وَقَوْله : { وَإِذَا اِنْقَلَبُوا إِلَى أَهْلهمْ اِنْقَلَبُوا فَاكِهِينَ } يَقُول : وَكَانَ هَؤُلَاءِ الْمُجْرِمُونَ إِذَا اِنْصَرَفُوا إِلَى أَهْلهمْ مِنْ مَجَالِسهمْ اِنْصَرَفُوا نَاعِمِينَ مُعْجَبِينَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 28437 - حَدَّثَنِي عَلِيّ , قَالَ : ثَنَا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس { اِنْقَلَبُوا فَاكِهِينَ } قَالَ : مُعْجَبِينَ . 28438 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَإِذَا اِنْقَلَبُوا إِلَى أَهْلهمْ اِنْقَلَبُوا فَاكِهِينَ } قَالَ : اِنْقَلَبَ نَاعِمًا , قَالَ : هَذَا فِي الدُّنْيَا , ثُمَّ أُعْقِبَ النَّار فِي الْآخِرَة . وَقَدْ كَانَ بَعْض أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب يُفَرِّق بَيْن مَعْنَى فَاكِهِينَ وَفَكِهِينَ , فَيَقُول : مَعْنَى فَاكِهِينَ نَاعِمِينَ , وَفَكِهِينَ : مَرِحِينَ . وَكَانَ غَيْره يَقُول : ذَلِكَ بِمَعْنًى وَاحِد , وَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ طَامِع وَطَمِع , وَبَاخِل وَبَخِل .
وَقَوْله : { وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِذَا رَأَى الْمُجْرِمُونَ الْمُؤْمِنِينَ قَالُوا لَهُمْ : إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ , عَنْ مَحَجَّة الْحَقّ , وَسَبِيل الْقَصْد
يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَمَا بَعَثَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّار الْقَائِلُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ , حَافِظِينَ عَلَيْهِمْ أَعْمَالهمْ يَقُول : إِنَّمَا كُلِّفُوا الْإِيمَان بِاَللَّهِ , وَالْعَمَل بِطَاعَتِهِ , وَلَمْ يُجْعَلُوا رُقَبَاء عَلَى غَيْرهمْ يَحْفَظُونَ عَلَيْهِمْ , أَعْمَالهمْ وَيَتَفَقَّدُونَهَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَالْيَوْم الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ الْكُفَّار يَضْحَكُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : { فَالْيَوْم } وَذَلِكَ يَوْم الْقِيَامَة { الَّذِينَ آمَنُوا } بِاَللَّهِ فِي الدُّنْيَا { مِنْ الْكُفَّار } فِيهَا { يَضْحَكُونَ }
يَقُول : عَلَى سُرُرهمْ الَّتِي فِي الْحِجَال يَنْظُرُونَ إِلَيْهِمْ , وَهُمْ فِي الْجَنَّة , وَالْكُفَّار فِي النَّار يُعَذَّبُونَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 28439 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { فَالْيَوْم الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ الْكُفَّار يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرَائِك يَنْظُرُونَ } قَالَ : يَعْنِي السُّرُر الْمَرْفُوعَة عَلَيْهَا الْحِجَال . وَكَانَ اِبْن عَبَّاس يَقُول : إِنَّ السُّور الَّذِي بَيْن الْجَنَّة وَالنَّار يُفْتَح لَهُمْ فِيهِ أَبْوَاب , فَيَنْظُر الْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْل النَّار , وَالْمُؤْمِنُونَ عَلَى السُّرُر يَنْظُرُونَ كَيْف يُعَذَّبُونَ , فَيَضْحَكُونَ مِنْهُمْ , فَيَكُون ذَلِكَ مِمَّا أَقَرَّ اللَّه بِهِ أَعْيُنهمْ , كَيْف يَنْتَقِم اللَّه مِنْهُمْ . 28440 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة { فَالْيَوْم الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ الْكُفَّار يَضْحَكُونَ } ذُكِرَ لَنَا أَنَّ كَعْبًا كَانَ يَقُول : إِنَّ بَيْن الْجَنَّة وَالنَّار كُوًى , فَإِذَا أَرَادَ الْمُؤْمِن أَنْ يَنْظُر إِلَى عَدُوّ كَانَ لَهُ فِي الدُّنْيَا , اِطَّلَعَ مِنْ بَعْض الْكُوَى , قَالَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيم } 37 55 أَيْ فِي وَسَط النَّار . وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ رَأَى جَمَاجِم الْقَوْم تَغْلِي . * - حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا اِبْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة , قَالَ كَعْب : إِنَّ بَيْن أَهْل الْجَنَّة وَبَيْن أَهْل النَّار كُوًى , لَا يَشَاء رَجُل مِنْ أَهْل الْجَنَّة أَنْ يَنْظُر إِلَى غَيْره مِنْ أَهْل النَّار إِلَّا فَعَلَ . * - حُدِّثْنَا عَنْ الْحُسَيْن , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ يَقُول : ثَنَا عُبَيْد , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { فَالْيَوْم الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ الْكُفَّار يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرَائِك يَنْظُرُونَ } كَانَ اِبْن عَبَّاس يَقُول : السُّور بَيْن أَهْل الْجَنَّة وَالنَّار , فَيُفْتَح لِأَهْلِ الْجَنَّة أَبْوَاب , فَيَنْظُرُونَ وَهُمْ عَلَى السُّرُر إِلَى أَهْل النَّار كَيْف يُعَذَّبُونَ , فَيَضْحَكُونَ مِنْهُمْ , وَيَكُون ذَلِكَ مِمَّا يُقِرّ اللَّه بِهِ أَعْيُنهمْ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى عَدُوّهُمْ كَيْف يَنْتَقِم اللَّه مِنْهُمْ . 28441 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا مَهْرَان , عَنْ سُفْيَان { فَالْيَوْم الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ الْكُفَّار يَنْظُرُونَ } قَالَ : يُجَاء بِالْكَفَّارِ , حَتَّى يَنْظُرُوا إِلَى أَهْل الْجَنَّة فِي الْجَنَّة , عَلَى سُرُر , فَحِين يَنْظُرُونَ إِلَيْهِمْ تُغْلَق دُونهمْ الْأَبْوَاب , وَيَضْحَك أَهْل الْجَنَّة مِنْهُمْ , فَهُوَ قَوْله : { فَالْيَوْم الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ الْكُفَّار يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرَائِك يَنْظُرُونَ } .
وَقَوْله : { هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّار مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : هَلْ أُثِيبَ الْكُفَّار وَجُزُوا ثَوَاب مَا كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ سُخْرِيَتهمْ مِنْهُمْ , وَضَحِكهمْ بِهِمْ , بِضَحِكِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ فِي الْآخِرَة , وَالْمُؤْمِنُونَ عَلَى الْأَرَائِك يَنْظُرُونَ , وَهُمْ فِي النَّار يُعَذَّبُونَ . و { ثُوِّبَ } فِعْل مِنْ الثَّوَاب وَالْجَزَاء , يُقَال مِنْهُ : ثُوِّبَ فُلَان فُلَانًا عَلَى صَنِيعه , وَأَثَابَهُ مِنْهُ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 28442 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْحَسَن , قَالَ : ثَنَا وَرْقَاء , جَمِيعًا عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد { هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّار مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } قَالَ : جُزِيَ . 28443 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا مَهْرَان , عَنْ سُفْيَان : { هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّار مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } حِين كَانُوا يَسْخَرُونَ . آخِر تَفْسِير سُورَة وَيْل لِلْمُطَفِّفِينَ.