلَى الشُّهُود إِذَا اُرْتِيبَ بِهِمَا , وَإِنَّمَا نَقَلَ الْأَيْمَان عَنْهُمْ إِلَى أَوْلِيَاء الْمَيِّت , إِذَا عُثِرَ عَلَى أَنَّ الشُّهُود اِسْتَحَقُّوا إِثْمًا فِي أَيْمَانهمْ ; فَمَعْلُوم بِذَلِكَ فَسَاد قَوْل مَنْ قَالَ : أَلْزَمَ الْيَمِين الشُّهُود لِدَعْوَاهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ وَصِيَّة أَوْصَى بِهَا لَهُمْ الْمَيِّت فِي مَاله , عَلَى أَنَّ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ عَنْ أَهْل التَّأْوِيل هُوَ التَّأْوِيل الَّذِي وَرَدَتْ بِهِ الْأَخْبَار عَنْ بَعْض أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِهِ حِين نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة بَيْن الَّذِينَ نَزَلَتْ فِيهِمْ وَبِسَبَبِهِمْ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10091 - حَدَّثَنِي اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن آدَم , عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي الْقَاسِم , عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : . خَرَجَ رَجُل مِنْ بَنِي سَهْم مَعَ تَمِيم الدَّارِيّ وَعَدِيّ بْن بَدَّاء , فَمَاتَ السَّهْمِيّ بِأَرْضٍ لَيْسَ فِيهَا مُسْلِم , فَلَمَّا قَدِمَا بِتَرِكَتِهِ , فَقَدُوا جَامًا مِنْ فِضَّة مُخَوَّصًا بِالذَّهَبِ , فَأَحْلَفَهُمَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ثُمَّ وَجَدَ الْجَام بِمَكَّة , فَقَالُوا : اِشْتَرَيْنَاهُ مِنْ تَمِيم الدَّارِيّ وَعَدِيّ بْن بَدَّاء . فَقَامَ رَجُلَانِ مِنْ أَوْلِيَاء السَّهْمِيّ فَحَلَفَا : لَشَهَادَتنَا أَحَقّ مِنْ شَهَادَتهمَا , وَأَنَّ الْجَام لِصَاحِبِهِمْ . قَالَ : وَفِيهِمْ أُنْزِلَتْ : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنكُمْ } . 10092 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن أَبِي شُعَيْب الْحَرَّانِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن سَلَمَة الْحَرَّانِيّ , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ أَبِي النَّضْر , عَنْ زَاذَان مَوْلَى أُمّ هَانِئ اِبْنَة أَبِي طَالِب , عَنْ اِبْن عَبَّاس , عَنْ تَمِيم الدَّارِيّ فِي هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت } قَالَ : بَرِئَ النَّاس مِنْهَا غَيْرِي وَغَيْر عَدِيّ بْن بَدَّاء , وَكَانَا نَصْرَانِيِّينَ يَخْتَلِفَانِ إِلَى الشَّام قَبْل الْإِسْلَام , فَأَتَيَا الشَّام لِتِجَارَتِهِمَا , وَقَدِمَ عَلَيْهِمَا مَوْلَى لِبَنِي سَهْم , يُقَال لَهُ بُدَيْل بْن أَبِي مَرْيَم بِتِجَارَةٍ , وَمَعَهُ جَام فِضَّة يُرِيد بِهِ الْمَلِك , وَهُوَ عِظَم تِجَارَته , فَمَرِضَ , فَأَوْصَى إِلَيْهِمَا وَأَمَرَهُمَا أَنْ يُبَلِّغَا مَا تَرَكَ أَهْله . قَالَ تَمِيم : فَلَمَّا مَاتَ , أَخَذْنَا ذَلِكَ الْجَام , فَبِعْنَاهُ بِأَلْفِ دِرْهَم فَقَسَمْنَاهُ أَنَا وَعَدِيّ بْن بَدَّاء , فَلَمَّا قَدِمْنَا إِلَى أَهْله دَفَعْنَا إِلَيْهِمْ مَا كَانَ مَعَنَا , وَفَقَدُوا الْجَام فَسَأَلُونَا عَنْهُ فَقُلْنَا : مَا تَرَكَ غَيْر هَذَا , وَمَا دَفَعَ إِلَيْنَا غَيْره . قَالَ تَمِيم : فَلَمَّا أَسْلَمْت بَعْد قُدُوم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة تَأَثَّمْت مِنْ ذَلِكَ , فَأَتَيْت أَهْله فَأَخْبَرْتهمْ الْخَبَر , وَأَدَّيْت إِلَيْهِمْ خَمْسمِائَةِ دِرْهَم , وَأَخْبَرْتهمْ أَنَّ عِنْد صَاحِبِي مِثْلهَا , فَأَتَوْا بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَسَأَلَهُمْ الْبَيِّنَة فَلَمْ يَجِدُوا , فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَحْلِفُوهُ بِمَا يُعَظَّم بِهِ عَلَى أَهْل دِينه , فَحَلَفَ , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنكُمْ } إِلَى قَوْله : { أَنْ تُرَدّ أَيْمَان بَعْد أَيْمَانهمْ } فَقَامَ عَمْرو بْن الْعَاص , وَرَجُل آخَر مِنْهُمْ , فَحَلَفَا , فَنُزِعَتْ الْخَمْسمِائَةِ مِنْ عَدِيّ بْن بَدَّاء . 10093 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة وَابْن سِيرِينَ وَغَيْره . قَالَ : وَثنا الْحَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة , دَخَلَ حَدِيث بَعْضهمْ فِي بَعْض : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنكُمْ } الْآيَة , قَالَ : كَانَ عَدِيّ وَتَمِيم الدَّارِيّ - وَهُمَا مِنْ لَخْم - نَصْرَانِيَّينِ يَتَّجِرَانِ إِلَى مَكَّة فِي الْجَاهِلِيَّة . فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوَّلَا مَتْجَرهمَا إِلَى الْمَدِينَة , فَقَدِمَ اِبْن أَبِي مَارِيَة مَوْلَى عَمْرو بْن الْعَاص الْمَدِينَة , وَهُوَ يُرِيد الشَّام تَاجِرًا . فَخَرَجُوا جَمِيعًا , حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيق مَرِضَ اِبْن أَبِي مَارِيَة , فَكَتَبَ وَصِيَّته بِيَدِهِ ثُمَّ دَسَّهَا فِي مَتَاعه , ثُمَّ أَوْصَى إِلَيْهِمَا . فَلَمَّا مَاتَ , فَتَحَا مَتَاعه , فَأَخَذَا مَا أَرَادَا . ثُمَّ قَدِمَا عَلَى أَهْله فَدَفَعَا مَا أَرَادَا , فَفَتَحَ أَهْله مَتَاعه , فَوَجَدُوا كِتَابه وَعَهْده وَمَا خَرَجَ بِهِ , وَفَقَدُوا شَيْئًا فَسَأَلُوهُمَا عَنْهُ , فَقَالُوا : هَذَا الَّذِي قَبَضْنَا لَهُ وَدَفَعَ إِلَيْنَا ! قَالَ لَهُمَا أَهْله : فَبَاعَ شَيْئًا أَوْ اِبْتَاعَهُ ؟ قَالَا : لَا . قَالُوا : فَهَلْ اِسْتَهْلَكَ مِنْ مَتَاعه شَيْئًا ؟ قَالَا : لَا . قَالُوا : فَهَلْ تَجَرَ تِجَارَة ؟ قَالَا : لَا . قَالُوا : فَإِنَّا قَدْ فَقَدْنَا بَعْضه ! فَاتُّهِمَا , فَرَفَعُوهُمَا إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت } إِلَى قَوْله : { إِنَّا إِذًا لَمِنْ الْآثِمِينَ } قَالَ : فَأَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْتَحْلِفُوهُمَا فِي دُبُر صَلَاة الْعَصْر : بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ , مَا قَبَضْنَا لَهُ غَيْر هَذَا وَلَا كَتَمْنَا ! قَالَ : فَمَكَثْنَا مَا شَاءَ اللَّه أَنْ نَمْكُث , ثُمَّ ظُهِرَ مَعَهُمَا عَلَى إِنَاء مِنْ فِضَّة مَنْقُوش مُمَوَّه بِذَهَبٍ , فَقَالَ أَهْله : هَذَا مِنْ مَتَاعه , قَالَا : نَعَمْ , وَلَكِنَّا اِشْتَرَيْنَاهُ مِنْهُ وَنَسِينَا أَنْ نَذْكُرهُ حِين حَلَفْنَا , فَكَرِهْنَا أَنْ نُكَذِّب أَنْفُسنَا ! فَتَرَافَعُوا إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَنَزَلَتْ الْآيَة الْأُخْرَى : { فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اِسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامهمَا مِنْ الَّذِينَ اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْأَوْلَيَانِ } فَأَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْل الْمَيِّت أَنْ يَحْلِفَا عَلَى مَا كَتَمَا وَغَيَّبَا وَيَسْتَحِقَّانِهِ . ثُمَّ إِنَّ تَمِيمًا الدَّارِيّ أَسْلَمَ وَبَايَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَانَ يَقُول : صَدَقَ اللَّه وَرَسُوله , أَنَا أَخَذْت الْإِنَاء . 10094 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت حِين الْوَصِيَّة اِثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } الْآيَة كُلّهَا , قَالَ : هَذَا شَيْء حِين لَمْ يَكُنْ الْإِسْلَام إِلَّا بِالْمَدِينَةِ , وَكَانَتْ الْأَرْض كُلّهَا كُفْرًا , فَقَالَ اللَّه تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت حِين الْوَصِيَّة اِثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } مِنْ الْمُسْلِمِينَ , { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } مِنْ غَيْر أَهْل الْإِسْلَام , { إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْض فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة الْمَوْت } قَالَ : كَانَ الرَّجُل يَخْرُج مُسَافِرًا وَالْعَرَب أَهْل كُفْر , فَعَسَى أَنْ يَمُوت فِي سَفَره فَيُسْنِد وَصِيَّته إِلَى رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ , فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ إِنْ اِرْتَبْتُمْ فِي أَمْرهمَا إِذَا قَالَ الْوَرَثَة : كَانَ مَعَ صَاحِبنَا كَذَا وَكَذَا , فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ : مَا كَانَ مَعَهُ إِلَّا هَذَا الَّذِي قُلْنَا . { فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اِسْتَحَقَّا إِثْمًا } إِنَّمَا حَلَفَا عَلَى بَاطِل وَكَذِبٍ . { فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامهمَا مِنْ الَّذِينَ اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْأَوْلَيَانِ } بِالْمَيِّتِ ; { فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ لَشَهَادَتنَا أَحَقّ مِنْ شَهَادَتهمَا وَمَا اِعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنْ الظَّالِمِينَ } ذَكَرْنَا أَنَّهُ كَانَ مَعَ صَاحِبنَا كَذَا وَكَذَا , قَالَ هَؤُلَاءِ : لَمْ يَكُنْ مَعَهُ . قَالَ : ثُمَّ عُثِرَ عَلَى بَعْض الْمَتَاع عِنْدهمَا , فَلَمَّا عُثِرَ عَلَى ذَلِكَ رُدَّتْ الْقَسَامَة عَلَى وَارِثه , فَأَقْسَمَا , ثُمَّ ضَمِنَ هَذَانِ . قَالَ اللَّه تَعَالَى : { ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْههَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدّ أَيْمَان } فَتَبْطُل أَيْمَانهمْ , { وَاتَّقُوا اللَّه وَاسْمَعُوا وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الْفَاسِقِينَ } الْكَاذِبِينَ الَّذِينَ يَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِب . وَقَالَ اِبْن زَيْد : قَدِمَ تَمِيم الدَّارِيّ وَصَاحِب لَهُ , وَكَانَا يَوْمئِذٍ مُشْرِكَيْنِ وَلَمْ يَكُونَا أَسْلَمَا , فَأَخْبَرَا أَنَّهُمَا أَوْصَى إِلَيْهِمَا رَجُل , وَجَاءَا بِتَرِكَتِهِ , فَقَالَ أَوْلِيَاء الْمَيِّت : كَانَ مَعَ صَاحِبنَا كَذَا وَكَذَا , وَكَانَ مَعَهُ إِبْرِيق فِضَّة ; وَقَالَ الْآخَرَانِ : لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلَّا الَّذِي جِئْنَا بِهِ . فَحَلَفَا خَلْف الصَّلَاة . ثُمَّ عُثِرَ عَلَيْهِمَا بَعْدُ وَالْإِبْرِيق مَعَهُمَا ; فَلَمَّا عُثِرَ عَلَيْهِمَا رُدَّتْ الْقَسَامَة عَلَى أَوْلِيَاء الْمَيِّت بِاَلَّذِي قَالُوا مَعَ صَاحِبهمْ , ثُمَّ ضَمَّنَهَا الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ الْأَوْلَيَانِ . 10095 - حَدَّثَنَا الرَّبِيع , قَالَ : ثنا الشَّافِعِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا سَعِيد بْن مُعَاذ بْن مُوسَى الْجَعْفَرِيّ , عَنْ بُكَيْر بْن مَعْرُوف , عَنْ مُقَاتِل بْن حَيَّان , قَالَ بَكْر : قَالَ مُقَاتِل : أَخَذْت هَذَا التَّفْسِير عَنْ مُجَاهِد وَالْحَسَن وَالضَّحَّاك فِي قَوْل اللَّه : { اِثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } أَنَّ رَجُلَيْنِ نَصْرَانِيَّيْنِ مِنْ أَهْل دَارِينَ , أَحَدهمَا تَمِيمِيّ وَالْآخَر يَمَانِيّ , صَاحَبَهُمَا مَوْلًى لِقُرَيْشٍ فِي تِجَارَة , فَرَكِبُوا الْبَحْر وَمَعَ الْقُرَشِيّ مَال مَعْلُوم قَدْ عَلِمَهُ أَوْلِيَاؤُهُ مِنْ بَيْن آنِيَة وَبَزّ وَرِقَة . فَمَرِضَ الْقُرَشِيّ , فَجَعَلَ وَصِيَّته إِلَى الدَّارِيَيْنِ , فَمَاتَ . وَقَبَضَ الدَّارِيَانِ الْمَال وَالْوَصِيَّة , فَدَفَعَاهُ إِلَى أَوْلِيَاء الْمَيِّت , وَجَاءَا بِبَعْضِ مَاله . وَأَنْكَرَ الْقَوْم قِلَّة الْمَال , فَقَالُوا لِلدَّارِيَيْنِ : إِنَّ صَاحِبنَا قَدْ خَرَجَ مَعَهُ بِمَالٍ أَكْثَر مِمَّا أَتَيْتُمُونَا بِهِ , فَهَلْ بَاعَ شَيْئًا أَوْ اِشْتَرَى شَيْئًا فَوَضَعَ فِيهِ ؟ أَوْ هَلْ طَالَ مَرَضه فَأَنْفَقَ عَلَى نَفْسه ؟ قَالَا : لَا . قَالُوا : فَإِنَّكُمَا خُنْتُمَانَا ! فَقَبَضُوا الْمَال وَرَفَعُوا أَمْرهمَا إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنكُمْ } إِلَى آخَر الْآيَة . فَلَمَّا نَزَلَ : أَنْ يُحْبَسَا مِنْ بَعْد الصَّلَاة , أَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَا بَعْد الصَّلَاة , فَحَلَفَا بِاَللَّهِ رَبّ السَّمَوَات مَا تَرَكَ مَوْلَاكُمْ مِنْ الْمَال إِلَّا مَا أَتَيْنَاكُمْ بِهِ , وَإِنَّا لَا نَشْتَرِي بِأَيْمَانِنَا ثَمَنًا قَلِيلًا مِنْ الدُّنْيَا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى , وَلَا نَكْتُم شَهَادَة اللَّه , إِنَّا إِذَن لَمِنْ الْآثِمِينَ ! فَلَمَّا حَلَفَا خُلِّيَ سَبِيلهمَا . ثُمَّ إِنَّهُمْ وَجَدُوا بَعْد ذَلِكَ إِنَاء مِنْ آنِيَّة الْمَيِّت , فَأُخِذَ الدَّارِيَانِ فَقَالَا : اِشْتَرَيْنَاهُ مِنْهُ فِي حَيَاته ! وَكَذَبَا , فَكُلِّفَا الْبَيِّنَة فَلَمْ يَقْدِرَا عَلَيْهَا . فَرَفَعُوا ذَلِكَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى : { فَإِنْ عُثِرَ } يَقُول : فَإِنْ اُطُّلِعَ عَلَى أَنَّهُمَا اِسْتَحَقَّا إِثْمًا , يَعْنِي الدَّارِيَيْنِ إِنْ كَتَمَا حَقًّا , فَآخَرَانِ مِنْ أَوْلِيَاء الْمَيِّت يَقُومَانِ مَقَامهمَا مِنْ الَّذِينَ اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْأَوْلَيَانِ , فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ إِنَّ مَال صَاحِبنَا كَانَ كَذَا وَكَذَا , وَإِنَّ الَّذِي يُطْلَب قِبَل الدَّارِيَيْنِ لَحَقٌّ , وَمَا اِعْتَدَيْنَا , إِنَّا إِذَن لَمِنْ الظَّالِمِينَ . هَذَا قَوْل الشَّاهِدَيْنِ أَوْلِيَاء الْمَيِّت , ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْههَا , يَعْنِي : الدَّارِيَيْنِ وَالنَّاس أَنْ يَعُودُوا لِمِثْلِ ذَلِكَ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : فَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذِهِ الْأَخْبَار الَّتِي رُوِّينَا دَلِيل وَاضِح عَلَى صِحَّة مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ حُكْم اللَّه تَعَالَى بِالْيَمِينِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ فِي هَذَا الْمَوْضِع , إِنَّمَا هُوَ مِنْ أَجْل دَعْوَى وَرَثَته عَلَى الْمُسْنَد إِلَيْهِمَا الْوَصِيَّة خِيَانَة فِيمَا دَفَعَ الْمَيِّت مِنْ مَاله إِلَيْهِمَا , أَوْ غَيْر ذَلِكَ مِمَّا لَا يَبْرَأ فِيهَا الْمُدَّعِي ذَلِكَ قِبَله إِلَّا بِيَمِينٍ , وَإِنْ نُقِلَ الْيَمِين إِلَى وَرَثَة الْمَيِّت , بِمَا أَوْجَبَهُ اللَّه تَعَالَى بَعْد أَنْ عُثِرَ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ أَنَّهُمَا اِسْتَحَقَّا إِثْمًا فِي أَيْمَانهمَا , ثُمَّ ظُهِرَ عَلَى كَذِبهمَا فِيهَا , إِنَّ الْقَوْم اِدَّعَوْا فِيمَا صَحَّ أَنَّهُ كَانَ لِلْمَيِّتِ دَعْوَى مِنْ اِنْتِقَال مِلْك عَنْهُ إِلَيْهِمَا بِبَعْضِ مَا تَزُول بِهِ الْأَمْلَاك , مِمَّا يَكُون الْيَمِين فِيهَا عَلَى وَرَثَة الْمَيِّت دُون الْمُدَّعَى , وَتَكُون الْبَيِّنَة فِيهَا عَلَى الْمُدَّعِي ; وَفَسَاد مَا خَالَفَ فِي هَذِهِ الْآيَة مَا قُلْنَا مِنْ التَّأْوِيل . وَفِيهَا أَيْضًا الْبَيَان الْوَاضِح عَلَى أَنَّ مَعْنَى الشَّهَادَة الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه تَعَالَى فِي أَوَّل هَذِهِ الْقِصَّة إِنَّمَا هِيَ الْيَمِين , كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى فِي مَوَاضِع أُخَر : { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجهمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنْفُسهمْ فَشَهَادَة أَحَدهمْ أَرْبَع شَهَادَات بِاَللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ } , فَالشَّهَادَة فِي هَذَا الْمَوْضِع مَعْنَاهَا الْقَسَم مِنْ قَوْل الْقَائِل : أَشْهَد بِاَللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ , وَكَذَلِكَ مَعْنَى قَوْله : { شَهَادَة بَيْنكُمْ } إِنَّمَا هُوَ قَسَم بَيْنكُمْ , { إِذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت حِين الْوَصِيَّة } أَنْ يُقْسِم { اِثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ } إِنْ كَانَا ائْتُمِنَا عَلَى مَا قَالَ , فَارْتِيبَ بِهِمَا , أَوْ اؤْتُمِنَ آخَرَانِ مِنْ غَيْر الْمُؤْمِنِينَ فَاتُّهِمَا . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ نَقْل الْيَمِين مِنْ اللَّذَيْنِ ظُهِرَ عَلَى خِيَانَتهمَا إِلَى الْآخَرَيْنِ , قَالَ : { فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ لَشَهَادَتنَا أَحَقّ مِنْ شَهَادَتهمَا } وَمَعْلُوم أَنَّ أَوْلِيَاء الْمَيِّت الْمُدَّعِينَ قِبَل اللَّذَيْنِ ظُهِرَ عَلَى خِيَانَتهمَا , غَيْر جَائِز أَنْ يَكُونَا شُهَدَاء بِمَعْنَى الشَّهَادَة الَّتِي يُؤْخَذ بِهَا فِي الْحُكْم حَقّ مُدَّعًى عَلَيْهِ لِمُدَّعٍ ; لِأَنَّهُ لَا يُعْلَم لِلَّهِ تَعَالَى حُكْم قَضَى فِيهِ لِأَحَدٍ بِدَعْوَاهُ , وَيَمِينه عَلَى مُدَّعًى عَلَيْهِ بِغَيْرِ بَيِّنَة وَلَا إِقْرَار مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا بُرْهَان . فَإِذَا كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ قَوْله : { لَشَهَادَتنَا أَحَقّ مِنْ شَهَادَتهمَا } إِنَّمَا مَعْنَاهُ : قَسَمنَا أَحَقّ مِنْ قَسَمهمَا , وَكَانَ قَسَم اللَّذَيْنِ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا أَثِمَا هُوَ الشَّهَادَة الَّتِي ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى فِي قَوْله : { أَحَقّ مِنْ شَهَادَتهمَا } صَحَّ أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { شَهَادَة بَيْنكُمْ } بِمَعْنَى الشَّهَادَة فِي قَوْله : { لَشَهَادَتنَا أَحَقّ مِنْ شَهَادَتهمَا } وَأَنَّهَا بِمَعْنَى الْقَسَم . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { مِنْ الَّذِينَ اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْأَوْلَيَانِ } فَقَرَأَ ذَلِكَ قُرَّاء الْحِجَاز وَالْعِرَاق وَالشَّام : " مِنْ الَّذِينَ اُسْتُحِقَّ عَلَيْهِمْ الْأَوْلَيَانِ " بِضَمِّ التَّاء . وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ وَأُبَيّ بْن كَعْب وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ أَنَّهُمْ قَرَءُوا ذَلِكَ : { مِنْ الَّذِينَ اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ } بِفَتْحِ التَّاء . وَاخْتَلَفَتْ أَيْضًا فِي قِرَاءَة قَوْله : { الْأَوْلَيَانِ } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالشَّام وَالْبَصْرَة : { الْأَوْلَيَانِ } , وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْكُوفَة : " الْأَوَّلَيْنِ " . وَذُكِرَ عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ ذَلِكَ : " مِنْ الَّذِينَ اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْأَوَّلَانِ " . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي قَوْله : " مِنْ الَّذِينَ اُسْتُحِقَّ عَلَيْهِمْ " قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ بِضَمِّ التَّاء , لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهِ , مَعَ مُسَاعَدَة عَامَّة أَهْل التَّأْوِيل عَلَى صِحَّة تَأْوِيله , وَذَلِكَ إِجْمَاع عَامَّتهمْ عَلَى أَنَّ تَأْوِيله : فَآخَرَانِ مِنْ أَهْل الْمَيِّت الَّذِينَ اِسْتَحَقَّ الْمُؤْتَمَنَانِ عَلَى مَال الْمَيِّت الْإِثْم فِيهِمْ , يَقُومَانِ مَقَام الْمُسْتَحِقّ الْإِثْم فِيهِمَا بِخِيَانَتِهِمَا مَا خَانَا مِنْ مَال الْمَيِّت . وَقَدْ ذَكَرْنَا قَائِل ذَلِكَ أَوْ أَكْثَر قَائِلِيهِ فِيمَا مَضَى قَبْل , وَنَحْنُ ذَاكِرُوا بَاقِيهمْ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى ذَلِكَ . 10096 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { شَهَادَة بَيْنكُمْ } أَنْ يَمُوت الْمُؤْمِن فَيَحْضُر مَوْته مُسْلِمَانِ أَوْ كَافِرَانِ لَا يَحْضُرهُ غَيْر اِثْنَيْنِ مِنْهُمْ , فَإِنْ رَضِيَ وَرَثَته مَا عَاجَلَ عَلَيْهِ مِنْ تَرِكَته فَذَاكَ , وَحَلَفَ الشَّاهِدَانِ إِنْ اُتُّهِمَا إِنَّهُمَا لَصَادِقَانِ , فَإِنْ عُثِرَ وُجِدَ لَطْخ حَلَفَ الِاثْنَانِ الْأَوْلَيَانِ مِنْ الْوَرَثَة , فَاسْتَحَقَّا , وَأَبْطَلَا أَيْمَان الشَّاهِدَيْنِ . وَأَحْسِب أَنَّ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ بِفَتْحِ التَّاء , أَرَادُوا أَنْ يُوَجِّهُوا تَأْوِيله إِلَى : فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامهمَا مَقَام الْمُؤْتَمَنَيْنِ اللَّذَيْنِ عُثِرَ عَلَى خِيَانَتهمَا فِي الْقَسَم وَالِاسْتِحْقَاق بِهِ عَلَيْهِمَا دَعْوَاهُمَا قِبَلهمَا مِنْ الَّذِينَ اِسْتَحَقَّ عَلَى الْمُؤْتَمَنَيْنِ عَلَى الْمَال عَلَى خِيَانَتهمَا الْقِيَام مَقَامهمَا فِي الْقَسَم وَالِاسْتِحْقَاق فِي الْأَوْلَيَانِ بِالْمَيِّتِ . وَكَذَلِكَ كَانَتْ قِرَاءَة مَنْ رُوِيَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَة عَنْهُ , فَقَرَأَ ذَلِكَ : { مِنْ الَّذِينَ اِسْتَحَقَّ } بِفَتْحِ التَّاء عَلَى مَعْنَى : الْأَوْلَيَانِ بِالْمَيِّتِ وَمَاله . وَذَلِكَ مَذْهَب صَحِيح وَقِرَاءَة غَيْر مَدْفُوعَة صِحَّتهَا , غَيْر أَنَّا نَخْتَار الْأُخْرَى لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء عَلَيْهَا مَعَ مُوَافَقَتهَا التَّأْوِيل الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ . 10097 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن آدَم , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن وَكُرَيْب عَنْ عَلِيّ , أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : " مِنْ الَّذِينَ اُسْتُحِقَّ عَلَيْهِمْ الْأَوْلَيَانِ " . 10098 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مَالِك بْن إِسْمَاعِيل , عَنْ حَمَّاد بْن زَيْد , عَنْ وَائِل مَوْلَى أَبِي عُبَيْد , عَنْ يَحْيَى بْن عَقِيل , عَنْ يَحْيَى بْن يَعْمَر , عَنْ أَبِي بْن كَعْب , أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأ : " مِنْ الَّذِينَ اُسْتُحِقَّ عَلَيْهِمْ الْأَوْلَيَانِ " . وَأَمَّا أَوْلَى الْقِرَاءَات بِالصَّوَابِ فِي قَوْله : { الْأَوْلَيَانِ } عِنْدِي , فَقِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : { الْأَوْلَيَانِ } بِصِحَّةِ مَعْنَاهَا وَذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى : فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامهمَا مِنْ الَّذِينَ اِسْتَحَقَّ فِيهِمْ الْإِثْم , ثُمَّ حُذِفَ " الْإِثْم " وَأُقِيمَ مَقَامه " الْأَوْلَيَانِ " , لِأَنَّهُمَا هُمَا اللَّذَانِ ظُلِمَا وَأَثِمَا فِيهِمَا بِمَا كَانَ مِنْ خِيَانَة اللَّذَيْنِ اِسْتَحَقَّا الْإِثْم وَعُثِرَ عَلَيْهِمَا بِالْخِيَانَةِ مِنْهُمَا فِيمَا كَانَ اِئْتَمَنَهُمَا عَلَيْهِ الْمَيِّت , كَمَا قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مِنْ فِعْل الْعَرَب مِثْل ذَلِكَ مِنْ حَذْفهمْ الْفِعْل اِجْتِزَاء بِالِاسْمِ , وَحَذْفهمْ الِاسْم اِجْتِزَاء بِالْفِعْلِ . وَمِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ ذَكَرْنَا فِي تَأْوِيل هَذِهِ الْقِصَّة , وَهُوَ قَوْله : { شَهَادَة بَيْنكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت حِين الْوَصِيَّة اِثْنَانِ } وَمَعْنَاهُ : أَنْ يَشْهَد اِثْنَانِ , وَكَمَا قَالَ : { فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ إِنْ اِرْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا } فَقَالَ " بِهِ " , فَعَادَ بِالْهَاءِ عَلَى اِسْم " اللَّه " ; وَإِنَّمَا الْمَعْنَى : لَا نَشْتَرِي بِقَسَمِنَا بِاَللَّهِ , فَاجْتُزِئَ بِالْعَوْدِ عَلَى اِسْم اللَّه بِالذِّكْرِ , وَالْمُرَاد بِهِ : لَا نَشْتَرِي بِالْقَسَمِ بِاَللَّهِ ; اِسْتِغْنَاء بِفَهْمِ السَّامِع بِمَعْنَاهُ عَنْ ذِكْر اِسْم الْقَسَم . وَكَذَلِكَ اُجْتُزِئَ بِذِكْرِ الْأَوْلَيَيْنِ مِنْ ذِكْر الْإِثْم الَّذِي اِسْتَحَقَّهُ الْخَائِنَانِ لِخِيَانَتِهِمَا إِيَّاهَا , إِذْ كَانَ قَدْ جَرَى ذِكْر ذَلِكَ بِمَا أَغْنَى السَّامِع عِنْد سَمَاعه إِيَّاهُ عَنْ إِعَادَته , وَذَلِكَ قَوْله : { فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اِسْتَحَقَّا إِثْمًا } وَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ " الْأَوَّلِينَ " فَإِنَّهُمْ قَصَدُوا فِي مَعْنَاهُ إِلَى التَّرْجَمَة بِهِ عَنْ " الَّذِينَ " , فَأَخْرَجُوا ذَلِكَ عَلَى وَجْه الْجَمْع , إِذْ كَانَ " الَّذِينَ " جَمْعًا وَخَفْضًا , إِذْ كَانَ " الَّذِينَ " مَخْفُوضًا . وَذَلِكَ وَجْه مِنْ التَّأْوِيل , غَيْر أَنَّهُ إِنَّمَا يُقَال لِلشَّيْءِ أَوَّل إِذَا كَانَ لَهُ آخِر هُوَ لَهُ أَوَّل , وَلَيْسَ لِلَّذِينَ اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْإِثْم آخِرهمْ لَهُ أَوَّل , بَلْ كَانَتْ أَيْمَان الَّذِينَ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اِسْتَحَقَّا إِثْمًا قَبْل إِيمَانهمْ , فَهُمْ إِلَى أَنْ يَكُونُوا إِذْ كَانَتْ أَيْمَانهمْ آخِرًا أَوْلَى أَنْ يَكُونُوا آخَرِينَ مِنْ أَنْ يَكُونُوا أَوَّلَيْنِ وَأَيْمَانهمْ آخِرَة لِأُولَى قَبْلهَا . وَأَمَّا الْقِرَاءَة الَّتِي حُكِيَتْ عَنْ الْحَسَن , فَقِرَاءَة عَنْ قِرَاءَة الْحُجَّة مِنْ الْقُرَّاء شَاذَّة , وَكَفَى بِشُذُوذِهَا عَنْ قِرَاءَتهمْ دَلِيلًا عَلَى بُعْدهَا مِنْ الصَّوَاب . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي الرَّافِع لِقَوْلِهِ : { الْأَوْلَيَانِ } إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : يَزْعُم أَنَّهُ رُفِعَ ذَلِكَ بَدَلًا مِنْ " آخَرَانِ " فِي قَوْله : { فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامهمَا } وَقَالَ : إِنَّمَا جَازَ أَنْ يُبْدَل الْأَوْلَيَانِ وَهُوَ مَعْرِفَة مِنْ آخَرَانِ وَهُوَ نَكِرَة , لِأَنَّهُ حِين قَالَ : { يَقُومَانِ مَقَامهمَا مِنْ الَّذِينَ اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ } كَانَ كَأَنَّهُ قَدْ حَدَّهُمَا حَتَّى صَارَا كَالْمَعْرِفَةِ فِي الْمَعْنَى , فَقَالَ : " الْأَوْلَيَانِ " , فَأَجْرَى الْمَعْرِفَة عَلَيْهِمَا بَدَلًا . قَالَ : وَمِثْل هَذَا مِمَّا يَجْرِي عَلَى الْمَعْنَى كَثِير . وَاسْتَشْهَدَ لِصِحَّةِ قَوْله ذَلِكَ بِقَوْلِ الرَّاجِز : عَلَيَّ يَوْمَ يَمْلِك الْأُمُورَا صَوْمَ شُهُور وَجَبَتْ نُذُورَا وَبَادِنًا مُقَلَّدًا مَنْحُورَا قَالَ : فَجَعَلَهُ " عَلَيَّ وَاجِب " ; لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى قَدْ أَوْجَبَ . وَكَانَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة يُنْكِر ذَلِكَ وَيَقُول : لَا يَجُوز أَنْ يَكُون " الْأَوْلَيَانِ " بَدَلًا مِنْ " آخَرَانِ " مِنْ أَجْل أَنَّهُ قَدْ نَسَقَ " فَيُقْسِمَانِ " عَلَى " يَقُومَانِ " فِي قَوْله : { فَآخَرَانِ يَقُومَانِ } فَلَمْ يَتِمّ الْخَبَر عِنْد مَنْ قَالَ : لَا يَجُوز الْإِبْدَال قَبْل إِتْمَام الْخَبَر , كَمَا قَالَ : غَيْر جَائِز " مَرَرْت بِرَجُلٍ قَامَ زَيْد وَقَعَدَ " وَزَيْد بَدَل مِنْ رَجُل . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَال : " الْأَوْلَيَانِ " مَرْفُوعَانِ بِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِله , وَهُوَ قَوْله : " اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ " وَأَنَّهُمَا مَوْضِع الْخَبَر عَنْهُمَا , فَعَمِلَ فِيهِمَا مَا كَانَ عَامِلًا فِي الْخَبَر عَنْهُمَا ; وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامهمَا مِنْ الَّذِينَ اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْإِثْم بِالْخِيَانَةِ , فَوَضَعَ " الْأَوْلَيَانِ " مَوْضِع " الْإِثْم " كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي مَوْضِع آخَر : { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَة الْحَاجّ وَعِمَارَة الْمَسْجِد الْحَرَام كَمَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر } وَمَعْنَاهُ : أَجَعَلْتُمْ سِقَايَة الْحَاجّ وَعِمَارَة الْمَسْجِد الْحَرَام كَإِيمَانِ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر ؟ وَكَمَا قَالَ : { وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبهمْ الْعِجْل بِكُفْرِهِمْ } , وَكَمَا قَالَ بَعْض الْهُذَلِيِّينَ : يَمْشِي بَيْننَا حَانُوت خَمْر مِنْ الْخُرْس الصَّرَاصِرَة الْقِطَاط وَهُوَ يَعْنِي صَاحِب حَانُوت خَمْر , فَأَقَامَ الْحَانُوت مَقَامه لِأَنَّهُ مَعْلُوم أَنَّ الْحَانُوت لَا يَمْشِي , وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ مَعْلُومًا عِنْده أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَى سَامِعه مَا قَصَدَ إِلَيْهِ مِنْ مَعْنَاهُ حَذَفَ الصَّاحِب , وَاجْتَزَأَ بِذِكْرِ الْحَانُوت مِنْهُ , فَكَذَلِكَ قَوْله : " مِنْ الَّذِينَ اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْأَوْلَيَانِ " إِنَّمَا هُوَ مِنْ الَّذِينَ اِسْتَحَقَّ فِيهِمْ خِيَانَتهمَا , فَحُذِفَتْ " الْخِيَانَة " وَأُقِيمَ " الْمُخْتَانَانِ " مَقَامهَا , فَعَمِلَ فِيهِمَا مَا كَانَ يَعْمَل فِي الْمَحْذُوف وَلَوْ ظَهَرَ . وَأَمَّا قَوْله : " عَلَيْهِمْ " فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَإِنَّ مَعْنَاهَا : فِيهِمْ , كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِين عَلَى مُلْك سُلَيْمَان } يَعْنِي : فِي مُلْك سُلَيْمَان , وَكَمَا قَالَ : { وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوع النَّخْل } فَ " فِي " تُوضَع مَوْضِع " عَلَى " , وَ " عَلَى " فِي مَوْضِع " فِي " كُلّ وَاحِدَة مِنْهُمَا تُعَاقِب صَاحِبَتهَا فِي الْكَلَام , وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر : مَتَى مَا تُنْكِرُوهَا تَعْرِفُوهَا عَلَى أَقْطَارهَا عَلَق نَفِيث وَقَدْ تَأَوَّلَتْ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل قَوْل اللَّه تَعَالَى : " فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اِسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامهمَا مِنْ الَّذِينَ اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْأَوْلَيَانِ " أَنَّهُمَا رَجُلَانِ آخَرَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ , أَوْ رَجُلَانِ أَعْدَل مِنْ الْمُقْسِمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10099 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد بْن أَبِي هِنْد , عَنْ عَامِر , عَنْ شُرَيْح فِي هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدكُمْ الْمَوْت حِين الْوَصِيَّة اِثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْركُمْ } قَالَ : إِذَا كَانَ الرَّجُل بِأَرْضِ غُرْبَة , وَلَمْ يَجِد مُسْلِمًا يُشْهِدهُ عَلَى وَصِيَّته , فَأَشْهَدَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا , فَشَهَادَتهمْ جَائِزَة . فَإِنْ جَاءَ رَجُلَانِ مُسْلِمَانِ , فَشَهِدَا بِخِلَافِ شَهَادَتهمْ , أُجِيزَتْ شَهَادَة الْمُسْلِمَيْنِ وَأُبْطِلَتْ شَهَادَة الْآخَرَيْنِ . 10100 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { فَإِنْ عُثِرَ } أَيْ اُطُّلِعَ مِنْهُمَا عَلَى خِيَانَة عَلَى أَنَّهُمَا كَذَبَا أَوْ كَتَمَا , فَشَهِدَ رَجُلَانِ هُمَا أَعْدَل مِنْهُمَا بِخِلَافِ مَا قَالَا , أُجِيزَتْ شَهَادَة الْآخَرَيْنِ وَأُبْطِلَتْ شَهَادَة الْأَوَّلَيْنِ . 10101 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء , قَالَ : كَانَ اِبْن عَبَّاس يَقْرَأ : " مِنْ الَّذِينَ اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْأَوْلَيَانِ " قَالَ : كَيْفَ يَكُون " الْأَوْلَيَانِ " , أَرَأَيْت لَوْ كَانَ الْأَوْلَيَانِ صَغِيرَيْنِ . * - حَدَّثَنَا هَنَّاد وَابْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْدَة , عَنْ عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَ يَقْرَأ : " مِنْ الَّذِينَ اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْأَوْلَيَانِ " قَالَ : وَقَالَ : أَرَأَيْت لَوْ كَانَ الْأَوْلَيَانِ صَغِيرَيْنِ , كَيْفَ يَقُومَانِ مَقَامهمَا . قَالَ الْإِمَام أَبُو جَعْفَر : فَذَهَبَ اِبْن عَبَّاس فِيمَا أَرَى إِلَى نَحْو الْقَوْل الَّذِي حَكَيْت عَنْ شُرَيْح وَقَتَادَة , مِنْ أَنَّ ذَلِكَ رَجُلَانِ آخَرَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَقُومَانِ مَقَام النَّصْرَانِيِّينَ , أَوْ عَدْلَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ هُمَا أَعْدَل وَأَجْوَز شَهَادَة مِنْ الشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَوْ الْمُقْسِمَيْنِ . وَفِي إِجْمَاع جَمِيع أَهْل الْعِلْم عَلَى أَنَّ لَا حُكْم لِلَّهِ تَعَالَى يَجِب فِيهِ عَلَى شَاهِد يَمِين فِيمَا قَامَ بِهِ مِنْ الشَّهَادَة , دَلِيل وَاضِح عَلَى أَنَّ غَيْر هَذَا التَّأْوِيل الَّذِي قَالَهُ الْحَسَن وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامهمَا } أَوْلَى بِهِ . وَأَمَّا قَوْله { الْأَوْلَيَانِ } فَإِنَّ مَعْنَاهُ عِنْدنَا : الْأَوْلَى - بِالْمَيِّتِ مِنْ الْمُقْسِمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ - فَالْأَوْلَى , وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ : الْأَوْلَى بِالْيَمِينِ مِنْهُمَا فَالْأَوْلَى , ثُمَّ حَذَفَ " مِنْهُمَا " ; وَالْعَرَب تَفْعَل ذَلِكَ فَتَقُول : فُلَان أَفْضَل , وَهِيَ تُرِيد أَفْضَل مِنْك , وَذَلِكَ إِذَا وُضِعَ أَفْعَل مَوْضِع الْخَبَر . وَإِنْ وَقَعَ مَوْقِع الِاسْم وَأُدْخِلَتْ فِيهِ الْأَلِف وَاللَّام , فَعَلُوا ذَلِكَ أَيْضًا إِذَا كَانَ جَوَابًا لِكَلَامٍ قَدْ مَضَى , فَقَالُوا : هَذَا الْأَفْضَل , وَهَذَا الْأَشْرَف ; يُرِيدُونَ هُوَ الْأَشْرَف مِنْك . وَقَالَ اِبْن زَيْد : مَعْنَى ذَلِكَ : الْأَوْلَيَانِ بِالْمَيِّتِ . 10102 - حَدَّثَنِي يُونُس , عَنْ اِبْن وَهْب , عَنْهُ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ لَشَهَادَتنَا أَحَقّ مِنْ شَهَادَتهمَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَيُقْسِم الْآخَرَانِ اللَّذَانِ يَقُومَانِ مَقَام اللَّذَيْنِ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اِسْتَحَقَّا إِثْمًا بِخِيَانَتِهِمَا مَال الْمَيِّت الْأَوْلَيَانِ بِالْيَمِينِ وَالْمَيِّت مِنْ الْخَائِنَيْنِ : { لَشَهَادَتهمَا أَحَقّ مِنْ شَهَادَتهمَا } يَقُول : لَأَيْمَاننَا أَحَقّ مِنْ أَيْمَان الْمُقْسِمَيْنِ الْمُسْتَحِقَّيْنِ الْإِثْم وَأَيْمَانهمَا الْكَاذِبَة فِي أَنَّهُمَا قَدْ خَانَا فِي كَذَا وَكَذَا مِنْ مَال مَيِّتنَا , وَكَذَا فِي أَيْمَانهمَا الَّتِي حَلَفَا بِهَا .


قَوْل : وَمَا تَجَاوَزْنَا الْحَقّ فِي أَيْمَاننَا . وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَعْنَى الِاعْتِدَاء : الْمُجَاوَزَة فِي الشَّيْء حَدّه .


يَقُول : إِنَّا إِنْ كُنَّا اِعْتَدَيْنَا فِي أَيْمَاننَا , فَحَلَفْنَا مُبْطِلَيْنِ فِيهَا كَاذِبَيْنِ , { لَمِنْ الظَّالِمِينَ } يَقُول : لِمَنْ عِدَاد مَنْ يَأْخُذ مَا لَيْسَ لَهُ أَخْذه , وَيَقْتَطِع بِأَيْمَانِهِ الْفَاجِرَة أَمْوَال النَّاس .
ذَلِكَ أَدْنَى أَن يَأْتُواْ بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُواْ أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُواْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَسورة المائدة الآية رقم 108
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْههَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدّ أَيْمَان بَعْد أَيْمَانهمْ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { ذَلِكَ } هَذَا الَّذِي قُلْت لَكُمْ فِي أَمْر الْأَوْصِيَاء إِذَا اِرْتَبْتُمْ فِي أَمْرهمْ وَاتَّهَمْتُمُوهُمْ بِخِيَانَةِ الْمَال مَنْ أَوْصَى إِلَيْهِمْ مِنْ حَبْسهمْ بَعْد الصَّلَاة , وَاسْتِحْلَافكُمْ إِيَّاهُمْ عَلَى مَا اِدَّعَى قِبَلهمْ أَوْلِيَاء الْمَيِّت ; { أَدْنَى لَهُمْ أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْههَا } يَقُول : هَذَا الْفِعْل إِذَا فَعَلْتُمْ بِهِمْ أَقْرَب لَهُمْ أَنْ يَصْدُقُوا فِي أَيْمَانهمْ , وَلَا يَكْتُمُوا , وَيُقِرُّوا بِالْحَقِّ , وَلَا يَخُونُوا . { أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدّ أَيْمَان بَعْد أَيْمَانهمْ } يَقُول أَوْ يَخَافُوا هَؤُلَاءِ الْأَوْصِيَاء إِنْ عُثِرَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ اِسْتَحَقُّوا إِثْمًا فِي أَيْمَانهمْ بِاَللَّهِ , أَنْ تُرَدّ أَيْمَانهمْ عَلَى أَوْلِيَاء الْمَيِّت بَعْد أَيْمَانهمْ الَّتِي عُثِرَ عَلَيْهَا أَنَّهَا كَذِب , فَيَسْتَحِقُّوا بِهَا مَا اِدَّعَوْا قِبَلهمْ مِنْ حُقُوقهمْ , فَيَصْدُقُوا حِينَئِذٍ فِي أَيْمَانهمْ وَشَهَادَتهمْ مَخَافَة الْفَضِيحَة عَلَى أَنْفُسهمْ وَحَذَرًا أَنْ يَسْتَحِقّ عَلَيْهِمْ مَا خَانُوا فِيهِ أَوْلِيَاء الْمَيِّت وَوَرَثَته . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل ; وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الرِّوَايَة بِذَلِكَ عَنْ بَعْضهمْ , نَحْنُ ذَاكِرُو الرِّوَايَة فِي ذَلِكَ عَنْ بَعْض مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ . 10103 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اِسْتَحَقَّا إِثْمًا } يَقُول : إِنْ اُطُّلِعَ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَيْنِ كَذَبَا , { فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامهمَا } يَقُول : مِنْ الْأَوْلِيَاء , فَحَلَفَا بِاَللَّهِ أَنَّ شَهَادَة الْكَافِرَيْنِ بَاطِلَة وَأَنَّا لَمْ نَعْتَدِ , فَتُرَدّ شَهَادَة الْكَافِرَيْنِ وَتَجُوز شَهَادَة الْأَوْلِيَاء . يَقُول تَعَالَى ذِكْره : ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتِيَ الْكَافِرُونَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْههَا , أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدّ أَيْمَان بَعْد أَيْمَانهمْ . وَلَيْسَ عَلَى شُهُود الْمُسْلِمِينَ أَقْسَام , وَإِنَّمَا الْأَقْسَام إِذَا كَانُوا كَافِرَيْنِ . 10104 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ } الْآيَة , يَقُول : ذَلِكَ أَحْرَى أَنْ يَصْدُقُوا فِي شَهَادَتهمْ , وَأَنْ يَخَافُوا الْعِقَاب . 10105 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدّ أَيْمَان بَعْد أَيْمَانهمْ } قَالَ : فَتَبْطُل أَيْمَانهمْ , وَتُؤْخَذ أَيْمَان هَؤُلَاءِ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْد الصَّلَاة , ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْههَا , وَعَلَى أَنَّهُمَا اِسْتَحَقَّا إِثْمًا , فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامهمَا ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10106 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : يُوقَف الرَّجُلَانِ بَعْد صَلَاتهمَا فِي دِينهمَا , فَيَحْلِفَانِ بِاَللَّهِ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى , وَلَا نَكْتُم شَهَادَة اللَّه , إِنَّا إِذَن لِمَنْ الْآثِمِينَ , إِنَّ صَاحِبكُمْ لَبِهَذَا أَوْصَى , وَإِنَّ هَذِهِ لَتَرِكَته ! فَيَقُول لَهُمَا الْإِمَام قَبْل أَنْ يَحْلِفَا : إِنَّكُمَا إِنْ كُنْتُمَا كَتَمْتُمَا أَوْ خُنْتُمَا فَضَحْتُكُمَا فِي قَوْمكُمَا وَلَمْ أُجِزْ لَكُمَا شَهَادَة وَعَاقَبْتُكُمَا . فَإِنْ قَالَ لَهُمَا ذَلِكَ , فَإِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْههَا . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي حُكْم هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ , هَلْ هُوَ مَنْسُوخ , أَوْ هُوَ مُحْكَم ثَابِت ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ مَنْسُوخ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10108 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا . اِبْن إِدْرِيس , عَنْ رَجُل , قَدْ سَمَّاهُ , عَنْ حَمَّاد , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : هِيَ مَنْسُوخَة . 10109 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : هِيَ مَنْسُوخَة . يَعْنِي هَذِهِ الْآيَة : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَة بَيْنكُمْ } الْآيَة . وَقَالَ جَمَاعَة : هِيَ مُحْكَمَة وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ . وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْل أَكْثَرهمْ فِيمَا مَضَى . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّ حُكْم الْآيَة مَنْسُوخ , وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ حُكْم اللَّه تَعَالَى ذِكْره الَّذِي عَلَيْهِ أَهْل الْإِسْلَام , مِنْ لَدُنْ بَعَثَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره نَبِيّه مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى يَوْمنَا هَذَا , أَنَّ مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ دَعْوَى مِمَّا يَمْلِكهُ بَنُو آدَم أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يُبَرِّئُهُ مِمَّا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ إِلَّا الْيَمِين إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَة تُصَحِّح دَعْوَاهُ , وَأَنَّهُ إِنْ اِعْتَرَفَ وَفِي يَدَيْ الْمُدَّعِي سِلْعَة لَهُ , فَادَّعَى أَنَّهَا لَهُ دُون الَّذِي فِي يَده , فَقَالَ الَّذِي هِيَ فِي يَده : بَلْ هِيَ لِي اِشْتَرَيْتهَا مِنْ هَذَا الْمُدَّعِي , أَنَّ الْقَوْل قَوْل مَنْ زَعَمَ الَّذِي هِيَ فِي يَده أَنَّهُ اِشْتَرَاهَا مِنْهُ دُون مَنْ هِيَ فِي يَده مَعَ يَمِينه إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلَّذِي هِيَ فِي يَده بَيِّنَة تُحَقِّق بِهِ دَعْوَاهُ الشِّرَاء مِنْهُ . فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ حُكْم اللَّه الَّذِي لَا خِلَاف فِيهِ بَيْن أَهْل الْعِلْم , وَكَانَتْ الْآيَتَانِ اللَّتَانِ ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره فِيهِمَا أَمْر وَصِيَّة الْمُوصِي إِلَى عَدْلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ إِلَى آخَرَيْنِ مِنْ غَيْرهمْ , إِنَّمَا أَلْزَمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ الْوَصِيَّيْنِ الْيَمِين حِين اِدَّعَى عَلَيْهِمَا الْوَرَثَة مَا اِدَّعَوْا ثُمَّ لَمْ يُلْزِم الْمُدَّعَى عَلَيْهِمَا شَيْئًا إِذْ حَلَفَا , حَتَّى اِعْتَرَفَتْ الْوَرَثَة فِي أَيْدِيهمَا مَا اِعْتَرَفُوا مِنْ الْجَام أَوْ الْإِبْرِيق أَوْ غَيْر ذَلِكَ مِنْ أَمْوَالهمْ فَزَعَمَا أَنَّهُمَا اِشْتَرَيَاهُ مِنْ مَيِّتهمْ , فَحِينَئِذٍ أَلْزَمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَثَة الْمَيِّت الْيَمِين , لِأَنَّ الْوَصِيَّيْنِ تَحَوَّلَا مُدَّعِيَيْنِ بِدَعْوَاهُمَا مَا وَجَدَا فِي أَيْدِيهمَا مِنْ مَال الْمَيِّت أَنَّهُ لَهُمَا اِشْتَرَيَا ذَلِكَ مِنْهُ فَصَارَا مُقِرَّيْنِ بِالْمَالِ لِلْمَيِّتِ مُدَّعِيَيْنِ مِنْهُ الشِّرَاء , فَاحْتَاجَا حِينَئِذٍ إِلَى بَيِّنَة تُصَحِّح دَعْوَاهُمَا ; وَوَرَثَة الْمَيِّت رَبّ السِّلْعَة أَوْلَى بِالْيَمِينِ مِنْهُمَا , فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : { فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اِسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامهمَا مِنْ الَّذِينَ اِسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ لَشَهَادَتنَا أَحَقّ مِنْ شَهَادَتهمَا } الْآيَة . فَإِذْ كَانَ تَأْوِيل ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَا وَجْه لِدَعْوَى مُدَّعٍ أَنَّ هَذِهِ الْآيَة مَنْسُوخَة ; لِأَنَّهُ غَيْر جَائِز أَنْ يُقْضَى عَلَى حُكْم مِنْ أَحْكَام اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُ مَنْسُوخ إِلَّا بِخَبَرٍ يَقْطَع الْعُذْر إِمَّا مِنْ عِنْد اللَّه أَوْ مِنْ عِنْد رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَوْ بِوُرُودِ النَّقْل الْمُسْتَفِيض بِذَلِكَ , فَأَمَّا وَلَا خَبَر بِذَلِكَ , وَلَا يَدْفَع صِحَّته عَقْل , فَغَيْر جَائِز أَنْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مَنْسُوخ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاتَّقُوا اللَّه } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَخَافُوا اللَّه أَيّهَا النَّاس , وَرَاقِبُوهُ فِي أَيْمَانكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِهَا كَاذِبَة وَأَنْ تُذْهِبُوا بِهَا مَال مَنْ يَحْرُم عَلَيْكُمْ مَاله , وَأَنْ تَخُونُوا مَنْ اِئْتَمَنَكُمْ .

يَقُول : اِسْمَعُوا مَا يُقَال لَكُمْ وَمَا تُوعَظُونَ بِهِ , فَاعْمَلُوا بِهِ وَانْتَهُوا إِلَيْهِ .

يَقُول : وَاَللَّه لَا يُوَفِّق مَنْ فَسَقَ عَنْ أَمْر رَبّه فَخَالَفَهُ وَأَطَاعَ الشَّيْطَان وَعَصَى رَبّه . وَكَانَ اِبْن زَيْد يَقُول : الْفَاسِق فِي هَذَا الْمَوْضِع : هُوَ الْكَاذِب . 10107 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : { وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الْفَاسِقِينَ } الْكَاذِبِينَ يَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِب . وَلَيْسَ الَّذِي قَالَ اِبْن زَيْد مِنْ ذَلِكَ عِنْدِي بِمَدْفُوعٍ , إِلَّا أَنَّ اللَّه تَعَالَى عَمَّ الْخَبَر بِأَنَّهُ لَا يَهْدِي جَمِيع الْفُسَّاق , وَلَمْ يُخَصِّص مِنْهُمْ بَعْضًا دُون بَعْض بِخَبَرٍ وَلَا عَقْل , فَذَلِكَ عَلَى مَعَانِي الْفِسْق كُلّهَا حَتَّى يُخَصِّص شَيْئًا مِنْهَا مَا يَجِب التَّسْلِيم لَهُ فَيُسَلَّم لَهُ .
يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِسورة المائدة الآية رقم 109
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَوْم يَجْمَع اللَّه الرُّسُل فَيَقُول مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْم لَنَا إِنَّك أَنْتَ عَلَّام الْغُيُوب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاتَّقُوا اللَّه أَيّهَا النَّاس , وَاسْمَعُوا وَعْظه إِيَّاكُمْ وَتَذْكِيره لَكُمْ , وَاحْذَرُوا يَوْم يَجْمَع اللَّه الرُّسُل . ثُمَّ حَذَفَ " وَاحْذَرُوا " وَاكْتَفَى بِقَوْلِهِ : { وَاتَّقُوا اللَّه وَاسْمَعُوا } عَنْ إِظْهَاره , كَمَا قَالَ الرَّاجِز : عَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاء بَارِدًا حَتَّى غَدَتْ هَمَّالَة عَيْنَاهَا يُرِيد : وَسَقَيْتهَا مَاء بَارِدًا , فَاسْتَغْنَى بِقَوْلِهِ " عَلَفْتهَا تِبْنًا " مِنْ إِظْهَار سَقَيْتهَا , إِذْ كَانَ السَّامِع إِذَا سَمِعَهُ عَرَفَ مَعْنَاهُ . فَكَذَلِكَ فِي قَوْله : { يَوْم يَجْمَع اللَّه وَالرُّسُل } حَذَفَ " وَاحْذَرُوا " لِعِلْمِ السَّامِع مَعْنَاهُ , اِكْتِفَاء بِقَوْلِهِ : { وَاتَّقُوا اللَّه وَاسْمَعُوا } إِذْ كَانَ ذَلِكَ تَحْذِيرًا مِنْ أَمْر اللَّه تَعَالَى خَلْقه عِقَابه عَلَى مَعَاصِيه . وَأَمَّا قَوْله : { مَاذَا أُجِبْتُمْ } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ : مَا الَّذِي أَجَابَتْكُمْ بِهِ أُمَمكُمْ حِين دَعَوْتُمُوهُمْ إِلَى تَوْحِيدِي وَالْإِقْرَار بِي وَالْعَمَل بِطَاعَتِي وَالِانْتِهَاء عَنْ مَعْصِيَتِي ؟ قَالُوا : لَا عِلْم لَنَا . اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى قَوْلهمْ : { لَا عِلْم لَنَا } لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ الرُّسُل إِنْكَارًا أَنْ يَكُونُوا كَانُوا عَالِمِينَ بِمَا عَمِلَت أُمَمهمْ , وَأَنَّهُمْ ذَهِلُوا عَنْ الْجَوَاب مِنْ هَوْل ذَلِكَ الْيَوْم , ثُمَّ أَجَابُوا بَعْد أَنْ ثَابَتْ إِلَيْهِمْ عُقُولهمْ بِالشَّهَادَةِ عَلَى أُمَمهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10110 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { يَوْم يَجْمَع اللَّه الرُّسُل فَيَقُول مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْم لَنَا } قَالَ : ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا نَزَلُوا مَنْزِلًا ذَهِلَتْ فِيهِ الْعُقُول , فَلَمَّا سُئِلُوا , قَالُوا : لَا عِلْم لَنَا . ثُمَّ نَزَلُوا مَنْزِلًا آخَر , فَشَهِدُوا عَلَى قَوْمهمْ . 10111 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , قَالَ : سَمِعْت الْحَسَن يَقُول , فِي قَوْله : { يَوْم يَجْمَع اللَّه الرُّسُل } الْآيَة , قَالَ : مِنْ هَوْل ذَلِكَ الْيَوْم . 10112 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { يَوْم يَجْمَع اللَّه الرُّسُل فَيَقُول مَاذَا أُجِبْتُمْ } فَيَفْزَعُونَ , فَيَقُول : مَاذَا أُجِبْتُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : { لَا عِلْم لَنَا } . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : لَا عِلْم لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتنَا ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10113 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُؤَمَّل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { يَوْم يَجْمَع اللَّه الرُّسُل فَيَقُول مَاذَا أُجِبْتُمْ } فَيَقُولُونَ : { قَالُوا لَا عِلْم لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتنَا إِنَّك أَنْتَ عَلَّام الْغُيُوب } . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : قَالُوا لَا عِلْم لَنَا إِلَّا عِلْم أَنْتَ أَعْلَم بِهِ مِنَّا ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10114 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { يَوْم يَجْمَع اللَّه الرُّسُل فَيَقُول مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْم لَنَا } إِلَّا عِلْم أَنْتَ أَعْلَم بِهِ مِنَّا . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ { مَاذَا أُجِبْتُمْ } مَاذَا عَمِلُوا بَعْدكُمْ ؟ وَمَاذَا أَحْدَثُوا ؟ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10115 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { يَوْم يَجْمَع اللَّه الرُّسُل فَيَقُول مَاذَا أُجِبْتُمْ } مَاذَا عَمِلُوا بَعْدكُمْ , وَمَاذَا أَحْدَثُوا بَعْدكُمْ ؟ . قَالُوا : { قَالُوا لَا عِلْم لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتنَا إِنَّك أَنْتَ عَلَّام الْغُيُوب } وَأَوْلَى الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : لَا عِلْم لَنَا إِلَّا عِلْم أَنْتَ أَعْلَم بِهِ مِنَّا ; لِأَنَّهُ تَعَالَى ذِكْره أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا : { لَا عِلْم لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتنَا إِنَّك أَنْتَ عَلَّام الْغُيُوب } أَيْ إِنَّك لَا يَخْفَى عَلَيْك مَا عِنْدنَا مِنْ عِلْم ذَلِكَ وَلَا غَيْره مِنْ خَفِيّ الْعُلُوم وَجَلِيّهَا . فَإِنَّمَا نَفَى الْقَوْم أَنْ يَكُون لَهُمْ بِمَا سُئِلُوا عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ عِلْم لَا يَعْلَمهُ هُوَ تَعَالَى ذِكْره , لَا أَنَّهُمْ نَفَوْا أَنْ يَكُونُوا عَلِمُوا مَا شَاهَدُوا , كَيْفَ يَجُوز أَنْ يَكُون ذَلِكَ كَذَلِكَ وَهُوَ تَعَالَى ذِكْره يُخْبِر عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يُخْبِرُونَ بِمَا أَجَابَتْهُمْ بِهِ الْأُمَم وَأَنَّهُمْ سَيَشْهَدُونَ عَلَى تَبْلِيغهمْ الرِّسَالَة شُهَدَاء , فَقَالَ تَعَالَى ذِكْره : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّة وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاس وَيَكُون الرَّسُول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } وَأَمَّا الَّذِي قَالَهُ اِبْن جُرَيْج مِنْ أَنْ مَعْنَاهُ : مَاذَا عَمِلْت الْأُمَم بَعْدكُمْ ؟ وَمَاذَا أَحْدَثُوا ؟ فَتَأْوِيل لَا مَعْنَى لَهُ , لِأَنَّ الْأَنْبِيَاء لَمْ يَكُنْ عِنْدهَا مِنْ الْعِلْم بِمَا يَحْدُث بَعْدهَا إِلَّا مَا أَعْلَمَهَا اللَّه مِنْ ذَلِكَ , وَإِذَا سُئِلَتْ عَمَّا عَمِلَتْ الْأُمَم بَعْدهَا وَالْأَمْر كَذَلِكَ فَإِنَّمَا يُقَال لَهَا : مَاذَا عَرَّفْنَاك أَنَّهُ كَائِن مِنْهُمْ بَعْدك ؟ وَظَاهِر خَبَر اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ مَسْأَلَته إِيَّاهُمْ يَدُلّ عَلَى غَيْر ذَلِكَ .
إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌسورة المائدة الآية رقم 110
تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِذْ قَالَ اللَّه يَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم اُذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْك وَعَلَى وَالِدَتك إِذْ أَيَّدْتُك بِرُوحِ الْقُدُس } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِعِبَادِهِ : اِحْذَرُوا يَوْم يَجْمَع اللَّه الرُّسُل فَيَقُول لَهُمْ : مَاذَا أَجَابَتْكُمْ أُمَمكُمْ فِي الدُّنْيَا { إِذْ قَالَ اللَّه يَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم اُذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْك وَعَلَى وَالِدَتك إِذْ أَيَّدْتُك بِرُوحِ الْقُدُس } فَ " إِذْ " مِنْ صِلَة " أُجِبْتُمْ " , كَأَنَّ مَعْنَاهَا : مَاذَا أَجَابَتْ عِيسَى الْأُمَم الَّتِي أُرْسِلَ إِلَيْهَا عِيسَى . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ سُئِلَتْ الرُّسُل عَنْ إِجَابَة الْأُمَم إِيَّاهَا فِي عَهْد عِيسَى , وَلَمْ يَكُنْ فِي عَهْد عِيسَى مِنْ الرُّسُل إِلَّا أَقَلّ ذَلِكَ ؟ قِيلَ : جَائِز أَنْ يَكُون اللَّه تَعَالَى عَنَى بِقَوْلِهِ : فَيَقُول مَاذَا أُجِبْتُمْ الرُّسُل الَّذِينَ كَانُوا أُرْسِلُوا فِي عَهْد عِيسَى . فَخَرَجَ الْخَبَر مَخْرَج الْجَمِيع , وَالْمُرَاد مِنْهُمْ مَنْ كَانَ فِي عَهْد عِيسَى , كَمَا قَالَ تَعَالَى : { الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاس إِنَّ النَّاس قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ } وَالْمُرَاد : وَاحِد مِنْ النَّاس , وَإِنْ كَانَ مَخْرَج الْكَلَام عَلَى جَمِيع النَّاس . وَمَعْنَى الْكَلَام : { إِذْ قَالَ اللَّه } حِين قَالَ { يَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم اُذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْك وَعَلَى وَالِدَتك إِذْ أَيَّدْتُك بِرُوحِ الْقُدُس } يَقُول : يَا عِيسَى , اُذْكُرْ أَيَادِيَّ عِنْدك وَعِنْد وَالِدَتك , إِذْ قَوَّيْتُك بِرُوحِ الْقُدُس وَأَعَنْتُك بِهِ . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي أَيَّدْتُك مَا هُوَ مِنْ الْفِعْل , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ فَعَّلْتُك , كَمَا فِي قَوْلك : قَوَّيْتُك فَعَّلْت مِنْ الْقُوَّة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ فَاعَلْتُك مِنْ الْأَيْد . وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ قَرَأَ : " إِذْ أَيَّدْتُك " بِمَعْنَى : أَفْعَلْتُك مِنْ الْقُوَّة وَالْأَيْد . وَقَوْله : { بِرُوحِ الْقُدُس } يَعْنِي بِجِبْرِيل , يَقُول : إِذْ أَعَنْتُك بِجِبْرِيل . وَقَدْ بَيَّنْت مَعْنَى ذَلِكَ وَمَا مَعْنَى الْقُدُس فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { تُكَلِّم النَّاس فِي الْمَهْد وَكَهْلًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيله لِعِيسَى : { اُذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْك وَعَلَى وَالِدَتك إِذْ أَيَّدْتُك بِرُوحِ الْقُدُس } فِي حَال تَكْلِيمك النَّاس فِي الْمَهْد وَكَهْلًا . وَإِنَّمَا هَذَا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُ أَيَّدَهُ بِرُوحِ الْقُدُس صَغِيرًا فِي الْمَهْد وَكَهْلًا كَبِيرًا , فَرَدَّ " الْكَهْل " عَلَى قَوْله فِي " الْمَهْد " ; لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : صَغِيرًا , كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره : { دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا }

وَقَوْله : {وَإِذْ عَلَّمْتُك الْكِتَاب وَالْحِكْمَة وَالتَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل } يَقُول : وَاذْكُرْ أَيْضًا نِعْمَتِي عَلَيْك إِذْ عَلَّمْتُك الْكِتَاب : وَهُوَ الْخَطّ , وَالْحِكْمَة : وَهِيَ الْفَهْم بِمَعَانِي الْكِتَاب الَّذِي أَنْزَلْته إِلَيْك وَهُوَ الْإِنْجِيل .

{ وَإِذْ تَخْلُق مِنْ الطِّين كَهَيْئَةِ الطَّيْر } يَقُول : كَصُورَةِ الطَّيْر , { بِإِذْنِي } ; يَعْنِي بِقَوْلِهِ { تَخْلُق } تَعْمَل وَتُصْلِح مِنْ الطِّين , { كَهَيْئَةِ الطَّيْر بِإِذْنِي } يَقُول : بِعَوْنِي عَلَى ذَلِكَ وَعِلْم مِنِّي . { فَتَنْفُخ فِيهَا } يَقُول : فَتَنْفُخ فِي الْهَيْئَة , فَتَكُون الْهَيْئَة وَالصُّورَة { طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئ الْأَكْمَه } يَقُول : وَتَشْفِي الْأَكْمَه : وَهُوَ الْأَعْمَى الَّذِي لَا يُبْصِر شَيْئًا الْمَطْمُوس الْبَصَر , { وَالْأَبْرَص بِإِذْنِي } وَقَدْ بَيَّنْت مَعَانِي هَذِهِ الْحُرُوف فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا مُفَسَّرًا بِشَوَاهِدِهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .

وَقَوْله { وَإِذْ كَفَفْت بَنِي إِسْرَائِيل عَنْك إِذْ جِئْتهمْ بِالْبَيِّنَاتِ } يَقُول : وَاذْكُرْ أَيْضًا نِعْمَتِي عَلَيْك , بِكَفِّي عَنْك بَنِي إِسْرَائِيل إِذْ كَفَفْتهمْ عَنْك وَقَدْ هَمُّوا بِقَتْلِك , { إِذْ جِئْتهمْ بِالْبَيِّنَاتِ } يَقُول : إِذْ جِئْتهمْ بِالْأَدِلَّةِ وَالْأَعْلَام الْمُعْجِزَة عَلَى نُبُوَّتك وَحَقِّيَّة مَا أَرْسَلْتُك بِهِ إِلَيْهِمْ .

يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَقَالَ الَّذِينَ جَحَدُوا نُبُوَّتك وَكَذَّبُوك مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل : { إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْر مُبِين } وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَبَعْض أَهْل الْبَصْرَة : { إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْر مُبِين } يَعْنِي : يُبَيِّن عَمَّا أَتَى بِهِ لِمَنْ رَآهُ وَنَظَرَ إِلَيْهِ أَنَّهُ سِحْر لَا حَقِيقَة لَهُ . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة : " إِنْ هَذَا إِلَّا سَاحِر مُبِين " بِمَعْنَى : مَا هَذَا , يَعْنِي بِهِ عِيسَى , إِلَّا سَاحِر مُبِين , يَقُول : يُبَيِّن بِأَفْعَالِهِ وَمَا يَأْتِي بِهِ مِنْ هَذِهِ الْأُمُور الْعَجِيبَة عَنْ نَفْسه أَنَّهُ سَاحِر لَا نَبِيّ صَادِق . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ صَحِيحَتَا الْمَعْنَى مُتَّفِقَتَانِ غَيْر مُخْتَلِفَتَيْنِ , وَذَلِكَ أَنَّ كُلّ مَنْ كَانَ مَوْصُوفًا بِفِعْلِ السِّحْر فَهُوَ مَوْصُوف بِأَنَّهُ سَاحِر , وَمَنْ كَانَ مَوْصُوفًا بِأَنَّهُ سَاحِر فَإِنَّهُ مَوْصُوف بِفِعْلِ السِّحْر , فَالْفِعْل دَالّ عَلَى فَاعِله وَالصِّفَة تَدُلّ عَلَى مَوْصُوفهَا , وَالْمَوْصُوف يَدُلّ عَلَى صِفَته وَالْفَاعِل يَدُلّ عَلَى فِعْله ; فَبِأَيِّ ذَلِكَ قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيبٌ الصَّوَاب فِي قِرَاءَته .
وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُواْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَسورة المائدة الآية رقم 111
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ أَوْحَيْت إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ أَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي } يَقُول تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَاذْكُرْ أَيْضًا يَا عِيسَى إِذْ أَلْقَيْت إِلَى الْحَوَارِيِّينَ , وَهُمْ وُزَرَاء عِيسَى عَلَى دِينه . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى ذَلِكَ وَلِمَ قِيلَ لَهُمْ الْحَوَارِيُّونَ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته . وَقَدْ اِخْتَلَفَتْ أَلْفَاظ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَإِذْ أَوْحَيْت } وَإِنْ كَانَتْ مُتَّفِقَة الْمَعَانِي , فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 10116 - حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَإِذْ أَوْحَيْت إِلَى الْحَوَارِيِّينَ } يَقُول قَذَفْت فِي قُلُوبهمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أَلْهَمْتهمْ . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَن : وَإِذْ أَلْقَيْت إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ صَدِّقُوا بِي وَبِرَسُولِي عِيسَى .

فَقَالُوا : آمَنَّا : أَيْ صَدَّقْنَا بِمَا أَمَرْتنَا أَنْ نُؤْمِن يَا رَبّنَا . { وَاشْهَدْ } عَلَيْنَا { بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ } يَقُول : وَاشْهَدْ عَلَيْنَا بِأَنَّنَا خَاضِعُونَ لَك بِالذِّلَّةِ سَامِعُونَ , مُطِيعُونَ لِأَمْرِك .
إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاء قَالَ اتَّقُواْ اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَسورة المائدة الآية رقم 112
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم هَلْ يَسْتَطِيع رَبّك أَنْ يُنَزِّل عَلَيْنَا مَائِدَة مِنْ السَّمَاء } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاذْكُرْ يَا عِيسَى أَيْضًا نِعْمَتِي عَلَيْك , إِذْ أَوْحَيْت إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي , إِذْ قَالُوا لِعِيسَى اِبْن مَرْيَم : { هَلْ يَسْتَطِيع رَبّك أَنْ يُنَزِّل عَلَيْنَا مَائِدَة مِنْ السَّمَاء } فَ " إِذْ " الثَّانِيَة مِنْ صِلَة " أَوْحَيْت " . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { يَسْتَطِيع رَبّك } فَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ : " هَلْ تَسْتَطِيعُ " بِالتَّاءِ " رَبَّك " بِالنَّصْبِ , بِمَعْنَى : هَلْ تَسْتَطِيع أَنْ تَسْأَل رَبّك , وَهَلْ تَسْتَطِيع أَنْ تَدْعُو رَبّك أَوْ هَلْ تَسْتَطِيع وَتَرَى أَنْ تَدْعُوهُ ؟ وَقَالُوا : لَمْ يَكُنْ الْحَوَارِيُّونَ شَاكِّينَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره قَادِر أَنْ يُنَزِّل عَلَيْهِمْ ذَلِكَ , وَإِنَّمَا قَالُوا لِعِيسَى : هَلْ تَسْتَطِيع أَنْتَ ذَلِكَ ؟ 10117 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن بِشْر , عَنْ نَافِع , عَنْ اِبْن عُمَر , عَنْ اِبْن أَبِي مُلَيْكَة , قَالَ : قَالَتْ عَائِشَة : كَانَ الْحَوَارِيُّونَ لَا يَشُكُّونَ أَنَّ اللَّه قَادِر أَنْ يُنَزِّل عَلَيْهِمْ مَائِدَة , وَلَكِنْ قَالُوا : يَا عِيسَى , هَلْ تَسْتَطِيع رَبَّك ؟ . 10118 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن يُوسُف الثَّعْلَبِيّ , قَالَ : ثنا الْقَاسِم بْن سَلَّام , قَالَ : ثنا اِبْن مَهْدِيّ , عَنْ جَابِر بْن يَزِيد بْن رِفَاعَة , عَنْ حَيَّان بْن مُخَارِق , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر أَنَّهُ قَرَأَهَا كَذَلِكَ : " هَلْ تَسْتَطِيع رَبّك " وَقَالَ : تَسْتَطِيع أَنْ تَسْأَل رَبّك ؟ وَقَالَ : أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ ؟ . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْعِرَاق : { هَلْ يَسْتَطِيع } بِالْيَاءِ { رَبّك } بِمَعْنَى أَنْ يُنَزِّل عَلَيْنَا رَبّك , كَمَا يَقُول الرَّجُل لِصَاحِبِهِ : أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تَنْهَض مَعَنَا فِي كَذَا ؟ وَهُوَ يَعْلَم أَنَّهُ يَسْتَطِيع , وَلَكِنَّهُ إِنَّمَا يُرِيد : أَتَنْهَضُ مَعَنَا فِيهِ ؟ وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون مُرَاد قَارِئِهِ كَذَلِكَ : هَلْ يَسْتَجِيب لَك رَبّك وَيُطِيعك أَنْ تُنَزِّل عَلَيْنَا ؟ وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ : { هَلْ يَسْتَطِيعُ } بِالْيَاءِ { رَبُّك } بِرَفْعِ الرَّبّ , بِمَعْنَى : هَلْ يَسْتَجِيب لَك إِنْ سَأَلْته ذَلِكَ وَيُطِيعك فِيهِ ؟ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ لِمَا بَيَّنَّا قَبْل مِنْ أَنَّ قَوْله : { إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ } مِنْ صِلَة " إِذْ أَوْحَيْت " , وَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : وَإِذْ أَوْحَيْت إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي { إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم هَلْ يَسْتَطِيع رَبّك } فَبَيِّنٌ إِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره قَدْ كَرِهَ مِنْهُمْ مَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ وَاسْتَعْظَمَهُ , وَأَمَرَهُمْ بِالتَّوْبَةِ وَمُرَاجَعَة الْإِيمَان مِنْ قِيلهمْ ذَلِكَ , وَالْإِقْرَار لِلَّهِ بِالْقُدْرَةِ عَلَى كُلّ شَيْء , وَتَصْدِيق رَسُوله فِيمَا أَخْبَرَهُمْ عَنْ رَبّهمْ مِنْ الْأَخْبَار . وَقَدْ قَالَ عِيسَى لَهُمْ عِنْد قِيلهمْ ذَلِكَ لَهُ اِسْتِعْظَامًا مِنْهُ لِمَا قَالُوا : { اِتَّقُوا اللَّه إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } فَفِي اِسْتِتَابَة اللَّه إِيَّاهُمْ , وَدُعَائِهِ لَهُمْ إِلَى الْإِيمَان بِهِ وَبِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد قِيلهمْ مَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ , وَاسْتِعْظَام نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَتهمْ , الدَّلَالَة الْكَافِيَة مِنْ غَيْرهَا عَلَى صِحَّة الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ بِالْيَاءِ وَرَفْع الرَّبّ إِذْ كَانَ لَا مَعْنَى فِي قَوْلهمْ لِعِيسَى لَوْ كَانُوا قَالُوا لَهُ : هَلْ تَسْتَطِيع أَنْ تَسْأَل رَبّك أَنْ يُنَزِّل عَلَيْنَا مَائِدَة مِنْ السَّمَاء ؟ أَنْ تَسْتَكْبِر هَذَا الِاسْتِكْبَار . فَإِنْ ظَنَّ ظَانّ أَنَّ قَوْلهمْ ذَلِكَ لَهُ إِنَّمَا هُوَ اِسْتِعْظَام مِنْهُمْ ; لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْهُمْ كَانَ مَسْأَلَة آيَة , فَإِنَّ الْآيَة إِنَّمَا يَسْأَلهَا الْأَنْبِيَاء مَنْ كَانَ بِهَا مُكَذِّبًا , لِيَتَقَرَّر عِنْده حَقِيقَة ثُبُوتهَا وَصِحَّة أَمْرهَا , كَمَا كَانَتْ مَسْأَلَة قُرَيْش نَبِيّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُحَوِّل لَهُمْ الصَّفَا ذَهَبًا وَيُفَجِّر فِجَاج مَكَّة أَنْهَارًا مَنْ سَأَلَهُ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمه , وَكَمَا كَانَتْ مَسْأَلَة صَالِح النَّاقَة مِنْ مُكَذِّبِي قَوْمه , وَمَسْأَلَة شُعَيْب أَنْ يُسْقِط كِسَفًا مِنْ السَّمَاء مِنْ كُفَّار مَنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ . وَكَانَ الَّذِينَ سَأَلُوا عِيسَى أَنْ يَسْأَل رَبّه أَنْ يُنَزِّل عَلَيْهِمْ مَائِدَة مِنْ السَّمَاء , عَلَى هَذَا الْوَجْه كَانَتْ مَسْأَلَتهمْ , فَقَدْ أَحَلَّهُمْ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ بِالتَّاءِ وَنَصْب الرَّبّ مَحَلًّا أَعْظَم مِنْ الْمَحَلّ الَّذِي ظَنُّوا أَنَّهُمْ نَزَّهُوا رَبّهمْ عَنْهُ , أَوْ يَكُونُوا سَأَلُوا ذَلِكَ عِيسَى وَهُمْ مُوقِنُونَ بِأَنَّهُ لِلَّهِ نَبِيّ مَبْعُوث وَرَسُول مُرْسَل , وَأَنَّ اللَّه تَعَالَى عَلَى مَا سَأَلُوا مِنْ ذَلِكَ قَادِر . فَإِنْ كَانُوا سَأَلُوا ذَلِكَ وَهُمْ كَذَلِكَ , وَإِنَّمَا كَانَتْ مَسْأَلَتهمْ إِيَّاهُ ذَلِكَ عَلَى نَحْو مَا يَسْأَل أَحَدهمْ نَبِيّه , إِذَا كَانَ فَقِيرًا أَنْ يَسْأَل لَهُ رَبّه أَنْ يُغْنِيه , وَإِنْ عَرَضَتْ بِهِ حَاجَة أَنْ يَسْأَل لَهُ رَبّه أَنْ يَقْضِيهَا , فَأَنَّى ذَلِكَ مِنْ مَسْأَلَة الْآيَة فِي شَيْء ؟ بَلْ ذَلِكَ سُؤَال ذِي حَاجَة عَرَضَتْ لَهُ إِلَى رَبّه , فَسَأَلَ نَبِيّه مَسْأَلَة رَبّه أَنْ يَقْضِيهَا لَهُ . وَخَبَر اللَّه تَعَالَى عَنْ الْقَوْم يُنْبِئ بِخِلَافِ ذَلِكَ , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا لِعِيسَى , إِذْ قَالَ لَهُمْ : { اِتَّقُوا اللَّه إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قَالُوا نُرِيد أَنْ نَأْكُل مِنْهَا وَتَطْمَئِنّ قُلُوبنَا وَنَعْلَم أَنْ قَدْ صَدَقْتنَا } فَقَدْ أَنْبَأَ هَذَا مِنْ قِيلهمْ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ عِيسَى قَدْ صَدَقَهُمْ , وَلَا اِطْمَأَنَّتْ قُلُوبهمْ إِلَى حَقِيقَة نُبُوَّته , فَلَا بَيَان أَبْيَن مِنْ هَذَا الْكَلَام فِي أَنَّ الْقَوْم كَانُوا قَدْ خَالَطَ قُلُوبهمْ مَرَض وَشَكّ فِي دِينهمْ وَتَصْدِيق رَسُولهمْ , وَأَنَّهُمْ سَأَلُوا مَا سَأَلُوا مِنْ ذَلِكَ اِخْتِبَارًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10119 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ لَيْث , عَنْ عَقِيل , عَنْ اِبْن عَبَّاس , أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّث عَنْ عِيسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيل : هَلْ لَكُمْ أَنْ تَصُومُوا لِلَّهِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا , ثُمَّ تَسْأَلُوهُ فَيُعْطِيكُمْ مَا سَأَلْتُمْ ؟ فَإِنَّ أَجْر الْعَامِل عَلَى مَنْ عَمِلَ لَهُ ! فَفَعَلُوا ; ثُمَّ قَالُوا : يَا مُعَلِّم الْخَيْر , قُلْت لَنَا : إِنَّ أَجْر الْعَامِل عَلَى مَنْ عَمِلَ لَهُ , وَأَمَرْتنَا أَنْ نَصُوم ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَفَعَلْنَا , وَلَمْ نَكُنْ نَعْمَل لِأَحَدٍ ثَلَاثِينَ يَوْمًا إِلَّا أَطْعَمَنَا حِين نَفْرُغ طَعَامًا { فَهَلْ يَسْتَطِيع رَبّك أَنْ يَنَزِّل عَلَيْنَا مَائِدَة مِنْ السَّمَاء قَالَ } عِيسَى { اِتَّقُوا اللَّه إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قَالُوا نُرِيد أَنْ نَأْكُل مِنْهَا وَتَطْمَئِنّ قُلُوبنَا وَنَعْلَم أَنْ قَدْ صَدَقْتنَا وَنَكُون عَلَيْهَا مِنْ الشَّاهِدِينَ } إِلَى قَوْله : { لَا أُعَذِّبهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } قَالَ : فَأَقْبَلَتْ الْمَلَائِكَة تَطِير بِمَائِدَةٍ مِنْ السَّمَاء عَلَيْهَا سَبْعَة أَحْوَات وَسَبْعَة أَرْغِفَة , حَتَّى وَضَعَتْهَا بَيْن أَيْدِيهمْ , فَأَكَلَ مِنْهَا آخِر النَّاس كَمَا أَكَلَ مِنْهَا أَوَّلهمْ . 10120 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { هَلْ يَسْتَطِيع رَبّك أَنْ يُنَزِّل عَلَيْنَا مَائِدَة مِنْ السَّمَاء } قَالُوا : هَلْ يُطِيعك رَبّك إِنْ سَأَلْته ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِمْ مَائِدَة مِنْ السَّمَاء فِيهَا جَمِيع الطَّعَام إِلَّا اللَّحْم فَأَكَلُوا مِنْهَا . وَأَمَّا الْمَائِدَة فَإِنَّهَا الْفَاعِلَة , مِنْ مَادَ فُلَان الْقَوْم يَمِيدُهُمْ مَيْدًا : إِذَا أَطْعَمَهُمْ وَمَارَهُمْ ; وَمِنْهُ قَوْل رُؤْبَة : نُهْدِي رُءُوس الْمُتْرَفِينَ الْأَنْدَاد إِلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ الْمُمْتَاد يَعْنِي بِقَوْلِهِ : الْمُمْتَاد : الْمُسْتَعْطِي , فَالْمَائِدَة الْمُطْعِمَة سُمِّيَتْ " الْخِوَان " بِذَلِكَ ; لِأَنَّهَا تُطْعِم الْآكِل مِمَّا عَلَيْهَا . وَالْمَائِد : الْمُدَار بِهِ فِي الْبَحْر , يُقَال : مَادَ يَمِيد مَيْدًا .

وَأَمَّا قَوْله : { قَالَ اِتَّقُوا اللَّه إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي : قَالَ عِيسَى لِلْحَوَارِيِّينَ الْقَائِلِينَ لَهُ : { هَلْ يَسْتَطِيع رَبّك أَنْ يُنَزِّل عَلَيْنَا مَائِدَة مِنْ السَّمَاء } رَاقِبُوا اللَّه أَيّهَا الْقَوْم , وَخَافُوا أَنْ يَنْزِل بِكُمْ مِنْ اللَّه عُقُوبَة عَلَى قَوْلكُمْ هَذَا , فَإِنَّ اللَّه لَا يُعْجِزهُ شَيْء أَرَادَهُ , وَفِي شَكّكُمْ فِي قُدْرَة اللَّه عَلَى إِنْزَال مَائِدَة مِنْ السَّمَاء كُفْر بِهِ , فَاتَّقُوا اللَّه أَنْ يُنْزِل بِكُمْ نِقْمَته إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ! يَقُول : إِنْ كُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ عَلَى مَا أَتَوَعَّدكُمْ بِهِ مِنْ عُقُوبَة اللَّه إِيَّاكُمْ عَلَى قَوْلكُمْ : { هَلْ يَسْتَطِيع رَبّك أَنْ يُنَزِّل عَلَيْنَا مَائِدَة مِنْ السَّمَاء }
قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَسورة المائدة الآية رقم 113
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالُوا نُرِيد أَنْ نَأْكُل مِنْهَا وَتَطْمَئِنّ قُلُوبنَا وَنَعْلَم أَنْ قَدْ صَدَقْتنَا وَنَكُون عَلَيْهَا مِنْ الشَّاهِدِينَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِذَلِكَ : قَالَ الْحَوَارِيُّونَ مُجِيبِي عِيسَى عَلَى قَوْله لَهُمْ : { اِتَّقُوا اللَّه إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } فِي قَوْلكُمْ { هَلْ يَسْتَطِيع رَبّك أَنْ يُنَزِّل عَلَيْنَا مَائِدَة مِنْ السَّمَاء } إِنَّا إِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ وَسَأَلْنَاك أَنْ تَسْأَل لَنَا رَبّنَا لِنَأْكُل مِنْ الْمَائِدَة , فَنَعْلَم يَقِينًا قُدْرَته عَلَى كُلّ شَيْء { وَتَطْمَئِنّ قُلُوبنَا } يَقُول : وَتَسْكُن قُلُوبنَا وَتَسْتَقِرّ عَلَى وَحْدَانِيّته وَقُدْرَته عَلَى كُلّ مَا شَاءَ وَأَرَادَ , وَنَعْلَم أَنْ قَدْ صَدَقْتنَا , وَنَعْلَم أَنَّك لَمْ تُكَذِّبنَا فِي خَبَرك أَنَّك لِلَّهِ رَسُول مُرْسَل وَنَبِيّ مَبْعُوث . { وَنَكُون عَلَيْهَا } يَقُول : وَنَكُون عَلَى الْمَائِدَة , { مِنْ الشَّاهِدِينَ } يَقُول : مِمَّنْ يَشْهَد أَنَّ اللَّه أَنْزَلَهَا حُجَّة لِنَفْسِهِ عَلَيْنَا فِي تَوْحِيده وَقُدْرَته عَلَى مَا شَاءَ وَلَك عَلَى صِدْقك فِي نُبُوَّتك .
قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَسورة المائدة الآية رقم 114
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم اللَّهُمَّ رَبّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَة مِنْ السَّمَاء تَكُون لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرنَا وَآيَة مِنْك وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْر الرَّازِقِينَ } وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ نَبِيّه عِيسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَجَابَ الْقَوْم إِلَى مَا سَأَلُوا مِنْ مَسْأَلَة رَبّه مَائِدَة تَنْزِل عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاء . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { تَكُون لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرنَا } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : نَتَّخِذ الْيَوْم الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عِيدًا نُعَظِّمهُ نَحْنُ وَمَنْ بَعْدنَا ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10121 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { تَكُون لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرنَا } يَقُول : نَتَّخِذ الْيَوْم الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عِيدًا نُعَظِّمهُ نَحْنُ وَمَنْ بَعْدنَا . 10122 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله { تَكُون لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرنَا } قَالَ : أَرَادُوا أَنْ تَكُون لِعَقِبِهِمْ مِنْ بَعْدهمْ . 10123 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَة مِنْ السَّمَاء تَكُون لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا } قَالَ : الَّذِينَ هُمْ أَحْيَاء مِنْهُمْ يَوْمئِذٍ { وَآخِرنَا } مَنْ بَعْدهمْ مِنْهُمْ . 10124 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : قَالَ سُفْيَان : { تَكُون لَنَا عِيدًا } قَالُوا : نُصَلِّي فِيهِ ; نَزَلَتْ مَرَّتَيْنِ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ : نَأْكُل مِنْهَا جَمِيعًا ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10125 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ لَيْث , عَنْ عَقِيل , عَنْ اِبْن عَبَّاس , أَنَّهُ قَالَ : أَكَلَ مِنْهَا - يَعْنِي مِنْ الْمَائِدَة - حِين وُضِعَتْ بَيْن أَيْدِيهمْ آخِر النَّاس كَمَا أَكَلَ مِنْهَا أَوَّلهمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى قَوْله { عِيدًا } عَائِدَة مِنْ اللَّه تَعَالَى عَلَيْنَا حُجَّة وَبُرْهَانًا . وَأَوْلَى الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ : تَكُون لَنَا عِيدًا , نَعْبُد رَبّنَا فِي الْيَوْم الَّذِي تَنْزِل فِيهِ وَنُصَلِّي لَهُ فِيهِ , كَمَا يُعَيِّد النَّاس فِي أَعْيَادهمْ ; لِأَنَّ الْمَعْرُوف مِنْ كَلَام النَّاس الْمُسْتَعْمَل بَيْنهمْ فِي الْعِيد مَا ذَكَرْنَا دُون الْقَوْل الَّذِي قَالَهُ مَنْ قَالَ مَعْنَاهُ : عَائِدَة مِنْ اللَّه عَلَيْنَا ; وَتَوْجِيه مَعَانِي كَلَام اللَّه إِلَى الْمَعْرُوف مِنْ كَلَام مَنْ خُوطِبَ بِهِ أَوْلَى مِنْ تَوْجِيهه إِلَى الْمَجْهُول مِنْهُ مَا وُجِدَ إِلَيْهِ السَّبِيل . وَأَمَّا قَوْله : { لِأَوَّلِنَا وَآخِرنَا } فَإِنَّ الْأَوْلَى مِنْ تَأْوِيله بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : تَأْوِيله لِلْأَحْيَاءِ مِنَّا الْيَوْم وَمَنْ يَجِيء بَعْدنَا مِنَّا لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي قَوْله : { تَكُون لَنَا عِيدًا } لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَغْلَب مِنْ مَعْنَاهُ . وَأَمَّا قَوْله : { وَآيَة مِنْك } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : وَعَلَامَة وَحُجَّة مِنْك يَا رَبّ عَلَى عِبَادك فِي وَحْدَانِيّتك , وَفِي صِدْقِي عَلَى أَنِّي رَسُول إِلَيْهِمْ بِمَا أَرْسَلْتنِي بِهِ . { وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْر الرَّازِقِينَ } وَأَعْطِنَا مِنْ عَطَائِك , فَإِنَّك يَا رَبّ خَيْر مَنْ يُعْطِي وَأَجْوَد مَنْ تَفَضَّلَ ; لِأَنَّهُ لَا يَدْخُل عَطَاءَهُ مَنّ وَلَا نَكَد . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَائِدَة , هَلْ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِمْ أَمْ لَا ؟ وَمَا كَانَتْ ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : نَزَلَتْ وَكَانَتْ حُوتًا وَطَعَامًا , فَأَكَلَ الْقَوْم مِنْهَا , وَلَكِنَّهَا رُفِعَتْ بَعْد مَا نَزَلَتْ بِأَحْدَاثٍ مِنْهُمْ أَحْدَثُوهَا فِيمَا بَيْنهمْ وَبَيْن اللَّه تَعَالَى ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10126 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ , قَالَ : نَزَّلَتْ الْمَائِدَة خُبْزًا وَسَمَكًا . 10127 - حَدَّثَنِي الْحُسَيْن بْن عَلِيّ الصُّدَائِيّ , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ الْفُضَيْل , عَنْ عَطِيَّة , قَالَ : الْمَائِدَة سَمَكَة فِيهَا طَعْم كُلّ طَعَام . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , عَنْ فُضَيْل , عَنْ مَسْرُوق , عَنْ عَطِيَّة , قَالَ : الْمَائِدَة : سَمَك فِيهِ مِنْ طَعْم كُلّ طَعَام . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن آدَم , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : نَزَلَتْ الْمَائِدَة خُبْزًا وَسَمَكًا . 10128 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : نَزَلَتْ عَلَى عِيسَى اِبْن مَرْيَم وَالْحَوَارِيِّينَ خِوَان عَلَيْهِ خُبْز وَسَمَك يَأْكُلُونَ مِنْهُ أَيْنَمَا نَزَلُوا إِذَا شَاءُوا . 10129 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْمُنْذِر بْن النُّعْمَان , أَنَّهُ سَمِعَ وَهْب بْن مُنَبِّه يَقُول فِي قَوْله : { أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَة مِنْ السَّمَاء تَكُون لَنَا عِيدًا } قَالَ : نَزَلَ عَلَيْهِمْ قُرْصَة مِنْ شَعِير وَأَحْوَات . قَالَ الْحَسَن : قَالَ أَبُو بَكْر : فَحَدَّثْت بِهِ عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل , فَقَالَ : سَمِعْت وَهْبًا وَقِيلَ لَهُ : وَمَا كَانَ ذَلِكَ يُغْنِي عَنْهُمْ ؟ فَقَالَ : لَا شَيْء وَلَكِنَّ اللَّه حَثَا بَيْن أَضْعَافهنَّ الْبَرَكَة , فَكَانَ قَوْم يَأْكُلُونَ ثُمَّ يَخْرُجُونَ , وَيَجِيء آخَرُونَ فَيَأْكُلُونَ ثُمَّ يَخْرُجُونَ , حَتَّى أَكَلُوا جَمِيعهمْ وَأَفْضَلُوا . 10130 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي يَحْيَى , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : هُوَ الطَّعَام يَنْزِل عَلَيْهِمْ حَيْثُ نَزَلُوا . 10131 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { مَائِدَة مِنْ السَّمَاء } قَالَ : مَائِدَة عَلَيْهَا طَعَام أَبَوْهَا حِين عُرِضَ عَلَيْهِمْ الْعَذَاب إِنْ كَفَرُوا فَأَبَوْا أَنْ تَنْزِل عَلَيْهِمْ . 10132 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي مَعْشَر , عَنْ إِسْحَاق بْن عَبْد اللَّه : أَنَّ الْمَائِدَة نَزَلَتْ عَلَى عِيسَى اِبْن مَرْيَم , عَلَيْهَا سَبْعَة أَرْغِفَة وَسَبْعَة أَحْوَات , يَأْكُلُونَ مِنْهَا مَا شَاءُوا . قَالَ : فَسَرَقَ بَعْضهمْ مِنْهَا , وَقَالَ : لَعَلَّهَا لَا تَنْزِل غَدًا ! فَرُفِعَتْ . 10133 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ سِمَاك بْن حَرْب , عَنْ رَجُل مِنْ بَنِي عِجْل قَالَ : صَلَّيْت إِلَى جَنْب عَمَّار بْن يَاسِر , فَلَمَّا فَرَغَ , قَالَ : هَلْ تَدْرِي كَيْفَ كَانَ شَأْن مَائِدَة بَنِي إِسْرَائِيل ؟ قَالَ : فَقُلْت لَا . قَالَ : إِنَّهُمْ سَأَلُوا عِيسَى اِبْن مَرْيَم مَائِدَة يَكُون عَلَيْهَا طَعَام يَأْكُلُونَ مِنْهُ لَا يَنْفَد , قَالَ : فَقِيلَ لَهُمْ : فَإِنَّهَا مُقِيمَة لَكُمْ مَا لَمْ تُخَبِّئُوا أَوْ تَخُونُوا أَوْ تَرْفَعُوا , فَإِنْ فَعَلْتُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبكُمْ عَذَابًا لَا أُعَذِّبهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ . قَالَ : فَمَا تَمَّ يَوْمهمْ حَتَّى خَبَّئُوا وَرَفَعُوا وَخَانُوا , فَعُذِّبُوا عَذَابًا لَمْ يُعَذَّبهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ . وَإِنَّكُمْ مَعْشَر الْعَرَب كُنْتُمْ تَتَّبِعُونَ أَذْنَاب الْإِبِل وَالشَّاء , فَبَعَثَ اللَّه فِيكُمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسكُمْ تَعْرِفُونَ حَسَبه وَنَسَبه , وَأَخْبَرَكُمْ عَلَى لِسَان نَبِيّكُمْ أَنَّكُمْ سَتَظْهَرُونَ عَلَى الْعَرَب , وَنَهَاكُمْ أَنْ تَكْنِزُوا الذَّهَب وَالْفِضَّة , وَاَيْم اللَّه لَا يَذْهَب اللَّيْل وَالنَّهَار حَتَّى تَكْنِزُوهُمَا وَيُعَذِّبكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ! . 10134 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن قَزَعَة الْبَصْرِيّ , قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن حَبِيب , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ خَلَّاس بْن عَمْرو , عَنْ عَمَّار بْن يَاسِر , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " نَزَلَتْ الْمَائِدَة خُبْزًا وَلَحْمًا , وَأُمِرُوا أَنْ لَا يَخُونُوا وَلَا يَدَّخِرُوا وَلَا يَرْفَعُوا لِغَدٍ , فَخَانُوا وَادَّخَرُوا وَرَفَعُوا , فَمُسِخُوا قِرَدَة وَخَنَازِير " . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن بَزِيع , قَالَ : ثنا يُوسُف بْن خَالِد , قَالَ : ثنا نَافِع بْن مَالِك , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي الْمَائِدَة , قَالَ : كَانَتْ طَعَامًا يَنْزِل عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاء حَيْثُمَا نَزَلُوا ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10135 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , عَنْ خَلَّاس بْن عَمْرو , عَنْ عَمَّار , قَالَ : نَزَلَتْ الْمَائِدَة , وَعَلَيْهَا ثَمَر مِنْ ثَمَر الْجَنَّة , فَأُمِرُوا أَنْ لَا يُخَبِّئُوا وَلَا يَخُونُوا وَلَا يَدَّخِرُوا . قَالَ : فَخَانَ الْقَوْم وَخَبَّئُوا وَادَّخَرُوا , فَحَوَّلَهُمْ اللَّه قِرَدَة وَخَنَازِير . 10136 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّهَا كَانَتْ مَائِدَة يَنْزِل عَلَيْهَا الثَّمَر مِنْ ثِمَار الْجَنَّة , وَأُمِرُوا أَنْ لَا يُخَبِّئُوا وَلَا يَخُونُوا وَلَا يَدَّخِرُوا لِغَدٍ , بَلَاء اِبْتَلَاهُمْ اللَّه بِهِ , وَكَانُوا إِذَا فَعَلُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَنْبَأَهُمْ بِهِ عِيسَى , فَخَانَ الْقَوْم فِيهِ فَخَبَّئُوا وَادَّخَرُوا لِغَدٍ . وَقَالَ آخَرُونَ : كَانَ عَلَيْهَا مِنْ كُلّ طَعَام إِلَّا اللَّحْم ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10137 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَطَاء , عَنْ مَيْسَرَة , قَالَ : كَانَتْ إِذَا وُضِعَتْ الْمَائِدَة لِبَنِي إِسْرَائِيل , اِخْتَلَفَتْ عَلَيْهَا الْأَيْدِي بِكُلِّ طَعَام . 10138 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن آدَم , عَنْ شَرِيك , عَنْ عَطَاء , عَنْ مَيْسَرَة وَزَاذَان , قَالَا : كَانَتْ الْأَيْدِي تَخْتَلِف عَلَيْهَا بِكُلِّ طَعَام . * - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا سُفْيَان الثَّوْرِيّ , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ زَاذَان وَمَيْسَرَة فِي : { هَلْ يَسْتَطِيع رَبّك أَنْ يُنَزِّل عَلَيْنَا مَائِدَة مِنْ السَّمَاء } قَالَا : رَأَوْا الْأَيْدِي تَخْتَلِف عَلَيْهَا بِكُلِّ شَيْء إِلَّا اللَّحْم . وَقَالَ آخَرُونَ : لَمْ يُنَزِّل اللَّه عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل مَائِدَة . ثُمَّ اِخْتَلَفَ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَة ; فَقَالَ بَعْضهمْ : إِنَّمَا هَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه تَعَالَى لِخَلْقِهِ نَهَاهُمْ بِهِ عَنْ مَسْأَلَة نَبِيّ اللَّه الْآيَات ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10139 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن آدَم , عَنْ شَرِيك , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَة مِنْ السَّمَاء } قَالَ : مَثَل ضُرِبَ , لَمْ يَنْزِل عَلَيْهِمْ شَيْء . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّ الْقَوْم لَمَّا قِيلَ لَهُمْ : { فَمَنْ يَكْفُر بَعْد مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } اِسْتَعْفَوْا مِنْهَا فَلَمْ تَنْزِل ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10140 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن زُرَيْع , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : كَانَ الْحَسَن يَقُول لَمَّا قِيلَ لَهُمْ : { فَمَنْ يَكْفُر بَعْد مِنْكُمْ } إِلَى آخِر الْآيَة , قَالُوا : لَا حَاجَة لَنَا فِيهَا ! فَلَمْ تَنْزِل . * - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور بْن زَاذَان , عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَائِدَة : لَمْ تَنْزِل . 10141 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْقَاسِم بْن سَلَّام , قَالَ : ثنا حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : مَائِدَة عَلَيْهَا طَعَام أَبَوْهَا حِين عُرِضَ عَلَيْهِمْ الْعَذَاب إِنْ كَفَرُوا , فَأَبَوْا أَنْ تَنْزِل عَلَيْهِمْ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل عِنْدنَا فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَنْزَلَ الْمَائِدَة عَلَى الَّذِينَ سَأَلُوا عِيسَى مَسْأَلَته ذَلِكَ رَبّه . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِلْخَبَرِ الَّذِي رُوِّينَا بِذَلِكَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه وَأَهْل التَّأْوِيل مِنْ بَعْدهمْ غَيْر مَنْ اِنْفَرَدَ بِمَا ذَكَرْنَا عَنْهُ . وَبَعْد , فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى لَا يُخْلِف وَعْده وَلَا يَقَع فِي خَبَره الْخُلْف , وَقَدْ قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا فِي كِتَابه عَنْ إِجَابَة نَبِيّه عِيسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين سَأَلَهُ مَا سَأَلَهُ مِنْ ذَلِكَ : { إِنِّي مُنَزِّلهَا عَلَيْكُمْ } , وَغَيْر جَائِز أَنْ يَقُول تَعَالَى ذِكْره إِنِّي مُنَزِّلهَا عَلَيْكُمْ , ثُمَّ لَا يُنَزِّلهَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ تَعَالَى خَبَر , وَلَا يَكُون مِنْهُ خِلَاف مَا يُخْبِر . وَلَوْ جَازَ أَنْ يَقُول : إِنِّي مُنَزِّلهَا عَلَيْكُمْ , ثُمَّ لَا يُنَزِّلهَا عَلَيْهِمْ , جَازَ أَنْ يَقُول : { فَمَنْ يَكْفُر بَعْد مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } ثُمَّ يَكْفُر مِنْهُمْ بَعْد ذَلِكَ فَلَا يُعَذِّبهُ , فَلَا يَكُون لِوَعْدِهِ وَلَا لِوَعِيدِهِ حَقِيقَة وَلَا صِحَّة , وَغَيْر جَائِز أَنْ يُوصَف رَبّنَا تَعَالَى بِذَلِكَ . وَأَمَّا الصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِيمَا كَانَ عَلَى الْمَائِدَة , فَأَنْ يُقَال : كَانَ عَلَيْهَا مَأْكُول , وَجَائِز أَنْ يَكُون كَانَ سَمَكًا وَخُبْزًا , وَجَائِز أَنْ يَكُون كَانَ ثَمَرًا مِنْ ثَمَر الْجَنَّة ; وَغَيْر نَافِع الْعِلْم بِهِ وَلَا ضَارّ الْجَهْل بِهِ إِذَا أَقَرَّ تَالِي الْآيَة بِظَاهِرِ مَا اِحْتَمَلَهُ التَّنْزِيل .
قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَسورة المائدة الآية رقم 115
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ اللَّه إِنِّي مُنَزِّلهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُر بَعْد مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } وَهَذَا جَوَاب مِنْ اللَّه تَعَالَى الْقَوْم فِيمَا سَأَلُوا نَبِيّهمْ عِيسَى مَسْأَلَة رَبّهمْ مِنْ إِنْزَاله مَائِدَة عَلَيْهِمْ , فَقَالَ تَعَالَى ذِكْره : إِنِّي مُنَزِّلهَا عَلَيْكُمْ أَيّهَا الْحَوَارِيُّونَ فَمُطْعِمْكُمُوهَا . { فَمَنْ يَكْفُر بَعْد مِنْكُمْ } يَقُول : فَمَنْ يَجْحَد بَعْد إِنْزَالهَا عَلَيْكُمْ وَإِطْعَامكُمُوهَا مِنْكُمْ رِسَالَتِي إِلَيْهِ وَيُنْكِر نُبُوَّة نَبِيِّي عِيسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُخَالِف طَاعَتِي فِيمَا أَمَرْته وَنَهَيْته , فَإِنِّي أُعَذِّبهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبهُ أَحَدًا مِنْ عَالَمِي زَمَانه . فَفَعَلَ الْقَوْم , فَجَحَدُوا وَكَفَرُوا بَعْد مَا أُنْزِلَتْ عَلَيْهِمْ فِيمَا ذُكِرَ لَنَا , فَعُذِّبُوا فِيمَا بَلَغَنَا بِأَنْ مُسِخُوا قِرَدَة وَخَنَازِير . كَاَلَّذِي : 10142 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { إِنِّي مُنَزِّلهَا عَلَيْكُمْ } 00 الْآيَة , ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمْ حُوِّلُوا خَنَازِير . 10143 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَهَّاب وَمُحَمَّد بْن أَبِي عَدِيّ , وَمُحَمَّد بْن جَعْفَر , عَنْ عَوْف , عَنْ أَبِي الْمُغِيرَة الْقَوَّاس , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , قَالَ : إِنَّ أَشَدّ النَّاس عَذَابًا ثَلَاثَة : الْمُنَافِقُونَ , وَمَنْ كَفَرَ مِنْ أَصْحَاب الْمَائِدَة , وَآل فِرْعَوْن . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن عَرَفَة , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , عَنْ عَوْف , قَالَ : سَمِعْت أَبَا الْمُغِيرَة الْقَوَّاس يَقُول : قَالَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو : إِنَّ أَشَدّ النَّاس عَذَابًا يَوْم الْقِيَامَة : مَنْ كَفَرَ مِنْ أَصْحَاب الْمَائِدَة , وَالْمُنَافِقُونَ , وَآل فِرْعَوْن . 10144 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { فَمَنْ يَكْفُر بَعْد مِنْكُمْ } بَعْد مَا جَاءَتْهُ الْمَائِدَة , { فَإِنِّي أُعَذِّبهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } يَقُول : أُعَذِّبهُ بِعَذَابٍ لَا أُعَذِّبهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ غَيْر أَهْل الْمَائِدَة .
وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِسورة المائدة الآية رقم 116
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ قَالَ اللَّه يَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم أَأَنْتَ قُلْت لِلنَّاسِ اِتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُون اللَّه قَالَ سُبْحَانك مَا يَكُون لِي أَنْ أَقُول مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْت قُلْته فَقَدْ عَلِمْته } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَوْم يَجْمَع اللَّه الرُّسُل , فَيَقُول مَاذَا أُجِبْتُمْ , إِذْ قَالَ اللَّه يَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم أَأَنْتَ قُلْت لِلنَّاسِ اِتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُون اللَّه ؟ وَقِيلَ : إِنَّ اللَّه قَالَ هَذَا الْقَوْل لِعِيسَى حِين رَفَعَهُ إِلَيْهِ فِي الدُّنْيَا ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10145 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَإِذْ قَالَ اللَّه يَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم أَأَنْتَ قُلْت لِلنَّاسِ اِتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُون اللَّه } قَالَ : لَمَّا رَفَعَ اللَّه عِيسَى اِبْن مَرْيَم إِلَيْهِ , قَالَتْ النَّصَارَى مَا قَالَتْ , وَزَعَمُوا أَنَّ عِيسَى أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ , فَسَأَلَهُ عَنْ قَوْله , فَ { قَالَ سُبْحَانك مَا يَكُون لِي أَنْ أَقُول مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْت قُلْته فَقَدْ عَلِمْته تَعْلَم مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَم مَا فِي نَفْسك إِنَّك أَنْتَ عَلَّام الْغُيُوب } إِلَى قَوْله : { وَأَنْتَ عَلَى كُلّ شَيْء شَهِيد } . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هَذَا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ أَنَّهُ يَقُول لِعِيسَى ذَلِكَ فِي الْقِيَامَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10146 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { وَإِذْ قَالَ اللَّه يَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم أَأَنْتَ قُلْت لِلنَّاسِ اِتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُون اللَّه } قَالَ : وَالنَّاس يَسْمَعُونَ , فَرَاجَعَهُ بِمَا قَدْ رَأَيْت , وَأَقَرَّ لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ عَلَى نَفْسه , فَعَلِمَ مَنْ كَانَ يَقُول فِي عِيسَى مَا يَقُول أَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ يَقُول بَاطِلًا . 10147 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَطَاء , عَنْ مَيْسَرَة , قَالَ : { قَالَ اللَّه يَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم أَأَنْتَ قُلْت لِلنَّاسِ اِتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُون اللَّه } فَأَرْعَدَتْ مَفَاصِله , وَخَشِيَ أَنْ يَكُون قَدْ قَالَ , فَ { قَالَ سُبْحَانك مَا يَكُون لِي أَنْ أَقُول مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْت قُلْته فَقَدْ عَلِمْته } الْآيَة . 10148 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { يَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم أَأَنْتَ قُلْت لِلنَّاسِ اِتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُون اللَّه } مَتَى يَكُون ذَلِكَ ؟ قَالَ : يَوْم الْقِيَامَة , أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُول : { هَذَا يَوْم يَنْفَع الصَّادِقِينَ صِدْقهمْ } . فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيل الَّذِي تَأَوَّلَهُ اِبْن جُرَيْج يَجِب أَنْ يَكُون " وَإِذْ " بِمَعْنَى " وَإِذَا " , كَمَا قَالَ فِي مَوْضِع آخَر : { وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا } بِمَعْنَى : يَفْزَعُونَ . وَكَمَا قَالَ أَبُو النَّجْم : ثُمَّ جَزَاهُ اللَّه عَنَّا إِذْ جَزَى جَنَّات عَدْن فِي الْعَلَالِيِّ الْعُلَا وَالْمَعْنَى : إِذَا جَزَى . وَكَمَا قَالَ الْأَسْوَد : فَالْآن إِذْ هَازَلْتُهُنَّ فَإِنَّمَا يَقُلْنَ أَلَا لَمْ يَذْهَب الشَّيْخ مَذْهَبَا بِمَعْنَى : إِذَا هَازَلْتُهُنَّ . وَكَأَنَّ مَنْ قَالَ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ اِبْن جُرَيْج هَذَا وَجَّهَ تَأْوِيل الْآيَة إِلَى : { فَمَنْ يَكْفُر بَعْد مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ } فِي الدُّنْيَا ; وَأُعَذِّبهُ أَيْضًا فِي الْآخِرَة , { إِذْ قَالَ اللَّه يَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم أَأَنْتَ قُلْت لِلنَّاسِ اِتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُون اللَّه } وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ عِنْدنَا بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ , قَوْل مَنْ قَالَ بِقَوْلِ السُّدِّيّ : وَهُوَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ ذَلِكَ لِعِيسَى حِين رَفَعَهُ إِلَيْهِ , وَأَنَّ الْخَبَر خَبَر عَمَّا مَضَى لِعِلَّتَيْنِ : إِحْدَاهُمَا : أَنَّ " إِذْ " إِنَّمَا تُصَاحِب فِي الْأَغْلَب مِنْ كَلَام الْعَرَب الْمُسْتَعْمَل بَيْنهَا الْمَاضِي مِنْ الْفِعْل , وَإِنْ كَانَتْ قَدْ تُدْخِلهَا أَحْيَانًا فِي مَوْضِع الْخَبَر عَمَّا يَحْدُث إِذَا عَرَفَ السَّامِعُونَ مَعْنَاهَا ; وَذَلِكَ غَيْر فَاشٍ وَلَا فَصِيح فِي كَلَامهمْ , فَتَوْجِيه مَعَانِي كَلَام اللَّه تَعَالَى إِلَى الْأَشْهَر الْأَعْرَف مَا وُجِدَ إِلَيْهِ السَّبِيل أَوْلَى مِنْ تَوْجِيههَا إِلَى الْأَجْهَل الْأَنْكَر . وَالْأُخْرَى : أَنَّ عِيسَى لَمْ يَشُكّ هُوَ وَلَا أَحَد مِنْ الْأَنْبِيَاء أَنَّ اللَّه لَا يَغْفِر لِمُشْرِكٍ مَاتَ عَلَى شِرْكه , فَيَجُوز أَنْ يُتَوَهَّم عَلَى عِيسَى أَنْ يَقُول فِي الْآخِرَة مُجِيبًا لِرَبِّهِ تَعَالَى : إِنْ تُعَذِّب مَنْ اِتَّخَذَنِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونك فَإِنَّهُمْ عِبَادك , وَإِنْ تَغْفِر لَهُمْ فَإِنَّك أَنْتَ الْعَزِيز الْحَكِيم . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَمَا كَانَ وَجْه سُؤَال اللَّه عِيسَى : أَأَنْتَ قُلْت لِلنَّاسِ اِتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُون اللَّه , وَهُوَ الْعَالِم بِأَنَّ عِيسَى لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ ؟ قِيلَ : يَحْتَمِل ذَلِكَ وَجْهَيْنِ مِنْ التَّأْوِيل . أَحَدهمَا : تَحْذِير عِيسَى عَنْ قِيل ذَلِكَ وَنَهْيه , كَمَا يَقُول الْقَائِل لِآخَر : أَفَعَلْت كَذَا وَكَذَا ؟ مِمَّا يَعْلَم الْمَقُول لَهُ ذَلِكَ أَنَّ الْقَائِل يَسْتَعْظِم فِعْل مَا قَالَ لَهُ : " أَفَعَلْته " عَلَى وَجْه النَّهْي عَنْ فِعْله وَالتَّهْدِيد لَهُ فِيهِ . وَالْآخَر : إِعْلَامه أَنَّ قَوْمه الَّذِينَ فَارَقَهُمْ قَدْ خَالَفُوا عَهْده وَبَدَّلُوا دِينهمْ بَعْده , فَيَكُون بِذَلِكَ جَامِعًا إِعْلَامه حَالهمْ بَعْده وَتَحْذِيره لَهُ قِيله . وَأَمَّا تَأْوِيل الْكَلَام : فَإِنَّهُ : أَأَنْتَ قُلْت لِلنَّاسِ اِتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ , أَيْ مَعْبُودَيْنِ تَعْبُدُونَهُمَا مِنْ دُون اللَّه ؟ قَالَ عِيسَى : تَنْزِيهًا لَك يَا رَبّ وَتَعْظِيمًا أَنْ أَفْعَل ذَلِكَ أَوْ أَتَكَلَّم بِهِ , مَا يَكُون لِي أَنْ أَقُول مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ! يَقُول : لَيْسَ لِي أَنْ أَقُول ذَلِكَ لِأَنِّي عَبْد مَخْلُوق وَأُمِّي أَمَة لَك , فَهَلْ يَكُون لِلْعَبْدِ وَالْأَمَة اِدِّعَاء رُبُوبِيَّة ؟ { إِنْ كُنْت قُلْته فَقَدْ عَلِمْته } , يَقُول : إِنَّك لَا يَخْفَى عَلَيْك شَيْء , وَأَنْتَ عَالِم أَنِّي لَمْ أَقُلْ ذَلِكَ وَلَمْ آمُرهُمْ بِهِ .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { تَعْلَم مَا فِي نَفْسِي } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ نَبِيّه عِيسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَبْرَأ إِلَيْهِ مِمَّا قَالَتْ فِيهِ وَفِي أُمّه الْكَفَرَة مِنْ النَّصَارَى أَنْ يَكُون دَعَاهُمْ إِلَيْهِ أَوْ أَمَرَهُمْ بِهِ , فَقَالَ : { سُبْحَانك مَا يَكُون لِي أَنْ أَقُول مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْت قُلْته فَقَدْ عَلِمْته } ثُمَّ قَالَ : { تَعْلَم مَا فِي نَفْسِي } يَقُول : إِنَّك يَا رَبّ لَا يَخْفَى عَلَيْك مَا أَضْمَرَتْهُ نَفْسِي مِمَّا لَمْ أَنْطِق بِهِ وَلَمْ أُظْهِرهُ بِجَوَارِحِي , فَكَيْفَ بِمَا قَدْ نَطَقْت بِهِ وَأَظْهَرْته بِجَوَارِحِي ؟ يَقُول : لَوْ كُنْت قَدْ قُلْت لِلنَّاسِ اِتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُون اللَّه كُنْت قَدْ عَلِمْته , لِأَنَّك تَعْلَم ضَمَائِر النُّفُوس مِمَّا لَمْ تَنْطِق بِهِ فَكَيْفَ بِمَا قَدْ نَطَقْت بِهِ .

يَقُول :وَلَا أَعْلَم أَنَا مَا أَخْفَيْته عَنِّي فَلَمْ تُطْلِعنِي عَلَيْهِ ; لِأَنِّي إِنَّمَا أَعْلَم مِنْ الْأَشْيَاء مَا أَعْلَمْتنِيهِ .

يَقُول : إِنَّك أَنْتَ الْعَالِم بِخَفِيَّاتِ الْأُمُور الَّتِي لَا يَطَّلِع عَلَيْهَا سِوَاك وَلَا يَعْلَمهَا غَيْرك .
مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌسورة المائدة الآية رقم 117
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَا قُلْت لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتنِي بِهِ أَنْ اُعْبُدُوا اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ وَكُنْت عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْت فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتنِي كُنْت أَنْتَ الرَّقِيب عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلّ شَيْء شَهِيد } وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره عَنْ قَوْل عِيسَى , يَقُول : مَا قُلْت لَهُمْ إِلَّا الَّذِي أَمَرْتنِي بِهِ مِنْ الْقَوْل أَنْ أَقُولهُ لَهُمْ , وَهُوَ أَنْ قُلْت لَهُمْ { اُعْبُدُوا اللَّه رَبِّي وَرَبّكُمْ وَكُنْت عَلَيْهِمْ شَهِيدًا } يَقُول : وَكُنْت عَلَى مَا يَفْعَلُونَهُ وَأَنَا بَيْن أَظْهُرهمْ شَاهِدًا عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَفْعَالهمْ وَأَقْوَالهمْ . { فَلَمَّا تَوَفَّيْتنِي } يَقُول : فَلَمَّا قَبَضْتنِي إِلَيْك , { كُنْت أَنْتَ الرَّقِيب عَلَيْهِمْ } يَقُول : كُنْت أَنْتَ الْحَفِيظ عَلَيْهِمْ دُونِي , لِأَنِّي إِنَّمَا شَهِدْت مِنْ أَعْمَالهمْ مَا عَمِلُوهُ وَأَنَا بَيْن أَظْهُرهمْ . وَفِي هَذَا تِبْيَان أَنَّ اللَّه تَعَالَى إِنَّمَا عَرَّفَهُ أَفْعَال الْقَوْم وَمَقَالَتهمْ بَعْد مَا قَبَضَهُ إِلَيْهِ وَتَوَفَّاهُ بِقَوْلِهِ : { أَأَنْتَ قُلْت لِلنَّاسِ اِتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُون اللَّه وَأَنْتَ عَلَى كُلّ شَيْء شَهِيد } يَقُول : وَأَنْتَ تَشْهَد عَلَى كُلّ شَيْء ; لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْك شَيْء , وَأَمَّا أَنَا فَإِنَّمَا شَهِدْت بَعْض الْأَشْيَاء , وَذَلِكَ مَا عَايَنْت وَأَنَا مُقِيم بَيْن أَظْهُر الْقَوْم , فَإِنَّمَا أَنَا أَشْهَد عَلَى ذَلِكَ الَّذِي عَايَنْت وَرَأَيْت وَشَهِدْت . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي قَوْله : { كُنْت أَنْتَ الرَّقِيب عَلَيْهِمْ } قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10149 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { كُنْت أَنْتَ الرَّقِيب عَلَيْهِمْ } أَمَّا الرَّقِيب : فَهُوَ الْحَفِيظ . 10150 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { كُنْت أَنْتَ الرَّقِيب عَلَيْهِمْ } قَالَ : الْحَفِيظ . وَكَانَتْ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْعِلْم تَقُول : كَانَ جَوَاب عِيسَى الَّذِي أَجَابَ بِهِ رَبّه مِنْ اللَّه تَعَالَى تَوْقِيفًا مِنْهُ لَهُ فِيهِ ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 10151 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن يَمَان , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ اِبْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ : { أَأَنْتَ قُلْت لِلنَّاسِ اِتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُون اللَّه قَالَ سُبْحَانك مَا يَكُون لِي أَنْ أَقُول مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ } قَالَ : اللَّه وَقَّفَهُ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد الْحَفْرِيّ , قَالَ : قُرِئَ عَلَى سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ اِبْن طَاوُس , عَنْ أَبِيهِ طَاوُس , قَالَ : اِحْتَجَّ عِيسَى وَاَللَّهُ وَقَّفَهُ : { أَأَنْتَ قُلْت لِلنَّاسِ اِتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُون اللَّه } الْآيَة . 10152 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَطَاء , عَنْ مَيْسَرَة , قَالَ : قَالَ اللَّه تَعَالَى : { يَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم أَأَنْت قُلْت لِلنَّاسِ اِتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُون اللَّه } ؟ قَالَ : فَأَرْعَدَتْ مَفَاصِله , وَخَشِيَ أَنْ يَكُون قَدْ قَالَهَا , فَ { قَالَ سُبْحَانك مَا يَكُون لِي أَنْ أَقُول مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْت قُلْته فَقَدْ عَلِمْته تَعْلَم مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَم مَا فِي نَفْسك إِنَّك أَنْتَ عَلَّام الْغُيُوب } .
إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُسورة المائدة الآية رقم 118
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنْ تُعَذِّبهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادك وَإِنْ تَغْفِر لَهُمْ فَإِنَّك أَنْتَ الْعَزِيز الْحَكِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنْ تُعَذِّب هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوا هَذِهِ الْمَقَالَة بِإِمَاتَتِك إِيَّاهُمْ عَلَيْهَا , فَإِنَّهُمْ عِبَادك , مُسْتَسْلِمُونَ لَك , لَا يَمْتَنِعُونَ مِمَّا أَرَدْت بِهِمْ وَلَا يَدْفَعُونَ عَنْ أَنْفُسهمْ ضُرًّا وَلَا أَمْرًا تَنَالهُمْ بِهِ . وَإِنْ تَغْفِر لَهُمْ بِهِدَايَتِك إِيَّاهُمْ إِلَى التَّوْبَة مِنْهَا فَتَسْتُر عَلَيْهِمْ , فَإِنَّك أَنْتَ الْعَزِيز فِي اِنْتِقَامه مِمَّنْ أَرَادَ الِانْتِقَام مِنْهُ لَا يَقْدِر أَحَد يَدْفَعهُ عَنْهُ , الْحَكِيم فِي هِدَايَته مَنْ هَدَى مِنْ خَلْقه إِلَى التَّوْبَة وَتَوْفِيقه مَنْ وَفَّقَ مِنْهُمْ لِسَبِيلِ النَّجَاة مِنْ الْعِقَاب . كَاَلَّذِي : 10153 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي قَوْله : { إِنْ تُعَذِّبهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادك وَإِنْ تَغْفِر لَهُمْ } فَتُخْرِجهُمْ مِنْ النَّصْرَانِيَّة وَتَهْدِيهِمْ إِلَى الْإِسْلَام , { فَإِنَّك أَنْتَ الْعَزِيز الْحَكِيم } وَهَذَا قَوْل عِيسَى فِي الدُّنْيَا . 10154 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { إِنْ تُعَذِّبهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادك وَإِنْ تَغْفِر لَهُمْ فَإِنَّك أَنْتَ الْعَزِيز الْحَكِيم } قَالَ : وَاَللَّه مَا كَانُوا طَعَّانِينَ وَلَا لَعَّانِينَ .
قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُسورة المائدة الآية رقم 119
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ اللَّه هَذَا يَوْم يَنْفَع الصَّادِقِينَ صِدْقهمْ } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { هَذَا يَوْم يَنْفَع الصَّادِقِينَ } فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض أَهْل الْحِجَاز وَالْمَدِينَة : " هَذَا يَوْم يَنْفَع الصَّادِقِينَ " بِنَصْبِ " يَوْم " . وَقَرَأَ بَعْض أَهْل الْحِجَاز وَبَعْض أَهْل الْمَدِينَة وَعَامَّة قُرَّاء أَهْل الْعِرَاق : { هَذَا يَوْم يَنْفَع الصَّادِقِينَ } بِرَفْعِ يَوْم . فَمَنْ رَفَعَهُ رَفَعَهُ بِهَذَا , وَجَعَلَ " يَوْم " اِسْمًا , وَإِنْ كَانَتْ إِضَافَته غَيْر مَحْضَة ; لِأَنَّهُ صَارَ كَالْمَنْعُوتِ . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة يَزْعُم أَنَّ الْعَرَب يَعْمَلُونَ فِي إِعْرَاب الْأَوْقَات مِثْل الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَمَلهمْ فِيمَا بَعْدهَا , إِنْ كَانَ مَا بَعْدهَا رَفْعًا رَفَعُوهَا , كَقَوْلِهِمْ : هَذَا يَوْم يَرْكَب الْأَمِير , وَلَيْلَة يَصْدُر الْحَاجّ , وَيَوْم أَخُوك مُنْطَلِق ; وَإِنْ كَانَ مَا بَعْدهَا نَصْبًا نَصَبُوهَا , وَكَذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ : هَذَا يَوْم خَرَجَ الْجَيْش وَسَارَ النَّاس , وَلَيْلَة قُتِلَ زَيْد وَنَحْو ذَلِكَ , وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهَا فِي الْحَالَيْنِ : " إِذْ " , و " إِذَا " . وَكَأَنَّ مَنْ قَرَأَ هَذَا هَكَذَا رَفْعًا وَجَّهَ الْكَلَام إِلَى أَنَّهُ مِنْ قِيل اللَّه يَوْم الْقِيَامَة , وَكَذَلِكَ كَانَ السُّدِّيّ يَقُول فِي ذَلِكَ . 10155 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { قَالَ اللَّه هَذَا يَوْم يَنْفَع الصَّادِقِينَ صِدْقهمْ } هَذَا فَصْلٌ مِنْ كَلَام عِيسَى , وَهَذَا يَوْم الْقِيَامَة . يَعْنِي السُّدِّيّ بِقَوْلِهِ : " هَذَا فَصْلٌ مِنْ كَلَام عِيسَى " أَنَّ قَوْله : { سُبْحَانك مَا يَكُون لِي أَنْ أَقُول مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ } إِلَى قَوْله : { فَإِنَّك أَنْتَ الْعَزِيز الْحَكِيم } مِنْ خَبَر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْ عِيسَى أَنَّهُ قَالَهُ فِي الدُّنْيَا بَعْد أَنْ رَفَعَهُ إِلَيْهِ , وَأَنَّ مَا بَعْد ذَلِكَ مِنْ كَلَام اللَّه لِعِبَادِهِ يَوْم الْقِيَامَة . وَأَمَّا النَّصْب فِي ذَلِكَ , فَإِنَّهُ يَتَوَجَّه مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا : أَنَّ إِضَافَة " يَوْم " مَا لَمْ تَكُنْ إِلَى اِسْم تَجْعَلهُ نَصْبًا ; لِأَنَّ الْإِضَافَة غَيْر مَحْضَة , وَإِنَّمَا تَكُون الْإِضَافَة مَحْضَة إِذَا أُضِيفَ إِلَى اِسْم صَحِيح . وَنَظِير الْيَوْم فِي ذَلِكَ الْحِين وَالزَّمَان وَمَا أَشْبَههمَا مِنْ الْأَزْمِنَة , كَمَا قَالَ النَّابِغَة : عَلَى حِين عَاتَبْت الْمَشِيب عَلَى الصِّبَا وَقُلْت أَلَمَّا أَصْحُ وَالشَّيْب وَازِع وَالْوَجْه الْآخَر : أَنْ يَكُون مُرَادًا بِالْكَلَامِ هَذَا الْأَمْر وَهَذَا الشَّأْن , " يَوْم يَنْفَع الصَّادِقِينَ " فَيَكُون الْيَوْم حِينَئِذٍ مَنْصُوبًا عَلَى الْوَقْت وَالصِّفَة , بِمَعْنَى : هَذَا الْأَمْر فِي يَوْم يَنْفَع الصَّادِقِينَ صِدْقهمْ . وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ : " هَذَا يَوْم يَنْفَع الصَّادِقِينَ " بِنَصْبِ الْيَوْم عَلَى أَنَّهُ مَنْصُوب عَلَى الْوَقْت وَالصِّفَة ; لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَجَابَ عِيسَى حِين قَالَ : { سُبْحَانك مَا يَكُون أَنْ أَقُول مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْت قُلْته فَقَدْ عَلِمْته } إِلَى قَوْله : { فَإِنَّك أَنْتَ الْعَزِيز الْحَكِيم } فَقَالَ لَهُ عَزَّ وَجَلَّ : هَذَا الْقَوْل النَّافِع أَوْ هَذَا الصِّدْق النَّافِع يَوْم يَنْفَع الصَّادِقِينَ صِدْقهمْ ; فَالْيَوْم وَقْت الْقَوْل وَالصِّدْق النَّافِع . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَمَا مَوْضِع " هَذَا " ؟ قِيلَ رَفْع ; فَإِنْ قَالَ : فَأَيْنَ رَافِعه ؟ قِيلَ مُضْمَر , وَكَأَنَّهُ قَالَ : قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : هَذَا , هَذَا يَوْم يَنْفَع الصَّادِقِينَ صِدْقهمْ , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : أَمَا تَرَى السَّحَاب كَيْفَ يَجْرِي هَذَا وَلَا خَيْلُك يَا اِبْن بِشْر يُرِيد : هَذَا هَذَا , وَلَا خَيْلُك . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَا كَانَ الْأَمْر عَلَى مَا وَصَفْنَا لِمَا بَيَّنَّا : قَالَ اللَّه لِعِيسَى : هَذَا الْقَوْل النَّافِع فِي يَوْم يَنْفَع الصَّادِقِينَ فِي الدُّنْيَا صِدْقهمْ ذَلِكَ فِي الْآخِرَة عِنْد اللَّه .

يَقُول : لِلصَّادِقِينَ فِي الدُّنْيَا جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار فِي الْآخِرَة ثَوَابًا لَهُمْ مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , عَلَى مَا كَانَ مِنْ صِدْقهمْ الَّذِي صَدَقُوا اللَّه فِيمَا وَعَدُوهُ , فَوَفَوْا بِهِ لِلَّهِ , فَوَفَّى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ مَا وَعَدَهُمْ مِنْ ثَوَابه .

يَقُول : بَاقِينَ فِي الْجَنَّات الَّتِي أَعْطَاهُمُوهَا أَبَدًا دَائِمًا لَهُمْ فِيهَا نَعِيم لَا يَنْتَقِل عَنْهُمْ وَلَا يَزُول . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى أَنَّ مَعْنَى الْخُلُود : الدَّوَام وَالْبَقَاء .

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : رَضِيَ اللَّه عَنْ هَؤُلَاءِ الصَّادِقِينَ الَّذِينَ صَدَقُوا فِي الْوَفَاء لَهُ بِمَا وَعَدُوهُ مِنْ الْعَمَل بِطَاعَتِهِ وَاجْتِنَاب مَعَاصِيه , { وَرَضُوا عَنْهُ } يَقُول : وَرَضُوا هُمْ عَنْ اللَّه تَعَالَى فِي وَفَائِهِ لَهُمْ بِمَا وَعَدَهُمْ عَلَى طَاعَتهمْ إِيَّاهُ , فِيمَا أَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ مِنْ جَزِيل ثَوَابه .

يَقُول : هَذَا الَّذِي أَعْطَاهُمْ اللَّه مِنْ الْجَنَّات الَّتِي تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار , خَالِدِينَ فِيهَا , مَرْضِيًّا عَنْهُمْ , وَرَاضِينَ عَنْ رَبّهمْ , هُوَ الظَّفَر الْعَظِيم بِالطَّلِبَةِ وَإِدْرَاك الْحَاجَة الَّتِي كَانُوا يَطْلُبُونَهَا فِي الدُّنْيَا , وَلَهَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فِيهَا , فَنَالُوا مَا طَلَبُوا وَأَدْرَكُوا مَا أَمَّلُوا .
لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌسورة المائدة الآية رقم 120
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لِلَّهِ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا فِيهِنَّ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَيّهَا النَّصَارَى { لِلَّهِ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض } يَقُول : لَهُ سُلْطَان السَّمَوَات وَالْأَرْض , { وَمَا فِيهِنَّ } دُون عِيسَى الَّذِينَ تَزْعُمُونَ أَنَّهُ إِلَهكُمْ وَدُون أُمّه , وَدُون جَمِيع مَنْ فِي السَّمَوَات وَمَنْ فِي الْأَرْض ; فَإِنَّ السَّمَوَات وَالْأَرْض خَلْق مِنْ خَلْقه وَمَا فِيهِنَّ وَعِيسَى وَأُمّه مِنْ بَعْض ذَلِكَ بِالْحُلُولِ وَالِانْتِقَال , يَدُلَّانِ بِكَوْنِهِمَا فِي الْمَكَان الَّذِي هُمَا فِيهِ بِالْحُلُولِ فِيهِ وَالِانْتِقَال أَنَّهُمَا عَبْدَانِ مَمْلُوكَانِ لِمَنْ لَهُ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا فِيهِنَّ . يُنَبِّهُهُمْ وَجَمِيع خَلْقه عَلَى مَوْضِع حُجَّته عَلَيْهِمْ لِيَدَّبَّرُوهُ وَيَعْتَبِرُوهُ , فَيَعْقِلُوا عَنْهُ .

يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاَللَّه الَّذِي لَهُ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا فِيهِنَّ , قَادِر عَلَى إِفْنَائِهِنَّ وَعَلَى إِهْلَاكهنَّ وَإِهْلَاك عِيسَى وَأُمّه وَمَنْ فِي الْأَرْض جَمِيعًا كَمَا اِبْتَدَأَ خَلْقهمْ , لَا يُعْجِزهُ ذَلِكَ وَلَا شَيْء أَرَادَهُ ; لِأَنَّ قُدْرَتَهُ الْقُدْرَةُ الَّتِي لَا يُشْبِهُهَا قُدْرَةٌ وَسُلْطَانَهُ السُّلْطَانُ الَّذِي لَا يُشْبِههُ سُلْطَان وَلَا مَملَكَة.
الصفحة 1الصفحة 2الصفحة 3الصفحة 4