الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ رَبّ اِغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتك وَأَنْتَ أَرْحَم الرَّاحِمِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : قَالَ مُوسَى لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ عُذْر أَخِيهِ , وَعَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُفَرِّط فِي الْوَاجِب الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْر اللَّه فِي اِرْتِكَاب مَا فَعَلَهُ الْجَهَلَة مِنْ عَبَدَة الْعِجْل : { رَبّ اِغْفِرْ لِي } مُسْتَغْفِرًا مِنْ فِعْله بِأَخِيهِ , وَلِأَخِيهِ مِنْ سَالِف لَهُ بَيْنه وَبَيْن اللَّه , تَغَمَّدْ ذُنُوبنَا بِسِتْرٍ مِنْك تَسْتُرهَا بِهِ . { وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتك } يَقُول : وَارْحَمْنَا بِرَحْمَتِك الْوَاسِعَة عِبَادك الْمُؤْمِنِينَ , فَإِنَّك أَنْتَ أَرْحَم بِعِبَادِك مِنْ كُلّ مَنْ رَحِمَ شَيْئًا .
إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ اِتَّخَذُوا الْعِجْل سَيَنَالُهُمْ غَضَب مِنْ رَبّهمْ وَذِلَّة فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { إِنَّ الَّذِينَ اِتَّخَذُوا الْعِجْل } إِلَهًا , { سَيَنَالُهُمْ غَضَب مِنْ رَبّهمْ } بِتَعْجِيلِ اللَّه لَهُمْ ذَلِكَ , { وَذِلَّة } وَهِيَ الْهَوَان , لِعُقُوبَةِ اللَّه إِيَّاهُمْ عَلَى كُفْرهمْ بِرَبِّهِمْ ; { فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } فِي عَاجِل الدُّنْيَا قَبْل آجِل الْآخِرَة . وَكَانَ اِبْن جُرَيْج يَقُول فِي ذَلِكَ بِمَا : 11763 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ اِتَّخَذُوا الْعِجْل سَيَنَالُهُمْ غَضَب مِنْ رَبّهمْ وَذِلَّة فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ } قَالَ : هَذَا لِمَنْ مَاتَ مِمَّنْ اِتَّخَذَ الْعِجْل قَبْل أَنْ يَرْجِع مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام , وَمَنْ فَرَّ مِنْهُمْ حِين أَمَرَهُمْ مُوسَى أَنْ يَقْتُل بَعْضهمْ بَعْضًا . وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ اِبْن جُرَيْج , وَإِنْ كَانَ قَوْلًا لَهُ وَجْه , فَإِنَّ ظَاهِر كِتَاب اللَّه مَعَ تَأْوِيل أَكْثَر أَهْل التَّأْوِيل بِخِلَافِهِ ; وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه عَمَّ بِالْخَبَرِ عَمَّنْ اِتَّخَذَ الْعِجْل أَنَّهُ سَيَنَالُهُمْ غَضَب مِنْ رَبّهمْ وَذِلَّة فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا. وَتَظَاهَرَتْ الْأَخْبَار عَنْ أَهْل التَّأْوِيل مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ بِأَنَّ اللَّه , إِذْ رَجَعَ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام , تَابَ عَلَى عَبَدَة الْعِجْل مِنْ فِعْلهمْ , بِمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ قِيل مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِي كِتَابه , وَذَلِكَ قَوْله : { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْم إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسكُمْ بِاِتِّخَاذِكُمْ الْعِجْل فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسكُمْ } 2 54 فَفَعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ نَبِيّهمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَكَانَ أَمْر اللَّه إِيَّاهُمْ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنْ قَتْل بَعْضهمْ أَنْفُس بَعْض , عَنْ غَضَب مِنْهُ عَلَيْهِمْ بِعِبَادَتِهِمْ الْعِجْل , فَكَانَ قَتْل بَعْضهمْ بَعْضًا هَوَانًا لَهُمْ وَذِلَّة أَذَلَّهُمْ اللَّه بِهَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا , وَتَوْبَة مِنْهُمْ إِلَى اللَّه قَبْلهَا . وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْعَل خَبَرًا جَاءَ الْكِتَاب بِعُمُومِهِ فِي خَاصّ مِمَّا عَمّه الظَّاهِر بِغَيْرِ بُرْهَان مِنْ حُجَّة خَبَر أَوْ عَقْل , وَلَا نَعْلَم خَبَرًا جَاءَ بِوُجُوبِ نَقْل ظَاهِر قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ اِتَّخَذُوا الْعِجْل سَيَنَالُهُمْ غَضَب مِنْ رَبّهمْ } إِلَى بَاطِن خَاصّ , وَلَا مِنْ الْعَقْل عَلَيْهِ دَلِيل , فَيَجِب إِحَالَة ظَاهِره إِلَى بَاطِنه . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ } وَكَمَا جَزَيْت هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اِتَّخَذُوا الْعِجْل إِلَهًا مِنْ إِحْلَال الْغَضَب بِهِمْ , وَالْإِذْلَال فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا عَلَى كُفْرهمْ رَبّهمْ , وَرِدَّتهمْ عَنْ دِينهمْ بَعْد إِيمَانهمْ بِاَللَّهِ , وَكَذَلِكَ نَجْزِي كُلّ مَنْ اِفْتَرَى عَلَى اللَّه فَكَذَبَ عَلَيْهِ وَأَقَرَّ بِأُلُوهِيَّةِ غَيْره وَعَبَدَ شَيْئًا سِوَاهُ مِنْ الْأَوْثَان بَعْد إِقْرَاره بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّه , وَبَعْد إِيمَانه بِهِ وَبِأَنْبِيَائِهِ وَرُسُله وَقِيل ذَلِكَ , إِذَا لَمْ يَتُبْ مِنْ كُفْره قَبْل قَتْله. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11764 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ أَيُّوب , قَالَ : تَلَا أَبُو قِلَابَة : { سَيَنَالُهُمْ غَضَب مِنْ رَبّهمْ وَذِلَّة فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا } الْآيَة , قَالَ : فَهُوَ جَزَاء كُلّ مُفْتَرٍ يَكُون إِلَى يَوْم الْقِيَامَة , أَنْ يُذِلّهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ. * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو النُّعْمَان عَارِم , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن زَيْد , عَنْ أَيُّوب , قَالَ : قَرَأَ أَبُو قِلَابَة يَوْمًا هَذِهِ الْآيَة : { إِنَّ الَّذِينَ اِتَّخَذُوا الْعِجْل سَيَنَالُهُمْ غَضَب مِنْ رَبّهمْ وَذِلَّة فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ } قَالَ : هِيَ وَاَللَّه لِكُلِّ مُفْتَرٍ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . 11765 - قَالَ : ثنا حَجَّاج , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ ثَابِت وَحُمَيْد : أَنَّ قَيْس بْن عَبَّاد وَجَارِيَة بْن قُدَامَة دَخَلَا عَلَى عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , فَقَالَا : أَرَأَيْت هَذَا الْأَمْر الَّذِي أَنْتَ فِيهِ وَتَدْعُو إِلَيْهِ , أَعْهَد عَهِدَهُ إِلَيْك رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ رَأْي رَأَيْته ؟ قَالَ : مَا لَكُمَا وَلِهَذَا ؟ أَعْرِضَا عَنْ هَذَا ! فَقَالَا : وَاَللَّه لَا نُعْرِض عَنْهُ حَتَّى تُخْبِرنَا . فَقَالَ : مَا عَهِدَ إِلَيَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا كِتَابًا فِي قِرَاب سَيْفِي هَذَا . فَاسْتَلَّهُ فَأَخْرَجَ الْكِتَاب مِنْ قِرَاب سَيْفه , وَإِذَا فِيهِ : " إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيّ إِلَّا لَهُ حَرَم , وَإِنِّي حَرَّمْت الْمَدِينَة كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام مَكَّة , لَا يُحْمَل فِيهَا السِّلَاح لِقِتَالٍ , مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَة اللَّه وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ , لَا يُقْبَل مِنْهُ صَرْف وَلَا عَدْل " فَلَمَّا خَرَجَا قَالَ أَحَدهمَا لِصَاحِبِهِ : أَمَا تَرَى هَذَا الْكِتَاب ؟ فَرَجَعَا وَتَرَكَاهُ , وَقَالَا : إِنَّا سَمِعْنَا اللَّه يَقُول : { إِنَّ الَّذِينَ اِتَّخَذُوا الْعِجْل سَيَنَالُهُمْ غَضَب مِنْ رَبّهمْ } الْآيَة , وَإِنَّ الْقَوْم قَدْ اِفْتَرَوْا فِرْيَة , وَلَا أَدْرِي إِلَّا سَيَنْزِلُ بِهِمْ ذِلَّة . 11766 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , عَنْ اِبْن عُيَيْنَة : فِي قَوْله : { وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ } قَالَ : كُلّ صَاحِب بِدْعَة ذَلِيل.
وَالَّذِينَ عَمِلُواْ السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا وَآمَنُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَات ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبّك مِنْ بَعْدهَا لَغَفُور رَحِيم } وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَنَّهُ قَابِل مِنْ كُلّ تَائِب إِلَيْهِ مِنْ ذَنْب أَتَاهُ صَغِيرَة كَانَتْ مَعْصِيَته أَوْ كَبِيرَة , كُفْرًا كَانَتْ أَوْ غَيْر كُفْر , كَمَا قَبِلَ مِنْ عَبَدَة الْعِجْل تَوْبَتهمْ بَعْد كُفْرهمْ بِهِ بِعِبَادَتِهِمْ الْعِجْل وَارْتِدَادهمْ عَنْ دِينهمْ . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَاَلَّذِينَ عَمِلُوا الْأَعْمَال السَّيِّئَة ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى طَلَب رِضَا اللَّه بِإِنَابَتِهِمْ إِلَى مَا يُحِبّ مِمَّا يَكْرَه وَإِلَى مَا يَرْضَى مِمَّا يَسْخَط مِنْ بَعْد سَيِّئ أَعْمَالهمْ , وَصَدَّقُوا بِأَنَّ اللَّه قَابِل تَوْبَة الْمُذْنِبِينَ وَتَائِب عَلَى الْمُنِيبِينَ بِإِخْلَاصِ قُلُوبهمْ وَيَقِين مِنْهُمْ بِذَلِكَ , { لَغَفُور } لَهُمْ , يَقُول : لَسَاتِر عَلَيْهِمْ أَعْمَالهمْ السَّيِّئَة , وَغَيْر فَاضِحهمْ بِهَا , رَحِيم بِهِمْ , وَبِكُلِّ مَنْ كَانَ مِثْلهمْ مِنْ التَّائِبِينَ.
وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَب } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَب } وَلَمَّا كَفَّ مُوسَى عَنْ الْغَضَب , وَكَذَلِكَ كُلّ كَافّ عَنْ شَيْء سَاكِت عَنْهُ . وَإِنَّمَا قِيلَ لِلسَّاكِتِ عَنْ الْكَلَام سَاكِت : لِكَفِّهِ عَنْهُ . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ يُونُس النَّحْوِيّ أَنَّهُ قَالَ : يُقَال سَكَتَ عَنْهُ الْحُزْن وَكُلّ شَيْء فِيمَا زَعَمَ ; وَمِنْهُ قَوْل أَبِي النَّجْم : وَهَمَّتْ الْأَفْعَى بِأَنْ تَسِيحَا وَسَكَتَ الْمُكَّاء أَنْ يَصِيحَا
{ أَخَذَ الْأَلْوَاح } يَقُول : أَخَذَهَا بَعْدَمَا أَلْقَاهَا , وَقَدْ ذَهَبَ مِنْهَا مَا ذَهَبَ .
{ وَفِي نُسْخَتهَا هُدًى وَرَحْمَة } يَقُول : وَفِيمَا نُسِخَ فِيهَا : أَيْ مِنْهَا هُدًى بَيَان لِلْحَقِّ وَرَحْمَة .
{ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ } يَقُول : لِلَّذِينَ يَخَافُونَ اللَّه , وَيَخْشَوْنَ عِقَابه عَلَى مَعَاصِيه . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي وَجْه دُخُول اللَّام فِي قَوْله : { لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ } مَعَ اِسْتِقْبَاح الْعَرَب أَنْ يُقَال فِي الْكَلَام : رَهِبْت لَك : بِمَعْنَى رَهِبْتُك , وَأَكْرَمْت لَك : بِمَعْنَى أَكْرَمْتُك , فَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ } 12 43 أَوْصَلَ الْفِعْل بِاللَّامِ. وَقَالَ بَعْضهمْ : مِنْ أَجْل رَبّهمْ يَرْهَبُونَ . وَقَالَ بَعْضهمْ : إِنَّمَا دَخَلَتْ عَقِب الْإِضَافَة الَّذِينَ هُمْ رَاهِبُونَ لِرَبِّهِمْ وَرَاهِبُو رَبّهمْ ; ثُمَّ أُدْخِلَتْ اللَّام عَلَى هَذَا الْمَعْنَى لِأَنَّهَا عَقِيب الْإِضَافَة لَا عَلَى التَّعْلِيق . وَقَالَ بَعْضهمْ : إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّ الِاسْم تَقَدَّمَ الْفِعْل , فَحَسُنَ إِدْخَال اللَّام . وَقَالَ آخَرُونَ : قَدْ جَاءَ مِثْله فِي تَأْخِير الِاسْم فِي قَوْله : { رَدِفَ لَكُمْ بَعْض الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ } 27 72 وَذُكِرَ عَنْ عِيسَى بْن عُمَر أَنَّهُ قَالَ : سَمِعْت الْفَرَزْدَق يَقُول : نَقَدْت لَهُ مِائَة دِرْهَم , يُرِيد نَقَدْته مِائَة دِرْهَم . قَالَ : وَالْكَلَام وَاسِع.
{ أَخَذَ الْأَلْوَاح } يَقُول : أَخَذَهَا بَعْدَمَا أَلْقَاهَا , وَقَدْ ذَهَبَ مِنْهَا مَا ذَهَبَ .
{ وَفِي نُسْخَتهَا هُدًى وَرَحْمَة } يَقُول : وَفِيمَا نُسِخَ فِيهَا : أَيْ مِنْهَا هُدًى بَيَان لِلْحَقِّ وَرَحْمَة .
{ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ } يَقُول : لِلَّذِينَ يَخَافُونَ اللَّه , وَيَخْشَوْنَ عِقَابه عَلَى مَعَاصِيه . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي وَجْه دُخُول اللَّام فِي قَوْله : { لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ } مَعَ اِسْتِقْبَاح الْعَرَب أَنْ يُقَال فِي الْكَلَام : رَهِبْت لَك : بِمَعْنَى رَهِبْتُك , وَأَكْرَمْت لَك : بِمَعْنَى أَكْرَمْتُك , فَقَالَ بَعْضهمْ : ذَلِكَ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ } 12 43 أَوْصَلَ الْفِعْل بِاللَّامِ. وَقَالَ بَعْضهمْ : مِنْ أَجْل رَبّهمْ يَرْهَبُونَ . وَقَالَ بَعْضهمْ : إِنَّمَا دَخَلَتْ عَقِب الْإِضَافَة الَّذِينَ هُمْ رَاهِبُونَ لِرَبِّهِمْ وَرَاهِبُو رَبّهمْ ; ثُمَّ أُدْخِلَتْ اللَّام عَلَى هَذَا الْمَعْنَى لِأَنَّهَا عَقِيب الْإِضَافَة لَا عَلَى التَّعْلِيق . وَقَالَ بَعْضهمْ : إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّ الِاسْم تَقَدَّمَ الْفِعْل , فَحَسُنَ إِدْخَال اللَّام . وَقَالَ آخَرُونَ : قَدْ جَاءَ مِثْله فِي تَأْخِير الِاسْم فِي قَوْله : { رَدِفَ لَكُمْ بَعْض الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ } 27 72 وَذُكِرَ عَنْ عِيسَى بْن عُمَر أَنَّهُ قَالَ : سَمِعْت الْفَرَزْدَق يَقُول : نَقَدْت لَهُ مِائَة دِرْهَم , يُرِيد نَقَدْته مِائَة دِرْهَم . قَالَ : وَالْكَلَام وَاسِع.
وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمه سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَة قَالَ رَبّ لَوْ شِئْت أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْل وَإِيَّايَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاخْتَارَ مُوسَى مِنْ قَوْمه سَبْعِينَ رَجُلًا لِلْوَقْتِ وَالْأَجَل الَّذِي وَعَدَهُ اللَّه أَنْ يَلْقَاهُ فِيهِ بِهِمْ لِلتَّوْبَةِ مِمَّا كَانَ مِنْ فِعْل سُفَهَائِهِمْ فِي أَمْر الْعِجْل . كَمَا : 11767 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : إِنَّ اللَّه أَمَرَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَنْ يَأْتِيه فِي نَاس مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ مِنْ عِبَادَة الْعِجْل , وَوَعَدَهُمْ مَوْعِدًا. فَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمه سَبْعِينَ رَجُلًا عَلَى عَيْنه , ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمْ لِيَعْتَذِرُوا , فَلَمَّا أَتَوْا ذَلِكَ الْمَكَان , قَالُوا : لَنْ نُؤْمِن لَك يَا مُوسَى حَتَّى نَرَى اللَّه جَهْرَة , فَإِنَّك قَدْ كَلَّمْته فَأَرِنَاهُ ! فَأَخَذَتْهُمْ الصَّاعِقَة فَمَاتُوا . فَقَامَ مُوسَى يَبْكِي وَيَدْعُو اللَّه وَيَقُول : رَبّ مَاذَا أَقُول لِبَنِي إِسْرَائِيل إِذَا أَتَيْتهمْ وَقَدْ أَهْلَكْت خِيَارهمْ , لَوْ شِئْت أَهْلَكْتهمْ مِنْ قَبْل وَإِيَّايَ ! 11768 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : اِخْتَارَ مُوسَى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل سَبْعِينَ رَجُلًا الْخَيِّر فَالْخَيِّر , وَقَالَ : اِنْطَلِقُوا إِلَى اللَّه فَتُوبُوا إِلَيْهِ مِمَّا صَنَعْتُمْ , وَاسْأَلُوهُ التَّوْبَة عَلَى مَنْ تَرَكْتُمْ وَرَاءَكُمْ مِنْ قَوْمكُمْ , صُومُوا , وَتَطَهَّرُوا , وَطَهِّرُوا ثِيَابكُمْ ! فَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى طُور سِينَا لِمِيقَاتٍ وَقَّتَهُ لَهُ رَبّه , وَكَانَ لَا يَأْتِيه إِلَّا بِإِذْنٍ مِنْهُ وَعِلْم , فَقَالَ السَّبْعُونَ فِيمَا ذُكِرَ لِي حِين صَنَعُوا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ , وَخَرَجُوا مَعَهُ لِلِقَاءِ رَبّه لِمُوسَى : اُطْلُبْ لَنَا نَسْمَع كَلَام رَبّنَا ! فَقَالَ : أَفْعَل . فَلَمَّا دَنَا مُوسَى مِنْ الْجَبَل , وَقَعَ عَلَيْهِ عَمُود الْغَمَام حَتَّى تَغَشَّى الْجَبَل كُلّه , وَدَنَا مُوسَى فَدَخَلَ فِيهِ , وَقَالَ لِلْقَوْمِ : اُدْنُوا ! وَكَانَ مُوسَى إِذَا كَلَّمَهُ اللَّه , وَقَعَ عَلَى جَبْهَته نُور سَاطِع , لَا يَسْتَطِيع أَحَد مِنْ بَنِي آدَم أَنْ يَنْظُر إِلَيْهِ . فَضُرِبَ دُونه بِالْحِجَابِ , وَدَنَا الْقَوْم حَتَّى إِذَا دَخَلُوا فِي الْغَمَام وَقَعُوا سُجُودًا , فَسَمِعُوهُ وَهُوَ يُكَلِّم مُوسَى , يَأْمُرهُ وَيَنْهَاهُ : افْعَلْ ! وَلَا تَفْعَل ! فَلَمَّا فَرَغَ اللَّه مِنْ أَمْره , وَانْكَشَفَ عَنْ مُوسَى الْغَمَام , أَقْبَلَ إِلَيْهِمْ , فَقَالُوا لِمُوسَى : { لَنْ نُؤْمِن لَك حَتَّى نَرَى اللَّه جَهْرَة } 2 55 { فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَة } 7 78 ; 91 وَهِيَ الصَّاعِقَة , فَالْتَقَتْ أَرْوَاحهمْ فَمَاتُوا جَمِيعًا , وَقَامَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام يُنَاشِد رَبّه وَيَدْعُوهُ وَيَرْغَب إِلَيْهِ , وَيَقُول : رَبّ لَوْ شِئْت أَهْلَكْتهمْ مِنْ قَبْل وَإِيَّايَ , قَدْ سَفِهُوا ! أَفَتُهْلِك مَنْ وَرَائِي مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل ؟ 11769 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمه سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا } قَالَ : كَانَ اللَّه أَمَرَهُ أَنْ يَخْتَار مِنْ قَوْمه سَبْعِينَ رَجُلًا , فَاخْتَارَ سَبْعِينَ رَجُلًا , فَبَرَزَ بِهِمْ لِيَدْعُوا رَبّهمْ , فَكَانَ فِيمَا دَعَوْا اللَّه أَنْ قَالُوا : اللَّهُمَّ أَعْطِنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا بَعْدنَا ! فَكَرِهَ اللَّه ذَلِكَ مِنْ دُعَائِهِمْ , فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَة. قَالَ مُوسَى : { رَبّ لَوْ شِئْت أَهْلَكْتهمْ مِنْ قَبْل وَإِيَّايَ } 11770 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا خَالِد بْن حَيَّان , عَنْ جَعْفَر , عَنْ مَيْمُون : { وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمه سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا } قَالَ : لِمَوْعِدِهِمْ الَّذِي وَعَدَهُمْ . 11771 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا } قَالَ : اِخْتَارَهُمْ لِتَمَامِ الْوَعْد . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا أَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَة مِنْ أَجْل دَعْوَاهُمْ عَلَى مُوسَى قَتْل هَارُون . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11772 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا يَحْيَى بْن يَمَان , قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : ثني أَبُو إِسْحَاق , عَنْ عِمَارَة بْن عَبْد السَّلُولِيّ , عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , قَالَ : اِنْطَلَقَ مُوسَى وَهَارُون وَشَبِّر وَشَبِير , فَانْطَلَقُوا إِلَى سَفْح جَبَل , فَنَامَ هَارُون عَلَى سَرِير , فَتَوَفَّاهُ اللَّه . فَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل قَالُوا لَهُ : أَيْنَ هَارُون ؟ قَالَ : تَوَفَّاهُ اللَّه. قَالُوا : أَنْتَ قَتَلْته , حَسَدْتنَا عَلَى خُلُقه وَلِينه - أَوْ كَلِمَة نَحْوهَا - قَالَ : فَاخْتَارُوا مَنْ شِئْتُمْ ! قَالَ : فَاخْتَارُوا سَبْعِينَ رَجُلًا . قَالَ : فَذَلِكَ قَوْله : { وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمه سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا } قَالَ : فَلَمَّا اِنْتَهَوْا إِلَيْهِ قَالُوا : يَا هَارُون مَنْ قَتَلَك ؟ قَالَ : مَا قَتَلَنِي أَحَد , وَلَكِنَّنِي تَوَفَّانِي اللَّه . قَالُوا : يَا مُوسَى لَنْ نَعْصِيَ بَعْد الْيَوْم ! قَالَ : فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَة . قَالَ : فَجَعَلَ مُوسَى يَرْجِع يَمِينًا وَشِمَالًا , وَقَالَ : يَا { رَبّ لَوْ شِئْت أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْل وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتك تُضِلّ بِهَا مَنْ تَشَاء وَتَهْدِي مَنْ تَشَاء } قَالَ : فَأَحْيَاهُمْ اللَّه وَجَعَلَهُمْ أَنْبِيَاء كُلّهمْ . 11773 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ رَجُل مِنْ بَنِي سَلُول , أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَقُول فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمه سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا } قَالَ : كَانَ هَارُون حَسَن الْخُلُق مُحَبَّبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيل . قَالَ : فَلَمَّا مَاتَ دَفَنَهُ مُوسَى . قَالَ : فَلَمَّا أَتَى بَنِي إِسْرَائِيل , قَالُوا لَهُ : أَيْنَ هَارُون ؟ قَالَ : مَاتَ . فَقَالُوا : قَتَلْته ! قَالَ : فَاخْتَارَ مِنْهُمْ سَبْعِينَ رَجُلًا . قَالَ : فَلَمَّا أَتَوْا الْقَبْر , قَالَ مُوسَى : أَقُتِلْت أَوْ مُتّ ؟ قَالَ : مُتّ. قَالَ : فَأُصْعِقُوا , فَقَالَ مُوسَى : رَبّ مَا أَقُول لِبَنِي إِسْرَائِيل إِذَا رَجَعْت ؟ يَقُولُونَ : أَنْتَ قَتَلْتهمْ ! قَالَ : فَأُحْيُوا وَجُعِلُوا أَنْبِيَاء . 11774 - حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن الْحَجَّاج بْن الْمِنْهَال , قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثنا الرَّبِيع بْن حَبِيب , قَالَ : سَمِعْت أَبَا سَعِيد , يَعْنِي الرَّقَاشِيّ , وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : { وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمه سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا } فَقَالَ : كَانُوا أَبْنَاء مَا عَدَا عِشْرِينَ وَلَمْ يَتَجَاوَزُوا الْأَرْبَعِينَ , وَذَلِكَ أَنَّ اِبْن عِشْرِينَ قَدْ ذَهَبَ جَهْله وَصِبَاهُ , وَأَنَّ مَنْ لَمْ يَتَجَاوَز الْأَرْبَعِينَ لَمْ يَفْقِد مِنْ عَقْله شَيْئًا . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا أَخَذَتْ الْقَوْم الرَّجْفَة لِتَرْكِهِمْ فِرَاق عَبَدَة الْعِجْل , لَا لِأَنَّهُمْ كَانُوا مِنْ عَبَدَته. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11775 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمه سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا } فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : { السُّفَهَاء مِنَّا } ذُكِرَ لَنَا أَنَّ اِبْن عَبَّاس كَانَ يَقُول : إِنَّمَا تَنَاوَلَتْهُمْ الرَّجْفَة لِأَنَّهُمْ لَمْ يُزَايِلُوا الْقَوْم حِين نَصَبُوا الْعِجْل , وَقَدْ كَرِهُوا أَنْ يُجَامِعُوهُمْ عَلَيْهِ . 11776 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمه سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا } مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ قَالَ ذَلِكَ الْقَوْل عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يُجَامِعُوهُمْ عَلَيْهِ , فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَة مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا بَايَنُوا قَوْمهمْ حِين اِتَّخَذُوا الْعِجْل . فَلَمَّا خَرَجُوا وَدَعَوْا , أَمَاتهمْ اللَّه ثُمَّ أَحْيَاهُمْ . { فَلَمَّا أَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَة قَالَ رَبّ لَوْ شِئْت أَهْلَكْتهمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا } 11777 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا أَبُو سَعْد , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد : { وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمه سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا } وَالْمِيقَات : الْمَوْعِد . فَلَمَّا أَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَة بَعْد أَنْ خَرَجَ مُوسَى بِالسَّبْعِينَ مِنْ قَوْمه يَدْعُونَ اللَّه وَيَسْأَلُونَهُ أَنْ يَكْشِف عَنْهُمْ الْبَلَاء , فَلَمْ يَسْتَجِبْ لَهُمْ عَلِمَ مُوسَى أَنَّهُمْ قَدْ أَصَابُوا مِنْ الْمَعْصِيَة مَا أَصَابَهُ قَوْمهمْ . قَالَ اِبْن سَعْد : فَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , قَالَ : لَمْ يُسْتَجَبْ لَهُمْ مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ لَمْ يَنْهَوْهُمْ عَنْ الْمُنْكَر وَيَأْمُرُوهُمْ بِالْمَعْرُوفِ . قَالَ : فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَة فَمَاتُوا , ثُمَّ أَحْيَاهُمْ اللَّه . 11778 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو أُسَامَة , عَنْ عَوْن , عَنْ سَعِيد بْن حَيَّان , عَنْ اِبْن عَبَّاس : إِنَّ السَّبْعِينَ الَّذِينَ اِخْتَارَهُمْ مُوسَى مِنْ قَوْمه , إِنَّمَا أَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَة أَنَّهُمْ لَمْ يَرْضَوْا وَلَمْ يُنْهَوْا عَنْ الْعِجْل . * حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا عَوْن , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن حَيَّان , عَنْ اِبْن عَبَّاس , بِنَحْوِهِ . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي وَجْه نَصْب قَوْله : { قَوْمه سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا } فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : مَعْنَاهُ : وَاخْتَارَ مُوسَى مِنْ قَوْمه سَبْعِينَ رَجُلًا , فَلَمَّا نَزَعَ " مِنْ " أَعْمَلَ الْفِعْل , كَمَا قَالَ الْفَرَزْدَق : وَمِنَّا الَّذِي اخْتِيرَ الرِّجَال سَمَاحَة وَجُودًا إِذَا هَبَّ الرِّيَاح الزَّعَازِع وَكَمَا قَالَ الْآخَر : أَمَرْتُك الْخَيْر فَافْعَلْ مَا أُمِرْت بِهِ فَقَدْ تَرَكْتُك ذَا مَال وَذَا نَسَب وَقَالَ الرَّاعِي : اِخْتَرْتُك النَّاس إِذْ غَثَّتْ خَلَائِقهمْ وَاعْتَلَّ مَنْ كَانَ يُرْجَى عِنْده السُّول وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة : إِنَّمَا اُسْتُجِيزَ وُقُوع الْفِعْل عَلَيْهِمْ إِذَا طُرِحَتْ مِنْ , لِأَنَّهُ مَأْخُوذ مِنْ قَوْلك : هَؤُلَاءِ خَيْر الْقَوْم , وَخَيْر مِنْ الْقَوْم , فَإِذَا جَازَتْ الْإِضَافَة مَكَان " مِنْ " وَلَمْ يَتَغَيَّر الْمَعْنَى , اسْتَجَازُوا أَنْ يَقُولُوا : اِخْتَرْتُكُمْ رَجُلًا , وَاخْتَرْت مِنْكُمْ رَجُلًا ; وَقَدْ قَالَ الشَّاعِر : فَقُلْت لَهُ اِخْتَرْهَا قَلُوصًا سَمِينَة وَقَالَ الرَّاجِز : تَحْت الَّتِي اِخْتَارَ لَهُ اللَّه الشَّجَر بِمَعْنَى : اِخْتَارَهَا لَهُ اللَّه مِنْ الشَّجَر . وَهَذَا الْقَوْل الثَّانِي أَوْلَى عِنْدِي فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ لِدَلَالَةِ الِاخْتِيَار عَلَى طَلَب " مِنْ " الَّتِي بِمَعْنَى التَّبْعِيض , وَمِنْ شَأْن الْعَرَب أَنْ تَحْذِف الشَّيْء مِنْ حَشْو الْكَلَام إِذَا عُرِفَ مَوْضِعه , وَكَانَ فِيمَا أَظْهَرَتْ دَلَالَة عَلَى مَا حَذَفَتْ , فَهَذَا مِنْ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّه . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الرَّجْفَة فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهَا , وَأَنَّهَا مَا رَجَفَ بِالْقَوْمِ وَأَرْعَبَهُمْ وَحَرَّكَهُمْ وَأَهْلَكَهُمْ بَعْد , فَأَمَاتَهُمْ أَوْ أَصْعَقَهُمْ , فَسَلَبَ أَفْهَامهمْ . وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَة فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع , وَقَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّهَا كَانَتْ صَاعِقَة أَمَاتَتْهُمْ . 11779 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَلَمَّا أَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَة } مَاتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ . 11780 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا } اِخْتَارَهُمْ مُوسَى لِتَمَامِ الْمَوْعِد. { فَلَمَّا أَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَة } مَاتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ اللَّه . 11781 - حَدَّثَنِي عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : قَالَ أَبُو سَعْد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَلَمَّا أَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَة } قَالَ : رُجِفَ بِهِمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتك تُضِلّ بِهَا مَنْ تَشَاء وَتَهْدِي مَنْ تَشَاء } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : أَتُهْلِكُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَهْلَكْتهمْ بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا : أَيْ بِعِبَادَةِ مَنْ عَبَدَ الْعِجْل . قَالُوا : وَكَانَ اللَّه إِنَّمَا أَهْلَكَهُمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مِمَّنْ يَعْبُد الْعِجْل , وَقَالَ مُوسَى مَا قَالَ وَلَا عِلْم عِنْده بِمَا كَانَ مِنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11782 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا } فَأَوْحَى اللَّه إِلَى مُوسَى : إِنَّ هَؤُلَاءِ السَّبْعِينَ مِمَّنْ اِتَّخَذَ الْعِجْل , فَذَلِكَ حِين يَقُول مُوسَى : { إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتك تُضِلّ بِهَا مَنْ تَشَاء وَتَهْدِي مَنْ تَشَاء } وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أَنَّ إِهْلَاكك هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَهْلَكْتَهُمْ هَلَاك لِمَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل إِذَا اِنْصَرَفْت إِلَيْهِمْ , وَلَيْسُوا مَعِي , وَالسُّفَهَاء عَلَى هَذَا الْقَوْل كَانُوا الْمُهْلَكِينَ الَّذِينَ سَأَلُوا مُوسَى أَنْ يُرِيَهُمْ رَبّهمْ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11783 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : لَمَّا أَخَذَتْ الرَّجْفَة السَّبْعِينَ فَمَاتُوا جَمِيعًا , قَامَ مُوسَى يُنَاشِد رَبّه وَيَدْعُوهُ , وَيَرْغَب إِلَيْهِ يَقُول : رَبّ لَوْ شِئْت أَهْلَكْتهمْ مِنْ قَبْل وَإِيَّايَ قَدْ سَفِهُوا ! أَفَتُهْلِك مَنْ وَرَائِي مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا ؟ أَيْ إِنَّ هَذَا لَهُمْ هَلَاك , قَدْ اِخْتَرْت مِنْهُمْ سَبْعِينَ رَجُلًا الْخَيِّر فَالْخَيِّر , أَرْجِع إِلَيْهِمْ وَلَيْسَ مَعِيَ رَجُل وَاحِد ؟ فَمَا الَّذِي يُصَدِّقُونَنِي بِهِ أَوْ يَأْمَنُونَنِي عَلَيْهِ بَعْد هَذَا ؟ وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا : 11784 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا } أَتُؤَاخِذُنَا وَلَيْسَ مِنَّا رَجُل وَاحِد تَرَكَ عِبَادَتك وَلَا اِسْتَبْدَلَ بِك غَيْرك ؟ وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَة , قَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّ مُوسَى إِنَّمَا حَزِنَ عَلَى هَلَاك السَّبْعِينَ بِقَوْلِهِ : { أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا } وَأَنَّهُ إِنَّمَا عَنَى بِالسُّفَهَاءِ : عَبَدَة الْعِجْل ; وَذَلِكَ أَنَّهُ مُحَال أَنْ يَكُون مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ تَخَيَّرَ مِنْ قَوْمه لِمَسْأَلَةِ رَبّه مَا أَرَاهُ أَنْ يَسْأَل لَهُمْ إِلَّا الْأَفْضَل فَالْأَفْضَل مِنْهُمْ , وَمُحَال أَنْ يَكُون الْأَفْضَل كَانَ عِنْده مَنْ أَشْرَكَ فِي عِبَادَة الْعِجْل وَاِتَّخَذَهُ دُون اللَّه إِلَهًا . قَالَ : فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَجَائِز أَنْ يَكُون مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ مُعْتَقِدًا أَنَّ اللَّه سُبْحَانه يُعَاقِب قَوْمًا بِذُنُوبِ غَيْرهمْ , فَيَقُول : أَتُهْلِكُنَا بِذُنُوبِ مَنْ عَبَدَ الْعِجْل , وَنَحْنُ مِنْ ذَلِكَ بُرَآء ؟ قِيلَ جَائِز أَنْ يَكُون مَعْنَى الْإِهْلَاك : قَبْض الْأَرْوَاح عَلَى غَيْر وَجْه الْعُقُوبَة , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إِنْ اِمْرُؤٌ هَلَكَ } 4 176 يَعْنِي : مَاتَ , فَيَقُول : أَتُمِيتُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا . وَأَمَّا قَوْله : { إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتك } فَإِنَّهُ يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : مَا هَذِهِ الْفَعْلَة الَّتِي فَعَلَهَا قَوْمِي مِنْ عِبَادَتهمْ مَا عَبَدُوا دُونك , إِلَّا فِتْنَة مِنْك أَصَابَتْهُمْ . وَيَعْنِي بِالْفِتْنَةِ : الِابْتِلَاء وَالِاخْتِبَار . يَقُول : اِبْتَلَيْتهمْ بِهَا لِيَتَبَيَّن الَّذِي يَضِلّ عَنْ الْحَقّ بِعِبَادَتِهِ إِيَّاهُ وَاَلَّذِي يَهْتَدِي بِتَرْكِ عِبَادَته . وَأَضَافَ إِضْلَالهمْ وَهِدَايَتهمْ إِلَى اللَّه , إِذْ كَانَ مَا كَانَ مِنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ عَنْ سَبَب مِنْهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي الْفِتْنَة قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11785 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة { إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتك } قَالَ : بَلِيَّتك . 11786 - قَالَ : ثنا حَبُّويَة الرَّازِيّ , عَنْ يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر بْن أَبِي الْمُغِيرَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { إِلَّا فِتْنَتك } : إِلَّا بَلِيَّتك . 11787 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن سَعْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس : { إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتك } قَالَ : بَلِيَّتك . 11788 - قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتك تُضِلّ بِهَا مَنْ تَشَاء } إِنْ هُوَ إِلَّا عَذَابك تُصِيب بِهِ مَنْ تَشَاء , وَتَصْرِفهُ عَمَّنْ تَشَاء . 11789 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتك } أَنْتَ فَتَنتهمْ.
وَقَوْله : { أَنْتَ وَلِيّنَا } يَقُول : أَنْتَ نَاصِرنَا .
{ فَاغْفِرْ لَنَا } يَقُول : فَاسْتُرْ عَلَيْنَا ذُنُوبنَا بِتَرْكِك عِقَابنَا عَلَيْهَا .
{ وَارْحَمْنَا } : تَعَطَّفْ عَلَيْنَا بِرَحْمَتِك .
{ وَأَنْتَ خَيْر الْغَافِرِينَ } يَقُول : خَيْر مَنْ صَفَحَ عَنْ جُرْم وَسَتَرَ عَلَى ذَنْب .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتك تُضِلّ بِهَا مَنْ تَشَاء وَتَهْدِي مَنْ تَشَاء } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : أَتُهْلِكُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَهْلَكْتهمْ بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا : أَيْ بِعِبَادَةِ مَنْ عَبَدَ الْعِجْل . قَالُوا : وَكَانَ اللَّه إِنَّمَا أَهْلَكَهُمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مِمَّنْ يَعْبُد الْعِجْل , وَقَالَ مُوسَى مَا قَالَ وَلَا عِلْم عِنْده بِمَا كَانَ مِنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11782 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا } فَأَوْحَى اللَّه إِلَى مُوسَى : إِنَّ هَؤُلَاءِ السَّبْعِينَ مِمَّنْ اِتَّخَذَ الْعِجْل , فَذَلِكَ حِين يَقُول مُوسَى : { إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتك تُضِلّ بِهَا مَنْ تَشَاء وَتَهْدِي مَنْ تَشَاء } وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : أَنَّ إِهْلَاكك هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَهْلَكْتَهُمْ هَلَاك لِمَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل إِذَا اِنْصَرَفْت إِلَيْهِمْ , وَلَيْسُوا مَعِي , وَالسُّفَهَاء عَلَى هَذَا الْقَوْل كَانُوا الْمُهْلَكِينَ الَّذِينَ سَأَلُوا مُوسَى أَنْ يُرِيَهُمْ رَبّهمْ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11783 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : لَمَّا أَخَذَتْ الرَّجْفَة السَّبْعِينَ فَمَاتُوا جَمِيعًا , قَامَ مُوسَى يُنَاشِد رَبّه وَيَدْعُوهُ , وَيَرْغَب إِلَيْهِ يَقُول : رَبّ لَوْ شِئْت أَهْلَكْتهمْ مِنْ قَبْل وَإِيَّايَ قَدْ سَفِهُوا ! أَفَتُهْلِك مَنْ وَرَائِي مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا ؟ أَيْ إِنَّ هَذَا لَهُمْ هَلَاك , قَدْ اِخْتَرْت مِنْهُمْ سَبْعِينَ رَجُلًا الْخَيِّر فَالْخَيِّر , أَرْجِع إِلَيْهِمْ وَلَيْسَ مَعِيَ رَجُل وَاحِد ؟ فَمَا الَّذِي يُصَدِّقُونَنِي بِهِ أَوْ يَأْمَنُونَنِي عَلَيْهِ بَعْد هَذَا ؟ وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا : 11784 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا } أَتُؤَاخِذُنَا وَلَيْسَ مِنَّا رَجُل وَاحِد تَرَكَ عِبَادَتك وَلَا اِسْتَبْدَلَ بِك غَيْرك ؟ وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَة , قَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّ مُوسَى إِنَّمَا حَزِنَ عَلَى هَلَاك السَّبْعِينَ بِقَوْلِهِ : { أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا } وَأَنَّهُ إِنَّمَا عَنَى بِالسُّفَهَاءِ : عَبَدَة الْعِجْل ; وَذَلِكَ أَنَّهُ مُحَال أَنْ يَكُون مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ تَخَيَّرَ مِنْ قَوْمه لِمَسْأَلَةِ رَبّه مَا أَرَاهُ أَنْ يَسْأَل لَهُمْ إِلَّا الْأَفْضَل فَالْأَفْضَل مِنْهُمْ , وَمُحَال أَنْ يَكُون الْأَفْضَل كَانَ عِنْده مَنْ أَشْرَكَ فِي عِبَادَة الْعِجْل وَاِتَّخَذَهُ دُون اللَّه إِلَهًا . قَالَ : فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَجَائِز أَنْ يَكُون مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ مُعْتَقِدًا أَنَّ اللَّه سُبْحَانه يُعَاقِب قَوْمًا بِذُنُوبِ غَيْرهمْ , فَيَقُول : أَتُهْلِكُنَا بِذُنُوبِ مَنْ عَبَدَ الْعِجْل , وَنَحْنُ مِنْ ذَلِكَ بُرَآء ؟ قِيلَ جَائِز أَنْ يَكُون مَعْنَى الْإِهْلَاك : قَبْض الْأَرْوَاح عَلَى غَيْر وَجْه الْعُقُوبَة , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إِنْ اِمْرُؤٌ هَلَكَ } 4 176 يَعْنِي : مَاتَ , فَيَقُول : أَتُمِيتُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا . وَأَمَّا قَوْله : { إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتك } فَإِنَّهُ يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : مَا هَذِهِ الْفَعْلَة الَّتِي فَعَلَهَا قَوْمِي مِنْ عِبَادَتهمْ مَا عَبَدُوا دُونك , إِلَّا فِتْنَة مِنْك أَصَابَتْهُمْ . وَيَعْنِي بِالْفِتْنَةِ : الِابْتِلَاء وَالِاخْتِبَار . يَقُول : اِبْتَلَيْتهمْ بِهَا لِيَتَبَيَّن الَّذِي يَضِلّ عَنْ الْحَقّ بِعِبَادَتِهِ إِيَّاهُ وَاَلَّذِي يَهْتَدِي بِتَرْكِ عِبَادَته . وَأَضَافَ إِضْلَالهمْ وَهِدَايَتهمْ إِلَى اللَّه , إِذْ كَانَ مَا كَانَ مِنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ عَنْ سَبَب مِنْهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي الْفِتْنَة قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11785 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة { إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتك } قَالَ : بَلِيَّتك . 11786 - قَالَ : ثنا حَبُّويَة الرَّازِيّ , عَنْ يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر بْن أَبِي الْمُغِيرَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { إِلَّا فِتْنَتك } : إِلَّا بَلِيَّتك . 11787 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن سَعْد , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس : { إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتك } قَالَ : بَلِيَّتك . 11788 - قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتك تُضِلّ بِهَا مَنْ تَشَاء } إِنْ هُوَ إِلَّا عَذَابك تُصِيب بِهِ مَنْ تَشَاء , وَتَصْرِفهُ عَمَّنْ تَشَاء . 11789 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتك } أَنْتَ فَتَنتهمْ.
وَقَوْله : { أَنْتَ وَلِيّنَا } يَقُول : أَنْتَ نَاصِرنَا .
{ فَاغْفِرْ لَنَا } يَقُول : فَاسْتُرْ عَلَيْنَا ذُنُوبنَا بِتَرْكِك عِقَابنَا عَلَيْهَا .
{ وَارْحَمْنَا } : تَعَطَّفْ عَلَيْنَا بِرَحْمَتِك .
{ وَأَنْتَ خَيْر الْغَافِرِينَ } يَقُول : خَيْر مَنْ صَفَحَ عَنْ جُرْم وَسَتَرَ عَلَى ذَنْب .
وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ دُعَاء نَبِيّه مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّهُ قَالَ فِيهِ : { وَاكْتُبْ لَنَا } : أَيْ اِجْعَلْنَا مِمَّنْ كَتَبْت لَهُ { فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَة } وَهِيَ الصَّالِحَات مِنْ الْأَعْمَال , { وَفِي الْآخِرَة } مِمَّنْ كَتَبْت لَهُ الْمَغْفِرَة لِذُنُوبِهِ . 11790 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَة } قَالَ : مَغْفِرَة.
وَقَوْله : { إِنَّا هُدْنَا إِلَيْك } يَقُول : إِنَّا تُبْنَا إِلَيْك . وَبِنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11791 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير وَابْن فُضَيْل وَعِمْرَان بْن عُيَيْنَة , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر - وَقَالَ عِمْرَان , عَنْ اِبْن عَبَّاس - : { إِنَّا هُدْنَا إِلَيْك } قَالَ : إِنَّا تُبْنَا إِلَيْك . 11792 - قَالَ ثنا زَيْد بْن حُبَاب , عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : تُبْنَا إِلَيْك. 11793 - قَالَ : ثنا جَابِر بْن نُوح , عَنْ أَبِي رَوْق عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : تُبْنَا إِلَيْك. * قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن بَكْر , عَنْ حَاتِم بْن أَبِي مُغِيرَة , عَنْ سِمَاك : أَنَّ اِبْن عَبَّاس قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { إِنَّا هُدْنَا إِلَيْك } قَالَ : تُبْنَا إِلَيْك. * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , - قَالَ : أَحْسَبهُ عَنْ اِبْن عَبَّاس - : { إِنَّا هُدْنَا إِلَيْك } قَالَ : تُبْنَا إِلَيْك . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { إِنَّا هُدْنَا إِلَيْك } يَقُول تُبْنَا إِلَيْك . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثني يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن الْأَصْبَهَانِيّ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : { إِنَّا هُدْنَا إِلَيْك } قَالَ : تُبْنَا إِلَيْك . * قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن وَوَكِيع بْن الْجَرَّاح , قَالَا : ثنا سُفْيَان عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن الْأَصْبَهَانِيّ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر بِمِثْلِهِ . 11794 - حَدَّثَنِي اِبْن وَكِيع , قَالَ ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن الْأَصْبَهَانِيّ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , مِثْله . 11795 - قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : تُبْنَا إِلَيْك . * قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن زَيْد , عَنْ الْعَوَّام , عَنْ إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ , قَالَ : تُبْنَا إِلَيْك . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ الْعَوَّام , عَنْ إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ مِثْله. 11796 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { إِنَّا هُدْنَا إِلَيْك } أَيْ إِنَّا تُبْنَا إِلَيْك . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { هُدْنَا إِلَيْك } قَالَ : تُبْنَا . 11797 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { إِنَّا هُدْنَا إِلَيْك } يَقُول : تُبْنَا إِلَيْك . 11798 - قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { إِنَّا هُدْنَا إِلَيْك } يَقُول : تُبْنَا إِلَيْك . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 11799 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , قَالَ : { هُدْنَا إِلَيْك } قَالَ : تُبْنَا إِلَيْك . * قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِي جُحَير , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : تُبْنَا إِلَيْك . 11800 - قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : تُبْنَا إِلَيْك . * وَحُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول , فَذَكَرَ مِثْله . * قَالَ : ثنا أَبِي وَعُبَيْد اللَّه , عَنْ شَرِيك , عَنْ جَابِر , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : تُبْنَا إِلَيْك. 11801 - قَالَ : ثنا حَبُّويَة أَبُو يَزِيد , عَنْ يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , مِثْله . 11802 - قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ شَرِيك , عَنْ جَابِر , عَنْ عَبْد اللَّه بْن يَحْيَى , عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : إِنَّمَا سُمِّيَتْ الْيَهُود لِأَنَّهُمْ قَالُوا { هُدْنَا إِلَيْك } * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { إِنَّا هُدْنَا إِلَيْك } يَعْنِي : تُبْنَا إِلَيْك . * حَدَّثَنَا اِبْن الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : سَمِعْت رَجُلًا يَسْأَل سَعِيدًا : { إِنَّا هُدْنَا إِلَيْك } قَالَ : إِنَّا تُبْنَا إِلَيْك . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى قَبْل بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ عَذَابِي أُصِيب بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْء فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { قَالَ } اللَّه لِمُوسَى : هَذَا الَّذِي أَصَبْت بِهِ قَوْمك مِنْ الرَّجْفَة { عَذَابِي أُصِيب بِهِ مَنْ أَشَاء } مِنْ خَلْقِي , كَمَا أُصِيب بِهِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَصَبْتهمْ بِهِ مِنْ قَوْمك . { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْء } يَقُول : وَرَحْمَتِي عَمَّتْ خَلْقِي كُلّهمْ . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ مَخْرَجه عَامّ وَمَعْنَاهُ خَاصّ , وَالْمُرَاد بِهِ : وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ الْمُؤْمِنِينَ بِي مِنْ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَاسْتَشْهَدَ بِاَلَّذِي بَعْده مِنْ الْكَلَام , وَهُوَ قَوْله : { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } الْآيَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11803 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو سَلَمَة الْمِنْقَرِيّ , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَرَأَ : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْء فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } قَالَ : جَعَلَهَا اللَّه لِهَذِهِ الْأُمَّة . 11804 - حَدَّثَنِي عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيم بْن بَشَّار , قَالَ : قَالَ سُفْيَان , قَالَ أَبُو بَكْر الْهُذَلِيّ : فَلَمَّا نَزَلَتْ : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْء } قَالَ إِبْلِيس : أَنَا مِنْ الشَّيْء . فَنَزَعَهَا اللَّه مِنْ إِبْلِيس , قَالَ : { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة وَاَلَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ } فَقَالَ الْيَهُود : نَحْنُ نَتَّقِي وَنُؤْتِي الزَّكَاة , وَنُؤْمِن بِآيَاتِ رَبّنَا . فَنَزَعَهَا اللَّه مِنْ الْيَهُود , فَقَالَ : { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُول النَّبِيّ الْأُمِّيّ } الْآيَات كُلّهَا . قَالَ : فَنَزَعَهَا اللَّه مِنْ إِبْلِيس وَمِنْ الْيَهُود وَجَعَلَهَا لِهَذِهِ الْأُمَّة. 11805 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْء } قَالَ إِبْلِيس : أَنَا مِنْ كُلّ شَيْء , قَالَ اللَّه : { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة وَاَلَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ } الْآيَة . فَقَالَتْ الْيَهُود : وَنَحْنُ نَتَّقِي وَنُؤْتِي الزَّكَاة . فَأَنْزَلَ اللَّه : { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُول النَّبِيّ الْأُمِّيّ } قَالَ : نَزَعَهَا اللَّه عَنْ إِبْلِيس وَعَنْ الْيَهُود , وَجَعَلَهَا لِأُمَّةِ مُحَمَّد , سَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ قَوْمك . 11806 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { عَذَابِي أُصِيب بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْء } فَقَالَ إِبْلِيس : أَنَا مِنْ ذَلِكَ الشَّيْء , فَأَنْزَلَ اللَّه : { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } مَعَاصِي اللَّه , { وَاَلَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ } فَتَمَنَّتْهَا الْيَهُود وَالنَّصَارَى . فَأَنْزَلَ اللَّه شَرْطًا وَثِيقًا بَيِّنًا , فَقَالَ : { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُول النَّبِيّ الْأُمِّيّ } فَهُوَ نَبِيّكُمْ كَانَ أُمِّيًّا لَا يَكْتُب , صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 11807 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : أَخْبَرَنَا خَالِد الْحَذَّاء , عَنْ أُنَيْس بْن أَبِي الْعُرْيَان , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة إِنَّا هُدْنَا إِلَيْك } قَالَ : فَلَمْ يُعْطِهَا , فَقَالَ : { عَذَابِي أُصِيب بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْء فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } إِلَى قَوْله : { الرَّسُول النَّبِيّ الْأُمِّيّ } * حَدَّثَنِي اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة وَعَبْد الْأَعْلَى , عَنْ خَالِد , عَنْ أُنَيْس بْن أَبِي الْعُرْيَانِ - قَالَ عَبْد الْأَعْلَى : عَنْ أُنَيْس أَبِي الْعُرْيَان - وَقَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : { وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة إِنَّا هُدْنَا إِلَيْك } قَالَ : فَلَمْ يُعْطِهَا مُوسَى . { قَالَ عَذَابِي أُصِيب بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْء فَسَأَكْتُبُهَا } إِلَى آخِر الْآيَة . 11808 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَ اللَّه كَتَبَ فِي الْأَلْوَاح ذِكْر مُحَمَّد وَذِكْر أُمَّته وَمَا اُدُّخِرَ لَهُمْ عِنْده وَمَا يَسَّرَ عَلَيْهِمْ فِي دِينهمْ وَمَا وَسَّعَ عَلَيْهِمْ فِيمَا أَحَلَّ لَهُمْ , فَقَالَ : { عَذَابِي أُصِيب بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْء فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } يَعْنِي الشِّرْك , الْآيَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ عَلَى الْعُمُوم فِي الدُّنْيَا وَعَلَى الْخُصُوص فِي الْآخِرَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11809 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن وَقَتَادَة , فِي قَوْله : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْء } قَالَا : وَسِعَتْ فِي الدُّنْيَا الْبَرّ وَالْفَاجِر , وَهِيَ يَوْم الْقِيَامَة لِلَّذِينَ اِتَّقَوْا خَاصَّة . وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ عَلَى الْعُمُوم , وَهِيَ التَّوْبَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11810 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { أَنْتَ وَلِيّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْر الْغَافِرِينَ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة إِنَّا هُدْنَا إِلَيْك } فَقَالَ : سَأَلَ مُوسَى هَذَا , فَقَالَ اللَّه : { عَذَابِي أُصِيب بِهِ مَنْ أَشَاء } الْعَذَاب الَّذِي ذَكَرَ { وَرَحْمَتِي } التَّوْبَة { وَسِعَتْ كُلّ شَيْء فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } قَالَ : فَرَحْمَته : التَّوْبَة الَّتِي سَأَلَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام كَتَبَهَا اللَّه لَنَا . وَأَمَّا قَوْله : { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } فَإِنَّهُ يَقُول : فَسَأَكْتُبُ رَحْمَتِي الَّتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْء . وَمَعْنَى " أَكْتُب " فِي هَذَا الْمَوْضِع : أَكْتُب فِي اللَّوْح الَّذِي كُتِبَ فِيهِ التَّوْرَاة { لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } يَقُول : لِلْقَوْمِ الَّذِينَ يَخَافُونَ اللَّه وَيَخْشَوْنَ عِقَابه عَلَى الْكُفْر بِهِ وَالْمَعْصِيَة لَهُ فِي أَمْره وَنَهْيه , فَيُؤَدُّونَ فَرَائِضه , وَيَجْتَنِبُونَ مَعَاصِيه . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفَ اللَّه هَؤُلَاءِ الْقَوْم بِأَنَّهُمْ يَتَّقُونَهُ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ الشِّرْك . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11811 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } يَعْنِي الشِّرْك . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ الْمَعَاصِي كُلّهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11812 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } مَعَاصِي اللَّه . وَأَمَّا الزَّكَاة وَإِيتَاؤُهَا , فَقَدْ بَيَّنَّا صِفَتهَا فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي هَذَا الْمَوْضِع أَنَّهُ قَالَ فِي ذَلِكَ مَا : 11813 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة } قَالَ : يُطِيعُونَ اللَّه وَرَسُوله . فَكَأَنَّ اِبْن عَبَّاس تَأَوَّلَ ذَلِكَ بِمَعْنَى أَنَّهُ الْعَمَل بِمَا يُزَكِّي النَّفْس وَيُطَهِّرهَا مِنْ صَالِحَات الْأَعْمَال .
وَأَمَّا قَوْله : { وَاَلَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ } فَإِنَّهُ يَقُول : وَلِلْقَوْمِ الَّذِينَ هُمْ بِأَعْلَامِنَا وَأَدِلَّتنَا يُصَدِّقُونَ وَيُقِرُّونَ .
وَقَوْله : { إِنَّا هُدْنَا إِلَيْك } يَقُول : إِنَّا تُبْنَا إِلَيْك . وَبِنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11791 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير وَابْن فُضَيْل وَعِمْرَان بْن عُيَيْنَة , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر - وَقَالَ عِمْرَان , عَنْ اِبْن عَبَّاس - : { إِنَّا هُدْنَا إِلَيْك } قَالَ : إِنَّا تُبْنَا إِلَيْك . 11792 - قَالَ ثنا زَيْد بْن حُبَاب , عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : تُبْنَا إِلَيْك. 11793 - قَالَ : ثنا جَابِر بْن نُوح , عَنْ أَبِي رَوْق عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : تُبْنَا إِلَيْك. * قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن بَكْر , عَنْ حَاتِم بْن أَبِي مُغِيرَة , عَنْ سِمَاك : أَنَّ اِبْن عَبَّاس قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { إِنَّا هُدْنَا إِلَيْك } قَالَ : تُبْنَا إِلَيْك. * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , - قَالَ : أَحْسَبهُ عَنْ اِبْن عَبَّاس - : { إِنَّا هُدْنَا إِلَيْك } قَالَ : تُبْنَا إِلَيْك . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { إِنَّا هُدْنَا إِلَيْك } يَقُول تُبْنَا إِلَيْك . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثني يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن الْأَصْبَهَانِيّ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : { إِنَّا هُدْنَا إِلَيْك } قَالَ : تُبْنَا إِلَيْك . * قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن وَوَكِيع بْن الْجَرَّاح , قَالَا : ثنا سُفْيَان عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن الْأَصْبَهَانِيّ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر بِمِثْلِهِ . 11794 - حَدَّثَنِي اِبْن وَكِيع , قَالَ ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ اِبْن الْأَصْبَهَانِيّ , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , مِثْله . 11795 - قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : تُبْنَا إِلَيْك . * قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن زَيْد , عَنْ الْعَوَّام , عَنْ إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ , قَالَ : تُبْنَا إِلَيْك . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ الْعَوَّام , عَنْ إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ مِثْله. 11796 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { إِنَّا هُدْنَا إِلَيْك } أَيْ إِنَّا تُبْنَا إِلَيْك . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { هُدْنَا إِلَيْك } قَالَ : تُبْنَا . 11797 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { إِنَّا هُدْنَا إِلَيْك } يَقُول : تُبْنَا إِلَيْك . 11798 - قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { إِنَّا هُدْنَا إِلَيْك } يَقُول : تُبْنَا إِلَيْك . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 11799 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , قَالَ : { هُدْنَا إِلَيْك } قَالَ : تُبْنَا إِلَيْك . * قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِي جُحَير , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : تُبْنَا إِلَيْك . 11800 - قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : تُبْنَا إِلَيْك . * وَحُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : أَخْبَرَنَا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول , فَذَكَرَ مِثْله . * قَالَ : ثنا أَبِي وَعُبَيْد اللَّه , عَنْ شَرِيك , عَنْ جَابِر , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : تُبْنَا إِلَيْك. 11801 - قَالَ : ثنا حَبُّويَة أَبُو يَزِيد , عَنْ يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , مِثْله . 11802 - قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ شَرِيك , عَنْ جَابِر , عَنْ عَبْد اللَّه بْن يَحْيَى , عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : إِنَّمَا سُمِّيَتْ الْيَهُود لِأَنَّهُمْ قَالُوا { هُدْنَا إِلَيْك } * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { إِنَّا هُدْنَا إِلَيْك } يَعْنِي : تُبْنَا إِلَيْك . * حَدَّثَنَا اِبْن الْبَرْقِيّ , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : سَمِعْت رَجُلًا يَسْأَل سَعِيدًا : { إِنَّا هُدْنَا إِلَيْك } قَالَ : إِنَّا تُبْنَا إِلَيْك . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِيمَا مَضَى قَبْل بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قَالَ عَذَابِي أُصِيب بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْء فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { قَالَ } اللَّه لِمُوسَى : هَذَا الَّذِي أَصَبْت بِهِ قَوْمك مِنْ الرَّجْفَة { عَذَابِي أُصِيب بِهِ مَنْ أَشَاء } مِنْ خَلْقِي , كَمَا أُصِيب بِهِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَصَبْتهمْ بِهِ مِنْ قَوْمك . { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْء } يَقُول : وَرَحْمَتِي عَمَّتْ خَلْقِي كُلّهمْ . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ مَخْرَجه عَامّ وَمَعْنَاهُ خَاصّ , وَالْمُرَاد بِهِ : وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ الْمُؤْمِنِينَ بِي مِنْ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَاسْتَشْهَدَ بِاَلَّذِي بَعْده مِنْ الْكَلَام , وَهُوَ قَوْله : { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } الْآيَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11803 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو سَلَمَة الْمِنْقَرِيّ , قَالَ : ثنا حَمَّاد بْن سَلَمَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَرَأَ : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْء فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } قَالَ : جَعَلَهَا اللَّه لِهَذِهِ الْأُمَّة . 11804 - حَدَّثَنِي عَبْد الْكَرِيم , قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيم بْن بَشَّار , قَالَ : قَالَ سُفْيَان , قَالَ أَبُو بَكْر الْهُذَلِيّ : فَلَمَّا نَزَلَتْ : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْء } قَالَ إِبْلِيس : أَنَا مِنْ الشَّيْء . فَنَزَعَهَا اللَّه مِنْ إِبْلِيس , قَالَ : { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة وَاَلَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ } فَقَالَ الْيَهُود : نَحْنُ نَتَّقِي وَنُؤْتِي الزَّكَاة , وَنُؤْمِن بِآيَاتِ رَبّنَا . فَنَزَعَهَا اللَّه مِنْ الْيَهُود , فَقَالَ : { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُول النَّبِيّ الْأُمِّيّ } الْآيَات كُلّهَا . قَالَ : فَنَزَعَهَا اللَّه مِنْ إِبْلِيس وَمِنْ الْيَهُود وَجَعَلَهَا لِهَذِهِ الْأُمَّة. 11805 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْء } قَالَ إِبْلِيس : أَنَا مِنْ كُلّ شَيْء , قَالَ اللَّه : { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة وَاَلَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ } الْآيَة . فَقَالَتْ الْيَهُود : وَنَحْنُ نَتَّقِي وَنُؤْتِي الزَّكَاة . فَأَنْزَلَ اللَّه : { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُول النَّبِيّ الْأُمِّيّ } قَالَ : نَزَعَهَا اللَّه عَنْ إِبْلِيس وَعَنْ الْيَهُود , وَجَعَلَهَا لِأُمَّةِ مُحَمَّد , سَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ قَوْمك . 11806 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { عَذَابِي أُصِيب بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْء } فَقَالَ إِبْلِيس : أَنَا مِنْ ذَلِكَ الشَّيْء , فَأَنْزَلَ اللَّه : { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } مَعَاصِي اللَّه , { وَاَلَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ } فَتَمَنَّتْهَا الْيَهُود وَالنَّصَارَى . فَأَنْزَلَ اللَّه شَرْطًا وَثِيقًا بَيِّنًا , فَقَالَ : { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُول النَّبِيّ الْأُمِّيّ } فَهُوَ نَبِيّكُمْ كَانَ أُمِّيًّا لَا يَكْتُب , صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 11807 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : أَخْبَرَنَا خَالِد الْحَذَّاء , عَنْ أُنَيْس بْن أَبِي الْعُرْيَان , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة إِنَّا هُدْنَا إِلَيْك } قَالَ : فَلَمْ يُعْطِهَا , فَقَالَ : { عَذَابِي أُصِيب بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْء فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } إِلَى قَوْله : { الرَّسُول النَّبِيّ الْأُمِّيّ } * حَدَّثَنِي اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة وَعَبْد الْأَعْلَى , عَنْ خَالِد , عَنْ أُنَيْس بْن أَبِي الْعُرْيَانِ - قَالَ عَبْد الْأَعْلَى : عَنْ أُنَيْس أَبِي الْعُرْيَان - وَقَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : { وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة إِنَّا هُدْنَا إِلَيْك } قَالَ : فَلَمْ يُعْطِهَا مُوسَى . { قَالَ عَذَابِي أُصِيب بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْء فَسَأَكْتُبُهَا } إِلَى آخِر الْآيَة . 11808 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَ اللَّه كَتَبَ فِي الْأَلْوَاح ذِكْر مُحَمَّد وَذِكْر أُمَّته وَمَا اُدُّخِرَ لَهُمْ عِنْده وَمَا يَسَّرَ عَلَيْهِمْ فِي دِينهمْ وَمَا وَسَّعَ عَلَيْهِمْ فِيمَا أَحَلَّ لَهُمْ , فَقَالَ : { عَذَابِي أُصِيب بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْء فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } يَعْنِي الشِّرْك , الْآيَة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ عَلَى الْعُمُوم فِي الدُّنْيَا وَعَلَى الْخُصُوص فِي الْآخِرَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11809 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن وَقَتَادَة , فِي قَوْله : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْء } قَالَا : وَسِعَتْ فِي الدُّنْيَا الْبَرّ وَالْفَاجِر , وَهِيَ يَوْم الْقِيَامَة لِلَّذِينَ اِتَّقَوْا خَاصَّة . وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ عَلَى الْعُمُوم , وَهِيَ التَّوْبَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11810 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { أَنْتَ وَلِيّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْر الْغَافِرِينَ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة إِنَّا هُدْنَا إِلَيْك } فَقَالَ : سَأَلَ مُوسَى هَذَا , فَقَالَ اللَّه : { عَذَابِي أُصِيب بِهِ مَنْ أَشَاء } الْعَذَاب الَّذِي ذَكَرَ { وَرَحْمَتِي } التَّوْبَة { وَسِعَتْ كُلّ شَيْء فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } قَالَ : فَرَحْمَته : التَّوْبَة الَّتِي سَأَلَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام كَتَبَهَا اللَّه لَنَا . وَأَمَّا قَوْله : { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } فَإِنَّهُ يَقُول : فَسَأَكْتُبُ رَحْمَتِي الَّتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْء . وَمَعْنَى " أَكْتُب " فِي هَذَا الْمَوْضِع : أَكْتُب فِي اللَّوْح الَّذِي كُتِبَ فِيهِ التَّوْرَاة { لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } يَقُول : لِلْقَوْمِ الَّذِينَ يَخَافُونَ اللَّه وَيَخْشَوْنَ عِقَابه عَلَى الْكُفْر بِهِ وَالْمَعْصِيَة لَهُ فِي أَمْره وَنَهْيه , فَيُؤَدُّونَ فَرَائِضه , وَيَجْتَنِبُونَ مَعَاصِيه . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفَ اللَّه هَؤُلَاءِ الْقَوْم بِأَنَّهُمْ يَتَّقُونَهُ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ الشِّرْك . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11811 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } يَعْنِي الشِّرْك . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُوَ الْمَعَاصِي كُلّهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11812 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } مَعَاصِي اللَّه . وَأَمَّا الزَّكَاة وَإِيتَاؤُهَا , فَقَدْ بَيَّنَّا صِفَتهَا فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي هَذَا الْمَوْضِع أَنَّهُ قَالَ فِي ذَلِكَ مَا : 11813 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة } قَالَ : يُطِيعُونَ اللَّه وَرَسُوله . فَكَأَنَّ اِبْن عَبَّاس تَأَوَّلَ ذَلِكَ بِمَعْنَى أَنَّهُ الْعَمَل بِمَا يُزَكِّي النَّفْس وَيُطَهِّرهَا مِنْ صَالِحَات الْأَعْمَال .
وَأَمَّا قَوْله : { وَاَلَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ } فَإِنَّهُ يَقُول : وَلِلْقَوْمِ الَّذِينَ هُمْ بِأَعْلَامِنَا وَأَدِلَّتنَا يُصَدِّقُونَ وَيُقِرُّونَ .
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُول النَّبِيّ الْأُمِّيّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل } وَهَذَا الْقَوْل إِبَانَة مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ أَنَّ الَّذِينَ وَعَدَ مُوسَى نَبِيّه عَلَيْهِ السَّلَام أَنْ يَكْتُب لَهُمْ الرَّحْمَة الَّتِي وَصَفَهَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْء } هُمْ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لِأَنَّهُ لَا يُعْلَم لِلَّهِ رَسُول وُصِفَ بِهَذِهِ الصِّفَة - أَعْنِي الْأُمِّيّ - غَيْر نَبِيّنَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَبِذَلِكَ جَاءَتْ الرِّوَايَات عَنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ. 11814 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عِمْرَان بْن عُيَيْنَة , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } قَالَ : أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. * قَالَ : ثنا زَيْد بْن حُبَاب , عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة , عَنْ عَطَاء , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 11815 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ أَشْعَث , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد , فِي قَوْله : { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } قَالَ : أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام : لَيْتَنِي خُلِقْت فِي أُمَّة مُحَمَّد ! 11816 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } قَالَ : الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 11817 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ لَيْث , عَنْ شَهْر بْن حَوْشَب , عَنْ نَوْف الْحِمْيَرِيّ , قَالَ : لَمَّا اِخْتَارَ مُوسَى قَوْمه سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِ رَبّه قَالَ اللَّه لِمُوسَى : أَجْعَل لَكُمْ الْأَرْض مَسْجِدًا وَطَهُورًا , وَأَجْعَل السَّكِينَة مَعَكُمْ فِي بُيُوتكُمْ , وَأَجْعَلكُمْ تَقْرَءُونَ التَّوْرَاة عَنْ ظُهُور قُلُوبكُمْ , يَقْرَؤُهَا الرَّجُل مِنْكُمْ وَالْمَرْأَة وَالْحُرّ وَالْعَبْد وَالصَّغِير وَالْكَبِير. فَقَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ : إِنَّ اللَّه قَدْ يَجْعَل لَكُمْ الْأَرْض طَهُورًا وَمَسْجِدًا . قَالُوا : لَا نُرِيد أَنْ نُصَلِّيَ إِلَّا فِي الْكَنَائِس . قَالَ : وَيَجْعَل السَّكِينَة مَعَكُمْ فِي بُيُوتكُمْ. قَالُوا : لَا نُرِيد إِلَّا أَنْ تَكُون كَمَا كَانَتْ فِي التَّابُوت . قَالَ : وَيَجْعَلكُمْ تَقْرَءُونَ التَّوْرَاة عَنْ ظُهُور قُلُوبكُمْ , وَيَقْرَؤُهَا الرَّجُل مِنْكُمْ وَالْمَرْأَة وَالْحُرّ وَالْعَبْد وَالصَّغِير وَالْكَبِير. قَالُوا : لَا نُرِيد أَنْ نَقْرَأهَا إِلَّا نَظَرًا . فَقَالَ اللَّه : { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة } إِلَى قَوْله : { أُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ } 11818 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير , عَنْ نَوْف الْبِكَالِيّ , قَالَ : لَمَّا اِنْطَلَقَ مُوسَى بِوَفْدِ بَنِي إِسْرَائِيل كَلَّمَهُ اللَّه , فَقَالَ : إِنِّي قَدْ بَسَطْت لَهُمْ الْأَرْض طَهُورًا وَمَسَاجِد يُصَلُّونَ فِيهَا حَيْثُ أَدْرَكَتْهُمْ الصَّلَاة إِلَّا عِنْد مِرْحَاض أَوْ قَبْر أَوْ حَمَّام , وَجَعَلْت السَّكِينَة فِي قُلُوبهمْ , وَجَعَلْتهمْ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاة عَنْ ظَهْر أَلْسِنَتهمْ . قَالَ : فَذَكَرَ ذَلِكَ مُوسَى لِبَنِي إِسْرَائِيل , فَقَالُوا : لَا نَسْتَطِيع حَمْل السَّكِينَة فِي قُلُوبنَا , فَاجْعَلْهَا لَنَا فِي تَابُوت , وَلَا نَقْرَأ التَّوْرَاة إِلَّا نَظَرًا , وَلَا نُصَلِّي إِلَّا فِي الْكَنِيسَة ! فَقَالَ اللَّه : { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة } حَتَّى بَلَغَ : { أُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ } قَالَ : فَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام : يَا رَبّ اِجْعَلْنِي نَبِيّهمْ ! قَالَ : نَبِيّهمْ مِنْهُمْ . قَالَ : رَبّ اِجْعَلْنِي مِنْهُمْ ! قَالَ : لَنْ تُدْرِكهُمْ . قَالَ : يَا رَبّ أَتَيْتُك بِوَفْدِ بَنِي إِسْرَائِيل , فَجَعَلْت وِفَادَتنَا لِغَيْرِنَا ! فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَمِنْ قَوْم مُوسَى أُمَّة يُهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } 7 159 قَالَ نَوْف الْبِكَالِيّ : فَاحْمَدُوا اللَّه الَّذِي حَفِظَ غَيْبَتكُمْ , وَأَخَذَ لَكُمْ بِسَهْمِكُمْ , وَجَعَلَ وِفَادَة بَنِي إِسْرَائِيل لَكُمْ . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُعَاذ بْن هِشَام , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير , عَنْ نَوْف الْبِكَالِيّ بِنَحْوِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : فَإِنِّي أُنَزِّل عَلَيْكُمْ التَّوْرَاة تَقْرَءُونَهَا عَنْ ظَهْر أَلْسِنَتكُمْ , رِجَالكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ وَصِبْيَانكُمْ . قَالُوا : لَا نُصَلِّي إِلَّا فِي كَنِيسَة , ثُمَّ ذَكَرَ سَائِر الْحَدِيث نَحْوه . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن إِسْمَاعِيل , عَنْ يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } قَالَ : أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 11819 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } قَالَ : هَؤُلَاءِ أُمَّة مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 11820 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : لَمَّا قِيلَ : { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة وَاَلَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ } تَمَنَّتْهَا الْيَهُود وَالنَّصَارَى , فَأَنْزَلَ اللَّه شَرْطًا بَيِّنًا وَثِيقًا , فَقَالَ : { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُول النَّبِيّ الْأُمِّيّ } وَهُوَ نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أُمِّيًّا لَا يَكْتُب . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْأُمِّيّ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته . وَأَمَّا قَوْله : { الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل } فَإِنَّ الْهَاء فِي قَوْله : { يَجِدُونَهُ } عَائِدَة عَلَى الرَّسُول , وَهُوَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كَاَلَّذِي : 11821 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُول النَّبِيّ الْأُمِّيّ } هَذَا مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 11822 - حَدَّثَنِي اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عُثْمَان بْن عُمَر , قَالَ : ثنا فُلَيْح عَنْ هِلَال بْن عَلِيّ , عَنْ عَطَاء بْن يَسَار , قَالَ : لَقِيت عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , فَقُلْت : أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاة ! قَالَ : أَجْل وَاَللَّه إِنَّهُ لَمَوْصُوف فِي التَّوْرَاة كَصِفَتِهِ فِي الْقُرْآن : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ إِنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا } وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ , أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي , سَمَّيْتُك الْمُتَوَكِّل , لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظ وَلَا صَخَّاب فِي الْأَسْوَاق , وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَة , وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَح وَلَنْ نَقْبِضهُ حَتَّى نُقِيم بِهِ الْمِلَّة الْعَوْجَاء , بِأَنْ يَقُولُوا : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , فَنَفْتَح بِهِ قُلُوبًا غُلْفًا وَآذَانَا صُمًّا , وَأَعْيُنًا عُمْيًا . قَالَ عَطَاء : ثُمَّ لَقِيت كَعْبًا فَسَأَلْته عَنْ ذَلِكَ , فَمَا اِخْتَلَفَا حَرْفًا , إِلَّا أَنَّ كَعْبًا قَالَ بِلُغَتِهِ : قُلُوبًا غُلُوفِيَا . وَآذَانَا صُمُومِيَا , وَأَعْيُنًا عُمُومِيَا. * حَدَّثَنِي أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا مُوسَى بْن دَاوُد , قَالَ : ثنا فُلَيْح بْن سُلَيْمَان , عَنْ هِلَال بْن عَلِيّ , قَالَ : ثني عَطَاء , قَالَ : لَقِيت عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاصِ , فَذَكَرَ نَحْوه. إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي كَلَام كَعْب : أَعْيُنًا عُمُومَا , وَآذَانَا صُمُومَا , وَقُلُوبًا غُلُوفَا . * قَالَ : ثنا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز بْن سَلَمَة , عَنْ هِلَال بْن عَلِيّ , عَنْ عَطَاء بْن يَسَار , عَنْ عَبْد اللَّه بِنَحْوِهِ , وَلَيْسَ فِيهِ كَلَام كَعْب . 11823 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ اللَّه : { الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهمْ } يَقُول : يَجِدُونَ نَعْته وَأَمْره وَنُبُوَّته مَكْتُوبًا عِنْدهمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَأْمُرهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنْكَر } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَأْمُر هَذَا النَّبِيّ الْأُمِّيّ أَتْبَاعه بِالْمَعْرُوفِ , وَهُوَ الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَلُزُوم طَاعَته فِيمَا أَمَرَ وَنَهَى , فَذَلِكَ الْمَعْرُوف الَّذِي يَأْمُرهُمْ بِهِ , وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنْكَر وَهُوَ الشِّرْك بِاَللَّهِ , وَالِانْتِهَاء عَمَّا نَهَاهُمْ اللَّه عَنْهُ .
وَقَوْله : { وَيُحِلّ لَهُمْ الطَّيِّبَات } وَذَلِكَ مَا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّة تُحَرِّمهُ مِنْ الْبَحَائِر وَالسَّوَائِب وَالْوَصَائِل وَالْحَوَامِي .
{ وَيُحَرِّم عَلَيْهِمْ الْخَبَائِث } وَذَلِكَ لَحْم الْخِنْزِير وَالرِّبَا , وَمَا كَانُوا يَسْتَحِلُّونَهُ مِنْ الْمَطَاعِم وَالْمَشَارِب الَّتِي حَرَّمَهَا اللَّه . كَمَا : 11824 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَيُحَرِّم عَلَيْهِمْ الْخَبَائِث } وَهُوَ لَحْم الْخِنْزِير وَالرِّبَا , وَمَا كَانُوا يَسْتَحِلُّونَهُ مِنْ الْمُحَرَّمَات مِنْ الْمَآكِل الَّتِي حَرَّمَهَا اللَّه .
وَأَمَّا قَوْله : { وَيَضَع عَنْهُمْ إِصْرهمْ وَالْأَغْلَال الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل اِخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : يَعْنِي بِالْإِصْرِ : الْعَهْد وَالْمِيثَاق الَّذِي كَانَ أَخَذَهُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل بِالْعَمَلِ بِمَا فِي التَّوْرَاة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11825 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَابِر بْن نُوح , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَيَضَع عَنْهُمْ إِصْرهمْ } قَالَ : عَهْدهمْ . 11826 - قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : عَهْدهمْ. * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , مِثْله . 11827 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ مُبَارَك , عَنْ الْحَسَن : { وَيَضَع عَنْهُمْ إِصْرهمْ } قَالَ : الْعُهُود الَّتِي أَعْطَوْهَا مِنْ أَنْفُسهمْ. 11828 - قَالَ : ثنا اِبْن نُمَيْر , عَنْ مُوسَى بْن قَيْس , عَنْ مُجَاهِد : { وَيَضَع عَنْهُمْ إِصْرهمْ } قَالَ : عَهْدهمْ . 11829 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَيَضَع عَنْهُمْ إِصْرهمْ وَالْأَغْلَال الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ } يَقُول : يَضَع عَنْهُمْ عُهُودهمْ وَمَوَاثِيقهمْ الَّتِي أُخِذَتْ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل . 11830 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَيَضَع عَنْهُمْ إِصْرهمْ وَالْأَغْلَال الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ } مَا كَانَ اللَّه أَخَذَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْمِيثَاق فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ , يَقُول : يَضَع ذَلِكَ عَنْهُمْ . وَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ أَنَّهُ يَضَع عَمَّنْ اِتَّبَعَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشْدِيد الَّذِي كَانَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل فِي دِينهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11831 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَيَضَع عَنْهُمْ إِصْرهمْ وَالْأَغْلَال الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ } فَجَاءَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِقَالَةٍ مِنْهُ وَتَجَاوُز عَنْهُ. 11832 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحِمَّانِيّ , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد : { وَيَضَع عَنْهُمْ إِصْرهمْ } قَالَ : الْبَوْل وَنَحْوه مِمَّا غَلُظَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل . 11833 - قَالَ : ثنا الْحِمَّانِيّ , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد , قَالَ : شِدَّة الْعَمَل . 11834 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد , قَوْله : { وَيَضَع عَنْهُمْ إِصْرهمْ وَالْأَغْلَال الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ } قَالَ : مَنْ اِتَّبَعَ مُحَمَّدًا وَدِينه مِنْ أَهْل الْكِتَاب , وَضَعَ عَنْهُمْ مَا كَانَ عَلَيْهِمْ مِنْ التَّشْدِيد فِي دِينهمْ . 11835 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن فَضِيل , عَنْ أَشْعَث , عَنْ اِبْن سِيرِين , قَالَ : قَالَ أَبُو هُرَيْرَة لِابْنِ عَبَّاس : مَا عَلَيْنَا فِي الدِّين مِنْ حَرَج أَنْ نَزْنِي وَنَسْرِق ؟ قَالَ : بَلَى , وَلَكِنَّ الْإِصْر الَّذِي كَانَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل وُضِعَ عَنْكُمْ . 11836 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَيَضَع عَنْهُمْ إِصْرهمْ } قَالَ : إِصْرهمْ الَّذِي جَعَلَهُ عَلَيْهِمْ. قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّ الْإِصْر هُوَ الْعَهْد . وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِي مَوْضِع غَيْر هَذَا بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة , وَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : وَيَضَع النَّبِيّ الْأُمِّيّ الْعَهْد الَّذِي كَانَ اللَّه أَخَذَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل مِنْ إِقَامَة التَّوْرَاة , وَالْعَمَل بِمَا فِيهَا مِنْ الْأَعْمَال الشَّدِيدَة كَقَطْعِ الْجِلْد مِنْ الْبَوْل , وَتَحْرِيم الْغَنَائِم , وَنَحْو ذَلِكَ مِنْ الْأَعْمَال الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ مَفْرُوضَة , فَنَسَخَهَا حُكْم الْقُرْآن . وَأَمَّا الْأَغْلَال الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ , فَكَانَ اِبْن زَيْد يَقُول بِمَا : 11837 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب عَنْهُ فِي قَوْله : { وَالْأَغْلَال الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ } قَالَ : الْأَغْلَال. وَقَرَأَ { غُلَّتْ أَيْدِيهمْ } قَالَ : تِلْكَ الْأَغْلَال , قَالَ : وَدَعَاهُمْ إِلَى أَنْ يُؤْمِنُوا بِالنَّبِيِّ , فَيَضَع ذَلِكَ عَنْهُمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَاَلَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّور الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَاَلَّذِينَ صَدَّقُوا بِالنَّبِيِّ الْأُمِّيّ , وَأَقَرُّوا بِنُبُوَّتِهِ , { وَعَزَّرُوهُ } يَقُول : وَقَّرُوهُ وَعَظَّمُوهُ وَحَمَوْهُ مِنْ النَّاس . كَمَا : 11838 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَعَزَّرُوهُ } يَقُول : حَمَوْهُ وَوَقَّرُوهُ. 11839 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثني مُوسَى بْن قَيْس , عَنْ مُجَاهِد : { وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ } قَالَ : عَزَّرُوهُ : سَدَّدُوا أَمْره , وَأَعَانُوا رَسُوله وَنَصَرُوهُ . وَقَوْله { نَصَرُوهُ } يَقُول : وَأَعَانُوهُ عَلَى أَعْدَاء اللَّه وَأَعْدَائِهِ بِجِهَادِهِمْ وَنَصْب الْحَرْب لَهُمْ . { وَاتَّبَعُوا النُّور الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ } يَعْنِي الْقُرْآن وَالْإِسْلَام . { أُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ } يَقُول : الَّذِينَ يَفْعَلُونَ هَذِهِ الْأَفْعَال الَّتِي وَصَفَ بِهَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَتْبَاع مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُمْ الْمُنَجَّحُونَ . الْمُدْرِكُونَ مَا طَلَبُوا وَرَجَوْا بِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ . 11840 - حَدَّثَنِي بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : فَمَا نَقَمُوا , يَعْنِي الْيَهُود إِلَّا أَنْ حَسَدُوا نَبِيّ اللَّه , فَقَالَ اللَّه : { الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ } فَأَمَّا نَصْره وَتَعْزِيره فَقَدْ سَبَقْتُمْ بِهِ , وَلَكِنْ خِيَاركُمْ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَاتَّبَعَ النُّور الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ. يُرِيد قَتَادَة بِقَوْلِهِ : " فَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ حَسَدُوا نَبِيّ اللَّه " إِنَّ الْيَهُود كَانَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه رَحْمَة عَلَيْهِمْ لَوْ اِتَّبَعُوهُ , لِأَنَّهُ جَاءَ بِوَضْعِ الْإِصْر وَالْأَغْلَال عَنْهُمْ , فَحَمَلَهُمْ الْحَسَد عَلَى الْكُفْر بِهِ وَتَرْك قَبُول التَّخْفِيف لِغَلَبَةِ خِذْلَان اللَّه عَلَيْهِمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَأْمُرهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنْكَر } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَأْمُر هَذَا النَّبِيّ الْأُمِّيّ أَتْبَاعه بِالْمَعْرُوفِ , وَهُوَ الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَلُزُوم طَاعَته فِيمَا أَمَرَ وَنَهَى , فَذَلِكَ الْمَعْرُوف الَّذِي يَأْمُرهُمْ بِهِ , وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنْكَر وَهُوَ الشِّرْك بِاَللَّهِ , وَالِانْتِهَاء عَمَّا نَهَاهُمْ اللَّه عَنْهُ .
وَقَوْله : { وَيُحِلّ لَهُمْ الطَّيِّبَات } وَذَلِكَ مَا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّة تُحَرِّمهُ مِنْ الْبَحَائِر وَالسَّوَائِب وَالْوَصَائِل وَالْحَوَامِي .
{ وَيُحَرِّم عَلَيْهِمْ الْخَبَائِث } وَذَلِكَ لَحْم الْخِنْزِير وَالرِّبَا , وَمَا كَانُوا يَسْتَحِلُّونَهُ مِنْ الْمَطَاعِم وَالْمَشَارِب الَّتِي حَرَّمَهَا اللَّه . كَمَا : 11824 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَيُحَرِّم عَلَيْهِمْ الْخَبَائِث } وَهُوَ لَحْم الْخِنْزِير وَالرِّبَا , وَمَا كَانُوا يَسْتَحِلُّونَهُ مِنْ الْمُحَرَّمَات مِنْ الْمَآكِل الَّتِي حَرَّمَهَا اللَّه .
وَأَمَّا قَوْله : { وَيَضَع عَنْهُمْ إِصْرهمْ وَالْأَغْلَال الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل اِخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيله , فَقَالَ بَعْضهمْ : يَعْنِي بِالْإِصْرِ : الْعَهْد وَالْمِيثَاق الَّذِي كَانَ أَخَذَهُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل بِالْعَمَلِ بِمَا فِي التَّوْرَاة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11825 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَابِر بْن نُوح , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَيَضَع عَنْهُمْ إِصْرهمْ } قَالَ : عَهْدهمْ . 11826 - قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : عَهْدهمْ. * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَلِيّ , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , مِثْله . 11827 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ مُبَارَك , عَنْ الْحَسَن : { وَيَضَع عَنْهُمْ إِصْرهمْ } قَالَ : الْعُهُود الَّتِي أَعْطَوْهَا مِنْ أَنْفُسهمْ. 11828 - قَالَ : ثنا اِبْن نُمَيْر , عَنْ مُوسَى بْن قَيْس , عَنْ مُجَاهِد : { وَيَضَع عَنْهُمْ إِصْرهمْ } قَالَ : عَهْدهمْ . 11829 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَيَضَع عَنْهُمْ إِصْرهمْ وَالْأَغْلَال الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ } يَقُول : يَضَع عَنْهُمْ عُهُودهمْ وَمَوَاثِيقهمْ الَّتِي أُخِذَتْ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل . 11830 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَيَضَع عَنْهُمْ إِصْرهمْ وَالْأَغْلَال الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ } مَا كَانَ اللَّه أَخَذَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْمِيثَاق فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ , يَقُول : يَضَع ذَلِكَ عَنْهُمْ . وَقَالَ بَعْضهمْ : عَنَى بِذَلِكَ أَنَّهُ يَضَع عَمَّنْ اِتَّبَعَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشْدِيد الَّذِي كَانَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل فِي دِينهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11831 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَيَضَع عَنْهُمْ إِصْرهمْ وَالْأَغْلَال الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ } فَجَاءَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِقَالَةٍ مِنْهُ وَتَجَاوُز عَنْهُ. 11832 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحِمَّانِيّ , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد : { وَيَضَع عَنْهُمْ إِصْرهمْ } قَالَ : الْبَوْل وَنَحْوه مِمَّا غَلُظَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل . 11833 - قَالَ : ثنا الْحِمَّانِيّ , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد , قَالَ : شِدَّة الْعَمَل . 11834 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد , قَوْله : { وَيَضَع عَنْهُمْ إِصْرهمْ وَالْأَغْلَال الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ } قَالَ : مَنْ اِتَّبَعَ مُحَمَّدًا وَدِينه مِنْ أَهْل الْكِتَاب , وَضَعَ عَنْهُمْ مَا كَانَ عَلَيْهِمْ مِنْ التَّشْدِيد فِي دِينهمْ . 11835 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن فَضِيل , عَنْ أَشْعَث , عَنْ اِبْن سِيرِين , قَالَ : قَالَ أَبُو هُرَيْرَة لِابْنِ عَبَّاس : مَا عَلَيْنَا فِي الدِّين مِنْ حَرَج أَنْ نَزْنِي وَنَسْرِق ؟ قَالَ : بَلَى , وَلَكِنَّ الْإِصْر الَّذِي كَانَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل وُضِعَ عَنْكُمْ . 11836 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَيَضَع عَنْهُمْ إِصْرهمْ } قَالَ : إِصْرهمْ الَّذِي جَعَلَهُ عَلَيْهِمْ. قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّ الْإِصْر هُوَ الْعَهْد . وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِي مَوْضِع غَيْر هَذَا بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة , وَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : وَيَضَع النَّبِيّ الْأُمِّيّ الْعَهْد الَّذِي كَانَ اللَّه أَخَذَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل مِنْ إِقَامَة التَّوْرَاة , وَالْعَمَل بِمَا فِيهَا مِنْ الْأَعْمَال الشَّدِيدَة كَقَطْعِ الْجِلْد مِنْ الْبَوْل , وَتَحْرِيم الْغَنَائِم , وَنَحْو ذَلِكَ مِنْ الْأَعْمَال الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ مَفْرُوضَة , فَنَسَخَهَا حُكْم الْقُرْآن . وَأَمَّا الْأَغْلَال الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ , فَكَانَ اِبْن زَيْد يَقُول بِمَا : 11837 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب عَنْهُ فِي قَوْله : { وَالْأَغْلَال الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ } قَالَ : الْأَغْلَال. وَقَرَأَ { غُلَّتْ أَيْدِيهمْ } قَالَ : تِلْكَ الْأَغْلَال , قَالَ : وَدَعَاهُمْ إِلَى أَنْ يُؤْمِنُوا بِالنَّبِيِّ , فَيَضَع ذَلِكَ عَنْهُمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَاَلَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّور الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَاَلَّذِينَ صَدَّقُوا بِالنَّبِيِّ الْأُمِّيّ , وَأَقَرُّوا بِنُبُوَّتِهِ , { وَعَزَّرُوهُ } يَقُول : وَقَّرُوهُ وَعَظَّمُوهُ وَحَمَوْهُ مِنْ النَّاس . كَمَا : 11838 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَعَزَّرُوهُ } يَقُول : حَمَوْهُ وَوَقَّرُوهُ. 11839 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثني مُوسَى بْن قَيْس , عَنْ مُجَاهِد : { وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ } قَالَ : عَزَّرُوهُ : سَدَّدُوا أَمْره , وَأَعَانُوا رَسُوله وَنَصَرُوهُ . وَقَوْله { نَصَرُوهُ } يَقُول : وَأَعَانُوهُ عَلَى أَعْدَاء اللَّه وَأَعْدَائِهِ بِجِهَادِهِمْ وَنَصْب الْحَرْب لَهُمْ . { وَاتَّبَعُوا النُّور الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ } يَعْنِي الْقُرْآن وَالْإِسْلَام . { أُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ } يَقُول : الَّذِينَ يَفْعَلُونَ هَذِهِ الْأَفْعَال الَّتِي وَصَفَ بِهَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَتْبَاع مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُمْ الْمُنَجَّحُونَ . الْمُدْرِكُونَ مَا طَلَبُوا وَرَجَوْا بِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ . 11840 - حَدَّثَنِي بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : فَمَا نَقَمُوا , يَعْنِي الْيَهُود إِلَّا أَنْ حَسَدُوا نَبِيّ اللَّه , فَقَالَ اللَّه : { الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ } فَأَمَّا نَصْره وَتَعْزِيره فَقَدْ سَبَقْتُمْ بِهِ , وَلَكِنْ خِيَاركُمْ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَاتَّبَعَ النُّور الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ. يُرِيد قَتَادَة بِقَوْلِهِ : " فَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ حَسَدُوا نَبِيّ اللَّه " إِنَّ الْيَهُود كَانَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْد اللَّه رَحْمَة عَلَيْهِمْ لَوْ اِتَّبَعُوهُ , لِأَنَّهُ جَاءَ بِوَضْعِ الْإِصْر وَالْأَغْلَال عَنْهُمْ , فَحَمَلَهُمْ الْحَسَد عَلَى الْكُفْر بِهِ وَتَرْك قَبُول التَّخْفِيف لِغَلَبَةِ خِذْلَان اللَّه عَلَيْهِمْ .
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ يَا أَيّهَا النَّاس إِنِّي رَسُول اللَّه إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض لَا إِلَه إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيت } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِلنَّاسِ كُلّهمْ : { إِنِّي رَسُول اللَّه إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } لَا إِلَى بَعْضكُمْ دُون بَعْض , كَمَا كَانَ مَنْ قَبْلِي مِنْ الرُّسُل , مُرْسَلًا إِلَى بَعْض النَّاس دُون بَعْض , فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ أُرْسِلَ كَذَلِكَ , فَإِنَّ رِسَالَتِي لَيْسَتْ إِلَى بَعْضكُمْ دُون بَعْض وَلَكِنَّهَا إِلَى جَمِيعكُمْ . وَقَوْله : { الَّذِي } مِنْ نَعْت اِسْم اللَّه . وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام : قُلْ يَا أَيّهَا النَّاس , إِنِّي رَسُول اللَّه الَّذِي لَهُ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض إِلَيْكُمْ . وَيَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { الَّذِي لَهُ مُلْك السَّمَوَات وَالْأَرْض } : الَّذِي لَهُ سُلْطَان السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا فِيهِمَا , وَتَدْبِير ذَلِكَ وَتَصْرِيفه. { لَا إِلَه إِلَّا هُوَ } يَقُول : لَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُون الْأُلُوهَة وَالْعِبَادَة إِلَّا لَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ دُون سَائِر الْأَشْيَاء غَيْره مِنْ الْأَنْدَاد وَالْأَوْثَان , إِلَّا لِمَنْ لَهُ سُلْطَان كُلّ شَيْء وَالْقَادِر عَلَى إِنْشَاء خَلْق كُلّ مَا شَاءَ وَإِحْيَائِهِ وَإِفْنَائِهِ إِذَا شَاءَ إِمَاتَته .
{ فَآمِنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : قُلْ لَهُمْ : فَصَدِّقُوا بِآيَاتِ اللَّه الَّذِي هَذِهِ صِفَته , وَأَقِرُّوا بِوَحْدَانِيِّتِهِ , وَأَنَّهُ الَّذِي لَهُ الْأُلُوهَة وَالْعِبَادَة , وَصَدِّقُوا بِرَسُولِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَبْعُوث إِلَى خَلْقه دَاعٍ إِلَى تَوْحِيده وَطَاعَته .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { النَّبِيّ الْأُمِّيّ الَّذِي يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَكَلِمَاته } وَأَمَّا قَوْله : { النَّبِيّ الْأُمِّيّ } فَإِنَّهُ مِنْ نَعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَدْ بَيَّنْت مَعْنَى النَّبِيّ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته . وَمَعْنَى قَوْله : { الْأُمِّيّ الَّذِي يُؤْمِن بِاَللَّهِ } يَقُول : الَّذِي يُصَدِّق بِاَللَّهِ وَكَلِمَاته. ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَكَلِمَاته } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : وَآيَاته . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ. 11841 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { الَّذِي يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَكَلِمَاته } يَقُول : آيَاته. وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11842 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد , قَوْله : { الَّذِي يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَكَلِمَاته } قَالَ : عِيسَى اِبْن مَرْيَم. 11843 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { الَّذِي يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَكَلِمَاته } فَهُوَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَمَرَ عِبَاده أَنْ يُصَدِّقُوا بِنُبُوَّةِ النَّبِيّ الْأُمِّيّ الَّذِي يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَكَلِمَاته. وَلَمْ يُخَصِّص الْخَبَر جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ إِيمَانه مِنْ كَلِمَات اللَّه بِبَعْضٍ دُون بَعْض , بَلْ أَخْبَرَهُمْ عَنْ جَمِيع الْكَلِمَات , فَالْحَقّ فِي ذَلِكَ أَنْ يَعُمّ الْقَوْل , فَإِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤْمِن بِكَلِمَاتِ اللَّه كُلّهَا عَلَى مَا جَاءَ بِهِ ظَاهِر كِتَاب اللَّه .
وَأَمَّا قَوْله : { وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } فَاهْتَدُوا بِهِ أَيّهَا النَّاس , وَاعْمَلُوا بِمَا أَمَرَكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا بِهِ مِنْ طَاعَة اللَّه { لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } يَقُول : لِكَيْ تَهْتَدُوا فَتَرْشُدُوا , وَتُصِيبُوا الْحَقّ فِي اِتِّبَاعكُمْ إِيَّاهُ .
{ فَآمِنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : قُلْ لَهُمْ : فَصَدِّقُوا بِآيَاتِ اللَّه الَّذِي هَذِهِ صِفَته , وَأَقِرُّوا بِوَحْدَانِيِّتِهِ , وَأَنَّهُ الَّذِي لَهُ الْأُلُوهَة وَالْعِبَادَة , وَصَدِّقُوا بِرَسُولِهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَبْعُوث إِلَى خَلْقه دَاعٍ إِلَى تَوْحِيده وَطَاعَته .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { النَّبِيّ الْأُمِّيّ الَّذِي يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَكَلِمَاته } وَأَمَّا قَوْله : { النَّبِيّ الْأُمِّيّ } فَإِنَّهُ مِنْ نَعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَدْ بَيَّنْت مَعْنَى النَّبِيّ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته . وَمَعْنَى قَوْله : { الْأُمِّيّ الَّذِي يُؤْمِن بِاَللَّهِ } يَقُول : الَّذِي يُصَدِّق بِاَللَّهِ وَكَلِمَاته. ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَكَلِمَاته } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : وَآيَاته . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ. 11841 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { الَّذِي يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَكَلِمَاته } يَقُول : آيَاته. وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ عَنَى بِذَلِكَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11842 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد , قَوْله : { الَّذِي يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَكَلِمَاته } قَالَ : عِيسَى اِبْن مَرْيَم. 11843 - وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { الَّذِي يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَكَلِمَاته } فَهُوَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَمَرَ عِبَاده أَنْ يُصَدِّقُوا بِنُبُوَّةِ النَّبِيّ الْأُمِّيّ الَّذِي يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَكَلِمَاته. وَلَمْ يُخَصِّص الْخَبَر جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ إِيمَانه مِنْ كَلِمَات اللَّه بِبَعْضٍ دُون بَعْض , بَلْ أَخْبَرَهُمْ عَنْ جَمِيع الْكَلِمَات , فَالْحَقّ فِي ذَلِكَ أَنْ يَعُمّ الْقَوْل , فَإِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤْمِن بِكَلِمَاتِ اللَّه كُلّهَا عَلَى مَا جَاءَ بِهِ ظَاهِر كِتَاب اللَّه .
وَأَمَّا قَوْله : { وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } فَاهْتَدُوا بِهِ أَيّهَا النَّاس , وَاعْمَلُوا بِمَا أَمَرَكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا بِهِ مِنْ طَاعَة اللَّه { لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } يَقُول : لِكَيْ تَهْتَدُوا فَتَرْشُدُوا , وَتُصِيبُوا الْحَقّ فِي اِتِّبَاعكُمْ إِيَّاهُ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمِنْ قَوْم مُوسَى أُمَّة يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَمِنْ قَوْم مُوسَى } يَعْنِي بَنِي إِسْرَائِيل , { أُمَّة } يَقُول : جَمَاعَة , { يَهْدُونَ بِالْحَقِّ } يَقُول : يَهْتَدُونَ بِالْحَقِّ : أَيْ يَسْتَقِيمُونَ عَلَيْهِ وَيَعْمَلُونَ , { وَبِهِ يَعْدِلُونَ } : أَيْ وَبِالْحَقِّ يُعْطُونَ وَيَأْخُذُونَ , وَيُنْصِفُونَ مِنْ أَنْفُسهمْ فَلَا يَجُورُونَ . وَقَدْ قَالَ فِي صِفَة هَذِهِ الْأُمَّة الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه فِي الْآيَة جَمَاعَة أَقْوَالًا نَحْنُ ذَاكِرُو مَا حَضَرَنَا مِنْهَا : 11844 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر , عَنْ اِبْن عُيَيْنَة , عَنْ صَدَقَة أَبِي الْهُذَيْل , عَنْ السُّدِّيّ : { وَمِنْ قَوْم مُوسَى أُمَّة يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } قَالَ : قَوْم بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ نَهْر مِنْ شَهْد . 11845 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { وَمِنْ قَوْم مُوسَى أُمَّة يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيل لَمَّا قَتَلُوا أَنْبِيَاءَهُمْ كَفَرُوا , وَكَانُوا اِثْنَيْ عَشَر سِبْطًا , تَبَرَّأَ سِبْط مِنْهُمْ مِمَّا صَنَعُوا , وَاعْتَذَرُوا , وَسَأَلُوا اللَّه أَنْ يُفَرِّق بَيْنهمْ وَبَيْنهمْ , فَفَتَحَ اللَّه لَهُمْ نَفَقًا فِي الْأَرْض , فَسَارُوا فِيهِ حَتَّى خَرَجُوا مِنْ وَرَاء الصِّين , فَهُمْ هُنَالِكَ حُنَفَاء مُسْلِمُونَ , يَسْتَقْبِلُونَ قِبْلَتنَا. قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَالَ اِبْن عَبَّاس : فَذَلِكَ قَوْله : { وَقُلْنَا مِنْ بَعْده لِبَنِي إِسْرَائِيل اُسْكُنُوا الْأَرْض فَإِذَا جَاءَ وَعْد الْآخِرَة جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا } 17 104 وَوَعْد الْآخِرَة عِيسَى اِبْن مَرْيَم يَخْرُجُونَ مَعَهُ . قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَالَ اِبْن عَبَّاس : سَارُوا فِي السَّرَب سَنَة وَنِصْفًا .
وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَطَّعْنَاهُمْ اِثْنَتَيْ عَشْرَة أَسْبَاطًا أُمَمًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَرَّقْنَاهُمْ , يَعْنِي قَوْم مُوسَى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , فَرَّقَهُمْ اللَّه فَجَعَلَهُمْ قَبَائِل شَتَّى , اِثْنَتَيْ عَشْرَة قَبِيلَة . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْأَسْبَاط فِيمَا مَضَى وَمَنْ هُمْ . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي وَجْه تَأْنِيث الِاثْنَتَيْ عَشْرَة وَالْأَسْبَاط جَمْع مُذَكَّر , فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : أَرَادَ اِثْنَتَيْ عَشْرَة فِرْقَة , ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ الْفِرَق أَسْبَاط , وَلَمْ يَجْعَل الْعَدَد عَلَى أَسْبَاط . وَكَانَ بَعْضهمْ يَسْتَخِلّ هَذَا التَّأْوِيل وَيَقُول : لَا يَخْرُج الْعَدَد عَلَى عَيْن الثَّانِي , وَلَكِنَّ الْفِرَق قَبْل الِاثْنَتَيْ عَشْرَة حَتَّى تَكُون الِاثْنَتَا عَشْرَة مُؤَنَّثَة عَلَى مَا قَبْلهَا , وَيَكُون الْكَلَام : وَقَطَّعْنَاهُمْ فِرَقًا اِثْنَتَيْ عَشْرَة أَسْبَاطًا , فَيَصِحّ التَّأْنِيث لِمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْكُوفَة , إِنَّمَا قَالَ اِثْنَتَيْ عَشْرَة بِالتَّأْنِيثِ وَالسِّبْط مُذَكَّر , لِأَنَّ الْكَلَام ذَهَبَ إِلَى الْأُمَم فَغَلَبَ التَّأْنِيث وَإِنْ كَانَ السِّبْط ذَكَرًا , وَهُوَ مِثْل قَوْل الشَّاعِر : وَإِنَّ كِلَابًا هَذِهِ عَشْر أَبْطُن وَأَنْتَ بَرِيء مِنْ قَبَائِلهَا الْعَشْر ذَهَبَ بِالْبَطْنِ إِلَى الْقَبِيلَة وَالْفَضِيلَة , فَلِذَلِكَ جَمَعَ الْبَطْن بِالتَّأْنِيثِ. وَكَانَ آخَرُونَ مِنْ نَحْوِيِّي الْكُوفَة يَقُولُونَ : إِنَّمَا أُنِّثَتْ " الِاثْنَتَا عَشْرَة " و " السِّبْط " ذَكَر , لِذِكْرِ " الْأُمَم " . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ الِاثْنَتَيْ عَشْرَة أُنِّثَتْ لِتَأْنِيثِ الْقِطْعَة . وَمَعْنَى الْكَلَام : وَقَطَّعْنَاهُمْ قِطَعًا اِثْنَتَيْ عَشْرَة , ثُمَّ تَرْجَمَ عَنْ الْقِطَع بِالْأَسْبَاطِ . وَغَيْر جَائِز أَنْ تَكُون الْأَسْبَاط مُفَسَّرَة عَنْ الِاثْنَتَيْ عَشْرَة وَهِيَ جَمْع , لِأَنَّ التَّفْسِير فِيمَا فَوْق الْعَشْر إِلَى الْعِشْرِينَ بِالتَّوْحِيدِ لَا بِالْجَمْعِ , وَالْأَسْبَاط جَمْع لَا وَاحِد , وَذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ : عِنْدِي اِثْنَتَا عَشْرَة اِمْرَأَة , وَلَا يُقَال : عِنْدِي اِثْنَتَا عَشْرَة نِسْوَة , فَفِي ذَلِكَ أَنَّ الْأَسْبَاط لَيْسَتْ بِتَفْسِيرٍ لِلِاثْنَتَيْ عَشْرَة , وَإِنَّ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عَلَى مَا قُلْنَا. وَأَمَّا الْأُمَم فَالْجَمَاعَات , وَالسِّبْط فِي بَنِي إِسْرَائِيل نَحْو الْقَرْن. وَقِيلَ : إِنَّمَا فُرِّقُوا أَسْبَاطًا لِاخْتِلَافِهِمْ فِي دِينهمْ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذْ اِسْتَسْقَاهُ قَوْمه أَنْ اِضْرِبْ بِعَصَاك الْحَجَر } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذْ فَرَّقْنَا بَنِي إِسْرَائِيل قَوْمه اِثْنَتَيْ عَشْرَة فِرْقَة , وَتَيَّهْنَاهُمْ فِي التِّيه فَاسْتَسْقَوْا مُوسَى مِنْ الْعَطَش وَغُئُور الْمَاء ; { أَنْ اِضْرِبْ بِعَصَاك الْحَجَر } وَقَدْ بَيَّنَّا السَّبَب الَّذِي كَانَ قَوْمه اِسْتَسْقَوْهُ وَبَيَّنَّا مَعْنَى الْوَحْي بِشَوَاهِدِهِ .
{ فَانْبَجَسَتْ } فَانْصَبَّتْ وَانْفَجَرَتْ مِنْ الْحَجَر
{ اِثْنَتَا عَشْرَة عَيْنًا } مِنْ الْمَاء ,
{ قَدْ عَلِمَ كُلّ أُنَاس } يَعْنِي : كُلّ أُنَاس مِنْ الْأَسْبَاط الِاثْنَتَيْ عَشْرَة { مَشْرَبَهُمْ } لَا يَدْخُل سِبْط عَلَى غَيْره فِي شُرْبه .
{ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمْ الْغَمَام } يُكِنُّهُمْ مِنْ حَرّ الشَّمْس وَأَذَاهَا. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْغَمَام فِيمَا مَضَى قَبْل , وَكَذَلِكَ الْمَنّ وَالسَّلْوَى . { وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى } طَعَامًا لَهُمْ .
{ كُلُوا مِنْ طَيِّبَات مَا رَزَقْنَاكُمْ } يَقُول : وَقُلْنَا لَهُمْ : كُلُوا مِنْ حَلَال مَا رَزَقْنَاكُمْ أَيّهَا النَّاس وَطَيَّبْنَاهُ لَكُمْ .
{ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسهمْ يَظْلِمُونَ } , وَفِي الْكَلَام مَحْذُوف تُرِكَ ذِكْره اِسْتِغْنَاء بِمَا ظَهَرَ عَمَّا تُرِكَ , وَهُوَ : فَأَجْمَعُوا ذَلِكَ وَقَالُوا : لَنْ نَصْبِر عَلَى طَعَام وَاحِد , فَاسْتَبْدَلُوا الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِاَلَّذِي هُوَ خَيْر . { وَمَا ظَلَمُونَا } يَقُول : وَمَا أَدْخَلُوا عَلَيْنَا نَقْصًا فِي مُلْكنَا وَسُلْطَاننَا بِمَسْأَلَتِهِمْ مَا سَأَلُوا , وَفِعْلهمْ مَا فَعَلُوا . { وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسهمْ يَظْلِمُونَ } : أَيْ يُنْقِصُونَهَا حُظُوظهَا بِاسْتِبْدَالِهِمْ الْأَدْنَى بِالْخَيْرِ وَالْأَرْذَل بِالْأَفْضَلِ.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذْ اِسْتَسْقَاهُ قَوْمه أَنْ اِضْرِبْ بِعَصَاك الْحَجَر } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذْ فَرَّقْنَا بَنِي إِسْرَائِيل قَوْمه اِثْنَتَيْ عَشْرَة فِرْقَة , وَتَيَّهْنَاهُمْ فِي التِّيه فَاسْتَسْقَوْا مُوسَى مِنْ الْعَطَش وَغُئُور الْمَاء ; { أَنْ اِضْرِبْ بِعَصَاك الْحَجَر } وَقَدْ بَيَّنَّا السَّبَب الَّذِي كَانَ قَوْمه اِسْتَسْقَوْهُ وَبَيَّنَّا مَعْنَى الْوَحْي بِشَوَاهِدِهِ .
{ فَانْبَجَسَتْ } فَانْصَبَّتْ وَانْفَجَرَتْ مِنْ الْحَجَر
{ اِثْنَتَا عَشْرَة عَيْنًا } مِنْ الْمَاء ,
{ قَدْ عَلِمَ كُلّ أُنَاس } يَعْنِي : كُلّ أُنَاس مِنْ الْأَسْبَاط الِاثْنَتَيْ عَشْرَة { مَشْرَبَهُمْ } لَا يَدْخُل سِبْط عَلَى غَيْره فِي شُرْبه .
{ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمْ الْغَمَام } يُكِنُّهُمْ مِنْ حَرّ الشَّمْس وَأَذَاهَا. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْغَمَام فِيمَا مَضَى قَبْل , وَكَذَلِكَ الْمَنّ وَالسَّلْوَى . { وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ الْمَنّ وَالسَّلْوَى } طَعَامًا لَهُمْ .
{ كُلُوا مِنْ طَيِّبَات مَا رَزَقْنَاكُمْ } يَقُول : وَقُلْنَا لَهُمْ : كُلُوا مِنْ حَلَال مَا رَزَقْنَاكُمْ أَيّهَا النَّاس وَطَيَّبْنَاهُ لَكُمْ .
{ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسهمْ يَظْلِمُونَ } , وَفِي الْكَلَام مَحْذُوف تُرِكَ ذِكْره اِسْتِغْنَاء بِمَا ظَهَرَ عَمَّا تُرِكَ , وَهُوَ : فَأَجْمَعُوا ذَلِكَ وَقَالُوا : لَنْ نَصْبِر عَلَى طَعَام وَاحِد , فَاسْتَبْدَلُوا الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِاَلَّذِي هُوَ خَيْر . { وَمَا ظَلَمُونَا } يَقُول : وَمَا أَدْخَلُوا عَلَيْنَا نَقْصًا فِي مُلْكنَا وَسُلْطَاننَا بِمَسْأَلَتِهِمْ مَا سَأَلُوا , وَفِعْلهمْ مَا فَعَلُوا . { وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسهمْ يَظْلِمُونَ } : أَيْ يُنْقِصُونَهَا حُظُوظهَا بِاسْتِبْدَالِهِمْ الْأَدْنَى بِالْخَيْرِ وَالْأَرْذَل بِالْأَفْضَلِ.
وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ قِيلَ لَهُمْ اُسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَة وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّة وَادْخُلُوا الْبَاب سُجَّدًا نَغْفِر لَكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاذْكُرْ أَيْضًا يَا مُحَمَّد مِنْ خَطَإِ فِعْل هَؤُلَاءِ الْقَوْم وَخِلَافهمْ عَلَى رَبّهمْ وَعِصْيَانهمْ نَبِيّهمْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَتَبْدِيلهمْ الْقَوْل الَّذِي أُمِرُوا أَنْ يَقُولُوهُ حِين قَالَ اللَّه لَهُمْ : { اُسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَة } وَهِيَ قَرْيَة بَيْت الْمَقْدِس , { وَكُلُوا مِنْهَا } يَقُول : مِنْ ثِمَارهَا وَحُبُوبهَا وَنَبَاتهَا , { حَيْثُ شِئْتُمْ } مِنْهَا يَقُول : أَنَّى شِئْتُمْ مِنْهَا , { وَقُولُوا حِطَّة } يَقُول : وَقُولُوا : هَذِهِ الْفِعْلَة حِطَّة تَحُطّ ذُنُوبنَا , { نَغْفِر لَكُمْ } : يَتَغَمَّد لَكُمْ رَبّكُمْ ذُنُوبكُمْ الَّتِي سَلَفَتْ مِنْكُمْ , فَيَعْفُو لَكُمْ عَنْهَا , فَلَا يُؤَاخِذكُمْ بِهَا .
{ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ } مِنْكُمْ , وَهُمْ الْمُطِيعُونَ لِلَّهِ , عَلَى مَا وَعَدْتُكُمْ مِنْ غُفْرَان الْخَطَايَا. وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَات فِي كُلّ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْمُخْتَلِفِينَ وَالصَّحِيح مِنْ الْقَوْل لَدَيْنَا فِيهِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته .
{ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ } مِنْكُمْ , وَهُمْ الْمُطِيعُونَ لِلَّهِ , عَلَى مَا وَعَدْتُكُمْ مِنْ غُفْرَان الْخَطَايَا. وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَات فِي كُلّ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْمُخْتَلِفِينَ وَالصَّحِيح مِنْ الْقَوْل لَدَيْنَا فِيهِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته .
فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْر الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنْ السَّمَاء بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَغَيَّرَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاَللَّهِ مِنْهُمْ مَا أَمَرَهُمْ اللَّه بِهِ مِنْ الْقَوْل , فَقَالُوا : وَقَدْ قِيلَ لَهُمْ قُولُوا هَذِهِ حِطَّة : حِنْطَة فِي شَعِيرَة ; وَقَوْلهمْ ذَلِكَ كَذَلِكَ هُوَ غَيْر الْقَوْل الَّذِي قِيلَ لَهُمْ قُولُوهُ. يَقُول اللَّه تَعَالَى : { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رَجَزًا مِنْ السَّمَاء } : بَعَثْنَا عَلَيْهِمْ عَذَابًا أَهْلَكْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يُغَيِّرُونَ مَا يُؤْمَرُونَ بِهِ , فَيَفْعَلُونَ خِلَاف مَا أَمَرَهُمْ اللَّه بِفِعْلِهِ وَيَقُولُونَ غَيْر الَّذِي أَمَرَهُمْ اللَّه بِقِيلِهِ . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الرِّجْز فِيمَا مَضَى .
وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَة الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَة الْبَحْر } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاسْأَلْ يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ الْيَهُود وَهُمْ مُجَاوِرُوك , عَنْ أَمْر الْقَرْيَة الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَة الْبَحْر , يَقُول : كَانَتْ بِحَضْرَةِ الْبَحْر ; أَيْ بِقُرْبِ الْبَحْر وَعَلَى شَاطِئِهِ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيهَا , فَقَالَ بَعْضهمْ : هِيَ أَيْلَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ. 11846 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ دَاوُد بْن حُصَيْن , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَة الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَة الْبَحْر } قَالَ : هِيَ قَرْيَة يُقَال لَهَا أَيْلَة , بَيْن مَدْيَن وَالطُّور . 11847 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير , فِي قَوْله : { وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَة الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَة الْبَحْر } قَالَ : سَمِعْنَا أَنَّهَا أَيْلَة . 11848 - حَدَّثَنِي سَلَّام بْن سَالِم الْخُزَاعِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سُلَيْم الطَّائِفِيّ , قَالَ : ثنا اِبْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : دَخَلْت عَلَى اِبْن عَبَّاس وَالْمُصْحَف فِي حَجْره , وَهُوَ يَبْكِي , فَقُلْت : مَا يُبْكِيك جَعَلَنِي اللَّه فِدَاك ؟ فَقَالَ : وَيْلك , وَتَعْرِف الْقَرْيَة الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَة الْبَحْر ؟ فَقُلْت : تِلْكَ أَيْلَة . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِي بَكْر الْهُذَلِيّ , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَة الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَة } قَالَ : هِيَ أَيْلَة . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : هِيَ قَرْيَة عَلَى شَاطِئ الْبَحْر بَيْن مِصْر وَالْمَدِينَة يُقَال لَهَا أَيْلَة . 11849 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : هُمْ أَهْل أَيْلَة , الْقَرْيَة الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَة الْبَحْر . 11850 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا أَبُو سَعْد , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَة الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَة الْبَحْر } قَالَ أَيْلَة . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ : سَاحِل مَدْيَن . 11851 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَة الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَة الْبَحْر } الْآيَة , ذُكِرَ لَنَا أَنَّهَا كَانَتْ قَرْيَة عَلَى سَاحِل الْبَحْر يُقَال لَهَا أَيْلَة . وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ مقنا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ. 11852 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَة الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَة الْبَحْر } قَالَ : هِيَ قَرْيَة يُقَال لَهَا مقنا بَيْن مَدْيَن وَعَيْنُونَى . وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ مَدْيَن . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11853 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ دَاوُد بْن الْحُصَيْن , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : هِيَ قَرْيَة بَيْن أَيْلَة وَالطُّور يُقَال لَهَا مَدْيَن . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : هِيَ قَرْيَة حَاضِرَة الْبَحْر , وَجَائِز أَنْ تَكُون أَيْلَة , وَجَائِز أَنْ تَكُون مَدْيَن , وَجَائِز أَنْ تَكُون مقنا ; لِأَنَّ كُلّ ذَلِكَ حَاضِرَة الْبَحْر . وَلَا خَبَر عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْطَع الْعُذْر بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَيّ , وَالِاخْتِلَاف فِيهِ عَلَى مَا وَصَفْت , وَلَا يُوصَل إِلَى عِلْم مَا قَدْ كَانَ فَمَضَى مِمَّا لَمْ نُعَايِنهُ , إِلَّا بِخَبَرٍ يُوجِب الْعِلْم ; وَلَا خَبَر كَذَلِكَ فِي ذَلِكَ.
وَقَوْله : { إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْت } يَعْنِي بِهِ أَهْله : إِذْ يَعْتَدُونَ فِي السَّبْت أَمْر اللَّه , وَيَتَجَاوَزُونَهُ إِلَى مَا حَرَّمَهُ اللَّه عَلَيْهِمْ , يُقَال مِنْهُ : عَدَا فُلَان أَمْرِي وَاعْتَدَى : إِذَا تَجَاوَزَهُ . وَكَانَ اِعْتِدَاؤُهُمْ فِي السَّبْت أَنَّ اللَّه كَانَ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ السَّبْت , فَكَانُوا يَصْطَادُونَ فِيهِ السَّمَك. { إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانهمْ يَوْم سَبْتهمْ شُرَّعًا } : يَقُول : إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانهمْ يَوْم سَبْتهمْ الَّذِي نُهُوا فِيهِ عَنْ الْعَمَل شُرَّعًا , يَقُول : شَارِعَة ظَاهِرَة عَلَى الْمَاء مِنْ كُلّ طَرِيق وَنَاحِيَة كَشَوَارِع الطُّرُق . كَاَلَّذِي : 11854 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا عُثْمَان بْن سَعْد , عَنْ بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس : { إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانهمْ يَوْم سَبْتهمْ شُرَّعًا } يَقُول : ظَاهِرَة عَلَى الْمَاء . 11855 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس { شُرَّعًا } يَقُول : مِنْ كُلّ مَكَان . وَقَوْله : { وَيَوْم لَا يَسْبِتُونَ } يَقُول : وَيَوْم لَا يُعَظِّمُونَهُ تَعْظِيمهمْ السَّبْت , وَذَلِكَ سَائِر الْأَيَّام غَيْر يَوْم السَّبْت , لَا تَأْتِيهِمْ الْحِيتَان . { كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } يَقُول : كَمَا وَصَفْنَا لَكُمْ مِنْ الِاخْتِبَار وَالِابْتِلَاء الَّذِي ذَكَرْنَا بِإِظْهَارِ السَّمَك لَهُمْ عَلَى ظَهْر الْمَاء فِي الْيَوْم الْمُحَرَّم عَلَيْهِمْ صَيْده , وَإِخْفَائِهَا عَنْهُ فِي الْيَوْم الْمُحَلَّل صَيْده , كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ وَنَخْتَبِرهُمْ { بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } يَقُول : بِفِسْقِهِمْ عَنْ طَاعَة اللَّه وَخُرُوجهمْ عَنْهَا. وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَيَوْم لَا يَسْبِتُونَ } فَقُرِئَ بِفَتْحِ الْيَاء مِنْ " يَسْبِتُونَ " مِنْ قَوْل الْقَائِل : سَبَتَ فُلَان يَسْبِت سَبْتًا وَسُبُوتًا : إِذَا عَظَّمَ السَّبْت . وَذُكِرَ عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ : " وَيَوْم لَا يُسْبِتُونَ " بِضَمِّ الْيَاء , مِنْ أَسْبَتَ الْقَوْم يُسْبِتُونَ : إِذَا دَخَلُوا فِي السَّبْت , كَمَا يُقَال : أَجْمَعْنَا : مَرَّتْ بِنَا جُمُعَة , وَأَشْهَرْنَا : مَرَّ بِنَا شَهْر , وَأَسْبَتْنَا : مَرَّ بِنَا سَبْت . وَنُصِبَ " يَوْم " مِنْ قَوْله : { وَيَوْم لَا يَسْبِتُونَ } بِقَوْلِهِ : { لَا تَأْتِيهِمْ } , لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : لَا تَأْتِيهِمْ يَوْم لَا يَسْبِتُونَ .
وَقَوْله : { إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْت } يَعْنِي بِهِ أَهْله : إِذْ يَعْتَدُونَ فِي السَّبْت أَمْر اللَّه , وَيَتَجَاوَزُونَهُ إِلَى مَا حَرَّمَهُ اللَّه عَلَيْهِمْ , يُقَال مِنْهُ : عَدَا فُلَان أَمْرِي وَاعْتَدَى : إِذَا تَجَاوَزَهُ . وَكَانَ اِعْتِدَاؤُهُمْ فِي السَّبْت أَنَّ اللَّه كَانَ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ السَّبْت , فَكَانُوا يَصْطَادُونَ فِيهِ السَّمَك. { إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانهمْ يَوْم سَبْتهمْ شُرَّعًا } : يَقُول : إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانهمْ يَوْم سَبْتهمْ الَّذِي نُهُوا فِيهِ عَنْ الْعَمَل شُرَّعًا , يَقُول : شَارِعَة ظَاهِرَة عَلَى الْمَاء مِنْ كُلّ طَرِيق وَنَاحِيَة كَشَوَارِع الطُّرُق . كَاَلَّذِي : 11854 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا عُثْمَان بْن سَعْد , عَنْ بِشْر بْن عُمَارَة , عَنْ أَبِي رَوْق , عَنْ الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس : { إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانهمْ يَوْم سَبْتهمْ شُرَّعًا } يَقُول : ظَاهِرَة عَلَى الْمَاء . 11855 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس { شُرَّعًا } يَقُول : مِنْ كُلّ مَكَان . وَقَوْله : { وَيَوْم لَا يَسْبِتُونَ } يَقُول : وَيَوْم لَا يُعَظِّمُونَهُ تَعْظِيمهمْ السَّبْت , وَذَلِكَ سَائِر الْأَيَّام غَيْر يَوْم السَّبْت , لَا تَأْتِيهِمْ الْحِيتَان . { كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } يَقُول : كَمَا وَصَفْنَا لَكُمْ مِنْ الِاخْتِبَار وَالِابْتِلَاء الَّذِي ذَكَرْنَا بِإِظْهَارِ السَّمَك لَهُمْ عَلَى ظَهْر الْمَاء فِي الْيَوْم الْمُحَرَّم عَلَيْهِمْ صَيْده , وَإِخْفَائِهَا عَنْهُ فِي الْيَوْم الْمُحَلَّل صَيْده , كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ وَنَخْتَبِرهُمْ { بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } يَقُول : بِفِسْقِهِمْ عَنْ طَاعَة اللَّه وَخُرُوجهمْ عَنْهَا. وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَيَوْم لَا يَسْبِتُونَ } فَقُرِئَ بِفَتْحِ الْيَاء مِنْ " يَسْبِتُونَ " مِنْ قَوْل الْقَائِل : سَبَتَ فُلَان يَسْبِت سَبْتًا وَسُبُوتًا : إِذَا عَظَّمَ السَّبْت . وَذُكِرَ عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهُ : " وَيَوْم لَا يُسْبِتُونَ " بِضَمِّ الْيَاء , مِنْ أَسْبَتَ الْقَوْم يُسْبِتُونَ : إِذَا دَخَلُوا فِي السَّبْت , كَمَا يُقَال : أَجْمَعْنَا : مَرَّتْ بِنَا جُمُعَة , وَأَشْهَرْنَا : مَرَّ بِنَا شَهْر , وَأَسْبَتْنَا : مَرَّ بِنَا سَبْت . وَنُصِبَ " يَوْم " مِنْ قَوْله : { وَيَوْم لَا يَسْبِتُونَ } بِقَوْلِهِ : { لَا تَأْتِيهِمْ } , لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : لَا تَأْتِيهِمْ يَوْم لَا يَسْبِتُونَ .
وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ قَالَتْ أُمَّة مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّه مُهْلِكهمْ أَوْ مُعَذِّبهمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَة إِلَى رَبّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاذْكُرْ أَيْضًا يَا مُحَمَّد , إِذْ قَالَتْ أُمَّة مِنْهُمْ , جَمَاعَة مِنْهُمْ لِجَمَاعَةٍ كَانَتْ تَعِظ الْمُعْتَدِينَ فِي السَّبْت وَتَنْهَاهُمْ عَنْ مَعْصِيَة اللَّه فِيهِ : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّه مُهْلِكهمْ } فِي الدُّنْيَا بِمَعْصِيَتِهِمْ إِيَّاهُ , وَخِلَافهمْ أَمْره , وَاسْتِحْلَالهمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ . { أَوْ مُعَذِّبهمْ عَذَابًا شَدِيدًا } فِي الْآخِرَة , قَالَ الَّذِينَ كَانُوا يَنْهَوْنَهُمْ عَنْ مَعْصِيَة اللَّه مُجِيبِيهِمْ عَنْ قَوْلهمْ : عِظَتنَا إِيَّاهُمْ { مَعْذِرَة إِلَى رَبّكُمْ } نُؤَدِّي فَرْضه عَلَيْنَا فِي الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر . { وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } يَقُول : وَلَعَلَّهُمْ أَنْ يَتَّقُوا اللَّه فَيَخَافُوهُ , فَيُنِيبُوا إِلَى طَاعَته وَيَتُوبُوا مِنْ مَعْصِيَتهمْ إِيَّاهُ وَتَعَدِّيهمْ عَلَى مَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ مِنْ اِعْتِدَائِهِمْ فِي السَّبْت . كَمَا : 11856 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , عَنْ دَاوُد بْن الْحُصَيْن , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { قَالُوا مَعْذِرَة إِلَى رَبّكُمْ } لِسُخْطِنَا أَعْمَالهمْ . { وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } : أَيْ يَنْزِعُونَ عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ . 11857 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } قَالَ : يَتْرُكُونَ هَذَا الْعَمَل الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ. وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { قَالُوا مَعْذِرَة } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز وَالْكُوفَة وَالْبَصْرَة : " مَعْذِرَة " بِالرَّفْعِ عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ مَعْنَاهَا . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض أَهْل الْكُوفَة : { مَعْذِرَة } نَصْبًا , بِمَعْنَى : إِعْذَارًا وَعَظْنَاهُمْ وَفَعَلْنَا ذَلِكَ . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي هَذِهِ الْفِرْقَة الَّتِي قَالَتْ : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّه مُهْلِكهمْ } هَلْ كَانَتْ مِنْ النَّاجِيَة , أَمْ مِنْ الْهَالِكَة ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَتْ مِنْ النَّاجِيَة , لِأَنَّهَا كَانَتْ مِنْ النَّاهِيَة الْفِرْقَة الْهَالِكَة عَنْ الِاعْتِدَاء فِي السَّبْت . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11858 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَإِذْ قَالَتْ أُمَّة مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّه مُهْلِكهمْ أَوْ مُعَذِّبهمْ عَذَابًا شَدِيدًا } هِيَ قَرْيَة عَلَى شَاطِئ الْبَحْر بَيْن مَكَّة وَالْمَدِينَة يُقَال لَهَا أَيْلَة , فَحَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمْ الْحِيتَان يَوْم سَبْتهمْ , فَكَانَتْ الْحِيتَان تَأْتِيهِمْ يَوْم سَبْتهمْ شُرَّعًا فِي سَاحِل الْبَحْر , فَإِذَا مَضَى يَوْم السَّبْت لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهَا , فَمَكَثُوا بِذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّه . ثُمَّ إِنَّ طَائِفَة مِنْهُمْ أَخَذُوا الْحِيتَان يَوْم سَبْتهمْ , فَنَهَتْهُمْ طَائِفَة وَقَالُوا : تَأْخُذُونَهَا وَقَدْ حَرَّمَهَا اللَّه عَلَيْكُمْ يَوْم سَبْتكُمْ ! فَلَمْ يَزْدَادُوا إِلَّا غَيًّا وَعُتُوًّا , وَجَعَلَتْ طَائِفَة أُخْرَى تَنْهَاهُمْ . فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ قَالَتْ طَائِفَة مِنْ النُّهَاة : تَعْلَمُونَ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْم قَدْ حَقَّ عَلَيْهِمْ الْعَذَاب { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّه مُهْلِكهمْ } ؟ وَكَانُوا أَشَدّ غَضَبًا لِلَّهِ مِنْ الطَّائِفَة الْأُخْرَى , فَقَالُوا : { مَعْذِرَة إِلَى رَبّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } وَكُلّ قَدْ كَانُوا يَنْهُونَ . فَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمْ غَضَب اللَّه , نَجَتْ الطَّائِفَتَانِ اللَّتَانِ قَالُوا : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّه مُهْلِكهمْ } , وَاَلَّذِينَ قَالُوا : { مَعْذِرَة إِلَى رَبّكُمْ } , وَأَهْلَكَ اللَّه أَهْل مَعْصِيَته الَّذِينَ أَخَذُوا الْحِيتَان , فَجَعَلَهُمْ قِرَدَة وَخَنَازِير . 11859 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَة الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَة الْبَحْر } إِلَى قَوْله : { وَيَوْم لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ } وَذَلِكَ أَنَّ أَهْل قَرْيَة كَانَتْ حَاضِرَة الْبَحْر كَانَتْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانهمْ يَوْم سَبْتهمْ , يَقُول : إِذَا كَانُوا يَوْم يَسْبِتُونَ تَأْتِيهِمْ شُرَّعًا , يَعْنِي مِنْ كُلّ مَكَان , { وَيَوْم لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ } وَأَنَّهُمْ قَالُوا : لَوْ أَنَّا أَخَذْنَا مِنْ هَذِهِ الْحِيتَان يَوْم تَجِيء مَا يَكْفِينَا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَيَّام . فَوَعَظَهُمْ قَوْم مُؤْمِنُونَ وَنَهَوْهُمْ. وَقَالَتْ طَائِفَة مِنْ الْمُؤْمِنِينَ : إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْم قَدْ هَمُّوا بِأَمْرٍ لَيْسُوا بِمُنْتَهِينَ دُونه , وَاَللَّه مُخْزِيهمْ وَمُعَذِّبهمْ عَذَابًا شَدِيدًا. قَالَ الْمُؤْمِنُونَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : { مَعْذِرَة إِلَى رَبّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } إِنْ كَانَ هَلَاك فَلَعَلَّنَا نَنْجُو ; وَإِمَّا أَنْ يَنْتَهُوا فَيَكُون لَنَا أَجْرًا . وَقَدْ كَانَ اللَّه جَعَلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل يَوْمًا يَعْبُدُونَهُ وَيَتَفَرَّغُونَ لَهُ فِيهِ , وَهُوَ يَوْم الِاثْنَيْنِ , فَتَعَدَّى الْخُبَثَاء مِنْ الِاثْنَيْنِ إِلَى السَّبْت , وَقَالُوا : هُوَ يَوْم السَّبْت . فَنَهَاهُمْ مُوسَى , فَاخْتَلَفُوا فِيهِ , فَجَعَلَ عَلَيْهِمْ السَّبْت , وَنَهَاهُمْ أَنْ يَعْمَلُوا فِيهِ وَأَنْ يَعْتَدُوا فِيهِ. وَإِنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ ذَهَبَ لِيَحْتَطِب , فَأَخَذَهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام , فَسَأَلَهُ : هَلْ أَمَرَك بِهَذَا أَحَد ؟ فَلَمْ يَجِد أَحَدًا أَمَرَهُ , فَرَجَمَهُ أَصْحَابه . 11860 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : قَالَ بَعْض الَّذِينَ نَهَوْهُمْ لِبَعْضٍ : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّه مُهْلِكهمْ أَوْ مُعَذِّبهمْ عَذَابًا شَدِيدًا } ؟ يَقُول : لِمَ تَعِظُونَهُمْ وَقَدْ وَعَظْتُمُوهُمْ فَلَمْ يُطِيعُوكُمْ ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : { مَعْذِرَة إِلَى رَبّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } 11861 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُعَاذ بْن هَانِئ , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ دَاوُد , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَإِذْ قَالَتْ أُمَّة مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّه مُهْلِكهمْ أَوْ مُعَذِّبهمْ عَذَابًا شَدِيدًا } قَالَ : مَا أَدْرِي أَنَجَا الَّذِينَ قَالُوا : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّه مُهْلِكهمْ } أَمْ لَا ؟ قَالَ : فَلَمْ أَزَل بِهِ حَتَّى عَرَّفْته أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا , فَكَسَانِي حُلَّة . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا حَمَّاد , عَنْ دَاوُد , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : قَرَأَ اِبْن عَبَّاس هَذِهِ الْآيَة , فَذَكَرَ نَحْوه , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثه : فَمَا زِلْت أُبَصِّرهُ حَتَّى عَرَفَ أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا . * حَدَّثَنِي سَلَّام بْن سَالِم الْخُزَاعِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سُلَيْم الطَّائِفِيّ , قَالَ : ثنا اِبْن جُرَيْج , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : دَخَلْت عَلَى اِبْن عَبَّاس وَالْمُصْحَف فِي حَجْره وَهُوَ يَبْكِي , فَقُلْت : مَا يُبْكِيك جَعَلَنِي اللَّه فِدَاءَك ؟ قَالَ : فَقَرَأَ : { وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَة الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَة الْبَحْر } إِلَى قَوْله : { بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } قَالَ اِبْن عَبَّاس : لَا أَسْمَع الْفِرْقَة الثَّالِثَة ذُكِرَتْ نَخَاف أَنْ نَكُون مِثْلهمْ . فَقُلْت : أَمَا تَسْمَع اللَّه يَقُول : { فَلَمَّا عَتَوْا عَمَّا نُهُوا عَنْهُ } ؟ فَسُرِّيَ عَنْهُ وَكَسَانِي حُلَّة . 11862 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : ثني رَجُل , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : جِئْت اِبْن عَبَّاس يَوْمًا وَهُوَ يَبْكِي , وَإِذَا الْمُصْحَف فِي حَجْره , فَأَعْظَمْت أَنْ أَدْنُوَ , ثُمَّ لَمْ أَزَل عَلَى ذَلِكَ حَتَّى تَقَدَّمْت فَجَلَسْت , فَقُلْت : مَا يُبْكِيك يَا اِبْن عَبَّاس جَعَلَنِي اللَّه فِدَاءَك ؟ فَقَالَ : هَؤُلَاءِ الْوَرَقَات . قَالَ : وَإِذَا هُوَ فِي سُورَة الْأَعْرَاف . قَالَ : تَعْرِف أَيْلَة ؟ قُلْت : نَعَمْ . قَالَ : فَإِنَّهُ كَانَ حَيّ مِنْ يَهُود سِيقَتْ الْحِيتَان إِلَيْهِمْ يَوْم السَّبْت ثُمَّ غَاصَتْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهَا حَتَّى يَغُوصُوا بَعْد كَدّ وَمُؤْنَة شَدِيدَة , كَانَتْ تَأْتِيهِمْ يَوْم السَّبْت شُرَّعًا بِيضًا سِمَانًا كَأَنَّهَا الْمَاخِض , تَنْتَطِح ظُهُورهَا لِبُطُونِهَا بِأَفْنِيَتِهِمْ وَأَبْنِيَتهمْ . فَكَانُوا كَذَلِكَ بُرْهَة مِنْ الدَّهْر , ثُمَّ إِنَّ الشَّيْطَان أَوْحَى إِلَيْهِمْ , فَقَالَ : إِنَّمَا نُهِيتُمْ عَنْ أَكْلهَا يَوْم السَّبْت , فَخُذُوهَا فِيهِ وَكُلُوهَا فِي غَيْره مِنْ الْأَيَّام ! فَقَالَتْ ذَلِكَ طَائِفَة مِنْهُمْ , وَقَالَتْ طَائِفَة مِنْهُمْ : بَلْ نُهِيتُمْ عَنْ أَكْلهَا وَأَخْذهَا وَصَيْدهَا فِي يَوْم السَّبْت . وَكَانُوا كَذَلِكَ حَتَّى جَاءَتْ الْجُمُعَة الْمُقْبِلَة , فَعَدَتْ طَائِفَة بِأَنْفُسِهَا وَأَبْنَائِهَا وَنِسَائِهَا , وَاعْتَزَلَتْ طَائِفَة ذَات الْيَمِين وَتَنَحَّتْ , وَاعْتَزَلَتْ طَائِفَة ذَات الْيَسَار وَسَكَتَتْ , وَقَالَ الْأَيْمَنُونَ : اللَّه يَنْهَاكُمْ عَنْ أَنْ تَعْتَرِضُوا لِعُقُوبَةِ اللَّه , وَقَالَ الْأَيْسَرُونَ : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّه مُهْلِكهمْ أَوْ مُعَذِّبهمْ عَذَابًا شَدِيدًا } ؟ قَالَ الْأَيْمَنُونَ : { مَعْذِرَة إِلَى رَبّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } أَيْ يَنْتَهُونَ , فَهُوَ أَحَبّ إِلَيْنَا أَنْ لَا يُصَابُوا وَلَا يَهْلَكُوا , وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا فَمَعْذِرَة إِلَى رَبّكُمْ. فَمَضَوْا عَلَى الْخَطِيئَة , فَقَالَ الْأَيْمَنُونَ : قَدْ فَعَلْتُمْ يَا أَعْدَاء اللَّه , وَاَللَّه لَا نُبَايِتُكُمْ اللَّيْلَة فِي مَدِينَتكُمْ , وَاَللَّه مَا نَرَاكُمْ تُصْبِحُونَ حَتَّى يُصِيبكُمْ اللَّه بِخَسْفٍ أَوْ قَذْف أَوْ بَعْض مَا عِنْده بِالْعَذَابِ ! فَلَمَّا أَصْبَحُوا ضَرَبُوا عَلَيْهِمْ الْبَاب وَنَادَوْا , فَلَمْ يُجَابُوا , فَوَضَعُوا سُلَّمًا وَأَعْلَوْا سُور الْمَدِينَة رَجُلًا , فَالْتَفَتَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ : أَيْ عِبَاد اللَّه قِرَدَة وَاَللَّه تَعَاوَى لَهَا أَذْنَاب ! قَالَ : فَفَتَحُوا فَدَخَلُوا عَلَيْهِمْ , فَعَرَفَتْ الْقِرَدَة أَنْسَابهَا مِنْ الْإِنْس , وَلَا تَعْرِف الْإِنْس أَنْسَابهَا مِنْ الْقِرَدَة , فَجَعَلَتْ الْقُرُود تَأْتِي نَسِيبهَا مِنْ الْإِنْس , فَتَشُمّ ثِيَابه وَتَبْكِي , فَتَقُول لَهُمْ : أَلَمْ نَنْهَكُمْ عَنْ كَذَا ؟ فَتَقُول بِرَأْسِهَا نَعَمْ . ثُمَّ قَرَأَ اِبْن عَبَّاس : { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوء وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيس بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } قَالَ : فَأَرَى الْيَهُود الَّذِينَ نَهَوْا قَدْ نَجَوْا , وَلَا أَرَى الْآخَرِينَ ذُكِرُوا , وَنَحْنُ نَرَى أَشْيَاء نُنْكِرهَا , فَلَا نَقُول فِيهَا , قَالَ : قُلْت : أَيْ جَعَلَنِي اللَّه فِدَاك , أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَدْ كَرِهُوا مَا هُمْ عَلَيْهِ وَخَالَفُوهُمْ وَقَالُوا : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّه مُهْلِكهمْ أَوْ مُعَذِّبهمْ } ؟ قَالَ : فَأَمَرَ بِي فَكُسِيت بُرْدَيْنِ غَلِيظَيْنِ . 11863 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَة الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَة الْبَحْر } ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ إِذَا كَانَ يَوْم السَّبْت أَقْبَلَتْ الْحِيتَان حَتَّى تَنْتَطِح عَلَى سَوَاحِلهمْ وَأَفْنِيَتهمْ لِمَا بَلَغَهَا مِنْ أَمْر اللَّه فِي الْمَاء , فَإِذَا كَانَ فِي غَيْر يَوْم السَّبْت بَعُدَتْ فِي الْمَاء حَتَّى يَطْلُبهَا طَالِبهمْ , فَأَتَاهُمْ الشَّيْطَان , فَقَالَ : إِنَّمَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ أَكْلهَا يَوْم السَّبْت , فَاصْطَادُوهَا يَوْم السَّبْت وَكُلُوهَا فِيمَا بَعْد ! قَوْله : { وَإِذْ قَالَتْ أُمَّة مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّه مُهْلِكهمْ أَوْ مُعَذِّبهمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَة إِلَى رَبّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } فَصَارَ الْقَوْم ثَلَاثَة أَصْنَاف : أَمَّا صِنْف , فَأَمْسَكُوا عَنْ حُرْمَة اللَّه وَنَهَوْا عَنْ مَعْصِيَة اللَّه . وَأَمَّا صِنْف فَأَمْسَكَ عَنْ حُرْمَة اللَّه هَيْبَة لِلَّهِ . وَأَمَّا صِنْف فَانْتَهَكَ الْحُرْمَة وَوَقَعَ فِي الْخَطِيئَة . 11864 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْل اللَّه : { حَاضِرَة الْبَحْر } قَالَ : حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الْحِيتَان يَوْم السَّبْت , وَكَانَتْ تَأْتِيهِمْ يَوْم السَّبْت شُرَّعًا , بَلَاء اُبْتُلُوا بِهِ , وَلَا تَأْتِيهِمْ فِي غَيْره إِلَّا أَنْ يَطْلُبُوهَا , بَلَاء أَيْضًا بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ . فَأَخَذُوهَا يَوْم السَّبْت اِسْتِحْلَالًا وَمَعْصِيَة , فَقَالَ اللَّه لَهُمْ : { كُونُوا قِرَدَة خَاسِئِينَ } 2 65 إِلَّا طَائِفَة مِنْهُمْ لَمْ يَعْتَدُوا وَنَهَوْهُمْ , فَقَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا } 11865 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَإِذْ قَالَتْ أُمَّة مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّه مُهْلِكهمْ } حَتَّى بَلَغَ : { وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } لَعَلَّهُمْ يَتْرُكُونَ مَا هُمْ عَلَيْهِ. قَالَ : كَانُوا قَدْ بُلُوا بِكَفِّ الْحِيتَانِ عَنْهُمْ , وَكَانُوا يَسْبِتُونَ فِي يَوْم السَّبْت , وَلَا يَعْمَلُونَ فِيهِ شَيْئًا , فَإِذَا كَانَ يَوْم السَّبْت أَتَتْهُمْ الْحِيتَان شُرَّعًا , وَإِذَا كَانَ غَيْر يَوْم السَّبْت لَمْ يَأْتِ حُوت وَاحِد . قَالَ : وَكَانُوا قَوْمًا قَدْ قُرِنُوا بِحُبِّ الْحِيتَان , وَلَقُوا مِنْهُ بَلَاء , فَأَخَذَ رَجُل مِنْهُمْ حُوتًا , فَرَبَطَ فِي ذَنَبه خَيْطًا , ثُمَّ رَبَطَهُ إِلَى خَشَفَة , ثُمَّ تَرَكَهُ فِي الْمَاء , حَتَّى إِذَا غَرَبَتْ الشَّمْس مِنْ يَوْم الْأَحَد اِجْتَرَّهُ بِالْخَيْطِ , ثُمَّ شَوَاهُ. فَوَجَدَ جَار لَهُ رِيح حُوت , فَقَالَ : يَا فُلَان إِنِّي أَجِد فِي بَيْتك رِيح نُون ! فَقَالَ : لَا . قَالَ : فَتَطَلَّعَ فِي تَنُّوره فَإِذَا هُوَ فِيهِ فَأَخْبَرَهُ حِينَئِذٍ الْخَبَر , فَقَالَ : إِنِّي أَرَى اللَّه سَيُعَذِّبُك . قَالَ : فَلَمَّا لَمْ يَرَهُ عُجِّلَ عَذَابًا , فَلَمَّا أَتَى السَّبْت الْآخَر أَخَذَ اِثْنَيْنِ فَرَبَطَهُمَا , ثُمَّ اِطَّلَعَ جَار لَهُ عَلَيْهِ . فَلَمَّا رَآهُ لَمْ يُعَجَّل عَذَابًا جَعَلُوا يَصِيدُونَهُ , فَاطَّلَعَ أَهْل الْقَرْيَة عَلَيْهِمْ , فَنَهَاهُمْ الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَر , فَكَانُوا فِرْقَتَيْنِ : فِرْقَة تَنْهَاهُمْ وَتَكُفّ , وَفِرْقَة تَنْهَاهُمْ وَلَا تَكُفّ , فَقَالَ الَّذِينَ نَهَوْا وَكَفُّوا لِلَّذِينَ يَنْهَوْنَ وَلَا يَكُفُّونَ : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّه مُهْلِكهمْ أَوْ مُعَذِّبهمْ عَذَابًا شَدِيدًا } فَقَالَ الْآخَرُونَ : { مَعْذِرَة إِلَى رَبّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } فَقَالَ اللَّه : { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوء } إِلَى قَوْله : { بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } قَالَ اللَّه : { فَلَمَّا عَتَوْا عَمَّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَة خَاسِئِينَ } 7 166 وَقَالَ لَهُمْ أَهْل تِلْكَ الْقَرْيَة : عَمِلْتُمْ بِعَمَلِ سُوء , مَنْ كَانَ يُرِيد يَعْتَزِل وَيَتَطَهَّر فَلْيَعْتَزِل هَؤُلَاءِ ! قَالَ : فَاعْتَزَلَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ فِي مَدِينَتهمْ , وَضَرَبُوا بَيْنهمْ سُورًا , فَجَعَلُوا فِي ذَلِكَ السُّور أَبْوَابًا يَخْرُج بَعْضهمْ إِلَى بَعْض . قَالَ : فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل طَرَقَهُمْ اللَّه بِعَذَابِهِ , فَأَصْبَحَ أُولَئِكَ الْمُؤْمِنُونَ لَا يَرَوْنَ مِنْهُمْ أَحَدًا , فَدَخَلُوا عَلَيْهِمْ , فَإِذَا هُمْ قِرَدَة , الرَّجُل وَأَزْوَاجه وَأَوْلَاده . فَجَعَلُوا يَدْخُلُونَ عَلَى الرَّجُل يَعْرِفُونَهُ , فَيَقُولُونَ : يَا فُلَان أَلَمْ نُحَذِّرك سَطَوَات اللَّه ؟ أَلَمْ نُحَذِّرك نِقْمَات اللَّه ؟ وَنُحَذِّرك وَنُحَذِّرك ؟ قَالَ : فَلَيْسَ إِلَّا بُكَاء . قَالَ : وَأَنَّمَا عَذَّبَ اللَّه الَّذِينَ ظَلَمُوا الَّذِينَ أَقَامُوا عَلَى ذَلِكَ . قَالَ : وَأَمَّا الَّذِينَ نَهَوْا فَكُلّهمْ قَدْ نَهَى , وَلَكِنَّ بَعْضهمْ أَفْضَل مِنْ بَعْض ; فَقَرَأَ : { أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوء وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيس بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ دَاوُد , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : قَرَأَ اِبْن عَبَّاس هَذِهِ الْآيَة : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّه مُهْلِكهمْ أَوْ مُعَذِّبهمْ عَذَابًا شَدِيدًا } قَالَ : لَا أَدْرِي أَنَجَا الْقَوْم أَوْ هَلَكُوا ؟ فَمَا زِلْت أُبَصِّرهُ حَتَّى عَرَفَ أَنَّهُمْ نَجَوْا , وَكَسَانِي حُلَّة . 11866 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنِي أَشْهَب بْن عَبْد الْعَزِيز , عَنْ مَالِك , قَالَ : زَعَمَ اِبْن رُومَان أَنَّ قَوْله : { تَأْتِيهِمْ حِيتَانهمْ يَوْم سَبْتهمْ شُرَّعًا وَيَوْم لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ } قَالَ : كَانَتْ تَأْتِيهِمْ يَوْم السَّبْت , فَإِذَا كَانَ الْمَسَاء ذَهَبَتْ فَلَا يُرَى مِنْهَا شَيْء إِلَى السَّبْت , فَاتَّخَذَ لِذَلِكَ رَجُل مِنْهُمْ خَيْطًا وَوَتَدًا , فَرَبَطَ حُوتًا مِنْهَا فِي الْمَاء يَوْم السَّبْت , حَتَّى إِذَا أَمْسَوْا لَيْلَة الْأَحَد أَخَذَهُ فَاشْتَوَاهُ , فَوَجَدَ النَّاس رِيحه , فَأَتَوْهُ فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ , فَجَحَدَهُمْ , فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى قَالَ لَهُمْ : فَإِنَّهُ جِلْد حُوت وَجَدْنَاهُ ; فَلَمَّا كَانَ السَّبْت الْآخِر فَعَلَ مِثْل ذَلِكَ , وَلَا أَدْرِي لَعَلَّهُ قَالَ : رَبَطَ حُوتَيْنِ , فَلَمَّا أَمْسَى مِنْ لَيْلَة الْأَحَد أَخَذَهُ فَاشْتَوَاهُ , فَوَجَدُوا رِيحه , فَجَاءُوا فَسَأَلُوهُ , فَقَالَ لَهُمْ : لَوْ شِئْتُمْ صَنَعْتُمْ كَمَا أَصْنَع , فَقَالُوا لَهُ : وَمَا صَنَعْت ؟ فَأَخْبَرَهُمْ , فَفَعَلُوا مِثْل مَا فَعَلَ , حَتَّى كَثُرَ ذَلِكَ . وَكَانَتْ لَهُمْ مَدِينَة لَهَا رَبَض , فَغَلَّقُوهَا عَلَيْهِمْ , فَأَصَابَهُمْ مِنْ الْمَسْخ مَا أَصَابَهُمْ , فَغَدَا إِلَيْهِمْ جِيرَانهمْ مِمَّنْ كَانَ يَكُون حَوْلهمْ , يَطْلُبُونَ مِنْهُمْ مَا يَطْلُب النَّاس , فَوَجَدُوا الْمَدِينَة مُغْلَقَة عَلَيْهِمْ , فَنَادَوْا فَلَمْ يُجِيبُوهُمْ , فَتَسَوَّرُوا عَلَيْهِمْ , فَإِذَا هُمْ قِرَدَة , فَجَعَلَ الْقِرْد يَدْنُو يَتَمَسَّح بِمَنْ كَانَ يَعْرِف قَبْل ذَلِكَ وَيَدْنُو مِنْهُ وَيَتَمَسَّح بِهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ الْفِرْقَة الَّتِي قَالَتْ : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّه مُهْلِكهمْ } كَانَتْ مِنْ الْفِرْقَة الْهَالِكَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11867 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن إِدْرِيس , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ دَاوُد بْن حُصَيْن , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَة الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَة الْبَحْر } إِلَى قَوْله : { شُرَّعًا } قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : اِبْتَدَعُوا السَّبْت , فَابْتُلُوا فِيهِ , فَحُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ فِيهِ الْحِيتَان , فَكَانُوا إِذَا كَانَ يَوْم السَّبْت شَرَعَتْ لَهُمْ الْحِيتَان يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا فِي الْبَحْر , فَإِذَا اِنْقَضَى السَّبْت ذَهَبَتْ , فَلَمْ تُرَ حَتَّى السَّبْت الْمُقْبِل , فَإِذَا جَاءَ السَّبْت جَاءَتْ شُرَّعًا. فَمَكَثُوا مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَمْكُثُوا كَذَلِكَ , ثُمَّ إِنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ أَخَذَ حُوتًا فَخَزَمَ أَنْفه , ثُمَّ ضَرَبَ لَهُ وَتَدًا فِي السَّاحِل وَرَبَطَهُ وَتَرَكَهُ فِي الْمَاء , فَلَمَّا كَانَ الْغَد أَخَذَهُ فَشَوَاهُ فَأَكَلَهُ . فَفَعَلَ ذَلِكَ وَهُمْ يَنْظُرُونَ وَلَا يُنْكِرُونَ , وَلَا يَنْهَاهُ مِنْهُمْ أَحَد إِلَّا عُصْبَة مِنْهُمْ نَهَوْهُ , حَتَّى ظَهَرَ ذَلِكَ فِي الْأَسْوَاق وَفُعِلَ عَلَانِيَة , قَالَ : فَقَالَتْ طَائِفَة لِلَّذِينَ يَنْهَوْنَ : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّه مُهْلِكهمْ أَوْ مُعَذِّبهمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَة إِلَى رَبّكُمْ } فِي سُخْطنَا أَعْمَالهمْ { وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ } إِلَى قَوْله : { قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَة خَاسِئِينَ } قَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانُوا أَثْلَاثًا : ثُلُث نَهَوْا , وَثُلُث قَالُوا : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّه مُهْلِكهمْ } , وَثُلُث أَصْحَاب الْخَطِيئَة . فَلَمَّا نَجَا إِلَّا الَّذِينَ نَهَوْا , وَهَلَكَ سَائِرهمْ , فَأَصْبَحَ الَّذِينَ نَهَوْا عَنْ السُّوء ذَات يَوْم فِي مَجَالِسهمْ يَتَفَقَّدُونَ النَّاس لَا يَرَوْنَهُمْ , فَغَلَّقُوا عَلَيْهِمْ دُورهمْ , فَجَعَلُوا يَقُولُونَ : إِنَّ لِلنَّاسِ لَشَأْنًا , فَانْظُرُوا مَا شَأْنهمْ ! فَاطَّلَعُوا فِي دُورهمْ , فَإِذَا الْقَوْم قَدْ مُسِخُوا فِي دِيَارهمْ قِرَدَة , يَعْرِفُونَ الرَّجُل بِعَيْنِهِ وَإِنَّهُ لَقِرْد , وَيَعْرِفُونَ الْمَرْأَة بِعَيْنِهَا وَإِنَّهَا لَقِرَدَة , قَالَ اللَّه : { فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْن يَدَيْهَا وَمَا خَلْفهَا وَمَوْعِظَة لِلْمُتَّقِينَ } 2 66 11868 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِي بَكْر الْهُذَلِيّ , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوء } الْآيَة , قَالَ اِبْن عَبَّاس : نَجَا النَّاهُونَ , وَهَلَكَ الْفَاعِلُونَ , وَلَا أَدْرِي مَا صُنِعَ بِالسَّاكِتِينَ. 11869 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّه مُهْلِكهمْ } قَالَ : هُمْ ثَلَاث فِرَق : الْفِرْقَة الَّتِي وَعَظَتْ , وَالْمَوْعُوظَة الَّتِي وَعَظَتْ , وَاَللَّه أَعْلَم مَا فَعَلَتْ الْفِرْقَة الثَّالِثَة , وَهُمْ الَّذِينَ قَالُوا : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّه مُهْلِكهمْ } وَقَالَ الْكَلْبِيّ : هُمَا فِرْقَتَانِ : الْفِرْقَة الَّتِي وَعَظَتْ , وَالْفِرْقَة الَّتِي قَالَتْ : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّه مُهْلِكهمْ } قَالَ : هِيَ الْمَوْعُوظَة. 11870 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عِمْرَان بْن عُيَيْنَة , عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : لَأَنْ أَكُون عَلِمْت مَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوا : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّه مُهْلِكهمْ أَوْ مُعَذِّبهمْ عَذَابًا شَدِيدًا } أَحَبّ إِلَيَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ. * حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَطَاء , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : { وَإِذْ قَالَتْ أُمَّة مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّه مُهْلِكهمْ } قَالَ : أَسْمَع اللَّه يَقُول : { أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوء وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيس } فَلَيْتَ شِعْرِي مَا فَعَلَ بِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوا : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّه مُهْلِكهمْ } 11871 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ مَاهَان الْحَنَفِيّ أَبِي صَالِح , فِي قَوْله : { تَأْتِيهِمْ حِيتَانهمْ يَوْم سَبْتهمْ شُرَّعًا وَيَوْم لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ } قَالَ : كَانُوا فِي الْمَدِينَة الَّتِي عَلَى سَاحِل الْبَحْر , وَكَانَتْ الْأَيَّام سِتَّة , الْأَحَد إِلَى الْجُمُعَة , فَوَضَعَتْ الْيَهُود يَوْم السَّبْت , وَسَبَتُوهُ عَلَى أَنْفُسهمْ , فَسَبَتَهُ اللَّه عَلَيْهِمْ , وَلَمْ يَكُنْ السَّبْت قَبْل ذَلِكَ , فَوَكَّدَهُ اللَّه عَلَيْهِمْ , وَابْتَلَاهُمْ فِيهِ بِالْحِيتَانِ , فَجَعَلَتْ تَشْرَع يَوْم السَّبْت , فَيَتَّقُونَ أَنْ يُصِيبُوا مِنْهَا , حَتَّى قَالَ رَجُل مِنْهُمْ : وَاَللَّه مَا السَّبْت بِيَوْمٍ وَكَّدَهُ اللَّه عَلَيْنَا , وَنَحْنُ وَكَّدْنَاهُ عَلَى أَنْفُسنَا , فَلَوْ تَنَاوَلْت مِنْ هَذَا السَّمَك ! فَتَنَاوَلَ حُوتًا مِنْ الْحِيتَانِ , فَسَمِعَ بِذَلِكَ جَاره , فَخَافَ الْعُقُوبَة فَهَرَبَ مِنْ مَنْزِله . فَلَمَّا مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّه وَلَمْ تُصِبْهُ عُقُوبَة تَنَاوَلَ غَيْره أَيْضًا فِي يَوْم السَّبْت . فَلَمَّا لَمْ تُصِبْهُمْ الْعُقُوبَة كَثُرَ مَنْ تَنَاوَلَ فِي يَوْم السَّبْت , وَاِتَّخَذُوا يَوْم السَّبْت وَلَيْلَة السَّبْت عِيدًا يَشْرَبُونَ فِيهِ الْخُمُور وَيَلْعَبُونَ فِيهِ بِالْمَعَازِفِ , فَقَالَ لَهُمْ خِيَارهمْ وَصُلَحَاؤُهُمْ : وَيْحكُمْ , اِنْتَهُوا عَمَّا تَفْعَلُونَ , إِنَّ اللَّه مُهْلِككُمْ أَوْ مُعَذِّبكُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ! أَفَلَا تَعْقِلُونَ ؟ وَلَا تَعْدُوا فِي السَّبْت ! فَأَبَوْا , فَقَالَ خِيَارهمْ : نَضْرِب بَيْننَا وَبَيْنهمْ حَائِطًا ! فَفَعَلُوا. وَكَانَ إِذَا كَانَ لَيْلَة السَّبْت تَأَذَّوْا بِمَا يَسْمَعُونَ مِنْ أَصْوَاتهمْ وَأَصْوَات الْمَعَازِف . حَتَّى إِذَا كَانَتْ اللَّيْلَة الَّتِي مُسِخُوا فِيهَا , سَكَنَتْ أَصْوَاتهمْ أَوَّل اللَّيْل , فَقَالَ خِيَارهمْ : مَا شَأْن قَوْمكُمْ قَدْ سَكَنَتْ أَصْوَاتهمْ اللَّيْلَة ؟ فَقَالَ بَعْضهمْ : لَعَلَّ الْخَمْر غَلَبَتْهُمْ فَنَامُوا . فَلَمَّا أَصْبَحُوا لَمْ يَسْمَعُوا لَهُمْ حِسًّا , فَقَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ : مَا لَنَا لَا نَسْمَع مِنْ قَوْمكُمْ حِسًّا ؟ فَقَالُوا لِرَجُلٍ : اِصْعَدْ الْحَائِط وَانْظُرْ مَا شَأْنهمْ ! فَصَعِدَ الْحَائِط فَرَآهُمْ يَمُوج بَعْضهمْ فِي بَعْض , قَدْ مُسِخُوا قِرَدَة , فَقَالَ لِقَوْمِهِ : تَعَالَوْا فَانْظُرُوا إِلَى قَوْمكُمْ مَا لَقُوا ! فَصَعِدُوا , فَجَعَلُوا يَنْظُرُونَ إِلَى الرَّجُل , فَيَتَوَسَّمُونَ فِيهِ , فَيَقُولُونَ : أَيْ فُلَان أَنْتَ فُلَان ؟ فَيُومِئ بِيَدِهِ إِلَى صَدْره : أَيْ نَعَمْ بِمَا كَسَبَتْ يَدَايَ . 11872 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب وَابْن وَكِيع , قَالَا : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ أَيُّوب قَالَ : تَلَا الْحَسَن ذَات يَوْم : { وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَة الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَة الْبَحْر إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْت إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانهمْ يَوْم سَبْتهمْ شُرَّعًا وَيَوْم لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } فَقَالَ : كَانَ حُوتًا حَرَّمَهُ اللَّه عَلَيْهِمْ فِي يَوْم وَأَحَلَّهُ لَهُمْ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ , فَكَانَ يَأْتِيهِمْ فِي الْيَوْم الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّه عَلَيْهِمْ كَأَنَّهُ الْمَخَاض لَا يَمْتَنِع مِنْ أَحَد , وَقَلَّمَا رَأَيْت أَحَدًا يُكْثِر الِاهْتِمَام بِالذَّنْبِ إِلَّا وَاقَعَهُ . قَالَ : فَجَعَلُوا يَهُمُّونَ وَيُمْسِكُونَ حَتَّى أَخَذُوهُ , فَأَكَلُوا أَوْخَم أَكْلَة أَكَلَهَا قَوْم قَطُّ , أَثْقَله خِزْيًا فِي الدُّنْيَا وَأَشَدّه عُقُوبَة فِي الْآخِرَة , وَاَيْم اللَّه مَا حُوت أَخَذَهُ قَوْم فَأَكَلُوهُ أَعْظَم عِنْد اللَّه مِنْ قَتْل رَجُل مُؤْمِن , وَلَلْمُؤْمِن أَعْظَم حُرْمَة عِنْد اللَّه مِنْ حُوت , وَلَكِنَّ اللَّه جَعَلَ مَوْعِد قَوْم السَّاعَة { وَالسَّاعَة أَدْهَى وَأَمَرّ } 54 46 11873 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا سُفْيَان , عَنْ أَبِي مُوسَى , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : جَاءَتْهُمْ الْحِيتَان تَشْرَع فِي حِيَاضهمْ كَأَنَّهَا الْمَخَاض , فَأَكَلُوا وَاَللَّه أَوْخَم أَكْلَة أَكَلَهَا قَوْم قَطُّ , أَسْوَأَهُ عُقُوبَة فِي الدُّنْيَا وَأَشَدّه عَذَابًا فِي الْآخِرَة . وَقَالَ الْحَسَن : وَقَتْل الْمُؤْمِن وَاَللَّه أَعْظَم مِنْ أَكْلِ الْحِيتَان. 11874 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ عَطَاء , قَالَ : كُنْت جَالِسًا فِي الْمَسْجِد , فَإِذَا شَيْخ قَدْ جَاءَ وَجَلَسَ النَّاس إِلَيْهِ , فَقَالُوا : هَذَا مِنْ أَصْحَاب عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود , فَقَالَ : قَالَ اِبْن مَسْعُود : { وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَة الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَة الْبَحْر } الْآيَة , قَالَ : لَمَّا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ السَّبْت كَانَتْ الْحِيتَان تَأْتِي يَوْم السَّبْت , وَتَأْمَن وَتَجِيء فَلَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَمَسُّوهَا , وَكَانَ إِذَا ذَهَبَ السَّبْت ذَهَبَتْ , فَكَانُوا يَتَصَيَّدُونَ كَمَا يَتَصَيَّد النَّاس. فَلَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَعْدُوا فِي السَّبْت , اِصْطَادُوا , فَنَهَاهُمْ قَوْم مِنْ صَالِحِيهِمْ , فَأَبَوْا , وَكَثَّرَهُمْ الْفُجَّار , فَأَرَادَ الْفُجَّار قِتَالهمْ , فَكَانَ فِيهِمْ مَنْ لَا يَشْتَهُونَ قِتَاله , أَبُو أَحَدهمْ وَأَخُوهُ أَوْ قَرِيبه . فَلَمَّا نَهَوْهُمْ وَأَبَوْا , قَالَ الصَّالِحُونَ : إِنَّا نُبَايِنهُمْ , وَإِنَّا نَجْعَل بَيْننَا وَبَيْنهمْ حَائِطًا ! فَفَعَلُوا , فَلَمَّا فَقَدُوا أَصْوَاتهمْ , قَالُوا : لَوْ نَظَرْتُمْ إِلَى إِخْوَانكُمْ مَا فَعَلُوا ! فَنَظَرُوا فَإِذَا هُمْ قَدْ مُسِخُوا قِرَدَة , يَعْرِفُونَ الْكَبِير بِكِبَرِهِ وَالصَّغِير بِصِغَرِهِ , فَجَعَلُوا يَبْكُونَ إِلَيْهِمْ. وَكَانَ هَذَا بَعْد مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوء } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَلَمَّا تَرَكَتْ الطَّائِفَة الَّتِي اِعْتَدَتْ فِي السَّبْت مَا أَمَرَهَا اللَّه بِهِ مِنْ تَرْك الِاعْتِدَاء فِيهِ وَضَيَّعَتْ مَا وَعَظَتْهَا الطَّائِفَة الْوَاعِظَة وَذَكَّرَتْهَا مَا ذَكَّرَتْهَا بِهِ مِنْ تَحْذِيرهَا عُقُوبَة اللَّه عَلَى مَعْصِيَتهَا فَتَقَدَّمَتْ عَلَى اِسْتِحْلَال مَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهَا , أَنْجَى اللَّه الَّذِينَ يَنْهَوْنَ مِنْهُمْ عَنْ السُّوء , يَعْنِي عَنْ مَعْصِيَة اللَّه , وَاسْتِحْلَال حُرَمه . { وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا } يَقُول : وَأَخَذَ اللَّه الَّذِينَ اِعْتَدَوْا فِي السَّبْت فَاسْتَحَلُّوا فِيهِ مَا حَرَّمَ اللَّه مِنْ صَيْد السَّمَك وَأَكْله , فَأَحَلَّ بِهِمْ بَأْسه وَأَهْلَكَهُمْ . { بِعَذَابٍ } شَدِيد { بَئِيس بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } يُخَالِفُونَ أَمْر اللَّه , فَيَخْرُجُونَ مِنْ طَاعَته إِلَى مَعْصِيَته , وَذَلِكَ هُوَ الْفِسْق . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11875 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , فِي قَوْله : { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوء } قَالَ : فَلَمَّا نَسُوا مَوْعِظَة الْمُؤْمِنِينَ إِيَّاهُمْ , الَّذِينَ قَالُوا : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا } 11876 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا حَرَمِيّ , قَالَ : ثني شُعْبَة , قَالَ : أَخْبَرَنِي عِمَارَة , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوء } قَالَ : يَا لَيْتَ شِعْرِي مَا السُّوء الَّذِي نَهَوْا عَنْهُ.
وَأَمَّا قَوْله : { بِعَذَابٍ بَئِيس } فَإِنَّ الْقُرَّاء اِخْتَلَفَتْ فِي قِرَاءَته , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة : " بِعَذَابٍ بِيس " بِكَسْرِ الْبَاء وَتَخْفِيف الْيَاء بِغَيْرِ هَمْز , عَلَى مِثَال " فِعْل " . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء الْكُوفَة وَالْبَصْرَة : { بِعَذَابٍ بَئِيس } عَلَى مِثْل " فَعِيلَ " مِنْ الْبُؤْس , بِنَصْبِ الْبَاء وَكَسْر الْهَمْزَة وَمَدّهَا . وَقَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ بَعْض الْمَكِّيِّينَ , غَيْر أَنَّهُ كَسَرَ بَاءَ : " بِئِيس " عَلَى مِثَال " فِعِيل " . وَقَرَأَهُ بَعْض الْكُوفِيِّينَ : " بَيْئِس " بِفَتْحِ الْبَاء , وَتَسْكِين الْيَاء , وَهَمْزَة بَعْدهَا مَكْسُورَة ; عَلَى مِثَال " فَيْعِل " . وَذَلِكَ شَاذّ عِنْد أَهْل الْعَرَبِيَّة , لِأَنَّ " فَيْعِل " إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَوَات الْيَاء وَالْوَاو , فَالْفَتْح فِي عَيْنه الْفَصِيح فِي كَلَام الْعَرَب , وَذَلِكَ مِثْل قَوْلهمْ فِي نَظِيره مِنْ السَّالِم : صَيْقَل , وَنَيْرَب , وَإِنَّمَا تُكْسَر الْعَيْن مِنْ ذَلِكَ فِي ذَوَات الْيَاء وَالْوَاو , كَقَوْلِهِمْ : سَيِّد , وَمَيِّت . وَقَدْ أَنْشَدَ بَعْضهمْ قَوْل اِمْرِئِ الْقَيْس بْن عَابِس الْكِنْدِيّ : كِلَاهُمَا كَانَ رَئِيسًا بَيْئِسَا يَضْرِب فِي يَوْم الْهِيَاج الْقَوْنَسَا بِكَسْرِ الْعَيْن مِنْ " فَيْعِل " , وَهِيَ الْهَمْزَة مِنْ بَيْئِس. فَلَعَلَّ الَّذِي قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ قَرَأَهُ عَلَى هَذِهِ . وَذُكِرَ عَنْ آخَر مِنْ الْكُوفِيِّينَ أَيْضًا أَنَّهُ قَرَأَهُ : { بَيْئَس } نَحْو الْقِرَاءَة الَّتِي ذَكَرْنَاهَا قَبْل هَذِهِ , وَذَلِكَ بِفَتْحِ الْبَاء وَتَسْكِين الْيَاء وَفَتْح الْهَمْزَة بَعْد الْيَاء عَلَى مِثَال " فَيْعَل " مِثْل " صَيْقَل " . وَرُوِيَ عَنْ بَعْض الْبَصْرِيِّينَ أَنَّهُ قَرَأَهُ : " بَئِس " بِفَتْحِ الْبَاء وَكَسْر الْهَمْزَة عَلَى مِثَال " فَعِل " , كَمَا قَالَ اِبْن قَيْس الرُّقَيَّات : لَيْتَنِي أَلْقَى رُقْيَة فِي خَلْوَة مِنْ غَيْر مَا بَئِس وَرُوِيَ عَنْ آخَر مِنْهُمْ أَنَّهُ قَرَأَ : " بِئْسَ " بِكَسْرِ الْبَاء وَفَتْح السِّين عَلَى مَعْنَى بِئْسَ الْعَذَاب . وَأَوْلَى هَذِهِ الْقِرَاءَات عِنْدِي بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ : { بَئِيس } بِفَتْحِ الْبَاء وَكَسْر الْهَمْزَة وَمَدّهَا عَلَى مِثَال فَعِيل , كَمَا قَالَ ذُو الْأُصْبُع الْعُدْوَانِيّ : حَنَقًا عَلَيَّ وَلَنْ تَرَى لِي فِيهِمْ أَثَرًا بَئِيسًا لِأَنَّ أَهْل التَّأْوِيل أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ شَدِيد , فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى صِحَّة مَا اِخْتَرْنَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11877 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي رَجُل عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيس } : أَلِيم وَجِيع. 11878 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { بِعَذَابٍ بَئِيس } قَالَ : شَدِيد . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { بِعَذَابٍ بَئِيس } : أَلِيم شَدِيد . 11879 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { بِعَذَابٍ بَئِيس } قَالَ : مُوجِع . 11880 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : { بِعَذَابٍ بَئِيس } قَالَ : بِعَذَابٍ شَدِيد .
وَأَمَّا قَوْله : { بِعَذَابٍ بَئِيس } فَإِنَّ الْقُرَّاء اِخْتَلَفَتْ فِي قِرَاءَته , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة : " بِعَذَابٍ بِيس " بِكَسْرِ الْبَاء وَتَخْفِيف الْيَاء بِغَيْرِ هَمْز , عَلَى مِثَال " فِعْل " . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء الْكُوفَة وَالْبَصْرَة : { بِعَذَابٍ بَئِيس } عَلَى مِثْل " فَعِيلَ " مِنْ الْبُؤْس , بِنَصْبِ الْبَاء وَكَسْر الْهَمْزَة وَمَدّهَا . وَقَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ بَعْض الْمَكِّيِّينَ , غَيْر أَنَّهُ كَسَرَ بَاءَ : " بِئِيس " عَلَى مِثَال " فِعِيل " . وَقَرَأَهُ بَعْض الْكُوفِيِّينَ : " بَيْئِس " بِفَتْحِ الْبَاء , وَتَسْكِين الْيَاء , وَهَمْزَة بَعْدهَا مَكْسُورَة ; عَلَى مِثَال " فَيْعِل " . وَذَلِكَ شَاذّ عِنْد أَهْل الْعَرَبِيَّة , لِأَنَّ " فَيْعِل " إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَوَات الْيَاء وَالْوَاو , فَالْفَتْح فِي عَيْنه الْفَصِيح فِي كَلَام الْعَرَب , وَذَلِكَ مِثْل قَوْلهمْ فِي نَظِيره مِنْ السَّالِم : صَيْقَل , وَنَيْرَب , وَإِنَّمَا تُكْسَر الْعَيْن مِنْ ذَلِكَ فِي ذَوَات الْيَاء وَالْوَاو , كَقَوْلِهِمْ : سَيِّد , وَمَيِّت . وَقَدْ أَنْشَدَ بَعْضهمْ قَوْل اِمْرِئِ الْقَيْس بْن عَابِس الْكِنْدِيّ : كِلَاهُمَا كَانَ رَئِيسًا بَيْئِسَا يَضْرِب فِي يَوْم الْهِيَاج الْقَوْنَسَا بِكَسْرِ الْعَيْن مِنْ " فَيْعِل " , وَهِيَ الْهَمْزَة مِنْ بَيْئِس. فَلَعَلَّ الَّذِي قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ قَرَأَهُ عَلَى هَذِهِ . وَذُكِرَ عَنْ آخَر مِنْ الْكُوفِيِّينَ أَيْضًا أَنَّهُ قَرَأَهُ : { بَيْئَس } نَحْو الْقِرَاءَة الَّتِي ذَكَرْنَاهَا قَبْل هَذِهِ , وَذَلِكَ بِفَتْحِ الْبَاء وَتَسْكِين الْيَاء وَفَتْح الْهَمْزَة بَعْد الْيَاء عَلَى مِثَال " فَيْعَل " مِثْل " صَيْقَل " . وَرُوِيَ عَنْ بَعْض الْبَصْرِيِّينَ أَنَّهُ قَرَأَهُ : " بَئِس " بِفَتْحِ الْبَاء وَكَسْر الْهَمْزَة عَلَى مِثَال " فَعِل " , كَمَا قَالَ اِبْن قَيْس الرُّقَيَّات : لَيْتَنِي أَلْقَى رُقْيَة فِي خَلْوَة مِنْ غَيْر مَا بَئِس وَرُوِيَ عَنْ آخَر مِنْهُمْ أَنَّهُ قَرَأَ : " بِئْسَ " بِكَسْرِ الْبَاء وَفَتْح السِّين عَلَى مَعْنَى بِئْسَ الْعَذَاب . وَأَوْلَى هَذِهِ الْقِرَاءَات عِنْدِي بِالصَّوَابِ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَهُ : { بَئِيس } بِفَتْحِ الْبَاء وَكَسْر الْهَمْزَة وَمَدّهَا عَلَى مِثَال فَعِيل , كَمَا قَالَ ذُو الْأُصْبُع الْعُدْوَانِيّ : حَنَقًا عَلَيَّ وَلَنْ تَرَى لِي فِيهِمْ أَثَرًا بَئِيسًا لِأَنَّ أَهْل التَّأْوِيل أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ شَدِيد , فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى صِحَّة مَا اِخْتَرْنَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11877 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي رَجُل عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيس } : أَلِيم وَجِيع. 11878 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { بِعَذَابٍ بَئِيس } قَالَ : شَدِيد . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { بِعَذَابٍ بَئِيس } : أَلِيم شَدِيد . 11879 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { بِعَذَابٍ بَئِيس } قَالَ : مُوجِع . 11880 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : { بِعَذَابٍ بَئِيس } قَالَ : بِعَذَابٍ شَدِيد .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَلَمَّا عَتَوْا عَمَّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَة خَاسِئِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَلَمَّا تَمَرَّدُوا فِيمَا نُهُوا عَنْهُ مِنْ اِعْتِدَائِهِمْ فِي السَّبْت , وَاسْتِحْلَالهمْ مَا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ صَيْد السَّمَك وَأَكْله وَتَمَادَوْا فِيهِ ; { قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَة خَاسِئِينَ } : أَيْ بُعَدَاء مِنْ الْخَيْر . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11881 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { فَلَمَّا عَتَوْا عَمَّا نُهُوا عَنْهُ } يَقُول : لَمَّا مَرَدَ الْقَوْم عَلَى الْمَعْصِيَة . { قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَة خَاسِئِينَ } فَصَارُوا قِرَدَة لَهَا أَذْنَاب تَعَاوَى بَعْدَمَا كَانُوا رِجَالًا وَنِسَاء. 11882 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { فَلَمَّا عَتَوْا عَمَّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَة خَاسِئِينَ } فَجَعَلَ اللَّه مِنْهُمْ الْقِرَدَة وَالْخَنَازِير. فَزُعِمَ أَنَّ شَبَاب الْقَوْم صَارُوا قِرَدَة , وَأَنَّ الْمَشْيَخَة صَارُوا خَنَازِير. 11883 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحِمَّانِيّ , قَالَ : ثنا شَرِيك , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ أَبِي مَالِك أَوْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : رَأَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام رَجُلًا يَحْمِل قَصَبًا يَوْم السَّبْت , فَضَرَبَ عُنُقه .
وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبّك لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة مَنْ يَسُومهُمْ سُوء الْعَذَاب } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَإِذْ تَأَذَّنَ } وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّد إِذْ آذَنَ رَبّك فَأَعْلَمَ. وَهُوَ تَفَعُّل مِنْ الْإِيذَان , كَمَا قَالَ الْأَعْشَى مَيْمُون بْن قَيْس : آذَنَ الْيَوْم جِيرَتِي بِخُفُوفِ صَرَمُوا حَبْل آلِف مَأْلُوف يَعْنِي بِقَوْلِهِ آذَنَ : أَعْلَمَ , وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ بِشَوَاهِدِهِ فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11884 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبّك } قَالَ : أَمَرَ رَبّك . * حَدَّثَنَا الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز . قَالَ : ثنا أَبُو سَعْد , عَنْ مُجَاهِد : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبّك } قَالَ : أَمَرَ رَبّك. وَقَوْله : { لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ } يَعْنِي : أَعْلَمَ رَبّك لَيَبْعَثَنَّ عَلَى الْيَهُود مَنْ يَسُومهُمْ سُوء الْعَذَاب , قِيلَ : إِنَّ ذَلِكَ الْعَرَب بَعَثَهُمْ اللَّه عَلَى الْيَهُود يُقَاتِلُونَ مَنْ لَمْ يُسْلِم مِنْهُمْ وَلَمْ يُعْطِ الْجِزْيَة , وَمَنْ أَعْطَى مِنْهُمْ الْجِزْيَة كَانَ ذَلِكَ لَهُ صَغَارًا وَذِلَّة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11885 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إِبْرَاهِيم وَعَلِيّ بْن دَاوُد قَالَا : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبّك لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة مَنْ يَسُومهُمْ سُوء الْعَذَاب } قَالَ : هِيَ الْجِزْيَة , وَاَلَّذِينَ يَسُومُونَهُمْ : مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّته إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . 11886 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبّك لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة مَنْ يَسُومهُمْ سُوء الْعَذَاب } فَهِيَ الْمَسْكَنَة , وَأَخْذ الْجِزْيَة مِنْهُمْ . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَالَ اِبْن عَبَّاس : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبّك لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة مَنْ يَسُومهُمْ سُوء الْعَذَاب } قَالَ : يَهُود , وَمَا ضَرَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ الذِّلَّة وَالْمَسْكَنَة . 11887 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبّك لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة مَنْ يَسُومهُمْ سُوء الْعَذَاب } قَالَ : فَبَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْعَرَب , فَهُمْ فِي عَذَاب مِنْهُمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. 11888 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة مَنْ يَسُومهُمْ } قَالَ : بَعَثَ عَلَيْهِمْ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْعَرَب , فَهُمْ فِي عَذَاب مِنْهُمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . وَقَالَ عَبْد الْكَرِيم الْجَزْرِيّ : يُسْتَحَبّ أَنْ تُبْعَث الْأَنْبَاط فِي الْجِزْيَة . 11889 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن إِسْمَاعِيل , عَنْ يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد : { وَإِذْ تَأَذَّنَّ رَبّك لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة مَنْ يَسُومهُمْ } قَالَ : الْعَرَب . { سُوء الْعَذَاب } قَالَ : الْخَرَاج. وَأَوَّل مَنْ وَضَعَ الْخَرَاج مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام , فَجَبَى الْخَرَاج سَبْع سِنِينَ . * حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبّك لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة مَنْ يَسُومهُمْ } قَالَ : الْعَرَب . { سُوء الْعَذَاب } قَالَ : الْخَرَاج . قَالَ : وَأَوَّل مَنْ وَضَعَ الْخَرَاج مُوسَى , فَجَبَى الْخَرَاج سَبْع سِنِينَ . * حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبّك لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة مَنْ يَسُومهُمْ سُوء الْعَذَاب } قَالَ : هُمْ أَهْل الْكِتَاب , بَعَثَ اللَّه عَلَيْهِمْ الْعَرَب يَجْبُونَهُمْ الْخَرَاج إِلَى يَوْم الْقِيَامَة , فَهُوَ سُوء الْعَذَاب , وَلَمْ يَجْبِ نَبِيّ الْخَرَاج قَطُّ إِلَّا مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاث عَشْرَة سَنَة ثُمَّ أَمْسَكَ , وَإِلَّا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 11890 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبّك لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة مَنْ يَسُومهُمْ سُوء الْعَذَاب } قَالَ : يَبْعَث عَلَيْهِمْ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْعَرَب , فَهُمْ فِي عَذَاب مِنْهُمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . 11891 - قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد الْكَرِيم , عَنْ اِبْن الْمُسَيِّب , قَالَ : يُسْتَحَبّ أَنْ تُبْعَث الْأَنْبَاط فِي الْجِزْيَة . 11892 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبّك لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة مَنْ يَسُومهُمْ سُوء الْعَذَاب } يَقُول : إِنَّ رَبّك يَبْعَث عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل الْعَرَب , فَيَسُومُونَهُمْ سُوء الْعَذَاب : يَأْخُذُونَ مِنْهُمْ الْجِزْيَة وَيَقْتُلُونَهُمْ. 11893 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبّك لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة } لَيَبْعَثَنَّ عَلَى يَهُود .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ رَبّك لَسَرِيع الْعِقَاب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ رَبّك يَا مُحَمَّد لَسَرِيع عِقَابه إِلَى مَنْ اِسْتَوْجَبَ مِنْهُ الْعُقُوبَة عَلَى كُفْره بِهِ وَمَعْصِيَته لَهُ .
{ وَإِنَّهُ لَغَفُور رَحِيم } يَقُول : وَإِنَّهُ لَذُو صَفْح عَنْ ذُنُوب مَنْ تَابَ مِنْ ذُنُوبه فَأَنَابَ وَرَاجَعَ طَاعَته , يَسْتُر عَلَيْهَا بِعَفْوِهِ عَنْهَا , رَحِيم لَهُ أَنْ يُعَاقِبهُ عَلَى جُرْمه بَعْد تَوْبَته مِنْهَا , لِأَنَّهُ يَقْبَل التَّوْبَة وَيُقِيل الْعَثْرَة.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ رَبّك لَسَرِيع الْعِقَاب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ رَبّك يَا مُحَمَّد لَسَرِيع عِقَابه إِلَى مَنْ اِسْتَوْجَبَ مِنْهُ الْعُقُوبَة عَلَى كُفْره بِهِ وَمَعْصِيَته لَهُ .
{ وَإِنَّهُ لَغَفُور رَحِيم } يَقُول : وَإِنَّهُ لَذُو صَفْح عَنْ ذُنُوب مَنْ تَابَ مِنْ ذُنُوبه فَأَنَابَ وَرَاجَعَ طَاعَته , يَسْتُر عَلَيْهَا بِعَفْوِهِ عَنْهَا , رَحِيم لَهُ أَنْ يُعَاقِبهُ عَلَى جُرْمه بَعْد تَوْبَته مِنْهَا , لِأَنَّهُ يَقْبَل التَّوْبَة وَيُقِيل الْعَثْرَة.
وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَمًا مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْض أُمَمًا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَفَرَّقْنَا بَنِي إِسْرَائِيل فِي الْأَرْض أُمَمًا , يَعْنِي جَمَاعَات شَتَّى مُتَفَرِّقِينَ . كَمَا : 11894 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن إِسْمَاعِيل , عَنْ يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْض أُمَمًا } قَالَ : فِي كُلّ أَرْض يَدْخُلهَا قَوْم مِنْ الْيَهُود. 11895 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْض أُمَمًا } قَالَ : يَهُود .
وَقَوْله : { مِنْهُمْ الصَّالِحُونَ } يَقُول : مِنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ وَصَفَهُمْ اللَّه مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل الصَّالِحُونَ , يَعْنِي : مَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَرُسُله.
{ وَمِنْهُمْ دُون ذَلِكَ } يَعْنِي : دُون الصَّالِح . وَإِنَّمَا وَصَفَهُمْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِأَنَّهُمْ كَانُوا كَذَلِكَ قَبْل اِرْتِدَادهمْ عَنْ دِينهمْ وَقَبْل كُفْرهمْ بِرَبِّهِمْ , وَذَلِكَ قَبْل أَنْ يَبْعَث فِيهِمْ عِيسَى اِبْن مَرْيَم صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ .
وَقَوْله : { وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَات } يَقُول : وَاخْتَبَرْنَاهُمْ بِالرَّخَاءِ فِي الْعَيْش , وَالْخَفْض فِي الدُّنْيَا , وَالدَّعَة وَالسَّعَة فِي الرِّزْق , وَهِيَ الْحَسَنَات الَّتِي ذَكَرَهَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ . وَيَعْنِي بِالسَّيِّئَاتِ : الشِّدَّة فِي الْعَيْش , وَالشَّظَف فِيهِ , وَالْمَصَائِب وَالرَّزَايَا فِي الْأَمْوَال .
{ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } يَقُول : لِيَرْجِعُوا إِلَى طَاعَة رَبّهمْ , وَيُنِيبُوا إِلَيْهَا , وَيَتُوبُوا مِنْ مَعَاصِيه .
وَقَوْله : { مِنْهُمْ الصَّالِحُونَ } يَقُول : مِنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ وَصَفَهُمْ اللَّه مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل الصَّالِحُونَ , يَعْنِي : مَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَرُسُله.
{ وَمِنْهُمْ دُون ذَلِكَ } يَعْنِي : دُون الصَّالِح . وَإِنَّمَا وَصَفَهُمْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِأَنَّهُمْ كَانُوا كَذَلِكَ قَبْل اِرْتِدَادهمْ عَنْ دِينهمْ وَقَبْل كُفْرهمْ بِرَبِّهِمْ , وَذَلِكَ قَبْل أَنْ يَبْعَث فِيهِمْ عِيسَى اِبْن مَرْيَم صَلَوَات اللَّه عَلَيْهِ .
وَقَوْله : { وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَات } يَقُول : وَاخْتَبَرْنَاهُمْ بِالرَّخَاءِ فِي الْعَيْش , وَالْخَفْض فِي الدُّنْيَا , وَالدَّعَة وَالسَّعَة فِي الرِّزْق , وَهِيَ الْحَسَنَات الَّتِي ذَكَرَهَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ . وَيَعْنِي بِالسَّيِّئَاتِ : الشِّدَّة فِي الْعَيْش , وَالشَّظَف فِيهِ , وَالْمَصَائِب وَالرَّزَايَا فِي الْأَمْوَال .
{ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } يَقُول : لِيَرْجِعُوا إِلَى طَاعَة رَبّهمْ , وَيُنِيبُوا إِلَيْهَا , وَيَتُوبُوا مِنْ مَعَاصِيه .
فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لاَّ يَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدهمْ خَلْف وَرِثُوا الْكِتَاب يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَض مِثْله يَأْخُذُوهُ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَخَلَفَ مِنْ بَعْد هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتهمْ خَلْف يَعْنِي خَلْف سَوْء , يَقُول : حَدَث بَعْدهمْ وَخِلَافهمْ , وَتَبَدَّلَ مِنْهُمْ بَدَل سَوْء , يُقَال مِنْهُ : هُوَ خَلَف صِدْق , وَخَلْف سَوْء , وَأَكْثَر مَا جَاءَ فِي الْمَدْح بِفَتْحِ اللَّام وَفِي الذَّمّ بِتَسْكِينِهَا , وَقَدْ تُحَرَّك فِي الذَّمّ وَتُسَكَّن فِي الْمَدْح , وَمِنْ ذَلِكَ فِي تَسْكِينهَا فِي الْمَدْح قَوْل حَسَّان : لَنَا الْقَدَم الْأُولَى إِلَيْك وَخَلْفنَا لِأَوَّلِنَا فِي طَاعَة اللَّه تَابِع وَأَحْسَب أَنَّهُ إِذَا وُجِّهَ إِلَى الْفَسَاد مَأْخُوذ مِنْ قَوْلهمْ : خَلَفَ اللَّبَن : إِذَا حَمُضَ مِنْ طُول تَرْكه فِي السِّقَاء حَتَّى يَفْسُد , فَكَأَنَّ الرَّجُل الْفَاسِد مُشَبَّه بِهِ , وَقَدْ يَجُوز أَنْ يَكُون مِنْهُ قَوْلهمْ : خَلَفَ فَم الصَّائِم : إِذَا تَغَيَّرَتْ رِيحه . وَأَمَّا فِي تَسْكِين اللَّام فِي الذَّمّ , فَقَوْل لَبِيد : ذَهَبَ الَّذِينَ يُعَاش فِي أَكْنَافهمْ وَبَقِيت فِي خَلْف كَجِلْدِ الْأَجْرَب وَقِيلَ : إِنَّ الْخَلْف الَّذِي ذَكَرَ اللَّه فِي هَذِهِ الْآيَة أَنَّهُمْ خَلَفُوا مَنْ قَبْلهمْ هُمْ النَّصَارَى. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11896 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدهمْ خَلْف } قَالَ : النَّصَارَى. وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى إِنَّمَا وَصَفَ أَنَّهُ خَلَفَ الْقَوْم الَّذِينَ قَصَّ قَصَصهمْ فِي الْآيَات الَّتِي مَضَتْ خَلْف سَوْء رَدِيء , وَلَمْ يَذْكُر لَنَا أَنَّهُمْ نَصَارَى فِي كِتَابه , وَقِصَّتهمْ بِقَصَصِ الْيَهُود أَشْبَه مِنْهَا بِقَصَصِ النَّصَارَى . وَبَعْد , فَإِنَّ مَا قَبْل ذَلِكَ خَبَر عَنْ بَنِي إِسْرَائِيل وَمَا بَعْده كَذَلِكَ , فَمَا بَيْنهمَا بِأَنْ يَكُون خَبَرًا عَنْهُمْ أَشْبَه , إِذْ لَمْ يَكُنْ فِي الْآيَة دَلِيل عَلَى صَرْف الْخَبَر عَنْهُمْ إِلَى غَيْرهمْ , وَلَا جَاءَ بِذَلِكَ دَلِيل يُوجِب صِحَّة الْقَوْل بِهِ . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَنْ : فَتَبَدَّلَ مِنْ بَعْدهمْ بَدَل سَوْء , وَرِثُوا كِتَاب اللَّه : تَعَلَّمُوهُ , وَضَيَّعُوا الْعَمَل بِهِ فَخَالَفُوا حُكْمه , يَرْشُونَ فِي حُكْم اللَّه , فَيَأْخُذُونَ الرِّشْوَة فِيهِ مِنْ عَرَض هَذَا الْعَاجِل الْأَدْنَى , يَعْنِي بِالْأَدْنَى : الْأَقْرَب مِنْ الْآجِل الْأَبْعَد , وَيَقُولُونَ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ : إِنَّ اللَّه سَيَغْفِرُ لَنَا ذُنُوبنَا ! تَمَنِّيًا عَلَى اللَّه الْأَبَاطِيل , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِيهِمْ : { فَوَيْل لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَاب بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْد اللَّه لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْل لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهمْ وَوَيْل لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ } 2 79 { وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَض مِثْله يَأْخُذُوهُ } يَقُول : وَإِنْ شُرِعَ لَهُمْ ذَنْب حَرَام مِثْله مِنْ الرِّشْوَة بَعْد ذَلِكَ أَخَذُوهُ وَاسْتَحَلُّوهُ , وَلَمْ يَرْتَدِعُوا عَنْهُ . يُخْبِر جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ أَهْل إِصْرَار عَلَى ذُنُوبهمْ , وَلَيْسُوا بِأَهْلِ إِنَابَة وَلَا تَوْبَة . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل وَإِنْ اِخْتَلَفَتْ عَنْهُ عِبَارَاتهمْ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11897 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الْمِقْدَام , قَالَ : ثنا فُضَيْل بْن عِيَاض , عَنْ مَنْصُور , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : { يَأْخُذُونَ عَرَض هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَض مِثْله يَأْخُذُوهُ } قَالَ : يَعْمَلُونَ الذَّنْب ثُمَّ يَسْتَغْفِرُونَ اللَّه , فَإِنْ عَرَضَ ذَلِكَ الذَّنْب أَخَذُوهُ . 11898 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَض مِثْله يَأْخُذُوهُ } قَالَ : مِنْ الذُّنُوب . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا } قَالَ : يَعْمَلُونَ بِالذُّنُوبِ . { وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَض مِثْله يَأْخُذُوهُ } : قَالَ : ذَنْب آخَر يَعْمَلُونَ بِهِ . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى } قَالَ : الذُّنُوب . { وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَض مِثْله يَأْخُذُوهُ } قَالَ : الذُّنُوب. 11899 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى } قَالَ : مَا أَشْرَفَ لَهُمْ مِنْ شَيْء فِي الْيَوْم مِنْ الدُّنْيَا حَلَال أَوْ حَرَام يَشْتَهُونَهُ أَخَذُوهُ , وَيَبْتَغُونَ الْمَغْفِرَة , فَإِنْ يَجِدُوا الْغَد مِثْله يَأْخُذُوهُ . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , بِنَحْوِهِ , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : يَتَمَنَّوْنَ الْمَغْفِرَة . * حَدَّثَنَا الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا أَبُو سَعْد , عَنْ مُجَاهِد : { يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى } قَالَ : لَا يُشْرِف لَهُمْ شَيْء مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا أَخَذُوهُ حَلَالًا كَانَ أَوْ حَرَامًا , وَيَتَمَنَّوْنَ الْمَغْفِرَة , { وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا } وَإِنْ يَجِدُوا عَرَضًا مِثْله يَأْخُذُوهُ . 11900 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدهمْ خَلْف } : أَيْ وَاَللَّه لَخَلْف سَوْء وَرِثُوا الْكِتَاب بَعْد أَنْبِيَائِهِمْ وَرُسُلهمْ , وَرَّثَهُمْ اللَّه وَعَهِدَ إِلَيْهِمْ , وَقَالَ اللَّه فِي آيَة أُخْرَى : { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدهمْ خَلْف أَضَاعُوا الصَّلَاة وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَات } 19 59 قَالَ : { يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا } تَمَنَّوْا عَلَى اللَّه أَمَانِيّ وَغِرَّة يَغْتَرُّونَ بِهَا . { وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَض مِثْله } لَا يَشْغَلهُمْ شَيْء عَنْ شَيْء وَلَا يَنْهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ , كُلَّمَا أَشْرَفَ لَهُمْ شَيْء مِنْ الدُّنْيَا أَكَلُوهُ لَا يُبَالُونَ حَلَالًا كَانَ أَوْ حَرَامًا. 11901 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى } قَالَ : يَأْخُذُونَهُ إِنْ كَانَ حَلَالًا وَإِنْ كَانَ حَرَامًا . { وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَض مِثْله } قَالَ : إِنْ جَاءَهُمْ حَلَال أَوْ حَرَام أَخَذُوهُ. 11902 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَوْله : { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدهمْ خَلْف } إِلَى قَوْله : { وَدَرَسُوا مَا فِيهِ } قَالَ : كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيل لَا يَسْتَقْضُونَ قَاضِيًا إِلَّا اِرْتَشَى فِي الْحُكْم . وَإِنَّ خِيَارهمْ اِجْتَمَعُوا فَأَخَذَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض الْعُهُود أَنْ لَا يَفْعَلُوا وَلَا يَرْتَشُوا , فَجَعَلَ الرَّجُل مِنْهُمْ إِذَا اُسْتُقْضِيَ اِرْتَشَى , فَيُقَال لَهُ : مَا شَأْنك تَرْتَشِي فِي الْحُكْم ؟ فَيَقُول : سَيُغْفَرُ لِي ! فَيَطْعَن عَلَيْهِ الْبَقِيَّة الْآخَرُونَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل فِيمَا صَنَعَ . فَإِذَا مَاتَ أَوْ نُزِعَ , وَجُعِلَ مَكَانه رَجُل مِمَّنْ كَانَ يَطْعَن عَلَيْهِ فَيَرْتَشِي , يَقُول : وَإِنْ يَأْتِ الْآخَرِينَ عَرَضُ الدُّنْيَا يَأْخُذُوهُ . وَأَمَّا عَرَضَ الْأَدْنَى , فَعَرَض الدُّنْيَا مِنْ الْمَال . 11903 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدهمْ خَلْف وَرِثُوا الْكِتَاب يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا } يَقُول : يَأْخُذُونَ مَا أَصَابُوا , وَيَتْرُكُونَ مَا شَاءُوا مِنْ حَلَال أَوْ حَرَام , وَيَقُولُونَ : سَيُغْفَرُ لَنَا . 11904 - وَحَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى } قَالَ : الْكِتَاب الَّذِي كَتَبُوهُ , وَيَقُولُونَ : { سَيُغْفَرُ لَنَا } لَا نُشْرِك بِاَللَّهِ شَيْئًا . { وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَض مِثْله يَأْخُذُوهُ } يَأْتِيهِمْ الْمُحِقّ بِرِشْوَةٍ , فَيُخْرِجُونَ لَهُ كِتَاب اللَّه ثُمَّ يَحْكُمُونَ لَهُ بِالرِّشْوَةِ . وَكَانَ الظَّالِم إِذَا جَاءَهُمْ بِرِشْوَةٍ أَخْرَجُوا لَهُ الْمُثَنَّاة , وَهُوَ الْكِتَاب الَّذِي كَتَبُوهُ , فَحَكَمُوا لَهُ بِمَا فِي الْمُثَنَّاة بِالرِّشْوَةِ , فَهُوَ فِيهَا مُحِقّ , وَهُوَ فِي التَّوْرَاة ظَالِم , فَقَالَ اللَّه : { أَلَمْ يُؤْخَذ عَلَيْهِمْ مِيثَاق الْكِتَاب أَلَّا يَقُولُوا عَلَى اللَّه إِلَّا الْحَقّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ } * حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَوْله : { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدهمْ خَلْف وَرِثُوا الْكِتَاب يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى } قَالَ : يَعْمَلُونَ الذُّنُوب .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَلَمْ يُؤْخَذ عَلَيْهِمْ مِيثَاق الْكِتَاب أَلَّا يَقُولُوا عَلَى اللَّه إِلَّا الْحَقّ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَلَمْ يُؤْخَذ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُرْتَشِينَ فِي أَحْكَامهمْ , الْقَائِلِينَ : سَيَغْفِرُ اللَّه لَنَا فِعْلنَا هَذَا , إِذَا عُوتِبُوا عَلَى ذَلِكَ مِيثَاق الْكِتَاب , وَهُوَ أَخْذ اللَّه الْعُهُود عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل بِإِقَامَةِ التَّوْرَاة وَالْعَمَل بِمَا فِيهَا . فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَصَّ قِصَّتهمْ فِي هَذِهِ الْآيَة مُوَبِّخًا لَهُمْ عَلَى خِلَافهمْ أَمْره وَنَقْضِهِمْ عَهْده وَمِيثَاقه : أَلَمْ يَأْخُذ اللَّه عَلَيْهِمْ مِيثَاق كِتَابه { أَلَّا يَقُولُوا عَلَى اللَّه إِلَّا الْحَقّ } وَلَا يُضِيفُوا إِلَيْهِ إِلَّا مَا أَنْزَلَهُ عَلَى رَسُوله مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاة , وَأَنْ لَا يَكْذِبُوا عَلَيْهِ ؟ كَمَا : 11905 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : { أَلَمْ يُؤْخَذ عَلَيْهِمْ مِيثَاق الْكِتَاب أَلَّا يَقُولُوا عَلَى اللَّه إِلَّا الْحَقّ } قَالَ : فِيمَا يُوجِبُونَ عَلَى اللَّه مِنْ غُفْرَان ذُنُوبهمْ الَّتِي لَا يَزَالُونَ يَعُودُونَ فِيهَا وَلَا يَتُوبُونَ مِنْهَا .
وَأَمَّا قَوْله : { وَدَرَسُوا مَا فِيهِ } فَإِنَّهُ مَعْطُوف عَلَى قَوْله : { وَرِثُوا الْكِتَاب } وَمَعْنَاهُ : فَخَلَفَ مِنْ بَعْدهمْ خَلْف وَرِثُوا الْكِتَاب , وَدَرَسُوا مَا فِيهِ . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَدَرَسُوا مَا فِيهِ } قَرَءُوا مَا فِيهِ . يَقُول : وَرِثُوا الْكِتَاب فَعَلِمُوا مَا فِيهِ وَدَرَسُوهُ , فَضَيَّعُوهُ وَتَرَكُوا الْعَمَل بِهِ , وَخَالَفُوا عَهْد اللَّه إِلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ . كَمَا : 11906 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَدَرَسُوا مَا فِيهِ } قَالَ : عَلِمُوهُ وَعَلِمُوا مَا فِي الْكِتَاب الَّذِي ذَكَرَ اللَّه ; وَقَرَأَ : { بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَاب وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ } 3 79
{ وَالدَّار الْآخِرَة خَيْر لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَمَا فِي الدَّار الْآخِرَة , وَهُوَ مَا فِي الْمَعَاد عِنْد اللَّه مِمَّا أَعَدَّ لِأَوْلِيَائِهِ وَالْعَامِلِينَ بِمَا أَنْزَلَ فِي كِتَابه الْمُحَافِظِينَ عَلَى حُدُوده , خَيْر لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ اللَّه وَيَخَافُونَ عِقَابه , فَيُرَاقِبُونَهُ فِي أَمْره وَنَهْيه , وَيُطِيعُونَهُ فِي ذَلِكَ كُلّه فِي دُنْيَاهُمْ .
{ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } يَقُول : أَفَلَا يَعْقِل هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى عَلَى أَحْكَامهمْ , وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا , أَنَّ مَا عِنْد اللَّه فِي الدَّار الْآخِرَة لِلْمُتَّقِينَ الْعَادِلِينَ بَيْن النَّاس فِي أَحْكَامهمْ , خَيْر مِنْ هَذَا الْعَرَض الْقَلِيل الَّذِي يَسْتَعْجِلُونَهُ فِي الدُّنْيَا عَلَى خِلَاف أَمْر اللَّه وَالْقَضَاء بَيْن النَّاس بِالْجَوْرِ ؟
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَلَمْ يُؤْخَذ عَلَيْهِمْ مِيثَاق الْكِتَاب أَلَّا يَقُولُوا عَلَى اللَّه إِلَّا الْحَقّ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَلَمْ يُؤْخَذ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُرْتَشِينَ فِي أَحْكَامهمْ , الْقَائِلِينَ : سَيَغْفِرُ اللَّه لَنَا فِعْلنَا هَذَا , إِذَا عُوتِبُوا عَلَى ذَلِكَ مِيثَاق الْكِتَاب , وَهُوَ أَخْذ اللَّه الْعُهُود عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل بِإِقَامَةِ التَّوْرَاة وَالْعَمَل بِمَا فِيهَا . فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَصَّ قِصَّتهمْ فِي هَذِهِ الْآيَة مُوَبِّخًا لَهُمْ عَلَى خِلَافهمْ أَمْره وَنَقْضِهِمْ عَهْده وَمِيثَاقه : أَلَمْ يَأْخُذ اللَّه عَلَيْهِمْ مِيثَاق كِتَابه { أَلَّا يَقُولُوا عَلَى اللَّه إِلَّا الْحَقّ } وَلَا يُضِيفُوا إِلَيْهِ إِلَّا مَا أَنْزَلَهُ عَلَى رَسُوله مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاة , وَأَنْ لَا يَكْذِبُوا عَلَيْهِ ؟ كَمَا : 11905 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : { أَلَمْ يُؤْخَذ عَلَيْهِمْ مِيثَاق الْكِتَاب أَلَّا يَقُولُوا عَلَى اللَّه إِلَّا الْحَقّ } قَالَ : فِيمَا يُوجِبُونَ عَلَى اللَّه مِنْ غُفْرَان ذُنُوبهمْ الَّتِي لَا يَزَالُونَ يَعُودُونَ فِيهَا وَلَا يَتُوبُونَ مِنْهَا .
وَأَمَّا قَوْله : { وَدَرَسُوا مَا فِيهِ } فَإِنَّهُ مَعْطُوف عَلَى قَوْله : { وَرِثُوا الْكِتَاب } وَمَعْنَاهُ : فَخَلَفَ مِنْ بَعْدهمْ خَلْف وَرِثُوا الْكِتَاب , وَدَرَسُوا مَا فِيهِ . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { وَدَرَسُوا مَا فِيهِ } قَرَءُوا مَا فِيهِ . يَقُول : وَرِثُوا الْكِتَاب فَعَلِمُوا مَا فِيهِ وَدَرَسُوهُ , فَضَيَّعُوهُ وَتَرَكُوا الْعَمَل بِهِ , وَخَالَفُوا عَهْد اللَّه إِلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ . كَمَا : 11906 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَدَرَسُوا مَا فِيهِ } قَالَ : عَلِمُوهُ وَعَلِمُوا مَا فِي الْكِتَاب الَّذِي ذَكَرَ اللَّه ; وَقَرَأَ : { بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَاب وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ } 3 79
{ وَالدَّار الْآخِرَة خَيْر لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَمَا فِي الدَّار الْآخِرَة , وَهُوَ مَا فِي الْمَعَاد عِنْد اللَّه مِمَّا أَعَدَّ لِأَوْلِيَائِهِ وَالْعَامِلِينَ بِمَا أَنْزَلَ فِي كِتَابه الْمُحَافِظِينَ عَلَى حُدُوده , خَيْر لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ اللَّه وَيَخَافُونَ عِقَابه , فَيُرَاقِبُونَهُ فِي أَمْره وَنَهْيه , وَيُطِيعُونَهُ فِي ذَلِكَ كُلّه فِي دُنْيَاهُمْ .
{ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } يَقُول : أَفَلَا يَعْقِل هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى عَلَى أَحْكَامهمْ , وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا , أَنَّ مَا عِنْد اللَّه فِي الدَّار الْآخِرَة لِلْمُتَّقِينَ الْعَادِلِينَ بَيْن النَّاس فِي أَحْكَامهمْ , خَيْر مِنْ هَذَا الْعَرَض الْقَلِيل الَّذِي يَسْتَعْجِلُونَهُ فِي الدُّنْيَا عَلَى خِلَاف أَمْر اللَّه وَالْقَضَاء بَيْن النَّاس بِالْجَوْرِ ؟
وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاة إِنَّا لَا نُضِيع أَجْر الْمُصْلِحِينَ } وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ بَعْضهمْ : " يُمْسِكُونَ " بِتَخْفِيفِ الْمِيم وَتَسْكِينهَا , مِنْ أَمْسَكَ يُمْسِك . وَقَرَأَهُ آخَرُونَ : { يُمَسِّكُونَ } بِفَتْحِ الْمِيم وَتَشْدِيد السِّين , مِنْ مَسَّكَ يُمَسِّك. وَيَعْنِي بِذَلِكَ : وَاَلَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِمَا فِي كِتَاب اللَّه , وَأَقَامُوا الصَّلَاة بِحُدُودِهَا , وَلَمْ يُضَيِّعُوا أَوْقَاتهَا ; { إِنَّا لَا نُضِيع أَجْر الْمُصْلِحِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ خَلْقِي , فَإِنِّي لَا أُضِيع أَجْر عَمَله الصَّالِح . كَمَا : 11907 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : { وَاَلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ } قَالَ : كِتَاب اللَّه الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 11908 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ مُجَاهِد , قَوْله : { وَاَلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ } مِنْ يَهُود أَوْ نَصَارَى ; { إِنَّا لَا نُضِيع أَجْر الْمُصْلِحِينَ }
وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَل فَوْقهمْ كَأَنَّهُ ظُلَّة وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِع بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّد إِذْ اِقْتَلَعْنَا الْجَبَل , فَرَفَعْنَاهُ فَوْق بَنِي إِسْرَائِيل , كَأَنَّهُ ظُلَّة غَمَام مِنْ الظَّلَام , وَقُلْنَا لَهُمْ : خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ مِنْ فَرَائِضنَا , وَأَلْزَمْنَاكُمْ مِنْ أَحْكَام كِتَابنَا , فَاقْبَلُوهُ , وَاعْمَلُوا بِاجْتِهَادٍ مِنْكُمْ فِي أَدَائِهِ مِنْ غَيْر تَقْصِير وَلَا تَوَانٍ . { وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ } يَقُول مَا فِي كِتَابنَا مِنْ الْعُهُود وَالْمَوَاثِيق الَّتِي أَخَذْنَا عَلَيْكُمْ بِالْعَمَلِ بِمَا فِيهِ. { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } يَقُول : كَيْ تَتَّقُوا رَبّكُمْ , فَتَخَافُوا عِقَابه بِتَرْكِكُمْ الْعَمَل بِهِ إِذَا ذَكَرْتُمْ مَا أَخَذَ عَلَيْكُمْ فِيهِ مِنْ الْمَوَاثِيق . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11909 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَل فَوْقهمْ كَأَنَّهُ ظُلَّة } فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى : خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ ! يَقُول : مِنْ الْعَمَل بِالْكِتَابِ ; وَإِلَّا خَرَّ عَلَيْكُمْ الْجَبَل , فَأَهْلَكَكُمْ ! فَقَالُوا : بَلْ نَأْخُذ مَا آتَانَا اللَّه بِقُوَّةٍ ! ثُمَّ نَكَثُوا بَعْد ذَلِكَ . 11910 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَل فَوْقهمْ كَأَنَّهُ ظُلَّة } فَهُوَ قَوْله : { وَرَفَعْنَا فَوْقهمْ الطُّور بِمِيثَاقِهِمْ } 4 154 فَقَالَ : { خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ } , وَإِلَّا أَرْسَلْته عَلَيْكُمْ . 11911 - حَدَّثَنِي إِسْحَاق بْن شَاهِين , قَالَ : ثنا خَالِد بْن عَبْد اللَّه , عَنْ دَاوُد , عَنْ عَامِر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : إِنِّي لَأَعْلَم خَلْق اللَّه لِأَيِّ شَيْء سَجَدَتْ الْيَهُود عَلَى حَرْف وُجُوههمْ , لَمَّا رُفِعَ الْجَبَل فَوْقهمْ سَجَدُوا وَجَعَلُوا يَنْظُرُونَ إِلَى الْجَبَل مَخَافَة أَنْ يَقَع عَلَيْهِمْ , قَالَ : فَكَانَتْ سَجْدَة رَضِيَهَا اللَّه , فَاتَّخَذُوهَا سُنَّة. * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عَامِر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . 11912 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَل فَوْقهمْ كَأَنَّهُ ظُلَّة وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِع بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ } : أَيْ بِجِدٍّ . { وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } جَبَل نَزَعَهُ اللَّه مِنْ أَصْله ثُمَّ جَعَلَهُ فَوْق رُءُوسهمْ , فَقَالَ : لَتَأْخُذُنَّ أَمْرِي , أَوْ لَأَرْمِيَنَّكُمْ بِهِ ! 11913 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَالَ مُجَاهِد : { وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَل } قَالَ : كَمَا تُنْتَقُ الزُّبْدَة . قَالَ اِبْن جُرَيْج : كَانُوا أَبَوْا التَّوْرَاة أَنْ يَقْبَلُوهَا أَوْ يُؤْمِنُوا بِهَا . { خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ } قَالَ : يَقُول : لَتُؤْمِنُنَّ بِالتَّوْرَاةِ وَلْتَقْبَلُنَّهَا , أَوْ لَيَقَعَنَّ عَلَيْكُمْ ! 11914 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي بَكْر بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : هَذَا كِتَاب اللَّه أَتَقْبَلُونَهُ بِمَا فِيهِ , فَإِنَّ فِيهِ بَيَان مَا أَحَلَّ لَكُمْ وَمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ وَمَا أَمَرَكُمْ وَمَا نَهَاكُمْ . قَالُوا : اُنْشُرْ عَلَيْنَا مَا فِيهَا , فَإِنْ كَانَتْ فَرَائِضهَا يَسِيرَة وَحُدُودهَا خَفِيفَة قَبِلْنَاهَا ! قَالَ : اِقْبَلُوهَا بِمَا فِيهَا ! قَالُوا : لَا , حَتَّى نَعْلَم مَا فِيهَا كَيْفَ حُدُودهَا وَفَرَائِضهَا . فَرَاجَعُوا مُوسَى مِرَارًا , فَأَوْحَى اللَّه إِلَى الْجَبَل , فَانْقَلَعَ فَارْتَفَعَ فِي السَّمَاء حَتَّى إِذَا كَانَ بَيْن رُءُوسهمْ وَبَيْن السَّمَاء قَالَ لَهُمْ مُوسَى : أَلَا تَرَوْنَ مَا يَقُول رَبِّي ؟ لَئِنْ لَمْ تَقْبَلُوا التَّوْرَاة بِمَا فِيهَا لَأَرْمِيَنَّكُمْ بِهَذَا الْجَبَل ! قَالَ : فَحَدَّثَنِي الْحَسَن الْبَصْرِيّ , قَالَ : لَمَّا نَظَرُوا إِلَى الْجَبَل خَرَّ كُلّ رَجُل سَاجِدًا عَلَى حَاجِبه الْأَيْسَر , وَنَظَرَ بِعَيْنِهِ الْيُمْنَى إِلَى الْجَبَل , فَرَقًا مِنْ أَنْ يَسْقُط عَلَيْهِ ; فَلِذَلِكَ لَيْسَ فِي الْأَرْض يَهُودِيّ يَسْجُد إِلَّا عَلَى حَاجِبه الْأَيْسَر , يَقُولُونَ : هَذِهِ السَّجْدَة الَّتِي رُفِعَتْ عَنَّا بِهَا الْعُقُوبَة . قَالَ أَبُو بَكْر : فَلَمَّا نَشَرَ الْأَلْوَاح فِيهَا كِتَاب اللَّه كَتَبَهُ بِيَدِهِ , لَمْ يَبْقَ عَلَى وَجْه الْأَرْض جَبَل وَلَا شَجَر وَلَا حَجَر إِلَّا اِهْتَزَّ , فَلَيْسَ الْيَوْم يَهُودِيّ عَلَى وَجْه الْأَرْض صَغِير وَلَا كَبِير تُقْرَأ عَلَيْهِ التَّوْرَاة إِلَّا اِهْتَزَّ وَنَغَضَ لَهَا رَأْسه . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب فِي مَعْنَى قَوْله : { نَتَقْنَا } فَقَالَ بَعْض الْبَصْرِيِّينَ : مَعْنَى نَتَقْنَا : رَفَعْنَا ; وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِ الْعَجَّاج : يَنْتُق أَقْتَاد الشَّلِيل نَتْقًا وَقَالَ : يَعْنِي بِقَوْلِهِ : " يَنْتُق " يَرْفَعهَا عَنْ ظَهْره . وَبِقَوْلِ الْآخَر : وَنَتَقُوا أَحْلَامنَا الْأَثَاقِلَا وَقَدْ حُكِيَ عَنْ قَائِل هَذِهِ الْمَقَالَة قَوْل آخَر , وَهُوَ أَنَّ أَصْل النَّتْق وَالنُّتُوق كُلّ شَيْء قَلَعْته مِنْ مَوْضِعه فَرَمَيْت بِهِ , يُقَال مِنْهُ : نَتَقْت نَتْقًا . قَالَ : وَلِهَذَا قِيلَ لِلْمَرْأَةِ الْكَبِيرَة نَاتِق لِأَنَّهَا تَرْمِي بِأَوْلَادِهَا رَمْيًا , وَاسْتُشْهِدَ بِبَيْتِ النَّابِغَة : لَمْ يُحْرَمُوا حُسْن الْغِذَاء وَأُمّهمْ دَحَقَتْ عَلَيْك بِنَاتِقٍ مِذْكَار وَقَالَ آخَر : مَعْنَاهُ فِي هَذَا الْمَوْضِع : رَفَعْنَاهُ . وَقَالَ : قَالُوا : نَتَقَنِي السَّيْر : حَرَّكَنِي . وَقَالَ : قَالُوا : مَا نَتَقَ بِرِجْلِهِ لَا يَرْكُض , وَالنَّتْق : نَتْق الدَّابَّة صَاحِبهَا حِين تَعْدُو بِهِ وَتُتْعِبهُ حَتَّى يَرْبُوَ , فَذَلِكَ النَّتْق وَالنُّتُوق , وَنَتَقَتْنِي الدَّابَّة , وَنَتَقَتْ الْمَرْأَة تَنْتِق نُتُوقًا : كَثُرَ وَلَدهَا. وَقَالَ بَعْض الْكُوفِيِّينَ : نَتَقْنَا الْجَبَل : عَلَّقْنَا الْجَبَل فَوْقهمْ فَرَفَعْنَاهُ نَنْتِقهُ نَتْقًا , وَامْرَأَة مِنْتَاق : كَثِيرَة الْوَلَد , قَالَ : وَسَمِعْت أَخَذَ الْجِرَاب وَنَتَقَ مَا فِيهِ : إِذَا نَثَرَ مَا فِيهِ .
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ↑
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ أَخَذَ رَبّك مِنْ بَنِي آدَم مِنْ ظُهُورهمْ ذُرِّيَّتهمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسهمْ أَلَسْت بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْم الْقِيَامَة إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّد رَبّك إِذْ اِسْتَخْرَجَ وَلَد آدَم مِنْ أَصْلَاب آبَائِهِمْ , فَقَرَّرَهُمْ بِتَوْحِيدِهِ , وَأَشْهَدَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض شَهَادَتهمْ بِذَلِكَ , وَإِقْرَارهمْ بِهِ . كَمَا : 11915 - حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن مُحَمَّد الطُّوسِيّ , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد , قَالَ : ثنا جَرِير بْن حَازِم , عَنْ كُلْثُوم بْن جَبْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : " أَخَذَ اللَّه الْمِيثَاق مِنْ ظَهْر آدَم بِنَعْمَان " يَعْنِي عَرَفَة " فَأَخْرَجَ مِنْ صُلْبه كُلّ ذُرِّيَّة ذَرَأَهَا , فَنَثَرَهُمْ بَيْن يَدَيْهِ كَالذَّرِّ , ثُمَّ كَلَّمَهُمْ فَتَلَا فَقَالَ : أَلَسْت بِرَبِّكُمْ ؟ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا الْآيَة - إِلَى { مَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ } " . 11916 - حَدَّثَنَا عِمْرَان بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَارِث , قَالَ : ثنا كُلْثُوم بْن جَبْر , قَالَ : سَأَلْت سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ قَوْله : { وَإِذْ أَخَذَ رَبّك مِنْ بَنِي آدَم مِنْ ظُهُورهمْ ذُرِّيَّاتهمْ } قَالَ : سَأَلْت عَنْهَا اِبْن عَبَّاس , فَقَالَ : مَسَحَ رَبّك ظَهْرَ آدَم , فَخَرَجَتْ كُلّ نَسَمَة هُوَ خَالِقهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة بِنَعْمَان هَذَا , وَأَشَارَ بِيَدِهِ , فَأَخَذَ مَوَاثِيقهمْ , وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسهمْ { أَلَسْت بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى } * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع وَيَعْقُوب قَالَا : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ : ثنا كُلْثُوم بْن جَبْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { وَإِذْ أَخَذَ رَبّك مِنْ بَنِي آدَم مِنْ ظُهُورهمْ ذُرِّيَّاتهمْ وَأَشْهَدهُمْ عَلَى أَنْفُسهمْ أَلَسْت بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا } قَالَ : مَسَحَ رَبّك ظَهْر آدَم , فَخَرَجَتْ كُلّ نَسَمَة هُوَ خَالِقهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة بِنَعْمَان هَذَا الَّذِي وَرَاء عَرَفَة , وَأَخَذَ مِيثَاقهمْ { أَلَسْت بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا } اللَّفْظ لِحَدِيثِ يَعْقُوب . 11917 - وَحَدَّثَنِي يَعْقُوب قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , قَالَ رَبِيعَة بْن كُلْثُوم , عَنْ أَبِيهِ فِي هَذَا الْحَدِيث : { قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْم الْقِيَامَة إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ } * حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ : ثنا عِمْرَان بْن عُيَيْنَة , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَطَاء بْن السَّائِب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : أَوَّل مَا أَهَبَطَ اللَّه آدَم , أَهَبَطَهُ بدجني , أَرْض بِالْهِنْدِ , فَمَسَحَ اللَّه ظَهْره , فَأَخْرَجَ مِنْهُ كُلّ نَسَمَة هُوَ بَارِئُهَا إِلَى أَنْ تَقُوم السَّاعَة , ثُمَّ أَخَذَ عَلَيْهِمْ الْمِيثَاق : { وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسهمْ أَلَسْت بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْم الْقِيَامَة إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ } * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عِمْرَان بْن عُيَيْنَة , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : أُهْبِطَ آدَم حِين أُهْبِطَ , فَمَسَحَ اللَّه ظَهْره , فَأَخْرَجَ مِنْهُ كُلّ نَسَمَة هُوَ خَالِقهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة , ثُمَّ قَالَ { أَلَسْت بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى } , ثُمَّ تَلَا : { وَإِذْ أَخَذَ رَبّك مِنْ بَنِي آدَم مِنْ ظُهُورهمْ ذُرِّيَّاتهمْ } فَجَفَّ الْقَلَم مِنْ يَوْمئِذٍ بِمَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . 11918 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن عِيسَى , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَإِذْ أَخَذَ رَبّك مِنْ بَنِي آدَم مِنْ ظُهُورهمْ ذُرِّيَّاتهمْ } قَالَ : لَمَّا خَلَقَ اللَّه آدَم , أَخَذَ ذُرِّيَّته مِنْ ظَهْره مِثْل الذَّرّ , فَقَبَضَ قَبْضَتَيْنِ , فَقَالَ لِأَصْحَابِ الْيَمِين اُدْخُلُوا الْجَنَّة بِسَلَامٍ , وَقَالَ لِلْآخَرِينَ : اُدْخُلُوا النَّار وَلَا أُبَالِي . 11919 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ حَبِيب , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : مَسَحَ اللَّه ظَهْر آدَم , فَأَخْرَجَ كُلّ طَيِّب فِي يَمِينه , وَأَخْرَجَ كُلّ خَبِيث فِي الْأُخْرَى . * حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ شَرِيك , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : مَسَحَ اللَّه ظَهْر آدَم , فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ كُلّ نَسَمَة هُوَ خَالِقهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . * حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا حَكَّام , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن أَبِي قَيْس , عَنْ عَطَاء , عَنْ سَعِيد , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَإِذْ أَخَذَ رَبّك مِنْ بَنِي آدَم مِنْ ظُهُورهمْ ذُرِّيَّاتهمْ } قَالَ : لَمَّا خَلَقَ اللَّه آدَم مَسَحَ ظَهْره بدجني , وَأَخْرَجَ مِنْ ظَهْره كُلّ نَسَمَة هُوَ خَالِقهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة , فَقَالَ : { أَلَسْت بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى } قَالَ : فَيَرَوْنَ يَوْمئِذٍ جَفّ الْقَلَم بِمَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ الْمَسْعُودِيّ , عَنْ عَلِيّ بْن بَذِيمَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : لَمَّا خَلَقَ اللَّه آدَم عَلَيْهِ السَّلَام أَخَذَ مِيثَاقه , فَمَسَحَ ظَهْره , فَأَخَذَ ذُرِّيَّته كَهَيْئَةِ الذَّرّ , فَكَتَبَ آجَالهمْ وَأَرْزَاقهمْ وَمَصَائِبهمْ , وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسهمْ { أَلَسْت بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى } * قَالَ : ثنا يَزِيد بْن هَارُون , عَنْ الْمَسْعُودِيّ , عَنْ عَلِيّ بْن بَذِيمَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَإِذْ أَخَذَ رَبّك مِنْ بَنِي آدَم مِنْ ظُهُورهمْ ذُرِّيَّاتهمْ } قَالَ : لَمَّا خَلَقَ اللَّه آدَم , أَخَذَ مِيثَاقه أَنَّهُ رَبّه , وَكَتَبَ أَجَله وَمَصَائِبه , وَاسْتَخْرَجَ ذُرِّيَّته كَالذَّرِّ , وَأَخَذَ مِيثَاقهمْ , وَكَتَبَ آجَالهمْ وَأَرْزَاقهمْ وَمَصَائِبهمْ . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ رَبِيعَة بْن كُلْثُوم بْن جَبْر , عَنْ أَبِيهِ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , فِي قَوْله : { وَإِذْ أَخَذَ رَبّك مِنْ بَنِي آدَم مِنْ ظُهُورهمْ ذُرِّيَّاتهمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسهمْ } قَالَ : مَسَحَ اللَّه ظَهْر آدَم عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ بِبَطْنِ نَعْمَان , وَادٍ إِلَى جَنْب عَرَفَة , وَأَخْرَجَ ذُرِّيَّته مِنْ ظَهْره كَهَيْئَةِ الذَّرّ , ثُمَّ أَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسهمْ { أَلَسْت بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا } 11920 - قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ أَبِي هِلَال , عَنْ أَبِي حَمْزَة الضَّبْعِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : أَخْرَجَ اللَّه ذُرِّيَّة آدَم عَلَيْهِ السَّلَام مِنْ ظَهْره كَهَيْئَةِ الذَّرّ , وَهُوَ فِي آذِيّ مِنْ الْمَاء . 11921 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا ضَمْرَة بْن رَبِيعَة , قَالَ : ثنا أَبُو مَسْعُود , عَنْ جُوَيْبِر , قَالَ : مَاتَ اِبْن لِلضَّحَّاكِ بْن مُزَاحِم اِبْن سِتَّة أَيَّام , قَالَ : فَقَالَ : يَا جَابِر إِذَا أَنْتَ وَضَعْت اِبْنِي فِي لَحْده , فَأَبْرِزْ وَجْهه , وَحُلَّ عَنْهُ عُقَده , فَإِنَّ اِبْنِي مُجْلَس وَمَسْئُول ! فَفَعَلْت بِهِ الَّذِي أَمَرَنِي , فَلَمَّا فَرَغْت , قُلْت : يَرْحَمك اللَّه , عَمّ يُسْأَل اِبْنك ؟ قَالَ : يُسْأَل عَنْ الْمِيثَاق الَّذِي أَقَرَّ بِهِ فِي صُلْب آدَم عَلَيْهِ السَّلَام . قُلْت : يَا أَبَا الْقَاسِم , وَمَا هَذَا الْمِيثَاق الَّذِي أَقَرَّ بِهِ فِي صُلْب آدَم ؟ قَالَ : ثني اِبْن عَبَّاس أَنَّ اللَّه مَسَحَ صُلْب آدَم , فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ كُلّ نَسَمَة هُوَ خَالِقهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة , وَأَخَذَ مِنْهُمْ الْمِيثَاق أَنْ يَعْبُدُوهُ , وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا , فَلَنْ تَقُوم السَّاعَة حَتَّى يُولَد مَنْ أُعْطِيَ الْمِيثَاق يَوْمئِذٍ , فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْهُمْ الْمِيثَاق الْآخَر فَوَفَى بِهِ نَفَعَهُ الْمِيثَاق الْأَوَّل , وَمَنْ أَدْرَكَ الْمِيثَاق الْآخَر فَلَمْ يَفِ بِهِ لَمْ يَنْفَعهُ الْمِيثَاق الْأَوَّل , وَمَنْ مَاتَ صَغِيرًا قَبْل أَنْ يُدْرِك الْمِيثَاق الْآخَر مَاتَ عَلَى الْمِيثَاق الْأَوَّل عَلَى الْفِطْرَة. 11922 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي السُّرِّيّ بْن يَحْيَى , أَنَّ الْحَسَن بْن أَبِي الْحَسَن , حَدَّثَهُمْ عَنْ الْأَسْوَد بْن سَرِيع مِنْ بَنِي سَعْد , قَالَ : غَزَوْت مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَع غَزَوَات , قَالَ : فَتَنَاوَلَ الْقَوْم الذُّرِّيَّة بَعْدَمَا قَتَلُوا الْمُقَاتِلَة , فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ , ثُمَّ قَالَ : " مَا بَال أَقْوَام يَتَنَاوَلُونَ الذُّرِّيَّة ؟ " فَقَالَ رَجُل : يَا رَسُول اللَّه , أَلَيْسُوا أَبْنَاء الْمُشْرِكِينَ ؟ فَقَالَ : " إِنَّ خِيَاركُمْ أَوْلَاد الْمُشْرِكِينَ , أَلَا إِنَّهَا لَيْسَتْ نَسَمَة تُولَد إِلَّا وُلِدَتْ عَلَى الْفِطْرَة , فَمَا تَزَال عَلَيْهَا حَتَّى يَبِين عَنْهَا لِسَانهَا , فَأَبَوَاهَا يُهَوِّدَانِهَا أَوْ يُنَصِّرَانِهَا " . قَالَ الْحَسَن : وَاَللَّه لَقَدْ قَالَ اللَّه ذَلِكَ فِي كِتَابه , قَالَ : { وَإِذْ أَخَذَ رَبّك مِنْ بَنِي آدَم مِنْ ظُهُورهمْ ذُرِّيَّاتهمْ } 11923 - حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن الْوَلِيد , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن أَبِي طَيْبَة , عَنْ سُفْيَان , عَنْ سَعِيد , عَنْ الْأَجْلَح , عَنْ الضَّحَّاك , وَعَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَإِذْ أَخَذَ رَبّك مِنْ بَنِي آدَم مِنْ ظُهُورهمْ ذُرِّيَّاتهمْ } قَالَ : " أَخَذُوا مِنْ ظَهْره كَمَا يُؤْخَذ بِالْمُشْطِ مِنْ الرَّأْس , فَقَالَ لَهُمْ أَلَسْت بِرَبِّكُمْ ؟ قَالُوا بَلَى , قَالَتْ الْمَلَائِكَة : شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْم الْقِيَامَة إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ". 11924 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , فِي قَوْله : { وَإِذْ أَخَذَ رَبّك مِنْ بَنِي آدَم مِنْ ظُهُورهمْ ذُرِّيَّاتهمْ } قَالَ : أَخَذَهُمْ كَمَا يَأْخُذ الْمُشْط مِنْ الرَّأْس . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع وَابْن حُمَيْد , قَالَا : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو : { وَإِذْ أَخَذَ رَبّك مِنْ بَنِي آدَم مِنْ ظُهُورهمْ ذُرِّيَّاتهمْ } قَالَ : أَخَذَهُمْ كَمَا يَأْخُذ الْمُشْط عَنْ الرَّأْس . قَالَ اِبْن حُمَيْد : كَمَا يُؤْخَذ بِالْمُشْطِ . 11925 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن سَعِيد الْجَوْهَرِيّ , قَالَ : ثنا رَوْح بْن عُبَادَة , وَسَعْد بْن عَبْد الْحَمِيد بْن جَعْفَر بْن مَالِك بْن أَنَس , عَنْ زَيْد بْن أَبِي أُنَيْسَة , عَنْ عَبْد الْحَمِيد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن الْخَطَّاب , عَنْ مُسْلِم بْن يَسَار الْجُهَنِيّ : أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَة : { وَإِذْ أَخَذَ رَبّك مِنْ بَنِي آدَم مِنْ ظُهُورهمْ } فَقَالَ عُمَر : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : " إِنَّ اللَّه خَلَقَ آدَم ثُمَّ مَسَحَ ظَهْره بِيَمِينِهِ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّة , فَقَالَ : خَلَقْت هَؤُلَاءِ لِلْجَنَّةِ , وَبِعَمَلِ أَهْل الْجَنَّة يَعْمَلُونَ . ثُمَّ مَسَحَ ظَهْره فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّة , فَقَالَ : خَلَقْت هَؤُلَاءِ لِلنَّارِ , وَبِعَمَلِ أَهْل النَّار يَعْمَلُونَ " . فَقَالَ رَجُل : يَا رَسُول اللَّه فَفِيمَ الْعَمَل ؟ قَالَ : " إِنَّ اللَّه إِذَا خَلَقَ الْعَبْد لِلْجَنَّةِ اِسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْل الْجَنَّة حَتَّى يَمُوت عَلَى عَمَل مِنْ عَمَل أَهْل الْجَنَّة فَيُدْخِلهُ الْجَنَّة ; وَإِذَا خَلَقَ الْعَبْد لِلنَّارِ اِسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْل النَّار حَتَّى يَمُوت عَلَى عَمَل مَنْ عَمَل أَهْل النَّار فَيُدْخِلهُ النَّار " . * حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن الْمُصَفَّى , عَنْ بَقِيَّة , عَنْ عَمْرو بْن جعثم الْقُرَشِيّ , قَالَ : ثني زَيْد بْن أَبِي أُنَيْسَة , عَنْ عَبْد الْحَمِيد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ مُسْلِم بْن يَسَار , عَنْ نُعَيْم بْن رَبِيعَة , عَنْ عُمَر , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بِنَحْوِهِ . 11926 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ عِمَارَة , عَنْ أَبِي مُحَمَّد رَجُل مِنْ الْمَدِينَة , قَالَ : سَأَلْت عُمَر بْن الْخَطَّاب عَنْ قَوْله : { وَإِذْ أَخَذَ رَبّك مِنْ بَنِي آدَم مِنْ ظُهُورهمْ ذُرِّيَّاتهمْ } قَالَ : سَأَلْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ كَمَا سَأَلْتنِي , فَقَالَ : " خَلَقَ اللَّه آدَم بِيَدِهِ , وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحه , ثُمَّ أَجْلَسَهُ فَمَسَحَ ظَهْره بِيَدِهِ الْيُمْنَى , فَأَخْرَجَ ذَرْءًا , فَقَالَ : ذَرْء ذَرَأْتهمْ لِلْجَنَّةِ , ثُمَّ مَسَحَ ظَهْره بِيَدِهِ الْأُخْرَى , وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِين , فَقَالَ : ذَرْء ذَرَأْتهمْ لِلنَّارِ , يَعْمَلُونَ فِيمَا شِئْت مِنْ عَمَل , ثُمَّ أَخْتِم لَهُمْ بِأَسْوَأ أَعْمَالهمْ فَأُدْخِلهُمْ النَّار " . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَإِذْ أَخَذَ رَبّك مِنْ بَنِي آدَم مِنْ ظُهُورهمْ ذُرِّيَّاتهمْ } قَالَ : إِنَّ اللَّه خَلَقَ آدَم , ثُمَّ أَخْرَجَ ذُرِّيَّته مِنْ صُلْبه مِثْل الذَّرّ , فَقَالَ لَهُمْ : مَنْ رَبّكُمْ ؟ قَالُوا : اللَّه رَبّنَا , ثُمَّ أَعَادَهُمْ فِي صُلْبه , حَتَّى يُولَد كُلّ مَنْ أَخَذَ مِيثَاقه لَا يُزَاد فِيهِمْ وَلَا يُنْقَص مِنْهُمْ إِلَى أَنْ تَقُوم السَّاعَة . 11927 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَإِذْ أَخَذَ رَبّك مِنْ بَنِي آدَم مِنْ ظُهُورهمْ ذُرِّيَّاتهمْ } إِلَى قَوْله : { قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا } قَالَ اِبْن عَبَّاس : إِنَّ اللَّه لَمَّا خَلَقَ آدَم مَسَحَ ظَهْره , وَأَخْرَجَ ذُرِّيَّته كُلّهمْ كَهَيْئَةِ الذَّرّ , فَأَنْطَقَهُمْ فَتَكَلَّمُوا , وَأَشْهَدهُمْ عَلَى أَنْفُسهمْ , وَجَعَلَ مَعَ بَعْضهمْ النُّور , وَإِنَّهُ قَالَ لِآدَم : هَؤُلَاءِ ذُرِّيَّتك آخُذ عَلَيْهِمْ الْمِيثَاق , أَنَا رَبّهمْ , لِئَلَّا يُشْرِكُوا بِي شَيْئًا , وَعَلَيَّ رِزْقهمْ . قَالَ آدَم : فَمَنْ هَذَا الَّذِي مَعَهُ النُّور ؟ قَالَ : هُوَ دَاوُد . قَالَ : يَا رَبّ كَمْ كَتَبْت لَهُ مِنْ الْأَجَل ؟ قَالَ : سِتِّينَ سَنَة . قَالَ : كَمْ كَتَبْت لِي ؟ قَالَ : أَلْف سَنَة , وَقَدْ كَتَبْتُ لِكُلِّ إِنْسَان مِنْهُمْ كَمْ يُعَمَّر وَكَمْ يَلْبَث . قَالَ : يَا رَبّ زِدْهُ ! قَالَ : هَذَا الْكِتَاب مَوْضُوع فَأَعْطِهِ إِنْ شِئْت مِنْ عُمْرك . قَالَ : نَعَمْ. وَقَدْ جَفَّ الْقَلَم عَنْ أَجَل سَائِر بَنِي آدَم , فَكَتَبَ لَهُ مِنْ أَجَل آدَم أَرْبَعِينَ سَنَة , فَصَارَ أَجَله مِائَة سَنَة . فَلَمَّا عَمَّرَ تِسْعمِائَةِ سَنَة وَسِتِّينَ جَاءَهُ مَلَك الْمَوْت ; فَلَمَّا رَآهُ آدَم , قَالَ : مَا لَك ؟ قَالَ لَهُ : قَدْ اِسْتَوْفَيْت أَجَلك . قَالَ لَهُ آدَم : إِنَّمَا عَمَّرْت تِسْعمِائَةٍ وَسِتِّينَ سَنَة , وَبَقِيَ أَرْبَعُونَ سَنَة. قَالَ : فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ لِلْمَلَكِ , قَالَ الْمَلَك : قَدْ أَخْبَرَنِي بِهَا رَبِّي . قَالَ : فَارْجِعْ إِلَى رَبّك فَاسْأَلْهُ ! فَرَجَعَ الْمَلَك إِلَى رَبّه , فَقَالَ : مَا لَك ؟ قَالَ : يَا رَبّ رَجَعْت إِلَيْك لِمَا كُنْت أَعْلَم مِنْ تَكْرِمَتك إِيَّاهُ . قَالَ اللَّه : اِرْجِعْ فَأَخْبِرْهُ أَنَّهُ قَدْ أَعْطَى اِبْنه دَاوُد أَرْبَعِينَ سَنَة ! 11928 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ الزُّبَيْر بْن مُوسَى , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : إِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى ضَرَبَ مَنْكِبه الْأَيْمَن , فَخَرَجَتْ كُلّ نَفْس مَخْلُوقَة لِلْجَنَّةِ بَيْضَاء نَقِيَّة , فَقَالَ : هَؤُلَاءِ أَهْل الْجَنَّة . ثُمَّ ضَرَبَ مَنْكِبه الْأَيْسَر , فَخَرَجَتْ كُلّ نَفْس مَخْلُوقَة لِلنَّارِ سَوْدَاء , فَقَالَ : هَؤُلَاءِ أَهْل النَّار . ثُمَّ أَخَذَ عُهُودهمْ عَلَى الْإِيمَان وَالْمَعْرِفَة لَهُ وَلِأَمْرِهِ , وَالتَّصْدِيق بِهِ وَبِأَمْرِهِ بَنِي آدَم كُلّهمْ , فَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسهمْ , فَآمَنُوا وَصَدَّقُوا وَعَرَفُوا وَأَقَرُّوا. وَبَلَغَنِي أَنَّهُ أَخْرَجَهُمْ عَلَى كَفّه أَمْثَال الْخَرْدَل . قَالَ اِبْن جُرَيْج عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : إِنَّ اللَّه لَمَّا أَخْرَجَهُمْ قَالَ : يَا عِبَاد اللَّه أَجِيبُوا اللَّه - وَالْإِجَابَة : الطَّاعَة - فَقَالُوا : أَطَعْنَا , اللَّهُمَّ أَطَعْنَا , اللَّهُمَّ أَطَعْنَا , اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ! قَالَ : فَأَعْطَاهَا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْمَنَاسِك : لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ . قَالَ : ضَرَبَ مَتْن آدَم حِين خَلَقَهُ . قَالَ : وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : خَلَقَ آدَم , ثُمَّ أَخْرَجَ ذُرِّيَّته مِنْ ظَهْره مِثْل الذَّرّ , فَكَلَّمَهُمْ , ثُمَّ أَعَادَهُمْ فِي صُلْبه , فَلَيْسَ أَحَد إِلَّا وَقَدْ تَكَلَّمَ فَقَالَ : رَبِّي اللَّه . فَقَالَ : وَكُلّ خَلْق خَلَقَ فَهُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَهِيَ الْفِطْرَة الَّتِي فَطَرَ النَّاس عَلَيْهَا . قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَالَ سَعِيد بْن حَبِير : أَخَذَ الْمِيثَاق عَلَيْهِمْ بِنَعْمَان - وَنَعْمَان مِنْ وَرَاء عَرَفَة - أَنْ يَقُولُوا يَوْم الْقِيَامَة { إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ } عَنْ الْمِيثَاق الَّذِي أَخَذَ عَلَيْهِمْ . 11929 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ أَبِي جَعْفَر , عَنْ الرَّبِيع , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب , قَالَ : جَمَعَهُمْ يَوْمئِذٍ جَمِيعًا مَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة , ثُمَّ اِسْتَنْطَقَهُمْ , وَأَخَذَ عَلَيْهِمْ الْمِيثَاق { وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسهمْ أَلَسْت بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْم الْقِيَامَة إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْل وَكُنَّا ذُرِّيَّة مِنْ بَعْدهمْ أَفَتُهْلِكنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ } ؟ قَالَ : فَإِنِّي أُشْهِد عَلَيْكُمْ السَّمَاوَات السَّبْع وَالْأَرَضِينَ السَّبْع , وَأُشْهِد عَلَيْكُمْ أَبَاكُمْ آدَم أَنْ تَقُولُوا يَوْم الْقِيَامَة لَمْ نَعْلَم بِهَذَا , اِعْلَمُوا أَنَّهُ لَا إِلَه غَيْرِي , وَلَا رَبّ غَيْرِي , وَلَا تُشْرِكُوا بِي شَيْئًا , وَسَأُرْسِلُ إِلَيْكُمْ رُسُلًا يُذَكِّرُونَكُمْ عَهْدِي وَمِيثَاقِي , وَسَأُنْزِلُ عَلَيْكُمْ كُتُبِي ! قَالُوا : شَهِدْنَا أَنَّك رَبّنَا وَإِلَهنَا , لَا رَبّ لَنَا غَيْرك , وَلَا إِلَه لَنَا غَيْرك . فَأَقَرُّوا لَهُ يَوْمئِذٍ بِالطَّاعَةِ , وَرَفَعَ عَلَيْهِمْ أَبَاهُمْ آدَم , فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ , فَرَأَى مِنْهُمْ الْغَنِيّ وَالْفَقِير , وَحَسَن الصُّورَة , وَدُون ذَلِكَ , فَقَالَ : رَبّ لَوْلَا سَاوَيْت بَيْنهمْ ! قَالَ : فَإِنِّي أُحِبّ أَنْ أُشْكَر . قَالَ : وَفِيهِمْ الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِمْ السَّلَام يَوْمئِذٍ مِثْل السُّرُج. وَخَصَّ الْأَنْبِيَاء بِمِيثَاقٍ آخَر , قَالَ اللَّه : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنْ النَّبِيِّينَ مِيثَاقهمْ وَمِنْك وَمِنْ نُوح وَإِبْرَاهِيم وَمُوسَى وَعِيسَى اِبْن مَرْيَم وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا } 33 7 وَهُوَ الَّذِي يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { فَأَقِمْ وَجْهك لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَة اللَّه الَّتِي فَطَرَ النَّاس عَلَيْهَا لَا تَبْدِيل لِخَلْقِ اللَّه } 30 30 وَفِي ذَلِكَ قَالَ : { هَذَا نَذِير مِنْ النُّذُر الْأُولَى } 53 56 يَقُول : أَخَذْنَا مِيثَاقه مَعَ النُّذُر الْأُولَى , وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله : { وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْد وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرهمْ لَفَاسِقِينَ } 7 102 { ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْده رُسُلًا إِلَى قَوْمهمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْل } 10 74 قَالَ : كَانَ فِي عِلْمه يَوْم أَقَرُّوا بِهِ مَنْ يُصَدِّق وَمَنْ يُكَذِّب . 11930 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَإِذْ أَخَذَ رَبّك مِنْ بَنِي آدَم مِنْ ظُهُورهمْ ذُرِّيَّاتهمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسهمْ أَلَسْت بِرَبِّكُمْ } قَالَ : أَخْرَجَهُمْ مِنْ ظَهْر آدَم , وَجَعَلَ لِآدَم عُمْر أَلْف سَنَة , قَالَ : فَعُرِضُوا عَلَى آدَم , فَرَأَى رَجُلًا مِنْ ذُرِّيَّته لَهُ نُور فَأَعْجَبَهُ , فَسَأَلَ عَنْهُ , فَقَالَ : هُوَ دَاوُد , قَدْ جُعِلَ عُمْره سِتِّينَ سَنَة , فَجَعَلَ لَهُ مِنْ عُمْره أَرْبَعِينَ سَنَة ; فَلَمَّا اُحْتُضِرَ آدَم , جَعَلَ يُخَاصِمهُمْ فِي الْأَرْبَعِينَ سَنَة , فَقِيلَ لَهُ : إِنَّك أَعْطَيْتهَا دَاوُد , قَالَ : فَجَعَلَ يُخَاصِمهُمْ . * حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد , فِي قَوْله : { وَإِذْ أَخَذَ رَبّك مِنْ بَنِي آدَم مِنْ ظُهُورهمْ ذُرِّيَّاتهمْ } قَالَ : أَخْرَجَ ذُرِّيَّته مِنْ ظَهْره كَهَيْئَةِ الذَّرّ , فَعَرَضَهُمْ عَلَى آدَم بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاء آبَائِهِمْ وَآجَالهمْ , قَالَ : فَعَرَضَ عَلَيْهِ رُوح دَاوُد فِي نُور سَاطِع , فَقَالَ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَ : هَذَا مِنْ ذُرِّيَّتك نَبِيّ خَلِيفَة , قَالَ : كَمْ عُمْره ؟ قَالَ : سِتُّونَ سَنَة , قَالَ : زِيدُوهُ مِنْ عُمْرِي أَرْبَعِينَ سَنَة ! قَالَ : وَالْأَقْلَام رَطْبَة تَجْرِي . فَأُثْبِت لِدَاوُد الْأَرْبَعُونَ , وَكَانَ عُمْر آدَم عَلَيْهِ السَّلَام أَلْف سَنَة ; فَلَمَّا اِسْتَكْمَلَهَا إِلَّا الْأَرْبَعِينَ سَنَة , بَعَثَ إِلَيْهِ مَلَك الْمَوْت , فَقَالَ : يَا آدَم أُمِرْت أَنْ أَقْبِضك , قَالَ : أَلَمْ يَبْقَ مِنْ عُمَرِي أَرْبَعُونَ سَنَة ؟ قَالَ : فَرَجَعَ مَلَك الْمَوْت إِلَى رَبّه , فَقَالَ : إِنَّ آدَم يَدَّعِي مِنْ عُمْره أَرْبَعِينَ سَنَة , قَالَ : أَخْبِرْ آدَم أَنَّهُ جَعَلَهَا لِابْنِهِ دَاوُد وَالْأَقْلَام رَطْبَة ! فَأُثْبِتَتْ لِدَاوُد . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُد , عَنْ يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد بِنَحْوِهِ. 11931 - قَالَ : ثنا اِبْن فُضَيْل وَابْن نُمَيْر , عَنْ عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء : { وَإِذْ أَخَذَ رَبّك مِنْ بَنِي آدَم مِنْ ظُهُورهمْ ذُرِّيَّاتهمْ } قَالَ : أَخْرَجَهُمْ مِنْ ظَهْر آدَم حَتَّى أَخَذَ عَلَيْهِمْ الْمِيثَاق , ثُمَّ رَدَّهُمْ فِي صُلْبه . 11932 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن نُمَيْر , عَنْ نُضْر بْن عَرَبِيّ : { وَإِذْ أَخَذَ رَبّك مِنْ بَنِي آدَم مِنْ ظُهُورهمْ ذُرِّيَّاتهمْ } قَالَ : أَخْرَجَهُمْ مِنْ ظَهْر آدَم حَتَّى أَخَذَ عَلَيْهِمْ الْمِيثَاق , ثُمَّ رَدَّهُمْ فِي صُلْبه. 11933 - قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن عُبَيْد , عَنْ أَبِي بِسْطَام , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : حَيْثُ ذَرَأَ اللَّه خَلْقه لِآدَم , قَالَ : خَلَقَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسهمْ أَلَسْت بِرَبِّكُمْ ؟ قَالُوا : بَلَى. * حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { وَإِذْ أَخَذَ رَبّك مِنْ بَنِي آدَم مِنْ ظُهُورهمْ ذُرِّيَّاتهمْ } قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : خَلَقَ اللَّه آدَم , ثُمَّ أَخْرَجَ ذُرِّيَّته مِنْ ظَهْره , فَكَلَّمَهُمْ اللَّه وَأَنْطَقَهُمْ , فَقَالَ : أَلَسْت بِرَبِّكُمْ ؟ قَالُوا : بَلَى , ثُمَّ أَعَادَهُمْ فِي صُلْبه , فَلَيْسَ أَحَد مِنْ الْخَلْق إِلَّا قَدْ تَكَلَّمَ فَقَالَ رَبِّيَ اللَّه , وَإِنَّ الْقِيَامَة لَنْ تَقُوم حَتَّى يُولَد مَنْ كَانَ يَوْمئِذٍ أُشْهِدَ عَلَى نَفْسه. 11934 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عُمَر بْن طَلْحَة , عَنْ أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَإِذْ أَخَذَ رَبّك مِنْ بَنِي آدَم مِنْ ظُهُورهمْ ذُرِّيَّاتهمْ وَأَشْهَدهُمْ عَلَى أَنْفُسهمْ أَلَسْت بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى } وَذَلِكَ حِين يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض طَوْعًا وَكَرْهًا } 3 83 وَذَلِكَ حِين يَقُول : { فَلِلَّهِ الْحُجَّة الْبَالِغَة فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } 6 149 يَعْنِي : يَوْم أَخَذَ مِنْهُمْ الْمِيثَاق , ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى آدَم عَلَيْهِ السَّلَام. 11935 - قَالَ : ثنا عُمَر , عَنْ أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : أَخْرَجَ اللَّه آدَم مِنْ الْجَنَّة , وَلَمْ يَهْبِط مِنْ السَّمَاء , ثُمَّ مَسَحَ صَفْحَة ظَهْره الْيُمْنَى , فَأَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّة بَيْضَاء مِثْل اللُّؤْلُؤ كَهَيْئَةِ الذَّرّ , فَقَالَ لَهُمْ : اُدْخُلُوا الْجَنَّة بِرَحْمَتِي ! وَمَسَحَ صَفْحَة ظَهْره الْيُسْرَى , فَأَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّة سَوْدَاء كَهَيْئَةِ الذَّرّ , فَقَالَ : اُدْخُلُوا النَّار وَلَا أُبَالِي ! فَذَلِكَ حِين يَقُول : " وَأَصْحَاب الْيَمِين وَأَصْحَاب الشِّمَال " ثُمَّ أَخَذَ مِنْهُمْ الْمِيثَاق , فَقَالَ : { أَلَسْت بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى } , فَأَطَاعَهُ طَائِفَة طَائِعِينَ , وَطَائِفَة كَارِهِينَ عَلَى وَجْه التَّقِيَّة . 11936 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُون , قَالَ : ثنا عُمَر , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ بِنَحْوِهِ , وَزَادَ فِيهِ بَعْد قَوْله : وَطَائِفَة عَلَى وَجْه التَّقِيَّة , فَقَالَ هُوَ وَالْمَلَائِكَة : شَهِدْنَا أَنْ يَقُولُوا يَوْم الْقِيَامَة إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ يَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْل وَكُنَّا ذُرِّيَّة مِنْ بَعْدهمْ . فَلِذَلِكَ لَيْسَ فِي الْأَرْض أَحَد مِنْ وَلَد آدَم إِلَّا وَهُوَ يَعْرِف أَنَّ رَبّه اللَّه , وَلَا مُشْرِك إِلَّا وَهُوَ يَقُول لِابْنِهِ : { إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّة } وَالْأُمَّة : الدِّين { وَإِنَّا عَلَى آثَارهمْ مُقْتَدُونَ } 43 23 وَذَلِكَ حِين يَقُول اللَّه : { وَإِذْ أَخَذَ رَبّك مِنْ بَنِي آدَم مِنْ ظُهُورهمْ ذُرِّيَّاتهمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسهمْ أَلَسْت بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى } وَذَلِكَ حِين يَقُول : { وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض طَوْعًا وَكَرْهًا } 3 83 وَذَلِكَ حِين يَقُول : { فَلِلَّهِ الْحُجَّة الْبَالِغَة فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } 6 149 يَعْنِي يَوْم أَخَذَ مِنْهُمْ الْمِيثَاق. 11937 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الْكَلْبِيّ : { مِنْ ظُهُورهمْ ذُرِّيَّاتهمْ } قَالَ : مَسَحَ اللَّه عَلَى صُلْب آدَم , فَأَخْرَجَ مِنْ صُلْبه مِنْ ذُرِّيَّته مَا يَكُون إِلَى يَوْم الْقِيَامَة , وَأَخَذَ مِيثَاقهمْ أَنَّهُ رَبّهمْ , فَأَعْطَوْهُ ذَلِكَ , وَلَا يُسْأَل أَحَد كَافِر وَلَا غَيْره : مَنْ رَبّك ؟ إِلَّا قَالَ : اللَّه. وَقَالَ الْحَسَن مِثْل ذَلِكَ أَيْضًا . 11938 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حَفْص بْن غِيَاث , عَنْ جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عَلِيّ بْن حُسَيْن أَنَّهُ كَانَ يَعْزِل , وَيَتَأَوَّل هَذِهِ الْآيَة : { وَإِذْ أَخَذَ رَبّك مِنْ بَنِي آدَم مِنْ ظُهُورهمْ ذُرِّيَّاتهمْ } 11939 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا مُوسَى بْن عُبَيْدَة , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ فِي قَوْله : { وَإِذْ أَخَذَ رَبّك مِنْ بَنِي آدَم مِنْ ظُهُورهمْ ذُرِّيَّاتهمْ } قَالَ : أَقَرَّتْ الْأَرْوَاح قَبْل أَنْ تُخْلَق أَجْسَادهَا . 11940 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الْفَرَج الْحِمْصِيّ , قَالَ : ثنا بَقِيَّة بْن الْوَلِيد , قَالَ : ثني الزُّبَيْدِيّ , عَنْ رَاشِد بْن سَعْد , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن قَتَادَة النَّضْرِيّ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ هِشَام بْن حَكِيم : أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه , أَتُبْدَأُ الْأَعْمَال أَمْ قَدْ قُضِيَ الْقَضَاء ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّه أَخَذَ ذُرِّيَّة آدَم مِنْ ظُهُورهمْ , ثُمَّ أَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسهمْ , ثُمَّ أَفَاضَ بِهِمْ فِي كَفَّيْهِ ثُمَّ قَالَ : هَؤُلَاءِ فِي الْجَنَّة وَهَؤُلَاءِ فِي النَّار , فَأَهْل الْجَنَّة مُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْل الْجَنَّة , وَأَهْل النَّار مُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْل النَّار " . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَوْف الطَّائِيّ , قَالَ : ثنا حَيْوَة وَيَزِيد , قَالَا : ثنا بَقِيَّة , عَنْ الزُّبَيْدِيّ , عَنْ رَاشِد بْن سَعْد , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن قَتَادَة النَّضْرِيّ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ هِشَام بْن حَكِيم , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْله . * حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن شَبُّويَة , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن مُسْلِم , عَنْ الزُّبَيْدِيّ , قَالَ : ثنا رَاشِد بْن سَعْد أَنَّ عَبْد الرَّحْمَن بْن قَتَادَة , حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّ هِشَام بْن حَكِيم حَدَّثَهُ أَنَّهُ قَالَ : أَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُل فَذَكَرَ مِثْله . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَوْف , قَالَ : ثني أَبُو صَالِح , قَالَ : ثنا مُعَاوِيَة , عَنْ رَاشِد بْن سَعْد , عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن قَتَادَة , عَنْ هِشَام بْن حَكِيم , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بِنَحْوِهِ . وَاخْتُلِفَ فِي قَوْله : { شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْم الْقِيَامَة إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ } فَقَالَ السُّدِّيّ : هُوَ خَبَر مِنْ اللَّه عَنْ نَفْسه وَمَلَائِكَته أَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ هُوَ وَمَلَائِكَته إِذْ أَقَرَّ بَنُو آدَم بِرُبُوبِيَّتِهِ حِين قَالَ لَهُمْ : أَلَسْت بِرَبِّكُمْ ؟ قَالُوا : بَلَى . فَتَأْوِيل الْكَلَام عَلَى هَذَا التَّأْوِيل : وَإِذْ أَخَذَ رَبّك مِنْ بَنِي آدَم مِنْ ظُهُورهمْ ذُرِّيَّاتهمْ , وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسهمْ أَلَسْت بِرَبِّكُمْ ؟ قَالُوا : بَلَى. فَقَالَ اللَّه وَمَلَائِكَته : شَهِدْنَا عَلَيْكُمْ بِإِقْرَارِكُمْ بِأَنَّ اللَّه رَبّكُمْ كَيْلَا تَقُولُوا يَوْم الْقِيَامَة إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ . وَقَدْ ذَكَرْت الرِّوَايَة عَنْهُ بِذَلِكَ فِيمَا مَضَى وَالْخَبَر الْآخَر الَّذِي رُوِيَ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ ذَلِكَ . وَقَالَ آخَرُونَ : ذَلِكَ خَبَر مِنْ اللَّه عَنْ قِيل بَعْض بَنِي آدَم لِبَعْضٍ , حِين أَشْهَدَ اللَّه بَعْضهمْ عَلَى بَعْض . وَقَالُوا : مَعْنَى قَوْله : { وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسهمْ } وَأَشْهَدَهُمْ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض بِإِقْرَارِهِمْ بِذَلِكَ , وَقَدْ ذَكَرْت الرِّوَايَة بِذَلِكَ أَيْضًا عَمَّنْ قَالَهُ قَبْل . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ , مَا رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ كَانَ صَحِيحًا , وَلَا أَعْلَمهُ صَحِيحًا ; لِأَنَّ الثِّقَات الَّذِينَ يُعْتَمَد عَلَى حِفْظهمْ وَإِتْقَانهمْ حَدَّثُوا بِهَذَا الْحَدِيث عَنْ الثَّوْرِيّ , فَوَقَفُوهُ عَلَى عَبْد اللَّه بْن عَمْرو وَلَمْ يَرْفَعُوهُ , وَلَمْ يَذْكُرُوا فِي الْحَدِيث هَذَا الْحَرْف الَّذِي ذَكَرَهُ أَحْمَد بْن أَبِي طَيْبَة عَنْهُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَنْهُ صَحِيحًا , فَالظَّاهِر يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ خَبَر مِنْ اللَّه عَنْ قِيل بَنِي آدَم بَعْضهمْ لِبَعْضٍ , لِأَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ : { وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسهمْ أَلَسْت بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا } فَكَأَنَّهُ قِيلَ : فَقَالَ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى الْمُقِرِّينَ حِين أَقَرُّوا , فَقَالُوا : بَلَى شَهِدْنَا عَلَيْكُمْ بِمَا أَقْرَرْتُمْ بِهِ عَلَى أَنْفُسكُمْ كَيْلَا تَقُولُوا يَوْم الْقِيَامَة إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ.
أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْل وَكُنَّا ذُرِّيَّة مِنْ بَعْدهمْ أَفَتُهْلِكنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : شَهِدْنَا عَلَيْكُمْ أَيّهَا الْمُقِرُّونَ بِأَنَّ اللَّه رَبّكُمْ , كَيْلَا تَقُولُوا يَوْم الْقِيَامَة : إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ , إِنَّا كُنَّا لَا نَعْلَم ذَلِكَ وَكُنَّا فِي غَفْلَة مِنْهُ , أَوْ تَقُولُوا : { إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْل وَكُنَّا ذُرِّيَّة مِنْ بَعْدهمْ } اِتَّبَعْنَا مِنْهَاجهمْ { أَفَتُهْلِكنَا } بِإِشْرَاكِ مَنْ أَشْرَكَ مِنْ أَبَائِنًا , وَاتِّبَاعنَا مِنْهَاجهمْ عَلَى جَهْل مِنَّا بِالْحَقِّ ؟ وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ { بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ } : بِمَا فَعَلَ الَّذِينَ أَبْطَلُوا فِي دَعْوَاهُمْ إِلَهًا غَيْر اللَّه . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَهُ بَعْض الْمَكِّيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ : " أَنْ يَقُولُوا " بِالْيَاءِ , بِمَعْنَى : شَهِدْنَا لِئَلَّا يَقُولُوا عَلَى وَجْه الْخَبَر عَنْ الْغَيْب . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْكُوفَة : { أَنْ تَقُولُوا } بِالتَّاءِ عَلَى وَجْه الْخِطَاب مِنْ الشُّهُود لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِمْ . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ صَحِيحَتَا الْمَعْنَى مُتَّفِقَتَا التَّأْوِيل وَإِنْ اِخْتَلَفَتْ أَلْفَاظهمَا , لِأَنَّ الْعَرَب تَفْعَل ذَلِكَ فِي الْحِكَايَة , كَمَا قَالَ اللَّه : { لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ } 3 187 و " لَيُبَيِّنُنَّهُ " , وَقَدْ بَيَّنَّا نَظَائِر ذَلِكَ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَكَذَلِكَ نُفَصِّل الْآيَات وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَكَمَا فَصَّلْنَا يَا مُحَمَّد لِقَوْمِك آيَات هَذِهِ السُّورَة , وَبَيَّنَّا فِيهَا مَا فَعَلْنَا بِالْأُمَمِ السَّالِفَة قَبْل قَوْمك , وَأَحْلَلْنَا بِهِمْ مِنْ الْمَثُلَات بِكُفْرِهِمْ وَإِشْرَاكهمْ فِي عِبَادَتِي غَيْرِي , كَذَلِكَ نُفَصِّل الْآيَات غَيْرهَا وَنُبَيِّنهَا لِقَوْمِك , لِيَنْزَجِرُوا وَيَرْتَدِعُوا , فَيُنِيبُوا إِلَى طَاعَتِي وَيَتُوبُوا مِنْ شِرْكهمْ وَكُفْرهمْ , فَيَرْجِعُوا إِلَى الْإِيمَان وَالْإِقْرَار بِتَوْحِيدِي وَإِفْرَاد الطَّاعَة لِي وَتَرْك عِبَادَة مَا سِوَايَ .
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاتْلُ يَا مُحَمَّد عَلَى قَوْمك نَبَأ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتنَا , يَعْنِي خَبَره وَقِصَّته . وَكَانَتْ آيَات اللَّه الَّتِي آتَاهُ اللَّه إِيَّاهَا فِيمَا يُقَال اِسْم اللَّه الْأَعْظَم , وَقِيلَ النُّبُوَّة . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِيهِ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ رَجُل مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 11941 - حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثنا بِشْر بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور , عَنْ أَبِي الضُّحَى , عَنْ مَسْرُوق , عَنْ عَبْد اللَّه فِي هَذِهِ الْآيَة : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا } قَالَ : هُوَ بَلْعَم . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ أَبِي الضُّحَى , عَنْ مَسْرُوق , عَنْ عَبْد اللَّه , مِثْله. * قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ أَبِي الضُّحَى , عَنْ مَسْرُوق , عَنْ عَبْد اللَّه , قَالَ : هُوَ بَلْعَم بْن أَبَر. * حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ أَبِي الضُّحَى , عَنْ مَسْرُوق , عَنْ اِبْن مَسْعُود , فِي قَوْله : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتنَا } قَالَ : رَجُل مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل يُقَال لَهُ : بَلْعَم بْن أَبَر . - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن جَعْفَر وَابْن مَهْدِيّ وَابْن أَبِي عَدِيّ , قَالُوا : ثنا شُعْبَة , عَنْ مَنْصُور , عَنْ أَبِي الضُّحَى , عَنْ مَسْرُوق , عَنْ عَبْد اللَّه , أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة , فَذَكَرَ مِثْله , وَلَمْ يَقُلْ اِبْن أَبَر . * حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَمْرو , عَنْ مَنْصُور , عَنْ أَبِي الضُّحَى , عَنْ مَسْرُوق , عَنْ اِبْن مَسْعُود : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا } قَالَ : رَجُل مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل يُقَال لَهُ : بَلْعَم بْن أَبَر . 11942 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عِمْرَانُ بْن عُيَيْنَة , عَنْ حُصَيْن , عَنْ عِمْرَان بْن الْحَارِث , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : هُوَ بَلْعَم بْن بَاعرَا . * حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ أَبِي الضُّحَى , عَنْ مَسْرُوق , عَنْ اِبْن مَسْعُود , فِي قَوْله : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتنَا } إِلَى : { فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ } هُوَ بَلْعَم بْن أَبَر . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيّ , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ مَنْصُور عَنْ أَبِي الضُّحَى , عَنْ مَسْرُوق , عَنْ اِبْن مَسْعُود , مِثْله , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ اِبْن أَبُر , بِضَمِّ الْبَاء . 11943 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا } قَالَ : هُوَ رَجُل مِنْ مَدِينَة الْجَبَّارِينَ يُقَال لَهُ بَلْعَم . 11944 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَانْسَلَخَ مِنْهَا } قَالَ : بَلْعَام بْن بَاعرَا , مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل . * حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا أَبُو سَعْد , قَالَ : سَمِعْت مُجَاهِدًا يَقُول , فَذَكَرَ مِثْله . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن كَثِير , أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُول , فَذَكَرَ مِثْله . 11945 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن وَابْن أَبِي عَدِيّ , عَنْ شُعْبَة , عَنْ حُصَيْن , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ فِي الَّذِي { آتَيْنَاهُ آيَاتنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا } قَالَ : هُوَ بَلْعَام . 11946 - وَحَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا غُنْدَر , عَنْ شُعْبَة , عَنْ حُصَيْن , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : هُوَ بَلْعَم . * قَالَ : ثَنَا عِمْرَانُ بْن عُيَيْنَة , عَنْ حُصَيْن , عَنْ عِكْرِمَة , قَالَ : هُوَ بَلْعَم. * حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة , قَالَ : ثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ حُصَيْن , قَالَ : سَمِعْت عِكْرِمَة يَقُول : هُوَ بَلْعَام . * حَدَّثَنَا قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ حُصَيْن , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : هُوَ بَلْعَم . * حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : هُوَ بَلْعَم . ( وَقَالَتْ ثَقِيف : هُوَ أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت ) . وَقَالَ آخَرُونَ : كَانَ بَلْعَم هَذَا مِنْ أَهْل الْيَمَن . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11947 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا } قَالَ : هُوَ رَجُل يُدْعَى بَلْعَم مِنْ أَهْل الْيَمَنِ . وَقَالَ آخَرُونَ : كَانَ مِنْ الْكَنْعَانِيِّينَ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11948 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا } قَالَ : هُوَ رَجُل مِنْ مَدِينَة الْجَبَّارِينَ يُقَال لَهُ بَلْعَم. وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11949 - حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن السَّائِب , عَنْ غُضَيْف بْن أَبِي سُفْيَان , عَنْ يَعْقُوب وَنَافِع بْن عَاصِم , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا } قَالَ : هُوَ أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت . * حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي عَدِيّ , قَالَ : أَنْبَأَنَا شُعْبَة , عَنْ يَعْلَى بْن عَطَاء , عَنْ نَافِع بْن عَاصِم , قَالَ : قَالَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو : هُوَ صَاحِبكُمْ أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت . * حَدَّثَنَا اِبْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن وَوَهَبَ بْن جَرِير , قَالَا : ثنا شُعْبَة , عَنْ يَعْلَى بْن عَطَاء , عَنْ نَافِع بْن عَاصِم , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بِمِثْلِهِ . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت , عَنْ رَجُل , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو : { وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْض وَاتَّبَعَ هَوَاهُ } قَالَ : هُوَ أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت . * حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا غُنْدَر , عَنْ شُعْبَة , عَنْ يَعْلَى بْن عَطَاء , قَالَ : سَمِعْت نَافِع بْن عَاصِم بْن عُرْوَة بْن مَسْعُود , قَالَ : سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة : { الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا } قَالَ : هُوَ صَاحِبكُمْ , يَعْنِي أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت . * قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان عَنْ حَبِيب , عَنْ رَجُل عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , قَالَ : هُوَ أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت . * قَالَ : ثنا يَزِيد , عَنْ شَرِيك , عَنْ عَبْد الْمَلِك , عَنْ فَضَالَة , أَوْ اِبْن فَضَالَة , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , قَالَ : هُوَ أُمَيَّة . 11950 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن عُمَيْر , قَالَ : تَذَاكَرُوا فِي جَامِع دِمَشْق هَذِهِ الْآيَة : { فَانْسَلَخَ مِنْهَا } فَقَالَ بَعْضهمْ : نَزَلَتْ فِي بَلْعَم بْن باعوراء , وَقَالَ بَعْضهمْ : نَزَلَتْ فِي الرَّاهِب . فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاصِ , فَقَالُوا : فِيمَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ ؟ قَالَ : نَزَلَتْ فِي أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت الثَّقَفِيّ . 11951 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الْكَلْبِيّ : { الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا } قَالَ : هُوَ أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت , وَقَالَ قَتَادَة : يُشَكّ فِيهِ , يَقُول بَعْضهمْ : بَلْعَم , وَيَقُول بَعْضهمْ : أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْآيَات الَّتِي كَانَ أُوتِيَهَا الَّتِي قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { آتَيْنَاهُ آيَاتنَا } فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَتْ اِسْم اللَّه الْأَعْظَم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11952 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : إِنَّ اللَّه لَمَّا اِنْقَضَتْ الْأَرْبَعُونَ سَنَة , يَعْنِي الَّتِي قَالَ اللَّه فِيهَا : { إِنَّهَا مُحَرَّمَة عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَة } 5 26 بَعَثَ يُوشَع بْن نُون نَبِيًّا , فَدَعَا بَنِي إِسْرَائِيل فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ نَبِيّ وَأَنَّ اللَّه قَدْ أَمَرَهُ أَنْ يُقَاتِل الْجَبَّارِينَ , فَبَايَعُوهُ وَصَدَّقُوهُ . وَانْطَلَقَ رَجُل مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل يُقَال لَهُ بَلْعَم , وَكَانَ عَالِمًا يَعْلَم الِاسْم الْأَعْظَم الْمَكْتُوم , فَكَفَرَ وَأَتَى الْجَبَّارِينَ , فَقَالَ : لَا تَرْهَبُوا بَنِي إِسْرَائِيل , فَإِنِّي إِذَا خَرَجْتُمْ تُقَاتِلُونَهُمْ أَدْعُو عَلَيْهِمْ دَعْوَة فَيَهْلِكُونَ ! وَكَانَ عِنْدهمْ فِيمَا شَاءَ مِنْ الدُّنْيَا , غَيْر أَنَّهُ كَانَ لَا يَسْتَطِيع أَنْ يَأْتِيَ النِّسَاء يُعَظِّمهُنَّ , فَكَانَ يَنْكِح أَتَانًا لَهُ , وَهُوَ الَّذِي يَقُول اللَّه : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا } : أَيْ تَنَصَّلَ فَانْسَلَخَ مِنْهَا , إِلَى قَوْله : { وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْض } 11953 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتنَا } قَالَ : هُوَ رَجُل يُقَال لَهُ : بَلْعَم , وَكَانَ يَعْلَم اِسْم اللَّه الْأَعْظَم . 11954 - حَدَّثَنِي يُونُس قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا } قَالَ : كَانَ لَا يَسْأَل اللَّه شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ الْآيَات الَّتِي كَانَ أُوتِيَهَا كِتَاب مِنْ كُتُب اللَّه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11955 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم قَالَ : ثنا الْحُسَيْن قَالَ : ثَنَا أَبُو تُمَيْلَة , عَنْ أَبِي حَمْزَة , عَنْ جَابِر , عَنْ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيل بَلْعَام بْن باعر أُوتِيَ كِتَابًا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ كَانَ أُوتِيَ النُّبُوَّة. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11956 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا أَبُو سَعْد , عَنْ غَيْره , قَالَ : الْحَارِث قَالَ : عَبْد الْعَزِيز - يَعْنِي عَنْ غَيْر نَفْسه - عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : هُوَ نَبِيّ فِي بَنِي إِسْرَائِيل , يَعْنِي بَلْعَم , أُوتِيَ النُّبُوَّة , فَرَشَاهُ قَوْمه عَلَى أَنْ يَسْكُت , فَفَعَلَ وَتَرَكَهُمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ . 11957 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان , عَنْ أَبِيهِ , أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْآيَة : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا } فَحَدَّثَ عَنْ سَيَّار أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا يُقَال لَهُ بَلْعَام , وَكَانَ قَدْ أُوتِيَ النُّبُوَّة , وَكَانَ مُجَاب الدَّعْوَة . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَمَرَ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتْلُو عَلَى قَوْمه خَبَر رَجُل كَانَ اللَّه آتَاهُ حُجَجه وَأَدِلَّته , وَهِيَ الْآيَات . وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْآيَات الْأَدِلَّة وَالْأَعْلَام فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته , وَجَائِز أَنْ يَكُون الَّذِي كَانَ اللَّه آتَاهُ ذَلِكَ بَلْعَم , وَجَائِز أَنْ يَكُون أُمَيَّة , وَكَذَلِكَ الْآيَات إِنْ كَانَتْ بِمَعْنَى الْحُجَّة الَّتِي هِيَ بَعْض كُتُب اللَّه الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَى بَعْض أَنْبِيَائِهِ , فَتَعَلَّمَهَا الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّه فِي هَذِهِ الْآيَة , وَعَنَاهُ بِهَا ; فَجَائِز أَنْ يَكُون الَّذِي كَانَ أُوتِيَهَا بَلْعَم , وَجَائِز أَنْ يَكُون أُمَيَّة , لِأَنَّ أُمَيَّة كَانَ فِيمَا يُقَال قَدْ قَرَأَ مِنْ كُتُب أَهْل الْكِتَاب , وَإِنْ كَانَتْ بِمَعْنَى كِتَاب أَنْزَلَهُ اللَّه عَلَى مَنْ أُمِرَ نَبِيّ اللَّه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنْ يَتْلُو عَلَى قَوْمه نَبَأَهُ أَوْ بِمَعْنَى اِسْم اللَّه الْأَعْظَم أَوْ بِمَعْنَى النُّبُوَّة , فَغَيْر جَائِز أَنْ يَكُون مَعْنِيًّا بِهِ أُمَيَّة ; لِأَنَّ أُمَيَّة لَا تَخْتَلِف الْأُمَّة فِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أُوتِيَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ . وَلَا خَبَر بِأَيِّ ذَلِكَ الْمُرَاد وَأَيّ الرَّجُلَيْنِ الْمَعْنِيّ يُوجِب الْحُجَّة وَلَا فِي الْعَقْل دَلَالَة عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنِيّ بِهِ مِنْ أَيّ . فَالصَّوَاب أَنْ يُقَال فِيهِ مَا قَالَ اللَّه , وَيُقَرّ بِظَاهِرِ التَّنْزِيل عَلَى مَا جَاءَ بِهِ الْوَحْي مِنْ اللَّه . وَأَمَّا قَوْله : { فَانْسَلَخَ مِنْهَا } فَإِنَّهُ يَعْنِي : خَرَجَ مِنْ الْآيَات الَّتِي كَانَ اللَّه آتَاهَا إِيَّاهُ , فَتَبَرَّأَ مِنْهَا . وَبِنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ. 11958 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : لَمَّا نَزَلَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام - يَعْنِي بِالْجَبَّارِينَ وَمَنْ مَعَهُ - آتَاهُ - يَعْنِي بَلْعَم بَنُو عَمّه وَقَوْمه - فَقَالُوا : إِنَّ مُوسَى رَجُل حَدِيد , وَمَعَهُ جُنُود كَثِيرَة , وَإِنَّهُ إِنْ يَظْهَر عَلَيْنَا يُهْلِكنَا . فَادْعُ اللَّه أَنْ يَرُدّ عَنَّا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ ! قَالَ : إِنِّي إِنْ دَعَوْت اللَّه أَنْ يَرُدّ مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ ذَهَبَتْ دُنْيَايَ وَآخِرَتِي . فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى دَعَا عَلَيْهِمْ , فَسَلَخَهُ اللَّه مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ , فَذَلِكَ قَوْله : { فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَان فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ } 11959 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَ اللَّه آتَاهُ آيَاته فَتَرَكَهَا . 11960 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَالَ اِبْن عَبَّاس : { فَانْسَلَخَ مِنْهَا } قَالَ : نَزَعَ مِنْهُ الْعِلْم .
وَقَوْله : { فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَان } يَقُول : فَصَيَّرَهُ لِنَفْسِهِ تَابِعًا يَنْتَهِي إِلَى أَمْره فِي مَعْصِيَة اللَّه , وَيُخَالِف أَمْر رَبّه فِي مَعْصِيَة الشَّيْطَان وَطَاعَة الرَّحْمَن.
وَقَوْله : { فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ } يَقُول : فَكَانَ مِنْ الْهَالِكِينَ لِضَلَالِهِ وَخِلَافه أَمْر رَبّه وَطَاعَة الشَّيْطَان .
وَقَوْله : { فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَان } يَقُول : فَصَيَّرَهُ لِنَفْسِهِ تَابِعًا يَنْتَهِي إِلَى أَمْره فِي مَعْصِيَة اللَّه , وَيُخَالِف أَمْر رَبّه فِي مَعْصِيَة الشَّيْطَان وَطَاعَة الرَّحْمَن.
وَقَوْله : { فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ } يَقُول : فَكَانَ مِنْ الْهَالِكِينَ لِضَلَالِهِ وَخِلَافه أَمْر رَبّه وَطَاعَة الشَّيْطَان .
وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْرهُ : وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَا هَذَا الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتنَا بِآيَاتِنَا الَّتِي آتَيْنَاهُ , { وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْآرِض } يَقُول : سَكَنَ إِلَى الْحَيَاة الدُّنْيَا فِي الْأَرْض وَمَال إِلَيْهَا , وَآثَرَ لَذَّتهَا وَشَهَوَاتهَا عَلَى الْآخِرَة , وَاتَّبَعَ هَوَاهُ , وَرَفَضَ طَاعَة اللَّه وَخَالَفَ أَمْره . وَكَانَتْ قِصَّة هَذَا الَّذِي وَصَفَ اللَّه خَبَره فِي هَذِهِ الْآيَة , عَلَى اِخْتِلَاف مِنْ أَهْل الْعِلْم فِي خَبَره وَأَمْره , مَا . 11961 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر , عَنْ أَبِيهِ , أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْآيَة : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا } فَحَدَّثَ عَنْ سَيَّار أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا يُقَال لَهُ بَلْعَام , وَكَانَ قَدْ أُوتِيَ النُّبُوَّة , وَكَانَ مُجَاب الدَّعْوَة . قَالَ : و إِنَّ مُوسَى أَقْبَلَ فِي بَنِي إِسْرَائِيل يُرِيد الْأَرْض الَّتِي فِيهَا بَلْعَام - أَوْ قَالَ الشَّام - قَالَ : فَرُعِبَ النَّاس مِنْهُ رُعْبًا شَدِيدًا , قَالَ : فَأَتَوْا بَلْعَامًا , فَقَالُوا اُدْعُ اللَّه عَلَى هَذَا الرَّجُل وَجَيْشه ! قَالَ : حَتَّى أُؤَامِر رَبِّي - أَوْ حَتَّى أُؤَامَر - قَالَ : فَآمَرَ فِي الدُّعَاء عَلَيْهِمْ , فَقِيلَ لَهُ : لَا تَدْعُ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادِي وَفِيهِمْ نَبِيّهمْ ! قَالَ : فَقَالَ لِقَوْمِهِ : إِنِّي آمَرْت رَبِّي فِي الدُّعَاء عَلَيْهِمْ , وَإِنِّي قَدْ نُهِيت . قَالَ : فَأَهْدَوْا إِلَيْهِ هَدِيَّة فَقَبِلَهَا . ثُمَّ رَاجَعُوهُ فَقَالُوا : اُدْعُ عَلَيْهِمْ ! فَقَالَ : حَتَّى أُؤَامِر رَبِّي . فَآمَرَ فَلَمْ يَأْمُرهُ بِشَيْءٍ . قَالَ : فَقَالَ : قَدْ وَامَرْت فَلَمْ يَأْمُرنِي بِشَيْءٍ , فَقَالُوا : لَوْ كَرِهَ رَبّك أَنْ تَدْعُو عَلَيْهِمْ لَنَهَاك كَمَا نَهَاك فِي الْمَرَّة الْأُولَى . قَالَ : فَأَخَذَ يَدْعُو عَلَيْهِمْ , فَإِذَا دَعَا عَلَيْهِمْ جَرَى عَلَى لِسَانه الدُّعَاء عَلَى قَوْمه ; وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُو أَنْ يُفْتَح لِقَوْمِهِ , دَعَا أَنْ يُفْتَح لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَجَيْشه أَوْ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّه . قَالَ : فَقَالُوا مَا نَرَاك تَدْعُو إِلَّا عَلَيْنَا . قَالَ : مَا يَجْرِي عَلَى لِسَانِي إِلَّا هَكَذَا , وَلَوْ دَعَوْت عَلَيْهِ مَا اُسْتُجِيبَ لِي , وَلَكِنْ سَأَدُلُّكُمْ عَلَى أَمْر عَسَى أَنْ يَكُون فِيهِ هَلَاكهمْ ; إِنَّ اللَّه يُبْغِض الزِّنَا , وَإِنَّهُمْ إِنْ وَقَعُوا بِالزِّنَا هَلَكُوا , وَرَجَوْت أَنْ يُهْلِكهُمْ اللَّه , فَأَخْرِجُوا النِّسَاء لِتَسْتَقْبِلهُمْ وَإِنَّهُمْ قَوْم مُسَافِرُونَ , فَعَسَى أَنْ يَزْنُوا فَيَهْلَكُوا. قَالَ : فَفَعَلُوا وَأَخْرَجُوا النِّسَاء تَسْتَقْبِلهُمْ . قَالَ : وَكَانَ لِلْمَلِكِ اِبْنَة , فَذَكَرَ مِنْ عِظَمهَا مَا اللَّه أَعْلَم بِهِ , قَالَ : فَقَالَ أَبُوهَا أَوْ بَلْعَام : لَا تُمَكِّنِي نَفْسك إِلَّا مِنْ مُوسَى ! قَالَ : وَوَقَعُوا فِي الزِّنَا . قَالَ : وَأَتَاهَا رَأْس سِبْط مِنْ أَسْبَاط بَنِي إِسْرَائِيل , فَأَرَادَهَا عَلَى نَفْسه , قَالَ : فَقَالَتْ : مَا أَنَا بِمُمَكِّنَةٍ نَفْسِي إِلَّا مِنْ مُوسَى , قَالَ : فَقَالَ : إِنَّ مِنْ مَنْزِلَتِي كَذَا وَكَذَا , وَإِنَّ مِنْ حَالَى كَذَا وَكَذَا. قَالَ : فَأَرْسَلَتْ إِلَى أَبِيهَا تَسْتَأْمِرهُ , قَالَ : فَقَالَ لَهَا : مَكِّنِيهِ ! قَالَ : وَيَأْتِيهِمَا رَجُل مِنْ بَنِي هَارُون وَمَعَهُ الرُّمْح فَيَطْعَنهُمَا , قَالَ : وَأَيَّدَهُ اللَّه بِقُوَّةٍ فَانْتَظَمَهُمَا جَمِيعًا , وَرَفَعَهُمَا عَلَى رُمْحه . قَالَ : فَرَآهُمَا النَّاس , أَوْ كَمَا حَدَّثَ . قَالَ : وَسَلَّطَ اللَّه عَلَيْهِمْ الطَّاعُون , قَالَ : فَمَاتَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا . قَالَ : فَقَالَ أَبُو الْمُعْتَمِر : فَحَدَّثَنِي سَيَّار أَنَّ بَلْعَامًا رَكِبَ حِمَارَة لَهُ , حَتَّى إِذَا أَتَى الْمُعْلَوْلِيّ - أَوْ قَالَ : طَرِيقًا مِنْ الْمُعْلَوْلِيّ - جَعَلَ يَضْرِبهَا وَلَا تَتَقَدَّم . قَالَ : وَقَامَتْ عَلَيْهِ , فَقَالَتْ : عَلَامَ تَضْرِبنِي ؟ أَمَا تَرَى هَذَا الَّذِي بَيْن يَدَيْك ؟ قَالَ : فَإِذَا الشَّيْطَان بَيْن يَدَيْهِ , قَالَ : فَنَزَلَ فَسَجَدَ لَهُ . قَالَ اللَّه : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ الَّذِي آيَاتنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَان فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ } إِلَى قَوْله : { لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } قَالَ : فَحَدَّثَنِي بِهَذَا سَيَّار , وَلَا أَدْرِي لَعَلَّهُ قَدْ دَخَلَ فِيهِ شَيْء مِنْ حَدِيث غَيْره . 11962 - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا الْمُعْتَمِر , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ : فَبَلَغَنِي حَدِيث رَجُل مِنْ أَهْل الْكِتَاب يُحَدِّث أَنَّ مُوسَى سَأَلَ اللَّه أَنْ يُطَبِّعهُ وَأَنْ يَجْعَلهُ مِنْ أَهْل النَّار . قَالَ : فَفَعَلَ اللَّه . قَالَ : أُنْبِئْتُ أَنَّ مُوسَى قَتَلَهُ بَعْد . 11963 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , عَنْ سَالِم أَبِي النَّضْر , أَنَّهُ حَدَّثَ : أَنَّ مُوسَى لَمَّا نَزَلَ فِي أَرْض بَنِي كَنْعَان مِنْ أَرْض الشَّام أَتَى قَوْم بَلْعَم إِلَى بَلْعَم , فَقَالُوا لَهُ : يَا بَلْعَم إِنَّ هَذَا مُوسَى بْن عِمْرَان فِي بَنِي إِسْرَائِيل , قَدْ جَاءَ يُخْرِجنَا مِنْ بِلَادنَا وَيَقْتُلنَا وَيُحِلّهَا بَنِي إِسْرَائِيل وَيَسْكُنهَا , وَإِنَّا قَوْمك , وَلَيْسَ لَنَا مَنْزِل , وَأَنْتَ رَجُل مُجَاب الدَّعْوَة , فَاخْرُجْ وَادْعُ اللَّه عَلَيْهِمْ ! فَقَالَ : وَيْلكُمْ نَبِيّ اللَّه مَعَهُ الْمَلَائِكَة وَالْمُؤْمِنُونَ , كَيْفَ أَذْهَب أَدْعُو عَلَيْهِمْ وَأَنَا أَعْلَم مِنْ اللَّه مَا أَعْلَم ؟ قَالُوا : مَا لَنَا مِنْ مَنْزِل . فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ يَرْفَعُونَهُ وَيَتَضَرَّعُونَ إِلَيْهِ حَتَّى فَتَنُوهُ فَافْتُتِنَ . فَرَكِبَ حِمَارَة لَهُ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْجَبَل الَّذِي يُطْلِعهُ عَلَى عَسْكَر بَنِي إِسْرَائِيل. وَهُوَ جَبَل حِسَان ; فَلَمَّا سَارَ عَلَيْهَا غَيْر كَثِير رَبَضَتْ بِهِ , فَنَزَلَ عَنْهَا , فَضَرَبَهَا , حَتَّى إِذَا أَذْلَقَهَا قَامَتْ فَرَكِبَهَا فَلَمْ تَسِرْ بِهِ كَثِيرًا حَتَّى رَبَضَتْ بِهِ . فَفَعَلَ بِهَا مِثْل ذَلِكَ , فَقَامَتْ فَرَكِبَهَا فَلَمْ تَسِرْ بِهِ كَثِيرًا حَتَّى رَبَضَتْ بِهِ . فَضَرَبَهَا حَتَّى إِذَا أَذْلَقَهَا أَذِنَ اللَّه لَهَا , فَكَلَّمَتْهُ حُجَّة عَلَيْهِ , قَالَتْ : وَيْحك يَا بَلْعَم أَيْنَ تَذْهَب ؟ أَمَّا تَرَى الْمَلَائِكَة تَرُدّنِي عَنْ وَجْهِي هَذَا ؟ أَتَذْهَبُ إِلَى نَبِيّ اللَّه وَالْمُؤْمِنِينَ تَدْعُو عَلَيْهِمْ ! فَلَمْ يَنْزِع عَنْهَا فَضَرَبَهَا فَخَلَّى اللَّه سَبِيلهَا حِين فَعَلَ بِهَا ذَلِكَ . قَالَ : فَانْطَلَقَتْ بِهِ حَتَّى إِذَا أَشْرَفَتْ عَلَى رَأْس جَبَل حَسَّان عَلَى عَسْكَر مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيل جَعَلَ يَدْعُو عَلَيْهِمْ وَلَا يَدْعُو عَلَيْهِمْ بِشَرٍّ إِلَّا صَرَفَ بِهِ لِسَانه إِلَى قَوْمه . وَلَا يَدْعُو لِقَوْمِهِ بِخَيْرٍ إِلَّا صَرَفَ لِسَانه إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل . قَالَ : فَقَالَ لَهُ قَوْمه : أَتَدْرِي يَا بَلْعَم مَا تَصْنَع ؟ إِنَّمَا تَدْعُو لَهُمْ وَتَدْعُو عَلَيْنَا ! قَالَ : فَهَذَا مَا لَا أَمْلِك , هَذَا شَيْء قَدْ غَلَبَ اللَّه عَلَيْهِ . قَالَ : وَانْدَلَعَ لِسَانه فَوَقَعَ عَلَى صَدْره , فَقَالَ لَهُمْ : قَدْ ذَهَبَتْ مِنِّي الْآن الدُّنْيَا وَالْآخِرَة , فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْمَكْر وَالْحِيلَة , فَسَأَمْكُرُ لَكُمْ وَأَحْتَال , حَمِّلُوا النِّسَاء وَأَعْطُوهُنَّ السِّلَع , ثُمَّ أَرْسِلُوهُنَّ إِلَى الْعَسْكَر يَبِعْنَهَا فِيهِ , وَمُرُوهُنَّ فَلَا تَمْنَع اِمْرَأَة نَفْسهَا مِنْ رَجُل أَرَادَهَا , فَإِنَّهُمْ إِنْ زَنَي مِنْهُمْ وَاحِد كَفَيْتُمُوهُمْ ! فَفَعَلُوا ; فَلَمَّا دَخَلَ النِّسَاء الْعَسْكَر مَرَّتْ اِمْرَأَة مِنْ الْكَنْعَانِيِّينَ اِسْمهَا كستى اِبْنَة صور رَأْس أُمَّته بِرَجُلٍ مِنْ عُظَمَاء بَنِي إِسْرَائِيل , وَهُوَ زمري بْن شلوم رَأْس سِبْط شَمْعُون بْن يَعْقُوب بْن إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم , فَقَامَ إِلَيْهَا فَأَخَذَ بِيَدِهَا حِين أَعْجَبَهُ جَمَالهَا , ثُمَّ أَقْبَلَ بِهَا حَتَّى وَقَفَ بِهَا عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ : إِنِّي أَظُنّك سَتَقُولُ هَذِهِ حَرَام عَلَيْك ؟ فَقَالَ : أَجَل هِيَ حَرَام عَلَيْك لَا تَقْرَبهَا ! قَالَ : فَوَاَللَّهِ لَا أُطِيعك فِي هَذَا , فَدَخَلَ بِهَا قُبَّته فَوَقَعَ عَلَيْهَا . وَأَرْسَلَ اللَّه الطَّاعُون فِي بَنِي إِسْرَائِيل , وَكَانَ فنحاص بْن العيزار بْن هَارُون صَاحِب أَمْر مُوسَى , وَكَانَ رَجُلًا قَدْ أُعْطِيَ بَسْطَة فِي الْخَلْق وَقُوَّة فِي الْبَطْش , وَكَانَ غَائِبًا حِين صَنَعَ زمري بْن شلوم مَا صَنَعَ. فَجَاءَ وَالطَّاعُون يَجُوسُ فِي بَنِي إِسْرَائِيل , فَأُخْبِرَ الْخَبَر , فَأَخَذَ حَرْبَته . وَكَانَتْ مِنْ حَدِيد كُلّهَا , ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِ الْقُبَّة وَهُمَا مُتَضَاجِعَانِ , فَانْتَظَمَهُمَا بِحَرْبَتِهِ , ثُمَّ خَرَجَ بِهِمَا رَافِعهمَا إِلَى السَّمَاء , وَالْحَرْبَة قَدْ أَخَذَهَا بِذِرَاعِهِ , وَاعْتَمَدَ بِمِرْفَقِهِ عَلَى خَاصِرَته , وَأَسْنَدَ الْحَرْبَة إِلَى لَحْيَيْهِ , وَكَانَ بَكْر الْعِيزَار , وَجَعَلَ يَقُول : اللَّهُمَّ هَكَذَا نَفْعَل بِمِنْ يَعْصِيك ! وَرُفِعَ الطَّاعُون , فَحُسِبَ مَنْ هَلَكَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل فِي الطَّاعُون , فِيمَا بَيْن أَنْ أَصَابَ زمري الْمَرْأَة إِلَى أَنْ قَتَلَهُ فنحاص , فَوُجِدُوا قَدْ هَلَكَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا , وَالْمُقَلِّل يَقُول : عِشْرُونَ أَلْفًا فِي سَاعَة مِنْ النَّهَار. فَمِنْ هُنَالِكَ يُعْطَى بَنُو إِسْرَائِيل وَلَد فنحاص بْن الْعِيزَار بْن هَارُون مِنْ كُلّ ذَبِيحَة ذَبَحُوهَا الْفِشَّة وَالذِّرَاع وَاللَّحْي , لِاعْتِمَادِهِ بِالْحَرْبَةِ عَلَى خَاصِرَته وَأَخْذه إِيَّاهَا بِذِرَاعِهِ وَإِسْنَاده إِيَّاهَا إِلَى لَحْيَيْهِ , وَالْبِكْر مِنْ كُلّ أَمْوَالهمْ وَأَنْفُسهمْ , لِأَنَّهُ كَانَ بَكْر الْعِيزَار. فَفِي بَلْعَم بْن باعورا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا } يَعْنِي بَلْعَم , { فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَان فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ } إِلَى قَوْله : { لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } 11964 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : اِنْطَلَقَ رَجُل مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل يُقَال لَهُ بَلْعَم , فَأَتَى الْجَبَّارِينَ فَقَالَ : لَا تَرْهَبُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل , فَإِنِّي إِذَا خَرَجْتُمْ تُقَاتِلُونَهُمْ أَدْعُو عَلَيْهِمْ ! فَخَرَجَ يُوشَع يُقَاتِل الْجَبَّارِينَ فِي النَّاس . وَخَرَجَ بَلْعَم مَعَ الْجَبَّارِينَ عَلَى أَتَانه وَهُوَ يُرِيد أَنْ يَلْعَن بَنِي إِسْرَائِيل , فَكُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل دَعَا عَلَى الْجَبَّارِينَ , فَقَالَ الْجَبَّارُونَ : إِنَّك إِنَّمَا تَدْعُو عَلَيْنَا ! فَيَقُول : إِنَّمَا أَرَدْت بَنِي إِسْرَائِيل . فَلَمَّا بَلَغَ بَاب الْمَدِينَة أَخَذَ مَلِك بِذَنَبِ الْأَتَان , فَأَمْسَكَهَا فَجَعَلَ يُحَرِّكهَا فَلَا تَتَحَرَّك , فَلَمَّا أَكْثَرَ ضَرْبهَا تَكَلَّمَتْ فَقَالَتْ : أَنْتَ تَنْكِحنِي بِاللَّيْلِ وَتَرْكَبنِي بِالنَّهَارِ ؟ وَيَلِي مِنْك ! وَلَوْ أَنِّي أَطَقْت الْخُرُوج لَخَرَجْت , وَلَكِنَّ هَذَا الْمَلِك يَحْبِسنِي . وَفِي بَلْعَم يَقُول اللَّه : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتنَا } الْآيَة . 11965 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثني رَجُل سَمِعَ عِكْرِمَة , يَقُول : قَالَتْ اِمْرَأَة مِنْهُمْ : أَرُونِي مُوسَى , فَأَنَا أَفْتِنهُ ! قَالَ : فَتَطَيَّبَتْ , فَمَرَّتْ عَلَى رَجُل يُشْبِه مُوسَى , فَوَاقَعَهَا , فَأَتَى اِبْن هَارُون فَأُخْبِرَ , فَأَخَذَ سَيْفًا , فَطَعَنَ بِهِ فِي إِحْلِيله حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنْ قُبُلهَا , ثُمَّ رَفَعَهُمَا حَتَّى رَآهُمَا النَّاس , فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مُوسَى , فَفُضِّلَ آل هَارُون فِي الْقُرْبَانِ عَلَى آل مُوسَى بِالْكَتِفِ وَالْعَضُد وَالْفَخِذ , قَالَ : فَهُوَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا , يَعْنِي بَلْعَم . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : لَرَفَعْنَاهُ بِعِلْمِهِ بِهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11966 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا } لَرَفَعَهُ اللَّه تَعَالَى بِعِلْمِهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَاهُ لَرَفَعْنَا عَنْهُ الْحَال الَّتِي صَارَ إِلَيْهَا مِنْ الْكُفْر بِاَللَّهِ بِآيَاتِنَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ. 11967 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا } : لَرَفَعْنَا عَنْهُ بِهَا . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا } : لَرَفَعْنَاهُ عَنْهُ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي تَأْوِيل ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه عَمَّ الْخَبَر بِقَوْلِهِ : { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا } أَنَّهُ لَوْ شَاءَ رَفَعَهُ بِآيَاتِهِ الَّتِي آتَاهُ إِيَّاهَا . وَالرَّفْع يَعُمّ مَعَانِيَ كَثِيرَة , مِنْهَا الرَّفْع فِي الْمَنْزِلَة عِنْده , وَمِنْهَا الرَّفْع فِي شَرَف الدُّنْيَا وَمَكَارِمهَا . وَمِنْهَا الرَّفْع فِي الذِّكْر الْجَمِيل وَالثَّنَاء الرَّفِيع . وَجَائِز أَنْ يَكُون اللَّه عَنَى كُلّ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَرَفَعَهُ , فَأَعْطَاهُ كُلّ ذَلِكَ بِتَوْفِيقِهِ لِلْعَمَلِ بِآيَاتِهِ الَّتِي كَانَ آتَاهَا إِيَّاهُ . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا , فَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِيهِ أَنْ لَا يُخَصّ مِنْهُ شَيْء , إِذْ كَانَ لَا دَلَالَة عَلَى خُصُوصه مِنْ خَبَر وَلَا عَقْل . وَأَمَّا قَوْله : { بِهَا } فَإِنَّ اِبْن زَيْد قَالَ فِي ذَلِكَ كَاَلَّذِي قُلْنَا . 11968 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا } بِتِلْكَ الْآيَات .
وَأَمَّا قَوْله : { وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْض } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل قَالُوا فِيهِ نَحْو قَوْلنَا فِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11969 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي الْهَيْثَم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْض } يَعْنِي : رَكَنَ إِلَى الْأَرْض . * قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن آدَم , عَنْ شَرِيك , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْض } قَالَ : نَزَعَ إِلَى الْأَرْض . 11970 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : أَخْلَدَ : سَكَنَ . 11971 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو تُمَيْلَة , عَنْ أَبِي حَمْزَة , عَنْ جَابِر , عَنْ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيل بَلْعَام بْن باعر أُوتِيَ كِتَابًا , فَأَخْلَدَ إِلَى شَهَوَات الْأَرْض وَلَذَّتهَا وَأَمْوَالهَا , لَمْ يَنْتَفِع بِمَا جَاءَ بِهِ الْكِتَاب . 11972 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْض وَاتَّبَعَ هَوَاهُ } أَمَّا أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْض : فَاتَّبَعَ الدُّنْيَا , وَرَكَنَ إِلَيْهَا . وَأَصْل الْإِخْلَاد فِي كَلَام الْعَرَب : الْإِبْطَاء وَالْإِقَامَة , يُقَال مِنْهُ : أَخْلَدَ فُلَان بِالْمَكَانِ إِذَا أَقَامَ بِهِ وَأَخْلَدَ نَفْسه إِلَى الْمَكَان إِذَا أَتَاهُ مِنْ مَكَان آخَر , وَمِنْهُ قَوْل زُهَيْر : لِمَنْ الدِّيَار غَشِيتهَا بِالْغَرْقَدِ كَالْوَحْيِ فِي حَجَر الْمَسِيل الْمُخْلِد يَعْنِي الْمُقِيم , وَمِنْهُ قَوْل مَالِك بْن نُوَيْرَة : بِأَبْنَاءِ حَيّ مِنْ قَبَائِل مَالِك وَعَمْرو بْن يَرْبُوع أَقَامُوا فَأَخْلَدُوا وَكَانَ بَعْض الْبَصْرِيِّينَ يَقُول : مَعْنَى قَوْله : أَخْلَدَ : لَزِمَ وَتَقَاعَسَ وَأَبْطَأَ , وَالْمُخْلَد أَيْضًا : هُوَ الَّذِي يُبْطِئ شَيْبه مِنْ الرِّجَال , وَهُوَ مِنْ الدَّوَابّ الَّذِي تَبْقَى ثنايَاهُ حَتَّى تَخْرُج رُبَاعِيَتَاهُ .
وَأَمَّا قَوْله { وَاتَّبَعَ هَوَاهُ } فَإِنَّ اِبْن زَيْد قَالَ فِي تَأْوِيله مَا : 11973 - حَدَّثَنِي بِهِ يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَاتَّبَعَ هَوَاهُ } قَالَ : كَانَ هَوَاهُ مَعَ الْقَوْم .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَثَله كَمَثَلِ الْكَلْب إِنْ تَحْمِل عَلَيْهِ يَلْهَث أَوْ تَتْرُكهُ يَلْهَث } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَمَثَل هَذَا الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا , مَثَل الْكَلْب الَّذِي يَلْهَث , طَرَدْته أَوْ تَرَكْته . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله جَعَلَ اللَّه مَثَله كَمَثَلِ الْكَلْب ; فَقَالَ بَعْضهمْ : مَثَّلَهُ بِهِ فِي اللَّهْث لِتَرْكِهِ الْعَمَل بِكِتَابِ اللَّه وَآيَاته الَّتِي آتَاهَا إِيَّاهُ وَإِعْرَاضه عَنْ مَوَاعِظ اللَّه الَّتِي فِيهَا إِعْرَاض مَنْ لَمْ يُؤْتِهِ اللَّه شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ , فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِيهِ : إِذَا كَانَ سَوَاء أَمْره وُعِظَ بِآيَاتِ اللَّه الَّتِي آتَاهَا إِيَّاهُ , أَوْ لَمْ يُوعَظ فِي أَنَّهُ لَا يَتَّعِظ بِهَا , وَلَا يَتْرُك الْكُفْر بِهِ , فَمَثَله مَثَل الْكَلْب الَّذِي سَوَاء أَمْره فِي لَهْثه , طُرِدَ أَوْ لَمْ يُطْرَد , إِذْ كَانَ لَا يَتْرُك اللَّهْث بِحَالٍ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11974 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { كَمَثَلِ الْكَلْب إِنْ تَحْمِل عَلَيْهِ يَلْهَث } قَالَ : تَطْرُدهُ , هُوَ مَثَل الَّذِي يَقْرَأ الْكِتَاب وَلَا يَعْمَل بِهِ . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَالَ مُجَاهِد : { فَمَثَله كَمَثَلِ الْكَلْب إِنْ تَحْمِل عَلَيْهِ يَلْهَث } قَالَ : تَطْرُدهُ بِدَابَّتِك وَرِجْلك يَلْهَث , قَالَ : مَثَل الَّذِي يَقْرَأ الْكِتَاب وَلَا يَعْمَل بِمَا فِيهِ . قَالَ اِبْن جُرَيْج : الْكَلْب مُنْقَطِع الْفُؤَاد , لَا فُؤَاد لَهُ , إِنْ حَمَلْت عَلَيْهِ يَلْهَث , أَوْ تَتْرُكهُ يَلْهَث. قَالَ : مَثَل الَّذِي يَتْرُك الْهُدَى لَا فُؤَاد لَهُ , إِنَّمَا فُؤَاده مُنْقَطِع . 11975 - حَدَّثَنِي اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا اِبْن تَوْبَة , عَنْ مَعْمَر , عَنْ بَعْضهمْ : { فَمَثَله كَمَثَلِ الْكَلْب إِنْ تَحْمِل عَلَيْهِ يَلْهَث أَوْ تَتْرُكهُ يَلْهَث } فَذَلِكَ هُوَ الْكَافِر , هُوَ ضَالّ إِنْ وَعَظْته وَإِنْ لَمْ تَعِظهُ . 11976 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { فَمَثَله كَمَثَلِ الْكَلْب إِنْ تَحْمِل عَلَيْهِ } الْحِكْمَة لَمْ يَحْمِلهَا , وَإِنْ تُرِكَ لَمْ يَهْتَدِ لِخَيْرٍ , كَالْكَلْبِ إِنْ كَانَ رَابِضًا لَهَثَ وَإِنْ طُرِدَ لَهَثَ . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : آتَاهُ اللَّه آيَاته فَتَرَكَهَا , فَجَعَلَ اللَّه مَثَله كَمَثَلِ الْكَلْب , إِنْ تَحْمِل عَلَيْهِ يَلْهَث , أَوْ تَتْرُكهُ يَلْهَث . 11977 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَان } الْآيَة , هَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِمَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ الْهُدَى , فَأَبَى أَنْ يَقْبَلهُ وَتَرَكَهُ . قَالَ : وَكَانَ الْحَسَن يَقُول . هُوَ الْمُنَافِق . { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْض وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَله كَمَثَلِ الْكَلْب إِنْ تَحْمِل عَلَيْهِ يَلْهَث أَوْ تَتْرُكهُ يَلْهَث } قَالَ : هَذَا مَثَل الْكَافِر مَيِّت الْفُؤَاد . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا مَثَّلَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالْكَلْبِ لِأَنَّهُ كَانَ يَلْهَث كَمَا يَلْهَث الْكَلْب. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11978 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَمَثَله كَمَثَلِ الْكَلْب إِنْ تَحْمِل عَلَيْهِ يَلْهَث أَوْ تَتْرُكهُ يَلْهَث } وَكَانَ بَلْعَم يَلْهَث كَمَا يَلْهَث الْكَلْب . وَإمَّا تَحْمِل عَلَيْهِ : فَتَشُدّ عَلَيْهِ . قَالَ : أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ تَأْوِيل مَنْ قَالَ : إِنَّمَا هُوَ مَثَل لِتَرْكِهِ الْعَمَل بِآيَاتِ اللَّه الَّتِي آتَاهَا إِيَّاهُ , وَأَنَّ مَعْنَاهُ : سَوَاء وُعِظَ أَوْ لَمْ يُوعَظ فِي أَنَّهُ لَا يَتْرُك مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ خِلَافه أَمْر رَبّه , كَمَا سَوَاء حُمِلَ عَلَى الْكَلْب وَطُرِدَ أَوْ تُرِكَ فَلَمْ يُطْرَد فِي أَنَّهُ لَا يَدَع اللَّهْث فِي كِلْتَا حَالَتَيْهِ . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ لِدَلَالَةِ قَوْله تَعَالَى ذَلِكَ : { مَثَل الْقَوْم الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا } فَجَعَلَ ذَلِكَ مَثَل الْمُكَذِّبِينَ بِآيَاتِهِ . وَقَدْ عَلِمنَا أَنَّ اللَّهَاث لَيْسَ فِي خِلْقَة كُلّ مُكَذِّب كُتِبَ عَلَيْهِ تَرْك الْإِنَابَة مِنْ تَكْذِيب بِآيَاتِ اللَّه , وَأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لَهُمْ , فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّهُ لِلَّذِي وَصَفَ اللَّه صِفَته فِي هَذِهِ الْآيَة , كَمَا هُوَ لِسَائِرِ الْمُكَذِّبِينَ بِآيَاتِ اللَّه مَثَل .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ مَثَل الْقَوْم الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَذَا الْمَثَل الَّذِي ضَرَبْته لِهَذَا الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا , مَثَل الْقَوْم الَّذِينَ كَذَّبُوا بِحُجَجِنَا وَأَعْلَامنَا وَأَدِلَّتنَا , فَسَلَكُوا فِي ذَلِكَ سَبِيل هَذَا الْمُنْسَلِخ مِنْ آيَاتنَا الَّذِي آتَيْنَاهَا إِيَّاهُ فِي تَرْكه الْعَمَل بِمَا آتَيْنَاهُ مِنْ ذَلِكَ.
وَأَمَّا قَوْله : { فَاقْصُصْ الْقَصَص } فَإِنَّهُ يَقُول لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَاقْصُصْ يَا مُحَمَّد هَذَا الْقَصَص , الَّذِي قَصَصْته عَلَيْك مِنْ نَبَإِ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتنَا , وَأَخْبَار الْأُمَم الَّتِي أَخْبَرْتُك أَخْبَارهمْ فِي هَذِهِ السُّورَة وَقَصَصْت عَلَيْك نَبَأَهُمْ وَنَبَأ أَشْبَاههمْ , وَمَا حَلَّ بِهِمْ مِنْ عُقُوبَتنَا وَنَزَلَ بِهِمْ , حِين كَذَّبُوا رُسُلنَا مِنْ نِقْمَتنَا عَلَى قَوْمك مِنْ قُرَيْش وَمَنْ قَبْلك مِنْ يَهُود بَنِي إِسْرَائِيل , لِيَتَفَكَّرُوا فِي ذَلِكَ فَيَعْتَبِرُوا وَيُنِيبُوا إِلَى طَاعَتنَا , لِئَلَّا يَحِلّ بِهِمْ مِثْل الَّذِي حَلَّ بِمَنْ قَبْلهمْ مِنْ النِّقَم وَالْمَثُلَات , وَيَتَدَبَّرهُ الْيَهُود مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل فَيَعْلَمُوا حَقِيقَة أَمْرك وَصِحَّة نُبُوَّتك , إِذْ كَانَ نَبَأ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتنَا مِنْ خَفِيّ عُلُومهمْ وَمَكْنُون أَخْبَارهمْ لَا يَعْلَمهُ إِلَّا أَحْبَارهمْ وَمَنْ قَرَأَ الْكُتُب وَدَرَسَهَا مِنْهُمْ , وَفِي عِلْمك بِذَلِكَ وَأَنْتَ أُمِّيّ لَا تَكْتُب وَلَا تَقْرَأ وَلَا تَدْرُس الْكُتُب وَلَمْ تُجَالِس أَهْل الْعِلْم الْحُجَّة الْبَيِّنَة لَك عَلَيْهِمْ بِأَنَّك لِلَّهِ رَسُول , وَأَنَّك لَمْ تَعْلَم مَا عَلِمْت مِنْ ذَلِكَ , وَحَالك الْحَال الَّتِي أَنْتَ بِهَا إِلَّا بِوَحْي مِنْ السَّمَاء . وَبِنَحْوِ ذَلِكَ كَانَ أَبُو النَّضْر يَقُول . 11979 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد , عَنْ سَالِم أَبِي النَّضْر : { فَاقْصُصْ الْقَصَص لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } يَعْنِي : بَنِي إِسْرَائِيل , إِذْ قَدْ جِئْتهمْ بِخَبَرِ مَا كَانَ فِيهِمْ مِمَّا يُخْفُونَ عَلَيْك , لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ , فَيَعْرِفُونَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهَذَا الْخَبَر عَمَّا مَضَى فِيهِمْ إِلَّا نَبِيّ يَأْتِيه خَبَر السَّمَاء .
وَأَمَّا قَوْله : { وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْض } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل قَالُوا فِيهِ نَحْو قَوْلنَا فِيهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11969 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي الْهَيْثَم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْض } يَعْنِي : رَكَنَ إِلَى الْأَرْض . * قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن آدَم , عَنْ شَرِيك , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْض } قَالَ : نَزَعَ إِلَى الْأَرْض . 11970 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : أَخْلَدَ : سَكَنَ . 11971 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو تُمَيْلَة , عَنْ أَبِي حَمْزَة , عَنْ جَابِر , عَنْ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيل بَلْعَام بْن باعر أُوتِيَ كِتَابًا , فَأَخْلَدَ إِلَى شَهَوَات الْأَرْض وَلَذَّتهَا وَأَمْوَالهَا , لَمْ يَنْتَفِع بِمَا جَاءَ بِهِ الْكِتَاب . 11972 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْض وَاتَّبَعَ هَوَاهُ } أَمَّا أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْض : فَاتَّبَعَ الدُّنْيَا , وَرَكَنَ إِلَيْهَا . وَأَصْل الْإِخْلَاد فِي كَلَام الْعَرَب : الْإِبْطَاء وَالْإِقَامَة , يُقَال مِنْهُ : أَخْلَدَ فُلَان بِالْمَكَانِ إِذَا أَقَامَ بِهِ وَأَخْلَدَ نَفْسه إِلَى الْمَكَان إِذَا أَتَاهُ مِنْ مَكَان آخَر , وَمِنْهُ قَوْل زُهَيْر : لِمَنْ الدِّيَار غَشِيتهَا بِالْغَرْقَدِ كَالْوَحْيِ فِي حَجَر الْمَسِيل الْمُخْلِد يَعْنِي الْمُقِيم , وَمِنْهُ قَوْل مَالِك بْن نُوَيْرَة : بِأَبْنَاءِ حَيّ مِنْ قَبَائِل مَالِك وَعَمْرو بْن يَرْبُوع أَقَامُوا فَأَخْلَدُوا وَكَانَ بَعْض الْبَصْرِيِّينَ يَقُول : مَعْنَى قَوْله : أَخْلَدَ : لَزِمَ وَتَقَاعَسَ وَأَبْطَأَ , وَالْمُخْلَد أَيْضًا : هُوَ الَّذِي يُبْطِئ شَيْبه مِنْ الرِّجَال , وَهُوَ مِنْ الدَّوَابّ الَّذِي تَبْقَى ثنايَاهُ حَتَّى تَخْرُج رُبَاعِيَتَاهُ .
وَأَمَّا قَوْله { وَاتَّبَعَ هَوَاهُ } فَإِنَّ اِبْن زَيْد قَالَ فِي تَأْوِيله مَا : 11973 - حَدَّثَنِي بِهِ يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَاتَّبَعَ هَوَاهُ } قَالَ : كَانَ هَوَاهُ مَعَ الْقَوْم .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَمَثَله كَمَثَلِ الْكَلْب إِنْ تَحْمِل عَلَيْهِ يَلْهَث أَوْ تَتْرُكهُ يَلْهَث } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فَمَثَل هَذَا الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا , مَثَل الْكَلْب الَّذِي يَلْهَث , طَرَدْته أَوْ تَرَكْته . ثُمَّ اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله جَعَلَ اللَّه مَثَله كَمَثَلِ الْكَلْب ; فَقَالَ بَعْضهمْ : مَثَّلَهُ بِهِ فِي اللَّهْث لِتَرْكِهِ الْعَمَل بِكِتَابِ اللَّه وَآيَاته الَّتِي آتَاهَا إِيَّاهُ وَإِعْرَاضه عَنْ مَوَاعِظ اللَّه الَّتِي فِيهَا إِعْرَاض مَنْ لَمْ يُؤْتِهِ اللَّه شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ , فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِيهِ : إِذَا كَانَ سَوَاء أَمْره وُعِظَ بِآيَاتِ اللَّه الَّتِي آتَاهَا إِيَّاهُ , أَوْ لَمْ يُوعَظ فِي أَنَّهُ لَا يَتَّعِظ بِهَا , وَلَا يَتْرُك الْكُفْر بِهِ , فَمَثَله مَثَل الْكَلْب الَّذِي سَوَاء أَمْره فِي لَهْثه , طُرِدَ أَوْ لَمْ يُطْرَد , إِذْ كَانَ لَا يَتْرُك اللَّهْث بِحَالٍ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11974 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { كَمَثَلِ الْكَلْب إِنْ تَحْمِل عَلَيْهِ يَلْهَث } قَالَ : تَطْرُدهُ , هُوَ مَثَل الَّذِي يَقْرَأ الْكِتَاب وَلَا يَعْمَل بِهِ . * حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَالَ مُجَاهِد : { فَمَثَله كَمَثَلِ الْكَلْب إِنْ تَحْمِل عَلَيْهِ يَلْهَث } قَالَ : تَطْرُدهُ بِدَابَّتِك وَرِجْلك يَلْهَث , قَالَ : مَثَل الَّذِي يَقْرَأ الْكِتَاب وَلَا يَعْمَل بِمَا فِيهِ . قَالَ اِبْن جُرَيْج : الْكَلْب مُنْقَطِع الْفُؤَاد , لَا فُؤَاد لَهُ , إِنْ حَمَلْت عَلَيْهِ يَلْهَث , أَوْ تَتْرُكهُ يَلْهَث. قَالَ : مَثَل الَّذِي يَتْرُك الْهُدَى لَا فُؤَاد لَهُ , إِنَّمَا فُؤَاده مُنْقَطِع . 11975 - حَدَّثَنِي اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا اِبْن تَوْبَة , عَنْ مَعْمَر , عَنْ بَعْضهمْ : { فَمَثَله كَمَثَلِ الْكَلْب إِنْ تَحْمِل عَلَيْهِ يَلْهَث أَوْ تَتْرُكهُ يَلْهَث } فَذَلِكَ هُوَ الْكَافِر , هُوَ ضَالّ إِنْ وَعَظْته وَإِنْ لَمْ تَعِظهُ . 11976 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { فَمَثَله كَمَثَلِ الْكَلْب إِنْ تَحْمِل عَلَيْهِ } الْحِكْمَة لَمْ يَحْمِلهَا , وَإِنْ تُرِكَ لَمْ يَهْتَدِ لِخَيْرٍ , كَالْكَلْبِ إِنْ كَانَ رَابِضًا لَهَثَ وَإِنْ طُرِدَ لَهَثَ . * حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : آتَاهُ اللَّه آيَاته فَتَرَكَهَا , فَجَعَلَ اللَّه مَثَله كَمَثَلِ الْكَلْب , إِنْ تَحْمِل عَلَيْهِ يَلْهَث , أَوْ تَتْرُكهُ يَلْهَث . 11977 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَان } الْآيَة , هَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِمَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ الْهُدَى , فَأَبَى أَنْ يَقْبَلهُ وَتَرَكَهُ . قَالَ : وَكَانَ الْحَسَن يَقُول . هُوَ الْمُنَافِق . { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْض وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَله كَمَثَلِ الْكَلْب إِنْ تَحْمِل عَلَيْهِ يَلْهَث أَوْ تَتْرُكهُ يَلْهَث } قَالَ : هَذَا مَثَل الْكَافِر مَيِّت الْفُؤَاد . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا مَثَّلَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالْكَلْبِ لِأَنَّهُ كَانَ يَلْهَث كَمَا يَلْهَث الْكَلْب. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11978 - حَدَّثَنَا مُوسَى , قَالَ : ثنا عَمْرو , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَمَثَله كَمَثَلِ الْكَلْب إِنْ تَحْمِل عَلَيْهِ يَلْهَث أَوْ تَتْرُكهُ يَلْهَث } وَكَانَ بَلْعَم يَلْهَث كَمَا يَلْهَث الْكَلْب . وَإمَّا تَحْمِل عَلَيْهِ : فَتَشُدّ عَلَيْهِ . قَالَ : أَبُو جَعْفَر : وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ تَأْوِيل مَنْ قَالَ : إِنَّمَا هُوَ مَثَل لِتَرْكِهِ الْعَمَل بِآيَاتِ اللَّه الَّتِي آتَاهَا إِيَّاهُ , وَأَنَّ مَعْنَاهُ : سَوَاء وُعِظَ أَوْ لَمْ يُوعَظ فِي أَنَّهُ لَا يَتْرُك مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ خِلَافه أَمْر رَبّه , كَمَا سَوَاء حُمِلَ عَلَى الْكَلْب وَطُرِدَ أَوْ تُرِكَ فَلَمْ يُطْرَد فِي أَنَّهُ لَا يَدَع اللَّهْث فِي كِلْتَا حَالَتَيْهِ . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ لِدَلَالَةِ قَوْله تَعَالَى ذَلِكَ : { مَثَل الْقَوْم الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا } فَجَعَلَ ذَلِكَ مَثَل الْمُكَذِّبِينَ بِآيَاتِهِ . وَقَدْ عَلِمنَا أَنَّ اللَّهَاث لَيْسَ فِي خِلْقَة كُلّ مُكَذِّب كُتِبَ عَلَيْهِ تَرْك الْإِنَابَة مِنْ تَكْذِيب بِآيَاتِ اللَّه , وَأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لَهُمْ , فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّهُ لِلَّذِي وَصَفَ اللَّه صِفَته فِي هَذِهِ الْآيَة , كَمَا هُوَ لِسَائِرِ الْمُكَذِّبِينَ بِآيَاتِ اللَّه مَثَل .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ مَثَل الْقَوْم الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَذَا الْمَثَل الَّذِي ضَرَبْته لِهَذَا الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا , مَثَل الْقَوْم الَّذِينَ كَذَّبُوا بِحُجَجِنَا وَأَعْلَامنَا وَأَدِلَّتنَا , فَسَلَكُوا فِي ذَلِكَ سَبِيل هَذَا الْمُنْسَلِخ مِنْ آيَاتنَا الَّذِي آتَيْنَاهَا إِيَّاهُ فِي تَرْكه الْعَمَل بِمَا آتَيْنَاهُ مِنْ ذَلِكَ.
وَأَمَّا قَوْله : { فَاقْصُصْ الْقَصَص } فَإِنَّهُ يَقُول لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَاقْصُصْ يَا مُحَمَّد هَذَا الْقَصَص , الَّذِي قَصَصْته عَلَيْك مِنْ نَبَإِ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتنَا , وَأَخْبَار الْأُمَم الَّتِي أَخْبَرْتُك أَخْبَارهمْ فِي هَذِهِ السُّورَة وَقَصَصْت عَلَيْك نَبَأَهُمْ وَنَبَأ أَشْبَاههمْ , وَمَا حَلَّ بِهِمْ مِنْ عُقُوبَتنَا وَنَزَلَ بِهِمْ , حِين كَذَّبُوا رُسُلنَا مِنْ نِقْمَتنَا عَلَى قَوْمك مِنْ قُرَيْش وَمَنْ قَبْلك مِنْ يَهُود بَنِي إِسْرَائِيل , لِيَتَفَكَّرُوا فِي ذَلِكَ فَيَعْتَبِرُوا وَيُنِيبُوا إِلَى طَاعَتنَا , لِئَلَّا يَحِلّ بِهِمْ مِثْل الَّذِي حَلَّ بِمَنْ قَبْلهمْ مِنْ النِّقَم وَالْمَثُلَات , وَيَتَدَبَّرهُ الْيَهُود مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل فَيَعْلَمُوا حَقِيقَة أَمْرك وَصِحَّة نُبُوَّتك , إِذْ كَانَ نَبَأ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتنَا مِنْ خَفِيّ عُلُومهمْ وَمَكْنُون أَخْبَارهمْ لَا يَعْلَمهُ إِلَّا أَحْبَارهمْ وَمَنْ قَرَأَ الْكُتُب وَدَرَسَهَا مِنْهُمْ , وَفِي عِلْمك بِذَلِكَ وَأَنْتَ أُمِّيّ لَا تَكْتُب وَلَا تَقْرَأ وَلَا تَدْرُس الْكُتُب وَلَمْ تُجَالِس أَهْل الْعِلْم الْحُجَّة الْبَيِّنَة لَك عَلَيْهِمْ بِأَنَّك لِلَّهِ رَسُول , وَأَنَّك لَمْ تَعْلَم مَا عَلِمْت مِنْ ذَلِكَ , وَحَالك الْحَال الَّتِي أَنْتَ بِهَا إِلَّا بِوَحْي مِنْ السَّمَاء . وَبِنَحْوِ ذَلِكَ كَانَ أَبُو النَّضْر يَقُول . 11979 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ مُحَمَّد , عَنْ سَالِم أَبِي النَّضْر : { فَاقْصُصْ الْقَصَص لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } يَعْنِي : بَنِي إِسْرَائِيل , إِذْ قَدْ جِئْتهمْ بِخَبَرِ مَا كَانَ فِيهِمْ مِمَّا يُخْفُونَ عَلَيْك , لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ , فَيَعْرِفُونَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهَذَا الْخَبَر عَمَّا مَضَى فِيهِمْ إِلَّا نَبِيّ يَأْتِيه خَبَر السَّمَاء .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { سَاءَ مَثَلًا الْقَوْم الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسهمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : سَاءَ مَثَلًا الْقَوْم الَّذِينَ كَذَّبُوا بِحُجَجِ اللَّه وَأَدِلَّته فَجَحَدُوهَا , وَأَنْفُسهمْ كَانُوا يُنْقِصُونَ حُظُوظهَا , وَيَبْخَسُونَهَا مَنَافِعهَا بِتَكْذِيبِهِمْ بِهَا لَا غَيْرهَا . وَقِيلَ : سَاءَ مَثَلًا مِنْ الشَّرّ , بِمَعْنَى : بِئْسَ مَثَلًا. وَأُقِيمَ الْقَوْم مُقَام الْمَثَل , وَحُذِفَ الْمَثَل , إِذْ كَانَ الْكَلَام مَفْهُومًا مَعْنَاهُ , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَلَكِنَّ الْبِرّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ } 2 177 فَإِنَّ مَعْنَاهُ : وَلَكِنَّ الْبِرّ بِرّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ. وَقَدْ بَيَّنَّا نَظَائِر ذَلِكَ فِي مَوَاضِع غَيْر هَذَا بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته.
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { مَنْ يَهْدِ اللَّه فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : الْهِدَايَة وَالْإِضْلَال بِيَدِ اللَّه وَالْمُهْتَدِي وَهُوَ السَّالِك سَبِيل الْحَقّ الرَّاكِب قَصْد الْمَحَجَّة فِي دِينه مَنْ هَدَاهُ اللَّه لِذَلِكَ , فَوَفَّقَهُ لِإِصَابَتِهِ . وَالضَّالّ مَنْ خَذَلَهُ اللَّه فَلَمْ يُوَفِّقهُ لِطَاعَتِهِ , وَمَنْ فَعَلَ اللَّه ذَلِكَ بِهِ فَهُوَ الْخَاسِر : يَعْنِي الْهَالِك. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْخَسَارَة وَالْهِدَايَة وَالضَّلَالَة فِي غَيْر مَوْضِع مِنْ كِتَابنَا هَذَا بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع .
وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّم كَثِيرًا مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْس } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَقَدْ خَلَقْنَا لِجَهَنَّم كَثِيرًا مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْس , يُقَال مِنْهُ : ذَرَأَ اللَّه خَلْقه يَذْرَؤُهُمْ ذَرْءًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11980 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن الْحُسَيْن الْأَزْدِيّ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن يَمَان , عَنْ مُبَارَك بْن فَضَالَة , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّم كَثِيرًا مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْس } قَالَ : مِمَّا خَلَقْنَا. * حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي زَائِدَة , عَنْ مُبَارَك , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّم } قَالَ : خَلَقْنَا . 11981 - قَالَ : ثنا زَكَرِيَّا , عَنْ عَتَّاب بْن بَشِير , عَنْ عَلِيّ بْن بَذِيمَة , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , قَالَ : أَوْلَاد الزِّنَا مِمَّا ذَرَأَ اللَّه لِجَهَنَّم . 11982 - قَالَ : ثنا زَكَرِيَّا بْن عَدِيّ وَعُثْمَان الْأَحْوَل , عَنْ مَرْوَان بْن مُعَاوِيَة , عَنْ الْحَسَن بْن عَمْرو , عَنْ مُعَاوِيَة بْن إِسْحَاق , عَنْ جَلِيس لَهُ بِالطَّائِفِ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : " إِنَّ اللَّه لَمَّا ذَرَأَ لِجَهَنَّم مَا ذَرَأَ , كَانَ وَلَد الزِّنَا مِمَّنْ ذَرَأَ لِجَهَنَّم " . 11983 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّم } يَقُول : خَلَقْنَا . 11984 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا أَبُو سَعْد , قَالَ : سَمِعْت مُجَاهِدًا يَقُول فِي قَوْله : { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّم } قَالَ : لَقَدْ خَلَقْنَا لِجَهَنَّم كَثِيرًا مِنْ الْجِنّ و الْإِنْس. 11985 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّم } خَلَقْنَا . وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّم كَثِيرًا مِنْ الْجِنّ وَالْإِنْس } لِنَفَاذِ عِلْمه فِيهِمْ بِأَنَّهُمْ يَصِيرُونَ إِلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ بِرَبِّهِمْ .
وَأَمَّا قَوْله : { لَهُمْ قُلُوب لَا يَفْقَهُونَ بِهَا } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَرَأَهُمْ اللَّه لِجَهَنَّم مِنْ خَلْقه قُلُوب لَا يَتَفَكَّرُونَ بِهَا فِي آيَات اللَّه , وَلَا يَتَدَبَّرُونَ بِهَا أَدِلَّته عَلَى وَحْدَانِيّته , وَلَا يَعْتَبِرُونَ بِهَا حُجَجه لِرُسُلِهِ , فَيَعْلَمُوا تَوْحِيد رَبّهمْ , وَيَعْرِفُوا حَقِيقَة نُبُوَّة أَنْبِيَائِهِمْ . فَوَصَفَهُمْ رَبّنَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِأَنَّهُمْ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا لِإِعْرَاضِهِمْ عَنْ الْحَقّ وَتَرْكهمْ تَدَبُّر صِحَّة الرُّشْد وَبُطُول الْكُفْر . وَكَذَلِكَ قَوْله : { وَلَهُمْ أَعْيُن لَا يُبْصِرُونَ بِهَا } مَعْنَاهُ : وَلَهُمْ أَعْيُن لَا يَنْظُرُونَ بِهَا إِلَى آيَات اللَّه وَأَدِلَّته , فَيَتَأَمَّلُوهَا وَيَتَفَكَّرُوا فِيهَا , فَيَعْلَمُوا بِهَا صِحَّة مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ رُسُلهمْ , وَفَسَاد مَا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنْ الشِّرْك بِاَللَّهِ وَتَكْذِيب رُسُله ; فَوَصَفَهُمْ اللَّه بِتَرْكِهِمْ إِعْمَالهَا فِي الْحَقّ بِأَنَّهُمْ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا . وَكَذَلِكَ قَوْله : { وَلَهُمْ آذَان لَا يَسْمَعُونَ بِهَا } آيَات كِتَاب اللَّه فَيَعْتَبِرُوهَا وَيَتَفَكَّرُوا فِيهَا , وَلَكِنَّهُمْ يُعْرِضُونَ عَنْهَا , وَيَقُولُونَ : { لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآن وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } 41 26 وَذَلِكَ نَظِير وَصْف اللَّه إِيَّاهُمْ فِي مَوْضِع آخَر بِقَوْلِهِ : { صُمّ بُكْم عُمْي فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ } 2 171 وَالْعَرَب تَقُول ذَلِكَ لِلتَّارِكِ اِسْتِعْمَال بَعْض جَوَارِحه فِيمَا يَصْلُح لَهُ , وَمِنْهُ قَوْل مِسْكِين الدَّارِمِيّ : أَعْمَى إِذَا مَا جَارَتِي خَرَجَتْ حَتَّى يُوَارِيَ جَارَتِي السِّتْر وَأَصَمّ عَمَّا كَانَ بَيْنهمَا سَمْعِي وَمَا بِالسَّمْعِ مِنْ وَقْر فَوَصَفَ نَفْسه لِتَرْكِهِ النَّظَر وَالِاسْتِمَاع بِالْعَمَى وَالصَّمَم . وَمِنْهُ قَوْل الْآخَر : وَعَوْرَاء اللِّئَام صَمَمْت عَنْهَا وَإِنِّي لَوْ أَشَاء بِهَا سَمِيع وَبَادِرَة وَزَعْت النَّفْس عَنْهَا وَلَوْ بِينَتْ مِنْ الْعَصَب الضُّلُوع وَذَلِكَ كَثِير فِي كَلَام الْعَرَب وَأَشْعَارهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11986 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا أَبُو سَعْد , قَالَ : سَمِعْت مُجَاهِدًا يَقُول فِي قَوْله : { لَهُمْ قُلُوب لَا يَفْقَهُونَ بِهَا } قَالَ : لَا يَفْقَهُونَ بِهَا شَيْئًا مِنْ أَمْر الْآخِرَة. { وَلَهُمْ أَعْيُن لَا يُبْصِرُونَ بِهَا } الْهُدَى . { وَلَهُمْ آذَان لَا يَسْمَعُونَ بِهَا الْحَقّ } ثُمَّ جَعَلَهُمْ كَالْأَنْعَامِ , ثُمَّ جَعَلَهُمْ شَرًّا مِنْ الْأَنْعَام , فَقَالَ : { بَلْ هُمْ أَضَلّ } ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ هُمْ الْغَافِلُونَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلّ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ } هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَرَأَهُمْ لِجَهَنَّم هُمْ كَالْأَنْعَامِ , وَهِيَ الْبَهَائِم الَّتِي لَا تَفْقَه مَا يُقَال لَهَا وَلَا تَفْهَم مَا أَبْصَرَتْهُ مِمَّا يَصْلُح وَمَا لَا يَصْلُح وَلَا تَعْقِل بِقُلُوبِهَا الْخَيْر مِنْ الشَّرّ فَتُمَيِّز بَيْنهمَا , فَشَبَّهَهُمْ اللَّه بِهَا , إِذْ كَانُوا لَا يَتَذَكَّرُونَ مَا يَرَوْنَ بِأَبْصَارِهِمْ مِنْ حُجَجه , وَلَا يَتَفَكَّرُونَ فِيمَا يَسْمَعُونَ مِنْ آي كِتَابه. ثُمَّ قَالَ : { بَلْ هُمْ أَضَلّ } يَقُول : هَؤُلَاءِ الْكَفَرَة الَّذِينَ ذَرَأَهُمْ لِجَهَنَّم أَشَدّ ذَهَابًا عَنْ الْحَقّ وَأَلْزَم لِطَرِيقِ الْبَاطِل مِنْ الْبَهَائِم , لِأَنَّ الْبَهَائِم لَا اِخْتِيَار لَهَا وَلَا تَمْيِيز فَتَخْتَار وَتُمَيِّز , وَإِنَّمَا هِيَ مُسَخَّرَة وَمَعَ ذَلِكَ تَهْرُب مِنْ الْمَضَارّ وَتَطْلُب لِأَنْفُسِهَا مِنْ الْغِذَاء الْأَصْلَح. وَاَلَّذِينَ وَصَفَ اللَّه صِفَتهمْ فِي هَذِهِ الْآيَة , مَعَ مَا أُعْطُوا مِنْ الْأَفْهَام وَالْعُقُول الْمُمَيِّزَة بَيْن الْمَصَالِح وَالْمَضَارّ , تَتْرُك مَا فِيهِ صَلَاح دُنْيَاهَا وَآخِرَتهَا وَتَطْلُب مَا فِيهِ مَضَارّهَا , فَالْبَهَائِم مِنْهَا أَسَدّ وَهِيَ مِنْهَا أَضَلّ , كَمَا وَصَفَهَا بِهِ رَبّنَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ .
وَقَوْله : { أُولَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْت صِفَتهمْ , الْقَوْم الَّذِينَ غَفَلُوا , يَعْنِي سَهْوًا عَنْ آيَاتِي وَحُجَجِي , وَتَرَكُوا تَدَبُّرهَا وَالِاعْتِبَار بِهَا وَالِاسْتِدْلَال عَلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مِنْ تَوْحِيد رَبّهَا , لَا الْبَهَائِم الَّتِي قَدْ عَرَّفَهَا رَبّهَا مَا سَخَّرَهَا لَهُ .
وَأَمَّا قَوْله : { لَهُمْ قُلُوب لَا يَفْقَهُونَ بِهَا } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَرَأَهُمْ اللَّه لِجَهَنَّم مِنْ خَلْقه قُلُوب لَا يَتَفَكَّرُونَ بِهَا فِي آيَات اللَّه , وَلَا يَتَدَبَّرُونَ بِهَا أَدِلَّته عَلَى وَحْدَانِيّته , وَلَا يَعْتَبِرُونَ بِهَا حُجَجه لِرُسُلِهِ , فَيَعْلَمُوا تَوْحِيد رَبّهمْ , وَيَعْرِفُوا حَقِيقَة نُبُوَّة أَنْبِيَائِهِمْ . فَوَصَفَهُمْ رَبّنَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِأَنَّهُمْ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا لِإِعْرَاضِهِمْ عَنْ الْحَقّ وَتَرْكهمْ تَدَبُّر صِحَّة الرُّشْد وَبُطُول الْكُفْر . وَكَذَلِكَ قَوْله : { وَلَهُمْ أَعْيُن لَا يُبْصِرُونَ بِهَا } مَعْنَاهُ : وَلَهُمْ أَعْيُن لَا يَنْظُرُونَ بِهَا إِلَى آيَات اللَّه وَأَدِلَّته , فَيَتَأَمَّلُوهَا وَيَتَفَكَّرُوا فِيهَا , فَيَعْلَمُوا بِهَا صِحَّة مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ رُسُلهمْ , وَفَسَاد مَا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنْ الشِّرْك بِاَللَّهِ وَتَكْذِيب رُسُله ; فَوَصَفَهُمْ اللَّه بِتَرْكِهِمْ إِعْمَالهَا فِي الْحَقّ بِأَنَّهُمْ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا . وَكَذَلِكَ قَوْله : { وَلَهُمْ آذَان لَا يَسْمَعُونَ بِهَا } آيَات كِتَاب اللَّه فَيَعْتَبِرُوهَا وَيَتَفَكَّرُوا فِيهَا , وَلَكِنَّهُمْ يُعْرِضُونَ عَنْهَا , وَيَقُولُونَ : { لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآن وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } 41 26 وَذَلِكَ نَظِير وَصْف اللَّه إِيَّاهُمْ فِي مَوْضِع آخَر بِقَوْلِهِ : { صُمّ بُكْم عُمْي فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ } 2 171 وَالْعَرَب تَقُول ذَلِكَ لِلتَّارِكِ اِسْتِعْمَال بَعْض جَوَارِحه فِيمَا يَصْلُح لَهُ , وَمِنْهُ قَوْل مِسْكِين الدَّارِمِيّ : أَعْمَى إِذَا مَا جَارَتِي خَرَجَتْ حَتَّى يُوَارِيَ جَارَتِي السِّتْر وَأَصَمّ عَمَّا كَانَ بَيْنهمَا سَمْعِي وَمَا بِالسَّمْعِ مِنْ وَقْر فَوَصَفَ نَفْسه لِتَرْكِهِ النَّظَر وَالِاسْتِمَاع بِالْعَمَى وَالصَّمَم . وَمِنْهُ قَوْل الْآخَر : وَعَوْرَاء اللِّئَام صَمَمْت عَنْهَا وَإِنِّي لَوْ أَشَاء بِهَا سَمِيع وَبَادِرَة وَزَعْت النَّفْس عَنْهَا وَلَوْ بِينَتْ مِنْ الْعَصَب الضُّلُوع وَذَلِكَ كَثِير فِي كَلَام الْعَرَب وَأَشْعَارهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11986 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا أَبُو سَعْد , قَالَ : سَمِعْت مُجَاهِدًا يَقُول فِي قَوْله : { لَهُمْ قُلُوب لَا يَفْقَهُونَ بِهَا } قَالَ : لَا يَفْقَهُونَ بِهَا شَيْئًا مِنْ أَمْر الْآخِرَة. { وَلَهُمْ أَعْيُن لَا يُبْصِرُونَ بِهَا } الْهُدَى . { وَلَهُمْ آذَان لَا يَسْمَعُونَ بِهَا الْحَقّ } ثُمَّ جَعَلَهُمْ كَالْأَنْعَامِ , ثُمَّ جَعَلَهُمْ شَرًّا مِنْ الْأَنْعَام , فَقَالَ : { بَلْ هُمْ أَضَلّ } ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ هُمْ الْغَافِلُونَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلّ } يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ } هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَرَأَهُمْ لِجَهَنَّم هُمْ كَالْأَنْعَامِ , وَهِيَ الْبَهَائِم الَّتِي لَا تَفْقَه مَا يُقَال لَهَا وَلَا تَفْهَم مَا أَبْصَرَتْهُ مِمَّا يَصْلُح وَمَا لَا يَصْلُح وَلَا تَعْقِل بِقُلُوبِهَا الْخَيْر مِنْ الشَّرّ فَتُمَيِّز بَيْنهمَا , فَشَبَّهَهُمْ اللَّه بِهَا , إِذْ كَانُوا لَا يَتَذَكَّرُونَ مَا يَرَوْنَ بِأَبْصَارِهِمْ مِنْ حُجَجه , وَلَا يَتَفَكَّرُونَ فِيمَا يَسْمَعُونَ مِنْ آي كِتَابه. ثُمَّ قَالَ : { بَلْ هُمْ أَضَلّ } يَقُول : هَؤُلَاءِ الْكَفَرَة الَّذِينَ ذَرَأَهُمْ لِجَهَنَّم أَشَدّ ذَهَابًا عَنْ الْحَقّ وَأَلْزَم لِطَرِيقِ الْبَاطِل مِنْ الْبَهَائِم , لِأَنَّ الْبَهَائِم لَا اِخْتِيَار لَهَا وَلَا تَمْيِيز فَتَخْتَار وَتُمَيِّز , وَإِنَّمَا هِيَ مُسَخَّرَة وَمَعَ ذَلِكَ تَهْرُب مِنْ الْمَضَارّ وَتَطْلُب لِأَنْفُسِهَا مِنْ الْغِذَاء الْأَصْلَح. وَاَلَّذِينَ وَصَفَ اللَّه صِفَتهمْ فِي هَذِهِ الْآيَة , مَعَ مَا أُعْطُوا مِنْ الْأَفْهَام وَالْعُقُول الْمُمَيِّزَة بَيْن الْمَصَالِح وَالْمَضَارّ , تَتْرُك مَا فِيهِ صَلَاح دُنْيَاهَا وَآخِرَتهَا وَتَطْلُب مَا فِيهِ مَضَارّهَا , فَالْبَهَائِم مِنْهَا أَسَدّ وَهِيَ مِنْهَا أَضَلّ , كَمَا وَصَفَهَا بِهِ رَبّنَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ .
وَقَوْله : { أُولَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْت صِفَتهمْ , الْقَوْم الَّذِينَ غَفَلُوا , يَعْنِي سَهْوًا عَنْ آيَاتِي وَحُجَجِي , وَتَرَكُوا تَدَبُّرهَا وَالِاعْتِبَار بِهَا وَالِاسْتِدْلَال عَلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مِنْ تَوْحِيد رَبّهَا , لَا الْبَهَائِم الَّتِي قَدْ عَرَّفَهَا رَبّهَا مَا سَخَّرَهَا لَهُ .
وَلِلَّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى } , وَهِيَ كَمَا قَالَ اِبْن عَبَّاس . 11987 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } وَمِنْ أَسْمَائِهِ : الْعَزِيز الْجَبَّار , وَكُلّ أَسْمَاء اللَّه حَسَن . 11988 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ هِشَام بْن حَسَّان , عَنْ اِبْن سِيرِين , عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : " إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَة وَتِسْعِينَ اِسْمًا , مِائَة إِلَّا وَاحِدًا , مَنْ أَحْصَاهَا كُلّهَا دَخَلَ الْجَنَّة " .
وَأَمَّا قَوْله : { وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ الْمُشْرِكِينَ . وَكَانَ إِلْحَادهمْ فِي أَسْمَاء اللَّه أَنَّهُمْ عَدَلُوا بِهَا عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ , فَسَمَّوْا بِهَا آلِهَتهمْ وَأَوْثَانهمْ , وَزَادُوا فِيهَا وَنَقَصُوا مِنْهَا , فَسَمَّوْا بَعْضهَا اللَّات اِشْتِقَاقًا مِنْهُمْ لَهَا مِنْ اِسْم اللَّه الَّذِي هُوَ اللَّه , وَسَمَّوْا بَعْضهَا الْعُزَّى اِشْتِقَاقًا لَهَا مِنْ اِسْم اللَّه الَّذِي هُوَ الْعَزِيز . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11989 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ } قَالَ : إِلْحَاد الْمُلْحِدِينَ أَنْ دَعَوْا اللَّات فِي أَسْمَاء اللَّه . 11990 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ } قَالَ : اِشْتَقُّوا الْعُزَّى مِنْ الْعَزِيز , وَاشْتَقُّوا اللَّات مِنْ اللَّه . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله { يُلْحِدُونَ } فَقَالَ بَعْضهمْ : يَكْذِبُونَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11991 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ } قَالَ : الْإِلْحَاد : التَّكْذِيب . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : يُشْرِكُونَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11992 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا أَبُو ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { يُلْحِدُونَ } قَالَ : يُشْرِكُونَ . وَأَصْل الْإِلْحَاد فِي كَلَام الْعَرَب : الْعُدُول عَنْ الْقَصْد , وَالْجَوْر عَنْهُ , وَالْإِعْرَاض , ثُمَّ يُسْتَعْمَل فِي كُلّ مُعْوَجّ غَيْر مُسْتَقِيم , وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلَحْدِ الْقَبْر لَحْد , لِأَنَّهُ فِي نَاحِيَة مِنْهُ وَلَيْسَ فِي وَسَطه , يُقَال مِنْهُ : أَلْحَدَ فُلَان يُلْحِد إِلْحَادًا , وَلَحَدَ يَلْحَد لَحْدًا وَلُحُودًا . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ الْكِسَائِيّ أَنَّهُ كَانَ يُفَرَّق بَيْن الْإِلْحَاد وَاللَّحْد , فَيَقُول فِي الْإِلْحَاد : إِنَّهُ الْعُدُول عَنْ الْقَصْد , وَفِي اللَّحْد إِنَّهُ الرُّكُون إِلَى الشَّيْء , وَكَانَ يَقْرَأ جَمِيع مَا فِي الْقُرْآن " يُلْحِدُونَ " بِضَمِّ الْيَاء وَكَسْر الْحَاء , إِلَّا الَّتِي فِي النَّحْل , فَإِنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا : " يَلْحَدُونَ " بِفَتْحِ الْيَاء وَالْحَاء , وَيَزْعُم أَنَّهُ بِمَعْنَى الرُّكُون. وَأَمَّا سَائِر أَهْل الْمَعْرِفَة بِكَلَامِ الْعَرَب فَيَرَوْنَ أَنَّ مَعْنَاهُمَا وَاحِد , وَأَنَّهُمَا لُغَتَانِ جَاءَتَا فِي حَرْف وَاحِد بِمَعْنًى وَاحِد . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَبَعْض الْبَصْرِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ : { يُلْحِدُونَ } بِضَمِّ الْيَاء وَكَسْر الْحَاء مِنْ أَلْحَدَ يُلْحِد فِي جَمِيع الْقُرْآن . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْكُوفَة : " يَلْحَدُونَ " بِفَتْحِ الْيَاء وَالْحَاء مِنْ لَحَدَ يَلْحَد . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِد فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب الصَّوَاب فِي ذَلِكَ . غَيْر أَنِّي أَخْتَار الْقِرَاءَة بِضَمِّ الْيَاء عَلَى لُغَة مَنْ قَالَ : " أَلْحَدَ " , لِأَنَّهَا أَشْهَر اللُّغَتَيْنِ وَأَفْصَحهمَا. وَكَانَ اِبْن زَيْد يَقُول فِي قَوْله : { وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ } إِنَّهُ مَنْسُوخ . 11993 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ } قَالَ : هَؤُلَاءِ أَهْل الْكُفْر , وَقَدْ نُسِخَ , نَسَخَهُ الْقِتَال . وَلَا مَعْنَى لِمَا قَالَ اِبْن زَيْد فِي ذَلِكَ مِنْ أَنَّهُ مَنْسُوخ , لِأَنَّ قَوْله : { وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ } لَيْسَ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّه لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَرْكِ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يَقُولُوا ذَلِكَ حَتَّى يَأْذَن لَهُ فِي قِتَالهمْ , وَإِنَّمَا هُوَ تَهْدِيد مِنْ اللَّه لِلْمُلْحِدِينَ فِي أَسْمَائِهِ وَوَعِيد مِنْهُ لَهُمْ , كَمَا قَالَ فِي مَوْضِع آخَر : { ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمْ الْأَمَل } 15 3 الْآيَة , وَكَقَوْلِهِ : { لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } 29 66 وَهُوَ كَلَام خَرَجَ مَخْرَج الْأَمْر بِمَعْنَى الْوَعِيد وَالتَّهْدِيد , وَمَعْنَاهُ : إِنْ تُمْهِل الَّذِينَ يُلْحِدُونَ يَا مُحَمَّد فِي أَسْمَاء اللَّه إِلَى أَجَل هُمْ بَالِغُوهُ , فَسَوْفَ يُجْزَوْنَ إِذَا جَاءَهُمْ أَجَل اللَّه الَّذِي أَجَّلَهُ إِلَيْهِمْ جَزَاء أَعْمَالهمْ الَّتِي كَانُوا يَعْمَلُونَهَا قَبْل ذَلِكَ مِنْ الْكُفْر بِاَللَّهِ وَالْإِلْحَاد فِي أَسْمَائِهِ وَتَكْذِيب رَسُوله.
وَأَمَّا قَوْله : { وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ } فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ الْمُشْرِكِينَ . وَكَانَ إِلْحَادهمْ فِي أَسْمَاء اللَّه أَنَّهُمْ عَدَلُوا بِهَا عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ , فَسَمَّوْا بِهَا آلِهَتهمْ وَأَوْثَانهمْ , وَزَادُوا فِيهَا وَنَقَصُوا مِنْهَا , فَسَمَّوْا بَعْضهَا اللَّات اِشْتِقَاقًا مِنْهُمْ لَهَا مِنْ اِسْم اللَّه الَّذِي هُوَ اللَّه , وَسَمَّوْا بَعْضهَا الْعُزَّى اِشْتِقَاقًا لَهَا مِنْ اِسْم اللَّه الَّذِي هُوَ الْعَزِيز . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11989 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ } قَالَ : إِلْحَاد الْمُلْحِدِينَ أَنْ دَعَوْا اللَّات فِي أَسْمَاء اللَّه . 11990 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ } قَالَ : اِشْتَقُّوا الْعُزَّى مِنْ الْعَزِيز , وَاشْتَقُّوا اللَّات مِنْ اللَّه . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله { يُلْحِدُونَ } فَقَالَ بَعْضهمْ : يَكْذِبُونَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11991 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ } قَالَ : الْإِلْحَاد : التَّكْذِيب . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : يُشْرِكُونَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 11992 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا أَبُو ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { يُلْحِدُونَ } قَالَ : يُشْرِكُونَ . وَأَصْل الْإِلْحَاد فِي كَلَام الْعَرَب : الْعُدُول عَنْ الْقَصْد , وَالْجَوْر عَنْهُ , وَالْإِعْرَاض , ثُمَّ يُسْتَعْمَل فِي كُلّ مُعْوَجّ غَيْر مُسْتَقِيم , وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلَحْدِ الْقَبْر لَحْد , لِأَنَّهُ فِي نَاحِيَة مِنْهُ وَلَيْسَ فِي وَسَطه , يُقَال مِنْهُ : أَلْحَدَ فُلَان يُلْحِد إِلْحَادًا , وَلَحَدَ يَلْحَد لَحْدًا وَلُحُودًا . وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ الْكِسَائِيّ أَنَّهُ كَانَ يُفَرَّق بَيْن الْإِلْحَاد وَاللَّحْد , فَيَقُول فِي الْإِلْحَاد : إِنَّهُ الْعُدُول عَنْ الْقَصْد , وَفِي اللَّحْد إِنَّهُ الرُّكُون إِلَى الشَّيْء , وَكَانَ يَقْرَأ جَمِيع مَا فِي الْقُرْآن " يُلْحِدُونَ " بِضَمِّ الْيَاء وَكَسْر الْحَاء , إِلَّا الَّتِي فِي النَّحْل , فَإِنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا : " يَلْحَدُونَ " بِفَتْحِ الْيَاء وَالْحَاء , وَيَزْعُم أَنَّهُ بِمَعْنَى الرُّكُون. وَأَمَّا سَائِر أَهْل الْمَعْرِفَة بِكَلَامِ الْعَرَب فَيَرَوْنَ أَنَّ مَعْنَاهُمَا وَاحِد , وَأَنَّهُمَا لُغَتَانِ جَاءَتَا فِي حَرْف وَاحِد بِمَعْنًى وَاحِد . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَبَعْض الْبَصْرِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ : { يُلْحِدُونَ } بِضَمِّ الْيَاء وَكَسْر الْحَاء مِنْ أَلْحَدَ يُلْحِد فِي جَمِيع الْقُرْآن . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء أَهْل الْكُوفَة : " يَلْحَدُونَ " بِفَتْحِ الْيَاء وَالْحَاء مِنْ لَحَدَ يَلْحَد . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِد فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب الصَّوَاب فِي ذَلِكَ . غَيْر أَنِّي أَخْتَار الْقِرَاءَة بِضَمِّ الْيَاء عَلَى لُغَة مَنْ قَالَ : " أَلْحَدَ " , لِأَنَّهَا أَشْهَر اللُّغَتَيْنِ وَأَفْصَحهمَا. وَكَانَ اِبْن زَيْد يَقُول فِي قَوْله : { وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ } إِنَّهُ مَنْسُوخ . 11993 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ } قَالَ : هَؤُلَاءِ أَهْل الْكُفْر , وَقَدْ نُسِخَ , نَسَخَهُ الْقِتَال . وَلَا مَعْنَى لِمَا قَالَ اِبْن زَيْد فِي ذَلِكَ مِنْ أَنَّهُ مَنْسُوخ , لِأَنَّ قَوْله : { وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ } لَيْسَ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّه لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَرْكِ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يَقُولُوا ذَلِكَ حَتَّى يَأْذَن لَهُ فِي قِتَالهمْ , وَإِنَّمَا هُوَ تَهْدِيد مِنْ اللَّه لِلْمُلْحِدِينَ فِي أَسْمَائِهِ وَوَعِيد مِنْهُ لَهُمْ , كَمَا قَالَ فِي مَوْضِع آخَر : { ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمْ الْأَمَل } 15 3 الْآيَة , وَكَقَوْلِهِ : { لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } 29 66 وَهُوَ كَلَام خَرَجَ مَخْرَج الْأَمْر بِمَعْنَى الْوَعِيد وَالتَّهْدِيد , وَمَعْنَاهُ : إِنْ تُمْهِل الَّذِينَ يُلْحِدُونَ يَا مُحَمَّد فِي أَسْمَاء اللَّه إِلَى أَجَل هُمْ بَالِغُوهُ , فَسَوْفَ يُجْزَوْنَ إِذَا جَاءَهُمْ أَجَل اللَّه الَّذِي أَجَّلَهُ إِلَيْهِمْ جَزَاء أَعْمَالهمْ الَّتِي كَانُوا يَعْمَلُونَهَا قَبْل ذَلِكَ مِنْ الْكُفْر بِاَللَّهِ وَالْإِلْحَاد فِي أَسْمَائِهِ وَتَكْذِيب رَسُوله.