الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَة فَأَصْبَحُوا فِي دَارهمْ جَاثِمِينَ } يَقُول : فَأَخَذَتْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْم شُعَيْب الرَّجْفَة , وَقَدْ بَيَّنْت مَعْنَى الرَّجْفَة قَبْل وَأَنَّهَا الزَّلْزَلَة الْمُحَرِّكَة لِعَذَابِ اللَّه . { فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَة فَأَصْبَحُوا فِي دَارهمْ جَاثِمِينَ } عَلَى رُكَبهمْ مَوْتَى هَلْكَى . وَكَانَتْ صِفَة الْعَذَاب الَّذِي أَهْلَكَهُمْ اللَّه بِهِ كَمَا : 11540 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَإِلَى مَدْيَن أَخَاهُمْ شُعَيْبًا } قَالَ : إِنَّ اللَّه بَعَثَ شُعَيْبًا إِلَى مَدْيَن , وَإِلَى أَصْحَاب الْأَيْكَة - وَالْأَيْكَة : هِيَ الْغَيْضَة مِنْ الشَّجَر - وَكَانُوا مَعَ كُفْرهمْ يَبْخَسُونَ الْكَيْل وَالْمِيزَان , فَدَعَاهُمْ فَكَذَّبُوهُ , فَقَالَ لَهُمْ مَا ذَكَرَ اللَّه فِي الْقُرْآن , وَمَا رَدُّوا عَلَيْهِ , فَلَمَّا عَتَوْا وَكَذَّبُوهُ , سَأَلُوهُ الْعَذَاب , فَفَتَحَ اللَّه عَلَيْهِمْ بَابًا مِنْ أَبْوَاب جَهَنَّم , فَأَهْلَكَهُمْ الْحَرّ مِنْهُ , فَلَمْ يَنْفَعهُمْ ظِلّ وَلَا مَاء , ثُمَّ إِنَّهُ بَعَثَ سَحَابَة فِيهَا رِيح طَيِّبَة , فَوَجَدُوا بَرْد الرِّيح وَطِيبهَا , فَتَنَادَوْا : الظُّلَّة , عَلَيْكُمْ بِهَا ! فَلَمَّا اِجْتَمَعُوا تَحْت السَّحَابَة رِجَالهمْ وَنِسَاؤُهُمْ وَصِبْيَانهمْ , اِنْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ , فَأَهْلَكَتْهُمْ , فَهُوَ قَوْله : { فَأَخَذَهُمْ عَذَاب يَوْم الظُّلَّة } 26 189 11541 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : كَانَ مِنْ خَبَر قِصَّة شُعَيْب وَخَبَر قَوْمه , مَا ذَكَرَ اللَّه فِي الْقُرْآن , كَانُوا أَهْل بَخْس لِلنَّاسِ فِي مَكَايِيلهمْ وَمَوَازِينهمْ , مَعَ كُفْرهمْ بِاَللَّهِ وَتَكْذِيبهمْ نَبِيّهمْ وَكَانَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّه وَعِبَادَته وَتَرْك ظُلْم النَّاس وَبَخْسهمْ فِي مَكَايِيلهمْ وَمَوَازِينهمْ فَقَالَ نُصْحًا لَهُمْ وَكَانَ صَادِقًا : { مَا أُرِيد أَنْ أُخَالِفكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيد إِلَّا الْإِصْلَاح مَا اِسْتَطَعْت وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاَللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْت وَإِلَيْهِ أُنِيب } 11 88 قَالَ اِبْن إِسْحَاق : وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا ذَكَرَ لِي يَعْقُوب بْن أَبِي سَلَمَة إِذَا ذَكَرَ شُعَيْبًا , قَالَ : " ذَاكَ خَطِيب الْأَنْبِيَاء " لِحُسْنِ مُرَاجَعَته قَوْمه فِيمَا يُرَاد بِهِمْ , فَلَمَّا كَذَّبُوهُ وَتَوَعَّدُوهُ بِالرَّجْمِ وَالنَّفْي مِنْ بِلَادهمْ , وَعَتَوْا عَلَى اللَّه , أَخَذَهُمْ عَذَاب يَوْم الظُّلَّة إِنَّهُ كَانَ عَذَاب يَوْم عَظِيم , فَبَلَغَنِي أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْل مَدْيَن يُقَال لَهُ عَمْرو بْن جلهاء لَمَّا رَآهَا قَالَ : يَا قَوْم إِنَّ شُعَيْبًا مُرْسَل فَذَرُوا عَنْكُمْ سَمِيرًا وَعِمْرَان بْن شَدَّاد إِنِّي أَرَى غَيْمَة يَا قَوْم قَدْ طَلَعَتْ تَدْعُو بِصَوْتٍ عَلَى صَمَّانَة الْوَادِي وَإِنَّكُمْ إِنْ تَرَوْا فِيهَا ضَحَاة غَد إِلَّا الرَّقِيم يُمَشِّي بَيْن أَنْجَاد وَسَمِير وَعِمْرَان : كَاهِنَاهُمْ , وَالرَّقِيم : كَلْبهمْ . 11542 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , قَالَ : ثني اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : فَبَلَغَنِي - وَاَللَّه أَعْلَم - أَنَّ اللَّه سَلَّطَ عَلَيْهِمْ الْحَرّ حَتَّى أَنْضَجَهُمْ , ثُمَّ أَنْشَأَ لَهُمْ الظُّلَّة كَالسَّحَابَةِ السَّوْدَاء , فَلَمَّا رَأَوْهَا اِبْتَدَرُوهَا يَسْتَغِيثُونَ بِبَرْدِهَا مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنْ الْحَرّ , حَتَّى إِذَا دَخَلُوا تَحْتهَا أَطْبَقَتْ عَلَيْهِمْ , فَهَلَكُوا جَمِيعًا , وَنَجَّى اللَّه شُعَيْبًا وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَتِهِ. 11543 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو عَبْد اللَّه الْبَجْلِيّ , قَالَ : أَبْجَد , وَهَوَّزَ , وَحُطِّي , وَسَعْفَص , وَقَرَشَتْ : أَسْمَاء مُلُوك مَدْيَن , وَكَانَ مَلِكهمْ يَوْم الظُّلَّة فِي زَمَان شُعَيْب كَلَمُون , فَقَالَتْ أُخْت كَلَمُون تَبْكِيهِ : كَلَمُون هَدَّ رُكْنِي هُلْكُهُ وَسْط الْمَحَلَّهْ سَيِّد الْقَوْم أَتَاهُ الْ حَتْف نَارًا وَسْط ظُلَّهْ جُعِلَتْ نَارًا عَلَيْهِمْ دَارهمْ كَالْمُضْمَحِلَّهْ
الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَانُواْ هُمُ الْخَاسِرِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَأَهْلَكَ الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا فَلَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ , فَأَبَادَهُمْ , فَصَارَتْ قَرْيَتهمْ مِنْهُمْ خَاوِيَة خَلَاء { كَانَ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا } يَقُول : كَأَنْ لَمْ يَنْزِلُوا قَطُّ , وَلَمْ يَعِيشُوا بِهَا حِين هَلَكُوا , يُقَال : غَنِيَ فُلَان بِمَكَانِ كَذَا فَهُوَ يَغْنَى بِهِ غِنًى وَغُنْيًا : إِذَا نَزَلَ بِهِ وَكَانَ بِهِ , كَمَا قَالَ الشَّاعِر . وَلَقَدْ يَغْنَى بِهِ جِيرَانك الْ مُمْسِكُو مِنْك بِعَهْدٍ وَوِصَال وَقَالَ رُؤْبَة : وَعَهْد مَغْنَى دِمْنَة بِضَلْفَعَا إِنَّمَا هُوَ مَفْعَل مِنْ غَنِيَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11544 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , قَالَ : ثنا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة. { كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا } : كَأَنْ لَمْ يَعِيشُوا , كَأَنْ لَمْ يَنْعَمُوا . 11545 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا } يَقُول : كَأَنْ لَمْ يَعِيشُوا فِيهَا . 11546 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا } كَأَنْ لَمْ يَكُونُوا فِيهَا قَطُّ .
وَقَوْله : { الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمْ الْخَاسِرِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ اِتَّبَعُوا شُعَيْبًا الْخَاسِرِينَ , بَلْ الَّذِينَ كَذَّبُوهُ كَانُوا هُمْ الْخَاسِرِينَ الْهَالِكِينَ , لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا قَالُوا لِلَّذِينَ أَرَادُوا اِتِّبَاعه : " لَئِنْ اِتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إذًا لَخَاسِرُونَ " فَكَذَّبَهُمْ اللَّه بِمَا أَحَلَّ بِهِمْ مِنْ عَاجِل نَكَاله , ثُمَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا خَسِرَ تُبَّاع شُعَيْب , بَلْ كَانَ الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا لَمَّا جَاءَتْ عُقُوبَة اللَّه هُمْ الْخَاسِرِينَ دُون الَّذِينَ صَدَّقُوا وَآمَنُوا بِهِ .
وَقَوْله : { الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمْ الْخَاسِرِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ اِتَّبَعُوا شُعَيْبًا الْخَاسِرِينَ , بَلْ الَّذِينَ كَذَّبُوهُ كَانُوا هُمْ الْخَاسِرِينَ الْهَالِكِينَ , لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا قَالُوا لِلَّذِينَ أَرَادُوا اِتِّبَاعه : " لَئِنْ اِتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إذًا لَخَاسِرُونَ " فَكَذَّبَهُمْ اللَّه بِمَا أَحَلَّ بِهِمْ مِنْ عَاجِل نَكَاله , ثُمَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا خَسِرَ تُبَّاع شُعَيْب , بَلْ كَانَ الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا لَمَّا جَاءَتْ عُقُوبَة اللَّه هُمْ الْخَاسِرِينَ دُون الَّذِينَ صَدَّقُوا وَآمَنُوا بِهِ .
فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْم لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَات رَبِّي } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَأَدْبَرَ شُعَيْب عَنْهُمْ شَاخِصًا مِنْ بَيْن أَظْهُرهمْ حِين أَتَاهُمْ عَذَاب اللَّه , وَقَالَ لَمَّا أَيْقَنَ بِنُزُولِ نِقْمَة اللَّه بِقَوْمِهِ الَّذِينَ كَذَّبُوهُ حُزْنًا عَلَيْهِمْ : { يَا قَوْم لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَات رَبِّي } وَأَدَّيْت إِلَيْكُمْ مَا بَعَثَنِي بِهِ إِلَيْكُمْ مِنْ تَحْذِيركُمْ غَضَبه عَلَى إِقَامَتكُمْ عَلَى الْكُفْر بِهِ وَظُلْم النَّاس أَشْيَاءَهُمْ .
{ وَنَصَحْت لَكُمْ } بِأَمْرِي إِيَّاكُمْ بِطَاعَةِ اللَّه وَنَهْيكُمْ عَنْ مَعْصِيَته .
{ فَكَيْفَ آسَى } يَقُول : فَكَيْفَ أَحْزَن عَلَى قَوْم جَحَدُوا وَحْدَانِيَّة اللَّه وَكَذَّبُوا رُسُله وَأَتَوَجَّع لِهَلَاكِهِمْ ؟ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11547 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { فَكَيْفَ آسَى } يَعْنِي : أَحْزَن . 11548 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَكَيْفَ آسَى } يَقُول : فَكَيْفَ أَحْزَن . 11549 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق قَالَ : أَصَابَ شُعَيْبًا عَلَى قَوْمه حُزْن لِمَا يَرَى بِهِمْ مِنْ نِقْمَة اللَّه , ثُمَّ قَالَ يُعَزِّي نَفْسه فِيمَا ذَكَرَ اللَّه عَنْهُ : { يَا قَوْم لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَات رَبِّي وَنَصَحْت لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْم كَافِرِينَ }
{ وَنَصَحْت لَكُمْ } بِأَمْرِي إِيَّاكُمْ بِطَاعَةِ اللَّه وَنَهْيكُمْ عَنْ مَعْصِيَته .
{ فَكَيْفَ آسَى } يَقُول : فَكَيْفَ أَحْزَن عَلَى قَوْم جَحَدُوا وَحْدَانِيَّة اللَّه وَكَذَّبُوا رُسُله وَأَتَوَجَّع لِهَلَاكِهِمْ ؟ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11547 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { فَكَيْفَ آسَى } يَعْنِي : أَحْزَن . 11548 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَكَيْفَ آسَى } يَقُول : فَكَيْفَ أَحْزَن . 11549 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق قَالَ : أَصَابَ شُعَيْبًا عَلَى قَوْمه حُزْن لِمَا يَرَى بِهِمْ مِنْ نِقْمَة اللَّه , ثُمَّ قَالَ يُعَزِّي نَفْسه فِيمَا ذَكَرَ اللَّه عَنْهُ : { يَا قَوْم لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَات رَبِّي وَنَصَحْت لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْم كَافِرِينَ }
وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَة مِنْ نَبِيّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاء } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَرِّفه سُنَّته فِي الْأُمَم الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْل أُمَّته , وَمُذَكِّر مَنْ كَفَرَ بِهِ مِنْ قُرَيْش لِيَنْزَجِرُوا عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ مُقِيمِينَ مِنْ الشِّرْك بِاَللَّهِ وَالتَّكْذِيب لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَة مِنْ نَبِيّ } قَبْلك , { إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاء } وَهُوَ الْبُؤْس وَشَظَف الْمَعِيشَة وَضِيقهَا ; وَالضَّرَّاء : وَهِيَ الضُّرّ وَسُوء الْحَال فِي أَسْبَاب دُنْيَاهُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11550 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { أَخَذْنَا أَهْلهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاء } يَقُول : بِالْفَقْرِ وَالْجُوع . وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا مَضَى الشَّوَاهِد عَلَى صِحَّة الْقَوْل بِمَا قُلْنَا فِي مَعْنَى الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .
{ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ } : يَقُول : فَعَلْنَا ذَلِكَ لِيَتَضَرَّعُوا إِلَى رَبّهمْ , وَيَسْتَكِينُوا إِلَيْهِ , وَيُنِيبُوا بِالْإِقْلَاعِ عَنْ كُفْرهمْ , وَالتَّوْبَة مِنْ تَكْذِيب أَنْبِيَائِهِمْ . وَقِيلَ : يَضَّرَّعُونَ , وَالْمَعْنَى : يَتَضَرَّعُونَ , وَلَكِنْ أُدْغِمَتْ التَّاء فِي الضَّاد , لِتُقَارِب مَخْرَجهمَا .
{ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ } : يَقُول : فَعَلْنَا ذَلِكَ لِيَتَضَرَّعُوا إِلَى رَبّهمْ , وَيَسْتَكِينُوا إِلَيْهِ , وَيُنِيبُوا بِالْإِقْلَاعِ عَنْ كُفْرهمْ , وَالتَّوْبَة مِنْ تَكْذِيب أَنْبِيَائِهِمْ . وَقِيلَ : يَضَّرَّعُونَ , وَالْمَعْنَى : يَتَضَرَّعُونَ , وَلَكِنْ أُدْغِمَتْ التَّاء فِي الضَّاد , لِتُقَارِب مَخْرَجهمَا .
ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَان السَّيِّئَة الْحَسَنَة حَتَّى عَفَوْا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره . ثُمَّ بَدَّلْنَا أَهْل الْقَرْيَة الَّتِي أَخَذْنَا أَهْلهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاء , مَكَان السَّيِّئَة , وَهِيَ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء . وَإِنَّمَا جُعِلَ ذَلِكَ سَيِّئَة , لِأَنَّهُ مِمَّا يَسُوء النَّاس , وَلَا تَسُوءُوهُمْ الْحَسَنَة , وَهِيَ الرَّخَاء وَالنِّعْمَة وَالسَّعَة فِي الْمَعِيشَة . { حَتَّى عَفَوْا } يَقُول : حَتَّى كَثُرُوا , وَكَذَلِكَ كُلّ شَيْء كَثُرَ , فَإِنَّهُ يُقَال فِيهِ : قَدْ عَفَا , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : وَلَكِنَّا نُعِضّ السَّيْف مِنْهَا بِأَسْوُق عَافِيَات الشَّحْم كُوم وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11551 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { مَكَان السَّيِّئَة الْحَسَنَة } قَالَ : مَكَان الشِّدَّة رَخَاء { حَتَّى عَفَوْا } 11552 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { مَكَان السَّيِّئَة الْحَسَنَة } قَالَ : السَّيِّئَة : الشَّرّ , وَالْحَسَنَة : الرَّخَاء وَالْمَال وَالْوَلَد . * حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { مَكَان السَّيِّئَة الْحَسَنَة } قَالَ : السَّيِّئَة : الشَّرّ , وَالْحَسَنَة : الْخَيْر . 11553 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَان السَّيِّئَة الْحَسَنَة } يَقُول : مَكَان الشِّدَّة الرَّخَاء . 11554 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَان السَّيِّئَة الْحَسَنَة حَتَّى عَفَوْا } قَالَ : بَدَّلْنَا مَكَان مَا كَرِهُوا مَا أَحَبُّوا فِي الدُّنْيَا , حَتَّى عَفَوْا مِنْ ذَلِكَ الْعَذَاب { وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء } وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيل قَوْله { حَتَّى عَفَوْا } فَقَالَ بَعْضهمْ نَحْو الَّذِي قُلْنَا فِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11555 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { حَتَّى عَفَوْا } يَقُول : حَتَّى كَثُرُوا وَكَثُرَتْ أَمْوَالهمْ. * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : { حَتَّى عَفَوْا } قَالَ : جَمُّوا . 11556 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { حَتَّى عَفَوْا } قَالَ : كَثُرَتْ أَمْوَالهمْ وَأَوْلَادهمْ . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 11557 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { حَتَّى عَفَوْا } حَتَّى كَثُرُوا . 11558 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم : { حَتَّى عَفَوْا } قَالَ : حَتَّى جَمُّوا وَكَثُرُوا . * قَالَ : ثنا جَابِر بْن نُوح , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { حَتَّى عَفَوْا } قَالَ : حَتَّى جَمُّوا . 11559 - قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { حَتَّى عَفَوْا } يَعْنِي جَمُّوا وَكَثُرُوا. * قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن رَجَاء , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { حَتَّى عَفَوْا } قَالَ : حَتَّى كَثُرَتْ أَمْوَالهمْ وَأَوْلَادهمْ. 11560 - حَدَّثَنَا يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { حَتَّى عَفَوْا } كَثُرُوا كَمَا يَكْثُر النَّبَات وَالرِّيش , ثُمَّ أَخَذَهُمْ عِنْد ذَلِكَ بَغْتَة وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ. وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : حَتَّى سُرُّوا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ. 11561 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { حَتَّى عَفَوْا } يَقُول : حَتَّى سُرُّوا بِذَلِكَ . وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ قَتَادَة فِي مَعْنَى عَفَوْا تَأْوِيل لَا وَجْه لَهُ فِي كَلَام الْعَرَب , لِأَنَّهُ لَا يُعْرَف الْعَفْو بِمَعْنَى السُّرُور فِي شَيْء مِنْ كَلَامهَا إِلَّا أَنْ يَكُون أَرَادَ حَتَّى سُرُّوا بِكَثْرَتِهِمْ وَكَثْرَة أَمْوَالهمْ , فَيَكُون ذَلِكَ وَجْهًا وَإِنْ بَعُدَ .
وَأَمَّا قَوْله : { وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء } فَإِنَّهُ خَبَر مِنْ اللَّه عَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ أَبْدَلَهُمْ الْحَسَنَة السَّيِّئَة الَّتِي كَانُوا فِيهَا اِسْتِدْرَاجًا وَابْتِلَاء أَنَّهُمْ قَالُوا إِذْ فُعِلَ ذَلِكَ بِهِمْ : هَذِهِ أَحْوَال قَدْ أَصَابَتْ مَنْ قَبْلنَا مِنْ آبَائِنَا وَنَالَتْ أَسْلَافنَا , وَنَحْنُ لَا نَعْدُو أَنْ نَكُون أَمْثَالهمْ يُصِيبنَا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ الشِّدَّة فِي الْمَعَايِش وَالرَّخَاء فِيهَا , وَهِيَ السَّرَّاء , لِأَنَّهَا تَسُرّ أَهْلهَا.
وَجَهِلَ الْمَسَاكِين شُكْر نِعْمَة اللَّه , وَأَغْفَلُوا مِنْ جَهْلهمْ اِسْتِدَامَة فَضْله بِالْإِنَابَةِ إِلَى طَاعَته , وَالْمُسَارَعَة إِلَى الْإِقْلَاع عَمَّا يَكْرَههُ بِالتَّوْبَةِ , حَتَّى أَتَاهُمْ أَمْره وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ . يَقُول جَلَّ جَلَاله : { فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَة وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ } يَقُول : فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْهَلَاكِ وَالْعَذَاب فَجْأَة . أَتَاهُمْ عَلَى غِرَّة مِنْهُمْ بِمَجِيئِهِ , وَهُمْ لَا يَدْرُونَ , وَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ يَجِيئهُمْ , بَلْ هُمْ بِأَنَّهُ آتِيهِمْ مُكَذِّبُونَ حَتَّى يُعَايِنُوهُ وَيَرَوْهُ .
وَأَمَّا قَوْله : { وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء } فَإِنَّهُ خَبَر مِنْ اللَّه عَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ أَبْدَلَهُمْ الْحَسَنَة السَّيِّئَة الَّتِي كَانُوا فِيهَا اِسْتِدْرَاجًا وَابْتِلَاء أَنَّهُمْ قَالُوا إِذْ فُعِلَ ذَلِكَ بِهِمْ : هَذِهِ أَحْوَال قَدْ أَصَابَتْ مَنْ قَبْلنَا مِنْ آبَائِنَا وَنَالَتْ أَسْلَافنَا , وَنَحْنُ لَا نَعْدُو أَنْ نَكُون أَمْثَالهمْ يُصِيبنَا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ الشِّدَّة فِي الْمَعَايِش وَالرَّخَاء فِيهَا , وَهِيَ السَّرَّاء , لِأَنَّهَا تَسُرّ أَهْلهَا.
وَجَهِلَ الْمَسَاكِين شُكْر نِعْمَة اللَّه , وَأَغْفَلُوا مِنْ جَهْلهمْ اِسْتِدَامَة فَضْله بِالْإِنَابَةِ إِلَى طَاعَته , وَالْمُسَارَعَة إِلَى الْإِقْلَاع عَمَّا يَكْرَههُ بِالتَّوْبَةِ , حَتَّى أَتَاهُمْ أَمْره وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ . يَقُول جَلَّ جَلَاله : { فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَة وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ } يَقُول : فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْهَلَاكِ وَالْعَذَاب فَجْأَة . أَتَاهُمْ عَلَى غِرَّة مِنْهُمْ بِمَجِيئِهِ , وَهُمْ لَا يَدْرُونَ , وَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ يَجِيئهُمْ , بَلْ هُمْ بِأَنَّهُ آتِيهِمْ مُكَذِّبُونَ حَتَّى يُعَايِنُوهُ وَيَرَوْهُ .
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ↓
سَقَطَ مِنْ النَّاسِخ تَفْسِير هَذِهِ الْآيَة
سَقَطَ مِنْ النَّاسِخ تَفْسِير هَذِهِ الْآيَة
سَقَطَ مِنْ النَّاسِخ تَفْسِير هَذِهِ الْآيَة
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَفَأَمِنُوا مَكْر اللَّه فَلَا يَأْمَن مَكْر اللَّه إِلَّا الْقَوْم الْخَاسِرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَفَأَمِنَ يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ اللَّه وَرَسُوله وَيَجْحَدُونَ آيَاته , اِسْتِدْرَاج اللَّه إِيَّاهُمْ بِمَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ فِي دُنْيَاهُمْ مِنْ صِحَّة الْأَبَدَانِ وَرَخَاء الْعَيْش , كَمَا اِسْتَدْرَجَ الَّذِينَ قَصَّ عَلَيْهِمْ قَصَصهمْ مِنْ الْأُمَم قَبْلهمْ . فَإِنَّ مَكْر اللَّه لَا يَأْمَنهُ , يَقُول : لَا يَأْمَن ذَلِكَ أَنْ يَكُون اِسْتِدْرَاجًا مَعَ مَقَامهمْ عَلَى كُفْرهمْ وَإِصْرَارهمْ عَلَى مَعْصِيَتهمْ إِلَّا الْقَوْم الْخَاسِرُونَ وَهُمْ الْهَالِكُونَ .
أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْض مِنْ بَعْد أَهْلهَا أَنْ لَوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَع عَلَى قُلُوبهمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ } يَقُول أَوَلَمْ يُبَيَّن لِلَّذِينَ يُسْتَخْلَفُونَ فِي الْأَرْض بَعْد هَلَاك آخَرِينَ قَبْلهمْ كَانُوا أَهْلهَا , فَسَارُوا سِيرَتهمْ وَعَمِلُوا أَعْمَالهمْ , وَعَتَوْا عَنْ أَمْر رَبّهمْ { أَنْ لَوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ } يَقُول : أَنْ لَوْ نَشَاء فَعَلْنَا بِهِمْ كَمَا فَعَلْنَا بِمَنْ قَبْلهمْ , فَأَخَذْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ. وَعَجَّلْنَا لَهُمْ بَأْسنَا كَمَا عَجَّلْنَاهُ لِمَنْ كَانَ قَبْلهمْ مِمَّنْ وَرِثُوا عَنْهُ الْأَرْض . فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ. { وَنَطْبَع عَلَى قُلُوبهمْ } يَقُول : وَنَخْتِم عَلَى قُلُوبهمْ فَهُمْ { لَا يَسْمَعُونَ } مَوْعِظَة وَلَا تَذْكِيرًا سَمَاع مُنْتَفِع بِهِمَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11562 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { أَوَلَمْ يَهْدِ } قَالَ : يُبَيَّن. * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 11563 - قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { أَوَلَمْ يَهْدِ } أَوَلَمْ يُبَيَّن . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْض مِنْ بَعْد أَهْلهَا } يَقُول : أَوَلَمْ يُبَيَّن لَهُمْ . 11564 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن مُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْض مِنْ بَعْد أَهْلهَا } يَقُول : أَوَلَمْ يَتَبَيَّن لِلَّذِينَ يَرْمُونَ الْأَرْض مِنْ بَعْد أَهْلهَا ; هُمْ الْمُشْرِكُونَ . 11565 - يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْض مِنْ بَعْد أَهْلهَا } أَوَلَمْ نُبَيِّن لَهُمْ , { أَنْ لَوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ } قَالُوا : وَالْهُدَى : الْبَيَان الَّذِي بُعِثَ هَادِيًا لَهُمْ مُبَيِّنًا لَهُمْ , حَتَّى يَعْرِفُوا , وَلَوْلَا الْبَيَان لَمْ يَعْرِفُوا .
تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىَ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { تِلْكَ الْقُرَى نَقُصّ عَلَيْك مِنْ أَنْبَائِهَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَذِهِ الْقُرَى الَّتِي ذَكَرْت لَك يَا مُحَمَّد أَمْرهَا وَأَمْر أَهْلهَا , يَعْنِي : قَوْم نُوح وَعَاد وَثَمُود وَقَوْم لُوط وَشُعَيْب { نَقُصّ عَلَيْك مِنْ أَنْبَائِهَا } فَنُخْبِرك عَنْهَا وَعَنْ أَخْبَار أَهْلهَا , وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرهمْ , وَأَمْر رُسُل اللَّه الَّتِي أُرْسِلَتْ إِلَيْهِمْ , لِتَعْلَم أَنَّا نَنْصُر رُسُلنَا وَاَلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا عَلَى أَعْدَائِنَا وَأَهْل الْكُفْر بِنَا , وَيَعْلَم مُكَذِّبُوك مِنْ قَوْمك مَا عَاقِبَة أَمْر مَنْ كَذَّبَ رُسُل اللَّه , فَيَرْتَدِعُوا عَنْ تَكْذِيبك , وَيُنِيبُوا إِلَى تَوْحِيد اللَّه وَطَاعَته .
{ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلهمْ بِالْبَيِّنَاتِ } يَقُول : وَلَقَدْ جَاءَتْ أَهْل الْقُرَى الَّتِي قَصَصْت عَلَيْك نَبَأَهَا رُسُلهمْ بِالْبَيِّنَاتِ ; يَعْنِي بِالْحُجَجِ : الْبَيِّنَات . { فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْل } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : فَمَا كَانَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ أَهْلَكْنَاهُمْ مِنْ أَهْل الْقُرَى لِيُؤْمِنُوا عِنْد إِرْسَالنَا إِلَيْهِمْ بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْل ذَلِكَ , وَذَلِكَ يَوْم أَخَذَ مِيثَاقهمْ حِين أَخْرَجَهُمْ مِنْ ظَهْر آدَم عَلَيْهِ السَّلَام ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْل } قَالَ : ذَلِكَ يَوْم أَخَذَ مِنْهُمْ الْمِيثَاق فَآمَنُوا كُرْهًا . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا عِنْد مَجِيء الرُّسُل بِمَا سَبَقَ فِي عِلْم اللَّه أَنَّهُمْ يُكَذِّبُونَ بِهِ يَوْم أَخْرَجَهُمْ مِنْ صُلْب آدَم عَلَيْهِ السَّلَام. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11566 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب : { فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْل } قَالَ : كَانَ فِي عِلْمه يَوْم أَقَرُّوا لَهُ بِالْمِيثَاقِ. 11567 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , قَالَ : يَحِقّ عَلَى الْعِبَاد أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ الْعِلْم مَا أَبْدَى لَهُمْ رَبّهمْ وَالْأَنْبِيَاء وَيَدَعُوا عِلْم مَا أَخْفَى اللَّه عَلَيْهِمْ , فَإِنَّ عِلْمه نَافِذ فِيمَا كَانَ وَفِيمَا يَكُون , وَفِي ذَلِكَ قَالَ : { وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلهمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْل كَذَلِكَ يَطْبَع اللَّه عَلَى قُلُوب الْكَافِرِينَ } قَالَ : نَفَذَ عِلْمه فِيهِمْ أَيّهمْ الْمُطِيع مِنْ الْعَاصِي حَيْثُ خَلَقَهُمْ فِي زَمَان آدَم , وَتَصْدِيق ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ لِنُوح { اِهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَات عَلَيْك وَعَلَى أُمَم مِمَّنْ مَعَك وَأُمَم سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسّهُمْ مِنَّا عَذَاب أَلِيم } 11 48 وَقَالَ فِي ذَلِكَ : { وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } 6 28 وَفِي ذَلِكَ قَالَ { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَث رَسُولًا } 17 15 وَفِي ذَلِكَ قَالَ : { لِئَلَّا يَكُون لِلنَّاسِ عَلَى اللَّه حُجَّة بَعْد الرُّسُل } 4 165 وَلَا حُجَّة لِأَحَدٍ عَلَى اللَّه. وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : فَمَا كَانُوا لَوْ أَحْيَيْنَاهُمْ بَعْد هَلَاكهمْ وَمُعَايَنَتهمْ مَا عَايَنُوا مِنْ عَذَاب اللَّه لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْل هَلَاكهمْ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ } 6 28 ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11568 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْل } قَالَ : كَقَوْلِهِ : { وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ } 6 28 قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَشْبَه هَذِهِ الْأَقْوَال بِتَأْوِيلِ الْآيَة وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ , الْقَوْل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب وَالرَّبِيع , وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ سَبَقَ فِي عِلْم اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ لَا يُؤْمِن بِهِ , فَلَنْ يُؤْمِن أَبَدًا , وَقَدْ كَانَ سَبَقَ فِي عِلْم اللَّه تَعَالَى لِمَنْ هَلَكَ مِنْ الْأُمَم الَّتِي قَصَّ نَبَأَهُمْ فِي هَذِهِ السُّورَة أَنَّهُ لَا يُؤْمِن أَبَدًا , فَأَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْهُمْ , أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا هُمْ بِهِ مُكَذِّبُونَ فِي سَابِق عِلْمه قَبْل مَجِيء الرُّسُل وَعِنْد مَجِيئِهِمْ إِلَيْهِمْ . وَلَوْ قِيلَ تَأْوِيله : فَمَا كَانَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَرِثُوا الْأَرْض يَا مُحَمَّد مِنْ مُشْرِكِي قَوْمك مِنْ بَعْد أَهْلهَا الَّذِينَ كَانُوا بِهَا مِنْ عَاد وَثَمُود , لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبَ بِهِ الَّذِينَ وَرِثُوهَا عَنْهُمْ مِنْ تَوْحِيد اللَّه وَوَعْده وَوَعِيده , كَانَ وَجْهًا وَمَذْهَبًا , غَيْر أَنِّي لَا أَعْلَم قَائِلًا قَالَهُ مِمَّنْ يُعْتَمَد عَلَى عِلْمه بِتَأْوِيلِ الْقُرْآن . وَأَمَّا الَّذِي قَالَهُ مُجَاهِد مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ : لَوْ رُدُّوا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا , فَتَأْوِيل لَا دَلَالَة عَلَيْهِ مِنْ ظَاهِر التَّنْزِيل , وَلَا مِنْ خَبَر عَنْ الرَّسُول صَحِيح . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَأَوْلَى مِنْهُ بِالصَّوَابِ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ ظَاهِر التَّنْزِيل دَلِيل.
وَأَمَّا قَوْله : { كَذَلِكَ يَطْبَع اللَّه عَلَى قُلُوب الْكَافِرِينَ } فَإِنَّهُ يَقُول تَعَالَى ذِكْره : كَمَا طَبَعَ اللَّه عَلَى قُلُوب هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُله مِنْ هَذِهِ الْأُمَم الَّتِي قَصَصْنَا عَلَيْك نَبَأَهُمْ يَا مُحَمَّد فِي هَذِهِ السُّورَة حَتَّى جَاءَهُمْ بَأْس اللَّه فَهَلَكُوا بِهِ , كَذَلِكَ يَطْبَع اللَّه عَلَى قُلُوب الْكَافِرِينَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ أَبَدًا مِنْ قَوْمك .
{ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلهمْ بِالْبَيِّنَاتِ } يَقُول : وَلَقَدْ جَاءَتْ أَهْل الْقُرَى الَّتِي قَصَصْت عَلَيْك نَبَأَهَا رُسُلهمْ بِالْبَيِّنَاتِ ; يَعْنِي بِالْحُجَجِ : الْبَيِّنَات . { فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْل } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : فَمَا كَانَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ أَهْلَكْنَاهُمْ مِنْ أَهْل الْقُرَى لِيُؤْمِنُوا عِنْد إِرْسَالنَا إِلَيْهِمْ بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْل ذَلِكَ , وَذَلِكَ يَوْم أَخَذَ مِيثَاقهمْ حِين أَخْرَجَهُمْ مِنْ ظَهْر آدَم عَلَيْهِ السَّلَام ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْل } قَالَ : ذَلِكَ يَوْم أَخَذَ مِنْهُمْ الْمِيثَاق فَآمَنُوا كُرْهًا . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا عِنْد مَجِيء الرُّسُل بِمَا سَبَقَ فِي عِلْم اللَّه أَنَّهُمْ يُكَذِّبُونَ بِهِ يَوْم أَخْرَجَهُمْ مِنْ صُلْب آدَم عَلَيْهِ السَّلَام. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11566 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب : { فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْل } قَالَ : كَانَ فِي عِلْمه يَوْم أَقَرُّوا لَهُ بِالْمِيثَاقِ. 11567 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , قَالَ : يَحِقّ عَلَى الْعِبَاد أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ الْعِلْم مَا أَبْدَى لَهُمْ رَبّهمْ وَالْأَنْبِيَاء وَيَدَعُوا عِلْم مَا أَخْفَى اللَّه عَلَيْهِمْ , فَإِنَّ عِلْمه نَافِذ فِيمَا كَانَ وَفِيمَا يَكُون , وَفِي ذَلِكَ قَالَ : { وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلهمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْل كَذَلِكَ يَطْبَع اللَّه عَلَى قُلُوب الْكَافِرِينَ } قَالَ : نَفَذَ عِلْمه فِيهِمْ أَيّهمْ الْمُطِيع مِنْ الْعَاصِي حَيْثُ خَلَقَهُمْ فِي زَمَان آدَم , وَتَصْدِيق ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ لِنُوح { اِهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَات عَلَيْك وَعَلَى أُمَم مِمَّنْ مَعَك وَأُمَم سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسّهُمْ مِنَّا عَذَاب أَلِيم } 11 48 وَقَالَ فِي ذَلِكَ : { وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } 6 28 وَفِي ذَلِكَ قَالَ { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَث رَسُولًا } 17 15 وَفِي ذَلِكَ قَالَ : { لِئَلَّا يَكُون لِلنَّاسِ عَلَى اللَّه حُجَّة بَعْد الرُّسُل } 4 165 وَلَا حُجَّة لِأَحَدٍ عَلَى اللَّه. وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : فَمَا كَانُوا لَوْ أَحْيَيْنَاهُمْ بَعْد هَلَاكهمْ وَمُعَايَنَتهمْ مَا عَايَنُوا مِنْ عَذَاب اللَّه لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْل هَلَاكهمْ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ } 6 28 ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11568 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْل } قَالَ : كَقَوْلِهِ : { وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ } 6 28 قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَشْبَه هَذِهِ الْأَقْوَال بِتَأْوِيلِ الْآيَة وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ , الْقَوْل الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب وَالرَّبِيع , وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ سَبَقَ فِي عِلْم اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ لَا يُؤْمِن بِهِ , فَلَنْ يُؤْمِن أَبَدًا , وَقَدْ كَانَ سَبَقَ فِي عِلْم اللَّه تَعَالَى لِمَنْ هَلَكَ مِنْ الْأُمَم الَّتِي قَصَّ نَبَأَهُمْ فِي هَذِهِ السُّورَة أَنَّهُ لَا يُؤْمِن أَبَدًا , فَأَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْهُمْ , أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا هُمْ بِهِ مُكَذِّبُونَ فِي سَابِق عِلْمه قَبْل مَجِيء الرُّسُل وَعِنْد مَجِيئِهِمْ إِلَيْهِمْ . وَلَوْ قِيلَ تَأْوِيله : فَمَا كَانَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَرِثُوا الْأَرْض يَا مُحَمَّد مِنْ مُشْرِكِي قَوْمك مِنْ بَعْد أَهْلهَا الَّذِينَ كَانُوا بِهَا مِنْ عَاد وَثَمُود , لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبَ بِهِ الَّذِينَ وَرِثُوهَا عَنْهُمْ مِنْ تَوْحِيد اللَّه وَوَعْده وَوَعِيده , كَانَ وَجْهًا وَمَذْهَبًا , غَيْر أَنِّي لَا أَعْلَم قَائِلًا قَالَهُ مِمَّنْ يُعْتَمَد عَلَى عِلْمه بِتَأْوِيلِ الْقُرْآن . وَأَمَّا الَّذِي قَالَهُ مُجَاهِد مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ : لَوْ رُدُّوا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا , فَتَأْوِيل لَا دَلَالَة عَلَيْهِ مِنْ ظَاهِر التَّنْزِيل , وَلَا مِنْ خَبَر عَنْ الرَّسُول صَحِيح . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَأَوْلَى مِنْهُ بِالصَّوَابِ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ ظَاهِر التَّنْزِيل دَلِيل.
وَأَمَّا قَوْله : { كَذَلِكَ يَطْبَع اللَّه عَلَى قُلُوب الْكَافِرِينَ } فَإِنَّهُ يَقُول تَعَالَى ذِكْره : كَمَا طَبَعَ اللَّه عَلَى قُلُوب هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُله مِنْ هَذِهِ الْأُمَم الَّتِي قَصَصْنَا عَلَيْك نَبَأَهُمْ يَا مُحَمَّد فِي هَذِهِ السُّورَة حَتَّى جَاءَهُمْ بَأْس اللَّه فَهَلَكُوا بِهِ , كَذَلِكَ يَطْبَع اللَّه عَلَى قُلُوب الْكَافِرِينَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ أَبَدًا مِنْ قَوْمك .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْد وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرهمْ لَفَاسِقِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَمْ نَجِد لِأَكْثَر أَهْل هَذِهِ الْقُرَى الَّتِي أَهْلَكْنَاهَا وَاقْتَصَصْنَا عَلَيْك يَا مُحَمَّد نَبَأَهَا مِنْ عَهْد , يَقُول : مِنْ وَفَاء بِمَا وَصَّيْنَاهُمْ بِهِ مِنْ تَوْحِيد اللَّه , وَاتِّبَاع رُسُله , وَالْعَمَل بِطَاعَتِهِ , وَاجْتِنَاب مَعَاصِيه وَهَجْر عِبَادَة الْأَوْثَان وَالْأَصْنَام . وَالْعَهْد : هُوَ الْوَصِيَّة , قَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته . { وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ } يَقُول : وَمَا وَجَدْنَا أَكْثَرهمْ إِلَّا فَسَقَة عَنْ طَاعَة رَبّهمْ , تَارِكِينَ عَهْده وَوَصِيَّته . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْفِسْق قَبْل . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11569 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه تَعَالَى : { وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرهمْ لَفَاسِقِينَ } قَالَ : الْقُرُون الْمَاضِيَة. 11570 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ } الْآيَة , قَالَ : الْقُرُون الْمَاضِيَة وَعَهْده الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ بَنِي آدَم فِي ظَهْر آدَم وَلَمْ يَفُوا بِهِ . 11571 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب : { وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْد } قَالَ : فِي الْمِيثَاق الَّذِي أَخَذَهُ فِي ظَهْر آدَم عَلَيْهِ السَّلَام . 11572 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرهِمْ مِنْ عَهْد وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرهمْ لَفَاسِقِينَ } وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه إِنَّمَا أَهْلَكَ الْقُرَى لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا حَفِظُوا مَا أَوْصَاهُمْ بِهِ .
ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُواْ بِهَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدهمْ مُوسَى بِآيَتِنَا إِلَى فِرْعَوْن وَمَلَئِهِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْد نُوح وَهُود وَصَالِح وَلُوط وَشُعَيْب مُوسَى بْن عِمْرَان . وَالْهَاء وَالْمِيم اللَّتَانِ فِي قَوْله : { مِنْ بَعْدهمْ } هِيَ كِنَايَة ذِكْر الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِمْ السَّلَام الَّتِي ذُكِرَتْ مِنْ أَوَّل هَذِهِ السُّورَة إِلَى هَذَا الْمَوْضِع . { بِآيَاتِنَا } يَقُول : بِحُجَجِنَا وَأَدِلَّتنَا إِلَى فِرْعَوْن وَمَلَئه , يَعْنِي : إِلَى جَمَاعَة فِرْعَوْن مِنْ الرِّجَال .
{ فَظَلَمُوا بِهَا } يَقُول : فَكَفَرُوا بِهَا . وَالْهَاء وَالْأَلِف اللَّتَانِ فِي قَوْله " بِهَا " عَائِدَتَانِ عَلَى الْآيَات. وَمَعْنَى ذَلِكَ : فَظَلَمُوا بِآيَاتِنَا الَّتِي بَعَثْنَا بِهَا مُوسَى إِلَيْهِمْ . وَإِنَّمَا جَازَ أَنْ يُقَال : فَظَلَمُوا بِهَا , بِمَعْنَى : كَفَرُوا بِهَا , لِأَنَّ الظُّلْم : وَضْع الشَّيْء فِي غَيْر مَوْضِعه , وَقَدْ دَلَلْت فِيمَا مَضَى عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَعْنَاهُ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته . وَالْكُفْر بِآيَاتِ اللَّه : وَضْع لَهَا فِي غَيْر مَوْضِعهَا , وَصَرْف لَهَا إِلَى غَيْر وَجْههَا الَّذِي عُنِيَتْ بِهِ .
{ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة الْمُفْسِدِينَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَانْظُرْ يَا مُحَمَّد بِعَيْنِ قَلْبك كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَفْسَدُوا فِي الْأَرْض , يَعْنِي فِرْعَوْن وَمَلَأَهُ , إِذْ ظَلَمُوا بِآيَات اللَّه الَّتِي جَاءَهُمْ بِهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام , وَكَانَ عَاقِبَتهمْ أَنَّهُمْ أُغْرِقُوا جَمِيعًا فِي الْبَحْر .
{ فَظَلَمُوا بِهَا } يَقُول : فَكَفَرُوا بِهَا . وَالْهَاء وَالْأَلِف اللَّتَانِ فِي قَوْله " بِهَا " عَائِدَتَانِ عَلَى الْآيَات. وَمَعْنَى ذَلِكَ : فَظَلَمُوا بِآيَاتِنَا الَّتِي بَعَثْنَا بِهَا مُوسَى إِلَيْهِمْ . وَإِنَّمَا جَازَ أَنْ يُقَال : فَظَلَمُوا بِهَا , بِمَعْنَى : كَفَرُوا بِهَا , لِأَنَّ الظُّلْم : وَضْع الشَّيْء فِي غَيْر مَوْضِعه , وَقَدْ دَلَلْت فِيمَا مَضَى عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَعْنَاهُ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته . وَالْكُفْر بِآيَاتِ اللَّه : وَضْع لَهَا فِي غَيْر مَوْضِعهَا , وَصَرْف لَهَا إِلَى غَيْر وَجْههَا الَّذِي عُنِيَتْ بِهِ .
{ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة الْمُفْسِدِينَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَانْظُرْ يَا مُحَمَّد بِعَيْنِ قَلْبك كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَفْسَدُوا فِي الْأَرْض , يَعْنِي فِرْعَوْن وَمَلَأَهُ , إِذْ ظَلَمُوا بِآيَات اللَّه الَّتِي جَاءَهُمْ بِهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام , وَكَانَ عَاقِبَتهمْ أَنَّهُمْ أُغْرِقُوا جَمِيعًا فِي الْبَحْر .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْن إِنِّي رَسُول مِنْ رَبّ الْعَالَمِينَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَقَالَ مُوسَى لِفِرْعَوْن : يَا فِرْعَوْن إِنِّي رَسُول مِنْ رَبّ الْعَالَمِينَ .
حَقِيقٌ عَلَى أَن لاَّ أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { حَقِيق عَلَى أَنْ لَا أَقُول عَلَى اللَّه إِلَّا الْحَقّ } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { حَقِيق عَلَى أَنْ لَا أَقُول عَلَى اللَّه إِلَّا الْحَقّ } فَقَرَأَهُ جَمَاعَة مِنْ قُرَّاء الْمَكِّيِّينَ وَالْمَدَنِيِّينَ وَالْبَصْرَة وَالْكُوفَة : { حَقِيق عَلَى أَنْ لَا أَقُول } بِإِرْسَالِ الْيَاء مِنْ " عَلَى " وَتَرْك تَشْدِيدهَا , بِمَعْنَى : أَنَا حَقِيق بِأَنْ لَا أَقُول عَلَى اللَّه إِلَّا الْحَقّ , فَوَجَّهُوا مَعْنَى عَلَى إِلَى مَعْنَى الْبَاء , كَمَا يُقَال : رَمَيْت بِالْقَوْسِ وَعَلَى الْقَوْس , وَجِئْت عَلَى حَال حَسَنَة , وَبِحَالٍ حَسَنَة. وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب يَقُول : إِذَا قُرِئَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَمَعْنَاهُ : حَرِيص عَلَى أَنْ لَا أَقُول إِلَّا بِحَقٍّ . وَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْمَدِينَة : " حَقِيق عَلَيَّ أَنْ لَا أَقُول " بِمَعْنَى : وَاجِب عَلَيَّ أَنْ لَا أَقُول , وَحَقّ عَلَيَّ أَنْ لَا أَقُول . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى , قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا أَئِمَّة مِنْ الْقُرَّاء , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب فِي قِرَاءَته الصَّوَاب .
وَقَوْله : { قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبّكُمْ } يَقُول : قَالَ مُوسَى لِفِرْعَوْن وَمَلَئِهِ : قَدْ جِئْتُكُمْ بِبُرْهَانٍ مِنْ رَبّكُمْ يَشْهَد أَيّهَا الْقَوْم عَلَى صِحَّة مَا أَقُول وَصِدْقِ مَا أَذْكُر لَكُمْ مِنْ إِرْسَال اللَّه إِيَّايَ إِلَيْكُمْ رَسُولًا , فَأَرْسِلْ يَا فِرْعَوْن مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيل
وَقَوْله : { قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبّكُمْ } يَقُول : قَالَ مُوسَى لِفِرْعَوْن وَمَلَئِهِ : قَدْ جِئْتُكُمْ بِبُرْهَانٍ مِنْ رَبّكُمْ يَشْهَد أَيّهَا الْقَوْم عَلَى صِحَّة مَا أَقُول وَصِدْقِ مَا أَذْكُر لَكُمْ مِنْ إِرْسَال اللَّه إِيَّايَ إِلَيْكُمْ رَسُولًا , فَأَرْسِلْ يَا فِرْعَوْن مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيل
فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْن : إِنْ كُنْت جِئْت بِآيَةٍ , يَقُول : بِحُجَّةٍ وَعَلَامَة شَاهِدَة عَلَى صِدْق مَا تَقُول . فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْت مِنْ الصَّادِقِينَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَان مُبِين } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَان مُبِين } قَالَ حَيَّة , { مُبِين } يَقُول : تَتَبَيَّن لِمَنْ يَرَاهَا أَنَّهَا حَيَّة . وَبِمَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11573 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { فَإِذَا هِيَ ثُعْبَان مُبِين } قَالَ : تَحَوَّلَتْ حَيَّة عَظِيمَة . وَقَالَ غَيْره : مِثْل الْمَدِينَة. 11574 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَإِذَا هِيَ ثُعْبَان مُبِين } يَقُول : فَإِذَا هِيَ حَيَّة كَادَتْ تَتَسَوَّرهُ , يَعْنِي كَادَتْ تَثِب عَلَيْهِ . 11575 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَإِذَا هِيَ ثُعْبَان مُبِين } وَالثُّعْبَان : الذَّكَر مِنْ الْحَيَّات , فَاتِحَة فَاهَا , وَاضِعَة لَحْيهَا الْأَسْفَل فِي الْأَرْض , وَالْأَعْلَى عَلَى سُور الْقَصْر. ثُمَّ تَوَجَّهَتْ نَحْو فِرْعَوْن لِتَأْخُذهُ , فَلَمَّا رَآهَا ذُعِرَ مِنْهَا , وَوَثَبَ فَأَحْدَثَ , وَلَمْ يَكُنْ يُحْدِث قَبْل ذَلِكَ , وَصَاحَ : يَا مُوسَى خُذْهَا وَأَنَا مُؤْمِن بِك وَأُرْسِل مَعَك بَنَى إِسْرَائِيل ! فَأَخَذَهَا مُوسَى فَعَادَتْ عَصًا . 11576 - حَدَّثَنِي عَبْد الْكَرِيم بْن الْهَيْثَم , قَالَ : ثَنَا إِبْرَاهِيم بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا سُفْيَان بْن عُيَيْنَة , قَالَ : ثنا أَبُو سَعْد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَإِذَا هِيَ ثُعْبَان مُبِين } قَالَ : أَلْقَى الْعَصَا فَصَارَتْ حَيَّة , فَوَضَعَتْ فَقْمًا لَهَا أَسْفَل الْقُبَّة , وَفَقْمًا لَهَا أَعْلَى الْقُبَّة - قَالَ عَبْد الْكَرِيم : قَالَ إِبْرَاهِيم : وَأَشَارَ سُفْيَان بِأُصْبُعِهِ الْإِبْهَام وَالسَّبَّابَة هَكَذَا شَبَه الطَّاق - فَلَمَّا أَرَادَتْ أَنْ تَأْخُذهُ , قَالَ فِرْعَوْن : يَا مُوسَى خُذْهَا ! فَأَخَذَهَا مُوسَى بِيَدِهِ , فَعَادَتْ عَصًا كَمَا كَانَتْ أَوَّل مَرَّة . 11577 - حَدَّثَنَا الْعَبَّاس بْن الْوَلِيد , قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْأَصْبَغ بْن زَيْد , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي أَيُّوب , قَالَ : ثني سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : أَلْقَى عَصَاهُ , فَتَحَوَّلَتْ حَيَّة عَظِيمَة فَاغِرَة فَاهَا , مُسْرِعَة إِلَى فِرْعَوْن ; فَلَمَّا رَأَى فِرْعَوْن أَنَّهَا قَاصِدَة إِلَيْهِ , اِقْتَحَمَ عَنْ سَرِيره , فَاسْتَغَاثَ بِمُوسَى أَنْ يَكُفّهَا عَنْهُ , فَفَعَلَ . 11578 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { ثُعْبَان مُبِين } قَالَ : الْحَيَّة الذَّكَر . 11579 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : ثني عَبْد الصَّمَد بْن مَعْقِل أَنَّهُ سَمِعَ وَهْب بْن مُنَبِّه يَقُول : لَمَّا دَخَلَ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْن , قَالَ لَهُ مُوسَى : أُعَرِّفك ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : { أَلَمْ نُرَبِّك فِينَا وَلَيَدًا } ؟ 26 18 قَالَ : فَرَدَّ إِلَيْهِ مُوسَى الَّذِي رَدَّ , فَقَالَ فِرْعَوْن : خُذُوهُ ! فَبَادَرَهُ مُوسَى فَأَلْقَى عَصَاهُ , فَإِذَا هِيَ ثُعْبَان مُبِين , فَحَمَلَتْ عَلَى النَّاس فَانْهَزَمُوا , فَمَاتَ مِنْهُمْ خَمْسَة وَعِشْرُونَ أَلْفًا , قَتَلَ بَعْضهمْ بَعْضًا , وَقَامَ فِرْعَوْن مُنْهَزِمًا حَتَّى دَخَلَ الْبَيْت . 11580 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا أَبُو سَعْد , قَالَ : سَمِعْت مُجَاهِدًا يَقُول فِي قَوْله : { فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَان مُبِين } قَالَ : مَا بَيْن لَحْيَيْهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا . 11581 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عَبْدَة بْن سُلَيْمَان , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { فَإِذَا هِيَ ثُعْبَان مُبِين } قَالَ : الْحَيَّة الذَّكَر .
قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَمَّا قَوْله : { وَنَزَعَ يَده فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ } فَإِنَّهُ يَقُول : وَأَخْرَجَ يَده فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء تَلُوح لِمَنْ نَظَرَ إِلَيْهَا مِنْ النَّاس , وَكَانَ مُوسَى فِيمَا ذُكِرَ لَنَا آدَم , فَجَعَلَ اللَّه تَحَوُّل يَده بَيْضَاء مِنْ غَيْر بَرَص لَهُ آيَة وَعَلَى صِدْق قَوْله { إِنِّي رَسُول مِنْ رَبّ الْعَالَمِينَ } حُجَّة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11582 - حَدَّثَنَا الْعَبَّاس , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَزِيد , قَالَ : ثنا الْأَصْبَغ بْن زَيْد , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي أَيُّوب , قَالَ : ثني سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : أَخْرَجَ يَده مِنْ جَيْبه فَرَآهَا بَيْضَاء مِنْ غَيْر سُوء - يَعْنِي : مِنْ غَيْر بَرَص - ثُمَّ أَعَادَهَا إِلَى كُمّه , فَعَادَتْ إِلَى لَوْنهَا الْأَوَّل . 11583 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ } يَقُول : مِنْ غَيْر بَرَص . 11584 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { وَنَزَعَ يَده فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ } قَالَ : نَزَعَ يَده مِنْ جَيْبه بَيْضَاء مِنْ غَيْر بَرَص . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 11585 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَنَزَعَ يَده } أَخْرَجَهَا مِنْ جَيْبه , { فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ } 11586 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا أَبُو سَعْد , قَالَ : سَمِعْت مُجَاهِدًا يَقُول فِي قَوْله : { وَنَزَعَ يَده } قَالَ : نَزَعَ يَده مِنْ جَيْبه , { فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ } وَكَانَ مُوسَى رَجُلًا آدَم , فَأَخْرَجَ يَده , فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء أَشَدّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَن مِنْ غَيْر سُوء , قَالَ : مِنْ غَيْر بَرَص آيَة لِفِرْعَوْن .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ الْمَلَأ مِنْ قَوْم فِرْعَوْن إِنَّ هَذَا لَسَاحِر عَلِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَتْ الْجَمَاعَة مِنْ رِجَال قَوْم فِرْعَوْن وَالْأَشْرَاف مِنْهُمْ : إِنَّ هَذَا , يَعْنُونَ مُوسَى صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ , { لَسَاحِر عَلِيم } يَعْنُونَ : أَنَّهُ يَأْخُذ بِأَعْيُنِ النَّاس بِخِدَاعِهِ إِيَّاهُمْ حَتَّى يُخَيِّل إِلَيْهِمْ الْعَصَا حَيَّة ; وَالْآدَم : أَبْيَض , وَالشَّيْء بِخِلَافِ مَا هُوَ بِهِ . وَمِنْهُ قِيلَ : سَحَرَ الْمَطَر الْأَرْض : إِذَا جَادَهَا فَقَطَعَ نَبَاتهَا مِنْ أُصُوله , وَقَلَبَ الْأَرْض ظَهْرًا لِبَطْنٍ , فَهُوَ يَسْحَرهَا سِحْرًا , وَالْأَرْض مَسْحُورَة إِذَا أَصَابَهَا ذَلِكَ . فَشُبِّهَ سِحْر السَّاحِر بِذَلِكَ لِتَخْيِيلِهِ إِلَى مَنْ سَحَرَهُ أَنَّهُ يَرَى الشَّيْء بِخِلَافِ مَا هُوَ بِهِ ; وَمِنْهُ قَوْل ذِي الرُّمَّة فِي صِفَة السَّرَاب : وَسَاحِرَة الْعُيُون مِنْ الْمَوَامِي تَرَقَّص فِي نَوَاشِزهَا الْأُرُوم وَقَوْله { عَلِيم } يَقُول : سَاحِر عَلِيم بِالسِّحْرِ .
يُرِيد أَنْ يُخْرِجكُمْ مِنْ أَرْضكُمْ أَرْض مِصْر مَعْشَر الْقِبْط السَّحَرَة . وَقَالَ فِرْعَوْن لِلْمَلَإِ : { فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } يَقُول : فَأَيّ شَيْء تَأْمُرُونَ أَنْ نَفْعَل فِي أَمْره , بِأَيِّ شَيْء تُشِيرُونَ فِيهِ . وَقِيلَ : { فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } وَالْخَبَر بِذَلِكَ عَنْ فِرْعَوْن , وَلَمْ يَذْكُر فِرْعَوْن , وَقَلَّمَا يَجِيء مِثْل ذَلِكَ فِي الْكَلَام , وَذَلِكَ نَظِير قَوْله : { قَالَتْ اِمْرَأَة الْعَزِيز الْآن حَصْحَصَ الْحَقّ أَنَا رَاوَدْته عَنْ نَفْسه وَإِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ ذَلِكَ لِيَعْلَم أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ } 12 51 : 52 فَقِيلَ { ذَلِكَ لِيَعْلَم أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ } 12 52 مِنْ قَوْل يُوسُف , وَلَمْ يَذْكُر يُوسُف. وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقُول : قُلْت لِزَيْدٍ : قُمْ فَإِنِّي قَائِم , وَهُوَ يُرِيد : فَقَالَ زَيْد : إِنِّي قَائِم .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ الْمَلَأ مِنْ قَوْم فِرْعَوْن لِفِرْعَوْن : أَرْجِئهُ : أَيْ أَخِّرْهُ. وَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : اِحْبِسْ . وَالْإِرْجَاء فِي كَلَام الْعَرَب : التَّأْخِير , يُقَال مِنْهُ : أَرْجَيْت هَذَا الْأَمْر وَأَرْجَأْته إِذَا أَخَّرْته , وَمِنْهُ قَوْل اللَّه تَعَالَى : { تُرْجِي مَنْ تَشَاء مِنْهُنَّ } 33 51 تُؤَخِّر , فَالْهَمْز مِنْ كَلَام بَعْض قَبَائِل قَيْس يَقُولُونَ : أَرْجَأْت هَذَا الْأَمْر , وَتَرْك الْهَمْز مِنْ لُغَة تَمِيم وَأَسَد يَقُولُونَ : أَرْجَيْته . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَبَعْض الْعِرَاقِيِّينَ : " أَرْجِهْ " بِغَيْرِ الْهَمْز وَبِجَرِّ الْهَاء . وَقَرَأَهُ بَعْض قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ : { أَرْجِهْ } بِتَرْكِ الْهَمْز وَتَسْكِين الْهَاء عَلَى لُغَة مَنْ يَقِف عَلَى الْهَاء فِي الْمُكَنِّي فِي الْوَصْل إِذَا تَحَرَّكَ مَا قَبْلهَا , كَمَا قَالَ الرَّاجِز : أَنْحَى عَلَيَّ الدَّهْر رِجْلًا وَيَدَا يُقْسِم لَا يُصْلِح إِلَّا أَفْسَدَا فَيُصْلِح الْيَوْم وَيُفْسِدهُ غَدَا وَقَدْ يَفْعَلُونَ مِثْل هَذَا بِهَاءِ التَّأْنِيث فَيَقُولُونَ : هَذِهِ طَلْحَهْ قَدْ أَقْبَلَتْ , كَمَا قَالَ الرَّاجِز : لَمَّا رَأَى أَنْ لَا دَعَهْ وَلَا شِبَع مَالَ إِلَى أَرْطَاة حِقْف فَاضْطَجَعْ وَقَرَأَهُ بَعْض الْبَصْرِيِّينَ : " أَرْجِئْهُ " بِالْهَمْزِ وَضَمّ الْهَاء , عَلَى لُغَة مَنْ ذَكَرْت مِنْ قَيْس . وَأَوْلَى الْقِرَاءَات فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَشْهَرهَا وَأَفْصَحهَا فِي كَلَام الْعَرَب , وَذَلِكَ تَرْك الْهَمْز وَجَرّ الْهَاء , وَإِنْ كَانَتْ الْأُخْرَى جَائِزَة , غَيْر أَنَّ الَّذِي اِخْتَرْنَا أَفْصَح اللُّغَات وَأَكْثَرهَا عَلَى أَلْسُن فُصَحَاء الْعَرَب . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { أَرْجِهْ } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : أَخِّرْهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11587 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج : أَخْبَرَنِي عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { أَرْجِهْ وَأَخَاهُ } قَالَ : أَخِّرْهُ. وَقَالَ آخَرُونَ. مَعْنَاهُ اِحْبِسْهُ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11588 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { أَرْجِهْ وَأَخَاهُ } : أَيْ اِحْبِسْهُ وَأَخَاهُ .
وَأَمَّا قَوْله : { وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِن حَاشِرِينَ } يَقُول : مَنْ يَحْشُر السَّحَرَة فَيَجْمَعهُمْ إِلَيْك . وَقِيلَ : هُمْ الشُّرَط. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11589 - حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : ثنا مُسْلِم بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن ظَهِير , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِن حَاشِرِينَ } قَالَ : الشُّرَط . 11590 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم بْن مُهَاجِر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ مُجَاهِد : { وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِن حَاشِرِينَ } قَالَ : الشُّرَط . 11591 - قَالَ : ثنا حُمَيْد , عَنْ قَيْس , عَنْ السُّدِّيّ : { وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِن حَاشِرِينَ } قَالَ : الشُّرَط . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو نَعِيم , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم بْن مُهَاجِر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { فِي الْمَدَائِن حَاشِرِينَ } قَالَ : الشُّرَط. * حَدَّثَنِي عَبْد الْكَرِيم بْن الْهَيْثَم , قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيم بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : ثَنَا أَبُو سَعْد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِن حَاشِرِينَ } قَالَ : الشُّرَط.
وَأَمَّا قَوْله : { وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِن حَاشِرِينَ } يَقُول : مَنْ يَحْشُر السَّحَرَة فَيَجْمَعهُمْ إِلَيْك . وَقِيلَ : هُمْ الشُّرَط. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11589 - حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن أَبِي طَالِب , قَالَ : ثنا مُسْلِم بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا الْحَكَم بْن ظَهِير , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِن حَاشِرِينَ } قَالَ : الشُّرَط . 11590 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم بْن مُهَاجِر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ مُجَاهِد : { وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِن حَاشِرِينَ } قَالَ : الشُّرَط . 11591 - قَالَ : ثنا حُمَيْد , عَنْ قَيْس , عَنْ السُّدِّيّ : { وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِن حَاشِرِينَ } قَالَ : الشُّرَط . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو نَعِيم , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم بْن مُهَاجِر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { فِي الْمَدَائِن حَاشِرِينَ } قَالَ : الشُّرَط. * حَدَّثَنِي عَبْد الْكَرِيم بْن الْهَيْثَم , قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيم بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : ثَنَا أَبُو سَعْد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِن حَاشِرِينَ } قَالَ : الشُّرَط.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَأْتُوك بِكُلِّ سَاحِر عَلِيم } وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ مَشُورَة الْمَلَأ مِنْ قَوْم فِرْعَوْن عَلَى فِرْعَوْن , أَنْ يُرْسِل فِي الْمَدَائِن حَاشِرِينَ , يَحْشُرُونَ كُلّ سَاحِر عَلِيم .
وَفِي الْكَلَام مَحْذُوف اُكْتُفِيَ بِدَلَالَةِ الظَّاهِر مِنْ إِظْهَاره , وَهُوَ : فَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِن حَاشِرِينَ يَحْشُرُونَ السَّحَرَة , فَجَاءَ السَّحَرَة فِرْعَوْن { قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا } يَقُول : إِنَّ لَنَا لَثَوَابًا عَلَى غَلَبَتِنَا مُوسَى عِنْدك , { إِنْ كُنَّا } يَا فِرْعَوْن { نَحْنُ الْغَالِبِينَ } وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11592 - حَدَّثَنَا الْعَبَّاس , قَالَ : أَخْبَرَنَا يَزِيد , قَالَ : أَخْبَرَنَا الْأَصْبَغ بْن زَيْد , عَنْ الْقَاسِم بْن أَبِي أَيُّوب , قَالَ : ثني سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : فَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِن حَاشِرِينَ , فَحُشِرَ لَهُ كُلّ سَاحِر مُتَعَالِم ; فَلَمَّا أَتَوْا فِرْعَوْن , قَالُوا : بِمَ يَعْمَل هَذَا السَّاحِر ؟ قَالُوا : يَعْمَل بِالْحَيَّاتِ , قَالُوا : وَاَللَّه مَا فِي الْأَرْض قَوْم يَعْمَلُونَ بِالسِّحْرِ وَالْحَيَّات وَالْحِبَال وَالْعِصِيّ أَعْلَم مِنَّا , فَمَا أَجْرنَا إِنْ غَلَبْنَا ؟ فَقَالَ لَهُمْ : أَنْتُمْ قَرَابَتِي وَحَامَّتِي , وَأَنَا صَانِع إِلَيْكُمْ كُلّ شَيْء أَحْبَبْتُمْ. 11593 - حَدَّثَنِي عَبْد الْكَرِيم بْن الْهَيْثَم قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيم بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : ثنا أَبُو سَعْد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : قَالَ فِرْعَوْن : لَا نُغَالِبهُ - يَعْنِي مُوسَى - إِلَّا بِمَنْ هُوَ مِنْهُ . فَأَعَدَّ عُلَمَاء مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , فَبَعَثَ بِهِمْ إِلَى قَرْيَة بِمِصْر يُقَال لَهَا الْفَرْمَا , يُعَلِّمُونَهُمْ السِّحْر , كَمَا يُعَلَّم الصِّبْيَان الْكِتَاب فِي الْكُتَّاب . قَالَ : فَعَلَّمُوهُمْ سِحْرًا كَثِيرًا. قَالَ : وَوَاعَدَ مُوسَى فِرْعَوْن مَوْعِدًا ; فَلَمَّا كَانَ فِي ذَلِكَ الْمَوْعِد بَعَثَ فِرْعَوْن , فَجَاءَ بِهِمْ وَجَاءَ بِمُعَلِّمِهِمْ مَعَهُمْ , فَقَالَ لَهُ : مَاذَا صَنَعْت ؟ قَالَ : قَدْ عَلَّمْتهمْ مِنْ السَّحَر سِحْرًا لَا يُطِيقهُ سِحْر أَهْل الْأَرْض , إِلَّا أَنْ يَكُون أَمْرًا مِنْ السَّمَاء , فَإِنَّهُ لَا طَاقَة لَهُمْ بِهِ , فَأَمَّا سِحْر أَهْل الْأَرْض فَإِنَّهُ لَنْ يَغْلِبهُمْ ; فَلَمَّا جَاءَتْ السَّحَرَة قَالُوا لِفِرْعَوْن : { إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ } قَالَ : نَعَمْ { وَإِنَّكُمْ إِذَنْ لَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ } 11594 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَأَرْسَلَ فِرْعَوْن فِي الْمَدَائِن حَاشِرِينَ } فَحَشَرُوا عَلَيْهِ السَّحَرَة , فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَة فِرْعَوْن { قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ } يَقُول : عَطِيَّة تُعْطِينَا { إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ } 11595 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِن حَاشِرِينَ يَأْتُوك بِكُلِّ سَاحِر عَلِيم } : أَيْ كَاثِرْهُ بِالسَّحَرَةِ لَعَلَّك أَنْ تَجِد فِي السَّحَرَة مَنْ يَأْتِي بِمِثْلِ مَا جَاءَ بِهِ , وَقَدْ كَانَ مُوسَى وَهَارُون خَرَجَا مِنْ عِنْده حِين أَرَاهُمْ مِنْ سُلْطَانه , وَبَعَثَ فِرْعَوْن فِي مَمْلَكَته , فَلَمْ يَتْرُك فِي سُلْطَانه سَاحِر إِلَّا أُتِيَ بِهِ . فَذُكِرَ لِي وَاَللَّه أَعْلَم أَنَّهُ جُمِعَ لَهُ خَمْسَة عَشَر أَلْف سَاحِر ; فَلَمَّا اِجْتَمَعُوا إِلَيْهِ أَمَرَهُمْ أَمْره , وَقَالَ لَهُمْ : قَدْ جَاءَنَا سَاحِر مَا رَأَيْنَا مِثْله قَطُّ , وَإِنَّكُمْ إِنْ غَلَبْتُمُوهُ أَكْرَمْتُكُمْ وَفَضَّلْتُكُمْ , وَقَرَّبْتُكُمْ عَلَى أَهْل مَمْلَكَتِي , قَالُوا : وَإِنَّ لَنَا ذَلِكَ إِنْ غَلَبْنَاهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ . 11596 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , عَنْ يَزِيد , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : السَّحَرَة كَانُوا سَبْعِينَ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : أَحْسِبُهُ أَنَّهُ قَالَ : أَلْفًا. 11597 - قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا مُوسَى بْن عُبَيْدَة , عَنْ اِبْن الْمُنْذِر , قَالَ : كَانَ السَّحَرَة ثَمَانِينَ أَلْفًا . 11598 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن رُفَيْع , عَنْ خَيْثَمَة , عَنْ أَبِي سَوْدَة , عَنْ كَعْب , قَالَ : كَانَ سَحَرَة فِرْعَوْن اِثْنَيْ عَشَر أَلْفًا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : قَالَ فِرْعَوْن لِلسَّحَرَةِ إِذْ قَالُوا لَهُ : إِنَّ لَنَا عِنْدك ثَوَابًا إِنْ نَحْنُ غَلَبْنَا مُوسَى ! قَالَ : نَعَمْ , لَكُمْ ذَلِكَ , وَإِنَّكُمْ لَمِمَّنْ أُقَرِّبهُ وَأُدْنِيه مِنِّي .
{ قَالُوا يَا مُوسَى } يَقُول : قَالَتْ السَّحَرَة لِمُوسَى : يَا مُوسَى اِخْتَرْ أَنْ تُلْقِيَ عَصَاك , أَوْ نُلْقِيَ نَحْنُ عِصِيّنَا ! وَلِذَلِكَ أُدْخِلَتْ " أَنْ " مَعَ " إِمَّا " فِي الْكَلَام لِأَنَّهَا فِي مَوْضِع أَمْر بِالِاخْتِيَارِ , فَإِنَّ " أَنْ " فِي مَوْضِع نَصْب لِمَا وَصَفْت مِنْ الْمَعْنَى , لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : اِخْتَرْ أَنْ تُلْقِيَ أَنْتَ , أَوْ نُلْقِيَ نَحْنُ , وَالْكَلَام مَعَ " إِمَّا " إِذَا كَانَ عَلَى وَجْه الْأَمْر , فَلَا بُدّ مِنْ أَنْ يَكُون فِيهِ " أَنْ " كَقَوْلِك لِلرَّجُلِ إِمَّا أَنْ تَمْضِي , وَإِمَّا أَنْ تَقْعُد , بِمَعْنَى الْأَمْر : اِمْضِ أَوْ اُقْعُدْ , فَإِذَا كَانَ عَلَى وَجْه الْخَبَر لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَنْ كَقَوْلِهِ : { وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّه إِمَّا يُعَذِّبهُمْ وَإِمَّا يَتُوب عَلَيْهِمْ } 9 106 وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُسَمَّى التَّخْيِير , وَكَذَلِكَ كُلّ مَا كَانَ عَلَى وَجْه الْخَبَر , و " إِمَّا " فِي جَمِيع ذَلِكَ مَكْسُورَة .
قَالَ أَلْقُواْ فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاؤُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُن النَّاس وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ مُوسَى لِلسَّحَرَةِ : { أَلْقُوا } مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ , فَأَلْقَتْ السَّحَرَة مَا مَعَهُمْ . { فَلَمَّا أَلْقَوْا } ذَلِكَ { سَحَرُوا أَعْيُن النَّاس } خَيَّلُوا إِلَى أَعْيُن النَّاس بِمَا أَحْدَثُوا مِنْ التَّخْيِيل وَالْخُدَع أَنَّهَا تَسْعَى . { وَاسْتَرْهَبُوهُمْ } يَقُول : وَاسْتَرْهَبُوا النَّاس بِمَا سَحَرُوا فِي أَعْيُنهمْ , حَتَّى خَافُوا مِنْ الْعِصِيّ وَالْحِبَال , ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهَا حَيَّات . { وَجَاءُوا } كَمَا قَالَ اللَّه { بِسِحْرٍ عَظِيم } : بِتَخْيِيلٍ عَظِيم كَثِير , مِنْ التَّخْيِيل وَالْخِدَاع . وَذَلِكَ كَاَلَّذِي : 11599 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : قَالَ لَهُمْ مُوسَى : أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ ! فَأَلْقَوْا حِبَالهمْ وَعِصِيّهمْ , وَكَانُوا بِضْعَة وَثَلَاثِينَ أَلْف رَجُل , لَيْسَ مِنْهُمْ رَجُل إِلَّا مَعَهُ حَبْل وَعَصًا . { فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُن النَّاس وَاسْتَرْهَبُوهُمْ } يَقُول : فَرَّقُوهُمْ فَأَوْجَسَ فِي نَفْسه خِيفَة مُوسَى . 11600 - حَدَّثَنِي عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيم بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : ثنا أَبُو سَعْد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : أَلْقَوْا حِبَالًا غِلَاظًا وَخَشَبًا طِوَالًا , قَالَ : فَأَقْبَلَتْ تُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرهمْ أَنَّهَا تَسْعَى . 11601 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : صُفَّ خَمْسَة عَشَر أَلْف سَاحِر , مَعَ كُلّ سَاحِر حِبَاله وَعِصِيّه , وَخَرَجَ مُوسَى مَعَهُ أَخُوهُ يَتَّكِئ عَلَى عَصَاهُ حَتَّى أَتَى الْجَمْع وَفِرْعَوْن فِي مَجْلِسه مَعَ أَشْرَاف مَمْلَكَته , ثُمَّ قَالَتْ السَّحَرَة : { يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُون أَوَّل مَنْ أَلْقَى قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالهمْ وَعِصِيّهمْ } 20 65 : 66 فَكَانَ أَوَّل مَا اِخْتَطَفُوا بِسِحْرِهِمْ بَصَر مُوسَى وَبَصَر فِرْعَوْن , ثُمَّ أَبْصَار النَّاس بَعْد , ثُمَّ أَلْقَى كُلّ رَجُل مِنْهُمْ مَا فِي يَده مِنْ الْعِصِيّ وَالْحِبَال , فَإِذَا هِيَ حَيَّات كَأَمْثَالِ الْحِبَال , قَدْ مَلَأَتْ الْوَادِي يَرْكَب بَعْضهَا بَعْضًا . { فَأَوْجَسَ فِي نَفْسه خِيفَة مُوسَى } 20 67 وَقَالَ : وَاَللَّه إِنْ كَانَتْ لَعِصِيًّا فِي أَيْدِيهمْ , وَلَقَدْ عَادَتْ حَيَّات , وَمَا تَعْدُو هَذَا ! أَوْ كَمَا حَدَّثَ نَفْسه . 11602 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ هِشَام الدَّسْتُوَائِيّ , قَالَ : ثنا الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , قَالَ : جَمَعَ فِرْعَوْن سَبْعِينَ أَلْف سَاحِر , وَأَلْقَوْا سَبْعِينَ أَلْف حَبْل وَسَبْعِينَ أَلْف عَصًا , حَتَّى جَعَلَ يُخَيَّل إِلَيْهِ مِنْ سِحْرهمْ أَنَّهَا تَسْعَى .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاك فَإِذَا هِيَ تَلْقَف مَا يَأْفِكُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقَ عَصَاك , فَأَلْقَاهَا فَإذَا هِيَ تَلْقَم وَتَبْتَلِع مَا يَسْحَرُونَ كَذِبًا وَبَاطِلًا , يُقَال مِنْهُ : لَقِفْت الشَّيْء فَأَنَا أَلْقُفُهُ لَقْفًا وَلَقَفَانًا . وَذَلِكَ كَاَلَّذِي : 11603 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاك , فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ , فَتَحَوَّلَتْ حَيَّة , فَأَكَلَتْ سِحْرهمْ كُلّه. 11604 - حَدَّثَنَا عَبْد الْكَرِيم بْن الْهَيْثَم , قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيم بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : ثنا أَبُو سَعْد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ حَيَّة تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ , لَا تَمُرّ بِشَيْءٍ مِنْ حِبَالهمْ وَخَشَبهمْ الَّتِي أَلْقَوْهَا إِلَّا اِلْتَقَمَتْهُ , فَعَرَفَتْ السَّحَرَة أَنَّ هَذَا أَمْر مِنْ السَّمَاء , وَلَيْسَ هَذَا بِسِحْرٍ , فَخَرُّوا سُجَّدًا وَقَالُوا : { آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبّ مُوسَى وَهَارُون } 11605 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : أَوْحَى اللَّه إِلَى مُوسَى : لَا تَخَفْ , وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينك تَلْقَف مَا يَأْفِكُونَ . فَأَلْقَى عَصَاهُ فَأَكَلَتْ كُلّ حَيَّة لَهُمْ , فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ سَجَدُوا , وَقَالُوا : { آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبّ مُوسَى وَهَارُون } 11606 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : أَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ أَنْ أَلْقِ مَا فِي يَمِينك ! فَأَلْقَى عَصَاهُ مِنْ يَده , فَاسْتَعْرَضَتْ مَا أَلْقَوْا مِنْ حِبَالهمْ وَعِصِيّهمْ , وَهِيَ حَيَّات , فِي عَيْن فِرْعَوْن وَأَعْيُن النَّاس تَسْعَى فَجَعَلَتْ تَلْقَفهَا : تَبْتَلِعهَا حَيَّة حَيَّة , حَتَّى مَا يُرَى بِالْوَادِي قَلِيل وَلَا كَثِير مِمَّا أَلْقَوْهُ. ثُمَّ أَخَذَهَا مُوسَى فَإِذَا هِيَ عَصَاهُ فِي يَده كَمَا كَانَتْ , وَوَقَعَ السَّحَرَة سُجَّدًا , قَالُوا : { آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبّ مُوسَى وَهَارُون } لَوْ كَانَ هَذَا سِحْرًا مَا غَلَبَنَا . 11607 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ هِشَام الدَّسْتُوَائِيّ , قَالَ : ثنا الْقَاسِم بْن أَبِي بَزَّة , قَالَ : أَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ أَنْ أَلْقِ عَصَاك , فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإذَا هِيَ ثُعْبَان فَاغِر فَاهُ , فَابْتَلَعَ حِبَالهمْ وَعِصِيّهمْ , فَأُلْقِيَ السَّحَرَة عِنْد ذَلِكَ سُجَّدًا . فَمَا رَفَعُوا رُءُوسهمْ حَتَّى رَأَوْا الْجَنَّة وَالنَّار وَثَوَاب أَهْلهَا . 11608 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { يَأْفِكُونَ } قَالَ : يَكْذِبُونَ . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { فَإِذَا هِيَ تَلْقَف مَا يَأْفِكُونَ } قَالَ : يَكْذِبُونَ . 11609 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن الْمُسْتَمِرّ , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن عُمَر , قَالَ : ثنا قُرَّة بْن خَالِد السَّدُوسِيّ , عَنْ الْحَسَن : { تَلْقَف مَا يَأْفِكُونَ } قَالَ : حِبَالهمْ وَعِصِيّهمْ تَسْتَرِطهَا اِسْتِرَاطًا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَوَقَعَ الْحَقّ وَبَطَل مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَظَهَرَ الْحَقّ وَتَبَيَّنَ لِمَنْ شَهِدَهُ وَحَضَرَهُ فِي أَمْر مُوسَى , وَأَنَّهُ لِلَّهِ رَسُول يَدْعُو إِلَى الْحَقّ { وَبَطَل مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } مِنْ إِفْك السِّحْر وَكَذِبه وَمَخَايِله . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11610 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَوَقَعَ الْحَقّ } قَالَ : ظَهَرَ . 11611 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم بْن مُهَاجِر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { فَوَقَعَ الْحَقّ وَبَطَل مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } قَالَ : ظَهَرَ الْحَقّ وَذَهَبَ الْإِفْك الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { فَوَقَعَ الْحَقّ } قَالَ : ظَهَرَ الْحَقّ . * حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَوَقَعَ الْحَقّ } ظَهَرَ مُوسَى .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَغُلِبُوا هُنَالِكَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَغَلَبَ مُوسَى فِرْعَوْن وَجُمُوعه { هُنَالِكَ } عِنْد ذَلِكَ .
{ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ } يَقُول : وَانْصَرَفُوا عَنْ مَوْطِنهمْ ذَلِكَ بِصِغَرٍ مَقْهُورِينَ , يُقَال مِنْهُ : صَغُرَ الرَّجُل يَصْغُر صِغْرًا وَصُغْرًا وَصَغَارًا.
{ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ } يَقُول : وَانْصَرَفُوا عَنْ مَوْطِنهمْ ذَلِكَ بِصِغَرٍ مَقْهُورِينَ , يُقَال مِنْهُ : صَغُرَ الرَّجُل يَصْغُر صِغْرًا وَصُغْرًا وَصَغَارًا.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأُلْقِيَ السَّحَرَة سَاجِدِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأُلْقِيَ السَّحَرَة عِنْدَمَا عَايَنُوا مِنْ عَظِيم قُدْرَة اللَّه , سَاقِطِينَ عَلَى وُجُوههمْ , سُجَّدًا لِرَبِّهِمْ .