وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْل هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِذَا تُتْلَى عَلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا آيَات كِتَاب اللَّه الْوَاضِحَة لِمَنْ شَرَحَ اللَّه صَدْره لِفَهْمِهِ قَالُوا جَهْلًا مِنْهُمْ وَعِنَادًا لِلْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ كَاذِبُونَ فِي قِيلهمْ : { لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْل هَذَا } الَّذِي تُلِيَ عَلَيْنَا , { إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ } يَعْنِي أَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا هَذَا الْقُرْآن الَّذِي يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِلَّا أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ . وَالْأَسَاطِير : جَمْع أَسْطُر , وَهُوَ جَمْع الْجَمْع , لِأَنَّ وَاحِد الْأَسْطُر : سَطْر , ثُمَّ يُجْمَع السَّطْر : أَسْطُر وَسُطُور , ثُمَّ يُجْمَع الْأَسْطُر : أَسَاطِير وَأَسَاطِر . وَقَدْ كَانَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة يَقُول : وَاحِد الْأَسَاطِير : أُسْطُورَة . وَإِنَّمَا عُنِيَ الْمُشْرِكُونَ بِقَوْلِهِمْ : { إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ } إِنَّ هَذَا الْقُرْآن الَّذِي تَتْلُوهُ عَلَيْنَا يَا مُحَمَّد إِلَّا مَا سَطَّرَ الْأَوَّلُونَ وَكَتَبُوهُ مِنْ أَخْبَار الْأُمَم . كَأَنَّهُمْ أَضَافُوهُ إِلَى أَنَّهُ أُخِذَ عَنْ بَنِي آدَم , وَأَنَّهُ لَمْ يُوَجِّه اللَّه إِلَيْهِ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12402 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْل هَذَا } قَالَ : كَانَ النَّضْر بْن الْحَارِث يَخْتَلِف تَاجِرًا إِلَى فَارِس , فَيَمُرّ بِالْعِبَادِ وَهُمْ يَقْرَءُونَ الْإِنْجِيل , وَيَرْكَعُونَ وَيَسْجُدُونَ . فَجَاءَ مَكَّة , فَوَجَدَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَرْكَع وَيَسْجُد , فَقَالَ النَّضْر : قَدْ سَمِعْنَا , لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْل هَذَا ! لِلَّذِي سَمِعَ مِنْ الْعِبَاد . فَنَزَلَتْ : { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْل هَذَا } قَالَ : فَقَصَّ رَبّنَا مَا كَانُوا قَالُوا بِمَكَّة , وَقَصَّ قَوْلهمْ : { إِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدك } الْآيَة . 12403 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : كَانَ النَّضْر بْن الْحَارِث بْن عَلْقَمَة أَخُو بَنِي عَبْد الدَّار يَخْتَلِف إِلَى الْحِيرَة , فَيَسْمَع سَجْع أَهْلهَا وَكَلَامهمْ . فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّة , سَمِعَ كَلَام النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآن , فَقَالَ : { قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْل هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ } يَقُول : أَسَاجِيع أَهْل الْحِيرَة . 12404 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر , قَالَ : ثنا شُعْبَة , عَنْ أَبِي بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ : قَتَلَ النَّبِيّ مِنْ يَوْم بَدْر صَبْرًا : عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط , وَطُعَيْمَة بْن عَدِيّ , وَالنَّضْر بْن الْحَارِث ; وَكَانَ الْمِقْدَاد أَسَرَ النَّضْر , فَلَمَّا أَمَرَ بِقَتْلِهِ قَالَ الْمِقْدَاد : يَا رَسُول اللَّه أَسِيرِي ! فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَإِنَّهُ كَانَ يَقُول فِي كِتَاب اللَّه مَا يَقُول " . فَأَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهِ . فَقَالَ الْمِقْدَاد : أَسِيرِي ! فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اللَّهُمَّ أَغْنِ الْمِقْدَاد مِنْ فَضْلك ! " فَقَالَ الْمِقْدَاد : هَذَا الَّذِي أَرَدْت . وَفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة : { وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتنَا } الْآيَة . * - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَ يَوْم بَدْر ثَلَاثَة رَهْط مِنْ قُرَيْش صَبْرًا الْمُطْعِم بْن عَدِيّ , وَالنَّضْر بْن الْحَارِث , وَعُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط . قَالَ : فَلَمَّا أَمَرَ بِقَتْلِ النَّضْر , قَالَ الْمِقْدَاد بْن الْأَسْوَد : أَسِيرِي يَا رَسُول اللَّه ! قَالَ : " إِنَّهُ كَانَ يَقُول فِي كِتَاب اللَّه وَفِي رَسُوله مَا كَانَ يَقُول " قَالَ : فَقَالَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا , فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اللَّهُمَّ أَغْنِ الْمِقْدَاد مِنْ فَضْلك ! " وَكَانَ الْمِقْدَاد أَسَرَ النَّضْر .
وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدك فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَة مِنْ السَّمَاء أَوْ اِئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيم } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاذْكُرْ يَا مُحَمَّد أَيْضًا مَا حَلَّ بِمَنْ قَالَ : { اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدك فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَة مِنْ السَّمَاء أَوْ اِئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيم } إِذْ مَكَرْت لَهُمْ , فَأَتَيْتهمْ بِعَذَابٍ أَلِيم . وَكَانَ ذَلِكَ الْعَذَاب : قَتْلهمْ بِالسَّيْفِ يَوْم بَدْر . وَهَذِهِ الْآيَة أَيْضًا ذُكِرَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي النَّضْر بْن الْحَارِث . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12405 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثَنَا هُشَيْم , قَالَ : ثنا أَبُو بِشْر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : { وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدك فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَة مِنْ السَّمَاء } قَالَ : نَزَلَتْ فِي النَّضْر بْن الْحَارِث . 12406 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدك } قَالَ : قَوْل النَّضْر بْن الْحَارِث بْن عَلْقَمَة بْن كِلْدَة . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدك } قَوْل النَّضْر بْن الْحَارِث بْن عَلْقَمَة بْن كِلْدَة مِنْ بَنِي عَبْد الدَّار . * - قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْحَاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدك } قَالَ : هُوَ النَّضْر بْن الْحَارِث بْن كِلْدَة . 12407 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا طَلْحَة بْن عَمْرو , عَنْ عَطَاء , قَالَ : قَالَ رَجُل مِنْ بَنِي عَبْد الدَّار , يُقَال لَهُ النَّضْر بْن كِلْدَة : { اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدك فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَة مِنْ السَّمَاء أَوْ اِئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيم } فَقَالَ اللَّه : { وَقَالُوا رَبّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطّنَا قَبْل يَوْم الْحِسَاب } 38 16 وَقَالَ : { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّل مَرَّة } 6 94 وَقَالَ : { سَأَلَ سَائِل بِعَذَابٍ وَاقِع لِلْكَافِرِينَ } 70 1 : 2 قَالَ عَطَاء : لَقَدْ نَزَلَ فِيهِ بِضْع عَشْرَة آيَة مِنْ كِتَاب اللَّه . 12407 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : فَقَالَ : - يَعْنِي النَّضْر بْن الْحَارِث - اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ مَا يَقُول مُحَمَّد هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدك { فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَة مِنْ السَّمَاء أَوْ اِئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيم } قَالَ اللَّه : { سَأَلَ سَائِل بِعَذَابٍ وَاقِع لِلْكَافِرِينَ } 70 1 : 2 . 12409 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا حَكَّام , عَنْ عَنْبَسَة , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدك } الْآيَة , قَالَ : { سَأَلَ سَائِل بِعَذَابٍ وَاقِع لِلْكَافِرِينَ } 12410 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدك } الْآيَة , قَالَ : قَالَ ذَلِكَ سَفَهَة هَذِهِ الْأُمَّة وَجَهَلَتهَا , فَعَادَ اللَّه بِعَائِدَتِهِ وَرَحْمَته عَلَى سَفَهَة هَذِهِ الْأُمَّة وَجَهَلَتهَا . 12410 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : ثُمَّ ذَكَرَ غَيْرَة قُرَيْش وَاسْتِفْتَاحهمْ عَلَى أَنْفُسهمْ , إِذْ قَالُوا : { اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدك } أَيْ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد , { فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَة مِنْ السَّمَاء } كَمَا أَمْطَرْتهَا عَلَى قَوْم لُوط { أَوْ اِئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيم } أَيْ بِبَعْضِ مَا عَذَّبْت بِهِ الْأُمَم قَبْلنَا . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي وَجْه دُخُول " هُوَ " فِي الْكَلَام . فَقَالَ بَعْض الْبَصْرِيِّينَ نُصِبَ " الْحَقّ " , لِأَنَّ " هُوَ " وَاَللَّه أَعْلَم حُوِّلَتْ زَائِدَة فِي الْكَلَام صِلَة تَوْكِيد كَزِيَادَةِ " مَا " , وَلَا تُزَاد إِلَّا فِي كُلّ فِعْل لَا يَسْتَغْنِي عَنْ خَبَر , وَلَيْسَ هُوَ بِصِفَةٍ لِهَذَا , لِأَنَّك لَوْ قُلْت : " رَأَيْت هَذَا هُوَ " لَمْ يَكُنْ كَلَامًا , وَلَا تَكُون هَذِهِ الْمُضْمَرَة مِنْ صِفَة الظَّاهِرَة , وَلَكِنَّهَا تَكُون مِنْ صِفَة الْمُضْمَرَة , نَحْو قَوْله : { وَلَكِنْ كَانُوا هُمْ الظَّالِمِينَ } 43 76 { تَجِدُوهُ عِنْد اللَّه هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَم أَجْرًا } 73 20 لِأَنَّك تَقُول : " وَجَدْته هُوَ وَإِيَّايَ " فَتَكُون " هُوَ " صِفَة . وَقَدْ تَكُون فِي هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا غَيْر صِفَة , وَلَكِنَّهَا تَكُون زَائِدَة كَمَا كَانَ فِي الْأَوَّل . وَقَدْ تَجْرِي فِي جَمِيع هَذَا مَجْرَى الِاسْم , فَيُرْفَع مَا بَعْدهَا إِنْ كَانَ بَعْدهَا ظَاهِرًا أَوْ مُضْمَرًا فِي لُغَة بَنِي تَمِيم , يَقُولُونَ فِي قَوْله : { إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدك } { وَلَكِنْ كَانُوا هُمْ الظَّالِمِينَ } 43 76 و { تَجِدُوهُ عِنْد اللَّه هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَم أَجْرًا } 73 20 كَمَا تَقُول : كَانُوا آبَاؤُهُمْ الظَّالِمُونَ , حَمَلُوا هَذَا الْمُضْمَر نَحْو " هُوَ " و " هُمَا " و " أَنْتَ " زَائِدًا فِي هَذَا الْمَكَان . وَلَمْ تَجْعَل مَوَاضِع الصِّفَة , لِأَنَّهُ فَصْل أَرَادَ أَنْ يُبَيِّن بِهِ أَنَّهُ لَيْسَ مَا بَعْده صِفَة لِمَا قَبْله , وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى هَذَا فِي الْمَوْضِع الَّذِي لَا يَكُون لَهُ خَبَر . وَكَانَ بَعْض الْكُوفِيِّينَ يَقُول : لَمْ تَدْخُل " هُوَ " الَّتِي هِيَ عِمَاد فِي الْكَلَام إِلَّا لِمَعْنًى صَحِيح . وَقَالَ : كَأَنَّهُ قَالَ : زَيْد قَائِم , فَقُلْت أَنْتَ : بَلْ عَمْرو هُوَ الْقَائِم ; فَهُوَ لِمَعْهُودِ الِاسْم وَالْأَلِف وَاللَّام لِمَعْهُودِ الْفِعْل الَّتِي هِيَ صِلَة فِي الْكَلَام مُخَالِفَة لِمَعْنَى " هُوَ " , لِأَنَّ دُخُولهَا وَخُرُوجهَا وَاحِد فِي الْكَلَام , وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ هُوَ ; وَأَمَّا الَّتِي تَدْخُل صِلَة فِي الْكَلَام , فَتَوْكِيد شَبِيه بِقَوْلِهِمْ : " وَجَدْته نَفْسه " تَقُول ذَلِكَ , وَلَيْسَتْ بِصِفَةٍ كَالظَّرِيفِ وَالْعَاقِل .
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : تَأْوِيله : { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ } أَيْ وَأَنْتَ مُقِيم بَيْن أَظْهُرهمْ . قَالَ : وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُقِيم بِمَكَّة . قَالَ : ثُمَّ خَرَجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْن أَظْهُرهمْ , فَاسْتَغْفَرَ مَنْ بِهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ , فَأُنْزِلَ بَعْد خُرُوجه عَلَيْهِ حِين اِسْتَغْفَرَ أُولَئِكَ بِهَا : { وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } . قَالَ : ثُمَّ خَرَجَ أُولَئِكَ الْبَقِيَّة مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَيْنهمْ , فَعُذِّبَ الْكُفَّار . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12412 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر بْن أَبِي الْمُغِيرَة , عَنْ اِبْن أَبْزَى , قَالَ : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّة , فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ } . قَالَ : فَخَرَجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَة , فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } . قَالَ : فَكَانَ أُولَئِكَ الْبَقِيَّة مِنْ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ بَقُوا فِيهَا يَسْتَغْفِرُونَ , يَعْنِي بِمَكَّة ; فَلَمَّا خَرَجُوا أَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِ : { وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبهُمْ اللَّه وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ } قَالَ : فَأَذِنَ اللَّه لَهُ فِي فَتْح مَكَّة , فَهُوَ الْعَذَاب الَّذِي وَعَدَهُمْ . 12413 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا هُشَيْم , قَالَ : أَخْبَرَنَا حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك , فِي قَوْله : { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ } يَعْنِي النَّبِيّ . { وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } يَعْنِي : مَنْ بِهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ . { وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبهُمْ اللَّه } يَعْنِي مَكَّة , وَفِيهَا الْكُفَّار . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك , فِي قَوْل اللَّه : { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ } يَعْنِي : أَهْل مَكَّة . { وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ } وَفِيهِمْ الْمُؤْمِنُونَ , يَسْتَغْفِرُونَ ; يَغْفِر لِمَنْ فِيهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن إِسْمَاعِيل الرَّازِيّ وَأَبُو دَاوُد الْحَفَرِيّ , عَنْ يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ اِبْن أَبْزَى : { وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } قَالَ : بَقِيَّة مَنْ بَقِيَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ , فَلَمَّا خَرَجُوا , قَالَ : { وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبهُمْ اللَّه } . * - قَالَ : ثَنَا عِمْرَان بْن عُيَيْنَة , عَنْ حُصَيْن , عَنْ أَبِي مَالِك : { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ } قَالَ : أَهْل مَكَّة . 12414 - وَأَخْبَرَنَا أُبَيّ , عَنْ سَلَمَة بْن نُبَيْط , عَنْ الضَّحَّاك : { وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } قَالَ : الْمُؤْمِنُونَ مِنْ أَهْل مَكَّة . { وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبهُمْ اللَّه وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام } قَالَ : الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْل مَكَّة . 12415 - قَالَ : ثَنَا أَبُو خَالِد , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك : { وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } قَالَ : الْمُؤْمِنُونَ يَسْتَغْفِرُونَ بَيْن ظَهْرَانِيّهِمْ . 12416 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } يَقُول : الَّذِينَ آمَنُوا مَعَك يَسْتَغْفِرُونَ بِمَكَّة , حَتَّى أَخْرَجَك وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَك . 12417 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : اِبْن عَبَّاس : لَمْ يُعَذِّب قَرْيَة حَتَّى يُخْرِج النَّبِيّ مِنْهَا وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَيُلْحِقهُ بِحَيْثُ أَمَرَ . { وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ . ثُمَّ أَعَادَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ , فَقَالَ : { وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبهُمْ اللَّه } . 12418 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ } قَالَ : يَعْنِي أَهْل مَكَّة . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّب هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْش بِمَكَّة وَأَنْتَ فِيهِمْ يَا مُحَمَّد , حَتَّى أَخْرَجَك مِنْ بَيْنهمْ . { وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ } وَهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ يَقُولُونَ : يَا رَبّ غُفْرَانك وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ مَعَانِي الِاسْتِغْفَار بِالْقَوْلِ . قَالُوا : وَقَوْله : { وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبهُمْ اللَّه } فِي الْآخِرَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12419 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مَنْصُور الرَّمَادِيّ , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا عِكْرِمَة , عَنْ أَبِي زُمَيْل , عَنْ اِبْن عَبَّاس : إِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ يَقُولُونَ : لَبَّيْكَ لَا شَرِيك لَك لَبَّيْكَ , فَيَقُول النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " قَدْ قَدْ ! " فَيَقُولُونَ : لَا شَرِيك لَك إِلَّا شَرِيك هُوَ لَك تَمْلِكهُ وَمَا مَلَكَ , وَيَقُولُونَ : غُفْرَانك غُفْرَانك . فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } . فَقَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَ فِيهِمْ أَمَانَانِ : نَبِيّ اللَّه وَالِاسْتِغْفَار , قَالَ : فَذَهَبَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَقِيَ الِاسْتِغْفَار . { وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبهُمْ اللَّه وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ } قَالَ : فَهَذَا عَذَاب الْآخِرَة , قَالَ : وَذَاكَ عَذَاب الدُّنْيَا . 12420 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثَنَا أَبُو مَعْشَر , عَنْ يَزِيد بْن رُومَان وَمُحَمَّد بْن قَيْس قَالَا : قَالَتْ قُرَيْش بَعْضهَا لِبَعْضٍ : مُحَمَّد أَكْرَمَهُ اللَّه مِنْ بَيْننَا { اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدك فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا } الْآيَة ; فَلَمَّا أَمْسَوْا نَدِمُوا عَلَى مَا قَالُوا , فَقَالُوا : غُفْرَانك اللَّهُمَّ ! فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } إِلَى قَوْله : { لَا يَعْلَمُونَ } . 12421 - حَدَّثَنِي اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ : كَانُوا يَقُولُونَ : - يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ - وَاَللَّه إِنَّ اللَّه لَا يُعَذِّبنَا وَنَحْنُ نَسْتَغْفِر , وَلَا يُعَذِّب أُمَّة وَنَبِيّهَا مَعَهَا حَتَّى يُخْرِجهُ عَنْهَا ! وَذَلِكَ مِنْ قَوْله وَرَسُول لِلَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْن أَظْهُرهمْ , فَقَالَ اللَّه لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُر لَهُ جَهَالَتهمْ وَغِرَّتهمْ وَاسْتِفْتَاحهمْ عَلَى أَنْفُسهمْ , إِذْ قَالُوا { اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدك فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَة مِنْ السَّمَاء } كَمَا أَمْطَرْتهَا عَلَى قَوْم لُوط , وَقَالَ حِين نَعَى عَلَيْهِمْ سُوء أَعْمَالهمْ : { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } , أَيْ بِقَوْلِهِمْ , وَإِنْ كَانُوا يَسْتَغْفِرُونَ كَمَا قَالَ : { وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام } مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَعَبَدَهُ , أَيْ أَنْتَ وَمَنْ تَبِعَك . 12422 - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن الصَّبَّاح الْبَزَّار , قَالَ : ثنا أَبُو بُرْدَة , عَنْ أَبِي مُوسَى , قَالَ : إِنَّهُ كَانَ فِيكُمْ أَمَانَانِ : قَوْله : { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } قَالَ : أَمَّا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ مَضَى , وَأَمَّا الِاسْتِغْفَار فَهُوَ دَائِر فِيكُمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . 12423 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا يُونُس بْن أَبِي إِسْحَاق , عَنْ عَامِر أَبِي الْخَطَّاب الثَّوْرِيّ قَالَ : سَمِعْت أَبَا الْعَلَاء يَقُول : كَانَ لِأُمَّةِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَنَتَانِ : فَذَهَبَتْ إِحْدَاهُمَا , وَبَقِيَتْ الْأُخْرَى : { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ } الْآيَة . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ يَا مُحَمَّد , وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّب الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ , أَيْ : لَوْ اِسْتَغْفَرُوا . قَالُوا : وَلَمْ يَكُونُوا يَسْتَغْفِرُونَ ; فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِذْ لَمْ يَكُونُوا يَسْتَغْفِرُونَ : { وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبهُمْ اللَّه وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام } . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12424 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } قَالَ : إِنَّ الْقَوْم لَمْ يَكُونُوا يَسْتَغْفِرُونَ , وَلَوْ كَانُوا يَسْتَغْفِرُونَ مَا عُذِّبُوا . وَكَانَ بَعْض أَهْل الْعِلْم يَقُول : هُمَا أَمَانَانِ أَنْزَلَهُمَا اللَّه , فَأَمَّا أَحَدهمَا فَمَضَى نَبِيّ اللَّه , وَأَمَّا الْآخَر فَأَبْقَاهُ اللَّه رَحْمَة بَيْن أَظْهُركُمْ , الِاسْتِغْفَار وَالتَّوْبَة . 12425 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : قَالَ اللَّه لِرَسُولِهِ : { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } يَقُول : مَا كُنْت أُعَذِّبهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ , وَلَوْ اِسْتَغْفَرُوا وَأَقَرُّوا بِالذُّنُوبِ لَكَانُوا مُؤْمِنِينَ , وَكَيْفَ لَا أُعَذِّبهُمْ وَهُمْ لَا يَسْتَغْفِرُونَ , وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبهُمْ اللَّه وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ مُحَمَّد وَعَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام ! 12426 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } قَالَ : يَقُول : لَوْ اِسْتَغْفَرُوا لَمْ أُعَذِّبهُمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَهُمْ يُسْلِمُونَ . قَالُوا : وَاسْتِغْفَارهمْ كَانَ فِي هَذَا الْمَوْضِع : إِسْلَامهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12427 - حَدَّثَنَا سَوَّار بْن عَبْد اللَّه , قَالَ : ثنا عَبْد الْمَلِك بْن الصَّبَّاح , قَالَ : ثنا عِمْرَان بْن حُدَيْر , عَنْ عِكْرِمَة , فِي قَوْله : { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } . قَالَ : سَأَلُوا الْعَذَاب , فَقَالَ : لَمْ يَكُنْ لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ , وَلَمْ يَكُنْ لِيُعَذِّبهُمْ وَهُمْ يَدْخُلُونَ فِي الْإِسْلَام . 12428 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَأَنْتَ فِيهِمْ } قَالَ : بَيْن أَظْهُرهمْ . وَقَوْله : { وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } قَالَ : يُسْلِمُونَ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ } بَيْن أَظْهُرهمْ { وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } قَالَ : وَهُمْ يُسْلِمُونَ . { وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبهُمْ اللَّه وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام } . * - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ } قَالَ : بَيْن أَظْهُرهمْ . { وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } قَالَ : دُخُولهمْ فِي الْإِسْلَام . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : وَفِيهِمْ مَنْ قَدْ سَبَقَ لَهُ مِنْ اللَّه الدُّخُول فِي الْإِسْلَام . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12429 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ } يَقُول : مَا كَانَ اللَّه سُبْحَانه يُعَذِّب قَوْمًا وَأَنْبِيَاؤُهُمْ بَيْن أَظْهُرهمْ حَتَّى يُخْرِجهُمْ . ثُمَّ قَالَ : { وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } يَقُول : وَمِنْهُمْ مَنْ قَدْ سَبَقَ لَهُ مِنْ اللَّه الدُّخُول فِي الْإِيمَان , وَهُوَ الِاسْتِغْفَار , ثُمَّ قَالَ : { وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبهُمْ اللَّه } فَعَذَّبَهُمْ يَوْم بَدْر بِالسَّيْفِ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَاهُ : وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12430 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } يَعْنِي : يُصَلُّونَ , يَعْنِي بِهَذَا أَهْل مَكَّة . 12431 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن الْمَسْرُوقِيّ , قَالَ : ثنا حُسَيْن الْجُعْفِيّ , عَنْ زَائِدَة , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } قَالَ : يُصَلُّونَ . 12432 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم يَقُول فِي قَوْله : { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ } يَعْنِي : أَهْل مَكَّة , يَقُول : لَمْ أَكُنْ لِأُعَذِّبكُمْ وَفِيكُمْ مُحَمَّد . ثُمَّ قَالَ : { وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } يَعْنِي : يُؤْمِنُونَ وَيُصَلُّونَ . * - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا جَرِير , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } قَالَ : وَهُمْ يُصَلُّونَ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّب الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ . قَالُوا : ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : { وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبهُمْ اللَّه وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام } . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12433 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , عَنْ الْحُسَيْن بْن وَاقِد , عَنْ يَزِيد النَّحْوِيّ , عَنْ عِكْرِمَة وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ , قَالَا : قَالَ فِي الْأَنْفَال : { وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } فَنَسَخَتْهَا الْآيَة الَّتِي تَلِيهَا : { وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبهُمْ اللَّه } إِلَى قَوْله : { فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } فَقُوتِلُوا بِمَكَّة , وَأَصَابَهُمْ فِيهَا الْجُوع وَالْحَصْر . وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال عِنْدِي فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ : تَأْوِيله : وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ يَا مُحَمَّد وَبَيْن أَظْهُرهمْ مُقِيم , حَتَّى أُخْرِجك مِنْ بَيْن أَظْهُرهمْ ; لِأَنِّي لَا أُهْلِك قَرْيَة وَفِيهَا نَبِيّهَا . وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ مِنْ ذُنُوبهمْ وَكُفْرهمْ , وَلَكِنَّهُمْ لَا يَسْتَغْفِرُونَ مِنْ ذَلِكَ , بَلْ هُمْ مُصِرُّونَ عَلَيْهِ , فَهُمْ لِلْعَذَابِ مُسْتَحِقُّونَ , كَمَا يُقَال : مَا كُنْت لِأُحْسِن إِلَيْك وَأَنْتَ تُسِيء إِلَيَّ , يُرَاد بِذَلِكَ : لَا أُحْسِن إِلَيْك إِذَا أَسَأْت إِلَيَّ وَلَوْ أَسَأْت إِلَيَّ لَمْ أُحْسِن إِلَيْك , وَلَكِنْ أُحْسِن إِلَيْك لِأَنَّك لَا تُسِيء إِلَيَّ ; وَكَذَلِكَ ذَلِكَ . ثُمَّ قِيلَ : { وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبهُمْ اللَّه وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام } بِمَعْنَى : وَمَا شَأْنهمْ وَمَا يَمْنَعهُمْ أَنْ يُعَذِّبهُمْ اللَّه وَهُمْ لَا يَسْتَغْفِرُونَ اللَّه مِنْ كُفْرهمْ فَيُؤْمِنُوا بِهِ , وَهُمْ يَصُدُّونَ الْمُؤْمِنِينَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام . وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا الْقَوْل أَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ , لِأَنَّ الْقَوْم - أَعْنِي مُشْرِكِي مَكَّة - كَانُوا اِسْتَعْجَلُوا الْعَذَاب , فَقَالُوا : اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد هُوَ الْحَقّ , فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَة مِنْ السَّمَاء أَوْ اِئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيم ! فَقَالَ اللَّه لِنَبِيِّهِ : مَا كُنْت لِأُعَذِّبهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كُنْت لِأُعَذِّبهُمْ لَوْ اِسْتَغْفِرُوا , وَكَيْفَ لَا أُعَذِّبهُمْ بَعْد إِخْرَاجك مِنْهُمْ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام ! فَأَعْلَمَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ الَّذِينَ اِسْتَعْجَلُوا الْعَذَاب حَائِق بِهِمْ وَنَازِل , وَأَعْلَمَهُمْ حَال نُزُوله بِهِمْ , وَذَلِكَ بَعْد إِخْرَاجه إِيَّاهُ مِنْ بَيْن أَظْهُرهمْ . وَلَا وَجْه لِإِيعَادِهِمْ الْعَذَاب فِي الْآخِرَة , وَهُمْ مُسْتَعْجِلُوهُ فِي الْعَاجِل , وَلَا شَكّ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَة إِلَى الْعَذَاب صَائِرُونَ , بَلْ فِي تَعْجِيل اللَّه لَهُمْ ذَلِكَ يَوْم بَدْر الدَّلِيل الْوَاضِح عَلَى أَنَّ الْقَوْل فِي ذَلِكَ مَا قُلْنَا . وَكَذَلِكَ لَا وَجْه لِقَوْلِ مَنْ وَجَّهَ قَوْله : { وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } إِلَى أَنَّهُ عُنِيَ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ , وَهُوَ فِي سِيَاق الْخَبَر عَنْهُمْ وَعَمَّا اللَّه فَاعِل بِهِمْ , وَلَا دَلِيل عَلَى أَنَّ الْخَبَر عَنْهُمْ قَدْ تَقَضَّى , وَعَلَى أَنَّ ذَلِكَ بِهِ عُنُوا , وَلَا خِلَاف فِي تَأْوِيله مِنْ أَهْله مَوْجُود . وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَا وَجْه لِقَوْلِ مَنْ قَالَ : ذَلِكَ مَنْسُوخ بِقَوْلِهِ : { وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبهُمْ اللَّه وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام } الْآيَة , لِأَنَّ قَوْله جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } خَبَر , وَالْخَبَر لَا يَجُوز أَنْ يَكُون فِيهِ نَسْخ , وَإِنَّمَا يَكُون النَّسْخ لِلْأَمْرِ وَالنَّهْي . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعَرَبِيَّة فِي وَجْه دُخُول " أَنَّ " فِي قَوْله : { وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبهُمْ اللَّه } فَقَالَ بَعْض نَحْوِيِّي الْبَصْرَة : هِيَ زَائِدَة هَاهُنَا , وَقَدْ عَمِلَتْ كَمَا عَمِلَتْ " لَا " وَهِيَ زَائِدَة , وَجَاءَ فِي الشِّعْر : لَوْ لَمْ تَكُنْ غَطَفَان لَا ذُنُوب لَهَا إِلَيَّ لَامَ ذَوُو أَحْسَابِهَا عُمَرَا وَقَدْ أُنْكِرَ ذَلِكَ مِنْ قَوْله بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة , وَقَالَ : لَمْ تَدْخُل " أَنَّ " إِلَّا لِمَعْنًى صَحِيح , لِأَنَّ مَعْنَى { وَمَا لَهُمْ } مَا يَمْنَعهُمْ مِنْ أَنْ يُعَذَّبُوا , قَالَ : فَدَخَلَتْ " أَنَّ " لِهَذَا الْمَعْنَى , وَأَخْرَجَ ب " لَا " , لِيُعْلَم أَنَّهُ بِمَعْنَى الْجَحْد , لِأَنَّ الْمَنْع جَحْد . قَالَ : و " لَا " فِي الْبَيْت صَحِيح مَعْنَاهَا , لِأَنَّ الْجَحْد إِذَا وَقَعَ عَلَيْهِ جَحْد صَارَ خَبَرًا . وَقَالَ : أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلك : مَا زَيْد لَيْسَ قَائِمًا , فَقَدْ أَوْجَبْت الْقِيَام ؟ قَالَ : وَكَذَلِكَ وَ " لَا " فِي هَذَا الْبَيْت .
وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبهُمْ اللَّه وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرهمْ لَا يَعْلَمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَا لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ أَلَّا يُعَذِّبهُمْ اللَّه وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام , وَلَمْ يَكُونُوا أَوْلِيَاء اللَّه { إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ } يَقُول : مَا أَوْلِيَاء اللَّه إِلَّا الْمُتَّقُونَ , يَعْنِي : الَّذِينَ يَتَّقُونَ اللَّه بِأَدَاءِ فَرَائِضه , وَاجْتِنَاب مَعَاصِيه . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12434 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحَمْد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ } هُمْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 12435 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ } مَنْ كَانُوا وَحَيْثُ كَانُوا . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 12436 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ } الَّذِينَ يَخْرُجُونَ مِنْهُ , وَيُقِيمُونَ الصَّلَاة عِنْده , أَيْ : أَنْتَ يَعْنِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ آمَنَ بِك .
يَقُول : وَلَكِنَّ أَكْثَر الْمُشْرِكِينَ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ أَوْلِيَاء اللَّه الْمُتَّقُونَ , بَلْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ أَوْلِيَاء اللَّه .
يَقُول : وَلَكِنَّ أَكْثَر الْمُشْرِكِينَ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ أَوْلِيَاء اللَّه الْمُتَّقُونَ , بَلْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ أَوْلِيَاء اللَّه .
وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا كَانَ صَلَاتهمْ عِنْد الْبَيْت إِلَّا مُكَاء وَتَصْدِيَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَا لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ أَلَّا يُعَذِّبهُمْ اللَّه وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام الَّذِي يُصَلُّونَ لِلَّهِ فِيهِ وَيَعْبُدُونَهُ , وَلَمْ يَكُونُوا لِلَّهِ أَوْلِيَاء , بَلْ أَوْلِيَاؤُهُ الَّذِينَ يَصُدُّونَهُمْ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام وَهُمْ لَا يُصَلُّونَ فِي الْمَسْجِد الْحَرَام . { وَمَا كَانَ صَلَاتهمْ عِنْد الْبَيْت } يَعْنِي : بَيْت اللَّه الْعَتِيق , { إِلَّا مُكَاء } وَهُوَ الصَّفِير , يُقَال مِنْهُ : مَكَا يَمْكُو مَكْوًا وَمُكَاء , وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الْمَكْو : أَنْ يَجْمَع الرَّجُل يَدَيْهِ ثُمَّ يُدْخِلهُمَا فِي فِيهِ ثُمَّ يَصِيح , وَيُقَال مِنْهُ : مَكَتْ اِسْت الدَّابَّة مُكَاء : إِذَا نُفِخَتْ بِالرِّيحِ , وَيُقَال : إِنَّهُ لَا يَمْكُو إِلَّا اِسْت مَكْشُوفَة , وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلِاسْتِ الْمَكْوَة , سُمِّيَتْ بِذَلِكَ ; وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل عَنْتَرَة : وَحَلِيلِ غَانِيَة تَرَكْت مُجَدَّلًا تَمْكُو فَرِيصَته كَشِدْقِ الْأَعْلَم وَقَوْل الطِّرِمَّاح : فَنَحَا لِأُولَاهَا بِطَعْنَةِ مُحْفَظ تَمْكُو جَوَانِبهَا مِنْ الْإِنْهَار بِمَعْنَى : تُصَوِّت . وَأَمَّا التَّصْدِيَة فَإِنَّهَا التَّصْفِيق , يُقَال مِنْهُ : صَدَّى يُصَدِّي تَصْدِيَة , وَصَفَّقَ وَصَفَّحَ بِمَعْنًى وَاحِد . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12437 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ مُوسَى بْن قَيْس عَنْ حُجْر بْن عَنْبَس : { إِلَّا مُكَاء وَتَصْدِيَة } قَالَ : الْمُكَاء : التَّصْفِير , وَالتَّصْدِيَة : التَّصْفِيق . 12438 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : قَوْله : { وَمَا كَانَ صَلَاتهمْ عِنْد الْبَيْت إِلَّا مُكَاء وَتَصْدِيَة } الْمُكَاء : التَّصْفِير , وَالتَّصْدِيَة : التَّصْفِيق . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَمَا كَانَ صَلَاتهمْ عِنْد الْبَيْت إِلَّا مُكَاء وَتَصْدِيَة } يَقُول : كَانَتْ صَلَاة الْمُشْرِكِينَ عِنْد الْبَيْت مُكَاء , يَعْنِي : التَّصْفِير , وَتَصْدِيَة يَقُول : التَّصْفِيق . 12439 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة الْأَسَدِيّ , قَالَ : ثنا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا فُضَيْل , عَنْ عَطِيَّة : { وَمَا كَانَ صَلَاتهمْ عِنْد الْبَيْت إِلَّا مُكَاء وَتَصْدِيَة } قَالَ : التَّصْفِيق وَالصَّفِير . 12440 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ قُرَّة بْن خَالِد , عَنْ عَطِيَّة , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : الْمُكَاء : التَّصْفِيق , وَالتَّصْدِيَة : الصَّفِير . قَالَ : وَأَمَالَ اِبْن عُمَر خَدّه إِلَى جَانِب . 12441 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا وَكِيع , عَنْ قُرَّة بْن خَالِد , عَنْ عَطِيَّة , عَنْ اِبْن عُمَر : { وَمَا كَانَ صَلَاتهمْ عِنْد الْبَيْت إِلَّا مُكَاء وَتَصْدِيَة } قَالَ : الْمُكَاء وَالتَّصْدِيَة : الصَّفِير وَالتَّصْفِيق . * - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثَنَا الْقَاسِم , قَالَ سَمِعْت مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يُحَدِّث عَنْ قُرَّة بْن خَالِد , عَنْ عَطِيَّة الْعَوْفِيّ , عَنْ اِبْن عُمَر , قَالَ : الْمُكَاء : الصَّفِير , وَالتَّصَدِّيَة : التَّصْفِيق . * - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا أَبُو عَامِر , قَالَ : ثنا قُرَّة , عَنْ عَطِيَّة , عَنْ اِبْن عُمَر , فِي قَوْله : { وَمَا كَانَ صَلَاتهمْ عِنْد الْبَيْت إِلَّا مُكَاء وَتَصْدِيَة } قَالَ : الْمُكَاء : الصَّفِير , وَالتَّصْدِيَة : التَّصْفِيق . وَقَالَ قُرَّة : وَحَكَى لَنَا عَطِيَّة فِعْل اِبْن عُمَر , فَصَفَّرَ وَأَمَالَ خَدّه وَصَفَّقَ بِيَدَيْهِ . 12442 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي بَكْر بْن مُضَر , عَنْ جَعْفَر بْن رَبِيعَة , قَالَ : سَمِعْت أَبَا سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف يَقُول فِي قَوْل اللَّه : { وَمَا كَانَ صَلَاتهمْ عِنْد الْبَيْت إِلَّا مُكَاء وَتَصْدِيَة } قَالَ بَكْر : فَجَمَعَ لِي جَعْفَر كَفَّيْهِ , ثُمَّ نَفَخَ فِيهِمَا صَفِيرًا , كَمَا قَالَ لَهُ أَبُو سَلَمَة . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : الْمُكَاء : الصَّفِير , وَالتَّصْدِيَة : التَّصْفِيق . * - قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سَلَمَة بْن سَابُور , عَنْ عَطِيَّة , عَنْ اِبْن عُمَر : { وَمَا كَانَ صَلَاتهمْ عِنْد الْبَيْت إِلَّا مُكَاء وَتَصْدِيَة } قَالَ : تَصْفِير وَتَصْفِيق . * - قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا فُضَيْل بْن مَرْزُوق , عَنْ عَطِيَّة , عَنْ اِبْن عُمَر , مِثْله . 12443 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا حَبُّويَة أَبُو يَزِيد , عَنْ يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَتْ قُرَيْش يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ وَهُمْ عُرَاة يُصَفِّرُونَ وَيُصَفِّقُونَ , فَأَنْزَلَ اللَّه : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَة اللَّه الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ } 7 32 فَأُمِرُوا بِالثِّيَابِ . 12444 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحِمَّانِيّ , قَالَ : ثَنَا شَرِيك , عَنْ سَالِم , عَنْ سَعِيد , قَالَ : كَانَتْ قُرَيْش يُعَارِضُونَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الطَّوَاف يَسْتَهْزِئُونَ بِهِ , يُصَفِّرُونَ بِهِ وَيُصَفِّقُونَ , فَنَزَلَتْ : { وَمَا كَانَ صَلَاتهمْ عِنْد الْبَيْت إِلَّا مُكَاء وَتَصْدِيَة } . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد : { إِلَّا مُكَاء } قَالَ : كَانُوا يَنْفُخُونَ فِي أَيْدِيهمْ , وَالتَّصْدِيَة : التَّصْفِيق . 12445 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { إِلَّا مُكَاء وَتَصْدِيَة } قَالَ : الْمُكَاء : إِدْخَال أَصَابِعهمْ فِي أَفْوَاههمْ , وَالتَّصْدِيَة : التَّصْفِيق , يَخْلِطُونَ بِذَلِكَ عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . * - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله , إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ صَلَاته . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : الْمُكَاء , إِدْخَال أَصَابِعهمْ فِي أَفْوَاههمْ , وَالتَّصْدِيَة : التَّصْفِيق . قَالَ نَفَر مِنْ بَنِي عَبْد الدَّار كَانُوا يَخْلِطُونَ بِذَلِكَ كُلّه عَلَى مُحَمَّد صَلَاته . 12446 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا طَلْحَة بْن عَمْرو , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { وَمَا كَانَ صَلَاتهمْ عِنْد الْبَيْت إِلَّا مُكَاء وَتَصْدِيَة } قَالَ : مِنْ بَيْن الْأَصَابِع . قَالَ أَحْمَد : سَقَطَ عَلَيَّ حَرْف وَمَا أُرَاهُ إِلَّا الْخَذْف وَالنَّفْخ وَالصَّفِير مِنْهَا ; وَأَرَانِي سَعِيد بْن جُبَيْر حَيْثُ كَانُوا يَمْكُونَ مِنْ نَاحِيَة أَبِي قُبَيْس . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق بْن سُلَيْمَان , قَالَ : أَخْبَرَنَا طَلْحَة بْن عَمْرو , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : { وَمَا كَانَ صَلَاتهمْ عِنْد الْبَيْت إِلَّا مُكَاء وَتَصْدِيَة } قَالَ : الْمُكَاء : كَانُوا يُشَبِّكُونَ بَيْن أَصَابِعهمْ وَيُصَفِّرُونَ بِهَا , فَذَلِكَ الْمُكَاء . قَالَ : وَأَرَانِي سَعِيد بْن جُبَيْر الْمَكَان الَّذِي كَانُوا يَمْكُونَ فِيهِ نَحْو أَبِي قُبَيْس . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن حَرْب , قَالَ : ثنا اِبْن لَهِيعَة , عَنْ جَعْفَر بْن رَبِيعَة , عَنْ أَبِي سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن , فِي قَوْله : { مُكَاء وَتَصْدِيَة } قَالَ : الْمُكَاء : النَّفْخ , وَأَشَارَ بِكَفِّهِ قِبَل فِيهِ , وَالتَّصْدِيَة : التَّصْفِيق . 12447 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا الْمُحَارِبِيّ , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , قَالَ : الْمُكَاء : الصَّفِير , وَالتَّصْدِيَة : التَّصْفِيق . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك , مِثْله . 11748 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَمَا كَانَ صَلَاتهمْ عِنْد الْبَيْت إِلَّا مُكَاء وَتَصْدِيَة } قَالَ : كُنَّا نُحَدَّث أَنَّ الْمُكَاء : التَّصْفِيق بِالْأَيْدِي , وَالتَّصْدِيَة : صِيَاح كَانُوا يُعَارِضُونَ بِهِ الْقُرْآن . 12449 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { مُكَاء وَتَصْدِيَة } قَالَ : الْمُكَاء : التَّصْفِير , وَالتَّصْدِيَة : التَّصْفِيق . 12450 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَمَا كَانَ صَلَاتهمْ عِنْد الْبَيْت إِلَّا مُكَاء وَتَصْدِيَة } وَالْمُكَاء : الصَّفِير , عَلَى نَحْو طَيْر أَبْيَض يُقَال لَهُ الْمُكَاء يَكُون بِأَرْضِ الْحِجَاز وَالتَّصْدِيَة : التَّصْفِيق . 12451 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَمَا كَانَ صَلَاتهمْ عِنْد الْبَيْت إِلَّا مُكَاء وَتَصْدِيَة } قَالَ : الْمُكَاء : صَفِير كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يُعْلِنُونَ بِهِ . قَالَ : وَقَالَ فِي الْمُكَاء أَيْضًا : صَفِير فِي أَيْدِيهمْ وَلَعِب . وَقَدْ قِيلَ فِي التَّصْدِيَة : إِنَّهَا الصَّدّ عَنْ بَيْت اللَّه الْحَرَام . وَذَلِكَ قَوْل لَا وَجْه لَهُ لِأَنَّ التَّصْدِيَة مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : صَدَّيْت تَصْدِيَة . وَأَمَّا الصَّدّ فَلَا يُقَال مِنْهُ : صَدَّيْت , إِنَّمَا يُقَال مِنْهُ صَدَدْت , فَإِنْ شَدَّدْت مِنْهَا الدَّال عَلَى مَعْنَى تَكْرِير الْفِعْل , قِيلَ : صَدَّدْت تَصْدِيدًا , إِلَّا أَنْ يَكُون صَاحِب هَذَا الْقَوْل وَجَّهَ التَّصْدِيَة إِلَى أَنَّهُ مِنْ صَدَّدْت , ثُمَّ قُلِبَتْ إِحْدَى دَالَيْهِ يَاء , كَمَا يُقَال : تَظَنَّيْت مِنْ ظَنَنْت , وَكَمَا قَالَ الرَّاجِز : تَقَضِّي الْبَازِي إِذَا الْبَازِي كَسَرْ يَعْنِي : تَقَضَّضَ الْبَازِي , فَقُلِبَ إِحْدَى ضَادَيْهِ يَاء , فَيَكُون ذَلِكَ وَجْهًا يُوَجَّه إِلَيْهِ . ذِكْر مَنْ قَالَ مَا ذَكَرْنَا فِي تَأْوِيل التَّصْدِيَة : 12452 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا طَلْحَة بْن عَمْرو , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { وَمَا كَانَ صَلَاتهمْ عِنْد الْبَيْت إِلَّا مُكَاء وَتَصْدِيَة } صَدَّهُمْ عَنْ بَيْت اللَّه الْحَرَام . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن سُلَيْمَان , قَالَ : أَخْبَرَنَا طَلْحَة بْن عَمْرو , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { وَتَصْدِيَة } قَالَ : التَّصْدِيَة : صَدّهمْ النَّاس عَنْ الْبَيْت الْحَرَام . 12453 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَتَصْدِيَة } قَالَ : التَّصْدِيَة عَنْ سَبِيل اللَّه , وَصَدّهمْ عَنْ الصَّلَاة وَعَنْ دِين اللَّه . 12454 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { وَمَا كَانَ صَلَاتهمْ عِنْد الْبَيْت إِلَّا مُكَاء وَتَصْدِيَة } قَالَ : مَا كَانَ صَلَاتهمْ الَّتِي يَزْعُمُونَ أَنَّهَا يُدْرَأ بِهَا عَنْهُمْ إِلَّا مُكَاء وَتَصْدِيَة , وَذَلِكَ مَا لَا يَرْضَى اللَّه وَلَا يُحِبّ , وَلَا مَا اِفْتَرَضَ عَلَيْهِمْ وَلَا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ .
وَأَمَّا قَوْله : { فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي الْعَذَاب الَّذِي وَعَدَهُمْ بِهِ بِالسَّيْفِ يَوْم بَدْر , يَقُول لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا : { اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدك فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَة مِنْ السَّمَاء } الْآيَة , حِين أَتَاهُمْ بِمَا اِسْتَعْجَلُوهُ مِنْ الْعَذَاب : ذُوقُوا : أَيْ اِطْعَمُوا , وَلَيْسَ بِذَوْقٍ بِفَمٍ , وَلَكِنَّهُ ذَوْق بِالْحِسِّ , وَوُجُود طَعْم أَلَمه بِالْقُلُوبِ . يَقُول لَهُمْ : فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُمْ تَجْحَدُونَ أَنَّ اللَّه مُعَذِّبكُمْ بِهِ عَلَى جُحُودكُمْ تَوْحِيد رَبّكُمْ وَرِسَالَة نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12455 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } أَيْ مَا أَوْقَعَ اللَّه بِهِمْ يَوْم بَدْر مِنْ الْقَتْل . 12456 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } قَالَ : هَؤُلَاءِ أَهْل بَدْر يَوْم عَذَّبَهُمْ اللَّه . 12457 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } يَعْنِي أَهْل بَدْر عَذَّبَهُمْ اللَّه يَوْم بَدْر بِالْقَتْلِ وَالْأَسْر .
وَأَمَّا قَوْله : { فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } فَإِنَّهُ يَعْنِي الْعَذَاب الَّذِي وَعَدَهُمْ بِهِ بِالسَّيْفِ يَوْم بَدْر , يَقُول لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا : { اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدك فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَة مِنْ السَّمَاء } الْآيَة , حِين أَتَاهُمْ بِمَا اِسْتَعْجَلُوهُ مِنْ الْعَذَاب : ذُوقُوا : أَيْ اِطْعَمُوا , وَلَيْسَ بِذَوْقٍ بِفَمٍ , وَلَكِنَّهُ ذَوْق بِالْحِسِّ , وَوُجُود طَعْم أَلَمه بِالْقُلُوبِ . يَقُول لَهُمْ : فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُمْ تَجْحَدُونَ أَنَّ اللَّه مُعَذِّبكُمْ بِهِ عَلَى جُحُودكُمْ تَوْحِيد رَبّكُمْ وَرِسَالَة نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12455 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } أَيْ مَا أَوْقَعَ اللَّه بِهِمْ يَوْم بَدْر مِنْ الْقَتْل . 12456 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } قَالَ : هَؤُلَاءِ أَهْل بَدْر يَوْم عَذَّبَهُمْ اللَّه . 12457 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } يَعْنِي أَهْل بَدْر عَذَّبَهُمْ اللَّه يَوْم بَدْر بِالْقَتْلِ وَالْأَسْر .
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيل اللَّه فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُون عَلَيْهِمْ حَسْرَة ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّم يُحْشَرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ , فَيُعْطُونَهَا أَمْثَالهمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ لِيَتَقَوَّوْا بِهَا عَلَى قِتَال رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ , لِيَصُدُّوا الْمُؤْمِنِينَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله , عَنْ الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَرَسُوله , فَسَيُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ فِي ذَلِكَ { ثُمَّ تَكُون } نَفَقَتهمْ تِلْكَ { عَلَيْهِمْ حَسْرَة } يَقُول : تَصِير نَدَامَة عَلَيْهِمْ , لِأَنَّ أَمْوَالهمْ تَذْهَب , وَلَا يَظْفَرُونَ بِمَا يَأْمُلُونَ وَيَطْمَعُونَ فِيهِ مِنْ إِطْفَاء نُور اللَّه , وَإِعْلَاء كَلِمَة الْكُفْر عَلَى كَلِمَة اللَّه , لِأَنَّ اللَّه مُعْلٍ كَلِمَته , وَجَاعِل كَلِمَة الْكُفْر السُّفْلَى , ثُمَّ يَغْلِبهُمْ الْمُؤْمِنُونَ , وَيَحْشُر اللَّه الَّذِينَ كَفَرُوا بِهِ وَبِرَسُولِهِ إِلَى جَهَنَّم , فَيُعَذَّبُونَ فِيهَا , فَأَعْظِمْ بِهَا حَسْرَة وَنَدَامَة لِمَنْ عَاشَ مِنْهُمْ وَمَنْ هَلَكَ ! أَمَّا الْحَيّ فَحُرِمَ مَاله وَذَهَبَ بَاطِلًا فِي غَيْر دَرْك وَلَا نَفْع وَرَجَعَ مَغْلُوبًا مَقْهُورًا مَحْزُونًا مَسْلُوبًا ; وَأَمَّا الْهَالِك : فَقُتِلَ وَسُلِبَ وَعُجِّلَ بِهِ إِلَى نَار اللَّه يَخْلُد فِيهَا , نَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ غَضَبه ! وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى النَّفَقَة الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه فِي هَذِهِ الْآيَة فِيمَا ذَكَرَ أَبَا سُفْيَان . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12458 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب الْقُمِّيّ , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ } الْآيَة { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّم يُحْشَرُونَ } قَالَ : نَزَلَتْ فِي أَبِي سُفْيَان بْن حَرْب اِسْتَأْجَرَ يَوْم أُحُد أَلْفَيْنِ مِنْ الْأَحَابِيش مِنْ بَنِي كِنَانَة , فَقَاتَلَ بِهِمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُمْ الَّذِينَ يَقُول فِيهِمْ كَعْب بْن مَالِك : وَجِئْنَا إِلَى مَوْج مِنْ الْبَحْر وَسْطه أَحَابِيش مِنْهُمْ حَاسِر وَمُقَنَّع ثَلَاثَة آلَاف وَنَحْنُ نَصِيَّة ثَلَاث مِئِينَ إِنْ كَثُرْنَا فَأَرْبَعُ 12459 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا إِسْحَاق بْن إِسْمَاعِيل , عَنْ يَعْقُوب الْقُمِّيّ , عَنْ جَعْفَر , عَنْ اِبْن أَبْزَى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيل اللَّه } قَالَ : نَزَلَتْ فِي أَبِي سُفْيَان , اِسْتَأْجَرَ يَوْم أُحُد أَلْفَيْنِ لِيُقَاتِل بِهِمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِوَى مَنْ اِسْتَجَاشَ مِنْ الْعَرَب . 12460 - قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبِي عَنْ خَطَّاب بْن عُثْمَان الْعُصْفُرِيّ , عَنْ الْحَكَم بْن عُتَيْبَة : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيل اللَّه } قَالَ : نَزَلَتْ فِي أَبِي سُفْيَان , أَنْفَقَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ يَوْم أُحُد أَرْبَعِينَ أُوقِيَّة مِنْ ذَهَب , وَكَانَتْ الْأُوقِيَّة يَوْمئِذٍ اِثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ مِثْقَالًا . 12461 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيل اللَّه } الْآيَة , قَالَ : لَمَّا قَدِمَ أَبُو سُفْيَان بِالْعِيرِ إِلَى مَكَّة , أَنْشَدَ النَّاس وَدَعَاهُمْ إِلَى الْقِتَال حَتَّى غَزَا نَبِيّ اللَّه مِنْ الْعَام الْمُقْبِل , وَكَانَتْ بَدْر فِي رَمَضَان يَوْم الْجُمْعَة صَبِيحَة سَابِع عَشْرَة مِنْ شَهْر رَمَضَان , وَكَانَتْ أُحُد فِي شَوَّال يَوْم السَّبْت لِإِحْدَى عَشْرَة خَلَتْ مِنْهُ فِي الْعَام الرَّابِع . 12462 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : قَالَ اللَّه فِيمَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ وَمِنْهُمْ أَبُو سُفْيَان يَسْتَأْجِرُونَ الرِّجَال يُقَاتِلُونَ مُحَمَّدًا بِهِمْ : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيل اللَّه } وَهُوَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُون عَلَيْهِمْ حَسْرَة } يَقُول : نَدَامَة يَوْم الْقِيَامَة وَوَيْلًا { ثُمَّ يُغْلَبُونَ } . 12463 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْل اللَّه : { يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيل اللَّه } الْآيَة , حَتَّى قَوْله : { أُولَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ } قَالَ : فِي نَفَقَة أَبِي سُفْيَان عَلَى الْكُفَّار يَوْم أُحُد . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 12464 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَا : ثنا مُحَمَّد بْن مُسْلِم بْن عُبَيْد اللَّه بْن شِهَاب الزُّهْرِيّ وَمُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن حِبَّان وَعَاصِم بْن عُمَر بْن قَتَادَة وَالْحُصَيْن بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَمْرو بْن سَعْد بْن مُعَاذ قَالُوا : لَمَّا أَصَابَتْ الْمُسْلِمُونَ يَوْم بَدْر مِنْ كُفَّار قُرَيْش مِنْ أَصْحَاب الْقَلِيب وَرَجَعَ فَلّهمْ إِلَى مَكَّة , وَرَجَعَ أَبُو سُفْيَان بَعِيره , مَشَى عَبْد اللَّه بْن رَبِيعَة وَعِكْرِمَة بْن أَبِي جَهْل وَصَفْوَان بْن أُمَيَّة فِي رِجَال مِنْ قُرَيْش أُصِيبَ آبَاؤُهُمْ وَأَبْنَاؤُهُمْ وَإِخْوَانهمْ بِبَدْرٍ , فَكَلَّمُوا أَبَا سُفْيَان بْن حَرْب وَمَنْ كَانَ لَهُ فِي تِلْكَ الْعِير مِنْ قُرَيْش تِجَارَة , فَقَالُوا : يَا مَعْشَر قُرَيْش , إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ وَتَرَكُمْ وَقَتَلَ خِيَاركُمْ , فَأَعِينُونَا بِهَذَا الْمَال عَلَى حَرْبه لَعَلَّنَا إِنْ نَدْرِك مِنْهُ ثَأْرًا بِمَنْ أُصِيبَ مِنَّا ! فَفَعَلُوا . قَالَ : فَفِيهِمْ كَمَا ذُكِرَ عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنْزَلَ اللَّه : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ } إِلَى قَوْله : { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّم يُحْشَرُونَ } . 12465 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيل اللَّه } إِلَى قَوْله : { يُحْشَرُونَ } يَعْنِي النَّفَر الَّذِينَ مَشَوْا إِلَى أَبِي سُفْيَان وَإِلَى مَنْ كَانَ لَهُ مَال مِنْ قُرَيْش فِي تِلْكَ التِّجَارَة , فَسَأَلُوهُمْ أَنْ يُعِينُوهُمْ عَلَى حَرْب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَعَلُوا . 12466 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي سَعِيد بْن أَبِي أَيُّوب , عَنْ عَطَاء بْن دِينَار , فِي قَوْل اللَّه : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ } الْآيَة , نَزَلَتْ فِي أَبِي سُفْيَان بْن حَرْب . وَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْل بَدْر . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ . 12467 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيل اللَّه } الْآيَة , قَالَ : هُمْ أَهْل بَدْر . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي مَا قُلْنَا , وَهُوَ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه أَخْبَرَ عَنْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِهِ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْش أَنَّهُمْ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ , لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيل اللَّه , لَمْ يُخْبِرنَا بِأَيِّ أُولَئِكَ عُنِيَ , غَيْر أَنَّهُ عَمَّ بِالْخَبَرِ الَّذِينَ كَفَرُوا , وَجَائِز أَنْ يَكُون عُنِيَ : الْمُنْفِقِينَ أَمْوَالهمْ لِقِتَالِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه بِأُحُدٍ , وَجَائِز أَنْ يَكُون عُنِيَ الْمُنْفِقِينَ مِنْهُمْ ذَلِكَ بِبَدْرٍ , وَجَائِز أَنْ يَكُون عُنِيَ الْفَرِيقَيْنِ . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَالصَّوَاب فِي ذَلِكَ أَنْ يَعُمّ كَمَا عَمَّ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قُرَيْش .
لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { لِيَمِيزَ اللَّه الْخَبِيث مِنْ الطَّيِّب } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : يَحْشُر اللَّه هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ , وَيُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ لِلصَّدِّ عَنْ سَبِيل اللَّه إِلَى جَهَنَّم , لِيُفَرِّق بَيْنهمْ وَهُمْ أَهْل الْخَبَث كَمَا قَالَ وَسَمَّاهُمْ { الْخَبِيث } , وَبَيْن الْمُؤْمِنِينَ بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ , وَهُمْ الطَّيِّبُونَ , كَمَا سَمَّاهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ . فَمَيَّزَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بَيْنهمْ بِأَنْ أَسْكَنَ أَهْل الْإِيمَان بِهِ وَبِرَسُولِهِ جَنَّاته , وَأَنْزَلَ أَهْل الْكُفْر نَاره . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12468 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { لِيَمِيزَ اللَّه الْخَبِيث مِنْ الطَّيِّب } فَمَيَّزَ أَهْل السَّعَادَة مِنْ أَهْل الشَّقَاوَة . 12469 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : ثُمَّ ذَكَرَ الْمُشْرِكِينَ , وَمَا يُصْنَع بِهِمْ يَوْم الْقِيَامَة , فَقَالَ : { لِيَمِيزَ اللَّه الْخَبِيث مِنْ الطَّيِّب } يَقُول : يَمِيز الْمُؤْمِن مِنْ الْكَافِر . { وَيَجْعَل الْخَبِيث بَعْضه عَلَى بَعْض } .
وَيَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَيَجْعَل الْخَبِيث بَعْضه عَلَى بَعْض } فَيَحْمِل الْكُفَّار بَعْضهمْ فَوْق بَعْض .
يَقُول : فَنَجْعَلهُمْ رُكَامًا , وَهُوَ أَنْ يُجْمَع بَعْضهمْ إِلَى بَعْض حَتَّى يَكْثُرُوا , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي صِفَة السَّحَاب : { ثُمَّ يُؤَلِّف بَيْنه ثُمَّ يَجْعَلهُ رُكَامًا } 24 43 أَيْ مُجْتَمِعًا كَثِيفًا . وَكَمَا : 12470 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { فَيَرْكُمهُ جَمِيعًا } قَالَ : فَيَجْمَعهُ جَمِيعًا بَعْضه عَلَى بَعْض .
وَقَوْله : { فَيَجْعَلهُ فِي جَهَنَّم } يَقُول : فَيَجْعَل الْخَبِيث جَمِيعًا فِي جَهَنَّم , فَوَحَّدَ الْخَبَر عَنْهُمْ لِتَوْحِيدِ قَوْله : { لِيَمِيزَ اللَّه الْخَبِيث } ,
ثُمَّ قَالَ : { أُولَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ } فَجَمَعَ وَلَمْ يَقُلْ : ذَلِكَ هُوَ الْخَاسِر , فَرَدَّهُ إِلَى أَوَّل الْخَبَر . وَيَعْنِي ب " أُولَئِكَ " الَّذِينَ كَفَرُوا , وَتَأْوِيله : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيل اللَّه هُمْ الْخَاسِرُونَ . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { الْخَاسِرُونَ } الَّذِينَ غُبِنَتْ صَفْقَتهمْ وَخَسِرَتْ تِجَارَتهمْ ; وَذَلِكَ أَنَّهُمْ شَرَوْا بِأَمْوَالِهِمْ عَذَاب اللَّه فِي الْآخِرَة , وَتَعَجَّلُوا بِإِنْفَاقِهِمْ إِيَّاهَا فِيمَا أَنْفَقُوا مِنْ قِتَال نَبِيّ اللَّه وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ الْخِزْي وَالذُّلّ .
وَيَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : { وَيَجْعَل الْخَبِيث بَعْضه عَلَى بَعْض } فَيَحْمِل الْكُفَّار بَعْضهمْ فَوْق بَعْض .
يَقُول : فَنَجْعَلهُمْ رُكَامًا , وَهُوَ أَنْ يُجْمَع بَعْضهمْ إِلَى بَعْض حَتَّى يَكْثُرُوا , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي صِفَة السَّحَاب : { ثُمَّ يُؤَلِّف بَيْنه ثُمَّ يَجْعَلهُ رُكَامًا } 24 43 أَيْ مُجْتَمِعًا كَثِيفًا . وَكَمَا : 12470 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { فَيَرْكُمهُ جَمِيعًا } قَالَ : فَيَجْمَعهُ جَمِيعًا بَعْضه عَلَى بَعْض .
وَقَوْله : { فَيَجْعَلهُ فِي جَهَنَّم } يَقُول : فَيَجْعَل الْخَبِيث جَمِيعًا فِي جَهَنَّم , فَوَحَّدَ الْخَبَر عَنْهُمْ لِتَوْحِيدِ قَوْله : { لِيَمِيزَ اللَّه الْخَبِيث } ,
ثُمَّ قَالَ : { أُولَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ } فَجَمَعَ وَلَمْ يَقُلْ : ذَلِكَ هُوَ الْخَاسِر , فَرَدَّهُ إِلَى أَوَّل الْخَبَر . وَيَعْنِي ب " أُولَئِكَ " الَّذِينَ كَفَرُوا , وَتَأْوِيله : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالهمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيل اللَّه هُمْ الْخَاسِرُونَ . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { الْخَاسِرُونَ } الَّذِينَ غُبِنَتْ صَفْقَتهمْ وَخَسِرَتْ تِجَارَتهمْ ; وَذَلِكَ أَنَّهُمْ شَرَوْا بِأَمْوَالِهِمْ عَذَاب اللَّه فِي الْآخِرَة , وَتَعَجَّلُوا بِإِنْفَاقِهِمْ إِيَّاهَا فِيمَا أَنْفَقُوا مِنْ قِتَال نَبِيّ اللَّه وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ الْخِزْي وَالذُّلّ .
قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَر لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّة الْأَوَّلِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ يَا مُحَمَّد لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مُشْرِكِي قَوْمك : إِنْ يَنْتَهُوا عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنْ كُفْرهمْ بِاَللَّهِ وَرَسُوله وَقِتَالك وَقِتَال الْمُؤْمِنِينَ فَيُنِيبُوا إِلَى الْإِيمَان , يَغْفِر اللَّه لَهُمْ مَا قَدْ خَلَا وَمَضَى مِنْ ذُنُوبهمْ قَبْل إِيمَانهمْ وَإِنَابَتهمْ إِلَى طَاعَة اللَّه وَطَاعَة رَسُوله بِإِيمَانِهِمْ وَتَوْبَتهمْ .
يَقُول : وَإِنْ يَعُدْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ لِقِتَالِك بَعْد الْوَقْعَة الَّتِي أَوْقَعْتهَا بِهِمْ يَوْم بَدْر , فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتِي فِي الْأَوَّلِينَ مِنْهُمْ بِبَدْرٍ وَمِنْ غَيْرهمْ مِنْ الْقُرُون الْخَالِيَة إِذْ طَغَوْا وَكَذَّبُوا رُسُلِي وَلَمْ يَقْبَلُوا نُصْحهمْ مِنْ إِحْلَال عَاجِل النِّقَم بِهِمْ , فَأُحِلّ بِهَؤُلَاءِ إِنْ عَادُوا لِحَرْبِك وَقِتَالك مِثْل الَّذِينَ أَحْلَلْت بِهِمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12471 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { فَقَدْ مَضَتْ سُنَّة الْأَوَّلِينَ } فِي قُرَيْش يَوْم بَدْر وَغَيْرهَا مِنْ الْأُمَم قَبْل ذَلِكَ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن نُمَيْر , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَقَدْ مَضَتْ سُنَّة الْأَوَّلِينَ } قَالَ : فِي قُرَيْش وَغَيْرهَا مِنْ الْأُمَم قَبْل ذَلِكَ . 12472 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ فِي قَوْله : { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَر لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا } لِحَرْبِك , { فَقَدْ مَضَتْ سُنَّة الْأَوَّلِينَ } أَيْ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ يَوْم بَدْر . 12473 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : وَإِنْ يَعُودُوا لِقِتَالِك , فَقَدْ مَضَتْ سُنَّة الْأَوَّلِينَ مِنْ أَهْل بَدْر .
يَقُول : وَإِنْ يَعُدْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ لِقِتَالِك بَعْد الْوَقْعَة الَّتِي أَوْقَعْتهَا بِهِمْ يَوْم بَدْر , فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتِي فِي الْأَوَّلِينَ مِنْهُمْ بِبَدْرٍ وَمِنْ غَيْرهمْ مِنْ الْقُرُون الْخَالِيَة إِذْ طَغَوْا وَكَذَّبُوا رُسُلِي وَلَمْ يَقْبَلُوا نُصْحهمْ مِنْ إِحْلَال عَاجِل النِّقَم بِهِمْ , فَأُحِلّ بِهَؤُلَاءِ إِنْ عَادُوا لِحَرْبِك وَقِتَالك مِثْل الَّذِينَ أَحْلَلْت بِهِمْ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12471 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { فَقَدْ مَضَتْ سُنَّة الْأَوَّلِينَ } فِي قُرَيْش يَوْم بَدْر وَغَيْرهَا مِنْ الْأُمَم قَبْل ذَلِكَ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا اِبْن نُمَيْر , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَقَدْ مَضَتْ سُنَّة الْأَوَّلِينَ } قَالَ : فِي قُرَيْش وَغَيْرهَا مِنْ الْأُمَم قَبْل ذَلِكَ . 12472 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق , قَالَ فِي قَوْله : { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَر لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا } لِحَرْبِك , { فَقَدْ مَضَتْ سُنَّة الْأَوَّلِينَ } أَيْ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ يَوْم بَدْر . 12473 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : وَإِنْ يَعُودُوا لِقِتَالِك , فَقَدْ مَضَتْ سُنَّة الْأَوَّلِينَ مِنْ أَهْل بَدْر .
وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّه فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُون فِتْنَة وَيَكُون الدِّين كُلّه لِلَّهِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ : وَإِنْ يَعُدْ هَؤُلَاءِ لِحَرْبِك , فَقَدْ رَأَيْتُمْ سُنَّتِي فِيمَنْ قَاتَلَكُمْ مِنْهُمْ يَوْم بَدْر , وَأَنَا عَائِد بِمِثْلِهَا فِيمَنْ حَارَبَكُمْ مِنْهُمْ , فَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا يَكُون شِرْك وَلَا يُعْبَد إِلَّا اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ , فَيَرْتَفِع الْبَلَاء عَنْ عِبَاد اللَّه مِنْ الْأَرْض وَهُوَ الْفِتْنَة , { وَيَكُون الدِّين كُلّه لِلَّهِ } يَقُول : حَتَّى تَكُون الطَّاعَة وَالْعِبَادَة كُلّهَا لِلَّهِ خَالِصَة دُون غَيْره . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12474 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُون فِتْنَة } يَعْنِي : حَتَّى لَا يَكُون شِرْك . 12475 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ يُونُس , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُون فِتْنَة } قَالَ : الْفِتْنَة : الشِّرْك . 12476 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُون فِتْنَة } يَقُول : قَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا يَكُون شِرْك , و { وَيَكُون الدِّين كُلّه لِلَّهِ } حَتَّى يُقَال : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه , عَلَيْهَا قَاتَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَإِلَيْهَا دَعَا . 12477 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُون فِتْنَة } قَالَ : حَتَّى لَا يَكُون شِرْك . 12478 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثَنَا مُبَارَك بْن فَضَالَة , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُون فِتْنَة } قَالَ : حَتَّى لَا يَكُون بَلَاء . 12479 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُون فِتْنَة وَيَكُون الدِّين كُلّه لِلَّهِ } أَيْ لَا يَفْتُر مُؤْمِن عَنْ دِينه , وَيَكُون التَّوْحِيد لِلَّهِ خَالِصًا لَيْسَ فِيهِ شِرْك , وَيَخْلَع مَا دُونه مِنْ الْأَنْدَاد . 12480 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُون فِتْنَة } قَالَ : حَتَّى لَا يَكُون كُفْر , { وَيَكُون الدِّين كُلّه لِلَّهِ } لَا يَكُون مَعَ دِينكُمْ كُفْر . 12481 - حَدَّثَنِي عَبْد الْوَارِث بْن عَبْد الصَّمَد , قَالَ : ثَنَا أَبِي , قَالَ : ثنا أَبَان الْعَطَّار , قَالَ : ثنا هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ أَبِيهِ : أَنَّ عَبْد الْمَلِك بْن مَرْوَان كَتَبَ إِلَيْهِ يَسْأَلهُ عَنْ أَشْيَاء , فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُرْوَة : سَلَام عَلَيْك ! فَإِنِّي أَحْمَد اللَّه إِلَيْك الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ ! أَمَّا بَعْد : فَإِنَّك كَتَبْت إِلَيَّ تَسْأَلنِي عَنْ مَخْرَج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّة , وَسَأُخْبِرُك بِهِ , وَلَا حَوْل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاَللَّهِ : كَانَ مِنْ شَأْن خُرُوج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّة , أَنَّ اللَّه أَعْطَاهُ النُّبُوَّة , فَنِعْمَ النَّبِيّ وَنِعْمَ السَّيِّد , وَنِعْمَ الْعَشِيرَة ! فَجَزَاهُ اللَّه خَيْرًا وَعَرَّفَنَا وَجْهه فِي الْجَنَّة , وَأَحْيَانَا عَلَى مِلَّته , وَأَمَاتَنَا عَلَيْهَا , وَبَعَثَنَا عَلَيْهَا . وَإِنَّهُ لَمَّا دَعَا قَوْمه لِمَا بَعَثَهُ اللَّه لَهُ مِنْ الْهُدَى وَالنُّور الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْهِ , لَمْ يَنْفِرُوا مِنْهُ أَوَّل مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ , وَكَانُوا يَسْمَعُونَ لَهُ حَتَّى ذَكَرَ طَوَاغِيتهمْ . وَقَدِمَ نَاس مِنْ الطَّائِف مِنْ قُرَيْش لَهُمْ أَمْوَال , أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ نَاس , وَاشْتَدُّوا عَلَيْهِ , وَكَرِهُوا مَا قَالَ , وَأَغْرَوْا بِهِ مَنْ أَطَاعَهُمْ , فَانْعَطَفَ عَنْهُ عَامَّة النَّاس , فَتَرَكُوهُ , إِلَّا مَنْ حَفِظَهُ اللَّه مِنْهُمْ وَهُمْ قَلِيل . فَمَكَثَ بِذَلِكَ مَا قَدَّرَ اللَّه أَنْ يَمْكُث , ثُمَّ اِئْتَمَرَتْ رُءُوسهمْ بِأَنْ يَفْتِنُوا مَنْ اِتَّبَعَهُ عَنْ دِين اللَّه مِنْ أَبْنَائِهِمْ وَإِخْوَانهمْ وَقَبَائِلهمْ , فَكَانَتْ فِتْنَة شَدِيدَة الزِّلْزَال , فَافْتَتَنَ مَنْ اِفْتَتَنَ , وَعَصَمَ اللَّه مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ . فَلَمَّا فُعِلَ ذَلِكَ بِالْمُسْلِمِينَ أَمَرَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَخْرُجُوا إِلَى أَرْض الْحَبَشَة , وَكَانَ بِالْحَبَشَةِ مَلِك صَالِح يُقَال لَهُ النَّجَاشِيّ لَا يُظْلَم أَحَد بِأَرْضِهِ , وَكَانَ يُثْنَى عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ . وَكَانَتْ أَرْض الْحَبَشَة مَتْجَرًا لِقُرَيْشٍ يَتَّجِرُونَ فِيهَا , وَمَسَاكِن لِتِجَارَتِهِمْ يَجِدُونَ فِيهَا رَتَاعًا مِنْ الرِّزْق وَأَمْنًا وَمَتْجَرًا حَسَنًا . فَأَمَرَهُمْ بِهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَهَبَ إِلَيْهَا عَامَّتهمْ لَمَّا قُهِرُوا بِمَكَّة , وَخَافُوا عَلَيْهِمْ الْفِتَن , وَمَكَثَ هُوَ فَلَمْ يَبْرَح , فَمَكَثَ ذَلِكَ سَنَوَات يَشْتَدُّونَ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ . ثُمَّ إِنَّهُ فَشَا الْإِسْلَام فِيهَا , وَدَخَلَ فِيهِ رِجَال مِنْ أَشْرَافهمْ وَمَنَعَتْهُمْ ; فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ اِسْتَرْخَوْا اسْتِرْخَاءَة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ أَصْحَابه , وَكَانَتْ الْفِتْنَة الْأُولَى هِيَ أَخْرَجَتْ مَنْ خَرَجَ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَل أَرْض الْحَبَشَة مَخَافَة وَفِرَارًا مِمَّا كَانُوا فِيهِ مِنْ الْفِتَن وَالزِّلْزَال . فَلَمَّا اِسْتَرْخَى عَنْهُمْ وَدَخَلَ فِي الْإِسْلَام مَنْ دَخَلَ مِنْهُمْ , تَحَدَّثَ بِهَذَا الِاسْتِرْخَاء عَنْهُمْ , فَبَلَغَ ذَلِكَ مَنْ كَانَ بِأَرْضِ الْحَبَشَة مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَدْ اِسْتَرْخَى عَمَّنْ كَانَ مِنْهُمْ بِمَكَّة وَأَنَّهُمْ لَا يُفْتَنُونَ , فَرَجَعُوا إِلَى مَكَّة وَكَادُوا يَأْمَنُونَ بِهَا , وَجَعَلُوا يَزْدَادُونَ وَيَكْثُرُونَ . وَإِنَّهُ أَسْلَمَ مِنْ الْأَنْصَار بِالْمَدِينَةِ نَاس كَثِير , وَفَشَا بِالْمَدِينَةِ الْإِسْلَام , وَطَفِقَ أَهْل الْمَدِينَة يَأْتُونَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّة ; فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْش ذَلِكَ , تَوَامَرَتْ عَلَى أَنْ يَفْتِنُوهُمْ , وَيَشُدُّوا عَلَيْهِمْ , فَأَخَذُوهُمْ وَحَرَصُوا عَلَى أَنْ يَفْتِنُوهُمْ , فَأَصَابَهُمْ جَهْد شَدِيد , وَكَانَتْ الْفِتْنَة الْآخِرَة , فَكَانَتْ ثِنْتَيْنِ : فِتْنَة أَخْرَجَتْ مَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ إِلَى أَرْض الْحَبَشَة حِين أَمَرَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا وَأَذِنَ لَهُمْ فِي الْخُرُوج إِلَيْهَا , وَفِتْنَة لَمَّا رَجَعُوا وَرَأَوْا مَنْ يَأْتِيهِمْ مِنْ أَهْل الْمَدِينَة ثُمَّ إِنَّهُ جَاءَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَدِينَة سَبْعُونَ نَفْسًا رُءُوس الَّذِينَ أَسْلَمُوا , فَوَافَوْهُ بِالْحَجِّ , فَبَايَعُوهُ بِالْعَقَبَةِ , وَأَعْطَوْهُ عَلَى : أَنَا مِنْك وَأَنْتَ مِنَّا , وَعَلَى : أَنَّ مَنْ جَاءَ مِنْ أَصْحَابك أَوْ جِئْتنَا فَإِنَّا نَمْنَعك مِمَّا نَمْنَع مِنْهُ أَنْفُسنَا . فَاشْتَدَّتْ عَلَيْهِمْ قُرَيْش عِنْد ذَلِكَ , فَأَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابه أَنْ يَخْرُجُوا إِلَى الْمَدِينَة , وَهِيَ الْفِتْنَة الْآخِرَة الَّتِي أَخْرَجَ فِيهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابه وَخَرَجَ هُوَ , وَهِيَ الَّتِي أَنْزَلَ اللَّه فِيهَا : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُون فِتْنَة وَيَكُون الدِّين كُلّه لِلَّهِ } . * - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي الزِّنَاد , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر , أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى الْوَلِيد : أَمَّا بَعْد , فَإِنَّك كَتَبْت إِلَيَّ تَسْأَلنِي عَنْ مَخْرَج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّة , وَعِنْدِي بِحَمْدِ اللَّه مِنْ ذَلِكَ عِلْم بِكُلِّ مَا كَتَبْت تَسْأَلنِي عَنْهُ , وَسَأُخْبِرُك إِنْ شَاءَ اللَّه , وَلَا حَوْل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاَللَّهِ , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوه . 12482 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا أَحْمَد , قَالَ : ثنا قِيسَ , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ مُجَاهِد : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُون فِتْنَة } قَالَ : يَسَاف وَنَائِلَة صَنَمَانِ كَانَا يُعْبَدَانِ.
وَأَمَّا قَوْله : { فَإِنْ اِنْتَهَوْا } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : فَإِنْ اِنْتَهَوْا عَنْ الْفِتْنَة , وَهِيَ الشِّرْك بِاَللَّهِ , وَصَارُوا إِلَى الدِّين الْحَقّ مَعَكُمْ . وَقَدْ قَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : فَإِنْ اِنْتَهَوْا عَنْ الْقِتَال . وَاَلَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ , لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ وَإِنْ اِنْتَهَوْا عَنْ الْقِتَال , فَإِنَّهُ كَانَ فَرْضًا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ قِتَالهمْ حَتَّى يُسْلِمُوا .
{ فَإِنَّ اللَّه بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِير } يَقُول : فَإِنَّ اللَّه لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَا يَعْمَلُونَ مِنْ تَرْك الْكُفْر وَالدُّخُول فِي دِين الْإِسْلَام ; لِأَنَّهُ يُبْصِركُمْ وَيُبْصِر أَعْمَالكُمْ وَالْأَشْيَاء كُلّهَا مُتَجَلِّيَة لَهُ لَا تَغِيب عَنْهُ وَلَا يَعْزُب عَنْهُ مِثْقَال ذَرَّة فِي السَّمَوَات وَلَا فِي الْأَرْض وَلَا أَصْغَر مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَر إِلَّا فِي كِتَاب مُبِين .
وَأَمَّا قَوْله : { فَإِنْ اِنْتَهَوْا } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : فَإِنْ اِنْتَهَوْا عَنْ الْفِتْنَة , وَهِيَ الشِّرْك بِاَللَّهِ , وَصَارُوا إِلَى الدِّين الْحَقّ مَعَكُمْ . وَقَدْ قَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَى ذَلِكَ : فَإِنْ اِنْتَهَوْا عَنْ الْقِتَال . وَاَلَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ , لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ وَإِنْ اِنْتَهَوْا عَنْ الْقِتَال , فَإِنَّهُ كَانَ فَرْضًا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ قِتَالهمْ حَتَّى يُسْلِمُوا .
{ فَإِنَّ اللَّه بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِير } يَقُول : فَإِنَّ اللَّه لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَا يَعْمَلُونَ مِنْ تَرْك الْكُفْر وَالدُّخُول فِي دِين الْإِسْلَام ; لِأَنَّهُ يُبْصِركُمْ وَيُبْصِر أَعْمَالكُمْ وَالْأَشْيَاء كُلّهَا مُتَجَلِّيَة لَهُ لَا تَغِيب عَنْهُ وَلَا يَعْزُب عَنْهُ مِثْقَال ذَرَّة فِي السَّمَوَات وَلَا فِي الْأَرْض وَلَا أَصْغَر مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَر إِلَّا فِي كِتَاب مُبِين .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِير } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِنْ أَدْبَرَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ عَمَّا دَعَوْتُمُوهُمْ إِلَيْهِ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَرَسُوله وَتَرْك قِتَالكُمْ عَلَى كُفْرهمْ , فَأَبَوْا إِلَّا الْإِصْرَار عَلَى الْكُفْر وَقِتَالكُمْ , فَقَاتِلُوهُمْ وَأَيْقِنُوا أَنَّ اللَّه مُعِينكُمْ عَلَيْهِمْ وَنَاصِركُمْ . { نِعْمَ الْمَوْلَى } هُوَ لَكُمْ , يَقُول : نِعْمَ الْمُعِين لَكُمْ وَلِأَوْلِيَائِهِ , { وَنِعْمَ النَّصِير } وَهُوَ النَّاصِر . 12483 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { وَإِنْ تَوَلَّوْا } عَنْ أَمْرك إِلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ كُفْرهمْ { فَإِنَّ اللَّه هُوَ مَوْلَاكُمْ } الَّذِي أَعَزَّكُمْ وَنَصَرَكُمْ عَلَيْهِمْ يَوْم بَدْر فِي كَثْرَة عَدَدهمْ وَقِلَّة عَدَدكُمْ . { نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِير } .
وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَهَذَا تَعْلِيم مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ الْمُؤْمِنِينَ قَسْم غَنَائِمهمْ إِذَا غَنِمُوهَا , يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَاعْلَمُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ غَنِيمَة . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي مَعْنَى الْغَنِيمَة وَالْفَيْء , فَقَالَ بَعْضهمْ : فِيهِمَا مَعْنَيَانِ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا غَيْر صَاحِبه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12484 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن , عَنْ الْحَسَن بْن صَالِح , قَالَ : سَأَلْت عَطَاء بْن السَّائِب عَنْ هَذِهِ الْآيَة : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه } وَهَذِهِ الْآيَة : { مَا أَفَاءَ اللَّه عَلَى رَسُوله } 59 7 قَالَ قُلْت : مَا الْفَيْء وَمَا الْغَنِيمَة ؟ قَالَ : إِذَا ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَعَلَى أَرْضهمْ , وَأَخَذُوهُمْ عَنْوَة فَمَا أَخَذُوا مِنْ مَال ظَهَرُوا عَلَيْهِ فَهُوَ غَنِيمَة , وَأَمَّا الْأَرْض فَهِيَ فِي سَوَادنَا هَذَا فَيْء . وَقَالَ آخَرُونَ : الْغَنِيمَة مَا أُخِذَ عَنْوَة . وَالْفَيْء : مَا كَانَ عَنْ صُلْح . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12485 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ سُفْيَان الثَّوْرِيّ , قَالَ : الْغَنِيمَة : مَا أَصَابَ الْمُسْلِمُونَ عَنْوَة بِقِتَالٍ فِيهِ الْخُمُس , وَأَرْبَعَة أَخْمَاسه لِمَنْ شَهِدَهَا . وَالْفَيْء : مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ بِغَيْرِ قِتَال , وَلَيْسَ فِيهِ خُمُس , هُوَ لِمَنْ سَمَّى اللَّه . وَقَالَ آخَرُونَ : الْغَنِيمَة وَالْفَيْء بِمَعْنًى وَاحِد . وَقَالُوا : هَذِهِ الْآيَة الَّتِي فِي الْأَنْفَال نَاسِخَة قَوْله : { مَا أَفَاءَ اللَّه عَلَى رَسُوله مِنْ أَهْل الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ } 59 7 الْآيَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12486 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , فِي قَوْله : { مَا أَفَاءَ اللَّه عَلَى رَسُوله مِنْ أَهْل الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل } 59 7 قَالَ : كَانَ الْفَيْء فِي هَؤُلَاءِ , ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ فِي سُورَة الْأَنْفَال , فَقَالَ : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل } فَنَسَخَتْ هَذِهِ مَا كَانَ قَبْلهَا فِي سُورَة الْحَشْر , وَجُعِلَ الْخُمُس لِمَنْ كَانَ لَهُ الْفَيْء فِي سُورَة الْحَشْر , وَسَائِر ذَلِكَ لِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهِ . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى الْغَنِيمَة , وَأَنَّهَا الْمَال يُوصَل إِلَيْهِ مِنْ مَال مَنْ خَوَّلَ اللَّه مَاله أَهْل دِينه بِغَلَبَةٍ عَلَيْهِ وَقَهْر بِقِتَالٍ . فَأَمَّا الْفَيْء , فَإِنَّهُ مَا أَفَاءَ اللَّه عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَمْوَال أَهْل الشِّرْك , وَهُوَ مَا رَدَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا بِصُلْحٍ , مِنْ غَيْر إِيجَاف خَيْل وَلَا رِكَاب . وَقَدْ يَجُوز أَنْ يُسَمَّى مَا رَدَّتْهُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا سُيُوفهمْ وَرِمَاحهمْ وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ سِلَاحهمْ فَيْئًا , لِأَنَّ الْفَيْء إِنَّمَا هُوَ مَصْدَر مِنْ قَوْل الْقَائِل : فَاءَ الشَّيْء يَفِيء فَيْئًا : إِذَا رَجَعَ , وَأَفَاءَهُ اللَّه : إِذَا رَدَّهُ . غَيْر أَنَّ الَّذِي وَرَدَ حُكْم اللَّه فِيهِ مِنْ الْفَيْء يَحْكِيه فِي سُورَة الْحَشْر إِنَّمَا هُوَ مَا وُصِفَتْ صِفَته مِنْ الْفَيْء دُون مَا أَوْجَفَ عَلَيْهِ مِنْهُ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَاب , لِعِلَلٍ قَدْ بَيَّنْتهَا فِي كِتَابنَا : " كِتَاب لَطِيف الْقَوْل فِي أَحْكَام شَرَائِع الدِّين " وَسَنُبَيِّنُهُ أَيْضًا فِي تَفْسِير سُورَة الْحَشْر إِذَا اِنْتَهَيْنَا إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . وَأَمَّا قَوْل مَنْ قَالَ : الْآيَة الَّتِي فِي سُورَة الْأَنْفَال نَاسِخَة الْآيَة الَّتِي فِي سُورَة الْحَشْر فَلَا مَعْنَى لَهُ , إِذْ كَانَ لَا مَعْنَى فِي إِحْدَى الْآيَتَيْنِ يَنْفِي حُكْم الْأُخْرَى . وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى النَّسْخ , وَهُوَ نَفْي حُكْم قَدْ ثَبَتَ بِحُكْمٍ بِخِلَافِهِ , فِي غَيْر مَوْضِع بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . وَأَمَّا قَوْله : { مِنْ شَيْء } فَإِنَّهُ مُرَاد بِهِ كُلّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اِسْم شَيْء مِمَّا خَوَّلَهُ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَمْوَال مَنْ غَلَبُوا عَلَى مَاله مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِمَّا وَقَعَ فِيهِ الْقَسْم حَتَّى الْخَيْط وَالْمَخِيط . كَمَا : 12487 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء } قَالَ : الْمَخِيط مِنْ الشَّيْء . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد بِمِثْلِهِ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو نُعَيْم الْفَضْل , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ لَيْث , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : قَوْله : { فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه } مِفْتَاح كَلَام , وَلِلَّهِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَمَا فِيهِمَا , وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام : فَأَنَّ لِلرَّسُولِ خُمُسه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12488 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , قَالَ : سَأَلْت الْحَسَن عَنْ قَوْل اللَّه : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه وَلِلرَّسُولِ } قَالَ : هَذَا مِفْتَاح كَلَام , لِلَّهِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , قَالَ : سَأَلْت الْحَسَن بْن مُحَمَّد , عَنْ قَوْله : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه } قَالَ : هَذَا مِفْتَاح كَلَام , لِلَّهِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة . 12489 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن يُونُس , قَالَ : ثَنَا أَبُو شِهَاب , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ نَهْشَل , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّة فَغَنِمُوا خُمُس الْغَنِيمَة فَضَرَبَ ذَلِكَ الْخُمُس فِي خَمْسَة . ثُمَّ قَرَأَ : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه وَلِلرَّسُولِ } . قَالَ : وَقَوْله : { فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه } مِفْتَاح كَلَام , { لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض } 2 284 فَجَعَلَ سَهْم اللَّه وَسَهْم الرَّسُول وَاحِدًا . 12490 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم : { فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه } قَالَ : لِلَّهِ كُلّ شَيْء . 12491 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , فِي قَوْله : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه } قَالَ : لِلَّهِ كُلّ شَيْء , وَخُمُس لِلَّهِ وَرَسُوله , وَيُقْسَم مَا سِوَى ذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَة أَسْهُم . 92492 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : كَانَتْ الْغَنِيمَة تُقْسَم خَمْس أَخْمَاس , فَأَرْبَعَة أَخْمَاس لِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا , وَيُقْسَم الْخُمُس الْبَاقِي عَلَى خَمْسَة أَخْمَاس , فَخُمُس لِلَّهِ وَالرَّسُول . 12493 - حَدَّثَنَا عِمْرَان بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَارِث , قَالَ : ثنا أَبَان , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : أَوْصَى أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بِالْخُمُسِ مِنْ مَاله وَقَالَ : أَلَا أَرْضَى مِنْ مَالِي بِمَا رَضِيَ اللَّه لِنَفْسِهِ ؟ . 92494 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن فُضَيْل , عَنْ عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه وَلِلرَّسُولِ } قَالَ : خُمُس اللَّه وَخُمُس رَسُوله وَاحِد , كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْمِل مِنْهُ وَيَصْنَع فِيهِ مَا شَاءَ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج , قَالَ : ثنا أَبُو عَوَانَة , عَنْ الْمُغِيرَة , عَنْ أَصْحَابه , عَنْ إِبْرَاهِيم : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه } قَالَ : كُلّ شَيْء لِلَّهِ , الْخُمُس لِلرَّسُولِ , وَلِذِي الْقُرْبَى , وَالْيَتَامَى , وَالْمَسَاكِين , وَابْن السَّبِيل . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ فَإِنَّ لِبَيْتِ اللَّه خُمُسه وَلِلرَّسُولِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12495 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع بْن الْجَرَّاح , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة الرِّيَاحِيّ , قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْتَى بِالْغَنِيمَةِ , فَيَقْسِمهَا عَلَى خَمْسَة تَكُون أَرْبَعَة أَخْمَاس لِمَنْ شَهِدَهَا , ثُمَّ يَأْخُذ الْخُمُس , فَيَضْرِب بِيَدِهِ فِيهِ , فَيَأْخُذ مِنْهُ الَّذِي قَبَضَ كَفّه فَيَجْعَلهُ لِلْكَعْبَةِ , وَهُوَ سَهْم اللَّه , ثُمَّ يَقْسِم مَا بَقِيَ عَلَى خَمْسَة أَسْهُم ; فَيَكُون سَهْم لِلرَّسُولِ . وَسَهْم لِذِي الْقُرْبَى , وَسَهْم لِلْيَتَامَى , وَسَهْم لِلْمَسَاكِينِ , وَسَهْم لِابْنِ السَّبِيل . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه } إِلَى آخِر الْآيَة , قَالَ : فَكَانَ يُجَاء بِالْغَنِيمَةِ فَتُوضَع , فَيَقْسِمهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسَة أَسْهُم , فَيَجْعَل أَرْبَعَة بَيْن النَّاس وَيَأْخُذ سَهْمًا , ثُمَّ يَضْرِب بِيَدِهِ فِي جَمِيع ذَلِكَ السَّهْم , فَمَا قَبَضَ عَلَيْهِ مِنْ شَيْء جَعَلَهُ لِلْكَعْبَةِ , فَهُوَ الَّذِي سَمَّى لِلَّهِ , وَيَقُول : " لَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ نَصِيبًا فَإِنَّ لِلَّهِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة " , ثُمَّ يَقْسِم بَقِيَّته عَلَى خَمْسَة أَسْهُم : سَهْم لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَسَهْم لِذَوِي الْقُرْبَى , وَسَهْم لِلْيَتَامَى , وَسَهْم لِلْمَسَاكِينِ , وَسَهْم لِابْنِ السَّبِيل . وَقَالَ آخَرُونَ : مَا سُمِّيَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ مُرَاد بِهِ قَرَابَته , وَلَيْسَ لِلَّهِ وَلَا لِرَسُولِهِ مِنْهُ شَيْء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12496 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنَا مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَتْ الْغَنِيمَة تُقْسَم عَلَى خَمْسَة أَخْمَاس , فَأَرْبَعَة مِنْهَا لِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا , وَخُمُس وَاحِد يُقْسَم عَلَى أَرْبَع ; فَرُبُع لِلَّهِ وَالرَّسُول وَلِذِي الْقُرْبَى - يَعْنِي قَرَابَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا كَانَ لِلَّهِ وَالرَّسُول فَهُوَ لِقَرَابَةِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَمْ يَأْخُذ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِنْ الْخُمُس شَيْئًا , وَالرُّبُع الثَّانِي لِلْيَتَامَى , وَالرُّبُع الثَّالِث لِلْمَسَاكِينِ , وَالرُّبُع الرَّابِع لِابْنِ السَّبِيل . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ قَوْله : { فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه } اِفْتِتَاح كَلَام ; وَذَلِكَ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة عَلَى أَنَّ الْخُمُس غَيْر جَائِز قَسْمه عَلَى سِتَّة أَسْهُم , وَلَوْ كَانَ لِلَّهِ فِيهِ سَهْم كَمَا قَالَ أَبُو الْعَالِيَة , لَوَجَبَ أَنْ يَكُون خُمُس الْغَنِيمَة مَقْسُومًا عَلَى سِتَّة أَسْهُم . وَإِنَّمَا اِخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي قَسْمه عَلَى خَمْسَة فَمَا دُونهَا , فَأَمَّا عَلَى أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ فَمَا لَا نَعْلَم قَائِلًا قَالَهُ غَيْر الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ الْخَبَر عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , وَفِي إِجْمَاع مَنْ ذَكَرْت الدَّلَالَة الْوَاضِحَة عَلَى صِحَّة مَا اِخْتَرْنَا . فَأَمَّا مَنْ قَالَ : سَهْم الرَّسُول لِذَوِي الْقُرْبَى , فَقَدْ أَوْجَبَ لِلرَّسُولِ سَهْمًا ; وَإِنْ كَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَرَفَهُ إِلَى ذَوِي قَرَابَته , فَلَمْ يَخْرُج مِنْ أَنْ يَكُون الْقَسْم كَانَ عَلَى خَمْسَة أَسْهُم . وَقَدْ : 12497 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه } الْآيَة , قَالَ : كَانَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا غَنِمَ غَنِيمَة جُعِلَتْ أَخْمَاسًا , فَكَانَ خُمُس لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ , وَيُقْسَم الْمُسْلِمُونَ مَا بَقِيَ . وَكَانَ الْخُمُس الَّذِي جُعِلَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَلِلْمَسَاكِينِ وَابْن السَّبِيل , فَكَانَ هَذَا الْخُمُس خَمْسَة أَخْمَاس : خُمُس لِلَّهِ وَرَسُوله , وَخُمُس لِذَوِي الْقُرْبَى . وَخُمُس لِلْيَتَامَى , وَخُمُس لِلْمَسَاكِينِ . وَخُمُس لِابْنِ السَّبِيل . 12498 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار . قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن . قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مُوسَى بْن أَبِي عَائِشَة , قَالَ : سَأَلْت يَحْيَى بْن الْجَزَّار عَنْ سَهْم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : هُوَ خُمُس الْخُمُس . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع . قَالَ : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , وَجَرِير عَنْ مُوسَى بْن أَبِي عَائِشَة , عَنْ يَحْيَى بْن الْجَزَّار مِثْله . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد . قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مُوسَى بْن أَبِي عَائِشَة , عَنْ يَحْيَى بْن الْجَزَّار مِثْله . 12499 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه } قَالَ : أَرْبَعَة أَخْمَاس لِمَنْ حَضَرَ الْبَأْس , وَالْخُمُس الْبَاقِي لِلَّهِ , وَلِلرَّسُولِ خُمُسه يَضَعهُ حَيْثُ رَأَى , وَخُمُسه لِذَوِي الْقُرْبَى , وَخُمُسه لِلْيَتَامَى , وَخُمُسه لِلْمَسَاكِينِ , وَلِابْنِ السَّبِيل خُمُسه . وَأَمَّا قَوْله : { وَلِذِي الْقُرْبَى } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل اِخْتَلَفُوا فِيهِمْ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُمْ قَرَابَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَنِي هَاشِم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12500 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع . قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ شَرِيك , عَنْ خُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : كَانَ آل مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَحِلّ لَهُمْ الصَّدَقَة , فَجُعِلَ لَهُمْ خُمُس الْخُمُس . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثَنَا شَرِيك , عَنْ خُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْل بَيْته لَا يَأْكُلُونَ الصَّدَقَة , فَجُعِلَ لَهُمْ خُمُس الْخُمُس , 12501 - حَدَّثَنَا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثَنَا عَبْد السَّلَام , عَنْ خُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : قَدْ عَلِمَ اللَّه أَنَّ فِي بَنِي هَاشِم الْفُقَرَاء , فَجُعِلَ لَهُمْ الْخُمُس مَكَان الصَّدَقَة . 12502 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن أَبَان , قَالَ : ثَنَا الصَّبَّاح بْن يَحْيَى الْمُزَنِيّ , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ اِبْن الدَّيْلِمِيّ , قَالَ : قَالَ عَلِيّ بْن الْحُسَيْن رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْل الشَّام : أَمَا قَرَأْت فِي الْأَنْفَال : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه وَلِلرَّسُولِ } الْآيَة ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : فَإِنَّكُمْ لَأَنْتُمْ هُمْ ؟ قَالَ : نَعَمْ . * - حَدَّثَنَا الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ خُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : هَؤُلَاءِ قَرَابَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ لَا تَحِلّ لَهُمْ الصَّدَقَة . 12503 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ حَجَّاج , عَنْ عَطَاء , عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّ نَجْدَة كَتَبَ إِلَيْهِ يَسْأَلهُ عَنْ ذَوِي الْقُرْبَى , فَكَتَبَ إِلَيْهِ كِتَابًا : تَزْعُم أَنَّا نَحْنُ هُمْ , فَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْنَا قَوْمنَا . 12504 - قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه } قَالَ : أَرْبَعَة أَخْمَاس لِمَنْ حَضَرَ الْبَأْس , وَالْخُمُس الْبَاقِي لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ خُمُسه يَضَعهُ حَيْثُ رَأَى , وَخُمُس لِذَوِي الْقُرْبَى , وَخُمُس لِلْيَتَامَى , وَخُمُس لِلْمَسَاكِينِ , وَلِابْنِ السَّبِيل خُمُسه . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُمْ قُرَيْش كُلّهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12505 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن نَافِع , عَنْ أَبِي مَعْشَر , عَنْ سَعِيد الْمَقْبُرِيّ , قَالَ : كَتَبَ نَجْدَة إِلَى اِبْن عَبَّاس يَسْأَلهُ عَنْ ذِي الْقُرْبَى , قَالَ : فَكَتَبَ إِلَيْهِ اِبْن عَبَّاس : قَدْ كُنَّا نَقُول إِنَّا هُمْ , فَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْنَا قَوْمنَا , وَقَالُوا : قُرَيْش كُلّهَا ذَوُو قُرْبَى . وَقَالَ آخَرُونَ : سَهْم ذِي الْقُرْبَى كَانَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ صَارَ مَنْ بَعْده لِوَلِيِّ الْأَمْر مِنْ بَعْده . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12506 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ سَهْم ذِي الْقُرْبَى , فَقَالَ : كَانَ طُعْمَة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ حَيًّا , فَلَمَّا تُوُفِّيَ جُعِلَ لِوَلِيِّ الْأَمْر مِنْ بَعْده . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ سَهْم ذِي الْقُرْبَى كَانَ لِبَنِي هَاشِم وَبَنِي الْمُطَّلِب خَاصَّة . وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ الشَّافِعِيّ , وَكَانَتْ عِلَّته فِي ذَلِكَ مَا : 12507 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني الزُّهْرِيّ , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , عَنْ جُبَيْر بْن مُطْعِم , قَالَ : لَمَّا قَسَمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْم ذِي الْقُرْبَى مِنْ خَيْبَر عَلَى بَنِي هَاشِم وَبَنِي الْمُطَّلِب مَشَيْت أَنَا وَعُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , فَقُلْنَا : يَا رَسُول اللَّه , هَؤُلَاءِ إِخْوَتك بَنُو هَاشِم لَا نُنْكِر فَضْلهمْ لِمَكَانِك الَّذِي جَعَلَك اللَّه بِهِ مِنْهُمْ , أَرَأَيْت إِخْوَاننَا بَنِي الْمُطَّلِب أَعْطَيْتهمْ وَتَرَكْتنَا , وَإِنَّمَا نَحْنُ وَهُمْ مِنْك بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَة ؟ فَقَالَ : " إِنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونَا فِي جَاهِلِيَّة وَلَا إِسْلَام , إِنَّمَا بَنُو هَاشِم وَبَنُو الْمُطَّلِب شَيْء وَاحِد " . ثُمَّ شَبَّكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ إِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي , قَوْل مَنْ قَالَ : سَهْم ذِي الْقُرْبَى كَانَ لِقَرَابَةِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَنِي هَاشِم وَحُلَفَائِهِمْ مِنْ بَنِي الْمُطَّلِب , لِأَنَّ حَلِيف الْقَوْم مِنْهُمْ , وَلِصِحَّةِ الْخَبَر الَّذِي ذَكَرْنَاهُ بِذَلِكَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي حُكْم هَذَيْنِ السَّهْمَيْنِ , أَعْنِي سَهْم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَهْم ذِي الْقُرْبَى بَعْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَقَالَ بَعْضهمْ : يُصْرَفَانِ فِي مَعُونَة الْإِسْلَام وَأَهْله . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12508 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن يُونُس , قَالَ : ثنا أَبُو شِهَاب , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ نَهْشَل , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : جُعِلَ سَهْم اللَّه وَسَهْم الرَّسُول وَاحِدًا وَلِذِي الْقُرْبَى , فَجُعِلَ هَذَانِ السَّهْمَانِ فِي الْخَيْل وَالسِّلَاح , وَجُعِلَ سَهْم الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل لَا يُعْطَى غَيْرهمْ . 12509 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , قَالَ : سَأَلْت الْحَسَن عَنْ قَوْل اللَّه : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى } قَالَ : هَذَا مِفْتَاح كَلَام , لِلَّهِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة . ثُمَّ اِخْتَلَفَ النَّاس فِي هَذَيْنِ السَّهْمَيْنِ بَعْد وَفَاة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ قَائِلُونَ : سَهْم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لِقَرَابَةِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ قَائِلُونَ : سَهْم الْقَرَابَة لِقَرَابَةِ الْخَلِيفَة ; وَاجْتَمَعَ رَأْيهمْ أَنْ يَجْعَلُوا هَذَيْنِ السَّهْمَيْنِ فِي الْخَيْل وَالْعِدَّة فِي سَبِيل اللَّه , فَكَانَا عَلَى ذَلِكَ فِي خِلَافَة أَبِي بَكْر وَعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا 12510 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , قَالَ : سَأَلْت الْحَسَن بْن مُحَمَّد , فَذَكَرَ نَحْوه . 12511 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عُمَر بْن عُبَيْد , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : كَانَ أَبُو بَكْر وَعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا يَجْعَلَانِ سَهْم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكُرَاع وَالسِّلَاح , فَقُلْت لِإِبْرَاهِيم : مَا كَانَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَقُول فِيهِ ؟ قَالَ : كَانَ عَلِيّ أَشَدّهمْ فِيهِ . 12512 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين } الْآيَة . قَالَ اِبْن عَبَّاس : فَكَانَتْ الْغَنِيمَة تُقْسَم عَلَى خَمْسَة أَخْمَاس , أَرْبَعَة بَيْن مَنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا , وَخُمُس وَاحِد يُقْسَم عَلَى أَرْبَعَة : لِلَّهِ , وَلِلرَّسُولِ , وَلِذِي الْقُرْبَى , يَعْنِي قَرَابَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَمَا كَانَ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ فَهُوَ لِقَرَابَةِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَمْ يَأْخُذ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْخُمُس شَيْئًا . فَلَمَّا قَبَضَ اللَّه رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , رَدَّ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ نَصِيب الْقَرَابَة فِي الْمُسْلِمِينَ , فَجَعَلَ يَحْمِل بِهِ فِي سَبِيل اللَّه , لِأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : " لَا نُورَث , مَا تَرَكْنَا صَدَقَة " . 12513 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ سَهْم ذِي الْقُرْبَى , فَقَالَ : كَانَ طُعْمَة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمَّا تُوُفِّيَ حَمَلَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْر وَعُمَر فِي سَبِيل اللَّه صَدَقَة عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ آخَرُونَ : سَهْم ذَوِي الْقُرْبَى مِنْ بَعْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ سَهْم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى وَلِيّ أَمْر الْمُسْلِمِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12514 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن ثَابِت , عَنْ عِمْرَان بْن ظَبْيَان , عَنْ حَكِيم بْن سَعْد , عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , قَالَ : يُعْطَى كُلّ إِنْسَان نَصِيبه مِنْ الْخُمُس , وَيَلِي الْإِمَام سَهْم اللَّه وَرَسُوله . 12515 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ سَهْم ذَوِي الْقُرْبَى , فَقَالَ : كَانَ طُعْمَة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ حَيًّا , فَلَمَّا تُوُفِّيَ جُعِلَ لِوَلِيِّ الْأَمْر مِنْ بَعْده . وَقَالَ آخَرُونَ : سَهْم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْدُود فِي الْخُمُس , وَالْخُمُس مَقْسُوم عَلَى ثَلَاثَة أَسْهُم : عَلَى الْيَتَامَى , وَالْمَسَاكِين , وَابْن السَّبِيل . وَذَلِكَ قَوْل جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْعِرَاق . وَقَالَ آخَرُونَ : الْخُمُس كُلّه لِقَرَابَةِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12516 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا عَبْد الْغَفَّار , قَالَ : ثنا الْمِنْهَال بْن عَمْرو , قَالَ : سَأَلْت عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ وَعَلِيّ بْن الْحُسَيْن عَنْ الْخُمُس , فَقَالَا : هُوَ لَنَا . فَقُلْت لِعَلِيٍّ : إِنَّ اللَّه يَقُول : { وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل } فَقَالَ : يَتَامَانَا وَمَسَاكِيننَا . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا , أَنَّ سَهْم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْدُود فِي الْخُمُس , وَالْخُمُس مَقْسُوم عَلَى أَرْبَعَة أَسْهُم عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس : لِلْقَرَابَةِ سَهْم , وَلِلْيَتَامَى سَهْم , وَلِلْمَسَاكِينِ سَهْم , وَلِابْنِ السَّبِيل سَهْم ; لِأَنَّ اللَّه أَوْجَبَ الْخُمُس لِأَقْوَامٍ مَوْصُوفِينَ بِصِفَاتٍ , كَمَا أَوْجَبَ الْأَرْبَعَة الْأَخْمَاس الْآخَرِينَ . وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ حَقّ الْأَرْبَعَة الْأَخْمَاس لَنْ يَسْتَحِقّهُ غَيْرهمْ , فَكَذَلِكَ حَقّ أَهْل الْخَمْس لَنْ يَسْتَحِقّهُ غَيْرهمْ , فَغَيْر جَائِز أَنْ يَخْرُج عَنْهُمْ إِلَى غَيْرهمْ , كَمَا غَيْر جَائِز أَنْ تَخْرُج بَعْض السُّهْمَان الَّتِي جَعَلَهَا اللَّه لِمَنْ سَمَّاهُ فِي كِتَابه بِفَقْدِ بَعْض مَنْ يَسْتَحِقّهُ إِلَى غَيْر أَهْل السُّهْمَان الْأُخَر . وَأَمَّا الْيَتَامَى : فَهُمْ أَطْفَال الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ قَدْ هَلَكَ آبَاؤُهُمْ . وَالْمَسَاكِين : هُمْ أَهْل الْفَاقَة وَالْحَاجَة مِنْ الْمُسْلِمِينَ . وَابْن السَّبِيل : الْمُجْتَاز سَفَرًا قَدْ اِنْقَطَعَ بِهِ . كَمَا : 12517 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : الْخُمُس الرَّابِع لِابْنِ السَّبِيل , وَهُوَ الضَّيْف الْفَقِير الَّذِي يَنْزِل بِالْمُسْلِمِينَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاَللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدنَا يَوْم الْفُرْقَان يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَيْقِنُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَمَقْسُوم الْقَسْم الَّذِي بَيَّنْته , وَصَدِّقُوا بِهِ إِنْ كُنْتُمْ أَقْرَرْتُمْ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّه وَبِمَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى عَبْده مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم فَرَّقَ بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل بِبَدْرٍ , فَأَبَانَ فَلَجَ الْمُؤْمِنِينَ وَظُهُورهمْ عَلَى عَدُوّهُمْ , وَذَلِكَ يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ . جَمْع الْمُؤْمِنِينَ , وَجَمْع الْمُشْرِكِينَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12518 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { يَوْم الْفُرْقَان } يَعْنِي بِالْفُرْقَانِ : يَوْم بَدْر , فَرَّقَ اللَّه فِيهِ بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل . 12519 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 12520 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي اللَّيْث , قَالَ : ثني عُقَيْل , عَنْ اِبْن شِهَاب , عَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر وَإِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر , يَزِيد أَحَدهمَا عَلَى صَاحِبه فِي قَوْله : { يَوْم الْفُرْقَان } يَوْم فَرَّقَ اللَّه بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل , وَهُوَ يَوْم بَدْر , وَهُوَ أَوَّل مَشْهَد شَهِدَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَانَ رَأْس الْمُشْرِكِينَ عُتْبَة بْن رَبِيعَة . فَالْتَفُّوا يَوْم الْجُمْعَة لِتَسْعَ عَشْرَة لَيْلَة مَضَتْ مِنْ شَهْر رَمَضَان , وَأَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاث مِائَة وَبِضْعَة عَشَر رَجُلًا , وَالْمُشْرِكُونَ مَا بَيْن الْأَلْف وَالتِّسْع مِائَة , فَهَزَمَ اللَّه يَوْمئِذٍ الْمُشْرِكِينَ , وَقُتِلَ مِنْهُمْ زِيَادَة عَلَى سَبْعِينَ , وَأُسِرَ مِنْهُمْ مِثْل ذَلِكَ . 12521 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ مِقْسَم : { يَوْم الْفُرْقَان } قَالَ : يَوْم بَدْر , فَرَّقَ اللَّه بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ عُثْمَان الْجَزَرِيّ , عَنْ مِقْسَم , فِي قَوْله : { يَوْم الْفُرْقَان } قَالَ : يَوْم بَدْر , فَرَّقَ اللَّه بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل . 12522 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { يَوْم الْفُرْقَان يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ } يَوْم بَدْر , وَبَدْر بَيْن الْمَدِينَة وَمَكَّة . 12523 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثَنِي يَحْيَى بْن يَعْقُوب أَبُو طَالِب , عَنْ اِبْن عَوْن , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الثَّقَفِيّ , عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ عَبْد اللَّه بْن حَبِيب , قَالَ : قَالَ الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : كَانَتْ لَيْلَة الْفُرْقَان يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ لِسَبْع عَشْرَة مِنْ شَهْر رَمَضَان . 12524 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ } قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَالَ اِبْن كَثِير : يَوْم بَدْر . 12525 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدنَا يَوْم الْفُرْقَان يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ } أَيْ يَوْم فَرَّقَ بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل بِبَدْرٍ ; أَيْ يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ مِنْكُمْ وَمِنْهُمْ . 12526 - بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدنَا يَوْم الْفُرْقَان } وَذَاكُمْ يَوْم بَدْر , يَوْم فَرَّقَ اللَّه بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل .
وَاَللَّه عَلَى إِهْلَاك أَهْل الْكُفْر وَإِذْلَالهمْ بِأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ , وَعَلَى غَيْر ذَلِكَ مِمَّا يَشَاء قَدِير لَا يَمْتَنِع عَلَيْهِ شَيْء أَرَادَهُ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل ذَلِكَ , فَقَالَ بَعْضهمْ : قَوْله : { فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه } مِفْتَاح كَلَام , وَلِلَّهِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَمَا فِيهِمَا , وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَام : فَأَنَّ لِلرَّسُولِ خُمُسه . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12488 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , قَالَ : سَأَلْت الْحَسَن عَنْ قَوْل اللَّه : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه وَلِلرَّسُولِ } قَالَ : هَذَا مِفْتَاح كَلَام , لِلَّهِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , قَالَ : سَأَلْت الْحَسَن بْن مُحَمَّد , عَنْ قَوْله : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه } قَالَ : هَذَا مِفْتَاح كَلَام , لِلَّهِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة . 12489 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن يُونُس , قَالَ : ثَنَا أَبُو شِهَاب , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ نَهْشَل , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّة فَغَنِمُوا خُمُس الْغَنِيمَة فَضَرَبَ ذَلِكَ الْخُمُس فِي خَمْسَة . ثُمَّ قَرَأَ : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه وَلِلرَّسُولِ } . قَالَ : وَقَوْله : { فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه } مِفْتَاح كَلَام , { لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الْأَرْض } 2 284 فَجَعَلَ سَهْم اللَّه وَسَهْم الرَّسُول وَاحِدًا . 12490 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا جَرِير , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم : { فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه } قَالَ : لِلَّهِ كُلّ شَيْء . 12491 - حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن عَوْن , قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْم , عَنْ مُغِيرَة , عَنْ إِبْرَاهِيم , فِي قَوْله : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه } قَالَ : لِلَّهِ كُلّ شَيْء , وَخُمُس لِلَّهِ وَرَسُوله , وَيُقْسَم مَا سِوَى ذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَة أَسْهُم . 92492 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ : كَانَتْ الْغَنِيمَة تُقْسَم خَمْس أَخْمَاس , فَأَرْبَعَة أَخْمَاس لِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا , وَيُقْسَم الْخُمُس الْبَاقِي عَلَى خَمْسَة أَخْمَاس , فَخُمُس لِلَّهِ وَالرَّسُول . 12493 - حَدَّثَنَا عِمْرَان بْن مُوسَى , قَالَ : ثنا عَبْد الْوَارِث , قَالَ : ثنا أَبَان , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : أَوْصَى أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بِالْخُمُسِ مِنْ مَاله وَقَالَ : أَلَا أَرْضَى مِنْ مَالِي بِمَا رَضِيَ اللَّه لِنَفْسِهِ ؟ . 92494 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن فُضَيْل , عَنْ عَبْد الْمَلِك , عَنْ عَطَاء : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه وَلِلرَّسُولِ } قَالَ : خُمُس اللَّه وَخُمُس رَسُوله وَاحِد , كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْمِل مِنْهُ وَيَصْنَع فِيهِ مَا شَاءَ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا الْحَجَّاج , قَالَ : ثنا أَبُو عَوَانَة , عَنْ الْمُغِيرَة , عَنْ أَصْحَابه , عَنْ إِبْرَاهِيم : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه } قَالَ : كُلّ شَيْء لِلَّهِ , الْخُمُس لِلرَّسُولِ , وَلِذِي الْقُرْبَى , وَالْيَتَامَى , وَالْمَسَاكِين , وَابْن السَّبِيل . وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ فَإِنَّ لِبَيْتِ اللَّه خُمُسه وَلِلرَّسُولِ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12495 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا وَكِيع بْن الْجَرَّاح , عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة الرِّيَاحِيّ , قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْتَى بِالْغَنِيمَةِ , فَيَقْسِمهَا عَلَى خَمْسَة تَكُون أَرْبَعَة أَخْمَاس لِمَنْ شَهِدَهَا , ثُمَّ يَأْخُذ الْخُمُس , فَيَضْرِب بِيَدِهِ فِيهِ , فَيَأْخُذ مِنْهُ الَّذِي قَبَضَ كَفّه فَيَجْعَلهُ لِلْكَعْبَةِ , وَهُوَ سَهْم اللَّه , ثُمَّ يَقْسِم مَا بَقِيَ عَلَى خَمْسَة أَسْهُم ; فَيَكُون سَهْم لِلرَّسُولِ . وَسَهْم لِذِي الْقُرْبَى , وَسَهْم لِلْيَتَامَى , وَسَهْم لِلْمَسَاكِينِ , وَسَهْم لِابْنِ السَّبِيل . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , عَنْ أَبِي الْعَالِيَة : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه } إِلَى آخِر الْآيَة , قَالَ : فَكَانَ يُجَاء بِالْغَنِيمَةِ فَتُوضَع , فَيَقْسِمهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسَة أَسْهُم , فَيَجْعَل أَرْبَعَة بَيْن النَّاس وَيَأْخُذ سَهْمًا , ثُمَّ يَضْرِب بِيَدِهِ فِي جَمِيع ذَلِكَ السَّهْم , فَمَا قَبَضَ عَلَيْهِ مِنْ شَيْء جَعَلَهُ لِلْكَعْبَةِ , فَهُوَ الَّذِي سَمَّى لِلَّهِ , وَيَقُول : " لَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ نَصِيبًا فَإِنَّ لِلَّهِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة " , ثُمَّ يَقْسِم بَقِيَّته عَلَى خَمْسَة أَسْهُم : سَهْم لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَسَهْم لِذَوِي الْقُرْبَى , وَسَهْم لِلْيَتَامَى , وَسَهْم لِلْمَسَاكِينِ , وَسَهْم لِابْنِ السَّبِيل . وَقَالَ آخَرُونَ : مَا سُمِّيَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ مُرَاد بِهِ قَرَابَته , وَلَيْسَ لِلَّهِ وَلَا لِرَسُولِهِ مِنْهُ شَيْء . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12496 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنَا مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : كَانَتْ الْغَنِيمَة تُقْسَم عَلَى خَمْسَة أَخْمَاس , فَأَرْبَعَة مِنْهَا لِمَنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا , وَخُمُس وَاحِد يُقْسَم عَلَى أَرْبَع ; فَرُبُع لِلَّهِ وَالرَّسُول وَلِذِي الْقُرْبَى - يَعْنِي قَرَابَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا كَانَ لِلَّهِ وَالرَّسُول فَهُوَ لِقَرَابَةِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَمْ يَأْخُذ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مِنْ الْخُمُس شَيْئًا , وَالرُّبُع الثَّانِي لِلْيَتَامَى , وَالرُّبُع الثَّالِث لِلْمَسَاكِينِ , وَالرُّبُع الرَّابِع لِابْنِ السَّبِيل . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْل مَنْ قَالَ قَوْله : { فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه } اِفْتِتَاح كَلَام ; وَذَلِكَ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّة عَلَى أَنَّ الْخُمُس غَيْر جَائِز قَسْمه عَلَى سِتَّة أَسْهُم , وَلَوْ كَانَ لِلَّهِ فِيهِ سَهْم كَمَا قَالَ أَبُو الْعَالِيَة , لَوَجَبَ أَنْ يَكُون خُمُس الْغَنِيمَة مَقْسُومًا عَلَى سِتَّة أَسْهُم . وَإِنَّمَا اِخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي قَسْمه عَلَى خَمْسَة فَمَا دُونهَا , فَأَمَّا عَلَى أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ فَمَا لَا نَعْلَم قَائِلًا قَالَهُ غَيْر الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ الْخَبَر عَنْ أَبِي الْعَالِيَة , وَفِي إِجْمَاع مَنْ ذَكَرْت الدَّلَالَة الْوَاضِحَة عَلَى صِحَّة مَا اِخْتَرْنَا . فَأَمَّا مَنْ قَالَ : سَهْم الرَّسُول لِذَوِي الْقُرْبَى , فَقَدْ أَوْجَبَ لِلرَّسُولِ سَهْمًا ; وَإِنْ كَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَرَفَهُ إِلَى ذَوِي قَرَابَته , فَلَمْ يَخْرُج مِنْ أَنْ يَكُون الْقَسْم كَانَ عَلَى خَمْسَة أَسْهُم . وَقَدْ : 12497 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه } الْآيَة , قَالَ : كَانَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا غَنِمَ غَنِيمَة جُعِلَتْ أَخْمَاسًا , فَكَانَ خُمُس لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ , وَيُقْسَم الْمُسْلِمُونَ مَا بَقِيَ . وَكَانَ الْخُمُس الَّذِي جُعِلَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَلِلْمَسَاكِينِ وَابْن السَّبِيل , فَكَانَ هَذَا الْخُمُس خَمْسَة أَخْمَاس : خُمُس لِلَّهِ وَرَسُوله , وَخُمُس لِذَوِي الْقُرْبَى . وَخُمُس لِلْيَتَامَى , وَخُمُس لِلْمَسَاكِينِ . وَخُمُس لِابْنِ السَّبِيل . 12498 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار . قَالَ : ثَنَا عَبْد الرَّحْمَن . قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مُوسَى بْن أَبِي عَائِشَة , قَالَ : سَأَلْت يَحْيَى بْن الْجَزَّار عَنْ سَهْم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : هُوَ خُمُس الْخُمُس . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع . قَالَ : ثنا اِبْن عُيَيْنَة , وَجَرِير عَنْ مُوسَى بْن أَبِي عَائِشَة , عَنْ يَحْيَى بْن الْجَزَّار مِثْله . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد . قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ مُوسَى بْن أَبِي عَائِشَة , عَنْ يَحْيَى بْن الْجَزَّار مِثْله . 12499 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه } قَالَ : أَرْبَعَة أَخْمَاس لِمَنْ حَضَرَ الْبَأْس , وَالْخُمُس الْبَاقِي لِلَّهِ , وَلِلرَّسُولِ خُمُسه يَضَعهُ حَيْثُ رَأَى , وَخُمُسه لِذَوِي الْقُرْبَى , وَخُمُسه لِلْيَتَامَى , وَخُمُسه لِلْمَسَاكِينِ , وَلِابْنِ السَّبِيل خُمُسه . وَأَمَّا قَوْله : { وَلِذِي الْقُرْبَى } فَإِنَّ أَهْل التَّأْوِيل اِخْتَلَفُوا فِيهِمْ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُمْ قَرَابَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَنِي هَاشِم . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12500 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع . قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ شَرِيك , عَنْ خُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : كَانَ آل مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَحِلّ لَهُمْ الصَّدَقَة , فَجُعِلَ لَهُمْ خُمُس الْخُمُس . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثَنَا شَرِيك , عَنْ خُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْل بَيْته لَا يَأْكُلُونَ الصَّدَقَة , فَجُعِلَ لَهُمْ خُمُس الْخُمُس , 12501 - حَدَّثَنَا أَحْمَد , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثَنَا عَبْد السَّلَام , عَنْ خُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : قَدْ عَلِمَ اللَّه أَنَّ فِي بَنِي هَاشِم الْفُقَرَاء , فَجُعِلَ لَهُمْ الْخُمُس مَكَان الصَّدَقَة . 12502 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة , قَالَ : ثنا إِسْمَاعِيل بْن أَبَان , قَالَ : ثَنَا الصَّبَّاح بْن يَحْيَى الْمُزَنِيّ , عَنْ السُّدِّيّ , عَنْ اِبْن الدَّيْلِمِيّ , قَالَ : قَالَ عَلِيّ بْن الْحُسَيْن رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْل الشَّام : أَمَا قَرَأْت فِي الْأَنْفَال : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه وَلِلرَّسُولِ } الْآيَة ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : فَإِنَّكُمْ لَأَنْتُمْ هُمْ ؟ قَالَ : نَعَمْ . * - حَدَّثَنَا الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ خُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : هَؤُلَاءِ قَرَابَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ لَا تَحِلّ لَهُمْ الصَّدَقَة . 12503 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَبُو مُعَاوِيَة , عَنْ حَجَّاج , عَنْ عَطَاء , عَنْ اِبْن عَبَّاس : أَنَّ نَجْدَة كَتَبَ إِلَيْهِ يَسْأَلهُ عَنْ ذَوِي الْقُرْبَى , فَكَتَبَ إِلَيْهِ كِتَابًا : تَزْعُم أَنَّا نَحْنُ هُمْ , فَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْنَا قَوْمنَا . 12504 - قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج : { فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه } قَالَ : أَرْبَعَة أَخْمَاس لِمَنْ حَضَرَ الْبَأْس , وَالْخُمُس الْبَاقِي لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ خُمُسه يَضَعهُ حَيْثُ رَأَى , وَخُمُس لِذَوِي الْقُرْبَى , وَخُمُس لِلْيَتَامَى , وَخُمُس لِلْمَسَاكِينِ , وَلِابْنِ السَّبِيل خُمُسه . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هُمْ قُرَيْش كُلّهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12505 - حَدَّثَنِي يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن نَافِع , عَنْ أَبِي مَعْشَر , عَنْ سَعِيد الْمَقْبُرِيّ , قَالَ : كَتَبَ نَجْدَة إِلَى اِبْن عَبَّاس يَسْأَلهُ عَنْ ذِي الْقُرْبَى , قَالَ : فَكَتَبَ إِلَيْهِ اِبْن عَبَّاس : قَدْ كُنَّا نَقُول إِنَّا هُمْ , فَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْنَا قَوْمنَا , وَقَالُوا : قُرَيْش كُلّهَا ذَوُو قُرْبَى . وَقَالَ آخَرُونَ : سَهْم ذِي الْقُرْبَى كَانَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ صَارَ مَنْ بَعْده لِوَلِيِّ الْأَمْر مِنْ بَعْده . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12506 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثَنَا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ سَهْم ذِي الْقُرْبَى , فَقَالَ : كَانَ طُعْمَة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ حَيًّا , فَلَمَّا تُوُفِّيَ جُعِلَ لِوَلِيِّ الْأَمْر مِنْ بَعْده . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ سَهْم ذِي الْقُرْبَى كَانَ لِبَنِي هَاشِم وَبَنِي الْمُطَّلِب خَاصَّة . وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ الشَّافِعِيّ , وَكَانَتْ عِلَّته فِي ذَلِكَ مَا : 12507 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثَنَا يُونُس بْن بُكَيْر , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثني الزُّهْرِيّ , عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب , عَنْ جُبَيْر بْن مُطْعِم , قَالَ : لَمَّا قَسَمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْم ذِي الْقُرْبَى مِنْ خَيْبَر عَلَى بَنِي هَاشِم وَبَنِي الْمُطَّلِب مَشَيْت أَنَا وَعُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , فَقُلْنَا : يَا رَسُول اللَّه , هَؤُلَاءِ إِخْوَتك بَنُو هَاشِم لَا نُنْكِر فَضْلهمْ لِمَكَانِك الَّذِي جَعَلَك اللَّه بِهِ مِنْهُمْ , أَرَأَيْت إِخْوَاننَا بَنِي الْمُطَّلِب أَعْطَيْتهمْ وَتَرَكْتنَا , وَإِنَّمَا نَحْنُ وَهُمْ مِنْك بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَة ؟ فَقَالَ : " إِنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونَا فِي جَاهِلِيَّة وَلَا إِسْلَام , إِنَّمَا بَنُو هَاشِم وَبَنُو الْمُطَّلِب شَيْء وَاحِد " . ثُمَّ شَبَّكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ إِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى . وَأَوْلَى الْأَقْوَال فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي , قَوْل مَنْ قَالَ : سَهْم ذِي الْقُرْبَى كَانَ لِقَرَابَةِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَنِي هَاشِم وَحُلَفَائِهِمْ مِنْ بَنِي الْمُطَّلِب , لِأَنَّ حَلِيف الْقَوْم مِنْهُمْ , وَلِصِحَّةِ الْخَبَر الَّذِي ذَكَرْنَاهُ بِذَلِكَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي حُكْم هَذَيْنِ السَّهْمَيْنِ , أَعْنِي سَهْم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَهْم ذِي الْقُرْبَى بَعْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَقَالَ بَعْضهمْ : يُصْرَفَانِ فِي مَعُونَة الْإِسْلَام وَأَهْله . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12508 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن يُونُس , قَالَ : ثنا أَبُو شِهَاب , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ نَهْشَل , عَنْ الضَّحَّاك , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : جُعِلَ سَهْم اللَّه وَسَهْم الرَّسُول وَاحِدًا وَلِذِي الْقُرْبَى , فَجُعِلَ هَذَانِ السَّهْمَانِ فِي الْخَيْل وَالسِّلَاح , وَجُعِلَ سَهْم الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل لَا يُعْطَى غَيْرهمْ . 12509 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثَنَا سُفْيَان , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , قَالَ : سَأَلْت الْحَسَن عَنْ قَوْل اللَّه : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى } قَالَ : هَذَا مِفْتَاح كَلَام , لِلَّهِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة . ثُمَّ اِخْتَلَفَ النَّاس فِي هَذَيْنِ السَّهْمَيْنِ بَعْد وَفَاة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ قَائِلُونَ : سَهْم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لِقَرَابَةِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ قَائِلُونَ : سَهْم الْقَرَابَة لِقَرَابَةِ الْخَلِيفَة ; وَاجْتَمَعَ رَأْيهمْ أَنْ يَجْعَلُوا هَذَيْنِ السَّهْمَيْنِ فِي الْخَيْل وَالْعِدَّة فِي سَبِيل اللَّه , فَكَانَا عَلَى ذَلِكَ فِي خِلَافَة أَبِي بَكْر وَعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا 12510 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا سُفْيَان , عَنْ قَيْس بْن مُسْلِم , قَالَ : سَأَلْت الْحَسَن بْن مُحَمَّد , فَذَكَرَ نَحْوه . 12511 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا عُمَر بْن عُبَيْد , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ إِبْرَاهِيم , قَالَ : كَانَ أَبُو بَكْر وَعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا يَجْعَلَانِ سَهْم النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكُرَاع وَالسِّلَاح , فَقُلْت لِإِبْرَاهِيم : مَا كَانَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَقُول فِيهِ ؟ قَالَ : كَانَ عَلِيّ أَشَدّهمْ فِيهِ . 12512 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين } الْآيَة . قَالَ اِبْن عَبَّاس : فَكَانَتْ الْغَنِيمَة تُقْسَم عَلَى خَمْسَة أَخْمَاس , أَرْبَعَة بَيْن مَنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا , وَخُمُس وَاحِد يُقْسَم عَلَى أَرْبَعَة : لِلَّهِ , وَلِلرَّسُولِ , وَلِذِي الْقُرْبَى , يَعْنِي قَرَابَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَمَا كَانَ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ فَهُوَ لِقَرَابَةِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَمْ يَأْخُذ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْخُمُس شَيْئًا . فَلَمَّا قَبَضَ اللَّه رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , رَدَّ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ نَصِيب الْقَرَابَة فِي الْمُسْلِمِينَ , فَجَعَلَ يَحْمِل بِهِ فِي سَبِيل اللَّه , لِأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : " لَا نُورَث , مَا تَرَكْنَا صَدَقَة " . 12513 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ سَهْم ذِي الْقُرْبَى , فَقَالَ : كَانَ طُعْمَة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمَّا تُوُفِّيَ حَمَلَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْر وَعُمَر فِي سَبِيل اللَّه صَدَقَة عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ آخَرُونَ : سَهْم ذَوِي الْقُرْبَى مِنْ بَعْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ سَهْم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى وَلِيّ أَمْر الْمُسْلِمِينَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12514 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا عَمْرو بْن ثَابِت , عَنْ عِمْرَان بْن ظَبْيَان , عَنْ حَكِيم بْن سَعْد , عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , قَالَ : يُعْطَى كُلّ إِنْسَان نَصِيبه مِنْ الْخُمُس , وَيَلِي الْإِمَام سَهْم اللَّه وَرَسُوله . 12515 - حَدَّثَنَا اِبْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ سَهْم ذَوِي الْقُرْبَى , فَقَالَ : كَانَ طُعْمَة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ حَيًّا , فَلَمَّا تُوُفِّيَ جُعِلَ لِوَلِيِّ الْأَمْر مِنْ بَعْده . وَقَالَ آخَرُونَ : سَهْم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْدُود فِي الْخُمُس , وَالْخُمُس مَقْسُوم عَلَى ثَلَاثَة أَسْهُم : عَلَى الْيَتَامَى , وَالْمَسَاكِين , وَابْن السَّبِيل . وَذَلِكَ قَوْل جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْعِرَاق . وَقَالَ آخَرُونَ : الْخُمُس كُلّه لِقَرَابَةِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12516 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا عَبْد الْغَفَّار , قَالَ : ثنا الْمِنْهَال بْن عَمْرو , قَالَ : سَأَلْت عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ وَعَلِيّ بْن الْحُسَيْن عَنْ الْخُمُس , فَقَالَا : هُوَ لَنَا . فَقُلْت لِعَلِيٍّ : إِنَّ اللَّه يَقُول : { وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل } فَقَالَ : يَتَامَانَا وَمَسَاكِيننَا . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدنَا , أَنَّ سَهْم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْدُود فِي الْخُمُس , وَالْخُمُس مَقْسُوم عَلَى أَرْبَعَة أَسْهُم عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس : لِلْقَرَابَةِ سَهْم , وَلِلْيَتَامَى سَهْم , وَلِلْمَسَاكِينِ سَهْم , وَلِابْنِ السَّبِيل سَهْم ; لِأَنَّ اللَّه أَوْجَبَ الْخُمُس لِأَقْوَامٍ مَوْصُوفِينَ بِصِفَاتٍ , كَمَا أَوْجَبَ الْأَرْبَعَة الْأَخْمَاس الْآخَرِينَ . وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ حَقّ الْأَرْبَعَة الْأَخْمَاس لَنْ يَسْتَحِقّهُ غَيْرهمْ , فَكَذَلِكَ حَقّ أَهْل الْخَمْس لَنْ يَسْتَحِقّهُ غَيْرهمْ , فَغَيْر جَائِز أَنْ يَخْرُج عَنْهُمْ إِلَى غَيْرهمْ , كَمَا غَيْر جَائِز أَنْ تَخْرُج بَعْض السُّهْمَان الَّتِي جَعَلَهَا اللَّه لِمَنْ سَمَّاهُ فِي كِتَابه بِفَقْدِ بَعْض مَنْ يَسْتَحِقّهُ إِلَى غَيْر أَهْل السُّهْمَان الْأُخَر . وَأَمَّا الْيَتَامَى : فَهُمْ أَطْفَال الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ قَدْ هَلَكَ آبَاؤُهُمْ . وَالْمَسَاكِين : هُمْ أَهْل الْفَاقَة وَالْحَاجَة مِنْ الْمُسْلِمِينَ . وَابْن السَّبِيل : الْمُجْتَاز سَفَرًا قَدْ اِنْقَطَعَ بِهِ . كَمَا : 12517 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : الْخُمُس الرَّابِع لِابْنِ السَّبِيل , وَهُوَ الضَّيْف الْفَقِير الَّذِي يَنْزِل بِالْمُسْلِمِينَ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاَللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدنَا يَوْم الْفُرْقَان يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَيْقِنُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَمَقْسُوم الْقَسْم الَّذِي بَيَّنْته , وَصَدِّقُوا بِهِ إِنْ كُنْتُمْ أَقْرَرْتُمْ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّه وَبِمَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى عَبْده مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم فَرَّقَ بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل بِبَدْرٍ , فَأَبَانَ فَلَجَ الْمُؤْمِنِينَ وَظُهُورهمْ عَلَى عَدُوّهُمْ , وَذَلِكَ يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ . جَمْع الْمُؤْمِنِينَ , وَجَمْع الْمُشْرِكِينَ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12518 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { يَوْم الْفُرْقَان } يَعْنِي بِالْفُرْقَانِ : يَوْم بَدْر , فَرَّقَ اللَّه فِيهِ بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل . 12519 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 12520 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو صَالِح , قَالَ : ثَنِي اللَّيْث , قَالَ : ثني عُقَيْل , عَنْ اِبْن شِهَاب , عَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر وَإِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّزَّاق , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الزُّهْرِيّ , عَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر , يَزِيد أَحَدهمَا عَلَى صَاحِبه فِي قَوْله : { يَوْم الْفُرْقَان } يَوْم فَرَّقَ اللَّه بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل , وَهُوَ يَوْم بَدْر , وَهُوَ أَوَّل مَشْهَد شَهِدَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَانَ رَأْس الْمُشْرِكِينَ عُتْبَة بْن رَبِيعَة . فَالْتَفُّوا يَوْم الْجُمْعَة لِتَسْعَ عَشْرَة لَيْلَة مَضَتْ مِنْ شَهْر رَمَضَان , وَأَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاث مِائَة وَبِضْعَة عَشَر رَجُلًا , وَالْمُشْرِكُونَ مَا بَيْن الْأَلْف وَالتِّسْع مِائَة , فَهَزَمَ اللَّه يَوْمئِذٍ الْمُشْرِكِينَ , وَقُتِلَ مِنْهُمْ زِيَادَة عَلَى سَبْعِينَ , وَأُسِرَ مِنْهُمْ مِثْل ذَلِكَ . 12521 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ مِقْسَم : { يَوْم الْفُرْقَان } قَالَ : يَوْم بَدْر , فَرَّقَ اللَّه بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل . * - حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ عُثْمَان الْجَزَرِيّ , عَنْ مِقْسَم , فِي قَوْله : { يَوْم الْفُرْقَان } قَالَ : يَوْم بَدْر , فَرَّقَ اللَّه بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل . 12522 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { يَوْم الْفُرْقَان يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ } يَوْم بَدْر , وَبَدْر بَيْن الْمَدِينَة وَمَكَّة . 12523 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثَنِي يَحْيَى بْن يَعْقُوب أَبُو طَالِب , عَنْ اِبْن عَوْن , عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الثَّقَفِيّ , عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ عَبْد اللَّه بْن حَبِيب , قَالَ : قَالَ الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : كَانَتْ لَيْلَة الْفُرْقَان يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ لِسَبْع عَشْرَة مِنْ شَهْر رَمَضَان . 12524 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد : { يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ } قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَالَ اِبْن كَثِير : يَوْم بَدْر . 12525 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدنَا يَوْم الْفُرْقَان يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ } أَيْ يَوْم فَرَّقَ بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل بِبَدْرٍ ; أَيْ يَوْم اِلْتَقَى الْجَمْعَانِ مِنْكُمْ وَمِنْهُمْ . 12526 - بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدنَا يَوْم الْفُرْقَان } وَذَاكُمْ يَوْم بَدْر , يَوْم فَرَّقَ اللَّه بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل .
وَاَللَّه عَلَى إِهْلَاك أَهْل الْكُفْر وَإِذْلَالهمْ بِأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ , وَعَلَى غَيْر ذَلِكَ مِمَّا يَشَاء قَدِير لَا يَمْتَنِع عَلَيْهِ شَيْء أَرَادَهُ .
إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْب أَسْفَل مِنْكُمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : أَيْقِنُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ وَاعْلَمُوا أَنَّ قَسْم الْغَنِيمَة عَلَى مَا بَيَّنَهُ لَكُمْ رَبّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاَللَّهِ وَمَا أَنْزَلَ عَلَى عَبْده يَوْم بَدْر , إِذْ فَرَّقَ بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل مِنْ نَصْر رَسُوله , { إِذْ أَنْتُمْ } حِينَئِذٍ { بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا } يَقُول : بِشَفِيرِ الْوَادِي الْأَدْنَى إِلَى الْمَدِينَة , { وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى } يَقُول : وَعَدُوّكُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ نُزُول بِشَفِيرِ الْوَادِي الْأَقْصَى إِلَى مَكَّة , { وَالرَّكْب أَسْفَل مِنْكُمْ } يَقُول : وَالْعِير فِيهِ أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه فِي مَوْضِع أَسْفَل مِنْكُمْ إِلَى سَاحِل الْبَحْر . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12527 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا } قَالَ : شَفِير الْوَادِي الْأَدْنَى وَهِيَ بِشَفِيرِ الْوَادِي الْأَقْصَى . { وَالرَّكْب أَسْفَل مِنْكُمْ } قَالَ : أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه أَسْفَل مِنْهُمْ . * - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى } وَهُمَا شَفِيرَا الْوَادِي , كَانَ نَبِيّ اللَّه أَعْلَى الْوَادِي وَالْمُشْرِكُونَ بِأَسْفَلِهِ . { وَالرَّكْب أَسْفَل مِنْكُمْ } يَعْنِي أَبَا سُفْيَان , اِنْحَدَرَ بِالْعِيرِ عَلَى حَوْزَته حَتَّى قَدِمَ بِهَا مَكَّة . 12528 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى } مِنْ الْوَادِي إِلَى مَكَّة . { وَالرَّكْب أَسْفَل مِنْكُمْ } أَيْ عِير أَبِي سُفْيَان الَّتِي خَرَجْتُمْ لِتَأْخُذُوهَا وَخَرَجُوا لِيَمْنَعُوهَا عَنْ غَيْر مِيعَاد مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ . 12529 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَالرَّكْب أَسْفَل مِنْكُمْ } قَالَ : أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه مُقْبِلُونَ مِنْ الشَّام تُجَّارًا , لَمْ يَشْعُرُوا بِأَصْحَابِ بَدْر , وَلَمْ يَشْعُر مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكُفَّارِ قُرَيْش وَلَا كُفَّار قُرَيْش بِمُحَمَّدٍ وَأَصْحَابه , حَتَّى اِلْتَقَيَا عَلَى مَاء بَدْر مَنْ يَسْقِي لَهُمْ كُلّهمْ , فَاقْتَتَلُوا , فَغَلَبَهُمْ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَأَسَرُوهُمْ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثَنَا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , بِنَحْوِهِ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . 12530 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : ذِكْر مَنَازِل الْقَوْم وَالْعِير , فَقَالَ : { إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى } وَالرَّكْب : هُوَ أَبُو سُفْيَان وَعِيره , أَسْفَل مِنْكُمْ عَلَى شَاطِئ الْبَحْر . وَاخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ } فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْمَدَنِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ : { بِالْعُدْوَةِ } بِضَمِّ الْعَيْن , وَقَرَأَهُ بَعْض الْمَكِّيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ : " بِالْعِدْوَةِ " بِكَسْرِ الْعَيْن . وَهُمَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِد , فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب , يُنْشَد بَيْت الرَّاعِي : وَعَيْنَانِ حُمْر مَآقِيهمَا كَمَا نَظَرَ الْعِدْوَة الْجُؤْذَر بِكَسْرِ الْعَيْن مِنْ الْعِدْوَة , وَكَذَلِكَ يُنْشَد بَيْت أَوْس بْن حَجَر : وَفَارِس لَوْ تَحُلّ الْخَيْل عِدْوَته وَلَّوْا سِرَاعًا وَمَا هَمُّوا بِإِقْبَالِ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَاد وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّه أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا } يَعْنِى تَعَالَى ذِكْره : وَلَوْ كَانَ اِجْتِمَاعكُمْ فِي الْمَوْضِع الَّذِي اِجْتَمَعْتُمْ فِيهِ أَنْتُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ وَعَدُوّكُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَنْ مِيعَاد مِنْكُمْ وَمِنْهُمْ , لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَاد لِكَثْرَةِ عَدَد عَدُوّكُمْ وَقِلَّة عَدَدكُمْ ; وَلَكِنَّ اللَّه جَمَعَكُمْ عَلَى غَيْر مِيعَاد بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ لِيَقْضِيَ اللَّه أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا . وَذَلِكَ الْقَضَاء مِنْ اللَّه كَانَ نَصْره أَوْلِيَاءَهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله , وَهَلَاك أَعْدَائِهِ وَأَعْدَائِهِمْ بِبَدْرٍ بِالْقَتْلِ وَالْأَسْر ; كَمَا : 12531 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَاد } وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَنْ مِيعَاد مِنْكُمْ وَمِنْهُمْ ثُمَّ بَلَغَكُمْ كَثْرَة عَدَدهمْ وَقِلَّة عَدَدكُمْ مَا لَقِيتُمُوهُمْ . { وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّه أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا } أَيْ لِيَقْضِيَ اللَّه مَا أَرَادَ بِقُدْرَتِهِ مِنْ إِعْزَاز الْإِسْلَام وَأَهْله , وَإِذْلَال الشِّرْك وَأَهْله , عَنْ غَيْر بَلَاء مِنْكُمْ ; فَفَعَلَ مَا أَرَادَ مِنْ ذَلِكَ بِلُطْفِهِ . 12532 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : أَخْبَرَنِي يُونُس بْن شِهَاب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه بْن كَعْب بْن مَالِك , أَنَّ عَبْد اللَّه بْن كَعْب , قَالَ : سَمِعْت كَعْب بْن مَالِك يَقُول فِي غَزْوَة بَدْر : إِنَّمَا خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ يُرِيدُونَ عِير قُرَيْش , حَتَّى جَمَعَ اللَّه بَيْنهمْ وَبَيْن عَدُوّهُمْ عَلَى غَيْر مِيعَاد . 12533 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ اِبْن عَوْن , عَنْ عُمَيْر بْن إِسْحَاق , قَالَ : أَقْبَلَ أَبُو سُفْيَان فِي الرَّكْب مِنْ الشَّام , وَخَرَجَ أَبُو جَهْل لِيَمْنَعهُ مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه , فَالْتَقَوْا بِبَدْرٍ , وَلَا يَشْعُر هَؤُلَاءِ بِهَؤُلَاءِ وَلَا هَؤُلَاءِ بِهَؤُلَاءِ , حَتَّى اِلْتَقَتْ السُّقَاة , قَالَ : وَنَهَدَ النَّاس بَعْضهمْ لِبَعْضٍ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْل تَعَالَى : { لِيَهْلِك مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَة وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَكِنَّ اللَّه جَمَعَهُمْ هُنَالِكَ لِيَقْضِيَ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا , { لِيَهْلِك مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَة } . وَهَذِهِ اللَّام فِي قَوْله : { لِيَهْلِك } مُكَرَّرَة عَلَى اللَّام فِي قَوْله : { لِيَقْضِيَ } كَأَنَّهُ قَالَ : وَلَكِنْ لِيَهْلِك مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَة , جَمَعَكُمْ . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { لِيَهْلِك مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَة } لِيَمُوتَ مَنْ مَاتَ مِنْ خَلْقه عَنْ حُجَّة لِلَّهِ قَدْ أُثْبِتَتْ لَهُ , وَقَطَعَتْ عُذْره , وَعِبْرَة قَدْ عَايَنَهَا وَرَآهَا . { وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَة } يَقُول : وَلْيَعِشْ مَنْ عَاشَ مِنْهُمْ عَنْ حُجَّة لِلَّهِ قَدْ أُثْبِتَتْ لَهُ وَظَهَرَتْ لِعَيْنِهِ , فَعَلِمَهَا جَمَعْنَا بَيْنكُمْ وَبَيْن عَدُوّكُمْ هُنَالِكَ . وَقَالَ اِبْن إِسْحَاق فِي ذَلِكَ بِمَا : 12534 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { لِيَهْلِك مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَة } لِمَا رَأَى مِنْ الْآيَات وَالْعِبَر , وَيُؤْمِن مَنْ آمَنَ عَلَى مِثْل ذَلِكَ .
وَأَمَّا قَوْله : { وَإِنَّ اللَّه لَسَمِيع عَلِيم } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : وَإِنَّ اللَّه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَسَمِيع لِقَوْلِكُمْ وَقَوْل غَيْركُمْ حِين يُرِي اللَّه نَبِيّه فِي مَنَامه , وَيُرِيكُمْ عَدُوّكُمْ فِي أَعْيُنكُمْ قَلِيلًا وَهُمْ كَثِير , وَيَرَاكُمْ عَدُوّكُمْ فِي أَعْيُنهمْ قَلِيلًا , عَلِيم بِمَا تُضْمِرهُ نُفُوسكُمْ وَتَنْطَوِي عَلَيْهِ قُلُوبكُمْ , حِينَئِذٍ وَفِي كُلّ حَال . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَهُمْ وَلِعِبَادِهِ : وَاتَّقُوا رَبّكُمْ أَيّهَا النَّاس فِي مَنْطِقكُمْ أَنْ تَنْطِقُوا بِغَيْرِ حَقّ , وَفِي قُلُوبكُمْ أَنْ تَعْتَقِدُوا فِيهَا غَيْر الرُّشْد , فَإِنَّ اللَّه لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَة مِنْ ظَاهِر أَوْ بَاطِن .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَاد وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّه أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا } يَعْنِى تَعَالَى ذِكْره : وَلَوْ كَانَ اِجْتِمَاعكُمْ فِي الْمَوْضِع الَّذِي اِجْتَمَعْتُمْ فِيهِ أَنْتُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ وَعَدُوّكُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَنْ مِيعَاد مِنْكُمْ وَمِنْهُمْ , لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَاد لِكَثْرَةِ عَدَد عَدُوّكُمْ وَقِلَّة عَدَدكُمْ ; وَلَكِنَّ اللَّه جَمَعَكُمْ عَلَى غَيْر مِيعَاد بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ لِيَقْضِيَ اللَّه أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا . وَذَلِكَ الْقَضَاء مِنْ اللَّه كَانَ نَصْره أَوْلِيَاءَهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله , وَهَلَاك أَعْدَائِهِ وَأَعْدَائِهِمْ بِبَدْرٍ بِالْقَتْلِ وَالْأَسْر ; كَمَا : 12531 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَاد } وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَنْ مِيعَاد مِنْكُمْ وَمِنْهُمْ ثُمَّ بَلَغَكُمْ كَثْرَة عَدَدهمْ وَقِلَّة عَدَدكُمْ مَا لَقِيتُمُوهُمْ . { وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّه أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا } أَيْ لِيَقْضِيَ اللَّه مَا أَرَادَ بِقُدْرَتِهِ مِنْ إِعْزَاز الْإِسْلَام وَأَهْله , وَإِذْلَال الشِّرْك وَأَهْله , عَنْ غَيْر بَلَاء مِنْكُمْ ; فَفَعَلَ مَا أَرَادَ مِنْ ذَلِكَ بِلُطْفِهِ . 12532 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد : أَخْبَرَنِي يُونُس بْن شِهَاب , قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه بْن كَعْب بْن مَالِك , أَنَّ عَبْد اللَّه بْن كَعْب , قَالَ : سَمِعْت كَعْب بْن مَالِك يَقُول فِي غَزْوَة بَدْر : إِنَّمَا خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ يُرِيدُونَ عِير قُرَيْش , حَتَّى جَمَعَ اللَّه بَيْنهمْ وَبَيْن عَدُوّهُمْ عَلَى غَيْر مِيعَاد . 12533 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب , قَالَ : ثنا اِبْن عُلَيَّة , عَنْ اِبْن عَوْن , عَنْ عُمَيْر بْن إِسْحَاق , قَالَ : أَقْبَلَ أَبُو سُفْيَان فِي الرَّكْب مِنْ الشَّام , وَخَرَجَ أَبُو جَهْل لِيَمْنَعهُ مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه , فَالْتَقَوْا بِبَدْرٍ , وَلَا يَشْعُر هَؤُلَاءِ بِهَؤُلَاءِ وَلَا هَؤُلَاءِ بِهَؤُلَاءِ , حَتَّى اِلْتَقَتْ السُّقَاة , قَالَ : وَنَهَدَ النَّاس بَعْضهمْ لِبَعْضٍ .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْل تَعَالَى : { لِيَهْلِك مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَة وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَة } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَلَكِنَّ اللَّه جَمَعَهُمْ هُنَالِكَ لِيَقْضِيَ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا , { لِيَهْلِك مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَة } . وَهَذِهِ اللَّام فِي قَوْله : { لِيَهْلِك } مُكَرَّرَة عَلَى اللَّام فِي قَوْله : { لِيَقْضِيَ } كَأَنَّهُ قَالَ : وَلَكِنْ لِيَهْلِك مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَة , جَمَعَكُمْ . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : { لِيَهْلِك مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَة } لِيَمُوتَ مَنْ مَاتَ مِنْ خَلْقه عَنْ حُجَّة لِلَّهِ قَدْ أُثْبِتَتْ لَهُ , وَقَطَعَتْ عُذْره , وَعِبْرَة قَدْ عَايَنَهَا وَرَآهَا . { وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَة } يَقُول : وَلْيَعِشْ مَنْ عَاشَ مِنْهُمْ عَنْ حُجَّة لِلَّهِ قَدْ أُثْبِتَتْ لَهُ وَظَهَرَتْ لِعَيْنِهِ , فَعَلِمَهَا جَمَعْنَا بَيْنكُمْ وَبَيْن عَدُوّكُمْ هُنَالِكَ . وَقَالَ اِبْن إِسْحَاق فِي ذَلِكَ بِمَا : 12534 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { لِيَهْلِك مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَة } لِمَا رَأَى مِنْ الْآيَات وَالْعِبَر , وَيُؤْمِن مَنْ آمَنَ عَلَى مِثْل ذَلِكَ .
وَأَمَّا قَوْله : { وَإِنَّ اللَّه لَسَمِيع عَلِيم } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : وَإِنَّ اللَّه أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَسَمِيع لِقَوْلِكُمْ وَقَوْل غَيْركُمْ حِين يُرِي اللَّه نَبِيّه فِي مَنَامه , وَيُرِيكُمْ عَدُوّكُمْ فِي أَعْيُنكُمْ قَلِيلًا وَهُمْ كَثِير , وَيَرَاكُمْ عَدُوّكُمْ فِي أَعْيُنهمْ قَلِيلًا , عَلِيم بِمَا تُضْمِرهُ نُفُوسكُمْ وَتَنْطَوِي عَلَيْهِ قُلُوبكُمْ , حِينَئِذٍ وَفِي كُلّ حَال . يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَهُمْ وَلِعِبَادِهِ : وَاتَّقُوا رَبّكُمْ أَيّهَا النَّاس فِي مَنْطِقكُمْ أَنْ تَنْطِقُوا بِغَيْرِ حَقّ , وَفِي قُلُوبكُمْ أَنْ تَعْتَقِدُوا فِيهَا غَيْر الرُّشْد , فَإِنَّ اللَّه لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَة مِنْ ظَاهِر أَوْ بَاطِن .
إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِذْ يُرِيكَهُمْ اللَّه فِي مَنَامك قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكهمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْر وَلَكِنَّ اللَّه سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيم بِذَاتِ الصُّدُور } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِنَّ اللَّه يَا مُحَمَّد سَمِيع لِمَا يَقُول أَصْحَابك , عَلِيم بِمَا يُضْمِرُونَهُ , إِذْ يُرِيك اللَّه عَدُوّك وَعَدُوّهُمْ { فِي مَنَامك قَلِيلًا } يَقُول : يُرِيكَهُمْ فِي نَوْمك قَلِيلًا فَتُخْبِرهُمْ بِذَلِكَ , حَتَّى قَوِيَتْ قُلُوبهمْ وَاجْتَرَءُوا عَلَى حَرْب عَدُوّهُمْ . وَلَوْ أَرَاك رَبّك عَدُوّك وَعَدُوّهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلَ أَصْحَابك , فَجَبُنُوا وَخَافُوا , وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى حَرْب الْقَوْم , وَلَتَنَازَعُوا فِي ذَلِكَ ; وَلَكِنَّ اللَّه سَلَّمَهُمْ مِنْ ذَلِكَ بِمَا أَرَاك فِي مَنَامك مِنْ الرُّؤْيَا , إِنَّهُ عَلِيم بِمَا تُخْفِيه الصُّدُور , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِمَّا تُضْمِرهُ الْقُلُوب . وَقَدْ زَعَمَ بَعْضهمْ أَنَّ مَعْنَى قَوْله : { إِذْ يُرِيكَهُمْ اللَّه فِي مَنَامك قَلِيلًا } أَيْ فِي عَيْنك الَّتِي تَنَام بِهَا , فَصَيَّرَ الْمَنَام هُوَ الْعَيْن , كَأَنَّهُ أَرَادَ : إِذْ يُرِيكَهُمْ اللَّه فِي عَيْنك قَلِيلًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12535 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { إِذْ يُرِيكَهُمْ اللَّه فِي مَنَامك قَلِيلًا } قَالَ : أَرَاهُ اللَّه إِيَّاهُمْ فِي مَنَامه قَلِيلًا , فَأَخْبَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابه بِذَلِكَ , فَكَانَ تَثْبِيتًا لَهُمْ . * - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : ثنا شِبْل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , بِنَحْوِهِ . * - وَقَالَ : ثنا إِسْحَاق , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . 12536 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { إِذْ يُرِيكَهُمْ اللَّه فِي مَنَامك قَلِيلًا } الْآيَة ; فَكَانَ أَوَّل مَا أَرَاهُ مِنْ ذَلِكَ نِعْمَة مِنْ نِعَمه عَلَيْهِمْ , شَجَّعَهُمْ بِهَا عَلَى عَدُوّهُمْ , وَكَفَاهُمْ بِهَا مَا تَخَوَّفَ عَلَيْهِمْ مِنْ ضَعْفهمْ لِعِلْمِهِ بِمَا فِيهِمْ . وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله : { وَلَكِنَّ اللَّه سَلَّمَ } فَقَالَ بَعْضهمْ : مَعْنَاهُ : وَلَكِنَّ اللَّه سَلَّمَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَمَرَهُمْ حَتَّى أَظْهَرهُمْ عَلَى عَدُوّهُمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12537 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَوْله : { وَلَكِنَّ اللَّه سَلَّمَ } يَقُول : سَلَّمَ اللَّه لَهُمْ أَمْرهمْ حَتَّى أَظْهَرَهُمْ عَلَى عَدُوّهُمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : وَلَكِنَّ اللَّه سَلَّمَ أَمْره فِيهِمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12538 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , قَالَ : ثنا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { وَلَكِنَّ اللَّه سَلَّمَ } قَالَ : سَلَّمَ أَمْره فِيهِمْ . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عِنْدِي مَا قَالَهُ اِبْن عَبَّاس , وَهُوَ أَنَّ اللَّه سَلَّمَ الْقَوْم بِمَا أَرَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنَامه مِنْ الْفَشَل وَالتَّنَازُع , حَتَّى قَوِيَتْ قُلُوبهمْ وَاجْتَرَءُوا عَلَى حَرْب عَدُوّهُمْ ; وَذَلِكَ أَنَّ قَوْله : { وَلَكِنَّ اللَّه سَلَّمَ } عَقِيب قَوْله : { وَلَوْ أَرَاكهمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْر } فَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالْخَبَرِ عَنْهُ , أَنَّهُ سَلَّمَهُمْ مِنْهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مَا كَانَ مَخُوفًا مِنْهُ لَوْ لَمْ يُرِ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِلَّة الْقَوْم فِي مَنَامه .
وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذْ اِلْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلكُمْ فِي أَعْيُنهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِنَّ اللَّه لَسَمِيع عَلِيم إِذْ يُرِي اللَّه نَبِيّه فِي مَنَامه الْمُشْرِكِينَ قَلِيلًا , وَإِذْ يُرِيهِمْ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ إِذْ لَقُوهُمْ فِي أَعْيُنهمْ قَلِيلًا , وَهُمْ كَثِير عَدَدهمْ , وَيُقَلِّل الْمُؤْمِنِينَ فِي أَعْيُنهمْ , لِيَتْرُكُوا الِاسْتِعْدَاد لَهُمْ فَيَهُون عَلَى الْمُؤْمِنِينَ شَوْكَتهمْ . كَمَا : 12539 - حَدَّثَنِي اِبْن بَزِيع الْبَغْدَادِيّ , قَالَ : ثَنَا إِسْحَاق بْن مَنْصُور , عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : لَقَدْ قُلِّلُوا فِي أَعْيُننَا يَوْم بَدْر حَتَّى قُلْت لِرَجُلٍ إِلَى جَنْبِي : تُرَاهُمْ سَبْعِينَ ؟ قَالَ أُرَاهُمْ مِائَة . قَالَ : فَأَسَرْنَا رَجُلًا مِنْهُمْ , فَقُلْنَا : كَمْ هُمْ ؟ . قَالَ : كُنَّا أَلْفًا . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثَنَا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ أَبِي إِسْحَاق , عَنْ أَبِي عُبَيْدَة , عَنْ عَبْد اللَّه بِنَحْوِهِ . 12540 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَوْله : { إِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذْ اِلْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنكُمْ قَلِيلًا } قَالَ اِبْن مَسْعُود : قُلِّلُوا فِي أَعْيُننَا حَتَّى قُلْت لِرَجُلٍ : أَتُرَاهُمْ يَكُونُونَ مِائَة ؟ 12541 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : قَالَ نَاس مِنْ الْمُشْرِكِينَ : إِنَّ الْعِير قَدْ اِنْصَرَفَتْ فَارْجِعُوا ! فَقَالَ أَبُو جَهْل : الْآن إِذْ بَرَزَ لَكُمْ مُحَمَّد وَأَصْحَابه ؟ فَلَا تَرْجِعُوا حَتَّى تَسْتَأْصِلُوهُمْ ! وَقَالَ : يَا قَوْم لَا تَقْتُلُوهُمْ بِالسِّلَاحِ , وَلَكِنْ خُذُوهُمْ أَخْذًا , فَارْبِطُوهُمْ بِالْحِبَالِ ! يَقُولهُ مِنْ الْقُدْرَة فِي نَفْسه .
وَقَوْله : { لِيَقْضِيَ اللَّه أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : قَلَّلْتُكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي أَعْيُن الْمُشْرِكِينَ وَأَرَيْتُكُمُوهُمْ فِي أَعْيُنكُمْ قَلِيلًا حَتَّى يَقْضِيَ اللَّه بَيْنكُمْ مَا قَضَى مِنْ قِتَال بَعْضكُمْ بَعْضًا , وَإِظْهَاركُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ عَلَى أَعْدَائِكُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَالظَّفَر بِهِمْ , لِتَكُونَ كَلِمَة اللَّه هِيَ الْعُلْيَا وَكَلِمَة الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى , وَذَلِكَ أَمْر كَانَ اللَّه فَاعِله وَبَالِغًا فِيهِ أَمْره . كَمَا : 12542 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { لِيَقْضِيَ اللَّه أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا } أَيْ لِيُؤَلِّف بَيْنهمْ عَلَى الْحَرْب لِلنِّقْمَةِ مِمَّنْ أَرَادَ الِانْتِقَام مِنْهُ وَالْإِنْعَام عَلَى مَنْ أَرَادَ إِتْمَام النِّعْمَة عَلَيْهِ مِنْ أَهْل وِلَايَته .
يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : مَصِير الْأُمُور كُلّهَا إِلَيْهِ فِي الْآخِرَة , فَيُجَازِي أَهْلهَا عَلَى قَدْر اِسْتِحْقَاقهمْ الْمُحْسِن بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيء بِإِسَاءَتِهِ .
وَقَوْله : { لِيَقْضِيَ اللَّه أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا } يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : قَلَّلْتُكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي أَعْيُن الْمُشْرِكِينَ وَأَرَيْتُكُمُوهُمْ فِي أَعْيُنكُمْ قَلِيلًا حَتَّى يَقْضِيَ اللَّه بَيْنكُمْ مَا قَضَى مِنْ قِتَال بَعْضكُمْ بَعْضًا , وَإِظْهَاركُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ عَلَى أَعْدَائِكُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَالظَّفَر بِهِمْ , لِتَكُونَ كَلِمَة اللَّه هِيَ الْعُلْيَا وَكَلِمَة الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى , وَذَلِكَ أَمْر كَانَ اللَّه فَاعِله وَبَالِغًا فِيهِ أَمْره . كَمَا : 12542 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { لِيَقْضِيَ اللَّه أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا } أَيْ لِيُؤَلِّف بَيْنهمْ عَلَى الْحَرْب لِلنِّقْمَةِ مِمَّنْ أَرَادَ الِانْتِقَام مِنْهُ وَالْإِنْعَام عَلَى مَنْ أَرَادَ إِتْمَام النِّعْمَة عَلَيْهِ مِنْ أَهْل وِلَايَته .
يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ : مَصِير الْأُمُور كُلّهَا إِلَيْهِ فِي الْآخِرَة , فَيُجَازِي أَهْلهَا عَلَى قَدْر اِسْتِحْقَاقهمْ الْمُحْسِن بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيء بِإِسَاءَتِهِ .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَة فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّه كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } وَهَذَا تَعْرِيف مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَهْل الْإِيمَان بِهِ السِّيرَة فِي حَرْب أَعْدَائِهِ مِنْ أَهْل الْكُفْر بِهِ وَالْأَفْعَال الَّتِي تُرْجَى لَهُمْ بِاسْتِعْمَالِهَا عِنْد لِقَائِهِمْ النُّصْرَة عَلَيْهِمْ وَالظَّفَر بِهِمْ , ثُمَّ يَقُول جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَهُمْ : يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا , صَدَقُوا اللَّه وَرَسُوله إِذَا لَقِيتُمْ جَمَاعَة مِنْ أَهْل الْكُفْر بِاَللَّهِ لِلْحَرْبِ وَالْقِتَال , فَاثْبُتُوا لِقِتَالِهِمْ وَلَا تَنْهَزِمُوا عَنْهُمْ وَلَا تُوَلُّوهُمْ الْأَدْبَار هَارِبِينَ , إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَة مِنْكُمْ . { وَاذْكُرُوا اللَّه كَثِيرًا } يَقُول : وَادْعُوا اللَّه بِالنَّصْرِ عَلَيْهِمْ وَالظَّفَر بِهِمْ , وَأَشْعِرُوا قُلُوبكُمْ وَأَلْسِنَتكُمْ ذِكْره . { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } يَقُول : كَيْمَا تَنْجَحُوا فَتَظْفَرُوا بِعَدُوِّكُمْ , وَيَرْزُقكُمْ اللَّه النَّصْر وَالظَّفَر عَلَيْهِمْ . كَمَا : 12543 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَة فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّه كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } اِفْتَرَضَ اللَّه ذِكْره عِنْد أَشْغَل مَا تَكُونُونَ عِنْد الضِّرَاب بِالسُّيُوفِ . 12544 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَة } يُقَاتِلُونَكُمْ فِي سَبِيل اللَّه , { فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّه كَثِيرًا } اُذْكُرُوا اللَّه الَّذِي بَذَلْتُمْ لَهُ أَنْفُسكُمْ وَالْوَفَاء بِمَا أَعْطَيْتُمُوهُ مِنْ بَيْعَتكُمْ , { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } .
وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَطِيعُوا اللَّه وَرَسُوله وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَب رِيحكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّه مَعَ الصَّابِرِينَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ : أَطِيعُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ رَبّكُمْ وَرَسُوله فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَنَهَاكُمْ عَنْهُ , وَلَا تُخَالِفُوهُمَا فِي شَيْء . { وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا } يَقُول : وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَفَرَّقُوا وَتَخْتَلِف قُلُوبكُمْ فَتَفْشَلُوا , يَقُول : فَتَضْعُفُوا وَتَجْبُنُوا , { وَتَذْهَب رِيحكُمْ } وَهَذَا مَثَل , يُقَال لِلرَّجُلِ إِذَا كَانَ مُقْبِلًا عَلَيْهِ مَا يُحِبّهُ وَيُسَرّ بِهِ : الرِّيح مُقْبِلَة عَلَيْهِ , يَعْنِي بِذَلِكَ مَا يُحِبّهُ , وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل عُبَيْد بْن الْأَبْرَص : كَمَا حَمَيْنَاك يَوْم النَّعْف مِنْ شَطِب وَالْفَضْل لِلْقَوْمِ مِنْ رِيح وَمِنْ عَدَدِ يَعْنِي مِنْ الْبَأْس وَالْكَثْرَة . وَإِنَّمَا يُرَاد بِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِع : وَتَذْهَب قُوَّتكُمْ وَبَأْسكُمْ فَتَضْعُفُوا , وَيَدْخُلكُمْ الْوَهَن وَالْخَلَل . { وَاصْبِرُوا } يَقُول : اِصْبِرُوا مَعَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد لِقَاء عَدُوّكُمْ , وَلَا تَنْهَزِمُوا عَنْهُ وَتَتْرُكُوهُ . { إِنَّ اللَّه مَعَ الصَّابِرِينَ } يَقُول : اِصْبِرُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12545 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثَنَا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { وَتَذْهَب رِيحكُمْ } قَالَ : نَصْركُمْ . قَالَ : وَذَهَبَتْ رِيح أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين نَازَعُوهُ يَوْم أُحُد . * - حَدَّثَنَا اِبْن نُمَيْر , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَتَذْهَب رِيحكُمْ } فَذَكَرَ نَحْوه . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوه , إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : رِيح أَصْحَاب مُحَمَّد حِين تَرَكُوهُ يَوْم أُحُد . 12546 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَب رِيحكُمْ } قَالَ : حَرْبكُمْ وَجَدّكُمْ . 12547 - حَدَّثَنَا بِشْر قَالَ : ثَنَا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَتَذْهَب رِيحكُمْ } قَالَ : رِيح الْحَرْب . 12548 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْله : { وَتَذْهَب رِيحكُمْ } قَالَ : الرِّيح : النَّصْر . لَمْ يَكُنْ نَصْر قَطُّ إِلَّا بِرِيحٍ يَبْعَثهَا اللَّه تَضْرِب وُجُوه الْعَدُوّ , فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ قِوَام . 12549 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا } أَيْ لَا تَخْتَلِفُوا فَيَتَفَرَّق أَمْركُمْ . { وَتَذْهَب رِيحكُمْ } فَيَذْهَب جَدّكُمْ . { وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّه مَعَ الصَّابِرِينَ } أَيْ إِنِّي مَعَكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ . 12550 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا } قَالَ : الْفَشَل : الضَّعْف عَنْ جِهَاد عَدُوّهُ وَالِانْكِسَار لَهُمْ , فَذَلِكَ الْفَشَل .
وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ بَطَرًا وَرِئَاء النَّاس } وَهَذَا تَقَدُّم مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِرَسُولِهِ لَا يَعْمَلُوا عَمَلًا إِلَّا لِلَّهِ خَاصَّة وَطَلَب مَا عِنْده لَا رِئَاء النَّاس كَمَا فَعَلَ الْقَوْم مِنْ الْمُشْرِكِينَ فِي مَسِيرهمْ إِلَى بَدْر طَلَب رِئَاء النَّاس ; وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أُخْبِرُوا بِفَوْتِ الْعِير رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه , وَقِيلَ لَهُمْ : اِنْصَرِفُوا فَقَدْ سَلِمَتْ الْعِير الَّتِي جِئْتُمْ لِنُصْرَتِهَا , فَأَبَوْا وَقَالُوا : نَأْتِي بَدْرًا فَنَشْرَب بِهَا الْخَمْر وَتَعْزِف عَلَيْنَا الْقِيَان وَتَتَحَدَّث بِنَا الْعَرَب لِمَكَانَتِنَا فِيهَا . فَسُقُوا مَكَان الْخَمْر كُؤُوس الْمَنَايَا . كَمَا : 12551 - حَدَّثَنَا عَبْد الْوَارِث بْن عَبْد الصَّمَد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثنا أَبَان , قَالَ : ثَنَا هِشَام بْن عُرْوَة , عَنْ عُرْوَة قَالَ : كَانَتْ قُرَيْش قَبْل أَنْ يَلْقَاهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم بَدْر قَدْ جَاءَهُمْ رَاكِب مِنْ أَبِي سُفْيَان وَالرَّكْب الَّذِينَ مَعَهُ : إِنَّا قَدْ أَجَزْنَا الْقَوْم فَارْجِعُوا ! فَجَاءَ الرَّكْب الَّذِينَ بَعَثَهُمْ أَبُو سُفْيَان الَّذِينَ يَأْمُرُونَ قُرَيْشًا بِالرَّجْعَةِ بِالْجُحْفَةِ , فَقَالُوا : وَاَللَّه لَا نَرْجِع حَتَّى نَنْزِل بَدْرًا فَنُقِيم فِيهِ ثَلَاث لَيَالٍ وَيَرَانَا مَنْ غَشِينَا مِنْ أَهْل الْحِجَاز , فَإِنَّهُ لَنْ يَرَانَا أَحَد مِنْ الْعَرَب وَمَا جَمَعْنَا فَيُقَاتِلنَا ! وَهُمْ الَّذِينَ قَالَ اللَّه : { الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ بَطَرًا وَرِئَاء النَّاس } وَالْتَقَوْا هُمْ وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَفَتَحَ اللَّه عَلَى رَسُوله وَأَخْزَى أَئِمَّة الْكُفْر , وَشَفَى صُدُور الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ . 12552 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : ثني اِبْن إِسْحَاق فِي حَدِيث ذَكَرَهُ , قَالَ : ثني مُحَمَّد بْن مُسْلِم وَعَاصِم بْن عَمْرو , وَعَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر , وَيَزِيد بْن رُومَان , عَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر وَغَيْره مِنْ عُلَمَائِنَا , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : لَمَّا رَأَى أَبُو سُفْيَان أَنَّهُ أَحْرَزَ عِيره , أَرْسَلَ إِلَى قُرَيْش أَنَّكُمْ إِنَّمَا خَرَجْتُمْ لِتَمْنَعُوا عِيركُمْ وَرِجَالكُمْ وَأَمْوَالكُمْ , فَقَدْ نَجَّاهَا اللَّه فَارْجِعُوا ! فَقَالَ أَبُو جَهْل بْن هِشَام : وَاَللَّه لَا نَرْجِع حَتَّى نَرِد بَدْرًا - وَكَانَ بَدْر مَوْسِمًا مِنْ مَوَاسِم الْعَرَب , يَجْتَمِع لَهُمْ بِهَا سُوق كُلّ عَام - فَنُقِيم عَلَيْهِ ثَلَاثًا , وَنَنْحَر الْجُزُر , وَنُطْعِم الطَّعَام , وَنَسْقِي الْخُمُور , وَتَعْزِف عَلَيْنَا الْقِيَان , وَتَسْمَع بِنَا الْعَرَب , فَلَا يَزَالُونَ يَهَابُونَنَا أَبَدًا ; فَامْضُوا ! 12553 - قَالَ اِبْن حُمَيْد ثنا سَلَمَة , قَالَ : قَالَ اِبْن إِسْحَاق : { وَلَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ بَطَرًا وَرِئَاء النَّاس } أَيْ لَا تَكُونُوا كَأَبِي جَهْل وَأَصْحَابه الَّذِينَ قَالُوا : لَا نَرْجِع حَتَّى نَأْتِي بَدْرًا وَنَنْحَر بِهَا الْجُزُر وَنَسْقِي بِهَا الْخَمْر وَتَعْزِف عَلَيْنَا الْقِيَان وَتَسْمَع بِنَا الْعَرَب فَلَا يَزَالُونَ يَهَابُونَنَا ; أَيْ لَا يَكُونَن أَمْركُمْ رِيَاء وَلَا سُمْعَة وَلَا اِلْتِمَاس مَا عِنْد النَّاس , وَأَخْلِصُوا لِلَّهِ النِّيَّة وَالْحِسْبَة فِي نَصْر دِينكُمْ , وَمُؤَازَرَة نَبِيّكُمْ , أَيْ لَا تَعْمَلُوا إِلَّا لِلَّهِ وَلَا تَطْلُبُوا غَيْره . 12554 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عُمَارَة الْأَسَدِيّ , قَالَ : ثَنَا عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى , قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيل ; وَحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ بَطَرًا وَرِئَاء النَّاس } قَالَ : أَصْحَاب بَدْر . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { بَطَرًا وَرِئَاء النَّاس } قَالَ : أَبُو جَهْل وَأَصْحَابه يَوْم بَدْر . 12555 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , مِثْله . قَالَ اِبْن جُرَيْج : وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن كَثِير : هُمْ مُشْرِكُو قُرَيْش , وَذَلِكَ خُرُوجهمْ إِلَى بَدْر . 12556 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثني أَبِي , قَالَ : ثَنِي عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { وَلَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ بَطَرًا وَرِئَاء النَّاس } يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ الَّذِي قَاتَلُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم بَدْر . 12557 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة : { خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ بَطَرًا وَرِئَاء النَّاس } قَالَ : هُمْ قُرَيْش وَأَبُو جَهْل وَأَصْحَابه الَّذِينَ خَرَجُوا يَوْم بَدْر . 12558 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا يَزِيد , عَنْ قَتَادَة : { وَلَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ بَطَرًا وَرِئَاء النَّاس وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه وَاَللَّه بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيط } قَالَ : كَانَ مُشْرِكُو قُرَيْش الَّذِينَ قَاتَلُوا نَبِيّ اللَّه يَوْم بَدْر خَرَجُوا وَلَهُمْ بَغْي وَفَخْر , وَقَدْ قِيلَ لَهُمْ يَوْمئِذٍ : اِرْجِعُوا فَقَدْ اِنْطَلَقَتْ عِيركُمْ وَقَدْ ظَفَرْتُمْ ! قَالُوا : لَا وَاَللَّه حَتَّى يَتَحَدَّث أَهْل الْحِجَاز بِمَسِيرِنَا وَعَدَدنَا . قَالَ : وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ يَوْمئِذٍ : " اللَّهُمَّ إِنَّ قُرَيْشًا أَقْبَلَتْ بِفَخْرِهَا وَخُيَلَائِهَا لِتُحَادّك وَرَسُولك " . 12559 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : ذَكَرَ الْمُشْرِكِينَ وَمَا يَطْعَمُونَ عَلَى الْمِيَاه , فَقَالَ : { وَلَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ بَطَرًا وَرِئَاء النَّاس وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه } . 12560 - حُدِّثْت عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ الْفَضْل بْن خَالِد , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك يَقُول فِي قَوْله : { الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ بَطَرًا } قَالَ : هُمْ الْمُشْرِكُونَ خَرَجُوا إِلَى بَدْر أَشَرًا وَبَطَرًا . 12561 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا أَبُو مَعْشَر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ , قَالَ : لَمَّا خَرَجَتْ قُرَيْش مِنْ مَكَّة إِلَى بَدْر , خَرَجُوا بِالْقِيَانِ وَالدُّفُوف , فَأَنْزَلَ اللَّه : { وَلَا تَكُونُوا كَاَلَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارهمْ بَطَرًا وَرِئَاء النَّاس وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيل اللَّه وَاَللَّه بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيط } . فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَنْ : وَلَا تَكُونُوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله فِي الْعَمَل بِالرِّيَاءِ وَالسُّمْعَة وَتَرْك إِخْلَاص الْعَمَل لِلَّهِ وَاحْتِسَاب الْأَجْر فِيهِ , كَالْجَيْشِ مِنْ أَهْل الْكُفْر بِاَللَّهِ وَرَسُوله الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ مَنَازِلهمْ بَطَرًا وَمُرَاءَاة النَّاس بِزِيِّهِمْ وَأَمْوَالهمْ وَكَثْرَة عَدَدهمْ وَشِدَّة بِطَانَتهمْ .
يَقُول : وَيَمْنَعُونَ النَّاس مِنْ دِين اللَّه وَالدُّخُول فِي الْإِسْلَام بِقِتَالِهِمْ إِيَّاهُمْ وَتَعْذِيبهمْ مَنْ قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنْ أَهْل الْإِيمَان بِاَللَّهِ ,
وَاَللَّه بِمَا يَعْمَلُونَ مِنْ الرِّيَاء وَالصَّدّ عَنْ سَبِيل اللَّه وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالهمْ مُحِيط , يَقُول : عَالِم بِجَمِيعِ ذَلِكَ , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْء ; وَذَلِكَ أَنَّ الْأَشْيَاء كُلّهَا لَهُ مُتَجَلِّيَة , لَا يَعْزُب عَنْهُ مِنْهَا شَيْء , فَهُوَ لَهُمْ بِهَا مُعَاقِب وَعَلَيْهَا مُعَذِّب .
يَقُول : وَيَمْنَعُونَ النَّاس مِنْ دِين اللَّه وَالدُّخُول فِي الْإِسْلَام بِقِتَالِهِمْ إِيَّاهُمْ وَتَعْذِيبهمْ مَنْ قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنْ أَهْل الْإِيمَان بِاَللَّهِ ,
وَاَللَّه بِمَا يَعْمَلُونَ مِنْ الرِّيَاء وَالصَّدّ عَنْ سَبِيل اللَّه وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالهمْ مُحِيط , يَقُول : عَالِم بِجَمِيعِ ذَلِكَ , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْء ; وَذَلِكَ أَنَّ الْأَشْيَاء كُلّهَا لَهُ مُتَجَلِّيَة , لَا يَعْزُب عَنْهُ مِنْهَا شَيْء , فَهُوَ لَهُمْ بِهَا مُعَاقِب وَعَلَيْهَا مُعَذِّب .
وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَان أَعْمَالهمْ وَقَالَ لَا غَالِب لَكُمْ الْيَوْم مِنْ النَّاس وَإِنِّي جَار لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتْ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيء مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَاف اللَّه وَاَللَّه شَدِيد الْعِقَاب } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ : { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَان أَعْمَالهمْ } وَحِين زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَان أَعْمَالهمْ . وَكَانَ تَزْيِينه ذَلِكَ لَهُمْ كَمَا : 12562 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : جَاءَ إِبْلِيس يَوْم بَدْر فِي جُنْد مِنْ الشَّيَاطِين مَعَهُ رَأَيْته فِي صُورَة رَجُل مِنْ بَنِي مُدْلِج فِي صُورَة سُرَاقَة بْن مَالِك بْن جُعْشُم , فَقَالَ الشَّيْطَان لِلْمُشْرِكِينَ : لَا غَالِب لَكُمْ الْيَوْم مِنْ النَّاس وَإِنِّي جَار لَكُمْ ! فَلَمَّا اِصْطَفَّ النَّاس , أَخَذَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْضَة مِنْ التُّرَاب , فَرَمَى بِهَا فِي وُجُوه الْمُشْرِكِينَ , فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ . وَأَقْبَلَ جِبْرِيل إِلَى إِبْلِيس , فَلَمَّا رَآهُ , وَكَانَتْ يَده فِي يَد رَجُل مِنْ الْمُشْرِكِينَ , اِنْتَزَعَ إِبْلِيس يَده , فَوَلَّى مُدْبِرًا هُوَ وَشِيعَته , فَقَالَ الرَّجُل : يَا سُرَاقَة تَزْعُم أَنَّك لَنَا جَار ؟ قَالَ : { إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَاف اللَّه وَاَللَّه شَدِيد الْعِقَاب } وَذَلِكَ حِين رَأَى الْمَلَائِكَة . 12563 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , قَالَ : أَتَى الْمُشْرِكِينَ إِبْلِيس فِي صُورَة سُرَاقَة بْن مَالِك بْن جُعْشُم الْكِنَانِيّ الشَّاعِر ثُمَّ الْمُدْلِجِيّ , فَجَاءَ عَلَى فَرَس فَقَالَ لِلْمُشْرِكِينَ : { لَا غَالِب لَكُمْ الْيَوْم مِنْ النَّاس } فَقَالُوا : وَمَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ : أَنَا جَاركُمْ سُرَاقَة , وَهَؤُلَاءِ كِنَانَة قَدْ أَتَوْكُمْ . 12564 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا سَلَمَة , قَالَ : قَالَ اِبْن إِسْحَاق , ثني يَزِيد بْن رُومَان , عَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر , قَالَ : لَمَّا أَجْمَعَتْ قُرَيْش الْمَسِير ذَكَرَتْ الَّذِي بَيْنهَا وَبَيْن بَنِي بَكْر - يَعْنِي مِنْ الْحَرْب - فَكَادَ ذَلِكَ أَنْ يُثَبِّطهُمْ , فَتَبَدَّى لَهُمْ إِبْلِيس فِي صُورَة سُرَاقَة بْن جُعْشُم الْمُدْلِجِيّ , وَكَانَ مِنْ أَشْرَاف بَنِي كِنَانَة , فَقَالَ : أَنَا جَار لَكُمْ مِنْ أَنْ تَأْتِيكُمْ كِنَانَة بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ ! فَخَرَجُوا سِرَاعًا . 12565 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , قَالَ : قَالَ اِبْن إِسْحَاق , فِي قَوْله : { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَان أَعْمَالهمْ وَقَالَ لَا غَالِب لَكُمْ الْيَوْم مِنْ النَّاس وَإِنِّي جَار لَكُمْ } فَذَكَرَ اِسْتِدْرَاج إِبْلِيس إِيَّاهُمْ وَتَشَبُّهه بِسُرَاقَة بْن مَالِك بْن جُعْشُم حِين ذَكَرُوا مَا بَيْنهمْ وَبَيْن بَنِي بَكْر بْن عَبْد مَنَاة بْن كِنَانَة مِنْ الْحَرْب الَّتِي كَانَتْ بَيْنهمْ . يَقُول اللَّه : { فَلَمَّا تَرَاءَتْ الْفِئَتَانِ } وَنَظَرَ عَدُوّ اللَّه إِلَى جُنُود اللَّه مِنْ الْمَلَائِكَة قَدْ أَيَّدَ اللَّه بِهِمْ رَسُوله وَالْمُؤْمِنِينَ عَلَى عَدُوّهُمْ , { نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيء مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ } وَصَدَقَ عَدُوّ اللَّه أَنَّهُ رَأَى مَا لَا يَرَوْنَ . وَقَالَ : { إِنِّي أَخَاف اللَّه وَاَللَّه شَدِيد الْعِقَاب } , فَأَوْرَدَهُمْ ثُمَّ أَسْلَمَهُمْ . قَالَ : فَذُكِرَ لِي أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَهُ فِي كُلّ مَنْزِل فِي صُورَة سُرَاقَة بْن مَالِك بْن جُعْشُم لَا يُنْكِرُونَهُ , حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْم بَدْر وَالْتَقَى الْجَمْعَانِ , كَانَ الَّذِي رَآهُ حِين نَكَصَ الْحَارِث بْن هِشَام أَوْ عُمَيْر بْن وَهْب الْجُمَحِيّ , فَذَكَرَ أَحَدهمَا فَقَالَ : أَيْنَ سُرَاقَة ؟ أَسْلَمَنَا عَدُوّ اللَّه وَذَهَبَ . 12566 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَان أَعْمَالهمْ } إِلَى قَوْله : { شَدِيد الْعِقَاب } قَالَ : ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ رَأَى جِبْرِيل تَنْزِل مَعَهُ الْمَلَائِكَة , فَزَعَمَ عَدُوّ اللَّه أَنَّهُ لَا يَدَ لَهُ بِالْمَلَائِكَةِ , وَقَالَ : إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ , إِنِّي أَخَاف اللَّه . وَكَذَبَ وَاَللَّه عَدُوّ اللَّه , مَا بِهِ مَخَافَة اللَّه , وَلَكِنْ عَلِمَ أَنْ لَا قُوَّة لَهُ وَلَا مَنَعَة لَهُ , وَتِلْكَ عَادَة عَدُوّ اللَّه لِمَنْ أَطَاعَهُ وَاسْتَعَاذَ بِهِ , حَتَّى إِذَا اِلْتَقَى الْحَقّ وَالْبَاطِل أَسْلَمَهُمْ شَرّ مَسْلَم وَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ عِنْد ذَلِكَ . 12567 - حَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , قَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس : { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَان أَعْمَالهمْ } الْآيَة , قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْم بَدْر , سَارَ إِبْلِيس بِرَايَتِهِ وَجُنُوده مَعَ الْمُشْرِكِينَ , وَأَلْقَى فِي قُلُوب الْمُشْرِكِينَ أَنَّ أَحَدًا لَنْ يَغْلِبكُمْ وَإِنِّي جَار لَكُمْ . فَلَمَّا اِلْتَقَوْا وَنَظَرَ الشَّيْطَان إِلَى أَمْدَاد الْمَلَائِكَة نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ , قَالَ : رَجَعَ مُدْبِرًا وَقَالَ : { إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ } الْآيَة . 12568 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الْفَرَج , قَالَ : ثنا عَبْد الْمَلِك بْن عَبْد الْعَزِيز بْن الْمَاجِشُون , قَالَ : ثنا مَالِك , عَنْ إِبْرَاهِيم بْن أَبِي عَبْلَة , عَنْ طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّه بْن كُرَيْز : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَا رُئِيَ إِبْلِيس يَوْمًا هُوَ فِيهِ أَصْغَر وَلَا أَحْقَر وَلَا أَدْحَر وَلَا أَغْيَظ مِنْ يَوْم عَرَفَة , وَذَلِكَ مِمَّا يَرَى مِنْ تَنْزِيل الرَّحْمَة وَالْعَفْو عَنْ الذُّنُوب , إِلَّا مَا رَأَى يَوْم بَدْر " . قَالُوا : يَا رَسُول اللَّه : وَمَا رَأَى يَوْم بَدْر ؟ قَالَ : " أَمَا إِنَّهُ رَأَى جِبْرِيل يَزَع الْمَلَائِكَة " . 12569 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان بْن الْمُغِيرَة , عَنْ حُمَيْد بْن هِلَال , عَنْ الْحَسَن , فِي قَوْله : { إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ } قَالَ : رَأَى جِبْرِيل مُعْتَجِرًا بِبُرْدٍ يَمْشِي بَيْن يَدَيْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَفِي يَده اللِّجَام , مَا رَكَبَ . 12570 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا هَاشِم بْن الْقَاسِم , قَالَ : ثنا سُلَيْمَان بْن الْمُغِيرَة , عَنْ حُمَيْد بْن هِلَال , قَالَ : قَالَ الْحَسَن : وَتَلَا هَذِهِ الْآيَة : { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَان أَعْمَالهمْ } الْآيَة , قَالَ : سَارَ إِبْلِيس مَعَ الْمُشْرِكِينَ بِبَدْرٍ بِرَايَتِهِ وَجُنُوده , وَأَلْقَى فِي قُلُوب الْمُشْرِكِينَ أَنَّ أَحَدًا لَنْ يَغْلِبكُمْ وَأَنْتُمْ تُقَاتِلُونَ عَلَى دِين آبَائِكُمْ , وَلَنْ تُغْلَبُوا كَثْرَة . فَلَمَّا اِلْتَقَوْا نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ , يَقُول : رَجَعَ مُدْبِرًا , وَقَالَ : إِنِّي بَرِيء مِنْكُمْ , إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ . يَعْنِي الْمَلَائِكَة . 12571 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثَنَا أَبُو مَعْشَر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب , قَالَ : لَمَّا أَجْمَعَتْ قُرَيْش عَلَى السَّيْر , قَالُوا : إِنَّمَا نَتَخَوَّف مِنْ بَنِي بَكْر . فَقَالَ لَهُمْ إِبْلِيس فِي صُورَة سُرَاقَة بْن مَالِك بْن جُعْشُم : أَنَا جَار لَكُمْ مِنْ بَنِي بَكْر , وَلَا غَالِب لَكُمْ الْيَوْم مِنْ النَّاس . فَتَأْوِيل الْكَلَام : وَإِنَّ اللَّه لَسَمِيع عَلِيم فِي هَذِهِ الْأَحْوَال وَحِين زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَان خُرُوجهمْ إِلَيْكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ لِحَرْبِكُمْ وَقِتَالكُمْ , وَحَسَّنَ ذَلِكَ لَهُمْ , وَحَثَّهُمْ عَلَيْكُمْ وَقَالَ لَهُمْ : لَا غَالِب لَكُمْ الْيَوْم مِنْ بَنِي آدَم , فَاطْمَئِنُّوا وَأَبْشِرُوا , وَإِنِّي جَار لَكُمْ مِنْ كِنَانَة أَنْ تَأْتِيكُمْ مِنْ وَرَائِكُمْ فَتُغِيركُمْ أُجِيركُمْ وَأَمْنَعكُمْ مِنْهُمْ , وَلَا تَخَافُوهُمْ , وَاجْعَلُوا جَدّكُمْ وَبَأْسكُمْ عَلَى مُحَمَّد وَأَصْحَابه . { فَلَمَّا تَرَاءَتْ الْفِئَتَانِ } يَقُول : فَلَمَّا تَزَاحَفَتْ جُنُود اللَّه مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَجُنُود الشَّيْطَان مِنْ الْمُشْرِكِينَ , وَنَظَرَ بَعْضهمْ إِلَى بَعْض ; { نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ } يَقُول : رَجَعَ الْقَهْقَرَى عَلَى قَفَاهُ هَارِبًا , يُقَال مِنْهُ : نَكَصَ يَنْكُص وَيَنْكِص نُكُوصًا , وَمِنْهُ قَوْل زُهَيْر : هُمْ يَضْرِبُونَ حَبِيك الْبَيْض إِذْ لَحِقُوا لَا يَنْكُصُونَ إِذَا مَا اسْتُلْحِمُوا وَحَمُوا وَقَالَ لِلْمُشْرِكِينَ { إِنِّي بَرِيء مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ } يَعْنِي : أَنَّهُ يَرَى الْمَلَائِكَة الَّذِينَ بَعَثَهُمْ اللَّه مَدَدًا لِلْمُؤْمِنِينَ , وَالْمُشْرِكُونَ لَا يَرَوْنَهُمْ { إِنِّي أَخَاف } عِقَاب { اللَّه } وَكَذَبَ عَدُوّ اللَّه ! { وَاَللَّه شَدِيد الْعِقَاب } .
إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَؤُلاء دِينُهُمْ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِذْ يَقُول الْمُنَافِقُونَ وَاَلَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِنَّ اللَّه لَسَمِيع عَلِيم فِي هَذِهِ الْأَحْوَال , وَإِذْ يَقُول الْمُنَافِقُونَ . وَكَرَّ بِقَوْلِهِ : { إِذْ يَقُول الْمُنَافِقُونَ } عَلَى قَوْله : { إِذْ يُرِيكَهُمْ اللَّه فِي مَنَامك قَلِيلًا } { وَاَلَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض } يَعْنِي : شَكّ فِي الْإِسْلَام لَمْ يَصِحّ يَقِينهمْ , وَلَمْ تُشْرَح بِالْإِيمَانِ صُدُورهمْ . { غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينهمْ } يَقُول : غَرَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَصْحَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنْفُسهمْ دِينهمْ , وَذَلِكَ الْإِسْلَام . وَذُكِرَ أَنَّ الَّذِينَ قَالُوا هَذَا الْقَوْل كَانُوا نَفَرًا مِمَّنْ كَانَ قَدْ تَكَلَّمَ بِالْإِسْلَامِ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْش وَلَمْ يَسْتَحِكُمْ الْإِسْلَام فِي قُلُوبهمْ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12572 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا دَاوُد , عَنْ عَامِر فِي هَذِهِ الْآيَة : { إِذْ يَقُول الْمُنَافِقُونَ وَاَلَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينهمْ } قَالَ : كَانَ نَاس مِنْ أَهْل مَكَّة تَكَلَّمُوا بِالْإِسْلَامِ , فَخَرَجُوا مَعَ الْمُشْرِكِينَ يَوْم بَدْر , فَلَمَّا رَأَوْا قِلَّة الْمُسْلِمِينَ قَالُوا : { غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينهمْ } . * - حَدَّثَنِي إِسْحَاق بْن شَاهِين , قَالَ : ثنا خَالِد , عَنْ دَاوُد , عَنْ عَامِر , مِثْله . 12573 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن زَكَرِيَّا , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { إِذْ يَقُول الْمُنَافِقُونَ وَاَلَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينهمْ } قَالَ : فِئَة مِنْ قُرَيْش : قَيْس بْن الْوَلِيد بْن الْمُغِيرَة , وَأَبُو قَيْس بْن الْفَاكِه بْن الْمُغِيرَة , وَالْحَارِث بْن زَمْعَة بْن الْأَسْوَد بْن الْمُطَّلِب , وَعَلِيّ بْن أُمَيَّة بْن خَلَف , وَالْعَاص بْن مُنَبِّه بْن الْحَجَّاج ; خَرَجُوا مَعَ قُرَيْش مِنْ مَكَّة وَهُمْ عَلَى الِارْتِيَاب فَحَبَسَهُمْ اِرْتِيَابهمْ , فَلَمَّا رَأَوْا قِلَّة أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا : غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينهمْ حَتَّى قَدِمُوا عَلَى مَا قَدِمُوا عَلَيْهِ مَعَ قِلَّة عَدَدهمْ وَكَثْرَة عَدُوّهُمْ ! 12574 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثَنَا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ الْحَسَن : { إِذْ يَقُول الْمُنَافِقُونَ وَاَلَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينهمْ } قَالَ : هُمْ قَوْم لَمْ يَشْهَدُوا الْقِتَال يَوْم بَدْر , فَسُمُّوا مُنَافِقِينَ . قَالَ مَعْمَر : وَقَالَ بَعْضهمْ : قَوْم كَانُوا أَقَرُّوا بِالْإِسْلَامِ وَهُمْ بِمَكَّة , فَخَرَجُوا مَعَ الْمُشْرِكِينَ يَوْم بَدْر , فَلَمَّا رَأَوْا قِلَّة الْمُسْلِمِينَ قَالُوا : غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينهمْ ! 12575 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله : { إِذْ يَقُول الْمُنَافِقُونَ وَاَلَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض } إِلَى قَوْله : { فَإِنَّ اللَّه عَزِيز حَكِيم } قَالَ : رَأَوْا عِصَابَة مِنْ الْمُؤْمِنِينَ تَشَدَّدَتْ لِأَمْرِ اللَّه . وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ أَبَا جَهْل عَدُوّ اللَّه لَمَّا أَشْرَفَ عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه , قَالَ : وَاَللَّه لَا يُعْبَد اللَّه بَعْد الْيَوْم ! قَسْوَة وَعُتُوًّا . 12576 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , قَالَ : قَالَ اِبْن جُرَيْج فِي قَوْله : { إِذْ يَقُول الْمُنَافِقُونَ وَاَلَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض } قَالَ : نَاس كَانُوا مِنْ الْمُنَافِقِينَ بِمَكَّة , قَالُوهُ يَوْم بَدْر , وَهُمْ يَوْمئِذٍ ثَلَاث مِائَة وَبِضْعَة عَشَر رَجُلًا . 12577 - قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , فِي قَوْله : { إِذْ يَقُول الْمُنَافِقُونَ وَاَلَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض } قَالَ : لَمَّا دَنَا الْقَوْم بَعْضهمْ مِنْ بَعْض , فَقَلَّلَ اللَّه الْمُسْلِمِينَ فِي أَعْيُن الْمُشْرِكِينَ , وَقَلَّلَ الْمُشْرِكِينَ فِي أَعْيُن الْمُسْلِمِينَ , فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ : غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينهمْ ! وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ مِنْ قِلَّتهمْ فِي أَعْيُنهمْ , وَظَنُّوا أَنَّهُمْ سَيَهْزِمُونَهُمْ لَا يَشُكُّونَ فِي ذَلِكَ , فَقَالَ اللَّه : { وَمَنْ يَتَوَكَّل عَلَى اللَّه فَإِنَّ اللَّه عَزِيز حَكِيم } .
وَأَمَّا قَوْله : { وَمَنْ يَتَوَكَّل عَلَى اللَّه } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : وَمَنْ يُسْلِم أَمْره إِلَى اللَّه وَيَثِق بِهِ وَيَرْضَ بِقَضَائِهِ , فَإِنَّ اللَّه حَافِظه وَنَاصِره ; لِأَنَّهُ عَزِيز لَا يَغْلِبهُ شَيْء وَلَا يَقْهَرهُ أَحَد , فَجَاره مَنِيع وَمَنْ يَتَوَكَّل عَلَيْهِ يَكْفِهِ . وَهَذَا أَمْر مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه وَغَيْرهمْ أَنْ يُفَوِّضُوا أَمْرهمْ إِلَيْهِ وَيُسَلِّمُوا لِقَضَائِهِ , كَيْمَا يَكْفِيهِمْ أَعْدَاءَهُمْ , وَلَا يَسْتَذِلّهُمْ مَنْ نَاوَأَهُمْ , لِأَنَّهُ عَزِيز غَيْر مَغْلُوب , فَجَاره غَيْر مَقْهُور . { حَكِيم } يَقُول : هُوَ فِيمَا يُدَبِّر مِنْ أَمْر خَلْقه , حَكِيم لَا يَدْخُل تَدْبِيره خَلَل .
وَأَمَّا قَوْله : { وَمَنْ يَتَوَكَّل عَلَى اللَّه } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : وَمَنْ يُسْلِم أَمْره إِلَى اللَّه وَيَثِق بِهِ وَيَرْضَ بِقَضَائِهِ , فَإِنَّ اللَّه حَافِظه وَنَاصِره ; لِأَنَّهُ عَزِيز لَا يَغْلِبهُ شَيْء وَلَا يَقْهَرهُ أَحَد , فَجَاره مَنِيع وَمَنْ يَتَوَكَّل عَلَيْهِ يَكْفِهِ . وَهَذَا أَمْر مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّه وَغَيْرهمْ أَنْ يُفَوِّضُوا أَمْرهمْ إِلَيْهِ وَيُسَلِّمُوا لِقَضَائِهِ , كَيْمَا يَكْفِيهِمْ أَعْدَاءَهُمْ , وَلَا يَسْتَذِلّهُمْ مَنْ نَاوَأَهُمْ , لِأَنَّهُ عَزِيز غَيْر مَغْلُوب , فَجَاره غَيْر مَقْهُور . { حَكِيم } يَقُول : هُوَ فِيمَا يُدَبِّر مِنْ أَمْر خَلْقه , حَكِيم لَا يَدْخُل تَدْبِيره خَلَل .
وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَة يَضْرِبُونَ وُجُوههمْ وَأَدْبَارهمْ وَذُوقُوا عَذَاب الْحَرِيق } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَلَوْ تُعَايِن يَا مُحَمَّد حِين يَتَوَفَّى الْمَلَائِكَة أَرْوَاح الْكُفَّار فَتَنْزِعهَا مِنْ أَجْسَادهمْ , تَضْرِب الْوُجُوه مِنْهُمْ وَالْأَسْتَاه , وَيَقُولُونَ لَهُمْ : ذُوقُوا عَذَاب النَّار الَّتِي تُحْرِقكُمْ يَوْم وُرُودكُمْ جَهَنَّم . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12578 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَة يَضْرِبُونَ وُجُوههمْ وَأَدْبَارهمْ } قَالَ : يَوْم بَدْر . 12579 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن أَسْلَم , عَنْ إِسْمَاعِيل بْن كَثِير , عَنْ مُجَاهِد { يَضْرِبُونَ وُجُوههمْ وَأَدْبَارهمْ } قَالَ : وَأَسْتَاههمْ ; وَلَكِنَّ اللَّه كَرِيم يُكَنِّي . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثنا أَبِي , ثنا سُفْيَان , عَنْ أَبِي هَاشِم , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { يَضْرِبُونَ وُجُوههمْ وَأَدْبَارهمْ } قَالَ : وَأَسْتَاههمْ ; وَلَكِنَّ اللَّه كَرِيم يَكُنِّي . 12580 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا وَهْب بْن جَرِير , قَالَ : أَخْبَرَنَا شُعْبَة , عَنْ يَعْلَى بْن مُسْلِم , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : { يَضْرِبُونَ وُجُوههمْ وَأَدْبَارهمْ } قَالَ : إِنَّ اللَّه كَنَّى , وَلَوْ شَاءَ لَقَالَ : أَسْتَاههمْ , وَإِنَّمَا عُنِيَ بِأَدْبَارِهِمْ : أَسْتَاههمْ . 12581 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ : أَسْتَاههمْ يَوْم بَدْر . قَالَ اِبْن جُرَيْج : قَالَ اِبْن عَبَّاس : إِذَا أَقْبَلَ الْمُشْرِكُونَ بِوُجُوهِهِمْ إِلَى الْمُسْلِمِينَ ضَرَبُوا وُجُوههمْ بِالسُّيُوفِ , وَإِذَا وَلَّوْا أَدْرَكَتْهُمْ الْمَلَائِكَة فَضَرَبُوا أَدْبَارهمْ . 12582 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن بَشَّار , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا عَبَّاد بْن رَاشِد , عَنْ الْحَسَن , قَالَ : قَالَ رَجُل : يَا رَسُول اللَّه إِنِّي رَأَيْت بِظَهْرِ أَبِي جَهْل مِثْل الشِّرَاك , فَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ : " ضَرْب الْمَلَائِكَة " . 12583 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد , قَالَ : ثنا عَبْد الرَّحْمَن , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ مَنْصُور , عَنْ مُجَاهِد : أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنِّي حَمَلْت عَلَى رَجُل مِنْ الْمُشْرِكِينَ , فَذَهَبْت لِأَضْرِبهُ , فَنَدَرَ رَأْسه . فَقَالَ : " سَبَقَك إِلَيْهِ الْمَلَك " . 12584 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : ثَنِي حَرْمَلَة , أَنَّهُ سَمِعَ عُمَر مَوْلَى غَفْرَة يَقُول : إِذَا سَمِعْت اللَّه يَقُول : { يَضْرِبُونَ وُجُوههمْ وَأَدْبَارهمْ } فَإِنَّمَا يُرِيد أَسْتَاههمْ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَفِي الْكَلَام مَحْذُوف اُسْتُغْنِيَ بِدَلَالَةِ الظَّاهِر عَلَيْهِ مِنْ ذِكْره , وَهُوَ قَوْله : وَيَقُولُونَ ذُوقُوا عَذَاب الْحَرِيق ; حُذِفَتْ " يَقُولُونَ " , كَمَا حُذِفَتْ مِنْ قَوْله : { وَلَوْ تَرَى إِذْ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسهمْ عِنْد رَبّهمْ رَبّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا } 32 21 بِمَعْنَى : يَقُولُونَ رَبّنَا أَبْصَرْنَا .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّه لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره مُخْبِرًا عَنْ قِيلَ الْمَلَائِكَة لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قُتِلُوا بِبَدْرٍ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ لَهُمْ وَهُمْ يَضْرِبُونَ وُجُوههمْ وَأَدْبَارهمْ : ذُوقُوا عَذَاب اللَّه الَّذِي يُحْرِقكُمْ , هَذَا الْعَذَاب لَكُمْ { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } أَيْ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ مِنْ الْآثَام وَالْأَوْزَار وَاجْتَرَحْتُمْ مِنْ مَعَاصِي اللَّه أَيَّام حَيَاتكُمْ , فَذُوقُوا الْيَوْم الْعَذَاب وَفِي مَعَادكُمْ عَذَاب الْحَرِيق ; وَذَلِكَ لَكُمْ بِأَنَّ اللَّه لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ , لَا يُعَاقِب أَحَدًا مِنْ خَلْقه إِلَّا بِجُرْمٍ اِجْتَرَمَهُ , وَلَا يُعَذِّبهُ إِلَّا بِمَعْصِيَتِهِ إِيَّاهُ , لِأَنَّ الظُّلْم لَا يَجُوز أَنْ يَكُون مِنْهُ . وَفِي فَتْح " أَنَّ " مِنْ قَوْله : { وَأَنَّ اللَّه } وَجْهَانِ مِنْ الْإِعْرَاب : أَحَدهمَا النَّصْب , وَهُوَ لِلْعَطْفِ عَلَى " مَا " الَّتِي فِي قَوْله : { بِمَا قَدَّمَتْ } بِمَعْنَى : ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ , وَبِأَنَّ اللَّه لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ فِي قَوْل بَعْضهمْ , وَالْخَفْض فِي قَوْل بَعْض . وَالْآخَر : الرَّفْع عَلَى { ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ } وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه .
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كَدَأْبِ آل فِرْعَوْن وَاَلَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : فِعْل هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْش الَّذِينَ قُتِلُوا بِبَدْرٍ كَعَادَةِ قَوْم فِرْعَوْن وَصَنِيعهمْ وَفِعْلهمْ , وَفِعْل مَنْ كَذَّبَ بِحُجَجِ اللَّه وَرُسُله مِنْ الْأُمَم الْخَالِيَة قَبْلهمْ , فَفَعَلْنَا بِهِمْ كَفِعْلِنَا بِأُولَئِكَ . وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى أَنَّ الدَّأْب : هُوَ الشَّأْن وَالْعَادَة , بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته فِي هَذَا الْمَوْضِع . 12585 - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثني عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا شَيْبَان , عَنْ جَابِر , عَنْ عَامِر وَمُجَاهِد وَعَطَاء : { كَدَأْبِ آل فِرْعَوْن } كَفِعْلِ آل فِرْعَوْن , كَسَنَنِ آل فِرْعَوْن .
يَقُول : فَعَاقَبَهُمْ اللَّه بِتَكْذِيبِهِمْ حُجَجه وَرُسُله وَمَعْصِيَتهمْ رَبّهمْ , كَمَا عَاقَبَ أَشْكَالهمْ وَالْأُمَم الَّذِينَ قَبْلهمْ .
{ إِنَّ اللَّه قَوِيّ } لَا يَغْلِبهُ غَالِب وَلَا يَرُدّ قَضَاءَهُ رَادّ , يُنْفِذ أَمْره وَيُمْضِي قَضَاءَهُ فِي خَلْقه , شَدِيد عِقَابه لِمَنْ كَفَرَ بِآيَاتِهِ وَجَحَدَ حُجَجه .
يَقُول : فَعَاقَبَهُمْ اللَّه بِتَكْذِيبِهِمْ حُجَجه وَرُسُله وَمَعْصِيَتهمْ رَبّهمْ , كَمَا عَاقَبَ أَشْكَالهمْ وَالْأُمَم الَّذِينَ قَبْلهمْ .
{ إِنَّ اللَّه قَوِيّ } لَا يَغْلِبهُ غَالِب وَلَا يَرُدّ قَضَاءَهُ رَادّ , يُنْفِذ أَمْره وَيُمْضِي قَضَاءَهُ فِي خَلْقه , شَدِيد عِقَابه لِمَنْ كَفَرَ بِآيَاتِهِ وَجَحَدَ حُجَجه .
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّه لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَة أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْم حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَخَذْنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْش بِبَدْرٍ بِذُنُوبِهِمْ وَفَعَلْنَا ذَلِكَ بِهِمْ , بِأَنَّهُمْ غَيَّرُوا مَا أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ بِهِ مِنْ اِبْتِعَاثه رَسُوله مِنْهُمْ وَبَيْن أَظْهُرهمْ , بِإِخْرَاجِهِمْ إِيَّاهُ مِنْ بَيْنهمْ وَتَكْذِيبهمْ لَهُ وَحَرْبهمْ إِيَّاهُ ; فَغَيَّرْنَا نِعْمَتنَا عَلَيْهِمْ بِإِهْلَاكِنَا إِيَّاهُمْ , كَفِعْلِنَا ذَلِكَ فِي الْمَاضِينَ قَبْلهمْ مِمَّنْ طَغَى عَلَيْنَا وَعَصَى أَمَرْنَا . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12586 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّه لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَة أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْم حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } يَقُول : نِعْمَة اللَّه مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنْعَمَ بِهِ عَلَى قُرَيْش وَكَفَرُوا , فَنَقَلَهُ إِلَى الْأَنْصَار .
يَقُول : لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ كَلَام خَلْقه , يَسْمَع كَلَام كُلّ نَاطِق مِنْهُمْ بِخَيْرٍ نَطَقَ أَوْ بِشَرٍّ , عَلِيم بِمَا تُضْمِرهُ صُدُورهمْ , وَهُوَ مُجَازِيهمْ وَمُثِيبهمْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَيَعْمَلُونَ , إِنْ خَيْرًا فَخَيْرًا وَإِنْ شَرًّا فَشَرًّا .
يَقُول : لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ كَلَام خَلْقه , يَسْمَع كَلَام كُلّ نَاطِق مِنْهُمْ بِخَيْرٍ نَطَقَ أَوْ بِشَرٍّ , عَلِيم بِمَا تُضْمِرهُ صُدُورهمْ , وَهُوَ مُجَازِيهمْ وَمُثِيبهمْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَيَعْمَلُونَ , إِنْ خَيْرًا فَخَيْرًا وَإِنْ شَرًّا فَشَرًّا .
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { كَدَأْبِ آل فِرْعَوْن وَاَلَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبّهمْ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : غَيْر هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ الْمَقْتُولُونَ بِبَدْرٍ , نِعْمَة رَبّهمْ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْهِمْ , بِابْتِعَاثِهِ مُحَمَّدًا مِنْهُمْ وَبَيْن أَظْهُرهمْ , دَاعِيًا لَهُمْ إِلَى الْهُدَى , بِتَكْذِيبِهِمْ إِيَّاهُ وَحَرْبهمْ لَهُ . { كَدَأْبِ آل فِرْعَوْن } كَسُنَّةِ آل فِرْعَوْن وَعَادَتهمْ , وَفِعْلهمْ بِمُوسَى نَبِيّ اللَّه فِي تَكْذِيبهمْ إِيَّاهُ , وَتَصَدِّيهمْ لِحَرْبِهِ وَعَادَة مَنْ قَبْلهمْ مِنْ الْأُمَم الْمُكَذِّبَة رُسُلهَا وَصَنِيعهمْ .
{ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ } بَعْضًا بِالرَّجْفَةِ , وَبَعْضًا بِالْخَسْفِ , وَبَعْضًا بِالرِّيحِ .
فِي الْيَمّ .
يَقُول : كُلّ هَؤُلَاءِ الْأُمَم الَّتِي أَهْلَكْنَاهَا كَانُوا فَاعِلِينَ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِعْله مِنْ تَكْذِيبهمْ رُسُل اللَّه وَالْجُحُود لِآيَاتِهِ , فَكَذَلِكَ أَهْلَكْنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَهْلَكْنَاهُمْ بِبَدْرٍ , إِذْ غَيَّرُوا نِعْمَة اللَّه عِنْدهمْ بِالْقَتْلِ بِالسَّيْفِ , وَأَذْلَلْنَا بَعْضهمْ بِالْإِسَارِ وَالسَّبَاء .
{ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ } بَعْضًا بِالرَّجْفَةِ , وَبَعْضًا بِالْخَسْفِ , وَبَعْضًا بِالرِّيحِ .
فِي الْيَمّ .
يَقُول : كُلّ هَؤُلَاءِ الْأُمَم الَّتِي أَهْلَكْنَاهَا كَانُوا فَاعِلِينَ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِعْله مِنْ تَكْذِيبهمْ رُسُل اللَّه وَالْجُحُود لِآيَاتِهِ , فَكَذَلِكَ أَهْلَكْنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَهْلَكْنَاهُمْ بِبَدْرٍ , إِذْ غَيَّرُوا نِعْمَة اللَّه عِنْدهمْ بِالْقَتْلِ بِالسَّيْفِ , وَأَذْلَلْنَا بَعْضهمْ بِالْإِسَارِ وَالسَّبَاء .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إِنَّ شَرّ الدَّوَابّ عِنْد اللَّه الَّذِينَ كَفَرُوا } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ شَرّ مَا دَبَّ عَلَى الْأَرْض عِنْد اللَّه الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ فَجَحَدُوا وَحْدَانِيّته , وَعَبَدُوا غَيْره .
يَقُول : فَهُمْ لَا يُصَدِّقُونَ رُسُل اللَّه وَلَا يُقِرُّونَ بِوَحْيِهِ وَتَنْزِيله .
يَقُول : فَهُمْ لَا يُصَدِّقُونَ رُسُل اللَّه وَلَا يُقِرُّونَ بِوَحْيِهِ وَتَنْزِيله .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { الَّذِينَ عَاهَدْت مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدهمْ فِي كُلّ مَرَّة وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ شَرّ الدَّوَابّ عِنْد اللَّه الَّذِينَ كَفَرُوا , الَّذِينَ عَاهَدْت مِنْهُمْ يَا مُحَمَّد , يَقُول : أَخَذْت عُهُودهمْ وَمَوَاثِيقهمْ أَنْ لَا يُحَارِبُوك وَلَا يُظَاهِرُوا عَلَيْك مُحَارِبًا لَك كَقُرَيْظَة وَنُظَرَائِهِمْ مِمَّنْ كَانَ بَيْنك وَبَيْنهمْ عَهْد وَعَقْد , ثُمَّ يَنْقُضُونَ عُهُودهمْ وَمَوَاثِيقهمْ , كُلَّمَا عَاهَدُوا دَافَعُوك وَحَارَبُوك وَظَاهَرُوا عَلَيْك , وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ اللَّه وَلَا يَخَافُونَ فِي فِعْلهمْ ذَلِكَ أَنْ يُوقِع بِهِمْ وَقْعَة تَجْتَاحهُمْ وَتُهْلِكهُمْ . كَاَلَّذِي : 12587 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَوْله : { الَّذِينَ عَاهَدْت مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدهمْ } قَالَ : قُرَيْظَة مَالَئُوا عَلَى مُحَمَّد يَوْم الْخَنْدَق أَعْدَاءَهُ . * - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ مُجَاهِد , نَحْوه .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَإِمَّا تَثْقَفَنهُمْ فِي الْحَرْب فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفهمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَإِمَّا تَلْقَيَن فِي الْحَرْب هَؤُلَاءِ الَّذِينَ عَاهَدْتهمْ فَنَقَضُوا عَهْدك مَرَّة بَعْد مَرَّة مِنْ قُرَيْظَة فَتَأْسِرهُمْ , { فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفهمْ } يَقُول : فَافْعَلْ بِهِمْ فِعْلًا يَكُون مُشَرِّدًا مَنْ خَلْفهمْ مِنْ نُظَرَائِهِمْ مِمَّنْ بَيْنك وَبَيْنه عَهْد وَعَقْد . وَالتَّشْرِيد : التَّطْرِيد وَالتَّبْدِيد وَالتَّفْرِيق . وَإِنَّمَا أُمِرَ بِذَلِكَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَفْعَل بِالنَّاقِضِ الْعَهْد بَيْنه وَبَيْنهمْ إِذَا قَدَرَ عَلَيْهِمْ فِعْلًا يَكُون إِخَافَة لِمَنْ وَرَاءَهُمْ مِمَّنْ كَانَ بَيْن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنه عَهْد , حَتَّى لَا يَجْتَرِئُوا عَلَى مِثْل الَّذِي اِجْتَرَأَ عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَ اللَّه صِفَتهمْ فِي هَذِهِ الْآيَة مِنْ نَقْضِ الْعَهْد . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12588 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ : ثني مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله : { فَإِمَّا تَثْقَفَنهُمْ فِي الْحَرْب فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفهمْ } يَعْنِي : نَكِّلْ بِهِمْ مَنْ بَعْدهمْ . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن سَعْد , قَالَ : ثَنِي أَبِي , قَالَ : ثني عَمِّي , قَالَ : ثني أَبِي , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفهمْ } يَقُول : نَكِّلْ بِهِمْ مَنْ وَرَاءَهُمْ . 12589 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { فَإِمَّا تَثْقَفَنهُمْ فِي الْحَرْب فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفهمْ } يَقُول : عِظْ بِهِمْ مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ النَّاس . 12590 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { فَإِمَّا تَثْقَفَنهُمْ فِي الْحَرْب فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفهمْ } يَقُول : نَكِّلْ بِهِمْ مَنْ خَلْفهمْ مِنْ بَعْدهمْ مِنْ الْعَدُوّ , لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ أَنْ يَنْكُثُوا فَيُصْنَع بِهِمْ مِثْل ذَلِكَ . 12591 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا مُحَمَّد بْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ أَيُّوب , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر : { فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفهمْ } قَالَ : أَنْذِرْ بِهِمْ مَنْ خَلْفهمْ . 12592 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : ثنا الْحُسَيْن , قَالَ : ثني حَجَّاج , عَنْ اِبْن جُرَيْج , عَنْ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ , عَنْ اِبْن عَبَّاس , قَالَ : نَكِّلْ بِهِمْ مَنْ خَلْفهمْ مِنْ بَعْدهمْ . قَالَ اِبْن جُرَيْج , قَالَ عَبْد اللَّه بْن كَثِير : نَكِّلْ بِهِمْ مَنْ وَرَاءَهُمْ . 12593 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { فَإِمَّا تَثْقَفَنهُمْ فِي الْحَرْب فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفهمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } أَيْ نَكِّلْ بِهِمْ مَنْ وَرَاءَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَعْقِلُونَ . 12594 - حَدَّثَنَا عَنْ الْحُسَيْن بْن الْفَرَج , قَالَ : سَمِعْت أَبَا مُعَاذ , قَالَ : ثنا عُبَيْد بْن سُلَيْمَان , قَالَ : سَمِعْت الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم يَقُول فِي قَوْله : { فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفهمْ } يَقُول : نَكِّلْ بِهِمْ مَنْ بَعْدهمْ . 12595 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْل اللَّه : { فَإِمَّا تَثْقَفَنهُمْ فِي الْحَرْب فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفهمْ } قَالَ : أَخِفْهُمْ بِمَا تَصْنَع بِهَؤُلَاءِ وَقَرَأَ : { وَآخَرِينَ مِنْ دُونهمْ لَا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّه يَعْلَمهُمْ } 8 60 .
وَأَمَّا قَوْله : { لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : كَيْ يَتَّعِظُوا بِمَا فَعَلْت بِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْت صِفَتهمْ , فَيَحْذَرُوا نَقْض الْعَهْد الَّذِي بَيْنك وَبَيْنهمْ , خَوْف أَنْ يَنْزِل بِهِمْ مِنْك مَا نَزَلَ بِهَؤُلَاءِ إِذَا هُمْ نَقَضُوهُ .
وَأَمَّا قَوْله : { لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : كَيْ يَتَّعِظُوا بِمَا فَعَلْت بِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْت صِفَتهمْ , فَيَحْذَرُوا نَقْض الْعَهْد الَّذِي بَيْنك وَبَيْنهمْ , خَوْف أَنْ يَنْزِل بِهِمْ مِنْك مَا نَزَلَ بِهَؤُلَاءِ إِذَا هُمْ نَقَضُوهُ .
وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَإِمَّا تَخَافَن مِنْ قَوْم خِيَانَة فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَإِمَّا تَخَافَن يَا مُحَمَّد مِنْ عَدُوّ لَك بَيْنك وَبَيْنه عَهْد وَعَقْد أَنْ يَنْكُث عَهْده وَيَنْقُض عَقْده وَيَغْدِر بِك , وَذَلِكَ هُوَ الْخِيَانَة وَالْغَدْر . { فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء } يَقُول : فَنَاجِزْهُمْ بِالْحَرْبِ , وَأَعْلِمْهُمْ قَبْل حَرْبك إِيَّاهُمْ أَنَّك قَدْ فَسَخْت الْعَهْد بَيْنك وَبَيْنهمْ بِمَا كَانَ مِنْهُمْ مِنْ ظُهُور آثَار الْغَدْر وَالْخِيَانَة مِنْهُمْ ; حَتَّى تَصِير أَنْتَ وَهُمْ عَلَى سَوَاء فِي الْعِلْم بِأَنَّك لَهُمْ مُحَارِب , فَيَأْخُذُوا لِلْحَرْبِ آلَتهَا , وَتَبْرَأ مِنْ الْغَدْر . فَإِنْ قَالَ قَائِل : وَكَيْفَ يَجُوز نَقْض الْعَهْد بِخَوْفِ الْخِيَانَة وَالْخَوْف ظَنّ لَا يَقِين ؟ قِيلَ : إِنَّ الْأَمْر بِخِلَافِ مَا إِلَيْهِ ذَهَبْت , وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ : إِذَا ظَهَرَتْ آثَار الْخِيَانَة مِنْ عَدُوّك وَخِفْت وُقُوعهمْ بِك , فَأَلْقِ إِلَيْهِمْ مَقَالِيد السِّلْم وَآذِنهمْ بِالْحَرْبِ . وَذَلِكَ كَاَلَّذِي كَانَ مِنْ بَنِي قُرَيْظَة , إِذْ أَجَابُوا أَبَا سُفْيَان وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إِلَى مُظَاهَرَتهمْ عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُحَارَبَتهمْ مَعَهُ بَعْد الْعَهْد الَّذِي كَانُوا عَاهَدُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُسَالَمَة , وَلَنْ يُقَاتِلُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَكَانَتْ إِجَابَتهمْ إِيَّاهُ إِلَى ذَلِكَ مُوجِبًا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَوْف الْغَدْر بِهِ وَبِأَصْحَابِهِ مِنْهُمْ , فَكَذَلِكَ حُكْم كُلّ قَوْم أَهْل مُوَادَعَة لِلْمُؤْمِنِينَ ظَهَرَ لِإِمَامِ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ مِنْ دَلَائِل الْغَدْر مِثْل الَّذِي ظَهَرَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه مِنْ قُرَيْظَة مِنْهَا , فَحَقّ عَلَى إِمَام الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَنْبِذ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء وَيُؤْذِنهُمْ بِالْحَرْبِ . وَمَعْنَى قَوْله : { عَلَى سَوَاء } أَيْ حَتَّى يَسْتَوِي عِلْمك وَعِلْمهمْ بِأَنَّ كُلّ فَرِيق مِنْكُمْ حَرْب لِصَاحِبِهِ لَا سِلْم . وَقِيلَ : نَزَلَتْ الْآيَة فِي قُرَيْظَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12596 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثَنَا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء } قَالَ قُرَيْظَة . وَقَدْ قَالَ بَعْضهمْ : السَّوَاء فِي هَذَا الْمَوْضِع : الْمَهَل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12597 - حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا الْوَلِيد بْن مُسْلِم , قَالَ : إِنَّهُ مِمَّا تَبَيَّنَ لَنَا أَنَّ قَوْله : { فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء } أَنَّهُ عَلَى مَهْل . كَمَا حَدَّثَنَا بُكَيْر عَنْ مُقَاتِل بْن حَيَّان فِي قَوْل اللَّه : { بَرَاءَة مِنْ اللَّه وَرَسُوله إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْض أَرْبَعَة أَشْهُر } 9 1 : 2 . وَأَمَّا أَهْل الْعِلْم بِكَلَامِ الْعَرَب , فَإِنَّهُمْ فِي مَعْنَاهُ مُخْتَلِفُونَ , فَكَانَ بَعْضهمْ يَقُول : مَعْنَاهُ : فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى عَدْل ; يَعْنِي حَتَّى يَعْتَدِل عِلْمك وَعِلْمهمْ بِمَا عَلَيْهِ بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ مِنْ الْمُحَارَبَة . وَاسْتَشْهَدُوا لِقَوْلِهِمْ ذَلِكَ بِقَوْلِ الرَّاجِز : وَاضْرِبْ وُجُوه الْغُدَّر الْأَعْدَاء حَتَّى يُجِيبُوك إِلَى السَّوَاء يَعْنِي إِلَى الْعَدْل . وَكَانَ آخَرُونَ يَقُولُونَ : مَعْنَاهُ الْوَسَط , مِنْ قَوْل حَسَّان : يَا وَيْح أَنْصَار الرَّسُول وَرَهْطه بَعْد الْمُغَيَّب فِي سَوَاء الْمُلْحِد بِمَعْنَى فِي وَسَط اللَّحْد . وَكَذَلِكَ هَذِهِ الْمَعَانِي مُتَقَارِبَة , لِأَنَّ الْعَدْل وَسَط لَا يَعْلُو فَوْق الْحَقّ وَلَا يَقْصُر عَنْهُ , وَكَذَلِكَ الْوَسَط عَدْل , وَاسْتِوَاء الْفَرِيقَيْنِ فِيمَا عَلَيْهِ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ بَعْض الْمُهَادَنَة عَدْل مِنْ الْفِعْل وَوَسَط . وَأَمَّا الَّذِي قَالَهُ الْوَلِيد بْن مُسْلِم مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ الْمَهْل , فَمَا لَا أَعْلَم لَهُ وَجْهًا فِي كَلَام الْعَرَب .
الْغَادِرِينَ بِمَنْ كَانَ مِنْهُ فِي أَمَان وَعَهْد بَيْنه وَبَيْنه أَنْ يَغْدِر بِهِ , فَيُحَارِبهُ قَبْل إِعْلَامه إِيَّاهُ أَنَّهُ لَهُ حَرْب وَأَنَّهُ قَدْ فَاسَخَهُ الْعَقْد .
الْغَادِرِينَ بِمَنْ كَانَ مِنْهُ فِي أَمَان وَعَهْد بَيْنه وَبَيْنه أَنْ يَغْدِر بِهِ , فَيُحَارِبهُ قَبْل إِعْلَامه إِيَّاهُ أَنَّهُ لَهُ حَرْب وَأَنَّهُ قَدْ فَاسَخَهُ الْعَقْد .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَلَا يَحْسَبَن الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ } اِخْتَلَفَتْ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة ذَلِكَ , فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْحِجَاز وَالْعِرَاق : " وَلَا تَحْسَبَن الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ " بِكَسْرِ الْأَلِف مِنْ " إِنَّهُمْ " - وَبِالتَّاءِ فِي " تَحْسَبَن " , بِمَعْنَى : وَلَا تَحْسَبَن يَا مُحَمَّد الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُونَا فَفَاتُونَا بِأَنْفُسِهِمْ . ثُمَّ اُبْتُدِئَ الْخَبَر عَنْ قُدْرَة اللَّه عَلَيْهِمْ , فَقِيلَ : إِنَّ هَؤُلَاءِ الْكَفَرَة لَا يُعْجِزُونَ رَبّهمْ إِذَا طَلَبَهُمْ وَأَرَادَ تَعْذِيبهمْ وَإِهْلَاكهمْ بِأَنْفُسِهِمْ فَيَفُوتُوهُ بِهَا . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض قُرَّاء الْمَدِينَة وَالْكُوفَة : { وَلَا يَحْسَبَن الَّذِينَ كَفَرُوا } بِالْيَاءِ فِي " يَحْسَبَن " , وَكَسْر الْأَلِف مِنْ - " إِنَّهُمْ " - , وَهِيَ قِرَاءَة غَيْر حَمِيدَة لِمَعْنَيَيْنِ : أَحَدهمَا خُرُوجهمَا مِنْ قِرَاءَة الْقُرَّاء وَشُذُوذهَا عَنْهَا , وَالْآخَر بُعْدهَا مِنْ فَصِيح كَلَام الْعَرَب ; وَذَلِكَ أَنَّ " يَحْسَب " يُطْلَب فِي كَلَام الْعَرَب مَنْصُوبًا وَخَبَره , كَقَوْلِهِ : عَبْد اللَّه يَحْسَب أَخَاك قَائِمًا وَيَقُوم وَقَامَ , فَقَارِئ هَذِهِ الْقِرَاءَة أَصْحَبَ " يَحْسَب " خَبَرًا لِغَيْرِ مُخْبَر عَنْهُ مَذْكُور , وَإِنَّمَا كَانَ مُرَاد : ظَنِّي وَلَا يَحْسَبَن الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَنَا , فَلَمْ يُفَكِّر فِي صَوَاب مَخْرَج الْكَلَام وَسَقَمه , وَاسْتَعْمَلَ فِي قِرَاءَته ذَلِكَ كَذَلِكَ مَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ مَفْهُوم الْكَلَام . وَأَحْسَب أَنَّ الَّذِي دَعَاهُ إِلَى ذَلِكَ الِاعْتِبَار بِقِرَاءَةِ عَبْد اللَّه , وَذَلِكَ أَنَّهُ فِيمَا ذُكِرَ فِي مُصْحَف عَبْد اللَّه : " وَلَا يَحْسَبَن الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ " وَهَذَا فَصِيح صَحِيح إِذَا أَدْخَلْت أَنَّهُمْ فِي الْكَلَام , لِأَنَّ " يَحْسَبَن " عَامِلَة فِي " أَنَّهُمْ " , وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَام " أَنَّهُمْ " كَانَتْ خَالِيَة مِنْ اِسْم تَعْمَل فِيهِ . وَلِلَّذِي قَرَأَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْقُرَّاء وَجْهَانِ فِي كَلَام الْعَرَب وَإِنْ كَانَا بِعِيدَيْنِ مِنْ فَصِيح كَلَامهمْ : أَحَدهمَا أَنْ يَكُون أُرِيدَ بِهِ : وَلَا يَحْسَبَن الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ سَبَقُوا , أَوْ أَنَّهُمْ سَبَقُوا , ثُمَّ حُذِفَ " أَنْ " و " أَنَّهُمْ " , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { وَمِنْ آيَاته يُرِيكُمْ الْبَرْق خَوْفًا وَطَمَعًا } 30 24 بِمَعْنَى : أَنْ يُرِيكُمْ . وَقَدْ يُنْشَد فِي نَحْو ذَلِكَ بَيْت لِذِي الرِّمَّة : أَظَنَّ اِبْن طُرْثُوث عُيَيْنَة ذَاهِبًا بِعَادِيَّتِي تَكْذَابه وَجَعَائِله بِمَعْنَى : أَظُنّ اِبْن طُرْثُوث أَنْ يَذْهَب بِعَادِيَّتِي تَكْذَابه وَجَعَائِله . وَكَذَلِكَ قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ بِالْيَاءِ , يُوَجَّه " سَبَقُوا " إِلَى " سَابِقِينَ " عَلَى هَذَا الْمَعْنَى . وَالْوَجْه الثَّانِي عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ إِضْمَار مَنْصُوب ثنا " يَحْسَب " , كَأَنَّهُ قَالَ : وَلَا يَحْسَب الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ سَبَقُوا , ثُمَّ حَذَفَ الْهَمْز وَأَضْمَرَ . وَقَدْ وَجَّهَ بَعْضهمْ مَعْنَى قَوْله : { إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَان يُخَوِّف أَوْلِيَاءَهُ } 3 175 إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَان يُخَوِّف الْمُؤْمِن مِنْ أَوْلِيَائِهِ , وَأَنَّ ذِكْر الْمُؤْمِن مُضْمَر فِي قَوْله : " يُخَوِّف " , إِذْ كَانَ الشَّيْطَان عِنْده لَا يُخَوِّف أَوْلِيَاءَهُ . وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْض أَهْل الشَّام : " وَلَا تَحْسَبَن الَّذِينَ كَفَرُوا " بِالتَّاءِ مِنْ " تَحْسَبَن " " سَبَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ " بِفَتْحِ الْأَلِف مِنْ " أَنَّهُمْ " , بِمَعْنَى : وَلَا تَحْسَبَن الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ . وَلَا وَجْه لِهَذِهِ الْقِرَاءَة يُعْقَل إِلَّا أَنْ يَكُون أَرَادَ الْقَارِئ بِ " لَا " الَّتِي فِي يُعْجِزُونَ " لَا " الَّتِي تَدْخُل فِي الْكَلَام حَشْوًا وَصِلَة . فَيَكُون مَعْنَى الْكَلَام حِينَئِذٍ : وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا أَنَّهُمْ يُعْجِزُونَ . وَلَا وَجْه لِتَوْجِيهِ حَرْف فِي كِتَاب اللَّه إِلَى التَّطْوِيل بِغَيْرِ حُجَّة يَجِب التَّسْلِيم لَهَا وَلَهُ فِي الصِّحَّة مَخْرَج . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقِرَاءَة فِي ذَلِكَ عِنْدِي قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ : " لَا تَحْسَبَن " بِالتَّاءِ " الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ " بِكَسْرِ الْأَلِف مِنْ " إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ " بِمَعْنَى : وَلَا تَحْسَبَن أَنْتَ يَا مُحَمَّد الَّذِينَ جَحَدُوا حُجَج اللَّه وَكَذَّبُوا بِهَا سَبَقُونَا بِأَنْفُسِهِمْ , فَفَاتُونَا , إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَنَا : أَيْ يَفُوتُونَنَا بِأَنْفُسِهِمْ , وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْهَرَب مِنَّا . كَمَا : 12598 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَلَا يَحْسَبَن الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ } يَقُول : لَا يَفُوتُونَ .
وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ↓
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اِسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة وَمِنْ رِبَاط الْخَيْل } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَأَعِدُّوا لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ الَّذِينَ بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ عَهْد , إِذَا خِفْتُمْ خِيَانَتهمْ وَغَدْرهمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله { مَا اِسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة } يَقُول : مَا أَطَقْتُمْ أَنْ تَعُدُّوهُ لَهُمْ مِنْ الْآلَات الَّتِي تَكُون قُوَّة لَكُمْ عَلَيْهِمْ مِنْ السِّلَاح وَالْخَيْل . { تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوّ اللَّه وَعَدُوّكُمْ } يَقُول : تُخِيفُونَ بِإِعْدَادِكُمْ ذَلِكَ عَدُوّ اللَّه وَعَدُوّكُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12599 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا أَبُو إِدْرِيس , قَالَ : سَمِعْت أُسَامَة بْن زَيْد , عَنْ صَالِح بْن كَيْسَان , عَنْ رَجُل مِنْ جُهَيْنَة يَرْفَع الْحَدِيث إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اِسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة } " أَلَا إِنَّ الرَّمْي هُوَ الْقُوَّة , أَلَا إِنَّ الرَّمْي هُوَ الْقُوَّة " . 12600 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا سَعِيد بْن شُرَحْبِيل , قَالَ : ثنا اِبْن لَهِيعَة , عَنْ يَزِيد بْن أَبِي حَبِيب , وَعَبْد الْكَرِيم بْن الْحَارِث , عَنْ أَبِي عَلِيّ الْهَمْدَانِيّ , أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَة بْن عَامِر عَلَى الْمِنْبَر يَقُول : قَالَ اللَّه : { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اِسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة وَمِنْ رِبَاط الْخَيْل } أَلَا وَإِنِّي سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول عَلَى الْمِنْبَر " قَالَ اللَّه : { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اِسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة } " أَلَا إِنَّ الْقُوَّة الرَّمْي أَلَا إِنَّ الْقُوَّة الرَّمْي " ثَلَاثًا . * - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ : ثنا مَحْبُوب وَجَعْفَر بْن عَوْن وَوَكِيع وَأَبُو أُسَامَة وَأَبُو نُعَيْم , عَنْ أُسَامَة بْن زَيْد , عَنْ صَالِح بْن كَيْسَان , عَنْ رَجُل , عَنْ عُقْبَة بْن عَامِر الْجُهَنِيّ قَالَ : قَرَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَر : { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اِسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة وَمِنْ رِبَاط الْخَيْل } فَقَالَ : " أَلَا إِنَّ الْقُوَّة الرَّمْي , أَلَا إِنَّ الْقُوَّة الرَّمْي " ثَلَاث مَرَّات . * - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ أُسَامَة بْن زَيْد , عَنْ صَالِح بْن كَيْسَان , عَنْ رَجُل , عَنْ عُقْبَة بْن عَامِر , أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة عَلَى الْمِنْبَر , فَذَكَرَ نَحْوه . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا أُسَامَة بْن زَيْد , عَنْ صَالِح بْن كَيْسَان , عَنْ عُقْبَة بْن عَامِر , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , نَحْوه . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْن وَاضِح , قَالَ : ثنا مُوسَى بْن عُبَيْدَة , عَنْ أَخِيهِ مُحَمَّد بْن عُبَيْدَة , عَنْ أَخِيهِ عَبْد اللَّه بْن عُبَيْدَة , عَنْ عُقْبَة بْن عَامِر , عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فِي قَوْله : { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اِسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة } " أَلَا إِنَّ الْقُوَّة الرَّمْي " . 12601 - حَدَّثَنَا اِبْن وَكِيع , قَالَ : ثَنَا أَبِي , عَنْ سُفْيَان , عَنْ شُعْبَة بْن دِينَار , عَنْ عِكْرِمَة , فِي قَوْله : { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اِسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة } قَالَ : الْحُصُون . { وَمِنْ رِبَاط الْخَيْل } قَالَ : الْإِنَاث . 12602 - حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَهْل , قَالَ : ثنا ضَمْرَة بْن رَبِيعَة , عَنْ رَجَاء بْن أَبِي سَلَمَة , قَالَ : لَقِيَ رَجُل مُجَاهِدًا بِمَكَّة , وَمَعَ مُجَاهِد جُوَالِق , قَالَ : فَقَالَ مُجَاهِد : هَذَا مِنْ الْقُوَّة ! وَمُجَاهِد يَتَجَهَّز لِلْغَزْوِ . 12603 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اِسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة } مِنْ سِلَاح .
وَأَمَّا قَوْله : { تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوّ اللَّه وَعَدُوّكُمْ } قَالَ اِبْن وَكِيع : 12604 - حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ عُثْمَان بْن الْمُغِيرَة الثَّقَفِيّ , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوّ اللَّه وَعَدُوّكُمْ } قَالَ : تُخْزُونَ بِهِ عَدُوّ اللَّه وَعَدُوّكُمْ . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ عُثْمَان , عَنْ مُجَاهِد . عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . * - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ خُصَيْف , عَنْ عِكْرِمَة وَسَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوّ اللَّه وَعَدُوّكُمْ } قَالَ : تُخْزُونَ بِهِ عَدُوّ اللَّه وَعَدُوّكُمْ . وَكَذَا كَانَ يَقْرَأ بِهَا تُرْهِبُونَ . * - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ عُثْمَان بْن الْمُغِيرَة وَخُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { تُرْهِبُونَ بِهِ } تُخْزُونَ بِهِ . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ خُصَيْف , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . يُقَال مِنْهُ : أَرْهَبْت الْعَدُوّ وَرَهَّبْته , فَأَنَا أُرْهِبهُ وَأُرَهِّبهُ إِرْهَابًا وَتَرْهِيبًا , وَهُوَ الرَّهَب وَالرُّهْب , وَمِنْهُ قَوْل طُفَيْل الْغَنَوِيّ : وَيْل أُمّ حَيّ دَفَعْتُمْ فِي نُحُورهمْ بَنِي كِلَاب غَدَاة الرُّعْب وَالرَّهَب
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَآخَرِينَ مِنْ دُونهمْ لَا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّه يَعْلَمهُمْ } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي هَؤُلَاءِ الْآخَرِينَ مَنْ هُمْ وَمَا هُمْ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُمْ بَنُو قُرَيْظَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12605 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَآخَرِينَ مِنْ دُونهمْ } يَعْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَة . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَآخَرِينَ مِنْ دُونهمْ } قَالَ : قُرَيْظَة . وَقَالَ آخَرُونَ : مِنْ فَارِس . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12606 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَآخَرِينَ مِنْ دُونهمْ لَا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّه يَعْلَمهُمْ } هَؤُلَاءِ أَهْل فَارِس . وَقَالَ آخَرُونَ : هُمْ كُلّ عَدُوّ لِلْمُسْلِمِينَ غَيْر الَّذِي أَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُشَرَّد بِهِمْ مَنْ خَلْفهمْ . قَالُوا : وَهُمْ الْمُنَافِقُونَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12607 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْل اللَّه : { فَإِمَّا تَثْقَفَنهُمْ فِي الْحَرْب فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفهمْ } قَالَ : أَخِفْهُمْ بِهِمْ لِمَا تَصْنَع بِهَؤُلَاءِ . وَقَرَأَ : { وَآخَرِينَ مِنْ دُونهمْ لَا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّه يَعْلَمهُمْ } . 12608 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَآخَرِينَ مِنْ دُونهمْ لَا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّه يَعْلَمهُمْ } قَالَ : هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ لَا تَعْلَمُونَهُمْ لِأَنَّهُمْ مَعَكُمْ يَقُولُونَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَيَغْزُونَ مَعَكُمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : هُمْ قَوْم مِنْ الْجِنّ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِإِعْدَادِ الْجِهَاد وَآلَة الْحَرْب وَمَا يَتَقَوَّوْنَ بِهِ عَلَى جِهَاد عَدُوّهُ وَعَدُوّهُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ السِّلَاح وَالرَّمْي وَغَيْر ذَلِكَ وَرِبَاط الْخَيْل . وَلَا وَجْه لِأَنْ يُقَال : عُنِيَ بِالْقُوَّةِ مَعْنًى دُون مَعْنًى مِنْ مَعَانِي الْقُوَّة , وَقَدْ عَمَّ اللَّه الْأَمْر بِهَا . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَإِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَدْ بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ مُرَاد بِهِ الْخُصُوص بِقَوْلِهِ : " أَلَا إِنَّ الْقُوَّة الرَّمْي " . قِيلَ لَهُ : إِنَّ الْخَبَر وَإِنْ كَانَ قَدْ جَاءَ بِذَلِكَ فَلَيْسَ فِي الْخَبَر مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ مُرَاد بِهَا الرَّمْي خَاصَّة دُون سَائِر مَعَانِي الْقُوَّة عَلَيْهِمْ , فَإِنَّ الرَّمْي أَحَد مَعَانِي الْقُوَّة , لِأَنَّهُ إِنَّمَا قِيلَ فِي الْخَبَر : " أَلَا إِنَّ الْقُوَّة الرَّمْي " وَلَمْ يَقُلْ دُون غَيْرهَا . وَمِنْ الْقُوَّة أَيْضًا السَّيْف وَالرُّمْح وَالْحَرْبَة , وَكُلّ مَا كَانَ مَعُونَة عَلَى قِتَال الْمُشْرِكِينَ , كَمَعُونَةِ الرَّمْي أَوْ أَبْلِغْ مِنْ الرَّمْي فِيهِمْ وَفِي النِّكَايَة مِنْهُمْ , هَذَا مَعَ وَهْي سَنَد الْخَبَر بِذَلِكَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَأَمَّا قَوْله : { وَآخَرِينَ مِنْ دُونهمْ لَا تَعْلَمُونَهُمْ } فَإِنَّ قَوْل مَنْ قَالَ : عُنِيَ بِهِ الْجِنّ , أَقْرَب وَأَشْبَه بِالصَّوَابِ ; لِأَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ أَدْخَلَ بِقَوْلِهِ : { وَمِنْ رِبَاط الْخَيْل تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوّ اللَّه وَعَدُوّكُمْ } الْأَمْر بِارْتِبَاطِ الْخَيْل لِإِرْهَابِ كُلّ عَدُوّ لِلَّهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَعْلَمُونَهُمْ , وَلَا شَكّ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانُوا عَالِمِينَ بِعَدَاوَةِ قُرَيْظَة وَفَارِس لَهُمْ , لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ وَأَنَّهُمْ لَهُمْ حَرْب , وَلَا مَعْنَى لِأَنْ يُقَال : وَهُمْ يَعْلَمُونَهُمْ لَهُمْ أَعْدَاء , وَآخَرِينَ مِنْ دُونهمْ لَا تَعْلَمُونَهُمْ ; وَلَكِنْ مَعْنَى ذَلِكَ : إِنْ شَاءَ اللَّه تُرْهِبُونَ بِارْتِبَاطِكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْخَيْل عَدُوّ اللَّه وَأَعْدَاءَكُمْ مِنْ بَنِي آدَم الَّذِينَ قَدْ عَلِمْتُمْ عَدَاوَتهمْ لَكُمْ لِكُفْرِهِمْ بِاَللَّهِ وَرَسُوله , وَتُرْهِبُونَ بِذَلِكَ جِنْسًا آخَر مِنْ غَيْر بَنِي آدَم لَا تَعْلَمُونَ أَمَاكِنهمْ وَأَحْوَالهمْ اللَّه يَعْلَمهُمْ دُونكُمْ , لِأَنَّ بَنِي آدَم لَا يَرَوْنَهُمْ . وَقِيلَ : إِنَّ صَهِيل الْخَيْل يُرْهِب الْجِنّ , وَإِنَّ الْجِنّ لَا تَقْرَب دَارًا فِيهَا فَرَس . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانُوا لَا يَعْلَمُونَ مَا عَلَيْهِ الْمُنَافِقُونَ , فَمَا تُنْكِر أَنْ يَكُون عُنِيَ بِذَلِكَ الْمُنَافِقُونَ ؟ قِيلَ : فَإِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَمْ يَكُنْ تَرُوعهُمْ خَيْل الْمُسْلِمِينَ وَلَا سِلَاحهمْ , وَإِنَّمَا كَانَ يَرُوعهُمْ أَنْ يَظْهَر الْمُسْلِمُونَ عَلَى سَرَائِرهمْ الَّتِي كَانُوا يَسْتَسِرُّونَ مِنْ الْكُفْر , وَإِنَّمَا أُمِرَ الْمُؤْمِنُونَ بِإِعْدَادِ الْقُوَّة لِإِرْهَابِ الْعَدُوّ , فَأَمَّا مَنْ لَمْ يُرْهِبهُ ذَلِكَ فَغَيْر دَاخِل فِي مَعْنَى مَنْ أُمِرَ بِإِعْدَادِ ذَلِكَ لَهُ الْمُؤْمِنُونَ , وَقِيلَ : " لَا تَعْلَمُونَهُمْ " , فَاكْتُفِيَ لِلْعِلْمِ بِمَنْصُوبٍ وَاحِد فِي هَذَا الْمَوْضِع , لِأَنَّهُ أُرِيدَ لَا تَعْرِفُونَهُمْ , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : فَإِنَّ اللَّه يَعْلَمنِي وَوَهْبًا وَأَنَّا سَوْفَ يَلْقَاهُ كِلَانَا
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْء فِي سَبِيل اللَّه يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَا أَنْفَقْتُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ نَفَقَة فِي شِرَاء آلَة حَرْب مِنْ سِلَاح أَوْ حِرَاب أَوْ كُرَاع أَوْ غَيْر ذَلِكَ مِنْ النَّفَقَات فِي جِهَاد أَعْدَاء اللَّه مِنْ الْمُشْرِكِينَ يُخْلِفهُ اللَّه عَلَيْكُمْ فِي الدُّنْيَا , وَيَدَّخِر لَكُمْ أُجُوركُمْ عَلَى ذَلِكَ عِنْده , حَتَّى يُوَفِّيكُمُوهَا يَوْم الْقِيَامَة . { وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ } يَقُول : يَفْعَل ذَلِكَ بِكُمْ رَبّكُمْ فَلَا يُضِيع أُجُوركُمْ عَلَيْهِ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12609 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْء فِي سَبِيل اللَّه يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ } أَيْ لَا يُضِيع لَكُمْ عِنْد اللَّه أَجْره فِي الْآخِرَة وَعَاجِل خَلَفه فِي الدُّنْيَا .
وَأَمَّا قَوْله : { تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوّ اللَّه وَعَدُوّكُمْ } قَالَ اِبْن وَكِيع : 12604 - حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ إِسْرَائِيل , عَنْ عُثْمَان بْن الْمُغِيرَة الثَّقَفِيّ , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوّ اللَّه وَعَدُوّكُمْ } قَالَ : تُخْزُونَ بِهِ عَدُوّ اللَّه وَعَدُوّكُمْ . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثَنَا إِسْرَائِيل , عَنْ عُثْمَان , عَنْ مُجَاهِد . عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . * - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ خُصَيْف , عَنْ عِكْرِمَة وَسَعِيد بْن جُبَيْر , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوّ اللَّه وَعَدُوّكُمْ } قَالَ : تُخْزُونَ بِهِ عَدُوّ اللَّه وَعَدُوّكُمْ . وَكَذَا كَانَ يَقْرَأ بِهَا تُرْهِبُونَ . * - حَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا عَبْد الْعَزِيز , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ عُثْمَان بْن الْمُغِيرَة وَخُصَيْف , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ اِبْن عَبَّاس : { تُرْهِبُونَ بِهِ } تُخْزُونَ بِهِ . * - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق , قَالَ : ثنا أَبُو أَحْمَد , قَالَ : ثنا إِسْرَائِيل , عَنْ خُصَيْف , عَنْ عِكْرِمَة , عَنْ اِبْن عَبَّاس , مِثْله . يُقَال مِنْهُ : أَرْهَبْت الْعَدُوّ وَرَهَّبْته , فَأَنَا أُرْهِبهُ وَأُرَهِّبهُ إِرْهَابًا وَتَرْهِيبًا , وَهُوَ الرَّهَب وَالرُّهْب , وَمِنْهُ قَوْل طُفَيْل الْغَنَوِيّ : وَيْل أُمّ حَيّ دَفَعْتُمْ فِي نُحُورهمْ بَنِي كِلَاب غَدَاة الرُّعْب وَالرَّهَب
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَآخَرِينَ مِنْ دُونهمْ لَا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّه يَعْلَمهُمْ } اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي هَؤُلَاءِ الْآخَرِينَ مَنْ هُمْ وَمَا هُمْ , فَقَالَ بَعْضهمْ : هُمْ بَنُو قُرَيْظَة . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12605 - حُدِّثْت عَنْ عَمَّار بْن الْحَسَن , قَالَ : ثنا اِبْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ وَرْقَاء , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَآخَرِينَ مِنْ دُونهمْ } يَعْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَة . * - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { وَآخَرِينَ مِنْ دُونهمْ } قَالَ : قُرَيْظَة . وَقَالَ آخَرُونَ : مِنْ فَارِس . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12606 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ : { وَآخَرِينَ مِنْ دُونهمْ لَا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّه يَعْلَمهُمْ } هَؤُلَاءِ أَهْل فَارِس . وَقَالَ آخَرُونَ : هُمْ كُلّ عَدُوّ لِلْمُسْلِمِينَ غَيْر الَّذِي أَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُشَرَّد بِهِمْ مَنْ خَلْفهمْ . قَالُوا : وَهُمْ الْمُنَافِقُونَ . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12607 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد فِي قَوْل اللَّه : { فَإِمَّا تَثْقَفَنهُمْ فِي الْحَرْب فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفهمْ } قَالَ : أَخِفْهُمْ بِهِمْ لِمَا تَصْنَع بِهَؤُلَاءِ . وَقَرَأَ : { وَآخَرِينَ مِنْ دُونهمْ لَا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّه يَعْلَمهُمْ } . 12608 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { وَآخَرِينَ مِنْ دُونهمْ لَا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّه يَعْلَمهُمْ } قَالَ : هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ لَا تَعْلَمُونَهُمْ لِأَنَّهُمْ مَعَكُمْ يَقُولُونَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَيَغْزُونَ مَعَكُمْ . وَقَالَ آخَرُونَ : هُمْ قَوْم مِنْ الْجِنّ . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَال : إِنَّ اللَّه أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِإِعْدَادِ الْجِهَاد وَآلَة الْحَرْب وَمَا يَتَقَوَّوْنَ بِهِ عَلَى جِهَاد عَدُوّهُ وَعَدُوّهُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ السِّلَاح وَالرَّمْي وَغَيْر ذَلِكَ وَرِبَاط الْخَيْل . وَلَا وَجْه لِأَنْ يُقَال : عُنِيَ بِالْقُوَّةِ مَعْنًى دُون مَعْنًى مِنْ مَعَانِي الْقُوَّة , وَقَدْ عَمَّ اللَّه الْأَمْر بِهَا . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَإِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَدْ بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ مُرَاد بِهِ الْخُصُوص بِقَوْلِهِ : " أَلَا إِنَّ الْقُوَّة الرَّمْي " . قِيلَ لَهُ : إِنَّ الْخَبَر وَإِنْ كَانَ قَدْ جَاءَ بِذَلِكَ فَلَيْسَ فِي الْخَبَر مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ مُرَاد بِهَا الرَّمْي خَاصَّة دُون سَائِر مَعَانِي الْقُوَّة عَلَيْهِمْ , فَإِنَّ الرَّمْي أَحَد مَعَانِي الْقُوَّة , لِأَنَّهُ إِنَّمَا قِيلَ فِي الْخَبَر : " أَلَا إِنَّ الْقُوَّة الرَّمْي " وَلَمْ يَقُلْ دُون غَيْرهَا . وَمِنْ الْقُوَّة أَيْضًا السَّيْف وَالرُّمْح وَالْحَرْبَة , وَكُلّ مَا كَانَ مَعُونَة عَلَى قِتَال الْمُشْرِكِينَ , كَمَعُونَةِ الرَّمْي أَوْ أَبْلِغْ مِنْ الرَّمْي فِيهِمْ وَفِي النِّكَايَة مِنْهُمْ , هَذَا مَعَ وَهْي سَنَد الْخَبَر بِذَلِكَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَأَمَّا قَوْله : { وَآخَرِينَ مِنْ دُونهمْ لَا تَعْلَمُونَهُمْ } فَإِنَّ قَوْل مَنْ قَالَ : عُنِيَ بِهِ الْجِنّ , أَقْرَب وَأَشْبَه بِالصَّوَابِ ; لِأَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ أَدْخَلَ بِقَوْلِهِ : { وَمِنْ رِبَاط الْخَيْل تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوّ اللَّه وَعَدُوّكُمْ } الْأَمْر بِارْتِبَاطِ الْخَيْل لِإِرْهَابِ كُلّ عَدُوّ لِلَّهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَعْلَمُونَهُمْ , وَلَا شَكّ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانُوا عَالِمِينَ بِعَدَاوَةِ قُرَيْظَة وَفَارِس لَهُمْ , لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ وَأَنَّهُمْ لَهُمْ حَرْب , وَلَا مَعْنَى لِأَنْ يُقَال : وَهُمْ يَعْلَمُونَهُمْ لَهُمْ أَعْدَاء , وَآخَرِينَ مِنْ دُونهمْ لَا تَعْلَمُونَهُمْ ; وَلَكِنْ مَعْنَى ذَلِكَ : إِنْ شَاءَ اللَّه تُرْهِبُونَ بِارْتِبَاطِكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْخَيْل عَدُوّ اللَّه وَأَعْدَاءَكُمْ مِنْ بَنِي آدَم الَّذِينَ قَدْ عَلِمْتُمْ عَدَاوَتهمْ لَكُمْ لِكُفْرِهِمْ بِاَللَّهِ وَرَسُوله , وَتُرْهِبُونَ بِذَلِكَ جِنْسًا آخَر مِنْ غَيْر بَنِي آدَم لَا تَعْلَمُونَ أَمَاكِنهمْ وَأَحْوَالهمْ اللَّه يَعْلَمهُمْ دُونكُمْ , لِأَنَّ بَنِي آدَم لَا يَرَوْنَهُمْ . وَقِيلَ : إِنَّ صَهِيل الْخَيْل يُرْهِب الْجِنّ , وَإِنَّ الْجِنّ لَا تَقْرَب دَارًا فِيهَا فَرَس . فَإِنْ قَالَ قَائِل : فَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانُوا لَا يَعْلَمُونَ مَا عَلَيْهِ الْمُنَافِقُونَ , فَمَا تُنْكِر أَنْ يَكُون عُنِيَ بِذَلِكَ الْمُنَافِقُونَ ؟ قِيلَ : فَإِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَمْ يَكُنْ تَرُوعهُمْ خَيْل الْمُسْلِمِينَ وَلَا سِلَاحهمْ , وَإِنَّمَا كَانَ يَرُوعهُمْ أَنْ يَظْهَر الْمُسْلِمُونَ عَلَى سَرَائِرهمْ الَّتِي كَانُوا يَسْتَسِرُّونَ مِنْ الْكُفْر , وَإِنَّمَا أُمِرَ الْمُؤْمِنُونَ بِإِعْدَادِ الْقُوَّة لِإِرْهَابِ الْعَدُوّ , فَأَمَّا مَنْ لَمْ يُرْهِبهُ ذَلِكَ فَغَيْر دَاخِل فِي مَعْنَى مَنْ أُمِرَ بِإِعْدَادِ ذَلِكَ لَهُ الْمُؤْمِنُونَ , وَقِيلَ : " لَا تَعْلَمُونَهُمْ " , فَاكْتُفِيَ لِلْعِلْمِ بِمَنْصُوبٍ وَاحِد فِي هَذَا الْمَوْضِع , لِأَنَّهُ أُرِيدَ لَا تَعْرِفُونَهُمْ , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : فَإِنَّ اللَّه يَعْلَمنِي وَوَهْبًا وَأَنَّا سَوْفَ يَلْقَاهُ كِلَانَا
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْء فِي سَبِيل اللَّه يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمَا أَنْفَقْتُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنْ نَفَقَة فِي شِرَاء آلَة حَرْب مِنْ سِلَاح أَوْ حِرَاب أَوْ كُرَاع أَوْ غَيْر ذَلِكَ مِنْ النَّفَقَات فِي جِهَاد أَعْدَاء اللَّه مِنْ الْمُشْرِكِينَ يُخْلِفهُ اللَّه عَلَيْكُمْ فِي الدُّنْيَا , وَيَدَّخِر لَكُمْ أُجُوركُمْ عَلَى ذَلِكَ عِنْده , حَتَّى يُوَفِّيكُمُوهَا يَوْم الْقِيَامَة . { وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ } يَقُول : يَفْعَل ذَلِكَ بِكُمْ رَبّكُمْ فَلَا يُضِيع أُجُوركُمْ عَلَيْهِ . وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 12609 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْء فِي سَبِيل اللَّه يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ } أَيْ لَا يُضِيع لَكُمْ عِنْد اللَّه أَجْره فِي الْآخِرَة وَعَاجِل خَلَفه فِي الدُّنْيَا .